فقه الصادق المجلد 17

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه الذي أوجب الحَجّ تشيّيداً للدِّين، وجَعَله من القواعد التي عليها بناء الإسلام، والصّلاة على محمّدٍ المبعوث إلى كافّة الأنام، وعلى آله هُداة الخلق، وأعلام الحَقّ ، واللّعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدِّين.

وبعدُ، فهذا هو الجزء السابع عشر من كتابنا «فقه الصادق»، وقد وفّقني اللّه سبحانه لطبعه، راجياً منه تعالى التوفيق لنشر بقيّة الأجزاء، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

الباب السادس: في الطواف:

وهو واجبٌ مرّة في العُمرة المتمتّع بها، ومرّتين في حَجّه، وفي كلّ واحدٍ من عُمرة الباقيين مرّتين، وكذا في حجّهما، ويشترط فيه الطهارة.

الطواف

(الباب السادس: في الطواف)، وقد مرَّ عند بيان صورة التمتّع وأخويه أنّه واجبٌ في كلّ من العُمرة والحَجّ بأقسامهما إجماعاً، بل ضرورة(1). (وهو واجبٌ مرّة في العُمرة المتمتّع بها، ومرّتين في حجّه، وفي كلّ واحدٍ من عُمرة الباقيين مرّتين، وكذا في حجّهما)، وقد تقدّمت النصوص المستفيضة المتضمّنة لذلك كلّه.

أقول: (و) الكلام في المقام إنّما هو في واجباته، ومستحبّاته، وأحكامه، وعليه فهاهنا أبحاث:

البحث الأوّل: في واجباته، وفيه مقامان:

الأوّل: في مقدّماته.

والثاني: في أفعاله.

اعتبار الطهارة في الطواف

أمّا المقام الأوّل: ف (يشترط فيه) اُمور:

ص: 7


1- حكاه في مستند الشيعة: ج 12/52.

الأمر الأوّل: (الطهارة) من الحَدَث الأكبر والأصغر في الطواف الواجب، واشتراطها فيه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة، بل عليه الإجماع محقّقاً ومحكيّاً(1)، كذا في «المستند»(2).

وفي «الجواهر»(3): (بل الإجماع بقسميه عليه).

وفي «الرياض»: (بإجماعنا الظاهر المصرّح به في كلام جماعةٍ ).

وفي «المنتهى »(4): (ذهب إليه علمائنا أجمع).

وفي «التذكرة»(5): (عند علمائنا).

وإطلاق جملة من العبارات - كالمتن - يشمل الطواف المندوب كماعن الحلبي(6)، وصريح جملةٍ منها الاختصاص بالواجب، بل هو المشهور بين الأصحاب(7).

أمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما هو ظاهر في اشتراطها فيه مطلقاً:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّاالطواف بالبيت، والوضوء أفضل»(8).

ومنها: صحيح علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ طاف2.

ص: 8


1- منتهى المطلب: ج 2/690 (ط. ق)، والحدائق: ج 16/83.
2- مستند الشيعة: ج 12/52.
3- رياض المسائل: ج 6/523.
4- منتهى المطلب: ج 2/690 (ط. ق).
5- تذكرة الفقهاء: ج 8/83 (ط. ج).
6- الكافي في الفقه: ص 195.
7- كما حكاه في مستند الشيعة: ج 12/54.
8- الفقيه: ج 2/399 ح 2810، وسائل الشيعة: ج 13/374 ح 17992.

بالبيت وهو جُنُب، فذكر وهو في الطواف ؟ قال عليه السلام: يقطع الطواف ولا يعتدّ بشيء ممّا طاف.

وسألته عن رجلٍ طاف ثمّ ذكر أنّه على غير وضوء؟ قال: يقطع طوافه ولا يعتدّ به»(1).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثانية: ما هو ظاهر في عدم اشتراطها فيه مطلقاً:

منها: خبر زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ طاف بالبيت على غير وضوء؟ قال عليه السلام: لا بأس»(2).

والظاهر أنّ من هذه الطائفة خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«أنّه سئل: أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال عليه السلام: نعم، إلّاالطواف بالبيت، فإنّ فيه صلاة»(3).

فإنّ ظاهر التعليل أنّ الطهارة شرط في صلاته دون نفسه.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على اشتراطها في الطواف الواجب دون المندوب:

منها: موثّق عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلت له: رجل طاف على غير وضوء؟ فقال عليه السلام: إنْ كان تطوّعاً فليتوضّأ وليصلِّ »(4).

ومنها: حسنه الآخر، عنه عليه السلام: «لا بأس أن يطوف الرّجل النافلة على غير9.

ص: 9


1- الكافي: ج 4/420 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/375 ح 17995.
2- التهذيب: ج 5/470 ح 295، وسائل الشيعة: ج 13/377 ح 18001.
3- الكافي: ج 4/420 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/376 ح 17997.
4- التهذيب: ج 5/117 ح 54، وسائل الشيعة: ج 13/376 ح 17999.

وضوء ثمّ يتوضّأ ويُصلّي، فإنْ طاف متعمّداً على غير وضوء، فليتوضّأ وليصلِّ ، ومن طاف تطوّعاً وصلّى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجل طاف طواف الفريضة، وهو على غير طهور؟ قال عليه السلام: يتوضّأ ويعيد طوافه، وإنْ كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين»(2) ونحوها غيرها.

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي تقيّيد الأولتين بالثالثة، وتكون النتيجة حينئذٍ اشتراطها في الواجب منه دون المندوب، كما هو المشهور.

حكم طواف المُحدِث بالحَدَث الأكبر

وتمام البحث في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في فروع:

الفرع الأوّل: الظاهر أنّه لو كان الطوافُ جزء الحَجّ المندوب أو العُمرة المندوبة، اعتبار الطهارة فيه، لأنّ ظاهر النصوص أنّ الميزان هو كون الطواف واجباً أو مندوباً لنفسه، والطواف في الموردين واجبٌ كما لا يخفى .

الفرع الثاني: لو كان الطائف مُحدِثاً بالحَدَث الأكبر:

فإنْ كان عالماً، بطل طوافه المندوب، لا لاشتراطه بالطهارة، بل لأنّ الكون في المسجد حرامٌ عليه، فيتّحد المنهيّ عنه مع جزءٍ من المأمور به، إذ الطواف مركّبٌ من الكون في المسجد، والدوران حول البيت، فلا مناص عن القول بالامتناع، فيقدّم جانب النهي وهو واضح، فيكون الطواف منهيّاً عنه وخارجاً عن المأمور به.

ص: 10


1- الفقيه: ج 2/400 ح 2812، وسائل الشيعة: ج 13/374 ح 17993.
2- الكافي: ج 4/420 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/374 ح 17994.

وبعبارة اُخرى: في موارد اجتماع الأمر والنهي إذا كان المأمور به والمنهيّ عنه عنوانين منطبقين على شيء واحد ووجود فارد، وكان التركيب بينهما اتّحاديّاً، فلا مناص عن القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي، كما حقّقناه في الاُصول(1)، فحينئذٍ يقع التعارض بين إطلاقي دليلي الأمر والنهي، ولابدّ من تقديم أحدهما، فلو قُدِّم الإطلاق في طرف النهي، خرج المجمع عن حيّز الأمر واقعاً، ويكون متمحّضاً في الحرمة، فلا يقع صحيحاً، وبما أنّ الإطلاق في جانب النهي شمولي فيقدّم هو دائماً، وتمام الكلام في ذلك موكولٌ إلى محلّه.

وعلى هذا، فنقول في المقام: إذا طاف الجُنُب، فبما أنّ الطواف عنوانٌ منطبق على الكون في المسجد، والمرور فيه بنحوٍ خاص، ونفس هذين العنوانين محرّمان على الحائض، فيتّحد المأمور به والمنهيّ عنه وجوداً، فيقدّم النهي، فطواف الجُنُب لا تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها فيقع فاسداً.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ الطواف بالبيت حقيقته الحركة القائمة بالطائف، وليس الكون في المسجد عينها ولا جزءً منها، وإنْ كان ملازماً معها، فلا مانع من كونه مأموراً به مع النهي عن الكون في المسجد، وحيث إنّهما متلازمان، فيقع التزاحم بين الأمر والنهي، فيقدّم جانب النهي ويسقط الأمر، ولكن بما أنّ المختار صحّة الترتّب فيمكن القول بالصحّة حينئذٍ للترتّب، وعليه فلو كان جاهلاً بالجنابة فطاف بالبيت ندباً، صحَّ طوافه، ولا شيء عليه حتّى الإثم، لفرض الجهل بالموضوع.

أقول: وبما ذكرناه ظهر تماميّة ما أفاده سيّد مشايخنا رحمه الله(2) من أنّه: (لو طاف8.

ص: 11


1- زبدة الاصول: ج 3/7.
2- الرسائل الفشاركيّة: ص 318.

ندباً فتبيّن كونه جُنُباً، ففي صحّته وجهان:

1 - من أنّه لكونه عين الدخول في المسجد، يكون منهيّاً عنه فى الواقع فلايصحّ .

2 - ومن أنّ مفهوم الطواف أعمٌّ من الكون في المسجد من وجه، وإنْ كان أخصّ من الصلاة بحسب الخارج، فالنهيّ عنه مع الكون في المسجد، والفرض أنّه لأجل الجهل بالحيض مرتفعٌ فيصحّ ، وهو الأقوى )، انتهى .

وقد ظهر ممّا ذكرناه حكم ما لو نسي الجنابة فطاف، فإنّه لا إشكال في صحّة طوافه كما مرّ.

هذا كلّه في الطواف المندوب.

وأمّا الطواف الواجب: فلا إشكال في فسادة مع العلم والعمد.

وأمّا في صورة الجهل والنيسان فقد يتوهّم البناء على الصحّة، لحديث رفع القلم، ولكن قد حُقّق في محلّه أنّ حديث الرفع رافعٌ للتكليف لا مثبتٌ له، فلا يصلح لإثبات صحّة المأتي به.

وبذلك كلّه ظهر تماميّة ما أفاده الشيخ في محكي «التهذيب»(1) من أنّه: (من طاف على غير وضوء أو طاف جُنُباً، فإنْ كان طوافه طواف الفريضه، فليعد، وإنْ كان طواف السُنّة توضّأ أو اغتسل فصلّى ركعتين، وليس عليه إعادة الطواف) انتهى .

الفرع الثالث: لو كان جُنُباً أو على غير وضوء، ولم يجد الماء في الوقت المضروب للطواف، تيمّم وطاف وصحَّ طوافه، لعموم دليل إباحة الترابيّة ما تبيحه المائيّة.6.

ص: 12


1- تهذيب الأحكام: ج 5/116.

ولكن نُسب إلى فخر المحقّقين(1) ابن المصنّف رحمه الله أنّه منع من استباحة اللّبث في المساجد، ودخول المسجدين بها، وأفاد سيّد «المدارك»(2): (أنّ مقتضاه عدم استباحه الطواف به) وأيّده صاحب «الجواهر»(3) بقوله: (وهو كذلك)، انتهى .

أقول: قد مرّ الكلام فيما أفاده فخر المحقّقين في الأجزاء الاُولى من كتابنا هذا في مبحث التيمّم(4)، وبيّنا هناك أنّه لا وجه للمنع منها، وعلى القول بالمنع، ليس مقتضاه عدم استباحه الطواف به، لما مرّ من أنّ الطواف غير الكون في المسجد، وعليه فيقع التزاحم بين الأمر بالطواف والنهي عن الكون في المسجد، وحيثُ لا يكون أهميّة أحدهما مُحرزة فيحكم بالتخيير، فله أنْ يتيمّم ويطوف ويصحّ طوافه حينئذٍ، واللّه العالم.

***3.

ص: 13


1- نسبه له صاحب المدارك: ج 8/115.
2- مدارك الأحكام: ج 8/116.
3- جواهر الكلام: ج 19/271.
4- فقه الصادق: ج 4/433.

وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن

إزالة النجاسة من شرائط الطواف

الأمر الثاني (و) يدور البحث فيه عن: (إزالة النجاسة عن الثوب والبدن) وفيه قولان:

1 - وجوبها في الواجب والمندوب، كما عن الأكثر(1)، بل عن «الغُنية»(2)الإجماع عليه.

2 - وعن الإسكافي(3)، وابن حمزة(4)، و «المدارك»(5)، و «الذخيرة»(6)، و «الكفاية»(7) وفي «المستند»(8) عدم الوجوب والاشتراط.

واستدلّ للأوّل: بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع، وقد مرّ ما فيه مراراً.

ص: 14


1- حكاه عنهم في المستند: ج 12/54.
2- غنية النزوع: ص 172.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/198 قال: «والمكروهة أربعة أشياء كالطواف في ثوب نجس وإذا أصاب بدنه نجاسة...).
4- الوسيلة: ص 173.
5- مدارك الأحكام: ج 8/117 قال: (ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن الجُنيد وابن حمزة، إلّاأنّ الأولى اجتناب ما لم يعف عنه في الصلاة، والأحوط اجتناب الجميع كما ذكره ابن إدريس).
6- ذخيرة المعاد: ج 1/626 ق 3، قال بعدما نقل الكراهة عن ابن الجُنيد وابن حمزة (ولعلّه أقرب...).
7- كفاية الأحكام: ج 1/329.
8- مستند الشيعة: ج 12/55.

الوجه الثاني: النبوي المشهور: «الطواف في البيت صلاة»(1)، فإنّ مقتضى عموم التنزيل اعتبار الطهارة من الخَبَث فيه كاعتبارها في الصلاة.

وأُورد عليه بإيرادين:

الإيراد الأوّل: ما في «الحدائق»(2)، قال: (إنّا لم نقف عليه في شيء من كتب الأخبار، وإن تناقلوه بهذا اللّفظ في كتب الفروع من غير سند، وما هذا شأنه فلا اعتماد عليه).

وفيه: أنّه لا ريب في ما أفاده، ولكن ضعفه ينجبر بالعمل، سيّما من نحو ابن زُهرة(3) والحِلّي(4) الذين لا يعملان بصحيح أخبار الآحاد فضلاً عن ضعيفها، إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعيّة، مع أنّ المصنّف رحمه الله نسب في «المنتهى »(5)و «التذكرة»(6) هذه الجملة إلى المعصوم عليه السلام بنحو الجزم، ولم ينقلها بلفظة رُوي، وقد مرّ غيره مرّة أنّ نحو هذا الإرسال حجّة في نفسه، لأنّ مثل هذا النقل يكشف عن ثبوت صدوره عن المعصوم عنده، وإلّا عُدَّ ذلك كذباً ينافي مع وثاقته.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ المصنّف رحمه الله أيضاً من جهة استناد الأصحاب إليه اطمئن بصدور ذلك عنه صلى الله عليه و آله.).

ص: 15


1- كنز العمّال: ج 3/10 الرقم 206، سنن البيقي: ج 5/87، الجامع الصغير للسيوطي: ج 2/56، مستدرك الحاكم: ج 1/459 كما عن هامش الجواهر: ج 6/92.
2- الحدائق الناضرة: ج 16/85.
3- في الغنية: ص 172.
4- في السرائر: ج 1/574.
5- منتهى المطلب: ج 2/690 (ط. ق).
6- تذكرة الفقهاء: ج 8/85 (ط. ج).

وعليه، فالعمدة هو الوجه الأوّل.

الإيراد الثاني: ما في «الحدائق»(1) و «المستند»(2)، من منع اقتضاء التشبيه المساواة من جميع الجهات.

وفيه: إنّ مقتضي عموم التنزيل ذلك إلّاما خرج بالدليل.

والحقّ أن يورد عليه: بأنّ مرسل البزنطي - الذي هو كالصحيح - عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قلت له: رجلٌ في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله، فطاف في ثوبه ؟ فقال: اجزأه الطواف، ثمّ ينزعه ويُصلّي في ثوبٍ طاهر»(3)أخصّ منه فيقيّد إطلاقه به.

الوجه الثالث: موثّق يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل يرى في ثوبه الدّم وهو في الطواف ؟ قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدّم فيعرّفه، ثمّ يخرج ويغسله ثمّ يعود فيتمّ طوافه»(4).

والإيراد عليه: بضعف السند بعد كونه موثّقاً ومعمولاً به بين الأصحاب، لا وجه له، كما أنّ الإيراد عليه بأنّ الجملة الخبريّة غير ظاهرة في الوجوب، يندفع بما مرّ من أنّها أظهر في الوجوب من الأمر، مع أنّه رواه الصدوق بصيغة الأمر، فإنّه رواه بإسناده عن يونس، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأناأطوف ؟ قال عليه السلام: فاعرف الموضع ثمّ اخرج فاغسله، ثمّ عُد فابن على طوافك»(5).9.

ص: 16


1- الحدائق الناضرة: ج 16/85.
2- مستند الشيعة: ج 12/55.
3- التهذيب: ج 5/126 ح 88، وسائل الشيعة: ج 13/399 ح 18061.
4- التهذيب: ج 5/126 ح 87، وسائل الشيعة: ج 13/399 ح 18060.
5- الفقيه: ج 2/392 ح 2793، وسائل الشيعة: ج 13/399 ح 18059.

نعم، يعارضه مرسل البزنطي المتقدّم، وقد يجمع بينهما بحمل الموثّق على الاستحباب، وآخر بحمل المرسل على صورة الجهل.

والحقّ أنْ يقال: إنّ الموثّق مختصٌّ بصورة العلم، بل هو أيضاً يدلّ على أنّه مع الجهل لا يضرّ، والمرسل عامٌّ للصورتين فيخصّص به، فيختصّ المرسل بصورة الجهل، أو بصورتي الجهل والنيسان.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ قوله في ذيله: (ثمّ ينزعه، ويُصلّي في ثوبٍ طاهر) يمنع عن حمله على صورة الجهل والنسيان، فإنّه ظاهرٌ في إرادة صورة العلم والتوجّه بالنجاسة.

وعليه، فيتعيّن الجمع:

1 - إمّا بحمل الموثّق على الاستحباب، ولكن عدم إفتاء الأصحاب بذلك يوقفنا عن الإفتاء بعدم الاشتراط جزماً، إذ لعلّ ذلك إعراضٌ عن المرسل، فالأحوط لزوماً رعايته.

والموثّق وإنْ اختصّ بالدّم، ولكن بالإجماع وعدم القول بالفصل يُتعدّى إلى سائر النجاسات.

2 - أو يقال إنّه إذا سقط المرسل عن الحجيّة بالإعراض، فإطلاق قوله عليه السلام:

(الطواف في البيت صلاة) يقتضي اشتراط الطهارة من الخَبَث مطلقاً.

وهل النجاسة المعفو عنها في الصلاة - كالدّم دون الدرهم - تكون مانعة عن صحّة الطواف كما عن «المنتهى »(1) و «التذكرة»(2) و «التحرير»(3) والحِلّي(4)4.

ص: 17


1- منتهى المطلب: ج 2/690 (ط. ق).
2- تذكرة الفقهاء: ج 8/84-85 (ط. ج).
3- تحرير الأحكام: ج 1/580.
4- السرائر: ج 1/574.

وفي «الجواهر»(1)؟.

أم لا؟ كما عن الشهيدين(2) وفي «الرياض»(3)؟ وجهان:

من عموم الموثّق، ومن عموم التشبيه في النبوي، فإنّ الأوّل يقتضي المنع، والثاني عدمه.

ويؤيّد الثاني فحوى العفو عنه في الصلاة، ولكن بما أنّ النسبة بين الدليلين عمومٌ من وجه، فيقدّم الموثّق لأصحيّة سنده، فعدم العفو لو لم يكن أظهر لا ريب في أنّه أحوط، وعليه فما أفاده المصنّف رحمه الله من بطلانه في الخاتم النجس، متينٌ .

***4.

ص: 18


1- جواهر الكلام: ج 19/273.
2- الدروس: ج 1/392 لكنّه قال: (وفي العفو عمّا يعفى عنه في الصلاة نظر) مسالك الأفهام: ج 2/328.
3- رياض المسائل: ج 6/524.

اعتبار سَتر العورة في الطواف

الأمر الثالث: ما عن «الخلاف»(1) و «الغُنية»(2) و «الإصباح»(3) وفي جملةٍ من كتب المصنّف(4) اشتراط ستر العورة.

وعن ظاهر الأكثر حيث لم يذكروه، وصريح جمعٍ من المتأخّرين(5)، عدم اعتباره فيه، وقوّاه صاحب «المستند»(6).

واستدلّ المصنّف رحمه الله في «المنتهى »(7) للإشتراط:

1 - بقوله صلى الله عليه و آله: «الطواف في البيت صلاة»(8).

2 - وبقوله صلى الله عليه و آله: «لا يحجّ بعد العام مشركٌ ولا عريان»(9).

أقول: وظاهره في محكي «المختلف»(10) التوقّف في ذلك، حيث أنّه عَزى الاشتراط إلى الشيخ وابن زُهرة، واحتجّ لهما بالخبر الأوّل، ثمّ قال: (ولمانعٍ أن يمنع ذلك، وهذه الرواية غير مسندة من طرقنا، فلا حجّة فيها)، واستجوده

ص: 19


1- الخلاف: ج 2/322.
2- غنية النزوع: ص 672.
3- إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهيّة): ج 8/461 كما في هامش كشف اللّثام ونسبه إليه في: ج 5/407.
4- انظر منتهى المطلب: ج 2/690 (ط. ق)، تذكرة الفقهاء: ج 1/361 (ط. ق).
5- هكذا قال في المستند: ج 12/57، وانظر في رياض المسائل: ج 6/523 مقدّمات الطواف، والمدارك: ج 8/119، ذخيرة المعاد: ج 1/626 ق 3 (ط. ق) وغيرهم.
6- مستند الشيعة: ج 12/57.
7- منتهى المطلب: ج 2/690 (ط. ق).
8- سنن البيهقي: ج 5/87، وكنز العمّال: ج 3/10 الرقم 206.
9- صحيح مسلم: ج 2/982، صحيح البخاري: ج 2/188.
10- مختلف الشيعة: ج 4/200.

سيّد «المدارك»(1).

والجواب: أمّا الخبر الأوّل فمنجبرٌ ضعفه بالعمل والإستناد كما مرّ.

والثاني مروي بعدّة طرق، حتّى قال في محكي «كشف اللِّثام»(2): (إنّ الخبر يقرب من التواتر بطريقنا وطريق العامّة)، لاحظ:

1 - خبر الحكم بن مقسم عن ابن عبّاس - في حديثٍ -: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعثَ عليّاً عليه السلام ينادي: لا يحجّ بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان»(3).

2 - وخبر محمّد بن الفضيل، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني عن اللّه تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان...»(4).

3 - وخبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعثَ عليّاً بسورة براءة فوافى الموسم.

إلى أنْ قال: ولا يطوفنّ بالبيت عريان»(5).

ونحوها غيرها، وقد ذكر جملة من تلك النصوص في «الوسائل»(6).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ العراء أعمّ من سَتر العورة، وحيثُ أنّ الإجماع قائمٌ على صحّة طواف الرّجل عارياً مع ستر العورة، فتُحمل النصوص على الندب، ولا2.

ص: 20


1- مدارك الأحكام: ج 8/119.
2- كشف اللّثام: ج 5/408.
3- علل الشرائع: ص 190 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/400 ح 18062.
4- تفسير القمّي: ج 1/282، وسائل الشيعة: ج 13/400 ح 18063.
5- تفسير العيّاشي: ج 2/74 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/400 ح 18064.
6- راجع وسائل الشيعة: ج 13/400 باب 53 من أبواب الطواف (باب وجوب ستر العورة في الطواف) من حديث رقم 18062.

يصلح الإجماع المذكور قرينةً على إرادة ستر العورة خاصّة من النصوص، كما لا يخفى ، وعليه فالعمدة هو النبوي.

اعتبار إباحة السّاتر في الطواف

وإذا كان السّاتر مغصوباً، فهل يبطل الطواف أم لا؟

أقول: الظاهر هو البطلان، لما مرّ مراراً من أنّ المأمور به والمنهيّ عنه إنْ كانا عنوانين منطبقين على شيءٍ واحد، وكان التركيب اتّحاديّاً، لا مناص عن القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي، وأنّه لابدّ من تقديم أحدهما، وقد مرّ أنّه إذا قُدِّم جانب النهي خرج المجمع عن حيّز الأمر واقعاً، ويكون متمحّضاً في الحرمة، فلا يقع صحيحاً.

وعلى هذا، ففي المقام بما أنّ التستّر شرط الطواف، ومعلوم أنّ التستّر بثوب الغير ولبسه تصرّفٌ فيه، فينطبق عليه عنوان الغصبيّة، فيتّحد المأمور به والمنهيّ عنه وجوداً، وحيث أنّ الإطلاق في طرف الأمر بدليٌ ، وفي طرف النهي شمولي، فيقدّم إطلاق دليل النهي، فالطواف مع السّاتر المغصوب لا تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها، فيقع فاسداً.

فإنْ قيل: إنّ المأمور به يغاير المنهيّ عنه في المقام، إذ الشرط هو المعنى المعبّر عنه باسم المصدر، والمنهيّ عنه المعنى المعبّر عنه بالمصدر، فيكون حال الطواف مع السّاتر المغصوب حاله مع النظر إلى الأجنبيّة في أثنائه.

قلنا: إنّ المعنى المعبّر عنه باسم المصدر، إنّما يكون متّحداً مع المعبّر عنه بالمصدر

ص: 21

وجوداً وخارجاً، والفرق بينهما إنّما يكون بالاعتبار، فلا يعقل كون أحدهما مأموراً به والآخر منهيّاً عنه، ولا فرق فيما ذكرناه بين كون الستر شرطاً عباديّاً، وكونه غير عبادي.

وعليه، فما عن بعض المحقّقين(1) من الحكم بالصحّة في المقام، معلّلاً بأنّ الستر لا يكون معتبراً في الطواف عبادةً ، فلا ينافي تحقّقه بالفعل المحرّم، وغايته حصول الإثم.

ضعيفٌ ، وقد تقدّم لزوم أن لا يكون ثوبي الإحرام مغصوبين.

وأيضاً: هل يعتبر أنْ يكون كلّ ما يلبسه غير الثوبين والسّاتر أيضاً غير مغصوب أم لا؟

أقول: الظاهر عدم الاعتبار، إذ لو كان غير السّاتر والثوبين مغصوباً لا يلزم اتّحاد المأمور به والمنهيّ عنه، لأنّ ما تعلّق به النهي إنّما هو لبس الثوب، وعدم كونه معتبراً في الطواف لا يحتاج إلى بيان، فلا يعقل أنْ يكون موجباً لبطلانه، لأنّ متعلّقه مغاير له، فيكون حاله حال النظر إلى الأجنبيّة في أثناء الطواف.

وقد استدلّ للبطلان في هذا الفرض أيضاً:

1 - بأنّ الطواف عبارة عن الدوران حول البيت، وهو بنفسه يعدّ تصرّفاً في المغصوب، فيتّحد المأمور به والمنهيّ عنه، فيبطل الطواف من هذه الناحية.

2 - وبأنّه مأمورٌ بردّ المغصوب إلى مالكه، وهو مضادٌّ للصلاة، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، والنهي موجبٌ للفساد.).

ص: 22


1- انظر رياض المسائل: ج 3/192 في مبحث (حكم الصلاة في الثوب المغصوب).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ بدن من يطوف غير الثوب الذي لبسه أو المغصوب الذي حمله، والحركة التي يكون قوام الطواف بها هي القائمة بالبدن، والتي تكون غصباً هي القائمة بالمغصوب، فلا يعقل أنْ تكون إحداهما عين الاُخرى .

فإنْ قيل: إنّه ولو سُلّم كون الحركة الطوافيّة غير الحركة الغصبيّة، ولكن لا ريب في أنّ الأُولى علّة للثانية، وحيث أنّ علّة الحرام حرامٌ ، تكون الحركة الطوافيّة حراماً، فيعود المحذور.

قلنا: إنّ مخالفة التكليف الغيري بما أنّها لا توجب البُعد عن اللّه تعالى ، فلا مانع من التقرّب بما هو متعلّقٌ له، إلّابناءً على اعتبار الأمر في صحّة العبادة، فتأمّل، فإنّه إذا سُلّم سقوط الأمر، فحيثُ لا كاشف عن الملاك، فلا طريق إلى إحراز الصحّة.

ويرد الثاني: أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه.

فالمتحصّل: أنّ اعتبار أن لا يكون لابساً للمغصوب، أو حاملاً له في الطواف لو لم يكن أظهر، لا ريب في كونه أحوط، واللّه العالم.

***

ص: 23

والختان في الرَّجل.

يعتبر الختان في الطواف للرجل

(و) الأمر الرابع: (الختان في الرَّجل) عند الأكثر(1) كما صرّح به جماعة(2).

وفي «الجواهر»: (بلا خلاف أجده فيه، بل عن الحلبي أنّ إجماع آل محمّد عليهم السلام عليه)(3) انتهى .

وفي «الحدائق»: (هو المقطوع به في كلام الأصحاب، وموضع وفاق كما يظهر من «المنتهى »)(4) انتهى .

ويشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة، فأمّا الرّجل فلا يطوف إلّاوهو مختتن»(5).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الأغلف لا يطوف بالبيت، ولا بأس أن تطوف المرأة»(6).

ومنها: خبر إبراهيم بن ميمون، عنه عليه السلام: «في الرّجل يُسلِم، فيريد أن يحجّ ، وقد

ص: 24


1- ذكره في المستند: ج 12/55.
2- انظر مدارك الأحكام: ج 8/117.
3- جواهر الكلام: ج 19/274.
4- الحدائق الناضرة: ج 16/89.
5- الكافي: ج 4/281 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/271 ح 17726.
6- التهذيب: ج 5/126 ح 85، وسائل الشيعة: ج 13/270 ح 17724.

حضر الحَجّ ، أيحجّ أم يختتن ؟ قال عليه السلام: لا يحجّ حتّى يختتن»(1).

ومنها: خبر حنّان بن سدير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن نصراني أسلم وحضر الحَجّ ، ولم يكن اختتن، أيحجّ قبل أن يختتن ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن يبدأ بالسُنّة»(2).

والإيراد عليها: بأنّها كلّها بالجملة الخبريّة غير الظاهرة في اللّزوم كما في «المستند»(3) حيث قال: (ولذا تأمّل فيه في «الذخيرة» و «الكفاية» وفاقاً للمحكي عن الحِلّي، وهو في موقعه جدّاً) انتهى .

ممنوعٌ : وفي غير محلّه، لما مرّ أنّ الجملة الخبريّة أظهر في اللّزوم من الأمر والنهي.

وأمّا المرأة: فإنّه لا يعتبر الختان والخفض فيها بلا خلافٍ ، وفي «الجواهر»(4):

(بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه) ويشهد به صحيحا حريز ومعاوية.

وأمّا الخُنثى : فإنْ قلنا إنّها غير الذَّكر والاُنثى ، فلا يعتبر في طوافها الختان، لإختصاص نصوص الاعتبار بالرّجل.

وإنْ قلنا بأنّها من أحد الصنفين، ولم يظهر حالها بالأمارات الشرعيّة، فقد يقال إنّ الأصل يقتضي عدم اعتباره فيه.

ولكن يرد عليه: أنّه حيث تعلم إجمالاً بتوجّه تكاليف المرأة إليها كحرمة4.

ص: 25


1- الكافي: ج 4/281 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/270 ح 17725.
2- قرب الإسناد: ص 47، وسائل الشيعة: ج 13/271 ح 17727.
3- مستند الشيعة: ج 12/56.
4- جواهر الكلام: ج 19/274.

التنقّب وما شاكل، أو تكاليف الرّجل ومنها الختان، فهذا العلم الإجمالي يمنع من جريان الأصل المذكور.

وعليه، فمقتضى قاعدة الاشتغال اعتبار الختان في طوافها.

وأمّا الصبيّ : فلم يصرّح بحكمة الأكثر، والمصرّحون به بين من حكم بعدم اعتبارة في طوافه(1) - فلو أحرم وطاف وهو أغلف لم تحرم النساء عليه بعد البلوغ - وبين من حَكَم باعتباره(2).

واستدلّ لعدم الاعتبار:

1 - باختصاص النصوص بالرّجل، وهو لا يصدق على غير البالغ.

2 - وبأنّ دليل اعتباره إنّما هو بلسان النهي، وهو غير متوجّه إليه.

ولكن يدفع الأوّل: أنّ المراد به ما يعمّه، فإنّ الرّجل في اللّغة يُطلق على البالغ وغيره:

فعن «المصباح»(3): (هو الذَّكر من النّاس).

وعن «القاموس»(4): (إنّه لمن شَبّ واحتلم، أو هو رجلٌ ساعة يولد).

نعم، في «المجمع»(5): (وفي كتب كثير من المحقّقين تقيّيده بالبالغ، وهو أقرب ويؤيّده العرف)، انتهى .

إلّا أنّ المراد به في هذه النصوص الأعمّ بقرينة مقابلته بالمرأة، مع أنّ الموضوع في صحيح معاوية هو الأغلف لا الرّجل، وهو يصدق على الصبي قطعاً.3.

ص: 26


1- كالفاضل الهندي في كشفه: ج 5/412، ورياض المسائل: ج 6/525.
2- كما هو ظاهر المدارك: ج 8/118.
3- حكاه عنه في مجمع البحرين: ج 2/153.
4- القاموس المحيط: ج 3/381.
5- مجمع البحرين: ج 2/153.

ويرد على الثاني: أنّ النهي في أمثال المقام إرشادٌ إلى المانعيّة، أو إلى شرطيّة الختان، ويجبُ فيه النيّة، وليس حكماً نفسيّاً استقلاليّاً لكي يقال بعدم توجّهه إلى الصبي، فالأظهر اعتباره في طوافه.

والمحكيّ عن «القواعد»(1) و «المسالك»(2) وغيرهما(3) اعتبار التمكّن، وعليه فلو تعذّر ولو لضيق الوقت سقط.

واستدلّ له: باشتراط التكليف بالتمكّن، مع عموم أدلّة وجوب الحَجّ والعُمرة.

وفيه: أنّه وإنْ كان لأدلّة وجوب الحَجّ والعُمرة إطلاق، إلّاأنّ دليل شرطيّة الختان أيضاً مطلق، وليس معنى إطلاقه لزوم الإتيان به، كي يقال إنّه لا يعقل ذلك مع عدم التمكّن ليقبح تكليف العاجز، بل معناه أنّه يعتبر الختان في صحّة الطواف مطلقاً، حتّى في فرض عدم التمكّن، ولازم ذلك سقوط التكليف بالمشروط مع عدم التمكّن من الشرط.

وأمّا قاعدة الميسور، فهي لا تصلح أنْ تكون مثبته للأمر ببقيّة الأجزاء والشرائط، لعدم تماميّتها كما حُقّق في محلّه، ودليل رفع الاضطرار رافعٌ للحكم لا مثبت له.

وعليه، فيتعيّن البناء على سقوط الأمر بالحَجّ في تلك السنة، ويشير إلى ذلك بل يدلّ عليه خبرا إبراهيم وحنّان، فإنّ إطلاقهما يشمل ما لو ضاق الوقت عن الختان ثمّ الحَجّ في ذلك العام.

