فقه الصادق المجلد 18

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه الذي أوجب الحَجّ تشيّيداً للدِّين، وجَعَله من القواعد التي عليها بناء الإسلام، والصّلاة على محمّدٍ المبعوث إلى كافّة الأنام، وعلى آله هُداة الخلق، وأعلام الحَقّ ، واللّعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدِّين.

وبعدُ، فهذا هو الجزء الثامن عشر من كتابنا «فقه الصادق»، وقد وفّقني اللّه سبحانه لطبعه، راجياً منه تعالى التوفيق لنشر بقيّة الأجزاء، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الفصل الثالث: في الوقوف بالمشعر.

إذا غربت الشمس من يوم عرفة، أفاض إلى المشعر، ويستحبُّ أن يقتصد في المسير، ويدعو عند الكُثيب الأحمر

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر

وهو ثالث أفعال الحَجّ ، ويُقال للمشعر المزدلفة، كما صرّح به في بعض النصوص، كما أنّه يُقال له: الجمع كما في جملةٍ من الأخبار.

أقول: والكلام فيه يقع في أبحاث:

1 - إمّا في مقدّماته.

2 - أو في كيفيّته.

3 - أو في أحكامه.

البحث الأوّل: في مقدّماته (و) هي اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه (إذا غربت الشمس من يوم عرفة أفاض) الحاجّ من عرفات (إلى المشعر)، وهو واجبٌ إن قلنا بوجوب مقدّمة الواجب، (ويستحبُّ أن يقتصد في المسير) إلى المشعر ويفيض بالاستغفار.

(و) الأمر الثاني: أن (يدعو عند الكُثيب الأحمر)، ففي صحيح معاوية بن عمّار:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا غربت الشمس، فأفض مع النّاس، وعليك السّكينة والوقار، وأفض من حيث أفاض النّاس، واستغفر اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيم، فإذا

ص: 7

ويؤخّر العشاءين حتّى يُصلّيهما فيه ولو صار رُبع اللّيل.

انتهيت إلى الكُثيّب الأحمر عن يمين الطريق، فقُل: اللّهُمَّ ارحم موقفي، وزد في عملي، وسَلّم لي ديني، وتقبّل مناسكي. وإيّاك والوجيف الذي يصنعه كثيرٌ من النّاس، فإنّه بلَغَنا أنّ الحَجّ ليس بوجفِ الخيل ولا إيضاع الإبل، ولكن اتّقوا اللّه وسيروا سيراًجميلاً، ولاتوطئواضعيفاً ولاتوطئوا مُسلماً، اقتصدوافي السَّير، فإنّرسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقف بناقته حتّى كان يصيب رأسها مقدّم الرّحل، ويقول: أيّها النّاس عليكم بالدَّعة، فسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله تُتبّع».

قال معاوية بن عمّار: «وسمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: اللّهُمَّ أعتقني من النار، يكرّرها حتّى أفاض النّاس.

قلت: ألا تفيض قد أفاض النّاس ؟

قال: إنّي أخافُ الزّحام وأخاف أن أشرك في عنت إنسان»(1).

الوجيف والإيضاع كلاهما بمعنى: الإسراع، والكُثيّب الأحمر هو التلّ من الرّمل عن يمين الطريق.

(و) الأمر الثالث: أن (يؤخّر العشاءين حتّى يصلّيهما فيه ولو صار ربع اللّيل) بلا خلافٍ ، بل ثُلثه، بل عن «المنتهى » دعوى الإجماع عليه، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«لا تصلِّ المغرب حتّى تأتي جمعاً، فصلِّ بها المغرب والعشاء الآخرة8.

ص: 8


1- وسائل الشيعة: ج 14/5، ح 18448.

بإذان وإقامتين»(1).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال: «لا تصلِّ المغرب حتّى تأتي جمعاً وإن ذهب ثُلث اللّيل»(2).

3 - وصحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «صلاة المغرب والعشاء بجُمَع بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولا تصلِّ بينهما شيئاً»(3)، ونحوها غيرها.

أقول: وظاهرها وإنْ كان وجوب التأخير إلى المشعر، كما عن ظاهر الشيخ في «الخلاف» و «النهاية»، والعُمّاني وابن زُهرة، إلّاأنّه يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة جملةٍ اُخرى من النصوص صريحة في ذلك:

منها: صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا بأس أن يُصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة»(4).

ومنها: صحيح محمّد، عنه عليه السلام، قال: «عَثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة، فنزل فصلّى المغرب، وصلّى العشاء بالمزدلفة»(5).

وربما يجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على صورة الاضطرار، وهو لا وجه له، بخلاف ما ذكرناه من الجمع.

ثمّ إنّي لم أعثر على رواية متعرّضة لخصوص الرّبع، بل في بعض النصوص التحديد بالثُّلث، وبعضها مطلق، مصرّح بأنّه (وإن مضى من اللّيل ما مضى ).5.

ص: 9


1- وسائل الشيعة: ج 14/14، ح 18468.
2- وسائل الشيعة: ج 14/12، ح 18462.
3- وسائل الشيعة: ج 14/15، ح 18470.
4- وسائل الشيعة: ج 14/12، ح 18464.
5- وسائل الشيعة: ج 14/12، ح 18465.

ويجمع بينهما بأذان وإقامتين

وعن «كشف اللِّثام»: (ولعلّ من اقتصر على الرّبع، نظر إلى أخبار توقيت المغرب بالرّبع، وحَمل الثُّلث على أن يكون بعد الفراغ من العشاء عنده).

وفيه: أنّ المصنّف ممّن لا يرى ذلك، وقد صرّح ببقاء وقت العشاءين إلى انتصاف اللّيل.

(و) يستحبُّ أيضاً أن (يجمع بينهما بأذانٍ وإقامتين) من غير نوافل بينهما، كما يشهد به النصوص كصحيح منصور المتقدّم ونحوه غيره.

وأمّا ما في صحيح أبان: «صلّيتُ خَلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة، فقام فصلّى المغرب ثمّ صلّى العشاء الآخرة، ولم يركع فيما بينهما، ثمّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات»(1)، فمحمولٌ على إرادة بيان الجواز.

***2.

ص: 10


1- وسائل الشيعة: ج 14/15، ح 18472.

وتجبُ فيه النيّة، والكون فيه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس

اعتبار النيّة في الوقوف

البحث الثاني: في كيفيّته.

قال المصنّف رحمه الله: (و يجب فيه النيّة) بمعنى الإرادة المحرّكة للعضلات نحو الفعل، وكون ذلك عن داعٍ قُربي؛ لأنّه من العبادات، واعتبار ذلك فيها من الواضحات الثابتة بالأدلّة، وقد مرّ تفصيل ذلك في الإحرام، كما أنّه ظهر ممّا ذكرناه هناك أنّه لا يعتبر الإخطار، بل يكفي الدّاعي الموجود في النفس.

وهل يعتبر قصد كون وقوفه لحَجّة الإسلام أو غيرها كما في «التذكرة»، أم لا؟

جهان مبنيّان على كون ذلك من قبيل عنوان الظُهريّة والعَصريّة من العناوين القصديّة الدخيلة في المأمور به أم لا؟ وحيث أنّ الأظهر في المبنى هو الثاني؛ للأصل وللنصوص الدالّة على أنّ من وقف بالمزدلفة، وصلّى فيها، وذكر اللّه يحصل الواجب، وإن جهل بكون الموقف هو المزدلفة، فالحقّ عدم اعتباره.

(و) يعتبر أيضاً (الكون فيه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) للرّجل المختار غير ذي العُذر كما هو المشهور.

وعن «المدارك»، و «المفاتيح»، و «كشف اللِّثام» دعوى الإجماع عليه.

وعن «الدروس»: (أنّ وقت الاختيار ليلة النحر إلى طلوع الشمس).

ونسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر نظراً إلى حكمهم بجبره الإفاضة قبل الفجر بدم

ص: 11

شاة فقط، وبحكمهم بصحّة الحَجّ لو أفاض قبله.

ولكن حيث أنّ الجبر بالدّم قرينةٌ على عدم الجواز، ولا أقلّ من عدم الدلالة عليه، وصحّة الحَجّ لو أفاض قبله دليلٌ عدم كونه بالخصوص ركناً لا عدم وجوبه، مع أنّ في الصحّة كلاماً سيأتي، فالظاهر عدم قولهم بما ذُكر. ولنِعْمَ ما أفاده بعض المحقّقين، قال:

(ويشبه أن يكون النزاع لفظيّاً، فيكون مراد مَن جَعَل ما بين الطلوعين خاصّة الوقت الاختياري، ما يحرم ترك الوقوف فيه، ومن ضَمّ معه قبل الفجر أراد ما يوجب تركه عمداً بطلان الحَجّ ) انتهى .

أقول: وكيف كان، فيشهد للأوّل:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «أصبح على طهر بعدما تصلّي الفجر، فقف إنْ شئتَ قريباً من الجبل، وإنْ شئتَ حيثُ شئتَ ، فإذا وقفتَ فأحمِد اللّه عزّ وجلّ ، وأثنِ عليه، واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه...

إلى أن قال: ثمّ أفض حيث يشرق لك ثبير، وترى الإبل مواضع أخفافها»(1).

2 - ومرسل جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا بأس أن يفيض الرّجل بليلٍ إذا كان خائفاً»(2).

فإنّ مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكن خائفاً، وهو دليل الحرمة، لكن غاية ما يدلّ عليه لزوم الوقوف بعد طلوع الفجر، ولا يدلّ على أنّ منتهاه طلوع الشمس.

واستدلّ في «الحدائق» على امتداده إلى طلوع الشمس: بالأخبار الدالّة على4.

ص: 12


1- وسائل الشيعة: ج 14/20، ح 18489.
2- وسائل الشيعة: ج 14/28، ح 18504.

أنّ من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحَجّ ، ومن لم يدركه في ذلك الوقت فقد فاته الحَجّ (1).

وقد استدلّ للقول الآخر:

1 - بصحيح هشام بن سالم وغيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه قال: «في التقدّم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس، لا بأس به.

والتقدّم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار، ويصلّون الفجر في منازلهم، بمنى لا بأس به»(2).

2 - وبحسن مسمع، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «في رجلٍ وقف مع النّاس بجُمع ثمّ أفاض قبل أن يفيض النّاس ؟

قال عليه السلام: إنْ كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإنْ كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»(3).

إذ لو وجب الوقوف بعد الفجر لما سكت عن أمره بالرجوع.

3 - وبالأخبار الآتية الدالّة على أنّ من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحَجّ .

4 - وبخبر عليّ بن عطيّة، قال: «أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام بن عبد الملك الكوفي، فكان هشام خائفاً، فانتهينا إلى جَمرة العَقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أيّ شيء أحدثنا في حَجّنا؟! فنحن كذلك إذ لقينا أبو الحسن موسى عليه السلام قد3.

ص: 13


1- وسائل الشيعة: ج 14/37، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- وسائل الشيعة: ج 14/30، ح 18511.
3- وسائل الشيعة: ج 14/27، ح 18503.

ولو فاته لضرورةٍ فإلى الزّوال

رَمى الجمار وانصرف، فطابت نفس هشام»(1).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه مطلقٌ قابلٌ للحمل على ذي العذر، فالجمع بينه وبين ما تقدّم يقتضي ذلك.

ويرد على الثاني: أنّ السكوت ليس دليل عدم الوجوب، ولذا سكت في نصوص الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس عن الأمر بالعود.

ويرد على الثالث: أنّ تلك الأخبار لا تنافي وجوب غير ذلك معه.

وأمّا الرابع: فهو قضيّة في واقعة، ولعلّه عليه السلام كان معذوراً. هذا كلّه للرّجل المتمكّن المختار.

إجزاء الوقوف بالمشعر نهاراً

قال المصنّف رحمه الله: (ولو فاته) الوقوف بين الطلوعين (لضرورةٍ ف) من طلوع الشمس (إلى الزّوال) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع كما ادّعاه غير واحد.

ويشهد له: جملة من النصوص:

منها: صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأتِ جمعاً، وليقف بها، وإنْ كان قد وجد النّاس قد أفاضوا من جمع»(2).

ص: 14


1- وسائل الشيعة: ج 14/71، ح 18616.
2- وسائل الشيعة: ج 14/34، ح 18521.

ومنها: موثّق يونس، عنه عليه السلام: «في رجلٍ أفاض من عرفات فمرَّ بالمشعر فلم يقف حتّى انتهى إلى منى، فرمى الجمرة ولم يعلم حتّى ارتفع النهار؟

قال عليه السلام: يرجع إلى المشعر فيقف به ثمّيرجع ويرمي الجمرة»(1). ونحوهما غيرهما.

وهي وإن لم يُحدّد المنتهى فيها بزوال الشمس، إلّاأنّه يشهد لذلك النصوص الدالّة على أنّ من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحَجّ :

منها: صحيح جميل، عن مولانا الصادق عليه السلام: «من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحَجّ »(2). الحديث.

ومنها: موثّق إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام في مَن أدرك الموقفين، قال: «إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر، فقد أدرك الحَجّ »(3). الحديث.

ونحوهما غيرهما.

وعن السيّد رحمه الله: (امتداد هذا الوقت الاضطراري إلى غروب الشمس) وإنْ كان المصنّف رحمه الله ينكره، واستدلّ له بإطلاق ما دلّ على أنّ : «من أدرك المشعر فقد أدرك الحَجّ ».

ولكن يرد عليه: أنّ المراد به من أدركه في الوقت المحدّد له لا مطلقاً كما هو واضح، والكلام الآن فيه.

ثمّ إنّ للوقوف بالمشعر وقتاً اضطراريّاً آخر مشوباً بالاختياري، وهو ليلة النحر إلى طلوع الشمس، وهي وقت للمرأة ولذي العُذر، بلا خلافٍ .3.

ص: 15


1- وسائل الشيعة: ج 14/35، ح 18523.
2- وسائل الشيعة: ج 14/40، ح 18535.
3- وسائل الشيعة: ج 14/39، ح 18533.

وفي «المنتهى »: (وهو قولُ كلّ من يُحفظ عنه العلم). انتهى .

أقول: ويشهد به:

1 - مرسل جميل المتقدّم: «لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفاً».

2 - وصحيح سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جُعِلتُ فداك! معنا نساء فاُفيض بهُنَّ بليل ؟ فقال عليه السلام: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قلت: نعم. قال: أفض بهنّ بليل ولا تفض بهنّ حتّى تقف بهنّ بجمع، ثمّ أفض بهنّ حتّى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة»(1). الحديث.

3 - وصحيح أبي بصير، عنه عليه السلام، قال: «رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله للنساء والصبيان أن يفيضوا من جُمَع بليل، وأن يرموا الجار بليل، وأن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإنْ خفن الحيض مضين إلى مكّة، ووكلن من يضحّي عنهنّ »(2).

4 - وخبر عليّ بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: «أيّ امرأةٍ أو رجلٍ خائفٍ أفاض من المشعر ليلاً فلا بأس فليرم الجمرة»(3). الحديث.

5 - وصحيح هشام المتقدّم: «والتقدّم من مزدلفة إليمني يرمون الجمار ويصلّون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس؛ فإنّ المتيقّن منه المحمول عليه النساء وذو العذر...».

إلى غير ذلك من الأخبار، وقد صرّح في هذه النصوص بالنساء والضعفاء والصبيان والرجل الخائف، وعليه فاستفادة حكم كلّ ذي عُذرٍ واضحة؛ لصدق الضعيف عليه، مضافاً إلى أنّه من التصريح بهؤلاء، بضميمة إرسال رسول اللّه صلى الله عليه و آله7.

ص: 16


1- وسائل الشيعة: ج 14/28، ح 18505.
2- وسائل الشيعة: ج 14/28، ح 18506.
3- وسائل الشيعة: ج 14/29، ح 18507.

اُسامة مع النساء - كما في ذيل صحيح أبي بصير - يستفاد كبرى كليّة، أضف إلى ذلك كلّه إطلاق صحيح هشام؛ فإنّ المتيقّن خروج الرجل غير ذي العُذر منه، فيبقى الباقي، فلا إشكال في الحكم.

***

ص: 17

ولو أفاض قبل الفجر عالماً عامداً، كفّر بشاةٍ ، وصحَّ حجّه إنْ كان وقف بعرفات ويجوز للمرأة والخائف الإفاضة قبله.

حكم من أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر

وتمام الكلام في هذه المسألة يتحقّق بالتعرّض لفروع:

الفرع الأوّل: إنّ غير ذي العُذر من الرِّجال لا يجوز له الإفاضة من المشعر قبل طلوع الفجر، لكون الوقوف بعده واجباً عليه، ولذا قال المصنّف رحمه الله: (ولو أفاض قبل الفجر عالماً عامداً كفّر بشاة، وصحّ حجّه إنْ كان وقف بعرفات) كما هو المشهور بين الأصحاب.

وفي «الجواهر»: (شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً).

ويشهد به حسن مسمع المتقدّم: «في رجلٍ وقف على النّاس بجمع ثمّ أفاض قبل أن يفيض النّاس ؟

فقال عليه السلام: إنْ كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإنْ كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة».

ودلالة الخبر على لزوم الشاة واضحة، وأمّا صحّة حَجّه والتقيّيد بأن يقف بعرفات، فسيأتي الكلام فيهما في الأحكام في المسألة الاُولى.

(و) قد عرفت أنّه (يجوز للمرأة والخائف الإفاضة قبله) ولا شيء عليهما.

عدم وجوب استيعاب زمان الوقوف

الفرع الثاني: قد عرفت أنّ للوقوف بالمشعر أوقاتاً ثلاثة:

الاختياري، والاضطراري، والاختياري المشوب بالاضطراري.

ص: 18

والواجب من كلِّ منها المسمّى، ولا يجب الاستيعاب.

أمّا في الأوّل: فهو المشهور بين الأصحاب، وعن «التذكرة» دعوى الإجماع عليه، وعن الصدوقين والمفيد والسيّد وغيرهم وجوب الوقوف إلى طلوع الشمس.

وعن بعضهم وجوبه من طلوع الفجر.

يشهد للأوّل:

1 - إطلاق الأمر بالوقوف في صحيح ابن عمّار المتقدّم، المتحقّق بالمسمّى .

2 - وصحيح هشام بن الحكم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «من أدرك المِشعر الحرام وعليه خمسة من النّاس فقد أدرك الحَجّ »(1).

فإنّه كناية عن بقاء قليل من الوقت، ونحوه غيره.

3 - ومرسل جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «ينبغي للإمام أن يقف بجُمع حتّى تطلع الشمس، وسائر النّاس إنْ شاؤوا عجّلوا، وإنْ شاؤوا أخّروا»(2).

4 - والنصوص الدالّة على أنّ من صلّى بالمشعر أجزأه.

واستدلّ للقول الثاني: بالأمر بالإفاضة حين يشرق لك ثبير في صحيح ابن عمّار المتقدّم.

وبصحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا تجاوز وادي محسَّر حتّى تطلع الشمس»(3).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه قد وردت نصوص كثيرة دالّة على أنّ الإفاضة قبل9.

ص: 19


1- وسائل الشيعة: ج 14/40، ح 18537.
2- وسائل الشيعة: ج 14/26، ح 18501.
3- وسائل الشيعة: ج 14/25، ح 18499.

طلوع الشمس بقليل أحبّ كموثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال:

«سألته أيّ ساعة أحبّ إليك أن اُفيض من جمع ؟

قال عليه السلام: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحبّ الساعات إليَّ .

قلت: فإن مكثنا حتّى تطلع الشمس ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(1). ونحوه غيره.

وعليه، فيحمل الصحيح على إرادة الإسفار من الإشراق، لو لم يكن بنفسه ظاهراً فيه، بقرينة قوله: «حين ترى الإبل أخفافها».

ويرد الثاني: أنّ وادي محسَّر من حدود المشعر لا منه، وعدم التجاوز عنه أعمّ من عدم الإفاضة من المشعر، مع أنّه لا يمنع عن عدم الإفاضة من المشعر بنحوٍ لا يستلزم التجاوز عن ذلك الوادي.

وعن جماعةٍوجوب الوقوف إليه على الإمام خاصّة أي أمير الحاجّ ، واستدلّوا له بما تقدّم، وبخبر جميل المتقدّم: «ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتّى تطلع الشمس».

أقول: وما تقدّم قد مرّ ما فيه، وخبر جميل لا ظهور له في الوجوب كما لا يخفى ، لو لم يكن ظاهراً في الفضل.

وأمّا القول الثالث: فلم يذكر له وجهٌ ، بل الأمر بالوقوف في صحيح ابن عمّار بعد صلاة الفجر يشهد بخلافه، كما أنّ الأصل ينفيه.

وأمّا الوقت الثالث: فكفاية مسمّى الوقوف فيه إجماعيّة، وقوله عليه السلام في صحيح أبي بصير: «فيفيض عند المشعر الحرام ساعة». وتصريح جميع نصوصه بالإفاضة ليلاً ورمي الجمار فيه شاهدان به.8.

ص: 20


1- وسائل الشيعة: ج 14/25، ح 18498.

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلأنّه يعمّ أيّ وقتٍ من اللّيل أراد، وما في بعضها من التأخّر عن زوال اللّيل؛ لعدم القائل بوجوبه، يُحمل على الندب.

وأمّا الثاني، فالظاهر أنّه لا خلاف في كفاية مسمّى الوقوف فيه أيضاً، ويشهد به قوله عليه السلام في صحيح العطّار: «فليقف قليلاً بالمِشعر الحرام»(1).

عدم وجوب المبيت بالمشعر

الفرع الثالث: هل يجب المبيت بالمشعر كما نسبه في «الجواهر» إلى ظاهرالأكثر؟

أم لا يجب كما عن جماعةٍ من المحقّقين، منهم المحقّق والمصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبهما؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة»(2).

2 - وبصحيح ابن عمّار، عنه عليه السلام: «أصبح على طهر بعدما تصلّي الفجر»(3)، بدعوى أنّه ظاهر في المفروغيّة عن المبيت.

3 - وبخبر عبد الحميد، عنه عليه السلام، قال: «سُمّي الأبطح أبطَح لأنّ آدم عليه السلام أمر أن يبتطح في بطحاء جُمَع، فتبطّح حتّى انفجر الصبح»(4).

ص: 21


1- وسائل الشيعة: ج 14/44، ح 18549.
2- وسائل الشيعة: ج 14/19، ح 18488.
3- وسائل الشيعة: ج 14/20، ح 18489.
4- وسائل الشيعة: ج 14/11، ح 18461.

وحَدّ المِشعر ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسَّر

4 - وبمفهوم مرسل جميل المتقدّم: «لابأس أن يفيض الرّجل بليلٍ إذا كان فائضاً».

5 - وبما دلّ على ثبوت الدّم على من أفاض قبل الفجر.

6 - وبالتأسّي(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ عدم التجاوز عن الحياض أعمٌّ من المبيت في المزدلفة؛ لإمكان التقدّم عليها، مع أنّ الصحيح مصدَّرٌ بقوله عليه السلام: «ويستحبّ للصرورة أن يقف على المشعر، ويطأه برجله، ولا يجاوز... إلى آخره»، فيمكن أن يكون قوله: (ولا يجاوز) عطفاً على قوله: (يقف)، فيكون مستحبّاً.

وأمّا الثاني: فلأنّه يلائم مع رجحان المبيت أيضاً، وبه يظهر ما في الثالث.

وأمّا الرابع: فلأنّ عدم الإفاضة أعمٌّ من المبيت فيه، فيقدّم فيه لدرك الوقت الاختياري.

وأمّا الخامس: فلأنّ الظاهر كون الدّم لترك الوقوف الاختياري.

وأمّا السادس: فلأنّه لا يمكن إثبات أكثر من الاستحباب به، وعليه فالأظهر هو عدم الوقوف؛ للأصل.

الفرع الرابع: (وَحدّ المِشعر ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر) بلا خلافٍ ، والنصوص شاهدة به، وقد عقد في «الوسائل» باباً لذلك، وذكر فيه جملة من النصوص(2).8.

ص: 22


1- وسائل الشيعة: ج 14/28، ح 18504.
2- وسائل الشيعة: ج 14/17، الباب 8.

وهذا الوقوف ركنٌ مَن تركه ليلاً ونهاراً عمداً بطل حجّه، ولو كان ناسياً وأدرك عرفات صحَّ حجّه.

الفرع الخامس: قد مرّ أنّ (هذا الوقوف ركنٌ ، فمَن تركه ليلاً ونهاراً عمداً بطلَ حجّه، ولو كان ناسياً وأدرك عرفات صحَّ حجّه) وسيأتي تمام الكلام في ذلك وحكم جميع الصُّور.

***

ص: 23

مسائل:

الاُولى: وقت الوقوف الاختياري بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، والاضطراري إلى الفجر، ووقت الوقوف الاختياري بالمِشعر من طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع الشمس، والاضطراري إلى الزّوال.

أوقات الاختيار والاضطرار للموقفين

البحث الثالث: في جملةٍ من الأحكام غير ما مرّ في ضمن البحثين السابقين.

وفيه (مسائل):

المسألة (الاُولى ): قد ظهر ممّا ذكرناه أنّ أوقات الوقوفين خمسة:

1 - (وقت الوقوف الاختياري بعرفات)، وهو (من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها).

2 - (و) وقته (الاضطراري)، وهو من غروب شمس عرفة (إلى ) طلوع (الفجر) من يوم النحر.

3 - (و وقت الوقوف الاختياري بالمشعر)، وهو (من طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع الشمس).

4 - ووقت الاختياري المشوب بالاضطراري، وهو اضطراري عرفة.

5 - (و) وقت (الاضطراري) المحض، وهو من طلوع شمس يوم النحر (إلى الزّوال).

وقد مرّ أنّه لو ترك الوقوفين جميعاً، فقد بطل حجّه، من غير فرقٍ بين كونه عن علمٍ أو جهلٍ أو نسيان، وعليه إجماع علماء الإسلام.

ص: 24

ولو أدرك شيئاً من الوقوفين ففيه صُور خمس:

منها: مفردة، وهي اختياري عرفة واضطراريها، واختياري المشعر المحض، واختياريّة المشوب بالاضطراري، والاضطراري المحض.

ومنها: ستّ اُخري مركّبة من هذه الأقسام الخمسة: الاختياريّان، والاضطراريّان، واختياري كلّ منهما مع اضطراري الآخر، واختياري عرفة مع اختياري المشوب للمشعر، واضطراريها معه.

ونذكر بعون اللّه تعاليحكم كلّ من الصُّور مستقلّاًمن حيث صحّة الحَجّ وعدمها.

حكم من أدرك اختياري عرفة خاصّة

الصورة الاُولى : ما لو أدرك اختياري عرفة خاصّة، وفيها أقوال:

القول الأوّل: صحّة الحَجّ . ذهب إليها المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه، والمحقّق والشهيدان وغيرهم، بل نُسب إلى المشهور، بل عن ثاني الشهيدين: نفي الخلاف فيها، وعن «المفاتيح» عن بعضهم الإجماع عليها.

القول الثاني: بطلان الحَجّ ، كما عن «المنتهى » و «المدارك» و «المفاتيح».

القول الثالث: التفصيل بين العامدالعالم فالثاني، والجاهل والناسي والمضطرّ فالأوّل.

أقول: ولا يبعد خروج العالم العامد عن محلّ الكلام، وعدم التزام أحدٍ من القائلين بالصحّة بصحّة حجّ العالم العامد، وعليه ففي المسألة قولان.

وكيف كان، فقد استدلّ للأوّل:

1 - بالنبويّ المشهور: «الحَجُّ عَرفة»(1).

ص: 25


1- مستدرك الوسائل: الباب 18 من أبواب إحرام الحَجّ ، ح 3.

2 - وبحسن ابن اُذينة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن قول اللّه عزّوجلّ :

«اَلْحَجِّ اَلْأَكْبَرِ» (1) ؟ فقال عليه السلام: الحَجّ الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار...

الحديث»(2).

3 - وبصحيح ابن أبي عُمير، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أنّه قال في رجلٍ لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتّى أتى منى؟

قال عليه السلام: ألم يرَ النّاس ؟ ألم يذكر منى حين دخلها؟

قلت: فإنّه جهل ذلك. قال عليه السلام: يرجع. قلت: إنّ ذلك قد فاته. قال عليه السلام: لا بأس به»(3). ونحوه خبره الآخر.

4 - وبصحيح علي بن رئاب، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «من أفاض مع النّاس من عرفات، فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمّداً أو مستخفّاً فعليه بدنة»(4). ونحوه صحيح حريز(5).

أقول: إنّ بعض هذه الوجوه غير تامّ ؛ إذ يرد على الأوّل: أنّه غير مرويّ من طُرقنا، مع أنّه في مقام بيان أهميّة الحَجّ وإلّا فيبطل الحَجّ بترك جملة اُخرى من الأجزاء قطعاً، وبه يظهر ما في الثاني.

وأمّا الأخيران: فغاية ما يدلّان عليه ثبوت البدنة على من تركه، وهذا لا يستلزم صحّة الحَجّ ، وقد مرَّ في مبحث الكفّارات(4) أنّ بعض محرّمات الإحرام يوجب الكفّارة وبطلان الحَجّ .3.

ص: 26


1- سورة التوبة: الآية 3.
2- وسائل الشيعة: ج 13/550، ح 18416.
3- وسائل الشيعة: ج 14/47، ح 18555. (4و5) وسائل الشيعة: ج 14/48، ح 18557.
4- فقه الصادق: ج 16/223.

نعم، دلالة خبري الخثعمي تامّة، والمناقشة في سنديهما من جهة كونه عاميّاً بعد كون الراوي عنه ابن أبي عمير، وتوثيق النجاشي الخثعمي، في غير محلّها، وإن اختصّا بالجاهل إلّاأنّه يلحق به النّاسي والمضطرّ؛ لعدم القول بالفصل بينهما وبينه.

وقد استدلّ للقول الآخر:

1 - بالنصوص الدالّة على أنّ من أدرك جمعاً إمّا مطلقاً أو قبل زوال الشمس فقد أدرك الحَجّ (1).

2 - وبما دلّ من الأخبار على أنّ من أدرك جمعاً بعد طلوع الشمس، فقد فاته الحَجّ ، كخبري محمّد بن فضيل ومحمّد بن سنان(2).

3 - وبخبر الحلبيّين، عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، قال: «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحَجّ »(3).

أقول: ولكن الجميع، أعمّ من خبري الخثعمي المتقدّمين؛ لعمومها بالنسبة إلى الجاهل باختياري المشعر وغيره، واختصاصهما بالجاهل به، فيقيّد إطلاقها بهما.

وعليه، فالأظهر صحّة الحَجّ ، إلّافي صورة العلم والعمد، وفي تلك الصورة تجب البدنة والحَجّ من قابل.

الصورة الثانية: أن يُدرِك اضطراري عرفة:

فعن الشهيد رحمه الله في «الدروس»: أنّه غير مجزٍ قولاً واحداً، ونُقل الإجماع عليه عن غير واحدٍ.

وفيه: إنّ مقتضى خبري الخثعمي وإنْ كان الصحّة، إلّاأنّ تسالم الأصحاب9.

ص: 27


1- وسائل الشيعة: ج 14/37، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- وسائل الشيعة: ج 14/38، ح 18530 و 18531.
3- وسائل الشيعة: ج 14/38، ح 18529.

على البطلان يوجبُ البناء عليه، وترك العمل بالخبرين في المورد.

حكم من أدرك المشعر خاصّة

الصورة الثالثة: أن يُدرِك اختياري المِشعر خاصّة، فإنّه لا إشكال نصّاً وفتوىً في صحّة حجّه إنْ كان تركه الوقوف بعرفة غير عمدي، وإلّا فيبطل الحَجّ ، وقد تقدّم تفصيل القول فيه في أحكام الوقوف بعرفات.

الصورة الرابعة: أن يُدرِك المِشعر ليلاً:

فعن الشهيد الثاني رحمه الله القول بصحّة حجّه.

وعن «الذخيرة» البناء على البطلان.

و في «المستند»: (الظاهر عدم الإجزاء لمن ترك عرفة عمداً، والإجزاء لغيره مطلقاً).

أقول: يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: لو ترك عرفة عمداً، فقد يُقال: إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ (من أدرك مزدلفة فقد أدرك الحَجّ ) - كصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحَجّ »(1)، ونحوه غيره - صحّة حجّه، ومقتضى ما دلّ على نفي الحَجّ عن أصحاب الأراك، كخبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «إنّ أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حجّ لهم»(2). ونحوه غيره - بطلانه، والنسبة بين الطائفتين عمومٌ من وجه، وحيث أنّ المختار في تعارض العامّين من وجه هو الرجوع إلى أخبار الترجيح، فالمرجع حينئذٍ إليها، وهي تقتضي تقديم

ص: 28


1- وسائل الشيعة: ج 14/45، ح 18551.
2- وسائل الشيعة: ج 13/532، ح 18378.

نصوص الصحّة لموافقة أخبار البطلان للعامّة.

قال العلّامة في «التذكرة»: (وأمّا العامّة فقالوا: لو فاته الوقوف بعرفات فقد فاته الحَجّ مطلقاً سواء وقف بالمشعر أو لا) انتهى .

ولكن قد مرّ أنّه وقت للمرأة وذي العُذر، فالرّجل غير المعذور لا يكون ذلك وقتاً له، فلا يشمله إطلاق دليل الصحّة.

أقول: ويدلّ على البطلان - مضافاً إلى ذلك - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «عن الرجل يأتي بعدما يفيض النّاس من عرفات ؟

فقال: إنّ كان في مهل حتّى يأتي عرفات في ليلته، فيقف بها ثمّ يفيض فيدرك النّاس بالمشعر، قبل أن يفيضوا، فلا يتمّ حجّه حتّى يأتي عرفات من ليلته ليقف بها»(1)؛ فإنّه إذا كان ترك اضطراري عرفة عمداً موجباً للبطلان، فترك اختياريها أولى بذلك.

المورد الثاني: ما لو تركها عن غير عمد، وقد استدلّ لصحّة حجّه بصحيح الحلبي المتقدّم وغيره من النصوص الدالّة على أنّ من فاتته عرفة ووقف بالمشعر أو أقام به أو أدرك النّاس به تمّ حجّه(2). فإنّها بإطلاقها تشمل المقام، وهي أخصّ مطلق ممّا دلّ على نفي الحَجّ عن أصحاب الأراك، فتقيّده، والتخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له.

ويرده أوّلاً: إنّ شمول تلك النصوص المتضمّنة إدراك المِشعر قبل طلوع الشمس، المنصرف عن الإدراك في اللّيل، ممنوعٌ .

وثانياً: أنّه لابدّ من التقيّيد بالمرأة وذي العُذر؛ لما عرفت من أنّه ليس وقتاً للرّجل غير ذي العُذر.ر.

ص: 29


1- وسائل الشيعة: ج 13/548، ح 18408.
2- وسائل الشيعة: ج 13/13، الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر.

وعليه، فالأظهر هو البطلان مطلقاً.

إجزاء الوقوف بالمشعر نهاراً

الصورة الخامسة: أن يُدرِك اضطراريّ المشعر خاصّة، فإنْ تَركَ عَرفة عمداً بطل حجّه، لما مرّ، وإنْ كان تركه غير عمديّ ، فالمشهور بين الأصحاب بطلان الحَجّ ، وعن «المختلف» دعوى الإجماع عليه.

وعن الصدوق في «العلل»، والإسكافي، وظاهر السيّد والحلبي، وثاني الشهيدين، وصاحب «المدارك» القول بالإجتزاء به، وجعله الشهيد قدس سره أقرب.

يشهد للأوّل: نصوصٌكثيرة، بل عن المفيد رحمه الله أنّ أخبار عدم الاجتزاء به متواترة:

منها: صحيح حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍ مُفرِدٍ للحجّ فاته الموقفان جميعاً؟ فقال عليه السلام: له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإنْ طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حَجّ ويجعلها عُمرة وعليه الحَجّ من قابل»(1).

ومنها: خبري محمّد بن فضيل، ومحمّد بن سنان، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن الحَدّ الذي إذا أدركه الرّجل أدرك الحَجّ؟

فقال عليه السلام: إذا أتى جمعاً والنّاس في المِشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحَجّ ، ولا عُمرة له، وإن لم يأت جمعاً حتّى تطلع الشمس فهي عُمرة مفردة، ولا حجّ له، فإنْ شاء أقام وإنْ شاء رجع، وعليه الحَجّ من قابل»(2). ونحوها غيرها.

أقول: وبإزاء هذه النصوص رواياتٌ دالّة على أنّ إدراك الحَجّ يتحقّق بإدراك المشعر قبل زوال الشمس:

ص: 30


1- وسائل الشيعة: ج 14/37، ح 18528.
2- وسائل الشيعة: ج 14/38، ح 18530.

منها: صحيح عبد اللّه بن المغيرة، قال: «جاءنا رجلٌ بمنى فقال: إنّي لم أدرك النّاس بالموقفين جميعاً - إلى أن قال: - فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك ؟

فقال عليه السلام: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحَجّ »(1).

ومنها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحَجّ »(2).

ومنها: صحيح ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام، قال: «قال: تدري لِمَ جعل ثلاث هنا؟ قلت: لا، قال عليه السلام: فمن أدرك شيئاً منها فقد أدرك الحَجّ »(3).

ونحوها غيرها.

وبعض هذه النصوص وإنْ كان قابلاً للمناقشة، إلّاأنّ أكثرها تامّة الدلالة على ذلك.

وقد يُقال: إنّ الطائفة الثانية أعمّ من الاُولى من جهتين:

إحداهما: عموم الثانية لمن أدرك عرفة ولو اضطراريّها وعدمه، والاُولى مختصّة بمَن لم يدركها.

ثانيتهما: عمومها لما قبل طلوع الشمس أيضاً، فيقيّد إطلاقها بالاُولى ، فإنْ تمّ ذلك فهو، وإلّا فإنْ صحّت دعوى إعراض الأصحاب عن الثانية، فالمتّبع هو الاُولى ، وإن لم تتمّ ووقعت المعارضة بينهما، يقدّم الاُولى؛ للشهرة.9.

ص: 31


1- وسائل الشيعة: ج 14/39، ح 18533.
2- وسائل الشيعة: ج 14/40، ح 18536.
3- وسائل الشيعة: ج 14/41، ح 18539.

وبالتالي، فالأظهر هو البطلان في هذه الصورة.

الصُور المركّبة

الصورة السادسة: أن يُدرِك الاختياريّين من الوقوفين، و صحّة الحَجّ حينئذٍ ضروريّة.

الصورة السابعة: أن يُدرِك اختياري عرفة مع ليلَيّ المشعر خاصّة:

فإنْ كان تركه اختياري المشعر عن غير علمٍ وعمد، وكان ذا عُذرٍ، أو كان الحاجّ إمرأة فلا إشكال في الصحّة؛ لإدراكه كلا الوقوفين.

وإنْ كان تركه إيّاه عن علمٍ وعمد، وكان رجلاً، فالأظهر هو الصحّة، كما عليه الأكثر على ما في «المستند».

وصاحب «الجواهر» قدس سره عند بيان صُور التركيب يصرّح بالبطلان، ولكن في مبحث الوقوف بالمشعر(1) في مسألة ما لو أفاض قبل الفجر عامداً بعد أن كان به ليلاً، يبني على الصحّة، ويدّعي أنّ عليها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً.

أقول: وكيف كان، فيشهد للصحّة؛ حسن مسمع، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

«في رجلٍ وقف مع النّاس بجمع، ثمّ أفاض قبل أن يفيض النّاس ؟

قال عليه السلام: إنْ كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإنْ كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»(2).

واُورد عليه تارةً : بضعف السند.

واُخرى : بأنّه في مقام بيان حكم الجاهل المفيض قبل الفجر وبعده، فيكون حينئذٍ من مسألة ذي العُذر.

ص: 32


1- صفحة 18 من هذا المجلّد.
2- وسائل الشيعة: ج 14/27، ح 18503.

وثالثة: أنّه لا ينطبق على فتوى الأصحاب، فإنّهم قيّدوه بدرك عرفة، والخبر مطلق من هذه الجهة.

ولكن يردّ الأوّل: أنّه حسنٌ ومنجبرٌ بالعمل، كما اعترف به المستشكل في غير المقام.

ويردّ الثاني: أنّ الجاهل لا شيء عليه لو أفاض قبل الفجر، مع أنّه لا داعي ولا وجه لتقيّيد إطلاقه به.

ويردّ الثالث: أنّه غير متعرّض لحكم صورتي درك عرفة وعدمه، فيبقى ما يقتضي الفساد، ممّا دلّ على وجوب وقوف عرفة، وأنّه لا حجّ لمن تركه.

الصورة الثامنة: أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر في النهار:

فإنْ كان تَرَك اختياري المشعر اضطراريّاً، صحَّ حجّه إجماعاً، والأدلّة متطابقة عليه؛ فإنّه جعل وقتاً لذلك.

وإنْ كان تركه عمديّاً، فعن غير واحدٍ دعوى الإجماع على بطلان الحَجّ ؛ لتركه اختياري المشعر عمداً.

ويشهد به النصوص(1) الكثيرة - المتقدّم طرفٌ منها - المتضمّنة أنّه إنْ لم يأت جمعاً حتّى تطلع الشمس، فهي عُمرة مفردة ولا حجّ له، أو ما يقرُب ذلك.

أقول: ولا يعارضها ما دلّ (2) على أنّ «من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحَجّ »؛ لاختصاصه بغير العامد التارك للاختياري منه.

الصورة التاسعة: أن يُدرِك اضطراري عرفة مع لَيلَيّ المشعر:

فإنْ كان تَرَك اختياري عرفة عمديّاً بطل حجّه؛ لما مرّ في مبحث الوقوفر.

ص: 33


1- وسائل الشيعة: ج 14/37، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- وسائل الشيعة: ج 14/37، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر.

بعرفة من أنّ ترك اختياريها عمداً موجبٌ للبطلان.

وإنْ كان غير عمدي، فإنْ كان تَرَك اختياري المشعر عن عذرٍ، أو كان امرأة صحَّ حجّه؛ لما مرّ من صحّة الحَجّ مع إدراك اللّيلي وحده في الفرض، فمع اضطراري عرفة بطريقٍ أولى .

وإنْ كان تَرَكه إيّاه عن غير عذرٍ، صحَّ حجّه؛ لإطلاق حسن مسمع المتقدّم، فإنّه يقيّد إطلاقه بمَن لم يدرك عرفة أصلاً، ويبقى من أدرك اضطراريها تحت الإطلاق.

وبالجملة: فالأظهر هي الصحّة مطلقاً.

الصورة العاشرة: أن يُدرِك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر، فإنْ كان تَركه اختياري عرفة عمديّاً بطل حجّه، وإلّا صحّ إجماعاً، ويظهر وجهه ممّا مرّ.

الحادية عشرة: أن يُدرِك اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري:

فإنْ أدرك أحد الموقفين اختياراً، وفاته ا لآخر لضرورة، صحَّ حجّه، وإن أدرك الاضطراريّين معاً فاته الحَجّ على قول، أمّا لو أدرك أحدهما فإنّه يبطل حجّه إجماعاً، كان تركه اختياري عرفة عمديّاً بطل؛ لما مرّ.

وإنْ كان عن عُذر:

فإنْ كان ترك اختياري المشعر عمديّاً بطل أيضاً؛ لما مرّ.

وإنْ كان غير عمدي، ففيه قولان:

أحدهما: ما عن الشيخ، والصدوق، والسيّد، والإسكافي، والحلبيّين، والمحقّق،

ص: 34

والمصنّف في أكثر كتبه، وأكثر المتأخّرين رحمهم الله وهي صحّة الحَجّ .

الثاني: ما عن جمعٍ آخرين وهو البطلان.

وظاهر المصنّف رحمه الله في هذا الكتاب التردّد فيه.

أقول: والأظهر هو الأوّل؛ لصحيح الحسن العطّار، عن الصادق عليه السلام، قال:

«إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يُدرك النّاس بجمع، ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلاً بالمشعر الحرام، وليلحق النّاس بمنى، ولا شيء عليه»(1).

وأمّا العمومات المتضمّنة أنّ : (من لم يدرك المزدلفة قبل طلوع الشمس، فلا حجّ له)، فهي أعمٌّ من الصحيحة، فيقيّد إطلاقها بها، ومعارضته مع ما دلّ على أنّ من أدركها قبل زوال الشمس فقد أدرك الحَجّ ، والنسبة عمومٌ من وجه، والترجيح مع نصوص الدرك.

***9.

ص: 35


1- وسائل الشيعة: ج 14/44، ح 18549.

الثانية: من فاته الحَجّ سقطت عنه أفعاله، ويحلّ بعمرة مفردة، ويقضي الحَجّ في القابل مع الوجوب.

حكم من فاته الحَجّ بعد الإحرام

المسألة الثانية: (من فاته الحَجّ ) بعد الإحرام بفوات أحد الموقفين ونحوه (سقطت عنه أفعاله) أي بقيّة مناسكه من الهَدْي والرّمي والمبيت بمنى والحلق والتقصير فيها أو الموقف الباقي إنْ فات قبله، (ويحلّ ) عن إحرامه (بعمرةٍ مفردة) مع الإمكان فيأتي بأفعالها ثمّ يتحلّل بما يتحلّل به المُعتَمر (ويقضي الحَجّ في القابل مع) استقرار (الوجوب) في ذمّته بلا خلافٍ في شيء من الأحكام الثلاثة.

وفي «المستند»: (بإجماع العلماء الُمحَقّق والمحكيّ في الأحكام الثلاثة)، انتهى .

يشهد للحكم الأوّل: - مضافاً إلى الأصل -:

1 - خبر إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ دخل مكّة مفرداً للحجّ ، فخشيَ أن يفوته الموقف ؟

فقال: له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حجٌّ .

فقلتُ له: كيف يصنع بإحرامه ؟

قال عليه السلام: يأتي مكّة فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة.

فقلتُ له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟

ص: 36

قال عليه السلام: إنْ شاء أقام بمكّة، وإنْ شاء رجع إلى النّاس بمنى ، وليس منهم في شيء، وإنْ شاء رجع إلى أهله وعليه الحَجّ من قابل»(1).

2 - وصحيح حريز الآتي(2).

3 - وموثّق الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سألته عن رجلٍ عرض له سلطانٌ فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النحر خلّى سبيله، كيف يصنع ؟

إلى أن قال: فإنْ كان مفرداً للحجّ فليس عليه ذبحٌ ولا شيء عليه»(3).

أقول: ويشهد للحكمين الأخيرين: - مضافاً إلى ما مرّ - كثيرٌ من النصوص:

منها: صحيح ضريس، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجلٍ خرجَ متمتّعاً بالعُمرة إلى الحَجّ فلم يبلغ مكّة إلّايوم النحر؟ فقال عليه السلام: يُقيم على إحرامه... إلى أن قال: فإنْ لم يكن، اشترط فإنّ عليه الحَجّ من قابل»(4).

ومنها: صحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن مفرِد الحَجّ فاته الموقفان جميعاً؟ فقال عليه السلام: له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإنْ طلعت الشمس يوم النحر فليس له حجّ ، ويجعلها عُمرة، وعليه الحَجّ من قابل.

قال: قلتُ : كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: يطوف بالبيت وبالصّفا والمروة، فإنْ شاء أقام بمكّة وإنْ شاء أقام بمنى 9.

ص: 37


1- وسائل الشيعة: ج 14/38، ح 18532.
2- وسائل الشيعة: ج 14/50، ح 18561.
3- وسائل الشيعة: ج 13/183، ح 17530.
4- وسائل الشيعة: ج 14/49، ح 18559.

مع النّاس، وإنْ شاء ذهب حيث شاء، ليس هو من النّاس في شيء»(1).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «وقال أبو عبداللّه عليه السلام: أيّما حاجّ سائق للهَدْي، أو مفرِد للحجّ ، أو متمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ، قدِمَ وقد فاته الحَجّ ، فليجعلها عُمرة وعليه الحَجّ من قابل»(2).

ونحوها غيرها.

انقلاب الحَجّ إلى العُمرة قهراً

فروع:

الفرع الأوّل: هل ينقلب الحَجّ إلى العُمرة قهراً، كما عن «القواعد»، و «الدروس»، و «الذخيرة» وغيرها، فلو أتى بأفعالها من غير نيّة العُمرة لكفى؟

أم يعتبر النيّة، ولا ينقلب قهراً كما عن «التحرير» و «التذكرة» و «المنتهى » وغيرها؟ وجهان:

من أنّ ظاهر قوله عليه السلام في بعض النصوص: «ويجعلها عُمرة» هو لزوم نيّة الاعتمار، وقلب إحرامه السابق إليه بالنيّة.

ومن التصريح في أكثر النصوص بأنّها عُمرة، وأنّه يأتي ببقيّة أفعال العُمرة من غير تعرّض للنيّة أصلاً.

والأظهر هو الأوّل؛ لقابليّة حمل قوله: «ويجعلها عُمرة» على إرادة فعلها عُمرة لا نيّتها.

ص: 38


1- وسائل الشيعة: ج 14/50، ح 18561.
2- وسائل الشيعة: ج 14/49، ح 18558.

الفرع الثاني: بناءً على ما اخترناه من الانقلاب عُمرةً ، لو بقي على إحرامه إلى السّنة الآتية، يجب عليه إتمام أعمالها، ثمّ الإتيان بما عليه من مناسك الحَجّ من حجّ التمتّع أو غيره، ولا يكفي إتمام هذه العُمرة عن عُمرة التمتّع؛ لاعتبار كون عُمرة التمتّع وحجّه في سنة واحدة، كما لا يكفي لو كان ما عليه حجّ الإفراد أو القِران وهو واضح، بل ظاهر النصوص وجوب إتمامها في تلك السنة للأمر به.

الفرع الثالث: المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمة، أنّه لا يجب عليه الهَدْي، وأكثر نصوص الباب من جهة خلوّها عنه شاهدة به، مضافاً إلى الأصل.

ونُسِب إلى الصّدوق رحمه الله وبعض الأصحاب وجوبه، واستدلّ له:

1 - بما تضمّن الأمر به على الحضور.

2 - وبصحيح ضُريس المتقدّم، بناءً على نقل الصدوق رحمه الله إيّاه، مع إضافة قوله:

«ويَذبح شاته».

3 - وبخبر الرّقي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كنتُ معه إذ دخل عليه رجلٌ فقال: قدِم اليوم قومٌ قد فاتهم الحَجّ؟ فقال عليه السلام: نسأل اللّه العافية.

قال: أرى عليهم أن يهريق كلّ واحدٍ منهم دم شاة، ويحلّون، وعليهم الحَجّ من قابل إنْ انصرفوا إلى بلادهم»(1) الحديث.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه قياسٌ مع الفارق.

وعلى الثاني: أنّه في من اشترط على ربّه عند إحرامه، وقد مرّ الكلام فيه في مبحث الإحرام(2).6.

ص: 39


1- وسائل الشيعة: ج 14/50، ح 18562.
2- فقه الصادق: ج 15/66.

ويتوجّه على الثالث: - مضافاً إلى ما قيل في سنده - أنّه من جهة عدم إفتاء الأصحاب بالوجوب يُحمل على الندب، أو على محامل اُخر، ككون القوم مصدودين أو محصورين، فإنّ عليهم حينئذٍ هَدي التحلّل كما عن «كشف اللِّثام»، أو أنّهم قد أحرموا بعُمرةٍ لا حجّ ، لما علموا أنّهم لا يُدركون الموقف، فكان يستحبّ لهم ذبح الشاة والحلق تشبّهاً بالحاجّ ، أو حمله على خصوص من اشترط كما عن الشيخ، أو يُحمل على التقيّة، وعلى أيّ تقدير لا يعمل بظاهره.

***

ص: 40

الثالثة: يستحبّ الوقوف بعد الصلاة والدّعاء

مستحبّات الوقوف بالمشعر

المسألة (الثالثة): (يستحبّ الوقوف) بالمشعر (بعد الصّلاة) بأن يكون نيّة الوقوف بعد صلاة الصبح، كما صرّح به في محكيّ كلماتهم في «المُقنع» و «الهداية»، و «الكافي»، و «المراسم»، و «جُمل العلم والعمل»، و «الشرائع»، و «النافع»، و «المنتهى »، و «التذكرة» وغيرها.

واستدلّ له بقوله عليه السلام في صحيح ابن عمّار: «أصبِحْ على طُهرٍ بعدما تصلّي الفجر فقف....»(1).

(و) يستحبّ أيضاً أن يصرف زمان وقوفه في (الدّعاء) سيّما الدعوات المأثورة.

وعن السيّد والحلّي والقاضي: وجوبه.

وعن «المفاتيح» وشرحه: أنّه لا يخلو من قوّة.

وفي «المستند»: (وهو كذلك، إلّاأنّه يُجزيه اليسير من الدّعاء) انتهى .

أقول: قد استدلّ للوجوب:

1 - بالأمر به في الآية الكريمة: «فَاذْكُرُوا اَللّهَ عِنْدَ اَلْمَشْعَرِ اَلْحَرامِ وَ اُذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ » (2).

2 - وبظواهر الأوامر في الأخبار، ففي صحيح ابن عمّار المتقدّم مراراً، قال عليه السلام:

ص: 41


1- وسائل الشيعة: ج 14/20، ح 18489.
2- سورة البقرة: الآية 198.

ووطء المشعر بالرِّجل للصرورة،

«فإذا وقفت فاحمِد اللّه عزّ وجلّ ، وأثنِ عليه، واذكر من آلائه وبلائه ماقدرت عليه، وصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ ليكن من قولك: اللّهُمَّ ربّ المشعر الحرام فُكَّ رقبتي من النّار، وأوسع عليَّ من رزقك الحلال، وادرأ عنّي شرّ فسَقَة الجنّ والإنس، اللّهُمَّ أنت خير مطلوبٍ إليه، وخير مدعوٍّ، وخير مسؤولٍ ، ولكلّ وافدٍ جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي، وتقبَل معذرتي، وأن تجاوز عن خطيئتي، ثمّ اجعل التقوى من الدُّنيا زادي».

وفي غيره غير ذلك.

أقول: ولكن الدليلين لو تمّت دلالتهما، كان مفادهما وجوب مطلق الذِّكر والدُّعاء، لا صرف زمانه فيهما، والأظهر حملهما على الاستحباب؛ لتسالم الأصحاب عليه.

(و) أيضاً يستحبُّ (وطء المشعر بالرّجل للصّرورة) لصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «ويستحبّ للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله»(1).

قال الشيخ: (المِشعر الحرام جبلٌ هناك يُسمّى قُزَح).

ونحوه مرسل أبان(2).

وفي «الرياض»: (الظاهر أنّ المراد بالمِشعر هنا ما هو أخصّ من المزدلفة، وفُسّر بجبل قزح في «المبسوط» و «الوسيلة» و «الكشّاف» و «المُغرِب» وغيرها على ما حكاه عنهم بعض الأجلّة) انتهى .6.

ص: 42


1- وسائل الشيعة: ج 14/16، ح 18475 و 18476.
2- وسائل الشيعة: ج 14/16، ح 18475 و 18476.

والصعود على قُزَح وذكر اللّه عليه.

الرابعة: يستحبّ التقاط حَصى الرّمي فيه، ويجوز من أيّ جهات الحرم كان؛ عدا المساجد.

أقول: ويعضده قوله: (أن يقف على المشعر)، فإنّ الوقوف عليه غير الوقوف به، والأمر سهلٌ بعد كون الحكم استحبابيّاً.

(و) قال جماعة منهم المصنّف رحمه الله: إنّه يستحبُّ (الصعودُ على قُزَح، وذكر اللّه عليه) ومدركه النبويّان، ولضعفهما لم يلتزم به جمعٌ ، ولكن يكفي في الحكم به أخبار مَنْ بَلَغ(1)، وظاهر المصنّف رحمه الله مغايرة الصعود على قزح لوطء المشعر، وعن ظاهر الحلبي اتّحاد المسألتين.

المسألة (الرابعة: يستحبّ التقاط حصى الرّمي منه) أي من المشعر بلا خلافٍ ، وفي «المستند»: إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً مستفيضاً له.

ويشهد به: صحيح ابن عمّار: «خُذ حَصى الجِمار من جُمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك»(2).

(ويجوز) أخذها (من أيّ جهات الحَرَم كان عدا المساجد).

أقول: ويشهد به:

1 - صحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «حَصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، وإن أخذته من غير الحَرم لم يُجزئك»(3).4.

ص: 43


1- وسائل الشيعة: ج 1/80، الباب 18 أبواب مقدّمة العبادات.
2- وسائل الشيعة: ج 14/31، ح 18512.
3- وسائل الشيعة: ج 14/32، ح 18514.

2 - وموثّق حنّان، عنه عليه السلام: «يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحَرم إلّامن المسجد الحرام ومسجد الخيف»(1). ونحوهما غيرهما.

ثمّ إنّ الأكثر اقتصروا على استثناء المسجدين تبعاً للنص، بل عن الصدوق والشيخ والحلبي والحلّي وابن حمزة رحمهم الله التصريح بالجواز من الأخذ من غيرهما، وظاهر «التذكرة» الإجماع عليه، ومع ذلك كلّه تعدّى جمعٌ منهم إلى سائر المساجد؛ إمّا لإلغاء الخصوصيّة وتنقيح المناط، أو للنهي عن إخراج حصى المساجد.

أقول: أمّا الأوّل فلا وجه له، لعدم إحراز المناط. وأمّا الثاني فقد مرّ في محلّه عدم حرمة إخراج الحصى منها، وعلى فرض الحرمة لا يُستفاد منه فساد العمل.

ودعوى : أنّه يجب الإعادة فوراً، ومقتضاه النهي عن أضداده ومنها الرّمي، والنهي موجبٌ للفساد.

مندفعة: بعدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه.

وأخيراً: هل يفسد العمل بالرّمي بالحصى المأخوذة من المسجدين، أم لا؟

الظاهر ذلك؛ لأنّ النهي عن أخذها منهما يستفاد منه المنع، لا خصوص الحرمة التكليفيّة، وعليه فالفرق بينه وبين أخذ الحصى من سائر المساجد واضح.

***5.

ص: 44


1- وسائل الشيعة: ج 14/32، ح 18515.

الفصل الرابع: في نزول منى.

ويجبُ يوم النحر بمنى ثلاثة: أحدها: رمي جَمرة العقبة.

في أحكام منى

رمي جَمرة العقبة:

(الفصل الرابع: في نزول منى، ويجبُ يوم النحر بمنى ثلاثة:

أحدها: رمي جَمرة العقبة) ويقال لهاالجمرة القصوى أيضاً، وهي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكّة، والخارج من مكّة إلى منى يصل إليها أوّلاً في يسار الطريق.

وفي «المستند»: (وهي منصوبة اليوم في جدارٍ عظيم متّصل بتلّ ، بحيث يظهر منه جهتها الواحدة)(1) انتهى .

أقول: وفي وجوب ذلك قولان:

1 - في «المنتهى »: (رمي هذه الجمرة بمنى يوم النحر واجبٌ ، ولا نعلم فيه خلافاً)(2) انتهى .

2 - مع أنّه في محكي «المختلف»(3) نقل جملة من الأقوال المختلفة في ذلك، فنقل عن الشيخ في «الجمل»(4) وابن البرّاج(5) والمفيد(6) وغيرهم من الأساطين(7)

ص: 45


1- مستند الشيعة: ج 12/283.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/729.
3- مختلف الشيعة: ج 4/257.
4- الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر): ص 234.
5- المهذّب: ج 1/254.
6- المقنعة: 431.
7- كابن حمزة في الوسيلة: ص 180-181، وابن الجُنيد كما حكاه في المختلف: ج 4/258.

القول بالندب.

ولكن الحِلّي في محكي «السرائر» ينكر أشدّ الإنكار وجود قائلٍ بالاستحباب.

قال: (لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجباً، ولا أظنّ أحداً من المسلمين يخالف فيه)(1).

أقول: بعض كلماتهم قابلٌ للحمل على إرادة ما ثبت وجوبه بالسُنّة كما أفاده، ولكن كلمات كثيرٍ منهم ظاهرة بل صريحة في إرادة الاستحباب.

وكيف كان، فيشهد للوجوب جملة من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «خُذ حَصى الجمار ثمّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قِبل وَجهها، ولا ترمها من أعلاها، وتقول والحصى في يدك...»(2) الحديث.

ومنها: صحيح سعيد الأعرج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: معنا نساء؟ قال عليه السلام:

أفض بهنّ - إلى أنْ قال - ثمّ أفض بهنّ حتّى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة»(3)الحديث.

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السلام: «أيّ امرأةٍ أو رجلٍ خائف أفاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس، فليرم الجمرة ثمّ ليمض»(4).

إلى غير ذلك من النصوص المتقدّمة جملة منها في المسائل المتقدّمة، المعتضدة بالتأسّي وفتاوى الفقهاء، فلا ينبغي التوقّف في وجوبه.

أقول: ثمّ للرمي واجبات، ومستحبّات.7.

ص: 46


1- السرائر: ج 1/606.
2- الكافي: ج 4/478 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/58 ح 18579.
3- الكافي: ج 4/474 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/53 ح 18564.
4- الكافي: ج 4/474 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/29 ح 18507.

واجبات الرّمي

المقام الأوّل: في واجباته، وهي أُمور:

الأمر الأوّل: ما صرّح به المصنّف رحمه الله من لزوم وقوع الرَّمي في يوم النحر، وهو ظاهر الأصحاب.

قال في «المنتهى »: (رمي هذه الجمرة بمنى يوم النحر واجبٌ ، ولا نعلم فيه خلافاً)(1) انتهى .

ويشهد به: جملة من النصوص:

منها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «قلت له: إلى متى يكون رمي الجمار؟، فقال عليه السلام: من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس»(2).

ومنها: خبر صفوان بن مهران، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إرم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها»(3).

ومنها: خبر إسماعيل بن همّام، عن الإمام الرضا عليه السلام: «لا ترم الجمرة يوم النحر حتّى تطلع الشمس»(4).

ونحوها غيرها.

أقول: ومن الغريب ما في «المستند» حيث قال: (لم أعثر بعدُ على خبرٍ دالّ

ص: 47


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/729.
2- الفقيه: ج 2/481-482 ح 3025، وسائل الشيعة: ج 14/68-69 ح 18607.
3- التهذيب: ج 5/262 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/69 ح 18608.
4- الكافي: ج 4/482 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/70 ح 18613.

بسبع حصيّات.

بصريحه على وجوب كونه فيه)(1)، انتهى .

نعم، يجوز للمرأة وذي العذر تقديمه إلى اللّيل كالوقوف بالمشعر، وقد تقدّم(2)جملة من النصوص المصرّحة بذلك المقيّدة لإطلاق هذه النصوص.

الأمر الثاني: أن يرمي (بسبع حصيّات) بإجماع علماء الإسلام، كما في كلام جماعةٍ ، كذا في «المستند»(3).

وفي «المنتهى »: (ولا نعلم فيه خلافاً، والأصل فيه فعل النبيّ صلى الله عليه و آله، رماها بسبع حصيّات يُكبِّر في كلّ حصاة، وهو قول علماء الإسلام)(4) انتهى .

ويشهد به: مجموعة من نصوص:

منها: خبر أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ذهبتُ أرمي فإذا في يدي ست حصيّات ؟ فقال عليه السلام: خُذ واحدة من تحت رجليك»(5).

قال(6): وفي خبر آخر: «ولا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمى»(7).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة فلم يدر أيهنّ نقص ؟ قال عليه السلام: فليرجع6.

ص: 48


1- المستند: ج 12/294.
2- قد مرَّ بعضها في روايات أحكام المشعر الحرام في أواخر الجزء السابق.
3- مستند الشيعة: ج 12/285.
4- المنتهى: ج 2/731.
5- الفقيه: ج 2/474 ح 2998، وسائل الشيعة: ج 14/269 ح 19166.
6- أي الصدوق في الفقيه.
7- الفقيه: ج 2/474 ح 2999، وسائل الشيعة: ج 14/269 ح 19166.

ملتقطة من الحرم أبكاراً.

وليرم كلّ واحدة بحصاة»(1).

ومنها: خبر عبد الأعلى ، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ رمى الجمرة بست حصيّات فوقعت واحدة في الحصى ؟ قال عليه السلام: يعيدها إن شاء من ساعته، وإن شاء من الغد إذا أراد الرَّمي ولا يأخذ من حصيّات الجمار»(2).

ونحوها غيرها.

الأمر الثالث: أن تكون الحصيّات (ملتقطة من الحرم) بلا خلافٍ ، ويشهد به صحيح زرارة المتقدّم(3)، وقد مرَّ الكلام فيه في مستحبّات المشعر(4).

الأمر الرابع: أن يكون الحصيّات (أبكاراً)، أي غير مرميّ بها رمياً صحيحاً إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً عن «الخلاف»(5) و «الغُنية»(6) و «الجواهر»(7)، وفي «المدارك»(8) و «المفاتيح»(9) وشرحه(10)، وفي «الذخيرة»: (لا أعلم فيه خلافاً بين5.

ص: 49


1- الكافي: ج 4/483 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/268 ح 19165.
2- الكافي: ج 4/483 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/269 ح 19167.
3- الكافي: ج 4/477 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/32 ح 18514.
4- تقدّم في أواخر الجزء 17، (مستحبّات الوقوف بالمشعر).
5- الخلاف: ج 2/343.
6- غنية النزوع: ص 187.
7- جواهر الفقه: ص 43.
8- مدارك الأحكام: ج 7/441.
9- مفاتيح الشرائع: ج 1/349.
10- حكاه عنه النراقي في المستند: ج 12/275.

مع النيّة، وإصابة الجمرة

الأصحاب)(1)، كذا في «المستند»(2).

ويشهد به:

1 - خبر عبد الأعلى المتقدّم(3): «ولا يأخذ من حصى الجمار».

2 - ومرسل حريز المتقدّم: «لا تأخذ من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار»(4).

ونحوه مرسل الفقيه(5)، المنجبر ضعف الجميع بالعمل المتعضد بالتأسّي والسيرة.

الأمر الخامس: أن يكون ذلك (مع النيّة)؛ لأنّه من العبادات، وقد مرّ حكمها والدليل على اعتبارها مراراً.

(و) الأمر السادس: (إصابة الجمرة) فلو لم يُصبها لم يجزئ، وفي «المنتهى »: (ولا نعلم فيه خلافاً)(6).

ويشهد به: - مضافاً إلى عدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة - صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«فإن رميت بحصاةٍ فوقعت في محمل فأعد مكانها، وإنْ أصابت إنساناً أو1.

ص: 50


1- ذخيرة المعاد: ج 1/661 ق 3.
2- المستند: ج 12/275.
3- تقدّم في الصفحة السابقة.
4- الكافي: ج 4/478 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/60 ح 18582.
5- تقدّم في الصفحة السابقة.
6- المنتهى (ط. ق): ج 2/731.

بفعله بما يُسمّى رمياً.

جملاً ثمّ وقعت على الجمار أجزأك»(1)، ونحوه غيره.

الأمر السابع: أن يكون إصابة الجمرة والرَّمي (بفعله)، بالإجماع كما عن «المفاتيح»(2)، و في «المنتهى »: (ولا نعلم فيه خلافاً)(3)؛ لأنّ الأمر بالشيء يقتضي المباشرة.

وعليه، فلو كانت الحصاة في يده فصدمه إنسان آخر وأصابت الجمرة لم تكن هذه الإصابة كافية، ولو ألقاها وأصابت إنساناً أو حيواناً ثمّ حصلت الإصابة:

فتارةً : يعلم أنّ حركة الحيوان أو الإنسان كانت دخيلة في الإصابة بحيث لو لم تكن لم تصب.

واُخرى : يعلم بعدم دخلها فيها.

وثالثة: يشكّ في ذلك.

أمّا الأوّل: فمقتضى القاعدة عدم الإجزاء.

وأمّا الثاني: فالقاعدة وصحيح ابن عمّار المتقدّم، تقتضيان الإجزاء.

وأمّا الثالث: فمقتضى القاعدة إحراز الامتثال، وهو في الفرض مشكوك فيه، فيبنى على عدم الإجزاء.

الأمر الثامن: أن يلقي (بما يسمّى رمياً) بلا خلافٍ ، وفي «المنتهى »: (وهو قول1.

ص: 51


1- الفقيه: ج 2/474 ح 3000، وسائل الشيعة: ج 14/60 ح 18584.
2- مفاتيح الشرائع: ج 1/350.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/731.

العلماء)(1)، فلو وضعها بكفّه في المرمى لم يجزئه، لأنّ الأمر متعلّق بالرمي فيجبُ تحقّقه.

وفي «المنتهى »: (ولو طرحها قال بعض الجمهور: لا يجزيه؛ لأنّه لا يسمّى رمياً، وقال أصحاب الرأي: يجزيه لأنّه يسمّى رمياً، والحاصل أنّ الاختلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم، فإنْ سُمّي رمياً أجزأ بلا خلافٍ ، وإلّا لم يجزئ إجماعاً)(2) انتهى .

الأمر التاسع: أن يرميها بيده، فلو رماها برجله أو بفمه لم يجزئه؛ للانصراف، ولقوله عليه السلام في خبرأبي بصير: «خُذحصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى »(1)، فتأمّل.

الأمر العاشر: أن تتلاحق الحصيّات، فلو رمى بها دفعةً واحدة لم يحسب إلّا واحدة.

وفي «الجواهر»: (ويجب التفريق في الرَّمي بلا خلافٍ أجده فيه، بل عن «الخلاف» و «الجواهر» الإجماع عليه، ولعلّه كذلك، وهو الحجّة بعد الانسباق، خصوصاً مع ملاحظة الأمر بالتكبير مع كلّ حصاة، والتأسّي والسيرة)(4) انتهى .

وهل الواجب تلاحق الرَّمي، فلو أصابت المتلاحقة رمياً دفعةً واحدة أجزأت، كما جزم به صاحب «الجواهر» رحمه الله(5)؟

أم تلاحق الإصابة، ففي الفرض لا يجزي، ولكن لو رمى دفعة وتلاحقا في الإصابة أجزأت، كما نسبه في «المستند»(2) إلى الأصحاب ؟.6.

ص: 52


1- الكافي: ج 4/481 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/68 ح 18606. (4و5) جواهر الكلام: ج 19/106.
2- مستند الشيعة: ج 12/286.

وجهان، والأحوط رعاية الأمرين.

الوجه الحادي عشر: أن يكون ما يرمى به حجراً.

وفي «المنتهى »: (ولا يجوز الرَّمي بغير الحجارة قاله علماؤنا)(1)، انتهى .

أقول: والوجه في ذلك هو الأمر برمي الحصى في صحيح زرارة المتقدّم(2): «لا ترم الجمار إلّابالحصى»، وهي كما عن «القاموس»: (صغار الحجارة، الواحدة حصاة، والجمع حصيّات)(3)، فلا يُجزي الرَّمي بغير الحجر، كما لا يجوز الرَّمي بالحَجَر الكبير، وكذا الصغير جدّاً بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة.

فعن «المسالك»: (احترز باشتراط تسميتها حجراً عن نحو الجواهر، والكُحل، والزرنيخ، والعقيق، فإنّها لا تُجزي خلافاً للخلاف، ويدخل فيه الحَجَر الكبير الذي لا يُسمّى حصاة عُرفاً، وممّن اختار جواز الرَّمي به الشهيد في «الدروس»)(4) انتهى .

والمراد ب (الجمرة) البناء المخصوص أو موضعه إن لم يكن، كما عن «كشف اللّثام»(5).

وعن «الدروس»: (أنّها اسمٌ لموضع الرَّمي، وهو البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى ، وصرّح علي بن بابويه بأنّه الأرض)(6).8.

ص: 53


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/729.
2- الكافي: ج 4/477 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/32 ح 18514.
3- القاموس: ج 4/318.
4- مسالك الأفهام: ج 2/289.
5- كشف اللّثام: ج 6/114.
6- الدروس: ج 1/428.

وعن «المدارك»: (وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده؛ لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه)(1) انتهى .

***9.

ص: 54


1- مدارك الأحكام: ج 8/9.

ويستحبّ أن تكون رخوة بُرْشاً، قدر الأنملة ملتقطة لا مكسَّرة،

ما يستحبّ في الرَّمي

المقام الثاني: في المستحبّات.

(ويستحبّ أن تكون) الحصى (رخوةً ) أي غير صلبة؛ لصحيح هشام بن الحكم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كره الصم منها»(1).

والصم: جمعُ الأصم، وهو الصلب من الحَجَر.

وأن تكون (بُرْشاً) بأن يكون فيها نقط يخالف لونها، كما نُسب(2) إلى المشهور.

وعن الجوهري وغيره(3): (أنّه خصوص نقط بيض)(4).

وعن «النهاية الأثيريّة»: (هو ما فيه مختلط حمرة وبياضاً وغيرهما)(5).

ويشهد به صحيح هشام المتقدّم: «خُذ البرش».

وأيضاً: يستحبّ أن تكون كلّ حصاة (قدر الأنملة ملتقطة)، والمراد أن يكون كلّ واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة، و (لا) تكون الحصاة (مكسَّرة) من حَجَر، ويشهد بذلك كلّه:

1 - خبر البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة،

ص: 55


1- الكافي: ج 4/477 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/33 ح 18518.
2- نسبه إلى المشهور الفاضل الهندي في كشف اللِّثام: ج 6/116.
3- في الصحاح، قال: (البرش في شعر الفرس نكت صغار تخالف سائر لونه)، أنظر الصحاح: ج 3/995 مادة (برش)، وغير الصحاح كابن منظور في لسان العرب: ج 6/264 (حرف الشين، فصل الباء الموحّدة).
4- مجمل اللّغة: ج 1/121، وخلفه في معجم مقاييس اللّغة، فانظر: ج 1/219.
5- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 1/118.

ولا تكون صلبة، والدّعاء عند كلّ حصاة، والطهارة.

ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء، خُذها كحليّة منقطة»(1).

2 - و خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «التقط الحصى ولا تكسرنّ منهنّ شيئاً»(2).

(و) قد مرَّ أنّه يستحبّ أن (لا) تكون (صلبة).

(و) يستحبّ (الدّعاء عند كلّ حصاة)، ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «خُذ حصى الجمار، ثمّ ائتِ الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قِبل وجهها، ولا ترمها من أعلاها، وتقول والحصى في يدك: اللّهُمَّ هؤلاء حصيّاتي فاحصهنّ لي، وارفعهن في عملي، ثمّ ترمي فتقول مع كلّ حصاة: اللّه أكبر، اللّهُمَّ ادحر عنّي الشيطان، اللّهُمَّ تصديقاً بكتابك، وعلى سُنّة نبيّك، اللّهُمَّ اجعله حجّاً مبروراً، وعملاً مقبولاً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً»(3).

(و) ممّا يستحبّ فيه أيضاً: (الطهارة) من الأحداث، على المشهور بين الأصحاب، وعن المفيد(4) والسيّد(5) والإسكافي(6) وجوبها فيه.

والنصوص الدالّة على مطلوبيّتها ورجحانها مستفيضة:1.

ص: 56


1- الكافي: ج 4/478 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/33 ح 18519.
2- الكافي: ج 4/477 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/34 ح 18520.
3- الكافي: ج 4/478 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/58 ح 18579.
4- المقنعة: ص 417.
5- جمل العلم والعمل (ضمن رسائل المرتضى): ج 3/68.
6- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/261.

والتباعد بمقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعاً.

منها: صحيح ابن عمّار، عنه عليه السلام: «ويستحبّ أن ترمي الجمار على طُهر»(1).

ومنها: خبر أبي غسّان، حميد بن مسعود، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رمي الجمار على غير طهور: «الجمار عندنا مثل الصفا والمروة، حيطان إن طفت بينهما على غير طهر لم يضرّك، والطهر أحبّ إليّ ، فلا تدعه وأنت قادرٌ عليه»(2).

ومنها: خبر الواسطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «لا ترم الجمار إلّاوأنتَ طاهر»(3).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا ترم الجمار إلّاوأنتَ على طهر»(4).

أقول: وظاهر أكثر النصوص الوجوب، وجملة منها وإنْ كانت ظاهرة في الندب، إلّاأنّ كونه بنحوٍ يصلح لرفع اليد عمّا هو ظاهر في الوجوب محلّ تردّد، ولكن بعضها صريح في عدم الوجوب، كخبر أبي غسّان المنجبر ضعفه بالشهرة، فإذاً لا إشكال في الاستحباب.

(و) أيضاً من المستحبّات فيه: (التباعد) عنها (بمقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعاً)، لما في صحيح معاوية المتقدّم:

«وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشره أذرع أو خمسة عشر ذراعاً».

فإنّ المفهوم من هذه العبارة في أمثال المقام ذلك، لا التخيّير بين الأقلّ والأكثر،3.

ص: 57


1- المختلف: ج 4/261.
2- التهذيب: ج 5/198 ح 37، وسائل الشيعة: ج 14/57 ح 18577.
3- قرب الإسناد: ج 3/174، وسائل الشيعة: ج 14/57 ح 18578.
4- الكافي: ج 4/482 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/56 ح 18573.

والرَّمي خذفاً.

كي يناقش فيه بعدم المعقوليّة.

وعن علي بن بابويه(1) تقديرهما بالخُطى، وهما متقاربان.