***).

ص: 27


1- قواعد الأحكام: ج 1/425.
2- مسالك الأفهام: ج 2/329.
3- كالرياض: ج 6/526، كشف اللّثام: ج 5/412 (ط. ج).

ويجبُ فيه النيّة، والطواف سبعة أشواط، والإبتداء بالحَجَر والختم به.

واجبات الطواف

(و) المقام الثاني: في ما (يجبُ فيه) وهو اُمور:

الأمر الأوّل: (النيّة) واستدامتها إلى الفراغ كغيره من العبادات، وقد تقدّم تحقيق ذلك في مبحث الإحرام(1).

وأمّا ما عن «كشف اللِّثام»(2) من اعتبار خطور معنى الطواف، وهو الحركة حول الكعبة سبعة أشواط، فمّما لا دليل عليه، والأصل عدمه.

(و) الأمر الثاني: (الطواف سبعة أشواط) إجماعاً(3)، والنصوص المستفيضة أو المتواترة الآتي طرف منها في طيّ المسائل الآتية شاهدة به.

(و) الأمر الثالث والرابع: (الابتداء بالحَجَر) الأسود (والختم به) بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه مستفيض، كما في «الجواهر»(4).

ويشهد بالحكمين صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من اختصر في الحِجْر الطواف، فليعد طوافه من الحَجَر الأسود إلى الحَجَر الأسود»(5).

ورواه الصدوق(6) إلى قوله: (إلى الحجر الأسود)، وعليه فلا يدلّ على الحكم الثاني.

ص: 28


1- فقه الصادق: ج 15/54.
2- كشف اللّثام: ج 5/413.
3- كما عن الحدائق الناضرة: ج 16/109، ورياض المسائل: ج 6/536.
4- جواهر الكلام: ج 19/287.
5- الكافي: ج 4/419 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/357 ح 17940.
6- من لايحضره الفقيه: ج 2/398 ح 2807.

أقول: ولكن المعتمد هو النقل الأوّل الذي رواه الشيخان الكليني(1) والصدوق، وهو واضحٌ ، ومعنى الاختصار فيه عدم إدخاله في الطواف.

ويشهد للحكم الثاني: صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت في الطواف السابع فائتِ المتعوّذ... إلى أن قال: ثمّ ائت الحَجَر فاختم به»(2).

وأمّا صحيح معاوية، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كنّا نقولُ لابدّ أن نستفتح بالحَجَر ونختم به، فأمّا اليوم فقد كثر النّاس»(3)، فالمراد به الاستلام في المبدأ والمنتهى.

وعلى هذا، فلو ابتدأ بغيره لم يعتدّ بما فعله حتّى ينتهى إلى الحَجَر، فيكون منه ابتداء طوافه، وهذا لا إشكال فيه.

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر تجديد النيّة عنده، وأيضاً هل يعتبر أن يقصد البدأة من الحَجَر، فلو أدام بطوافه وأكمل سبعة أشواط لم يصحّ ، أم لا يعتبر شيء منهما فيصحّ؟

الظاهر عدم اعتبار شيء منهما، إذ لم يدلّ دليلٌ على اعتبار قصد البدأة، والأصل عدمه.

وأمّا النيّة: فقد مرّ أنّ المعتبر فيها هو الدّاعي، والفرض أنّه موجود، فالأظهر هو الصحّة.

وممّا ذكرناه ظهر وجه احتمال البطلان في «القواعد»(4) حتّى مع تجديد النيّة.6.

ص: 29


1- الكافي: ج 4/419 ح 2.
2- الكافي: ج 4/410 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/344 ح 17909.
3- الكافي: ج 4/404 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/324 ح 17853.
4- قواعد الأحكام: ج 1/426.

وأيضاً: ذهب المصنّف رحمه الله(1) وجمعٌ ممّن تأخّر عنه إلى أنّه لابدّ من الابتداء بأوّل الحَجَر بحيث يمرّ كلّه على كلّه، قال في محكي «المسالك»(2):

(والبدأة بالحَجَر بأنْ يكون أوّل جزءٍ منه محاذياً لأوّل جزء من مقاديم بدنه، بحيث يمرّ عليه بعد النيّة بجميع بدنه عِلماً أو ظنّاً)، انتهى .

ونحوه عن غيرها، ولم ينقل ذلك مِنْ مَن سبق المصنّف رحمه الله.

ثمّ إنّهم اختلفوا في تعيّين أوّل جزء البدن، هل هو الأنف أو البطن أو ابهام الرِّجلين، وربما اختلف الأشخاص بالنسبة إلى ذلك.

واستدلّ لذلك: - أي للزوم البدأة بأوّل الحَجَر - بأنّ ذلك لازم الجمع بين دليلين:

أحدهما: ما دلّ على وجوب الابتداء بالحَجَر، وقد تقدّم.

ثانيهما: ما دلَّ على أنّه يبطل الطواف بالزيادة على سبعة أشواط والنقصان عنها ولو خطوة أو أقلّ ، فإنّه إنْ ابتدأ بجزءٍ من وسطه لم يأمن من الزيادة والنقصان، وحينئذٍ فلو حاذى آخر الحَجَر ببعض بدنه في ابتداء الطواف لم يصحّ ، لعدم ابتدائه فيه بأوّل الحَجَر، بل بما بعده.

أقول: إنّ في المقام فروعاً قد اختلطت، فيجب فرز بعضها عن بعض:

أحدها: أنّه هل يجب أن يبتدأ بأوّل الحَجَر، بأنْ يكون أوّل جزءٍ من مقاديم بدنه محاذياً لأوّل جزء منه، أم لا؟

ثانيها: أنّه هل يجب أنْ يكون عالماً بالمحاذاة من أوّل تحقّقها، بحيث لو نوى الطواف قبل أن يُحاذي الحَجَر من باب المقدّمة، وطاف من دون أن يحرز أنّ المحاذاة2.

ص: 30


1- في أغلب كتبه، انظر تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/87.
2- مسالك الأفهام: ج 2/331-332.

لم يصحّ ، أم لا؟

ثالثها: أنّه هل يعتبر محاذاة الحَجَر في آخر الشوط، كما ابتدأ به أوّلاً، من غير فرقٍ بين الأوّل وغيره، فتضرّ الزيادة ولو كانت قليلة، أم لا؟

رابعها: أنّه لو ابتدأ بآخر الحَجَر، فهل له أن يختم بأوّله مثلاً، أم لا بل يعتبر الوصول إلى محلّ الابتداء؟

أمّا الأوّل: فالظاهر عدم اعتبار البدأة بأوّل الجزء، لصدق الطواف من الحجر بالابتداء من وسطه أو آخر جزءٍ منه، وإنْ شئتَ فاختبر ذلك من حال الموالي والعبيد العُرفيّة، فلو أمر المولى عبده بأنْ يكون ابتداء سفره من دار زيد، فهل يتوهّم أنّه لابدّ وأن يبتدأ من أوّل بناء تلك الدار، والمقام كذلك.

ودعوى: أنّ المراد من الحَجَر، الطواف بالحَجَر الذي هو اسمٌ للمجموع، كما أنّ المراد من الطواف به الطواف بجميع بدنه عليه.

مندفعة: بأنّ ذلك مستلزمٌ للالتزام بخلاف الظاهر في اُمورٍ كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر عدم اعتبارها.

وأمّا الثاني: فالظاهر عدم اعتبار ذلك، بل لو قصد الطواف من أوّل الحَجَر وهو متأخّر عن الحَجَر قليلاً، بحيث يعلم تأخّر جميع أجزاء البدن عن جميع أجزائه قليلاً، وقصد الطواف المأمور به، وجعل الزيادة من باب المقدّمة، يكون قد تحقّق الامتثال.

وإنْ اعتبرنا البدئة بالحَجَر بالمعنى المذكور، وما دلّ على مبطليّة الزيادة لا يشمل مثل ذلك، فإنّ الزيادة في المركّبات الاعتباريّة تتوقّف على قصد كون

ص: 31

المزيد من المزيد فيه كما سيأتي، فلو جعلها من باب المقدّمة، لا يصدق الزيادة في الطواف، فلا إشكال فيه.

وأمّا الثالث: فقد ظهر حكمه ممّا ذكرنا، لأنّه في آخر الشوط الآخر إذا طاف إلى ما بعد الحَجَر قليلاً، قاصداً جعل الزيادة من باب المقدّمة، حصل له العلم بالامتثال من دون أن يلزم الزيادة المانعة.

وأمّا الرابع: فلا يبعد دعوى اعتبار أن يختم بما ابتدأ به، فلو كان الابتداء بآخر الحَجَر يكون اختتامه به لا بأوّله، وذلك:

لتوقّف صدق الطواف بالبيت الذي منه الحَجَر عليه، ضرورة صدق النقصان مثلاً على بعض الأفراد.

ولأنّه الظاهر من قوله عليه السلام: (من الحَجَر الأسود إلى الحَجَر الأسود)، ومعلوم أنّ هذا التعبير غير التعبير ب (إلى الحَجَر الأسود) خاصّة، فإنّ الثاني ظاهرٌ في كفاية الختم بأوّله أو آخره أو وسطه، وأمّا التعبير الأوّل فهو ظاهرٌ في اعتبار أنْ يكون الختم بموضع البدأة.

فما في «الرياض»(1) وعن «المدارك»(2) من عدم اعتبار محلّ الابتداء، فلو ابتدأ مثلاً بآخر الحَجَر كان له الختم بأوّله مثلاً، ضعيفٌ .

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لو ابتدأ من أيّ جزءٍ من أجزاء الحَجَر صحّ ، كما أنّه لو اختتم بذلك الجزء مع زيادةٍ يجعلها من باب المقدّمة، لم يكن فيه إشكال، وعليه فلا وجه لتلك التدقيقات التي هي إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط.6.

ص: 32


1- رياض المسائل: ج 6/533، قوله: (والظاهر الاكتفاء في تحقّق البدأة بالحَجَر بما يصدق عليه ذلك عرفاً).
2- مدارك الأحكام: ج 8/126.

وجَعلُ البيت على يساره،

ويعضد ما ذكرناه من النصوص المتضمّنة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله طاف على راحلته واستلم الحَجَر بمحجنة(1).

اعتبارُ جَعل البيت على اليسار

(و) الأمر الخامس: (جَعلُ البيت على يساره) حال الطواف، بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(2).

و في «المستند»: (بل ادّعى عليه الإجماع في كلام جماعةٍ ، بل هو إجماعي)(3)، انتهى .

وفي «التذكرة»: (عند علمائنا)(4)، انتهى .

أقول: واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المنتهى » و «التذكرة»(5) وتبعه غيره(6)، قالوا: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ترك البيت في طوافه على جانبه اليسار، فيجب اتّباعه بمقتضى قوله صلى الله عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم»(7).

ص: 33


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/402 ح 2818، وسائل الشيعة: ج 13/442 ح 18167 و ص 497 ح 18298.
2- جواهر الكلام: ج 19/291.
3- مستند الشيعة: ج 12/71.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/89.
5- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/690، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/89.
6- كالرياض: ج 6/526، مدارك الأحكام: ج 8/128.
7- سنن أبي داود: ج 1/439، السنن الكبرى: ج 5/130.

وفيه أوّلاً: أنّه لم يثبت كون ذلك منسكاً منه، فيحتمل أنْ يكون أحد وجوه الفعل.

وثانياً: أنّه لو ثبت كونه منسكاً، لم يثبت كونه على وجه اللّزوم أو الاستحباب، والحديث يدلّ على أنّ مناسك النّاس يجب أن تكون كمناسك رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ولا يدلّ على أنّ كلّ ما فعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولو كان مستحبّاً وجب على الأُمّة الإتيان به.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ التزامه صلى الله عليه و آله بالطواف كذلك كاشفٌ عن رجحانة وكونه مأموراً به، وكلّ ما أمر به يجبُ الإتيان به بحكم العقل، إلّاإذا ثبت الترخيص في تركه، وحيثُ لم يثبت في المقام فيجب.

الوجه الثاني: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كنتَ في الطواف السابع فائت المتعوّذ، وهو إذا قمت في دَبر الكعبة حذاء الباب، فقل: اللّهُمَّ ...

إلى أنْ قال: ثمّ استلم الرّكن اليماني، ثمّ ائتِ الحَجَر فاختم به»(1).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا فرغت من طوافك وبلغتَ مؤخّر الكعبة، وهو بحذاء المستجار دون الرّكن اليماني بقليل، فابسط يديك على البيت...

إلى أنْ قال: ثمّ استلم الرّكن اليماني ثمّ ائتِ الحَجَر الأسود»(2).

ومنها: صحيحة الآخر، عنه عليه السلام: «ثمّ تطوف بالبيت سبعة أشواط...2.

ص: 34


1- الكافي: ج 4/410 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/344 ح 17909.
2- الكافي: ج 4/411 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/345 ح 17912.

إلى أنْ قال: فإذا انتهيتَ إلى مؤخّر الكعبة، وهو المستجار دون الرّكن اليماني بقليل، في الشوط السابع، فابسط يديك على الأرض، والصق خدّك وبطنك بالبيت، ثمّ قل: اللّهُمَّ ...، إلى أنْ قال: ثمّ استقبل الرّكن اليماني والرّكن الذي فيه الحَجَر الأسود واختم به»(1).

بتقريب: استلزام الترتيب المزبور في الشوط السابع، لكون الطواف على اليسار.

فإنْ قيل: إنّ دلالة هذه النصوص على ذلك، إنّما هي بالدلالة الالتزاميّة وهي تابعة للمطابقيّة، وحيثُ أنّ الوقوف في هذه الأماكن الثلاثة في الشوط السابع واستلامها على هذا الترتيب مستحبّان، فكذا ما يلزمهما.

قلنا: إنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن المستعمل فيه والموضوع له، وهما أمران انتزاعيّان من الترخيص في ترك ما أمر به وعدمه، حيث أنّه إذا أمر المولى بشيء ولم يرخّص في تركه، حكم العقل بلزوم الإتيان به، فيكون واجباً، وإنْ رخّص فيه حكم بعدم اللّزوم.

وعليه، فما هو مربوطٌ بباب دلالة اللّفظ إنّما هو ثبوت الأمر بذلك، وأمّا تبعيّتها لها في أمرٍ خارجٍ عن باب الدلالة - كالوجوب والاستحباب - فمّما لا وجه له، فإذا ثبت الأمر ولم يرخّص المولى في تركه، حكم العقل باللّزوم، وإنْ كان نفس تلك الأفعال مستحبّة، فتدبّر فإنّه دقيق.

الوجه الثالث: الإجماع وتسالم الأصحاب عليه، ولا يبعد دعوى كونه تعبّديّاً، لعدم استدلال قدماء الأصحاب بشيء ممّا ذكر(2).9.

ص: 35


1- تهذيب الأحكام: ج 5/104 ح 11، وسائل الشيعة: ج 13/347 ح 17917.
2- انظر مثلاً المبسوط: ج 1/357، السرائر: ج 1/572، شرائع الإسلام: ج 1/199.

وإدخال الحِجْر فيه،

فتحصّل: أنّ الأظهر اعتبار ذلك، فلو نكّس في الطواف، بأن جعل البيت على يمينه وطاف عن يساره لم يجزه، ووجبَ عليه الإعادة، سواءٌ أكان عمداً أو جهلاً أو نسياناً على ما صرّح به بعضهم(1).

ولا يقدح في جعل البيت على اليسار الإنحراف اليسير إلى اليمين، لصدق الطواف على اليسار. وإنْ شئت قلت: إنّ دليل اعتبار ذلك لا يدلّ على أزيد من اعتبار كون الطواف على نحوٍ يكون البيت على اليسار، وأمّا زائداً على ذلك بحيث يضرّ الإنحراف إلى جهة اليمين، فلم يدلّ عليه دليل، والأصل عدمه، ولذلك قال صاحب «الجواهر»(2): (لايقدح في جعله على اليسار الانحراف إلى جهة اليمين قطعاً).

اعتبار إدخال حِجْر إسماعيل في الطواف

(و) الأمر السادس: (إدخال الحِجْر) أي حِجْر إسماعيل (فيه) أي في الطواف بالإجماع، كما في «الغُنية»(3) وغيرها وعن «الخلاف»(4)، كما في «الرياض»(5)، وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض)(6). انتهى .

ويشهد به: نصوص عديدة:

ص: 36


1- انظر مدارك الأحكام: ج 8/128، كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/416، جواهر الكلام: ج 19/292.
2- جواهر الكلام: ج 19/292.
3- غنية النزوع: ص 172.
4- الخلاف: ج 2/324.
5- رياض المسائل: ج 6/534.
6- جواهر الكلام: ج 19/292.

منها: صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم في الابتداء بالحَجَر: «من اختصر في الحِجْر الطواف، فليعد طوافه من الحَجَر الأسود إلى الحَجَر الأسود»(1).

وقد مرّ أنّ معنى الاختصار عدم إدخاله في الطواف.

ومنها: صحيح الحلبي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْر؟ قال عليه السلام: يعيد ذلك الشوط»(2).

ومنها: حسن ابن البُختري، عنه عليه السلام: «في الرّجل يطوف بالبيت فيختصر في الحِجْر؟ قال عليه السلام: يقضي ما اختصر من طوافه»(3).

ومنها: خبر إبراهيم بن سفيان، قال: «كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: امرأةٌ طافت طواف الحَجّ ، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت وطافت في الحِجْر، وصلّت ركعتي الفريضة، وسَعَت وطافت طواف النساء ثمّ أتت منى ؟ فكتب عليه السلام:

تعيد»(4). ونحوها غيرها.

وليس ذلك من جهة كون الحِجْر من البيت كما قيل(5)، بل نُسب إلى المشهور(6) لرواية عاميّة(7)، فإنّ الأظهر خلافة، وقد دلّت النصوص الكثيرة على عدم كونه منه، كصحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:7.

ص: 37


1- الكافي: ج 4/419 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/357 ح 17940.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/109 ح 25، وسائل الشيعة: ج 13/356 ح 17938.
3- الكافي: ج 4/419 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/356 ح 17939.
4- من لايحضره الفقيه: ج 2/399 ح 2808، وسائل الشيعة: ج 13/357 ح 17941.
5- في تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/361.
6- نسبه إلى المشهور في الدروس: ج 1/394.
7- سنن الترمذي: ج 2/181 ح 877.

«عن الحِجْر أمِنَ البيت هو أو فيه شيءٌ من البيت ؟

فقال عليه السلام: لا، ولا قلامة ظفر... الحديث»(1).

ونحوه غيره، بل للنصوص الخاصّة.

فلو اختصر شوطاً، هل يجبُ عليه إعادة ذلك الشوط خاصّة أم الطواف ؟

قولان، أظهرهما الأوّل، لصحيح الحلبي وحسن ابن البُختري المصرّحين بذلك، ولا ينافيهما صحيح معاوية، لأنّ الظاهر ولا أقلّ من المحتمل الإختصار في جمع الأشواط، مع قابليّته للحمل على إرادة الشوط من الطواف.

وأمّا خبر إبراهيم، فيجوز أن يكون المراد به إعادة الشوط.

أقول: ولابدّ من إعادة الشوط، ولا يكفي الإتمام من موضع سلوك الحِجْر، لصحيح معاوية المصرّح بإعادة الطواف من الحَجَر الأسود إلى الحَجَر الأسود، وإلى ذلك يشير المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2)، بقوله: (ولو دخل إحدى الفتحتين وخرج من الاُخرى ، لم يحتسب له، وبه قال الشافعي في أحد قوليه، ولا طوافه بعده حتّى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها) انتهى .

يعني فإنْ دخلها لم يُحتسب أيضاً، وإنْ تجاوزها وطاف بالحِجْر احتسب مطلقاً أو بعد النصف.

والحِجْر هو الواقع بين الركنين الشاميّين، وهو موضعٌ محاطٌ بجدار قصير، بينه وبين كلّ واحدٍ من الركنين فتحة، والميزاب منصوب عليه، كما في «التذكرة»(3).2.

ص: 38


1- الكافي: ج 4/210 ح 15، وسائل الشيعة: ج 13/353 ح 17928. (2و3) تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/362.

ويكون بين المقام والبيت.

يعتبر أنْ يكون الطواف بين المقام والبيت

(و) الأمر السابع: أن (يكون بين المقام والبيت) بلا خلافٍ ، بل قيل(1) كاد أن يكون إجماعاً، وعن «الغُنية»(2) وفي «التذكرة»(3) الإجماع عليه.

و عن الإسكافي(4) تجويز الطواف خارج المقام مع الضرورة، ومالَ إليه في «التذكرة»(5).

وعن ظاهر الصدوق(6) تجويزه خارج المقام اختياراً على كراهية.

أقول: والأخبار طائفتان:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على ما ذهب إليه المشهور:

منها: خبر محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن حَدّ الطواف بالبيت الذي مَنْ خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت ؟

قال عليه السلام: كان النّاس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله يطوفون بالبيت والمقام، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت، فكان الحَدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، والحَدّ قبل اليوم واليوم واحد قَدرُ ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلّها. فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك، كان طائفاً

ص: 39


1- حكاه في الرياض: ج 6/536، وفي هامشه عن مفاتيح الشرائع كتاب الحَجّ مسألة 409: ج 1/369.
2- غنية النزوع: ص 172.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/362 قوله: (يجب عندنا أن يكون الطواف بين البيت والمقام...).
4- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/183.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/93.
6- من لايحضره الفقيه: ج 2/399 ح 2809.

بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنّه طاف في غير حَدّ ولا طوافَ له»(1).

الطائفة الثانية: ما استدلّ به كلّ من القائلين بالقولين الأخيرين، وهو موثّق محمّد بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الطواف خلف المقام ؟ قال: ما أحبُّ ذلك، وما أرى به بأساً، فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بُدّاً»(2).

أقول: والجمع بين الطائفتين إنّما هو بما عن ظاهر الصدوق، فإنّ الموثّق صريحٌ في الجواز مع الكراهة في حال الاختيار، وبدونها في حال الاضطرار، وبه يرفع اليد عن ظهور خبر محمّد في اللّزوم.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ خبر محمّد المعتضد بالشهرة وعمل الأصحاب كالصريح في المنع، ولا يقبل الحمل على الكراهة كما يظهر لمن لاحظ فقرات الخبر، وعليه فيعارض مع الموثّق، والترجيح معه، لأنّه المشهور بين الأصحاب.

وبالجملة: إعراض الأصحاب عن الموثّق، يسقطه عن الحجيّة، فالمعتمد هو خبر محمّد.

فإنْ قيل: إنّ صدره يَسقط عن الحجيّة للإعراض، أو لأرجحيّة معارضه، وأمّا ذيله فلا وجه لطرحه بعدما لا مانع من التفكيك في الحجيّة بين فقرات حديث واحد، وعليه فيقيّد خبر ابن مسلم بحال الاختيار.

قلنا: إنّ الأصحاب أيضاً لم يعملوا بذيله، ولم يفرّقوا بين الحالتين، فما هو المشهور أظهر.1.

ص: 40


1- الكافي: ج 4/413 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/350 ح 17920.
2- من لايحضره الفقيه: ج 2/399 ح 2809، وسائل الشيعة: ج 13/351 ح 17921.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: أنّ خبر محمّد وإنْ كان ضعيف السند، إلّاأنّه من جهة الشهرة واستناد الأصحاب إليه يكون ضعفه منجبراً، فلا إشكال فيه سنداً، ودلالته ظاهرة، ومرّ سقوط معارضه عن الحجيّة.

الجهة الثانية: أنّ وحدة الحَدّ قبل اليوم واليوم، مع أنّه قبل اليوم كانوا يطوفون بالبيت والمقام، واليوم يطوفون ما بين المقام والبيت، إنّما تكون من جهة أنّ المقام كان ملصقاً بالبيت خوفاً عليه من السيول، ثمّ نُقل إلى حيث هو اليوم ثابتاً فيه، وقد اختلفت كلمات القوم في من نقله من موضعه، ولا يهمّنا تحقيق القول فيه.

الجهة الثالثة: صرّح جمعٌ من الأصحاب(1) بأنّ المقام حقيقة هو العمود من الصخر، الذي كان إبراهيم عليه السلام يصعد عليه عند بناء البيت وعليه اليوم بناء، ويطلق على جميعه مع ما في داخله المقام عرفاً، وعليه فهل المراد بالمقام هنا هو الصخرة المذكورة، أم المجموع من الحائط وما فيه ؟

الأظهر هو الأوّل، لخبر محمّد المتقدّم، فإنّ العمود قد تغيّر مكانه عمّا كان عليه في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، مع أنّ الثاني هو معناه المجازي العرفي، فالمتبادر منه هو الأوّل.

الجهة الرابعة: الظاهر أنّه لا مدخليّة للمقام نفسه في الطواف، فلو حوّل من مكانه إلى أبعد من موضعه الفعلي، وجب الطواف في المقدار المخصوص، كما دلّ على ذلك خبر محمّد المتقدّم.

الجهة الخامسة: يعتبر ملاحظة المقدار المزبور من جميع الجوانب، كما مرّ3.

ص: 41


1- اُنظر مسالك الأفهام: ج 2/333، مدارك الأحكام: ج 8/131، ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/629 ق 3.

تصريح خبر محمّد به، وعن «المدارك»(1) نسبته إلى قطع الأصحاب، وفي «الجواهر»(1): (وهو كما عن «تاريخ الأزرقي» إلى الشاذروان ست وعشرون ذراعاً ونصف).

وهل تُحتسب المسافة من جهة الحِجْر من خارجه، أم يكون الحجر محسوباً من المسافة ؟

ظاهر جمعٍ من الأصحاب وصريح آخرين الأوّل(2)، وعن ثاني الشهيدين(3)احتمال الثاني، وقوّاه صاحب «الحدائق»(4) والفاضل النراقي(5)، ومالَ إليه صاحب «الجواهر»(6).

أقول: إنْ قلنا بأنّ الحجر من البيت، فلا إشكال في أنّه تحتسب المسافة من خارجه.

وإنْ قلنا بعدم كونه من البيت - كما اخترناه - فقد يقال بذلك من جهة وجوب إدخاله في الطواف، كما عن «المدارك»(8) وغيرها.

وفيه: أنّ مجرّد وجوب إدخاله في الطواف، لا يوجبُ رفع اليد عن ظاهر الخبر، بل صريحه، المتضمّن أنّه يحسب ذلك المقدار من جميع نواحي البيت، المستلزم لاحتساب الحِجْر من المسافة، وعليه فالأظهر هو ذلك فضلاً عن أنّه أحوط.8.

ص: 42


1- جواهر الكلام: ج 19/298.
2- اُنظر تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/362، مسالك الأفهام: ج 2/333، شرح اللّمعة: ج 2/249.
3- مسالك الأفهام: ج 2/333.
4- الحدائق الناضرة: ج 16/110 ونسبه إلى الأصحاب.
5- في مستند الشيعة: ج 12/76.
6- جواهر الكلام: ج 19/298.

وصلاة ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السلام.

الجهة السادسة: إذا مشى على أساس البيت، والمسمّى ب «شاذروان» لم يصحّ طوافه، لأنّه من البيت على ما صرّح به المصنّف رحمه الله(1) وغيره، فالماشي عليه طائفٌ في البيت لا بالبيت، ولا يكون طائفاً ما بين البيت والمقام.

الجهة السابعة: قال المصنّف في «التذكرة»: (لو كان يطوف ويمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان، أو أدخل يده في موازاة ما هو من البيت من الحِجْر، فالأقرب عدم الصحّة، وهو أحد وجهي الشافعيّة، لأنّ بعض بدنه في البيت، ونحن شرطنا خروج بدنه بأسره من البيت)(2)، انتهى .

ولكن عن «القواعد»(2) الجزم بالصحّة، ولعلّه الأظهر من جهة أنّه يصدق عرفاً الطواف بالبيت، وما بين المقام والبيت، لكن الاحتياط طريق النجاة.

وجوب ركعتي الطواف خلف المقام

(و) من لوازم الطواف (صلاة ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السلام) وجوباً إنْ كان واجباً، واستحباباً إن كان مستحبّاً، وهو المعروف من مذهب الأصحاب.

وفي «التذكرة»(4) نسبة عدم الوجوب إلي شاذٍّ من علمائنا، وكذا عن «الخلاف»(3).

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ للزومهما بوجوه:

ص: 43


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/90. (2و4) تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/92 و 88.
2- قواعد الأحكام: ج 1/426.
3- الخلاف: ج 2/327، قال: (وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر أنّهما غير واجبتين، وهو أصحّ القولين عندهم، وبه قال به قومٌ من أصحابنا).

الوجه الأوّل: أنّه صلى الله عليه و آله صلّاهما فتجب، للتأسّي، ولقوله صلى الله عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم»(1).

وفيه: ما مرّ من أنّ فعله أعمٌّ من الوجوب والاستحباب.

الوجه الثاني: الآية الشريفة: «وَ اِتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى»(2) فإنّ الأمر ظاهرٌ في الوجوب، فبضميمة الإجماع على عدم وجوب غيرهما فيه، يثبت لزومهما.

وفيه: إنّ الآية الكريمة لا تدلّ على مشروعيّة صلاةٍ خاصّة، بل تدلّ على لزوم جعله مُصلّى.

وبعبارة اُخرى : مطلوبيّة إيقاع الصلاة في ذلك المكان مثل ما دلّ على مطلوبيّة الصلاة في المسجد، فهي غير ظاهرة في ما ذكر، هذا مع قطع النظر عن النصوص المفسّرة لها.

الوجه الثالث: الإجماع.

وفيه: أنّه لكونه مدركيّاً لا يُستند إليه.

الوجه الرابع: النصوص الكثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا فرغت من طوافك، فائتِ مقام إبراهيم فصلِّ ركعتين واجعله إماماً، واقرأ في الأُولى منهما سورة التوحيد قل هو اللّه أحد، وفي الثانية قُل يا أيّها الكافرون، ثمّ تشهّد وأحمد اللّه واثنِ عليه، وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله، واسأله أن يتقبّل منك، وهاتان الركعتان هما الفريضة، ليس يكره أن تصلّيهما في أيّ الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها، لا5.

ص: 44


1- سنن أبي داود: ج 1/439، السنن الكبرى: ج 5/125.
2- سورة البقرة: الآية 125.

تؤخّرهما، ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن رجل طاف طواف الفريضة، وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ؟

قال عليه السلام: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان، فليصلّهما قبل المغرب»(2).

ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة الآتي طرف منها خلال المسائل الآتية، فلزومهما ممّا لا ينبغي التوقّف فيه.

وأمّا قوله صلى الله عليه و آله للأعرابي الذي قال له هل عَليَّ غيرها أي غير الخمس: «لا، إلّا أن تتطوّع»(3)، فغايته كونه مطلقاً يقيّد إطلاقه بما تقدّم.

وكذا قول أبي جعفر عليه السلام لزرارة: «فَرَض اللّه الصلاة وسَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشرة أوجه»،(4) ولم يعد منها صلاة الطواف. مع أنّه يحتمل كون المراد ما شرع من الصلاة بنفسها لا تابعة لطواف أو غيره.

أقول: تمام الكلام يتحقّق بالبحث في جهات:

محلّ إيقاع الصلاة

الجهة الأُولى: اختلفوا في محلّ إيقاع الصلاة، وفيه أقوال:

1 - ففي المتن(5) و «الشرايع»(6)، و «التذكرة»(7)، و «المنتهى »(8)، وعن

ص: 45


1- الكافي: ج 4/423 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/434 ح 18147.
2- الكافي: ج 4/423 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/434 ح 18145.
3- سنن النسائي: ج 1/227.
4- من لايحضره الفقيه: ج 1/207 ح 620، وسائل الشيعة: ج 4/7 ح 4377.
5- تبصرة المتعلّمين: ص 96.
6- شرائع الإسلام: ج 1/200.
7- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/94.
8- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/691.

«المبسوط»(1)، و «الوسيلة»(2)، و «المراسم»(3) و «النهاية»(4)، و «التحرير»(5)، و «الإرشاد»(6) وغيرها: أنّه يجب إيقاعها في المقام.

2 - وعن الصدوقين(7) والإسكافي(8) و «المصباح» ومختصره(9)، و «المهذّب» للقاضي(10)، وجماعة من المتأخّرين(11): أنّه يجب إيقاعها خلف مقام إبراهيم عليه السلام.

3 - وعن «الاقتصاد»(12)، و «الجمل والعقود»(13)، و «جمل العلم والعمل»، وشرحه(14) و «الجامع»(15): أنّه يجب إيقاعها عند المقام الشامل للخلف وأحد الجانبين.7.

ص: 46


1- المبسوط: ج 1/310 غير أنّه قال: (عند المقام).
2- الوسيلة: ص 172.
3- المراسم العلويّة: ص 109.
4- النهاية: ص 206..
5- تحرير الأحكام: ج 1/581.
6- إرشاد الأذهان: ج 1/324.
7- انظر فقه الرضا عليه السلام لابن بابويه: ص 214، لكنّه قال: (عند المقام)، والمقنع لولده الشيخ الصدوق: ص 257 غيرأنّه قال: (ثمّ ائتِ مقام إبراهيم عليه السلام فصلِّ ركعتين...)، وفي ص 267 قال: (عند مقام إبراهيم عليه السلام). ونسب العلّامة في المختلف: ج 4/201 إلى ابن بابويه بعدم جوازهما إلّاخلف المقام.
8- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/201.
9- المصباح: ص 624 كما عن هامش المستند: ج 12/137.
10- المهذّب: ج 1/208.
11- كصاحب الذخيرة (ط. ق): ج 1/579 ق 3، وكشف اللّثام (ط. ج): ج 6/10 وغيرهما.
12- الإقتصاد: ص 298.
13- الرسائل العشر: ص 230.
14- رسائل المرتضى : ج 3/69.
15- الجامع للشرائع: ص 197.

4 - وعن «الخلاف»(1): أنّه يستحبّ إيقاعها خلف المقام، وإنْ لم يفعل وفعل في غيره أجزأه، وادّعى عليه الإجماع.

5 - وعن الحلبي(2): أنّ محلّها المسجد، وعن الصدوقين(3) اختياره في خصوص طواف النساء.

وأمّا النصوص: فهي طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يكون ظاهراً في القول الأوّل:

منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «عن رجلٍ طاف طواف الفريضة ولم يصلِّ الركعتين...

إلى أن قال: حتّي ذكر وهو بالأبطح، قال عليه السلام: يرجع إلى المقام فيُصلّى ركعتين(4).

ونحوه خبر أحمد بن عمر الحلال(5).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على القول الثاني:

منها: صحيح ابن عمّار المتقدّم، وجمله من النصوص الآتية في نسيان الركعتين الآمرة بإعادتهما خلف المقام، ونحوها غيرها.

الطائفة الثالثة: ما هو ظاهرٌ في القول الثالث:

منها: موثّق عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ طاف طواف الفريضة ولم يصلِّ الركعتين حتّى ذكر بالأبطح، يُصلّي أربع ركعات ؟ قال عليه السلام: يرجع4.