(و) يستحبّ أيضاً: (الرَّمي خذفاً) بإعجام الحروف، على المشهور شهرة عظيمة، ولم يحك الخلاف إلّاعن السيّد(2) والحِلّي(3)، وعن «المختلف»(4): (أنّه من متفرّدات السيّد).

والشاهد بالحكم خبر البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ :

«تخذفهنّ خذفاً، وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبّابة»(5)، المحمول على الاستحباب؛ لتسالم الأصحاب عليه.

وأمّامافي «الجواهر»(6): من الاستدلال لعدم الوجوب بإطلاقات الأدلّة والأصل.

فيرد عليه: أنّهما لا يقاومان النص الخاص.

أقول: إنّ الخذف هو الرَّمي بأطراف الأصابع كما عن «الخلاص»(7)، ونسبه في محكي «السرائر»(8) إلى أهل اللّسان.0.

ص: 58


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/268.
2- الإنتصار: ص 260 مسألة 144.
3- السرائر: ج 1/590.
4- مختلف الشيعة: ج 4/268.
5- الكافي: ج 4/478 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/61 ح 18586.
6- جواهر الكلام: ج 19/109.
7- حكاه عن الخلاص الفاضل الهندي في كشف اللِّثام: ج 6/119، والطباطبائي في الرياض: ج 6/416، والمحقّق النراقي في المستند: ج 12/290.
8- السرائر: ج 1/590.

أو الرَّمي بالأصابع كما عن «الصحاح»(1) و «الديوان»(2) وغيرهما(3).

أو الرَّمي من بين إصبعين، كما عن «المجمل» و «المفصل»(4).

والظاهر اتّحاد هذه الثلاثة، لأنّ الرَّمي بالأصابع يكون غالباً بأطرافها كما يكون في الغالب بإصبعين.

ثمّ إنّ المستحبّ هو أن يرمي من طرفي السبّابة والإبهام، كما في الخبر، فيكون هذا الفرد منه مستحبّاً.

ثمّ المحكي عن «السرائر»(5)، و «المقنعة»(6)، و «المبسوط»(7)، و «النهاية»(8)، و «المصباح»(9) ومختصره(10)، و «المراسم»(11)، و «الكافي»(12)، و «المهذّب»(13)، و «الجامع»(14)، و «التذكرة»(15)، و «المنتهى »(16)، و «التحرير»(17) تخصيصه بباطن8.

ص: 59


1- صحاح الجوهري: ج 4/1347.
2- ديوان الأدب: ج 2/171.
3- كلسان العرب: ج 9/40، (حرف الفاء، فصل الحاء المهملة).
4- وحكاه عنه الطباطبائي في الرياض: ج 6/416.
5- السرائر: ج 1/590.
6- المقنعة: ص 417.
7- المبسوط: ج 1/369.
8- النهاية: ص 254.
9- مصباح المتهجّد: ص 701.
10- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللِّثام: ج 6/120.
11- المراسم العلويّة: ص 112.
12- الكافي في الفقه: ص 215.
13- المهذّب لابن البرّاج: ج 1/255.
14- الجامع للشرائع: ص 210.
15- تذكرة الفقهاء: ج 8/225.
16- منتهى المطلب: ج 2/732.
17- تحرير الأحكام: ج 1/618.

وأن يستقبل هذه الجمرة ويستدبر القبلة.

الإبهام، بل عن «المختلف»(1) نسبته إلى المشهور.

والوجه في ذلك: - فضلاً عن إطلاق الخبر - أنّ المأمور به فيه هو الدفع بظُفر السبّابة، وهو لا يتيسّر إلّابوضعها على بطن الإبهام.

وأمّا ما عن «الانتصار»(2) من الدفع بظُفر الوسطى عن بطن الإبهام، فلا دليل عليه، والنص يخالفه.

(و) يستحبّ أيضاً: (أن يستقبل هذه الجمرة)، بأن يكون مقابلاً لها، وهو نحو رميها من قبل وجهها، (و) حينئذٍ فيلزمه أن (يستدبر القبلة) كما صرّح به غير واحدٍ(3).

وعن «المنتهى »(4) نسبته إلى أكثر أهل العلم.

وفي «الجواهر»(5): (بل لعلّه لا خلاف فيه).

وكيف كان، فيشهد له صحيح ابن عمّار المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «فارمها من قِبل وجهها ولا ترمها من أعلاها).

وما عن الشيخ(6) من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رماها مستقبلاً لها مستدبر الكعبة، بل عن9.

ص: 60


1- مختلف الشيعة: ج 4/260، وفيه: (أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه).
2- الإنتصار: ص 260.
3- منهم الشيخ في المبسوط: ج 1/369، و ابن حمزة في الوسيلة: ص 180، والحِلّي في السرائر: ج 1/591 وغيرهم.
4- منتهى المطلب: ج 2/732.
5- جواهر الكلام: ج 19/112.
6- المبسوط: ج 1/369.

وفي غيرها يستقبلها، ويجوز الرَّمي عن العليل.

بعضٍ (1) أنّه ورد الخبر باستدبار القبلة في الرَّمي يوم النحر واستقبالها في غيره، وهو دالّ على الأمرين.

وبذلك يظهر وجه ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله: (وفي غيرها يستقبلها).

(ويجوز الرَّمي عن العليل) والمبطون، والمُغمى عليه، ومن أشبههم من أصحاب الأعذار، للضرورة، وظاهر «المنتهى »(2) الاتّفاق عليه.

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن عمّار وعبد الرحمن بن الحجّاج، جميعاً عن الإمام الصادق عليه السلام: «الكسير والمبطون يُرمى عنهما، قال: والصبيان يُرمى عنهم»(3).

ومنها: صحيح إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن المريض تُرمى عنه الجمار؟ قال عليه السلام: نُعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه، قلت: لا يطيق ذلك ؟ قال عليه السلام:

يُترك في منزله ويُرمى عنه»(4).

ومنها: صحيح رفاعة بن موسى ، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ أُغمي8.

ص: 61


1- هو الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/122، والمحكى هو ما رواه ابن بابويه في الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: «وارم إلى جَمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيّات، وتقف في وسط الوادي مستقبل القبلة، يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة، وتقول وأنت مستقبل القبلة والحصى في كفك اليسرى: اللّهُمَّ هذه حصيّاتي فاحصهن عندك، وارفعهن في عملي، ثمّ تتناول منها واحدة وترمي من قِبل وجهها، ولا ترمها من أعلاها، وتكبِّر مع كلّ حصاة»، فقه الإمام الرضا عليه السلام ص 225.
2- منتهى المطلب: ج 2/774.
3- الكافي: ج 4/485 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/74 و 75 ح 18627 و 18629.
4- الفقيه: ج 2/477-478 ح 3006، وسائل الشيعة: ج 14/75 ح 18628.

عليه ؟ فقال عليه السلام: يرمى عنه الجمار»(1).

ومنها: خبر يحيى بن سعيد، عنه عليه السلام: «عن امرأةٍ سقطت عن المحمل فانكسرت ولم تقدر على رمي الجمار؟ فقال عليه السلام: يُرمى عنها»(2).

إلى غير ذلك من النصوص.

***3.

ص: 62


1- التهذيب: ج 5/268 ح 29، وسائل الشيعة: ج 14/76 ح 18631.
2- التهذيب: ج 5/268 ح 31، وسائل الشيعة: ج 14/76 ح 18633.

والثاني: الذبح، ويجب بعد الرَّمي الذبح مرتّباً.

وجوب كون الذبح بعد الرَّمي

(الثاني) ممّا يجب بمنى: (الذبح) إجماعاً كتاباً وسُنّةً كما ستمرّ عليك.

(ويجبُ بعد الرَّمي الذبح مرتّباً) كما عن الشيخ(1) في أحد قوليه والأكثر، ولكن عن الشيخ(2) في قوله الآخر، والعُمّاني(3) والحلبي(4) و «المهذّب»(5)والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(6): استحباب ذلك.

وعن ظاهر «المختلف»(7) أنّه قول معظم الأصحاب، وأسنده في محكي «الدروس»(6) إلى الشهرة.

وأمّا النصوص: فهي طائفتان:

الطائفة الأُولى: ما ظاهره وجوب كون الذبح بعد الرَّمي:

منها: صحيح سعيد الأعرج، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قلت له: معنا نساء؟ قال عليه السلام: أفض بهنّبليل، ولا تفض بهنّ حتّيتقف بهنّ بجمع، ثمّ أفض بهنّ حتّى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإنْلم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن» (7)(9).

ص: 63


1- الاستبصار: ج 2/284، المبسوط: ج 1/374-375.
2- الخلاف: ج 2/345.
3- حكاه عنه العلّامة في «المختلف».
4- الكافي في الفقه: ص 201.
5- المهذب: ج 1/259. (6و7) مختلف الشيعة: ج 4/289.
6- الدروس: ج 1/451-452.
7- الكافي: ج 4/474 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/53 ح 18564.

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليه السلام: «فليرمِ الجمرة ثمّ ليمضِ وليأمر من يذبح عنه»(1).

ومنها: صحيح معاوية، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك»(2).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على جواز التقديم:

منها: صحيح البزنطي، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: «قلتُ له: جعلتُ فداك إنّ رجلاً من أصحابنا رمى الجمرة وحَلَق قبل أن يذبح ؟ فقال: إنّ رسول اللّه عليهما السلام لمّا كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين، فقالوا: يا رسول اللّه ذبحنا من قبل أن نرمي، وحلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق شيءٌ ممّا ينبغي أن يقدّموه إلّاأخّروه، ولا شيء ممّا ينبغي أن يؤخّروه إلّاقدّموه ؟!

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا حرج ولا حرج»(3)، ونحوه غيره.

أقول: وقيل في الجمع بين الطائفتين وجوه:

أحدها: حمل الثانية على صورة الجهل والنسيان.

ثانيها: حمل الأُولى على الندب.

ثالثها: حمل الثانية على إرادة عدم بطلان الحَجّ ، وعدم الكفّارة، والأولى على الحكم التكليفي.

ولكن يدفع الأوّل: أنّه لا موجب لتخصيص الثانية بالجاهل والناسي.

وإنْ قيل: إنّه يجمع بين الطائفتين بذلك.9.

ص: 64


1- الكافي: ج 4/474 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/53 ح 18565.
2- الكافي: ج 4/491 ح 14، وسائل الشيعة: ج 14/155 ح 18854.
3- الكافي: ج 4/504 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/156 ح 18859.

وهو الهَدْي على المتمتّع خاصّة في الفرض والنفل.

قلنا: إنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له.

ويرد على الثالث: أنّه صلى الله عليه و آله لم يقل: (لا شيء عليكم)، بل قال: «لا حَرَج»، وهو ظاهرٌ في نفي اللّزوم التكليفي.

وعليه، فالأظهر هو الجمع بالحمل على الاستحباب.

وجوب الهَدْي على المتمتّع

أقول: يقع الكلام فيمن يجبُ عليه الذبح.

قال المصنّف رحمه الله: (وهو الهَدْي على المتمتّع خاصّة في الفرض والنفل) فهاهنا أحكام:

1 - وجوب الهَدْي على المتمتّع.

2 - عدم اختصاصه بالفرض.

3 - عدم وجوبه على غيره.

أمّا الأوّل: فعليه الإجماع، قال في «المنتهى »: (وأجمع المسلمون كافّة على وجوب الهَدْي على المتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ )(1) انتهى .

والكتاب شاهد به، قال اللّه تعالى: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي اَلْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ » (2).

ص: 65


1- المنتهى: ج 2/734.
2- سورة البقرة: الآية 196.

وأيضاً: النصوص الكثيرة تدلّ عليه:

منها: خبر سعيد الأعرج، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من تمتّع في أشهر الحَجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحَجّ من قابل فعليه شاة»(1). الحديث.

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام في المتمتّع، قال: «وعليه الهَدْي، قلت: وما الهَدْي ؟ فقال عليه السلام: أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة»(2).

ومنها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يُجزي في المتعة شاة»(3).

ونحوهما غيرهما من النصوص المتواترة الواردة عنهم عليهم السلام بألسنة مختلفة.

وأمّا الحكم الثاني: فيشهد له إطلاق الأخبار والآية؛ لعدم اختصاصها بمن أتاها فرضاً.

وأمّا الثالث: فقد طفحت كلماتهم بأنّه لا يجبُ الهَدْي على غير المتمتّع، مُعتمراً كان أو حاجّاً، مفترضاً أو متنفّلاً، مفرداً أو قارناً إلّاما يسوقه القارن عند الإحرام، وتكرّر في كلماتهم دعوى الإجماع عليه(4).

ويشهد له:

1 - خبر الأعرج، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ومن تمتّع في غير أشهر الحَجّ ثمّ جاور بمكّة حتّى يحضر الحَجّ ، فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة»(5).9.

ص: 66


1- الكافي: ج 4/487 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/82 ح 18649.
2- التهذيب: ج 5/36 ح 36، وسائل الشيعة: ج 14/101 ح 18699.
3- الكافي: ج 4/487 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/100 ح 18696.
4- منهم العلّامة في التذكرة: ج 8/223، والمدارك: ج 8/15، والرياض: ج 6/420، والنراقي في المستند: ج 12/296.
5- الكافي: ج 4/487 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/82 ح 18649.

وللمولى الزام المملوك بالصوم أو أن يهدي عنه فان عتق قبل أحد الموقفين لزمه الهَدْي مع القدرة وإلّا صام.

2 - صحيح ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن المفرد، قال عليه السلام: «ليس عليه هدي، ولا أضحية»(1).

إلى غير ذلك من النصوص.

وعليه، فما في بعض الأخبار(2) من وجوب الهَدْي على غير المتمتّع محمولٌ على الاستحباب.

(وللمولى إلزام المملوك بالصوم، أو أن يهدي عنه، فإن أعتق قبل أحد الموقفين لزمه الهَدْي مع القدرة وإلّا صام) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، والنصوص دالّة عليه(3)، ولا يهمّنا تفصيل القول فيه.

***ب.

ص: 67


1- الكافي: ج 4/298 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/80 ح 18642.
2- كصحيح العيص، عن الصادق عليه السلام فيمن اعتمر في رجب، فقال: «إن أقام بمكّة حتّى يخرج منها حاجّاً فقد وجب عليه هدي، فإن خرج من مكّة حتّى يحرم من غيرها فليس عليه هَدي»، التهذيب: ج 5/199 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/79 ح 18640.
3- منها خبر الحسن العطّار: «سألت أَبَا عَبْدِ اللَّه عليه السلام عن رجلٍ أمر مملوكه أن يتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ، أعليه أن يذبح عنه ؟ فقال: لا، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ »، التهذيب: ج 5/200 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/84 ح 18655، وغيرها من نفس الباب.

وتجبُ فيه النيّة، وذبحه بمنى

وجوب ذبح الهَدْي بمنى

(ويجب فيه النيّة) لأنّ الذبح من العبادات، ذكروا ذلك على وجه إرسال المسلّمات، واعتبارها فيها من الواضحات، ويعتبرُ فيها زائداً على الإرادة المحرّكة ونيّة القربة، قصد كونه هدي التمتّع مثلاً؛ لأنّ جهات إراقة الدّم متعدّدة فلا يتخلّص المذبوح هَدْياً إلّابالقصد.

(و) ممّا يجب فيه: (ذبحه بمنى) عند علمائنا كما في «التذكرة»(1)، وإجماعاً كما عن «المفاتيح»(2).

ويشهد به:

1 - خبر إبراهيم الكرخي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ قدم بهديه مكّة في العشر؟ فقال عليه السلام: «إنْ كان هَدْياً واجباً فلاينحره إلّابمنى، وإنْ كان ليس بواجبٍ فلينحره بمكّة إنْ شاء»(3).

2 - خبر عبد الأعلى، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «لا هدي إلّامن الإبل، ولا ذبح إلّا بمنى»(4).

ص: 68


1- التذكرة: ج 8/252.
2- مفاتيح الشرائع: ج 1/352.
3- الكافي: ج 4/488 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/88 ح 18666.
4- التهذيب: ج 5/214 ح 61، وسائل الشيعة: ج 14/90 ح 18671.

3 - صحيح منصور بن حازم، عنه عليه السلام: «في رجلٍ يضلّ هديه فوجده رجل، آخر فينحره ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، وإنْ كان نحره في غير منى لم يُجزئ عن صاحبه»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: وبإزائها خبران:

1 - ما تضمّن ذبح الإمام عليه السلام بمكّة، وهو صحيح معاوية، «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ أهل مكّة أنكروا عليك أنّك ذبحت هَديك في منزلك بمكّة ؟ فقال عليه السلام:

إنّ مكّة كلّها منحر»(2).

ولكن فعل الإمام عليه السلام قضيّةٌ في واقعة، ولعلّه كان الهَدْي مندوباً، وقوله عليه السلام يدلّ على أنّ مكّة منحر بالنسبة إلى ذلك الهَدْي وشبهه.

2 - صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ نسي أن يذبح بمنى حتّى زار البيت، فاشترى بمكّة ثمّ ذبح ؟ قال عليه السلام: لا بأس قد أجزأ عنه»(3).

ولكن ذلك ليس ظاهراً في الذبح بمكّة.

أقول: إلّاأنّ الإنصاف أنّ منع دلالتهما على جواز الذبح بمكّة مكابرة، سيّما الأوّل، فإنّه وإنْ كان في موردٍ خاص إلّاأنّ عموم التعليل يشهد بذلك.

فالأظهر بحسب النصوص جواز الذبح بمكّة، ولكن لعدم إفتاء الأصحاب به ينبغي رعاية الاحتياط بالذبح بمنى.4.

ص: 69


1- الكافي: ج 4/495 ح 8، وسائل الشيعة: ج 14/137 ح 18810.
2- الكافي: ج 4/488 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/88 ح 18667.
3- الكافي: ج 4/505 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/15618858 ح، وص 158 ح 18864.

يوم النحر.

وجوب ذبح الهَدْي يوم النحر

الثالث من واجباته: أن يكون الذبح (يوم النحر)، وعن «المدارك»: (أنّه قول علمائنا)(1).

أقول: من المسلّم عدم تقديمه على يوم النحر، وأمّا تأخيره عنه:

فقد صرّح جماعة بجوازه، ومنهم من قال بجواز تأخيره اختياراً إلى آخر ذي الحجّة كالشيخ في «المصباح»(2)، و «مختصر المصباح»(3)، و «النهاية»(4)، بل وعن «الغُنية»(5) الإجماع عليه.

ومنهم من قال بجواز تأخيره اختياراً إلى ثلاثة أيّام بعد يوم النحر، كصاحب «الجواهر»(6)، وعن ظاهر «المهذّب»(7) جواز تأخيره عن ذي الحجّة.

وعلى جميع الأقوال، لا خلاف بينهم في أنّه لو أخّره إلى آخر ذي الحجّة أجزأه.

وأمّا نصوص الباب:

ص: 70


1- المدارك: ج 8/82.
2- مصباح المتهجّد: ص 735.
3- حكاه عن مختصر المصباح الفاضل الهندي في كشف اللِّثام: ج 6/205.
4- النهاية: ص 257.
5- غنية النزوع: ص 191.
6- الجواهر: ج 19/133-134.
7- المهذّب: ج 1/258.

فمنها: ما يدلّ على تعيّن يوم النحر، وهو النبوي: «خذوا عنّي مناسككم»(1)بعد الاتّفاق على أنّه صلى الله عليه و آله ذبحه يوم النحر، والنصوص التي مرّت في الرخصة للنساء والخائف ونحوه المشتملة على الأمر لهنّ بالتوكيل في الذبح إن خفن الحيض.

ومنها: ما يدلّ على جواز التأخير إلى آخر ذي الحجّة، وهي مطلقات الكتاب والسُنّة.

ومنها: مايدلّ عليجواز التأخير إلى آخر ذي الحجّة، وعدم جواز التأخير عنه:

1 - صحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في متمتّعٍ يجد الثمن ولا يجد الغَنَم ؟ قال: يخلف الثمن عند أهل مكّة، ويأمر من يشتري له ويذبح عنه، وهو يجزي عنه، فإنْ مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة»(2).

2 - وخبر النضر بن قرواش، عنه عليه السلام: «في الفرض لا يذبح عنه إلّافي ذي الحجّة»(3).

ونحوهما غيرهما.

ومنها: ما يدلّ على أنّ وقته أربعة أيّام، كصحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عن الأضحى كم هو بمنى ؟ فقال: أربعة أيّام»(4).

ونحوه موثّق الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام(5).6.

ص: 71


1- غوالي اللآلي: ج 1/215 ح 73 و ج 4/34 ح 118، سنن البيهقي: ج 5/125، مسند أحمد: ج 3/318 وسنن النسائي: ج 5/270 قريب منه.
2- الكافي: ج 4/508 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/176 ح 18913.
3- التهذيب: ج 5/37 ح 39، وسائل الشيعة: ج 14/176 ح 18914.
4- التهذيب: ج 5/202 ح 12، وسائل الشيعة: ج 14/91 ح 18675.
5- التهذيب: ج 5/203 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/92 ح 18676.

ومنها: ما يدلّ على أنّه ثلاثة أيّام، كخبر منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيّام، فمن أراد الصوم لم يصم حتّى تمضي الثلاثة الأيّام»(1).

ونحوه خبر الأسدي(2)، وهذه جميع نصوص الباب.

أمّا الطائفة الأُولى : فلا تدلّ على ما استدلّ بها له؛ فإنّه يرد على التأسّي: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وإن نحر يوم النحر، إلّاأنّه لا يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نُسُكاً، ضرورة احتياج الذبح إلى وقت.

وأمّا نصوص توكيل النساء في الذبح فلا تدلّ على عدم جواز التأخير؛ إذ يمكن أن يكون جائزاً ويجوز التوكيل أيضاً.

وأمّا الطائفة الثانية: فيقيّد إطلاقها بغيرها من النصوص.

وأمّا الطائفة الثالثة: فهي في المعذور.

وأمّا الطائفة الخامسة: فالجمع بينها وبين الطائفة الرابعة يقتضي حملها على إرادة أيّام النحر التي يصام بعدها، كما صرّح به في خبر منصور.

فالمتحصّل: أنّ أيّام النحر بمنى أربعة أيّام، وللمعذور إلى آخر ذي الحجّة، والمختار إن أخّر عن الأربعة أثم، ولكن يُجزي عنه إلى آخر ذي الحجّة.

فرع: قال المصنّف رحمه الله في «المنتهى »: (اللّيالي المتخلّلة لأيّام النحر قال أكثر فقهاء الجمهور إنّه يجزي فيها ذبح الهَدْي؛ لأنّ هاتين اللّيلتين داخلتان في مدّة الذبح، فجاز الذبح فيها كالأيّام. احتجّوا بقوله تعالى: «وَ يَذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ فِي أَيّامٍ 0.

ص: 72


1- الفقيه: ج 2/487 ح 3039، وسائل الشيعة: ج 14/93 ح 18679.
2- الكافي: ج 4/486 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/93 ح 18680.

وعدم المشاركة في الواجب.

مَعْلُوماتٍ » (1) ، واللّيالي تدخل في اسم الأيّام).

ثمّ أجاب قدس سره بالمنع من ذلك(2).

وعن الشهيد في «الدروس» الجواز، قال: (لو ذبح ليالي التشريق فالأشبه الجواز، وإن منعناه فهو مقيّدبالاختيار، فيجوز مع الاضطرار، نعم يكره اختياراً»(3).

أقول: ما أفاده المصنّف رحمه الله من منع شمول الأيّام لليالي لا إشكال فيه، ولكن لا يبعد دعوى ظهور جعل مدّة من الزمان ظرفاً للشيء كونها ظرفاً له بنحو الاستمرار، فيدخل اللّيالي المتوسّطة، ولكن الاحتياط لا يُترك، نعم لا ريب في جوازه للخائف للنصوص الدالّة عليه(4).

عدم إجزاء الهَدْي إلّاعن واحد

(و) الرابع من الواجبات: (عدم المشاركة في الواجب) بلا خلافٍ ، وهو في غير حال الضرورة من الواضحات، فإنّ كلّ فرد مأمور بالهَدْي الواحد.

إنّما الكلام في حال الضرورة:

فالأشهر على ما في «الرياض»(5) أنّه لا يجزي واحد عن متعدّد.

ص: 73


1- سورة الحَجّ : الآية 28.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/740.
3- الدروس: ج 1/441.
4- منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا بأس أن يرمي الخائف باللّيل ويضحي ويفيض باللّيل»، وغيره في وسائل الشيعة: ج 14/94 باب 7 من أبواب الذبح.
5- رياض المسائل: ج 6/424.

وعن «المبسوط»(1)، و «النهاية»(2)، و «الاقتصاد»(3)، و «الجمل والعقود»(4)وغيرها: أنّه يجوز في الهَدْي الواجب عند الضرورة الواحد عن خمسة، وعن سبعة، وعن سبعين، ويجزي عنهم كانوا متّفقين في النُسُك أو مختلفين.

وعن «المختلف»: (الأقرب الإجزاء عندالضرورة عن الكثير دون الاختيار)(5).

أقول: وهناك أقوالٌ أُخر مختلفة كاختلاف النصوص(6):

منها: ما يدلّ على عدم إجزاء الواحد إلّاعن واحدٍ:

1 - خبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «لا يجوز البدنة والبقرة إلّاعن واحدٍ بمنى»(7).

2 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة، ولا تجزي بمنى إلّاعن واحد»(8).

ونحوهما غيرهما.

ومنها: ما يدلّ على الإجزاء عن المتعدّد مطلقاً:

1 - خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «البدنة والبقرة يُضحّى بها تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيتٍ واحد ومن غيرهم»(9).9.

ص: 74


1- المبسوط: ج 1/372.
2- النهاية: ص 258.
3- الإقتصاد: ص 307.
4- الجمل والعقود: ص 146.
5- المختلف: ج 4/279.
6- أنظر المختلف: ج 4/279، والمستند: ج 12/327.
7- الإستبصار: ج 2/266 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/117 ح 18754.
8- التهذيب: ج 5/207 ح 34، وسائل الشيعة: ج 14/118 ح 18757.
9- التهذيب: ج 5/208 ح 38، وسائل الشيعة: ج 14/118 ح 18759.

2 - وخبر إسماعيل بن أبي زياد، عنه عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليه السلام: «البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من أهل بيتٍ واحد، والمسنّة تجزي عن سبعة متفرّقين، والجزور يجزي عن عشرة متفرّقين»(1).

إلى غير ذلك من النصوص.

ومنها: ما يدلّ على التفصيل بين الواجب وغيره، كصحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن النفر تُجزيهم البقرة ؟ قال: أمّا في الهَدْي فلا، وأمّا في الأضحى فنعم»(2).

ومنها: ما يدلّ على الجواز عن المتعدّد في صورةٍ الضرورة، كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

«عن قومٍ غَلَت عليهم الأضاحي وهم متمتّعون، وهم مترافقون، وليسوا بأهل بيتٍ واحد، وقد اجتمعوا في مسيرهم، ومضربهم واحد، ألَهُم أنْ يذبحوا بقرة ؟ قال عليه السلام: لا أحبّ ذلك إلّامن ضرورة»(3).

أقول: وللأصحاب في الجمع بين النصوص مسلكان:

أحدهما: حمل نصوص الجواز على ما لا يكون واجباً، ونصوص المنع على الواجب، ويشهد بهذا الجمع الطائفة الثالثة.

ثانيهما: حمل نصوص الجواز على حال الضرورة، ونصوص المنع على حال الاختيار، قالوا: ويشهد به الطائفة الرابعة.3.

ص: 75


1- التهذيب: ج 5/208 ح 39، وسائل الشيعة: ج 14/118 ح 18760.
2- التهذيب: ج 5/210 ح 44، وسائل الشيعة: ج 14/117 ح 18756.
3- التهذيب: ج 5/210 ح 45، وسائل الشيعة: ج 14/119 ح 18763.

وأن يكون من النِعم.

ورجّح في محكي «الذخيرة» الجمع الثاني، قائلاً على أوّلهما أنّه: (لا يجزي في صحيحة عبد الرحمن)(1)، ولعلّ منشأه التصريح فيها بأنّهم متمتّعون.

وفيه: إنّ كونهم متمتّعين لا ينافي السؤال عن حكم غير الواجب، وعليه فلا معارض لظهور الأضاحي في غير الهَدْي، ويؤيّده قوله عليه السلام: «لا أحبّ ذلك إلّامن ضرورة»، المُشعِر بجواز الشركة في حال الاختيار، وعليه فالجمع الأوّل هو المتعيّن.

فالمتحصّل: أنّ الهَدْي الواجب لا يجوزُ الشركة فيه، فلو تعذّر ينتقل الفرض الى البدل بنص الآية الكريمة، وأمّا غير الواجب فيجوز فيه الشركة.

وجوب كون الهَدْي من النعم

أقول: يقع الكلام في جنس الهَدْي، وفي سنّه، ووصفه، وعدده، ومصرفه، فهاهنا مسائل:

المسألة الأُولى: (و) يجبُ (أن يكون) الهَدْي (من) إحدى (النعم) الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، (بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه)، كما في «الجواهر»(2).

ويشهد به:

1 - صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في المتمتّع ؟ قال عليه السلام: «وعليه الهَدْي، قلت: وما الهَدْي ؟ فقال عليه السلام: أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة»(3).

ص: 76


1- ذخيرة المعاد: ج 1/665 ق 3.
2- الجواهر: ج 19/136.
3- التهذيب: ج 5/36 ح 36، وسائل الشيعة: ج 14/101 ح 18699.

ثنيّاً قد دخل في السادسة إنْ كان من البدن، وفي الثانية إنْ كان من البقر والغنم، ويجزي من الضأن الجذع لسنةٍ .

2 - خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ استمتعت بالعُمرة إلى الحَجّ ، فإنّ عليك الهَدْي، فما استيسر من الهَدْي إمّا جزور وإمّا بقرة وإمّا شاة، وإنْ لم تقدر فعليك الصيام»(1).

ونحوهما غيرهما.

ويؤيّده ما عن المفسّرين، في تفسير قوله تعالى: «لِيَذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ اَلْأَنْعامِ » (2) من أنّها الثلاثة المزبورة(3).

وكونه المعهود والمأثور من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام والصحابة والتابعين.

وأقلّه واحد ممّا ذكر، ولا حَدّ لأكثره، فقد نحر النبيّ صلى الله عليه و آله ستّاً وستّين بدنة(4).

اعتبار السن في الهَدْي

المسألة الثانية: في السن، فالمشهور اعتبار أن يكون الهَدْي (ثنيّاً قد دخل في السادسة إنْ كان من البدن، وفي الثانية إنْ كان من البقر والغنم، ويجزي من الضأن الجذع لسنة)، بل الظاهر عدم الخلاف فيه.

ص: 77


1- تفسير العيّاشي: ج 1/90 ح 233، وسائل الشيعة: ج 14/102 ح 18704.
2- سورة الحَجّ : الآية 34.
3- انظر التبيان: ج 3/415 و: ج 7/314، تفسير شبّر ص 325.
4- كما هو الوارد فيما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام: «ذبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أُمّهات المؤمنين بقرة بقرة، ونحر هو ستّاً وستّين بدنة، ونحر علي عليه السلام أربعاً وثلاثين بدنة، ولم يعط الجزّارين من جلالها ولا قلائدها ولا جلودها ولكن تصدّق به»، التهذيب: ج 5/227 ح 109، وسائل الشيعة: ج 14/100 ح 18698.

أقول: ويشهد للحكمين - أي اعتبار كونه ثنيّاً في غير الضأن، وفيه يكفي الجذع - جملة من النصوص:

منها: صحيح العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الإمام علي عليه السلام، أنّه كان يقول:

«الثنية من الإبل والثنية من البقر والثنية من المعز والجذعة من الضأن»(1).

ومنها: صحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «يجزي من الضأن الجذع، ولا يجزي من المعز إلّاالثنيّ »(2).

ونحوهما غيرهما.

وأمّا ما ورد في حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام في أسنان الأضاحي من قوله عليه السلام: «أمّا البقر فلا يضرّك بأيّ أسنانها ضحيت، وأمّا الإبل فلا يصلح إلّاالثنيّ فما فوق»(3)، فهو في غير الهَدْي، فلا إشكال في الحكم.

وأمّا التفسير الذي أفاده المصنّف من أنّ الثنيّ من الإبل ما كَمُل له خمس سنين ودخل في السادسة، والثنيّ من البقر والغنم ما دخل في الثانية، والجذع من الضأن ما كَمُل له سنة تامّة:

فالأوّل منه لا خلاف فيه، بل عن «المفاتيح»(4) دعوى الإجماع عليه.

والثاني مشهورٌ بين الأصحاب، وعن جماعة(5) أنّه ما دخل في الثالثة، وعن «الوافي»(6): أنّه الأشهر.2.

ص: 78


1- التهذيب: ج 5/206 ح 27، وسائل الشيعة: ج 14/95 ح 18685.
2- التهذيب: ج 5/206 ح 28، وسائل الشيعة: ج 14/103 ح 18707.
3- الكافي: ج 4/489 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/104 ح 18710.
4- مفاتيح الشرائع: ج 1/354.
5- كالسيِّد العاملي في المدارك: ج 8/29، والسبزواري في الذخيرة: ج 1/666 ق 3، والمفاتيح: ج 1/353.
6- الوافي: ج 13/1112.

تامّاً.

والثالث مشهورٌ بين الأصحاب، وهناك أقوالٌ أُخر، فإنْ لم يثبت شيءٌ من الأقوال فاللّازم الاقتصار على الأعلى سناً؛ لقاعدة الاشتغال.

اعتبار كون الهَدْي تامّاً

المسألة الثالثة: يجب في الهَدْي أن يكون (تامّاً)، أي تامّ الأعضاء خالياً عن العيب، فلا يُجزي الناقص والمعيب، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل هو إجماعي.

أقول: وتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

1 - هل هناك ما يدلّ على هذه الكبرى الكليّة أم لا؟.

2 - في ما ورد فيه بالخصوص النص الخاص، وبيان ما يستفاد منه في كلّ مورد وما يتفرّع عليه.

3 - في جملة من التنبيهات.

أمّا المورد الأوّل: فيشهد لعدم إجزاء الناقص:

1 - صحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يشتري الأضحية عوراء، فلا يعلم عورها إلّابعد شرائها، هل تُجزي عنه ؟ قال عليه السلام: نعم، إلّاأن يكون هَدْياً واجباً فإنّه لا يجوز ناقصاً»(1).

ومقتضى ذلك عدم إجزاء الناقص إلّاما خرج بالدليل.

2 - وصحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ يشتري هَدْياً فكان

ص: 79


1- التهذيب: ج 5/213 ح 58، وسائل الشيعة: ج 14/125 ح 18779.

به عيبٌ عوراً وغيره ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، وإنْ لم يكن نَقَد ثمنه ردّه واشتري غيره»(1).

ولا يخفى أنّ المعيب هو الناقص، فإنّ العيب هو النقص عن الخلقة الأصليّة، وعليه فليس لنا كبريان إحداهما عدم إجزاء الناقص، والاُخرى عدم إجزاء المعيب، كي نحتاج إلى الاستدلال للثانية كما في «المستند»(2).

وأمّا المورد الثاني: فقد ورد النص بأنواع العيوب في جملةٍ من الموارد، وهي:

العوراء، والعرجاء، والمريضة البيّن مرضها، والكبيرة التي لا تنقى(3)، وفسرها في «المنتهى »: بالمهزولة التي لا مخ لها(4)، والمكسور قرنها الداخل، ومقطوعة الإذن، والخصي، والمهزولة.

أمّا الأربع الأُولى ففي «المنتهى »(5) دعوى اتّفاق العلماء على عدم إجزاء شيء منها، واستدلّ له بما رواه البراء بن عازب، قال:0.

ص: 80


1- الكافي: ج 4/490 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/130 ح 18791.
2- المستند: ج 12/310.
3- قال الشيخ قدس سره في المبسوط: ج 1/388: (فالّتي تمنع الاجزاء ما رواه البراء بن عازب عن النبيّ صلى الله عليه و آله في حديثه: «العور البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن عرجها - وروي البيّن ضلعها - والكسير التي لا تنقى»... وكذلك الكسير يعني تحطّمت وتكسّرت، وقوله التي: «لا تنقى» يعني التي لا مخّ لها، والنقى المخ»، وقال العلّامة قدس سره في المنتهى: ج 2/740: (فلا يجزي العور والعرجاء البيِّن عرجها ولا المريضة البيِّن مرضها ولا الكسرة التي لا يبقى.. والتي لا يبقى هي التي لا مخ لها لهزالها؛ لأنّ النقي بالنون المكسورة والقاف المسكنة المخى». وقال الكحلاني من العامّة في سبل السّلام: ج 4/93: (والكبيرة التي لا تُنْقِي، بضمّ المثنّاة الفوقيّة وإسكان النون وكسر القاف، أي التي لا نِقْىَ لها بكسر النون وإسكان القاف، وهو المخ)، وسبقه في ذلك ابن قدامة في المغني: ج 11/100، وهو - لفظ (تنقي) - الموافق لما في مسند أحمد: ج 4/300. (4و5) المنتهى: ج 2/740.

«قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله خطيباً، فقال: أربعٌ لا تجوز في الأضحى: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن عرجها، والكسيرة التي لا تنقى»(1)، وضعفه منجبرٌ بالعمل.

ويشهد له في الأولتين: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا يضحّى بالعرجاء بيّن عرجها، ولا بالعوراء بيّن عورها، ولا بالعجفاء، ولا بالخرقاء، ولا بالجذعاء، ولا بالعضباء»(2).

أقول: العجفاء: المهزولة، والخرقاء: المخروقة الأذُن أو التي في أذنها ثقب مستدير، والجذعاء: المقطوعة، والمراد بها هنا المقطوعة الأذُن، والعضباء: المكسور القرن الداخل أو مشقوقة الأذُن.

قال سيّد «المدارك»: (كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العور بين كونه بيّناً كانخساف العين وغيره كحصول البياض عليها، وبهذا التعميم صرّح في «المنتهى »، وأمّا العرج فاعتبر الأصحاب فيه كونه بيِّناً كما ورد في رواية السكوني، وفسّروا البيّن بأنّه الفاحش الذي يمنعها السير مع الغنم، ومشاركتهن في العلف والمرعى فتهزل، ومقتضى صحيحة عليّ بن جعفر عليه السلام عدم إجزاء الناقص من الهَدْي مطلقاً)(3) انتهى .

وأورد عليه صاحب «الحدائق» رحمه الله(4): بأنّ خبر السكوني أخصّ من الصحيح، فيقيّد إطلاقه به كما هي القاعدة المطردة.3.

ص: 81


1- مسند أحمد: ج 4/300، سنن البيهقي: ج 5/242، كنز العمّال: ج 5/87 ح 12171، باختلاف يسير.
2- الكافي: ج 4/491 ح 12، وسائل الشيعة: ج 14/127 ح 18783.
3- مدارك الأحكام: ج 7/73.
4- الحدائق: ج 17/93.

أقول: ولكن يرد على صاحب «الحدائق»: بأنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما هو في المتخالفين، وأمّا المتوافقان كما في المقام فلا يحمل المطلق على المقيّد فيهما.

ويرد على السيّد: أنّ صدق الناقص على مطلق العرج عرفاً محلّ تأمّل.

ويرد على الأصحاب: أنّه ما الفرق بين العور والعرج بعد وحدة الدليل، حتّى من حيث القيد حتّى يصحّ أن يقيّد العرج بالبين دون العور؟! وكما وقع الاتّفاق على الصفات الأربع المتقدّمة، كذلك وقع على ما فيه نقص أكثر من هذه العيوب كالعمى ويشهد به أيضاً: إطلاق صحيح علي بن جعفر المتقدّم.

وأمّا الخامسة: - أي التي انكسر قرنها الداخل، وهو الأبيض الذي في وسط الخارج - فيشهد لعدم إجزائها في الهَدي، وإجزاء ما كسر قرنها الخارج، وإنْ صدق عليه الناقص: صحيح جميل، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«في الأضحية يكسر قرنها؟ قال عليه السلام: إنْ كان القرن الداخل صحيحاً فهو يجزي»(1).

والظاهر جريان الحكمين في المقطوع القرن؛ لصحيحٍ آخر لجميل، عنه عليه السلام، أنّه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن: «إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس، وإنْ كان الظاهر الخارج مقطوعاً»(2).

قال الصدوق: (سمعت شيخنا محمّدبن الحسن - رضي اللّه عنه - يقول: سمعتُ محمّد بن الحسن الصفّار - رضي اللّه عنه - يقول: إذا ذهب من القرن الداخل ثُلثاه وبقي ثُلثه فلا بأس بأن يضحّي به)(3).2.

ص: 82


1- الكافي: ج 4/491 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/128 ح 18785.
2- التهذيب: ج 5/213 ح 56، وسائل الشيعة: ج 14/128 ح 18787.
3- الفقيه: ج 2/496-497 ذيل ح 3062.

وردّه جماعة من متأخّري الأصحاب(1) بمخالفته لمقتضى الخبرين.

وأمّا المقطوعة الأذُن: ففيها روايات:

منها: صحيح البزنطي بإسناد له عن أحدهما عليهما السلام: «عن الأضاحي إذا كانت الأذُن مشقوقة أو مشقوقة أو مثقوبة بسمة ؟ فقال عليه السلام: ما لم يكن منها مقطوعاً فلا بأس»(2).

ومنها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الضحيّة تكون الأذُن مشقوقة ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان شقّها وسماً فلا بأس، وإنْ كان شقّاً فلا يصلح»(3).

ومنها: خبر سلمة أبي حفص، عنه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «كان علي عليه السلام يكره التشريم في الآذان والخرم، ولا يرى بأساً إنْ كان ثقب في موضع المواسم»(4).

ومنها: خبر السكوني المتقدّم.

أقول: المستفاد من المجموع أنّ المانع هو خصوص القطع، وأمّا مجرّد الشقّ أو الثقب فليس بمانع، وبها يقيّد إطلاق صحيح علي بن جعفر عليه السلام إن صدق النقص على الشق أو الثقب.

والأصحاب قطعوا بأنّ الصمعاء - وهي الفاقدة الأذُن خِلْقةً - تُجزي، كما أنّ الجماء - وهي التي لم يخلق لها قرن - تجزي أيضاً.

أقول: إنْ لم يصدق الناقص عليهما يشهد لأجزائهما: الأصل، وإطلاق الأدلّة بعد عدم شمول نصوص المنع لهما، وإنْ صدق يقيّد إطلاق الصحيح بالإجماع.0.

ص: 83


1- كالعلّامة في الرسالة الفخريّة (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة): ج 30/443، والشهيد في الدروس: ج 1/437.
2- التهذيب: ج 5/213 ح 57، وسائل الشيعة: ج 14/129 ح 18788.
3- الكافي: ج 4/491 ح 11، وسائل الشيعة: ج 14/129 ح 18789.
4- الكافي: ج 4/490 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/129 ح 18790.

و استقرب المصنّف رحمه الله في محكي «المنتهى »(1) إجزاء البتراء، وهي التي قطعت ذنبها.

ونفى سيّد «المدارك» رحمه الله(2) البأس عنه، وهو كذلك؛ لعدم صدق الناقص عليه عرفا، والأصل والإطلاق يقتضيان الإجزاء، ولا يهمّنا النزاع في أنّ الصمّاء خصوص الفاقدة صغرى الأذُن، أم تعمّ فاقدة الأذُن بعد أنّ المجمعين صرّحوا بأنّ مرادهم الأعمّ .

وأمّا الخصيّ من الفحولة: فالمشهور بين الأصحاب عدم إجزائه، بل عن ظاهر «التذكرة»(3) و «المنتهى »(4) الإجماع عليه.

ويشهد به: جملة من النصوص كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن الرجل يشتري الهَدْي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب، ولم يكن يعلم أنّ الخصي لا يُجزي في الهَدْي، هل يجزيه أم يعيده ؟

قال عليه السلام: لا يُجزيه إلّاأن يكون لا قوّة به عليه»(5).

ونحوه غيره.

أقول: الظاهر اختصاص المنع بمسلول الخصية، وأمّا المرضوض عروق الخصيتين حتّى تفسد - وهو الموجوء - فلا بأس به، ويشهد به:

1 - حسن معاوية بن عمّار، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «اشتر فحلاً سميناً للمتعة، فإن0.

ص: 84


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/741.
2- المدارك: ج 8/33.
3- التذكرة: ج 8/263.
4- المنتهى (ط. ق): ج 2/741.
5- الكافي: ج 4/494 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/106 ح 18720.

لم تجد فموجوءاً، فإنْ لم تجد فمن فحولة المعز، فإنْ لم تجد فنعجة، وإنْ لم تجد فما استيسر من الهَدي»(1).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «والفحل من الضأن خيرٌ من الموجوء، والموجوءُ خيرٌ من النعجة، والنعجة خيرٌ من المعز»(2).

3 - وصحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «المرضوض أحبّ إليَّ من النعجة وإنْ كان خصياً فالنعجة أحبّ »(3).

ونحوها غيرها.

وعليه، فيجزي المرضوض وإنْ صدق عليه الناقص والخصيّ ، وقد دلّ الدليل على عدم إجزائهما، لأنّه يقيّد إطلاقهما حينئذٍ بالأخبار الخاصّة.

المحكي عن «النهاية»(4) و «المهذّب»(5) و «المبسوط»(6) و «الوسيلة»(7)و «المدارك»(8) إجزاء الخصي إذا تعذّر غيره، واستدلّ لهم بصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّم.

4 - وبخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الخصي يضحى به ؟ قال عليه السلام: لا، إلّا أن لا يكون غيره»(9).5.

ص: 85


1- الكافي: ج 4/490 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/107 ح 18724.
2- التهذيب: ج 5/205 ح 25، وسائل الشيعة: ج 14/111 ح 18738.
3- الكافي: ج 4/490 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/112 ح 18740.
4- النهاية: ص 258.
5- المهذّب: ج 1/257.
6- المبسوط: ج 1/373.
7- الوسيلة: ص 183.
8- المدارك: ج 8/34.
9- الكافي: ج 4/490 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/108 ح 18725.

غير مهزول.

أقول: ولكن خبر أبي بصير في الأضحية، والصحيح يقيّد الجواز بعدم قدرة المكلّف على غيره لا على تعذّر غيره، وسيأتي الكلام في التنبيهات.

عدم إجزاء المهزول

أقول: صرّح غير واحد(1) بأنّه يعتبر أن يكون الهَدْي (غير مهزول) وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه)(2).

ويشهد به: جملة من الأخبار: كصحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«وإنْ اشترى الرجل هَدْياً وهو يرى أنّه سمين أجزاء عنه، وإنْ لم يجده سميناً، ومن اشترى هَدْياً وهو يرى أنّه مهزول فوجده سميناً أجزاء عنه، وإنْ اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول لم يجزئ عنه»(3).

ونحوه صحيحا العيص(4) والحلبي(5)، إلّاأنّهما مطلقان غير مختصين بالهَدْي، ومرسل «الفقيه»(6).

أقول: إنّ مقتضى هذه النصوص اعتبار قيدين في المنع:

ص: 86


1- منهم الشيخ في المبسوط: ج 1/373، والمحقّق في النافع: ص 90، والعلّامة في الإرشاد: ج 1/332، والشهيد في الدروس: ج 1/437.
2- الجواهر: ج 19/147.
3- التهذيب: ج 5/211 ح 51، وسائل الشيعة: ج 14/113 ح 18743.
4- الكافي: ج 4/491-492 ح 15، وسائل الشيعة: ج 14/114-115 ح 18747.
5- الكافي: ج 4/490 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/114 ح 18746.
6- الفقيه: ج 2/498 ح 3066، وسائل الشيعة: ج 14/115 ح 18749.

بحيث لا يكون على كليتيها شَحمٌ .

أحدهما: الشراء بما أنّه مهزول أو وهو يعلم أنّه مهزول.

ثانيهما: كونه مهزولاً وأنّه مع فقد أحدهما يجزي، فلو اشترى وهو يعلم أنّه مهزول فتبيّن كونه سميناً أو اشتراه وهو يعلم أنّه سمين، فانكشف كونه مهزولاً أجزأ، من غير فرقٍ بين ما لو كان الانكشاف بعد الذبح أو قبله في الصورتين.

وقد فُسّر المهزولة بكونها (بحيث لا يكون على كليتيها شحم) كما في الكتاب و «الشرائع»(1)، وعن «المبسوط»(2) و «المهذّب»(3) و «الوسيلة»(4) و «السرائر»(5)و «الجامع»(6) و «القواعد»(7) و «النافع»(8).

ويشهد به:

1 - خبر الفضل، قال: «حججتُ بأهلي سنةً فعزّت الأضاحي، فانطلقتُ فاشتريت شاتين بغلاء، فلمّا ألقيتُ إهابيهما ندمتُ ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته بذلك.

فقال: إنّ كان على كليتيهما شيءٌ من الشحم أجزأت»(9).4.

ص: 87


1- الشرائع: ج 1/194.
2- المبسوط: ج 1/373.
3- المهذّب: ج 1/258.
4- الوسيلة: ص 182.
5- السرائر: ج 1/597.
6- الجامع للشرايع: ص 213.
7- القواعد: ج 1/441.
8- المختصر النافع: ص 90.
9- الكافي: ج 4/492 ح 16، وسائل الشيعة: ج 14/113-114 ح 18744.

وهو وإنْ كان غير نقيّ السند ومضمراً، إلّاأنّ عمل من عرفت لعلّه يكفي في الجبر.

ودعوى(1): أنّه ليس تفسيراًللهزال، أو أنّه لعلّيكون الإجزاءلظنّه السمن أوّلاً.

مندفعة: بأنّه سواءٌ أكان تفسيراً له أو لم يكن، يدلّ على المطلوب؛ أمّا على الأوّل فواضح، وأمّا على الثاني، فلأنّه حينئذٍ يدلّ على اعتبار قيدٍ في مانعيّة الهزال.

وكون الإجزاء لظنّه السمن يدفعه أنّه حينئذٍ لا وجه لما فيه من التقيّيد.

2 - ومرسل الشيخ(2) قال: «وفي روايةٍ أُخرى: أنّ حَدّ الهزال: إذا لم يكن على كليتيه شيءٌ من الشحم».

وعليه، فالأظهر تماميّة هذا التفسير.

حكم ما لو بانَ النقص بعد دفع الثمن

وأمّا المورد الثالث: فينبغي التنبيه فيه على أُمور:

التنبيه الأوّل: استثنى الشيخ في محكي «التهذيب»(3) من عدم إجزاء الناقص ما إذا بانَ النقص بعد دفع الثمن.

واستدلّ له بحسن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل يشتري هَدْياً فكان به عيبٌ عور أو غيره ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، وإنْ لم يكن نقد ثمنه ردّه واشترى غيره»(4).

ص: 88


1- ادّعاه الفاضل النراقي في المستند: ج 12/318.
2- بل مرسلة الكليني. راجع الكافي: ج 4/492 ذيل ح 15، و وسائل الشيعة: ج 14/115 ح 18748.
3- التهذيب: ج 5/214.
4- التهذيب: ج 5/214 ح 60، وسائل الشيعة: ج 14/130 ح 18791.

قيل: وبه يقيّد إطلاق صحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يشتري الأضحية عوراء، فلا يعلم إلّابعد شرائها، هل تجزي عنه ؟ قال عليه السلام: نعم، إلّاأن يكون هَدْياً واجباً فإنّه لا يجوز أن يكون ناقصاً»(1)، فيختصّ بما إذا لم ينقد الثمن.

وفي «المستند»: (إنّ النسبة بين الفريقين عمومٌ من وجه، فمن استثنى عمل بالإطلاق، ومن لم يستثن عمل بأصل الاشتغال بعد رفع اليد عن الإطلاق؛ لتخصيصه بالمجمل الموجب لعدم الحجيّة في موضع الإجمال، وهو الأقوى لذلك»(2)، انتهى .

وفيه: إنّ صحيح علي بن جعفر عليه السلام وإنْ كان في خصوص العوراء، إلّاأنّ ما ورد في ذيله: (فإنّه لايجوز أن يكون ناقصاً)، عام، والعبرة بعموم الوارد لاخصوص المورد، وقد مرّ أنّ العيب هو النقص، وعلى ذلك فالنسبة عموم مطلق، فيقيّد إطلاق الصحيح به، إلّاأنّ الذي يوجب التوقّف في الفتوى، عدم إفتاء أحد غير الشيخ بذلك، بل تردّد هو بنفسه في محكي «الاستبصار»(3) المتأخّر تأليفه عن «التهذيب» أيضاً.

التنبيه الثاني: إذا لم يجد إلّافاقد القيود غير الثابت استثناؤه بخصوصه، فهل يجزي أو ينتقل الفرض إلى الصوم ؟

وجهان، أصحّهما الأوّل، لقوله عليه السلام في صحيح ابن عمّار المتقدّم: «فإنْ لم تجد فما تيسّر(4) لك»(5)، وفي الآخر: «فما استيسر من الهَدي».7.

ص: 89


1- التهذيب: ج 5/213 ح 58، وسائل الشيعة: ج 14/130 ح 18792.
2- مستند الشيعة: ج 12/316.
3- الإستبصار: ج 2/269.
4- في الكافي: «استيسر».
5- الكافي: ج 4/491 ح 14، وسائل الشيعة: ج 14/96 ح 18687.

التنبيه الثالث: قد استثنى عن عدم إجزاء الناقص الخصي إذا لم يجد غيره جماعة، منهم الشهيد قدس سره(1) وسيّد «المدارك»(2)، واستدلّ لذلك بصحيح البجلي، وخبر أبي بصير المتقدّمين في الخصي، وبما في ذيل صحيح ابن عمّار: «فإن لم تجد فما تيسّر لك»(3).

أقول: لكن قد مرّ أنّ صحيح البجلي يدلّ على الاستثناء فيما إذا لم يقدر المكلّف على غيره، وخبر أبي بصير في الأضحية، والنسبة بين ما في صحيح ابن عمّار ونصوص المنع عن الخصي عموم من وجه، ولعلّ الترجيح مع نصوص المنع للشهرة، وأصحيّة السند.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الشهرة غير ثابتة، وفي صحّة السند هما متساويان، وصحيح ابن عمّار موافق للكتاب فيقدّم، مع أنّه يمكن التعدّي عن مورد خبر أبي بصير بعدم القول بالفصل بين الهَدْي والأضحية في هذه الخصوصيّات، فالاستثناء في محلّه.

***7.

ص: 90


1- الدروس: ج 1/437.
2- المدارك: ج 8/33-34.
3- الكافي: ج 4/491 ح 14، وسائل الشيعة: ج 14/96 ح 18687.

ويستحبّ أن تكون سمينة، قد عرف بها.

مستحبّات الهَدْي

المسألة الرابعة: (ويستحبّ ) اُمور:

الأمر الأوّل: (أن تكون سمينة) للإجماع والأخبار:

1 - ففي خبر الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «تكون ضحاياكم سماناً فإنّ أبا جعفر كان يستحبّ أن تكون أضحية سمينة»(1).

2 - وفي خبر محمّد عن أحدهما عليهما السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يضحّي بكبش أقرن عظيمٍ فحل، يأكل في سواد وينظر في سواد، فإن لم تجدوا من ذلك شيئاً فاللّه أولى بالعذر»(2).

ونحوهما غيرهما.

الأمر الثاني: أن يكون (قد عرف بها)، أي احضرت بعرفات عشيّة عرفة، كما عن المفيد(3)، و «المنتهى »(4)، و «التذكرة»(5)، و «المهذّب»(6)، و «المدارك»(7)،

ص: 91


1- التهذيب: ج 5/211 ح 49، وسائل الشيعة: ج 14/109 ح 18731.
2- التهذيب: ج 5/205 ح 25، وسائل الشيعة: ج 14/109 ح 18730.
3- مستند الشيعة: ج 12/320.
4- المنتهى (ط. ق): ج 2/742.
5- التذكرة: ج 8/267.
6- المهذّب: ج 1/257.
7- المدارك: ج 8/39.

إناثاً من الإبل والبقر، وذكراناً من الضأن والمعز،

و «الذخيرة»(1)، و «المفاتيح»(2).

أو مطلقاً كما عن «السرائر»(3) وغيره؛ لصحيح البزنطي: «لا يضحّى إلّابما قد عرف به»(4)، ونحوه غيره، المحمولة على الاستحباب؛ لخبر سعيدبن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عمّن اشترى شاة لم يعرف بها؟ قال: لابأس بها عرف أم لم يعرف»(5).

وبذلك يظهر ضعف ما عن ظاهر التهذيبين(6) و «النهاية»(7) و «المبسوط»(8)و «الإصباح»(9) و «المهذّب»(10) و «الغُنية»(11) من الوجوب.

ويكفي إخبار البائع بالتعريف؛ لصحيح سعيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري عرف بها أم لا؟ فقال عليه السلام: إنّهم لا يكذبون، لا عليك ضح بها»(12).

الأمر الثالث: أن يكون (إناثاً من الإبل والبقر وذكراناً من الضأن والمعز)2.

ص: 92


1- ذخيرة المعاد: ج 1/669 ق 3.
2- حكاه عن المفاتيح المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 12/320.
3- السرائر: ج 1/598.
4- مفاتيح الشرائع: ج 1/355.
5- التهذيب: ج 5/207 ح 32، وسائل الشيعة: ج 14/116 ح 18753.
6- التهذيب: ج 5/206، الإستبصار: ج 2/265.
7- النهاية: ص 258.
8- المبسوط: ج 1/373.
9- إصباح الشيعة: ص 163.
10- المهذّب: ج 1/257.
11- الغنية: ص 191.
12- التهذيب: ج 5/207 ح 33، وسائل الشيعة: ج 14/116 ح 18752.

والدُّعاء عند الذبح.

والنصوص شاهدة بذلك، لاحظ:

1 - صحيح ابن عمّار، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر، وقد تجزي الذكورة من البدن والضحايا من الغنم الفحولة»(1).

2 - وخبر أبي بصير، عن الأضاحي، فقال: «أفضل الأضاحي في الحَجّ : الإبل والبقر، وقال: ذو الأرحام، ولا يضحّي بثور ولا جمل»(2).

ونحوهما غيرهما.

ومقتضاها جواز العكس، فما عن ظاهر بعضهم من وجوب ذلك يردّه النص.

الأمر الرابع: (والدُّعاء عند الذبح) ففي صحيح صفوان، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه، وقُل: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ » ، «إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ اَلْمُسْلِمِينَ » ، اللّهُمَّ منك ولك بسم اللّه وباللّه واللّه أكبر، اللّهُمَّ تقبَّل منّي، ثمّ أمرَّ السكّين ولا تنخعها حتّى تموت»(3).

وفي نصوص اُخر غير هذا الدُّعاء(4)، والكلّ حسن.

***0.

ص: 93


1- التهذيب: ج 5/204 ح 19، وسائل الشيعة: ج 14/98 ح 18690.
2- التهذيب: ج 5/204 ح 21، وسائل الشيعة: ج 14/99 ح 18693.
3- الكافي: ج 4/498 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/152 ح 18849.
4- كمرسلة الصدوق في تضحية أمير المؤمنين عليه السلام أنّه يقول: «بسم اللّه وجّهت وجهي - إلى أن يقول - ربّ العالمين، اللّهُمَّ منك ولك»، الفقيه: ج 2/489 ح 3046، وسائل الشيعة: ج 14/153 ح 18850.

عدم وجوب الأكلّ من الهَدْي

المسألة الخامسة: في مصرف الهَدْي، وفيها فروع:

الفرع الأوّل: هل يجب أكل المالك منه أم لا؟

ذهب إلى الأوّل جمعٌ من المحقّقين على ما في كتبهم، كالقواعد(1)، و «المنتهى »(2)، و «المختلف»(3)، و «الشرائع»(4)، و «كنزالعرفان»(5)، و «الدروس»(6)، و «المدارك»(7)، و «الذخيرة»(8)، و «الكفاية»(9)، وهو ظاهر الصدوق(10)، والعُمّاني(11).

وعن الشيخ(12) وأبي الصلاح(13) وابن البرّاج(14) وجماعة القول باستحباب ذلك، وفي «الرياض»: (وعزاه في الدروس إلى الأصحاب، ولعلّه الأقوى )(15).

أقول: واستدلّ للوجوب:

ص: 94


1- القواعد: ج 1/441.
2- المنتهى (ط. ق): ج 24/752.
3- المختلف: ج 4/285.
4- الشرائع: ج 1/195.
5- كنز العرفان: ج 1/313.
6- الدروس: ج 1/439 و 446.
7- المدارك: ج 8/43.
8- ذخيرة المعاد: ج 1/670 ق 3.
9- كفاية الأحكام: ج 1/352.
10- المقنع: ص 274.
11- حكاه عنه في العلّامة في المختلف: ج 4/285.
12- النهاية: ص 261.
13- الكافي في الفقه: ص 200.
14- المهذّب: ج 1/259.
15- الرياض: ج 6/453.

1 - بالأمر به في قوله تعالى : «وَ اَلْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اَللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا اَلْقانِعَ وَ اَلْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (1).

2 - وبالنصوص الآمرة به، كصحيح معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام: «إذا ذبحت أو نحرت فكُل وأطعم، كما قال اللّه تعالى: «فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا اَلْقانِعَ وَ اَلْمُعْتَرَّ» ، فقال: القانع الذي يقنع بما أعطيته، والمعتر الذي يعتريك، والسائل الذي يسألك في يديه، والبائس الفقير»(2).

3 - وبالنصوص المتضمّنة أنّ «رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر أن يؤخذ من كلّ بدنة بضعة، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فطبخت فأكل هو وعليّ وحسوا من المرق، وقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله أشركه في هديه»(3).

أقول: أمّا الآية الشريفة - فمضافاً إلى اختصاصها بالبُدن وهي جمع بدنة، وهي من الإبل خاصّة، وعدم اختصاصها بهدي التمتّع - أنّ الأمر بالأكل فيها لوروده مورد توهم الحظر، خصوصاً بعدما في «كنز العرفان»: (كانت الأُمم من قبل شرعنا يمتنعون من أكل نسائكهم، فرفع اللّه تعالى الحرج من أكلها في هذه الملّة)(4)، لا يستفاد منه الوجوب.

وبذلك يظهر ما في الاستدلال بالآية الاُخرى ، وهي: «وَ أَذِّنْ فِي اَلنّاسِ بِالْحَجِّ » (5) - إلى قوله عزّ وجلّ - «وَ يَذْكُرُوا اِسْمَ اَللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما7.

ص: 95


1- سورة الحَجّ : الآية 36.
2- التهذيب: ج 5/223 ح 90، وسائل الشيعة: ج 14/159 ح 18865.
3- التهذيب: ج 5/223 ح 91، وسائل الشيعة: ج 14/159-160 ح 18866.
4- كنز العرفان: ج 1/314.
5- سورة الحَجّ : الآية 27.

رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ اَلْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا اَلْبائِسَ اَلْفَقِيرَ» (1) .

وأمّا النصوص الآمرة به، فهي أيضاً - من جهة عدم جواز الأكلّ من الكفّارات، ولأجل ما ذكر في الآية، وللأمر بإطعام الأهل ثلثاً وإطعام القانع والمعترّ ثلثاً وإطعام المساكين ثلثاً في نصوص اُخر(2) - لا تكون ظاهرة في وجوب الأكل.

أقول: والذي يظهر لي من الجمع بين النصوص أنّ المراد أنّه بعد الذبح يكون اختيار قسم من الذبيحة بيد المالك يفعل به ما يشاء، لاحظ:

1 - خبر جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام، ثمّ أذن لنا أن نأكل ونقدد ونهدي إلى أهالينا»(3).

2 - وخبر علي بن أسباط، عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «رأيتُ أبا الحسن الأوّل عليه السلام دعا ببدنة فنحرها فلمّا ضرب الجزّارون عراقيبها فوقعت إلى الأرض وكشفوا شيئاً من سنامها، فقال عليه السلام: اقطعوا وكُلوا منها وأطعموا، فإنّ اللّه تعالى يقول: «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا(4)» »(5).

فالمراد بالأكل في هذه النصوص والآيتين هو المراد به في الآية الشريفة: «وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ » (6).

وبما ذكرناه ظهر ما في نصوص أكله عليه السلام مع أنّه أعمّ من الوجوب، فالأظهر عدم وجوب الأكل.9.

ص: 96


1- سورة الحَجّ : الآية 28.
2- التهذيب: ج 5/223 ح 92، وسائل الشيعة: ج 14/160 ح 18867.
3- الإستبصار: ج 2/274 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/169 ح 18894.
4- سورة الحَجّ : الآية 36.
5- الكافي: ج 4/501 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/166 ح 18884.
6- سورة البقرة: الآية 188، سورة النساء: الآية 29.

عدم وجوب إطعام شيء من الهَدْي

الفرع الثاني: صرّح جماعة بوجوب إطعام شيء منه، وإنْ نَسب الشهيد(1)استحباب أصل الصرف في الثلاثة إلى الأصحاب.

وقد اختلف القائلون بوجوب الإطعام: فعن الحِلّي(2) يجب التصدّق على القانع والمعترّ ولم يزد على ذلك.

وعن «الكفاية»: (والواجب مسمّى الأكل، وإعطاء شيء إلى القانع وإعطاء شيء إلى المعترّ)(3).

وعن «الذخيرة»: (إعطاء شيء إلى الفقير أيضاً)(4).

وعن «المدارك»: (وجوب الأكل منه والإطعام)(5).

وعن «الدروس»(6) و «المسالك»(7): وجوب الأكل وإهداء الاخوان، والصدقة على الفقراء، وهو ظاهر الصدوق(8) والعُمّاني(9).

أمّا الأدلّة: ففي إحدى الآيتين أمرٌ بإطعام القانع والمعترّ، وفي الاُخرى بإطعام البائس الفقير.

ص: 97


1- الدروس: ج 1/439.
2- منهم الحِلّي في السرائر: ج 1/598.
3- كفاية الأحكام: ج 1/352، باختلاف.
4- الذخيرة: ج 1/670 ق 3.
5- المدارك: ج 8/43.
6- الدروس: ج 1/439.
7- المسالك: ج 2/303.
8- المقنع: ص 274.
9- حكاه عنه في المختلف: ج 4/285.

وفي صحيح ابن عمّار، وخبر علي بن أسباط المتقدّمين أمر بالإطعام مطلقاً.

وفي صحيح يوسف التمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أطعم أهلك ثلثاً، وأطعم القانع والمعترّ ثلثاً، وأطعم المساكين ثلثاً»(1).

وفي موثّق العقرقوفي عنه عليه السلام: «كُل ثُلثاً، واهدِ ثلثاً، وتصدّق بثُلث»(2)، وفي غيرها غير ذلك.

وعليه، فلأجل قرائن ثلاث يتعيّن حمل جميع الأدلّة على إرادة بيان كيفيّة الصرف إذا أراد أن يصرف، كما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(3)، وإليك تلك القرائن:

1 - إنّ إطعام الأهل خصوصاً بالثلث ليس بواجب قطعاً؛ لأنّا نقطع أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله لم يُطعم ثُلث ست وستّين بدنة التي ساقها في حجّه الأخير أهله، وكذلك الوصيّ عليه السلام لم يُطعم أهله ثُلث أربع وثلاثين بدنة التي ساق النبيّ صلى الله عليه و آله له في تلك السنة.

2 - أنّ القانع والمعترّ بل والفقير لم تكن في تلك الأيّام الخاصّة في منى، ولا تكون أبداً بحيث يعطيهم كلّ من يذبح الهَدْي.

3 - ما في الأخبار من الاختلاف.

وعليه، فالأظهر عدم وجوب ذلك أيضاً.

الفرع الثالث: بناءً على وجوب الأكل والإطعام، فالظاهر تحقّق الامتثال بمسمّى الأكل وإطعام الفقير والقانع والمعتر، ولا دليل على وجوب التثليث، وفي0.

ص: 98


1- التهذيب: ج 5/223 ح 92، وسائل الشيعة: ج 14/160 ح 18867.
2- الكافي: ج 4/488 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/165 ح 18882.
3- الجواهر: ج 19/160.

وأن يأكل ثلثه، ويهدي ثلثه، ويُطعم القانع والمعترّ ثلثه.

«الجواهر»: (لم أعرف قائلاً به)(1).

وأمّا ما في هَدي السياق من الأمر بإطعام الأهل ثلثاً وإطعام القانع والمعترّ ثلثاً، وإطعام المساكين ثلثاً، كصحيح التمار المتقدّم.

فأوّلاً: التعدّي منه إلى المقام يحتاج إلى دليل.

وثانياً: اتّفقت كلماتهم على عدم لزوم إعطاء الأهل، ولا أكل المالك الثلث حتّى في هَدي السياق، بل الظاهر عدم إمكانه غالباً، فيحمل على إرادة الاستحباب مع الإغماض عمّا ذكرناه.

وبه يظهر حال موثّق العقرقوفي المتقدّم المتضمّن الأمر بأكل الثلث وإهداء الثلث والتصدّق بثلث.

(و) به يظهر مدرك ما أفاده المصنّف رحمه الله من استحباب (أن يأكل ثلثه، ويهدي ثلثه، ويُطعم القانع والمعترّ ثلثه).

إخراج لحم الهَدْي من منى

الفرع الرابع: قالوا(2) لا خلاف في مرجوحيّة إخراج لحم الهَدْي من منى، وعن بعضهم(3) الإجماع عليه، واختلفوا في حرمته وكراهته.

نَسب صاحب «الذخيرة»(2) الحرمة إلى المشهور، وقال سيّد «المدارك»: (هذا

ص: 99


1- الجواهر: ج 19/161. (2و3) منهم المحقّق النراقي في المستند: ج 12/338.
2- الذخيرة: ج 1/666 ق 3.

مذهب الأصحاب)(1)، ونَسب في محكي شرح «المفاتيح»(2) الكراهة إلى المشهور.

أقول: والحقّ أنّه لا يكون حراماً ولا مكروهاً؛ فإنّ طائفة من النصوص وإن تضمّن النهي عن إخراج اللّحم من منى كحسن معاوية، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «لا تُخرجن شيئاً من لحم الهَدي»(3)، ونحوه غيره.

إلّا أنّ طائفة أُخرى من النصوص تدلّ على أنّ المنع كان لأجل احتياج مَن في منى، وإلّا فلا بأس بإخراجه، حتّى للمالك، بل له أن يتزوّد منها، لاحظ صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ؟ فقال عليه السلام: كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة النّاس إليه، فأمّا اليوم فقد كثر النّاس فلا بأس بإخراجه»(4).

ونحوه مرسل الصدوق(5).

وخبر جابر: «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام، ثمّ أذن لنا أن نأكل ونقدد، ونهدي إلى أهالينا»(6)، ونحوها غيرها.

كما أنّ جملة اُخرى من النصوص مصرّحة بأنّ نهي رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الادّخار بعد ثلاثة أيّام كان لأجل حاجة النّاس، وأمّا اليوم فلا بأس، فللحاجّ وغيره أن يدّخر هَديه إنْ أمكن(7).6.

ص: 100


1- المدارك: ج 8/25.
2- حكاه عنه النراقي في المستند: ج 12/339.
3- التهذيب: ج 5/226 ح 105، وسائل الشيعة: ج 14/171 ح 18901.
4- الكافي: ج 4/500 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/172 ح 18904.
5- الفقيه: ج 2/423 ح 3056، وسائل الشيعة: ج 14/170 ح 18898.
6- لإستبصار: ج 2/274 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/169 ح 18894.
7- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/169 ح 18896.

ولو فقد الهَدْي.

وعلى هذا، فلا يكون الإخراج ولا الادّخار حراماً ولا مكروهاً، بل لعلّه يكون ذلك واجباً لولا المشقّة والحرج في هذه الأيّام خوفاً من إتلاف المال، فإنّ ما تداول من دفن الهَدْي في هذه الأزمنة إتلاف له.

هذا في اللّحم.

وأمّا الجلد وما شاكل: فلا إشكال في جواز إخراجها، وقد صرّح به النصوص(1).

وبما ذكرناه تنحلّ العويصة، وغصّة عارضة على جمعٍ من أفاضل العصر، بأنّه كيف يمكن أن يأمر الشارع الأقدس بذبح الهَدْي مع ما نرى بالوجدان أنّه يدّخر الجميع في محلّ وتعدم!؟، وهل نتيجة هذا الحكم سوى إتلاف المال ؟، تعالى الشارع الأقدس من الأمر بذلك.

إذ على ما ذكرناه - إذا وضع برّاد في منى لتحفظ فيه جميع لحوم الأضاحي التي تذبح في الموسم، ثمّ توزّع على فقراء المسلمين خلال العام إلى العام القابل، وكذلك إذا بيعت جلود الحيوانات المذبوحة وأصوافها وما إلى ذلك، واُنفقت أثمانها في مصالح المسلمين - لا يكون في ذبح تلك الحيوانات إذاً إتلاف للمال بدون فائدة، بل هو حينئذٍ مشروعٌ اقتصادي مهمّ ، يفيد المسلمين والبلاد الإسلاميّة منه، وبناءً على ذلك فالإشكال متوجّه على المسلمين، حيث لا يعملون بأوامر الإسلام، ومنها تحقيق هذا المشروع، وليس متوجّهاً على نفس الحكم القاضي بتضحية تلك الذبائح في الموسم.

حكم من عجز عن الهَدْي وكان واجداً لثمنه

(ولو فُقِد الهَدْي):

فتارةً : واجدٌ لثمنه.

ص: 101


1- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/173 باب 43 من أبواب الذبح.

ووجد ثمنه خلّفه عند من يشتريه، ويذبحه طول ذي الحجّة.

واُخرى : فاقدٌ له أيضاً.

وعلى الثاني:

تارةً : يتمكّن من الاستقراض وأدائه، أو يكون له متاعٌ أو جنس يتيسّر له دفعه بإزاء الهَدْي أو بيعه وصرف ثمنه فيه.

واُخرى: لا يتمكّن من ذلك أيضاً، أو يتعسّر عليه ذلك.

وعلى الأوّل:

فتارةً : يكون الهَدْي موجوداً يمكنه تحصيله.

وأُخرى: لا يمكن إلّابأن يخلف ثمنه عند من يشتريه.

وثالثة: لا يتمكّن من ذلك أيضاً.

فالكلام في صور:

الصورة الأُولى: لا إشكال ولا كلام في أنّه إذا كان ثمنه موجوداً عنده، ويتمكّن من تحصيله بالاشتراء، وجب عليه ذلك؛ لصدق وجدان الهَدْي، وللأمر بالاشتراء في كثير من النصوص المتقدّم طرف منها.

(و) الثانية: لو كان واجداً للثمن، ولم يتمكّن من اشترائه لعدم وجود الهَدْي، ففيه أقوال:

القول الأوّل: ما عن الصدوقين(1) والشيخين(2) والمصنّف والمحقّق(3) في غير «الشرائع»، بل الأكثر، بل عامّة من تأخّر: أنّه إنْ (وجد ثمنه خلفه عند من يشتريه ويذبحه طول ذي الحجّة)، فإنْ مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة.0.

ص: 102


1- الفقيه: ج 2/513.
2- المفيد في المقنعة: ص 390، والشيخ في المبسوط: ج 1/370، والنهاية: ص 254.
3- المختصر النافع: ص 90.

القول الثاني: ما عن «الفقية»(1) و «الشرائع»(2) و «السرائر»(3) وهو الانتقال إلى الصوم، ونُسب ذلك إلى العُمّاني(4)، - وتنظّر فيه بعضهم(5)، - وإلى «الجمل والعقود»(6)، وتنظّر فيه آخر(7).

القول الثالث: ما عن الإسكافي(8) وهو التخيّير بين العدلين وبين التصدّق بالوسطى من قيمة الهَدْي.

أقول: وأمّا النصوص فهي طوائف:

الطائفة الأُولى: ما يدلّ على القول الأوّل، كصحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في متمتّعٍ يجد الثمن ولا يجد الغنم ؟ قال عليه السلام: يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه، فإنْ مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة»(9).

وبمضمونه خبر النضر بن قرواش(10)، إلّاأنّ السائل فرض فيه الضعف عن الصيام.4.

ص: 103


1- الفقيه: ج 2/508.
2- الشرائع: ج 1/195.
3- السرائر: ج 1/414 و ص 538 و ص 592.
4- حكاه العلّامة عنه في المختلف: ج 4/271.
5- المتنظّر هو السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 6/458.
6- الجمل والعقود: ص 146.
7- المتنظّر هو الفاضل النراقي في المستند: ج 12/359.
8- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/271.
9- الكافي: ج 4/508 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/176 ح 18913.
10- التهذيب: ج 5/37 ح 39، وسائل الشيعة: ج 14/176 ح 18914.

الصورة الثانية: ما استدلّ به للقول الثاني، وهي رواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام:

«عن رجلٍ تمتّع فلم يجد ما يهدي حتّى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاةٍ ، أيذبح أو يصوم ؟، قال عليه السلام: بل يصوم فإنّ أيّام الذبح قد مضت»(1).

الصورة الثالثة: ما يدلّ على التصدّق بالوسطى ، و هي رواية عبد اللّه بن عمر، قال:

«كنّا بمكّة فأصابنا غلاء في الأضاحي، فاشترينا بدينار ثمّ بدينارين ثمّ بلغت سبعة ثمّ لم توجد بقليلٍ ولا كثير، فرقع هشام المكاري رقعة إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا ثمّ لم نجد بقليلٍ ولا كثير، فوقّع عليه السلام: انظروا إلى الثمن الأوّل والثاني والثالث ثمّ تصدّقوا بمثل ثُلثه»(2).