ص: 47


1- الخلاف: ج 2/327-328.
2- الكافي في الفقه للحلبي: ص 191.
3- انظر الصدوق في المقنع: ص 287 والفقيه: ج 2/552، ونسبه العلّامة في المختلف: ج 4/201 إلى والد الصدوق.
4- الإستبصار: ج 2/234 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/428 ح 18127.
5- الإستبصار: ج 2/234 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/430 ح 18134.

فيُصلّي عند المقام أربعاً»(1).

إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة المشتملة على هذا اللّفظ.

الطائفة الرابعة: ما هو مطلق أو مجمل، أي لم يبيّن فيه مكان الصلاة.

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي أن يقال إنّ الطائفة الأخيرة التي هي مدرك الحلبي المجملة تحكم عليها المفصّلة، والثالثة مطلقة شاملة للخلف والجانبين، يقيّد إطلاقها بالثانية الصريحة في لزوم إيقاعها خلف المقام، وأمّا الأُولى فليس فيها الصلاة في المقام، فهي أيضاً إمّا مجملة أو مطلقة، وعلى الأوّل تحكم عليها المفصّلة، وعلى الثاني يقيّد إطلاقها بما تقدّم.

وعليه، فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على تعيّن إيقاعهما خلف المقام.

وأمّا صحيح حسين بن عثمان: «رأيتُ أبا الحسن موسى عليه السلام يُصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد»(2) فلا ينافي ما تقدّم، لإمكان أن يكون خلف المقام.

أقول: ولثاني الشهيدين رحمه الله(3) كلام في المقام لا بأس بإيراده ملخّصاً:

قال: (الأصل في المقام أنّه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقف عليه حين بناء البيت، وأثر قدميه فيه إلى الآن، ثمّ بعد ذلك بنوا حوله بناءً ، وأطلقوا اسم المقام على ذلك البناء بسبب المجاورة، حتّى صار إطلاقه على ذلك البناء كأنّه حقيقة عرفيّة، وعليه فالمقام بالمعنى الأوّل لا يصلح ظرفاً مكانيّاً للصلاة، لعدم إمكان الصلاة فيه، وإنّما تصلح خلفه أو إلى أحد جانبيه.7.

ص: 48


1- الكافي: ج 4/425 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/429 ح 18129.
2- الكافي: ج 4/423 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/433 ح 18144.
3- مسالك الأفهام: ج 2/333-337.

وأمّا المقام بالمعنى الثاني فيمكن الصلاة فيه أو في أحد جانبيه وخلفه، فقول المصنّف: (يجبُ أن يُصلّي في المقام):

إنْ أراد به المعنى الأوّل أشكل من جعله ظرفاً مكانيّاً، ومن جهة قوله:

«فإن منعه زحامٌ صَلّى ورائه أو إلى أحد جانبيه»، فإنّ الصلاة في هذين جائزة مع الزحام وغيره.

وإنْ أراد بالمقام المعنى الثاني، صحّ قوله: (أن يُصلّي في المقام)، ولكن يشكل بالأمرين الأخيرين)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: يرد على إرادة المعنى الثاني أنّه لا دليل على وجوب إيقاعها فيه بالمعنى الثاني، لعدم حمل المقام في كلامهم عليهم السلام عليه، فإنّه محمولٌ على معناه الحقيقي.

أضف إليه ما تقدّم من عدم الدليل على الصلاة في المقام.

والمستفاد من النصوص اعتبار القُرب إلى المقام، للآية الشريفة، ونصوص الصلاة عنده، ولذا قال الشهيد رحمه الله: (لا خلاف في عدم جواز التقدّم على الصخرة، والمنع عن استدبارها، والتعبير ب (في) للدلالة على وجوب الاتّصال والقُرب منه، بحيث يتجوّز عنه بالصلاة فيه، لظاهر الآية)(1)، انتهى .

و في «الرياض»: (وهو حسن، ومقتضاه وجوب إيقاعهما في البناء الذي فيه الصخرة)(2).

وفيه: أنّه لا ريب في دلالة الآية الكريمة والنصوص على اعتبار القُرب، وأمّا دلالتها على لزوم إيقاعها في البناء فممنوعه، لصدق خلف المقام وعنده على الخارج9.

ص: 49


1- الدروس الشرعيّة: ج 1/297.
2- رياض المسائل: ج 6/529.

عن البناء، ودعوى الانصراف إلى الداخل فيه، ممنوعة.

وهل يجب تحرّي الأقرب ما أمكن أم لا؟ الظاهر العدم، لعدم الدليل عليه.

ولو منعه الزحام من الصلاة خلف المقام قريباً منه صلّى بعيداً عنه خلفه، لصحيح حسين المتقدّم.

ودعوى: أنّ مقتضى إطلاقه جواز الصلاة حينئذٍ إلى أحد جانبيه لصدق الحيال عليه.

مندفعة: بأنّه حكاية فعل مجمل، ومن الممكن أنّه كان عليه السلام يُصلّي خلفه، فهو المتيقّن فلا يتعدّى عنه.

وأيضاً: هل يجب حينئذٍ تحرّي القُرب منه ما أمكن ؟

الظاهر العدم، فإنّه مع عدم صدق (عند المقام) عليه، لا دليل على رعاية القُرب حينئذٍ ما أمكن، والأصل عدمه.

والظاهر اشتراط جواز التباعد بضيق الوقت، إذ لا دليل له سوى حكاية فعلٍ مجمل، فينبغي الإقتصار فيه على المتيقّن.

فتحصّل: أنّه لا دليل على جواز إيقاعهما في أحد جانبيه، حتّى في حال الضرورة فلا يجوز، كما لا يجوز التقدّم على الصخرة.

أقول: ثمّ إنّ المقام الذي يجب الصلاة خلفه أو عنده أو فيه، هو حيث الآن، لا ما كان على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وإبراهيم عليه السلام، بلا خلافٍ ، ويشهد به صحيح إبراهيم بن أبي محمود، قال:

«قلت للرضا عليه السلام: اُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة،

ص: 50

أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال عليه السلام: حيث هو الساعة»(1).

وما ذكر كلّه إنّما هو في صلاة طواف الفريضة.

وأمّا صلاة طواف النافلة: فلا يتعيّن لها قُرب المقام بلا خلافٍ ، وعن غير واحد دعوى الإجماع عليه(2).

وفي «المستند»(3): بل هو إجماعٌ محقّق.

ويشهد به: - مضافاً إلى الأصل بعد اختصاص الروايات المعيّنة لمحلّها خلف المقام أو عنده بالفريضة - خبر زرارة عن أحدهما عليهم السلام:

«لا ينبغي أن تُصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّاعند مقام إبراهيم عليه السلام، وأمّا التطوّع فحيثُ شئتَ من المسجد»(4).

وموثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت اسبوعاً، وصلّى ركعتين في أيّ جوانبِ المسجد شاء، كتب اللّه له ستّة آلاف حسنة...»(5) الحديث.

أقول: وظاهر الأصحاب الاتّفاق على تعيّن المسجد، والخبران غير ظاهرين فيه، بل خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام:

«عن الرّجل يطوف بعد الفجر، فيُصلّي الركعتين خارجاً من المسجد؟ قال عليه السلام:

يُصلّي بمكّة لا يخرج منها إلّاأن ينسى ، فيُصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعةٍ أحبّ 3.

ص: 51


1- الكافي: ج 4/423 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/422 ح 18112.
2- كما في الرياض: ج 6/543، ومستند الشيعة: ج 12/156.
3- الكافي: ج 4/424 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/426 ح 18119.
4- الكافي: ج 4/424 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/426 ح 18119.
5- الكافي: ج 4/411 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/303 باب 4 من أبواب الطواف ح 17803.

ركعتي ذلك الطواف»(1).

يدلّ على جواز إيقاعهما خارج المسجد.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ خبر علي بن جعفر ضعيف سنداً، ولا يخلو من تشويش، لدلالته على تعيّن المسجد في صورة النسيان، وخبر زرارة لوروده في مقام التحديد - كما يظهر من صدره - يدلّ على التعيّين، هذا كلّه مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه.

وعليه، فالأظهر تعيّن المسجد.

***2.

ص: 52


1- قرب الإسناد: ص 97، وسائل الشيعة: ج 13/427 ح 18122.

حكم نسيان ركعتي الطواف

الجهة الثانية: لو نسى ركعتي الطواف:

فعن جماعةٍ (1): يجبُ عليه الرجوع إلى المقام مع الإمكان، وعدم المشقّة، وإتيانهما فيه، بل قيل إنّه الأشهر(2).

وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه، إلّاما يُحكى عن الصدوق من الميل إلى صلاتهما حيث يذكر، بل في «كشف اللِّثام» الإجماع عليه كما هو الظاهر)(3)، انتهى .

ثمّ إنّهم اختلفوا فيما هو وظيفته إذا تعذّر عليه الرجوع، وأنّها هل هي الصلاة متى تذكّر، أو الاستنابة، أو التخيّير بينهما؟

وأمّا الأخبار: فهي على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على لزوم الرجوع:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجلٍ طاف طواف الفريضة، ولم يصلِّ الركعتين حتّى طاف بين الصفا والمروة، ثمّ طاف طواف النساء ولم يصلِّ لذلك الطواف حتّى ذكر وهو بالأبطح ؟ قال عليه السلام: يرجع إلى المقام فيُصلّي ركعتين»(4).

هكذا رواه الصدوق، ورواه الكليني رحمه الله(5) إلى قوله: (فيُصلّي).

ص: 53


1- منهم الشهيد في الدروس: ج 1/396، والفاضل الهندى فى كشف اللّثام مع دعواه الإجماع: ج 340/1 (ط. ق).
2- حكاه في مستند الشيعة: ج 12/143، بل ادّعى عليه الإجماع في كشف اللّثام ج 340/1 (ط. ق).
3- جواهر الكلام: ج 19/303.
4- الإستبصار: ج 2/234 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/428 ح 18127.
5- الكافي: ج 4/426 ح 6.

قال صاحب «الوسائل»: (أقول: إنّ المراد أنّه يُصلّي ركعتين لكلّ طوافٍ لما مضى ويأتي)(1).

ومنها: موثّق عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ طاف طواف الفريضة، ولم يُصلِّ الركعتين حتّى ذكر وهو بالأبطح، يُصلّي أربعاً؟ قال عليه السلام: يرجع فيُصلّي عند المقام أربعاً»(2).

ومنها: صحيح الحلال، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ نسى أن يُصلّي ركعتي طواف الفريضة، فلم يذكر حتّى أتى منى ؟ قال عليه السلام: يرجع إلى مقام إبراهيم عليه السلام فيصلّيهما»(3) ونحوها غيرها(4).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّه يصلّيهما حيث ذكر:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام ؟ فقال: فليصلّيهما حيثُ ذكر، وإنْ ذكرهما وهو في البلد فلا يبرح حتّى يقضيهما»(5).

ومنها: صحيح هشام بن المثنّى: «نسيتُ أن اُصلّي الركعتين للطواف خلف المقام، حتّى انتهيت إلى منى، فرجعتُ إلى مكّة فصلّيتهما ثمّ عدتُ إلى منى، فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام ؟ فقال: أفلا صلّاهما حيثُ ما ذكر»(6).1.

ص: 54


1- وسائل الشيعة: ج 13/428 ذيل حديث 18127.
2- الإستبصار: ج 2/234 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/429 ح 18129.
3- الاستبصار: ج 2/234 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/430 ح 18134.
4- انظر وسائل الشيعة: ج 13/427 الباب 74 من أبواب الطواف.
5- الكافي: ج 4/425 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/432 ح 18140.
6- الاستبصار: ج 2/235 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/429 ح 18131.

ومنها: خبر عمر بن البراء، عن مولانا عليه السلام: «في من نسى ركعتي طواف الفريضة حتّى أتى منى، أنّه رخّص أن يصلّيهما بمنى»(1).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على جواز الاستنابة في الإيقاع في المقام:

منها: صحيح عمر بن يزيد، عنه عليه السلام: «في من نسى ركعتي الطواف حتّى ارتحلّ من مكّة ؟ قال عليه السلام: إنْ كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض النّاس فليصلّهما عنه»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «من نسى أن يُصلّي ركعتي طواف الفريضة حتّى خرج من مكّة، فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجلٌ من المسلمين»(3).

ومنها: خبر ابن مسكان، حدّثني مَن سأله عن الرّجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتّى يخرج ؟ فقال عليه السلام: يوكل»(4) ونحوها غيرها(5).

أقول: وقد قيل(6) في الجمع بين النصوص وجهان:

الوجه الأوّل: ما نُسب إلى المشهور، وهو حمل الطائفة الأُولى على ما إذا لم يشقّ عليه الرجوع، والثانية على ما إذا شقَّ عليه ذلك، بشهادة صحيح أبي بصير:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى أن يُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام،ا.

ص: 55


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/408 ح 2833، وسائل الشيعة: ج 13/427 ح 18124.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/408، وسائل الشيعة: ج 13/427 ح 18123.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/143 ح 145، وسائل الشيعة: ج 13/431 ح 18135.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/140 ح 135، وسائل الشيعة: ج 13/431 ح 18136.
5- انظر وسائل الشيعة: ج 13/427 الباب 74 من أبواب الطواف.
6- اُنظر مستند الشيعة: ج 12/145 وما بعدها.

وقد قال اللّه تعالى «وَ اِتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» (1) حتّى ارتحلّ؟ قال عليه السلام: إنْ كان ارتحلّ فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع، ولكن يُصلّي حيثُ يذكر»(2).

وأمّا الطائفة الثالثة فقد حَمَلوها على صورة تعذّر الرجوع، أو مشقّته، إمّا مقدّماً على أنْ يُصلّي حيثُ ما ذكر، أو بنحو التخيّير بينهما، وحملها بعضهم على صورة الترك عمداً.

أقول: إنّ ما ذكروه من الجمع بين الطائفتين الأولتين تبرّعيٌ لا شاهد له، وصحيح أبي بصير لا يشهد به، فإنّه يدلّ على أنّ مطلق مشقّة الرجوع التي لا ينفكّ عنها مرتحِلٌ ، تمنع عن الأمر بالرجوع، فهو أيضاً يدلّ على جواز أن يُصلّي في كلّ مكان مطلقاً، مع أنّ بعض نصوص الصلاة حيث ما ذكر تأبى عن هذا الحمل، راجع صحيح ابن المثنّى، وأمّا ما ذكروه في الطائفة الثالثة فلا ينطبق على شيء من القواعد.

الوجه الثاني: حمل النصوص الأُول على الاستحباب.

ويرد عليه أوّلاً: إباء صحيح ابن المثنّى عن ذلك، إذ لو كان الرجوع مستحبّاً لما كان وجهٌ لقوله: (أفلا صلّاهما حيث ما ذَكر).

وثانياً: أنّه ليس جمعاً عرفيّاً، إذ قوله: (يرجع ويصلّيهما عند المقام)، إذا جُمع مع قوله عليه السلام: (فليصلّيهما حيثُ ذكر)، لا يرى العرف الثاني قرينةً على حمل الأوّل على الندب.

أقول: والحقّ أنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على التخيّير بين الثلاثة مطلقاً، وهو مضافاً إلى كونه جمعا عرفيّاً - يشهد للتخيّير بين الرجوع والاستنابة2.

ص: 56


1- سورة البقرة: الآية 125.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/140 ح 133، وسائل الشيعة: ج 13/430 ح 18132.

صحيح عمر بن يزيد، وللتخيّير بين الرجوع والصلاة حيثُ ما ذَكر صحيح أبي بصير المتقدّم - فإنّه ظاهرٌ في أنّ الأمر بالصلاة حيثُ ذَكر أمرٌ ترخيصي امتناني.

ولكن الذي يوقفنا عن الإفتاءبذلك عدم إفتاءالأصحاب به، وعليه فالأحوط مع عدم المشقّة الرجوع والصلاة خلف المقام، وإذا تعذّر عليه ذلك، أو كان فيه مشقّة يتخيّر بين أن يُصلّي في محلّه أو يستنيب مَن يُصلّي عنه.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ مذهب أكثر القدماء في هذه المسألة غير معلوم(1).

أقول: وفي المسألة قولٌ آخر، وهو ما عن دروس الشهيد رحمه الله(2)، من أنّه يجبُ الرجوع إلى المقام إلّامع التعذّر خاصّة، ثمّ معه يجب الإيقاع في الحرم إلّامع التعذّر، فحينئذٍ يوقعهما حيثُ أمكن من البقاع.

وقد صرّح غير واحدٍ من المحقّقين(3) بعدم العثور على مستند له في ذلك، بل إطلاق النصوص يدفعه.

نعم، هو أحوط، وأحوط منه إيقاعهما في المسجد إذا تعذّر عليه العود إلى المقام، ولو تعذّر ذلك أيضاً صلّاهما في الحرم.

ثمّ إنّ مورد هذه النصوص بأجمعها المرتحل، وأمّا غيره فيجب عليه العود إلى المقام قطعاً، إذ لا معارض لما دلّ على لزوم إيقاعهما في المقام.

نعم إذا تعذّر عليه ذلك ينفي وجوبه بأدلّة نفي العُسر والحَرَج.

فرع: هل يلحق الجاهل بالنّاسي كما صرّح به جماعةٌ (4) أم لا؟9.

ص: 57


1- كما عن المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 12/147.
2- الدروس الشرعيّة: ج 1/396.
3- كالفاضل النراقي في مستند الشيعة: ج 12/147، والسيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 8/153.
4- اُنظر مسالك الأفهام: ج 2/335، مدارك الأحكام: ج 8/136، مستند الشيعة: ج 12/149.

الظاهر ذلك، لصحيح جميل بن درّاج، عن أحدهما عليهما السلام: «إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي»(1).

وأمّا العامد فلا دليل على إلحاقة به، فمقتضى القاعدة وجوب العود إلى مقام إبراهيم مع الإمكان، وإلّا فالبقاء في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن للاستصحاب.

وعن الشهيدالثاني رحمه الله(2) جعل العامد كالناسي، وأوردوا عليه بأنّه لا وجه له.

أقول: يمكن أن يكون نظر الشهيد قدس سره إلى أنّ إطلاق قوله في صحيح جميل:

(الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم كالناسي) يشمل الجاهل المقصّر، وبضميمة ما ادّعوه من الإجماع على أنّه كالعامد يثبت الحكم في العامد أيضاً.

وعليه، فيرد عليه أنّ المُجمع عليه هو أنّ الجاهل المقصّر كالعامد، لا كون العامد كالمقصّر، فتدبّر.

فرعٌ آخر: لو مات ولم يُصلّهما، قضاهما الولي أو رجلٌ من المسلمين عنه، بلا خلافٍ (3)، لصحيح عمر بن يزيد الثاني.

وأورد عليه:

تارةً : بشموله لحال الحياة.

وأُخرى : بأنّه غير دالٍّ على الوجوب، لعدم كونه متضمّناً للأمر ولا لغيره ممّا هو ظاهر فيه.

ولكن يرد الأوّل: أنّه غير شامل لحال الحياة، فإنّ قوله: (يقضي عنه وليّه)،7.

ص: 58


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/408 ح 2834، وسائل الشيعة: ج 13/428 ح 18125.
2- مسالك الأفهام: ج 2/335.
3- كما حكاه النراقي في مستند الشيعة: ج 12/151، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 6/547.

ظاهرٌ في إرادة حال الموت، لعدم الولاية في صورة الحياة، مع أنّه لا يضرّ شموله لها كما مرّ.

ويرد الثاني: أنّه من جهة كونه بالجملة الخبريّة ظاهرٌ في الوجوب، فلا إشكال في الحكم، ويؤيّده ما سيأتي من أنّه لو نسى الطواف حتّى مات قضى عنه وليّه، فإنّه يقضيه مع صلاته.

***

ص: 59

حكم ترك صلاة الطواف عمداً

الجهة الثالثة: لو ترك الطائف ركعتي الطواف عمداً، فقد مرَّ أنّه يجب عليه الرجوع إلى المقام والإتيان بهما، وإلّا تبقى ذمّته مشغولة بهما.

إنّما الكلام فيما أفاده سيّد «المدارك» من أنّه تشكل صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما، من صدق الإتيان بهما، ومن عدم وقوعهما على الوجه المأمور به(1)، واستجوده صاحب «الرياض»(2)، وعن «الذخيرة»(3) و «الكفاية»(4) نفي البُعد عن بطلانها.

واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ المأتي به إن وقع في الخارج مطابقاً للمأمور به، كان صحيحاً، وإلّا فهو باطل، وفي الفرض لم تقع الأفعال المتأخّره مطابقة للمأمور به، إذ المأمور به وقوعها بعد الركعتين.

وفيه: إنّ عدم مطابقة المأتي به للمأمور به، إنّما يكون لو كان الترتيب بين الركعتين وسائر الأفعال معتبراً في تلك الأفعال، وإلّا فهي مطابقة للمأمور به، والأصل يقتضي عدم الاعتبار.

الوجه الثاني: أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه، والنهي في العبادة موجبٌ للفساد، وعليه فالأمر بالركعتين يستلزمُ النهي عن إتيان سائر الأفعال، وهو موجبٌ لفسادها.

ص: 60


1- مدارك الأحكام: ج 8/137.
2- رياض المسائل: ج 6/547.
3- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/630 ق 3.
4- كفاية الأحكام: ج 1/333.

وفيه: إنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه، خصوصاً الضدّ الخاص كما حُقّق في محلّه.

وعليه، فالأظهر عدم بطلان الحَجّ والعُمرة بتركهما عمداً، وإنّما عليه الإثم وقضائهما كما هو المشهور بين الأصحاب، بل ادّعى قيام الإجماع عليه(1).

***

الجهة الرابعة: المشهور بين الأصحاب(2) أنّه يستحبّ أن يَقرأ في الركعة الأولى الحمد والتوحيد، وفي الثانية الحمد والجحد.

وعن الشيخ في «النهاية»(3) أنّه يقرأ الجحد في الأولى، والتوحيد في الثانية.

والنصوص وإنْ كان أكثرها مطلقة، فإنّها تضمّنت أنّه يقرأ فيهما الجحد والتوحيد، إلّاأنّ صحيح معاوية المتقدّم مصرّحٌ بما هو المشهور، وبه يقيّد إطلاق سائر النصوص.

وأمّا ما عن «النهاية» فعن الشهيد(4) أنّ به رواية، لكنّها لم تصل إلينا كما صرّح به في «الحدائق»(5) و «الجواهر»(6) وغيرهما.

وعليه، فما هو المشهور أظهر.

***1.

ص: 61


1- اُنظر الحدائق الناضرة: ج 16/147.
2- قال به الشيخ الصدوق في المقنع: ص 257، الهداية: ص 231، والمفيد في المقنعة: ص 404، وسلّار في المراسم العلويّة: ص 109، وحكى الشهرة في جواهر الكلام: ج 19/302 عن المختلف.
3- النهاية: ص 79.
4- في الدروس: ج 1/402.
5- الحدائق الناضرة: ج 16/134.
6- جواهر الكلام: ج 19/301.

وجوب المبادرة إلى الصلاة

الجهة الخامسة: ظاهر جملةٍ من النصوص فوريّة صلاة الطواف، وأنّه يجبُ الإتيان بها بعد الطواف بلا فصل معتدّ به:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجلٍ طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ؟ قال عليه السلام: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان، فليصلّيهما قبل المغرب»(1).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا فرغت من طوافك فائتِ مقام إبراهيم فصلِّ ركعتين...

إلى أن قال: وهاتان الركعتان هما الفريضة، ليس يكره لك أن تصلّيهما في أيّ الساعات شئتَ عند طلوع الشمس وعند غروبها، ولا تؤخّرها ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما»(2) ونحوهما غيرهما.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى هذه النصوص أنّه يجوز إيقاعهما ولو في الأوقات الخمسة التي قالوا تكره لابتداء النوافل، ولا يكون مكروهاً، ولكن بإزائها في هذه الجهة نصوصٌ اُخرى :

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن ركعتى طواف الفريضة ؟ فقال: وقتهما إذا فرغت من طوافك، واكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها»(3).

منها: صحيحة الآخر، عن أحدهما عليهما السلام: «عن الرّجل يدخل مكّة بعد الغداة

ص: 62


1- الكافي: ج 4/423 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/434 ح 18145.
2- الكافي: ج 4/423 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/300 ح 17796.
3- الاستبصار: ج 2/236 ح 822، وسائل الشيعة: ج 13/435 ح 18151.

أو بعد العصر؟ قال عليه السلام: يطوف ويُصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند إحمرارها»(1).

ومنها: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر، وهو في وقت الصلاة، أيُصلّي ركعات الطواف نافلةً كانت أو فريضة ؟ قال عليه السلام: لا»(2).

أقول: أمّا لأوّلان فقد حملهما شيخ الطائفة(3) على التقيّة، وتبعه غيره.

وأورد عليه: بأنّ موثّق إسحاق بن عمّار متضمّنٌ أنّ العامّة لا يمنعون من ذلك، وأنّهم لم يأخذوا من الحسنين عليهما السلام إلّاجواز الصلاة في هذين الوقتين، فكيف يُحمل على التقيّة!

والجواب عنه: ما أفاده سيّدنا الرضا عليه السلام في صحيح ابن بزيع، قال: «سألت الرضا عليه السلام عن صلاة طواف التطوّع بعد العصر؟ فقال: لا، فذكرت له قول بعض آبائه أنّ النّاس لم يأخذوا عن الحسن والحسين عليه السلام إلّاالصلاة بعد العصر بمكّة ؟ فقال: نعم، ولكن إذا رأيتَ النّاس يقبلون على شيء فاجتنبه، فقلت: إنّ هؤلاء يفعلون ؟! فقال: لستُم مثلهم»(4).

وحاصله: - كما في الحدائق(5) - أنّ ذلك لا يدفع الضرر عنكم، لأنّهم يعلمون أنّ هذا الحكم - وهو جواز الصلاة في هذه الأوقات المكروهة عندهم - من خصائص مذهب الإماميّة، وهم إنّما أخذوا عن الحسن والحسين عليهما السلام الجواز في2.

ص: 63


1- الاستبصار: ج 2/237 ح 823، وسائل الشيعة: ج 13/436 ح 18152.
2- الاستبصار: ج 2/237 ح 826، وسائل الشيعة: ج 13/437 ح 18155.
3- الاستبصار: ج 2/237 ح 823.
4- الاستبصار: ج 2/237 ح 825، وسائل الشيعة: ج 13/436 ح 18154.
5- الحدائق: ج 16/152.

صلاة الطواف خاصّة، فهم يؤأخذونكم لأجل ذلك بما لا يؤأخذ به بعضهم بعضاً، وهذا معنى قوله عليه السلام: (لستم مثلهم).

والحقّ أن يقال: إنّ النصوص الأوّل مختصّة بصلاة طواف الفريضة، والأخيرة مطلقة، فيقيّد إطلاقها بها، فلا إشكال في صلاة الفريضة، ثمّ بعد تخصيص الثانية بخصوص النافلة، يكون سبيل هذه النصوص سبيل سائر النصوص المتضمّنة لكراهة الصلاة في الأوقات الخمسة، التي عرفت سابقاً في هذا الشرح(1) تعيّن حملها على التقيَّة لوجوه.

وأمّا صحيح علي بن يقطين المصرّح بعدم الإتيان بصلاة طواف الفريضة في تلك الأوقات، فعن الشيخ رحمه الله(2): (أنّه يدلّ على عدم جواز أن يُصلّي ركعتي الطواف إلّابعد أن يفرغ من الفريضة الحاضرة، وأنّه يجب تقديم الفريضة الحاضرة عليهما ولو مع اتّساع الوقت).

ولا يرد عليه ما في «الجواهر»: من أنّ الأصل يقتضي التخيّير بينهما، كما عن الفاضل التصريح به، لأنّهما واجبان موسّعان، إذ الأصل لا يقاوم النص الخاص(3).

والحقّ أن يقال: إنّ السؤال كما يمكن أن يكون عن جواز الصلاة في ذلك الوقت، يمكن أنْ يكون عن وجوبها، بل الظاهر بقرينة وجوب الفوريّة هو الثاني، فجوابه عليه السلام يدلّ على عدم الوجوب، لا عدم الجواز، فيتّجه التخيّير حينئذٍ كما هو مقتضى الأصل.

***5.

ص: 64


1- فقه الصادق: ج 6/88، بحث (كراهة النوافل في خمسة أوقات).
2- الاستبصار: ج 2/236 ذيل الحديث 826.
3- جواهر الكلام: ج 19/325.

ويستحبّ فيه: الدّعاء عند الدخول إلى مكّة، والمسجد، ومَضْغِ الإذخر،

مقدّمات الطواف المستحبّة

(و) البحث الثاني: عمّا (يستحبّ فيه).

أقول: وفيه أيضاً مقامان:

الأوّل: في ما يستحبّ فيه، لا من حيث هو، بل لمقدّماته الّتي هي دخول الحرم والمسجد، وإنّما عدّ من مقدّماته المستحبّة، لأجل أنّ هذه الأفعال لأجل الطواف خاصّة أو ابتداءً .

الثاني: في مستحبّاته من حيث هو.

أمّا المقام الأوّل فأُمور:

الأمر الأوّل: (الدّعاء عند الدخول إلى مكّة والمسجد) بما تضمّنته النصوص.

(و) الأمر الثاني: (مَضغُ الإذخر) كما عن «الجامع»(1) و «الجمل والعقود»(2)و «القواعد»(3)، وفي «المنتهى »(4)، و «التذكرة»(5) وغيرهما، ويشهد به صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا دخلت الحرم، فخُذ من الإذخر فامضغه»(6)ومثله خبر أبي بصير(7).

ص: 65


1- الجامع للشرايع: ص 196.
2- الجمل والعقود: ص 138 كما عن هامش كشف اللِّثام (ط. ج): ج 5/454.
3- قواعد الأحكام: ج 1/428.
4- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/688.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/79.
6- الكافي: ج 4/398 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/198 ح 17557.
7- الكافي: ج 4/398 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/198 ح 17558.

ودخول مكّة من أعلاها.

(و) الأمر الثالث: (دخول مكّة من أعلاها) كماعن «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، و «الاقتصاد»(3)، و «الجمل والعقود»(4)، و «المصباح» ومختصره(5)، و «الغُنية»(6)، و «الجامع»(7)، و «القواعد»(8)، و «النافع»(9)، وفي الكتاب(10) و «الشرايع»(11) وغيرهما.

ولكن عن «المقنعة»(12)، و «التهذيب»(13)، و «المراسم»(14)، و «الوسيلة»(15)، و «السرائر»(16) التقيّيد بما إذا أتاها من طريق المدينة.

وفي «المنتهى » و «التذكرة»(17): يستحبّ أن يدخل مكّة من أعلاها إذا كان9.

ص: 66


1- النهاية: ص 235.
2- المبسوط: ج 1/355.
3- الإقتصاد: ص 303.
4- الجمل والعقود: ص 138 كما في هامش كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/455.
5- المصباح: ص 679.
6- غنية النزوع: ص 169.
7- الجامع للشرائع: ص 196.
8- قواعد الأحكام: ج 1/428.
9- المختصر النافع: ص 93.
10- تبصرة المتعلِّمين: ص 97.
11- شرائع الإسلام: ج 1/199.
12- المقنعة: ص 399.
13- تهذيب الأحكام: ج 5/98 ذيل الحديث 320.
14- المراسم العلويّة: ص 108.
15- الوسيلة: ص 172.
16- السرائر: ج 1/570.
17- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/688، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/79.

وحافياً

داخلاً من طريق المدينة، ويخرج من أسفلها.

ويشهد به: موثّق يونس بن يعقوب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين أدخل مكّة وقد جئتُ من المدينة ؟ قال: ادخل من أعلى مكّة، وإذا خرجت تريدُ المدينة فاخرج من أسفل مكّة»(1).

وهذا الخبر كما ترى مختصٌّ بمن دخل من طريق المدينة.

وقد استدلّ لاستحباب ذلك بقول مطلق، بالتأسّي بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله الذي تضمّنه صحيح معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في صفة حَجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ودخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيّين، وخَرج من أسفل مكّة من ذي طوى»(2).

فإنّه يقتضي الأعمّ ، خصوصاً مع كون الأعلى على غير جادّة طريق المدينة، بل قيل إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله عدل إليه.

(و) الأمر الرابع: دخول كلٍّ من الحرم ومكّة والمسجد (حافياً).

ويشهد للأوّل: خبر أبان بن تغلب، قال:

«كنتُ مع أبي عبد اللّه عليه السلام مزامله فيما بين مكّة والمدينة، فلما انتهى إلى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثمّ دخل الحرم حافياً...

إلى أن قال: من صنع مثل ما رأيتني صنعتُ تواضعاً للّه، مَحى اللّه عنه مائة ألف سيّئة، الحديث»(3).2.

ص: 67


1- الكافي: ج 4/399 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/199 ح 17560.
2- الكافي: ج 4/245 وما بعدها ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/198 ح 17559.
3- الكافي: ج 4/398 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/195 ح 17552.

بسكينةٍ ووقار، والغُسل

ويشهد للثاني: خبر عجلان أبي صالح، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد، فاغتسل واخلع نعليك وامش حافياً، وعليك السكينة والوقار»(1).

ويشهد للثالث: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام المتقدّم: «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله على السكينة والوقار والخشوع(2)... الحديث».

الأمر الخامس: دخول كلّ من الثلاثة (بسكينةٍ ووقار)، للتصريح به في الروايات المتقدّمة.

استحباب الغسل

(و) الأمر السادس: (الغُسل) بلا خلافٍ ولا إشكال.

أقول: إنّما الكلام في أنّه:

1 - هل المستحبّ غُسلٌ واحد، كما عن «المدارك»(3)، حيث قال: (مقتضى النصوص استحباب غُسلٍ واحد قبل دخول الحرم أو بعده، من بئر ميمون أو من فَخّ أو من منزله من مكّة على سبيل التخيّير)؟

2 - أم يستحبّ غُسلان لدخول مكّة ولدخول المسجد، كما عن جماعةٍ (4)؟

ص: 68


1- الكافي: ج 4/400 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/200 ح 17563.
2- الكافي: ج 4/401 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/204 ح 17572.
3- مدارك الأحكام: ج 8/119.
4- كما عن الشيخ في المبسوط: ج 1/355، والمحقّق في الشرائع: ج 1/199.

3 - أم أغسال ثلاثة بزيادة غُسلٍ آخر لدخول الحرم كما عن المصنّف رحمه الله(1)وجماعةٍ من المتأخّرين(2)؟

4 - أم أغسال أربعة بزيادة غُسلٍ للطواف كما عن جمع(3)؟

أقول: يشهد لاستحباب الغُسل لدخول الحرم خبر أبان بن تغلب المتقدّم.

ولاستحباب دخول مكّة صحيح الحلبي: «أمرنا أبو عبد اللّه عليه السلام أن نغتسل من فَخّ قبل أن ندخل مكّة»(4)، وخبر عجلان المتقدّم.

ولاستحبابه للطواف صحيح علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام، قال لي:

«إن اغتسلت بمكّة ثمّ نمت قبل أن تطوف فأعد غُسلك»(5).

وأمّا استحباب الغُسل لدخول المسجد، فلم نعثر على ما يدلّ عليه، ولا يبعد استفادته من الخبر الصحيح الذي رواه معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلى الحرم إنْ شاء اللّه تعالى فاغتسل حين تدخله، وإنْ تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون، أو من فَخّ ، أو من منزلك بمكّة»(6) بأن يكون الغُسل من منزله بمكّة لدخول المسجد، ولعلّه بضميمة ما عن «الخلاف»(7) و «الغُنية»(8) من الإجماع عليه يكفي في الحكم بالاستحباب.0.

ص: 69


1- في تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/143، و: ج 8/80-85، وحكاه في الذخيرة (ط. ق): ج 1/631 عن المصنّف وجماعة من الأصحاب، كفاية الأحكام: ج 1/39.
2- كالشهيد في الدروس: ج 1/391، وابن فهد في الرسائل العشر: ص 212.
3- كما عن الجامع للشرائع: ص 196، والخلاف: ج 2/286 مسألة 63.
4- الكافي: ج 4/400 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/200 ح 17562.
5- الكافي: ج 4/400 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/202 ح 17567.
6- الكافي: ج 4/400 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/197 ح 17556.
7- الخلاف: ج 2/286 ذيل المسألة 63.
8- غنية النزوع: ص 170.

من بئر ميمون أو فَخّ ،

وأمّا صحيح ذُريح المحاربي، قال: «سألته عن الغُسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله ؟ قال عليه السلام: لا يضرّك أيّ ذلك فعلت، وإنْ اغتسلت بمكّة فلا بأس، وإنْ اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس»(1)، فلا يدلّ على أنّ المأمور به غسلٌ واحد، بل يدلّ على جواز تأخير الغُسل للحرم، والرّخصة في التداخل.

أقول: ثمّ إنّ الكلام في أنّ الغُسل لدخول الحرم أو لدخول مكّة أو لدخول المسجد أو للطواف، هل ينتقض بالأصغر قبل أن يدخل أو يطوف أم لا ينتقض ؟

قد تقدّم في مبحث الأغسال(2) تحت عنوان عام، كما أنّ التداخل فيها قد مرّ(3)الكلام فيه، وعليه فالتعدّد إنّما هو إذا لم يكن على غُسله السابق.

فالمتحصّل: أنّه إنْ اغتسل قبل دخول الحرم، فدخله ودخل مكّة والمسجد وطاف، أجزأه غُسله الأوّل، وإنْ انتقض ذلك بعد دخول الحرم قبل دخول مكّة، اغتسل فدخلها ودخل المسجد وطاف، وإنْ انتقض اغتسل لدخول المسجد وللطواف.

أقول: والمعروف بين الأصحاب أنّه يستحبّ أنْ يكون غُسله لدخول مكّة (من بئر ميمون أو فَخّ ) والأوّل بالأبطح من مكّة، والثاني على رأس فرسخٍ منها.

وفي «المنتهى»(4): يستحبّ له أن يغتسل لدخول مكّة إمّا من بئر ميمون أو من فَخّ ، وهو قول العلماء واستدلّوا له بصحيح معاوية المتقدّم وخبر عجلان.

***8.

ص: 70


1- الكافي: ج 4/398 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/197 ح 17555.
2- فقه الصادق: ج 2/245.
3- فقه الصادق: ج 2/242.
4- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/688.

واستلام الحَجَر وتقبيله أو الإيماء إليه

استلام الحَجَر

المقام الثاني: فيما يستحبّ في الطواف نفسه، وهي كثيرة مستفادة من النصوص التي سوف نتعرّض لها، إلّاأنّ المصنّف رحمه الله ذكر جملة منها، (و) هي اُمور:

الأمر الأوّل: (استلام الحَجَر) في الطواف بلا خلافٍ (1)، ويشهد به:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام: «إذا دنوت من الحَجَر الأسود، فارفع يديك واحمد اللّه....

إلى أنْ قال: ثمّ استلم الحَجَر وقبّله، فإنْ لم تستطع أن تُقبّله فاستلمه بيدك، فإنْ لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشِر إليه»(2).

2 - صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عنه عليه السلام في حديثٍ :

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يستلم الحَجَر في كلّ طوافٍ فريضةً ونافلة»(3).

ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة:

أقول: إنّما الكلام في مواضع:

1 - في أنّ هذا الحكم لزومي أو استحبابي.

2 - في محلّه، وأنّه في كلّ طوافٍ مرّة أو مرّتان، أو في كلّ شوطٍ مرّة واحدة.

ص: 71


1- بل إجماعاً كما عن تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/106.
2- الكافي: ج 4/402 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/316 ح 17831.
3- الكافي: ج 4/404 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/316 ح 17832.

3 - في أنّ الاستلام هل هو تناوله باليد أو بجميع البدن أو غير ذلك.

أمّا الموضع الأوّل: فالمعروف استحبابه، وعن سلّار في «المراسم»(1) وجوبه، واستدلّ له بالأمر الوارد به الظاهر في الوجوب.

ولكن يرد عليه: أنّه لابدّ من حمله على الندب لو سُلّم ظهوره في الوجوب، مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً، لما في النصوص من القرائن، لجملةٍ من النصوص الصريحة في عدم الوجوب:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كنّا نقول لابدّ أن نستفتح بالحَجَر ونختم به، فأمّا اليوم فقد كثر النّاس»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ حَجّ ولم يستلم الحَجَر؟ فقال عليه السلام:

هو من السُنّة، فإنْ لم يقدر فاللّه أولى بالعذر»(3).

ومنها: صحيح يعقوب بن شعيب، قلت لأبي عبد اللّه: «إنّي لا أخلص إلى الحَجَر الأسود؟ فقال عليه السلام: إذا طفت طواف الفريضة فلا يضرّك»(4).

ومنها: صحيح ابن الحجّاح المتضمّن أنّ الإمام الصادق عليه السلام لم يستلم الحَجَر، وعلّله بكراهة الزحام(5).

إلى غير ذلك من النصوص فيه و في التقبيل، الظاهرة بل الصريحة في عدم الوجوب.5.

ص: 72


1- المراسم العلويّة: ص 109.
2- الكافي: ج 4/404 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/324 ح 17853.
3- الكافي: ج 4/405 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/325 ح 17854.
4- الكافي: ج 4/405 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/326 ح 17858.
5- الكافي: ج 4/404 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/325 ح 17855.

في كلّ شوطٍ

وأمّا الموضع الثاني: فعن «الاقتصاد»(1)، و «الجمل والعقود»(2)، و «الوسيلة»(3)، و «المهذّب»(4)، و «الغُنية»(5)، و «الجامع»(6)، وفي الكتاب(7)، و «التذكرة»(8)، و «المنتهى »(9) وغيرها: أنّه يستحبّ الإستلام (في كلّ شوطٍ).

واستدلّ له: في «المنتهى » بما دلّ على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يستلم الحَجَر في كلّ طواف، وهو متوقّفٌ على إرادة الشوط من الطواف.

ويشهد له أيضاً: صحيح حمّاد بن عيسى ، عمّن أخبره، عن العبد الصالح عليه السلام:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ما من طائفٍ بهذا البيت حين تزول الشمس، حاسراً عن رأسه حافياً، يقارب بين خطاه، ويغضّ بصره، ويستلم الحَجَر في كلّ طوافٍ ، من غير أن يؤذي أحداً، ولا يقطع ذكر اللّه عن لسانه، إلّاكتبَ اللّه له بكلّ خطوةٍ سبعين ألف حسنة(10)، الحديث».

ويشهد به أيضاً: خبر زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كنتُ أطوف مع أبي،9.

ص: 73


1- الإقتصاد: ص 303.
2- الجمل والعقود: ص 139 كما عن هامش كشف اللِّثام (ط. ج): ج 5/460.
3- الوسيلة: ص 172.
4- المهذّب لابن البرّاج: ج 1/233.
5- غنية النزوع: ص 172.
6- الجامع للشرائع: ص 197.
7- تبصرة المتعلّمين: ص 97.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/106.
9- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/693.
10- الكافي: ج 4/412 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/306 ح 17809.

وكان إذا انتهى إلى الحَجَر مسحه بيده وقبّله(1) الحديث».

وعن الصدوق في «الفقيه»(2) و «الهداية»(3): (نعم، إنْ لم يقدر افتتح به واختتم به)، ويشهد به:

1 - صحيح معاوية المتقدّم: «كنّا نقول لابدّ أن نستفتح بالحَجَر ونختم به».

2 - وخبر سعدان بن مسلم، قال: «رأيتُ أبا الحسن موسى عليه السلام استلم الحَجَر، ثمّ طاف حتّى إذا كان اسبوع التزم وسط البيت، وترك الملتزم الذي يلتزم أصحابنا، وبسط يده على الكعبة، ثمّ يمكث ما شاء اللّه تعالى ، ثمّ مضى إلى الحَجَر فاستلمه وصلّى ركعتين(4)، الحديث».

وأمّا الموضع الثالث: فعن جماعةٍ من اللّغويين في عدّة من الكتب - كالعين والأزهري(5) وغيرهما - أنّه لمسه باليد، ولكن عن «المبسوط»(6) و «الخلاف»(7)و «القواعد»(8) أنّه يستحبّ استلامه ببدنه أجمع، والمراد به ما يناسب التعظيم والتبرّك والتحبّب، أو الاعتناق والالتزام.

وفي صحيح يعقوب، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن استلام الرّكن ؟ فقال:8.

ص: 74


1- الكافي: ج 4/408 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/338 ح 17888.
2- الفقيه، ج 2، ص 534.
3- الهداية: ص 224.
4- قرب الإسناد: ص 131، وسائل الشيعة: ج 13/348 ح 17918.
5- حكاه عنهما في الجواهر: ج 19/346، راجع لسان العرب: ج 12/298 وحكاه عن الأزهري أيضاً، مجمع البحرين: ج 2/411.
6- المبسوط: ج 1/356.
7- الخلاف: ج 2/320.
8- قواعد الأحكام: ج 1/428.

وتقبيله

استلامه أن تلصق بطنك به، والمسح أن تمسحه بيدك»(1).

وفي خبر سعيد الأعرج، عنه عليه السلام: «يُجزيك حيث ما نالت يدك»(2) وليس فيه ما يخصّه بحال التعذّر.

ويمكن أن يستدلّ لكفاية الاستلام باليد - مضافاً إلى ذلك - بخبر محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: استلموا الرّكن، فإنّه يمين اللّه في خلقه، يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الرّجل(3)... الحديث»، فإنّ المصافحة إنّما تكون باليد.

وخبر زيد الشحّام المتقدّم وغيرهما، وكلٌ حسن.

نعم، لا إشكال في كفاية الاستلام باليد مع الزحام، كما في جملةٍ من النصوص الصحيحة، كصحيح معاوية المتقدّم: «ثمّ استلم الحَجَر وقبّله، فإنْ لم تستطع أن تُقبّله فاستلمه بيدك»، ونحوه غيره.

(و) الأمر الثاني: (تقبيله) وهو مستحبٌّ بخصوصه، وإنْ دخل في الاستلام، للتصريح به في النصوص المتقدّمة، بل قيل ولم يذكر الحلبي(4) سواه.

وأوجبه بعضهم(5)، لأنّ الأخبار بين آمرٍ به وبالاستلام، ومقيّد لتركه بالعُذر،9.

ص: 75


1- الكافي: ج 4/404 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/324 ح 17851.
2- الكافي: ج 4/406 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/323 ح 17850.
3- الكافي: ج 4/406 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/324 ح 17852.
4- اُنظر الكافي في الفقه: ص 209.
5- سلّار الديلمي في المراسم العلويّة: ص 109.

أو الإيماء إليه

وآمرٍ للمعذور بالاستلام باليد أو بالإشارة أو الإيماء.

أقول: ولكن جملة من النصوص المتقدّمة في الاستلام تدلّ على عدم وجوبه، أضف إليها صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قال له أبو بصير: إنّ أهل مكّة أنكروا عليك أنّك لم تُقبِّل الحَجَر، وقد قبّله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟! فقال عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا انتهى إلى الحَجَر يفرجون له، وأنا لا يفرجون لي»(1)، فلا إشكال في الاستحباب.

وإنْ لم يقدر على التقبيل، استلمه بيده كما مرّ، وإنْ لم يقدر عليه أيضاً أشار بها إليه، وهو المراد من قول المصنّف: (أو الإيماء إليه)، بلا خلافٍ أجده فيه، بل نُسب إلى نصّ الأصحاب(2)، ويشهد به:

1 - صحيح معاوية المتقدّم: «فإنْ لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه».

2 - وخبر محمّد بن عبد اللّه: «سُئل مولانا الرضا عليه السلام عن الحَجَر الأسود، وهل يقاتل عليه النّاس إذا كثروا؟ قال عليه السلام: إذا كان كذلك، فأوم إليه إيماء بيدك»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

ولو استلم بيده مع عدم إمكان التقبيل، استحبّ له أن يُقبِّل يده، كما عن4.

ص: 76


1- تهذيب الأحكام: ج 5/104 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/327 ح 17863.
2- حكاه في الرياض: ج 7/38.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/103 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/326 ح 17857.
4- اُنظر الباب 16 من أبواب الطواف: ج 13/324.

الصدوق(1) والمفيد(2) والحلبي(3) ويحيى بن سعيد(4) والمصنّف رحمه الله(5) والشهيد قدس سره(6)، ولا بأس به، لأنّه مناسبٌ للتعظيم والتبرّك والتحبّب، بل رُوي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يستلم الحَجَر بمحجنه ثمّ يُقبِّل المِحجن(7).

و في صحيح ابن عمّار الوارد في زيارة البيت يوم النحر: «ثمّ يأتي الحَجَر الأسود...

إلى أنْ قال: فاستلم بيدك وقبِّل يدك»(8).

ولو كان أقطع استلم بموضع القطع، للخبر القويّ الذي رواه السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم السلام:

«أنّ عليّاً عليه السلام سُئل كيف يستلم الأقطع الحَجَر؟

قال عليه السلام: يستلم الحَجَر من حيث القطع، فإنْ كانت مقطوعة من المِرفق استلم الحَجَر بشماله»(9).

ولو كان فاقد اليد أشار إليه بالوجه أو بغيره، لصحيح معاوية المتقدّم: «فإنْ لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه».6.

ص: 77


1- الهداية: ص 225.
2- المقنعة: ص 401.
3- الكافي في الفقه: ص 209.
4- الجامع للشرائع: ص 197.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/102.
6- الدروس الشرعيّة: ج 1/398.
7- من لايحضره الفقيه: ج 2/402 ح 2818-2819، وسائل الشيعة: ج 13/442 ح 18167.
8- الكافي: ج 4/511 ح 4، وسائل الشيعة: ج 14/249 ح 19117.
9- الكافي: ج 4/410 ح 18، وسائل الشيعة: ج 13/343 ح 17906.

والدّعاء عند الإستلام وفي الطواف،

(و) الأمر الثالث: (الدّعاء عند الاستلام)، ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن الصادق عليه السلام: «إذا دنوت من الحَجَر الأسود، فارفع يديك وأحمد اللّه واثن عليه، وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله، واسأل اللّه أن يتقبّل منك، ثمّ استلم الحَجَر وقبّله، فإنْ لم تستطع أن تُقبّله فاستلمه بيدك، فإنْ لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه، وقل:

اللّهُمَّ أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة، اللّهُمَّ تصديقاً بكتابك، وعلى سُنّة نبيّك، أشهد أنْ لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، آمنتُ باللّه، وكفرتُ بالجِبت والطاغوت وباللّات والعُزّى وعبادة الشيطان، وعبادة كلّ نِدٍّ يُدعى من دون اللّه، فإنْ لم تستطع أن تقول هذا كلّه فبعضه»(1).

وقد تضمّنت النصوص أدعيةٌ اُخرى .

استحباب الدّعاء في الطواف

(و) الأمر الرابع: الدّعاء (في الطواف) بالمأثور في محالّه وغيره، قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «وتقول في الطواف: اللّهُمَّ إنّي أسألك باسمك الذي يمشي به على طُل الماء كما يُمشى به على جُدَد الأرض، وأسألك باسمك الذي يَهتزّ له عرشك، وأسألك باسمك الذي تَهتزُّ له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دَعاك به موسى من جانب الطور، فاستجبت له، وألقيت عليه محبّةً منك، وأسألك باسمك

ص: 78


1- الكافي: ج 4/402 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/313 ح 17826.

والتزام المُستَجار، ووضع الخَدّ عليه والبطن والدُّعاء

الذي غَفَرت به لمحمّد صلى الله عليه و آله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وأتممتَ عليه نعمتك، أن تفعل بي كذا وكذا ما أحببت من الدّعاء.

وكلّما انتهيت إلى باب الكعبة فصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله، وتقول فيما بين الرّكن اليماني والحَجَر الأسود: ربّنا آتنا في الدُّنيا حَسَنةً ، وفي الآخرة حسنةً ، وقِنا عذاب النار.

وقُل في الطواف: اللّهُمَّ إنّي إليك فقير، وإنّي خائفٌ مستجير، فلا تُغيّر جسمي ولا تُبدّل اسمي»(1).

وفي غيره غير ذلك من الأدعية، وهذا الاختلاف في الأدعية آية عدم تعيّن دعاءٍ خاص.

استحباب التزام المُستجار

(و) الأمر الخامس: (التزام المُستَجار، ووضع الخَدّ عليه والبطن) ويدعو بالدّعاء المأثور في الشوط السابع، في هذا المكان الذي يُسمّى بالمُلتزم والمتعوّذ في النصوص، وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة دون الرّكن اليماني بقليل، ويشهد لاستحباب ذلك جملة من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا كنتَ في الطواف السّابع فائتِ المتعوّذ، وهو إذا قمتَ في دَبر حذاء الباب، فقل: اللّهُمَّ البيتُ بيتك، والعبدُ عَبدك، وهذا مقامُ العائذ بك من النار، اللّهُمَّ مِن قِبلك الرّوح والفَرَج. ثمّ

ص: 79


1- الكافي: ج 4/406 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/333 ح 17876.

استلم الرّكن اليماني، ثمّ ائتِ الحَجَر فاختم به»(1).

ومنها: صحيح معاوية، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا فرغت من طوافك، وبلغتَ مؤخّر الكعبة وهو بحذاء المُستجار دون الرّكن اليماني بقليل، فابسط يديك على البيت، وألصق بدنك وخدّك بالبيت، وقل: اللّهُمَّ (2)... الخ».

ومنها: صحيحة الآخر: «فإذا انتهيت إلى مؤخّر الكعبة وهو المُستجار دون الرّكن اليماني بقليل في الشوط السابع، فابسط يديك على الأرض، وألصق خَدّك وبطنك بالبيت، ثمّ قُل: اللّهُمَّ ّلبيت بيتك(3).. الخ» ونحوها غيرها(4).

فرع: لو نسي الالتزام وتجاوز المُستجار، ففيه أقوال:

1 - استحباب الرجوع مطلقاً.

2 - عدم استحباب الرجوع كذلك.

3 - استحبابه إذا لم يتجاوز الرّكن.

والأوّل محكيٌ عن «النافع»(5) و «القواعد»(6) وغيرهما(7).

والثاني منسوبٌ إلى جماعة(8).

والثالث إلى الشهيد في «الدروس»(9).2.

ص: 80


1- الكافي: ج 4/410 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/344 ح 17909.
2- الكافي: ج 4/411 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/345 ح 17912.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/104 ح 11، وسائل الشيعة: ج 13/347 ح 17917.
4- انظر الباب 26 من أبواب الطواف، وسائل الشيعة: ج 13/344.
5- المختصر النافع: ص 94.
6- قواعد الأحكام: ج 1/428.
7- كالمحقّق الحِلّي في شرائع الإسلام: ج 1/201، والفاضل الآبي في كشف الرموز: ج 1/375، وابن العلّامة في إيضاح الفوائد: ج 1/299.
8- منهم المصنّف في التحرير: ج 1/584، والتذكرة (ط. ج): ج 8/106.
9- الدروس الشرعيّة: ج 1/402.

واستلام الرّكن اليماني

واستدلّ للأوّل: بإطلاق بعض النصوص السابقة.

وللثاني: بأنّه يلزم من الرجوع الزيادة في الطواف، وهي منهيٌّ عنها.

وللثالث: بصحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتّى جاز الرّكن اليماني، أيصلح أن يلتزم بين الرّكن اليماني وبين الحَجَر، أو يدَع ذلك ؟ قال عليه السلام: يترك اللّزوم ويمضي»(1). الحديث.

بتقريب: أنّه يدلّ على رجحان ترك اللّزوم المنافي لاستحبابه في صورة التجاوز عن الرّكن، وإستلام الرّكن اليماني، وباقي الأركان، فيخصّص به عموم ماله من النصوص عمومٌ أو إطلاق شاملٌ لصورة تركه في محلّه، وهذا هو الأظهر، فإنّه سيأتي أنّ ما دلَّ على عدم جواز الزيادة في الطواف لا يشمل ما يؤتى به لا بقصد الطواف.

استحباب استلام الأركان

(و) الأمر السادس: (استلام الرّكن اليماني) والرّكن الذي فيه الحَجَر، بلا خلافٍ (2)، بل بالإجماع(3)، وعن الديلمي(4) وجوب استلام الرّكن اليماني.

ص: 81


1- تهذيب الأحكام: ج 5/108 ح 22، وسائل الشيعة: ج 13/349 ح 17919.
2- قال في المختلف: ج 4/195: (والمشهور استحباب لثم الحَجَر واستلام الرّكن اليماني...)، وممّن قال به الشيخ المفيد في المقنعة: ص 403، والشيخ الصدوق في المقنع: ص 257، والحلبي في الكافي: ص 210، والديلمي في المراسم: ص 105، والطوسي في الاقتصاد: ص 303.
3- قال السيّد المرتضى في الإنتصار: ص 256: (وممّا إنفردت به الإماميّة القول بأنّ من السُنّة المؤكّدة إستلام الرّكن اليماني)، كما حكى الإجماع الشيخ في الخلاف: ج 2/321.
4- المراسم العلويّة: ص 109.

أقول: ويشهد لمطلوبيّته جملةٌ من الأخبار:

منها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كنت أطوفُ بالبيت فإذا رجلٌ يقول: ما بال هذين الرّكنين يُستلَمان ولا يُستلَم هذان ؟

فقلت: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله استلم هذين ولم يعرض لهذين، فلا تعرض لهما إذ لم يعرض لهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

قال جميل: ورأيتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يستلم الأركان كلّها»(1). ونحوه غيره من الأخبار الكثيرة(2).

واستدلّ في محكي «كشف اللِّثام»(3) لما ذهب إليه الدّيلمي من وجوبه، بالأمر به في النصوص الظاهر في الوجوب.

واُجيب عنه في «الجواهر»(4): بأنّ النصوص غير متضمّنة إلّالأفعالهم عليهم السلام، وهي تلائم مع الاستحباب.

وفيه: الوارد في صحيح ابن سنان المتقدّم من قوله عليه السلام: (ثمّ استلم الرّكن اليماني)، متضمّنٌ للأمر.

أقول: والحقّ في الجواب عن الاستدلال أنّ تسالم الأصحاب على عدم الوجوب، وجمعه مع غيره ممّا هو معلومُ الندب، وغير ذلك من القرائن، توجبُ صَرفه عن ظاهره.0.

ص: 82


1- الكافي: ج 4/408 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/337 ح 17886.
2- انظر الباب 22 من أبواب الطواف من وسائل الشيعة: ج 13/337.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/471.
4- جواهر الكلام: ج 19/360.

وباقي الأركان

(و) الأمر السابع: استلام (باقي الأركان) كما هو المشهور بين الأصحاب.

قال المصنّف في «المنتهى »: (يستحبّ استلام الأركان كلّها، وآكدها الحَجَر واليماني، وهوآخر الأركان الأربعة قبلة أهل اليمن، وهو يلي الرّكن الذي فيه الحَجَر، ويتلوهما في الفضل الركنان الباقيان الشاميّان، ذهب إليه علمائنا)(1)، انتهى .

وخالف القومَ الإسكافي(2)، فلم يستحبّهما بل منعه، وعليه الفقهاء الأربعة، قال في «المنتهى »: (وأنكر الفقهاء الأربعة استلام الشاميّين)(3)، انتهى .

أقول: أمّا النصوص فهي متعارضة في ذلك:

منها: ما يدلّ على استحبابه:

1 - صحيح جميل المتقدّم: «ورأيتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يستلم الأركان كلّها»(4).

2 - وخبر إبراهيم بن أبي محمود، قال: «قلت للرّضا عليه السلام: أستلم اليماني والشامي والعراقي والغربي ؟ قال عليه السلام: نعم»(5).

3 - وحسن الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «طاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ناقته العضباء، وجعل يستلم الأركان بمحجنة ويُقبِّل المِحجن»(6).6.

ص: 83


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/694.
2- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/194.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/694.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/106 ح 14، وسائل الشيعة: ج 13/337 ح 17886.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/106 ح 15، وسائل الشيعة: ج 13/344 ح 17908.
6- الكافي: ج 4/429 ح 16، وسائل الشيعة: ج 13/441 ح 18166.

والطواف ثلثمائة وستّين طوافاً، فإنْ لم يتمكّن فثلاثمائة وستّين شوطاً،

ومنها: ما يدلّ على عدم الاستحباب:

1 - ففي صحيح جميل المتقدّم: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله استلم هذين ولم يعرض لهذين، فلا تعرض لهما».

2 - وفي صحيح معاوية: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يمسح هذين ولم يمسح هذين، فلا تعرض لشيء لم يتعرّض له رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

3 - وخبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يستلم إلّاالرّكن الأسود واليماني، ثمّ يُقبّلهما ويضع خَدّه عليهما»(2) ونحوهاغيرها.

وأُجيب عن الطائفة الثانية: بأنّها حكاية فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلعلّه لأقليّة الفضل بالنسبة إلى الرّكنين الأعظمين، ولم يقل إنّ استلامها محظورٌ أو مكروه.

وفيه أوّلاً: إنّ خبر غياث دالٌّ على عدم استلامه صلى الله عليه و آله الركنين أصلاً، وهذا غير ممكن على فرض الاستحباب.

وثانياً: إنّ الصحيحين متضمّنان لقوله: (فلا تعرض لهما)، وهويفيد الحظر أو الكراهة.

وبالجملة: فالحقّ أنّ النصوص متعارضة، والمرجع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم الأولى، لكونها ممّا اشتهر بين الأصحاب، ولموافقة الثانية للعامّة.

مقدار الطواف المستحبّ

(و) الأمر الثامن: (الطواف ثلثمائة وستّين طوافاً، فإنْ لم يتمكّن فثلاثمائة وستّين شوطاً) بلا خلافٍ (3) فيهما في الجملة، ويشهد لهما:

ص: 84


1- علل الشرائع: ج 2/428 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/340 ح 17898.
2- الكافي: ج 4/408 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/337 ح 17887.
3- كما عن جواهر الكلام: ج 19/361، ومستند الشيعة: ج 12/86.

صحيح معاوية بن عمّار، عن الصادق عليه السلام: «يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة وستّين أسبوعاً على عدد أيّام السّنة، فإنْ لم تستطع فثلاثمائة وستّين شوطاً، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف»(1).

الظاهر من الصحيح استحباب ذلك مدّة الإقامة بمكّة لمن دخلها حاجّاً ويسافر عنها، وأمّا للمُقيم بمكّة فلا يبعد دعوى ظهوره في استحباب ذلك في كلّ عام، لقوله: (عدد أيّام السنة).

وفي «الجواهر»: (فلا مانع من إرادة استحباب ذلك في كلّ يوم، لما يظهر من النصوص من استحباب كثرة الطواف، وأنّه كالصلاة من شاء استقلّ ومن شاء استكثر)(2).

وفيه: أنّه لا كلام في استحباب الطواف وأنّه كالصلاة، ومن شاء استقلّ منها ومن شاء استكثر، كما يظهر من النصوص، ولا كلام أيضاً في أنّه ليس للصحيح مفهومٌ يقيّد به إطلاق ما دلّ على مطلوبيّة الطواف، إلّاأنّ العدد الذي ورد النص باستحباب الطواف بذلك العدد بالخصوص هو ما عرفت، كما أنّ الصلاة مطلوبة مطلقاً، ومع ذلك في كلّ يوم ركعاتٍ خاصّة من النّوافل تكون مطلوبيّتها آكد، وهي النوافل المرتبة، فكذلك الطواف.

ولو لم يستطع، فيطوف بهذا العدد أشواطاً كما دلّ عليه الصحيح، فتكون جميع الأشواط إحدى وخمسين طوافاً وثلاثة أشواط، وعليه:

1 - فهل يجعل الثلاثة تتمّة للاسبوع الأخير ليكون الطواف الأخير عشرة كما1.

ص: 85


1- الكافي: ج 4/429 ح 14، وسائل الشيعة: ج 13/308 ح 17812.
2- جواهر الكلام: ج 19/361.

هو المنسوب إلى المشهور(1).

2 - أم يضمّ إلى الثلاثة الأخيرة أربعة أشواط، ويجعلها طوافاً كما عن ابن زُهرة(2)، وعن «المختلف»(3) نفي البأس عنه.

3 - أم يجعل الثلاثة الأخيرة طوافاً مستقلّاً؟ وجوه:

استدلّ للأوّل: بأنّ الصحيح تضمّن أنّ المستحبّ في فرض عدم الاستطاعة ثلاثمائة وستّين شوطاً، وإذا انضمّ إلى ذلك ما دلّ على أنّ كلّ طوافٍ سبعة أشواط، لزم منه الإلتزام بالتخصيص في خصوص الطواف الأخير.

وفيه أوّلاً: أنّ النص مطلقٌ قابل لذلك ولجعل غيره من الطوافات عشرة أشواط، ولجعل الثلاثة الأخيرة طوافاً مستقلّاً.

وثانياً: إنّ صحيح أبي بصير - وهو ممّن أجمعت العصابة على صحّة ما صحّ عنه - عن الصادق عليه السلام: «يستحبّ أن يطاف بالبيت عدد أيّام السنة كلّ اسبوعٍ لسبعة أيّام، فذلك اثنان وخمسون اُسبوعاً»(4).

يدلّ على ما ذهب إليه ابن زُهرة من ضَمّ أربعة أشواط إلى الثلاثة، وجعل المجموع طوافاً واحداً، وبه يتصرّف في ظاهر خبر معاوية من جهة أنّه لا ينفي الزيادة كي يعارض الخبر.

ولا يرد عليه: التدافع بين صدر الخبر المتضمّن أنّه يطاف عدد أيّام السنة، وذيله المتضمّن أنّ ذلك اثنان وخمسون اسبوعاً، مع أنّه بمقتضى الصدر أحد3.

ص: 86


1- نسبه المحقّق النراقي إلى المشهور في مستند الشيعة: ج 12/87.
2- غنية النزوع: ص 173.
3- مختلف الشيعة: ج 4/203.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/471 ح 301، وسائل الشيعة: ج 13/309 ح 17813.

وخمسون وثلاثة أشواط.

فإنّه يدفعه: ما أفاده الشهيد رحمه الله(1) بأنّ المراد عدد السنة الشمسيّة.

وما في «المستند»(2) من أنّها أيضاً لا تطابق الثلاثمائة والأربعة والستّين في الأكثر، ممنوعٌ لأنّ السنة الشمسيّة دائماً تكون ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً وستّة ساعات، لا تزيد ولا تنقص.

***7.

ص: 87


1- الدروس الشرعيّة: ج 1/402.
2- مستند الشيعة: ج 12/87.

كراهة الكلام أثناء الطواف

تتميم: المعروف بين الأصحاب أنّه يكره الكلام في الطواف بغير الذِّكر والدّعاء والقراءة، وعن «المنتهى »(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به خبر محمّد بن فضيل، عن محمّد بن علي الرضا عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّابالدّعاء وذكر اللّه وتلاوة القرآن.

قال: والنافلة يلقي الرّجل أخاه فيسلِّم عليه ويُحدِّثه بالشيء من أمر الآخرة والدُّنيا لا بأس به»(2).

المحمول على الكراهة، لو لم يكن بنفسه ظاهراً فيها، لصحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الكلام في الطواف، وإنشاد الشعر والضّحك في الفريضة أو غير الفريضة، أيستقيم ذلك ؟ قال عليه السلام: لا بأس به، والشعر ما كان لا بأس به منه»(3).

أقول: إنّ هذا الخبر مختصّ بالفريضة، وأمّا النافلة فقد استدلّ لكراهة الكلام فيها بوجوه:

1 - أنّ العقل يحكم بالمساواة بين النافلة والفريضة في أصل الكراهة، وإنْ كانت أخفّ .

وهو كما ترى ، إذ كيف يمكن إثبات هذه الأحكام التوقيفيّة بالعقل.

2 - ما دلّ على النهي عن حديث الدُّنيا في المسجد.

ص: 88


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/702.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/127 ح 89، وسائل الشيعة: ج 13/403 ح 18071.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/127 ح 90، وسائل الشيعة: ج 13/402 ح 18070.

وفيه: أنّ الكلام عن كراهة الكلام في أثناء الطواف.

3 - النبوي المشهور: «الطواف في البيت صلاة»(1).

وفيه: أنّ التكلّم في أثناء الصلاة ولو كانت نافلة مبطلٌ لها، فهذا قد خُصّص بالكلام في الطواف.

4 - أنّه يحكم بالكراهة، لفتوى الأصحاب بضميمة قاعدة التسامح.

وفيه أوّلاً: أنّ القاعدة مختصّة بالمندوبات.

وثانياً: أنّها إنّما تجري فيما ورد فيه رواية ضعيفة دالّة على الحكم، لا بمجرّد فتوى القوم.

5 - الإجماع، وقد مرَّ ما فيه.

وعليه، فالأظهر أنّه لا دليل على كراهته في أثناء النافلة، بل خبر محمّد يدلّ على عدمها كما لا يخفى .

***3.

ص: 89


1- سنن البيهقي: ج 5/87، عوالي اللئالي: ج 2/167 ح 3.

والطواف ركن من تركه عمداً بطل حجّه،

الطواف ركن يبطل الحَجّ بتركه عمداً

البحث الثالث: في أحكام الطواف.

(و) فيه مسائل:

المسألة الأُولى: (الطواف ركنٌ ) من أركان الحَجّ (من تركه عمداً بطل حَجّه) بلا خلافٍ كما صرّح به جماعة(1)، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(2). ومرادهم بالرّكن في باب الحَجّ غير الرّكن في باب الصلاة، فإنّ المراد به في المقام ما يبطل الحَجّ بتركه عمداً لا سهواً.

أقول: وتنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في مواضع:

الأوّل: في ترك الطواف عالماً عامداً.

الثاني: في تركه عن جهل.

الثالث: في تركه نسياناً.

أمّا الموضع الأوّل: فقد استدلّ على بطلان ما بيده لزوم إعادة الحجّ بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع.