أقول: أمّا خبر عبداللّه فهو ضعيف؛ لجهالة عبداللّه، ولإعراض الأصحاب عنه، وأمّا خبر أبي بصير فهو فيمن قدر على الذبح بنفسه، في منى بعد مُضيّ أيّام التشريق، ولم يقدر على ثمنه أيضاً قبله، فهو غير ما نحن فيه، فالمعتمد هي الطائفة الأُولى.

ودعوى: أنّها مخالفة للكتاب، فإنّ قوله تعالى: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ » (3) إلى آخره، يدلّ على تعيّن الصوم عليه.

فإنْ قيل: إنّ تيسر الهَدْي ووجدانه يعمّان العين والثمن.

قلنا: إنّ وجدان الهَدْي إنّما يصدق على وجدان ثمنه إذا كان موجوداً وأمكن6.

ص: 104


1- الكافي: ج 4/509 ج 9، وسائل الشيعة: ج 14/177 ح 18915.
2- الفقيه: ج 2/497 ح 3063، وسائل الشيعة: ج 14/203 ح 18983.
3- سورة البقرة: الآية 196.

شراؤه، لا ما إذا لم يكن موجوداً، كما في وجدان الماء المأخوذ موضوعاً لوجوب الوضوء والغُسل.

مندفعة: بأنّ النصوص أخصّ مطلق من الآية الشريفة، وقد حُقّق في محلّه أنّه يقيّد إطلاق الكتاب بالخبر.

الصورة الثالثة: إذا لم يجد الثمن، ولكن تمكّن من الاستقراض والأداء، أو كان له متاعٌ تيسّر له دفعه أو دفع ثمنه بإزاء الهَدْي، فالظاهر وجوبه وعدم الانتقال إلى الصوم؛ لما تقدّم من صدق الوجدان والتيسّر عليه.

نعم، لا يجب بيع ما يحتاج إليه؛ لأدلّة نفي العُسر والضرر، ويمكن استفادته من صحيح البزنطي الآتي. كما وقد استثني من ذلك لباس التجمّل، بل الفضل من الكسوة مطلقاً، والظاهر أنّه لا خلاف فيه:

1 - لصحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن المتمتّع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه، فتسوى بذلك الفضول مائة درهم، يكون ممّن يجب عليه ؟ فقال: لابدّ من كسرٍ أو نفقة ؟

قلت: له كسر أو ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة ؟ فقال عليه السلام: وأيّ شيء كسوة بمائة درهم ؟، هذا ممّن قال اللّه تعالى: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» (1)، إلى آخره».

2 - ومرسل علي بن أسباط، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:

«قلت له: رجلٌ تمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ وفي عيبته ثياب له، أيبيع من ثيابه شيئاً ويشتري هديه ؟ قال عليه السلام: لا، هذا يتزيّن به المؤمن، يصوم ولايأخذ من ثيابه شيئاً»(2).

ولوباع شيئاًمن المستثنى، واشترى هَدْياًوجب ذبحه، لصدق الوجدان والإستيسار.2.

ص: 105


1- التهذيب: ج 5/486 ح 381، وسائل الشيعة: ج 14/201 ح 18981.
2- التهذيب: ج 5/238 ح 141، وسائل الشيعة: ج 14/202 ح 18982.

ولو فقده صام ثلاثة أيّام متتابعة في الحَجّ ، وسبعة إذا رجع.

الصوم بدل عن الهَدْي

الصورة الرابعة: (ولو فقد) الهَدْي وفقد ثمن (- ه) أيضاً، (صام ثلاثة أيّام متواليات في الحَجّ وسبعة إذا رجع) إلى أهله، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل هو إجماعي، بل ضروري والكتاب والسُنّة يشهدان به، وتمام الكلام في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: يعتبر أن يكون الثلاثة الأيّام في الحَجّ ، أي في شهره وهو ذو الحجّة الذي يحجّ فيه، بلا خلاف، ويشهد به:

1 - صحيح رفاعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المتمتّع لا يجدُ الهَدْي ؟ قال عليه السلام:

يصوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، قلت: فإنّه قدم يوم التروية ؟ قال:

يصوم ثلاثة أيّام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله ؟ قال عليه السلام: يصوم يوم الحصبة وما بعده يومين، قلت: وما الحصبة ؟، قال عليه السلام: يوم نفره، قلت: يصوم وهو مسافر؟، قال عليه السلام: نعم، أليس هو يوم عرفة مسافرا؟، إنّا أهل بيت نقول ذلك، لقول اللّه عزّ وجلّ : «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي اَلْحَجِّ » (1)، يقول في ذي الحجّة»(2).

2 - وصحيح منصور، عنه عليه السلام: «من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة، وليس له صوم ويذبحه بمنى»(3).

3 - وخبر ابن البُختري، عنه عليه السلام: «فيمن لم يصم الثلاثة الأيّام في ذي الحجّة

ص: 106


1- سورة البقرة: الآية 196.
2- الكافي: ج 4/506 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/178 ح 18919.
3- الكافي: ج 4/509 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/185 ح 18939.

حتّى يهلّ عليه الهلال ؟ قال عليه السلام: عليه دم؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي اَلْحَجِّ » (1) في ذي الحجّة»(2)، ونحوها غيرها.

وبما ذكرناه يظهر دلالة الآية الشريفة عليه.

الفرع الثاني: يعتبر التوالي في الثلاثة بلا خلافٍ ، بل عن «المنتهى »(3) وغيره الإجماع عليه كما في «الجواهر»(4).

وفي «المستند»: (بإجماعنا المصرّح به في كلام جماعةٍ )(5).

ويشهد به النصوص:

منها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تصوم(6) الثلاثة الأيّام متفرّقة»(7).

ومثله الصحيح المروي عن «قرب الإسناد»(8).

ومنها: خبر البَجَلي الآتي، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ : «ولكن يصوم ثلاثة أيّام متتابعات بعد أيّام التشريق»(9)، ونحوها غيرها.

أقول: استثنى الأصحاب من وجوب التتابع فيها، ما لو صام يومي التروية وعرفة، فيأتي بالثالث بعد أيّام التشريق، وعن الحِلّي(10) الإجماع عليه.3.

ص: 107


1- سورة البقرة: الآية 196.
2- تفسير العيّاشي: ج 1/92 ح 240، وسائل الشيعة: ج 14/187 ح 18944.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 4/743.
4- جواهر الكلام: ج 19/167.
5- المستند: ج 12/343.
6- في التهذيب: «يصوم».
7- التهذيب: ج 5/232 ح 123، وسائل الشيعة: ج 14/198 ح 18972.
8- قرب الإسناد ص 10، وسائل الشيعة: ج 14/182-183 ح 18932.
9- التهذيب: ج 5/231 ح 122، وسائل الشيعة: ج 14/196 ح 18969.
10- السرائر: ج 1/593.

ويشهد به موثّق يحيى الأزرق، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ قَدِم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي، فصام يوم التروية ويوم عرفة ؟ قال عليه السلام: يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق»(1).

وبإزاء ذلك روايات:

منها: خبر عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السلام في حديث: «لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة، ولكن يصوم ثلاثة أيّام متتابعات بعد أيّام التشريق»(2).

ومنها: خبر علي بن الفضل الواسطي: «إذا صام المتمتّع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيّام في الحَجّ »(3).

ومنها: صحيح العيص عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن متمتّعٍ يدخل يوم التروية وليس معه هدي ؟ قال: فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة، ويتسحّر ليلة الحصبة، فيصبح صائماً وهو يوم النفر، ويصوم يومين بعده»(4).

وفي «المستند»(5): (أنّ خبر الواسطي أعمّ من الطائفة الأُولى ، فيقيّد إطلاقه بها، وبقيّة النصوص ليست ظاهرة في عدم الجواز، لكونها بالجملة الخبريّة التي لا تفيد إلّاالمرجوحيّة).

ولكن قد مرّ غير مرّة أنّ الجملة الخبريّة ظاهرة في اللّزوم.

والحقّ أنْ يقال: إنّ موثّق الأزرق صريحٌ في الجواز، ونصوص المنع ظاهرة في5.

ص: 108


1- الفقيه: ج 2/512 ح 3101، وسائل الشيعة: ج 14/196 ح 18968.
2- التهذيب: ج 5/231 ح 122، وسائل الشيعة: ج 14/196 ح 18969.
3- التهذيب: ج 5/231 ح 121، وسائل الشيعة: ج 14/196 ح 18970.
4- الكافي: ج 4/508 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/197 ح 18971.
5- المستند: ج 12/345.

عدم الجواز، فتحمل على المرجوحيّة حملاً للنص على الظاهر، كما أفاده الأصحاب.

الفرع الثالث: هل يجب مع التمكّن أن يكون الثلاثة الأيّام، الأيّام التي تكون قبل يوم النحر، كما عن الحِلّي(1) مدّعياً أنّ عليه الإجماع ؟

أم يستحبّ ذلك كما صرّح به جماعة(2) وقد ادّعي الإجماع(3) عليه أيضاً؟.

وجهان: من الأمر به في كثير من النصوص - كصحيح رفاعة المتقدّم وغيره من الأخبار - ومن التصريح بجواز التقديم اختياراً في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «من لم يجد هَدْياً وأحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس»(4).

وأقواهما الثاني، فتُحمل النصوص الآمرة به على الاستحباب، وعليه فيجوز التأخير أيضاً.

أقول: وهل تجبُ المبادرة إليه بعد أيّام التشريق كما نُسب إلى الأكثر(5)؛ للأمر به في النصوص، ففي خبر الأزرق: «يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق»(6)، وفي خبر البجلي المتقدّم: «ولكن يصوم ثلاثة أيّام متتابعات بعد أيّام التشريق»، ونحوهما غيرهما؟

أم لا تجب لعدم ظهور لفظة (بعدُ) في الاتّصال، خصوصاً وأنّها جُعلت في4.

ص: 109


1- السرائر: ج 1/594.
2- كالعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/743، والشهيد في الدروس: ج 1/440، والمُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/124.
3- منهم العلّامة في المنتهى: ج 2/473.
4- الكافي: ج 4/507 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/199 ح 18975.
5- نسبه إلى الأكثر الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/140.
6- الكافي: ج 4/508 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/194 ح 18964.

النصوص في مقابل الصوم أيّام التشريق ؟

وجهان، أظهرهما الثاني.

***

حكم صوم أيّام التشريق بمنى

الفرع الرابع: في صوم أيّام التشريق بمنى أقوال:

القول الأوّل: ما عن أبي عليّ (1) من إباحة صومها فيها.

القول الثاني: ما عن الصدوقين(2) والشيخ في «النهاية»(3) والحِلّي(4) وسيّد «المدارك»(5) والفاضل الخراساني(6) وجمع آخرين من جواز صوم يوم النفر، وهو الثالث عشر، ويُسمّى يوم الحصبة.

القول الثالث: ما نُسب(7) إلى المشهور من عدم جواز صومها.

وجه الأوّل: قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر إسحاق، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«من فاته صيام الثلاثة الأيّام التي في الحَجّ ، فليصمها أيّام التشريق، فإنّ ذلك جائزٌ له»(8).

وقوله عليه السلام، في خبر القدّاح: «من فاته صيام الثلاثة الأيّام في الحَجّ ، وهي قبل

ص: 110


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/273.
2- الصدوق في الفقيه: ج 2/302، وحكاه العلّامة عن والد الصدوق في المختلف: ج 4/273.
3- النهاية: ص 255.
4- السرائر: ج 1/592.
5- المدارك: ج 8/51.
6- ذخيرة المعاد: ج 1/673 ق 3.
7- نسبه إلى الأشهر العلّامة في المختلف: ج 4/272.
8- التهذيب: ج 5/229 ح 116، وسائل الشيعة: ج 14/193 ح 18962.

التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فليصم أيّام التشريق فقد اُذن له»(1).

ووجه الثاني:

1 - صحيح عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن متمتّعٍ يدخل يوم التروية وليس معه هدي ؟ قال عليه السلام: فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة، ويتسحّر ليلة الحصبة فيصبح صائماً، وهو يوم النفر، ويصوم يومين بعده»(2).

2 - وصحيح رفاعة، عنه عليه السلام في حديثٍ : «قلت: فإنّه قدِمَيوم التروية ؟ قال عليه السلام:

يصوم ثلاثة أيّام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله ؟ قال عليه السلام: يصوم يوم الحصبة وبعده يومين، قلت: وما الحصبة ؟، قال عليه السلام: يوم نفره»(3).

ونحوهما صحيح حمّاد(4) وصحيح معاوية(5) وغيرهما من الأخبار.

ولا وجه للكلام في أنّ يوم الحصبة يوم الثالث من أيّام التشريق، أو اليوم الرابع من يوم النحر بعد تفسير الروايات بالأوّل.

ووجه الثالث:

1 - صحيح ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ تمتّع ولم يجد هَدْياً؟ قال عليه السلام: يصوم ثلاثة أيّام، قلت: أفيها أيّام التشريق ؟ قال عليه السلام: لا»(6).

2 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «في رجلٍ تمتّع ولم يجد هَدْياً، فليصم9.

ص: 111


1- التهذيب: ج 5/229 ح 117، وسائل الشيعة: ج 14/193 ح 18963.
2- الكافي: ج 4/508 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/197 ح 18971.
3- الكافي: ج 4/506 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/178 ح 18919.
4- التهذيب: ج 5/232 ح 125، وسائل الشيعة: ج 14/198 ح 18974.
5- الكافي: ج 4/507 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/179 ح 18922.
6- وسائل الشيعة: ج 14/192 ح 18959.

ثلاثة أيّام ليس فيها أيّام التشريق»(1) الحديث.

3 - وصحيح البجلي، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ : «ولكن يصوم ثلاثة أيّام متتابعات بعد أيّام التشريق»(2).

أقول: لكن الخبرين الذين هما مدرك القول الأوّل لعدم عمل الأصحاب بهما، وموافقتهما للعامّة، وضعفهما في أنفسهما، لا يعتمد عليهما، ويحملان على التقيّة، ويُشعر به نقل الإمام عليه السلام ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام، وفي بعض الأخبار شهادة به.

وأمّا مدرك القولين الأخيرين فنصوص الثاني منهما أخصّ مطلقاً من أخبار أوّلهما؛ فإنّها في جميع أيّام التشريق وهذه في خصوص الأخير، فمقتضى حمل المطلق على المقيّد، تقيّيد إطلاق الأُولى بالثانية، والبناء على القول الوسط.

ويشهد به: - مضافاً إلى كونه جمعاً عرفيّاً - صحيح صفوان عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «كنت قائماً أُصلّي وأبو الحسن عليه السلام قاعد قدّامي وأنا لا أعلم، فجاءه عُبّاد البصري فسلَّم ثمّ جلس، فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في رجلٍ تمتّع ولم يكن له هدي ؟ قال عليه السلام: يصوم الأيّام التي قال اللّه...

إلى أنْ قال: فإنْ فاته ذلك ؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة، ويومين بعد ذلك، قال: فلا تقول كما قال عبد اللّه بن الحسن، قال: فأيّ شيءٍ قال ؟ قال: يصوم أيّام التشريق، قال: إنّ جعفراً كان يقول: إنّ رسول اللّه أمر بُديلاً يُنادي أنّ هذه أيّام أكلٍ وشُربٍ فلا يصومنّ أحد»(3) الحديث.1.

ص: 112


1- التهذيب: ج 5/228 ح 113، وسائل الشيعة: ج 14/191 ح 18958.
2- التهذيب: ج 5/231 ح 122، وسائل الشيعة: ج 14/196 ح 18969.
3- التهذيب: ج 5/230 ح 118، وسائل الشيعة: ج 14/192 ح 18961.

ويجوز تقديم الثلاثة من أوّل ذي الحجّة، ولا يجوز تقديمها عليه.

الفرع الخامس: قد عرفت أنّه يجوز تأخير الصوم عن الثلاثة الأيّام المتّصلة بيوم النحر، (ويجوز) أيضاً (تقديم الثلاثة من أوّل ذي الحجّة).

ويشهد بالأخير: صحيح زرارة المتقدّم.

أقول: (و) ظهر أنّه (لا يجوز تقديمها عليه)، أي على ذي الحجّة، لكن السؤال أنّه هل يشترط أن يكون الشروع في الصوم بعد التلبّس بالمتعة - كما هو المتّفق عليه بين الأصحاب - أم لا؟.

الظاهر ذلك؛ لظاهر الآية والأخبار، فإنّ الهَدْي والصوم الذي بدله أمر بهما متعلّقاً بالمتمتّع، وهو لا يصدق على من لم يتلبّس بالمتعة.

نعم، لا يعتبر التلبّس بالحَجّ ، فما عن بعضٍ (1) من اعتباره خال عن الدليل، يدفعه الإطلاق والأصل، مع أنّه يعتبر أو يستحبّ الصوم من يوم قبل التروية والحَجّ من يوم التروية.

الفرع السادس: لا إشكال في جواز أن يصوم هذه الثلاثة في الطريق، بل وفي منزله إذا كان له عُذر في البقاء بمكّة، من نسيان، أو عدم موافقة الرفقاء، كما يشهد بذلك النصوص(2)، لكن هل يجوز ذلك اختياراً وبلا عذر، أم يتعيّن عليه حينئذٍ أن يصوم بمكّة ؟

ظاهر خبر علي بن الفضل الواسطي: «سمعته يقول: إذا صام المتمتّع يومينح.

ص: 113


1- كالشهيد في الدروس: ج 1/440.
2- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/185 ب 47 من أبواب الذبح.

فإنْ خرج ولم يَصُمها تعيّن الهَدْي في القابل بمنى.

لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيّام في الحَجّ ، فليصم بمكّة ثلاثة أيّام متتابعات، فإنْ لم يقدر ولم يقم عليه الجمّال، فليصمها في الطريق، أو إذا قدِمَ على أهله صام عشرة أيّام متتابعات»(1) هو الثاني، ولا معارض له، والأصحاب أفتوا بمضمونه.

وجوب الهَدْي على من لم يصم الثلاثة في ذي الحجّة

الفرع السابع: قد ظهر ممّا قدمناه تعيّن إيقاع الصوم في ذي الحجّة، وعليه (فإنْ خرج) ذو الحجّة (ولم يصمها) أي الثلاثة، سقط الصوم عنه و (تعيّن) عليه (الهَدْي في القابل بمنى) على المشهور، وظاهر «المنتهى »(2) كونه اتّفاقيّاً.

وعن الشيخ في «النهاية»(3) و «المبسوط»(4) أنّ الهَدْي حينئذٍ أفضل.

وعن المفيد(5): أنّه إنْ كان ترك الصوم لعائقٍ أو نسيانٍ يصوم، واستحسنه في محكي «الذخيرة»(6).

ص: 114


1- التهذيب: ج 5/231 ح 121، وسائل الشيعة: ج 14/196 ح 18970.
2- أنظر المنتهى (ط. ق): ج 2/746، فإنّه لم يصرّح بذلك ولكن قد يظهر ذلك من بعض عباراته كقوله بعد ذكر الصيام: (فقد ورد في معارضة الأخبار الكثيرة الواردة في نقيض هذا المعنى وعمل علمائنا عليها فكان المصير إليها أولى ).
3- النهاية: ص 256، وقال في موضع آخر: (فإن أهلَّ المُحرِم، ولم يكن قد صامهنّ ، وجبَ عليه دم شاة، وليس له صوم)، النهاية: ص 255.
4- المبسوط: ج 1/371، وقال في موضع آخر: (فإنْ فاته ذلك أيضاً صامهنّ في بقيّة ذي الحجّة، فإنْ أهلَّ المُحرِم ولم يكن صام وجب عليه دم شاة واستقرّ في ذمّته الدّم، وليس له صوم)، المبسوط: ج 1/370.
5- حكاه عنه المحقّق السبزواري في الذخيرة: ج 1/673 ق 3، وانظر المقنعة: ص 450.
6- الذخيرة: ج 1/673 ق 3.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص:

منها: ما يدلّ على ما هو المشهور، كصحيح منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال المحرّم، فعليه دم شاة، وليس له صوم ويذبحه بمنى»(1)، وصريحه سقوط الصوم عنه، وظاهره ثبوت الهَدْي.

وعن «كشف اللّثام» أنّه: (كما يحتمل إرادة الهَدْي، يحتمل إرادة الكفّارة، بل هي أظهر)(2).

وأورد عليه في «الرياض»(3) و «الجواهر»(4): بأنّه لا وجه للتقيّيد بل إطلاقه شاملٌ لهما.

وفيه: أنّه يلزم حينئذٍ استعمال اللّفظ في أكثر من معنى، إذ معنى قوله عليه السلام:

(فعليه دم شاة) على هذا، أنّ عليه شاتين: إحداهما للهَدي، والاُخرى للكفّارة، اللّهُمَّ إلّاأن يلتزم حينئذٍ بالتداخل، ويدلّ عليه الصحيح.

ومثله في الدلالة على سقوط الصوم وثبوت الهَدْي، صحيح عمران الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ نسي أن يصوم الثلاثة الأيّام التي على المتمتّع إذا لم يجد الهَدْي حتّى يقدِم أهله ؟

قال عليه السلام: يبعث بدم»(5).

وهذا كالصريح في الهَدْي وسقوط الصوم.1.

ص: 115


1- الكافي: ج 4/509 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/185 ح 18939.
2- كشف اللّثام: ج 6/147، بتفاوت.
3- الرياض: ج 6/465.
4- الجواهر: ج 19/180.
5- التهذيب: ج 5/235 ح 131، وسائل الشيعة: ج 14/186 ح 18941.

ومنها: ما يدلّ على أنّه يصوم في الطريق أو في منزله، وهي كثيرة - تقدّم طرف منها - متضمّنة أنّ من فاته صومها بمكّة لعدم القدرة أو عدم إقامة الجمّال وماشاكل، فليصمها في الطريق إنْ شاء، وإنْ شاء إذا رجع إلى أهله من غير تقيّيد ببقاء ذي الحجّة وعدم خروجه.

وقد ذكروا في الجمع بين الطائفتين وجوهاً:

الوجه الأوّل: ما عن «الذخيرة»(1) من تقيّيد صحيح منصور - بشهادة صحيح الحلبي - بالناسي، ثمّ الجمع بينهما وبين ما يعارضهما بالبناء على الترخيص، فيتمّ ما نسب إلى الشيخ رحمه الله.

وفيه أوّلاً: أنّ تقيّيد خبر منصور بخبر الحلبي لا وجه له بعد كونهما متوافقين.

وثانياً: أنّه لو سُلّم ذلك، كان الخبران أخصّ من المستفيضة، لإختصاصهما بالناسي وعمومها لجميع ذوي الأعذار، فالقاعدة تقتضي تقيّيد إطلاقها بهما.

الوجه الثاني: ما عن الشيخ(2) من حمل الثانية على من استمرّ به العجز عن امتلاك الهَدْي حتّى وصل إلى بلده، والأولى على من تمكّن من الهَدْي قبل الصوم.

وفيه: أنّه جمعٌ لا شاهد له.

والحقّ في مقام الجمع أنْ يقال: إنّ التارك للصوم عمداً وعن غير عذر مشمولٌ لصحيح منصور، والطائفة الثانية لا تشمله، فلا إشكال في تعيّن الهَدْي عليه، وأمّا الناسي فصحيح الحلبي صريحٌ فيه، وهو أخصّ من المستفيضة، فيقيّد إطلاقها1.

ص: 116


1- الذخيرة: ج 1/673 ق 3.
2- التهذيب: ج 5/235، ذيل ح 131.

ويخصصها بغيره من ذوي الأعذار، فلا ينبغي التردّد في سقوط الصوم ووجوب الهَدْي عليه.

وأمّا ذو العذر فالطائفتان فيه متعارضتان، والنسبة عموم من وجه؛ فإنّ صحيح منصور أعمّ من المستفيضة بلحاظ شموله للعامد ولذي العذر، وأخصّ منها من جهة اختصاصه بما إذا خرج ذو الحجّة، والمستفيضة أعمّ منه من الجهة الثانية، وأخصّ منه من الأولى، فلابدَّ على المختار من الرجوع إلى المرجّحات، والترجيح لصحيح منصور، لكونه مشهوراً بين الأصحاب.

فتحصّل: أنّ الأظهر سقوط الصوم وتعيّن الهَدْي عليه.

أقول: ثمّ إنّه إنْ نوقش في دلالة الصحيحين على كون الدّم الثابت هَدْياً، واحتمال كونه كفّارة، ولم يُسلّم الإجماع على الأوّل أيضاً، فطريق الاحتياط أن يذبح بنيّة ما في الذمّة.

ثمّ إنّه ليس في الصحيحين التصريح بأنّه يذبحه في القابل، ولكن يمكن الاستدلال له بعموم ما دلّ على أنّ وقت الذبح شهر ذي الحجّة، أو خصوص أيّام النحر، أو يوم النحر، ومقتضاه حينئذٍ التأخير إلى العام القابل.

وأيضاً: هل يجبُ مع هذا الهَدْي دم كفّارة - كما عن جماعةٍ (1)؛ لإطلاق صحيح منصور، وللنبوي: «من ترك نُسُكاً فعليه دم»(2) - أم لا؟ - كما عن الأكثر.

الظاهر هو الثاني؛ لأنّ إطلاق صحيح منصور قد تقدّم ما فيه، والنبوي ضعيف السند، والأصل يقتضي العدم. فالأظهر عدم ثبوت كفّارة عليه.9.

ص: 117


1- منهم الشيخ في المبسوط: ج 1/370، وابن سعيد في الجامع ص 210، والعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/746.
2- روى مالك في موطئه 1:397 و 419 عن ابن عبّاس نحوه، وانظر المجموع 8:94 و 99.

لو وجد الهَدْي بعد الصوم

الفرع الثامن: لو صام الثلاثة كملاً لفقد الهَدْي أو ثمنه، ثمّ وجد الهَدْي في ذي الحجّة ولو قبل التلبّس بالسّبعة، لم يجب عليه الهَدْي، وكان له المُضيّ على صومه، كما في «الشرائع»(1) وعن «النهاية»(2) و «المبسوط»(3) و «الجامع»(4) و «القواعد»(5)و «النافع»(6)، وعن «المدارك»(7) نسبته إلى أكثر الأصحاب، بل عن «الخلاف»(8)الإجماع عليه.

ويشهد به:

1 - خبر حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام «عن متمتّعٍ صام ثلاثة أيّام في الحَجّ ثمّ صادف(9) هَدْياً يوم خرج من منى ؟ قال: أجزأه صيامه»(10).

2 - وخبر أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام «عن رجلٍ تمتّع فلم يجد ما يهدي، حتّى إذا كان يوم النفر وجد شاة، أيذبح أو يصوم ؟، قال: بل يصوم، فإنّ أيّام الذبح قد

ص: 118


1- الشرائع: ج 1/195.
2- النهاية: ص 256.
3- المبسوط: ج 1/371.
4- الجامع: ص 211.
5- القواعد: ج 1/440.
6- النافع: ج 1/90.
7- المدارك: ج 8/56.
8- الخلاف: ج 2/277.
9- في الكافي ووسائل الشيعة: «أصاب».
10- الكافي: ج 4/509 ح 11، التهذيب: ج 5/38 ح 41، وسائل الشيعة: ج 14/177 ح 18917.

مضت»(1)، وهذا الخبر برغم إطلاقه من حيث الصوم وعدمه، إلّاأنّه للإجماع يقيّد إطلاقه بما إذا صام.

فإنْ قيل: إنّ خبر حمّاد ضعيف بعبد اللّه بن بحر كما في «الكافي»، أو بعبد اللّه بن يحيى كما في «التهذيب»، لاشتراكه، مع أنّ الظاهر كونه تصحيفاً، وخبر أبي بصير أيضاً ضعيف وإن روي بعدّة طرق.

قلنا أوّلاً: خبر أبي بصير موثّق؛ إذ الكليني يرويه بإسناده عن البزنطي عن عبد الكريم - الظاهر كونه الخثعمي - عن أبي بصير.

وثانياً: أنّ الرواي لخبر أبي بصير هو البزنطي، الذي هو من أصحاب الإجماع.

وثالثاً: أنّ الأصحاب عملوا بالخبرين، فلوكان فيهماضعف لامحالة ينجبر بالعمل.

ثمّ إنّ المتيقّن من الإجماع المقيّد لإطلاق خبر أبي بصير، هو ما إذا لم يتلبّس بالصوم أصلاً، وأمّا لو تلبّس به فلا إجماع على لزوم الهَدْي، فيبقيمشمولاًللإطلاق.

وبالجملة: فما أفاده جمعٌ من المحقّقين منهم المصنّف رحمه الله من كفاية التلبّس بالصوم في سقوط الهَدْي هو الأظهر.

وعن القاضي(2) وجوب الهَدْي، واستدلّ له:

1 - بصدق الوجدان.

2 - وبخبر عُقبة بن خالد، عن الصادق عليه السلام «عن رجلٍ تمتّع وليس معه ما يشترى به هَدْياً، فلمّا أن صام ثلاثة أيّام في الحَجّ أيسر، أيشتري هَدْياً فينحره، أو يدَع ذلك ويصوم سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله ؟، قال عليه السلام: يشتري هَدْياً فينحره،9.

ص: 119


1- الكافي: ج 4/509 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/177 ح 18915.
2- المهذّب: ج 1/259.

ويكون صيامه الذي صامه نافلة له»(1).

أقول: ولكن الأوّل لا سبيل له بعد النص على الإجزاء، والخبر يُحمل على إرادة الندب؛ جمعاً بينه وبين ما تقدّم، وللإجماع على عدم الوجوب.

ثمّ إنّ الخبر مختصّ بما قبل السبعة، فلو أيسر بعد أن تلبّس بها، فإنّه لا دليل على جواز الرجوع إلى الهَدْي، فما عن «القواعد»(2) من تقيّد الجواز بما قبل السبعة هو الأظهر.

في أنّ صوم السّبعة بعد الوصول إلى البلد

الفرع التاسع: قد عرفت أنّه يجب على من لم يجد الهَدْي أن يصوم سبعة أيّام غير الثلاثة، ويجبُ أن يكون ذلك بعد الرجوع إلى أهله والوصول إلى بلده، بلا خلافٍ يُعرف.

ويشهد به:

1 - الآية الكريمة: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي اَلْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ » (3).

2 - نصوص كثيرة:

منها: صحيح معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال رسول صلى الله عليه و آله: «من كان متمتّعاً فلم يجد هَدْياً فليصم ثلاثة أيّام في الحَجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله»(4).

ص: 120


1- الكافي: ج 4/510 ح 14، وسائل الشيعة: ج 14/178 ح 18918.
2- القواعد: ج 1/440.
3- سورة البقرة: الآية 196.
4- التهذيب: ج 5/234 ح 129، وسائل الشيعة: ج 14/186 ح 18942.

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ تمتّع ولم يجد هَدْياً؟ قال عليه السلام: يصوم ثلاثة أيّام بمكّة وسبعة إذا رجع إلى أهله»(1).

ونحوهما كثير من الأخبار.

وأيضاً: هل يشترط فيها الموالاة كما عن العُمّاني(2) والحلبي(3) والمفيد(4) وابن زُهرة(5)، أم لا تشترط كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عن «المنتهى »(6)و «التذكرة»(7): (لا نعرف فيه خلافاً)؟ وجهان.

يشهد للأوّل: - مضافاً إلى الأصل - خبر إسحاق بن عمّار، قال: «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إنّي قدمتُ الكوفة ولم أصم السبعة الأيّام حتّى فزعت في حاجة إلى بغداد، قال عليه السلام: صُمها ببغداد، قلت: أفرّقها؟، قال عليه السلام: نعم»(8).

وهو وإنْ كان ضعيفاً بمحمّد بن أسلم، إلّاأنّه ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب واعتمادهم عليه.

ويعضده حسن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ صومٍ يفرّق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين»(9).5.

ص: 121


1- التهذيب: ج 5/233 ح 128، وسائل الشيعة: ج 14/180 ح 18925.
2- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 3/509.
3- الكافي في الفقه: ص 188.
4- حكاه عنه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع: ج 1/494.
5- حكاه عنه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع: ج 1/494، إلّاأنّه قال في السرائر: (فأمّا صيام السبعة الأيّام، فإذا عاد، ورجع إلى وطنه، يصومهنّ إنْ شاء متتابعة، وإنْ شاء متفرّقة، ولا يجب عليه التتابع) السرائر: ج 1/415، وقال في موضع آخر: (ولا بأس بتفريق الصوم السبعة الأيّام)، السرائر: ج 1/594.
6- المنتهى (ط. ق): ج 2/744.
7- التذكرة: ج 8/275.
8- التهذيب: ج 5/233 ح 126، وسائل الشيعة: ج 14/200 ح 18978.
9- الكافي: ج 4/140 ح 1، وسائل الشيعة: ج 10/382 ح 13645.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بخبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام «عن صوم ثلاثة أيّام في الحَجّ وسبعة أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال عليه السلام: يصوم الثلاثة الأيّام لا يفرّق بينها، والسبعة لا يفرّق بينها، ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعاً»(1).

2 - وبحسن الحسين بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «السبعة الأيّام والثلاثة الأيّام في الحَجّ لا تُفرّق إنّما هي بمنزلة الثلاثة الأيّام في اليمين»(2).

أقول: ولكن الأوّل ضعيف بمحمّد بن أحمد العلوي، والجمع بينهما وبين ما تقدّم يقتضي حملهما على ضربٍ من الكراهة.

وإن أبيتَ عن كون ذلك جمعاً عرفيّاً حتّى مع ملاحظة فتوى المشهور بعدم المنع، يتعيّن طرحهما عند التعارض؛ لأشهريّة المعارض لهما.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار الموالاة فيها، نعم الأحوط رعاية ذلك.

ثمّ إنّ الظاهر اعتبار التفريق بين الثلاثة والسبعة كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عن «المنتهى »(3) نسبته إلى علمائنا، ويشهد به ظاهر الآية الشريفة(4)، وخبر علي بن جعفر عليه السلام المتقدّم آنفاً.

نعم، إذا لم يصم الثلاثة حتّى قدم ووصل إلى أهله، له أن يجمع بين الثلاثة والسبعة، لخبر الواسطي المتقدّم.6.

ص: 122


1- التهذيب: ج 4/315 ح 25، وسائل الشيعة: ج 14/200 ح 18979.
2- الكافي: ج 4/140 ح 3، وسائل الشيعة: ج 10/382 ح 13646.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/744.
4- «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي اَلْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ »، سورة البقرة: الآية 196.

حكم من أقام بمكّة

الفرع العاشر: لو أقام من وجب عليه السبعة بمكّة، انتظر وصول أصحابه إلى بلده أو مُضيّ شهر، بلا خلافٍ يوجد كما عن «الذخيرة»(1).

وعن جماعة منهم القاضي(2) والحلبيون(3) انتظار الوصول وعدم اعتبار الشهر.

و عن الشيخ في «الاقتصاد»(4): اعتبار مُضيّ الشهر فحسب، إذ لم يذكر فيه غيره.

أقول: والأوّل أظهر؛ لصحيح ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وإنْ كان له مقام بمكّة وأرادأن يصوم السبعة، ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهراً ثمّ صام بعده»(5).

وبه يقيّد إطلاق صحيح البزنطي الوارد فيه قوله عليه السلام: «في المُقيم إذا صام الثلاثة الأيّام ثمّ يجاور فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظنّ أنّهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيّام»(6).

ونحوه غيره.

بل وإطلاق ما عن الصدوق في «المقنع»(7) عن معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام

ص: 123


1- ذخيرة المعاد: ج 1/674 ق 3.
2- المهذّب: ج 1/201.
3- أبو الصلاح في الكافي في الفقه: ص 188، أبو المكارم في الغنية: ص 145 (الفصل السادس من كتاب الصيام، في صوم دم المتعة)، أبو المجد الحلبي في إشارة السبق: ص 119.
4- الإقتصاد: ص 308.
5- التهذيب: ج 5/234 ح 129، وسائل الشيعة: ج 14/190 ح 18953.
6- التهذيب: ج 4/314 ح 22 و: ج 5/41 ح 50، وسائل الشيعة: ج 14/190 ح 18954.
7- المقنع: ص 284.

عن السبعة الأيّام إذا أراد المقام، فقال عليه السلام: «يصومها إذا مضت أيّام التشريق»، إنْ كان قابلاً للتقيّد وإلّا فهو مُعرَضٌ عنه عند الأصحاب.

وأيضاً: الظاهر كفاية الظنّ بوصول أهله؛ للتصريح به في صحيح البزنطي وغيره.

وهل يختصّ انتظار الشهر بالمجاور بمكّة، أم يعمّ من صُدّ عن وطنه كما عن الحلبيين(1)، أو مقيم حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما عن بعض(2)، أو مقيم الطريق أيضاً كما عن «التحرير»(3)؟ وجوه:

الأظهر هو الأوّل؛ لاختصاص النصوص به، ففي غيره يرجع إلى ما تقتضيه القاعدة، وهو ترك الصوم بمقدار وصول أهله إلى بلده، فإنّه زمان هذا الصوم كما نصَّ عليه في الآية الكريمة.

وهل مبدأ الشهر انقضاء أيّام التشريق كما عن غير واحدٍ(4)؟

أم يوم يدخل مكّة ؟

أو يوم يعزم على الإقامة ؟

كلٌّ محتمل، ولا دليل على تعيّن شيء منهما، والاحتياط طريق النجاة.

الفرع الحادي عشر: من مات ولم يكن له هديٌ ووجب عليه الصيام، فإنْ لم يتمكّن من صوم شيء من العشرة لا يجب على وليّه القضاء عنه؛ للإجماع على ما قيل(5)، ومرسل الصدوق شاهدٌ به، وإن تمكن من فعل الجميع فإنْ مات بعد6.

ص: 124


1- الكافي في الفقه: ص 188، الغنية: ص 145، إشارة السبق: ص 119.
2- أبو المجد الحلبي في إشارة السبق: ص 119.
3- التحرير: ج 1/627.
4- منهم الشهيد الثاني في المسالك: ج 2/306، والسيّد العاملي في المدارك: ج 8/59.
5- ممّن قال به العلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/746.

صوم الثلاثة الأيّام لم يجب على وليّه القضاء، وإنْ مات قبله وجب عليه القضاء؛ فإنّه مقتضى الجمع بين:

صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ تمتّع بالعُمرة، ولم يكن له هَدي، فصام ثلاثة أيّام في ذي الحجّة، ثمّ مات بعدما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيّام، أعلى وليّه أن يقضي عنه ؟ قال عليه السلام: ما أرى عليه قضاء»(1).

وبين ما دلّ على وجوب القضاء على وليّه مطلقاً، كصحيح معاوية عنه عليه السلام:

«من مات ولم يكن هدي لمتعته فليصم عنه وليّه»(2)، ونحوه غيره.

***7.

ص: 125


1- الكافي: ج 4/509 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/188 ح 18946.
2- الفقيه: ج 2/510 ح 3097، وسائل الشيعة: ج 14/188 ح 18947.

وأمّا هَدي القِران.

أقسام الهَدْي

(وأمّا هَدي القِران) فله أحكامٌ خاصّة عدا ما مرّ من الأحكام التي يشترك هو فيها مع غيره، وقبل التعرّض لها ينبغي التنبية على أمرين:

الأمر الأوّل: أنّه كان الأولى إسقاط هذا البحث، لقلّة فائدته في هذه الأزمنة، ولكن تبعاً للمصنّف رحمه الله نتعرّض لاُمّهات مسائله مع مداركها إجمالاً.

الأمر الثاني: للمصنّف رحمه الله في «المنتهى » كلامٌ لا بأس بنقله على طوله، لما فيه من فوائد غير خفيّة، قال قدس سره:

(الهَدْي على ضربين:

الأوّل: التطوّع، مثل أن خرج حاجّاً مُعتمراً، معه هدي بنيّة أن ينحره بمنى أو مكّة، من غير أن يُشعره أو يُقلّده، فهذا لا يخرج عن ملك صاحبه، بل هو على ملكيّته يتصرّف فيه كيف شاء من بيعٍ أو هبة، وله ولده وشرب لبنه، فإنْ هلك فلا شيء عليه.

الثاني: الواجب، وهو قسمان:

أحدهما: ما وجوبه بالنذر في ذمّته أو وجوبه بغيره كهدي التمتّع، والدّماء الواجبة بترك واجب أو فعل محذور كاللّباس والطيب.

والذي وجب بالنذر قسمان:

أحدهما: أن يطلق النذر فيقول: (للّه عليَّ هَدي بدنةٍ أو بقرةٍ أو شاة)، وحكمه

ص: 126

حكم ما وجب بغير النذر، وسيأتي.

والثاني: أن يعيّنه فيقول: (للّه عليَّ أن أهدي هذه البدنة أو هذه الشاة)، فإذا قال زال ملكه عنهما، وانقطع تصرّفه في حقّ نفسه فيها، وهي أمانة للمساكين في يده، وعليه أن يسوقها إلى المنحر، ويتعلّق الوجوب هنا بعينه دون ذمّة صاحبه، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلى محلّه، فإذا تلف بغير تفريطٍ أو سرق أو ضلّ كذلك لم يلزمه شيء؛ لأنّه لم يجب في الذمّة، وإنّما تعلّق الوجوب بعينه فليسقط بتلفها كالوديعة.

وأمّا الواجب المطلق كدم التمتّع وجزاء الصيد والنذر غير المعيّن وما شابه ذلك، فعلى ضربين:

أحدهما: أن يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول، فهذا لا يزول ملكه إلّابذبحه ودفعه إلى أهله، وله التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك، لأنّه لم يتعلّق حقّ الغير به، فإنْ عطب تلف من ماله، وإن عاب لم يَجُز ذبحه، وعليه الهَدْي الذي كان واجباً عليه، لأنّ وجوبه تعلّق بالذمّة فلا تبرأ منه إلّابإيصاله إلى مستحقّه، وجرى ذلك مجرى من عليه دينٌ لآخر فَحَمله إليه فتلف قبل وصوله إليه.

الثاني: أن يعيّن الواجب فيه فيقول: (هذا الواجب عليَّ )، فيتعيّن الواجب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه لو أوجب هَدْياً، ولا هدي عليه لتعيّن، فكذا إذا كان واجباً فعيّنه، ويكون مضموناً عليه، فإنْ عطب أو سُرق أو ضَلّ لم يُجزئه، وعاد الوجوب الى ذمّته كما لو كان عليه دَينٌ فاشترى صاحبه منه متاعاً به فتلف المتاع قبل القبض، فإنّ الدَّين يعود إلى الذمّة، ولأنّ التعيّين ليس سبباً في إبراء ذمّته، وإنّما تعلّق الوجوب بمحلّ آخر فصار كالدين إذا رهن عليه رهناً، فإنّ الحقّ يتعلّق بالذمّة

ص: 127

والرهن، فمتى تلف الرهن استوفى من الدَّين، فإذا ثبت أنّه يتعيّن، فإنّه يزول ملكه عنه، وينقطع تصرّفه فيه، وعليه أن يسوقه إلى المنحر، فإنْ وصل نحره وأجزأه وإلّا سقط التعيّين، ووجب عليه إخراج الذي في ذمّته على ما قلنا، وهذا كلّه لا نعلم فيه خلافاً)(1)، انتهى .

قال الشيخ في «المبسوط»: (الهَدْي على ثلاثة أضرب: تطوّعٌ ، ونذر شيء بعينه ابتداء، وتعيّن هَدي واجب في ذمّته.

فإنْ كان تطوّعاً مثل أن خرج حاجّاً أو مُعتمراً...)، ثمّ ذكر حكمه كما تقدّم في كلام المصنّف.

ثمّ قال: (الثاني: هدي أوجبه النذر ابتداء بعينه)، ثمّ ذكر الحكم فيه كما تقدّم أيضاً.

ثمّ قال: (الثالث: ما وجبَ في ذمّته عن نذرٍ أو ارتكاب محظور كاللّباس والطيب والثوب والصيد، أو مثل دم المتعة، فمتى ما عيّنه في هدي بعينه تعيّن فيه، فإذا عيّنه زال ملكه عنه، وانقطع تصرّفه فيه، وعليه أن يسوقه إلى المنحر، فإنْ وصل نَحَره وأجزأه، وإنْ عَطَب في الطريق أو هَلَك سقط التعيّن، وكان عليه إخراج الذي في ذمّته، فإذا نتجت فحكم ولدها حكمها)(2)، انتهى .

أقول: إذا عرفت هذا، فتمام الكلام يتحقّق بالبحث في جملةٍ من الأحكام التي ذكرها المصنّف رحمه الله في المقام.6.

ص: 128


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/749.
2- المبسوط: ج 1/375-376.

فيجب ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحَجّ ، وبمكّة إنْ قرنه بالعُمرة.

بيان محلّ ذبح هَدي القِران أو نحره

منها: ما ذكره بقوله: (فيجبُ ذبحه أو نحره بمنى إنْ قرنه بالحَجّ ، وبمكّة إنْ قرنه بالعُمرة) هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل عن «الخلاف»(1) و «المدارك»(2)و «الذخيرة»(3) الإجماع عليه.

ويشهد للأوّل: خبر عبد الأعلى ، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: لا هَدي إلّامن الإبل، ولا ذبح إلّابمنى»(4).

وللثاني: موثّق شعيب العقرقوفي، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: سقتُ في العُمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكّة»(5) الحديث، وهو وإنْ كان في النحر، إلّاأنّه يثبت في الذبح، لعدم الفصل، وبه يقيّد إطلاق الأوّل.

وأفضل مواضع الذبح في مكّة: الحَزورة - بالحاء المهملة على وزن قَسْورَة - وهي في اللّغة: التل الصغير(6)، والمراد بها في المقام التل الذي خارج المسجد الحرام، بين الصفا والمروة(7).

ص: 129


1- الخلاف: ج 2/373.
2- المدارك: ج 8/65.
3- ذخيرة المعاد: ج 1/674 ق 3.
4- التهذيب: ج 5/214 ح 61، وسائل الشيعة: ج 14/90 ح 18671.
5- التهذيب: ج 5/202 ح 11 وص 483 ح 363، وسائل الشيعة: ج 14/88 ح 18668.
6- مجمع البحرين: ج 1/500 مادّة (ح ز ر).
7- وهو من المواضع التي اُزيلت ولا أثر له اليوم.

ويجوز ركوب الهَدْي، وشرب لبنه ما لم يضرّ به وبولده.

أقول: ويشهد لأصل الحكم: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام:

ومن ساق هَدْياً وهو معتمرٌ، نحر هديه في المنحر، وهو ما بين الصفا والمروة وهي بالحزورة»(1) الحديث.

وظاهره وإنْ كان هو الوجوب، والموثّق لا يصلح شاهداً لحمله على إرادة الندب؛ لأنّ الجمع الموضوعي - أي حمل المطلق على المقيّد، وتقيّيد إطلاق الموثّق به - مقدّمٌ على الجمع الحكمي، إلّاأنّه يحمل على الندب؛ لأنّ بناء الأصحاب عليه كما أفاده سيّد «المدارك» رحمه الله(2).

جواز ركوب الهَدْي ما لم يضرّ به وتعيّنه للذبح

(و) منها: أنّه (يجوز ركوب الهَدْي وشرب لبنه ما لم يضرّ به وبولده)، أي يجوز ركوبه ما لم يضرّ به، وشرب لبنه ما لم يضرّ بولده، وهذان الحكمان مشهوران بين الأصحاب، بل عليهما الاتّفاق في المتبرّع به.

وعن أبي عليّ رحمه الله: (لا يختار ذلك في المضمون، فإنْ فعل غُرم قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم)(3)، ونفي عنه البأس في محكي «المختلف»(4).

وعن «المسالك»: (ولو كان الهَدْي مضموناً كالكفّارات والنذر لم يجز تناول

ص: 130


1- الكافي: ج 4/539 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/89 ح 18669.
2- المدارك: ج 8/65.
3- حكاه عنه في المختلف: ج 4/292.
4- مختلف الشيعة: ج 4/292.

شيء منه ولا الانتفاع به مطلقاً، فإنْ فعل غرم قيمته أو مثله للمستحقّ أصله، وهو مساكين الحرم)(1).

أمّا صاحب «الحدائق»(2) فقد فصّل بما سمعته عن المصنّف.

وعن «المنتهى »(3): الإجماع على الاستثناء.

أقول: وكيف كان، فيشهد للحكمين جملةٌ من النصوص:

1 - صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنْ نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها، ثمّ انحرهما جميعاً.

قلت: أشربُ من لبنها وأسقي ؟ قال: نعم.

وقال: إنّ عليّاً عليه السلام كان إذا رأى اُناساً يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنة، وقال: إن ضلّت راحلة الرجل أو هلكت ومعه هَدي، فليركب على هديه»(4).

2 - وصحيح حريز، عنه عليه السلام: «كان علي عليه السلام إذا ساق البدنة ومرَّ على المُشاة حملهم عليبدنته، وإن ضلّت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير مُضرّ ولا مثقلٍ »(5).

3 - وصحيح يعقوب بن شعيب، عنه عليه السلام «عن الرجل يركب هديه إن احتاج إليه ؟ فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يركبها غير مجهدٍ ولا متعب»(6).

ونحوها غيرها.2.

ص: 131


1- مسالك الأفهام: ج 2/316.
2- الحدائق: ج 17/193.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/761.
4- الكافي: ج 4/493 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/147 ح 18835.
5- الفقيه: ج 2/504 ح 3085، وسائل الشيعة: ج 14/146 ح 18831.
6- الفقيه: ج 2/504 ح 3086، وسائل الشيعة: ج 14/146 ح 18832.

وأمّا خبر السكوني، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه: «سُئل ما بال البدنة تقلّد النعل وتُشعر؟ فقال عليه السلام: أمّا النعل فيعرف أنّها بدنة، ويعرّفها صاحبها بنعله، وأمّا الإشعار فإنّه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنّمها»(1).

فلقصوره عن معارضة ما تقدّم يُحمل على الكراهة، أو على صورة الإضرار.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص، عدم الفرق بين كونه مضموناً أو غير مضمون، فإنْ تمّ ما عن «المنتهى » من الإجماع على استثناء المضمون فهو المقيّد للإطلاق، وإلّا فالإطلاق يتبع.

ثمّ إنّه لا إشكال ولا خلاف في أنّه لا يخرج الهَدْي عن ملك سائقه بشرائه وإعداده وسوقه لأجل ذلك قبل عقد الإحرام، بل عن «المسالك»(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به خبر الحلبي أو صحيحه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يشتري البدنة ثمّ تضلّ قبل أن يشعرها أو يقلّدها، فلا يجدها حتّى يأتي منى فينحر ويجد هديه ؟ قال عليه السلام: إنْ لم يكن أشعرها فهي من ماله، إن شاء نحرها وإن شاء باعها، وإنْ كان أشعرها نحرها»(3)، ونحوه غيره، وعليه فله التصرّف فيه بالتلف وغيره، وإن أشعره أو قلّده بدون عقد الإحرام به ولا تأكيده به.

نعم، إن ساقه، بمعنى أنّه أشعره أو قلّده عاقداً به الإحرام، أو مؤكّداً به التلبية6.

ص: 132


1- الفقيه: ج 2/199 ح 1234، وسائل الشيعة: ج 14/148 ح 18837.
2- المسالك: ج 2/308.
3- التهذيب: ج 5/219 ح 77، وسائل الشيعة: ج 14/143 ح 18826.

وإذا هلك هَدي القِران لم يلزمه بدله، إلّاأن يكون مضموناً.

العاقدة، فلابدّ من نحره أو ذبحه، ولا يجوز له إبداله، ولا التصرّف فيه بما يمنع من نحره؛ لتعيّنه حينئذٍ لذلك، كما صرّح به غير واحد(1).

ويشهد به الآية الكريمة: «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اَللّهِ وَ لاَ اَلشَّهْرَ اَلْحَرامَ وَ لاَ اَلْهَدْيَ وَ لاَ اَلْقَلائِدَ» (2)، فإنّ إحلال القلائد، عدم صرفها في جهاتها أو منع أهلها من ذلك، ونصوص كثيرة منها خبر الحلبي المتقدّم.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الآية والخبر أنّ الموجب لتعيّنه للذبح أو النحر هو الإشعار، وإنْ لم يعقد الإحرام به ولا أكّده به، إلّاأنّ تسالم الأصحاب على عدم التعيّن بالإشعار خاصّة يقيّد إطلاقهما.

ويمكن أنْ يقال: إنّ المراد ب (هدي القِران) هو ما يقترن به نيّة الإحرام، سواءٌ عقده به أو بالتلبية وأكّده به، ولكن مع ذلك فهو باقٍ على ملكه يجوز التصرّف فيه كما مرّ.

عدم وجوب البدل لو هلك هَدي القِران

(و) منها: أنّه (إذا هَلَك هَدي القِران لم يلزمه بدله، إلّاأن يكون مضموناً) بأنْ كان واجباً بالأصالة، لا بالسياق، وجوباً مطلقاً لا مخصوصاً بفردٍ كالكفّارات والمنذور مطلقاً، بلا خلافٍ يعتدّ به في الحكمين.

ص: 133


1- منهم الشيخ في المبسوط: ج 1/375، والعلّامة في التحرير: ج 1/630.
2- سورة المائدة: الآية 2.

والنصوص تشهد بهما، لاحظ:

1 - صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن الهَدْي الذي يقلّد أو يُشعر ثمّ يعطب ؟ قال عليه السلام: إنْ كان تطوّعاً فليس عليه غيره، وإنْ كان جزءاً أو نذراً فعليه بدله»(1).

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ أهدى هَدْياً فانكسرت ؟ فقال عليه السلام: إنْكانت مضمونة فعليه مكانها، والمضمون ماكان نذراًأو جزاءاً أو يميناً، وله أن يأكل منها فإنْلم يكن مضموناًفليس عليه شيء»(2)، ونحوهماغيرهما.

وأمّا مرسل حريز عنه عليه السلام: «وكلّ شيء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه، تطوّعاً أو غيره»(3)، فهو وإنْ كان خاصّاً، ويصلح لتقيّيد ما تقدّم، سيّما وفي صدره ما يوافق مضمون سائر النصوص، إلّاأنّه لإرساله وإعراض الأصحاب عنه لا يُعتمد عليه.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص كالكتاب عدم الفرق في المضمون بين كونه كليّاً في الذمّة، أو معيّناً، ولكن تسالم الأصحاب بضميمة ما قيل من انسباق الكلّي من النصوص يوجب اختصاص الحكم بالكلّي، واللّه العالم.

(و) منها: أنّه (لا يتعيّن) هدي السياق في حَجّ أو عُمرة (للصدقة، إلّابالنذر وشبهه) أي بكونه منذور التصدّق، فإنّه حينئذٍ لا يجوز أكله وإهداؤه، بخلاف ما ساقه تبرّعاً، فإنّ حكمه حكم الهَدْي المتقدّم.

ويدلّ على الحكمين: جملةٌ من النصوص:9.

ص: 134


1- التهذيب: ج 5/215 ح 63، وسائل الشيعة: ج 14/131 ح 18794.
2- التهذيب: ج 5/215 ح 64، وسائل الشيعة: ج 14/131 ح 18795.
3- الكافي: ج 4/493 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/133 ح 18799.

منها: خبر أبي بصير: «عن رجلٍ أهدى هَدْياً فانكسر؟ قال عليه السلام: إنْ كان مضموناً، والمضمون ما كان في يمين يعني نذراً أو جزاءً فعليه فداؤه.

قلت: أيأكل منه ؟ قال عليه السلام: لا، إنّما هو للمساكين، فإن لم يكن مضموناً فليس عليه شيء.

قلت: أيأكل منه ؟ قال: يأكل منه»(1)، ونحوه غيره.

مع أنّه في غير النذر ما ذكرناه في هَدي التمتّع، يجري في هدي السياق كما مرّ، بل عرفت أنّ نصوص التثليث في هَدي القِران.

أقول: وبإزائها روايات تدلّ على أنّه يؤكلّ من الهَدْي مضموناً كان أو غير مضمون:

منها: خبر جعفر بن بشير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن البُدن التي تكون جزاء الأيمان والنساء ولغيره، يؤكل منها؟ قال عليه السلام: نعم، يؤكلّ من كلّ البدن»(2).

ومنها: خبر عبد الملك القمّي، عنه عليه السلام: «يؤكلّ من كلّ هدي نذراً كان أو جزاءاً»(3).

ونحوهما غيرهما.

وحملها الشيخ قدس سره(4) على حال الضرورة، ولكن الجمع العرفي يقتضي البناء على الكراهة، إلّاأنّه من جهة عدم إفتاء الأصحاب بها، يتعيّن طرح الثانية أو حملها على ما أفاده الشيخ رحمه الله.3.

ص: 135


1- الكافي: ج 4/500 ح 8، وسائل الشيعة: ج 14/135 ح 18805.
2- التهذيب: ج 5/225 ح 99، وسائل الشيعة: ج 14/161 ح 18871.
3- التهذيب: ج 5/484 ح 369، وسائل الشيعة: ج 14/162 ح 18874.
4- الإستبصار: ج 2/273.

ولا يعطي الجزّار الجلود من الهَدْي الواجب.

عدم إعطاء الجزّار الجلود

(و) منها: أنّه (لا يعطي الجزّار الجلود من الهَدْي الواجب) كما هو المنسوب(1)إلى المشهور.

وعن جماعةٍ (2) القول بالكراهة، وقوّاه سيّد «الرياض»(3)، وعبارة «المنتهى »(4) تُشعر به، للتعبير بلفظ (لا ينبغي).

أقول: والنصوص مختلفة:

منها: ما يدلّ على المنع كصحيح ابن البختري عن إمامنا الصادق عليه السلام: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يُعطى الجزّار من جلود الهَدْي وجلالها شيئاً»(5).

وخبر معاوية عنه عليه السلام: «نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بُدنه ولم يعط الجزّارين من جلودها ولا قلائدها ولا جلالها، ولكن تصدّق به، ولا تعط السلاخ منها شيئاً ولكن أعطه من غير ذلك»(6)، ونحوهما غيرهما.

ومنها: ما استدلّ به سيّد «الرياض»(7) للجواز، وهو مرسل الصدوق في «الفقيه» عنهم عليهم السلام: «إنّما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها؛ لأنّ اللّه

ص: 136


1- كما في الجواهر: ج 19/212.
2- منهم الحلبي في الكافي في الفقه: ص 200، والعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/754.
3- الرياض: ج 6/488.
4- المنتهى (ط. ق): ج 2/754.
5- الكافي: ج 4/501 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/173 ح 18905.
6- الكافي: ج 4/501 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/173 ح 18906.
7- رياض المسائل: ج 6/487.

تعالى قال: «فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا» ، والجلد لا يُؤكل ولا يُطعم»(1).

وخبر الأزرق، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها؟ قال: لا بأس به، إنّما قال اللّه عزّ وجلّ «فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا» (2)، والجلد لا يُؤكل ولا يُطعم»(3).

قال قدس سره: «وهما وإن وردا في الأُضحية، لكن ذِكْر الآية العامّة للهَدي أو الخاصّة به ظاهرٌ بل صريحٌ في العموم»(4).

ويرده: إنّ مرسل «الفقيه» مذيّلٌ بقوله عليه السلام: «ولا يجوز ذلك في الهَدي»، وهو يوجب صراحته في الاختصاص بالأضحية، وعلى فرض العموم يُخصّص عمومه بما تقدّم.

وعليه، فالأظهر هو عدم الجواز.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص المنع من الإعطاء مطلقاً، ولكن قيّده جماعة(5) بما إذا كان الإعطاء أُجرة.

وفي «الجواهر»: (أمّا إذا كان على وجه الصدقة مع كونه من أهلها فلا بأس، كما صرّح به في «المدارك»، ومحكي «الغُنية» و «الإصباح»، وإنْ لم يذكر الجلال في الأخير، والقلائد أيضاً في سابقه، وعن «المقنع» و «الهداية» في هدي المتعة: ولا تعط الجزّار جلودها ولا قلا ئدها ولا جلالها، ولكن تصدّق بها ولا تعط السلّاخ منها)(6)، انتهى ، وطريق الاحتياط واضح.5.

ص: 137


1- وسائل الشيعة: ج 14/175 ح 18911.
2- سورة الحَجّ : الآية 36.
3- علل الشرائع: ج 2/439-440 ب 182 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/175 ح 18912.
4- الرياض: ج 6/487-488.
5- كما عن الحلبي في الكافي في الفقه: ص 200، وقطب الدين في الإصباح: ص 164، وابن زُهرة في الغنية: ص 191.
6- الجواهر: ج 19/214-215.

وأمّا الأُضحية فمستحبّة.

تأكّد استحباب الأُضحية.

(وأمّا الأُضحيّة) بضمّ الهمزة وكسرها وتشديد الياء.

وفي «مجمع البحرين»: (وفي الأُضحية لغات محكية عن الأصمعي: أُضحية، وإضحية بضمّ الهمزة وكسرها، وضحية على فعلية، والجمع: ضحايا كعطية وعطايا، وأضحاه كأرطاه، والجمع: أضحى كأرطى)(1)، انتهى .

والمراد بها ما يُذبح أو يُنحر من النِعم يوم عيد الأضحى وما بعده إلى ثلاثة أيّام، ولعلّ وجه تسميتها بذلك ذبحها في الضحى غالباً.

(فمستحبّة) استحباباً مؤكّداً، إجماعاً بقسميه، بل يمكن دعوى ضروريّة مشروعيّتها(2)، كما في «الجواهر».

ويشهد به: مضافاً إلى ذلك، وإلى ما عن جمعٍ من المفسّرين(3) من أنّه المراد من قوله تعالى: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ اِنْحَرْ» (4) - وإنْ كان قد فُسِّر في النصوص الواصلة إلينا برفع اليدين حذاء الوجه مستقبل القبلة في افتتاح الصلاة، بل في بعضها أنّه ليس المراد به النحيرة(5) - جملة من النصوص المستفيضة، بل المتواترة:

ص: 138


1- مجمع البحرين: ج 3/9 مادّة (ض ح و).
2- الجواهر: ج 19/219.
3- حكاه العلّامة في التذكرة: ج 8/303.
4- سورة الكوثر: الآية 2.
5- أنظر وسائل الشيعة: ج 6/26 ب 9، ح 7262 و 7264 و 7265 وغيرها.

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الأضحية واجبة على من وجد من صغيرٍ أو كبير وهي سُنّة»(1).

ومنها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الأضحى أواجبٌ هو على من وجد لنفسه وعياله ؟ فقال عليه السلام: أمّا لنفسه فلا يدَعه، وأمّا لعياله إن شاء تركه»(2).

ومنها: خبر العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ رجلاً سأله عن الأضحى، فقال: هو واجبٌ على كلّ مسلم إلّاعلى مَن لم يجد.

فقال له السائل: فما ترى في العيال ؟ فقال: إنّ شئتَ فعلت وإنْ شئتَ لم تفعل، فأمّا أنتَ فلا تدَعه»(3).

إلى غير ذلك من النصوص المتضمّنة جملة منها لبيان ما يترتّب على الأضحى من الثواب، وجملة أُخرى لبيان فوائد أُخر مترتّبة عليه، وكيف كان فظاهر كثير من هذه النصوص هو الوجوب كما عن الإسكافي(4) الإفتاء به.

واُجيب عنه تارةً : بأنّ بعض النصوص تضمّن وجوبه على الكبير والصغير، وحيث إنّه لا يجب على الصغير قطعاً، فلابدّ وأن يراد به وجوبه على وليّه، وهذا مضافاً إلى استلزامة التقدير - وليس هو أولى من حمل الوجوب على إرادة الثبوت الملائم مع الاستحباب - يعارضه حينئذٍ بعضها الآخر، المصرّح بعدم وجوبه عن1.

ص: 139


1- الفقيه: ج 2/488 ح 3043، وسائل الشيعة: ج 14/205 ح 18988.
2- الكافي: ج 4/487 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/204 ح 18986.
3- الفقيه: ج 2/488 ح 3044، وسائل الشيعة: ج 14/205 ح 18990.
4- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/291.

العيال، فيتعيّن حمل الوجوب بالنسبة إلى الصغير على الندب، فإنْ اُبقي على ظهوره بالنسبة إلى الكبير لزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، فيتعيّن الحمل على إرادة الندب بالنسبة إليه أيضاً.

واُخرى : بأنّ بعض تلك النصوص محتملٌ للخبريّة، وبعضها مصرّح بوجوبه على الصغير، وحيث لا يجب عليه قطعاً، فيدور الأمر بين تقدير الوليّ أو حمله على إرادة الندب، والثاني أولى بملاحظة ما فيه من قوله عليه السلام: «وهي سُنّة»، وبعضها متضمّنٌ للأمر بالاستقراض والإضحاء، ولا يجبُ الاستقراض قطعاً، وبعضها متضمّنٌ للأمر بذبح الكبش الموصوف بصفات خاصّة الذي لا يجب قطعاً، فلا دليل على الوجوب.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لا مانع من وجوبه بالخصوص على الصغير، ويكون الولي مخاطباً به، ويخصّص به ما دلّ على عدم وجوبه عن العيال.

كما أنّ دعوى: أنّه ليس التقدير أولى من حمل الوجوب على الاستحباب.

مندفعة: بأنّ التقدير لازمٌ على كلّ حال، إذ بعض أفراد الصغير لا يقبل توجّه الخطاب إليه ولو ندبيّاً، فالموجّه إليه الخطاب هو الوليّ .

ويرد على الثاني: أنّ الجملة الخبريّة ظاهرة في الوجوب، وما اُفيد من أنّ التقدير ليس أولى من الحمل على الندب، قد عرفت ما فيه، والمراد بالسُنّة يمكن أن يكون ما ثبت وجوبه بغير الكتاب، وعدم وجوب الاستقراض لا يصلح قرينة لحمل الأمر بها على الندب.

فالحقّ أنْ يقال: إنّ تسالم الأصحاب على عدم الوجوب في مثل هذه المسألة

ص: 140

- المبتلى بها مع هذه النصوص الكثيرة الظاهرة في الوجوب من دون معارض - يكون دليلاً قطعيّاً على عدم الوجوب، ويوجبُ صرف ظهور الأخبار.

وإنْ شئت قلت: إنّ النبوي: «كُتبَ عليَّ النحر ولم يُكتب عليكم»(1) - المنجبر ضعفه بالعمل - موجبٌ لصرف ظهور الأخبار، فلاينبغي التأمّل في استحباب ذلك، غاية الأمر استحباباًمؤكّداً، كما يظهر من ملاحظة النصوص وما فيها من التأكيدات.

***4.

ص: 141


1- مسند أحمد: ج 1/317، سنن البيهقي: ج 9/264.

يوم النحر وثلاثة بعده بمنى، ويومان في غيرها.

وقت الأضحية بمنى والأمصار

ووقتها (يوم النحر وثلاثة) أيّام (بعده بمنى، ويومان في غيرها) بلا خلافٍ ، وفي «المنتهى »: (ذهب إليه علماؤنا أجمع)(1).

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام: «عن الأضحى كم هو بمنى ؟ قال: أربعة أيّام، وسألته عن الأضحى في غير منى ؟ فقال: ثلاثة أيّام، فقلت: فما تقول في رجلٍ مسافر قدِم بعد الأضحى بيومين، ألَهُ أن يضحّي في اليوم الثالث ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

أقول: والظاهر أنّ المراد اليوم الثالث من يوم النحر لا الثالث بعده، كما استظهره في محكي «كشف اللّثام»(3)، لا بقرينة ما قبله كما في «الجواهر»(4)، فإنّه يمكن حمله على إرادة القضاء كما حمله عليه في «كشف اللّثام» على ما حُكي، بل بقرينة التصريح به في موثّق الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الأضحى بمنى ؟ فقال: أربعة أيّام، وعن الأضحى في سائر البلدان، فقال:

ثلاثة أيّام، وقال: لو أنّ رجلاً قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين ضَحّى اليوم

ص: 142


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/755.
2- التهذيب: ج 5/202 ح 12، وسائل الشيعة: ج 14/91 ح 18675.
3- كشف اللّثام: ج 6/209.
4- الجواهر: ج 19/223.

الثالث الذي قدم فيه»(1).

ونحوهما غيرهما.

وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ الأضحى ثلاثة أيّام كخبر غياث(2).

وقد يقال(3): إنّه يُحمل على التقيّة، لكونه موافقاً لمذهب أبي حنيفة ومالك والثوري، فتأمّل.

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الأضحى يومان بعد يوم النحر، ويومٌ واحد بالأمصار»(4).

وخبر الأسدي عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن النحر؟ فقال: أمّا بمنى فثلاثة أيّام، وأمّا في البلدان فيومٌ واحد»(5).

فقد حملهما الشيخ(6) والصدوق(7) على إرادة أيّام النحر والأضحى التي لايجوز الصوم فيها، وهي ما ذكر، ويعضد ذلك صحيح منصور عنه عليه السلام:

«النحر بمنى ثلاثة أيّام، فمن أراد الصوم لم يصم حتّى تمضي الثلاثة الأيّام، والنحر بالأمصار يومٌ فمن أراد أن يصوم صام من الغد»(8).

لا يُقال: إنّه لا يجوز صوم يوم الثالث من أيّام التشريق بمنى.9.

ص: 143


1- الفقيه: ج 2/486 ح 3037، وسائل الشيعة: ج 14/92 ح 18676 وح 18677.
2- التهذيب: ج 5/203 ح 14، وسائل الشيعة: ج 14/92 ح 18678.
3- حكاه في صاحب الجواهر في الجواهر: ج 19/225.
4- الكافي: ج 4/486 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/93 ح 18681.
5- التهذيب: ج 5/203 ح 15، وسائل الشيعة: ج 14/93 ح 18680.
6- التهذيب: ج 5/203.
7- الفقيه: ج 2/487.
8- الفقيه: ج 2/487 ح 3039، وسائل الشيعة: ج 14/93 ح 18679.

فإنّه يدفعه: أنّه يجوز بعض أفراده وهو صوم بدل الهَدْي في اليوم الثاني عشر.

وأيضاً: لو انقضت هذه الأيّام ولم يُضحّ ، لم يكن عليه قضاؤها، لعدم الدليل عليه.

قال المصنّف في «المنتهى »: (لو فاتت هذه الأيّام، فإن كانت الأضحية واجبة بالنذر وشبهه لم يسقط وجوب قضائها؛ لأنّ لحمها مستحقٌّ للمساكين، فلا يخرجون عن الاستحقاق بفوات الوقت، وإنْ كانت غير واجبة فقد فات ذبحها؛ فإنْ ذبحها لم يكن أضحية، فإن فَرّق لحمها على المساكين استحقّ الثواب على التفرقة دون الذبح»(1)، انتهى .

أقول: إنْ كان النذر متعلّقاً بالأضحية - كما هو المفروض - فقد فات وقتها وخرجت عن كونها اُضحية، فكيف يجب قضاؤها؟!

وعليه، فالحقّ عدم وجوب القضاء، نعم عليه كفّارة حنث النذر.

وأمّا وقتها: فقد بحث الأصحاب عن الساعة من اليوم الذي تُذبح فيه.

فعن جماعة منهم الشيخ في «المبسوط»(2)، والمصنّف في «المنتهى »(3)، والشهيد في «الدروس»(3) وغيرهم(4) في غيرها، من أنّه إذا طلعت الشمس، ومضى مقدار ما يمكن صلاة العيد والخطبتان بعدها المخفّفتان.

واستدلّ له في «المنتهى »(6) بأنّها عبادة متلو آخر وقتها بالوقت، فتعليق أوّله بالوقت كالصوم والصلاة.5.

ص: 144


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/756.
2- المبسوط: ج 1/389. (3و6) المنتهى (ط. ق): ج 2/756.
3- الدروس: ج 1/448.
4- منهم الشهيد الثاني في الروضة: ج 2/305.

واستدلّ له في «الحدائق»(1) بموثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له: متى نذبح ؟ قال عليه السلام: إذا انصرف الإمام، قلت: فإذا كنتُ في أرضٍ ليس فيها إمام فاُصلّي بهم جماعة ؟ فقال: إذا استعلت الشمس»(2).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه بعد دلالة النصوص بإطلاقها على أنّ وقتها من أوّل طلوع الشمس لا يعتنى به.

ويرد على الثاني: أنّ السؤال يمكن أن يكون عن وقت الفضيلة، فلا مقيّد لإطلاق النصوص.

وعليه، فالأظهر أنّ وقتها من أوّل طلوع الشمس إلى الغروب، وقد مرّ في مبحث الهَدْي الجواز باللّيل، فراجع، كما مرّ(3) حكم ادّخار لحمها وتقسيمه وإخراجه من منى.

***ء.

ص: 145


1- الحدائق: ج 17/210.
2- التهذيب: ج 3/287 ح 17، وسائل الشيعة: ج 7/474 ح 9895.
3- تقدّم ذلك في صفحة 99، مبحث (إخراج لحم الهَدْي من منى) من هذا الجزء.

ويجزي هَدي التمتّع عنها.

في بيان جملة من أحكام الأضحية

الحكم الأوّل: (ويُجزي هَدي التمتّع عنها) كما في المتن، وعن «النافع»(1)و «التلخيص»(2).

وفي «الشرائع»: (وعن غيرها يُجزي الهَدْي الواجب عنها)(3).

وعن «النهاية»(4) و «الوسيلة»(5) و «التحرير»(6) و «المنتهى »(7) و «التذكرة»(8):

إجزاء مطلق الهدى عنها.

أقول: والأظهر هو الأخير، ويشهد به صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «يُجزيك من الأُضحية هَديُك»(9)، ونحوه غيره.

ودعوى الانصراف إلى الواجب أو خصوص هَدي التمتّع، كما ترى .

ثمّ إنّ في لفظ (الإجزاء) إشعاراً أو ظهوراً بما ذكره غير واحدٍ(10) من أنّ الجمع بينهما أفضل.

ص: 146


1- المختصر النافع: ص 91.
2- تلخيص المرام: ص 72.
3- الشرائع: ج 1/197.
4- النهاية: ص 262.
5- الوسيلة: ص 186.
6- التحرير: ج 1/635 مسألة 2179.
7- المنتهى (ط. ق): ج 2/755.
8- التذكرة: ج 8/305.
9- التهذيب: ج 5/238 ح 142، وسائل الشيعة: ج 14/205 ح 18987.
10- منهم ممّن تقدّم الشيخ في النهاية والعلّامة في التذكرة والمنتهى والتحرير وابن حمزة في الوسيلة.

ولو فقدها تصدّق بثمنها. ويُكره التضحية بما يُربيه،

الحكم الثاني: (ولو فقدها تصدّق بثمنها)، وإنْ اختلفت أثمانها جُمع الأعلى والوسط والأدنى ، وتصدّق بثُلث الجميع، بلا خلافٍ في شيء من ذلك، ومدرك الحكم ما رواه عبد اللّه بن عمر، قال: «كنّا بمكّة فأصابنا غلاء في الأضاحي، فاشترينا بدينار، ثمّ بدينارين، ثمّ بلغت سبعة، ثمّ لم توجد بقليلٍ ولا كثير، فرقع هشام المكاري رقعةً إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا ثمّ لم نجد بقليل ولا كثير، فوقّع عليه السلام: انظروا إلى الثمن الأوّل والثاني والثالث، ثمّ تصدّقوا بمثل ثُلثه»(1).

وفي «الجواهر»: (والظاهر كما صرّح به غير واحدٍ أنّ المراد التصدّق بقيمة منسوبة إلى ما كان من القيم، فمن الاثنين النصف، ومن الثلاث الثلث، ومن الأربع الرّبع، وهكذا، وأنّ اقتصار الأصحاب على الثُّلث تبعاً للرواية التي يمكن أن تكون هي المستند للأصحاب فيما ذكروه في اختلاف قيم المعيب والصحيح)(2) انتهى .

الحكم الثالث: (ويكره التضحية بما يُربيه)؛ ويدلّ عليها:

1 - خبر محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «قلت: جُعلت فداك كان عندي كبشٌ سمين لأضحّي به، فلمّا أخذته وأضجعته نظر إليَّ فرحمته ورققت عليه، ثمّ إنّي ذبحته ؟ فقال لي: ما كنتُ أحبّ لك أن تفعل، لا تربين شيئاً من هذا ثمّ تذبحه»(3).8.

ص: 147


1- الفقيه: ج 2/497 ح 3063، وسائل الشيعة: ج 14/203 ح 18983.
2- الجواهر: ج 19/229-\230.
3- الكافي: ج 4/544 ح 20، وسائل الشيعة: ج 14/208 ح 18998.

وإعطاء الجزّار الجلود.

2 - ومرسل «الفقيه»، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: «لا يُضحّى بشيء من الدواجن»(1)، وهي على ما قاله أهل اللّغة: (الشاة التي تعلفها النّاس في منازلهم، كذلك الناقة والحمام البيوتي)، كذا في «المجمع»(2).

الحكم الرابع: (و) في (إعطاء الجزّار الجلود) كلامٌ قد تقدّم في هَدي القارِن، وعرفت اختصاص دليل المنع بالهَدْي، وصراحة خبرين في الجوازفي الأضحية، فراجع(3).