ويرد عليه: أنّ المراد به هو الإجماع على بطلان الحَجّ به، أو على ركنيّته المفسّرة بذلك، ومثله لا يكون إجماعاً تعبّديّاً بل هو مدركيٌ لا اعتبار به.

ص: 90


1- كما في الرياض: ج 7/53، إشارة السبق ص 131، المختصر النافع ص 94، غنية النزوع ص 171 وغيرها.
2- كما عن الجواهر: ج 19/370، والحدائق الناضرة: ج 16/156 وغيرهم.

الوجه الثاني: عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، وقاعدة انتفاء المركَّب بانتفاء جزئة.

وفيه: أنّه لا إشكال في لزوم الإتيان به، إنّما الكلام في أنّه بتركه هل يبطل الأفعال السابقة واللّاحقة بحيث يجبُ عليه إعادة الحَجّ من رأس، أو يجبُ عليه إعادة الطواف نفسه نظير ما ذكروه في صلاته ؟

والأوّل يتوقّف على اعتبار كونه شرطاً في صحّة بقيّة الأفعال، وهو أوّل الكلام.

الوجه الثالث: فحوى ما دلّ على لزوم الإعادة في الجاهل:

1 - صحيح علي بن يقطين، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ؟ قال عليه السلام: إن كان على وجهٍ جهالة في الحَجّ أعاد وعليه بدنة»(1).

2 - صحيح حمّاد بن عثمان، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل سهى أن يطوف بالبيت حتّى رجع إلى أهله ؟ قال عليه السلام: إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحَجّ وعليه بدنة»(2).

وتقريب الاستدلال بهما: أنّه إذا وجب إعادة الحَجّ على الجاهل، فعلى العالم أولى.

أقول: ناقش المحقّق الأردبيلي(3) في هذا الوجه باُمور:

1 - أنّ خبر علي بن أبي حمزة ضعيفٌ لاشتراكه، وعدم التصريح بالمسؤول3.

ص: 91


1- تهذيب الأحكام: ج 5/127 ح 92، وسائل الشيعة: ج 13/404 ح 18073.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/127 ح 91، وسائل الشيعة: ج 13/404 ح 18074.
3- في مجمع الفائدة: ج 7/63.

عنه، كما أنّ صحيح علي بن يقطين ليس ظاهراً في لزوم إعادة الحَجّ ، بل الظاهر أنّ المراد به إعادة الطواف المتروك.

2 - أنّهما في الجاهل، ونمنع الأولويّة.

3 - أنّه ليس فيهما أنّه طواف الحَجّ أو العُمرة للنساء أو الزيارة.

4 - أنّ وجوب البدنة غير مذكور في أكثر كتب الأصحاب، ثمّ قال: (فلا دليل على ركنيّة الطواف إلّاالإجماع إن ثبت).

ولكن يرد الأوّل: أنّ صحيح ابن يقطين ظاهرٌ في إرادة الحَجّ ، فإنّ الطواف لم يؤتِ به على الفرض، فلا يطلق الإعادة على الإتيان به فإنّها الإتيان مرّة ثانية، وإطلاقها على ما لم يؤتِ به في بعض الموارد لا يصلح قرينة لصرف الظهور أو إجمال الخبر.

أمّا المسؤول عنه في خبر علي بن أبي حمزة فقد صرّح به في ما روي بطريق الصدوق، وعلي بن أبي حمزة قويّ على الأظهر يؤخذ بخبره، مع أنّ في الأوّل كفاية.

ويرد الثاني: أنّ لزوم إعادة الحَجّ على الجاهل سيَّما القاصر، يستلزم لزوم إعادتها على العامد بالأولويّة قطعاً.

أضف إليه ما أفاده الشهيد في «الدروس»(1) على ما حُكي أنّه يمكن أن يُدّعى الدلالة على ذلك في العرف، بحيث يصلح لأن تكون حجّة شرعيّة.

ويرد على الثالث: ما سيأتي من أنّ مقتضى إطلاقهما إرادة الأعمّ من طواف الحَجّ والعُمرة.

ويرد على الرابع: أنّ عدم الذكر لا يدلّ على الإعراض، مع أنّ غايته سقوطهما3.

ص: 92


1- الدروس الشرعيّة: ج 1/403.

عن الحجيّة في تلك الفقرة خاصّة.

وعليه، فالأظهر أنّ عليه إعادة الحَجّ .

وأمّا الموضع الثاني: فعن الأكثر(1) أنّ عليه إعادة الحَجّ والبدنة، ويشهد بهما الخبران المتقدّمان.

وعن المحقّق الأردبيلي(2) والمُحدِّث البحراني(3) الميل إلى عدم وجوب إعادة الحَجّ والبدنة:

1 - لبعض ما تقدّم.

2 - ولأنّه يعارض الخبرين: الأخبار المستفيضة الدالّة عليمعذوريّة الجاهل، لا سيّما في باب الحَجّ ، والأخبار الصريحة في سقوط الكفّارة، كصحيح معاوية المتقدّم:

(وليس عليك فداءٌ ما أتيته بجهالة إلّاالصيد)، والنصوص المتقدّم بعضها والآتي آخر، المتضمّنة جميعها لصحّة الحَجّ وإنْ أخلّ جهلاً بواجب من واجبات الحَجّ .

ولكن الأوّل يرده: ما تقدّم.

وأمّا الثاني: فنصوص المعذوريّة مطلقة يقيّد إطلاقها بالخبرين.

ودعوى : صراحتها في العموم لم يظهر لي وجهها.

وما دلّ على صحّة الحَجّ مع الإخلال بواجب جهلاً، فإنّما هو في الموراد الخاصّة، ولم يدلّ دليل على كبرى كليّة، وهي أنّ الإخلال باجزاء الحَجّ جهلاً لا يوجب البطلان.1.

ص: 93


1- كالتذكرة (ط. ق): ج 1/364، والمنتهى (ط. ق): ج 2/699، وجامع المقاصد: ج 3/201، وحكاه السيّدالعاملي عن الأكثر في المدارك: ج 8/174.
2- مجمع الفائدة: ج 7/63.
3- في الحدائق الناضرة: ج 16/161.

وناسياً يأتي به.

و نصوص نفي الكفّارة مختصّة بالكفّارة على الفعل، و لا تشمل الكفّارة على الترك.

وعليه، فالأظهر أنّ عليه الإعادة والبدنة.

عدم بطلان الحَجّ بترك الطواف نسياناً

(و) أمّا الموضع الثالث: فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّه إنْ ترك الطواف (ناسياً يأتي به) متى ذكره، ولا يبطل المناسك التي أتى بها - إلّاالسعي فإنّ فيه كلاماً سيمرّ عليك - بل الظاهر عدم الخلاف فيهما إلّاعن نادر(2) يأتي، بل عليهما الإجماع كما عن «الخلاف»(3) و «الغُنية»(4) وغيرهما.

أقول: هاهنا حكمان:

أحدهما: عدم بطلان الحَجّ .

ثانيهما: لزوم الإتيان بالطواف إمّا بنفسه أو يأتي به نائبه.

أمّا على الأوّل: فلم يخالف فيه إلّاالشيخ - في «التهذيب»(5) و «الاستبصار»(6) -

ص: 94


1- اُنظر إشارة السبق: ص 131، المختصر النافع: ص 94، شرائع الإسلام: ج 1/202، كشف الرموز: ج 1/376، الرسائل العشر لابن فهد الحِلّي: ص 212، مسالك الأفهام: ج 2/348.
2- كالحلبي في الكافي: ص 195، والشيخ في الإستبصار: ج 2/228، والتهذيب: ج 5/127 ذيل الحديث 418.
3- الخلاف: ج 2/324 مسألة 131.
4- غنية النزوع: ص 171.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/127 ذيل الحديث 418.
6- الإستبصار: ج 2/228 ح 786.

والحلبي(1)، أمّا الشيخ فقد رجع عنه فى كتبه المتأخّره مثل «الخلاف»(2) و «المبسوط»(3)و «النهاية»(4)، فلم يبق مخالفٌ إلّاالحلبي. هذا فضلاً عن أنّه يشهد للصحّة:

1 - خبر هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فيمن نسى زيارة البيت حتّى رجع إلى أهله ؟ فقال عليه السلام: لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه»(5).

وعن الشيخ قدس سره(6) حمله على طواف الوداع، واستدلّ له(7) بخبر معاوية بن عمّار، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ نسى طواف النساء حتّى دخل أهله ؟ قال عليه السلام: لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت.

وقال: يأمر من يقضي عنه، فإنْ توفّي قبل أن يُطاف عنه، فليقض عنه وليّه أو غيره»(8).

وفيه: أنّ الصحيح عامٌ شاملٌ له ولطواف الحَجّ والعُمرة، والخبر وإن كان سؤالاً وجواباً يدور حول طواف النساء، إلّاأنّه لا يصلح لتقيّيد الإطلاق، لعدم حمل المطلق على المقيّد في المتوافقين.

2 - وصحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ نسى طواف الفريضة حتّى قدم بلاده وواقع النساء، كيف يصنع ؟1.

ص: 95


1- الكافي في الفقه: ص 195.
2- الخلاف: ج 2/324 مسألة 131.
3- المبسوط: ج 1/357.
4- النهاية: ص 237.
5- من لايحضره الفقيه: ج 2/389 ح 2784، وسائل الشيعة: ج 14/291 ح 19223.
6- في التهذيب: ج 5/284 باب الوداع ح 961.
7- في الإستبصار: ج 2/228 ح 789.
8- الكافي: ج 4/513 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/407 ح 18081.

قال عليه السلام: يبعث بهَدي، إنْ كان تركه في حَجّ بعث به في حَجّ ، وإنْ كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه»(1).

وحمله الشيخ(2) قدس سره على طواف النساء، وهو كما ترى بلا وجه، وخبر معاوية لا يصلح لذلك كما مرّ وسيأتي.

أقول: وقد استدلّ الشيخ قدس سره للبطلان بالخبرين المتقدّمين في الجاهل، ثمّ ذكر صحيح علي بن جعفر، وحمله على طواف النساء، من جهة أنّ من ترك طواف النساء ناسياً جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه، ولا يجوز ذلك في طواف الحَجّ ، ثمّ استشهد لذلك بخبر معاوية بن عمّار(3)، وظاهره أنّ الجمع بين الخبرين وصحيح علي بن جعفر إنّما يكون بذلك، وخبر ابن عمّار يشهد به.

وفيه أوّلاً: أنّ الخبرين مختصّان بالجاهل، والتعدّي منه إلى الناسي قياسٌ باطل، وما عن «كشف اللِّثام»(2) من شموله للناسي كما ترى .

وثانياً: أنّه لا تنافي بينهما وبين صحيح علي بن جعفر، فإنّ موردهما الجاهل ومورده الناسي، فلا وجه للجمع.

وثالثاً: أنّ خبر معاوية لا يصلح شاهداً لذلك، فإنّ الصحّة مع ترك طواف النساء لا تنافي الصحّة مع ترك طواف الحَجّ ، وأمّا عدم جواز الإستنابة فيه فسيأتي الكلام فيه، فالأظهر الصحّة.

وأمّا الحكم الثاني: فأصل وجوب القضاء إجماعيٌ ، ويشهد به صحيح علي ابن جعفر.6.

ص: 96


1- تهذيب الأحكام: ج 5/128 ح 93، وسائل الشيعة: ج 13/405 ح 18076. (2و3) الاستبصار: ج 2/228 ذيل الحديث 788.
2- كشف اللّثام (ط. ق): ج 5/476.

والتشكيك في دلالته على وجوب القضاء من جهة كونه بالجملة الخبريّة، قد مرَّ ما فيه.

وجوب الاستنابة في الطواف لو تعذّر العود

أقول: وتمام الكلام في المقام إنّما يكون بالتنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: المشهور بين الأصحاب(1) أنّ من تركه نسياناً، وجب عليه أن يأتي به بنفسه، وإذا امتنع أو كان فيه مشقّة، لا تتحمّل عادةً (2)، جاز له أن يستنيب.

وعن جماعةٍ : أنّه يجب المباشرة(3)، إلّامع التعذّر الحاصل بسبب العود إلى البلد، بمعنى كفاية هذا المقدار من العذر.

وعن بعض المتأخّرين: جواز الاستنابة مطلقاً(4).

أقول: أمّا جواز الاستنابة مع التعذّر أو التعسّر، فلا خلاف فيه بين القائلين بصحّة الحَجّ (5)، ويشهد به صحيح علي بن جعفر المتقدّم.

كما أنّ جواز مباشرته إجماعي، ويشهد به صحيح عليّ ، من جهة أنّ التوكيل لا يكون إلّافيما يجوز للموكل مباشرته.

والعلّة المنصوبة في صحيح معاوية بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن

ص: 97


1- كما حكاه في كشف اللّثام (ط. ق): ج 5/476، وفي مستند الشيعة: ج 12/126، عدم الخلاف في جوازالإستنابة مع العذر أو التعسّر، والرياض: ج 7/56 وحكى الإجماع عن الغنية.
2- حكاه عن الأكثر في مستند الشيعة: ج 12/126.
3- كالعلّامة في التحرير: ج 1/587، والطباطبائي في الرياض: ج 7/6، والمحقّق في الشرائع: ج 1/202، والسرائر: ج 1/574.
4- قال الشهيد في الدروس: ج 1/404: (والأشهر جواز الاستنابة للقادر)، اُنظر مدارك الأحكام: ج 8/176.
5- كما حكاه النراقي في المستند: ج 12/126، ونقل الإجماع عليه عن الغنية.

ومع التعذّر يستنيب

رجل نسى طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله ؟ قال عليه السلام: لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت، فإنْ هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره، فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه، وإنْ نسى الجمار فليسا بسواء، إنّ الرّمي سُنّة والطواف فريضة»(1).

فإنّه يدلّ على أنّه لا يجوز أن يستنيب في طواف النساء ما دام حيّاً، بل يجب عليه القضاء بنفسه، لأنّه مذكور في القرآن، ويجوز ذلك في الرّمي لعدم ذكره فيه، فبعموم العلّة يدلّ على المقام.

أقول: البحث في المقام عن وجوب المباشرة في صورة عدم تعذّر القضاء بنفسه لا تعسّره، واستدلّ له صاحب «الجواهر»(2):

1 - بفحوى ما دلّ على وجوب تلك في طواف النساء.

2 - وبفحوى ما دلّ على وجوب المباشرة في قضاء ركعتي الطواف، اللّتين هما من توابع الطواف.

وهما كما ترى ، فالحقّ أن يستدلّ له بعموم العلّة في صحيح معاوية.

وأيضاً: استدلّ لجواز الإستنابة مطلقاً بصحيح علي بن جعفر المتقدّم.

ويرد عليه: أنّه إمّا أن يختصّ بصورة التعذّر لو كان الجمع بذلك عرفيّاً، وإلّا فيقدّم صحيح معاوية للشهرة.

وعليه، فالأظهر أنّه تجبُ المباشرة مع التمكّن، (ومع التعذّر يستنيب) وكذا8.

ص: 98


1- تهذيب الأحكام: ج 5/253 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/406 ح 18077.
2- جواهر الكلام: ج 19/378.

مع التعسّر، ولا يكفي في جواز الاستنابة مطلق العذر الحاصل بسبب العود إلى بلده، كما عن «كشف اللِّثام»(1).

وأمّا ما عن الشهيد رحمه الله(2) من احتمال أن يعتبر في العود استطاعة الحَجّ المعهودة، فهو ضعيف غايته، ولا دليل عليه.

التنبيه الثاني: لو مات ولم يقض، قضى عنه وليّه إمّا بنفسه أو بالاستنابة، ويشهد به صحيح ابن عمّار المتقدّم.

التنبيه الثالث: أنّ المحكيّ عن صريح الشيخ(3) والحِلّي(4) وابن سعيد(5) عدم الفرق في ذلك بين طواف الحَجّ والعُمرة، وهو ظاهر المصنّف رحمه الله في الكتاب(6) وسائر كتبه(7) و «الشرايع»(8)، ويشهد به صحيح علي بن جعفر المتقدّم.

ما به يتحقّق الترك

التنبيه الرابع: اختلفوا فيما يتحقّق به الترك في صورة العمد:

1 - فعن المحقّق الكركي أنّه يمكن أن يحكم في ذلك العرف، فإذا شرع في نُسُك آخر عازماً على ترك الطواف، بحيث يصدق الترك عرفاً، حكم ببطلان الحَجّ ، أو

ص: 99


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/477.
2- الدروس الشرعيّة: ج 1/404.
3- اُنظر المبسوط: ج 1/357.
4- اُنظر السرائر: ج 1/574.
5- الجامع للشرائع: ص 198.
6- تبصرة المتعلّمين: ص 97.
7- كالإرشاد: ج 1/324، والتحرير: ج 1/587، والتذكرة (ط. ج): ج 8/117.
8- شرائع الإسلام: ج 1/202.

يراد به خروجه عن مكّة بنيّة عدم فعله(1).

2 - وعن «المسالك»: (يقوى توقف البطلان على خروج وقت الحَجّ ، وهو ذو الحجّة، لأنّه وقت لوقوع الأفعال في الجملة، خصوصاً الطواف والسعي، فإنّه لو أخّرهما عمداً طول ذى الحجّة صَحّ ، وغاية ما يقال إنّه يأثم، وفي حكم خروج الحَجّ انتقال الحاجّ إلى محلٍّ يتعذّر عليه العود في الشهر، فإنّه يتحقّق البطلان وإنْ لم يخرج، هذا في الحَجّ .

وأمّا العُمرة:

فإنْ كانت عمرة التمتّع، كان بطلانها بفواته عمداً متحقّق بحضور الموقفين، بحيث يضيق الوقت إلّاعن التلبّس بالحَجّ ، ولما يفعله.

وإنْ كانت مفردة، فبخروج السنة إنْ كانت المجامعة لحجّ القِران أو الإفراد، ولو كانت مجرّدة عنه فإشكال، إذ يحتمل بطلانها بخروجه عن مكّة ولما يفعله، ويحتمل أن يتحقّق في الجميع بتركه بنيّة الإعراض عنه، وأن يرجع فيه إلى ما يعد تركاً عرفاً، والمسألة محلّ إشكال)(2)، انتهى .

أقول: أمّا احتمال البطلان بتركه بنيّة الإعراض عنه في الجميع، فضعيفٌ غايته، لما مرّ من أنّه لم يرد نصّ خاص في العامد العالم، وإنّما ألحقناه بالجاهل للأولويّة، ومعلوم أنّه لا يتصوّر ذلك في الجاهل حتّى يثبت فيه، ثمّ يثبت بالأولويّة في العالم.

فالحقّ أنْ يُقال: إنّه إنّما يتحقّق في الحَجّ بتركه طول ذي الحجّة، لجواز تأخيره وسعيه طول ذي الحجّة، وفي عمرة التمتّع بعدم الإتيان به إلى ضيق وقت الوقوف8.

ص: 100


1- جامع المقاصد: ج 3/201.
2- مسالك الأفهام: ج 2/348.

بعرفة، وفي العُمرة المفردة المجامعة لحجّ الإفراد أو القران بعدم الإتيان به إلى أن تخرج السنة، بناءً على وجوبها في سنتهما، وفي العُمرة المفردة إلى تمام العُمرة، إذ مع بقاء الوقت يمكن الإتيان بالمأمور به على وجهه فينتفي موضوع البطلان.

التنبيه الخامس: لو ترك الطواف عمداً:

فهل يبقى على إحرامه إلى أن يأتي بالفائت ولو في السنة الآتية كما عن «المدارك»(1) وغيرها احتماله ؟

أو يبقى عليه إلى أنْ يأتي بأفعال العُمرة كما جزم به المحقّق الكركي قدس سره(2)؟

أم لا يحتاج إلى المحلّل ؟ وجوه.

قد استدلّ للأوّل: باستصحاب بقاء الإحرام إلى أنْ يحصل المحلّل.

وفيه: أنّ الإحرام يبطل النُسُك الذي هو جزء منه، ومع البطلان لا حاجة إلى المُحلّل.

ودعوى: أنّ بطلان الحَجّ إنّما هو من قبيل الحَجّ الفاسد، بناءً على أنّ الفرض هو الأوّل.

مندفعة: بكونه خلاف الظاهر.

واستدلّ للثاني: بما دلّ على أنّه بأفعال العُمرة يحصل التحلّل من إحرام الحَجّ أيضاً.

وفيه: أنّه مختصّ بصورة فوات الحَجّ بفوات وقته، ولا يشمل ما لو بطل بفوات ركنه.

وفي «الجواهر»: (وإنْ كان ظاهر سيّد «المدارك» المفروغيّة منه، حيث أنّه بعد1.

ص: 101


1- مدارك الأحكام: ج 8/175.
2- جامع المقاصد: ج 3/201.

ما ذكر ما سمعته سابقاً، قال: والمسألة قويّة الإشكال، من حيث استصحاب حكم الإحرام إلى أنْ يعلم حصول المحلّل، وإنّما يعلم بالإتيان بأفعال العُمرة، ومن أصالة عدم توقّفه على ذلك، مع خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان منه)(1)، انتهى .

أمّا الثالث: فقد ظهر وجهه ممّا ذكرناه، ويعضده خلوّ أخبار البيان منه.

نعم، إنْ قلنا بكون الإحرام نُسكاً مستقلّاً، يعتبر وقوع الأفعال معه نحو الطهارة للصلاة، أو أنّ فيه جهتين، اتّجه توقف التحليل على الإتيان بالفائت ولو في السنة الآتية، أو الإتيان بأفعال العُمرة.

وأخيراً: لو تركه نسياناً فهل يتوقّف التحليل على الإتيان به، أو يتحلّل بدونة ؟ مقتضى الاستصحاب بل إطلاق الأخبار هو الأوّل.

وجوب إعادة السعي مع قضاء الطواف

التنبيه السادس: لو نسي الطواف فقد مرّ أنّه يجب قضاؤه، فهل يجب إعادة السعي معه كما عن الشيخ في «الخلاف»(2)، والشهيد في «الدروس»(3) وصاحب «الجواهر»(4) وغيرهم(5)؟ أم لا كما عن الأكثر(6)؟ وجهان:

من صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت ؟ قال عليه السلام: يطوف بالبيت، ثمّ يعود إلى الصفا والمروة

ص: 102


1- مدارك الأحكام: ج 8/175.
2- نسبه له في الدروس: ج 1/405، والمدارك: ج 8/177.
3- الدروس الشرعيّة: ج 1/405.
4- جواهر الكلام: ج 19/376.
5- كما عن الرياض: ج 7/56.
6- جواهر الكلام: ج 19/376.

فيطوف بينهما»(1).

ومن خبره عنه عليه السلام: «عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة ؟ قال عليه السلام: يرجع فيطوف بالبيت، ثمّ يستأنف السعي.

قلت: إنّ ذلك قد فاته ؟ قال عليه السلام: عليه دم، ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك»(2).

حيث اقتصر على وجوب الدّم مع الفوات، فيدلّ على عدم لزوم الإعادة.

وحيثُ أنّ الخبر أخصّ من الصحيح، لاختصاصه بصورة الفوات، فيقيّد إطلاقه به، فالأظهر على هذا عدم الوجوب.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ صدر الخبر بالإطلاق يدلّ على وجوب الإعادة، وكذا ذيله المذكور نظيراً للمقام، وإيجاب الدّم لا ينافي الإطلاق، بل يدلّ على أنّه في خصوص صورة الفوت يجب شيء آخر وهو الدّم، ويؤيّده ذكر النظير بعد ذلك.

وعليه فالأقوى وجوبه.

التنبيه السابع: لو عاد لاستداركه بعد الخروج، على وجهٍ يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكّة لو لم يكن عليه، فهل يجب عليه الإحرام، ثمّ يقضي الفائت في محلّه قبل الإتيان بأفعال العُمرة أو بعده، أم لا؟

الظاهر هو الثاني، لصدق الإحرام عليه كما مرّ في من تركه نسياناً، والإحرام لا يقع إلّامن مُحلّ .3.

ص: 103


1- الكافي: ج 4/421 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/413 ح 18094.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/129 ح 99، وسائل الشيعة: ج 13/413 ح 18093.

وجوب الكفّارة على من واقع أهله قبل قضاء الفائت

التنبيه الثامن: إذا نسى الطواف حتّى رجع إلى أهله وواقعها:

1 - فهل تجب عليه الكفّارة مطلقاً كما عن الشيخ(1) وابني البرّاج(2) وسعيد(3)؟

2 - أم لا تجب كذلك كما عن الحِلّي(4)؟

3 - أم لا تجب إلّامع المواقعة بعد الذكر كما عن «السرائر»(5)، و «الشرايع»(6)، و «النافع»(7) و «التذكرة»(8) و «المنتهى »(9) والشهيدين(10) وغيرهم، بل الأكثر كما قيل(11)؟ وجوه.

وجه الأوّل: الخبر الحسن الذي رواه ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن متمتّعٍ وقع على أهله ولم يزر؟ قال عليه السلام: ينحر جزوراً، وقد خشيت أنْ يكون قد ثَلُم حَجّه إنْ كان عالماً، وإنْ كان جاهلاً فلا شيء عليه»(12).

وصحيح عيص بن القاسم، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ وقع على أهله حين ضَحّى

ص: 104


1- في المبسوط: ج 1/359.
2- في المهذّب: ج 1/231.
3- الجامع للشرائع: ص 198.
4- في السرائر: ج 1/574 حيث نفى الكفّارة عن الناسي.
5- السرائر: ج 1/574.
6- شرائع الإسلام: ج 1/202.
7- المختصر النافع: ص 94.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/117.
9- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/699.
10- اُنظر الدروس الشرعيّة: ج 1/405، ومسالك الأفهام: ج 2/351.
11- حكاه السيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 8/183.
12- الكافي: ج 4/378 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/121 ح 17387.

قبل أن يزور البيت ؟ قال عليه السلام: يهريق دماً»(1).

فإنّ الأوّل بعمومه يشمل الناسي، إذ الظاهر أنّ قوله عليه السلام: (إنْ كان عالماً) قيدٌ لانثلام الحَجّ ، وأنّ الشيء المنفيّ هو الإثم والثلم دون النحر، فإيراد سيّد «المدارك»(2) عليه بأنّه في العالم غير تامّ .

والثاني مطلقٌ شاملٌ لما قبل طواف الفريضة أيضاً، ولا يختصّ بزيارة البيت، فتأمّل.

ووجه الثاني: ما مرّ في محلّه من أنّه لا كفّارة على من أتي أهله ناسياً، وقد تقدّم النصوص الدالّة عليه.

ووجه الثالث: أنّ نصوص نفي الكفّارة مختصّة بمن أتى أهله ناسياً، فلا تشمل الإتيان بعد الذكر، وهو حينئذٍ مشمولٌ لنصوص الكفّارة.

أقول: أمّا الصحيحان فهما مطلقان شاملان للناسي وغيره، فيقيّد إطلاقهما - كسائر نصوص الكفّارة - على من أتى أهله وهو مُحرِم، بما دلّ على عدم الكفّارة على الناسي، فيختصّان بالجماع بعد الذكر.

أقول: وقد قيل في الجمع بين الطائفتين وجوهٌ أُخر:

الوجه الأوّل: أنّ الصحيحين أخصّ مطلقاً من تلك النصوص، فيقيّد إطلاقهما بهما.

وفيه: يتوقّف هذا على اختصاصهما بالناسي، وهما كما ترى غير مختصّين به.

الوجه الثاني: أنّ الصحيحين يُحملان على الاستحباب.3.

ص: 105


1- الكافي: ج 4/379 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/122 ح 17388.
2- مدارك الأحكام: ج 8/183.

وفيه: أنّه لا وجه لذلك مع إمكان الجمع الموضوعي.

الوجه الثالث: أنّ النسبة بين الطائفتين عمومٌ من وجه، فإنّ الأُولى مختصّة بالإتيان قبل الطواف، وأعمّ من الإتيان عالماً وناسياً، والثانية مختصّة بالناسي إلّا أنّها أعمّ من جهة عدم الاختصاص بخصوص ذلك المورد، فتتعارضان في مورد الاجتماع، ويقدّم نصوص نفي الكفّارة للأشهريّة والأصحيّة.

ويرده: أنّه وإنْ كان يوافق ما قلناه، إلّاأنّ الظاهر تقدّم نصوص نفي الكفّارة للحكومة.

ودعوى صاحب «المستند»:(1) من أنّ الروايتين - أي نصوص نفي الكفّارة - لا تشملان موضوع المسألة، فإنّه مَن تَرك الطواف نسياناً، وظاهرهما من نسى كونه مُحرِماً، فغير تامّ .

فممنوعة: لأنّهما مطلقان من جهة حذف متعلّق النسيان، لاحظ:

1 - صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في المُحرِم يأتي أهله ناسياً؟ قال عليه السلام: لا شيء عليه، إنّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناسٍ »(2).

2 - ومرسل «الفقيه»، قال الصادق عليه السلام: «إنْ جامعتَ وأنت مُحرِم...

إلى أنْ قال: وإنْ كنت ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليك»(3).

وإنْ شئت قلت: إنّ ترك الطواف نسياناً مستلزمٌ لكونه مُحرِم وهو لا يعلم، فيشمله نصوص نفي الكفّارة على الجاهل أيضاً، وعليه فما عن الأكثر هو الأظهر.6.

ص: 106


1- مستند الشيعة: ج 12/129.
2- علل الشرائع: ج 2/455 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/109 ح 17358.
3- الفقيه: ج 2/330 ح 2588، وسائل الشيعة: ج 13/109 ح 17356.

حكم نسيان طواف النساء

التنبيه التاسع: لو نسى طواف النساء حتّى رجع إلى أهله، فلا كلام في أنّه لا تحلّ له النساء بدونه، حتّى العقد عليهن، ولا إشكال أيضاً في أنّه إن باشر بنفسه جاز، كما لا كلام في جواز الاستنابة فيه لو تعذّر أن يأتي به بنفسه.

إنّما الكلام في أنّه هل يجوز له الاستنابة اختياراً، كما هو المنسوب إلى المشهور(1) بل قيل لا خلاف فيه بين القدماء والمتأخّرين(2)، إلّامن الشيخ والمصنّف في «التهذيب»(3) و «المنتهى »(4)؟

أم يشترط في جوازها التعذّر كما عن «التهذيب»(5) و «المنتهى »(6)؟.

أقول: ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار:

فإنّ ظاهر جملةٍ من النصوص جواز الاستنابة مطلقاً:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله ؟ قال عليه السلام: يأمر من يقضي عنه إنْ لم يحجّ ، فإنّه لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت»(7).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «عن رجل نسى طواف النساء حتّى رجع إلى

ص: 107


1- فقد نسبه الفاضل الهندي في كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/479 إلى كلّ من الوسيلة والجامع للشرائع والنافع والتحرير والتذكرة والإرشاد والتلخيص وغيرها، ونسبها في الرياض: ج 7/67 إلى الأكثر.
2- كما عن الرياض: ج 7/67.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/255 الحديث 26.
4- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/769.
5- تهذيب الأحكام ج 5 ص 255 ذيل الحديث 25.
6- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/769.
7- الفقيه: ج 2/389 ح 2786، وسائل الشيعة: ج 13/408 ح 18083.

أهله ؟ قال عليه السلام: يرسل فيطاف عنه، وإنْ مات قبل أن يُطاف عنه طاف عنه وليّه»(1).

ونحوهما غيرهما.

وجملةٌ اُخرى منها تدلّ على لزوم المباشرة مع التمكّن:

منها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل نسى طواف النساء حتّى أتى الكوفة ؟ قال عليه السلام: لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت.

قلت: فإنْ لم يقدر؟ قال عليه السلام: يأمر من يطوف عنه»(2).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «عن رجل نسى طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله ؟ قال عليه السلام: لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت، فإنْ هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره، فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يُقضى عنه، وإنْ نسي الجمار فليسا بسواء، إنّ الرّمي سُنّة والطواف فريضة»(3).

أقول: وقد جمع الأوّلون بين النصوص بحمل الثانية على الاستحباب، ومن ذهب إلى اشتراط التعذّر في جوازها، جَمَع بينهما بتقيّيد إطلاق الأُولى بالثانية.

والحقّ أنْ يقال: إنّ القيد في الصحيح الأوّل من المجموعة الثانية في كلام السائل لا الإمام، والثاني منها غير ظاهر في اللّزوم، بقرينة قوله عليه السلام: (لا يصلح)، فيبقى ظهور قوله عليه السلام: (يطوف بالبيت) و (يزور البيت) في المباشرة، ويرفع اليد عنه لنصوصيّة الطائفة الأولى في جواز الاستنابة، سيّما صحيح معاوية من قوله عليه السلام:

(لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت) وقوله عليه السلام: (يأمر أن يقضى عنه إنْ لم يحجّ )، فإنّه كالمفسِّر لذلك.7.

ص: 108


1- مستطرفات السرائر ص 562، وسائل الشيعة: ج 13/409 ح 18086.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/256 ح 27، وسائل الشيعة: ج 13/407 ح 18079.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/253 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/406 ح 18077.

ولو تنزّلنا عمّا ذكرناه، وسَلّمنا ظهور: (لا يصلح) في المنع، يقع التعارض بين ظهوره وظهور نصوص الاستنابة، وهي تقدّم لوجوه.

وعليه، فالأظهر جوازالاستنابة مطلقاً، إلّا أنّ الأحوط المباشرة إلّامع التعذّر.

أقول: وحيثُ أنّ النصوص مختصّة بمن رجع إلى أهله:

فهل يبقى غيره على أصالة المباشرة، فلو لم يستمرّ النسيان إلى أن يرجع إلى أهله لا يجوز له الاستنابة ؟

أم يتعدّى إلى كلّ من بَعُد من مكّة، فيجوز أن يستنيب وإنْ لم تكن المباشرة متعذّرة ومتعسّرة ؟

الأظهر هو الثاني، إذ من المعلوم عدم دخل الرجوع إلى أهله ووطنه في ذلك، كما أنّ الأصحاب لم يفهموا منها الخصوصيّة.

وأيضاً: لو كان الناسي طواف النساء طائفاً بالبيت طواف الوداع، فهل يكون ذلك مُجزياً عن المتروك، أم لا؟

مقتضى القاعدة عدم الاجزاء، سيّما مع كون طواف الوداع مستحبّاً وطوف النساء واجباً، إلّاأنّ هناك جملةٌ من النصوص قد استدلّ بها للإجزاء:

منها: مرسل «الفقيه»: «ورُوي فيمن نسى طواف النساء أنّه إنْ كان طاف طواف الوداع فهو طواف النساء»(1).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لولا ما مَنَّ اللّه به على النّاس من طواف الوداع، لرجعوا إلى منازلهم، ولا ينبغي لهم أن يمسّوا نسائهم»(2).2.

ص: 109


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/391 ذيل الحديث 2789، وسائل الشيعة: ج 13/408 ح 18084.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/253 ح 16، وسائل الشيعة: ج 13/299 ح 17792.

وعن ابن بابوية(1) الفتوى بذلك.