أقول: وربما يستدلّ للكراهة:

1 - بخبر معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ذَبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله - إلى أنْ قال - ولم يعط الجزّارين من جِلالها ولا من قلائدها ولا من جلودها، ولكن تصدّق به»(4).

2 - وخبره الآخر عنه عليه السلام: «ينتفع بجلد الأُضحية ويشتري به المتاع، وإنْ تصدّق به فهو أفضل، وقال: نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدنة ولم يعط الجزّارين من جلودها ولا قلائدها ولا جلالها، ولكن تصدّق به، ولا تعط السلّاخ منها شيئاً، ولكن أعطه من غير ذلك»(5).

وظاهر الثاني الاختصاص بالأضحية، إنْ لم يكن روايتين، وليس ببعيد، ويُشعر به قوله رحمه الله: (وقال).6.

ص: 148


1- الفقيه: ج 2/497 ح 3064، وسائل الشيعة: ج 14/208 ح 18999.
2- مجمع البحرين: ج 2/11 مادّة (د ج ن).
3- صفحة 136 من هذا المجلّد.
4- التهذيب: ج 5/227 ح 109، وسائل الشيعة: ج 14/173 ح 18907.
5- الكافي: ج 4/501 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/173 ح 18906.

وعلى الاختصاص يُحمل على الكراهة؛ بقرينة ما تقدّم من نصوص الجواز.

وأمّا على التعميم وكذا في سابقه، فالخبران أخصّ مطلق منهما، فيقيّد إطلاقهما بغير الأضحية، وعليه فلا دليل على الكراهة.

ثمّ إنّ صريح الثاني جواز أن ينتفع به المالك، وأن يبيعه ويشتري بثمنه متاع البيت، إلّاأنّ التصدّق أفضل.

وقد تقدّم في مبحث الهَدْي أنّه لا يجب التصدّق بها، ولا إهداء الإخوان وأنّ له أن يأكل جميعها.

وعليه، فهل يجوز بيع لحومها، أم لا كما هو المنسوب إلى بعضهم(1)؟

الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ المأمور به هو الذبح خاصّة، ولكن ادّعى بعض المحقّقين(2) أنّ التتبّع في الأخبار وسيرة المسلمين في الأعصار، يوجب القطع بأنّ الدخيل في المأمور به شيء آخر زائداً على الذبح، ولو بإهداء جزءٍ منها للإخوان أو التصدّق ببعضها أو إطعام أهله منها، وليس ببعيد.

وعليه، فله أن يتصدّق ببعض لحمها ويفعل في غيره ما شاء.

***0.

ص: 149


1- نسبه السيّد العاملي إلى الأصحاب في مدارك الأحكام: ج 8/80.
2- المحقّق النراقي في المستند: ج 12/370.

الثالث: الحلق، ويجبُ يوم النحر بعد الذّبح الحلق أو التقصير بمنى، والحلق أفضل، ويتأكّد للصَّرورة والملبّد.

الحلق أو التقصير

(الثالث) من مناسك منى: (الحلق):

(ويجبُ يوم النحر بعد الذّبح الحلق أو التقصير بمنى، والحلقُ أفضل، ويتأكّد للصّرورة والملبّد) كما صرّح بذلك كلّه غير واحدٍ من الأساطين(1).

أقول: وتنقيح القول في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: المعروف بين الأصحاب وجوب النُسُك المزبور.

وفي «المنتهى »: (ذهب إليه علماؤنا أجمع، إلّافي قولٍ شاذ للشيخ في «التبيان» أنّه مندوب، وهو نُسكٌ عند علمائنا)(2)، انتهى .

أقول: ويشهد بالوجوب طوائف من النصوص:

منها: ما تضمّن الأمر به، كخبر عمر بن يزيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ذبحتَ اُضحيتك فاحلق رأسك»(3)، نحوه غيره.

ومنها: ما دلّ على أنّه إذا نسي أن يأتي به رجع وأتى به، كخبر الحلبي عنه عليه السلام:

«عن رجلٍ نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتّى ارتحلّ من منى ؟ قال عليه السلام: يرجع إلى منى حتّى يلقي شعره بها، حلقاً كان أو تقصيراً»(4)، وبمعناه رواياتٌ أُخر.

ص: 150


1- كالصدوق في المقنع: ص 277، والشيخ في النهاية ص 262، والمحقّق في الشرائع: ج 1/197، وغيرهم.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/762.
3- التهذيب: ج 5/240 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/211 ح 19005.
4- وسائل الشيعة: ج 14/217 ح 19023.

ومنها: ما دلّ على ثبوت الكفّارة لو زار البيت قبله(1)، وسيأتي(2).

ومنها: ما دلّ على توقّف الإحلال عليه(3).

وهذا كلّه، مضافاً إلى التأسّي، فلا ينبغي التوقّف في الوجوب.

المسألة الثانية: وجوب القيام بذلك في منى .

وفي «الحدائق»: (هو مقطوع به في كلامهم، بل ظاهر «التذكرة» و «المنتهى » أنّه موضع وفاق)(4) انتهى .

واستدلّ له الشيخ(5):

1 - بصحيح الحلبي المتقدّم، قال عليه السلام في النّاسي: (يرجع إلى منى).

2 - وخبر أبي بصير: «عن رجلٍ جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتّى ارتحل من منى ؟ قال عليه السلام: فليرجع إلى منى حتّى يحلق شعره أو يقصّر، وعلى الصرورة أن يحلق»(6).

وأمّا حسن مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتّى نفر؟ قال عليه السلام: يحلق في الطريق أو أين كان»(7).

وخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ زار البيت ولم يحلق رأسه ؟ قال عليه السلام: يحلق بمكّة ويحمل شعره إلى منى، وليس عليه شيء»(8).5.

ص: 151


1- راجع وسائل الشيعة: ج 14/215 الباب الثاني من أبواب الحلق والتقصير ح 19017.. الخ.
2- وهو ما سيأتي لاحقاً في صفحة 171 في مبحث: (وجوب تقديم التقصير على زيارة البيت).
3- وسائل الشيعة: ج 14/217 ح 19022.
4- الحدائق: ج 17/232.
5- التهذيب: ج 5/241.
6- التهذيب: ج 5/241 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/218 ح 19026.
7- التهذيب: ج 5/241 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/218 ح 19024.
8- التهذيب: ج 5/242 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/221 ح 19035.

فمحمولان على صورة تعذّر العود إلى منى ، كما عن الشيخ(1) وغيره(2).

أقول: ولعلّ وجهه أنّ روايات العود مختصّة بصورة التمكّن، فهي حينئذٍ بمنزلة الخاص، فيقيّد بها إطلاق الخبرين، ولولاه لزم طرحهما؛ لمخالفتهما لعمل الأصحاب.

وقد طعن صاحب «المدارك»(3) في حسن مسمع، إذ لم يوثّقه أحد.

وفيه أوّلاً: أنّه قدس سره تارةً يُعدّ خبره صحيحاً، وأُخرى حسناً، وثالثة يطرحه كما هنا، على ما في «الحدائق»(4).

وثانياً: أنّه ممدوحٌ ، وحديثه معدودٌ من الحسن.

المسألة الثالثة: قيل يجب أن يكون ذلك يوم النحر، واستدلّ له بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة المعصومين عليهم السلام فيجب:

1 - للتأسّي.

2 - ولقوله صلى الله عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم»(5).

3 - وبخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم النحر يحلق رأسه ويقلّم أظفاره»(6) الحديث.

وأورد على الاستدلال بهما: أنّه لم يثبت كون ذلك منسكاً، إذ الفعل لابدّ وأن يقع في زمان، وفعله صلى الله عليه و آله في ذلك اليوم لعلّه لكونه أحد الأفراد.

ولكن لو تمّ ذلك بالنسبة إلى ما عُلم من الخارج أنّه صلى الله عليه و آله كان يحلق في ذلك6.

ص: 152


1- التهذيب: ج 5/242.
2- كالمحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/233.
3- المدارك: ج 8/96.
4- الحدائق: ج 17/233.
5- غوالي اللآلي: ج 1/215 ح 73 و: ج 4/34 ح 118، سنن البيهقي: ج 5/125، مسند أحمد: ج 3/318 وسنن النسائي: ج 5/270 قريب منه.
6- الكافي: ج 4/502 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/214 ح 19016.

اليوم، لا يتمّ في الخبر؛ إذ ظاهر نقل المعصوم عليه السلام إيّاه كونه منسكاً، فيشمله النبوي، إلّا أنّ الكلام في انجبار ضعف النبوي، وفي أنّه إنّما يدلّ على أخذ المناسك منه، وأنّ ما يفعله بما أنّه واجبٌ يكون واجباً على الاُمّة، وما يفعله بما أنّه مستحبٌّ يكون كذلك، ومجرّد الفعل ونقل المعصوم إيّاه لا يثبت كونه واجباً.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه إذا ثبت مطلوبيّته، وحيث لم يرخّص في تركه، فيحكم العقل بلزوم الإتيان به، فلو لم يكن ذلك أظهر، لا ريب في كونه أحوط.

فما عن الحلبي(1) و «المنتهى »(2) و «التذكرة»(3) وغيرهما(4) من جواز تأخيره إلى آخر أيّام التشريق، ضعيفٌ .

نعم، لو عصى وأخّره يجزي لو قدّمه على الطواف، وسيأتي الكلام فيه في آخر وقت الطواف(5).

وجوب تأخير الحلق أو التقصير عن الذبح

المسألة الرابعة: اختلف الأصحاب في أنّه هل يجب تأخير الحلق أو التقصير عن الذبح، أم يستحبّ ذلك ؟

ذهب الشيخ في «المبسوط»(6) و «الاستبصار»(7) إلى الأوّل، واختاره أكثر

ص: 153


1- الكافي في الفقه: ص 200-201.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/765.
3- التذكرة: ج 8/342.
4- كالسيّد العاملي في المدارك: ج 8/89.
5- تعرّض لذلك في نهاية بحث: وجوب تقديم التقصير على زيارة البيت.
6- المبسوط: ج 1/374.
7- الإستبصار: ج 2/284.

المتأخّرين منهم المصنّف رحمه الله في أكثر كتبه(1)، والمحقّق في «الشرائع»(2).

وبالثاني قال الشيخ في محكي «الخلاف»(3) وابن أبي عقيل(4) وأبو الصلاح(5) والحِلّي(6)، والمصنّف في محكي «المختلف»(7)، ومالَ إليه سيّد «الرياض»(8).

استدلّ للأوّل:

1 - بالآية الكريمة: «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ » (9)، ففي موثّق الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ حلق قبل أن يذبح ؟ قال:

يذبح ويعيد الموسى؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ » »(10).

2 - وبنصوص كثيرة:

منها: خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا ذبحتَ أُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك، وخُذ من شاربك»(11).

ومنها: خبر جميل بن درّاج، عنه عليه السلام: «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق»(12) الحديث.6.

ص: 154


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/764، والتحرير: ج 1/642 و 651، والتذكرة: ج 8/339، والقواعد: ج 1/444.
2- الشرائع: ج 1/198.
3- الخلاف: ج 2/345.
4- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/289.
5- الكافي في الفقه: ص 201.
6- السرائر: ج 1/602.
7- المختلف: ج 4/289.
8- الرياض: ج 6/505.
9- سورة البقرة: الآية 196.
10- التهذيب: ج 5/485 ح 376، وسائل الشيعة: ج 14/158 ح 18861.
11- التهذيب: ج 5/240 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/211 ح 19005.
12- الكافي: ج 4/498 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/155 ح 18856.

ومنها: خبر موسى بن القاسم، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يحلق رأسه ولا يزور حتّى يُضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء»(1).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ حلق رأسه قبل أن يُضحّي ؟ قال عليه السلام: لا بأس وليس عليه شيء ولا يعودنّ »(2)، بناءً على إرادة الحرمة من النهي عن العود، وإرادة عدم الإعادة من نفي البأس.

ومنها: موثّق عمّار، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ حلق قبل أن يذبح ؟ قال عليه السلام: يذبح ويعيد الموسى؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ » »(3).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة.

ولكن يرد على الاستدلال بالآية الشريفة: أنّ ظاهر بلوغ الهَدْي محلّه ليس هو الذبح، وموثّق الساباطي - المفسّر إيّاها المتضمّن لكون بلوغ الهَدْي محلّه هو الذبح - معارضٌ بجملةٍ اُخرى من الأخبار في ذلك:

منها: خبر علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام: «إذا اشتريت أُضحيتك ووزنت ثمنها، وصارت في رحلك فقد بلغ الهَدْي مَحِلّه، فإنْ أحببتَ أن تحلق فاحلق»(4).

ومنها: خبره الآخر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا اشترى الرجل هديه وقمطه في0.

ص: 155


1- التهذيب: ج 5/236 ح 134، وسائل الشيعة: ج 14/158 ح 18862.
2- التهذيب: ج 5/237 ح 137، وسائل الشيعة: ج 14/158 ح 18863.
3- التهذيب: ج 5/485 ح 376، وسائل الشيعة: ج 14/158 ح 18861.
4- الكافي: ج 4/502 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/157 ح 18860.

بيته فقد بلغ مَحِلّه، فإنْ شاء فليحلق»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «إذا اشتريت أُضحيتك وقمطتها في جانب رحلك، فقد بلغ الهَدْي مَحِلّه، فإنْ أحببتَ أن تحلق فاحلق»(2).

وعن «المبسوط»(3) و «النهاية»(4) و «التهذيب»(5) والحِلّي(6) الإفتاء بمضمونها، وأنّه يجوزُ الحلق إذا حصل الهَدْي في الرّحل وإنْ لم يذبحه.

وأمّا النصوص: فإنكار ظهورها في الوجوب مكابرة، إلّاأنّ بإزائها روايات اُخرى تدلّ على عدم الوجوب:

منها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ؟ قال عليه السلام: لا ينبغي إلّاأنْ يكون ناسياً.

ثمّ قال: إنّ ر سول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه اُناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللّه إنّي حلقتُ قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقتُ قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلّاقدّموه ؟! فقال صلى الله عليه و آله: لا حَرَج»(7).

وقريب منه صحيح البزنطي(8) وغيره، بل صحيح ابن سنان المتقدّم دالّ عليه؛ لأنّ حمل نفي البأس على نفي الإعادة خلاف ظاهره، سيّما مع تعقّبه بقوله عليه السلام: (وليس9.

ص: 156


1- الفقيه: ج 2/505 ح 3089، وسائل الشيعة: ج 14/157 ذيل ح 18860.
2- التهذيب: ج 5/218 ح 74، وسائل الشيعة: ج 14/157 ح 18860.
3- المبسوط: ج 1/374.
4- النهاية: ص 261.
5- التهذيب: ج 5/235.
6- السرائر: ج 1/599.
7- الكافي: ج 4/504 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/155 ح 18857.
8- الكافي: ج 4/504 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/156 ح 18859.

عليه شيء)، بل هو قرينة على حمل النهي عن العود على المرجوحيّة، لا المنع.

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي حمل الأُولى على الاستحباب، وأمّا حمل الثانية على صورة الجهل والنسيان فهو بلا شاهد، كما أنّ حملها على إرادة الإجزاء والأولى على الحكم التكليفي خلاف ظاهر قوله صلى الله عليه و آله: (لا حرج)، وقوله عليه السلام: (لابأس).

نعم، مقتضى الآية - بضميمة ما ورد في تفسيرها - عدم جواز الحلق قبل حصول الهَدْي في رحله، والأحوط تأخيره عن الذبح أيضاً.

وعلى القول بوجوب التأخير فظاهرهم الاتّفاق على أنّه لو خالف وقدّم الحَلق ولو عامداً لا إعادة عليه، ويشهد به صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدّم.

وأمّا خبر عمّار الآمر بإمرار الموسى على رأسه بعد الذبح، فمحمولٌ على الفضيلة؛ جمعاً بينه وبين الصحيح، فلا إشكال فيه، وحمل الصحيح على غير صورة العمد - كما في «الحدائق»(1) - بلا حامل.

عدم تعيّن الحلق على الصرورة

المسألة الخامسة: لا خلاف بين الأصحاب في أنّ غير الصرورة والملبّد - وهو من جَعَل على رأسه عَسَلاً أو صَمغاً لئلّا يتوسّخ أو يُقمّل - ومن عَقَص شعره مخيّر بين الحلق و التقصير، وعن «التذكرة»(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: نصوص عديدة:

منها: صحيح معاوية أو حسنه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ينبغي للصرورة أن يحلق، وإنْ كان قد حَجّ ، فإنْ شاء قصّر وإنْ شاء حلق، فإذا لبّد شعره أو عَقَصه فإنّ

ص: 157


1- الحدائق: ج 17/244.
2- التذكرة: ج 8/334.

عليه الحلق وليس له التقصير»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «من لبّد شعره أو عَقَصه، فليس له أن يقصّر وعليه الحلق، ومن لم يلبده تخيّر، إنْ شاء قصّر وإنْ شاء حلق، والحلق أفضل»(2).

ونحوهما غيرهما.

أقول: إنّما الكلام في الثلاثة:

أمّا الصَّرورة: فعن المفيد(3)، ونهاية الشيخ(4) ومبسوطه(5)، و «الوسيلة»(6)، و «المقنع»(7)، و «التهذيب»(8) و «الاقتصاد»(9) و «المصباح»(10) ومختصره، وفي «الحدائق»(11) و «المستند»(12): تعيّن الحلق عليه.

وفي الكتاب و «المنتهى »(13)، و «التذكرة»(14)، و «الشرائع»(15) و «الجواهر»(16)،3.

ص: 158


1- الكافي: ج 4/502 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/222 ح 19037.
2- السرائر: ج 3/562، وعنه وسائل الشيعة: ج 14/226 ح 19051.
3- المقنعة: ص 419.
4- النهاية: ص 262.
5- المبسوط: ج 1/376.
6- الوسيلة: ص 186.
7- المقنع: ص 277.
8- التهذيب: ج 5/245.
9- الإقتصاد: ص 308.
10- مصباح المتهجّد: ص 703.
11- الحدائق: ج 17/224.
12- مستند الشيعة: ج 12/373-374.
13- المنتهى: ج 2/763.
14- التذكرة: ج 8/334.
15- الشرائع: ج 1/197-198.
16- الجواهر: ج 19/233.

وعن «الجمل والعقود»(1) و «السرائر»(2) و «الغُنية»(3): أنّه لا يتعيّن، بل هو أيضاً مخيّر بين الحلق والتقصير.

وفي «المنتهى » و «التذكرة»: نسبته إلى أكثر علمائنا.

وفي «كنز العرفان»(4): نسبته إلى الأكثر.

وفي «الجواهر»(5): نسبته إلى المشهور.

والكلام تارةً : فيما يستفاد من الآية الكريمة.

واُخرى : فيما يستفاد من النصوص.

أمّا الآية: فهي قوله تعالى: «لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرامَ إِنْ شاءَ اَللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ » (6)، وقد استدلّ به المصنّف رحمه الله وتبعه غيره على التخيّير، بتقريب أنّه ليس المراد الجمع بينهما اتّفاقاً، بل المراد إمّا التخيّير أو التفصيل، والثاني بعيدٌ؛ وإلّا لزم الإجمال، فيتعيّن الأوّل.

وأورد عليه: بأنّه لو أراد التخيّير لأتى ب (أو) فيكون الواو للجمع، فيكون المراد التفصيل، أي محلّقين على تقدير التلبيد والصرورة، ومقصرين على تقدير غيرهما، ومعنى الجمع حاصلٌ بالنسبة إلى النصف، وإن لم يحصل بالنسبة إلى كلّ شخص، ولزوم الإجمال ليس محذوراً بعد البيان.7.

ص: 159


1- الجمل والعقود (رسائل السيّد المرتضى): ج 3/69.
2- السرائر: ج 1/60-61.
3- غنية النزوع: ص 192.
4- كنز العرفان في فقه القرآن: ج 1/318.
5- الجواهر: ج 19/236، وهو غير صريح فيه، بل نقل حكاية الشهرة.
6- سورة الفتح: الآية 27.

أقول: إنّ إرادة التفصيل مستلزمة للتقدير، إذ المجموع من حيث المجموع ليسوا متّصفين بالوصفين، وكذا كلّ فردٍ فرد، فلا محالة يكون التقدير محلّقين جمع منكم ومقصّرين جمع آخرون، وهو خلاف الظاهر، وإرادة التخيّير من (و) شائعة، لاحظ الآية الشريفة «مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ » (1).

وأمّا ما ذكر: من أنّ الإجمال ليس محذوراً بعد البيان.

فيردّه: أنّه ليس في الآية بيان، فالظاهر تماميّة الاستدلال المزبور، فلو لم يظهر أحد القولين من النصوص، كما أنّ الأصل يقتضي التخيّير كذلك الآية الكريمة.

وأمّا النصوص: فهي طوائف:

الطائفة الأُولى: ما ظاهره المنع عن التقصير وتعيّن الحلق:

منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «على الصّرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر، إنّما التقصير لمن قد حَجّ حجّة الإسلام»(2).

ومنها: خبر بكر بن خالد، عنه عليه السلام: «ليس للصرورة أن يقصّر، وعليه أن يحلق»(3).

ومنها: خبر الساباطي، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ برأسه قروح لا يقدر على الحلق ؟ قال عليه السلام: إنْ كان قد حَجّ قبلها فليجزّ شعره، وإنْ كان لم يحجّ فلابدّ له من الحلق»(4).

ومنها: خبر أبي سعيد، عنه عليه السلام: «يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبّد، ورجل حَجّ بدواً لم يحجّ قبلها، ورجل عَقَص رأسه»(5).9.

ص: 160


1- سورة النساء: الآية 3.
2- الكافي: ج 4/503 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/223 ح 19041.
3- التهذيب: ج 5/243 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/224 ح 19046.
4- التهذيب: ج 5/485 ح 376، وسائل الشيعة: ج 14/222 ح 19040.
5- التهذيب: ج 5/485 ح 375، وسائل الشيعة: ج 14/222 ح 19039.

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السلام في حديث: «وتقصّر المرأة ويحلق الرجل، وإنْ شاء قصّر إنْ كان قد حَجّ قبل ذلك»(1).

ومنها: خبر سليمان بن مهران، في حديثٍ : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف صار الحلق على الصرورة واجباً دون من قد حَجّ؟ قال عليه السلام: ليصير بذلك موسماً بسِمَة الآمنين، ألا تسمع قول اللّه عزّ وجلّ : «لَتَدْخُلُنَّ » ...»(2).

ومنها: خبر أبي بصير: «عن رجلٍ جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتّى ارتحلّ من منى ؟ قال عليه السلام: فليرجع إلى منى حتّى يحلق شعره أو يقصّر، وعلى الصرورة أن يحلق»(3).

ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عنه وذكر مثله، إلّاأنّه قال:

«حتّى يلقى شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً، وعلى الصرورة الحلق»(4).

الطائفة الثانية: ما يكون قابلاً لإرادة الوجوب أو الاستحباب منه، ويكون من هذه الجهة مجملاً، ولذلك استدلّ به كلّ من الطرفين، وهو صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ينبغي للصرورة أن يحلق، وإنْ كان قد حَجّ ، فإنْ شاء قصّر وإن شاء حلق، فإذا لبّد شعره أو عَقَصه فإنّ عليه الحلق وليس له التقصير»(5).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على تخيّير الصرورة بين الأمرين:

منها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «ومن لم يلبّده تخيّر إنْ 7.

ص: 161


1- الكافي: ج 4/474 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/227 ح 19053.
2- الفقيه: ج 2/238 ح 2292، وسائل الشيعة: ج 14/225 ح 19050.
3- الكافي: ج 4/502 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/218 ح 19026.
4- الفقيه: ج 2/506 ح 3093.
5- الكافي: ج 4/502 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/222 ح 19037.

شاء قصّر وإنْ شاء حلق، والحلق أفضل»، فإنّ غير الملبد أعمّ من الصرورة وغيره.

ومنها: صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا عَقَص الرجل رأسه أو لبّده في الحَجّ أو العُمرة، فقد وجب عليه الحلق»(1)، فإنّ مفهومه عدم وجوبه على غيرهما وإنْ كان صرورة.

هذه جميع النصوص المربوطة بالمقام.

أمّا الطائفة الأُولى : فأكثرها ضعيفة السند:

أمّا الأوّل: فلأنّ في طريقه علي بن أبي حمزة، وسهل بن زياد، وهما ضعيفان.

وأمّا الثاني: فلأنّ بكر بن خالد مجهول الحال، ومن الغريب أنّ المصنّف في «المنتهى »(2) ضعف الخبر بأنّ في طريقه أبان بن عثمان ولم يتعرّض لبكر، مع كون أبان ثقة على الأظهر، وكونه واقفيّاً غير معلوم، وعلى فرضة لا يضرّ بقبول روايته، وقد صرّح هو قدس سره في محكي «الخلاصة»(3) بأنّ «الأقرب عندي قبول روايته وإنْ كان فاسد المذهب».

وأمّا الرابع: فلأنّ في طريقه سويد القلّا، ولم يثبت وثاقته وحاله مجهول.

وأمّا الخامس: فلعليّ بن أبي حمزة.

وأمّا السادس: فلتميم بن بهلول وأبيه وغيرهما ممّن في الطريق.

وأمّا السابع: فلعليّ بن أبي حمزة كما مرّ.

فلم يبق إلّاموثّق الساباطي وهو غير ظاهر الدلالة؛ فإنّ الراوي يفرض عدم4.

ص: 162


1- التهذيب: ج 5/484 ح 370، وسائل الشيعة: ج 14/222 ح 19038.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/763.
3- خلاصة الأقوال: ص 74.

قدرته على الحلق، ومع ذلك يأمره به، ومن المتّفق عليه أنّه لا يجبُ الحلق مع عدم القدرة، مع أنّه لو سُلّم تماميّة سند تلك النصوص ودلالتها، تكون النسبة بينها وبين الطائفة الثالثة عموماً من وجه؛ لأعمّيتها من حيث الشمول للملبد والمعقوص وغيرهما، واختصاص الثالثة بغير الملبد والمعقوص، وأعميّة الثالثة من حيث الشمول للصرورة وغيره، فتعارضان في الصرورة الذي لا يكون ملبداً ولا مَعقوصاً، وحيث أنّ المختار عندنا هو الرجوع في تعارض العامين من وجه إلى أخبار الترجيح، فيرجع إليها، وهي تقتضي تقديم الثالثة؛ لكونها أشهر، ولأصحيّة سند رواياتها، ولموافقتها للكتاب كما مرّ.

وأمّا الطائفة الثانية: فلو سُلّم كونها مجملة، تُحمل على المفصّل من النصوص، مع أنّ دعوى ظهور (ينبغي) في الاستحباب - سيّما بقرينة مقابلته بما ذكر في الملبّد والمعقوص من أنّ عليهما الحلق وليس لهما التقصير - غير بعيدة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر كون الصرورة مخيّراً بين الحلق والتقصير، والحلق أفضل له، بل استحبابه مؤكّد.

وأمّا الملبّد والمعقوص: فجملةٌ من النصوص المتقدّمة تدلّ على لزوم الحلق عليهما، وهي نصوص الطائفتين الأخيرتين، ولا معارض لها سوى الآية الكريمة المقيّد إطلاقها بها، فيجبُ عليها ذلك.

وعليه، فما أفاده ابن أبي عقيل(1) ومالَ إليه سيّد «المدارك»(2) من تعيّن الحلق عليهما دون الصرورة هو الأظهر.

***1.

ص: 163


1- حكاه عنه الشيخ في المختلف: ج 4/293.
2- مدارك الأحكام: ج 8/91.

ويتعيّن في المرأة التقصير.

وجوب التقصير على النساء

المسألة السادسة: لا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (يتعيّن في المرأة التقصير) وليس عليها حلق، وفي «المنتهى »: (ليس عليها حلقٌ إجماعاً)(1)، انتهى ، بل يحرم عليها ذلك بلا خلافٍ ، وعن «المختلف»(2) الإجماع عليه.

مدرك الأوّل:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس على النساء حلقٌ ، ويجزيهن التقصير»(3).

2 - وقول النبيّ صلى الله عليه و آله في وصيّته لعليّ عليه السلام: «ليس على النساء جُمعة - إلى أنْ قال - ولا استلام الحجر، ولا حلق»(4).

3 - وصحيح سعيد الأعرج، في حديثٍ أنّه سال أبا عبد اللّه عليه السلام عن النساء، فقال عليه السلام: «إنْلم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهنّ ، ويقصّرن من أظفارهن»(5)، ونحوها غيرها.

ومدرك الثاني: المرتضوي: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها»(6).

ص: 164


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/763.
2- المختلف: ج 4/294.
3- التهذيب: ج 5/390 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/227 ح 19054.
4- الفقيه: ج 4/364 ح 5762.
5- التهذيب: ج 5/195 ح 24، وسائل الشيعة: ج 14/226 ح 19052.
6- سنن الترمذي: ج 2/198 ح 917 و 918، سنن النسائي: ج 8/130.

أمّا النصوص الأول فهي دالّة على عدم كون الحلق نُسُكاً لها، ولا تدلّ على حرمته عليها زائداً على ذلك.

والمرتضوي - وإنْ كان ضعيف السند - إلّاأنّه ينجبر ضعفه بالعمل، ومقتضاه حرمة الحلق عليها مطلقاً، كحرمة حلق اللّحية على الرجال، ولا بأس بالالتزام بها، واللّه العالم.

أقول: وقد وقع الخلاف في إجزاء الحلق للمرأة لو فعلته عن التقصير:

اختار كاشف اللّثام(1) الإجزاء.

وذهب صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) إلى عدمه.

وعن المصنّف رحمه الله في «القواعد»(3) التنظّر في الإجزاء.

واستدلّ للأوّل: بأنّ أوّل جزء من الحلق بل كلّه تقصير.

وفيه: أنّ التقصير مفهوم مغايرٌ لمفهوم الحلق، لأنّه عبارة عن جعل الشعر أو غيره قصيراً، وأمّا الحلق فهو أمرٌ آخر، وحيث أنّ المأمور به هو التقصير، فلا يجزي الحلق مطلقاً لا بعضاً ولا كلّاً، مع أنّه قد عرفت حرمة الحلق عليها، فلا محالة لا يكون مجزئاً عن الواجب حتّى وإنْ شمل التقصير الحلق؛ لإمتناع اجتماع الأمر والنهي، فلا محالة يقيّد دليل الأمر بغير هذا الفرد، فلا يجزي ذلك.

والظاهر كفاية المسمّى في تقصيرها؛ لإطلاق الأدلّة، ولحسن الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال له: «إنّي لمّا قضيتُ نُسُكي للعمرة أتيت أهلي ولم اُقصّر؟4.

ص: 165


1- كشف اللّثام: ج 6/214.
2- الجواهر: ج 19/238.
3- القواعد: ج 1/444.

قال عليه السلام: عليك بدنة، قال: قلتُ إنّي لمّا أردتُ ذلك منها ولم تكن قصّرت امتنعتُ ، فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال عليه السلام: رحمها اللّه كانت أفقه منك، عليك بدنة وليس عليها شيء»(1).

وأمّا مرسل ابن أبي عُمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تقصّر المرأة من شعرها لعُمرتها مقدار الأنملة»(2)، فمحمولٌ على إرادة بيان أقلّ المسمّى.

وأيضاً: هل يجب عليها الجمع بينه وبين التقصير من الأظفار أم لا؟

وجهان، وقد تقدّم الكلام في ذلك، وفي التقصير للرجل وفروعه في التقصير للعمرة، فراجع(3).

إنّما الكلام في المقام في أنّه إذا اختار الرجل الحلق، فهل يجب عليه حلق جميع الرأس أم يكفي المسمّى ؟

صرّح الفاضل النراقي(4) بالثاني، وقال صاحب «كنز العرفان»: (يجب في الحلق أن يحلق جميع الرأس، ولا يُجزي بعضه»(5)، انتهى .

استدلّ للأوّل: بإطلاق النصوص، ولكن بما أنّ المأمور به في الآية والنصوص هو حلق الرأس لا الحلق من الرأس، وظاهر حلق الرأس حلقه بتمامه، كما يستفاد ذلك من صحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام في المسح في الوضوء، فإنّ الإمام يستدلّ على وجوب غَسل تمام الوجه بقوله تعالى : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » (6)، ثمّ 6.

ص: 166


1- الكافي: ج 4/441 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/508 ح 18323.
2- التهذيب: ج 5/244 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/508 ح 18324.
3- فقه الصادق: ج 17/191.
4- مستند الشيعة: ج 12/376.
5- كنز العرفان: ج 1/318.
6- سورة المائدة: الآية 6.

ولو رحل قبل الحلق أو التقصير، رجع وفعل أحدهما، فإنْ تعذَّر حلق أو قصّر أين كان وجوباً، وبعث شعره إلى منى ليدفن بها استحباباً.

يقول: «فعرفنا حين قال: «بِرُؤُسِكُمْ » ، أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء»(1)الحديث، وعلى الجملة فظهور النصوص في حلق الجميع لا يقبل الإنكار، فلا يجزي حلق بعض الرأس.

بعث الشعر إلى منى للدفن

(و) المسألة السابعة: (لو رحل قبل الحلق أو التقصير رجع وفعل أحدهما، فإنْ تعذّر حَلَق أو قصّر أين كان وجوباً) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، وقد تقدّم تفصيل القول فيه في المسألة الثانية.

إنّما الكلام في المقام في ما أفادة رحمه الله بقوله: (وبعَثَ شعره إلى منى ليُدفن بها استحباباً)، فإنّه وإنْ كان لا خلاف بينهم في رجحان أن يبعث بشعره إلى منى ، إلّا أنّهم اختلفوا في أنّ ذلك:

على وجه الاستحباب كما في الكتاب وعن «التهذيب»(2) و «الاستبصار»(3)، وعن «المدارك»(4) نسبته إلى قطع الأكثر.

ص: 167


1- الكافي: ج 3/30 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/412-413 ح 1073.
2- التهذيب: ج 5/242.
3- الإستبصار: ج 2/287.
4- المدارك: ج 8/97.

أو على وجه الوجوب مطلقاً، كما هو ظاهر «الشرائع»(1) وعن نهاية الشيخ(2).

أو مع العمد في الخروج من منى كما عن «المختلف»(3).

أقول: ومحلّ الكلام ما لو تعذّر أن يرجع، وأنّه في هذا الفرض هل يجبُ أن يبعث بشعره إلى منى أم لا يجب ؟.

وعليه، فنصوص النهي عن إخراج الشعر من منى، وأنّه لو أخرجه ردّه، والأخبار الآمرة بالرجوع وإلقاء الشعر بمنى(4) أجنبيّة عن محلّ البحث.

وكيف كان، فيشهد للوجوب بعض الأخبار:

منها: حسن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يحلق رأسه بمكّة ؟ قال عليه السلام: يردّ الشعر إلى منى »(5).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «في الرجل زار البيت ولم يحلق رأسه ؟ قال:

يحلق بمكّة ويُحمل شعره إلى منى وليس عليه شيء»(6).

ودعوى : عدم ظهور الجملة الخبريّة في الوجوب، قد عرفت دفعها مراراً.

ومثلها في الضعف دعوى اختصاص الخبرين بالعامد، فإنّها بلا وجه.

وعليه، فالأظهر هو الوجوب.

وأيضاً: هل يترجّح دفنه بمنى لخصوص من بَعَث شعره إليها أو مطلقاً أم لا؟5.

ص: 168


1- الشرائع: ج 1/198.
2- النهاية: ص 263.
3- المختلف: ج 4/295.
4- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/217 باب 5 من أبواب الحلق والتقصير.
5- الكافي: ج 4/503 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/219 ح 19029.
6- التهذيب: ج 5/242 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/221 ح 19035.

الظاهر هو الأوّل، لصحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، ويقول: كانوا يستحبّون ذلك»(1).

وخبر أبي شبل، عنه عليه السلام: «إنّ المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثمّ دفنه جاء يوم القيامة وكلّ شعرة لها لسان طلق تُلبّي باسم صاحبها»(2).

وظهور هذه النصوص في الاستحباب غير قابل للإنكار، فما عن الحلبي(3) من وجوب ذلك ضعيف.

***2.

ص: 169


1- التهذيب: ج 5/242 ح 8، وسائل الشيعة: ج 14/220 ح 19033.
2- الكافي: ج 4/502 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/220 ح 19031.
3- الغنية: ص 192.

ومن ليس على رأسه شعرٌ يمرّ الموسى عليه.

حكم من ليس على رأسه شعر

المسألة الثامنة: (ومن ليس على رأسه شعرٌ) خلقة أو غيرها (يمرّ الموسى عليه) بلا خلافٍ في رجحانة.

أقول: والنصوص تشهد به:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ؟ قال عليه السلام: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق»(1).

ومنها: موثّق الساباطي، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ حلق قبل أن يذبح ؟ قال: يذبح ويعيد الموسى، لأنّ اللّه تعالى يقول: «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ » ...»(2).

ومنها: خبر زرارة: «إنّ رجلاً من أهل خراسان قدم حاجّاً، وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يُلبّي، فاستفتيَ له أبو عبد اللّه عليه السلام فأمر له أن يُلبّى عنه، وأن يمرّ الموسى على رأسه، فإنّ ذلك يُجزئ عنه»(3).

أقول: والكلام فيه في موردين:

الأوّل: في أنّه عليوجه الاستحباب مطلقاً كما عن الأكثر، أو علي وجه الوجوب

ص: 170


1- التهذيب: ج 5/158 ح 50، وسائل الشيعة: ج 14/229 ح 19059.
2- التهذيب: ج 5/485 ح 376، وسائل الشيعة: ج 14/229 ح 19060.
3- الكافي: ج 4/504 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/230 ح 19061.

ولا يزور البيت قبل التقصير.

كذلك، أو الوجوب عليخصوص من حلق رأسه في العُمرة، والاستحباب للأقرع ؟

الثاني: في أنّه على القولين هل يُجزي عن التقصير ولا يجب ضمّه أم لا يجزي ؟.

أمّا المورد الأوّل: فالظاهر هو الاستحباب مطلقاً؛ لأنّ قوله عليه السلام في خبر أبي بصير: «حين يريد أن يحلق»، مانعٌ عن ظهور الأمر في الوجوب، وموثّق الساباطي في مقام بيان وجوب تقديم الذبح على الحلق، كما يشهد به السؤال والاستدلال بالآية في الجواب، وخبر زرارة لاشتماله على أنّ «ذلك يُجزئ عنه» يكون ظاهراً في كونه في مقام بيان أنّ الأقرع حكمه حكم غيره في ذلك.

وأمّا المورد الثاني: فظاهر النصوص هو الاجزاء، وعدم لزوم ضمّ التقصير، وأنّ به يتأدّى الوظيفة المجعولة كما لا يخفى .

وجوب تقديم التقصير على زيارة البيت

المسألة التاسعة: (ولا يزور البيت قبل التقصير) أو الحلق، بلا خلافٍ صريح كما عن «الذخيرة»(1)، ولكنّه قدس سره شكّك في وجوب التقديم، وجعل عدم وجوبه مقتضى كلام جماعة، ولعلّه منهم من اكتفى في الفتوى بوجوب الدّم لو أخّره عنها كالحلي في محكي «السرائر»(2).

وكيف كان، فقد استدلّ لوجوب التقديم بنصوص:

ص: 171


1- الذخيرة: ج 1/681 ق 3.
2- السرائر: ج 1/601.

منها: ما دلّ على أنّ من أخّر الذبح عن الطواف عالماً، عليه دم شاة(1)، وسيأتي، إذ ثبوت الكفّارة مستلزمٌ لعدم الجواز، كما مرّ في مبحث الكفّارات(2).

ومنها: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتّى زارت البيت، فطافتْ وسَعَت من اللّيل، ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلك ؟، قال عليه السلام: لا بأس به، يقصّر ويطوف بالحَجّ ، ثمّ يطوف للزيارة، ثمّ قد أحلّ من كلّ شيء»(3).

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السلام في حديثٍ : «وتقصّر المرأة ويحلق الرجل ثمّ ليطف بالبيت»(4).

ونحوه أخبارٌ أُخر.

ومنها: خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمّ احلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذ من شاربك وزر البيت وطف أسبوعاً»(5) الحديث.

أضف إلى ذلك كلّه فعل النبيّ صلى الله عليه و آله وقد قال: «خذوا عنّي مناسككم»(6).

وأُورد على الاستدلال بالأخبار: بأنّه يتعيّن حملها على إرادة الندب؛ بقرينة طائفة اُخرى من النصوص ظاهرة في عدم الوجوب:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ زار البيت ولم يحلقه.

ص: 172


1- أنظر وسائل الشيعة: ج 13/413 ب 63 من أبواب الطواف.
2- تقدّم الحديث عن الكفّارات في الجزء 16 صفحة 114 و مابعدها، فراجع.
3- التهذيب: ج 5/241 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/217 ح 19022.
4- الكافي: ج 4/474 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/227 ح 19053.
5- التهذيب: ج 5/250 ح 8، وسائل الشيعة: ج 14/247 ح 19111.
6- غوالي اللآلي: ج 1/215 ح 73 و: ج 4/34 ح 118، سنن البيهقي: ج 5/125، مسند أحمد: ج 3/318 وسنن النسائي: ج 5/270 قريب منه.

فإنْ طاف قبله عمداً كفَّر بشاة.

رأسه ؟ قال عليه السلام: يحلق بمكّة ويحمل شعره إلى منى وليس عليه شيء»(1).

ومنها: صحيح جميل، عنه عليه السلام: «عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ؟ قال عليه السلام:

لا ينبغي إلّاأن يكون ناسياً، ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه اُناسٌ يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول اللّه إنّي حلقتُ قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقتُ قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلّاقدّموه! فقال عليه السلام: لا حَرَج»(2).

ومثله صحيح البزنطي(3).

وأمّا فعله صلى الله عليه و آله، فقد مرَّ مراراً أنّه أعمّ من الوجوب.

أقول: أمّا الصحيحان فليس فيما نقل عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيهما تصريح، بتقديم زيارة البيت على التقصير، وأمّا صدرهما فلو لم يكن ظاهراً في عدم جواز تقديم الزيارة، لا يكون ظاهراً في عدم وجوب التأخير.

وأمّا خبر أبي بصير، فهو أعمّ من جملةٍ من نصوص المنع.

وعليه، فالأظهر وجوب تقديمه على زيارة البيت.

(فإنْ طاف قبله عمداً كفّر بشاة) بلا خلافٍ .

ويشهد به: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلٍ زار البيت قبل أن يحلق ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي له،9.

ص: 173


1- التهذيب: ج 5/242 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/221 ح 19035.
2- الكافي: ج 4/504 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/155 ح 18857.
3- الكافي: ج 4/504 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/156 ح 18859.

فإنّ عليه دم شاة»(1).

وهل يجب عليه إعادة الطواف أم لا؟

عن الشهيد في «الدروس»(2) نسبة الثاني إلى ظاهر الأصحاب، وعن الصيمري(3) التصريح به، وعن ثاني الشهيدين(4) دعوى الإجماع على الأوّل.

أقول: ويقع الكلام:

تارةً : فيما تقتضيه «القواعد».

واُخرى : فيما تقتضية النصوص الخاصّة.

أمّا الأوّل: ففي «المستند»: (والصواب البناء في ذلك على وجوب التقديم وعدمه، فإنْ وجب وجبتِ الإعادة؛ لكون ما أتى به منهيّاً عنه، لكونه ضدّ الواجب - الذي هو تأخير الطواف - والنهي موجبٌ للفساد وإلّا لم يجب)(5) انتهى .

ونحوه في «الرياض»(6).

وفيه: ما حقّقناه في محلّه(7) من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه.

والحقّ أن يُقال: إنّه بناءً على وجوب التقديم - كما بنينا عليه، حيث يكون الأمر به ظاهراً في الشرطيّة - فتجبُ الإعادة؛ لبطلان الطواف المأمور به، لكونه فاقداً للشرط، فالأظهر وجوب الإعادة بمقتضى القواعد.ه.

ص: 174


1- الكافي: ج 4/505 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/238 ح 19086.
2- الدروس: ج 1/454، وفيه نسبته إلى الشيخ وأتباعه.
3- حكاه عنه السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 6/507.
4- الروضة البهيّة: ج 2/309.
5- مستند الشيعة: ج 12/387.
6- الرياض: ج 6/507.
7- راجع: زبدة الاُصول: ج 2/234، الفصل الخامس: في اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ وعدمه.

وأمّا الثاني: فمقتضى إطلاق صحيح علي بن يقطين وجوبها أيضاً.

وأورد عليه: بأنّ قوله عليه السلام في خبر أبي بصير: «وليس عليه شيء»، ظاهرٌ في نفي الوجوب، كما أنّ صحيح محمّد المتضمّن لثبوت الدّم من جهة السكوت في مقام البيان يدلّ على عدم الوجوب.

وأُجيب عنه في «الرياض»(1): بأنّ تخصيص صحيح عليّ بغير العامد، وإبقاء صحيح محمّد على ظاهره (من عدم وجوب الإعادة ليس بأولى من العكس، وإبقاء هذا على عمومه وحمل الأوّل على خلاف ظاهره.

وبالجملة: التعارض بينهما كتعارض العموم والخصوص من وجه يمكن صرف كلّ منهما إلى الآخر، وحيث لا مرجّح ينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل، وهو وجوب الإعادة).

ولكن يرد على الإيراد: أنّ عدم ذكر الإعادة في صحيح محمّد لا يدلّ على عدم وجوبه، وكونه مقام الحاجة ممنوعٌ ؛ لجواز كون ذلك معلوماً للسائل بوجه آخر.

وأمّا خبر أبي بصير، فظاهرهُ - ولا أقلّ من المحتمل - كون المراد به نفي الشيء عليه من ناحية عدم الحلق بمنى، الذي هو محطّ السؤال والجواب.

ويرد على الجواب: أنّه لو سُلّم ظهور صحيح محمّد في نفي الوجوب، حيث أنّه أخصّ مطلقاً من صحيح علي بن يقطين، وظهور المقيّد مقدّمٌ على ظهور المطلق فيوجبُ تقيّيده واختصاصه بغير العامد، ولا يصلح ظهور المطلق قرينة لرفع اليد عن ظهور المقيّد.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوب الإعادة، هذا كلّه إذا طاف قبله وكان عامداً.8.

ص: 175


1- الرياض: ج 6/508.

ولا شيء على الناسي ويعيد طوافه.

حكم الناسي

(ولا شيء على الناسي) (و) لكن (يعيد طوافه) بلا خلافٍ ظاهر في الحكمين.

ويشهد للأوّل: الأصل ومفهوم صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم.

ويشهد للثاني: صحيح علي بن يقطين، واستثناء الناسي في صحيح جميل لا ينافي وجوب الإعادة.

وأمّا الجاهل فحكمه حكم الناسي؛ لإطلاق مفهوم صحيح محمّد، والأصل في عدم الدّم، وإطلاق صحيح عليّ في الإعادة.

هذا كلّه في تقديم الطواف على التقصير في حَجّ التمتّع، وأمّا تقديمه عليه في أخويه فالظاهر أنّه جائزٌ كما مرّ(1) عند بيان شرائطهما.

ثمّ إنّ أكثر ما دلّ على لزوم تقديم التقصير على الطواف، تدلّ على لزوم تقديم الذبح والرَّمي عليه، فلو قدّمه على أحدهما وجبت الإعادة، وهل يجبُ الدّم لو كان عامداً أم لا؟ الظاهر هو الثاني؛ للأصل.

***

ص: 176


1- راجع صفحة 171 من هذا المجلّد، مبحث (وجوب تقديم التقصير على زيارة البيت).

فإذا حَلَق أو قصَّر، أحلّ من ما عدا الطيب والنساء.

بيان مواطن التحلّل

خاتمة: في بيان ما يوجبُ حليّة محرّمات الإحرام، ومواطن التحلّل، وفيها مسائل ثلاث:

المسألة الأُولى: في أنّ ما يوجب الحلية، هل هو الحلق أو التقصير؟

(فإذا حَلَق أو قصّر أحلّ من) كل شيء (ما عدا الطيب والنساء) كما هو المشهور، وفي «المنتهى »: (ذهب إليه علماؤنا)(1).

ويشهد به: نصوص كثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا ذبح الرجل وحَلَق فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّاالنساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّاالنساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّاالصيد»(2)، أي الحرمي.

ومنها: الخبر القويّ الذي رواه عمر بن يزيد عنه عليه السلام: «إعلم أنّك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كل شيء إلّاالنساء والطيب»(3).

ومنها: صحيح البزنطي، عن جميل، عنه عليه السلام: «قلت له: المتمتّع ما يحلّ له إذا

ص: 177


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/765.
2- الفقيه: ج 2/507 ح 3095، وسائل الشيعة: ج 14/232 ح 19069.
3- التهذيب: ج 5/245 ح 24، وسائل الشيعة: ج 14/233 ح 19072.

حلق رأسه ؟ قال: كلّ شيء إلّاالنساء والطيب، قلت: فالمُفرِد؟، قال عليه السلام: كلّ شيء إلّا النساء»(1).

أقول: ويدلّ على حليّة جملةٍ من المحرّمات، وعدم حليّة الطيب به، صحيح العلاء: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي حلقتُ رأسي وذبحتُ وأنا متمتّع ؟ أطلي رأسي بالحنّاء؟ قال عليه السلام: نعم من غير أن تمسّ شيئاً من الطيب.

قلت: وألبس القميص وأتقنّع ؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: قبل أن أطوف بالبيت ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

وقريب منه صحيحه الآخر(3)، ونحوهما غيرهما.

أقول: وبإزاء هذه الأخبار طوائف من النصوص:

الطائفة الأُولى: ما دلّ على عدم جواز لبس المخيط وتغطية الرأس:

منها: صحيح الأعرج، عن الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ رمى الجمار وذبح وحلق رأسه أيلبس قميصاً وقلنسوة قبل أن يزور البيت ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان متمتّعاً فلا، وإنْ كان مفرداً للحَجّ فنعم»(4).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ تمتّع بالعُمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق، أيغطّي رأسه ؟

فقال عليه السلام: لا، حتّى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة»(5).

ونحوهما غيرهما.3.

ص: 178


1- السرائر: ج 3/559، وسائل الشيعة: ج 14/238 ح 19085.
2- التهذيب: ج 5/247 ح 29، وسائل الشيعة: ج 14/233 ح 19073.
3- وسائل الشيعة: ج 14/233 ح 19071.
4- الفقيه: ج 2/507 ح 3096، وسائل الشيعة: ج 14/241 ح 19095.
5- التهذيب: ج 5/247 ح 30، وسائل الشيعة: ج 14/241 ح 19093.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ جملةٍ من الصحاح المتقدّمة صريحة في الجواز قبل الطواف، فالجمع بين الطائفتين يقتضي حمل الثانية على الكراهة - بعض أخبار هذه الطائفة صريحٌ في الكراهة، لاحظ ما ورد في صحيح منصور عنه عليه السلام بعد النهي عن التغطية ونقله عن أبيه أيضاً: «فقلنا: فإنْ كان فَعَل ؟ قال عليه السلام: ما أرى عليه شيئاً وإنْ لم يفعل كان أحبّ إليّ »(1).

الطائفة الثانية: ما دلّ على حليّة الطيب أيضاً له:

منها: صحيح سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المتمتّع ؟ قال: إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحنّاء، قال: نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيء إلّاالنساء، ردّدها عليَّ مرّتين أو ثلاثاً.

قال: وسألتُ أبا الحسن عليه السلام عنها، قال: نعم الحنّاء والثياب والطيب وكلّ شيء إلّا النساء»(2).

ومنها: صحيح البجلي - الطويل - عن أبي الحسن عليه السلام وفي آخره: «فقال: يا أبه إنّ موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعدُ؟ فقال أبي: هو أفقه منك، أليس قد حلقتم رؤسكم ؟»(3).

ومنها: خبر الخزّاز، قال: «رأيتُ أبا الحسن عليه السلام بعدما ذبح حلق ثمّ ضمّد رأسه بمسك وزار البيت وعليه قميص وكان متمتّعاً»(4)، والسُّك بالضمّ والتشديد طيب مركّب مع غيره.8.

ص: 179


1- التهذيب: ج 5/248 ح 32، وسائل الشيعة: ج 14/241 ح 19092.
2- الكافي: ج 4/505 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/234 ح 19075.
3- الكافي: ج 4/506 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/237 ح 19084.
4- الكافي: ج 4/505 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/235 ح 19078.

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سُئل ابن عبّاس هل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتطيّب قبل أن يزور البيت ؟ قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور»(1).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن المتمتّع إذا حلق رأسه ما يحلّ له ؟ فقال عليه السلام: كلّ شيء إلّاالنساء»(2).

أقول: أمّا موثّق إسحاق فدلالته بالإطلاق، فيقيّد بما مرّ.

وأمّا صحيحا ابن عمّار والبجلي، فهما من قبيل القضيّة في واقعة، فلعلّ حجّهما كان في غير التمتّع، بل وكذلك خبر الخزّاز، بناءً على ما في بعض النسخ «مقنّعاً» بدل (متمتّعاً)(3)، فيبقى صحيح سعيد.

والجواب عنه: بأنّه لم ترد في نقل الشيخ(3) جملة (قبل أن يزور البيت) وعليه فيحمل بقرينة ما تقدّم على بعد زيارة البيت وطوافه.

غير تامّ : فإنّه - مضافاً إلى الأصل الذي أسّسوه عند دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة من أنّه يُبنى على وجود الزيادة - ينافيه ما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله(5) من وجوده في النسخة الصحيحة من «الكافي»، فيتعيّن الجواب عنه بما أفاده الشهيد رحمه الله(4) بأنّه متروك، إذ لم يُعلم من الأصحاب من عمل به، فهو شاذٌ موافق للعامّة، فيُطرح أو يُحمل على التقيّة.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّه يحلّ كل شيء إلّاالنساء برمي جَمرة العقبة،5.

ص: 180


1- التهذيب: ج 5/246 ح 27، وسائل الشيعة: ج 14/237 ح 19083.
2- الكافي: ج 4/506 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/234 ح 19076. (3و5) الجواهر: ج 19/253.
3- التهذيب: ج 5/245 ح 25.
4- الدروس: ج 1/455.

كخبر الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام أنّه كان يقول: «إذا رميتَ جَمرة العقبة فقد حلَّ لك كلّ شيء حَرُم عليك إلّاالنساء»(1).

و نحوه المحكيّ عن الفقه المنسوب إلى مولانا الرّضا عليه السلام(2)، و أفتى بمضمونها الصدوقان(3).

ولكن الأوّل ضعيفٌ ؛ لأنّ الحسين بن عُلوان عامّي لم يوثّق، والثاني لم يثبت كونه كتاب رواية فضلاً عن اعتباره.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على بقاء حرمة الصيد، وهو صحيح ابن عمّار المتقدّم، إذ تقيّيد الصيد بالحَرَمي يلزمُ منه كون الاستثناء منقطعاً.

قالوا: والآية الكريمة: «لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ » (4) أيضاً تدلّ عليه؛ لصدق ذلك بحرمة الطيب والنساء، وكذلك الاستصحاب، وقد أفتى جمعٌ من الأصحاب به(5)، والفرق بين حرمته من جهة الإحرام أو الحرم يظهر في أكل لحمه.

أقول: أمّا الاستصحاب - فمضافاً إلى عدم جريانه في الأحكام - يخرج عنه بما تقدّم.

وأمّا الآية: الكريمة فظاهرة في حرمته مادام كونه مُحرِماً، وهو لا يشمل من حرم عليه شيء خاص كما لا يخفى .

وأمّا الصحيح: فهو يدلّ عليبقاء حرمة الصيد، وظاهره - ولا أقلّ من المحتمل - هو حرمة الاصطياد بأنْ يكون المراد به المعنى المصدري، ولا دلالة فيه على كون5.

ص: 181


1- قرب الإسناد: ج 1/51، وعنه وسائل الشيعة: ج 14/235 ح 19079.
2- فقه الرضا عليه السلام: ص 226.
3- حكاه عن والد الصدوق العلّامة في المختلف: ج 4/298، الفقيه: ج 2/549.
4- سورة المائدة: الآية 95.
5- نسبه إلى علي بن بابويه والقاضي صاحب الجواهر في الجواهر: ج 19/255.

حرمته حرمة إحراميّة، بل يلائم مع كونها حَرَميّة، ولا نُسلّم كون الاستثناء منقطعاً حينئذٍ، إذ المستثنى منه حرمة المحرّمات، أمّا كون جهة الحرمة هو الإحرام فغير دخيلٍ فيه، فالاستثناء متّصلٌ على التقديرين، وعليه فما تقدّم من النصوص يصلح بياناً لهذا المجمل.

فالأظهر هو حليّة ما عدا الطيب والنساء بالحلق أو التقصير.

فرع: اختلفوا في أنّه هل يحصل التحلّل عن غير الأمرين بخصوص الحلق أو التقصير، وإنْ ترك النُسُكين الآخرين لمنى، كما عن «المبسوط»(1) و «النهاية»(2)و «السرائر»(3) و «الوسيلة»(4) و «الجامع»(5) وظاهر «التهذيب»(6) و «الاستبصار»(7).

أو يحصل به وبالرّمي، كما عن العُمّاني(8) و «المقنع»(9) و «التحرير»(10)و «المنتهى »(11) و «التذكرة»(12) و «الإرشاد»(13) و «الشرائع»(14).).

ص: 182


1- المبسوط: ج 1/376.
2- النهاية: 263.
3- السرائر: ج 1/601.
4- الوسيلة: ص 187.
5- الجامع للشرائع: ص 216.
6- التهذيب: ج 5/245.
7- الإستبصار: ج 2/287.
8- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/298.
9- المقنع: ص 280، إلّاأنّ فيه: (وإذا ذبح الرجل وحَلَق فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّاالنساء والطيب).
10- تحرير الأحكام: ج 1/643.
11- المنتهى (ط. ق): ج 2/766.
12- التذكرة: ج 8/345.
13- الإرشاد: ص 335، إلّاأنّ فيه: (وبعد الحلق أو التقصير يحلّ من كلّ شيء، عدا الطيب والنساء والصيد).
14- الشرائع: ج 1/198، إلّاأنّ فيه: (عقيب الحلق أو التقصير، يحلّ من كلّ شيء، إلّاالطيب والنساء والصيد).

أم يتوقّف على حصول مناسك منى كلّها كما عن جماعةٍ (1)؟ وجوه:

وجه الأوّل: أكثر النصوص المتقدّمة، فإنّها متضمّنة لتعليق التحلّل على الحلق خاصّة.

ووجه الثاني: صحيح منصور المتقدّم.

ووجه الثالث: الأخبار المتقدّمة، بدعوى أنّها محمولة على الغالب من كون الحلق بعد النسكين.

ولكن يرد على الأخير: أنّ الحمل على الغالب يحتاج إلى القرينة، والإنصراف إليه لو كان فهو بدوي لا يصلح للتقيّيد.

ويرد على ما قبله: أن التقيّيد بالرّمي مذكور في كلام السائل دون الإمام.

وأُورد على الأوّل في «المستند»: (بأنّ الحكم وإن علّق في أكثر الأخبار بما بعد الحلق، إلّاأنّا قد أثبتنا في الاُصول أنّ حمل اللّفظ على مقتضى أصل الحقيقة إنّما هو إذا لم يكن هناك ما يصلح لأنْ يكون قرينة على التجوّز، وأمّا معه، فلا يجري على أصل الحقيقة، بل إن علم كون ذلك الأمر قرينة يُحمل على التجوّز، وإن صلح يتوقّف ويعمل بالأصل، والأصل هنا مع عدم التحلّل إلّابعد الثلاثة)(2)، انتهى .

والقرينة التي ذكرها هي التعارف والغلبة.

ويردّه أوّلاً: أنّ حمل الأخبار على الغالب لا يلزم منه التجوّز، بل يلزم تقيّيد الإطلاق، وقد حُقّق في محلّه أنّه لا يكون مجازاً.

وثانياً: أنّ التعارف والغلبة لا يصلحان للقرينيّة، إذ لا منشأ لتوهّم القرينيّة6.

ص: 183


1- منهم الشيخ في الخلاف: ج 2/348، والمحقّق في المختصر النافع ص 92، والعلّامة في المختلف: ج 4/299.
2- المستند: ج 12/295-296.

سوى الانصراف، وقد عرفت ما فيه، فلا إيراد على الأوّل.

نعم، يمكن أنْ يقال إنّ صحيح ابن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيء»، بالمفهوم يدلّ على عدم التحلّل بدون الذبح، ويدلّ على دخالة الذبح فيه، وبه يقيّد إطلاق بقيّة النصوص، ثمّ يتعدّى إلى الرَّمي ويحكم بدخالته أيضاً للإجماع المركّب، ولما يأتي من المروي عن «بصائر الدرجات»، وعليه، فالأظهر توقّفه على المناسك الثلاثة.

أقول: ثمّ إنّه بما ذكرناه يظهر أنّ غير المتمتّع يحلّ له الطيب أيضاً بالحلق أو التقصير، وقد صرّح به مضافاً إلى ما ذكر بعض النصوص(1)، وأفتى به الأصحاب(2)، من غير فرق بين تقديم طوافه وعدمه للإطلاق.

***6.

ص: 184


1- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/237 باب 14 من أبواب الحلق والتقصير.
2- منهم الشيخ في التهذيب: ج 5/247، ذيل ح 834، وابن حمزة في الوسيلة: ص 188، وابن إدريس في السرائر: ج 1/601، وابن سعيد في الجامع ص 216.

فإذا طاف طواف الزيادة حَلّ الطيب.

حليّة الطيب بطواف الزيارة

المسألة الثانية: قيل إنّ ممّا يوجب الحليّة إنّما هو طواف الزيارة، وعليه (فإذا طاف طواف الزيارة حَلَّ الطيب)، كما في المتن وفي «المنتهى »(1) و «الشرائع»(2)وعن غيرها(3).

ولكن المشهور بين الأصحاب - كما في «الجواهر» - توقّف الحليّة على ضَمّ السّعي إليه أيضاً(4).

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت متمتّعاً فلا تقربنّ شيئاً فيه صفرة حتّى تطوف بالبيت»(5).

2 - وخبرالمفضّل بن عمر، المروي عن «بصائرالدرجات»، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«فإذا أردت المتعة في الحَجّ - إلى أنْ قال - ثمّ أحرمتَ بين الركن والمقام بالحَجّ ، فلا تزال مُحرِماً حتّى تقف بالمواقف، ثمّ ترمي الجمرات وتذبح وتغتسل ثمّ تزور البيت، فإذا أنتَ فعلت ذلك أحللت»(6) الحديث.

ص: 185


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/766.
2- الشرائع: ج 1/198.
3- كالنافع: ص 92.
4- الجواهر: ج 19/257.
5- التهذيب: ج 5/298 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/445 ح 16735.
6- بصائر الدرجات: ص 532 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/234 ح 14673.

بل عن «كشف اللّثام»(1) عدم توقّفه عليصلاة الطواف؛ لإطلاق النص والفتوى.

ويشهد للثاني:

1 - صحيح معاوية المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّاالنساء».

2 - وصحيح منصور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ رمى وحلق أيأكل شيئاً فيه صفرة ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثمّ قد حَلّ له كلّ شيء إلّاالنساء حتّى يطوف بالبيت طوافاً آخر، ثمّ قد حَلّ له النساء»(2).

3 - وصحيح آخر لمعاوية عنه عليه السلام - الطويل - في زيارة البيت يوم النحر، وجاء في آخره: «ثمّ أخرج إلى الصفا فاصعد عليه، واصنع كما صنعتَ يوم دخلت مكّة، ثمّ ائتِ المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلتَ ذلك فقد أحللت من كلّ شيء أحرمت منه إلّاالنساء»(3) الحديث.

ونحوها غيرها.

أقول: ومفهوم هذه النصوص: أنّه إن لم يطف بالبيت، أو طاف ولم يسع بين الصفا والمروة، لم يحلّ له الطيب، والنسبة حينئذٍ بينه وبين مفهوم غاية الخبر الأوّل ومنطوق الثاني هي العموم من وجه، فيرجع إلى أخبار الترجيح، والترجيح مع الطائفة الثانية؛ لأصحيّة أسنادها، ولكونها مشهورة بين الأصحاب.

وأيضاً: هل يتوقّف التحلّل على صلاة الطواف، أم لا كما هو المنسوب إلى7.

ص: 186


1- كشف اللّثام: ج 6/225.
2- التهذيب: ج 5/245 ح 22، وسائل الشيعة: ج 14/232 ح 19070.
3- الكافي: ج 4/512 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/249 ح 19117.

ظاهر الأصحاب(1)؟

الظاهر هو التوقّف عليها، للتصريح به في صحيح ابن عمّار المتقدّم آنفاً، فقد ورد فيما قبل ما نقلناه منه قوله عليه السلام: «ثمّ صلِّ عند مقام إبراهيم ركعتين - إلى أنْ قال - فإذا فعلت ذلك فقد أحللت» إلى آخره.

ولأنّ الظاهر ممّا دلّ على اعتبار السعي فيه، أنّ المُحلّل هو المركّب من الطواف والسعي وما بينهما من الأعمال.

أقول: ولو قدّم الطواف على مناسك منى - كما في المُفِرد والقارن والمتمتّع عند الضرورة أو بدونها إنْ جوّزناه - فهل يتحلّل من الطيب أم لا؟

نسب سيّد «المدارك»(2) الأوّل إلى بعض الأصحاب، واستوجهه الشهيد الثاني رحمه الله(3)، واختار هو الثاني.

ويشهد به: خبر بصائر الدرجات المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «ثمّ أحرمت بين الركن والمقام بالحَجّ فلا تزال مُحرِماً حتّى تقف المواقف، ثمّ ترمي وتذبح وتغتسل ثمّ تزور البيت - إلى أنْ قال - فإذا فعلت ذلك فقد أحللت».

***4.

ص: 187


1- كشف اللّثام: ج 6/225.
2- المدارك: ج 8/106.
3- المسالك: ج 2/324.

ويحلّ النساء بطوافهنّ

حليّة النساء بطواف النساء

المسألة الثالثة: (ويحلّ النساء بطوافهنّ ) بلا خلافٍ معتدّ به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1).

أقول: ويشهد به جملة من النصوص كصحاح ابن عمّار ومنصور وغيرها المتقدّمة جميعاً، إنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: هل تتوقّف الحلية على صلاة طواف النساء أيضاً كما عن «الهداية»(2) و «الاقتصاد»(3)، وفي «الجواهر»(4) و «المستند»(5) وغيرهما؟

أم لا تتوقّف عليها، كما هو مقتضى إطلاق أكثر الفتاوي منها ما في الكتاب ؟

الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ أكثر النصوص وإنْ كانت مطلقة، إلّاأنّ في ذيل صحيح ابن عمّار المتقدّم: «ثمّ ارجع إلى البيت وطف به اسبوعاً آخر، ثمّ تُصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثمّ قد أحللت من كلّ شيء، وفرغت من حَجّك كلّه، وكلّ شيء أحرمت منه».

واحتمال كون ذلك لتوقّف الفراغ عليها لأجل النساء خلاف الظاهر.

ص: 188


1- الجواهر: ج 19/258.
2- الهداية: ص 248.
3- الإقتصاد: ص 309.
4- الجواهر: ج 19/259.
5- المستند: ج 12/399.

المورد الثاني: كما يحرم النساء على الرجال قبل طوافهنّ ، كذلك يحرم الرجال على النساء قبل ذلك الطواف، كما صرّح به جماعة(1).

وقد استدلّ له في «الجواهر»(2) بوجوه:

الوجه الأوّل: الأصل، ومراده الاستصحاب، فإنّه بالإحرام حرم عليهن الرجال، فما لم يطفن طواف النساء، لا يعلم بتحقّق الحليّة، فيستصحب الحرمة.

وفيه: ما ذكرناه غير مرّة في هذا الشرح من عدم إمكان جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة؛ لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل.

الوجه الثاني: الآية الشريفة: «فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي اَلْحَجِّ » (3).

بتقريب: أنّ الرفث هو الجماع بالنص الصحيح كما مرّ(4).

وفيه: ما سيأتي في طواف النساء(5) من كونه خارجاً عن الحَجّ .

الوجه الثالث: الإجماع والأخبار على حرمة الرِّجال عليهنّ بالإحرام.

وفيه: أنّ محلّ الكلام هو الحرمة عليهن بعد خروجهن عن الإحرام، فإنْ كان مفاد الدليل حرمتهم عليهنّ ما دام الإحرام، فلا ربط له بالمقام حيث خرجن عن الإحرام.ء.

ص: 189


1- منهم السبزواري في الذخيرة: ج 1/684 ق 3، والسيّد العاملي في المدارك: ج 8/107، والمُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/267.
2- الجواهر: ج 19/259.
3- سورة البقرة: الآية 197.
4- ورد في أكثر من رواية أنّ الرفث هو الجماع كما في رواية معاوية بن عمّار في الكافي: ج 4/337 ح 3، ووسائل الشيعة: ج 12/467 ح 16796، وأيضاً حديث محمّد بن مسلم ج 13 من وسائل الشيعة: ص 114 ح 17373، وكذلك في رواية العيّاشي كما في وسائل الشيعة: ج 13/148 ح 17445.
5- يأتي في مبحث: وجوب طواف النساء.

الوجه الرابع: قاعدة الاشتراك.

وفيه: أنّ قاعدة الاشتراك إنّما هي في الحكم مع وحدة المتعلّق، ومتعلّق الحكم هنا بالنسبة إلى الرجال هي النساء، وما يريد إثباته لهنّ هو حرمة الرجال، فلا مورد لها، مع أنّ العمومات تدلّ على حليّة كل شيء سوى الطيب والنساء بالحلق، وهي متناولة للمرأة، ومن جملة ذلك الرجال، وهذا إيرادٌ آخر على الاستصحاب.

وعليه، فالصحيح أن يستدلّ له بالنصوص:

منها: صحيح العلاء والبجلي وعلي بن رئاب وعبد اللّه بن صالح، فإنّهم جميعاً رووا عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المرأة المتمتعة إذا قَدِمَت مكّة ثمّ حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإنْ طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، وإنْ لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثمّ سعت بين الصفا والمروة، ثمّ خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت، طافت بالبيت طوافاً لعمرتها، ثمّ طافت طوافاً للحَجّ ثمّ خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيء يحلّ منه المُحرِم إلّافراش زوجها، فإذا طافت طوافاً آخر حَلّ لها فراش زوجها»(1).

ومنها: خبر عجلان، عنه عليه السلام في حديث: «فإذا قَدِمتْ مكّة طافت بالبيت طوافين، ثمّ سعت بين الصفا والمروة، فإذا فعلت ذلك فقد حَلَّ لها كل شيء، ما خلا فراش زوجها»(2).

فما عن مختلف المصنّف(3) ومسالك الشهيد(4) من عدم الظفر بدليلة، في غير5.

ص: 190


1- الكافي: ج 4/445 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/448 ح 18186.
2- الكافي: ج 4/446 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/449 ح 18187.
3- محتلف الشيعة: ج 4/301.
4- المسالك: ج 2/325.

محلّه، لدلالة النصوص عليه.

المورد الثالث: صرّح بعضهم(1) بأنّ الصبي المميّز إذا حَجّ يحرم عليه النساء بعد البلوغ لو ترك طواف النساء، بل ظاهر «الحدائق» أنّه تحرم عليه النساء وإنْ طاف طواف النساء في حال الصغر، قال:

(وأمّا الصبي فالظاهر أنّه في حكمه كما صرّحوا به، وإنْ لم يتعلّق به تحريمٌ ، حيث أنّه غير مخاطبٍ شرعاً، إلّاأنّ الإحرام في حقّه كالحدث في حال الصغر، فإنّه موجب للطهارة وإنْ تخلّف أثره، لفقد شرطه كالبلوغ، أو وجود مانع كالحيض، فمتى وجد شرطه وزال مانعه عمل عمله، فكما أنّه تحرم الصلاة على الصبي بعد البلوغ بالحَدَث السابق حتّى يتطهّر، كذلك تحرم عليه النساء بعد البلوغ بالإحرام السابق حتّى يأتي بطواف النساء»(2)، انتهى .

وفيه: أنّ الحدث إنّما يؤثّر من دون أن يتوقّف على تكليف شرعي به.

وإنْ شئت قلت: إنّ الطهارة شرط وهي تتوقّف على سبب، وليس الإحرام وحرمة النساء كذلك، بل المُحرِّم هو الإحرام الشرعي، وعليه:

فإنْ كانت عبادات الصبي شرعيّة، فكما يصحّ إحرامه وينعقد ويترتّب عليه آثاره، كذلك يصحّ طوافه ويترتّب عليه أثره، وهو حليّة النساء.

وإنْ كانت غير شرعيّة، فالإحرام لا يؤثّر في الحرمة، فلا إشكال فيما إذا طاف طواف النساء.4.

ص: 191


1- منهم العلّامة في القواعد: ج 1/445، والشهيد في الدروس: ج 1/458، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 3/260.
2- الحدائق: ج 17/264.

وإنْ تركه فعلى القول بشرعيّة إحرامه يحرم عليه النساء بعد البلوغ، إلّاإذا طاف طواف النساء، فإنّه بعد البلوغ يصدق عليه أنّه حَجّ ولم يطف، فتشمله الأدلّة.

وأمّا غير المميّز فقطع الشهيد(1) بكونه كالمميّز إنْ أحرم به الولي، وقد تقدّم في أوائل كتاب الحَجّ (2) تفصيل القول في مشروعيّة إحرامه وعدمها، والحكم هنا يبتني على تلك المسألة كما لا يخفى.

***ة.

ص: 192


1- الدروس: ج 1/458.
2- تقدّم الحديث عن سائر أحكام حَجّ الصبيّ في الجزء 13: صفحة 170 ومابعدها من هذه الطبعة.

الفصل الخامس: في بقيّة المناسك.

فإذا تحلّل بمنى مضى ليومه أو غده إنْ كان متمتّعاً، ويجوز للقارن والمُفرِد طول ذي الحجّة إلى مكّة لطواف الحَجّ ، ويُصلّي ركعتيه، ثمّ يسعى للحَجّ ، ثمّ يطوف للنساء كلّ ذلك سبعاً، ثمّ يُصلّي ركعتيه، وصفة ذلك كما قلنا في أفعال العُمرة، وطواف النساء واجبٌ على كلّ حاجّ .

الرجوع إلى مكّة لأداء بقيّة المناسك

(الفصل الخامس: في بقيّة المناسك، فإذا تَحلّل بمنى مضى ليومه أو غده) وجوباً أو استحباباً على الخلاف الآتي (إنْ كان متمتّعاً، ويجوز للقارن والمُفرِد طول ذي الحجّة) بلا خلافٍ (إلى مكّة لطواف الحَجّ ، ويُصلّي ركعتيه، ثمّ يسعى للحَجّ ، ثمّ يطوف للنساء، كلّ ذلك سبعاً، ثمّ يُصلّي ركعتيه، وصفة ذلك كما قلناه في أفعال العُمرة، وطواف النساء واجب على كلّ حاجّ ) بلا خلافٍ في ذلك كلّه.

أقول: وتفصيل هذا الإجمال في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف بينهم في رجحان أن يمضي إلى مكّة يوم النحر وغده، إنّما الخلاف في أنّه هل يجب أم يستحبّ؟

ذهب المفيد(1) والمرتضى(2) وسلّار(3) والمحقّق في «الشرائع»(4) والمصنّف في

ص: 193


1- المقنعة: ص 420.
2- جمل العلم والعمل (ضمن رسائل السيّد المرتضى): ج 3/69.
3- المراسم: ص 113.
4- الشرائع: ج 1/198-199.

جملةٍ من كتبه(1) وغيرهم إلى الأوّل، بل في «التذكرة»: (آخر وقت هذا الطواف اليوم الثاني من أيّام النحر للمتمتّع عند علمائنا)(2)، انتهى .

كذلك وعن «السرائر»(3) و «المختلف»(4) و «الدروس»(5) نسبته إلى سائر المتأخّرين.

وعن «الغُنية»(6) و «الكافي»(7) و «الذخيرة»(8) جواز التأخير إلى آخر أيّام التشريق، ولا يجوز التأخير عنه.

وأمّا النصوص: فهي طوائف:

الطائفة الأُولى: ما ظاهره عدم جواز التأخير عن يوم النحر:

منها: صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في زيارة البيت يوم النحر؟ قال عليه السلام: زره فإن شغلت فلا يضرّك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخّر أن تزور من يومك، فإنّه يكره للمتمتّع أن يؤخّر، وموسّع للمُفرِد أن يؤخّره»(9).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن المتمتّع متى يزور البيت ؟ قال عليه السلام: يوم النحر»(10).3.

ص: 194


1- الإرشاد: ج 1/335، التذكرة: ج 8/349، المنتهى (ط. ق): ج 2/767.
2- التذكرة: ج 8/349.
3- السرائر: ج 1/602.
4- المختلف: ج 4/303.
5- الدروس: ج 1/457، والمدارك: ج 8/110، يتّضح الأمر.
6- الغنية: ص 171-172.
7- الكافي في الفقه: ص 195.
8- الذخيرة: ج 1/685 ق 3.
9- الكافي: ج 4/511 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/243 ح 19099.
10- التهذيب: ج 5/249 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/244 ح 19103.

ومنها: صحيح منصور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يبيت المتمتّع يوم النحر بمنى حتّى يزور البيت»(1).