أقول: لكن الأوّل مرسلٌ لا يستند إليه في الفتوى، والثاني مجملٌ ، فإنّه يحتمل أنْ يكون المراد أنّ اتّفاق الفريقين على مشروعيّة طواف الوداع سببٌ لتمكّن الشيعة من طواف النساء، ولولاه لزمتهم التقيّة بتركه غالباً.

ويحتمل أنْ يكون مختصّاً بالعامّة الذين لا يرون وجوب طواف النساء، ويراد المنّة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم غير العارفات.

وعليه، فالأظهر عدم الإجزاء، للأصل.

ولو كان الترك عمديّاً، فهل تجوز الإستنابة أم لا؟

الظاهر هو الثاني، لاختصاص النصوص بالناسي، فلابدّ له من الرجوع بنفسه كما صرّح به الشهيد رحمه الله(2).

***4.

ص: 110


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/202.
2- الدروس الشرعيّة: ج 1/404.

ولو شكّ في عدده بعد الإنصراف، لم يلتفت

حكم الشكّ في عدد الطواف

(و) المسألة الثانية: (لو شكّ في عدده) أو في صحّته وفساده (بعد الانصراف، لم يلتفت) بلا خلافٍ (1)، لقاعدتي الفراغ والتجاوز، بناءً على عدم اختصاصهما بباب الصلاة، كما حقّقناه في رسالتنا «القواعد الثلاث»(2).

غاية الأمر إنْ كان الشكّ في الصحّة والفساد، فإنّه لا يعتبر في جريانها شيء، وإنْ كان في أصل الوجود يعتبر الدخول في الغير.

وهل يكفي اعتقاد التمام أو الإتيان بالمنافي أم لا؟

فيه كلامٌ أشبعناه في رسالتنا المذكورة، وبيّنا أنّ الأظهر كفاية كل منهما.

أقول: واستدلّ له - مضافاً إلى ذلك - بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ طاف طواف الفريضة، فلم يدر ستّة طاف أم سبعة ؟ قال: فليعد طوافه.

قلت: ففاته ؟ قال عليه السلام: ما أرى عليه شيئاً، والإعادة أحبّ إليَّ وأفضل»(3).

ونحوه صحاح ابن عمّار، ومحمّد، وأبي بصير(4).

ص: 111


1- كما عن كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/439، بل عن النراقي في المستند: ج 12/113 الإجماع عليه، رياض المسائل: ج 7/60.
2- طبعت هذه الرسالة منفردة عن موسوعات المؤلّف في قم المقدّسة أكثر من مرّة تعميماً للفائدة.
3- الكافي: ج 4/416 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/361 ح 17951.
4- الكافي: ج 4/417 ح 3 و 4 و 5، وسائل الشيعة: ج 13/361 ح 17953.

وفي الأثناء يعيد إنْ كان فيما دون السبعة

قال صاحب «الرياض»: (والتقريب فيها عدم إمكان حملها على الشكّ في الأثناء، لوجوب التدارك فيه، إمّا بالاستيناف، أو إتيان شوط آخر على ما سيأتي من الخلاف، ولا قائل بعدم وجوب شيء عليه ولو مع الفوات.

إلى أنْ قال: فالحكم به صريحاً في الروايات بعد مراعاة الإجماع أوضح دليل على إرادة خصوص الشكّ بعد الانصراف، ولا ينافيها الحكم بالاستيناف، بناءً على عدم ظهور قائل به أيضاً مطلقاً، وذلك لظهورها في استحبابه، ولا يشترط فيه ظهورٌ قائل به)(1)، انتهى .

وتبعه في ذلك صاحب «الجواهر» رحمه الله(2).

أقول: ولكن الظاهر أنّ الذي أوجب وقوعهما في كلفة الاستدلال والتشبّث بما أفاداه، توهم أنّ المراد من قوله: (قد فاته ذلك)، أنّه لم يستقبل الطواف، مع أنّ الظاهر أنّ المراد به أنّه شكّ وقد فاته بمفارقة ذلك المكان، ويشهد به ما في صحيح محمّد: (أنّه قد خرج وفاته ذلك)، وعليه فصدرها مختصٌّ بالشكّ في الأثناء، وذيلها بالشكّ بعد الانصراف والفراغ، وقوله عليه السلام في بعضها: (والإعادة أحبّ وأفضل) إنّما هو في الشكّ بعد الفراغ، فتأمّل.

(و) لو شكّ في عدده (في الأثناء، يعيدُ إنْ كان فيما دون السبعة) كما لو شكّ بين8.

ص: 112


1- رياض المسائل: ج 7/60.
2- جواهر الكلام: ج 19/378.

الستّة والسبعة، كما عن الصدوق(1) والشيخ(2) والقاضي(3) والحِلّي(4) وجمع من المتأخّرين(5)، بل هو المشهور كما عن «المدارك»(6) و «الذخيرة»(7) و «المفاتيح» وشرحه(8)، بل عن «الغُنية»(9) الإجماع عليه.

واستدلّ له:

تارةً : بالنصوص المتقدّمة، وتقريب الاستدلال بها إنّما هو بما ذكرناه، وإنْ كان لا يخلو عن تكلّف بل تعسّف.

واُخرى : بصحيح رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال:

«في رجلٍ لا يدري ستّة طاف أو سبعة ؟ قال عليه السلام: يبني على يقينه».

قال الصدوق: «وسُئل عن رجلٍ لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة ؟ قال: طواف نافلة أو فريضة ؟

قيل: أجبني فيهما جميعاً، قال: إنْ كان طواف نافلةٍ فابن على ما شئت، وإنْ كان طواف فريضة فأعد الطواف»(10).

وأُورد عليه: بأنّ صدره يدلّ على عدم البطلان، وأنّه يبني على الأقلّ ، والذيل9.

ص: 113


1- من لايحضره الفقيه: ج 2/397 ح 2804.
2- النهاية: ص 237.
3- المهذّب: ج 1/238.
4- السرائر: ج 1/572.
5- كالعلّامة في القواعد: ج 1/427، والجامع للشرائع ص 198.
6- مدارك الأحكام: ج 8/179.
7- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/639 ق 3.
8- المفاتيح: ج 1/371، كما في هامش مستند الشيعة: ج 12/117.
9- غنية النزوع: ص 176.
10- من لا يحضره الفقيه: ج 2/397 ح 2805، وسائل الشيعة: ج 13/360 ح 17949.

رواية اُخرى مرسلة، ولذا جعله في «الوسائل» خبراً آخر(1).

وفيه أوّلاً: أنّ المصنّف رحمه الله جعله من تتمّة الخبر الأوّل، وعليه فيقيّد إطلاق صدره بذيله.

وثانياً: أنّه لو سُلّم كونه خبراً آخر ومرسلاً - ويؤيّده أنّه رواه في «المقنع» أيضاً مرسلاً كما في «الوسائل»(2) - إنّه حيث يكون بلسان استناده إلى المعصوم عليه السلام جزماً فهو حجّة، وبه يقيّد إطلاق الصحيح.

وثالثة: بجملةٍ اُخرى من النصوص:

منها: موثّق حنّان بن سُدير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في رجلٍ طاف فأوهم ؟ قال: طفتُ أربعة أو طفت ثلاثة ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أيّ الطوافين كان، طوافُ نافلةٍ أم طواف فريضة ؟

قال: إنْ كان طواف فريضةٍ فليلق ما في يديه وليستأنف، وإنْكان طواف نافلةٍ فاستيقن ثلاثة وهو في شكّ من الرابع أنّه طاف، فليبن على الثلاثة، فإنّه يجوز له»(3).

ومنها: خبر صفوان - أو حسنه - عن أبي الحسن الثاني عليه السلام:

«عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحدٌ منهم: احفظوا الطواف، فلمّا ظنّوا أنّهم قد فرغوا، قال واحد منهم: معي سبعة أشواط، وقال الآخر: معي ستّة أشواط، وقال الثالث: معي خمسة أشواط؟

قال عليه السلام: إن شكّوا كلّهم فليستأنفوا، وإنْ لم يشكّوا وعَلم كلّ واحد منهم ما في0.

ص: 114


1- اُنظر وسائل الشيعة: ج 13/360 ح 17948 وح 17949.
2- وسائل الشيعة: ج 13/360.
3- الكافي: ج 4/417 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/360 ح 17950.

يديه فليبنوا عليه»(1).

وأُورد عليهما: بضعف السند.

ولكن يدفعه: أنّ حنّان بن سُدير وإنْ كان واقفيّاً إلّاأنّه ثقة، وخبر صفوان حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم.

ورابعة: بجملةٍ من النصوص المتضمّنة للجملة الخبريّة:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة ؟ قال عليه السلام: يستقبل»(2). ونحوه غيره.

وأُورد عليها: بعدم ظهورها في الوجوب، وقد مرّ ما فيه.

أقول: وهناك نصوصٌ اُخر دالّة على المقصود، لكن لضعف إسنادها أغمضنا عن ذكرها، ومع ذلك كلّه:

فعن المفيد(3)، ووالد الصدوق(4)، والإسكافي(5) وجماعة من المتأخّرين - منهم سيّد «المدارك»(6) - أنّه يبني على الأقلّ ، ويستحبّ له الإعادة، واستدلّوا لذلك:

1 - بالصحاح المتقدّمة في الشكّ بعد الفراغ، بدعوى أنّها في الشكّ قبل الفراغ أو شاملة له، وما فيها من نفي الشيء عليه بعد الفوات يدلّ على استحباب الإعادة.

2 - وبصدر صحيح رفاعة المتقدّم من قوله عليه السلام: (يبني على يقينه).9.

ص: 115


1- الكافي: ج 4/429 ح 12، وسائل الشيعة: ج 13/419 ح 18104.
2- الكافي: ج 4/416 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/361 ح 17952.
3- المقنعة: ص 440.
4- حكاه عنهما العلّامة في المختلف: ج 4/187-188. (5و6) مدارك الأحكام: ج 8/179.

3 - وبصحيح آخر لمنصور: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي طفتُ فلم أدر ستّة طفت أم سبعة، فطفت طوافاً آخر؟

فقال: هلّا استأنفت ؟ قلت: طفتُ وذهبت، قال عليه السلام: ليس عليك شيء»(1).

أقول: أمّا الصحاح الأربعة المتقدّمة، فقد عرفت أنّ الظاهر - ولا أقلّ من المحتمل - دلالتها على مبطليّة الشكّ في الأثناء بالتقريب المتقدّم، وقابليّتها للحمل على الشكّ بعد الفراغ على ما أفاده المحقّقان.

وأمّا صحيح رفاعة، فهو على فرض الدلالة مطلقٌ شاملٌ للفريضة والنافلة، بل وللشكّ بعد الفراغ وفي الأثناء، فيقيّد إطلاقه بما دلّ على مبطليّة الشكّ في الفريضة في الأثناء.

وأمّا ما في «الجواهر»(2) من احتمال إرادة البناء على اليقين، بمعنى أنّه حين انصرف كان أقرب إلى اليقين ممّا بعده، فلا يلتفت إلى الشكّ بعده، وإرادة الإعادة بأن يأتي بطوافٍ متيقّن عداه، فخلافُ الظاهر جدّاً.

وأمّا صحيح منصور فهو أيضاً مطلق يقيّد إطلاقه بما مرّ.

وقول صاحب «الجواهر»(3): (احتمال أنْ يكون قوله: (طفت)، أي أعدتُ على معنى ففعلت الأمرين الإكمال والإعادة).

يرد عليه: أنّه يدفع ذلك قوله عليه السلام: (هلّا استأنفت).

هذا كلّه إذا كان في النقصان.2.

ص: 116


1- تهذيب الأحكام: ج 5/110 ح 30، وسائل الشيعة: ج 13/359 ح 17946. (2و3) جواهر الكلام: ج 19/382.

وإلّا قَطَع

(وإلّا) أي وإنْ كان الشكّ في الزيادة على السّابع (قَطَع) ولا شيء عليه، بلا خلافٍ محقّق أجده فيه، كما في «الجواهر»(1)، ويشهد به صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدر أسبعة طاف، أم ثمانية ؟

فقال عليه السلام: أمّا السبعة فقد استيقن، وإنّما وقع وهمه على الثامن فليصلِّ ركعتين»(2).

ونحوه خبره الآخر(3) وصحيح جميل(4).

هذا إذا كان على منتهى الشوط.

وأمّا لو كان في أثنائه:

فعن «المسالك»(5)، و «الروضة»(6) وفي «الجواهر»(7) و «الرياض»(8) وغيرهما:

بطل طوافه، لإستلزامه الشكّ في النقصان المقتضي لتردّده بين محذورين:

الإكمال المختمل للزيادة عمداً.

والقطع المحتمل للنقيصة كذلك.1.

ص: 117


1- جواهر الكلام: ج 19/379.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/114 ح 42، وسائل الشيعة: ج 13/368 ح 17974.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/113 ح 40، وسائل الشيعة: ج 13/368 ح 17975.
4- مستطرفات السرائر: ص 560، وسائل الشيعة: ج 13/369 ح 17976.
5- مسالك الأفهام: ج 2/349.
6- شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 2/252.
7- جواهر الكلام: ج 19/379-380.
8- رياض المسائل: ج 7/61.

ولكن سيّد «المدارك»(1) ذهب إلى أنّه يتمّ ما بيده ويصحّ .

أقول: أمّا النصوص فالظاهر عدم شمولها له، لقوله: (أسبعة طاف)، وقوله عليه السلام:

(أمّا السبعة فقد استيقن)، وللأمر بالقطع، ولكن مقتضى استصحاب عدم الزيادة أنّ له أن يتمّ ما بيده باحتمال الأمر، ولا يضرّ زيادته على فرضها للأصل، ولأنّه يأتي بها باحتمال الأمر، ومثل هذه الزيادة لا تضرّ.

أقول: إلّاأنّ في المقام خبرين يدلّان بعمومهما على مبطليّة الشكّ في الطواف، نظير ما ورد في الصلاة، وهما:

1 - خبر أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ شكّ في طواف الفريضة ؟ قال عليه السلام: يعيد كلّما شكّ .

قلت: جُعِلتُ فداك، شكّ في طواف نافلة ؟ قال عليه السلام: يبني على الأقلّ »(2).

2 - وخبر المرهبي، عن أبي الحسن الثاني عليه السلام: «قلتُ : رجلٌ شكّ في طوافه، فلم يدر ستّة طاف أم سبعة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان في فريضةٍ أعاد كلّما شكّ فيه، وإنْ كان في نافلةٍ بنى على ما هو أقلّ »(3).

والجواب عنهما: باحتمال جعل (ما) موصولة، وكونها في الكتابة عن لفظ كلّ مفصولة، ليصير المعنى إعادة المشكوك فيه.

غير صحيح، لأنّه مستلزمٌ لعدم الفرق بين شقّي الترديد.7.

ص: 118


1- مدارك الأحكام: ج 8/178-179.
2- الكافي: ج 4/417 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/312 ح 17955.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/110 ح 31، وسائل الشيعة: ج 13/362 ح 17947.

كما أنّ ما في «المستند»(1) (من أنّهما غير ناهضين لإثبات وجوب الإعادة، ولعلّه لاشتمالهما على الجملة الخبريّة)، قد مرّ ما فيه مراراً.

وعليه، فالأظهر هو البطلان ولزوم الإعادة.

وأخيراً: بقي في المقام أمران:

الأمر الأوّل: أنّ ما ذكرناه إنّما هو في طواف الفريضة، وأمّا في النافلة فلو شكّ في النقصان يبني على الأقلّ ، كما هو المشهور بين الأصحاب(2).

وفي «الجواهر»(3): (بل تحصيل الإجماع عليه، والنصوص المتقدّمة جملة منها شاهدة به).

ولكن عن المصنّف رحمه الله وثاني الشهيدين رحمهما الله(4) جواز البناء على الأكثر، حيث لا يستلزم الزيادة:

1 - لعموم قوله صلى الله عليه و آله: «الطواف في البيت صلاة»(5).

2 - وللمرسل المتقدّم: (إنْ كان طواف نافلة فابنِ على ما شئت)، وقد مرّ أنّ المصنّف رحمه الله يراه من تتمّة صحيح رفاعة.

ولقوله عليه السلام في موثّق حنّان: (فإنّه يجوز له).

أقول: الأوّل والثالث وإنْ كانا قابلين للمناقشة، إلّاأنّ الثاني لا بأس به على 0.

ص: 119


1- مستند الشيعة: ج 12/16.
2- وفاقاً للصدوق والشيخ والقاضي والحِلّي والفاضلين، بل هو المشهور، كما في المدارك والذخيرة والمفاتيح وشرحه، بل عن الغنية الإجماع عليه، اُنظر مستند الشيعة: ج 12/117.
3- جواهر الكلام: ج 19/383.
4- مسالك الأفهام: ج 2/350.
5- مستدرك وسائل الشيعة: ج 9/410 ح 11203، عوالي اللئالئ: ج 1/214 ح 70.

ولو ذكر في طواف الفريضة عدم الطهارة أعاد

ما تقدّم من حجيّته - سواءٌ أكان تتمّة لصحيح رفاعة أم خبراً مستقلّاً - ولصراحته في جواز البناء على الأكثر يُحمل الأمر بالبناء على الأقلّ في النصوص على أفضل الفردين.

الأمر الثاني: أنّه إذا لم يكن الشكّ في النقص خاصّة، ولا في الزيادة كذلك، بل كان الشكّ في الأمرين معاً - كما لو شكّ بين الستّة والسبعة والثمانية، أو الستّة والثمانية، وما شاكل - فالأظهر هو البطلان:

1 - لما تقدّم من الكبرى الكليّة المستفادة من خبري أبي بصير والمرهبي المانعة عن جريان الاستصحاب.

2 - ولموثّق أبي بصير: «قلت له: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية ؟ قال عليه السلام: يعيد طوافه حتّى يحفظ»(1).

(و) المسألة الثالثة: (لو ذكر في طواف الفريضة عدم الطهارة أعاد).

أقول: قد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصّلاً في مسألة اشتراط الطهارة في طواف الفريضة، فراجع(2).

***د.

ص: 120


1- الكافي: ج 4/417 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/362 ح 17954.
2- صفحة 7 من هذا المجلّد.

ولو قَرَن في طواف الفريضة بَطَل

القِران بين الطوافين

المسألة الرابعة: (ولو قَرَن في طواف الفريضة) بأن ترك ركعتي الصلاة الطواف وألحقَ بطوافه الأوّل طوافاً آخر ثمّ صلّى صلاتهما مرتبةً (بطل) على ما هو المشهور، كما عن «النافع»(1) و «التنقيح»(2).

وعن الحِلّي(3) و «المدارك»(4) و «الذخيرة»(5) عدم الحرمة والبطلان، بل كراهة ذلك.

أقول: ويشهد للأوّل جملة من النصوص:

منها: صحيح البزنطي، قال:

«سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يطوف الأسابيع جميعاًفيقرن ؟

فقال عليه السلام: لا، إلّااسبوع وركعتان، وإنّما قَرَن أبو الحسن عليه السلام لأنّه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة»(6).

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يطوف

ص: 121


1- المختصر النافع: ص 93.
2- التنقيح الرائع كتاب الحَجّ ، في الطواف: ج 1/503، كما في هامش الرياض: ج 6/548، ونسبه في كشف اللّثام إلى الأكثر (ط. ج): ج 5/428.
3- السرائر: ج 1/572-573.
4- مدارك الأحكام: ج 8/140.
5- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/636 ق 3.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/116 ح 48، وسائل الشيعة: ج 13/371 ح 17983.

ويقرن بين اسبوعين.

إلى أنْ قال: إروِ لي ما أدين اللّه عزّ وجلّ به، فقال عليه السلام: لا تقرن بين اسبوعين، كلّما طفت اسبوعاً فصلِّ ركعتين، وأمّا أنا فربما قرنتُ الثلاثة والأربعة! فنظرتُ إليه، فقال: إنّي مع هؤلاء»(1).

ومنها: خبر صفوان والبزنطي، قالا: «سألناه عن قِران الطواف اسبوعين والثلاثة ؟ قال عليه السلام: لا، إنّما هو اسبوع وركعتان.

وقال: كان أبي يطوف مع محمّد بن إبراهيم فيقرن، وإنّما كان ذلك منه لحال التقيّة»(2).

ونحوها أخبار زرارة(3) وعمر بن يزيد(4) وحريز(5).

أقول: المناقشة في سند هذه النصوص ودلالتها في غير محلّها.

وعليه، فهل تدلّ على البطلان أم مجرّد الحرمة ؟

الحقّ أنّه إن دلّت النصوص على مانعيّة القِران، أو اشتراط الاتّحاد، لزم منه بطلان الطوافين، وإنْ دلّت على الحرمة النفسيّة، لزم منه بطلان الثاني خاصّة، أمّا بطلانه فلتعلّق النهي بنفس العبادة، فإنّ القِران إنّما يكون بالإتيان بالثاني مع عدم فصل الصلاة.0.

ص: 122


1- الكافي: ج 4/418 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/370 ح 17979.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/115 ح 47، وسائل الشيعة: ج 13/370 ح 17982.
3- الإستبصار: ج 2/220 ح 757، وسائل الشيعة: ج 13/369 ح 17977.
4- الإستبصار: ج 2/220 ح 758، وسائل الشيعة: ج 13/370 ح 17980.
5- مستطرفات السرائر: ج 3/587 كما في هامش الرياض: ج 6/549، وسائل الشيعة: ج 13/373 ح 17990.

وأمّا ما في «الرياض»(1) و «المستند»(2): من الاستدلال له بأنّه مأمورٌ بالصلاة، وذلك يستلزم النهي عن ضدّه وهو الطواف.

فيرد عليه: ما حُقّق في محلّه من عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه، وأمّا عدم بطلان الأوّل فلأنّ المنهيّ عنه القِران، وهو يتحقّق بالفعل الثاني ولا ينطبق على الأوّل.

ولكن الظاهر من النصوص أحد الأولين، إذ الظاهر من الأوامر والنواهي المتعلّقة بكيفيّات المأمور به - كالأمر بقراءة السورة في الصلاة، والنهي عن لبس ما لا يؤكل لحمه - كونها إرشاداً إلى الشرطيّة أو الجزئيّة والمانعيّة، فالنهي عن القِران والأمر بالاسبوع وركعتين ظاهران في مانعيّة القران وشرطيّة الاتّحاد.

وعليه، فما في «الرياض»(3) و «المستند»(4) من عدم دلالة النصوص على بطلان

الأوّل، غير تامّ .

وقد استدلّ للقول الآخر:

1 - بالأصل.

2 - وبالنصوص الكثيرة المتضمّنة أنّهم عليهم السلام قرنوا(1).

3 - وبصحيح زرارة، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّما يكره أن يجمع الرّجل بين الاسبوعين والطوافين في الفريضة، وأمّا في النافلة فلا بأس»(2).7.

ص: 123


1- راجع وسائل الشيعة: ج 13/369 باب: (كراهة القِران بين الْأسابيع في الواجب وجوازه في الندب وفي التقيَّة ثمَّ يُصلّي لكلِّ أُسبوعٍ ركعتين).
2- الكافي: ج 4/418 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/369 ح 17977.

ويُكره في النافلة

ونحوه غيره، بدعوى ظهور الكراهة في الكراهة المصطلحة.

ولكن يرد الأصل: أنّه لا مورد له مع الدليل.

ويرد على الاستدلال بنصوص الأفعال: أنّ الفعل لعلّه كان في النافلة أو في الفريضة في حال التقيّة، كما نطقت بالأخير جملةٌ من النصوص المتقدّمة.

وأمّا الوجه الأخير، فيردّه: أنّ الكراهة لو لم تكن ظاهرة في الحرمة، لا ريب في عدم ظهورها في المصطلحة، ويؤيّد إرادة الحرمة منها في هذه النصوص المقابلة لها بنفي البأس في النافلة، بناءً على الإجماع على الكراهة فيها.

وعليه، فالأظهر هو المنع.

أقول: (و) المشهور بين الأصحاب(1) أنّه (يُكره) القِران بين الاسبوعين (في النافلة)، للنهي عنه في صحيح حريز عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا قِران بين اسبوعين في فريضة ونافلة»(2)، المحمول على الكراهة، للنصوص النافية للبأس عنه فيها المتقدّمة.

ودعوى: أنّ المراد من الصحيح أنّه لا يجوز أن يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة، بل يجبُ أن يُصلّي ركعتين للفريضة، ثمّ يطوف للنافلة.

مندفعة: بأنّ حرف (في) تنفي هذا الاحتمال كما لا يخفى .0.

ص: 124


1- اُنظر كشف اللّثام (ط. ق): ج 1/336، منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/700، الدروس الشرعيّة: ج 1/406، المختصر النافع ص 93.
2- مستطرفات السرائر: ص 587، وسائل الشيعة: ج 13/373 ح 17990.

ودعوى صاحب «الرياض»:(1) - بعد الاستدلال للمنع بالمطلقات والصحيح -:

من (أنّ نصوص نفي البأس عنه في النافلة لا تصلح لتقيّيد المطلقات، لقوّة احتمال ورودها للتقيّة، مع أنّ ظاهرها نفي البأس بالكليّة ولا قائل به منّا).

ممنوعة: ويرد عليها بأنّ ظاهر نفي البأس نفي العقاب واللّزوم، ولا يدلّ على نفي الكراهة أيضاً، ومجرّد احتمال ورود الخبر للتقيّة لا يوجبُ رفع اليد عنه، فإنّ مخالفة العامّة من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحجّة عن اللّاحجّة.

وعليه، فنصوص نفي البأس توجبُ تقيّيد المطلقات، وصرف النهي في الصحيح عن ظاهره وحمله على الكراهة.

فرع: هل القِران بين النافلة والفريضة ملحقٌ بالقِران بين الفريضتين، أو بالقِران بين النافلتين ؟

الظاهر هو الثاني، لأنّ المطلقات وإنْ دلّت على المنع، ونصوص نفي البأس في النافلة يُشكّ في شمولها له، فالمرجع هو المطلقات.

أقول: لكن يدلّ على الجواز:

1 - صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«إنّ عليّاً عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحدٍ وأضاف إليه ستّاً، ثمّ صلّى ركعتين خلف المقام...

إلى أنْ قال: فلمّا فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين، الحديث»(2).3.

ص: 125


1- رياض المسائل: ج 1/551.
2- الإستبصار: ج 2/218 ح 752، وسائل الشيعة: ج 13/365 ح 17963.

2 - والنصوص الآتية في مسألة الزيادة في الطواف المفروض، الآمرة بإتمام الزائد، والموجب لحصول القِران بين المفروض والمندوب.

أقول: ثمّ إنّ في المقام اشكالاً أُورد على القول بالكراهة في هذا المقام بعدم معقوليّة ذلك، إذ القائل بالكراهة يلتزم بوقوع الطواف الثاني عبادةً ، والمفروض أنّ تركه أرجح، إذ لا معنى لكراهته في المقام حيث لا بدل له إلّابذلك، فكيف يجتمع ذلك مع العباديّة المتوقّفة على الرجحان ؟.

والحقّ في الجواب عنه: ما أفاده الشيخ الأعظم رحمه الله من أنّ النهي التنزيهي في أمثال المقام بعد العبادات التي لا بدل لها، إرشادٌ إلى وجود مصلحةٍ في الترك، أرجح من المصلحة الموجودة في الفعل، لأجل كون الترك سبباً لعنوانٍ راجح في نفسه، فكلّ من الفعل والترك مستحبٌّ في نفسه، لكن مصلحة الترك أرجح، فليس النهي لأجل كون الفعل مرجوحاً لمفسدة فيه، فيتنافى مع عباديّته(1).

وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله بما حاصله: أنّه لو كان كلٌّ من الفعل والترك مشتملاً على المصلحة، فلا يعقل تعلّق الأمر بكليهما، لأنّه من طلب النقيضين، ولا بأحدهما على سبيل التخيّير لأنّه طلب الحاصل، بل يكون من باب تزاحم الملاكين، فإنْ كان أحدهما أقوى يكون الحكم الفعلي على طبقه، وإلّا فلا يؤثّر شيء منهما في جعل الحكم(2).

وفيه: إنّ ذلك يتمّ لو كانت المصلحة مترتّبةٌ على مطلق وجود الفعل، وأمّا إذا كانت مترتّبة على حصّة خاصّة منه، كما في موارد العبادات المكروهة، إذ المصلحة5.

ص: 126


1- اُنظر أجود التقريرات: ج 1/364.
2- نقله عنه السيّد الخوئي قدس سره في أجود التقريرات: ج 1/365.

مترتّبة على الفعل العبادي، فلا محالة يكون من باب تزاحم المستحبّين، لأنّ المكلّف قادرٌ على تركهما والإتيان بالفعل بلا قصد القربة.

وعلى هذا، فلو كان في الترك مصلحة أهمّ من ما يكون في الفعل، فللمولى أن ينهى عن الفعل إرشاداً إلى ما في الترك من مصلحة أهمّ ، وحيثُ أنّ هذا النهي لم ينشأ عن المنقصة والحزازة في الفعل، فلا يتنافي مع كون الفعل عباديّاً.

وتمام الكلام موكولٌ إلى محلّه.

***

ص: 127

ولو زاد

حكم الزيادة على الطواف عمداً

(و) المسألة الخامسة: (لو زاد) في الطواف شوطاً أو أقلّ أو أكثر، على أنْ يكون المجموع طوافاً واحداً - وهذا غير القِران المتقدّم كما هو واضح -:

فإمّا أنْ يكون ذلك عمديّاً، أو يكون سهويّاً.

1 - فإنْ كان عمديّاً:

فالمشهور بين الأصحاب حرمته(1)، بل قيل إنّ ظاهرهم الاتّفاق على الحكم المذكور إلّاعن نادر(2)، وأطلقوا الحكم في ذلك ولم يفصّلوا بين ما إذا نوى الزيادة من أوّل الطواف أو في أثنائه، على أنْ يكون من الطواف، وبين ما إذا تجدّد له ذلك بعد الإتمام.

وفصّل بعض المحقّقين بينهما، واختار الحرمة والبطلان في الأوّل دون الثاني(3).

وكيف كان، فيشهد للحكم خبر عبد اللّه بن محمّد، عن أبي الحسن عليه السلام:

«الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها، فعليك

ص: 128


1- اُنظر النهاية: ص 238، تحرير الأحكام: ج 1/588، كشف اللّثام (ط. ق): ج 1/336 قال: (ولو زاد على طواف الفريضة ولو خطوة عمداً بطل الطواف كما هو المشهور)، وحكاه عن الشرائع والوسيلة والإقتصاد والجمل والعقود والمهذّب. وقال في ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/636 ق 3: (هذا هو المشهور بين الأصحاب). قال في مدارك الأحكام: ج 8/138: (ما اختاره المصنّف من تحريم الزيادة على السبع في الطواف الواجب هو المعروف من مذهب الأصحاب).
2- ذهب صاحب المدارك إلى عدم الدليل على زيادة ما دون الشوط، مدارك الأحكام: ج 8/139.
3- اُنظر كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/423.

الإعادة، وكذلك السعي»(1).

أقول: والمناقشة في سنده من جهة ضعف الرواي لا وجه لها، سيّما بعد كونه ممّن نُقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، مع أنّ الضعف إنّما هو من جهة الاشتراك بين الثقة وغيره، وقيل إنّه الثقة، ولذا وصفه العلماء بالصحّة، أضف إلى ذلك كلّه استناد الأصحاب إليه.

ودعوى : عدم صدق الزيادة ما لم يقصد الإتيان من الأوّل أو في الأثناء، بل تجدّد له تعمّد الزيادة بعد الإتمام، وإنّما هو من قبيل الإتيان بركعةٍ بعد الفراغ من الصلاة.

مندفعة: بصدق العنوان المأخوذ في الخبر، وهو الزيادة على الطواف عليه، وإن لم يصدق الزيادة فيه.

وبالجملة: فما ذكره الأكثر من التعميم هو الأظهر.

أقول: وربما يستدلّ للحكم بجملة اُخرى من النصوص:

منها: صحيحي ابن عمّار وابن سنان المتقدّمين، المتضمّنين أنّه يجب ختم الطواف بالحَجَر الأسود، إذ لولا مانعيّة الزيادة لما كان وجه لذلك.

وفيه: إنّ الأمر به إرشادٌ إلى ما هو منتهى الطواف المأمور به، ولا شكّ في عدم الأمر بالزيادة، إنّما الكلام في مبطليّتها وحرمتها، وهما لا يدلّان عليهما.

ومنها: خبر أبي كهمس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط؟ قال عليه السلام: إنْ ذكر قبل أن يبلغ الرّكن فليقطعه وقد أجزأ عنه، وإنْ لم يذكر حتّى بلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً، وليصلِّ أربع ركعات»(2) إذ وجوب القطع لا0.

ص: 129


1- تهذيب الأحكام: ج 5/151 ح 23، وسائل الشيعة: ج 13/366 ح 17967.
2- التهذيب، ج 5، ص 113، ح 39؛ وسائل الشيعة: ج 13/364 ح 17960.

يكون إلّامع تحريم الزيادة.

وفيه أوّلاً: أنّه ضعيف السند.

وثانياً: يرد عليه ما أوردناه على سابقه.

وثالثاً: احتمال كونه نهياً عن القِران.

ورابعاً: أنّه لا إشكال في عدم الأمر بالزيادة، وكونها محرّمة بالحرمة التشريعيّة، إنّما الكلام في كونها مبطلة للطواف، وهو لا يدلّ عليه.

وهناك أخبارٌ اُخرى ، لكن لوضوح فسادها أغمضنا عن ذكرها. وعليه فالعمدة ما ذكرناه.

وعن «المدارك»(1) و «الذخيرة»(2) الميل إلى عدم التحريم:

1 - للأصل.

2 - وللأخبار المصرّحة بأنّ من زاد شوطاً يضيف إليه ستّة، ويجعلهما طوافين من غير تفصيل بين العمد والسهو - إمّا مطلقاً كصحيحي محمّد(3) ورفاعة(4)، أو في خصوص الفريضة كصحيحي محمّد(5) والخزّاز(6) - ولو كانت الزيادة محرّمة لما جاز ذلك، لإقتضاء النهي فساد الزائد.

3 - ولما دلّ على زيادة عليّ عليه السلام مع كونه معصوماً عن السهو والنسيان.

أقول: ويرد على الوجوه الثلاثة:9.

ص: 130


1- مدارك الأحكام: ج 8/139.
2- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/636 ق 3.
3- الاستبصار: ج 2/218 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/366 ح 17968.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/112 ح 35، وسائل الشيعة: ج 13/365 ح 17965.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/152 ح 27، وسائل الشيعة: ج 13/365 ح 17964.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 2/396 ح 2801، وسائل الشيعة: ج 13/367 ح 17969.

سهواً أكمل أسبوعين

أمّا الأصل فلا مجرى له مع الدليل.

وأمّا نصوص: (من زاد شوطاً يضيف إليه ستّة) فهي مختصّة بالنّاسي، وعلى فرض الشمول لصورة العمد يقيّد إطلاقها بما مرّ.

وأمّا زيادة عليّ عليه السلام يمكن أنْ تكون من باب القِران بين نافلتين، أو بين فريضة ونافلة، وهما جائزان كما مرّ، فمن أينَ عُلم أنّه قصد الزيادة في الطواف الأوّل حتّى يكون من مفروض المسألة!

وعليه، فما هو المشهور أظهر، ومقتضى النص كما عرفت هو التعميم.

نعم، يشترط أن ينوي بالزيادة كونها من الطواف، إذ المركّب الاعتباري لا يصدق الزيادة فيه إلّامع إتيان الزائد بقصد أنّه منه، إذ الفرض أنّ وحدته إنّما هي بالاعتبار واللّحاظ، وإلّا فهي وجودات متغايرة، ولو لم يقصد كونه منه لا يصدق الزيادة، ألا ترى أنّه لو رفع يده في الصلاة، فإنْ قَصَد به كونه منها صَدَق به الزيادة وبطلت وإلّا فلا، وكذلك المقام.

هذا كلّه إنْ زاد على الطواف عمداً.

حكم الزيادة سهواً

ولو زاد (سهواً أكمل أسبوعين) على الأشهر، كما في «الرياض»(1).

وفي «الجواهر»: (أنّ المشهور بين الأصحاب أنّه لو ذكر قبل بلوغه الرّكن

ص: 131


1- رياض المسائل: ج 6/553.

العراقى قطع ولا شيء عليه، بل لا أجد فيه خلافاً إلّا من بعض متأخّرى المتأخّرين)(1).

ويشهد للثاني: خبر أبي كهمس المتقدّم، المنجبر ضعفه بالعمل، ولا يعارضه خبر عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«من طاف بالبيت، فوهم حتّى يدخل في الثامن، فليتم أربعة عشر شوطاً ثمّ ليصلِّ ركعتين»(2).

فإنّه مطلقٌ يقيّد إطلاقه بما مرّ، فإنّ قوله عليه السلام: (حتّى يدخل) قيدٌ للوهم لا للذِكر، فالأظهر ذلك.

وإنْ بلغه، أكمل اسبوعين على المشهور(3).

وعن الصدوق في محكي «المقنع»: قال: (وإنْ طُفتَ بالبيت الطواف المفروض ثمانية أشواط فأعد الطواف)(4).

وأمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على ما هو المشهور:

منها: صحيح أبي أيّوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة ؟ قال عليه السلام: فليضمّ إليها ستّاً، ثمّ يُصلّي أربع ركعات»(5).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:9.

ص: 132


1- جواهر الكلام: ج 19/384.
2- الإستبصار: ج 2/218 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/364 ح 17961.
3- اُنظر تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/119، إيضاح الفوائد: ج 1/298، الرسائل العشر لابن فهد الحِلّي ص 321، جامع المقاصد: ج 3/193.
4- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/190.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/396 ح 2801، وسائل الشيعة: ج 13/367 ح 17969.

«في كتاب عليّ عليه السلام: إذا طاف الرّجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة، فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستّاً، وكذلك إذا استيقن أنّه سعى ثمانية، أضاف إليها ستّاً»(1).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على بطلان الطواف بالزيادة مطلقاً:

منها: خبر عبد اللّه بن محمّد المتقدّم، فإنّه بإطلاقه يدلّ على مبطليّة الزيادة السهويّة.

الطائفة الثالثة: ما ظاهره البطلان في الزيادة السهويّة:

منها: صحيح رفاعة، قال: «كان عليّ عليه السلام: يقول: إذا طاف ثمانية فليتمّ أربعة عشر. قلت: يُصلّي أربع ركعات ؟ قال عليه السلام: يُصلّي ركعتين»(2).

ونحوه غيره، فإنّ الاكتفاء بركعتين إنّما هو من جهة بطلان أحدهما، وإلّا كان يجب أربع ركعات.

قيل(3): ومن هذه الطائفة صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ؟ قال عليه السلام: يعيد حتّى يثبته»(4).

لكن الصحيح مرويّ عن «التهذيب»، وورد فيه: (حتّى يستتمه)(5)، وعليه فظاهره إرادة إتمام طوافٍ آخر.

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي تقيّيد إطلاق الثانية بالاُولى ، وأمّا الثالثة1.

ص: 133


1- الإستبصار: ج 2/240 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/366 ح 17966..
2- تهذيب الأحكام: ج 5/112 ح 35، وسائل الشيعة: ج 13/365 ح 17965.
3- اُنظر تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/365.
4- الكافي: ج 4/417 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/363 ح 17957.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/111 ح 361.

وصلّى ركعتي الواجب قبل السعي، والمندوب بعده

فهي معارضة في موردها بطائفة اُخرى من النصوص دالّة على الأمر بأربع ركعات، وبعضها صريحٌ في الفريضة، لاحظ صحيح أبي أيّوب المتقدّم وغيره، وهي توجبُ حملها على إرادة الركعتين قبل السعي، كما حملها الشيخ عليها(1)، أو طرحها لكونه أشهر.

وعليه، فالأظهر ما هو المشهور.

أقول: ثمّ إنّ في المقام فروعاً ينبغي التعرّض لها:

وجوب الإتيان بصلاة الطواف الواجب قبل السعي

التنبيه الأوّل: (و) لو أكمل اسبوعين (صلّى ركعتي الواجب قبل السعي، والمندوب بعده) كما هو المشهور بين الأصحاب(2)، ويشهد به جملةٌ من النصوص المتقدّم بعضها:

ومنها: صحيح جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عمّن طاف ثمانية وهو يرى أنّها سبعة ؟ قال فقال عليه السلام: إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّه إذا طاف ثمانية أشواط يضمّ إليها ستّة أشواط، ثمّ يُصلّي الركعات بعد.

قال: وسُئل عن الركعات كيف يصلّيهنّ أو يجمعهن أو ماذا؟

قال عليه السلام: يُصلّي ركعتين للفريضة، ثمّ يخرج إلى الصفا والمروة، فإذا رجع من

ص: 134


1- اُنظر المبسوط: ج 1/358، من لا يحضره الفقيه: ج 2/396 ذيل الحديث 2801.
2- كالشيخ في المبسوط: ج 1/358، العلّامة الحِلّي في تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/365، ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/637 ق 3، ونسبه إلى المشهور في الحدائق: ج 16/211.

طوافه بينهما، رجع يُصلّي ركعتين للاسبوع الآخر»(1).

وبها يقيّد إطلاق ما تضمّن الأمر بأربع ركعات كصحيح أبي أيّوب المتقدّم.

أقول: ثمّ أنّ ظاهر الخبر لزوم ذلك كما عن الأكثر(2).

وعن «المدارك»: أنّ ذلك أفضل، لإطلاق الأمر بالأربع في صحيح أبي أيّوب، ولعدم وجوب المبادرة إلى السعي(3)، واحتمله في «كشف اللِّثام» على ما حكي(4).

ولكن إطلاق الأمر بالأربع يقيّد بما تقدّم، وعدم وجوب المبادرة إلى السعي لا ينافي وجوب تأخير الركعتين عنه.

التنبيه الثاني: المصرّح به في كلام جمع من المحقّقين - منهم المصنّف رحمه الله(5)والشهيدان(6) - أنّ الإكمال المزبور مستحبٌّ لا واجب، فإنّه وإنْ أمر به في النصوص إلّا أنّه لوروده مورد توهم المنع، لا يكون ظاهراً في اللّزوم.

مضافاً إلى التصريح بأنّ أحد الطوافين فريضة، والآخر نافلة، وعدم وجوب طوافين اتّفاقاً، وحينئذٍ لو أكمل:

فهل يكون الأوّل فرض كما عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله(7) لأصالة بقاء الأوّل على وجوبه ؟3.

ص: 135


1- مستطرفات السرائر: ص 560، وسائل الشيعة: ج 13/367 ح 17972.
2- اُنظر كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/425-426، الحدائق الناضرة: ج 16/211، ونسبه إلى مشهور الأصحاب، رياض المسائل: ج 6/559.
3- مدارك الأحكام: ج 8/171.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/426.
5- في الإرشاد: ج 1/325.
6- الشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/402، والشهيد الثاني في شرح اللّمعة: ج 2/250.
7- في الإرشاد: ج 1/325، المحقّق الحِلّي في المختصر النافع ص 93.

أو الثاني كما عن الصدوق(1) وابني الجُنيد(2) وسعيد(3):

للأمر بالإكمال الظاهر في الوجوب.

ولمرسل «الفقيه» الوارد فيه قوله: (وفي خبرٍ آخر أنّ الفريضة هي الطواف الثاني، إلى أنْ قال: والركعتان الأخيرتان والطواف الأوّل تطوّع)(4)؟

أقول: أظهرهما الأوّل، لأنّ الأمر بالإكمال قد عرفت أنّه محمولٌ على الندب، والمرسل ليس بحجّة.

التنبيه الثالث: ظاهر الأكثر(5) اختصاص الزيادة المبطلة بالطواف الواجب، وهو كذلك، لإختصاص دليل المنع به - راجع خبر عبد اللّه بن محمّد - وعليه فإنْ زاد في المندوب وإنْ حرم للتشريع، إلّاأنّه لا يوجب بطلان الطواف.

وما في «المستند» من أن ذلك ينافي توقيفيّة العبادة(6)، غريبٌ ، فإنّ القول بمبطليّة الزيادة ينافيها.

***6.

ص: 136


1- في الفقيه: ج 2/250.
2- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 4/191.
3- الجامع للشرائع: ص 197.
4- من لايحضره الفقيه: ج 2/396 ذيل الحديث 2801، وسائل الشيعة: ج 13/367 ح 17970.
5- كالشيخ الطوسي في الرسائل العشر: ص 231، المبسوط: ج 1/357، والحلبي في إشارة السبق: ص 132، والعلّامة في التحرير: ج 1/588 وغيرهم.
6- مستند الشيعة: ج 12/96.

ولو نقص مِنْ طوافه وقد تجاوز النصف أتمّ ، ولو رجع إلى أهله استناب، ولو كان أقلّ استأنَف، وكذا مَنْ قطع الطواف لحاجةٍ أو صلاة نافلة.

حكم من نقص من طوافه

(و) المسألة السادسة: (لو نقصَ من طوافه) شوطاً أو أقلّ أو أزيد، أتمّه إنْ كان في المطاف مطلقاً، ما لم يفعل المنافي - ومنه طول الفصل للموالاة إنْ أوجبناها كما هو ظاهر الأصحاب - إذ لا شكّ في أنّ الطواف ليس بأقلّ من سبعة أشواط، ولم يوظّف من الشرع أنقص منها.

وإنْ انصرف وكان طوافه طوافُ فريضة (وقد تجاوز النصف) بأن طاف أربعة أشواط، رجع و (أتمّ ، ولو) لم يمكنه كأن (رجع إلى أهله استناب) في الإتمام.

(ولو كان) ما طافه (أقلّ ) من ذلك (استأنف، وكذا من قطع الطواف لحاجةٍ أو صلاة نافلة) على الأشهر(1).

بل قيل(2): لا يكون فيه خلافٌ يظهر إلّامن جمعٍ ممّن تأخّر(3)، حيث قالوا لم نظفر بمستمسك لهذا التفصيل، وأنّ ما وقفنا عليه من الأخبار لا تساعده.

أقول: وتفصيل الكلام في المقام، هو إنّ من نقص من طوافه:

ص: 137


1- اُنظر المبسوط: ج 1/358، تهذيب الأحكام: ج 5/119 ذيل الحديث 62، السرائر: ج 1/573، شرائع الإسلام: ج 1/200-201، الجامع للشرائع ص 198.
2- والقائل صاحب الرياض: ج 6/565.
3- منهم الفاضل الهندي في كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/430، صاحب المدارك: ج 8/175، المحدِّث البحراني في الحدائق: ج 16/212-213.

إمّا أنْ يكون عن عمدٍ، أو عن سهو ونسيان، أو عن علّة وعذرٍ كحيض أو مرض أو حَدَث، أو لدخول وقت فريضة، أو لحدوث خبث في الثوب أو البدن.

وعلى التقادير: إمّا أنْ يكون ذلك قبل مجاوزة النصف أو بعدها، فهذه عشرة أقسام.

وإذا انضمّ إلى ذلك أنّه تارةً يكون الطواف فرضاً، واُخرى نفلاً، تصبح الأقسام عشرين.

لكن الكلام فعلاً في الفرض، وبعد ذلك سنتعرّض لحكم المندوب إنْ شاء اللّه تعالى.

أمّا القسم الأوّل: وهو ما كان عن عمدٍ قبل مجاوزة النصف، فالظاهر أنّه لا خلاف في وجوب استيناف الطواف، وعدم الاعتداد بما أتى به، والنصوص في هذا المورد مختلفة:

منها: ما يدلّ على ذلك وهي كثيرة، جملةٌ منها في الفريضة، وجملة اُخرى مطلقة شاملة للنافلة.

ومن الأُولى : صحيح أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ طاف شوطاً او شوطين، ثمّ خرج مع رجلٍ في حاجة ؟ قال عليه السلام: إنْ كان طواف نافلة بنى عليه، وإنْ كان طواف فريضة لم يبن»(1).

ومنها: صحيح عمران الحلبي، عنه عليه السلام: «عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة، ثمّ وجد خلوة من البيت فدخله ؟9.

ص: 138


1- الكافي: ج 4/413 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/380 ح 18009.

قال عليه السلام: يقضي طوافه وقد خالف السنة، فليُعِد طوافه»(1).

ومنها: خبر ابن مسكان(2)، وهو نحوهما.

ومن الثانية: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط، ثمّ وجد من البيت خلوة فدخله، كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: يعيد طوافه، وخالف السُنّة»(3).

أقول: وهذه النصوص وإنْ وردت في من أتى بالشوط أو الشوطين أو الثلاثة، إلّا أنّه يتعدّى عن مواردها إلى ما زاد عن ثلاثة أشواط، لعدم القول بالفصل.

ومن النصوص المختلفة ما يدلّ على جواز القطع والبناء مطلقاً في الفريضة، كالخبر القويّ الذي رواه أبان، قال:

«كنتُ مع أبي عبد اللّه عليه السلام في الطواف، فجاء رجلٌ من إخواني فسألني أن أمشي معه في حاجةٍ ، ففطن بي أبو عبد اللّه عليه السلام...

إلى أنْ قال: يا أبان، اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له.

فقلت: إنّي لم أتمّ طوافي ؟ قال عليه السلام: إحصِ ما طُفتَ وانطلق معه في حاجته.

فقلت: وإنْ كان طواف فريضة ؟ فقال عليه السلام: نعم، وإنْ كان طواف فريضة»(2)الحديث، ونحوه غيره.

ومن تلك النصوص ما يدلّ على جواز القطع والبناء مطلقاً في الفريضة والنافلة، وإنْ كان أقلّ من النصف:1.

ص: 139


1- الكافي: ج 4/414 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/381 ح 18013. (2و3) تهذيب الأحكام: ج 5/118 ح 386 / وسائل الشيعة: ج 13/379 ح 18008 و 18007.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/120 ح 392، وسائل الشيعة: ج 13/380 ح 18011.

منها: مرسل ابن أبي عُمير، عن أحدهما عليهما السلام: «في الرّجل يطوف ثمّ تعرض له الحاجة ؟

قال عليه السلام: لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره، ويقطع الطواف، وإنْ أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى على طوافه وإنْ كان أقلّ من النصف»(1).

ومنها: صحيح الجمّال، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يأتي أخاه وهو في الطواف ؟ فقال: يخرج معه في حاجته، ثمّ يرجع ويبني على طوافه»(2).

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي تقيّيد الطائفتين الأخيرتين بالاُولى ، لكونها أخصّ مطلقاً منهما، فتخصّص الثانية بما إذا كان بعد تجاوز النصف، بل هي في مورد خاص، ولعلّه كان بعد الأربعة، ويخصّص الثالثة بالنافلة.

وأمّا القسم الثاني: وهو ما كان عن عمدٍ بعد تجاوز النصف، فالأظهر الأشهر أنّ عليه أن يبني على ما سبق ويتمّ طوافه، لجملةٍ من الأخبار:

منها: خبر سعيد الأعرج، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأةٍ طافت بالبيت أربعة أشواط وهي مُعتمرة ثمّ طمثت ؟

قال عليه السلام: تتمّ طوافها، فليس عليها غيره، ومتعتها تامّة، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة، وذلك لأنّها زادت على النصف، وقد مضت متعتها، ولتستأنف بعد الحَجّ »(3).3.

ص: 140


1- تهذيب الأحكام: ج 5/120 ح 66، وسائل الشيعة: ج 13/381 ح 18012.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/395 ح 2799، وسائل الشيعة: ج 13/382 ح 18015.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/393 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/456 ح 18203.

فإنّه صريح في أنّ علّة الحكم بالإتمام في الفرض، إنّما هو التجاوز، وأنّ من تجاوزه فقد تمَّ طوافه.

وقريبٌ منه خبر آخر في المريض.

ومنها: خبر أبي عزّة، قال: «مَرَّ بي أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف، فقال لي: انطلق حتّى نعود هاهنا رجلاً.

فقلت له: إنّما أنا في خمسة أشواط من اسبوعي، فأتمّ اسبوعي.

قال عليه السلام: اقطعه واحفظه من حيث تقطعه، حتّى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه»(1).

ومنها: صحيح الحسن بن عطية، قال: «سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجلٍ طاف بالبيت ستّة أشواط...

إلى أنْ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يطوف شوطاً، فقال سليمان: فإنّه فاته ذلك حتّى أتى أهله ؟ قال عليه السلام: يأمر من يطوف عنه»(2).

وهو وإنْ كان في نقص شوطٍ واحد، إلّاأنّه يدلّ على الحكم في الجملة، وإطلاقه شامل للعامد.

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قلت له: رجلٌ طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْر؟

قال عليه السلام: يعيد ذلك الشوط»(3).

ومنها: صحيح ابن البُختري، عنه عليه السلام: «في الرّجل يطوف بالبيت فيختصر في8.

ص: 141


1- الكافي: ج 4/414 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/382 ح 18014.
2- الكافي: ج 4/418 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/357 ح 17942.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/109 ح 25، وسائل الشيعة: ج 13/356 ح 17938.

الحِجْر؟ قال عليه السلام: يقضي ما اختصر من طوافه»(1).

ويؤيّده النصوص الواردة في الحائض الدالّة على ذلك.

أقول: وبما مرّ يقيّد إطلاق ما دلّ على لزوم الاستيناف، كصحيح حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فيمن كان يطوف بالبيت، فيعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال عليه السلام: يستقبل طوافه»(2).

ويخصّص بما قبل تجاوز النصف.

ومع ذلك كلّه، فعن جماعةٍ (3) لزوم الاستيناف مع العمد، واستدلّوا له:

1 - بأصالة وجوب الموالاة.

2 - وباستصحاب الاشتغال.

3 - وبإطلاق ما دلّ على لزوم الاستيناف.

ولكن لا مورد للأصلين مع الدليل، والإطلاق يقيّد بما تقدّم.

وأمّا القسم الثالث والرابع: وهما ما لو نقص الطواف، وتذكّر قبل تجاوز النصف أو بعده، مع كون الترك عن سهو ونسيان.

فالأظهر أنّه إن تذكّر بعد الدخول في السعي، يبني على ما أتى به في القسمين، وإنْ تذكّر قبله فإنْ كان ذلك قبل تجاوز النصف استأنف، وإنْ كان بعده أتمّ ما أتى به، فها هنا أحكام ثلاثة:

أمّا الأوّل: فيشهد له موثّق إسحاق: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ طافم.

ص: 142


1- الكافي: ج 4/419 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/356 ح 17939.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/394 ح 2797، وسائل الشيعة: ج 13/379 ح 18005.
3- اُنظر مستند الشيعة: ج 12/103-104، ومنهم مدارك الأحكام: ج 8/149، ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1 / ص 638 ق 3 وغيرهم.

بالكعبة ثمّ خرج فطاف بين الصفا والمروة، فبينما هو يطوف إذ ذكر أنّه كان ترك من طوافه بالبيت ؟ قال عليه السلام: يرجع إلى البيت يتمّ طوافه، ثمّ يرجع إلى الصفاوالمروة فيتمّ ما بقى»(1). الحديث.

وعن «المبسوط»(2) و «القواعد»(3) واللّمعة وشرحها(4) و «الإرشاد»(5): تقيّيده بصورة التجاوز عن النصف، ولا مستند لهم في مقابل دليل المشهور - على ما قيل المنصور - إلّاإطلاق ما يجب تقيّيده به.

وأمّا الحكم الثاني: الذي قيل إنّه إجماعي، فيشهد به إطلاق صحيح حفص، وصحيح أبان المتقدّمين، ولا معارض لهما.

وأمّا الحكم الثالث: فيشهد له:

1 - إطلاق صحيح ابن البُختري المتقدّم، الموارد في إدخال الحِجْر، والعلّة المنصوصة في خبر الأعرج المتقدّم أيضاً.

2 - وصحيحي الحلبي والحسين بن عطيّة المتقدّمين، في خصوص نقص شوطٍ واحد.

ومع ذلك فعن «التهذيب»(6) و «النهاية»(7) و «التحرير»(8) و «التذكرة»(9)4.

ص: 143


1- الكافي: ج 4/421 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/413 ح 18095.
2- المبسوط: ج 1/357-358.
3- قواعد الأحكام: ج 1/427.
4- الروضة البهيّة: ج 2/251.
5- إرشاد الأذهان: ج 1/326.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/109 ح 24.
7- النهاية: ص 237.
8- تحرير الأحكام: ج 1/586.
9- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/364.

و «المدارك»(1) و «الذخيرة»(2) الاقتصار في البناء على ما إذا كان الباقي شوطاً واحداً، وحكموا بالاستيناف في غيره، واستندوا في الأوّل إلى صحيحي الحلبي وابن عطيّة، وفي الحكم الثاني إلى الأصل والإطلاق، الذين يخرج عنهما بما تقدّم.

وأمّا القسم الخامس والسادس: وهما الأوّلان، إلّاأنّه يكون عن عذر كحَدَثٍ أو مرضٍ ، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(3) كادت أنْ تكون إجماعاً، أنّ الحكم فيهما كالأولين، بل عن «المنتهى » الإجماع في الحدث(4).

ويدلّ عليه في مطلق العذر خبر الأعرج، وموثّق إسحاق المتقدّمان.

وفي خصوص المُحدِث مرسل ابن أبي عمير المتقدّم.

وفي خصوص الحائض خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، فجاوزت النصف، فعلمت ذلك الموضع، فإذا طَهُرت رجعتْ فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمته، فإنْ هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف، فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله»(5).

ونحوه غيره من النصوص الكثيرة.

وعن «المدارك» وجوب الاستيناف مطلقاً(6)، واستدلّ له:5.

ص: 144


1- مدارك الأحكام: ج 8/149.
2- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/637 ق 3.
3- اُنظر العلّامة في التحرير: ج 1/587، الشيخ في النهاية ص 240، مدارك الأحكام: ج 8/154 قال فيه: (وهذاالحكم مقطوعٌ به في كلام الأصحاب) وإن اختار الاسئناف مطلقاً وجعله أولى .
4- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/698.
5- الكافي: ج 4/448 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/453 ح 18199.
6- مدارك الأحكام: ج 8/155.

بإطلاق صحيح الحلبي المتقدّم، بعد كون نصوص الباب ضعيفة.

وفيه: إنّ ضعفها لو كان ينجبرُ بالشهرة، ويقيّد إطلاق الصحيح بها.

وعن «الفقيه»(1) جواز البناء في القسمين، واستدلّ له بإطلاق ما دلّ على ذلك، الذي يجب تقيّيده بما مرّ.

وأمّا السابع والثامن: وهما الأوّلان إلّاأنّه يكون لدخول وقت الفريضة وإنْ لم يتضيّق:

فعن «الإصباح»(2)، و «النهاية»(3)، و «الجامع»(4)، و «السرائر»(5) و «المهذّب»(6)و «الغُنية»(7)، و «النافع»(8)، و «التحرير»(9)، و «المنتهى » و «التذكرة»(10) وغيرها(11):

أنّه يبني مطلقاً، سواء تجاوز النصف أم لا، وعن الأخيرين دعوى الإجماع عليه(12).

ولكن صاحب «الجواهر»(13) ينكر نسبة ذلك إلى المشهور، ويدّعي أنّ إجماع «التذكرة» و «المنتهى » إنّما هو على عدم لزوم الإستيناف مطلقاً، لا على البناء كذلك،ا.

ص: 145


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/395.
2- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: ص 155.
3- النهاية: ص 239.
4- الجامع للشرائع: ص 198.
5- السرائر: ج 1/573.
6- المهذّب: ج 1/232.
7- غنية النزوع: ص 176.
8- المختصر النافع: ص 93.
9- تحرير الأحكام: ج 1/587.
10- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/698، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/115.
11- كالحلبي في الكافي: ص 195.
12- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/698، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/115.
13- جواهر الكلام: ج 19/337 وما بعدها.

وأنّ إطلاق كلام من أطلق منزّلٌ على ما ذكروه في غير المقام من التفصيل بين تجاوز النصف وعدمه.

أقول: وكيف كان، فيشهد للأوّل:

صحيح ابن سنان - أو حسنه - عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل كان في طواف النساء فاُقيمت الصلاة ؟ قال: يُصلّي معهم الفريضة، فإذا فرغ بنى من حيث قطع»(1).

بل وكذلك صلاة الوتر إذا خيف طلوع الفجر، لصحيح ابن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

«عن الرّجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقى عليه بعضه، فطلع الفجر، فيخرج من الطواف إلى الحِجْر أو إلى بعض المسجد، إذا كان لم يوتر فيوتر، ثمّ يرجع فيتمّ طوافه، أفترى أنّ ذلك أفضل، أم يتمّ الطواف ثمّ يُوتر، وإن أسفر بعض الأسفار؟

قال عليه السلام: ابدأ بالوِتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك، ثمّ أتمّ الطواف بعدُ»(2).

أقول: ولكن يعارضها مفهوم التعليل في خبر الأعرج المتقدّم، والنسبة عموم من وجه، والمختار فيه الرجوع إلى المرجّحات، فإنْ تمّ ما أفاده سيّد «الرياض»(3)من أنّ المشهور هو البناء مطلقاً، فالشهرة توجب تقديم الصحيحين، وإلّا فالمرجّح هو الثاني - أي صفات الراوي - حيث يوجب تقديمهما، وعليه فالأظهر هو البناء0.

ص: 146


1- الكافي: ج 4/415 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/384 ح 18020.
2- الكافي: ج 4/415 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/385 ح 18022.
3- رياض المسائل: ج 6/570.

مطلقاً، وإنْ قال صاحب «الجواهر»: (إنّ تقديم إطلاق البناء على قاعدة النصف بعيدٌ عن مقتضى الفقاهة)(1).

وأمّا القسم التاسع والعاشر: وهما الأوّلان، إلّاأنّه يكون لمشاهدة خَبَثٍ في الثوب والبدن.

والكلامُ فيهما كما في سابقيهما، لأنّ مقتضى إطلاق موثّقي يونس المتقدّمين، في مسألة اشتراط الطهارة هو البناء مطلقاً، ومقتضى مفهوم التعليل التفصيل، والنسبة عمومٌ من وجه.

أقول: وتمام البحث في هذه المسألة يتحقّق بالتعرّض لفروع:7.

ص: 147


1- جواهر الكلام: ج 19/337.

الفرع الأوّل: قد عرفت أنّ الأقسام العشرة المتقدّمة جارية في النافلة أيضاً، إلّا أنّ الظاهر منهم البناء فيها مطلقاً، ولكن في بعض تلك الأقسام تدلّ جملة من النصوص على البناء في الأقلّ من النصف، لاحظ:

صحيح أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ طاف شوطاً أو شوطين، ثمّ خرج مع رجل في حاجة ؟ قال عليه السلام: إنْ كان طواف نافلةٍ بنى عليه، وإنْ كان طواف فريضة لم يبن»(1).

ونحوه مرسل النخعي وجميل(2).

ويثبت في غير ذلك بالإجماع المركّب، هذا مع أنّ مقتضى القاعدة فيها ذلك، لعدم وجوب الموالاة فيها قطعاً، وفي «الجواهر»: (بلا خلافٍ أجده فيه)(3)، ونصوص التفصيل مختصّة بالفريضة.

الفرع الثاني: المصرّح به في جملةٍ من النصوص، وفي جملةٍ من الكلمات(4) أنّ المدار في موارد التفصيل بين البناء والاستيناف على تجاوز النصف، وفي جملةٍ من الكلمات أنّ المدار على أربعة أشواط(5)، وفُسِّر الأوّل بالثاني(6)، وبعض النصوص الوارد في بعض الأقسام متضمّنٌ له، ولكن ليس ذلك بلسان التفسير كي يوجبُ حمل نصوص التجاوز عن النصف عليه، فالمدار على تجاوز النصف، إلّاأن يثبت8.

ص: 148


1- الكافي: ج 4/413 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/380 ح 18009.
2- الإستبصار: ج 2/224 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/381 ح 18012.
3- جواهر الكلام: ج 19/339.
4- قال في الجواهر: ج 19/336: (فقد ظهر لك ممّا ذكرناه أنّ المدار في إتمام الطواف واسئنافه مع القطع لعذرٍ، مجاوزة النصف وعدمه)، انظر النهاية ص 239، الجامع للشرائع ص 198.
5- كما في منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/698.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/418.

الإجماع على الثاني، وليس ببعيد.

الفرع الثالث: في موارد البناء، هل يجوز الاستيناف أم لا؟.

وقد استدلّ للثاني بالأمر بالبناء الظاهر في الوجوب، ولكن لا يستفاد منه الوجوب لوروده مورد توهم المنع.

واستدلّ للأوّل: بخبر حبيب بن مظاهر، قال: «ابتدأتُ في طواف الفريضة فطفتُ شوطاً واحداً، فإذا إنسانٌ قد أصاب أنفي فأدماه فخرجتُ فغسلته، ثمّ جئتُ فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال عليه السلام: بئس ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، ثمّ قال: أما إنّه ليس عليك شيء»(1).

وفيه أوّلاً: أنّه ضعيف السند.

وثانياً: أنّه يدلّ على الإجزاء لا الجواز، بل قوله عليه السلام: (بئس ما صنعت)، يدلّ على عدم الجواز.

والحقّ أنْ يُقال: إنّه في مورد جواز البناء لا محالة يكون ما أتى به واقعاً على وفق أمره، فيلزم من الاستيناف الزيادة في الطواف، إلّاإذا قلنا بجواز تبديل الامتثال - وهو ما لا نقول به - فيلحقه حكم الزيادة المتقدّم، فالأظهر عدم الجواز في الفريضة، وجوازه في النافلة.

الفرع الرابع: هل يجب البناء من موضع القطع كما هو مقتضى حسن ابن سنان، وأحمد بن عمر الحلال في الحائض المتقدّمين، وكذا خبر أبي عِزّة الذي تقدّم ؟

أم من الرّكن كما هو مقتضى صحيح معاوية المتقدّم فيمن اختصر شوطاً، من الأمر بالإعادة من الحَجَر إلى الحَجَر؟6.

ص: 149


1- من لايحضره الفقيه: ج 2/395 ح 2798، وسائل الشيعة: ج 13/379 ح 18006.

أم يحكم بالتخيّير جمعاً بين النصوص ؟

وجوه وأقوال، أظهرهما الأوّل، لأنّ صحيح معاوية واردٌ في مورد فساد الشوط بالاختصار المزبور، فمورده غير ما نحن فيه، والقاعدة تقتضية أيضاً.

الفرع الخامس: هل تجبُ الموالاة في طواف الفريضة، كما هو ظاهر الأصحاب(1)؟ أم لا تجب كما عن «الحدائق»(2)؟ وجهان.

قد استدلّ للثاني بالنصوص المتقدّمة، وهي كما ترى أخصّ من المُدّعى، بل جملة من تلك النصوص صريحة في بطلان الطواف بعدمها في الأقلّ من النصف، فالأظهر هو الأوّل.

وعن «الدروس»(3) جعلها الحادي عشر من واجباته، ولا بأس به.

نعم، هي غير واجبة في طواف النافلة كما مرّ.

الفرع السادس: هل يجوز قطع طواف الفريضة عمداً لا لغرضٍ ، أم لا؟

وجهان مبنيّان على الاعتماد على النبوي المتقدّم: «الطواف في البيت صلاة»(4)، وشموله لذلك وعدمه، وعليه فيجوز قطع النافلة بلا إشكال، كما يجوز قطع الفريضة لحاجةٍ في نفسه وغيرها.

ويشهد به في الثاني نصوص كثيرة، وفي الأوّل مرسل النخعي المتقدّم، ولعلّه كذلك في الصلاة أيضاً.

***0.

ص: 150


1- اُنظر مدارك الأحكام: ج 8/149، ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/637 ق 3.
2- الحدائق الناضرة: ج 16/224.
3- الدروس الشرعيّة: ج 1/395.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 9/410 ح 11203، عوالي اللئالئ: ج 1/214 ح 70.

ولا يجوز تقديمُ طوافِ حَجّ التمتّع وسعيه على الوقوف إلّالخائفة الحيض، ولو حاضت قبله انتظرت الوقوف، فإنْ لم تطهر بطلت متعتها، وصارت حجّتها مفردة، وتقضي العُمرة بعد ذلك. ولو حاضت خلاله فإنْ جاوزت النصف تركت بقيّة الطواف، وفعلت بقيّة المناسك، ثمّ قضت الفائت بعد طهرها، وإلّا فحكمها حكم من لم تطف،

عدم جواز تقديم الطواف والسّعي على الوقوف

المسألة السابعة: (ولا يجوزُ تقديم طواف حَجّ التمتّع وسعيه على الوقوف إلّا لخائفة الحيض) وللمريض وغيرهما من ذوي الأعذار على المشهور(1).

أقول: وقد مرّ الكلام في ذلك في مبحث كيفيّة الحَجّ والعُمرة(2)، وعرفت أنّ الأظهر بحسب النصوص جوازه، ولكن لعدم إفتاء الأصحاب لابدّ من الاحتياط.

(و) أيضاً: عرفتَ في مسألة العدول من التمتّع إلى الإفراد أو القِران أنّه (لو حاضت) المرأة (قبله) أي في أثناء عُمرة التمتّع (انتظرت الوقوف، فإنْ لم تطهر بطلت متعتها، وصارت حجّتها مفردة، وتقضي العُمرة بعد ذلك).

(و) أيضاً قد مرّ في المسألة أنّها (لو حاضت خلاله) أي خلال الطواف، (فإنْ جاوزت النصف تركت بقيّة الطواف، وفعلت بقيّة المناسك، ثمّ قضت الفائت بعد طُهرها، وإلّا فحكمها حكم من لم تطف).

ص: 151


1- كالمحقّق في المختصر النافع: ص 95، والفاضل الآبي في كشف الرموز: ج 1/378، والعلّامة في التبصرة: ص 98، والطباطبائي في الرياض: ج 7/60.
2- فقه الصادق: ج 14/319.

والمستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها كانت كالطاهرة.

(و) إنّما الكلام في المقام في حكم (المستحاضة):

فالمشهور بين الأصحاب أنّها(1)(إذا فعلت ما يجبُ عليها كانت كالطاهرة).