ونحوها غيرها.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم جواز التأخير عن ليلته كصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، ولا يؤخّر ذلك»(2).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على جواز التأخير إلى الغد، ولا يجوز التأخير عنه كصحيح آخر لمعاوية عنه عليه السلام: «عن المتمتّع متى يزور البيت ؟ قال عليه السلام: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخّر، والمفرد والقارن ليسا بسواء موسّع عليهما»(3).

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على جواز التأخير إلى آخر أيّام التشريق، وقيل وعلى عدم جواز التأخير:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن تؤخّر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنّما يستحبّ تعجيل ذلك مخافة الإحداث والمعاريض»(4).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام «عن زيارة البيت تؤخّر إلى اليوم الثالث ؟ قال عليه السلام: تعجيلها أحبّ إليَّ ، وليس به بأس إنْ أخّره»(5).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ أخّر الزيارة إلى يوم النفر؟ قال عليه السلام: لا بأس، ولا يحلّ له النساء حتّى يزور البيت،8.

ص: 195


1- التهذيب: ج 5/249 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/245 ح 19104.
2- الكافي: ج 4/511 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/245 ح 19105.
3- التهذيب: ج 5/249 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/245 ح 19106.
4- التهذيب: ج 5/250 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/245 ح 19107.
5- الفقيه: ج 2/388 ح 2781، وسائل الشيعة: ج 14/246 ح 19108.

ويطوف طواف النساء»(1).

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على جواز التأخير إلى آخر ذي الحجّة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ نسي أن يزور البيت حتّى أصبح ؟ قال عليه السلام: لا بأس، أنا ربما أخّرته حتّى تذهب أيّام التشريق، ولكن لا تقرب النساء والطيب»(2).

ومنها: صحيح هشام، عنه عليه السلام: «لا بأس إنْ أخّرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيّام التشريق؛ إلّاأنّك لا تقرب النساء ولا الطيب»(3).

وهما وإنْ لم يصرّحا بجواز التأخير إلى آخر ذي الحجّة إلّاأنّهما بالإطلاق يدلان عليه.

هذه جميع نصوص الباب.

أقول: والحقّ في الجمع بين النصوص أنْ يقال:

إنّ الطائفتين الأخيرتين صريحتان في جواز التأخير عن يوم النحر وغده، ولأجلهما تُحمل الطوائف الثلاثة الاُولى على الاستحباب.

فإنْ قيل: متى أمكن الجمع الموضوعي لا يصل الدور إلى الجمع الحكمي، وفي المقام يمكن الأوّل بحمل الأخيرتين على القارِن والمُفرِد، لصراحة نصوص الطوائف الأولى في المتمتّع.

قلنا: إنّ نصوص الطائفة الأخيرة ظاهرة في المتمتّع للنهي عن الطيب، لما1.

ص: 196


1- السرائر: ج 3/561، وسائل الشيعة: ج 14/246 ح 19109.
2- الفقيه: ج 2/388 ح 2783، وسائل الشيعة: ج 14/233 ح 19074.
3- الفقيه: ج 2/389 ح 2785، وسائل الشيعة: ج 14/244 ح 19101.

عرفت من أنّ المُفرِد والقارن يحلّ لهما الطيب بعد الحلق أو التقصير، فيتعيّن الجمع بما ذكرناه، وأمّا الطائفتان الأخيرتان، فالأولى منهما لا تدلّ على عدم جواز التأخير عن أيّام التشريق إلّاعلى القول بمفهوم الوصف.

ولا يتوهّم دلالة الموثّق عليه بمفهوم الشرط، فإنّ الشرط فيه سيق لبيان تحقّق الموضوع، وعليه فلا معارض للطائفة الأخيرة، وعلى فرض دلالتها على عدم جواز التأخير عنها، الجمع بينهما يقتضي البناء على استحباب التقديم.

ودعوى: أنّه يمكن الجمع بحمل الأخيرة على غير العامد.

ممنوعة: لأنّه لا وجه له، ولا يمكن في صحيح الحلبي، لقوله عليه السلام: «أنا ربّما أخّرته».

فتحصّل: أنّ الأظهر جواز تأخيره إلى آخر ذي الحجّة.

نعم، لا يجوز التأخير عنه، لخروج أشهر الحَجّ حينئذٍ التي يجب إيجاد أفعال الحَجّ فيها.

أقول: ثمّ إنّ أكثر من أفتى بعدم جواز التأخير، التزم بأنّه لو أخّر أثم ويجزيه طوافه وسعيه إذا أوقعهما في ذي الحجّة.

ولكن عن «الغُنية»(1) و «الوسيلة»(2) عدم الإجزاء.

واستدلّ للإجزاء في «الحدائق»: (بأنّ غاية ثمرة النهي التأثيم، والنهي إنّما توجّه إلى أمرٍ خارج عن العبادة وهو التأخير، فلا يوجب بطلانها)(3).

وفيه: إنّ الأمر والنهي في العبادات المركّبة ظاهران في الشرطيّة أو الجزئيّة8.

ص: 197


1- الغنية: ص 172.
2- الوسيلة: ص 187.
3- الحدائق: ج 17/278.

والمانعيّة أو القاطعيّة، فالأصحّ أن يستدلّ له بأنّ نصوص التأخير - إنْ لم تصلح لصرف ما ظاهره حرمة التأخير - لا ريب في صلاحيّتها للدلالة على الإجزاء الذي هو صريحها.

هذا كلّه في المتمتّع.

وأمّا القارن والمُفرِد فيجوز لهما التأخير، إذ - مضافاً إلى اختصاص دليل المنع عن التأخير بالمتَمتّع - فإنّ بعض تلك النصوص مصرّح، بالتوسعة عليهما.

هذا فضلاً عن أنّ مقتضى إطلاقه، والأصل، والإجماع المركّب، وما دلّ على أنّ وقت أفعال الحَجّ إلى آخر ذي الحجّة، جواز التأخير إليه كما هو المشهور بين الأصحاب. أضف إليه أولويّة ذلك من تأخير المتمتّع الذي عرفت جوازه.

وعليه، فما عن صريح «الكافي»(1) وظاهر «الغُنية»(2) و «الإصباح»(3) أنّه لا يجوز لهما التأخير عن أيّام التشريق، غير تامّ ، ولعلّ وجهه إطلاق نصوص الطائفة الرابعة، ولكن قد مرّ عدم دلالتها على عدم جواز التأخير عنها، فراجع(4).

المسألة الثانية: ومناسكه حينئذٍ بمكّة هو طواف البيت للحَجّ وركعتاه والسعي، وقد مرّ كيفيّة الثلاثة وواجباتها ومستحبّاتها وأحكامها في العُمرة، والجمع في الموردين على السواء فلا نعيد.

كما أنّه قد تقدّم وجوب تأخير هذا الطواف والسعي عن الحلق أو التقصير في المسألة الرابعة من مسائل الحلق، فراجع(5).

***د.

ص: 198


1- الكافي في الفقه: ص 195.
2- الغنية: ص 172.
3- إصباح الشيعة: ص 155.
4- صفحة 195 من هذا المجلّد.
5- صفحة 153 من هذا المجلّد.

وجوب طواف النساء في الحَجّ

المسألة الثالثة: (يجب - بعد طواف الزيارة والسعي - طواف النساء في الحَجّ بأنواعه، إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً مستفيضاً جدّاً)، كما ورد في «المستند»(1).

وفي «الجواهر»: (إجماعاً بقسميه، بل المحكيّ منهما مستفيض)(2) انتهى .

وفي «المنتهى »: (هذا الطواف المسمّى بطواف النساء فرضٌ واجبٌ على الرجال والنساء والخصيان من البالغين وغيرهم، وذهب إليه علماؤنا أجمع، وأطبق الجمهور على أنّه ليس بواجب)(3)، انتهى .

ومثله ما في «التذكرة»(4).

ويشهد به: أخبارٌ كثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «على المتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ثلاثة أطواف بالبيت، وسعيان بين الصفا والمروة، وعليه إذا قدِم مكّة طوافٌ بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام، وسعي بين الصفا والمروة، ثمّ يقصّر وقد أحلّ هذا للعُمرة، وعليه للحَجّ طوافان وسعي بين الصفا والمروة، ويُصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم)(5).

ومنها: صحيح منصور، عنه عليه السلام: «على المتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ثلاثة أطواف

ص: 199


1- المستند: ج 13/18.
2- الجواهر: ج 19/405.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/768.
4- التذكرة: ج 8/353.
5- الكافي: ج 4/295 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/220 ح 14651.

بالبيت، ويُصلّي لكلّ طواف ركعتين وسعيان بين الصفا والمروة»(1).

ومنها: صحيح معاوية، عنه عليه السلام: «المُفرِد للحَجّ عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم، وسعيٌ بين الصفاوالمروة، وطواف الزيارة وهو طواف النساء»(2).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «إنّما نُسُك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نُسُك المُفرِد، ليس بأفضل منه إلّابسياق الهَدْي، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام، وسعيٌ واحدٌ بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحَجّ »(3).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، وتمام الكلام في هذه المسألة في طيّ فروع.

وجوب طواف النساء في العُمرة

الفرع الأوّل: بعدما عرفت من وجوب طواف النساء في كلّ حَجّ ، يقع الكلام في أنّه هل يجب في العُمرة أم لا؟.

والكلام فيه في موردين:

المورد الأوّل: في العُمرة المفردة، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة وجوبه فيها، بل لم يُعرف الخلاف إلّاعن الجُعفي(4)، بل في «التذكرة»: (هذا الطواف واجبٌ في الحَجّ والعُمرة المبتولة عند علمائنا أجمع)(5).

ص: 200


1- الكافي: ج 4/295 ح 3، وسائل الشيعة: ج 11/220 ح 14652.
2- الكافي: ج 4/298 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/221 ح 14656.
3- التهذيب: ج 5/42 ح 53، وسائل الشيعة: ج 11/218 ح 14649.
4- حكاه عنه الشهيد في الدروس: ج 1/329.
5- التذكرة: ج 8/353.

ويشهد به:

1 - صحيح محمّد بن عيسى ، قال: «كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازي إلى الرجل يسألة عن العُمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء والعُمرة التي يتمتّع بها إلى الحَجّ؟

فكتب عليه السلام: أمّا العُمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، وأمّا التي يتمتّع بها إلى الحَجّ فليس على صاحبها طواف النساء»(1).

2 - وخبر إسماعيل بن رياح: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن مفرِد العُمرة عليه طواف النساء؟، قال عليه السلام: نعم»(2).

ونحوهما غيرهما من النصوص الصحيحة وغير الصحيحة المنجبرة بالعمل.

أقول: واستدلّ للجُعفي بجملةٍ من النصوص:

منها: خبر علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن مفرد العُمرة عليه طواف النساء؟، قال عليه السلام: ليس عليه طواف النساء»(3). ونحوه غيره من النصوص الصريحة أو الظاهرة في عدم الوجوب، لكن لإعراض الأصحاب عنها، ومعارضتها مع النصوص المتقدّمة على وجهٍ لا يمكن الجمع بينهما - كما يظهر لمن جمع قوله عليه السلام في تلك النصوص: «في مفرد العُمرة على صاحبها طواف النساء»، مع قوله عليه السلام في هذه النصوص: «ليس على صاحبها طواف النساء»، فإنّه يراهما العرف متعارضين، والترجيح معها، للشهرة وموافقة هذه للعامّة - لابدّ من طرحها.

المورد الثاني: في العُمرة المتمتّع بها، فالمشهور بين الأصحاب عدم وجوبه فيها.8.

ص: 201


1- الكافي: ج 4/538 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/443 ح 18170.
2- الكافي: ج 4/538 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/445 ح 18177.
3- التهذيب: ج 5/254 ح 20، وسائل الشيعة: ج 13/445 ح 18178.

ويشهد به:

1 - صحيح محمّد بن عيسى المتقدّم في المورد الأوّل، وصحيحا معاوية ومنصور المتقدّمان في أوّل البحث.

2 - وصحيح صفوان: «سأله أبو حارث عن رجلٍ تمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ، فطاف وسعى وقصّر، هل عليه طواف النساء؟، قال عليه السلام: لا، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى »(1).

والأخبار الكثيرة الدالّة على حليّة كلّ شيء بالتقصير بعد السعي، كصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا فرغت من سعيك وأنتَ متمتّعٌ فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك، وخُذ من شاربك وقلّم أظفارك وابق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المُحرِم وأحرمت منه»(2).

ونحوه غيره.

والنصوص الواردة في مجامعة النساء قبل التقصير الدالّة على الاكتفاء في تلك الحالة، بقطع شيء من الشعر، كحسن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال له:

«جُعلت فداك إنّي لمّا قضيتُ نُسُكي للعُمرة أتيتُ أهلي ولم أقصّر؟ قال:

عليك بدنة.

قلت: إنّي لمّا أردتُ ذلك منها ولم تكن قصّرت امتنعت، فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها؟

قال: رحمهااللّه كانت أفقه منك! عليك بدنة وليس عليها شيء»(3)، ونحوه غيره.3.

ص: 202


1- التهذيب: ج 5/254 ح 22، وسائل الشيعة: ج 13/444 ح 18175.
2- الكافي: ج 4/438 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/505 ح 18317.
3- الكافي: ج 4/441 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/508 ح 18323.

أقول: وليس بإزاء جميع هذه النصوص المعمول بها سوى خبر المروزي عن الفقيه عليه السلام: «إذا حَجّ الرجل فدخل مكّة متمتّعاً فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصّر، فقد حَلّ له كلّ شيء ما خلا النساء؛ لأنّ عليه لتحلّه النساء طوافان وصلاة»(1).

وأُورد عليه تارةً : بأنّه ضعيف سنداً كما في «الجواهر»(2)، ولعلّ نظره الشريف إلى الراوي عن المروزي، وهو محمّد بن عيسى، الظاهر بقرينة الراوي والمروي عنه في البغدادي اليونسي، وقد ضعّفه جمع، منهم: الشيخ(3) وابن طاووس(4) والشهيد الثاني(5) والمحقّق(6) وكاشف الرّموز(7) والمصنّف(8) وسيّد «المدارك»(9) وغيرهم(10).

واُخرى : بأنّه قاصرٌ دلالة، لاحتمال أنْ يكون المراد بالطواف والسعي الذين ليس له الوطء بعدهما إلّابعد طواف النساء ما يكون للحَجّ ، على ما أفاده الشيخ رحمه الله.

ولكن يدفع الأوّل: أنّ جماعة آخرين وثّقوه(11)، وقد اختار المصنّف رحمه الله أخيراً6.

ص: 203


1- التهذيب: ج 5/162 ح 69، وسائل الشيعة: ج 13/444 ح 18176.
2- الجواهر: ج 19/409.
3- الفهرست: ص 216، رقم 611.
4- التحرير الطاووسي: ص 86 و 90 و 229.
5- المسالك: ج 2/28، و: ج 3/137.
6- المعتبر: ج 1/81 و 125 و 210 و 289 و 424 و 427.
7- كشف الرموز: ج 1/545.
8- قال قدس سره في ترجمة بكر بن محمّد الأزدي: (وعندي في محمّد بن عيسى توقّف»، ثمّ رجع عنه عند ترجمة اليقطيني فقال: (والأقوى عندي قبول روايته)، خلاصة الأقوال ص 81 و 242.
9- المدارك: ج 8/199.
10- كالشهيد في الذكرى: ج 1/71-72 و 173.
11- منهم النجاشي، أنظر رجال النجاشي: ص 333، رقم 896.

قبول روايته(1)، وهوالحقّ ؛ لأنّ الذين ضعّفوه تبعوا الشيخ رحمه الله، وهو قدس سره يبتني تضعيفه على تضعيف الصدوق التابع لابن الوليد، وكلام ابن وليد ليس دالّاً على الجرح في الرجل، بل على عدم الاعتماد على خصوص ما رواه عن يونس، ولتفصيل القول في ذلك محلّ آخر.

ويدفع الثاني: أنّ ظاهر قوله: «دخل مكّة متمتّعاً فطاف»، هو الدخول الأوّل للعمرة، فالطواف ظاهرٌ في طوافه.

فالحقّ أنّه لا قصور فيه سنداً ودلالة.

نعم، حيث لا يمكن الجمع بينه وبين ما تقدّم، والأصحاب أعرضوا عنه، ومعارضه مشهور بين الأصحاب وسنده أصحّ ، فيقدّم عليه.

الفرع الثاني: لا يختصّ وجوب طواف النساء بالرجال، بل يجب على النساء والخناثى والخصيان بلا خلافٍ ، وعن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام «عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال عليه السلام: نعم عليهم الطواف كلّهم»(3).

وقد تقدّم في الموطن الثالث ثبوته على الصبيان أيضاً، كما تقدّم تنقيح القول في توقّف حليّة الرِّجال للنساء عليه.

الفرع الثالث: طواف النساء كطواف العُمرة والحَجّ ، كيفيّةً وشرطاً وصلاةً وأحكاماً، إلّاما يأتي؛ لوحدة الأدلّة في الجميع.

***0.

ص: 204


1- خلاصة الأقوال: ص 242.
2- منهم العلّامة في التذكرة: ج 8/353، والمُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/283.
3- الكافي: ج 4/513 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/298 ح 17790.

وجوب تقديم السعي على طواف النساء

الفرع الرابع: المعروف من مذهب الأصحاب أنّ طواف النساء بعد السعي في الحَجّ والعُمرة، ولا يجوز تقديمه عليه اختياراً، ويجوز مع الضرورة، أو خوف الحيض.

أقول: هاهنا أحكام:

الحكم الأوّل: وهو عدم جواز التقديم اختياراً، ويشهد له:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث في زيارة البيت يوم النحر، حيث قال: «ثمّ طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفتُ لك يوم قدِمتَ مكّة، ثمّ صلِّ عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين تقرأ فيهما - إلى أنْ قال - ثمّ ائتِ المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء أحرمت منه إلّاالنساء، ثمّ ارجع إلى البيت وطف به اُسبوعاً آخر، ثمّ تُصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام»(1) الحديث.

2 - ومرسل أحمد بن محمّد عمّن ذكره: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلت فداك متمتّعٌ زار البيت فطاف طواف الحَجّ ثمّ طاف طواف النساء ثمّ سعى ؟

قال عليه السلام: لا يكون السعي إلّامن قبل طواف النساء.

فقلت: أفعليه شيء؟ فقال عليه السلام: لا يكون السعي إلّاقبل طواف النساء»(2).

ونحوهما في ذلك صحيح الفضلاء المتقدّم.

ص: 205


1- الكافي: ج 4/512 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/249 ح 19117.
2- الكافي: ج 4/512 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/417 ح 18101.

أقول: ولا يعارضها موثّق سماعة، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام: «عن رجلٍ طاف طواف الحَجّ وطواف النساء قبل أن يسعي بين الصفا والمروة ؟ قال عليه السلام: لا يضرّه، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجّه»(1)، لا من جهة حمله على الناسي كما أفاده الشيخ رحمه الله(2)، وتبعه صاحب «الحدائق» رحمه الله(3)؛ فإنّه لا وجه له، ولا من جهة حمله على إرادة الإجزاء، وحمل ما تقدّمه على الحكم التكليفي؛ فإنّ نصوص عدم الجواز أيضاً ظاهرة في الحكم الوضعي، ولازمه عدم الإجزاء لو قدّم، بل من جهة كونه شاذّاً ومخالفاً لإجماع الاُمّة.

وأمّا الحكمان الآخران: فقد استدلّ لهما بوجوه:

الوجه الأوّل: أدلّة نفي الحرج.

وفيه: أنّها لا تصلح لإلغاء شرطيّة الشرط وجزئيّة الجزء، بل هي إنْ شملت مورداً يلزم منها نفي الحكم، والأمر بالمركّب كما حُقّق في محلّه.

الوجه الثاني: ما في «الحدائق»(4)، وهو أنّ المستفاد من العمومات أنّ الضرورات مبيحة للمحظورات.

وفيه: أنّها مبيحة بلا كلام، وهذا لا ربط له بما هو محلّ الكلام من سقوط اعتبار تقديم السعي، بل سبيلها سبيل أدلّة نفي الحرج.

الوجه الثالث: ما في «المستند»(3)، وهو إطلاق خبر الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «لا بأس بتعجيل طواف الحَجّ وطواف النساء قبل الحَجّ 1.

ص: 206


1- الكافي: ج 4/514 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/418 ح 18102.
2- التهذيب: ج 5/134، ذيل ح 111. (3و4) الحدائق: ج 17/284 و 285.
3- المستند: ج 13/21.

يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثمّ يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً»(1).

وفيه: أنّه في تقديم الطوافين معاً على الوقوفين، ولا يدلّ على تقديم طواف النساء على السعي الذي بعد طواف الحَجّ ، فتدبّر.

الوجه الرابع: ما في «الجواهر»(2)، وهو موثّق سماعة المتقدّم، بدعوى أنّ الجمع بينه وبين غيره يقتضي الحمل على صورة الضرورة، وقد عرفت ما فيه.

وعليه، فلا دليل عليه سوى تسالم الأصحاب.

أقول: وأيّده بعضهم(3) بصحيح أبي أيّوب الخزّاز، قال: «كنتُ عند أبي عبداللّه عليه السلام فدخل عليه رجلٌ ليلاً فقال له: أصلحك اللّه امرأة معنا حاضت ولم تطف طواف النساء؟ فقال: لقد سألتْ عن هذه المسألة اليوم، فقال: أصلحك اللّه أنا زوجها وقد أحببتُ أن أسمع ذلك منك، فأطرق كأنّه يناجي نفسه وهو يقول: لا يقيم عليها جمالها ولا تستطيع أن تتخلّف عن أصحابها، تمضي وقد تمّ حجّها»(4)، إذ لو جاز ترك الطواف من أصله للضرورة، جاز تقديمه بطريقٍ أولى ، وسيأتي الكلام في الصحيح.

الفرع الخامس: لو قدّم الطواف على السعي نسياناً أجزأه على المشهور بين الأصحاب، ومدركه موثّق سماعة المتقدّم، وحديث رفع القلم عن الناسي(5).9.

ص: 207


1- التهذيب: ج 5/133 ح 109، وسائل الشيعة: ج 13/415 ح 18096.
2- الجواهر: ج 19/398.
3- حكاه عن البعض المُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/285.
4- الكافي: ج 4/451 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/409 ح 18087.
5- توحيد الصدوق: ص 353 ح 24، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.

أقول: أمّا الأوّل فقد مرّ ما فيه، والثاني لا يدلّ على سقوط الشرطيّة، سيّما مع التذكّر والوقت باق.

وبذلك يظهر حال الجاهل، إذ مدرك الإجزاءبالنسبة إليه الموثّق، وحديث الرفع.

وقد يستدلّ له فيه: بعموم ما دلّ على معذوريّة الجاهل في أفعال الحَجّ (1)، ومالَ إليه في «الجواهر»(2).

وفيه: إنّا لم نعثر على عمومٍ يدلّ على ذلك، وإنّما دلّ الدليل على عدم الكفّارة عليه، لا على سقوط الجزئيّة أو الشرطيّة، وطريق الاحتياط معلوم.

الفرع السادس: لو ترك طواف النساء:

فتارةً : يكون ذلك عن علم وعمد.

واُخرى : يكون عن نسيان.

وثالثة: يكون عن جهلٍ .

وقد تقدّم الكلام في جميع الفروض في أحكام الطواف، وقد بيّنا هناك أنّ ترك طواف النساء عمداً لا يوجب بطلان الحَجّ ، لكونه واجباً خارجاً عن الحَجّ ، فراجع(3).

***7.

ص: 208


1- منها صحيح عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «أيّما رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»، التهذيب: ج 5/72 ح 47، و وسائل الشيعة: ج 12/488 ح 16861.
2- الجواهر: ج 19/398.
3- فقه الصادق: ج 17/107.

فإذا فرغ من هذه المناسك: رجع إلى منى وبات بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجّة واجباً.

وجوب العود إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق

(فإذا فرغ) الحاجّ (من هذه المناسك) الخمسة بمكّة من الطواف وركعتيه والسعي وطواف النساء وركعتيه (رجع إلى منى) إجماعاً، لبقاء مناسك عليه كما ستمرّ عليك، (وبات بها ليلتي الحادى عشر والثاني عشر من ذي الحجّة) مطلقاً، والثالث عشر على تفصيل ستسمعه(1) إن شاء اللّه تعالى، (واجباً) (بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه)، كما في «الجواهر»(2).

وفي «المنتهى »: (قاله علماؤنا أجمع)(3)، وفي «التذكرة»: (عند علمائنا)(4)، ووافقنا أكثر من خالفنا، كما نقله عنهم في «المنتهى » و «التذكرة».

وعن الشيخ في «التبيان»(5): القول باستحباب المبيت.

وعن الطبرسي(6): استحباب مناسك منى جميعها السابقة واللّاحقة.

وأمّا ما عن بعض الكتب(7) من جعل المبيت من السُنّة، أو حصر واجبات

ص: 209


1- يأتي في الشرط الثاني لجواز النفر.
2- الجواهر: ج 20/3.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/769.
4- التذكرة: ج 8/355.
5- التبيان: ج 2/154، في تفسير الآية 196 من سورة البقرة.
6- مجمع البيان: ج 2/38، في تفسير الآية 196 من سورة البقرة.
7- حكاه عن بعض الكتب صاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/4.

الحَجّ في غيره، أو أنّه إذا طاف النساء تمت مناسكه أو حجّه، أو نحو ذلك، فليس خلافاً في المسألة، لجواز أنْ يكون المراد بالسنة ما ثبت وجوبه بغير الكتاب، وحصر واجبات الحَجّ في غيره لا ينافي وجوبه كما في طواف النساء على المختار، ومثله تماميّة مناسك الحَجّ والحَجّ نفسه.

وكيف كان، فينبغي أوّلاً نقل النصوص الواردة في المقام، ثمّ بيان مايستفاد منها.

أمّا النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا فرغت من طوافك للحَجّ وطواف النساء فلا تبيت إلّابمنى، إلّاأن يكون شغلك في نُسُكك، وإنْ خرجت بعد نصف اللّيل، فلا يضرّك أن تبيت في غير منى»(1).

ومنها: صحيح آخر له، عنه عليه السلام: «لا تبت ليالي التشريق إلّافي منى، فإنْ بت في غيرها فعليك دم، فإنْ خرجت أوّل اللّيل فلا ينتصف اللّيل إلّاوأنت بمنى ، إلّاأن يكون شُغلك نُسكك أو قد خرجت من مكّة، وإنْ خرجت بعدما انتصف اللّيل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها»(2).

ومنها: صحيح صفوان: «قال أبو الحسن: سألني بعضهم عن رجلٍ بات ليلة من ليالي منى بمكّة ؟ فقلت: لا أدري، فقلت له: جُعلت فداك ما تقول فيها؟ فقال عليه السلام:

عليه دم شاة إذا بات، فقلت: إنْ كان إنّما حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه وسعيه لم يكن لنوم ولا لذّة أعليه مثل ما على هذه ؟ قال عليه السلام: ما هذا بمنزلة هذا، وما أحبّ أن ينشقّ له الفجر إلّاوهو بمنى »(3).2.

ص: 210


1- التهذيب: ج 5/256 ح 28، وسائل الشيعة: ج 14/251 ح 19118.
2- التهذيب: ج 5/258 ح 38، وسائل الشيعة: ج 14/254 ح 19125.
3- التهذيب: ج 5/257 ح 31، وسائل الشيعة: ج 14/252 ح 19122.

ومنها: خبر جعفر بن ناجية، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عمّن باتَ ليالي منى بمكّة ؟ فقال عليه السلام: عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن»(1).

ومنها: صحيح علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام: «عنٍ رجل باتَ بمكّة في ليالي منى حتّى أصبح ؟ قال عليه السلام: إنْ كان أتاها نهاراً فبات حتّى أصبح فعليه دم شاة يهريقه»(2).

ومنها: صحيح العيص بن القاسم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن الزيارة من منى ؟ قال عليه السلام: إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلّاوهو بمنى، وإنْ زار بعد أن انتصف اللّيل أو السحر، فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح وهو بمكّة»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال في الزيارة: «إذا خرجتَ من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّابمنى»(4).

ومنها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من زار فنام في الطريق فإنْ باتَ بمكّة فعليه دم، وإنْكان قد خرج منها فليس عليه شيء، وإنْ أصبح دون منى»(5).

ومنها: صحيح محمّد بن إسماعيل، عن أبي الحسن عليه السلام: «في الرجل يزور فينام دون منى؟ فقال عليه السلام: إذا جاز عقبة المدنيّين فلا بأس أن ينام»(6).

ومنها: صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا زار الحاجّ من منى2.

ص: 211


1- التهذيب: ج 5/257 ح 32، وسائل الشيعة: ج 14/253 ح 19123.
2- التهذيب: ج 5/257 ح 33، وسائل الشيعة: ج 14/2521 ح 19119.
3- التهذيب: ج 5/256 ح 30، وسائل الشيعة: ج 14/252 ح 19121.
4- التهذيب: ج 5/256 ح 29، وسائل الشيعة: ج 14/252 ح 19120.
5- التهذيب: ج 5/259 ح 41، وسائل الشيعة: ج 14/256 ح 19133.
6- التهذيب: ج 5/259 ح 40، وسائل الشيعة: ج 14/256 ح 19132.

فخرج من مكّة فجاوز بيوت مكّة فنام ثمّ أصبح قبل أن يأتي منى فلاشيء عليه»(1).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الدلجة إلى مكّة أيّام منى وأنا أريد أن أزور البيت ؟ فقال عليه السلام: لا، حتّى ينشق الفجر، كراهية أن يبيت الرجل بغير منى»(2).

ومنها: صحيح العيص: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء وقد أساء»(3).

ومنها: صحيح سعيد بن يسار: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل ؟ فقال عليه السلام: لا بأس»(4).

ومنها: خبر علي - والظاهر أنّه ابن أبي حمزة - عن أبي أبراهيم عليه السلام: «عن رجلٍ زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثمّ رجع فغلبته عينه في الطريق، فنام حتّى أصبح ؟ قال عليه السلام: عليه شاة»(5).

ومنها: خبر ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يأتي مكّة أيّام منى بعد فراغه من زيارة البيت، فيطوف بالبيت تطوّعاً؟ فقال عليه السلام: المقام بمنى أحبّ إليَّ »(6).

ومنها: صحيح جميل، عنه عليه السلام: «لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في5.

ص: 212


1- الكافي: ج 4/515 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/257 ح 19134.
2- التهذيب: ج 5/259 ح 42، وسائل الشيعة: ج 14/255 ح 19128.
3- التهذيب: ج 5/257 ح 34، وسائل الشيعة: ج 14/253 ح 19124.
4- التهذيب: ج 5/257 ح 35، وسائل الشيعة: ج 14/255 ح 19129.
5- التهذيب: ج 5/259 ح 39، وسائل الشيعة: ج 14/254 ح 19127.
6- الفقيه: ج 2/479 ح 3014، وسائل الشيعة: ج 14/260 ح 19145.

أيّام منى ولا يبيت بها»(1).

ومنها: صحيح رفاعة، عنه عليه السلام: «عن الرجل يزور البيت في أيّام التشريق، فقال عليه السلام: نعم إن شاء»(2).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: رجلٌ زار فقضى طواف حجّه كلّه، أيطوف بالبيت أحبّ إليك أم يمضي على وجهه إلى منى ؟ قال عليه السلام:

أيّ ذلك شاء فعل ما لم يبت»(3).

ومنها: خبر أبي البُختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام: «في الرجل أفاض إلى البيت فغلبت عيناه حتّى أصبح ؟ قال عليه السلام: لا بأس عليه، ويستغفر اللّه ولا يعود»(4).

ومنها: صحيح عيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الزيارة بعد زيارة الحَجّ في أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام: لا»(5).

ومنها: صحيح يعقوب بن شعيب، عنه عليه السلام: «عن زيارة البيت أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام: حسن»(6).

ومنها: خبر مالك بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ العبّاس استأذن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يبيت بمكّة ليالي منى، فأذن له رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أجل سقاية الحاجّ »(7).8.

ص: 213


1- التهذيب: ج 5/260 ح 43، وسائل الشيعة: ج 14/259 ح 19141.
2- التهذيب: ج 5/260 ح 44، وسائل الشيعة: ج 14/259 ح 19142.
3- التهذيب: ج 5/490 ح 402، وسائل الشيعة: ج 14/260 ح 19144.
4- قرب الإسناد: ج 1/65، وسائل الشيعة: ج 14/258 ح 19139.
5- الكافي: ج 4/515 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/260 ح 19146.
6- التهذيب: ج 5/260 ح 45، وسائل الشيعة: ج 14/259 ح 19143.
7- علل الشرائع: ج 2/451 ح 1، الفقيه: ج 2/199 ح 1234، وسائل الشيعة: ج 14/258 ح 19138.

أقول: وتمام الكلام فيما يستفاد من هذه النصوص في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: يجب البيتوتة بمنى، ويستفاد ذلك من أكثر النصوص المتقدّمة، فإنّ جملة منها ناهية عن المبيت إلّابمنى، وهي ظاهرة في الوجوب، وجملة منها بمفهومها تدلّ على ثبوت الضرر أو البأس مع الترك، وهو ملازمٌ للوجوب، وبعضها متضمّن للترخيص في عدم المبيت لأجل السقاية، وطائفة منها متضمّنة لثبوت الدّم على من لم يبت بها، وقد مرّ غير مرّة الملازمة بينه وبين الوجوب، وما يظهر من بعضها من جواز الترك فهو في خصوص الصور التي ستمرّ عليك(1) التي يجوز ترك المبيت فيها أو محمول عليها بقرينة غيره، فالوجوب خالٍ عن الإشكال.

الفرع الثاني: يجب أن تكون البيتوتة المذكورة في ليلتي الحادي عشر والثاني عشرمن ذي الحجّة مطلقاً، والثالث عشرفي بعض الصورالذي سيمرّعليك، بلاخلافٍ .

ويشهد به: صحيح ابن عمّار الثاني، وما تضمّن حَجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله المتضمّن أنّه بات بها ليالي التشريق(2)، فقد أمر صلى الله عليه و آله بأخذ المناسك منه(3).

الفرع الثالث: لا إشكال في اعتبار النيّة - بمعنى قصد الفعل المقوّم لاختياريّته - لأنّ المأمور به هو الفعل الاختياري، فما صدر بغير اختيارٍ خارجٌ عن المأمور به، ولا ينطبق عليه.

وأمّا النيّة بمعنى القُربة، فظاهر «الدروس»(4) و «الجواهر»(5) و «المستند»(6)2.

ص: 214


1- كما سيأتي في صفحة 215 في مبحث (عدم لزوم المبيت بمنى لو بات بمكّة مشتغلاً بالعبادة).
2- الكافي: ج 4/248 ح 4، وسائل الشيعة: ج 11/217 ح 14647.
3- غوالي اللآلي: ج 1/215 ح 73 و: ج 4/34 ح 118، سنن البيهقي: ج 5/125، مسند أحمد: ج 3/318 وسنن النسائي: ج 5/270 قريب منه.
4- الدروس: ج 1/460.
5- الجواهر: ج 20/4.
6- مستند الشيعة: ج 13/32.

المفروغيّة عن اعتبارها، فإنْ كان هناك إجماعٌ ، وإلّا فمقتضى الأصل - أي أصالة التوصليّة في كلّ واجب إلّاما خرج، على ما حُقّق في محلّه - عدم اعتبارها.

ويظهر من «الجواهر»(1) - حيث نقل عن «اللّمعة» الحلبيّة أنّها لا تجب، واستدلّ له بأصالة التعبّديّة - عدم كون المسألة إجماعيّة.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبارها، فلو باتَ بغير قصد القربة لا إثم عليه ولا كفّارة.

لكن لو بات بغير اختيارٍ، فهل عليه الفدية نظراً إلى عدم تحقّق البيتوتة المأمور بها، أم لا تثبت عليه من جهة انصراف الدليل إلى ترك البيتوتة الحقيقي لا الحكمي ؟ وجهان، وطريق الاحتياط واضح.

عدم لزوم المبيت بمنى لو بات بمكّة مشتغلاً بالعبادة

الفرع الرابع: الظاهر من جملة من النصوص أنّ المبيت بمنى إنّما يجبُ على غير من بات بمكّة مشتغلاً بالعبادة، لاحظ صحيحي ابن عمّار المتقدّمين وغيرهما، فيكون مخيّراً بينهما وإنْ كانت البيتوتة بمنى أفضل، لصحيح صفوان.

ثمّ إنّ صحيحي ابن عمّار مختصّان بالاشتغال بالطواف والسعي والدُّعاء، وكذا صحيح صفوان، إلّاأنّ عموم التعليل في صحيحٍ ثالث لابن عمّار الوارد فيه قوله عليه السلام: «ليس عليه شيء كان في طاعة اللّه»(2)، يقتضي شمول الحكم لكلّ عبادةٍ واجبة أو مندوبة.

ص: 215


1- الجواهر: ج 20/4.
2- الكافي: ج 4/514 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/254 ح 19126.

ويمكن أنْ يقال: إنّ النُسُك يعمّ كلّ طاعة، وعليه فالنصوص أكثرها تشمل كلّ عبادة.

فهل يعتبر استيعاب اللّيل إلّاما يضطرّ إليه من غذاء أو شرب أو نوم يغلب عليه - كما نص عليه الشهيدان(1) - أم لا؟

الظاهر ذلك، لأنّه المتيقّن من مورد النصوص، فيقتصر في الخروج عن إطلاق ما دلّ على وجوب البيتوتة بمنى على المتيقّن، وعليه فقد يشكل استثناء المذكورات سيّما الأخير منها، لعدم الدليل عليه.

وفي «الجواهر»: (ولعلّ وجه استثناء الأولين حملاً لإطلاق النص على الغالب، بل لعلّ الثالث أيضاً كذلك)(2)، انتهى .

ويرد عليه: منع الغلبة، ومنع منشئيّته للإنصراف الموجب للتضيّيق، خصوصاً في الأخير منها.

نعم، يمكن أنْ يقال في الأولين بعدم منافاة هذا القدر من الاشتغال للاستيعاب العرفي، ولو نوى بالأكل والشرب والتقوي على العبادة يرتفع الإشكال رأساً.

واحتمل الشهيد رحمه الله(3) كون القدر الواجب ما كان يجبُ عليه بمنى، وهو أن يتجاوز نصف اللّيل.

وفيه: أنّه لا دليل عليه، والتزامٌ بما يخالف الأصل بلا وجه.

نعم، صرّح غير واحدٍ(4) بأنّه إن مضى إلى منى بعد الفراغ من العبادة - وإن2.

ص: 216


1- الشهيد في الدروس: ج 1/459، والشهيد الثاني في المسالك: ج 2/364.
2- الجواهر: ج 20/8.
3- الدروس: ج 1/459.
4- منهم الشهيد في الدروس: ج 1/459، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/242.

علم أنّه لا يدركها قبل انتصاف اللّيل - سقط عنه الدّم الملازم؛ لعدم البأس عليه، واستدلّ له بصحاح جميل وهشام وعيص المتقدّمة.

وأورد عليه الفاضل النراقي:(1) بأنّه يعارضها رواية عليّ المتقدّمة، فيرجع إلى عمومات وجوب الدّم.

أقول: أمّا صحيح جميل فهو يدلّ على أنّ الدّم على من بات بمكّة، ولو خرج عنها ليس عليه دم، وهو فرعٌ آخر سيأتي الكلام فيه، وكذا صحيح هشام.

وأمّا صحيح العيص، فهو مطلق يقيّد إطلاقه بما دلّ على مقدار المبيت بمنى.

وبعبارة أُخرى : يدلّ على أنّ من لم يكن أوّل اللّيل بمنى، وجب أن يكون آخره بها، ولا يدلّ على عدم اعتبار شيء آخر.

وأمّا خبر عليّ فلم أفهم وجه معارضته معها، فإنّه يدلّ على أنّ من نام في الطريق قهراً وبغير اختيار وبات فيه يجب عليه الدّم.

الفرع الخامس: ربما يقال إنّ صحيح سعيد بن يسار المتقدّم يدلّ على أنّ الاشتغال بشغل آخر غير الطاعة في مكّة أو غيرها أيضاً مسقط لوجوب البيتوتة بمنى، فما المانع من الالتزام به ؟

ولكن يرد عليه: أنّ ظاهر الصحيح عدم وجوب البيتوتة بمنى فيتعيّن طرحه، لمخالفته للنصوص المتواترة، وفتوى الأصحاب، وعلى أيّ تقدير لم يفتِ أحدٌ بمضمونه، فيطرح أو يُحمل على صورة النسيان والاضطرار.

الفرع السادس: يظهر من الصحاح الثلاثة لجميل وهشام ومحمّد بن إسماعيل أنّ البيتوتة في طريق منى بعدما خرج عن مكّة وحدودها - ومن حدودها عقبة0.

ص: 217


1- المستند: ج 13/39-40.

المدنيّين - بمنزلة البيتوتة بمنى، فالواجب هو البيتوتة فيها أو في طريقها من ناحية مكّة، بعد الخروج عن حدودها، وبها يُحمل خبر عليّ المتقدّم - الدالّ على ثبوت الدّم لو نام في الطريق - على ما إذا لم يخرج من حدود مكّة، ولا بأس بالالتزام به وإنْ لم يصرح به إلّابعض متأخّري المتأخّرين(1).

ويؤيّده ما عن «الدروس»، قال: (وروى الحسن فيمن زار وقضى نُسُكه ثمّ رجع إلى منى فنام في الطريق حتّى يصبح: إنْ كان قد خرج من مكّة، وجاز عقبة المدنيّين فلا شيء عليه، وإنْ لم يجز العقبة فعليه دم»(2)، انتهى .

وإنْ لم نقف على هذا الخبر فيما ما بأيدينا من الكتب.

بيان فترة المبيت بمنى

الفرع السابع: لا إشكال ولا خلاف في عدم وجوب استيعاب اللّيل باللّبث في منى، كما لا خلاف بين الأصحاب ظاهراً في عدم الاكتفاء بالمُسمّى ، وأنّه يجب المبيت بها نصف اللّيل، ويشهد بجميع ذلك النصوص المتقدّمة.

أقول: إنّما الخلاف في موردين:

أحدهما: أنّه هل يتعيّن النصف الأوّل، كما هو المنسوب إلى ظاهر الأصحاب(3)، أم يتخيّر بينه وبين النصف الثاني كماعن جمعٍمن متأخّري المتأخّرين(4)؟

ص: 218


1- هو المحقّق النراقي في المستند: ج 13/41.
2- الدروس: ج 1/459.
3- نسبه سيّد الرياض فيه: ج 7/120.
4- منهم السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 7/120، والمحقّق النراقي في المستند: ج 13/41، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/10.

ثانيهما: في أنّه إذا خرج بعد انتصاف اللّيل من منى، فهل له أن يدخل مكّة قبل الفجر كما هو المشهور؟

أم لا يجوز له ذلك كما عن «النهاية»(1) و «المبسوط»(2) و «الوسيلة»(3)و «السرائر»(4) و «الجامع»(5)؟.

أمّا المورد الأوّل: فالصحاح الثلاثة لابن عمّار والعيص وخبر جعفر المتقدّمة تدلّ على الاكتفاء بالنصف الأوّل، وأنّه لا مانع من الخروج بعد انتصاف اللّيل.

وأمّا صحيح ابن عمّار الثاني، وصحيح العيص الأوّل، فيدلّان على كفاية النصف الثاني، ولا تعارض بين الطائفتين، فالعمل بهما معاً متعيّن.

نعم، الأفضل الكون بها إلى الفجر كما صرّح به غير واحد(6)، لصحيح الكناني المتقدّم.

ولا ينافيه خبر عبد الغفار الجازي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «فإنْ خرج من منى بعد نصف اللّيل لم يضرّه شيء»(7)، كما عن «المختلف»(8)، فإنّ الجمع بينه وبين صحيح الكناني يقتضي الحمل على إرادة عدم المنع من الخروج، وعدم ثبوت الفدية عليه.9.

ص: 219


1- النهاية: ص 265.
2- المبسوط: ج 1/378.
3- الوسيلة: ص 188.
4- السرائر: ج 1/604.
5- الجامع للشرائع: ص 217.
6- منهم الشيخ في النهاية: ص 265، والحِلّي في السرائر: ج 1/604، والحلبي في الكافي ص 198.
7- التهذيب: ج 5/258 ح 37، وسائل الشيعة: ج 14/256 ح 19131.
8- مختلف الشيعة: ج 4/309.

وأمّا المورد الثاني: فمقتضى إطلاق ما تقدّم من النصوص - وصريح صحيح العيص المتقدّم، وخبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: «عن رجل بات بمكّة حتّى أصبح في ليالي منى ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان أتاها نهاراً فبات حتّى أصبح فعليه دم شاة يهريقه، وإنْ كان خرج من منى بعد نصف اللّيل، فأصبح بمكّة فليس عليه شيء»(1) - جواز الخروج بعد انتصاف اللّيل ولو دخل مكّة.

وأمّا القول الآخر: فقد اعترف غير واحدٍ(2)، منهم الشهيد(3) بعدم العثور على مأخذه.

وقد استدلّ بعضهم(4) له: بأنّ مقتضى إطلاق بعض النصوص وجوب المبيت بمنى تمام اللّيل، وقد دلّ الدليل على جواز الخروج منها بعد انتصاف اللّيل، والمتيقّن منه ما لو خرج عنها ولم يتجاوز حدود منى، ولم يدخل في حدود مكّة التي هي بحكم منى بمقتضى بعض النصوص.

وفيه: أنّه اجتهادٌ في مقابل النصوص المطلقة والصريحة، فالإعتراف بعدم العثور على مأخذهم أليق بشأنهم من هذا الوجه السخيف.

ثبوت الدّم على من لم يبت بمنى

الفرع الثامن: لا خلاف ولا إشكال في ثبوت الفدية على من ترك البيتوتة بمنى، وأسنده في «المنتهى »(5) إلى علماؤنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.

ص: 220


1- قرب الإسناد: ج 2/107، التهذيب: ج 5/257 ح 33 بتفاوت، وسائل الشيعة: ج 14/258 ح 19140.
2- منهم المحقّق النراقي في المستند: ج 13/42، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/9.
3- الدروس: ج 1/459.
4- المستدلّ هو الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/244.
5- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/770.

ويشهد به: صحيح ابن عمّار الثاني، وصحيح صفوان، وخبر علي، ورواية جعفر بن ناجية، وصحيح جميل المتقدّمة.

أقول: وما يظهر من صحيح العيص الثاني من عدم وجوبها، لمعارضته مع النصوص المتقدّمة، وعدم فتوى الأصحاب به، يُطرح أو يُحمل على بعض الصور.

وأيضاً: ثمّ إنّ أكثر النصوص المتقدّمة وإن تضمّنت ثبوت الدّم ولا تصريح فيها بالشاة، إلّاأنّه في خبري عليّ وجعفر صرّح بالشاة والغنم، وبهما يقيّد إطلاق سائر النصوص، فالواجب خصوص الشاة كما عليه الأصحاب.

وأيضاً: مقتضى إطلاق النصوص ثبوت الدّم على الجاهل والناسي والمضطرّ.

وعن الشهيد(1) استثناء الجاهل، وفي «المستند»: (وجهه غير معلوم)(2).

ولكن الظاهر أنّ وجهه ما دلّ على عدم وجوب الفدية على الجاهل في باب الحَجّ ، كحسن ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد»(3)، وإنْ كان يرد عليه أنّه في الكفّارة المترتّبة على إتيان شيء من المحرّمات، ولا يشمل الفداء المترتّب على ترك الواجب.

اللّهُمَّ إلّاأن يستدلّ بعدم القول بالفصل، أو تنقيح المناط، أو يقال إنّ النصوص تدلّ على ترتّب الدّم على المبيت بغير منى، فيشمله النص ولا بأس به.

وأمّا المضطرّ والناسي: فيمكن أن يستدلّ لعدم وجوب الفدية عليهما بوجهين:

أحدهما: أنّ الفدية كفّارة، ولا كفّارة على من لم يخالف الحكم اللّزومي، فتأمّل.1.

ص: 221


1- حكاه عن حواشي الشهيد المحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 3/326، والسيّد العاملي في المدارك: ج 8/224، والسيّد الطباطبائي في الرياض: ج 7/143.
2- المستند: ج 13/37.
3- الكافي: ج 4/381 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/68 ح 17251.

ثانيهما: حديث رفع القلم عن الناسي والمضطرّ(1)، بناءً على ما هو المختار من عمومه لكلّ حكمٍ تكليفي أو وضعي.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه يختصّ بما في رفعه منَّة على الأُمّة، ورفع الفدية ليس فيه منَّة على الاُمّة، وإنْ كان فيه منَّة على الشخص.

وحمل بعض الفقهاء(2) صحيحي عيص وسعيد المتقدّمين المتضمّنين أنّه (لا شيء على من فاته المبيت بمنى) على هذه الصور، ولعلّ ذلك كلّه - بضميمة عدم الفصل بينهما وبين الجاهل - يكفي في الحكم بعدم وجوبها عليهما.

أقول: ثمّ إنّه لم أقف على مَن تعرّض لمحلّ هذا الفداء، وأنّه هل يجب أن يكون الذبح بمنى أو مكّة، أو يجوز في كلّ مكان ؟

مقتضى إطلاق النصوص أنّه مخيّر في ذبحه في أيّ مكانٍ شاء، وما تقدّم من الكبرى الكليّة من أنّ الموجب للفداء إن تحقّق في العُمرة فمحلّ الذبح هو مكّة، وإنْ كان الموجب له متحقّقاً في الحَجّ فمحلّ الذبح منى، إنّما يختصّ بالمحرّمات حال الإحرام ولا يشمل المقام.

ويدلّ عليه أيضاً: خبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرجل يخرج من حجّته شيئاً يلزمه منه دم، يُجزيه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله ؟ فقال عليه السلام:

نعم، وقال فيما أعلم يتصدّق به»(3).

وقريب منه خبره الآخر(4).2.

ص: 222


1- توحيد الصدوق ص 353 ح 24، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.
2- حكاه عن بعضهم صاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/6.
3- الكافي: ج 4/488 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/90 ح 18673.
4- التهذيب: ج 5/481 ح 358، وسائل الشيعة: ج 13/97 ح 17332.

والاجتراح بمعنى الإفساد، أي ينقص من حجّته شيئاً، وعليه فلا يبعد اختصاصهما بغير ما يلزم من تروك الإحرام، فتدبّر.

ولا يتوهّم أنّ المبيت خارجٌ عن الحَجّ ، فإنّه إنْ لم يكن من أجزائه، لا ريب في كونه من توابعه المحقّق، لصدق هذا العنوان.

لزوم ثلاث شياة لو بات اللّيالي الثلاث بغير منى

والمحكي عن «المقنعة»(1) و «الهداية»(2) و «المراسم»(3) و «الكافي»(4) و «جُمل العلم والعمل»(5) التعبير بأنّ «مَنْ باتَ ليالي منى بغيرها وجبَ عليه الدّم»، وحيثُ أنّ هذه العبارة قابلة للحمل على معنيين:

أحدهما: التسوية بين المبيت ليلة أو ليلتين أو ثلاث في وجوب دمٍ واحد.

ثانيهما: أنّه لا يجب الدّم إلّابالمبيت في جميع اللّيالي، فلو بات واحدة من اللّيالي في منى، لا يجب عليه الدّم.

فلذا وقع كلّ من الحكمين محلّ الخلاف.

أقول: اما الأوّل، فربما يقال إنّ مقتضى إطلاق صحيح ابن عمّار الثاني وصحيح علي بن جعفر عليه السلام - الواردين في بيتوتة ليالي منى بمكّة - ثبوت دمٍ واحد في بيتوتة اللّيالي الثلاث، ومقتضى صحيح صفوان وخبر عليّ ثبوت الدّم في المبيت ليلة

ص: 223


1- المقنعة: ص 421.
2- الهداية: ص 249.
3- المراسم: ص 114.
4- الكافي في الفقه: ص 198.
5- رسائل السيّد المرتضى: ج 3/69.

واحدة، وهما ليستا متعرّضتين لحكم المبيت ليلتين، لكن يمكن استفادة حكمه أيضاً من صحيح جميل، فنتيجة هذه النصوص هي ثبوت دم واحد، سواءٌ بات ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً، ولكن خبر جعفر عليه السلام يدلّ على ثبوت ثلاث شياة في مبيت ليال ثلاث، وبه يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة، ويُحمل قوله عليه السلام: «عليه دم» أو «عليه شاة» على إرادة الجنس الملائم مع المتعدّد من الأفراد.

وعلى هذا، فقد يتوهّم أنّ الجمع بين جميع النصوص يقتضي البناء على وجوب الثلاث في المبيت جميع اللّيالي، وشاة واحدة في غير الثلاث، كما هو أحد محتملات قول الإسكافي(1) والحِلّي(2) ومن قال بمقالتهما واختاره في «المستند»(3).

أقول: إنّ قوله عليه السلام: «بات ليلةً من ليالي منى بمكّة»، إنْ قلنا إنّه ظاهر في بيتوتة ليلة واحدة بقيد الوحدة، كان ما اُفيد تامّاً، وأمّا إنْ قلنا إنّ المراد به أنّ كلّ ليلة من ليالي منى حكمها ذلك، فيلزم القول بثبوت دمين في المبيت ليلتين، فتأمّل، فإنّه قابلٌ للمناقشة من وجوه.

وبالجملة: فالإنصاف عدم خلوّه عن قوّة بحسب الدليل، لو لم يكن خلاف الإجماع.

وأمّا الحكم الثاني: فقد يقال إنّ أكثر نصوص الدّم في المبيت في جميع اللّيالي، يبقى صحيح جميل، وخبر عليّ ، وصحيح صفوان.

أمّا الأخير: فهو مرويّ في «الوسائل» هكذا: «سألني بعضهم عن رجلٍ بات6.

ص: 224


1- حكاه العلّامة في المختلف: ج 4/305.
2- السرائر: ج 1/604.
3- المستند: ج 13/36.

ليالي منى»(1)، وعليه فهو أيضاً في المبيت في جميع اللّيالي، وخبر علي ضعيف السند.

وأمّا صحيح جميل: فهو في مقام بيان الفرق بين المبيت بمكّة والمبيت خارج مكّة الذي هو بحكم منى كما مرّ، فلا إطلاق له من هذه الجهة، فإذاً لا دليل على وجوب الدّم في المبيت ليلة أو ليلتين، بل صحيح العيص الثاني يدلّ على عدم وجوبه في المبيت ليلة واحدة، بل وكذلك صحيح سعيد.

ويتوجّه عليه أوّلاً: أنّ إنكار إطلاق صحيح جميل من هذه الجهة في غير محلّه؛ فإنّ مورد هذا الإطلاق قوله: «من زار فنام في الطريق»، والدالّ على الحكم الذي اُفيد هي الجملة الثانية.

وثانياً: أنّ صحيح صفوان مرويّ في «المنتهى »(2)، و «الحدائق»(3)، و «الرياض»(4)، و «الجواهر»(5)، و «المستند»(6)، وغيرها(6)، ممّا رأيناه من الكتب بالنحو الذي ذكرناه، فهو صريحٌ في المبيت ليلة واحدة.

والجمع بينه وبين صحيح العيص لا يصحّ بما قيل من حمل صحيح صفوان على الاستحباب كما في «المستند»(8)؛ فإنّ أهل العرف يرونهما متعارضين، إذ قوله عليه السلام: «عليه دم شاة»، متقابل لقوله عليه السلام: «ليس عليه شيء»، والترجيح مع صحيح صفوان.

فالمتحصّل: أنّه يجبُ الدّم في ليلة، ودمان في ليلتين، وثلاث في جميع اللّيالي.9.

ص: 225


1- وسائل الشيعة: ج 14/252 ح 19122.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/770.
3- الحدائق: ج 17/293.
4- الرياض: ج 7/115.
5- الجواهر: ج 20/5. (6و8) المستند: ج 13/33 و 36.
6- كالذخيرة: ج 1/685 ق 3، وكشف اللّثام: ج 6/239.

جواز المبيت بغير منى لذوي الأعذار

الفرع التاسع: لا خلاف في أنّه يجوز المبيت بغير منى لأشخاص، ووقع الخلاف في جوازه لآخرين، والقسم الأوّل أصناف.

الصنف الأوّل: ذوو الأعذار بالعُذر المانع عن التكليف في سائر الأحكام، كما لو كان المبيت بها حرجيّاً أو ضرريّاً، فإنّ أدلّة نفي الضرر والحَرَج كما تَرفع سائر الأحكام الحرجيّة كذلك ترفع هذا الحكم.

ومن الأعذار: الخوف على النفس أو البُضع أو المال المحترم، ومنها تمريض المريض الذي يخاف عليه، ومنها وجود مانع عام أو خاص يمنع منه، كنفر الحجيج وغيره، وعن «المنتهى »(1) الإجماع على ذلك.

وهل يسقط الفداء أيضاً كما عن «الغُنية»(2)، أم لا كما في «المستند»(3)؟ وجهان تقدّما في الفرع السابق.

الصنف الثاني: الجاهل غير المقصّر، والناسي.

ومدرك استثنائهما: حديث الرفع(4)، الدالّ على رفع الحكم ظاهراً في الأوّل، وواقعاً في الثاني.

وأمّا الجاهل المقصّر: فحديث الرفع لا يشمله، وقد ادّعوا الإجماع على أنّه بحكم العامد، وما قيل من معذوريّة الجاهل في أفعال الحَجّ لم يثبت لنا بنحو الكبرى

ص: 226


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/771.
2- الغنية: ص 186.
3- المستند: ج 13/43.
4- توحيد الصدوق: ص 353 ح 24، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.

الكليّة، وقد تقدّم حكم فدائهما.

الصنف الثالث: الرعاة، وفي «المنتهى »: (لا نعلم خلافاً في الترخّص)(1)، واستدلّ له في «المنتهى »: «بأنّ المبيت بمنى لمثلهم يشقّ عليهم، فيكون منفيّاً» بدليل نفي الحرج، وعليه فالحكم يدور مدار اضطرار الراعي وعدمه، ولا يصحّ الحكم بهذه الكليّة، اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال إنّ ما أفاده من قبيل حكمة التشريع، وإلّا فدليل الحكم اتّفاق الأصحاب، وعليه فيبتني الحكم على وجوده.

أقول: وفصّل بعضهم كالمصنف في «المنتهى »(1) والشهيد(2) بين ما إذا غَربتِ الشمس عليه بمنى، فيجب عليه المبيت بها، وغيره فلا يجب، واستحسنه في محكي «كشف اللّثام»(3).

وفي «الجواهر»: (قلت: المدار على ارتفاع العُذر وعدمه، وإلّا فلو فرض احتياج الرّعاة إلى الرعي ليلاً، كان لهم ذلك، وإنْ غربت الشمس لهم بمنى»(4)، وهو حسنٌ إنْ كان مدرك الحكم أدلّة نفي الحرج، وإنْ كان المدرك الإجماع فالمتيقّن منه ما لو لم تغرب الشمس عليهم بمنى.

القسم الثاني: أهل سقاية الحاجّ ، وخَصّ في «المنتهى »(6)، وعن غيره(5) استثناء أهل السقاية بأولاد العبّاس بن عبد المطّلب.

ومدرك الحكم: خبر مالك بن أعين المتقدّم، وهو مختصّ بالعبّاس نفسه، فإن0.

ص: 227


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/771.
2- الدروس: ج 1/460.
3- كشف اللّثام: ج 6/246.
4- الجواهر: ج 20/13.
5- كالشهيد في الدروس: ج 1/460.

ويرمي في اليومين الجمار الثلاث، كلّ جَمرةٍ في كلّ يوم بسبع حصيّاتٍ .

بُني على التعدّي لابدّ من التعدّي إلى كلّ ساقٍ ، وإنْ لم يكن من أولاده، ووجه التعدّي: حمل قوله عليه السلام في الخبر: «من أجل سقاية الحاجّ » على التعليل، فيتعدّى عنه.

وإنْبني على عدم التعدّي، فلا وجه لثبوت الحكم لأولاده، مع أنّ الخبرضعيف.

وجوب رمي الجمار الثلاث أيّام التشريق

(و) يجب أن (يَرمي) الحاجّ (في) كلٍّ من (اليومين) أي الحادي عشر والثاني عشر (الجمار الثلاث، كلّ جَمرةٍ في كلّ يومٍ بسبع حصيّات) بلا خلافٍ محقّق أجده فيه، كما اعترف به بعضهم، كما في «الجواهر»(1).

وفي «المنتهى »: (ولا نعلم خلافاً في وجوب الرّمي)(2).

أقول: وتفصيل القول يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: يترجّح أن يرمي كلّ يوم من أيّام التشريق كلّ جَمَرةٍ من الجِمار الثلاث إجماعاً محقّقاً، ويشهد له نصوص متواترةٌ :

منها: صحيح ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ارم في كلّ يومٍ عند زوال الشمس، وقُل كما قلتَ حين رميت جَمرة العقبة، وابدأ بالجمرة الأُولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل، وقُل كما قلتَ يوم النحر، ثمّ قُم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة وأحمد اللّه واثنِ عليه وصَلِّ على النبيّ وآله، ثمّ تقدّم قليلاً فتدعو وتسأله أن يتقبّل منك، ثمّ تقدّم أيضاً ثمّ افعل ذلك عند الثالثة، واصنع كما صنعت بالاُولى ،

ص: 228


1- الجواهر: ج 20/15.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/771.

وتقف وتدعو اللّه كما دعوت، ثمّ تمضي إلى الثالثة، وعليك السكينة والوقار، فارم ولا تقف عندها»(1).

ومنها: حسن ابن أُذينة، عنه عليه السلام: «عن قول اللّه تعالى: «اَلْحَجِّ اَلْأَكْبَرِ» ؟(2)قال عليه السلام: الحَجّ الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار»(3). ونحوهما غيرهما ممّا سيمرّ عليك.

أقول: إنّما الخلاف في أنّ ذلك واجب كما هو المشهور بين الأصحاب والمعروف بينهم كما عن «المدارك»(4) و «الذخيرة»(5)، و (لا نعلم فيه خلافاً) كما في «المنتهى »(6)، بل بالإجماع كما عن «المفاتيح»(6)؟

أم يكون مستحبّاً كما عن «التبيان»(7) و «الجُمل والعقود»(8) والتهذيبين(9)والإسكافي(10) وابن البرّاج(12) حيث عدوّه من السُنّة، وإنْ كان المصنّف رحمه الله في «المنتهى »(11) حمل كلام الشيخ على إرادة ما ثبت وجوبه بغير الكتاب، وَحَمَله بعضهم»(12) رمي جمرة العقبة، واستظهره الفاضل النراقي(13) من «الجُمل8.

ص: 229


1- الكافي: ج 4/480 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/68 ح 18605.
2- سورة التوبة: الآية 3.
3- الكافي: ج 4/264 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/263 ح 19151.
4- المدارك: ج 7/229.
5- الذخيرة: ج 1/662 ق 3. (6و12) المنتهى (ط. ق): ج 2/771772.
6- مفاتيح الشرائع: ج 1/378.
7- التبيان: ج 2/154، في تفسير الآية 196 من سورة البقرة.
8- الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر): ص 234.
9- التهذيب: ج 5/283، الإستبصار: ج 2/297.
10- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/258.
11- المهذّب: ج 1/254.
12- هو السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 7/124.
13- المستند: ج 13/48.

والعقود»، وقد مرّ أنّ المنسوب إلى الطبرسي استحباب مناسك منى كلّها، وعن المفيد(1) أنّ (فرض الحَجّ الإحرام والتلبية والطواف والسعي والموقفان، وما بعد ذلك سننٌ بعضها أوكد من بعض)؟

يشهد للأوّل:

1 - صحيح ابن عمّارالمتقدّم، بل وحسن ابن أُذينة، وصحيحٌ آخر لابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجل أخذ إحديوعشرين حصاة فرميبها وزادت واحدة، فلم يدر أيّهنّ نقص ؟ قال عليه السلام: فليرجع وليرم كلّ واحدة بحصاة»(2)، الحديث.

2 - وصحيحه الثالث، عنه عليه السلام: «في امرأةٍ جهلت أن ترمي الجمار حتّى نفرت إلى مكّة ؟ قال عليه السلام: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي والرجل كذلك»(3).

3 - وقويّ عمر بن يزيد، عنه عليه السلام: «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتّى تمضي أيّام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فإنْ لم يحجّ رَمى عنه وليّه، فإنْ لم يكن له وليّ استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيّام التشريق»(4).

إلى غير ذلك من النصوص الواردة المذكورة في الأبواب المختلفة من الوسائل وغيرهامن كتب الحديث(5)، وليس بإزائها مايصلح أن يوجب صرفها عن ظاهرها.

وبالجملة: فوجوبه خالٍ عن الإشكال.4.

ص: 230


1- المقنعة: ص 431.
2- الكافي: ج 4/483 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/268 ح 19165.
3- الكافي: ج 4/484 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/261 ح 19147.
4- التهذيب: ج 5/264 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/262 ح 19150.
5- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/263، أبواب العود إلى منى ورمي الجمار ب 4.

ويبدأ بالجمرة الأُولى ويرميها.

المورد الثاني: يجب أن يرمي كلّ جَمرة في كلّ يوم بسبع حصيّاتٍ بالإجماع.

ويشهد به: صحيح ابن عمّار المتقدّم، وصحيحة اُخرى أيضاً عن أبي عبداللّه عليه السلام، في حديث: «في رجلٍ رمي الجمار فرمى الأُولى بأربع والأخيرتين بسبع سبع ؟ قال عليه السلام: يعود فيرمي الأُولى بثلاث وقد فرغ، وإنْ كان رمى الأُولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد وليرمهنّ جميعاً بسبع سبع، وإنْ كان رمى الوسطى بثلاث ثمّ رمى الاُخرى فليرم الوسطى بسبع، وإنْ كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث»(1).

ونحوهما غيرهما ممّا مرّ ويأتي.

المورد الثالث: أنّ القيود المعتبرة في رمي جَمرة العقبة المتقدّمة معتبرة في المقام أيضاً بلا خلافٍ ، والنصوص شاهدة به.

اعتبار الترتيب في رمي الجمار

(و) يجب هنا - زيادة على ما تقدّم - الترتيب، بأن (يبدأ بالجمرة الأُولى ) وهي أبعد الجمرات من مكّة، وهي التي تلي المشعر، (ويرميها) ثمّ يرمي الثانية، وهي الوسطى، ثمّ جَمرة العقبة التي مرّ بيانها في أعمال يوم النحر(2)، بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه صريحاً وظاهراً

ص: 231


1- الكافي: ج 4/483 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/267 ح 19162.
2- كما تقدّم في واجبات الرَّمي في أوائل هذا الجزء.

عن يسارها مكبّراً داعياً، ثمّ الثانية ثمّ الثالثة كذلك.

مستفيض)(1)، انتهى .

ويشهد به: نصوص كثيرة كصحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : «وابدأ بالجمرة الأُولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل، وقُل كما قلت يوم النحر، ثمّ قم عن يسار الطريق فاستقبل القبله وأحمد اللّه وأثن عليه صلى الله عليه و آله، ثمّ تقدّم قليلاً فتدعو وتسأله أن يتقبّل منك، ثمّ تقدّم أيضاً، ثمّ افعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت بالاُولى ، وتقف وتدعو اللّه كما دعوت، ثمّ تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار، فارم ولا تقف عندها»(2).

ونحوه غيره الآتي طرفٌ من تلك الأخبار.

أقول: المعروف بين الأصحاب استحباب أن يرمي جَمرة العقبة (عن يسارها مكبّراً داعياً ثمّ الثانية ثمّ الثالثة كذلك) وصحيح ابن عمّار شاهد على ذلك كلّه.

وعن «القواعد»: (يستحبّ رمي الأُولى عن يساره)(3)، ونحوه عن بعض نسخ «الشرائع»(4).

ويردّه: ظاهر الصحيح، فإنّ المراد من يسارها في الحديث جانبها اليسار بالنسبة إلى المتوجّه إلى القبلة، فيجعلها حينئذٍ عن يمينه، فيكون ببطن المسيل، لأنّه عن يسارها كما صرّح به المحقّق في محكي «النافع»(5).7.

ص: 232


1- الجواهر: ج 20/16.
2- الكافي: ج 4/480 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/68 ح 18605.
3- القواعد: ج 1/448.
4- حكاه عن بعض النسخ صاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/33.
5- النافع: ص 97.

ولو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

وقد تقدّم في رمي جَمرة العقبة يوم النحر أنّه يستحبّ أن يستقبل جَمرة العقبة ويستدبر القبلة، وفي الأولتين يستقبل الجمرة، فراجع ما ذكرناه(1).

المورد الرابع: (ولو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب) عمديّاً كان النكس أو غير عمدي بلا خلافٍ .

وفي «التذكرة»: (عند علمائنا)(2).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(3).

ويشهد به: نصوصٌ عديدة:

منها: صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «في رجل رمى الجمار فرمى الأُولى بأربع، والأخيرتين بسبع سبع ؟ قال عليه السلام: يعود فيرمي الأُولى بثلاث وقد فرغ»(4)، الحديث.

ومنها: صحيح آخر لابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال: قلتُ له: الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال عليه السلام: يعيدها على الوسطى وجَمرة العقبة»(5).

ومنها: حسن مسمع، عنه عليه السلام: «في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثمّ الوسطى ثمّ الأُولى، ويؤخّر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثمّ جَمرة العقبة»(6).9.

ص: 233


1- صفحة 60 من هذا المجلّد.
2- التذكرة: ج 8/362.
3- الجواهر: ج 20/17.
4- الكافي: ج 4/483 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/267 ح 19162.
5- الفقيه: ج 2/474 ح 3000، وسائل الشيعة: ج 14/265 ح 19158.
6- الكافي: ج 4/483 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/265 ح 19159.

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «في رجل رمى الجمار منكوسة ؟ قال عليه السلام: يعيد على الوسطى وجَمرة العقبة»(1).

أقول: ومقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل، ومقتضى القاعدة أيضاً ذلك.

هذا إذا قدّم المتأخّرة على جميع رميات المتقدّمة، ولو قدّمها على بعضها:

فإنْ كان ما قدّمه أربعاً فما فوق، أتمّ الباقية من المتقدّمة من غير إعادة المتأخّرة.

وإنْ كان أقلّ منها أعاد المتقدّمة بجميع رمياتها، ثمّ أتى بالمتأخّرة، بلا خلافٍ في ذلك إلّاعن عليّ بن بابويه(2).

ويشهد به:

1 - خبر علي بن أسباط، قال: «قال أبو الحسن عليه السلام: إذا رمى الرجل الجمار أقلّ من أربع لم يجزئة، أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإنْ كان قد أتمّ ما بعدها، وإذا رمى شيئاً منها أربعاً بنى عليها ولم يعد على ما بعدها إنْ كان قد أتمّ رميه»(3).

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل رمى الجمرة الأُولى بثلاث، والثانية بسبع والثالثة بسبع ؟ قال عليه السلام: يعيد يرميهن جميعاً بسبع سبع.

قلت: فإنْ رمى الأُولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ؟

قال عليه السلام: يرمي الجمرة الأُولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جَمرة العقبة بسبع.

قلت: فإنّه رمى الجمرة الأُولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ؟4.

ص: 234


1- التهذيب: ج 5/265 ح 16، وسائل الشيعة: ج 14/266 ح 19160.
2- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/313.
3- التهذيب: ج 5/266 ح 18، وسائل الشيعة: ج 14/268 ح 19164.

قال عليه السلام: يعيد فيرمي الأُولى بثلاث والثانية بثلاث، ولا يعيد على الثالثة»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وحاصل هذه النصوص أنّه يحصل الترتيب المأمور به برمي المتأخّرة بعدما رمى أربع حصيّات على المتقدّمة.

ومقتضى إطلاقها: أنّ الناسي والجاهل والعامد متساوون في البناء على الأربع، كما أفتى به في محكي «المبسوط»(2) و «الخلاف»(3) و «الجامع»(4)و «التحرير»(5) و «التلخيص»(6) و «اللّمعة»(7).

وعن المصنّف في جملة من كتبه(8)، والشهيدين(9) التخصيص بالناسي.

وعن سيّد «المدارك»(10) نسبة التخصيص به وبالجاهل إلى أكثر الأصحاب، بل إلى المشهور.

وقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن المصنّف(11) من أنّ الأكثر إنّما يقوم مقام الكلّ مع النسيان.2.

ص: 235


1- التهذيب: ج 5/265 ح 17، وسائل الشيعة: ج 14/267 ح 19163.
2- المبسوط: ج 1/379.
3- الخلاف: ج 2/351.
4- الجامع للشرائع: ص 218.
5- التحرير: ج 2/10.
6- تلخيص المرام للعلّامة (ضمن الينابيع الفقهيّة): ج 30/340.
7- اللّمعة: ص 66.
8- كالإرشاد: ج 1/335، والقواعد: ج 1/447، والمنتهى (ط. ق): ج 2/772.
9- الشهيد في الدروس: ج 1/430، والشهيد الثاني في الروضة: ج 2/320.
10- المدارك: ج 8/234.
11- المنتهى (ط. ق): ج 2/772.

وأورد(1) عليه: بأنّه إعادة للمدّعى، ووجّهه صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) بأنّ المراد أنّ الأصل عدم قيام غير ذلك مقامه بالنسبة إلى الترتيب.

وفيه: أنّ هذا يتمّ مع عدم الإطلاق للنصوص المتقدّمة، فإنّ مقتضى إطلاق أدلّة الترتيب لزوم إيقاع رميات المتأخّرة بعد تمام رميات المتقدّمة.

ولكن عرفت دلالة الدليل على ذلك، وبه يخرج عن الأصل المشار إليه.

الوجه الثاني: ما عن «الروضة»(2) بأنّه منهيٌّ عن رمي اللّاحقة قبل إكمال السابقة، والنهي يوجب الفساد.

وفيه: أنّه على فرض الإطلاق لتلك النصوص، لا تكون اللّاحقة بعد إكمال الأربع منهيّاً عنها، مع أنّه اجتهاد في مقابل النص.

الوجه الثالث: ما قاله صاحب «الجواهر»، من: (ضرورة عدم شموله - أي النص - للعامد، لندرته، فلا ينصرف إليه السؤال المعلّق عليه الجواب)(4).

وفيه: أنّ ندرة فرد وغلبة آخر لا تصلح منشئاً للانصراف المقيّد للإطلاق.

الوجه الرابع: ما في «الجواهر» أيضاً حيث قال: (مضافاً إلى حمل فعل المسلم على الصحّة)(5).

والظاهر أنّ مراده انصراف النص عن العامد لأجل ذلك، وهو أيضاً كما ترى غير صالح لأنْ يكون منشئاً للانصراف.

الوجه الخامس: ما في «الجواهر» أيضاً، وهو: (إطلاق ما دلّ على وجوب0.

ص: 236


1- النراقي في المستند: ج 13/52. (2و4و5) الجواهر: ج 20/23.
2- الروضة: ج 2/320.

ص: 237

ص: 238

ص: 239

ص: 240

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

ص: 245

الصيد ومن النساء في جواز النفر الأوّل.

وأورد عليها تارةً : بضعف الإسناد.

واُخرى : بأنّ الآية الكريمة فُسّرت في النصوص الاُخر بغير ذلك كما يظهر لمن راجع الروايات.

وثالثة: بأنّ مفهوم خبر ابن المستنير يعارض منطوق ما قبله، وكذا العكس.

ولكن يرد الأوّل: - مضافاً إلى عدم تماميّته في جميع النصوص، وإلى ما سيأتي من نصوص أُخر دالّة عليه - أنّ استناد الأصحاب يوجب جبره لو كان هناك ضعف.

ويرد الثاني: أنّه يمكن أن يكون المراد بالآية الكريمة المعنى الجامع، والنصوص المختلفة مبيّنة لمصاديق ذلك المعنى ، فلا تعارض بينها.

ويرد الثالث: أنّ منطوق كلّ من الطائفتين أخصّ من مفهوم الاُخرى ، فيقيّد إطلاقه به.

المسألة الثالثة: المنسوب إلى الطبرسي(1) من أنّ من اتّقى الصيد والنساء في إحرامه، لا يجوز له النفر الأوّل إلّاإذ اتّقى الصيد إلى انقضاء النفر الأخير.

وعن الحِلّي(2): لا يجوز النفر الأوّل إلّالمن اتّقى عمّا يوجب الكفّارة مطلقاً.

وعن ابن سعيد: أنّه لا يجوز إلّالمن اتّقى كلّ ما حرم عليه بإحرامه.

أقول: واستدلّ للأوّل:

1 - بخبر معاوية بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام: «من نفر في النفر الأوّل متى يحلّ له الصيد؟ قال عليه السلام: إذا زالت الشمس من اليوم الثالث»(3).8.

ص: 246


1- مجمع البيان: ج 1/299، تفسير آية 203 من سورة البقرة.
2- السرائر: ج 1/605.
3- الجامع للشرائع: ص 218.

2 - وخبر حمّاد عنه عليه السلام: «إذا أصاب المُحرِم الصيد، فليس له أن ينفر في النفر الأوّل، ومن نفر في النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصيد حتّى ينفر النّاس، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اِتَّقى » (1)، فقال: اتّقى الصيد»(2).

وأورد عليهما: بأنّه لو تمّ دلالتهما، فغايته وجوب إبقاء الصيد وحرمة الصيد، لا دخالته في جواز النفر الأوّل.

إلّا أنّ الإنصاف ظهورهما في شرطيّته، لجواز النفر بقرينة قوله: «وهو قول اللّه» إلى آخره.

3 - وأوضح منهما في ذلك، صحيح آخر لمعاوية عنه عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اِتَّقى » (3)، فقال: يتّقي الصيد حتّى ينفر أهل منى إلى النفر الأخير»(4).

وهو صريحٌ في أنّ ما جُعِل شرطاً لجواز النفر الأوّل في الآية الكريمة، هو اتّقاء الصيد إلى النفر الثاني.

وأمّا خبره الثالث، عنه عليه السلام: «ينبغي لمن تعجّل في يومين أن يَمسك عن الصيد حتّى ينقضي اليوم الثالث»(5)، فلا يدلّ على عدم لزوم ذلك، فإنّ (ينبغي) ليس ظاهراً في عدم اللّزوم.

ولا يعارض هذه النصوص ما تقدّم، فإذاً هذا القول بحسب النصوص قويّ ،9.

ص: 247


1- سورة البقرة: الآية 203.
2- التهذيب: ج 5/490 ح 404، وسائل الشيعة: ج 14/279 ح 19197.
3- سورة البقرة: الآية 203.
4- الفقيه: ج 2/479 ح 3016، وسائل الشيعة: ج 14/280 ح 19200.
5- الفقيه: ج 2/481 ح 3024، وسائل الشيعة: ج 14/280 ح 19199.

إلّا أنّ عدم إفتاء الأصحاب به يوفّقنا عن الإفتاء، والاحتياط طريق النجاة.

وأمّا القول الثاني: فلم أظفر بمدركه إلّادعوى أنّه لا خصوصيّة للصيد والنساء، والمدار على اتّقاء ما يوجب الكفّارة، وهي كما ترى .

وأمّا القول الثالث: فاستدلّ له:

1 - بإطلاق الآية الشريفة.

2 - وخبر ابن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لمن اتّقى الرفث والفسوق والجدال، وما حَرّم اللّه عليه في إحرامه»(1).

ولكن الأوّل يرده: إجمال الآية الكريمة، لعدم معلوميّة متعلّق الاتّقاء، ولا مورد الاتّقاء، وقد فُسّرت الآية في النصوص بما لاينطبق على مااُفيد، وقد تقدّم طرفٌمنها.

وأمّا الثاني فيرد عليه أوّلاً: أنّه ضعيف السند؛ إذ لو كان الراوي هو سلام بن المستنير كما في غير «الوسائل»(2) فهو إمامي مجهول، وإنْ كان هو محمّد كما في «الوسائل»(3) فهو مهمل.

وثانياً: أنّه لم يعمل به الأصحاب.

وثالثاً: أنّه مجملٌ أيضاً، والمنساق إلى الذهن من اتّقاء الصيد عدم قتله وعدم اصطياده، كما صرّح به الشهيد الثاني(4) وسيّد «المدارك»(5) وصاحب «الجواهر»(6)وغيرهم(7)، كما أنّ المنساق إلى الذهن من عدم إتيان النساء عدم وطئهن.8.

ص: 248


1- الفقيه: ج 2/480 ح 3017، وسائل الشيعة: ج 14/279 ح 19201.
2- كما في الفقيه: ج 2/480 ح 3017، ووسائل الشيعة: ط. مؤسّسة آل البيت عليهم السلام كما تقدّم.
3- وسائل الشيعة: (ط. الإسلاميّة): ج 10/226، أبواب العود إلى منى باب 11 ح 7.
4- الروضة: ج 2/322-323.
5- المدارك: ج 8/248.
6- الجواهر: ج 20/40.
7- كالفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/238.

وعليه، فهل يلحق به سائر المحرّمات المتعلّقة بهن كالقُبلة واللّمس والنظر وما شاكل ؟

وجهان، أظهرهما الثاني؛ لعدم الوجه للتعدّي، إلّاأنّ الاحتياط حسن.

قال سيّد «المدارك»: (قد نصّ الأصحاب على أنّ الاتّقاء معتبرٌ في إحرام الحَجّ ، وقوّى الشارح اعتباره في عُمرة التمتّع أيضاً، لارتباطها بالحَجّ ودخولها فيه، والمسألة قويّة الإشكال)(1)، انتهى .

ولكن إطلاق النصوص الشامل لها أيضاً يرفع الإشكال، فما أفاده الشهيد الثاني رحمه الله قويّ .

أقول: ثمّ مقتضى إطلاق النصوص، عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل، والفرق بين الصيد وغيره؛ لوجوب الكفّارة في الأوّل بلا فارق فيما هو محلّ البحث، لما مرّ من أنّ النصوص ليست ظاهرة في أنّ المدار على ما يوجب الكفّارة، وبذلك أجبنا عن الحِلّي.

تذييل: ربما أُشكل بأنّ ظاهر قوله تعالى: «وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » (2)، يفيد أنّ التأخير ربما كان مظنّة للإثم، فنفي ذلك بقوله: «فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » ، مع أنّ التأخير أفضل للإتيان بمناسك اليوم الثالث.

واُجيب عنه: بأجوبة أكثرها ذكرها سيّد «المدارك»(3):

منها: أنّ الرخصة قد تكون عزيمة، كما في رفع الحرج، والجُناح في التقصيرل.

ص: 249


1- المدارك: ج 8/248.
2- سورة البقرة: الآية 203.
3- أنظر المدارك: ج 8/244-245، ذكر فيه الوجوه الأربعة الأوّل.

والطواف، فلمكان هذا الاحتمال رفع الحرج في الاستعجال والتأخّر دلالة على التخيّير بين الأمرين.

ومنها: أنّ أهل الجاهليّة كانوا فريقين:

منهم: من يعتبر المتعجّل آثماً.

ومنهم: من يعتبر المتأخّر آثماً، فبيّن اللّه تعالى أن لا إثم على واحدٍ منهما.

ومنها: أنّ المراد عدم الإثم على المؤخّر لمن زاد على المُقام ثلاثة أيّام، فكأنّه يتعمّد القول إنّ أيّام منى ثلاثة، فمن نقص فلا إثم عليه، ومن زاد عليها ولم ينفر مع عامّة النّاس فلا إثم عليه.

ومنها: أنّ هذا من باب رعاية المقابلة والمشاكلة، مثل ما ورد في قوله تعالى :

«وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» (1) .

ومنها: ما في «الحدائق»(2) من أنّ المراد من ذلك رفع ما يتوهّم من المفهوم الأوّل المقتضي ثبوت الإثم على غير المعجّل، وأيّده بصحيح أبي أيّوب، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قلت له: إنّا نريد أن نتعجّل السّير، وكانت ليلة النفر حين سألته، فأيّ ساعةٍ ننفر؟ فقال عليه السلام لي: أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتّى تزول الشمس، فأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على كتاب اللّه، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول...

إلى أنْ قال: فلو سكت لم يبق أحدٌ إلّاتعجّل، ولكنّه قال: «وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (3)» »(4).

وهناك وجوهٌ أُخر، من أراد الوقوف عليها فليراجع كتب التفسير(5).ة.

ص: 250


1- سورة الشورى : الآية 40.
2- الحدائق: ج 17/321.
3- سورة البقرة: الآية 203.
4- الكافي: ج 4/519 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/275 ح 19182.
5- أنظر مجمع البيان: ج 2/53، آية 203 من سورة البقرة.

الشرط الثاني لجواز النفر الأوّل

المسألة الرابعة: يشترط في جواز النفر الأوّل شرط آخر، وهو أن لا تغرب الشمس عليه اليوم الثاني عشر في منى، فلو غربت الشمس عليه وهو بمنى لم يجز له النفر، بل وجب عليه المبيت بها ليلة الثالث عشر بلا خلافٍ فيه، بل عن جماعةٍ (1)دعوى الإجماع عليه، وهو كذلك.

أقول: والنصوص شاهدة به:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا نفرت في النفر الأوّل فإنْ شئتَ أن تُقيم بمكّة وتبيت بها فلا بأس بذلك.

وقال: إذا جاء اللّيل بعد النفر الأوّل فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتّى تُصبح»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن الرجل ينفر في النفر الأوّل ؟ قال عليه السلام: له أن ينفر ما بينه وبين أن تسفر الشمس، فإنْ هو لم ينفر حتّى يكون عند غروبها، فلا ينفر وليبت بمنى ، حتّى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «من تعجّل في يومين فلا ينفر حتّى تزول الشمس، فإنْ أدركه المساء بات ولم ينفر»(4).

ص: 251


1- منهم العلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/776، والتذكرة: ج 8/373، والسيّد العاملي في المدارك: ج 8/249، والنراقي في المستند: ج 13/76.
2- الكافي: ج 4/521 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/277 ح 19192.
3- التهذيب: ج 5/272 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/278 ح 19194.
4- الكافي: ج 4/520 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/277 ح 19191.

فإنْ نَفِر كان عليه شاة.

أقول: ويمكن استفادته من الآية الكريمة، بتقريب أنّها تدلّ على أنّ محلّ التعجيل النهار، (فإذا مضى ولم يتعجّل فلو تعجّل في اللّيلة الثالثة لزم كون تعجيله ليس في اليومين فيكون آثماً، وهو المطلوب)، هكذا أفاد الفاضل المقداد(1).

ولو ارتحلّ وغَربت الشمس قبل أن يتجاوز حدود منى وجب المبيت، لأنّه يصدق غروب الشمس عليه بمنى، ومشقّة الحط لا توجب سقوطه، نعم لو تجاوز حدودها وغربت - وإنْ لم يصل إلى مكّة - لا يجب المبيت.

أقول: قد تقدّم في مسألة المبيت(2) أنّ من تجب عليه البيتوتة بمنى لو تركها يجب عليه دم شاة عن كلّ ليلة (فإن نفر) من لا يجوز له النفر الأوّل (كان عليه شاة)، كما مرّ حكم تركه الرَّمي.

وأمّا من يجوز له النفر، فكما يسقط عنه وجوب المبيت - لما مرّ - يسقط عنه وجوب الرَّمي.

وعن «المنتهى »(3): نفي الخلاف عنه.

وعن الإسكافي(4): إنّه يرمي حصى اليوم الثالث عشر في الثاني عشر بعد رمي يومه.

لكنّه يحتاج إلى دليلٍ مفقود، والأصل يقتضي عدمه، كما أنّ الأصل يقتضي5.

ص: 252


1- كنز العرفان: ج 1/320.
2- تقدّم في مبحث: (لزوم ثلاث شياة لو بات اللّيالي الثلاث بغير منى).
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/777.
4- حكاه عنه الشهيد في الدروس: ج 1/375.

عدم وجوب الاستنابة، وحيث أنّ وجوب العود مجمعٌ على عدمه فيتعيّن سقوط وجوب الرَّمي في اليوم الثالث عشر.

وأيضاً: ظاهرهم الاتّفاق على عدم وجوب الفدية على من ترك المبيت في اللّيلة الثالثة، وكان يجوز له نفر الأوّل، ولذلك قال الشيخ في محكي «الخلاف»(1)و «المبسوط»:

(من بات عن منى ليلة كان عليه دم..، ومن بات عنها ليلتين كان عليه دمان، فإنْ بات اللّيلة الثالثة لا يلزمه؛ لأنّ له النفر في الأوّل، وقد ورد في بعض الأخبار أنّ من بات ثلاث ليال عن منى فعليه ثلاث دماء، وذلك محمولٌ على الاستحباب، أو على من لم ينفر في الأوّل حتّى غابت الشمس)(2) انتهى .

ويمكن أن يستدلّ له: - مضافاً إلى تسالم الأصحاب، وإلى أنّ الفدية كفّارة أو جبران، وعلى التقديرين لا مورد لها مع ترخيص الشارع في ترك المبيت - بأن ما دلّ على ثبوت الدّم في ترك مبيت كلّ ليلة لا إطلاق له يشمل ترك المبيت في اللّيلة الثالثة، فتدبّر.

***8.

ص: 253


1- الخلاف: ج 2/358.
2- المبسوط: ج 1/378.

والنافر في الأوّل يخرج بعد الزّوال، وفي الثاني يجوز قبله.

عدم جواز النفر في الأوّل قبل الزّوال

(والنافر في الأوّل يخرج بعد الزّوال، وفي الثاني يجوز قبله) بلا خلافٍ إلّاما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1)، حيث قال باستحباب التأخير إلى ما بعد الزّوال، قال الفاضل في توجيه كلامه: (ويمكن حمل كثير من العبارات عليه)(2).

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح معاوية عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتّى تزول الشمس، وإنْ تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق - وهو يوم النفر الأخير - فلا شيء عليك أيّ ساعةٍ نفرت قبل الزّوال أو بعده»(3).

2 - وصحيح الحلبي المتقدّم: «من تعجّل في يومين فلاينفر حتّيتزول الشمس».

3 - وصحيح الخزّاز المتقدّم: «أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتّى تزول الشمس».

4 - وصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل ينفر في النفر الأوّل قبل أن تزول الشمس ؟ فقال عليه السلام: لا، ولكن يخرج ثقله إنْ شاء، ولا يخرج هو حتّى تزول الشمس»(4).

أقول: وهذه النصوص - وإنْ كانت ظاهرة في وجوب التأخير إلى ما بعد

ص: 254


1- التذكرة: ج 8/373.
2- كشف اللّثام: ج 6/261.
3- الكافي: ج 4/520 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/274 ح 19181.
4- الفقيه: ج 2/481 ح 3023، وسائل الشيعة: ج 14/276 ح 19184.

الزّوال، وبها يقيّد إطلاق خبر أبي بصير المتقدّم، الوارد فيه قوله عليه السلام: «له أن ينفر ما بينه وبين أن تسفر الشمس»(1)، ويُحمل على إرادة ما بين الزّوال والغروب، كما أنّ بها يبيّن إجمال صحيح جميل عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل - إلى أنْ قال - وكان أبي عليه السلام يقول: مَن شاء رمي الجمار ارتفاع النهار ثمّ ينفر»(2)، بحمل ارتفاع النهار على الزّوال.

وإنْ كان يردّه: أنّه خلاف الظاهر جدّاً، سيّما وأنّ ارتفاع النهار جُعِل ظرفاً للرّمي.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه أيضاً مطلق حينئذٍ، فيقيّد بما مرّ، إلّاأنّه يعارضها خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل قبل الزّوال»(3).

أقول: والجمع بينه وبين النصوص المتقدّمة يقتضي حملها على إرادة الاستحباب منها، ولكن ضعفه في نفسه - للجهالة، ولإعراض الأصحاب عنه - يمنع عن العمل به.

وأمّا ما قيل:(4) بأنّ الواجب إنّما هو الرَّمي والبيتوتة والإقامة في اليوم مستحبّة، فإذا رمي جاز النفر متى شاء.

فاجتهادٌ في مقابل النصوص الصحيحة المعمول بها.

وعليه، فما أفاده المشهور هو المنصور.

وقد ظهر ممّا مرّ من النصوص أنّ من ينفر في النفر الثاني، جاز له النفر في أيّ 1.

ص: 255


1- التهذيب: ج 5/272 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/278 ح 19194.
2- الفقيه: ج 2/481 ح 3025، وسائل الشيعة: ج 14/274 ح 19180.
3- الكافي: ج 4/521 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/277 ح 19189.
4- قاله الفاضل الهندي - موجّهاً لمختار العلّامة - في كشف اللّثام: ج 6/261.

ساعةٍ من النهار شاء بعد الرَّمي.

وعن «النهاية»(1) و «المبسوط»(2) و «المهذّب»(3) و «الغُنية»(4) وغيرها(5)اختصاصه بغير الإمام، وأنّ عليه أن يُصلّي الظهر بمكّة.

وعن جماعةٍ (6) استحباب ذلك له.

واستدلّ للأوّل: بصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يُصلّي الإمام الظهر يوم النفر بمكّة»(7).

ولكن خبر أيّوب بن نوح: «كتبتُ إليه: أنّ أصحابنا قد اختلفوا علينا، فقال بعضهم: إنّ النفر يوم الأخير بعد الزّوال أفضل، وقال بعضهم: قبل الزّوال، فكتب عليه السلام: أما علمت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى الظهر والعصر بمكّة، فلا يكون ذلك إلّا وقد نفر قبل الزّوال»(8)، يدلّ على مساواة الإمام وغيره في هذا الحكم، وأنّ الأصل للجميع النفر قبل الزّوال، وأنّه ليس الحكم لزوميّاً.

***8.

ص: 256


1- النهاية: ص 269.
2- المبسوط: ج 1/380.
3- المهذّب: ج 1/263.
4- الغنية: ص 187.
5- كالتهذيب: ج 5/273، والإصباح ص 160.
6- منهم العلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/777، والنراقي في المستند: ج 13/79، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/43.
7- الكافي: ج 4/520 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/281 ح 19207.
8- الكافي: ج 4/521 ح 8، وسائل الشيعة: ج 14/282 ح 19208.

ولو نسي رمي يومٍ قضاه من الغد، مقدَّماً.

قضاء نسيان الرّمي

خاتمة: في بيان مسائل:

المسألة الأُولى: (ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد) بلا خلافٍ فيه.

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

أقول: ويشهد به نصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ أفاض من جمع حتّى انتهى إلى منى فعرض له عارض، فلم يرم حتّى غابت الشمس ؟

قال عليه السلام: يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرّق بينهما يكون إحداهما بكرةً وهي للأمس، والاُخرى عند زوال الشمس»(2).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«قلتُ : الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثمّ الوسطى ثمّ العظمى ؟ قال عليه السلام: يعود فيرمي الوسطى ثمّ يرمي جَمرة العقبة وإنْ كان من الغد»(3).

أقول: وتمام الكلام بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: المشهور بين الأصحاب أنّه يجب أن يكون القضاء (مقدّماً) على الأداء، وصحيح ابن سنان يشهد به.

ص: 257


1- الجواهر: ج 20/24.
2- التهذيب: ج 5/262 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/72 ح 18621.
3- الكافي: ج 4/483 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/266 ح 19161.

وأورد عليه سيّد «الرياض»:(1) بأنّ الصحيح آمرٌ بالتقديم مقيّداً بقيد، وهو كون إحداهما بكرةً والاُخرى عند زوال الشمس، وهذا القيد استحبابي:

1 - لصحيح آخر دالّ على أنّه يفرّق بينهما ساعة(2).

2 - ولاتّفاق الأصحاب على جواز الجمع بينهما.

فيكون الأمر بالتقديم استحبابيّاً.

وفيه: أنّه قد مرّ مراراً أنّ المولى إذا أمر باُمور، ورخّص في ترك بعضها دون آخر، يكون ما رخّص في تركه مستحبّاً وغيره واجباً، من دون أن يلزم محذور استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد؛ لأنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، فلا مانع من كون القيد استحبابيّاً، وأصل التقديم واجباً.

وعليه، فالأظهر وجوب تقديم القضاء على الأداء.

الفرع الثاني: لا فرق في وجوب القضاء بين ما لو ترك الرَّمي نسياناً أو جهلاً أو اضطراراً أو عمداً، وفي جميع الفروض يجب القضاء كما هو المعروف بين الأصحاب، وإطلاق الصحيحين شاهد بذلك.

الفرع الثالث: حكم نسيان رمي جَمرة واحدة أو رمي جمرتين حكم نسيان رمي الثلاث؛ لإطلاق صحيح ابن سنان المتقدّم، وصراحة صحيح معاوية الذي تقدّم آنفاً في نسيان رمي جمرتين، وصراحة صحيح العِجلي - عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجلٍ نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني ؟ قال عليه السلام: فليرمها في9.

ص: 258


1- الرياض: ج 7/131.
2- الكافي: ج 4/484 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/262 ح 19149.

اليوم الثالث لما فاته، ولما يجب عليه في يومه.

قلت: فإن لم يذكر إلّايوم النفر؟ قال عليه السلام: فليرمها ولا شيء عليه»(1) - في نسيان رمي جَمرة واحدة.

الفرع الرابع: إذا نسي رمي جَمرة من الجمار، وأراد الإتيان به، فهل يجب عليه أن يعيد رمي الجمرة المتأخّرة أم لا؟ قولان:

مقتضى القاعدة هو الأوّل، لا لما قيل من أنّ الأمر بإتيانه في الغد ليس أمراً قضائيّاً، بل هو توسعة في الوقت، فإنّه خلاف الظاهر، بل لأنّه ترك رمي المتقدّمة ممّا يجعل رمي المتأخّرة باطلاً، لفقد الشرط وهو الترتيب، فيجب قضاؤه أيضاً.

أقول: ولكن ظاهر صحيح العجلي - المقتصر على قضاء رمي الوسطى - عدم وجوب إتيان رمي المتأخّرة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ صحيح ابن عمّار - المصرّح فيمن نكس بأنّه يرمي الوسطى ثمّ يرمي جَمرة العقبة وإنْ كان من الغد - يدلّ على لزوم الإتيان به، وبه يرفع اليد عن ظهور صحيح العجلي الذي ظهوره ليس إلّامن جهة عدم التعرّض لوجوب رمي المتأخّرة.

وعليه، فالأظهر هو لزوم الإعادة.

الفرع الخامس: قال سيّد «المدارك» قدس سره: (ينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس، وإنْ كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها؛ لإطلاق الأخبار»(2).

وفيه أوّلاً: أنّ مادلّ على لزوم كون رمي الجمار بعد طلوع الشمس عامٌ شاملٌ 6.

ص: 259


1- التهذيب: ج 5/263 ح 7، وسائل الشيعة: ج 14/73 ح 18623.
2- المدارك: ج 8/236.

للفائت والحاضر، ولأجله يُحمل قوله (بكرة) في الخبر على إرادة طلوع الفجر، كما اعترف به في محكي «كشف اللّثام».

وثانياً: أنّ الظاهر من الأمر بإتيان شيء له قيود وشروط ثانياً، اعتبار جميع تلك القيود والشروط في المأمور به الثاني، فلو أمر المولى بإعادة صلاة الظهر يفهم العرف اعتبار جميع ما يعتبر في الأصل في المعادة، وكذا في سائر الموارد، ففي المقام أمر الشارع بإتيان المأمور به في الغد، فظاهره اعتبار جميع ما يعتبر في الرَّمي الأدائي في المأمور به القضائي كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهرلزوم كونه بعدطلوع الشمس كماعن «المنتهى »(1) التصريح بذلك.

الفرع السادس: ممّا ذكرناه ظهر أنّه يستحبّ أن يكون ما يرميه لأمسه غدوةً ، وما يرميه ليومه عند الزّوال، كما صرّح به المصنّف رحمه الله(2) وغيره(3).

ودونه في الفضل التفريق بينهما ساعة؛ لصحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث: «فيرمي متفرّقاً يفصل بين كلّ رميتين بساعة»(4).

وحيث إنّ الساعة في لسان الأخبار ليست خصوص ما هو المصطلح في هذه الأزمنة، فيحصل الفصل بالمسمّى، ويجوز أن يأتي بهما مجتمعاً لما ادّعاه سيّد «الرياض»(5) من الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد.

***7.

ص: 260


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/774.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/773.
3- كالمحقّق في الشرائع: ج 1/206.
4- التهذيب: ج 5/264 ح 12، وسائل الشيعة: ج 14/262 ح 19149.
5- الرياض: ج 7/157.

ولو نسي جَمرة وجهل عينها رمى الثلاث.

حكم من نسي رمي جَمرة وجهل عينها

المسألة الثانية: (ولو نسي جَمرة وجهل عينها رمى الثلاث) كما صرّح به غير واحد(1).

واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: مافي «الجواهر»، قال: (لإمكان كونها الأولى، فتبطل الأخيرتان)(2).

وفيه: أنّه بناءً على ما حقّقناه - في كتابنا (القواعد الثلاث) من أنّه لا تختصّ قاعدة الفراغ بباب الصلاة، وأنّها تجري في جميع الأبواب - تجري القاعدة في رمي كلّ من الأولتين، ويحكم بأنّه رماهما، ولا تعارضهما قاعدة الفراغ في رمي الثالثة؛ للعلم ببقاء أمره، إمّا لكون رميها متعلّقاً للنسيان، أو لأنّ المنسي رمي ما قبلها فرميها باطلٌ ؛ لفقد الشرط، فعلى التقديرين يكون الأمر برميها باقياً ولم يمتثل قطعاً، فلا تجري فيه قاعدة الفراغ.

الوجه الثاني: العلم الإجمالي بوجوب رمي إحداها المقتضي للإتيان بالجميع.

وفيه: أنّه ينحلّ هذا العلم الإجمالي بالعلم بلزوم رمي الأخيرة على جميع التقادير كما مرّ، والشكّ في وجوب رمي ما قبلها من الجمرتين، فيرجع في مورد الشكّ إلى الاُصول المقتضية لعدم الوجوب.

ص: 261


1- منهم الشيخ المفيد في الإشراف (ضمن الينابيع الفقهيّة): ج 30/293، والمحقّق السبزواري في الذخيرة: ج 1/691 ق 3، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة: ج 7/359.
2- الجواهر: ج 20/26.

فإنْ قيل: إنّ موضوع وجوب القضاء عدم الرَّمي، وعليه فيستصحب عدم رمي الأُولى، وكذا عدم رمي الثانية، ويُحكم بلزوم الإتيان بهما.

ولا يصحّ أنْ يقال: إنّ العلم الإجمالي بعدم مطابقة أحد الأصلين للواقع، للعلم بأنّ المتروك واحدٌ يمنع عن جريانهما.

فإنّه يتوجّه عليه: أنّ العلم الإجمالي مانعٌ عن جريان الأصلين إذا لزم منهما المخالفة العمليّة لتكليف لزومي، وإلّا فلا يكون مانعاً، من غير فرقٍ بين الاُصول التنزيليّة وغيرها.

قلنا: إنّ قاعدة الفراغ الجارية في رمي كلّ من العُظمى والوسطى توجبُ البناء على صحّتهما.

وعليه، فالأظهر الاكتفاء برمي الأخيرة، وهي جَمرة العقبة.

أقول: يدور البحث حول أقسام الفوت:

1 - قد يفوته دون الأربع من جَمرةٍ ، وجهل تعيّنها كرّره على الثلاث؛ للعلم الإجمالي من دون أن يكون هناك انحلال، إذ لوكان الفائت من الأولتين لم تبطل الأخيرة.

وهل يجب الترتيب أم لا؟ وجهان:

الأظهر هو الثاني؛ إذ المفروض أنّه لا يجب إلّارمي واحدة من الجمرات، ووجب الباقي من باب المقدّمة.

2 - ولو فاته ثلاثٌ وشكّ في كونها من واحدة أو أكثر رمتها عن كلّ واحدة.

3 - ولو كان الفائت أربعاً، وشكّ في كونها من واحدة، فيجب إعادتها، فعلى المختار يكفي إعادة الأخيرة، وعلى ما ذكره غير واحدٍ في المسألة السابقة، يعيد الجميع أو أكثر، فلا يجبُ استئناف شيء منها، فلا يبعد القول بأنّه يكفي أن يرمي

ص: 262

كلّواحدة من الجمرات ثلاثاً؛ وذلك لما حُقّق في محلّه(1) من أنّ قاعدة الفراغ المقتضية لعدم وجوب شيء لا تصلحُ لمعارضة قاعدة الفراغ المصحّحة، بل الثانية تجري مثلاً لو علم بأنّه إمّا ترك سجدة واحدة أو ركوعاً، فإنْ كان المتروك هو الركوع بطلت الصلاة، وإنْ كان هي السجدة الواحدة وجب قضاؤها بعد الصلاة، وقاعدة الفراغ في الركوع مصحّحة، وقاعدة الفراغ في السجدة نافية لوجوب القضاء.

ولا يصحّ أنْ يقال إنّ القاعدتين متعارضتان للعلم الإجمالي بترك أحدهما، بل تجري قاعدة الفراغ في الركوع بلا معارض، ووجهه إجمالاً علمنا تفصيلاً بعدم جريان قاعدة الفراغ في السجدة إمّا لتركها، أو لبطلان الصلاة على فرض كون المتروك هو الركوع، وتمام الكلام في (رسالة فروع العلم الإجمالي) التي صنّفها بعض الأفاضل تقريراً لأبحاثنا.

ففي المقام، تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى ترك أربع من كلّ واحدة حيث تكون مصحّحة، إذ لو كان المتروك أربعاً من واحدة بطل رميه، ووجب عليه استئنافها وإعادة ما بعدها، ولا يعارضها قاعدة الفراغ عن ترك ثلاث فما دون من كلّ واحدة، وعليه فيرجع في كلّ منها إلى أصالة العدم، وأصالة العدم الجارية في ترك الثلاث من كلّ واحدة تقتضي لزوم ثلاث من كلّ منها، فتدبّر فإنّه دقيق جدّاً.

***ل.

ص: 263


1- راجع قاعدة الفراغ والتجاوز في زبدة الاُصول.

ولو نَسي الرَّمي حتّى دخل مكّة رجع ورمى.

حكم من نَسي رمي الجمار حتّى دخل مكّة

المسألة الثالثة: (ولو نسي الرَّمي حتّى دخل مكّة رجع ورمى) مع بقاء أيّام التشريق التي هي زمان الرَّمي بلا خلاف.

ويشهد به: صحيح معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قلتُ : رجلٌ نسي رمي الجمار حتّى أتي مكّة ؟ قال عليه السلام: يرجع فيرميها يفصل بين كلّ رميتين بساعة.

قلت: فاته ذلك وخرج ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء»(1).

ومثله حسنه(2).

ومقتضى إطلاقهما هو وجوب الرجوع من مكّة والرَّمي، وإنْ كان بعد انقضاء أيّام التشريق.

لكن صرّح جماعة(3) منهم الشيخ(4) بأنّه إنّما يجبُ مع بقاء أيّام التشريق، وهو المنصور؛ لوجهين:

الوجه الأوّل: للخبر القوي الذي رواه عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتّى تمضي أيّام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له ولي استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه،

ص: 264


1- التهذيب: ج 5/286 ح 11، وسائل الشيعة: ج 14/261 ح 19148
2- التهذيب: ج 5/264 ح 12، وسائل الشيعة: ج 14/262 ح 19149.
3- منهم الحلبي في الكافي في الفقه: ص 199، والعلّامة في القواعد: ج 1/447.
4- التهذيب: ج 5/264.

فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّاأيّام التشريق»(1).

والإيراد عليه: بضعف السند؛ لأنّ في طريقه محمّد بن عمر بن يزيد، وهو لم يرد فيه توثيق ولا مدح يعتدّ به.

في غير محلّه؛ لاستناد المشهور إليه، حتّى قال صاحب «الجواهر»: (لا أجد فيه خلافاً)(2)، فينجبر ضعفه بذلك.

الوجه الثاني: ما مر من أنّ الأمر بإتيان الشيء المأمور به المقيّد بقيود والمحدود بحدود، ظاهرٌ في اعتبار جميع تلك القيود فيه، ويعبّر عن ذلك بالإطلاق المقامي، فمقتضى الإطلاق للنصوص في المقام اعتبارذلك، ولعلّه إليذلك نظرصاحب «الجواهر» رحمه الله حيث قال: (بل يمكن دعوى عدم تناول الإطلاق لهذه الصورة)(3)، انتهى .

أقول: وما ذكرناه يجري في الجاهل أيضاً لورود النص فيه، لاحظ:

1 - صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام «عن امرأةٍ جهلت أن ترمي الجمار حتّى نفرت إلى مكّة ؟ قال عليه السلام: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، والرجل كذلك»(2).

2 - ونحوه حسنه عنه عليه السلام وفيه: «قلت: فإنّه نسي أو جهل حتّى فاته وخرج ؟ قال عليه السلام: ليس عليه أن يعيد»(3).

وألحق الأصحاب بالجاهل والناسي، العامد والتارك اضطراراً، وفي «المستند»: (بل يمكن استفادته من بعض الإطلاقات)(4).3.

ص: 265


1- التهذيب: ج 5/264 ح 13، وسائل الشيعة: ج 14/262 ح 19150. (2و3) الجواهر: ج 20/28.
2- التهذيب: ج 5/263 ح 11، وسائل الشيعة: ج 14/261 ح 19147.
3- التهذيب: ج 5/264 ح 12، وسائل الشيعة: ج 14/262 ح 19149.
4- المستند: ج 13/63.

فإنْ تعذّر مضى ورمى في القابل، أو استناب مستحبّاً.

أقول: لم أظفر به، فالعمدة فتوى الأصحاب.

وأمّا خبر ابن جبلة عنه عليه السلام: «من ترك رمي الجمار متعمّداً لم تحلّ له النساء، وعليه الحَجّ من قابل»(1)، فلعدم إفتاء أحد به، وضعفه في نفسه - لأنّ في طريقه يحييبن المبارك وهو إمامي مجهول - يطرح.

(فإن تعذّر) العود (مضى ورمى في القابل، أو استناب مستحبّاً) بلا خلافٍ في رجحان ذلك، إنّما الخلاف في أنّه:

على الاستحباب كما في المتن، و ظاهر «الشرائع»(2)، و عن «النافع»(3)و «المدارك»(4) و «الذخيرة»(5).

أو على الوجوب كما عن التهذيبين(6) و «الخلاف»(7) و «النهاية»(8)و «السرائر»(9) و «الإرشاد»(10) و «القواعد»(11) و «الدروس»(12) و «المسالك»(13)9.

ص: 266


1- التهذيب: ج 5/264 ح 14، وسائل الشيعة: ج 14/264 ح 19155.
2- الشرائع: ج 1/206.
3- النافع: ص 97.
4- مدارك الأحكام: ج 8/238.
5- الذخيرة: ج 691/1 ق 3.
6- التهذيب: ج 5/255، الإستبصار: ج 2/297.
7- الخلاف: ج 2/352، مسألة 180.
8- النهاية ص 267.
9- السرائر: ج 1/609.
10- الإرشاد: ج 1/336.
11- القواعد: ص 447.
12- الدروس: ج 1/434.
13- المسالك: ج 2/369.

و «الروضة»(1) و «الغُنية»(2)، بل عن بعضهم(3) دعوى الإجماع عليه.

ومنشأ الاختلاف: أنّ خبر عمر بن يزيد ظاهرٌ في الوجوب، والنصوص المتقدّمة الأخر ظاهرة في عدم الوجوب، وقد تمسّك الأولون بتلك النصوص، وردّ بعضهم خبر أبي يزيد بضعفه، وآخرون بحمله على الاستحباب.

ولكن ضعفه منجبر بالعمل، وحمله على الاستحباب بلا وجه، بعد إمكان الجمع الموضوعي بين النصوص بحمل إطلاق نفي الشيء في النصوص على غير ما تضمّنه الخبر المقدّم على الجمع الحكمي.

وعليه، فالأظهر هو الوجوب.

جوار الرَّمي عن المعذور

المسألة الرابعة: المعروف بين الأصحاب أنّه يجوز الرَّمي عن المعذور الذي لا يمكنه الرَّمي كالمريض، وعن الصبي غير المميّز، وعن المغمى عليه والكسير والمبطون، بل نفى بعضهم(2) الخلاف فيه، وظاهر «المنتهى »(3) و «التذكرة»(4)كونه إجماعيّاً.

ويشهد به:

1 - صحيح ابن عمّار والبجلي جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الكسير والمبطون

ص: 267


1- الروضة: ج 2/325. (2و3) الغنية: ص 188.
2- السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 7/132.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/774.
4- أنظر التذكرة: ج 8/366.

يرمى عنهما، قال: والصبيان يرمى عنهم»(1).

2 - وموثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليه السلام: «عن المريض تُرمى عنه الجمار؟ قال: نعم، يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه، قلت: لا يطيق ذلك، قال عليه السلام:

يترك في منزلة ويرمى عنه»(2).

3 - وخبر داود بن علي اليعقوبي، عنه عليه السلام: «عن المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار؟ فقال عليه السلام: يرمى عنه»(3).

4 - وصحيح حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المريض المغلوب والمُغمى عليه يرمى عنه ويطاف به»(4).

ونحوها غيرها من النصوص.

أقول: وتمام الكلام في ما يستفاد من هذه النصوص يتبيّن في طيّ فروع:

الفرع الأوّل: المعذور على أقسام:

فتارةً : يكون شاعراً لذلك، فيجب عليه أن يباشر بنفسه أو يستنيب، غاية الأمر لا دليل على كون وقته مضيّقاً، فان قوله عليه السلام في قوي عمر بن يزيد المتقدّم:

«وإنْلم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه»، لم يقيّد بسنة خاصّة.

واُخرى: لم يكن شاعراً، فالصبي غير المميّز الذي أحرمه الوليّ لا يبعد القول بوجوب أن يأتي وليّه به.

وأمّا غيره من المعذورين، فلم يدلّ دليل على وجوب ذلك عنه على أحد، ولذا عبر الفقهاء عن هذا الحكم بالجواز، وهو الذي يقتضيه الأصل.5.

ص: 268


1- الكافي: ج 4/485 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/74 ح 18627 و 18629.
2- الفقيه: ج 2/477 ح 3006، وسائل الشيعة: ج 14/75 ح 18628.
3- التهذيب: ج 5/268 ح 30، وسائل الشيعة: ج 14/76 ح 18632.
4- الكافي: ج 4/422 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/76 ح 18635.

الفرع الثاني: هل يجب حمل المعذور مع الإمكان إلى الجمرة ثمّ يرمى عنه، أم يستحبّ ذلك ؟

نُسب(1) إلى ظاهر الأصحاب الثاني، ولكن مقتضى موثّق إسحاق هو الأوّل بالنسبة إلى المريض، وأمّا في غيره فلا دليل على الاستحباب أيضاً.

الفرع الثالث: هل يشترط إذن المرميّ عنه كما عن «المبسوط»(2)، أم لا يعتبر ذلك كما عن «المنتهى »(3)؟ وجهان:

أظهرهما الثاني؛ لإطلاق الأدلّة، هذا في المرميّ عنه المتوجّه إلى المكلّف، وإلّا فلا ينبغي التوقّف في عدم الاشتراط.

الفرع الرابع: لو رمى عنه النائب فزال عذره:

فإنْ كان الوقت باقياً وجب عليه الإتيان به، لا لما أفاده في «المستند»(4) ردّاً على القائلين بعدم الوجوب المستدلّين له بأن الامتثال يقتضي الإجزاء من أنّ الامتثال يقتضي الإجزاء عن الفاعل فيما أمر به، فإنّه يرد عليه أنّه على فرض توجّه الأمر إلى النائب إمّا يكون أمر المنوب عنه ساقطاً للعُذر، أو على فرض بقائه يكون الأمران تخيّيريين لا بنحو تكليفين معيّنين، كي لا يسقط أحدهما بامتثال الآخر، بل من جهة أنّ أمر النائب إنّمايكون من قبيل الأوامرالاضطراريّة المتوقّفة على الاضطرار في ترك المأمور به في جميع المدّة المضروبة له، فمن رفع العذر في أثناء الوقت ينكشف عدم الأمر الاضطراري من أوّل الأمر، وعليه فلا يكون إتيانه مجزياً.

***7.

ص: 269


1- نسبه النراقي في المستند: ج 13/66.
2- المبسوط: ج 1/380.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/774.
4- المستند: ج 13/67.

ويستحبّ الإقامة بمنى أيّام التشريق.

(و) المسألة الخامسة: عن أنّه (يستحبّ الإقامة بمنى أيّام التشريق) وإنْ كان يجوز له أن يأتي إلى مكّة تلك الأيّام لزيارة البيت تطوّعاً.

أقول: ويشهد لعدم وجوب الإقامة بها: - مضافاً إلى الأصل بعد اختصاص الدليل على وجوب المبيت باللّيل -:

1 - صحيح جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في أيّام منى ولا يبيت بها»(1).

2 - وصحيح رفاعة، عنه عليه السلام: «عن الرجل يزور البيت في أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام: نعم إن شاء»(2).

3 - وصحيح يعقوب بن شعيب، عنه عليه السلام: «عن زيارة البيت أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام: حسن»(3).

وأيضاً: يدلّ على أنّ الأفضل المقام بها أيّام التشريق:

1 - أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقام بها.

2 - وصحيح عيص بن القاسم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزيارة بعد زيارة الحَجّ في أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام: لا»(4)، المحمول على الكراهة بقرينة ما تقدّم من الأخبار.6.

ص: 270


1- التهذيب: ج 5/260 ح 43، وسائل الشيعة: ج 14/259 ح 19141.
2- التهذيب: ج 5/260 ح 44، وسائل الشيعة: ج 14/259 ح 19142.
3- التهذيب: ج 5/260 ح 45، وسائل الشيعة: ج 14/259 ح 19143.
4- الكافي: ج 4/515 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/260 ح 19146.

فإذا فرغ من هذه المناسك تمَّ حجّه، واستحبّ له العود إلى مكّة لطواف الوداع.

3 - وخبر اللّيث المرادي، عنه عليه السلام: «عن الرجل يأتي مكّة أيّام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوّعاً؟ فقال عليه السلام: المقام بمنى أحبّ إليّ »(1).

ثمّ إنّ المراد بالكراهة التي حملنا الخبر عليها هي الكراهة في العبادة، بمعنى أفضليّة المقام لا مرجوحيّة زيارة البيت.

(فإذا فرغ من هذه المناسك تم حجّه).

استحباب طواف الوداع

الفصل السادس: فيما يستحبّ بعد الفراغ من العود إلى مكّة وطواف الوداع، وما شاكل، (و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: المعروف بين الأصحاب أنّه إذا فرغ من المناسك (استحبّ له العود إلى مكّة لطواف الوداع) بل لا خلاف فيه، وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(2).

أقول: ويشهد لرجحان الوداع:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أردت أن تخرج من مكّة فتأتي أهلك، فودّع البيت وطف اسبوعاً، وإنْ استطعت أن تستلم الحجر الأسود

ص: 271


1- الفقيه: ج 2/479 ح 3014، وسائل الشيعة: ج 14/260 ح 19145.
2- الجواهر: ج 20/53.

والركن اليماني في كلّ شوط فافعل، وإلّا فافتح به واختم، وإنْ لم تستطع ذلك فموسّع عليك، ثمّ تأتي المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قَدِمت مكّة، ثمّ تخيّر لنفسك من الدُّعاء، ثمّ استلم الحجر الأسود، ثمّ ألصق بطنك بالبيت وأحمد اللّه وأثن عليه وصلِّ على محمّدٍ وآله، ثمّ قُل:

(اللّهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ عبدك ورسولك وأمينك وحبيبك ونجيّك وخيرتك من خلقك، اللّهُمَّ كما بلّغ رسالتك، وجاهد في سبيلك، وصَدَع بأمرك، وأُوذي فيك وفي جنبك حتّى أتاه اليقين، اللّهُمَّ أقلبني مُفلحاً منجحاً مستجاباً لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرضوان والعافية ممّا يسعني أن أطلب أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك وتزيدني عليه، اللّهُمَّ إنْ أمتني فاغفر لي، وإنْ أحييتني فارزقنيه من قابل، اللّهُمَّ لا تجعله آخر العهد من بيتك، اللّهُمَّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على دابّتك، وسيّرتني في بلادك، حتّى أدخلتني حرمك وأمنك وقد كان في حسن ظنّي بك أن تغفر لي ذنوبي، فإنْ كنتَ قد غفرت لي ذنوبي فازدد عنّي رضاً وقرّبني إليك زلفى، ولا تباعدني، وإنْ كنتَ لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي، إنْ كنت أذنتَ لي فغير راغب عنك ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا به، اللّهُمَّ احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتّى تبلغني أهلي، واكفني مؤونة عبادك وعيالي فإنّك وليّ ذلك من خلقك ومنّي).

ثمّ ائتِ زمزم فاشرب منها، ثمّ اخرج فقل: (آئبون تائبون عابدون لربّنا، حامدون إلى ربّنا راغبون، إلى ربّنا راجعون)، فإنّ أبا عبد اللّه لمّا أن ودّعها وأراد أن يخرج من المسجد خَرَّ ساجداً عند باب المسجد طويلاً ثمّ قام فخرج»(1).8.

ص: 272


1- الكافي: ج 4/530 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/287 ح 19218.

ونحوه غيره، المحمول ما فيها من الأمر على الاستحباب؛ للإجماع.

2 - ولخبر هشام بن سالم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن نسي زيارة البيت حتّى رجع إلى أهله ؟ فقال: لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه»(1)، ونحوه غيره، وهي وإن وردت في الناسي إلّاأنّ قوله عليه السلام: «ولا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه»، إشارة إلى عدم كونه من الواجبات، وأنّ الواجبات غيره كما لا يخفى .

والمستحبّ هو وداع البيت لا العود إلى مكّة، فلو كان وَدّع البيت قبله لا دليل على استحباب العود إلى مكّة، إلّاالعمومات الدالّة على استحباب زيارة البيت والطواف فيه مطلقاً.

أقول: ثمّ إنّ الصحيح مشتملٌ على جملة من المستحبّات التي لم يذكرها المصنّف، مثل: استحباب إتيان المستجار، والتزامه، واستلام الحَجَر الأسود، والركن اليماني في كلّ شوط، وإلّا ففي الافتتاح والاختتام وإلصاق البطن بالبيت بعد الطواف، والشرب من ماء زمزم بعد الطواف، وغير ذلك ممّا يظهر لمن لاحظه.

***3.

ص: 273


1- التهذيب: ج 5/282 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/244 ح 19102 وص 291 ح 19223.

ودخول الكعبة خصوصاً للصَّرورة.

استحباب دخول الكعبة

المسألة الثانية: (و) يستحبّ أيضاً (دخول الكعبة خصوصاً للصّرورة) بلا خلافٍ ، والنصوص فيه طوائف:

الطائفة الأُولى: ما ظاهره رجحان دخول الكعبة لكلّ شخص، كموثّق ابن القدّاح، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «عن دخول الكعبة ؟ قال عليه السلام: الدخول فيها دخول في رحمة اللّه، والخروج منها خروج من الذنوب، معصومٌ فيما بقي من عمره، ومغفورٌ له ما سلف من ذنوبه»(1).

ونحوه غيره.

الطائفة الثانية: ما ظاهره رجحانه للصَّرورة، وعدمه لغيره:

1 - صحيح حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام «عن دخول البيت ؟ فقال عليه السلام: أمّا الصّرورة فيدخله، وأمّا من قد حَجّ فلا»(2).

2 - وخبر سليمان بن مهران، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديثٍ ، قال:

«قلت له: وكيف صار الصرورة يستحبّ له دخول الكعبة دون من قد حَجّ؟

قال عليه السلام: لأنّ الصرورة(3)... إلى آخره».

ونحوهما غيرهما.

ص: 274


1- الكافي: ج 4/527 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/285 ح 19216.
2- التهذيب: ج 5/277 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/273 ح 17733.
3- الفقيه: ج 2/238 ح 2292، وسائل الشيعة: ج 13/273 ح 17734.

الطائفة الثالثة: ما ظاهره وجوبه على الصرورة:

1 - صحيح سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لابدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع»(1).

2 - وخبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن دخول الكعبة أواجبٌ هو على كلّ من حَجّ؟ قال: هو واجب أوّل حجّة، ثمّ إنْ شاء فعل وإنْ شاء ترك»(2).

الطائفة الرابعة: ما ظاهره تأكّد الاستحباب للصرورة واستحبابه لغيره، كمرسل المفيد عن الإمام الصادق عليه السلام: «أحبّ للصّرورة أن يدخل الكعبة، وأن يطأ المشعر الحرام، ومن ليس بصرورة فإنْ وجد إلى ذلك سبيلاً، وأحبّ ذلك فعل وكان مأجوراً، وإنْ كان على باب الكعبة زحامٌ فلا يزاحم النّاس»(3).

أقول: أمّا نصوص الوجوب على الصرورة فتُحمل على إرادة تأكّد الاستحباب؛ للإجماع على عدم الوجوب، ولمرسل المفيد، وأمّا النصوص الظاهرة في نفي الاستحباب على غير الصرورة، فتُحمل على نفي تأكّد الاستحباب؛ بقرينة المرسل والإجماع على استحبابه له.

وأيضاً: يمكن الاستدلال له بخبر عليّ بن جعفر عليه السلام؛ نظراً إلى أنّه فِعلٌ عبادي لا معنى لإباحته، فتدبّر.

وعليه، فالأظهر استحبابه لكلّ أحد، وتأكّده للصرورة.

أقول: ظاهرجملة من النصوص عدم استحبابه للنساء، كصحيح الخزّاز، عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام في حديثٍ : «ليس على النساءجهر بالتلبية، ولا دخول البيت»(4).4.

ص: 275


1- الكافي: ج 4/529 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/278 ح 17742.
2- مسائل علي بن جعفر ص 275 ح 683، وسائل الشيعة: ج 13/274 ح 17735.
3- المقنعة: ص 445، وسائل الشيعة: ج 13/274 ح 17736.
4- الكافي: ج 4/405 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/283 ح 17754.

والصلاة في زواياها، وبين الاسطوانتين، وعلى الرّخامة الحمراء،

ونحوه خبرأبي سعيدالمُكاري(1)، ومرسل فضالة بن أيّوب(2)، ومرسل الصدوق(3).

ولكنّها تحمل على نفي التأكّد؛ لصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن دخول النساء الكعبة ؟ فقال عليه السلام: ليس عليهن وإنْ فعلن فهو أفضل»(4).

ولا يهمّنا النزاع في أنّ المرأة الصرورة هل يتأكّد لها الاستحباب لها؛ لنصوص الصرورة أم لا؛ لهذه النصوص ؟ اللّتين بينهما عموم من وجه، كما لا يخفى .

المسألة الثالثة: يستحبّ لمن دخل الكعبة أن يكون دخوله بغير حذاء (والصلاة في زواياها، وبين الاسطوانتين، وعلى الرّخامة الحمراء) ركعتين يقرأ في الأُولى الحمد وحم السجدة، وفي الثانية الحمد، وعدد آياتها من القرآن، بلا خلافٍ ولا إشكال في شيء من ذلك، ففي صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها، ولا تدخلها بحذاء، وتقول إذا دخلت: (اللّهُمَّ إنّك قلت: ومن دخله كان آمناً، فآمنّي من عذاب النار)، ثمّ تُصلّي ركعتين بين الاسطوانتين على الرخامة الحمراء، تقرأ في الركعة الأُولى حم السجدة، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن، وتُصلّي في زواياها وتقول: (اللّهُمَّ من تهيأ)...(5)

إلى آخره».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

***7.

ص: 276


1- الفقيه: ج 2/326 ح 2580.
2- التهذيب: ج 5/93 ح 111.
3- الفقيه: ج 1/298 ح 908، وسائل الشيعة: ج 13/330 ح 17872.
4- التهذيب: ج 5/448 ح 207، وسائل الشيعة: ج 13/283 ح 17752.
5- الكافي: ج 4/528 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/275 ح 17737.

ودخول مسجد الحصبة، والصلاة فيه، والاستلقاء على قفاه.

استحباب التحصيب

(و) المسألة الرابعة: يستحبّ لمن نفر من منى إلى مكّة التحصيب تأسّياً برسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو على ما في الكتاب.

وعن «الدروس»(1): (دخول مسجد الحصبة) بالأبطح، وهو ما بين العقبة وبين مكّة، وقيل(2): هو ما بين الجبل الذي عند مقابر مكّة، والجبل الذي يقابله مصعدا في الشقّ الأيمن لقاصد مكّة، وليست المقبرة فيه.

(والصلاة فيه، والاستلقاء فيه على قفاه).

أقول: والنص الوارد في المسألة قاصرٌ عن إفادة استحباب كلّ ذلك، لاحظ:

1 - خبر معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإذا نفرت وانتهيت إلى الحَصْباء - وهي البطحاء - فشئت أن تنزل قليلاً؛ فإنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال: كان أبي ينزلها ثمّ يحمل فيدخل مكّة من غير أن ينام بها»(3).

2 - وخبر أبي مريم عنه عليه السلام «عن الحصبة ؟ فقال عليه السلام: كان أبي ينزل الأبطح قليلاً ثمّ يجيء فيدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح، فقلت له: أرأيتَ أنْ تعجّل في يومين إنْ كان من أهل اليمن عليه أن يحصب ؟ قال عليه السلام: لا»(4).

ص: 277


1- الدروس: ج 1/464.
2- ابن إدريس في السرائر: ج 1/613.
3- الكافي: ج 4/520 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/284 ح 19212.
4- الكافي: ج 4/523 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/285 ح 19214.

وكذلك مسجد الخيف،

ونحوهما خبر «الدعائم»(1).

وليس في هذه النصوص - كما ترى - استحباب الصلاة ولا الاستلقاء على قفاه.

نعم، في ما روي عن الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام(2) الأخير، لكنّه لم يثبت لنا كونه كتاب رواية، كما أنّه ليس فيها دخول المسجد.

وعن ابن إدريس: ليس للمسجد أثرٌ الآن، فتتأدّى هذه السُنّة بالنزول في المحصّب(3)، وقد اعترف بذلك غير واحدٍ(4)، ولكن ظاهر كلام الصدوقين(5)والشيخين(6) والمصنّف(7) وجوده في زمانهم، وكيف كان فالأمر سهل.

ثمّ إنّ المستفاد من خبر أبي مريم(8) اختصاص هذه السُنّة بالنافر في النفر الأخير، كما صرّح به جمعٌ من الفقهاء(9).

المسألة الخامسة: قال المصنّف رحمه الله: (وكذلك مسجد الخيف)، ظاهره استحبابم.

ص: 278


1- دعائم الإسلام: ج 1/332، المستدرك: ج 10/162 ح 11757.
2- فقه الرضا: ص 227، وعنه البحار: ج 96/310 ح 29.
3- السرائر: ج 1/613.
4- منهم العلّامة في التحرير: ج 2/14، والسيّد ضياء الدين بن الفاخر شارح الرسالة كما حكاه عنه الشهيد في الدروس: ج 1/465، والسيّد العاملي في المدارك: ج 8/262، والمُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/333.
5- الفقيه: ج 2/555، المقنع: ص 289.
6- الشيخ المفيد في المقنعة: ص 423، و الشيخ الطوسي في النهاية: ص 269.
7- القواعد: ج 1/448، وما في المتن.
8- الفقيه: ج 2/482 ح 3027، وسائل الشيعة: ج 14/285 ح 19214.
9- منهم المحقّق في الشرائع: ج 1/208، والعلّامة في الإرشاد: ج 1/336، والشهيد الثاني في المسالك: ج 2/376، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/266، وغيرهم.

ويخرجُ من المسجد من باب الحنّاطين. ويسجد عند باب المسجد ويدعو،

دخوله والصلاة فيه، بل والاستلقاء فيه على قفاه، ففي خبر أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «صَلِّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة»(1).

وفي خبر الثمالي عن مولانا الباقر عليه السلام: «مَن صَلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه، عدلت عبادة سبعين عاماً»(2).

ولكن لا ربط لذلك بالحَجّ ودخول مكّة، بل الصلاة فيه بنفسها من المستحبّات؛ لشرف المكان، كما أنّه ليس في الأخبار ما يشهد باستحباب الاستلقاء فيه.

المسألة السادسة: قيل: (و) يستحبّ أيضاً أن (يخرج من المسجد) أي من المسجد الحرام (من باب الحنّاطين)؛ تأسّياً بما في خبر الحسن بن علي الكوفي من خروج أبي جعفر الثاني عليه السلام منه(3).

وفي دلالته على الاستحباب نظر، إلّاأنّ الذي يهون الخطب ما عن المحقّق الكركي رحمه الله، قال: (لم أجد أحداً يعرف موضع هذا الباب، فإنّ المسجد قد زيدَ فيه، ومع ذلك الإفتاء به مشكل)(4).

المسألة السابعة: (و) قد ظهر من صحيح ابن عمّار - الطويل - المتقدّم، وخبر إبراهيم بن أبي محمود(5) أنّه يستحبّ قبل أن يخرج من المسجد أن (يسجد عند باب المسجد ويدعو) بالمأثور.9.

ص: 279


1- الكافي: ج 4/519 ح 6، وسائل الشيعة: ج 5/270 ح 6515.
2- الفقيه: ج 1/230 ح 689، وسائل الشيعة: ج 5/269 ح 6514.
3- الكافي: ج 4/532 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/289 ح 19220.
4- جامع المقاصد: ج 3/272.
5- الكافي: ج 4/531 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/288 ح 19219.

ويشتري بدرهمٍ تمراً يتصدّق به، وينصرف.

المسألة الثامنة: (و) يستحبّ أن (يشتري بدرهمٍ تمراً ويتصدّق به وينصرف)؛ احتياطاً لما وقع منه في إحرامه، وحرم اللّه عزّ وجلّ ، ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتّى يشتريا بدرهمٍ تمراً فيتصدّقا به لما كان من إحرامهما ولو كان منهما في حرم اللّه عزّ وجلّ »(1).

ونحوه صحيحه وحفص بن البُختري عنه عليه السلام(2)، وخبر أبي بصير(3). وعن الجُعفي(4): (الصدقة بدرهم)، ومستنده غير ظاهر.

***9.

ص: 280


1- الفقيه: ج 2/483 ح 3029، وسائل الشيعة: ج 14/292 ح 19225.
2- الكافي: ج 4/533 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/292 ح 19226.
3- الكافي: ج 4/533 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/292 ح 19227.
4- حكاه عنه الشهيد في الدروس: ج 1/469.

ويكره أن يجاور مكّة.

حكم مجاورة مكّة

خاتمة: في نُبذة ممّا يتعلّق بمكّة المكرمة، والمدينة المنورة، وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله والمعصومين عليهم السلام، (و) فيها مسائل:

المسألة الاُولى: المعروف من مذهب الأصحاب أنّه (يُكره أن يجاور بمكّة)، وعلّلوه بخوف الملالة وقلّة الاحترام، وبالخوف من ملابسة الذنب، فإنّ الذنب فيها أعظم، وبأنّ المقام فيها يُقسي القلب، وبأنّ من سارع إلى الخروج منها يدوم شوقه اليها، وذلك المطلوب للّه عزّ وجلّ .

قال سيّد «المدارك»: (هذه التوجيهات كلّها مرويّة، ولكن أكثرها غير واضحة الإسناد)(1).

وعن الشهيد قدس سره(2) استحباب المجاورة لمن يثق من نفسه بعدم ترتّب شيء من تلك المحذورات، وحكى قولاً باستحباب المجاورة للعبادة وكراهتها للتجارة.

أقول: والنصوص فيها مختلفة:

فمنها: ما ظاهره مرجوحيّتها، كخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا فرغت من نُسكك فارجع فإنّه أشوق لك إلى الرجوع»(3).

ص: 281


1- المدارك: ج 8/271.
2- الدروس: ج 1/471-472.
3- الكافي: ج 4/230 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/234 ح 17628.

ومرسل «الفقيه»، قال: «ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام أنّه يكره المقام بمكّة؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج عنها، والمُقيم بها يقسو قلبه حتّى يأتي فيها ما يأتي في غيرها»(1).

ومرسل المفيد: «قال الصادق عليه السلام: لا أحبُّ للرجل أن يقيم بمكّة سنة، وكره المجاورة بها، وقال: ذلك يُقسي القلب»(2).

وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة، قلت: كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: يتحوّل عنها»(3).

وصحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام «عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ » (4)، فقال: كلّ الظلم فيه إلحاد، حتّى لو ضربت خادمك ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً، فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكّة»(5)، ونحوها غيرها.

ومنها: ما يدلّ على رجحان المقام بها:

1 - صحيح عليّ بن مهزيار، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن المُقام بمكّة أفضل أو الخروج إلى بعض الأمصار؟ فكتب عليه السلام: المقام عند بيت اللّه أفضل»(6).

2 - ومرسل الصدوق، قال علي بن الحسين عليه السلام: «الطاعم بمكّة كالصائم فيما سواها، والماشي بمكّة في عبادة اللّه عزّ وجلّ (7).0.

ص: 282


1- الفقيه: ج 2/194 ح 2121، وسائل الشيعة: ج 13/234 ح 17629.
2- المقنعة: ص 444، وسائل الشيعة: ج 13/235 ح 17632.
3- الكافي: ج 4/230 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/233 ح 17626.
4- سورة الحجّ : الآية 25.
5- التهذيب: ج 5/420 ح 103، وسائل الشيعة: ج 13/231 ح 17622.
6- التهذيب: ج 5/476 ح 327، وسائل الشيعة: ج 13/232 ح 17623.
7- الفقيه: ج 2/227 ح 2259، وسائل الشيعة: ج 13/230 ح 17620.

قال: وقال أبو جعفر عليه السلام: من جاور سنة غفر له ذنوبه ولأهل بيته، ولكلّ من استغفر له ولعشيرته...

إلى أنْ قال: والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة، والنائم بمكّة كالمتهجّد في البلدان، والساجد بمكّة كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه»(1).

أقول: وقد يجمع بين النصوص بحمل الثانية على فضيلة المقام من حيث هو، والأولى على مرجوحيّته؛ لإنطباق عنوان ثانوي عليه، ولذلك أفتى الشهيد رحمه الله بما أفتى.

وقد يجمع بحمل الثانية على العنوان الثانوي - أي أفضليّة العبادة فيها - وحمل الأولى على مجرّد المقام أو المقام للتجارة.

وقد يُجمع بحمل الأُولى على المجاورة، وهو المُقام بقصد الدوام، والثانية على المقام مدّة لا تتجاوز عن سنة، ولا يبعد أرجحيّة الأوّل؛ خصوصاً بعد طرح جملة من النصوص المانعة لضعف أسنادها.

فالمتحصّل: أنّ من يثق من نفسه بعدم ترتّب شيء من المحذورات المذكورة يستحبّ له المقام بمكّة.

***1.

ص: 283


1- وسائل الشيعة: ج 13/231 ح 17621.

حكم من أحدث ولجأ إلى الحرم

المسألة الثانية: المشهور بين الأصحاب أنّ من أحدث ما يوجبُ حَدّاً أو تعزيراً أو قصاصاً في غير الحرم ولجأ إلى الحرم، ضُيّق عليه في المَطعم والمَشرب، ولا يدخلُ السوق وما شاكل حتّى يخرج فيُؤخذ، ويجرى عليه الحَدّ أو القصاص.

وظاهر «التذكرة»(1) و «المنتهى »(2): أنّ الحكم لا خلاف فيه.

أقول: والأصل فيه الكتاب و السُنّة، لاحظ قوله تعالى : «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» (3).

وصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» ؟ قال عليه السلام: أذا أحدث العبد في غير الحرم جناية، ثمّ فَرّ إلى الحرم لم يسع لأحدٍ أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق، ولا يبايع، ولا يطعم، ولا يسقى ، ولا يُكلَّم، فإنْ إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، فإذا جنى في الحرم جناية اُقيم عليه الحَدّ في الحرم؛ لأنّه لم يرعَ للحَرَم حُرمة»(4).

وصحيح ابن عمّار، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ قتل رجلاً في الحِلّ ثمّ دخل الحرم ؟ قال عليه السلام: لا يُقتل ولا يُطعَم ولا يُسقى ولا يُباع ولا يُؤوى حتّى يخرج من الحرم فيُقام عليه الحَدّ.

قلت: فما تقول في رجلٍ قتل في الحرم أو سرق ؟ قال عليه السلام: يُقام عليه الحَدّ في

ص: 284


1- التذكرة: ج 8/441.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/879.
3- سورة آل عمران: الآية 97.
4- الكافي: ج 4/226 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/226 ح 17608.

الحرم صاغراً؛ لأنّه لم يرَ للحرم حُرمة»(1)، الحديث.

وخبر علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» ؟ إنْ سَرق سارق بغير مكّة، أو جنى جناية على نفسه ففرَّ إلى مكّة لم يُؤخذ ما دام في الحرم حتّى يخرج عنه، ولكن يمنع من السوق فلا يُبايع ولا يُجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ، وإنْ أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه»(2)، ونحوها غيرها.

أقول: ومفاد هذه النصوص ترك الإطعام والإسقاء والإيواء والتكلّم والمجالسة، وفي متون الفتاوي: «يضيّق عليه من هذه الاُمور»(3):

وفسّره بعضهم(4): بأن لا يُطعم ولا يُسقى إلّابما يسدّ به الرمق، أو بما لا يحتمله مثله عادةً .

وفسّره بعضٌ آخر(5): بأن لا يُمكَّن من ماله إلّابما يطعم ويسقى ما لا يحتمله مثله، أو يسدّ به الرمق.

والذي ألجأهم إلى ذلك، مع كونه خلاف النصوص، أن العمل بالنصوص قدن.

ص: 285


1- الكافي: ج 4/227 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/225 ح 17607.
2- الكافي: ج 4/226 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/226 ح 17609.
3- أنظر المقنعة: ص 774، والنهاية: ص 702، والشرائع: ج 1/207، والإرشاد: ج 2/174، وغيرها في كتابي الحَجّ والحدود.
4- كالشهيد الثاني في المسالك: ج 2/371، والروضة: ج 2/332، وحاشية الشرائع: ص 276.
5- لا يخفى أنّ الشهيد الثاني في المسالك: ج 2/371 قد جمع بين التفسيرين الأولين: الإطعام بما يسدّ الرَّمق أوبما يحتمل مثله عادة، ثمّ أعقبه بقوله: (والمراد أنّه يمنع ممّا زاد على ذلك، بأن لا يباع إن أراد الشراء، ولا يمكّن من ماله إنْ كان له مال زيادة على ذلك، ولا يتبرّع عليه به)، ولم نقف على من جعل الأخير تفسيرا مستقلّاً في عرض الأولين.

يؤدّي إلى تلف النفس المحترمة حيث لا تكون جنايته لنفسه مستغرقة، بل ولو كانت مستغرقة فإنّ إمساك الطعام منه والشراب إتلاف له من هذا الوجه، فقد حصل في الحرم ما اُريد الهرب منه.

ولكن يرد على ذلك: أنّ التلف حينئذٍ مستندٌ إلى نفسه، فإنّ له أن يخرج من الحرم فلا يتلف.

أقول: ثمّ إنّ فيما أفاده جمعٌ من الفقهاء من أنّه لا يُمكَّن من ماله إلّابما يسدّ به الرمق إشكالاً من وجه آخر، وهو أنّ النصوص ناهية عن الإطعام والإسقاء والإيواء، فلو كان له مأوى أو ما يكفيه من الطعام والماء لا دليل على منعه منه لا كلّاً ولا بعضاً، ومقتضى الأصل جوازه.

ولو أحدث الحدث في الحرم، قوبل بما يقتضية جنايته من حَدّ أو تعزير أو قصاص بلا خلافٍ ؛ للنصوص المتقدّمة وغيرها.

وبعض الأصحاب(1) ألحق بالحرم مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ومشاهد الأئمّة عليهم السلام؛ محتجّاً بإطلاق اسم الحرم عليها في بعض الأخبار.

ولا ريب في ضعفه، ولكن سيرة المتشرّعة عليه، بل كان بناء المسلمين على إجراء ذلك في منازل علماء الإسلام.

أقول: قد ورد في كثيرٍ من الأخبار(2) في حقّ كربلاء أنّ اللّه تعالى اتّخذه حرماً آمناً، وأنّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معلومة من عرفها واستجار بها اُجير، وأنّها أعظم حرمة من الحرم، ومن جميع بقاع الأرض، وفي بعض تلك الأخبار أنّ 8.

ص: 286


1- نسبه الشهيد الثاني للبعض في المسالك: ج 2/371-372.
2- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/513 ب 68.

حرمة موضع القبر من فرسخ إلى فرسخ من أربع جوانب القبر، ومقتضى ذلك كلّه إجارة من استجاره.

أضف إلى ذلك كلّه: أنّ التعرّض لمن لجأ إلى أحد المشاهد المشرّفة نوع استخفاف وإهانة لمن شرّفه عرفاً، فإنْ شئت فاختبر ذلك من حال من التجأ بأحد كبار العصر، هل لا يعدّ التعرّض له استخفافاً وإهانة بمن التجأ به ؟

المسألة الثالثة: قد مرّ حكم من قتل صيداً في الحرم في مبحث الكفّارات(1)، كما مرّ أنّه يحرم من الصيد على المحلّ في الحرم ما يحرم منه على المُحرِم في الحِلّ .

المسألة الرابعة: قد تقدّم في بحث التخيير في الأماكن الأربعة من هذا الشرح أنّ المسافر مخيّر في أن يتمّ صلاته في الحرم وأن يقصّر، وأنّ الأفضل له أن يتمّ .

المسألة الخامسة: يُكره لأهل مكّة منع الحاجّ من دورها ومنازلها، ويشهد به:

1 - صحيح الحسين بن أبي العلا، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ معاوية أوّل من عَلّق على بابه مصراعين بمكّة، فمنع حاجّ بيت اللّه ما قال اللّه عزّ وجلّ : «سَواءً اَلْعاكِفُ فِيهِ وَ اَلْبادِ» (2)، وكان النّاس إذا قدِموامكّة نزل البادي على الحاضرحتّى يقضي حجّه»(3).

2 - ومرسل الصدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لم يكن ينبغي أن يصنع على دور مكّة أبواب؛ لأنّ للحاجّ أن ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتّى يقضوا مناسكهم، فإنّ أوّل من جعل لدور مكّة أبواباً معاوية»(4)، ونحوهما غيرهما.

أقول: وظاهر الجميع الكراهة، ولكن عن الإسكافي(5) والشيخ(6) تحريمه،4.

ص: 287


1- فقه الصادق: ج 16/193.
2- سورة الحجّ : الآية 25.
3- الكافي: ج 4/243 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/267 ح 17716.
4- الفقيه: ج 2/194 ح 2121، وسائل الشيعة: ج 13/268 ح 17718.
5- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/367.
6- المبسوط: ج 1/384، والنهاية ص 284.

ولنِعمَ ما أفاده الفاضل النراقي(1) من أنّه لا فائدة مهمّة لنا في تحقيق هذه المسألة، ولا بعض ما تقدّم عليها، إذ قلّما يتّفق لنا التمكّن والاحتياج إلى العمل بمقتضاها.

المسألة السادسة: للقطة الحرم أحكام خاصّة سيأتي تحقيق القول فيها في كتاب اللّقطة.

المسألة السابعة: المشهور بين الأصحاب أنّه يكره أن يرفع أحد بناءفوق الكعبة.

وعن الشيخ(2) والقاضي(3) والحِلّي(4): أنّه يحرم.

ومدرك الحكم: - مع قطع النظر عمّا قيل من استلزامه الإهانة لها، الذي هو كما ترى - صحيح محمّد بن مسلم، عن مولانا الباقر عليه السلام: «ولا ينبغي لأحدٍ أن يرفع بناء فوق الكعبة»(5).

ومثله مرسل المفيد(6).

أقول: والظاهر أنّ نظر المفيد رحمه الله إلى هذا الصحيح فالعمدة ذلك، وهو مجملٌ من ناحيتين:

إحداهما: أنّه كما يحتمل أن يكون المراد به مرجوحيّة أن يبني بناءً أرفع من سطح الكعبة، كذلك يحتمل أن يكون المراد به النهي عن البناء فوق سطح الكعبة.

ثانيتهما: أنّه قابلٌ للحمل على الكراهة وعلى الحرمة؛ لأنّ لفظ (لا ينبغي)5.

ص: 288


1- المستند: ج 13/313.
2- المبسوط: ج 1/384.
3- المهذّب: ج 1/273.
4- السرائر: ج 1/645.
5- الكافي: ج 4/230 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/235 ح 17633.
6- قال قدس سره: (ونهى عليه السلام أن يرفع الإنسان بمكّة بناء فوق الكعبة) المقنعة: ص 444، وسائل الشيعة: ج 13/236 ح 17635.

ليس ظاهراً في شيء منهما.

ثمّ على فرض إرادة المعنى الأوّل من الناحية الأُولى الظاهر منه إرادة البناء المتجاوز عن سطح الكعبة، بحيث يكون مشرفاً عليها، سواءٌ أكان في الجبل أو غيره قريباً من الكعبة، أو في مكان يُرى الكعبة، نعم لا يشمل سائر الأمصار، والإجمال من الناحية الأُولى لا دافع له، ومن الناحية الثانية يبنى على الكراهة بضميمة الأصل.

ثمّ إنّ للكعبة أحكاماً اُخر تقدّم بعضها، ويأتي بعضها الآخر في سائر الكتب.

***

ص: 289

تحديد حرم المدينة

المسألة الثامنة: قد مرّ أنّ لمكّة حرماً، وبيّنا حَدّه، والمشهور بين الأصحاب أنّ للمدينة أيضاً حرماً، بل لم يعرف الخلاف فيه.

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين)(1) انتهى ، والنصوص متفقة عليه.

أقول: إنّما الكلام في موارد:

الأوّل: في حَدّه.

الثاني: في حكم قطع الشجر فيه.

الثالث: في حكم صيده.

أمّا المورد الأوّل: فقد صرّح غير واحدٍ(2) بأنّ حده من ظِلّ عائر إلى ظِلّ وعير.

والأخبار شاهدة به، لاحظ:

1 - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: إنّ مكّة حرم اللّه حَرّمها إبراهيم عليه السلام، وأنّ المدينة حَرمي، ما بين لابتيها حرمي، لا يعضد شجرها، وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وعير، وليس صيدها كصيد مكّة، يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد»(3).

2 - وخبر الحسن الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «حرم رسول اللّه من المدينة

ص: 290


1- الجواهر: ج 20/75.
2- منهم الشيخ في المبسوط: ج 1/386، وابن إدريس في السرائر: ج 1/651، والعلّامة في التذكرة: ج 7/375، وغيرهم.
3- الكافي: ج 4/564 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/362 ح 19391.

من الصيد ما بين لابتيها، قال(1): وما بين لا بتيها؟، قلت(2): ما أحاطت به الحَرّتان، قال: وما حرم من الشجر؟، قلت: من عاير إلى وعير»(3).

وقال ابن مسكان: (قال الحسن: فسأله رجلٌ وأنا جالس، فقال له: وما بين لابتيها؟ قال: ما بين الصورين إلى الثنية»(4).

توضيح: «وعير»، ضَبَطه الشهيد الأوّل(5) بفتح الواو، والمحقّق الثاني(6) بضمّها وفتح العين المهملة، وذكر الشهيد الثاني(7) أنّ وعير وعائر جبلان يكتنفان المدينة شرقاً وغرباً، والمراد بظلّ وعير، فيؤه كما في مرسل الصدوق(8)، والتعبير بالظلّ للتنبيه على أنّ الحرم داخلهما بل بعضه، فلا تنافي بين الخبرين؛ حيث إنّ في الثاني منهما من عير إلى وعير، كما لا منافاة بين ما حدّد الحرم بذلك وبين ما حدّده ببريدٍ في بريد(9)؛ لأنّه على ما قيل(10): إنّ ما بين الجبلين هذا المقدار.

وأمّا «ما بين لابتيها» فإنّ اللّابة هي الحَرة كما عن الجوهري(11) - فقد فسّر في صحيح معاوية بما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وعير، وفي خبر الحسن فُسّر أوّلاً بما).

ص: 291


1- ضمير القول راجع لزياد بن عبد اللّه.
2- أي الإمام عليه السلام.
3- التهذيب: ج 6/13 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/363 ح 19392.
4- الكافي: ج 4/564 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/363 ذيل ح 19392.
5- الدروس: ج 1/21.
6- جامع المقاصد: ج 3/276.
7- المسالك: ج 2/381.
8- الفقيه: ج 1/447 ح 1302، وسائل الشيعة: ج 14/365 ح 19397.
9- الكافي: ج 4/563 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/364 ح 19394.
10- المُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/409.
11- الصحاح: ج 1/220 مادّة (لوب).

أحاطت به الحَرّتان، وهما حَرّة واقم، وهي شرقيّة مدينة، وحَرّة ليلي وهي غربيتها، - والحَرّة بالفتح والتشديد: أرضٌ ذات أحجار سود. وفي ذيله: (بما بين الصورين إلى الثنية)، والظاهر اتّحاد الجميع، كما أنّ الظاهر اتّحاد ما تضمّنه الخبران من التحديد، مع ما في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «حَدّ ما حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة من ذباب إلى واقم والعُريض والنقب من قِبل مكّة»(1).

وذباب: ككتاب، جبلٌ بشامي المدينة.

وواقم: حِصنٌ من حصون مدينة.

والعُرَيض: بالتصغير وادٍ في نثرتي الحَرّة قرب قناة وهي أيضاً وادٍ بالمدينة.

والنقب: الطريق في الجبل.

وأمّا المورد الثاني: فالمشهور بين الأصحاب حرمة قطع شجرها عليماقيل(2).

ويشهد به: قوله في صحيح معاوية: «لا يَعضد شجرها» - أي لا يقطع - وصحيح الصيقل، ولم يرد رواية بجواز القطع، ومع ذلك ذهب جماعة إلى الكراهة منهم المصنّف رحمه الله في محكي «القواعد»(3) والمحقّق في «النافع»(4) على ما حكي، بل عن «المسالك»(5) أنّه المشهور.

وأيضاً: هل يختصّ الحكم بالشجر، أم يعمّ كلّ نبات ؟ وجهان.

ويشهد للثاني: موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة ما2.

ص: 292


1- الكافي: ج 4/564 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/363 ح 19393.
2- قاله السيّد العاملي في المدارك: ج 8/274.
3- القواعد: ج 1/450.
4- النافع: ص 98، لكنّه قدس سره قال: (للمدينة حرم، وحدّه من عاير إلى وعير لايعضد شجره).
5- المسالك: ج 2/382.

بين لابتيها صيدها، وحَرم ما حولها بريداً في بريدان يختلي خُلاها أو يعضد شجرها إلّا عودي الناضح»(1).

والخُلاَ بضمّ الخاء وفتح اللّام: هو النبت الرقيق الذي إذا يبس صار حشيشاً، ولا يختلي أي: لا يُجزّ.

فمفاد الخبر حرمة جَزّ النبت الرقيق ما دام رطباً، وإذا يبس لا مانع من جزّه، للأصل.

وأمّا الثالث: فالمنسوب(2) إلى أكثر علمائنا هو التفصيل في الصيد بين ما صيد بين الحَرّتين: حَرّة واقم وهي شرقي المدينة، وحَرّة ليلي وهي غربيّها، وهي حَرّة العقيق، فيحرم، وبين ما صيد في غيره فلا يحرم.

بل عن ظاهر «المنتهى »(3) وصريح «الخلاف»(4) دعوى الإجماع عليه.

وعن جماعةٍ من الأساطين منهم المصنّف في «القواعد»(5) القول بالكراهة.

وعن «المسالك»(6) ادّعاء كونه مشهوراً بين الأصحاب.

واستدلّ للأوّل: بما تضمّن من النصوص أنّه يحرُم من صيد المدينة، ما صيدَ بين الحَرّتين، كصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحَرّتين»(7)، ونحوه غيره.9.

ص: 293


1- الفقيه: ج 2/561 ح 3148، وسائل الشيعة: ج 14/365 ح 19395.
2- نسبه العلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 2/799.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/799.
4- الخلاف: ج 2/420.
5- القواعد: ج 1/450.
6- المسالك: ج 2/382.
7- الفقيه: ج 2/562 ح 3152، وسائل الشيعة: ج 14/365 ح 19399.

ولكن يرد عليه: أنّه لابدّ من حملها على الكراهة؛ لصحيح ابن عمّار المتقدّم، الوارد فيه قوله عليه السلام: «ليس صيدها كصيد مكّة، يُؤكل هذا ولا يُؤكل ذاك»، ونحوه غيره.

ودعوى: احتمال أن يكون خبر ابن عمّار ينفي حرمة الأكل لا الاصطياد، كما في «الجواهر»(1).

مندفعة: بأنّ صحيح ابن سنان وما شاكله أيضاً ظاهرة في حرمة الأكل؛ لأنّ الحرمة لم تستند فيها إلى الاصطياد ولا الصيد حتّى تحمل على معناه المصدري، بل استندت إلى ما صيد، فهو ظاهرٌ في الأكل، فالجمع يقتضي البناء على الكراهة.

ودعوى : صاحب «الجواهر»(2) من قصور خبر ابن عمّار عن معارضة تلك النصوص سنداً وعملاً.

ممنوعة: لأنّ سنده صحيح، وجمع من الأصحاب عملوا به كما مرّ، ولا تعارض بين الطائفتين بعد وجود الجمع العرفي، كي يرجّح تلك النصوص بالأصحيّة.

ويؤيّد عدم الحرمة:

1 - خبر أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن حرمة صيد المدينة، حيث قال:

«لا يكذب النّاس»(3).

2 - وموثّق يونس، قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: «يحرمُ عَليَّ في حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما يحرم عَليَّ في حرم اللّه ؟ قال عليه السلام: لا»(4).8.

ص: 294


1- الجواهر: ج 20/78.
2- الجواهر: ج 20/78.
3- الكافي: ج 4/563 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/365 ح 19394.
4- الفقيه: ج 2/563 ح 3153، وسائل الشيعة: ج 14/19398.

وعليه، فالأظهر عدم الحرمة.

ثمّ إنّ الحكم - حرمةً أو كراهة - يختصّ بالصيد بين الحَرّتين ولا يشمل غيره.

ثمّ اعلم أنّه لا كفّارة في صيد المدينة على القولين، ولا في قطع شجرها، ولا يجب إحرام في دخولها، كلّ ذلك للأصل.

***

ص: 295

الإجبار على زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله

المسألة الثامنة: ذهب جماعة(1) إلى أنّه لو ترك النّاس زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله اُجبروا عليها، وقد يُقال: إنّه تكون زيارته حينئذٍ من الواجبات الكفائيّة، لعدم مشروعيّة الإجبار على غير الواجب، وفيه نظر.

وكيف كان، فيشهد له صحيح الفضلاء، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو أنّ النّاس تركوا الحَجّ لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، وعلى المُقام عنده، ولو تركوا زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله لكان على الوالي أن يُجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين»(2).

وظاهره لزوم الإجبار، وبعده تصبح الزيارة أيضاً واجبة.

بل يمكن أنْ يقال: إنّ نفس الأمر بالإجبار كالأمر بالأمر بشيء، ظاهرٌ في الأمر بذلك الشيء في أمثال المقام، فالقول بكونها من الواجبات الكفائيّة قوي جدّاً.

وعن «النافع»(3): أنّه يجبر الحاجّ عليها لو تركها، مستدلّاً له:

1 - أنّ ترك الحاجّ زيارته جفاء له صلى الله عليه و آله بحكم العرف والعادة.

2 - ولخبرالأسلمي، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من أتى مكّة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة»(4) الحديث.

حيث إنّه صلى الله عليه و آله لا يجفو غير الجافي، وعلى الوالي أن يجبر النّاس على ترك الجفاء، فالحكم استحبابي، واللّه العالم.

ص: 296


1- منهم الشيخ في المبسوط: ج 1/385، والمحقّق في الشرائع: ج 1/208، والعلّامة في التذكرة: ج 8/444، والشهيد الثاني في المسالك: ج 2/373، والمُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 17/401.
2- الكافي: ج 4/272 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/24 ح 14149.
3- النافع: ص 98.
4- الكافي: ج 4/548 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/333 ح 19337.

ويستحبّ بالمدينة.

استحباب المجاورة بالمدينة

(ويستحبّ ) المجاورة (بالمدينة) بلا خلافٍ ، وعن «الدروس»(1) الإجماع عليه.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما ورد في مدحها ودعاء النبيّ صلى الله عليه و آله لها(2) - جملة من النصوص:

منها: خبر الزيّات، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من مات في المدينة بعثه اللّه في الآمنين يوم القيامة»(3).

ومنها: خبر مرازم، قال: «دخلتُ أنا وعمّار وجماعة على أبي عبد اللّه عليه السلام بالمدينة، فقال: ما مقامكم ؟ فقال: عمّار قد سرحنا ظهرنا، وأمرنا أن نؤتى به إلى خمسة عشر يوماً، فقال عليه السلام: أصبتُم المقام في بلد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، والصلاة في مسجده، واحملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم»(4) الحديث.

ونحوهما غيرهما.

قال صاحب «الحدائق»: إنّه يستفاد ممّا دلّ على كراهة سكنى مكّة معلّلاً بالخوف من ملابسة الذنب، فإنّ الذنب فيها عظيم، وبأنّ المقام فيها يُقسي القلب، وبأنّ من سارع إلى الخروج منها يدوم شوقه إليها وذلك مراد اللّه تعالى ، كراهة المقام في سائر الأماكن المشرّفة والمشاهد المعظّمة(5).

ولكن ذلك كما ترى استنباط علّة بعيد عن مقام فقيهٍ مثله.

ص: 297


1- الدروس: ج 2/21.
2- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/347 باب 9 من أبواب المزار.
3- الكافي: ج 4/558 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/348 ح 19364.
4- الكافي: ج 4/557 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/347 ح 19363.
5- الحدائق: ج 17/346.

ثمّ يأتي المدينة لزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله استحباباً مؤكّداً.

استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله

المسألة العاشرة: (ثمّ ) إنّه يستحبّ أن (يأتي) الحاجّ إلى (المدينة لزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله استحباباً مؤكّداً) إجماعاً، وضرورة من الدِّين.

أقول: النصوص المتضمّنة لفضل زيارته فوق حَدّ التواتر:

منها: خبر فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن زيارة قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وزيارة قبور الشهداء وزيارة قبر الحسين عليه السلام تعدل حجّة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

ومنها: خبر المعلّى بن أبي شهاب: «قال الحسين عليه السلام لرسول اللّه صلى الله عليه و آله يا أبتاه ما لمن زارك ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة، وأُخلّصه من ذنوبه»(2).

ومنها: خبر محمّد بن علي، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يا عليّ من زارني في حياتي أو بعد موتي، أو زارك في حياتك أو بعد موتك، أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما، ضمنت له يوم القيامة أن اُخلّصه من أهوالها و شدائدها حتّى اُصيِّره معي في درجتي»(3).

ومنها: خبر علي بن شعيب، عن الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

من أتاني بعد وفاتي زائراً لا يريد إلّازيارتي فله الجنّة»(4).

ص: 298


1- الكافي: ج 4/548 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/326 ح 19322.
2- الكافي: ج 4/548 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/326 ح 19323.
3- الكافي: ج 4/579 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/328 ح 19325.
4- التهذيب: ج 6/21 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/329 ح 19327.

ومنها: خبر زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له: ما لمَن زار رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال: كمَن زار اللّه فوق عرشه»(1).

ومنها: ما ورد في خبر جميل بن صالح، عنه عليه السلام(2): «إنّ زيارة قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله تعدل حجّة مع رسول اللّه مبرورة»(3).

إلى غير ذلك من النصوص التي لا تُعدّ ولا تحصى ، وقد مرَّ أنّ استحباب زيارته لمن حَجّ آكد، حتّى أنّ تركها عُدَّ جفاء.

أقول: ثمّ إنّه قد اختلفت الأخبار في أنّ الأفضل البدأة بمكّة والختم بالمدينة، أو العكس، أو هما سواء، لاحظ:

1 - صحيح العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الحاجّ من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكّة ؟ قال عليه السلام: بالمدينة»(4).

2 - وخبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليهم السلام: «سأله أبدأ بالمدينة أو بمكّة ؟ قال عليه السلام: ابدأ بمكّة واختم بالمدينة فإنّه أفضل»(5).

3 - وصحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الممر بالمدينة في البدأة أفضل أو في الرجعة ؟ قال لا بأس بذلك أيّة كانت»(6).7.

ص: 299


1- الكافي: ج 4/585 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/335 ح 19340.
2- في كامل الزيارات: «جميل بن صالح عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام»، وفي وسائل الشيعة: «جميل بن صالح عن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام».
3- كامل الزيارات ص 14-15 ح 19، وسائل الشيعة: ج 14/335 ح 19341.
4- التهذيب: ج 5/439 ح 172، وسائل الشيعة: ج 14/319 ح 19306.
5- الكافي: ج 4/550 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/320 ح 19308 وح 19309.
6- الإستبصار: ج 2/329 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/319 ح 19307.

وربما تُحمل نصوص البدأة بمكّة على ضيق الوقت، ونصوص التساوي على عدم اللّزوم.

وعليه، فالأفضل للمختار أن يبدأ بالمدينة، وهو الموافق للاعتبار، فإنّه مقتضى ترتيب الصعود «وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» (1)، والجمع أفضل.

***9.

ص: 300


1- سورة البقرة: الآية 189.

وزيارة فاطمة الزهراء عليها السلام من الروضة.

استحباب زيارة فاطمة عليها السلام عند الروضة

11 - (و) يستحبّ (زيارة فاطمة الزهراء عليها السلام) بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، زوجة أمير المؤمنين عليه السلام أُمّ الحسنين عليهما السلام استحباباً مؤكّداً إجماعاً، بل هو من ضروريّات المذهب.

روي عن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جدّه، قال: «دخلتُ عليفاطمة عليها السلام فبدأتني بالسّلام، ثمّ قالت: ما غدا بك ؟ قلت: طلب البركة، قالت: أخبرني أبي وهو ذا أنّه مَن سلّم عليه وعليَّ ثلاثة أيّام أوجب اللّه له الجنّة، قلت: في حياته وحياتِكِ؟ قالت: نعم وبعد موتنا»(1).

أقول: قد اختلفت كلمات الأصحاب كالروايات في موضع قبرها، ظاهر المصنّف رحمه الله حيث قيد استحباب زيارتها بقوله: (من الروضة) واقتصر عليه، و كذا المحقّق في «الشرائع»(2): كونه في الروضة، وهو الظاهر من الشيخ في محكي «النهاية»(3).

ويشهد به: نصوص كثيرة متضمّنة لقوله صلى الله عليه و آله: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة»، ففي مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام،

ص: 301


1- التهذيب: ج 6/9 ح 11، وسائل الشيعة: ج 14/367 ح 19404.
2- الشرائع: ج 1/210.
3- النهاية: ص 287.

قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ما بين قبري ومنبري روضةٌ من رياض الجنّة، ومنبري على تُرعة من ترع الجنّة؛ لأنّ قبر فاطمة عليها السلام بين قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنّة وإليه ترعة من ترع الجنّة»(1).

وعن المفيد(2) والصدوق(3): أنّها دفنت في بيتها، فلما زادت بنو اُميّة في المسجد صارت في المسجد.

ويشهد به: صحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن قبر فاطمة، فقال عليه السلام:

دفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو اُميّة في المسجد صارت في المسجد»(4).

وقيل(5): إنّه في البقيع، قال الصدوق: (اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة عليها السلام، فمنهم من روى أنّها دفنت في البقيع...)(6) إلى آخره.

واستبعده جماعة منهم: الشيخ في «التهذيب»(7)، وابن إدريس(8)، وابن سعيد(9)، والمصنّف في محكي «التحرير»(10).

قال الشيخ في «التهذيب» بعد ذكر الاختلاف في ذلك، ونقل الخبرين الأولين:

(وهاتان الروايتان كالمتقاربتين، والأفضل أن يزور الإنسان في الموضعين جميعاً،0.

ص: 302


1- معاني الأخبار: ص 267 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/369 ح 19408.
2- في المقنعة: ص 459، قال قدس سره: (ثمّ قف بالروضة، وزر فاطمة عليها السلام، فإنّها هناك مقبورة).
3- الفقيه: ج 2/572.
4- الكافي: ج 1/461 ح 9، وسائل الشيعة: ج 14/368 ح 19406.
5- نسبه الشيخ إلى بعض الأصحاب في التهذيب: ج 6/9.
6- الفقيه: ج 2/572.
7- التهذيب: ج 6/9.
8- السرائر: ج 1/652.
9- الجامع للشرائع: ص 232.
10- التحرير: ج 2/120.

وزيارة الأئمّة عليهم السلام بالبقيع، وزيارة الشهداء خصوصاً قبر حمزة بأحُد.

فإنّه لا يضرّه ذلك، ويحوز به أجراً عظيماً)(1).

وعن «المسالك»: (أبعد الاحتمالات كونها في الروضة، والأولى زيارتها في المواضع الثلاثة)(2).

وعن «المدارك»: (أنّ الروضة جزءٌ من مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله، وهي ما بين قبره ومنبره إلى طرف الظلال)(3)، وجعل بعضهم ذلك وجه جمع بين الأخبار.

أقول: ويؤيّد ما أفاده السيّد ما ورد في ذيل خبر مرازم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قلت: ما حَدّ الروضة ؟ قال عليه السلام: أربع أساطين من المنبر إلى الظلال»(4).

وحيث إنّ النصوص متعارضة، أضف إليه أنّ ذلك من الاُمور الواقعيّة، لا يثبت بغير الخبر القطعي، فالأولى زيارتها في المواضع الثلاثة.

(و) يستحبّ أيضاً (زيارة الأئمّة) الأربعة (عليهم السلام بالبقيع) إجماعاً وضرورة من المذهب والنصوص الدالّة عليه كثيرة، منها ما تقدّم.

(و) أيضاً يستحبّ (زيارة الشهداء خصوصاً قبر حمزة بأحُد) بلا خلافٍ ، راجع «الوسائل» أبواب المزار(5).

ثمّ إنّه قد وردت نصوص فوق حَدّ الإحصاء في فضل زيارة كلّ واحدٍ منر.

ص: 303


1- التهذيب: ج 6/9.
2- المسالك: ج 2/383، بتفاوت.
3- المدارك: ج 8/278.
4- الكافي: ج 4/554 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/345 ح 19360.
5- وسائل الشيعة: ج 14/352 باب 12 من أبواب المزار.

والاعتكاف ثلاثة أيّام بها.

المعصومين عليهم السلام سيّما سيّد الشهداء عليه السلام، وقد ورد في فضل زيارته ما يحيّر العقول، راجع «الوسائل»(1).

(و) من المستحبّات (الاعتكاف ثلاثة أيّام بها) أي بالمدينة، وقد تقدّم في مبحث الاعتكاف تمام الكلام فيه(2).

***8.

ص: 304


1- وسائل الشيعة: ج 14 أبواب المزار ب 37.
2- فقه الصادق: ج 12/518.

الباب التاسع: في العُمرة.

وهي فريضة مثل الحَجّ بشرائطة وأسبابه.

وجوب العُمرة المفردة

(الباب التاسع: في العُمرة، وهي فريضة مثل الحَجّ بشرائطة وأسبابه) بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه)(1).

وفي «الرياض»(2) و «المستند»(3) و «الحدائق»(4) وغيرها(5) دعوى الإجماع عليه، أو نفي الخلاف عنه.

وفي «المنتهى »: (العُمرة واجبة مثل الحَجّ على كلّ مكلّفٍ حاصل فيه شرائط الحَجّ بأصل الشرع، ذهب إليه علماؤنا أجمع)(6) انتهى .

ويشهد به:

1 - قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّهِ » (7).

2 - والأمر بإتمام العُمرة، والحَجّ ظاهرٌ في إرادة لزوم إتيانها تامّين بأجزائهما

ص: 305


1- الجواهر: ج 20/441.
2- الرياض: ج 7/173.
3- المستند: ج 11/159.
4- الحدائق: ج 16/310.
5- كالقاضي في المهذّب: ج 1/211.
6- المنتهى (ط. ق): ج 2/876.
7- سورة البقرة: الآية 196.

وشرائطهما، ويكون من قبيل «إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً» (1)، أي أوجده حسناً، وقد صرّح بذلك في النصوص الكثيرة الدالّة على وجوب العُمرة(2)، لاحظ:

1 - صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «العُمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحَجّ ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: «وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّهِ » (3) وإنّما نزلت العُمرة بالمدينة»(4).

2 - ومثله صحيح معاوية بن عمّار، وزاد: «قلت: فمن تمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ أيجزي عنه ؟ قال عليه السلام: نعم»(5).

3 - وخبره الآخر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «العُمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحَجّ على من استطاع إليه سبيلا لأنّ اللّه عزّوجلّ يقول: «وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّهِ (6)» »(7).

4 - وصحيح الفضل، عنه عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّهِ » ؟ قال عليه السلام: هما مفروضان»(8).

إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالاشارة إلى أُمور:

الأمر الأوّل: المشهور بين الأصحاب وجوب العُمرة عند تحقّق استطاعتها، وعدم توقّفه على تحقّق الاستطاعة للحَجّ ، كما أنّه لو استطاع للحَجّ وجب من غير توقّف على تحقّق الاستطاعة للعمرة.8.

ص: 306


1- سورة الكهف: الآية 30.
2- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/295 أبواب العُمرة ب 1.
3- سورة البقرة: الآية 196.
4- التهذيب: ج 5/433 ح 148، وسائل الشيعة: ج 14/295 ح 19229.
5- الكافي: ج 4/265 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/297 ح 19230.
6- سورة البقرة: الآية 196.
7- الكافي: ج 4/265 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/297 ح 19235.
8- الكافي: ج 4/265 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/295 ح 19228.

وعن الشهيد في «الدروس»(1): أنّه يجبُ الحَجّ عند استطاعته خاصّة، وإنْ لم يستطع للعمرة، وليس كذلك العكس.

وقيل(2): إنّ وجوب كلّ منهما كما يتوقّف على استطاعته، يتوقّف على استطاعة الآخر.

والأوّل أظهر؛ لإطلاق الأدلّة، وعدم وجود ما يدلّ على ارتباط أحدهما بالآخر. هذا في العُمرة المفردة.

وأمّا العُمرة المتمتّع بها إلى الحَجّ ، فلا ريب في توقّف وجوبها على استطاعة الحَجّ كالعكس؛ لأنّها عمل واحد، وذلك موضع اتّفاق الفتاوي والنصوص.

الأمر الثاني: كما أنّ الحَجّ ربما يجب بالعارض، كذلك العُمرة غير الواجبة بالأصل - لفقد شرط وجوبها - قد تجبُ بنذرٍ أو عهدٍ أو يمين أو استيجارٍ أو إفسادٍ، بأن أفسد عمرته المندوبة، وبفوات الحَجّ فإنّه يجب التحلّل منه بعمرة كما تقدّم في مواضع من الكتاب، منها: في المسألة الثانية من الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر، كما تقدّم أيضاً الكلام في أنّ من دخل مكّة مُعتمراً فخرج عن الحرم قبل أن يهلّ بالحَجّ ، هل تجب عليه الإحرام بالعُمرة أم لا؟ فراجع(3).

الأمر الثالث: إذا أحرم بالعُمرة المفردة في أشهر الحَجّ ، ودخل مكّة، جاز أن ينوي بها عُمرة التمتّع ويَحجّ بعدها ويلزم الهَدْي كما تقدّم.د.

ص: 307


1- الدروس: ج 1/338.
2- حكاه النراقي في المستند: ج 11/160، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/444، إلّاأنّه قال: (فالقول بأنّ كلّاً منهما لا يجب إلّاعند الاستطاعة للآخر - كما أرسله غير واحد و لكن لم أعرف القائل به - واضح الفساد).
3- صفحة 36 من هذا المجلّد.

العُمرة المفردة واجبة على حاضري المسجد الحرام

الأمر الرابع: العُمرة المتمتّع بها إلى الحَجّ فرض من نأى عن مكّة، والمفردة فرض حاضري المسجد الحرام، ومن بحكمهم من الذين يعدلون إلى الإفراد، بلا خلافٍ فيهما بين الأصحاب، كما عن «المدارك»(1) وظاهر «المنتهى »(2) الإجماع عليهما.

ويظهر من الشهيد الثاني المفروغيّة عن ذلك، قال في شرح قول المحقّق:

(وتنقسم [العُمرة] إلى : متمتّعٍ بها ومفردة: فالأولى تجبُ على من ليس من حاضري المسجد الحرام، ولا تصحّ إلّافي أشهر الحَجّ ، وتسقط المفردة معها)، بعد الإيراد عليه بأنّه يفهم من لفظ (السقوط) أنّ العُمرة المفردة واجبة بأصل الشرع على كلّ مكلّف، وأنّها تسقط عن المتمتّع تخفيفاً.

ومن قوله: (والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام)، عدم وجوبها على النائي من الأساس، وبين المفهومين تدافعٌ ظاهر، موجّهاً لذلك بأنّه في أصل الشرع كانت المفردة واجبة على كلّ أحدٍ قبل نزول التمتّع، وعُمرة التمتّع بعد تشريعها قائمة مقام الأصليّة، مجزية عنها، وهي منها بمنزلة الرخصة عن العزيمة، فقوله الأوّل إشارةٌ إلى ابتداء التشريع، والثاني إلى استقراره)(3)، انتهى ملخّصاً.

أقول: وهذا كما تريصريح في المفروغيّة عن عدم وجوب العُمرة المفردة على النائي.

وكيف كان، فيشهد به: - مضافاً إلى السيرة القطعيّة من المتديّنين والمتشرّعة - جملة من الموارد.

ص: 308


1- المدارك: ج 8/462.
2- المنتهى (ط. ق): ج 2/659.
3- المسالك: ج 2/497.

منها: أنّه من استطاع للعمرة في شهر محرّم مثلاً لا يُقدم على السفر للاعتمار مع احتمال الموت وفوريّة وجوبها.

ومنها: ما لو مات هذا الشخص قبل أشهر الحَجّ لا تستأجر عنه من التركة، ولم يرد ذكر هذا النوع في كتاب.

ومنها: أنّ الأجير للحَجّ عن البلاد النائية بعد الحَجّ لا يأتي بعمرة مفردة، فلو كانت واجبة على النائي كان يجب الإتيان بها لتحقّق الاستطاعة، بناءً على ما اخترناه من عدم ارتباط العُمرة المفردة بالحَجّ .

إلى غير ذلك من الموارد، وإلى خلوّ النصوص الدالّة على مشروعيّة النيابة والاستئجار عن التعرّض لإتيان العُمرة المفردة، مع تعرّضها إلى أنّ من وجب عليه الحَجّ لا يجوز له أن ينوب عن غيره -:

1 - صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «دَخَلتْ العُمرة في الحَجّ إلى يوم القيامة؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ » (1)، فليس لأحدٍ إلّاأن يتمتّع؛ لأنّ اللّه قد أنزل ذلك في كتابه، وجرت به السُنّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).

ونحوه غيره، فإنّها تدلّ على دخول العُمرة في الحَجّ لكلّ أحدٍ خرج ما خرج وبقي الباقي.

وإنْ شئتَ قلت: إنّها كما تدلّ على أنّ الحَجّ المأمور به لكلّ أحدٍ هو التمتّع، كذلك تدلّ على أنّ العُمرة المأمور بها هي العُمرة المتمتّع بها إلى الحَجّ ، فخرج عن ذلك حاضر والمسجد الحرام وبقي غيرهم.3.

ص: 309


1- سورة البقرة: الآية 196.
2- التهذيب: ج 5/25 ح 4، وسائل الشيعة: ج 11/240 ح 14683.

وبعبارة ثالثة: أنّ العُمرة التي دخلت في الحَجّ ، ليست هي المندوبة؛ لأنّها كما سيجيء مستحبّة بانفرادها في تمام السنة، ولا العُمرة الواجبة للحاضر، كما هو واضح، ولا العُمرة غير المأمور بها، فيتعيّن أن يكون الداخلة العُمرة الواجبة للنائي، التي هي واجبة في العمر مرّة واحدة.

فالحقّ ، أنّها فريضة على حاضري المسجد الحرام دون النائي، وبذلك يظهر الحكم في الفروع المشار إليها.

***

ص: 310

وأفعالها: النيّة، والإحرام، والطواف وركعتاه، والسعي، وطواف النساء وركعتاه، والتقصير أو الحلق.

صورة العُمرة المفردة

(و) كيف كان ف (أفعالها) ثمانية: (النيّة، والإحرام، والطواف وركعتاه، والسعي، وطواف النساء وركعتاه، والتقصير أو الحلق).

أقول: أمّا السبعة الأُولى فقد مرَّ الكلام فيها(1)، والكلام في المقام إنّما هو في خصوص الأخير، فإنّه لا خلاف بين الأصحاب في أنّه يحصل التحلّل من العُمرة المفردة بالحلق أو التقصير.

ويشهد به:

1 - صحيح ابن سنان، عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يجيء مُعتمراً عُمرة مبتولة ؟ قال عليه السلام: يجزيه إذا طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة وحلق، أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت، ومن شاء أن يقصّر قصّر»(2).

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «المعتمر عُمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفاو المروة حلق أو قصّر.

وسألته عن العُمرة المبتولة، فيها الحلق ؟ قال: نعم، وقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال في العُمرة المبتولة: اللّهُمَّ اغفر للمحلقين، قيل: يا رسول اللّه وللمقصّرين ؟

ص: 311


1- عند التعرّض لمبحث عمرة التمتّع في ج 14/238.
2- الكافي: ج 4/538 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/316 ح 19301.

فقال: وللمقصّرين»(1).

أقول: ولكن الحلق أفضل، ويشهد به ذيل صحيح معاوية، وحسن سالم أبي الفضل، فقد ورد فيهما: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: دخلنا بعمرة نقصّر أو نحلق ؟ فقال: اِحلق؛ فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترحّم على المحلّقين ثلاث مرّات، وعلى المقصّرين مرّة واحدة»(2).

المحمول ما فيه من الأمر على الفضل، لما تقدّم.

كما أنّ إطلاقه الشامل للعمرة المتمتّع بها إلى الحَجّ ، يقيّد بما دلّ على تعيّن التقصير في العُمرة المتمتّع بها.

هذا للرجال.

وأمّا النساء: فيتعيّن عليهن التقصير، كما تقدّم، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس على النساء حَلق، وعليهن التقصير»(3).

2 - ومرسل الصدوق، قال الصادق عليه السلام: «ليس على النساء أذان - إلى أنْ قال - ولا الحلق، وإنّما يقصّرن من شعورهن»(4).

وقد تقدّم(5) عند ذكر أفعال الحَجّ حكم حلق رأسهن، وأنّه حرامٌ ذاتاً أم لا؟ وعدم إجزائه عن التقصير.).

ص: 312


1- التهذيب: ج 5/438 ح 169، وسائل الشيعة: ج 13/511 ح 18332.
2- الفقيه: ج 2/453 ح 2948 بتفاوت، وسائل الشيعة: ج 14/225 ح 19049.
3- التهذيب: ج 5/390 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/511 ح 18333.
4- الفقيه: ج 1/298 ح 908، وسائل الشيعة: ج 13/512 ح 18334.
5- تقدّم في مبحث: (وجوب التقصير على المرأة).

ويجوز المفردة في جميع أيّام السَّنة وأفضلها رجب.

(و) أيضاً قد مرّ(1) أنّه (ليس في) العُمرة (المتمتّع بها طواف النساء)، راجع بحث وجوب طواف النساء.

صحّة العُمرة المفردة في جميع أيّام السَّنة

الأمر السادس: وقد عرفت أنّ وقت العُمرة المتمتّع بها إلى الحَجّ أشهر الحَجّ ، ولا تجوز قبلها ولا بعدها.

(و) أمّا العُمرة المفردة فلا وقت لها، وقد طفحت كلماتهم أنّه (يجوز المفردة في جميع أيّام السنة).

ويشهد به:

صحيح معاوية عن الإمام الصادق عليه السلام: «المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، وأفضل العُمرة عُمرة رجب»(2).

والنصوص المستفيضة بل المتواترة الدالّة على أنّ لكلّ شهر عُمرة(3)، فلا إشكال في أنّ العُمرة المفردة تصحّ في جميع أيّام السنة، (و) إنْ كان (أفضلها) ما وقع في (رجب) بلا خلافٍ فيه.

ويشهد به:

1 - صحيح ابن عمّار المتقدّم.

ص: 313


1- قد مرَّ ذلك في عُمرة التمتّع في بحث: (وجوب طواف النساء في العُمرة).
2- الكافي: ج 4/536 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/303 ح 19258.
3- أنظر وسائل الشيعة: ج 14/307 باب 6 من ابواب العُمرة.

2 - وصحيح آخر له، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه سُئل أيّ العُمرة أفضل، عُمرة في رجب أو عُمرة في شهر رمضان ؟ فقال عليه السلام: لا، بل عُمرة في رجب أفضل»(1).

3 - وصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ ، قال: «وأفضل العُمرة عُمرة رجب، وقال: المفرد للعمرة إنْ اعتمر ثمّ أقام للحَجّ بمكّة كانت عمرته تامة وحجّته ناقصة مكيّة»(2). ونحوها غيرها.

وأمّا خبر علي بن حديد: «كنتُ مقيماً بالمدينة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ومأتين، فلمّا قَرُب الفطر كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن الخروج في شهر رمضان أفضل أو أُقيم حتّى ينقضي الشهر وأتمّ صومي ؟

فكتب عليه السلام إليَّ كتاباً قرأته بخطّه: سألتَ رَحِمك اللّه عن أيّ العُمرة أفضل، عُمرة شهر رمضان أفضل يرحمك اللّه»(3).

فهو بقرينة السؤال اُريد به أفضليّة عُمرة رمضان عن صومه، والعُمرة في شوّال.

وأمّا خبر حمّاد بن عثمان: «كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا أراد العُمرة انتظر إلى صبيحة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ثمّ يخرج مهلّاً في ذلك اليوم»(4)، فهو لا يدلّ على أفضليّة عُمرة رمضان عن عُمرة رجب، وإنّما يدلّ على أفضليّة عُمرة آخر رمضان عن عُمرة أوّله، وسِرّه كراهة السفر في شهر رمضان إلى ثلاث وعشرين من الشهر.

أقول: ثمّ إنّ الظاهر تأدّي السُنّة بالإحرام في رجب، وإن وقع باقي أفعالها في شعبان؛ لصحيح أبي أيّوب الخزّاز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّي كنتُ أخرج ليلة أو4.

ص: 314


1- الفقيه: ج 2/453 ح 2949، وسائل الشيعة: ج 14/301 ح 19248.
2- وسائل الشيعة: ج 14/301 ح 19247.
3- الكافي: ج 4/536 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/304 ح 19263.
4- الكافي: ج 4/536 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/304 ح 19264.

ليلتين تبقيان من رجب، فتقول أُمّ فروة: أيّ أبَه إنّ عُمرتنا شعبانيّة، فأقول لها: أي بُنيّة إنّها فيما أهللتِ وليس فيما أحللت»(1).

وصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أحرمتَ وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبيّة»(2).

وأيضاً الظاهر تأدّيها بالإهلال في غير رجب، والطواف في رجب؛ لخبر عيسى الفرّاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أهلَّ بالعُمرة في رجب وأحلَّ في غيره، كانت عمرته لرجب، وإذا أحلَّ في غير رجب وطاف في رجب فعمرته لرجب»(3).

بل وبالإحلال فيه؛ لصحيح البجلي، عنه عليه السلام: «في رجلٍ أحرم في شهرٍ وأحلَّ في آخر؟ فقال عليه السلام: يكتب في الذي قد نوى، أو يكتب له في أفضلهما»(4).

***0.

ص: 315


1- الكافي: ج 4/293 ح 15، وسائل الشيعة: ج 14/302 ح 19255.
2- الفقيه: ج 2/454 ح 2951، وسائل الشيعة: ج 14/301 ح 19249.
3- الكافي: ج 4/536 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/302 ح 19256.
4- الكافي: ج 4/536 ح 5، وسائل الشيعة: ج 14/301 ح 19250.

والقارن والمُفرِد يأتي بها بعد الحَجّ ، والمتمتّع بها يجزي عنها.

الأمر السابع: (و) قد تقدّم في الباب الثاني عند بيان صور التمتّع والإفراد والقِران، أنّ (القارن والمفرد يأتي بها) أي بالعُمرة (بعد الحَجّ ) فراجع(1).

إجزاء العُمرة المتمتّع بها ندبا عن المفردة المندوبة

الأمر الثامن: (و) قد طفحت كلماتهم بأنّ (المتمتّع بها يجزي عنها) أي عن المفردة.

وفي «الرياض»: (إجماعاً وفتوى ورواية، وهي صحاح مستفيضة وغيرها من المعتبرة)(2)، انتهى .

ونظره الشريف الأخبار التالية:

1 - الخبر الصحيح الذي رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا استمتّع الرجل بالعُمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العُمرة»(3).

2 - وصحيح ابن عمّار، عنه عليه السلام: «قلت: فمن تمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ أيجزي عنه ذلك ؟ قال عليه السلام: نعم»(4).

3 - وخبر يعقوب بن شُعيب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قول اللّه عزّ وجلّ :

«وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّهِ » (5) يكفي الرجل إذاتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّمكان تلك العُمرة

ص: 316


1- فقه الصادق: ج 14/230 إلى 237.
2- الرياض: ج 7/211.
3- الكافي: ج 4/533 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/305 ح 19265.
4- الكافي: ج 4/265 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/295 ح 19230.
5- سورة البقرة: الآية 196.

ولو اعتمر في أشهر الحَجّ جاز أن ينقلها إلى التمتّع.

المفردة ؟ قال: كذلك أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصحابه»(1).

ونحوها غير ها.

أقول: ولكن بناءً على ما تقدّم من أنّ العُمرة المفردة وظيفة حاضري المسجد، و المتمتّع بها وظيفة النائي، فإنّه لا معنى لإجزاء إحداهما عن الاُخرى ، إلّابإرادة أحد معنيين:

أمّا ما أفاده ثاني الشهيدين رحمهما الله في توجيه كلام المحقّق، وهو أنّ المراد أنّ الواجب ابتداءً على كلّ أحدٍ هو العُمرة المفردة كحَجّ الإفراد، ثمّ في حَجّة الوداع كما شُرّع حَجّ التمتّع شُرّعت عُمرة التمتّع أيضاً، وأُدخل إحداهمافي الاُخرى ، وهما بالنسبة إلى النائي فرضٌ ثانٍ بالاعتبار المذكور مجزٍ عن الفرض الأوّل، ولعلّ في هذه النصوص إشارة إلى ذلك، لاحظ قوله عليه السلام في خبر يعقوب: «كذلك أمر رسول اللّه»، وفي صحيح الحلبي: «فقد قضى ما عليه من العُمرة»، وليس مفاده أنّ ما عليه غير ما أتى به.

أو إرادة إجزاء العُمرة المتمتّع بها ندباً عن المفردة المندوبة، التي هي مستحبّة لكلّ أحدٍ كما هو مقتضى الأدلّة.

الأمر الثامن: (ولو اعتمر في أشهر الحَجّ ) عُمرة مفردة (جاز أن ينقلها إلى التمتّع) بلا خلافٍ ، وقد مرّ الكلام فيه مستوفى.

الأمر التاسع: ظاهر الكتاب كصريح ما يُحكى عن أبي الصلاح(2) هو تقديم2.

ص: 317


1- التهذيب: ج 5/433 ح 150، وسائل الشيعة: ج 14/306 ح 19268.
2- الكافي في الفقه: ص 222.

طواف النساء على الحلق أو التقصير، ولكن المشهور بين الأصحاب لزوم تأخيره عنه، وأنّ بالحلق أو التقصير يحلّ من كلّ شيء سوى النساء، فإذا طاف طواف النساء حَلّ له النساء، بل في «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه، إلّاما يُحكى عن أبي الصلاح)(1).

ويشهد للمشهور:

1 - خبر إبراهيم بن عبدالحميد، عن عمر بن يزيد أو غيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«المعتمر يطوف ويسعي ويحلق، ولابدّ له بعد الحلق من طوافٍ آخرٍ»(2).

2 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يجيء مُعتمراً عُمرة مبتولة ؟ قال عليه السلام: يجزيه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت، وإن شاء أن يقصّر قصّر»(3).

وقوله عليه السلام: «طوافاً واحداً»، يعني من غير ضمّ سعي إليه؛ فإنّ طواف النساء لا سعي فيه.

بل وصحيح ابن عمّار عنه عليه السلام: «المعتمر عُمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصّر»(4)، فإنّه رتّب فيه الحلق أو التقصير على الفراغ من هذه الأشياء خاصّة، فهو يدلّ على متابعته لها وأنّه بعدها بلا فصل.

وعليه، فالأظهر أنّ طواف النساء بعد الحلق أو التقصير كما هو المشهور.

***2.

ص: 318


1- الجواهر: ج 20/467.
2- الكافي: ج 4/538 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/443 ح 18171.
3- الكافي: ج 4/538 ح 6، وسائل الشيعة: ج 14/316 ح 19301.
4- التهذيب: ج 5/438 ح 169، وسائل الشيعة: ج 13/511 ح 18332.

يجوز في كلّ شهر، وأقلّه في كلّ عشرة أيّام.

بيان أقلّ الفصل بين العُمرتين

الأمر العاشر: اختلف الأصحاب في توالي العُمرتين (و) ما يجبُ من الفصل بينهما وعدمه على أقوال:

أحدها: ما عن العُمّاني(1) من اعتبار السَّنة بين العُمرتين.

ثانيها: أنّه (يجوز في كلّ شهر) ولا يجوز مع كون الفصل أقلّ من الشهر، نُسب ذلك إلى الشيخ(2) في أحد قوليه، والحِلّي(3) وابن زُهرة(4) والإسكافي(5)(و) المصنّف في «المختلف»(6)، والمحقّق في «النافع»(7)، والشهيد في «الدروس»(8).

ثالثها: أنّ (أقلّه في كلّ عشرة أيّام) ولا يجوز إلّامع كون الفصل بهذا المقدار، وهو الذي اختاره المصنّف في المتن و «التذكرة»(9)، وعن «التحرير»(10) والشيخ في

ص: 319


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/359.
2- التهذيب: ج 5/434.
3- السرائر: ج 1/541.
4- الغنية: ص 197.
5- حكى عنه العلّامة القول بفاصل عشرة أيّام، قال في المختلف: ج 4/359: (وقال ابن الجُنيد: لا يكون بين العُمرتين أقلّ من عشرة أيّام).
6- المختلف: ج 4/360.
7- النافع: ص 99.
8- الدروس: ج 1/337.
9- التذكرة: ج 8/437.
10- التحرير: ج 2/109-110.

ولا حَدّ لها عند السيّد المرتضى قدس سره.

«النهاية»(1) و «المبسوط»(2)، وابني الجُنيد(3) والبرّاج(4).

رابعها: ما في المتن قال: (ولا حَدّ لها عند السيّد المرتضى قدس سره) وهو مختاره في «المنتهى »(5)، والمحقّق في «الشرائع»(6)، وعن «كشف اللّثام»: (بل إليه يرجع ما عن «الجُمل» و «الناصريّات» و «السرائر» و «المراسم» و «التلخيص» و «اللّمعة» من جواز التوالي بين العُمرتين، بل نُسب إلى كثيرٍ من المتأخّرين، بل عن «الناصريّات» نسبته إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه)(7)، غاية الأمر ذكروا أنّه يكره أن يأتي بعمرتين وبينهما أقلّ من عشرة أيّام كراهة عبادة.

وأمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الأُولى: ما استدلّ به على القول الأوّل:

منها: صحيح حريز وزرارة، عن السيّدين الصادقين عليهما السلام: «لا يكون عمرتان في سنة»(8).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الصادق عليه السلام: «العُمرة في كلّ سنة مرّة»(9).8.

ص: 320


1- النهاية: ص 281.
2- المبسوط: ج 1/304.
3- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/359.
4- المهذّب: ج 1/211.
5- المنتهى (ط. ق): ج 2/877.
6- الشرائع: ج 1/230.
7- الجواهر: ج 20/464-465.
8- التهذيب: ج 5/435 ح 158، وسائل الشيعة: ج 14/309 ح 19279.
9- التهذيب: ج 5/435 ح 157، وسائل الشيعة: ج 14/309 ح 19278.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ لكلّ شهر عُمرة:

منها: صحيح البجلي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في كتاب عليّ عليه السلام في كلّ شهر عُمرة»(1).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، قال: «قال أبوعبداللّه عليه السلام: السَّنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكلّ شهر عُمرة»(2).

ومنها: موثّق يونس بن يعقوب، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: في كلّ شهر عُمرة»(3).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كان علي عليه السلام يقول: لكلّ شهر عُمرة»(4)، ونحوها غيرها.

الطائفة الثالثة: ما تضمّن أنّ لكلّ عشرة عُمرة:

منها: خبر الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام:

«لكلّشهرعُمرة، قال: وقلت له: يكون أقلّمن ذلك ؟ قال: لكلّ عشرة أيّام عُمرة»(5).

ومنها: ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن مراد، عن يونس، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ : «لكلّ شهر عُمرة، فقلت: يكون أقلّ؟ فقال: في كلّ عشرة أيّام عُمرة»(6).5.

ص: 321


1- الكافي: ج 4/534 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/307 ح 19273.
2- الفقيه: ج 2/458 ح 2964، وسائل الشيعة: ج 14/309 ح 19280.
3- الكافي: ج 4/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/307 ح 19274.
4- التهذيب: ج 5/435 ح 155، وسائل الشيعة: ج 14/308 ح 19276.
5- الكافي: ج 4/534 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/309 ح 19281
6- الكافي: ج 4/534 ح 3، وسائل الشيعة: ج 14/308 ح 19275.

الطائفة الرابعة: المطلقات الدالّة على مطلوبيّة العُمرة:

منها: مرسل الصدوق، قال الرضا عليه السلام: «العُمرة إلى العُمرة كفّارة لما بينهما»(1).

قال: وروي عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «الحجّة ثوابها الجنّة والعُمرة كفّارة لكلّ ذنب»(2).

ومنها: خبر زرارة(3)، عن الإمام الصادق عليه السلام: «والحَجّ الأصغر العُمرة»(4).

ومثله خبر عبد الرحمن(5).

إلى غير ذلك من المطلقات التي مقتضاها مطلوبيّة العُمرة في كلّ يوم.

أقول: وأورد على الأخيرة سيّد «الرياض»(6) بإيرادين:

أحدهما: أنّها ضعيفة الإسناد، وكذا الطائفة الثالثة، ولا يجوز المسامحة هنا في الفتوي باستحبابها، لوجود القول بالتحريم والمنع.

وفيه: أنّ ضعف السند لا يضرّ بعد شمول أخبار من بلغ المثبتة للاستحباب.

ودعوى : مانعيّة القول بالتحريم، غريبة، فإنّ من يقول بالتحريم لا يقول بالتحريم الذاتي، بل بالتشريعي منه، وهو ثابت في كلّ أمر استحبابي لم يقم دليلٌ معتبر عليه، وعليه فهو لا يصلح مانعاً عن البناء على الاستحباب لقاعدة التسامح.

ثانيهما: أنّها مجملة غير واضحه الدلالة، فإنّ إطلاقها مسوقٌ لبيان الفضيلة لا لتحديد المدّة.

وفيه: أنّ بيان الحكم الاستحبابي في النصوص:2.

ص: 322


1- الفقيه: ج 2/220 ح 2229، وسائل الشيعة: ج 14/301 ح 19251.
2- الفقيه: ج 2/220 ح 2230، وسائل الشيعة: ج 14/302 ح 19252.
3- في «الكافي» عن ابن أذينة.
4- الكافي: ج 4/264 ح 1، وسائل الشيعة: ج 14/298 ح 19237.
5- تفسير العيّاشي: ج 2/76-77 ح 16 وح 19، وسائل الشيعة: ج 14/298 ح 19237 وح 19239.
6- الرياض: ج 7/182.

تارةً : يكون بالأمر وبالدلالة المطابقيّة.

وأُخرى : يكون ببيان الفضيلة المترتّبة عليه.

فكما أنّ الأصل في الأوّل البناء على الإطلاق ما لم يثبت الإجمال كذلك في الثاني بلا تفاوت.

فالمتحصّل: أنّ الطائفة الأخيرة لا إشكال فيها سنداً ودلالة، ولا ينافيها الطائفة الثانية والثالثة؛ لأنّهما لا تتضمّنان عدمٌ لمشروعيّتها في أقلّ من تلك المدّة، ومشروعيّتها في تينك المدّتين غير منافية لمشروعيّتها في أقلّ من تلك، والشاهد على ذلك: - مضافاً إلى وضوحه - أنّ السائل في أخبار الطائفة الثالثة بعد حكمه عليه السلام بأنّ لكلّ شهر عُمرة، يقول:

«فقلت: يكون أقلّ؟ قال: لكلّ عشرة أيّام»، وهذا دليلٌ على أنّه لم يفهم من الأوّل التحديد، كما يستكشف منه أنّ المعصوم عليه السلام أيضاً لم يكن مريداً للتحديد.

وأمّا الطائفة الأُولى : فهي تدلّ على عدم مشروعيّة العُمرة في أقلّ من سنة، ولكن لإعراض الأصحاب عنها، ومعارضتها مع النصوص الاُخر المصرّحة بالمشروعيّة في كلّ شهر لابدّ من طرحها أو حملها على إرادة العُمرة المتمتّع بها.

بل مقتضى حمل المطلق على المقيّد هو الثاني لا الطرح، فإنّها أعمّ من القسمين، ونصوص جواز العُمرة فيما دون السنة وفي كلّ شهر وما شاكل، مختصّة بالمفردة، فيقيّد إطلاقها بها، فلا تطرح ولا تُحمل على التقيّة، ولا على غير ذلك من المحامل التي لا وجه لها.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: جواز توالي العُمرتين مطلقاً، واللّه العالم.

***

ص: 323

الباب العاشر: في المصدود، والمحصور.

المصدود هو الممنوع بالعدوّ.

في المصدود والمحصور

(الباب العاشر: في المصدود والمحصور)، وفيه مقدّمة ومقامان:

أمّا المقدّمة: ففي بيان الإحصار والصَدّ.

فالمعروف بين الأصحاب أنّ (المصدود هو الممنوع بالعدوّ)، والمحصور هو الممنوع بالمرض.

وفي «المنتهى »: (الحصر عندنا هو المنع عن تتمّة أفعال الحَجّ على ما يأتي بالمرض خاصّة، والصَدّ بالعدو)(1)، انتهى ، ومثله في «التذكرة»(2).

وفي «كنز العرفان»: (وعند أصحابنا الإماميّة أنّ الإحصار يختصّ بالمرض، والصَدّ بالعدو)(3)، انتهى ، هذا ما أفاده الفقهاء.

وأمّا اللّغويون: فعن «المسالك»(4): أنّ كلماتهم موافقة لكلمات الفقهاء، واستشهد بما نقله الجوهري عن ابن السكّيت، أنّه قال: (أحصره المرض: إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها)(5)، ونقله عنه الفيومي(6) أيضاً.

ص: 324


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/846.
2- التذكرة: ج 8/385.
3- كنز العرفان: ج 1/287.
4- المسالك: ج 2/387.
5- الصحاح: ج 2/632.
6- المصباح المنير: ص 138.

وعن الفرّاء: (أنّ هذا هو كلام العرب، وعليه اللّغة).

وقال صاحب «الرياض» بعد نقل ذلك عن «المسالك»: (ولكن المحكي عن أكثرهم اتّحاد الحصر والصَدّ، وأنّهما بمعنى المنع من عدوّ كان أو مرض)(1).

وفيه: أنّ الحصر غير الإحصار، وقد صرّح أكثر اللّغويين بأنّ الإحصار هو الحبس للمرض، ونُقل عن أهل العراق عن كلام العرب، وأنّ الحصر هو الحبس للعدوّ، وصرّح بهذه التفرقة في محكي «الكشاف»(2) والمجلسي(3).

وعليه، فالحصر مرادفٌ في اللّغة للصد دون الإحصار، وموضوع الحكم هو الثاني، ففيما هو محلّ الكلام يتّحد كلمات اللّغويين مع فتاوي الفقهاء.

ويشهد لذلك: - مضافاً إلى ما عرفت - جملة من النصوص:

منها: صحيح ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المحصور غير المصدود، المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليس من مرض، والمصدود تحلّ له النساء والمحصور لا تحلّ له النساء»(4).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام، وفيه بعد ذكر مرض أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السلام في الطريق:

«فقلت: فما بال النبيّ حين رجع إلى المدينة حَلّ له النساء، ولم يطف بالبيت ؟1.

ص: 325


1- الرياض: ج 7/225.
2- الكشاف: ج 1/240.
3- لم نقف على إشارة من المجلسي لهذا المعنى، بل قال في ذيل أحد الأخبار: (بيان: مُحصَرٌ أي ممنوع عن القراءة والذِّكر، وبعض أفعال الصلاة. قال في النهاية: الإحصار المنع والحبس، يقال أحصره المرض أو السلطان: إذا منعه عن مقصده، فهو محصر، وحصره إذا حبسه فهو محصور). ولعلّ مراد المصنّف (دام ظلّه) الطوسي في التبيان: ج 2/155-156، أو الطبرسي في مجمع البيان: ج 2/290، حيث تعرّضا لما ذكره.
4- الكافي: ج 4/369 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/177 ح 17521.

فقال: ليس هذا مثل هذا، النبيّ صلى الله عليه و آله كان مصدوداً والحسين محصوراً»(1).

ونحوهما غيرهما، فلا إشكال في التغاير والاختلاف.

أقول: وتظهر ثمرة ذلك في موارد، فإنّهما بعد اشتراكهما في جملةٍ من الأحكام التي ستمرّ عليك، يختلفان في أحكام قيل(2) جملتها ستّة:

1 - عموم تحلّل المصدود بمحلّله في كلّ ما حُرّم عليه بالإحرام حتّى النساء، بخلاف المُحصَر الذي يحلّ له ما عدا النساء المتوقّف حلهنّ على طوافهن.

2 - الإجماع على اشتراط الهَدْي في المحصور بخلاف المصدود، فإنّ فيه خلافاً.

3 - المصدود يذبح هديه في مكان وجود المانع، والمحصور متعيّن عليه ذبح هديه بمكّة في إحرام العُمرة، وبمنى في إحرام الحَجّ .

4 - افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهَدْي، بخلاف المصدود، فإنّ فيه قولين.

5 - تعيّن تحلّل المصدود بمحلّله في مكانه، بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلّف.

6 - كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعيّن تعجيل التحلّل بخلاف المصدود، فإنّ فيه الخلاف في أنّه هل يفيد الشرط سقوط الهَدْي، أو كون التحلّل عزيمة لا رخصة أو مجرّد التعبّد، وستمرّ عليك هذه الأحكام.

أقول: لو اجتمع العنوانان، كما لو مرض وصدّه العدو:3.

ص: 326


1- التهذيب: ج 5/421 ح 111، وسائل الشيعة: ج 13/178 ح 17523.
2- هو الشهيد الثاني في المسالك: ج 2/386-388، وحكاها صاحب الجواهر بلفظ «قيل» في الجواهر: ج 20/113.

فإنْ تلبّس بالإحرام نحر هديه، وأحلّ من كلّ شيء أحرم منه.

فهل يتخيّر في أخذ حكم أيّهما شاء؟

أو يأخذ الأخفّ فالأخفّ من أحكامهما؟

أو يتعيّن عليه الأخذ بحكم المصدود؟

أم يرجّح السابق منهما لو كان ؟

وجوهٌ وأقوال، أظهرها الثاني؛ لصدق اسم كلّ واحدٍ عند الأخذ بحكمه، وسيأتي لذلك زيادة توضيح إن شاء اللّه تعالى .

المصدود لا يتحلّل إلّابعد الذّبح أو النحر

أمّا المقام الأوّل: ففي أحكام المصدود، وفيه مسائل:

المسألة الأُولى : قد عرفت سابقاً أن من أحرم بالحَجّ أو العُمرة، وجب عليه الإكمال إجماعاً، ولكن المصدود متى صُدّ بعد إحرامه - ولم يكن له طريقٌ سوى ما صُدَّ عنه، أو كان له طريقٌ ولم يكن متمكِّناً من السير منه - يكون مستنثى من هذا الحكم.

(فإنْ تلبّس بالإحرام، نحر هديه، وأحلّ من كلّ شيء أحرم منه) بلا خلافٍ يُعرف كما عن «الذخيرة»(1)، وفي «التذكرة»: (تحلّل بالإجماع)(2).

أقول: ويشهد لأصل التحلّل وحلية كلّ شيء عليه جملة من النصوص:

ص: 327


1- الذخيرة: ج 1/700 ق 3.
2- التذكرة: ج 8/385.

منها: صحيحا ابن عمّار المتقدّمان.

ومنها: موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «المصدود يذبح حيث صُدّ، ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور يبعث بهديه»(1)، الحديث.

ومنها: خبر حمران، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين صُدَّ بالحديبيّة قصّر وأحلّ ونحر ثمّ انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتّى يقضي النُسُك، فأمّا المحصور فإنّما يكون عليه التقصير»(2)، ونحوها غيرها.

وهل يتوقّف التحلّل على ذبح الهَدْي أو نحره كما عن الأكثر، بل المشهور، بل عن «المنتهى »: (قد أجمع عليه أكثر العلماء)(3)؟

أم لا كما عن علي بن بابويه(4) والحِلّي(5) وجماعة(6) وفي «المستند»(7)؟ وجهان.

قد استدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: الآية الكريمة: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ » (8)، بناءً على أنّ المراد بالإحصار فيها ما يشمل الصَدّ من جهة ما قيل(9) إنّه اتّفق المفسّرون على أنّ هذه الآية نزلت في حصر الحديبيّة.1.

ص: 328


1- الكافي: ج 4/371 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/180 ح 17525.
2- الكافي: ج 4/368 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/186 ح 17535.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/846.
4- حكاه عنه المحقق السبزواري في الذخيرة: ج 700/1 ق 3.
5- السرائر: ج 1/641.
6- تردّد في الحكم السبزواري في الذخيرة: ج 700/1 ق 3، والسيّد العاملي في المدارك: ج 8/289.
7- المستند: ج 13/133.
8- سورة البقرة: الآية 196.
9- حكي عن الشافعي في المغني: ج 3/371.

وفيه: أنّ الاستدلال بهذه الآية الشريفة:

تارةً : يكون مع قطع النظر عن فعله صلى الله عليه و آله.

واُخرى : بلحاظه.

أمّا على الأوّل: فقول هؤلاء المفسّرين لا يصلح قرينةً على صرف اللّفظ عن معناه اللّغوي العرفي الشرعي، وقد عرفت أنّ الإحصار يغاير الصدّ شرعاً وعرفاً ولغةً ، ومجرّد نزولها في ذلك الوقت لا يكون دليلاً على أنّها متضمّنة لذلك الحكم.

وأمّا قوله تعالى في ذيل الآية: «فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ » (1)، فلا يوجب تخصيصها به، ولا شمولها له؛ فإنّ الأمن يتحقّق من المرض أيضاً.

وإنْ كان الاستدلال بلحاظ فعله صلى الله عليه و آله، ففي الحقيقة هو الوجه الثاني لذلك، وهو أنّه لا ريب في أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حينما صَدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر وأحلّ ، فيجب علينا ذلك للتأسّي، ولقوله صلى الله عليه و آله: «خُذوا عنّي مناسككم»(2).

وفيه أوّلاً: أنّ فعله صلى الله عليه و آله أعمّ من الندب والوجوب.

وثانياً: أنّه لو ثبت به الوجوب، فهو أعمّ من النفسي والشرطي للإحلال.

الوجه الثالث: استصحاب حكم الإحرام، فإنّه يشكّ في أنّه بالتقصير هل يخرج عن الإحرام، أم يتوقّف خروجه عنه وحليّة ما حَرُم عليه على النحر أو الذبح، فيستصحب بقاء حكم الإحرام بعد التقصير المجرّد؟.

وفيه أوّلاً: ما ذكرناه في هذا الشرح غير مرّة، من أنّ الاستصحاب في الأحكام الكليّة لا يجرى؛ لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل.ه.

ص: 329


1- سورة البقرة: الآية 196.
2- غوالي اللآلي: ج 1/215 ح 73 و: ج 4/34 ح 118، سنن البيهقي: ج 5/125، مسند أحمد: ج 3/318 وسنن النسائي: ج 5/270 قريب منه.

وثانياً: أنّه يخرج عن الاستصحاب بإطلاق الأدلّة.

الوجه الرابع: مرسل الصدوق، قال الصادق عليه السلام: «المحصور والمضطرّ ينحران في المكان الذي يضطرّان فيه»(1).

ولا يرد عليه: بأنّه ضعيف للإرسال؛ لما تقدّم من أنّ المرسل الذي ينسبه المُرسِل إلى المعصوم جزماً حجّة، فيما إذا كان المرسل ثقة.

ولكن يرد عليه: أنّه في مقام بيان مكان الذبح أو النحر، وأنّه لا يجب أن يكون بمكّة أو بمنى، بل ينحر في ذلك المكان.

الوجه الخامس: موثّق زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «المصدود يذبح حيث صُدّ، ويرجع صاحبه فيأتي النساء»(2).

والمناقشة فيه: بعدم ظهوره في اللّزوم، إمّا من جهة تضمّنه للجملة الخبريّة، أو لكونه في مقام بيان محلّ الذبح.

في غير محلّها؛ إذ الجملة الخبريّة دلالتها على الوجوب آكد من دلالة الأمر عليه.

كما أنّ محلّ الاستدلال به هو قوله عليه السلام: «يذبح فيأتي النساء»، الظاهر في ترتّب إتيان النساء على الذبح، وبه يقيّد إطلاق صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «والمصدود تحلّ له النساء»(3).

وبالجملة: فالأظهر هو اعتبار الذبح أو النحر في الحلية.1.

ص: 330


1- الفقيه: ج 2/515 ح 3105، وسائل الشيعة: ج 13/187 ح 17537.
2- الكافي: ج 4/371 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/180 ح 17525.
3- الكافي: ج 4/369 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/177 ح 17521.

عدم توقّف التحلّل على التقصير أو الحلق

أقول: ثمّ إنّه وقع الخلاف بينهم في توقّف الحليّة على الحلق أو التقصير، وفيه أقوال:

1 - ما عن «المقنعة»(1) و «المراسم»(2) و «القواعد»(3) من توقّفها على التقصير.

2 - ما عن «الغُنية»(4) و «الكافي»(5) من توقّفها على الحلق.

3 - ما عن الشهيدين(6) من توقّفها على أحدهما بنحو التخيّير.

4 - ما هو ظاهر الكتاب و «الشرائع»(7) وعن الشيخ(8) من عدم التوقّف على شيء منهما، بل نُسب(9) ذلك إلى الأكثر.

واستدلّ للأوّل:

1 - بثبوت التقصير أصالةً ، ولم يظهر أنّ الصدّ أسقطه، فالإحرام مستصحب إليه.

2 - وبخبر حمران، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين صُدّ بالحديبيّة قصّر وأحلّ ونحر ثمّ انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتّى يقضي النُسُك»(10).

3 - وبمرسل المفيد، قال: «قال عليه السلام: المصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه

ص: 331


1- المقنعة: ص 446.
2- المراسم: ص 118.
3- القواعد: ج 1/445.
4- الغنية: ص 195.
5- الكافي في الفقه: ص 218.
6- الشهيد في الدروس: ج 1/479، والشهيد الثاني في الروضة: ج 2/368.
7- الشرائع: ج 1/211.
8- النهاية: ص 282-283.
9- ناسبه هو السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 7/228.
10- الكافي: ج 4/368 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/186 ح 17535.

بمكانه، ويقصّر من شعر رأسه ويحلّ ، وليس عليه اجتناب النساء»(1).

أقول: أمّا الاستصحاب فيردّه:

أوّلاً: عدم جريان الاستصحاب في الأحكام.

وثانياً: أنّه محكومٌ ؛ لإطلاق الأدلّة.

وأمّا خبر حمران فضعيف الإسناد؛ لأنّ في طريقه عبداللّه بن فرقد وهو مجهول.

وأمّا المرسل فحيثُ أنّ المفيد نَسب ما ذكره إلى المعصوم، فيكون حجّة كما مرّ، ولا يضرّ كونه بالجملة الخبريّة كما تقدّم، ولكنّه لا يدلّ على توقّف الحلية على التقصير، وإنّما يدلّ على وجوبه في نفسه، وإنْ كان في ذكر الحلية بعد التقصير إشعار بذلك.

وعليه فالاحتياط طريق النجاة.

واستدلّ للثاني: بموثّق الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السلام في رجلٍ أخذه سلطان حيث قال: «هذا مصدود عن الحَجّ ، إنْ كان دخل متمتّعاً بالعُمرة إلى الحَجّ فليطف بالبيت أسبوعاً، ثمّ يسعى اسبوعاً، ويحلق رأسه ويذبح شاة»(2).

ولكن ليس فيه ما يدلّ على توقّف الحلية على الحلق، مضافاً إلى أنّ الحلق فيه لعلّه لعمرته لا للحَجّ ، بل ليس فيه أنّه أخذ بعد الإحرام.

واستدلّ للثالث: بأنّه مقتضى الجمع بين نصوص الحلق والتقصير، ويظهر ضعفه ممّا مرّ.

ويشهد للرابع: الأصل، وإطلاق الأدلّة السابقة.0.

ص: 332


1- المقنعة: ص 446، وسائل الشيعة: ج 13/180 ح 17526.
2- الكافي: ج 4/371 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/183 ح 17530.

وبالجملة: فالأظهر عدم توقّف الحليّة على التقصير أو الحلق، نعم التقصير أحوط بل لا يترك عدم توقّف الحليّة على نيّة التحلّل.

أقول: وبعد ما عرفت - من توقّف الحلية على الذبح أو النحر - يقع الكلام في أنّه:

هل تتوقّف الحليّة على نيّة التحلّل عند ذبح الهَدْي، كما صرّح به الشيخ(1)وابن حمزة(2) والحِلّي(3) ويحيى بن سعيد(4) والمصنّف في المتن كما سيأتي، وغيرهم(5)على ما حكى عن بعضهم أم لا؟.

وقد استدلّ للأوّل بوجوه:

1 - أنّ الأعمال بالنيّات.

وفيه: أنّه يعتبر نيّة الفعل لما ذكر، ولكنّه لا يدلّ على اعتبار نيّة التحلّل، ولذا لا يقتضي ذلك في غيره.

2 - أنّه عن إحرام، فيفتقر إلى نيّته كمن يدخل فيه.

وفيه: أنّه مصادرة محضة.

3 - أنّ الذبح يقع على وجوه فلا يتخصّص إلّابالنيّة.

وفيه: أنّه لو ذبح بما أنّه نُسُكه يكون متعيّناً ولا وجوه له حينئذٍ، فيحصل التحلّل منه.0.

ص: 333


1- المبسوط: ج 1/333.
2- الوسيلة: ص 193.
3- السرائر: ج 1/644.
4- الجامع للشرائع: ص 222.
5- كالمحقّق في النافع: ص 100.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبارها في التحلّل، نعم هو أحوط.

أقول: والمشهور بين الأصحاب أنّ محلّ الذبح أو النحر هو محلّ الصَدّ، وإنْ كان المكان خارج الحرم، ولا يجب عليه أن يبعثه إليه.

وعن أبي الصلاح:(1) وجوب إنفاذه كالمحصور، ويبقى على إحرامه حتّى يبلغ الهَدْي مَحِلّه، ويذبح يوم النحر.

وعن الإسكافي:(2) التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، وعدمه فينحرها في محلّه.

وعن الأحمدي(3) نحو ما عن أبي الصلاح فيمن ساق هَدْياً وأمكنه البعث، ولم يعيّن يوم النحر، بل ما يقع فيه الوعد، ونحوه عن «الغُنية»(4)، لكن نص على العموم للسائق وغيره، وللحاجّ والمعتمر.

يشهد لما هو المشهور: النصوص المتقدّمة المصرّحة بذلك، ولم يجد صاحب «الجواهر» رحمه الله(5) دليلاً على شيء من الأقوال الأُخر سوى ما استدلّ به بعضهم بعموم قوله تعالى : «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ » (6).

وفيه: - مضافاً إليماتقدّم من اختصاص الآية بالمحصور - أنّ النصوص المخصّصة لهذا الحكم به - المتقدّم بعضها - مانعة عن الاستدلال بها، فما هو المشهور أظهر.

نعم، لا يبعد القول بالتخيّير بين البعث والذبح عنده، كما في «المنتهى »(7)7.

ص: 334


1- الكافي في الفقه: ص 218.
2- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/251.
3- (المختصر الأحمدي للفقه المحمّدي) هو كتاب لابن الجُنيد، حكى عنه العلّامة في المختلف: ج 4/347-348.
4- الغنية: ص 195.
5- الجواهر: ج 20/117.
6- سورة البقرة: الآية 196.
7- المنتهى (ط. ق): ج 2/847.

و «التذكرة»(1) و «المستند»(2) و «الجواهر»(3) و «الرياض»(4) وغيرها(5)، بل في «المنتهى »(6): الأولى البعث.

والوجه في التخيّير: أنّ الأوامر المتعلّقة بالذبح في محلّ الصَدّ لورودها مورد توهم الحظر ووجوب البعث - كما في الحصور - لا يستفاد منها أزيد من الجواز.

وظاهر النصوص لو لم يكن صريحها أنّ له الذبح أو النحر من حين الصد، ولا يجب عليه التأخير إلى أن يتضيّق الوقت عن الحَجّ .

وعن «الخلاف»(7)، و «المبسوط»(8)، و «الغُنية»(9)، توقيته بيوم النحر، وفسّروا الآية الكريمة به، واستدلّوا له: - مضافاً إليه - بمضمر سماعة(10).

وفيه: الآية الكريمة - مضافاً إلى كونها في المحصور - لا دلالة فيها على تعيين الوقت، والمضمر إنّماهو في المحصور، مع أنّه لايصلح أن يقاوم في قبال النصوص الاُخر.

***8.

ص: 335


1- التذكرة: ج 8/390.
2- المستند: ج 13/147.
3- الجواهر: ج 20/117.
4- الرياض: ج 7/242.
5- كالشهيد الثاني في المسالك: ج 2/149.
6- المنتهى (ط. ق): ج 2/847.
7- الخلاف: ج 2/428.
8- المبسوط: ج 1/333.
9- الغنية: ص 195.
10- المقنع: ص 245، وسائل الشيعة: ج 13/182 ح 17528.

وإنّما يتحقّق الصَدّ بالمنع عن مكّة، أو عن الموقفين.

تحقّق الصَدّ عن الحَجّ بالمنع عن الموقفين

المسألة الثانية: لا خلاف ولا إشكال في أنّه إنّما يتحقّق الصدّ عن العُمرة بالمنع عن الوصول إلى مكّة، كما لا خلاف في أنّه يتحقّق الصَدّ عن الحَجّ بالمنع عن الموقفين، وإنّما الخلاف في موارد:

منها: أنّه هل يتحقّق الصدّ عن الحَجّ بالمنع عن مكّة أيضاً كما هو ظاهر الكتاب، حيث قال: (وإنّما يتحقّق الصدّ بالمنع عن مكّة أو عن الموقفين).

ومنها: غير ذلك ممّا سيمرّ عليك.

أقول: تفصيل القول في المقام يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: تحقّق الصدّ عن الحَجّ بالمنع عن الموقفين متّفق عليه.

ويشهد به: موثّق الفضل، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النحر خَلّي سبيله كيف يصنع ؟ فقال عليه السلام: يلحق فيقف بجمع، ثمّ ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق، ولا شيء عليه.

قلت: فإنْ خَلّي عنه يوم النفر كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: هذا مصدودٌ عن الحَجّ »(1) الحديث.

بل يتحقّق الصَدّ بالمنع عن أحد الموقفين إنْ كان ممّا يفوت بفواته الحَجّ - وقد

ص: 336


1- الكافي: ج 4/371 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/183 ح 17530.

تقدّم بيان ما يفوت بفواته الحَجّ في الفصل الثالث - فإنّ المستفاد من الموثّق أنّ موضوع الحكم هو عنوان المصدود من الحَجّ ، ولازم ذلك صدقه إذا بقي من أفعال الحَجّ ما لا يتمّ بدونه.

وأيضاً: هل يجب عليه الصبر حينئذٍ حتّى يفوت الحَجّ ؛ نظراً إلى أنّ الصَدّ عن الوقوف إنّما يكون بالصَدّ عنه إلى فوات وقته، إذ لا صَدّ عن الشيء قبل وقته، ولا عن الجميع بالصدّ عن بعضه ؟

أم لا يجب؛ لإطلاق النصوص، والفتاوي ؟

الأظهر هو الثاني؛ إذ الأوّل يشبه الاجتهاد في مقابل النص.

والمحكي عن «المسالك»(1): أنّ من هذا الباب ما لو وقف العامّة الموقفين قبل وقتهما لثبوت الهلال عندهم لا عندنا، ولم يمكن التأخير عنهم لخوف العدو منهم أو من غيرهم، بدعوى أنّ التقيّة هنا لم تثبت.

وفيه: قد عرفت - في الفصل الثاني من مبحث الوقوف بعرفات - أنّ الأظهر إجزاء الوقوف مع العامّة فراجع(2)، وعليه فلا يهمّنا البحث عن أنّه على فرض عدم الإجزاء هل المورد من قبيل من فاته الحَجّ أو أنّه من قبيل المصدود؟

الفرع الثاني: لو صُدّ بعد إدراك الموقفين عن نزول منى خاصّة وإتيان مناسكها دون مكّة:

1 - فإنْ أمكنه الاستنابة استناب في الرَّمي والذبح كما في المريض، ثمّ حَلق وتحلّل وأتى ببقيّة مناسكها، والظاهر أنّه لا خلاف فيه.

ويشهد به: - بعد عدم صدق الصَدّ عن الحَجّ ، ولا الردّ المذكور في صحيح ابن0.

ص: 337


1- المسالك: ج 2/391.
2- فقه الصادق: ج 17/200.

عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «والمصدود هو الذي يردّه المشركون»(1) - ما دلّ على جواز الاستنابة فيهما.

2 - وإنْ لم يمكن الاستنابة، فعن الشيخ(2) وفي «الجواهر»(3) وغيرها(4) أنّه يتحلّل، واستدلّ له:

ألف: بصدق الصَدّ.

ب: وبقاعدة نفي الحرج.

ج: وبأولويّة البعض بالإحلال من الجميع.

ولكن يرد على الأخير: منع الأولويّة، لاحتمال خصوصيّة في الصَدّ عن الجميع.

ويرد على ما قبله: أنّ غاية ما يمكن استفادته منها هو جواز الإحلال إذا استلزم الحرج، وأمّا قبله فلا.

ويرد ما قبله: أنّ مطلق الصَدّ لم يؤخذ في دليلٍ موضوعاً، بل الصَدّ عن الحَجّ غير الصادق على الصدّ عن أبعاضه.

وعليه، فالأظهر أنّه لا وجه لإجراء حكم المصدود عليه.

3 - ولو صُدّ بعد إدراك الموقفين من منى ومكّة:

فإنْ أمكن الاستنابة تعيّنت - بناءً على جواز الاستنابة في الطواف والسعي لمثله وقد مرّ - وإلّا فقد ذكر المصنّف في «المنتهى »(5) أنّه يتحلّل بالهَدْي في مكانة،7.

ص: 338


1- الفقيه: ج 2/514 ح 3104، وسائل الشيعة: ج 13/177 ح 17521.
2- المبسوط: ج 1/332.
3- الجواهر: ج 20/126.
4- كالسرائر: ج 1/643.
5- المنتهى (ط. ق): ج 2/847.

وحكاه عن الشيخ أيضاً، وتبعهما جماعة(1).

واستدلّ له: - مضافاً إلى ما تقدّم، الذي عرفت ما فيه - بأنّه يستلزم ترك الطواف والسعي الموجب لفوات الحَجّ ، ولكنّه يتوقّف على القول بالبطلان مع الاضطرار إلى الترك، وفيه كلام قد تقدّم.

أقول: وبما ذكرناه يظهر حكم الصَدّ عن العود إلى منى بعد قضاء مناسك مكّة، وقد ادّعي الإجماع(2) على عدم تحقّق الصدّ به.

الفرع الثالث: المعتمر إذا مُنع من دخول مكّة، فتحقّق الصدّ مورد وفاقٍ ، والنصوص تدلّ عليه، وإنْ منع من أفعالها بعد الدخول، فإنْ قلنا بعدم جواز الاستنابة في تلك الأفعال لمثله صدق الصَدّ، وإلّا فلا.

***8.

ص: 339


1- كالشهيد الثاني في المسالك: ج 2/391، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/310، والمحقّق النراقي في المستند: ج 13/138.
2- حكاه المحقّق السبزواري نقله عن جماعة في الذخيرة: ج 700/1 ق 3، وصرّح به المُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 16/27، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/128.

ولا يسقط الواجب ويسقط المندوب.

المصدود يجبُ عليه الحَجّ في القابل إنْ كان واجباً

المسألة الثالثة: إذا تحلّل المصدود، وجب عليه الحَجّ في القابل إنْ كان الحَجّ واجباً عليه سابقاً، وجوباً مستقرّاً أو كان مستطيعاً في السنة القابلة.

قال رحمه الله: (ولا يسقط الواجب)؛ لعموم دليل وجوبه، بعد عدم جعل الشارع ما أتي به بدلاً عنه مسقطاً لوجوبه، وهو واضح.

وألحق به الشهيد الثاني(1) من قصّر في السفر، بحيث لولاه لما فاته الحَجّ ، كما لو ترك السفر مع القافلة الأُولى فصُدّ.

ويرد عليه: ما أورده سيّد «المدارك»(2) بأنّه إنّما يتمّ لو أوجبنا الخروج مع الأولى ، وإنْ جوزنا التأخير سقط وجوب القضاء، لعدم ثبوت الاستقرار وانتفاء التقصير، وقد تقدّم الكلام في المبنى في محلّه.

(ويسقط المندوب) بمعنى أنّه لا يجب إتمامه، كما أوجبه أبو حنيفة(3)، للأصل والإجماع.

المسألة الرابعة: لو كان هناك طريق آخر غير ما سلكه وفيه الصدّ ولو كان أطول، و أمكن الوصول إليه، فلا صَدّ قطعاً؛ فإنّ الموضوع هو الصدّ عن الحَجّ لا عن طريق خاص، فلا يجوز له التحلّل.

ص: 340


1- المسالك: ج 2/389.
2- المدارك: ج 8/288.
3- انظر المغني لابن قدامة: ج 3/375.

نعم، لو كان ذلك الطريق يحتاج إلى نفقةٍ لا يتمكّن منها جاز له التحلّل؛ لصدق المصدود عليه.

وكذا لو علم بأنّه لو سلكه يفوته الحَجّ ؛ فإنّ هذا الشخص ينحصر حَجّه في هذا العام من هذا الطريق، فيصدق الصَدّ عن الحَجّ .

وعليه، فما عن قواعد المصنّف(1) من الترديد فيه، في غير محلّه.

وإنْ خشي الفوت فيُشك في صدق المصدود، فليس له أن يتحلّل وهو واضح.

المسألة الخامسة: المعروف بين الأصحاب أنّه لا يجب على المصدود التحلّل بالهَدْي، بل له أن يبقى على إحرامه إلى أن يتحقّق الفوات فيتحلّل بالعُمرة، والوجه في ذلك أنّه في النصوص وإنْ أُمر بالإحلال، إلّاأنّه لوروده مورد توهم الحظر لا يستفاد منه اللّزوم.

***4.

ص: 341


1- القواعد: ج 1/453-454.

ولا يصحّ التحلّل إلّابالهَدْي ونيّة التحلّل، ويجزي هَدي السياق عنه

كفاية الهَدْي الذي ساقه المصدود عن هدي آخر

المسألة السادسة: (و) قد عرفت أنّه (لا يصحّ التحلّل إلّابالهَدْي و)، عرفت أنّه لا يعتبر (نيّة التحلّل، و) الكلام هنا إنّما هو في أنّه:

ألف: هل (يجزي هدي السياق عنه) كما هو المشهور، بل عن «الغُنية»(1) دعوى الإجماع عليه ؟

ب: أم لا يجزي، بل يحتاج مع سياق الهَدْي إلى هَدي التحلّل كما عن الصدوقين(2)، وابن الجُنيد(3) والمصنّف في «المختلف»(4) والشهيدالثاني(5) وغيرهم(6)؟

وجه الأوّل:

1 - أصل البراءة، فإنّه يشكّ في لزوم هَدي آخر غير ما ساقه، و الأصل يقتضي عدمه.

2 - وإطلاق دليل لزوم الهَدْي، بتقريب أنّه لم يدلّ دليلٌ على إيجاب الصَدّ هَدْياً مستقلّاً، وإنّما المستفاد من الأدلّة لزوم ذبح هدية أو نحره، وهو يصدق على ما ساقه.

ص: 342


1- الغنية: ص 195.
2- حكاه عن والد الصدوق في المختلف: ج 4/347، والصدوق الثاني في الفقيه: ج 2/514.
3- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/348.
4- المختلف: ج 4/348.
5- المسالك: ج 2/400.
6- كالحلّي في السرائر: ج 1/640.

2 - وخبر رفاعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : «قلت: رجلٌ ساق الهَدْي ثمّ أُحصر؟ قال عليه السلام: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتّع من قابل ؟ فقال عليه السلام: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه»(1).

وصحيحه(2) عنه أيضاً.

3 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّهما قالا: «القارن يُحصر، وقد قال واشترط فحلّني حيث حبستني ؟ قال: يبعث بهديه.

قلنا: هل يتمتّع في قابل ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه»(3).

وتقريب الاستدلال بالخبرين: هو أنّ المتبادر من هَديه في الخبرين هو هَدي السياق، والإضافة كاللّام العهديّة في إفادة الهَدْي كما صرّحوا به في محلّه، فالمعنى هديه الذي ساقه.

وقد استدلّ بالخبرين صاحب «الحدائق»(2) وإن استشكل بعده فيه، وبما قبلهما سيّد «المدارك»(3).

أقول: أمّا الخبران فيرد على الاستدلال بهما:

أوّلاً: أنّهما في المحصور دون المصدود، والاتّفاق ظاهراً على عدم الفرق بينهما في هذا الحكم غير ثابت، وعلى فرض الثبوت يُحتمل أن يكون مدركهم في المقام ما تقدّم، فلا يكون اتّفاقاً تعبّديّاً.

وثانياً: أنّه يحتمل أن يكون الاكتفاء لما فيهمامن الاشتراط، أي قوله: «فحلّني ...».1.

ص: 343


1- الكافي: ج 4/371 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/185 ح 17532. (2و3) التهذيب: ج 5/423 ح 114، وسائل الشيعة: ج 13/184 ح 17531.
2- الحدائق: ج 16/22-23.
3- المدارك: ج 8/291.

وأيضاً: لو صح الاستدلال بالخبرين، كان الأولى الاستدلال أيضاً بصحيح آخر لرفاعة عن الإمام الصادق عليه السلام: «خرج الحسين عليه السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتّى انتهى إلى السُقيا، فبُرسِمَ (1) فحَلَق شعر رأسه ونحرها مكانه، ثمّ أقبل حتّى جاء فضرب... إلى آخره»(2).

والمناقشة فيه: باحتمال عدم إحرامه عليه السلام.

يدفعه: قوله عليه السلام: «حتّى انتهى إلى السُّقيا» - وهي على ما قيل على يومين من المدينة من طريق مكّة، فتكون بعد الميقات - وقوله عليه السلام: «فحلق شعر رأسه».

هذا، مضافاً إلى النصوص الأُخر المتضمّنة للقضيّة المصرّحة بأنّه عليه السلام مَرِض بعدما أحرم(3) -.

وأمّا أصل البراءة، فإنّما يُرجع إليه مع فقد الدليل العام والخاص.

نعم، الاستدلال بإطلاق الأدلّة لا بأس به، فإنّه ليس في شيء من النصوص ما يدلّ على أنّ الصَدّ يقتضي لزوم الهَدْي، بل هي متضمّنة لأنّه يذبح هديه فيحل من كلّ شيء.

أقول: وبذلك يظهر الجواب عن الاستدلال للقول الآخر بأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب، مضافاً إلى ما حُقّق في محلّه من أنّ مقتضى الأصل هو التداخل لا التعدّد.

وأمّا المحكي من «فقه الرضا»: (وإنْ صُدّ رجلٌ عن الحَجّ وقد أحرم، فعليه الحَجّ من قابل، ولا بأس بمواقعة النساء؛ لأنّ هذا مصدودٌ وليس كالمحصور)(4)،1.

ص: 344


1- قال الفيض في بيانه: («فبُرسِمَ » بالبناءللمفعول أي عرض له البرسام وهو علّة في الرأس)، الوافي: ج 779/13.
2- الفقيه: ج 2/516 ح 3107، وسائل الشيعة: ج 13/186 ح 17536.
3- التهذيب: ج 5/421 ح 111، وسائل الشيعة: ج 13/178 ح 17523.
4- فقه الرضا: ص 229، المستدرك: ج 9/309 ح 10981.

الذي استدلّ به لذلك القول، فحيث لم يثبت لنا كونه كتاب رواية فضلاً عن اعتباره، فلا يصحّ الاستناد إليه.

وعليه، فما هو المشهور أظهر.

وعن الشهيد في «الدروس»(1) قولٌ بعدم التداخل إنْ وجب بنذرٍ أو كفّارةٍ أو شبههما، يعني دون ما وجب بالإشعار أو التقليد.

واستدلّ له(2):

1 - بأنّ ما وجب بالإشعار أو التقليد واجبٌ بالإحرام، فيتّحد السبب، بخلاف ما وجب بغيره.

2 - وبظهور فتاوي الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه، وفيما يجب للصد لا الواجب بكفّارة ونحوها.

ولكن يرد عليه: أنّه بعد صدق اسم الهَدْي عليه، المستلزم لشمول الأدلّة له كما عرفت، لا مجال لذلك، مضافاً إلى أصالة التداخل.

أقول: وأمّا ما عن المصنّف(3) من احتمال الاكتفاء بهدي السياق، ولكن يستحبّ هدي آخر للتحلّل.

فيرده: أنّه إن حصل الإحلال بما ساقه، فلا مورد لذبح هدي آخر للتحلّل، وإلّا وجب، مع أنّه لا دليل على الاستحباب.

***2.

ص: 345


1- الدروس: ج 1/477.
2- المستدلّ هو الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/305-306.
3- قال قدس سره: «وهل يكفي هدي السياق عن هدي التحلّل ؟ الأقوى ذلك مع ندبه» القواعد: ج 1/453، وحكاه فخرالمحقّقين عن والده في الإيضاح: ج 1/322.

حكم المصدود الذي لم يسق هَدْياً

المسألة السابعة: المعروف بين الأصحاب أنّه لو لم يكن للمصدود هديٌ ، وعجز عن تحصيل ثمنه ليشتري به الهَدْي، بقي على إحرامه ولم يتحلّل.

وعن الإسكافي(1): أنّه يتحلّل بالنيّة، وعن المصنّف في «المختلف»(2)و «القواعد»(3) احتماله.

وقيل(4): يتحلّل ببدله وهو الصوم.

يشهد للأوّل: الأصل، والإجماع، وإطلاق ما دلّ على أنّه لا يخرج عن الإحرام إلّا بمحلّل.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بقوله تعالى : «فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ » (5) بتقريب أنّه ممّن لم يتيسّر له الهَدْي.

2 - وبقاعدة نفي الحرج.

3 - وبجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث قال عن المحصور الذي لم

ص: 346


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/351.
2- المختلف: ج 4/357.
3- القواعد: ج 1/453.
4- ابن سعيد في الجامع للشرائع ص 222-223.
5- سورة البقرة: الآية 196.

يسق الهَدْي: «ينسك ويرجع، قيل: فإنْ لم يجد هَدْياً؟ قال عليه السلام: يصوم»(1).

ونحوه غيره.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ الآية لا تدلّ على أنّ من لم يتيسّر له الهَدْي يحلّ بغيره، وقاعدة نفي الحرج لا تصلح لإثبات الإحلال، سيّما ما لم يصل إلى حَدّ الحرج.

وأمّا النصوص: فهي مختصّة بالمحصور، والتعدّي يحتاج إلى دليل مفقود.

وأمّا ما عن «المسالك»:(2) من أنّه رُوي أنّ له بدلاً وهو صوم ثمانية عشر يوماً، فهو مرسلٌ غير حجّة، فضلاً عن أنّ الأصحاب لم يعملوا بها في موردها، فهي ساقطة عن الحجيّة بالإعراض.

وما في «الحدائق»:(3) من أنّ الظاهر أنّهم لم يقفوا على الروايات المذكورة، وإلّا فإطراحها مع صراحتها ولا معارض لها ليس من قواعدهم.

فيه: أنّ احتمال عدم الوقوف عليها بعيدٌ جدّاً، مع كونها في كتب الأحاديث، وهي بمرئي منهم، وحيث أنّ دلالتها واضحة، ولا معارض لها واسنادها صحيحة، يعني فيها ما هو صحيح السند، فهذا الإعراض موهنٌ قطعاً، وقد اشتهر بينهم أنّه كلّما ازداد الخبر صحّةً ازداد بالإعراض ضعفاً.

أقول: والغريب أنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله تبعه في ذلك، وقال: «مع احتمال عدم عثور الأصحاب على مجموع هذه الروايات كما يظهر من بعضهم، فلم يتحقّق4.

ص: 347


1- الفقيه: ج 2/515 ح 3106، وسائل الشيعة: ج 13/187 ح 17538 وح 17539.
2- المسالك: ج 2/390.
3- الحدائق: ج 16/24.

إعراض عنها حينئذٍ»(1)، انتهى .

وعليه، فالأظهر أنّه يبقى حينئذٍ على إحرامه إلى أن يتحقّق الفوات، فيتحلّل حينئذٍ بعُمرة إنْ أمكن، وإلّا بقي على إحرامه إلى أن يجد الهَدْي أو يقدر على العُمرة لانحصار التحلّل فيهما.

ثمّ لو اشترط في إحرامه بأن يحلّه حيث حبسه، فهل يسقط عنه الدّم ويحلّ بدونه أم لا؟ وجهان، وقد تقدّم الكلام فيه مفصّلاً.4.

ص: 348


1- الجواهر: ج 20/124.

والمُعتمر المصدود كالحاجّ .

المسألة الثامنة:

(والمُعتمر المصدود كالحاجّ ) إذا صُدّ كما مرّ، ولا يخفى أنّه قدس سره لم يذكر في ابتداء البحث ما يظهر منه اختصاص الأحكام السابقة بإحرام الحَجّ حتّى يلحق به العُمرة.

تحقّق الصَدّ بالحبس ظلماً

المسألة التاسعة: من صُدّ عن الحَجّ بالحبس:

فتارةً : يكون محبوساً بالدَّين وما شاكل.

واُخرى : يكون محبوساً ظلماً.

أمّا الأوّل: فإنْ كان قادراً على أداء الدَّين أو غيره ممّا حُبس لأجله، لم يتحلّل بهدي، بل عليه أن يدفع دينه، بلا خلافٍ ولا إشكال؛ لعدم صدق المصدود عن الحَجّ عليه، وإنْ لم يكن قادراً عليه.

فقد يُقال: إنّه أيضاً لا يصدق عليه المصدود؛ من جهة ما ذكروه في تعريف المصدود من أنّه من منعه العدوّ، وذكر ذلك في بعض الأخبار.

ولكن يرده: أنّه لا يعتبر في صدقه العداوة، كما يشهد به موثّق الفضل المتقدّم المتضمّن لإطلاق المصدود على من حبسه السلطان من غير استفصال، بل المصدود وهو من منعه الغير عن الحَجّ ، ولو كان المانع أبوه، في مقابل المحصور الذي منعه

ص: 349

المرض، وعليه فيصدق المصدود عليه، فله أن يتحلّل بالهَدْي.

وأمّا الثاني: وهو المحبوس ظلماً:

فإنْ لم يتمكّن من دفع ما يراد منه، فإنّه لا إشكال في صدق المصدود عليه كما مرّ، فيتحلّل بالهَدْي.

وإنْ تمكّن منه، فهل يجب عليه الدفع أم لا؟ فيه كلامٌ قد مرّ في شرائط وجوب الحَجّ ، والكلام في المقام إنّما هو في صدق المصدود عليه وعدمه، والظاهر عدم الصدق؛ لأنّه يتمكّن من دفع ما يراد ويحجّ ، وعدم وجوب الدفع لا يصلح قرينةً لصدقة كما لا يخفى .

وقد عدَّ الشهيد الثاني رحمه الله(1) من أسباب الصَدّ فناء النفقة وفوات الوقت، وضيقه، والضلال عن الطريق مع الشرط قطعاً ولا معه في وجه، ثمّ قال:

(وفي الحاق أحكام هؤلاء بالمصدود أو المحصر أو استقلالهم نظرٌ؛ من مشابهة كلّ منهما، والشكّ في حصر السبب فيها، وعدم التعرّض لحكم غيرهما. ويمكن ترجيح جانب الحصر؛ لأنّه أشقّ وبه يتيقن البراءة)(2) انتهى .

وفيه: ما عرفت من عدم صدق الصَدّ والإحصار على شيء منها، والأصحاب تعرّضوا لحكم من فات وقته وضاق عن الحَجّ ، ودلّت عليه النصوص.

وعليه، فالحقّ ما أفاده في «الجواهر» من أنّ ذلك «من غرائب الكلام»(1).0.

ص: 350


1- الجواهر: ج 20/130.

حكم من أفسد حجّه فصُدّ

المسألة العاشرة: لو أفسد حجّه فصدّ، وجب عليه الإتيان بوظيفة المفسد، وهو أن يحجّ من قابل وينحر بدنة، وأمّا إتمام حجّه الواجب عليه فيرفع وجوبه بدليل الصَدّ، فإنّ مقتضى إطلاق دليله حينئذٍ عدم وجوب الاتمام والتحلّل بالهَدْي، واحتمال اختصاص الصدّ بالحَجّ الصحيح مرفوع بالإطلاق.

وعلى هذا، فإنْ كانت الحَجّة حَجّة الإسلام، وكان استقرّ عليه وجوبها أو استمرّ إلى قابل، فإنْ قلنا بأنّه في صورة الإفساد الأوّلي حَجّة الإسلام، والثانية عقوبة، وجب عليه في الفرض حجّتان:

إحداهما: عقوبة لما أفسده غير الساقط وجوبها بالصَدّ بعد ذلك.

واحتمال عدم شمول القضاء لمثل هذا الفاسد كما عن المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1)، مدفوع بإطلاق الدليل وعمومه.

ثانيتهما: حَجّة الإسلام، ويقدّم الثانية لا لتقدّم وجوبها، فإنّه لا يصلح دليلاً للتقديم، بل لما عن «الإيضاح»(2) من الإجماع عليه.

وإنْ قلنا: بأنّ الأُولى عقوبة والثانية حَجّة الإسلام، لم يجب عليه إلّاحجّة الإسلام؛ وذلك لأنّ وجوب إتمام الأُولى يرتفع بدليل الصد، ولا يجب قضاء مثل ذلك؛ إذ لا دليل على وجوب قضاء الحَجّ العقوبي، سيّما مع إذن الشارع في التحلّل.

ص: 351


1- مجمع الفائدة: ج 7/409.
2- إيضاح الفوائد: ج 1/326.

المسألة الحادية عشرة: لو تحلّل المصدود قبل الفوات، وانكشف العدو في وقتٍ يتّسع لاستئناف القضاء، فهل يجب عليه القضاء في عامه إنْ كان واجباً من أصله كما لعلّه المشهور؟ أم لا كما عن «القواعد»(1) و «كشف اللّثام»(2) احتماله ؟

أقول: قبل بيان حكم المسألة ينبغي التنبية على أمر، وهو أنّ المصدود إن علم بانكشاف العدو قبل فوات الحَجّ ، لا يجوز له التحلّل؛ وذلك لأنّ الظاهر من أدلّته - كسائر موارد الأعذار - أنّ الموضوع هو الصَدّ عن الحَجّ في جميع وقته المضروب له، فكما أنّ الصدّ عن طريقٍ خاص لا يكون مشمولاً للأدلّة، كذلك الصدّ في زمان مخصوص، وعليه فإنْ علم بعدم الانكشاف أو احتمله، واستصحب بقاء المنع إلى آخر الوقت - بناءً على ما هو الحقّ من جريانه في الاُمور الاستقباليّة - وإن جاز له التحلّل، لكنّه لو انكشف الخلاف يظهر أنّه لم يكن يجوز له واقعاً التحلّل، فهو يكون باقياً على إحرامه الأوّل.

إذا عرفت هذا، تعرف سقوط كثير ممّا قيل في المقام، فإنّه حينئذٍ يجري حكم الإفساد في حقّه من وجوب إتمام ما بيده، والحَجّ من قابل.

نعم، إنْ قلنا بشمول أدلّة الصدّ له واقعاً، فتحلّله في محلّه، وحيث إنّ الوقت باق فله أن يأتي بحجّة الإسلام.

ودعوى: أنّ سنته التي فيها بمقتضى أدلّة الإفساد أصبحت عام العقوبةِ لا عام حَجّة الإسلام، بل عامها العام القابل.3.

ص: 352


1- القواعد: ج 1/455.
2- كشف اللّثام: ج 6/313.

مندفعة: بأن كونه عام العقوبة ليس إلّابمعنى لزوم إتمام ما بيده المرتفع ذلك بالصد، وكان هو مانعاً عن الإتيان بحجّة الإسلام، ولم يدلّ دليلٌ على عدم صلاحيّة العام لوقوع حجّة الإسلام فيه، فيأتي بها ويأتي بالحَجّ العقوبي في العام القابل، إنْ قلنا بأنّ الثانية عقوبة، وأمّا إنْ قلنا بأنّ الأُولى عقوبة فلا شيء عليه في العام القابل؛ لأنّ حجّته الإسلاميّة قد أتى بها، وحجّته العقوبيّة سقط وجوبها بالصد، ولم يدلّ دليل على وجوب قضائها.

***

ص: 353

والمُحصَر هو الممنوع بالمرض.

المُحصَر

(و) المقام الثاني: في (المُحصَر): و (هو) كما عرفت (الممنوع بالمرض).

وفيه أيضاً مسائل:

المسألة الأُولى: لا خلاف بينهم في وجوب الهَدْي على المُحصَر، وتوقّف تحلّله عليه كما في المصدود، وعن جماعةٍ (1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد لوجوبه:

1 - الآية الكريمة: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ » (2)، بمعنى يسر وتيسّر مثل استصعب بمعنى صعب وتصعب، إمّا بدنةً أو بقرة أو شاة، وموضع ما استيسر إمّا رفع، أي فعليكم، أو نصبٌ ، أي فاهدوا، أو فاذبحوا وما شاكل، وعلى التقديرين يدلّ على الوجوب.

2 - ومضمر زرعة، عن رجلٍ أُحصر في الحَجّ ، قال عليه السلام: «فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحلّه أن يبلغ الهَدْي محلّه، و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحَجّ ، وإنْ كان في عُمرة نحر بمكّة، فإنّما عليه أن يعدهم لذلك يوماً، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، وإنْ اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إنْ شاء اللّه تعالى »(3).

ورواه الشيخ الصدوق في محكي «المقنع»(4) عن سماعة.

أقول: ويشهد لتوقّف الحليّة عليه:

1 - موثّق زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، في حديثٍ قال: «والمحصور يبعث بهديه

ص: 354


1- منهم العلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 850/2، والسيّد العاملي في المدارك: ج 301/8، والفيض في المفاتيح: ج 386/1.
2- سورة البقرة: الآية 196.
3- التهذيب: ج 5/423 ح 116، وسائل الشيعة: ج 13/182 ح 17528.
4- المقنع: ص 245.

فيبعث

فيعدهم يوماً، فإذا بلغ الهَدْي أحلّ هذا في مكانة.

قلت: أرأيتَ إنْ ردّوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه، وقد أحلّ فأتى النساء؟

قال عليه السلام: فليعد وليس عليه شيء وليمسك الآن عن النساء إذا بعث»(1).

2 - وصحيح ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ أُحصر فبعث بالهَدْي ؟

فقال عليه السلام: يواعد أصحابه ميعاداً، فإنْ كان في حَجّ فمحلّ الهدى يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه، ولا يجب عليه الحلق حتّى يقضي مناسكه، وإنْ كان في عُمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة، والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ »(2) الحديث.

أقول: ثمّ إنّ الكلام في أنّه هل تتوقّف الحليّة على نيّة التحلّل هو الكلام فيه في المصدود، وقد عرفت عدم اعتبارها، كما أنّ البحث في الإجتزاء في التحلّل بالهَدْي المسوق في المصدود يجري هنا.

وجوب بعث الهَدْي على المحصر

إنّما الكلام في المقام في الإرسال: (ف) عن ابن بابويه(3)، والشيخ(4)، وأبي الصلاح(5)، وبني حمزة(6) والبرّاج(7) وإدريس(8) والمحقّق(9)، وفي المتن: أنّ عليه أن (يبعث

ص: 355


1- الكافي: ج 4/371 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/180 ح 17525.
2- الكافي: ج 4/369 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/181 ح 17527.
3- الصدوق في القنعة: ص 446، وحكاه العلّامة عن ظاهر علي بن بابويه في المختلف: ج 4/350.
4- النهاية: ص 283.
5- الكافي في الفقه: ص 218.
6- الوسيلة: ص 194.
7- المهذّب: ج 1/270.
8- السرائر: ج 1/641.
9- الشرائع: ج 1/213.

هديه إنْ لم يكن قد ساق، وإلّا اقتصر على هدي السياق

هديه إنْ لم يكن قد ساق، وإلّا اقتصر على هدي السياق)، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهَدْي محلّه (فإذا بلغ محلّه) تحلّل.

وفي «الجواهر»: (بل حَكى غير واحدٍ عليه الشهرة وهو كذلك. نعم، عن الأكثر تقيّيد مكّة بفناء الكعبة، وابن حمزة(1) بالخَرورة، وعن الرواندي في «فقه القرآن»(2) تخصيص مكّة بالعُمرة المفردة، وجعل منى محلّ المتمتّع بهاكالحَجّ )(3) انتهى .

وعن «المقنع»(4): أنّ المحصور ينحر بدنته في المكان الذي يضطرّ فيه، أي مكان الحصر.

وعن الإسكافي(5): التخيّير بين البعث والذبح حيث أُحصر، مع أولويّة الأوّل، وقوّاه سيّد «المدارك»(6)، واستقربه في محكي «الذخيرة»(7).

وعن المفيد(8) والديلمي(9): التفصيل فيبعث في الحَجّ الواجب، ويذبح في محلّ الحصر في التطوّع.

وعن الجُعفي(10): التفصيل بين سائق الهَدْي فيبعث، وغيره فيذبح مكانه.7.

ص: 356


1- الوسيلة: ص 171، وفيه: «بالحزورة».
2- فقه القرآن: ج 1/295.
3- الجواهر: ج 20/143.
4- المقنع: ص 244.
5- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/343.
6- المدارك: ج 8/304.
7- الذخيرة: ج 1/702 ق 3.
8- المقنعة: ص 446.
9- المراسم: ص 118.
10- حكاه عنه في الشهيد في الدروس: ج 1/477.

وقيل(1): يذبح مكانه إذا أضرّ به التأخير.

هذه تمام الأقوال.

وأمّا المدرك: فالكلام فيه يقع:

تارةً : فيما يستفاد من الآية الشريفة.

واُخرى : فيما يستفاد من النصوص.

أمّا الآية: فقد قال اللّه عزّ وجلّ : «لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ » (2) أي: لا تحلّوا، كنَّى بالحلق عنه لكونه من لوازمه، والمُحِلُّ بالكسر من الحل، أي لا تحلّوا حتّى يذبح حيث يحلّ ذبحه فيه، ولو كان من الحلول لقال محَله بفتح الحاء، نعم قد فُسّرت الآية في النصوص(3) بأنّ محلّ الهَدْي مكّة إنْ كان مُعتمراً، ومنى إنْ كان حاجّاً، فهي بضميمة النصوص المفسّرة دليل المشهور.

وأمّا الأخبار:

فمنها: ما يدلّ على القول المشهور، كموثّق زرارة، ومضمر زرعة، وصحيح ابن عمّار، المتقدّمة آنفاً.

وصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا أُحصر الرّجل بعث بهديه»(4) الحديث.

ومنها: ما استدلّ به لما ذهب إليه في «المقنع»، لاحظ:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «إنّ الحسين بن9.

ص: 357


1- حكاه بلفظ «قيل» الشهيد في الدروس: ج 1/477.
2- سورة البقرة: الآية 196.
3- لم نقف عليه في النصوص المفسّرة للآية المباركة صريحاً، أنظر كنز العرفان: ج 1/288-289، ونقل في الحدائق: ج 16/36 على ذلك الشهرة، ثمّ استظهر من الأخبار أنّ المراد بمحله مكّة أو منى.
4- الكافي ج 4 ص 370 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13 ص 183 ح 17529.

علي عليهما السلام خرج مُعتمراً فمرض في الطريق، فبلغ عليّاً ذلك، وهو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السُّقيا وهو مريض بها، فقال عليه السلام: يا بُني ما تشتكي ؟ فقال: اشتكي رأسي، فدعا عليٌّ ببدنةٍ فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى المدينة، فلمّا برأ من وجعه اعتمر.

فقلت: أرأيتَ حين برأ من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال عليه السلام: لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة.

فقلت: فما بال النبيّ صلى الله عليه و آله حين رجع إلى المدينة حَلّ له النساء ولم يطف بالبيت ؟

فقال عليه السلام: ليس هذا مثل هذا، النبيّ صلى الله عليه و آله كان مصدوداً، والحسين عليه السلام محصوراً»(1).

2 - ومرسل الفقيه، قال الصادق عليه السلام: «المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه»(2).

3 - وصحيح رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «خرج الحسين عليه السلام مُعتمراً وقد ساق بدنة حتّى انتهى إلى السُّقيا فبرسم، فحَلَق شعر رأسه ونحرهامكانه، ثمّ أقبل حتّي جاء فضرب الباب، فقال عليٌّ عليه السلام ابني ورب الكعبة افتحوا له الباب»(3)، الحديث.

ومنها: ما استدلّ به لما ذهب إليه الجُعفي، وهو صيح ابن عمّار، عن الصادق عليه السلام في المحصور الذي لم يسق الهَدْي حيث قال عليه السلام: «ينسك ويرجع، فإنْ لم يجد ثمن هدي صام»(4)، بتقريب أنّ منطوقه تعيّن الذبح في مكانه إذا لم يسق الهَدْي، ومفهومه عدم جوازه إذا ساقه.

ومنها: ما استدلّ به للقول الأخير، وهو خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:9.

ص: 358


1- التهذيب: ج 5/421 ح 111، وسائل الشيعة: ج 13/178 ح 17523.
2- الفقيه: ج 2/515 ح 3105، وسائل الشيعة: ج 13/187 ح 17537.
3- الفقيه: ج 2/516 ح 3107، وسائل الشيعة: ج 13/186 ح 17536.
4- الكافي: ج 4/370 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/187 ح 17538 وح 17539.

«إذا أُحصر الرجل فبعثَ بهديه ثمّ آذاه رأسه قبل أن ينحر، فحلق رأسه، فإنّه يذبح في المكان الذي أُحصر فيه، أو يصوم أو يطعم ستّة مساكين»(1).

ونحوه خبره الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام(2).

هذه نصوص الباب.

وقد استدلّ المشهور بالطائفة الأُولى، والصدوق بالثانية، والإسكافي ومن تبعه بأنّه مقتضى الجمع بين الطائفتين، والمفيد والديلمي بأنّ أكثر نصوص الذبح في مكانه في التطوّع، فيجمع بذلك بين الطائفتين، والجُعفي استدلّ بالطائفة الثالثة، والقائل بالقول الأخير بالطائفة الأخيرة.

أقول: أمّا نصوص المشهور فدلالتها عليه واضحة لا تُنكر.

وأمّا الطائفة الثانية: فهي روايات ثلاث، ثنتان منها مشتملتان لقضية الحسين عليه السلام، وهي غير معلومة لنا، فلعلّه كان يتضرّر بالتأخير كما هو ظاهر شكايته عن رأسه المقدسة، أو لم يمكن البعث، أو غير ذلك، فلا يصحّ الاستدلال بهما.

وأمّا ما في «الجواهر» من قوله: (بل قد يحتملان عدم إحرام الحسين عليه السلام، وإنّما نحر هو أو علي عليهما السلام تطوّعاً، وخصوصاً إذا كان قد ساق»(3)، فمضافاً إلى ما تقدّم في المصدود من القرائن التي ذكرناها لإحرامه عليه السلام، ذيل الصحيح الأوّل صريح في ذلك، حيث ورد فيه قول السائل:

«فقلت: أرأيتَ حين برأ من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال عليه السلام: لا تحلّ له النساء...» إلى آخره.6.

ص: 359


1- التهذيب: ج 5/423 ح 115، وسائل الشيعة: ج 13/185 ح 17533.
2- الكافي: ج 4/370 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/185 ح 17534.
3- الجواهر: ج 20/146.

وأمّا مرسل الصدوق، فهو وإنْ كان لا إشكال فيه من حيث السند، ولكن قد تقدّم في أوّل هذا المبحث(1) أن الإحصار غير الحصر، والثاني مطلقُ المنع الشامل للمنع بالعدوّ، والأوّل مختصّ بالمنع بالمرض، وحيث إنّ الخبر متضمّنٌ للمحصور فهو عام قابل للتقيّيد بغير المحصر، فيقيّد بالأخبار الأوّل بغيره، وعلى هذا فالقول الثاني والثالث يسقطان.

أقول: وأمّا مدرك الجُعفي فيرد عليه:

أوّلاً: أنّ قوله: «ينسك ويرجع»، ليس صريحاً ولا ظاهراً في الذبح مكانه، لجواز إرادة البعث منه.

وبعبارة أُخرى: أنّه يدلّ على أنّه يعمل بوظيفته المجعولة ويرجع، وأمّا كون الوظيفة هو البعث أو الذبح في المكان، فهو لا يدلّ عليه.

وثانياً: أنّه لا مفهوم له؛ فإنّ القيد مذكورٌ في السؤال لا الجواب.

وأمّا الطائفة الأخيرة: فقد حملها الشهيد رحمه الله(2) على أنّه يبعث هديه، وإذا آذاه رأسه قبل النحر يذبح هَدْياً آخر ويحلّ من خصوص حلق الرأس لا من كلّ شيء، والمصنّف رحمه الله في محكي «المنتهى »(3) حملها على إرادة أنّ المُحصَر قبل بلوغ الهَدْي محلّه إذا احتاج إلى حلق رأسه لأذىً به ساغ له ذلك، ووجب عليه الفداء، فيكون الذبح كفّارة لا للتحلّل.

وكلٌّ محتملٌ ، وعلى التقديرين لا تنافي القول المشهور، فما هو المشهور بين الأصحاب من توقّف الحلية على بعث الهَدْي هو الأظهر.

***6.

ص: 360


1- صفحة 324 من هذا المجلّد.
2- الدروس: ج 1/477.
3- المنتهى (ط. ق): ج 2/846.

وهو منى إنْ كان حاجّاً، ومكّة إنْ كان مُعتمراً، قصَّر

مكان الذبح وزمانه

وأمّا مكان الذبح: فقد صرّح به في موثّق زرعة، (وهو) ما ذكره المشهور من أنّه (منى إنْ كان حاجّاً، ومكّة إنْ كان مُعتمراً).

وأمّا زمانه: فظاهر النصوص المتقدّمة وفتاوي الأصحاب أنّه يوم النحر في الحَجّ .

وعن «القواعد»(1): أنّه أيّام التشريق، وقوّاه صاحب «الجواهر»(2)؛ نظراً إلى أن أيّام التشريق أيّام ذبح الهَدْي، بل يمكن إرادة ذلك من يوم النحر.

لكن، ما أفاداه خلاف ظاهرالنص، فالأظهرالأحوط الاقتصار علييوم النحر.

وأمّا في العُمرة فكلّ يومٍ قابل له، ولذا صرّح في النصوص بأنّه يواعد مع المبعوث معه يوماً للنحر أو الذبح، لاحظ النصوص المتقدّمة.

لا يحلّ المُحصَر من النساء حتّى يحجّ

المسألة الثانية: إذا بعث المُحصَر الهَدْي وبلغ الهَدْي محلّه - وعرفت أنّ المراد به حضور الوقت الذي واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعيّن - (قصّر)؛ لصحيح ابن عمّار المتقدّم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «وإذا كان يوم النحر فليقصر من

ص: 361


1- القواعد: ج 1/443.
2- الجواهر: ج 20/148.

وأحلّ إلّامن النساء حتّى يحجّ في القابل إنْ كان واجباً، أو يطاف طواف النساء عنه إنْ كان ندباً.

رأسه، ولا يجب عليه الحلق»(1).

وخبر حمران المتقدّم، عن الإمام الباقر عليه السلام في المصدود: «فأمّا المحصور فإنما يكون عليه التقصير».

(وأحلّ ) من كلّ شيء أحرم منه (إلّا من النساء) بلا خلافٍ ، بل عن «المنتهى »(2) نسبته إلى علمائنا.

أمّا المستثنى منه: فلا إشكال فيه، وقد دلّت النصوص المتقدّمة عليه.

وفي توقّف الحلية من كلّ شيء على التقصير، أو أنّه واجبٌ وإنْ لم يتوقّف الحليّة عليه، كلامٌ قد مرّ في المصدود.

نعم لا إشكال في تعيّنه وليس عليه الحلق.

أقول: إنّما الكلام في المستثني، فالمشهور بين الأصحاب أنّه لا يحلّ من النساء (حتّى يحجّ في القابل إنْ كان واجباً، أو يطاف طواف النساء عنه إنْ كان ندباً) وما ذكروه ينحلّ إلى أحكام:

الحكم الأوّل: توقّف حليّة النساء للمحصر على الحَجّ من قابل، أو أن يطوف0.

ص: 362


1- الكافي: ج 4/369 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13 ص 181 ح 17527.
2- المنتهى : ج 2/850.

عنه مطلقاً، وخالفهم في ذلك المفيد رحمه الله(1) والشهيد في محكي «الدروس»(2)، فذهب الأوّل إلى عدم توقّف الحليّة في المندوب على شيء حتّى الاستنابة، والثاني إلى أنّ المُحصَر في عُمرة التمتّع لا يتوقّف حليّتهن له على الطواف، وتبع كلّاً منهما جمعٌ (3).

الحكم الثاني: أنّ المحصور فيه إنْ كان حجّاً واجباً لا تحلّ له النساء حتّى يحجّ من قابل، وخالفهم في ذلك جماعة، فإنّ المحكي عن «الخلاف»(4) و «الغُنية»(5)وغيرهما(6) أنّه تحلّ النساء للمُحصَر بأن يطوف بنفسه في القابل أو يُطاف عنه.

وعن «الجامع»(7): ذلك مع عدم التقيّيد بالقابل، وتقيّيد الطواف بالنساء.

وعن «الكافي»(8): لا يحلّ له حتّى يحجّ أو يحجّ عنه.

وعن «السرائر»(9): لا تحلّ له النساء حتّى يحجّ في القابل أو يأمر من يطوف عنه النساء.

الحكم الثالث: أنّ المحصر فيه إنْ كان مندوباً تحلّلن له لو طيف عنه طواف النساء، وخالفهم في ذلك جماعة، وذهبوا إلى توقّف الحلية على أنْ يطوف بنفسه،8.

ص: 363


1- المقنعة: ص 446.
2- الدروس: ج 1/476.
3- ممّن تابع المفيد: المُحدِّث البحراني في الحدائق: ج 16/45، وممّن تابع الشهيد: المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 3/296.
4- الخلاف: ج 2/428.
5- الغنية: ص 195.
6- كالتحرير: ج 2/79.
7- الجامع للشرائع: ص 223.
8- الكافي: ص 218.
9- السرائر: ج 1/638.

ومنهم الفاضل النراقي(1)، وقوّاه سيّد «الرياض»(2) لولا الإجماع على خلافه.

أقول: يشهد لعدم حصول الحلية من النساء بمجرّد ذبح الهَدْي أو نحر:

1 - قوله عليه السلام في صحيح ابن عمّار المتقدّم المشتمل على إحصار الحسين عليه السلام: «لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة».

2 - وقوله عليه السلام في صحيحه الآخر المتقدّم أيضاً: «والمصدود تحلّ له النساء، والمحصور لا تحلّ له النساء»(3).

ويشهد لحليّتهن له إذا حَجّ في القابل وعدمها قبله:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ بعدما نقل قضيّة إحصار الحسين بن علي عليهما السلام:

«فقلتُ : أرأيتَ حين برأ من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال عليه السلام: لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة»(4)، فإنّ الطواف والسعي كناية عن الحَجّ كما هو واضح.

3 - ومرسل المفيد، قال عليه السلام: «المحصور بالمرض - إلى أنْ قال - ولا يقرب النساء حتّى يقضي المناسك من قابل»(5).

واستدلّ لما ذهب إليه المفيد: بالمرسل الذي ذكره في «المقنعة»، وفي ذيله: «فأمّا6.

ص: 364


1- المستند: ج 13/148-149.
2- الرياض: ج 7/246.
3- الكافي: ج 4/369 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/177 ح 17521.
4- التهذيب: ج 5/421 ح 111، وسائل الشيعة: ج 13/178 ح 17523.
5- المقنعة: ص 446، وسائل الشيعة: ج 13/180 ح 17526.

حجّة التطوّع فإنّه ينحر هديه وقد أحلّ ممّا كان أحرم، فإنْ شاء حَجّ من قابل، وإن شاء لا يجب عليه الحَجّ ».

أقول: والإيراد عليه بضعفه، للإرسال، في غير محلّه، لما مرّ من أنّ المُرسِل إنْ كان ثقة وكان إرساله بالاستناد إلى المعصوم جزماً يكون حجّة.

ولكن يرد عليه: أنّه يدلّ على عدم وجوب الحَجّ عليه من قابل، وهذا لا كلام فيه كما سيأتي، ولا يدلّ على حلية النساء له بنحر الهَدْي، إلّابإطلاق قوله: «وقد أحلّ ممّا كان أحرم»، فيقيّد بما يأتي.

واستدلّ لما ذهب إليه الشهيد - بأنّه لا طواف لأجل النساء فيها -: بصحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن مُحرمٍ انكسرت ساقه أي شيء يكون حاله ؟ وأي شيء عليه ؟ قال عليه السلام: هو حلال من كلّ شيء، قلت: من النساء والثياب والطيب ؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم»(1).

بتقريب: أنّ غير عُمرة التمتّع يخرج عنه بالإجماع، وهي باقية تحته.

ولكن يرد على الأوّل منهما: أنّه ليس في الروايات تقيّيد الطواف بالنساء.

وعلى الثاني: أنّه مخالفٌ للإجماع، ومعارض مع الآية والنصوص، فإنّه يدلّ على حليّته من كلّ شيء من دون توقّفها على شيء.

وأمّا الحكم الثاني: فصحيح ابن عمّار ومرسل المفيد شاهدان بما هو المشهور، ولم نظفر بما يمكن أن يستشهد للمخالفين، ولذلك حمل صاحب «الجواهر» رحمه الله(2)0.

ص: 365


1- الكافي: ج 4/369 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/179 ح 17524.
2- الجواهر: ج 20/150.

إطلاق كلماتهم على إرادة التنويع، بأنّ القادر لا يحلّ منهن إلّاأن يحجّ من قابل، والعاجز عن الحَجّ يحصل له الحلية بالاستنابة.

بيان ما به تحلّ النساء للمُحصَر إنْ كان حجّه تطوّعاً

وأمّا الحكم الثالث: فقد استدلّ له:

أوّلاً: بما هو المعروف بين الأصحاب بالإجماع.

وثانياً: بأنّ الحَجّ المندوب لا يجبُ العود لتداركه، والبقاء على تحريم النساء ضَررٌ عظيم منفيّ ، فاكتفى في الحِلّ بالاستنابة.

أمّا الأوّل: فليس بحجّة.

والثاني يرده: إطلاق صحيح ابن عمّار، الشامل للواجب والمندوب، لو لم نقل بظهوره في المندوب؛ لأنّ الظاهر كون إحرام الحسين عليه السلام كان تطوّعاً.

وقد ذكر سيّد «الرياض»(1) تأييداً للمشهور وردّاً على ما ذكرناه: أنّ دلالة الصحيح على حكم الحَجّ المندوب ضعيفة؛ لوروده لبيان حكم آخر.

وأفاد في «الجواهر»(2) في تأييدهم: بأنّ مقتضى الجمع بين إطلاق الصحيح، وما دلّ على جواز الإستنابة في الطواف مطلقاً هو ما أفادوه.

أقول: يرد على السيّد قدس سره أنّه لو أنكرنا دلالة الصحيح على حكم المُحصَر إذا كان إحرامه للمندوب، لزم منه البناء على توقّف حليتهنّ له على طواف النائب

ص: 366


1- الرياض: ج 7/245.
2- الجواهر: ج 20/149-150.

أيضاً؛ للأصل، ومرسل المفيد المتقدّم، كما التزم صاحب «الحدائق» رحمه الله(1) به لذلك، مع أنّه لا وجه لإنكار الدلالة، بل قد عرفت أنّه لايبعد القول بوروده في المندوب.

ويرد على صاحب «الجواهر» رحمه الله: أنّ الطواف في الصحيح - كما مرّ - اُريد به مناسك الحَجّ بأجمعها، وقلنا إنّه كناية عن وجوب الحَجّ في القابل، وتوقّف حليتهنّ له عليه، وجواز الاستنابة في الطواف غير مربوط بالمقام، ولا مانع من الالتزام بأنّه لو أحصر في المندوب بعدما أحرم لاتحلّ له النساء حتّييحجّ أو يعتمر في القابل.

أقول: ويشهد لوجوبه عليه في القابل، ويؤيّد توقّف حليتهنّ له عليه صحيحٌ آخر لمعاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام - على ما عن «التهذيب» - في حديثٍ :

«وإنْ كان مرض في الطريق بعدما أحرم، فأراد الرجوع إلى أهله، رجع ونحر بدنةً إن أقام مكانه، وإنْ كان في عُمرةٍ فإذا برأ فعليه العُمرة واجبة، وإنْ كان عليه الحَجّ فرجع إلى أهله وأقام ففاته الحَجّ ، كان عليه الحَجّ من قابل»(2)، الحديث.

وإنْ كان بناء على ما رواه الصدوق(3) بدل «بعدما أحرم» «بعدما يخرج» خارجاً عن محلّ الكلام.

ومقتضى إطلاق قوله: «وإنْ كان في عُمرة» إرادة الأعمّ من الواجبة والمندوبة.

إلّا أنْ يقال: إنّ قوله: «وإنْ كان عليه الحَجّ »، قرينة على الاختصاص بالواجبة.

ولكن قال صاحب «الرياض»: (الظاهر عدم قائلٍ به؛ فإنّ الأصحاب ما بين:4.

ص: 367


1- الحدائق: ج 16/45.
2- التهذيب: ج 5/421 ح 111.
3- الفقيه: ج 2/514 ح 3104.

مفصّلٍ بين الواجب وغيره بما مرّ، وفيه جواز الاستنابة في الندب، ومطلق لجوازها فيه، وفي الفرض كما مرّ عن الخلاف وغيره.

وقائل بالتحلّل في الندب من غير توقّفٍ على شيء حتّى الاستنابة، كما عن المفيد وغيره...

إلى أنْ قال: فالقول في الندب بمساواته مع الواجب في عدم الإحلال من النساء إلّابأداء المناسك خلاف ما اتّفقت عليه الأقوال)(1) انتهى .

أقول: فإنْ تمّ ذلك وأُحرز أنّ إجماعهم عليه ليس من جهة الجمع بين الروايات، يقيّد به إطلاق ما دلّ على توقّف حليتهن له على الحَجّ من قابل، ويختصّ بالواجب، ففي المندوب يرجع إلى ما أرسله المفيد، الموافق لأصالة البراءة عن حرمة النساء له بعد خروجه عن الإحرام.

وأمّا استصحاب حرمتهن له إلى أن يطوف بنفسه أو يطوف عنه نائبه - الذي استدلّ به سيّد «الرياض»(2) لتوقّف حلّهن له عليه -، ففيه محاذير:

1 - أنّ مرسل المفيد حجّة كما مرّ، ومعه لا تصل النوبة إلى الأصل.

2 - ما ذكرناه غير مرّة من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة؛ لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل.

3 - أنّ المقام داخلٌ في كبرى كليّة ذكروها، وهي أنّه إذا ورد عامٌ أو مطلق زماني وخرج عنه فرد في زمان شكّ بعده في كونه محكوماً بحكم الخاص أو العام،7.

ص: 368


1- الرياض: ج 7/247-248.
2- الرياض: ج 7/247.

وقد اخترنا في محلّه أنّه محكومٌ بحكم العام، ففي المقام دلّت النصوص والكتاب على حلية النساء لكلّ فردٍ في جميع الأزمنة، خرج عنه المُحرِم، فبعدما خرج عن إحرامه يشكّ في أنّه محكومٌ بالحكم الخاص أو العام، فيجب الرجوع إلى المعمومات.

وعليه، فالأظهر على ذلك حلية النساء له ببعث الهَدْي وبلوغه محلّه.

فرع: هل توقّف حِلّ النساء على حجّه من قابل مطلق في صورة العجز عنه، ولا يكفي الاستنابة عنه، كما عن ظاهر «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، و «المهذّب»(3)، و «الوسيلة»(4)، و «المراسم»(5)، و «الإصباح»(6)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(7)والمحقّق(8) كذلك ؟

أم يختصّ بصورة الإمكان، وبدونه تحلّ له بالإتيان نيابةً عنه، كما عن ظاهر «الخلاف»(9)، و «الغُنية»(10)، و «الكافي»(11)، و «الجامع»(12)، وصريح3.

ص: 369


1- النهاية: ص 281.
2- المبسوط: ج 1/335.
3- المهذّب: ج 1/270.
4- الوسيلة: ص 193.
5- المراسم: ص 118.
6- إصباح الشيعة: ص 184.
7- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/850، والتذكرة: ج 8/403، والتحرير: ج 2/79.
8- النافع: ص 100.
9- الخلاف: ج 2/428.
10- الغنية: ص 195.
11- الكافي: ص 218.
12- الجامع للشرائع: ص 223.

«القواعد»(1)؟ وجهان:

يشهد للأوّل: إطلاق صحيح ابن عمّار المتقدّم، ومرسل المفيد، والمراد من إطلاق الصحيح عدم استفصال الإمام بين التمكّن وعدمه، فلا ينافي مع تمكّن الحسين عليه السلام خارجاً.

واستدلّ للثاني: بوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «الجواهر»(2)، من ضعف دلالة الصحيح المزبور على شمول الحكم لحال العجز، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة.

وفيه: أنّه في مقام بيان توقّف حليّة النساء على الحَجّ من قابل، من دون نظر الى صورة الإمكان أو العجز، فإطلاقه بمعنى رفض القيود ظاهر، ولولا ذلك أمكن المناقشة في ثبوت الحكم لكثيرٍ من الموارد.

الوجه الثاني: ما في «المستند»(3) من ظهور التمكّن للحسين عليه السلام.

وقد مرّ جوابه، مضافاً إلى إطلاق المرسل.

الوجه الثالث: أنّه لا معنى لإطلاق النص لصورة العجز، فهل هو إلّاالتكليف بما لا يُطاق ؟.

وفيه: أنّ مقتضى إطلاقه عدم حليّة النساء ما لم يحجّ ، لا وجوب الحَجّ .

الوجه الرابع: أصالة البراءة.2.

ص: 370


1- القواعد: ج 1/456.
2- الجواهر: ج 20/149.
3- المستند: ج 13/152.

وفيه: أنّه لا مجال للرجوع إليها مع الإطلاق.

الوجه الخامس: لزوم الحرج لولاه، بضميمة عدم قائل بالإحلال بدون الحَجّ أو الطواف بنفسه أو نائبه.

وفيه أوّلاً: النقض بما لو لزم الحرج في صورة الإمكان أيضاً من عدم حليتهنّ له إلى العام القابل.

وثانياً بالحَلّ : وهو أنّ المنفيّ بالقاعدة الحرج الشخصي لا النوعي، فلا يصحّ الحكم بالحلية مطلقاً، من جهة لزوم الحرج في بعض الموارد لبعض الأشخاص.

فالأظهر عموم الحكم لصورة العجز.

نعم، إذا كان العجز بنحوٍ يسوغ الاستنابة في الحَجّ في نفسه، أمكن القول بالحليّة بعد حَجّ النائب؛ لعموم دليل النيابة، واللّه العالم.

ص: 371

ولو زال الحصر التحق، فإنْ أدرك أحد الموقفين صَحّ حجُّه وإلّا فلا.

حكم ما لو بعث المُحصَر هديه ثمّ زال المانع

المسألة الثالثة:

(ولو) أحصر فبعث بهديه ثمّ (زال الحَصر التحق) بأصحابه في العُمرة المفردة مطلقاً، وفي الحَجّ إذا لم يفت بلا خلافٍ :

1 - لأنّ ظاهر الأدلّة كسائر أدلّة الأعذار، أنّ وظيفته منحصرة بصورة عدم التمكّن من الوظيفة الأصليّة، والفرض تمكّنه منها في المقام.

2 - ولأنّه مُحرِمٌ وزال العذر، فينحصر جهة الإحلال بالإتيان بالمناسك.

3 - ولصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا أُحصر الرّجل بَعَث بهَديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفّة، فليمض إنْ ظنَّ أنّه يدرك النّاس، فإنْ قدِمَ مكّة قبل أن ينحر الهَدْي فليقم على إحرامه حتّى يفرغ من جميع المناسك، ولينحر هَديه ولا شيء عليه، وإنْ قدِم مكّة وقد نحر هديه، فإنّ عليه الحَجّ من قابل والعُمرة.

قلت: فإنْ مات وهو مُحرِمٌ قبل أن ينتهي إلى مكّة ؟ قال عليه السلام: يحجّ عنه إنْ كان حَجّة الإسلام، ويعتمر إنّما هو شيء عليه»(1).

(فإنْ ) كان حاجّاً و (أدرك أحد الموقفين) في وقته على وجهٍ يصحّ حجّه كما عرفته سابقاً (صَحَّ حجُّه، وإلّا فلا)، بل يجب عليه القضاء إنْ كان واجباً بلا خلافٍ ،

ص: 372


1- الكافي: ج 4/370 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/183 ح 17529.

ولا إشكال في شيء من ذلك.

ويشهد بها: «القواعد»(1)، وصحيح زرارة المتقدّم آنفاً.

أقول:

إنّما الكلام في أنّه:

إذا لم يدرك الحَجّ وفاته، فهل يتحلّل بالعُمرة مطلقاً كما هو المشهور؟

أو أنّه إذا تبيّن وقوع الذبح عنه يحصل التحلّل به، ولا يحتاج إلى التحلّل بالعُمرة كما احتمله الشهيدان(2) وغيرهما(3)؟

واستدلّ للأوّل بوجهين:

الوجه الأوّل:

أنّ أدلّة وجوب التحلّل بالعُمرة لمن أحرم ولم يُدرك الحَجّ ، تدلّ على تعيّن التحلّل بالعُمرة، وأدلّة حصول التحلّل ببلوغ الهَدْي محلّه تدلّ على حصوله ببلوغ الهَدْي، والنسبة بين الطائفتين عموم من وجه، فيرجّح الطائفة الأُولى؛ للشهرة بين الأصحاب.

أقول:

ولكن الحقّ أنّه لا تعارض بين الطائفتين، فإنّ الأُولى تدلّ على أنّ المحرم يتحلّل بالعُمرة، والثانية تدلّ على خروجه عن كونه مُحرِماً ببلوغ الهَدْي محلّه.7.

ص: 373


1- القواعد: ج 1/456.
2- الشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/478، والشهيد الثاني في المسالك: ج 2/403.
3- كالسيّد العاملي في المدارك: ج 8/307.

وما في «الرياض»(1) و «الجواهر»(2) من أنّ أدلّة التحلّل ببلوغ الهَدْي محلّه لا تشمل الفرض؛ إذ غايته الإطلاق المُنساق بحكم التبادر إلى غيره، فيبقى حينئذٍ عموم حكم من فاته الحَجّ وهو التحلّل بالعُمرة بحاله.

يرد عليه أوّلاً:

أنّ ذلك بعينه يجري في أدلّة التحلّل بالعُمرة.

وثانياً:

أنّ التبادر والانصراف ممنوعان.

الوجه الثاني:

صحيح زرارة المتقدّم، بناءً على أنّ المذكور في بعض النسخ(3) بعد قوله عليه السلام:

«فإنّ عليه الحَجّ من قابل»، بدل قوله: «والعُمرة» «أو العُمرة»، بدعوى أنّ المراد بها حينئذٍ هو عُمرة التحلّل، بعد جعل (في القابل) قيداً لخصوص الحَجّ .

وفيه: نظرٌ واضح، مضافاً إلى اختلاف النسخ وعدم ثبوت الثانية، فما احتمله الشهيدان رحمه الله واختاره غيرهما - من أنّه لا يجب التحلّل بالعُمرة إذا تبيّن وقوع1.

ص: 374


1- الرياض: ج 7/253.
2- الجواهر: ج 20/156.
3- قال المُحدِّث البحراني قدس سره: (قال في الوافي: قوله: "من قابل". . "أو العُمرة" يعني إذا كان إحرامه للعمرة، انتهى . وهو كذلك بناء على عطف العُمرة ب "أو"، وأمّا على العطف بالواو، كما في بعض النسخ، وكذلك نقله في وسائل الشيعة: والمنتهى في ما حضرني من نسختهما..)، الحدائق: ج 16/56. كذلك في الكافي - كما تقدّم في تخريج الحديث - وعنه في الوافي: ج 13/781 باب 88 ح 13150، وليس في نسختينا من وسائل الشيعة: ونسخة المنتهى ما ذكره قدس سره، أنظر وسائل الشيعة: (ط. آل البيت): ج 13/183 ح 17529، و وسائل الشيعة: (ط. الإسلامية): ج 9/306 ح 1، والمنتهى (ط. ق): ج 2/581.

الذبح عنه، بل يحصل التحلّل به - هو الأظهر.

أقول:

وبما ذكرناه يظهر أنّه لو علم الفوات أو فات بعد البعث وزوال العذر قبل التقصير، لا يجب عليه المضيّ إلى مكّة للتحلّل بعمرة كما عن «القواعد»(1).

هذا حكم الحَجّ .

وأمّا العُمرة:

فلا خلاف ولا إشكال في مساواتها للحَجّ في الأحكام المتقدّمة، بل مرّ النص المشتمل على العُمرة.

إنّما الكلام في أنّه إذا أراد أن يقضي العُمرة المفردة الواجبة عليه أو المستحبّة:

هل يجب عليه التربّص إلى أن يدخل الشهر اللّاحق كما عن الشيخ في «النهاية»(2) و «المبسوط»(3) وبني حمزة(4) والبرّاج(5) وإدريس(6)؟

أم له الإتيان بها لو زال العُذر من غير تربّص زمان كما عن جماعة(7)؟

أظهرهما الثاني؛ لوجهين:9.

ص: 375


1- القواعد: ج 1/456.
2- النهاية ص 282.
3- المبسوط: ج 1/335.
4- الوسيلة: ص 193.
5- المهذّب: ج 1/271.
6- السرائر: ج 1/640.
7- المحقّق في الشرائع: ج 1/213، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 3/282، والشهيد الثاني في الروضة: ج 2/359.

أحدهما:

ما تقدّم(1) من جواز توالي العُمرتين، وأنّه لا يعتبر الفصل بينهما بشهر أو أقلّ أو أكثر.

ثانيهما:

أنّه على فرض اعتبار الفصل بزمان خاص، إنّما هو في الفصل بين العُمرتين لا الإحرامين، والمفروض رفع اليد عن الأُولى.

وعليه، فالأظهر عدم لزوم التربّص.

***).

ص: 376


1- في بحث: (بيان أقلّ الفصل بين العُمرتين).

حكم ما لو بانَ أنّ هدي المُحصَر لم يذبح

المسألة الرابعة: إذا بعثَ هَدْيه أو ثمنه وتحلّل في يوم الوعد، ثمّ بانَ أنّ هديه لم يُذبح، لا خلاف بينهم في أنّ تحلّله لم يبطل، بمعنى أنّه لا إثم عليه ولا كفّارة فيما فعله من منافيات الإحرام، وعليه ذبح هَدي في القابل:

1 - لقوله عليه السلام في صحيح ابن عمّار المتقدّم: «يواعد أصحابه ميعاداً - إلى أنْ قال - فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ - إلى أنْ قال - فإنْ ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هَدْياًينحرونه، وقد أحلّ ، لم يكن عليه شيء، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً»(1).

2 - وموثّق زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «قلت: أرأيت إنْ ردّوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه، وقد أحلّ فأتي النساء؟ قال عليه السلام: فليعد وليس عليه شيء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث»(2).

3 - وموثّق زرعة: «عن رجلٍ أُحصر في الحَجّ؟ قال عليه السلام: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحلّه أن يبلغ الهَدْي محلّه - إلى أنْقال - فإنّما عليه أن يعدهم لذلك يوماً، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إنْ شاء اللّه تعالى»(3).

وأيضاً: هل يجب عليه الإمساك ثانياً إلى يوم الوعد الثاني كما هو المشهور؟

أم لاكماعن الحِلّي(4) وظاهر «الشرائع»(5) و «النافع»(6) و «المختلف»(7) وغيرها(8)؟

ص: 377


1- الكافي: ج 4/369 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/181 ح 17527.
2- الكافي: ج 4/371 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/180 ح 17525.
3- التهذيب: ج 5/423 ح 116، وسائل الشيعة: ج 13/182 ح 17528.
4- السرائر: ج 1/639.
5- الشرائع: ج 1/213.
6- النافع: ص 100.
7- المختلف: ج 4/347.
8- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: ج 1/529.

وجهان أظهرهما الأوّل؛ لوجهين:

أحدهما: أنّه مقتضى القاعدة، فإنّ الظاهر من النصوص، سيّما بعد ضَمّ قوله تعالى : «وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ » (1) كونها في مقام جعل طريقٍ إلى ما هو الموضوع للحكم، وإلّا فالموضوع هو ذبح الهَدْي في المكان المخصوص، وهو الموجب للتقصير والإحلال، والخروج عن الإحرام، وعليه فإذا انكشف الخلاف، وأنّه لم يُذبح، تبيّن بقاؤه على إحرامه، غاية الأمر لا إثم عليه ولا كفّارة، لكون الإحلال بإذن الشارع.

ثانيهما: الأمر به في صحيح ابن عمّار وموثّق زرارة.

واستدلّ للقول الآخر: بأنّه ليس بمحرم ولا في حرم، ولا وجه للزومه، والأصل يقتضي عدم اللّزوم، ولذلك يُحمل الأمر بالإمساك في الخبرين على الندب، مضافاً إلى عموم قوله عليه السلام في الموثّق الأخير: «لم يضرّه».

ويرد عليه أوّلاً: ما تقدّم من أنّه مُحرم.

وثانياً: ما المانع من عدم كونه مُحرِماً ومع ذلك يجب عليه الإمساك، للنص ؟، ويؤيّده ما يدلّ على بعث الهَدْي من الآفاق والإمساك كما سيجيء.

وأمّا قوله عليه السلام: «فلم يضرّه»، في الموثّق، فلا عموم له يشمل الإمساك أوّلاً، فإنّه يدلّ على أنّ ما فعله من عدم اجتناب المحرّمات لا يكون مستلزماً لتوابع وأنّ الخلف لم يضرّه، وأمّا الإمساك فهو ناشٍ من الإمساك السابق لا من الخلف، فتدبّر، ويقيّد إطلاقه على فرض ثبوته بما تقدّم ثانياً.

أقول: ثمّ إنّه هل يجب الإمساك عن كلّ شيء أو عن خصوص النساء؟6.

ص: 378


1- سورة البقرة: الآية 196.

الأظهر هو الأوّل؛ لبقاء إحرامه، ولإطلاق الصحيح، فإنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، وموثّق زرارة وإنْ اختصّ بالإمساك عن النساء، لكنّه لا مفهوم له كي يقيّد به إطلاق الصحيح، ومنطوقه لا ينافيه.

وأيضاً: هل يجب الإمساك من حين الانكشاف ؟ أو من حين البعث ؟

مقتضى القاعدة وإطلاق الصحيح هو الأوّل، كما أفتى به جمعٌ منهم المحقّق الأردبيلي رحمه الله(1)، ولكن موثّق زرارة بمفهومه يدلّ على عدم وجوب الإمساك قبل البعث، إلّاأنّه مختصّ بالإمساك عن النساء، ولا مانع من الالتزام به بخصوصه؛ من جهة لزوم الحرج من عدم حلهنّ له إلى العام القابل، واللّه العالم.

***8.

ص: 379


1- مجمع الفائدة: ج 7/418.

حكم القارن إذا أُحصر

المسألة الخامسة:

لا إشكال ولا خلاف في أنّه إذا أُحصر القارن وكان يجب عليه حَجّ القران تعيّيناً لنذرٍ أو شبهه، لم يحجّ في القابل إلّاقارناً؛ فإنّ القاعدة تقتضي ذلك، مضافاً إلى نصوص خاصّة:

منها: صحيح رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام وابن مسلم، عن الباقر عليه السلام:

«القارن يُحصر وقد قال واشترط فحلّني حيث حبستني ؟

قال عليه السلام: يبعث بهديه، قلنا: هل يتمتّع في قابل ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه»(1).

ومنها: خبر رفاعة، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍ ساق الهَدْي ثمّ أُحصر؟ قال: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتّع من قابل ؟ فقال عليه السلام: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه»(2).

أقول: إنّما الخلاف في موردين:

الأوّل: فيما إذا لم يكن القِران متعيّناً عليه.

الثاني: فيما إذا أُحصر المتمتّع.

أمّا المورد الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب أنّه يجب عليه أن يحجّ قارناً.

ص: 380


1- التهذيب: ج 5/423 ح 114، وسائل الشيعة: ج 13/184 ح 17531.
2- الكافي: ج 4/371 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/185 ح 17532.

وعن المصنّف في جملةٍ من كتبه(1) والمحقّق في بعضها(2) و «كشف اللّثام»(3)وغيرها(4)، أنّ الأفضل حينئذٍ القِران، ويجوز أن يتمتّع.

يشهد للأوّل: إطلاق الأخبار المتقدّمة.

واستدلّ للثاني:

1 - باحتمال أن يكون فرضه القِران.

2 - وبأنّه يتعيّن حمل الأخبار على إرادة الاستحباب، إذ مع عدم وجوب قضاء الأصل كيف تجب الكيفيّة.

ولكن الأوّل خلاف الإطلاق ولا قرينة عليه، والثاني استبعادٌ في غير محلّه؛ إذ ما المانع من عدم وجوب الأصل نفساً ووجوب الكيفيّة شرطاً؟ وكم له من نظير، مثلاً صلاة اللّيل مستحبّة، ووقوعها مع الطهارة لازم، وكذا غيرها من الموارد، مع أنّه لا يتمّ في الواجب التخيّيري.

وأمّا المورد الثاني:

فإنْ كان الذي أُحصر فيه واجباً معيّناً، لزم قضاؤه في القابل كذلك وهو واضح، وإنْ كان غير معيّن فمقتضى القاعدة عدم تعيّن التمتّع عليه في القابل، ولكن قد يدّعي الإجماع عليه(5)، فإنْ تمّ وإلّا فالأظهر عدم التعيّن.

ص: 381


1- المنتهى (ط. ق): ج 2/851، والمختلف: ج 4/349-350، والقواعد: ج 1/456.
2- الشرائع: ج 1/214، والنافع ص 101.
3- كشف اللّثام: ج 6/324.
4- كالسيّد العاملي قدس سره في المدارك: ج 8/308.
5- فرض تحقّق الإجماع سيّد الرياض في الرياض: ج 7/257، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 20/159، ولم نقف على مدّع له.

يستحبّ بعث الهَدْي إلى منى

المسألة السادسة: من أراد أن يُدرك ثواب الحَجّ في كلّ سنةٍ فليعمل بما تضمّنه مرسل الشيخ، قال الصادق عليه السلام: «ما يمنع أحدكم من أنْ يحجّ كلّ سنة ؟ فقيل له: لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال عليه السلام: أمّا يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعاً بالبيت ويذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيّأ وأتى المسجد، فلا يزال في الدُّعاء حتّى تغرب الشمس»(1).

والظاهر أنّ المراد بثيابه ثياب الزينة، كما أريدت بها في الخروج يوم الجمعة والعيد، ولا يضرّ إرساله، لكونه حجّة في نفسه من جهة إسناد الشيخ ذلك إلى الإمام عليه السلام جزماً، ولإخبار من بلغ.

أقول: وقد ورد ذلك بطريقٍ آخر، لاحظ:

1 - صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ ابن عبّاس وعليّاً كانا يبعثان هديهما من المدينة ثمّ يتجرّدان، وإن بعثا بهما من أُفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوماً معلوماً، ثمّ يمسكان يومئذٍ إلى يوم النحر عن كلّ ما يمسك عنه المُحرِم، ويجتنبان كلّ ما يجتنب عنه المُحرِم، إلّاأنّه لا يُلبّي إلّا من كان حاجّاً أو مُعتمراً»(2).

ص: 382


1- الفقيه: ج 2/518 ح 3110.
2- التهذيب: ج 5/424 ح 119، وسائل الشيعة: ج 13/191 ح 17547.

2 - وخبر سلمة عنه عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يبعث بهديه ثمّ يمسك عمّا يمسك عنه المُحرِم، غير أنّه لا يُلبّي، ويواعدهم يوم ينحر بدنة فيحلّ »(1).

3 - وصحيح ابن عمّار، عنه عليه السلام: «عن الرجل يُرسل بالهَدْي تطوّعاً؟ قال عليه السلام:

يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه»(2).

4 - وصحيح هارون بن خارجة: «أنّ أبا مراد بعث بدنةً وأمر الذي بعثها معه أن يقلّد ويُشعر في يوم كذا وكذا، فقلت له: إنّه لا ينبغي لك أن تلبس الثياب، فبعثني إلى أبي عبد اللّه عليه السلام وهو بالحيرة، فقلت له: إنّ أبا مراد فعل كذا وكذا، وأنّه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر؟ فقال عليه السلام: مُره فليلبس الثياب ولينحر بقرةً يوم النحر عن لبسه الثياب»(3)، ونحوها غيرها.

والمناقشة فيها: بأنّها أخبار آحاد لا يلتفت إليها، والاُمور الشرعيّة يحتاج مثبتها ومدّعيها إلى أدلّة شرعيّة كما عن الحِلّي(4).

مندفعة: بحجيّة الخبر الواحد أوّلاً، وهذه النصوص كثيرة بالغة حَدّ الاستفاضة بل التواتر ثانياً، والحكم الذي يُراد إثباته استحبابي يكفي فيه خبر ضعيف ثالثاً.

والإيراد عليها: بأنّها في المصدود والمحصور، ولا تدلّ على استحباب بعث2.

ص: 383


1- وسائل الشيعة: ج 13/191 ح 17546.
2- التهذيب: ج 5/424 ح 118، وسائل الشيعة: ج 13/191 ح 17549.
3- التهذيب: ج 5/425 ح 120، وسائل الشيعة: ج 13/192 ح 17551.
4- السرائر: ج 1/642.

الهَدْي(1)، بين الضعف كما يظهر لمَن تأمّلها، سيّما صحيح ابن سنان وخبر ابن خارجة.

أقول: ثمّ إنّ الكيفيّتين مختلفتان وأحكامهما أيضاً مختلفة، فلا وجه للتسوية بينهما في الأحكام كما عن الشهيد(2)، وظاهر هذه النصوص لزوم اجتناب الباعث للهدي من اليوم الذي يواعد أصحابه للتقليد والإشعار إلى يوم النحر عن كلّ ما يحرم على المُحرِم، ولبس ثياب الإحرام، ولا مانع من الالتزام به، بمعنى أنّ من يريد العمل بهذا المستحبّ وجب عليه ذلك.

وأخيراً: هل تجب عليه الكفّارة لو فعل ما يحرم على المُحرِم فعله كما عن الشيخ(3) والقاضي(4)؟

أم تستحبّ كما عن المصنّف(5) وفي «الشرائع»(6)؟

أم لا كفّارة عليه ؟

وجوه، مقتضى القاعدة هو الأخير؛ لعدم كونه مُحرِماً حقيقة، كي تشمله نصوص الكفّارة، وخبر هارون مختصّ باللّبس ومتضمّن للتكفير ببقرة، ولا يقولون به كما صرّح به غير واحد(7)، فلا وجه للوجوب، وقاعدة التسامح في أدلّة السنن لا تصلح لإثبات الاستحباب؛ لأنّها مختصّة بما إذا ورد خبرٌ ضعيفٌ دالّ على5.

ص: 384


1- المورد هو السيّد الطباطبائي في الرياض: ج 7/257.
2- الشهيد الثاني في المسالك: ج 2/404.
3- النهاية: ص 283.
4- المهذّب: ج 1/271.
5- القواعد: ج 1/457.
6- الشرائع: ج 1/214.
7- أنظر ما قاله فخر المحقّقين في الإيضاح: ج 1/328، والفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 6/325.

حكم استحبابي ولا تشمل فتوى الفقية، وعليه، فالأظهر عدم الاستحباب.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بمهمّات مسائل الحَجّ ، وقد وقع الفراغ منه في السادس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة 1388 الهجرية في بلدة يزد، وقد مضى خمسة عشر شهراً على نفيي من مدينتي بغير حقّ . حفظ اللّه المسلمين وبلادهم من يد الأجانب، ومن عبثهم بعقول المسلمين، وأهلك اللّه كلّ من تسوّل له نفسه العبث في بلاد المسلمين، ولنختم بقوله تعالى : «رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اُعْفُ عَنّا وَ اِغْفِرْ لَنا وَ اِرْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكافِرِينَ » .

وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

***

ص: 385

ص: 386

فهرس الموضوعات

الفصل الثالث / في الوقوف بالمشعر... 7

اعتبار النيّة في الوقوف... 11

إجزاء الوقوف بالمشعر نهاراً... 14

حكم من أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر... 18

عدم وجوب استيعاب زمان الوقوف... 18

عدم وجوب المبيت بالمشعر... 21

أوقات الاختيار والاضطرار للموقفين... 24

حكم من أدرك اختياري عرفة خاصّة... 25

حكم من أدرك المشعر خاصّة... 28

إجزاء الوقوف بالمشعر نهاراً... 30

الصُور المركّبة... 32

حكم من فاته الحَجّ بعد الإحرام... 36

انقلاب الحَجّ إلى العُمرة قهراً... 38

مستحبّات الوقوف بالمشعر... 41

في أحكام منى... 45

واجبات الرّمي... 47

ما يستحبّ في الرَّمي... 55

وجوب كون الذبح بعد الرَّمي... 63

ص: 387

وجوب الهَدْي على المتمتّع... 65

وجوب ذبح الهَدْي بمنى... 68

وجوب ذبح الهَدْي يوم النحر... 70

عدم إجزاء الهَدْي إلّاعن واحد... 73

وجوب كون الهَدْي من النعم... 76

اعتبار السن في الهَدْي... 77

اعتبار كون الهَدْي تامّاً... 79

عدم إجزاء المهزول... 86

حكم ما لو بانَ النقص بعد دفع الثمن... 88

مستحبّات الهَدْي... 91

عدم وجوب الأكلّ من الهَدْي... 94

عدم وجوب إطعام شيء من الهَدْي... 97

إخراج لحم الهَدْي من منى... 99

حكم من عجز عن الهَدْي وكان واجداً لثمنه... 101

الصوم بدل عن الهَدْي... 106

حكم صوم أيّام التشريق بمنى... 110

وجوب الهَدْي على من لم يصم الثلاثة في ذي الحجّة... 114

لو وجد الهَدْي بعد الصوم... 118

في أنّ صوم السّبعة بعد الوصول إلى البلد... 120

حكم من أقام بمكّة... 123

أقسام الهَدْي... 126

ص: 388

بيان محلّ ذبح هَدي القِران أو نحره... 129

جواز ركوب الهَدْي ما لم يضرّ به وتعيّنه للذبح... 130

عدم وجوب البدل لو هلك هَدي القِران... 133

عدم إعطاء الجزّار الجلود... 136

تأكّد استحباب الأُضحية.... 138

وقت الأضحية بمنى والأمصار... 142

في بيان جملة من أحكام الأضحية... 146

الحلق أو التقصير... 150

وجوب تأخير الحلق أو التقصير عن الذبح... 153

عدم تعيّن الحلق على الصرورة... 157

وجوب التقصير على النساء... 164

بعث الشعر إلى منى للدفن... 167

حكم من ليس على رأسه شعر... 170

وجوب تقديم التقصير على زيارة البيت... 171

حكم الناسي... 176

بيان مواطن التحلّل... 177

حليّة الطيب بطواف الزيارة... 185

حليّة النساء بطواف النساء... 188

الرجوع إلى مكّة لأداء بقيّة المناسك... 193

وجوب طواف النساء في الحَجّ ... 199

وجوب طواف النساء في العُمرة... 200

ص: 389

وجوب تقديم السعي على طواف النساء... 205

وجوب العود إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق... 209

عدم لزوم المبيت بمنى لو بات بمكّة مشتغلاً بالعبادة... 215

بيان فترة المبيت بمنى... 218

ثبوت الدّم على من لم يبت بمنى... 220

لزوم ثلاث شياة لو بات اللّيالي الثلاث بغير منى... 223

جواز المبيت بغير منى لذوي الأعذار... 226

وجوب رمي الجمار الثلاث أيّام التشريق... 228

اعتبار الترتيب في رمي الجمار... 231

وقت الرَّمي... 238

جواز النفر الأوّل للمتّقي... 244

الشرط الثاني لجواز النفر الأوّل... 251

عدم جواز النفر في الأوّل قبل الزّوال... 254

قضاء نسيان الرّمي... 257

حكم من نسي رمي جَمرة وجهل عينها... 261

حكم من نَسي رمي الجمار حتّى دخل مكّة... 264

جوار الرَّمي عن المعذور... 267

استحباب طواف الوداع... 271

استحباب دخول الكعبة... 274

استحباب التحصيب... 277

حكم مجاورة مكّة... 281

ص: 390

حكم من أحدث ولجأ إلى الحرم... 284

تحديد حرم المدينة... 290

الإجبار على زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله... 296

استحباب المجاورة بالمدينة... 297

استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله... 298

استحباب زيارة فاطمة عليها السلام عند الروضة... 301

وجوب العُمرة المفردة... 305

العُمرة المفردة واجبة على حاضري المسجد الحرام... 308

صورة العُمرة المفردة... 311

صحّة العُمرة المفردة في جميع أيّام السَّنة... 313

إجزاء العُمرة المتمتّع بها ندبا عن المفردة المندوبة... 316

بيان أقلّ الفصل بين العُمرتين... 319

في المصدود والمحصور... 324

المصدود لا يتحلّل إلّابعد الذّبح أو النحر... 327

عدم توقّف التحلّل على التقصير أو الحلق... 331

تحقّق الصَدّ عن الحَجّ بالمنع عن الموقفين... 336

المصدود يجبُ عليه الحَجّ في القابل إنْ كان واجباً... 340

كفاية الهَدْي الذي ساقه المصدود عن هدي آخر... 342

حكم المصدود الذي لم يسق هَدْياً... 346

تحقّق الصَدّ بالحبس ظلماً... 349

حكم من أفسد حجّه فصُدّ... 351

ص: 391

المُحصَر... 354

وجوب بعث الهَدْي على المحصر... 355

مكان الذبح وزمانه... 361

لا يحلّ المُحصَر من النساء حتّى يحجّ ... 361

بيان ما به تحلّ النساء للمُحصَر إنْ كان حجّه تطوّعاً... 366

حكم ما لو بعث المُحصَر هديه ثمّ زال المانع... 373

حكم ما لو بانَ أنّ هدي المُحصَر لم يذبح... 377

حكم القارن إذا أُحصر... 380

يستحبّ بعث الهَدْي إلى منى... 382

فهرس الموضوعات... 387

ص: 392

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.