وعن «المعتبر»(2) و «المنتهى »(3) و «التذكرة»(4) وغيرها دعوى الإجماع عليه.

أقول: والكلام في مقامين:

الأوّل: في جواز أن تطوف المستحاضة بالبيت.

الثاني: في شرطيّة ما يجبُ عليها من الأغسال وغيرها.

أمّا المقام الأوّل: فيشهد له:

1 - صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أرادت الإحرام من ذي الحُليفة أن تحتشي بالكُرسف والخرق وتهلّ بالحَجّ ، فلمّا قدِموا وقد نسكوا المناسك، وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تطوف بالبيت، وتُصلّي ولم ينقطع عنها الدّم»(5).

2 - ومرسل يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المستحاضة تطوف بالبيت5.

ص: 152


1- اُنظر المراسم العلويّة: ص 123، الإقتصاد للشيخ الطوسي: ص 311، والمحقّق الحِلّي في الرسائل التسع: ص 361، والعلّامة في الإرشاد: ج 1/327، والجامع للشرائع: ص 222.
2- المعتبر: ج 1/248.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/858.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/420.
5- الكافي: ج 4/449 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/462 ح 18215.

وتُصلّي ولا تدخل الكعبة»(1).

3 - وموثّق عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة، أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت ؟

إلى أنْ قال: قال: فتُصلّي كلّ صلاتين بغُسلٍ واحد، وكلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت»(2).

وأمّا المقام الثاني: ففيه وجوه وأقوال:

1 - أنّه يجوز لها الطواف وإنْ لم تغتسل.

2 - توقّف جوازه على خصوص الغُسل.

3 - توقّفه على الغسل والوضوء دون سائر أفعالها.

4 - توقّفه على الأفعال مطلقاً، قليلةً كانت أو كثيرة، أغسالاً كانت أو غيرها.

أقول: وقد أشبعنا الكلام في ذلك في الجزء الثالث من هذا الشرح(3).

وملخّص القول: إنّه ربما يستدلّ لاعتبار جميع الأفعال فيه:

1 - بالإجماع المتكرّر(4) في كلماتهم، على أنّها إذا عملت بوظيفتها كانت بحكم الطاهرة، فإنّ مفهومه أنّها إذا لم تفعل فهي بحكم الحائض(5)، سيّما مع تذييله في كلاملت

ص: 153


1- الكافي: ج 4/449 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/462 ح 18215.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/400 ح 36، وسائل الشيعة: ج 13/462 ح 18217.
3- راجع فقه الصادق: ج 3/161، تحت عنوان: (إذا عملت المستحاضة بوظيفتها كانت بحكم الطاهرة).
4- انظر العلّامة في منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/858، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/420 قال في الأخير: (المستحاضة تطوف بالبيت وتفعل ما تفعله الطاهرة من الصلاة فيه والسعي وغيره إذا فعلت ما تفعله المستحاضة)، وعبارات العلّامة مشابهة لها في القطع بالحكم من دون ذكر خلاف، ممّا يوحي بالإجماع، وقال الشيخ في الإقتصاد: ص 246: (وحكم المستحاضة حكم الطاهرة... ويصحّ منها الصوم والصلاة ويحل لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة).
5- وقد يسظهر من منطوق كلمات بعضهم ذلك، قال أبو المجد الحلبي في إشارة السبق ص 68: (... ومتى ما فعلت ما يجب عليها من ذلك كان حكمها حكم الطاهرة وإلّا فلا)، غير أنّ الشيخ قال في الإقتصاد: ص 246: (وحكم المستحاضة حكم الطاهرة ولا يحرم عليها شيء ممّا يحرم على الحائض، ويصحّ منها الصوم والصلاة ويحلّ لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة).

جماعةٍ (1) بقولهم: (فيجوز لها الدخول في المساجد، وقراءة العزائم والوطء).

2 - وبالإجماع المُدّعى في محكي «المصابيح»(2)، وحواشي «التحرير»(3)وشرح «النجاة»(4).

3 - وبأنّ الأخبار تفيد أنّها بحكم الحائض كما يفيده لفظ الاستحاضة، فإنّه استفعال من الحيض.

4 - وبأنّ ظاهر كلمات الأصحاب أنّ حدث الإستحاضة بعينه حَدثُ الحيض، والأفعال تصيّرها بحكم الطاهرة.

5 - وبأنّها إذا كانت مسبوقة بالحيض، يكون المنع مقتضى الاستصحاب، فيثبت في غير هذه الصورة بعدم القول بالفصل.

6 - وبقوله عليه السلام في الموثّق: «وكلّ شيء استحلّت به الصلاة، فليأتها زوجها، ولتطف بالبيت»، فإنّ ما يحلّ به الصلاة جميع وظائفها.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مفهوم معقد الإجماع المذكور أنّها إنْ لم تفعل ما وجبَ عليها، فهي ليست بحكم الطاهرة، فلا يجوز لها الإتيان بشيء ممّا يعتبر فيه الطهارة من الاستحاضة، أو يكون حدث الاستحاضة مانعاً عن صحّته، والتذييل المذكور لا يكون دليلاً على إرادتهم من ذلك عدم جواز الاُمور المذكور وغيرها، ممّا يحرم على2.

ص: 154


1- كالمحقّق في المعتبر: ج 1/248.
2- حكاه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/422.
3- حكاه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/422.
4- حكاه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/422.

الحائض إذا لم تفعل ما وجبَ عليها، كما يشهد له ذكر المصنّف رحمه الله(1) والمحقّق(2)الوطء في عِداد تلك الاُمور، مع بنائهما على جوازه بدون الغُسل، مع أنّه لا يعتبر الوضوء في جواز دخول المستحاضة بالإستحاضة القليلة المساجد، بلا خلافٍ ، فالظاهر أنّ مرادهم ما ذكرناه.

وأمّا الثاني: فلأنّه من المحتمل قويّاً كون مأخذ ذلك الإجماع المتقدّم آنفاً بالتقريب المتقدّم.

وأمّا الثالث: فلأنّه بعد ملاحظة أنّ الشارع خَصّ موضوع الأحكام المذكورة للحائض بما إذا لم يتجاوز دمها عن العشرة، ولم يكن أقلّ من ثلاثة، وجَعَل غير هذا الدّم قسيماً له، كما ترى .

وأمّا الرابع: فلأنّ كون ظاهر كلمات الأصحاب ذلك، ليس له مأخذٌ سوى الإجماع مع التذييل المذكور، وقد عرفت ما فيهما.

وأمّا الخامس فيرد عليه: - مضافاً إلى ما تكرّر منّا في هذا الشرح من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام، لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل - أنّها إنْ اغتسلت من الحيض، فلا ريب في ارتفاع المنع بناءً على تداخل الأغسال، وإنْ لم تغتسل يكون المنع باقياً قطعاً.

وأمّا السادس: فلأنّ الظاهر منه ولا أقلّ من المحتمل وروده في مقام بيان عدم الفرق بين أحكام الحائض، وأنّه عند استمرار الدّم لا تحلّ لها الصلاة في أيّام قُرئها، ولا يحلّ لزوجها أن يأتيها، وبعد تلك الأيّام كما تحلّ لها الصلاة يحلّ لزوجها أن يأتيها.ة.

ص: 155


1- في تحرير الأحكام: ج 1/108.
2- في المعتبر: ج 1/248، إذ حمله على الكراهية المغلظة.

وعليه، فالظاهر منه إرادة الحليّة الذاتيّة من حِلّ الصلاة في مقابل أيّام أقرائها، لا إباحة الدخول في الصلاة في مقابل المُحدِث الذي لا تستبيح الصلاة.

ويؤيّده أنّ السؤال إنّما هو عن أصل جواز الوطء والطواف، لا عن شرطهما، مع أنّه لا يبعد دعوى انصرافه بنفسه عن ما عدا الغسل.

وبالجملة: فالصحيح أن يستدلّ له بالنبوي المشهور: «الطوافُ في البيت صلاة»(1) فإنّه يدلّ على اعتبار جميع ما يعتبر في الصلاة في الطواف.

***0.

ص: 156


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 9/410 ح 11203، عوالي اللئالئ: ج 1/214 ح 70.

الباب السابع: في السعي:

وهو واجبٌ في كلّ إحرامٍ مرّة، وتجبُ فيه النيَّة، والبدأة بالصَّفا والختم بالمروة.

السعي

(الباب السابع: في السعي:

وهو واجبٌ في كلّ إحرامٍ مرّة) إجماعاً(1)، والنصوص الكثيرة شاهدة به كما مرّ.

أقول: (و) الكلام في المقام في مواضع:

الأوّل: فيما (يجبُ فيه).

الثاني: في مندوباته.

الثالث: في أحكامه.

أمّا المقام الأوّل: فواجباته أربعة، وعن «الدروس»(2) عشرة، ضامّاً إليها بعض ما تسمعه من الأحكام والمقارنة ونحو تلك.

الواجب الأوّل: (النيّة)، أي القصد إلى الفعل المخصوص، متقرّباً إلى اللّه تعالى، مميّزاً لنوعه عن غيره، وقد تقدّم الكلام في ذلك في مبحث النيّة فلا نعيد(3).

الواجب الثاني (و) الثالث: (البدأة بالصَّفا والخَتم بالمروة) بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في «الجواهر»(4).

ص: 157


1- انظر تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/136، منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/726.
2- الدروس الشرعيّة: ج 1/410.
3- فقه الصادق: ج 15/48.
4- جواهر الكلام: ج 19/422.

وفي «المستند»: (بالإجماع المحقّق والمحكيّ مستفيضاً)(1)، انتهى .

وفي «المنتهى »: (وهو قول العلماء)(2).

وما عن الحلبي من أنّ السُنّة فيه الابتداء بالصَّفا والختم بالمروة(3)، ليس خلافاً مع إرادته الوجوب من السُنّة.

وعليه، فلو عكس بأنّ بدأ بالمروة أعاد، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

أقول: ويشهد لهذا الحكم نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من بدأ بالمروة قبل الصفا، فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة»(4).

ومنها: خبر علي بن أبي حمزة، عنه عليه السلام: «عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا؟ قال عليه السلام: يعيد، ألا تري أنّه لو بدأ بشماله قبل يمينه فى الوضوء، أراد أن يعيد الوضوء»(5).

ونحوهما صحيح ابن سنان(6) وخبر علي الصايغ، وقد تضمّنت الأمر بالبدأة بالصفا، وأنّه لو لم يبدأ به بطل(7)، ولا صراحة لها في لزوم الختم بالمروة.

ولكن يمكن أنْ يُقال: إنّها تدلّ عليه أيضاً، لاستلزام البدأة بالصفا على الطريق المذكور فيها الختم بالمروة.

ومنها: صحيح ابن عمّار الوارد في حَجّه صلى الله عليه و آله المتقدّم: «ثمّ أتى الصفا فصعد عليه،4.

ص: 158


1- مستند الشيعة: ج 12/165.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/704.
3- الكافي للحلبي: ص 196.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/151 ح 20، وسائل الشيعة: ج 13/487 ح 18270.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/151 ح 21، وسائل الشيعة: ج 13/488 ح 18273.
6- الكافي: ج 4/249 ح 7، وسائل الشيعة: ج 11/223 ح 14658.
7- تهذيب الأحكام: ج 5/151 ح 497، وسائل الشيعة: ج 13/488 ح 18274.

إلى أنْ قال: ثمّ انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا حتّى فرغ من سعيه»(1).

ودلالته على البدأة بالصفا ظاهرة، وأمّا دلالته على الختم بالمروة فلقوله: (حتّى فرغ من سعيه).

ومنها: صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ثمّ انحدر ماشياً وعليك السكينة والوقار حتّى تأتي المنارة...

إلى أنْ قال: وكان المسعى أوسع ممّا هو اليوم، ولكن النّاس ضيّقوه، ثمّ امش وعليك السكينة والوقار، فاصعد عليها حتّى يبدو لك البيت، فاصنع عليها كما صنعت على الصفا، ثمّ طف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ثمّ قصِّر»(2).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة، وعليه فلا إشكال في الحكم.

أقول: ثمّ إنّ تمام الكلام في هذه المسألة إنّما هو بالبحث في جهات:

بيان المراد من الصَّفا والمروة

الجهة الاُولى: أنّ الصفا في أصل اللّغة الحَجَر الصَّلب الأملس(3)، والواحدة صفاة، مثل الحَصا والحَصاة، والمرو حجارة بيض براقة يقدح منها النار، والواحدة مروة(4)، ثمّ صارا عَلَمين لجبلين في مكّة مشهورين.

ص: 159


1- تهذيب الأحكام: ج 5/454 ح 234، وسائل الشيعة: ج 11/213 ح 14647.
2- انظر معجم مقاييس اللّغة: ج 3/292، لسان العرب: ج 14/464، تاج العروس: ج 19/602.
3- انظر معجم مقاييس اللّغة: ج 5/314، لسان العرب: ج 15/275، مختار الصحاح ص 319.
4- حكاه عنه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/6.

والصفا: أنفٌ من جَبل أبي قُبيس بإزاء الضلع الذي بين الرّكن العراقي واليماني، وعن «تهذيب» النووي أنّ ارتفاعه الآن إحدى عشرة درجة فوقها ازج كايوان، وعرصة فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدماً(1).

وعن «كشف اللِّثام»: (والظاهر من ارتفاعه الآن سبع درج، وذلك لجعلهم التراب على أربع منها كما حفروا الأرض فى هذه الأيّام فظهرت الدرجات الأربع)(2).

والمروة: أنف من جبل قيقعان كما عن «تهذيب» النووي، وعن البَكري (أنّها في أصل جبل قيقعان)، وعن النووّي هي درجتان، وعن الفاسي أنّ فيها الآن درجة واحدة، وعن أبي جبيران فيها خمس درج(1).

وقد حُكي عن جماعة من المؤرخين حصول التغيّير في المسعى في أيّام المهدي العبّاسي، وأيّام الجراكسة على وجهٍ يقتضي دخول المسعى في المسجد الحرام، وأنّ هذا الموجود الآن مسعى مستجد(2)، ولذا أشكل الأمر على بعضٍ باعتبار أنّ المسعى الآن غير المسعى الذي سعى فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، ولكن عن «الدروس»(3):

(أنّ المسعى كان عريضاً قد أدخلوا بعضه وابقوا بعضاً)، وعليه فلا إشكال على أنّ العمل مستمرٌّ من سائر النّاس في جميع هذه الاعصار.

أضف إلى ذلك أنّ النصوص تدلّ على لزوم السعي بين الصفا والمروة، لا خصوص الموضع الذي سَعى فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، بل صحيح معاوية المتقدّم عن).

ص: 160


1- حكاه عنهم في كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/7-8.
2- كذا حكاه في الجواهر: ج 19/422.
3- الدروس الشرعيّة: ج 1/411 قال: (وقد روي أنّ المسعى اختصر..).

الصادق عليه السلام متضمّنٌ لأنّ المسعى كان أوسع فضيّقه النّاس، ومع ذلك لم ينبّه عليه السلام على لزوم السعي في محلّ خاصٍ سعى فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

الجهة الثانية: أنّ اللّازم هو السعي بين الجبلين، فالسَّعي على العمارة المبنيّة عليهما في زماننا لا يُجزي، لأنّه سعيٌ بين ما فوق الجبلين لا بينهما، وظاهر النصوص اعتبار الثاني.

الجهة الثالثة: ظاهر جملةٍ من النصوص المتقدّم بعضها، المتضمّنة للأمر بالصعود على الصفا وجوب ذلك، إلّاأنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على عدم وجوبه(1)، ويشهد به - مضافاً إلى ذلك:

1 - النصوص(2) المتضمّنة لجواز السعي راكباً، وعلى الإبل، وفي المحمل.

2 - وصحيح البجلي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن النساء يطفن على الإبل والدواب، أيجزيهنّ أن يقفن تحت الصفا والمروة ؟

فقال عليه السلام: نعم، بحيث يرين البيت»(3) بضميمة عدم الفصل بين النساء والرِّجال، والراكب والراجل.

وفي «المنتهى » و «التذكرة»(4): (أنّ في المقام قولاً بوجوب الصعود من باب المقدّمة)، وردّه بأنّه يمكن تحصيل العلم بتحقّق الواجب، بأن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا، وهو حسن.6.

ص: 161


1- انظر جواهر الفقه لابن البرّاج: ص 42، الوسيلة لابن حمزة: ص 175، والتحرير للعلّامة: ج 1/594، كفاية الأحكام: ج 1/338 وغيرها.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/155 ح 512، وسائل الشيعة: ج 13/496 ح 18294.
3- الكافي: ج 4/437 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/498 ح 18299.
4- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/704، تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/366.

الجهة الرابعة: يجبُ السّعي بين الصفا والمروة في المسافة الّتي بينهما، فلا يجوز الإخلال بشيءٍ منها، بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء وأصابع رجليه به في العود، وبالعكس في المروة، كذا في «التذكرة»(1) وغيرها.

وظاهرهم الاتّفاق على ذلك، ولولاه أمكن القول بالاكتفاء بالسعي بينهما، والابتداء بالصفا والختم بالمروة عرفاً الذي هو أوسع من ذلك، سيّما بعد ملاحظة نصوص السعي راكباً الذي لا يقع معه هذه الدقة قطعاً، إلّاأنّه بملاحظته لابدّ من رعاية ذلك، ولا يخفى أنّ ذلك مع عدم صعود الصفا والمروة، وإلّا فلا يجب كما هو واضح.

وهل يكفي إلصاق عَقب إحدى رجليه وأصابعهما، أم يعتبر إلصاق عقبهما معاً؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لصدق الاستيفاء، والبدأة والختم بذلك، وأحوطهما الثاني، لإحتمال شمول معقد الإجماع.

الجهة الخامسة: هل يجبُ أنْ يكون السعي بالخط المستقيم أم لا؟

الظاهر هو الثاني، لصدق السَّعي بينهما بغير ذلك الطريق، وسعيه صلى الله عليه و آله بهذا النحو لا يوجبُ تعيّنه، لأنّه يمكن أنْ يكون من جهة اختيار أحد الأفراد.

نعم، لا يبعدُ دعوى عدم كفاية المشي بغير الطريق المعهود - كما لو دخل المسجد ثمّ خرج من بابٍ آخر، أو سلك سوق اللّيل(2) - لانصراف السعي بين الصفا والمروة عن ذلك، وكذا لو مشى القهقرى وما شاكل.م.

ص: 162


1- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/366.
2- لا وجود لكثيرٍ من هذه المعالم المذكورة في هذه الأيّام، فقد اُزيلت جميعها وهُدِّمت وتبدّلت إلى ساحات كبيرة حول المسجد الحرام.

والسَّعي سبعة أشواط، من الصفا إليه شوطان

كيفيّة السعي

(و) الواجب الرابع: (السعي سبعة أشواط، من الصَّفا إليه شوطان) بعد ذهابه إلى المروة شوطاً، وعودته منها إلى الصفا شوطاً آخر، بلا خلافٍ ، بل الإجماع بقسميه عليه(1)، والمحكيّ منه مستفيض.

أقول: والنصوص الدالّة عليه مستفيضة بل متواترة:

منها: صحيح معاوية المتقدّم: «ثمّ طف بينهما سبعة أشواط»(2).

ومنها: صحيح هشام بن سالم، قال: «سعيتُ بين الصفا والمروة أنا وعُبيد اللّه بن راشد، فقلت له: تحفظ عليَّ ، فجعل يعدّ ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعدّ؟ قال: ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً، فأتممنا أربعة عشر شوطاً، فذكرنا لأبي عبداللّه عليه السلام، فقال عليه السلام: قد زادوا ما عليهم ليس عليهم شيء»(3).

ونحوهما غيرهما.

***

ص: 163


1- انظر الكافي للحلبي: ص 196، المراسم العلويّة: ص 110، المبسوط: ج 1/362، جواهر الفقه لابن البرّاج: ص 43، وادّعى عليه الإجماع كلّ من العلّامة في التذكرة (ط. ج): ج 8/133، والمنتهى (ط. ق): ج 2/705، وحكاه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/8، والحدائق: ج 16/267، والرياض: ج 7/92 وغيرهم.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/148 ح 12، وسائل الشيعة: ج 13/482 ح 18255.
3- الإستبصار: ج 2/239 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/488 ح 18275.

ويستحبّ فيه الطهارة

مستحبّات السّعي

(و) أمّا الموضع الثاني: ففيما (يستحبُّ فيه)، ولكن المصنّف رحمه الله في هذا المقام ذكر ما يستحبّ فيه، وما هو من مقدّماته، وما يكون من توابع الطواف، والأمر سهلٌ فإنّ كلّاً مندوبٌ .

منها: (الطهارة) من الأحداث: وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة، كادت تكون إجماعاً، كما في «الجواهر»(1).

وفي «المنتهى »: (ذهب إليه علمائنا)(2).

أقول: ويشهد به جملة من النصوص:

1 - صحيح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض ؟ قال عليه السلام: لا، إنّ اللّه تعالى يقول «إِنَّ اَلصَّفا وَ اَلْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اَللّهِ (3)»»(4).

2 - وخبر ابن فضّال: «قال أبوالحسن عليه السلام: لاتطوف ولا تسعى إلّابوضوء»(5).

ونحوهماغيرهما، المحمولة على إرادة الاستحباب، لجملةٍ اُخريمن النصوص:

1 - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها

ص: 164


1- جواهر الكلام: ج 19/410.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/703.
3- سورة البقرة: الآية 158.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/394 ح 1373، وسائل الشيعة: ج 13/494 ح 18287.
5- الكافي: ج 4/438 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/495 ح 18291.

واستلام الحَجَر والشُّرب من زمزم، والاغتسال من الدّلو المقابل للحَجَر، والخروج من باب الصّفا والصعود عليه، وإستقبال ركن الحَجَر بالتكبير والتهليل سبعاً، والدّعاء،

على غير وضوء إلّاالطواف، فإنّ فيه صلاة والوضوء أفضل»(1).

2 - وخبر زيد الشحّام، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء؟ فقال عليه السلام: لا بأس»(2).

ونحوهما غيرهما.

عن بعضٍ استحباب الطهارة من الخَبَث فيه أيضاً، وفي «الجواهر»: (لم يحضرني الآن ما يشهد له، سوى مناسبة التعظيم، وكون الحكم ندبيّاً يكتفي في مثله بنحو ذلك)(3). انتهى .

(و) منها: (استلام الحَجَر) وتقبيله مع الإمكان، والإشارة إليه مع العدم.

ومنها: (والشرب من زمزم، والإغتسال من الدلو المقابل للحَجَر) والمراد بالإغتسال الصَّب على الرأس والجسد.

(و) منها: (الخروج) للسعي (من باب الصّفا، والصعود عليه) بحيث يرى الكعبة من بابه، وقيل يكفي فيه الصعود على الدرجة الرابعة التى كانت تحت التراب، وظهرت الآن حيث أزالوا التراب، والوقوف عليه بقدر قراءة سورة البقرة.

(و) منها: (استقبال ركن الحَجَر) وهو الركن العراقي الذي فيه الحَجَر (بالتكبير والتهليل سبعاً)، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله (والدّعاء) بالمأثور.1.

ص: 165


1- الإستبصار: ج 2/241 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/493 ح 18285.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/154 ح 32، وسائل الشيعة: ج 13/494 ح 18288.
3- جواهر الكلام: ج 19/411.

كلّ ذلك بالإجماع، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، كما صرّح بها في «الرياض»(1)، لاحظ:

1 - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام «إذا فرغت من الركعتين، فائتِ الحَجَر الأسود فقبّله واستلمه وأشر إليه، فإنّه لابدّ من ذلك.

وقال: إنْ قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل»(2).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «يستحبّ أن تستقي من ماء زمزم دلواً أو دلوين، فتشربُ منه وتصبّ على رأسك وجَسَدك، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحَجَر»(3).

3 - وصحيح معاوية، عنه عليه السلام، قال: «ثمّ اخرج إلى الصّفا عن الباب الذي خَرَج منه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهو الباب الذي يقابل الحَجَر الأسود، حتّى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار»(4).

4 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «فاصعد على الصفا حتّى تنظر إلى البيت، وتستقبل الرّكن الذي فيه الحَجَر الأسود، فاحمد اللّه واثنِ عليه، ثمّ اذكر من آلآئه وبلائه وحُسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثمّ كَبِّر اللّه سبعاً وهلّله سبعاً، وقل:

لا إله إلّااللّه...

إلى أنْ قال: وقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً»(5).5.

ص: 166


1- رياض المسائل: ج 7/89-90، وجواهر الكلام: ج 19/413 حاكياً عدم الخلاف عن التذكرة والمنتهى .
2- الكافي: ج 4/430 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/472 ح 18238.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/145 ح 478، وسائل الشيعة: ج 13/474 ح 18241.
4- الكافي: ج 4/431 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/475 ح 18244.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/145 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/476 ح 18245.

والمشي طرفيه، والهرولة من المنارة إلى زُقاق العطّارين

ونحوها غيرها من النصوص الظاهرة في الاستحباب، أو المحمولة عليه، بقرينة غيرها والإجماع.

أقول: ثمّ إنّ النصوص المتضمّنة للأدعية المأثورة مختلفة، وقد رُوي أنّه ليس فيه شيءٌ موقّت:

قال صاحب «المستند»(1): (قال والدي: إنّ هذا الباب - أي باب الصفا - هو الباب الذي يشتهر اليوم بباب الصفا الذي يستقبل الحَجَر الأسود).

وقيل(2): (هذا الباب داخلٌ الآن في المسجد، إلّاأنّه معلّمٌ باسطوانتين، فليخرج من بينهما).

وفي «الدروس»(3): (الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما)، انتهى (4).

(و) منها: (المشي طرفيه) أي أوّل السعي وآخره، أو طرفي المسعى، أو طرفي المشي من البطؤ والإسراع المعبّر عنه بالاقتصاد.

(و) منها: (الهرولة) أي الرَّمل (من المنارة إلى زقاق العَطّارين) بلا خلافٍ معتدّ به أجده في أصل الحكم، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في «الجواهر»(5).4.

ص: 167


1- مستند الشيعة: ج 12/162.
2- السيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 8/205.
3- الدروس الشرعيّة: ج 1/409.
4- سبقت الإشارة إلى أنّ جميع هذه المعالم قد اُزيلت من أطراف الصفا والمروة والمسجد الحرام، ولم يبق منها شيء سوى الاسطوانتين المذكورتين.
5- جواهر الكلام: ج 19/424.

أقول: ويشهد لأصل الحكم جملةٌ من النصوص:

1 - صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ثمّ انحدر ماشياً وعليك السكينه والوقار حتّى تأتي المنارة، وهي طرف المسعى، فاسع ملء فروجك...

إلى أنْ قال: حتّى تبلغ المنارة الأُخرى »(1).

وحسنه الآخر المتقدّم.

2 - وموثّق سماعة: «سألته عن السعي بين الصفا والمروة ؟

قال عليه السلام: إذا انتهيت إلى الدار التي عن يمينك عند أوّل الوادي، فاسع حتّى تنتهي إلى أوّل زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة، فإذا انتهيتَ إليه فكفّ عن السعي وامش مشياً، وإذا جئتَ من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفتُ لك، فإذا انتهيتَ إلى الباب الذي قبل الصفا، بعدما تجاوز الوادي، فاكفُف عن السعي وامش مشياً، وإنّما السعي على الرجال وليس على النساء سعي»(2). ونحوها غيرها.

وأمّا عدم وجوبه: فيشهد به صحيح سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل ترك شيئاً من الرّمل في سعيه بين الصفا والمروة. قال عليه السلام: لا شيء عليه»(3).

أقول: والمذكور في النصوص وكلمات الرواة والفقهاء عناوين: السعي، السعي ملء الفروج، الرَمَل، الهرولة.

أمّا الأوّل: ففي «المجمع»(4): (الأصل فيه المشي السريع).3.

ص: 168


1- تهذيب الأحكام: ج 5/148 ح 487، وسائل الشيعة: ج 13/481 ح 18255.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/148 ح 488، وسائل الشيعة: ج 13/482 ح 18258.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/150 ح 494، وسائل الشيعة: ج 13/486 ح 18268.
4- مجمع البحرين: ج 2/375، مفردات غريب القرآن ص 233.

وأمّا الثاني: فهو العَدْو والإسراع، يقال: (الفرسُ مِلء فروجه ومِلء فرجه إذا عدا وأسرع»(1).

وأمّا الثالث والرابع: ففي «المجمع»(2): (الرَّمَل - بالتحريك - هو الهرولة وهو إسراع المشي مع تقارب الخُطا).

وعن «الدروس»(3) و «تحرير» النووي وتهذيبه:(4) (أنّه إسراع المشي، مع تقارب الخُطا دون الوثوب والعَدْو).

وعليه فلا تعارض بين النصوص والكلمات وفتاوى الفقهاء.

أقول: ويختصّ استحباب ذلك بالرِّجال، ولا يستحبُّ للنساء بلا خلافٍ (5)، ويشهد به جملة من النصوص تقدّم بعضها، ومنها:

صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس على النساء سعيٌ بين الصفا والمروة، يعني الهرولة»(6). ونحوه غيره.

وأمّا الراكب فيسرع دابّته بين حَدّي الهرولة إجماعاً، كما عن «التذكرة»(7)، ويشهد به صحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ليس على الراكب سعيٌ ، ولكن ليسرع شيئاً»(8).0.

ص: 169


1- اُنظر جواهر الكلام: 19/425 قال: (فالسعي ملأ الفروج أزيد من الهرولة التي هي عرفاً بين العدو والمشي).
2- مجمع البحرين: ج 2/225.
3- الدروس الشرعيّة: ج 1/399.
4- حكاه عنهما في كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/467.
5- قال في مستند الشيعة: ج 12/171-172: (أمّا رجحانه فبالإجماع المحقَّق والمحكيّ مستفيضاً... فلايستحبّ للنساء بلا خلاف ظاهر». اُنظر تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/136.
6- الكافي: ج 4/405 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/502 ح 18310.
7- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/134-135.
8- تهذيب الأحكام: ج 5/155 ح 515، وسائل الشيعة: ج 13/498 ح 18300.

محلّ الهرولة: ما في المتن موافقاً للشرائع(1) و «القواعد»(2) و «النافع»(3) وجملة من كتب القدماء(4)، لصحيح ابن عمّار المتقدّم، وربما علّل بأنّه شُعبة من وادي مُحسّر الذي يستحبّ فيه الهرولة.

ولكن عن «الفقيه»(5) و «الهداية»(6) و «المقنع»(7) و «جمل العلم والعمل»(8)و «الغُنية»: (إلى أنْ يجاوز زقاق العَطّارين).

وعن «الغُنية»: (حتّى يبلغ المنارة الاُخرى ، ويتجاوز سوق العَطّارين)(9).

أقول: ولا دليل على شيء منهما، فالمتّجه هو استحباب الهرولة في المسافة بين المنارتين.

وأيضاً: يستحبّ المشي في طرفي المسعى على سكينةٍ ووقار، كما صرّح به غير واحدٍ(10)، للأمر بالمشي كذلك في غير ذلك المكان المخصوص.

فرع: ولو نسى الهرولة، رجع القهقري إلى الخلف من غير التفاتٍ بالوجه، كما عن غير واحدٍ(11).2.

ص: 170


1- شرائع الإسلام: ج 1/204.
2- قواعد الأحكام: ج 1/430.
3- المختصر النافع: ص 96.
4- كالجامع للشرائع: ص 202، المراسم العلويّة: ص 110 وغيرها.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/536.
6- الهداية: ص 232.
7- المقنع: ص 259.
8- رسائل الشريف الرضي: ج 3/68.
9- غنية النزوع: ص 178.
10- كالمراسم العلويّة لسلّار: ص 110، وابن سعيد في الجامع للشرائع: ص 202، والصدوق في الفقيه: ج 2/536، والمقنع: ص 259 و 260.
11- كما في الفقيه: ج 2/537، والمبسوط: ج 1/363، والوسيلة: ص 175، والجامع للشرائع ص 202.

والدّعاء، والسَّعي ماشياً.

وعن «المسالك» نسبته إلى الأصحاب(1).

واستدلّ له: بمرسلين أرسلهما الصدوق والشيخ عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام: «من سهى عن السعي حتّى يصير من المسعى على بعضه أو كلّه، ثمّ ذكر، فلا يصرف وجهه منصرفاً، ولكن يرجع القهقري إلى المكان الذي يجب فيه السعي»(2).

وحيثُ أنّ الصدوق ينسب ذلك إليهما على سبيل الجزم، فهو حجّة، كما سبق بيان ذلك.

أقول: إلّاأنّ المتّجه الإقتصار عليها تبعاً للنص والفتوى، فما عن القاضي(3) من إطلاق العود، وعن «المسالك»(4) احتمال إرادة الأصحاب الندب كالأصل، ثمّ قال:

(وعلى كلّ حال لو عاد بوجهه أجزأ) ضعيفٌ .

كما أنّ الأوجه الاقتصار على ما إذا ذكرها في الشوط الذي نسيها فيه، لأنّه المتبادر إلى الذهن من النص، فلا يرجع بعد الانتقال إلى شوطٍ آخر.

(و) منها: (الدّعاء) في موضع الهرولة، بما تضمّنه صحيح معاوية المتقدّم وغيره.

(و) منها: (السَّعي ماشياً)، لصحيح ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يسعى بين الصّفا والمروة راكباً؟ قال عليه السلام: لا بأس، والمشي أفضل»(5) ونحوه غيره.

***4.

ص: 171


1- مسالك الأفهام: ج 2/358.
2- تهذيب الاحكام، ج 5، ص 453، ح 227؛ وسائل الشيعة: ج 13/487 ح 18269.
3- في المهذّب: ج 1/242.
4- مسالك الأفهام: ج 2/358.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/155 ح 37، وسائل الشيعة: ج 13/496 ح 18294.

وهو ركنٌ يبطل الحَجّ بتركه عمداً

السعي ركنٌ للحَجّ

(و) أمّا الموضع الثالث: فالقول فيه في طيّ مسائل:

المسألة الأُولى : (هو) أي السعي (ركنٌ يبطل الحَجّ بتركه عمداً) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملةٍ من العبائر المسفيضة، كما في «الرياض»(1).

وفي «الجواهر»: (بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما صريحاً وظاهراً مستفيض)، انتهى (2).

وفي «المنتهى »: (ذهب إليه علمائنا أجمع)(3).

وفي «التذكرة»: (عند علمائنا أجمع)(4).

أقول: ويشهد به:

1 - صحيح معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فيمن ترك السعي متعمّداً؟ قال:

عليه الحَجّ من قابل»(5).

2 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام في حديثٍ : أنّه في رجلٍ ترك السعي متعمّداً؟ قال عليه السلام: لا حَجّ له»(6).

ص: 172


1- رياض المسائل: ج 7/98.
2- جواهر الكلام: ج 19/429.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/706.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/366.
5- الكافي: ج 4/436 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/484 ح 18262.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/150 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/484 ح 18264.

ويعضد ذلك أنّه ممّا تقضية القاعدة، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، بعد ثبوت كونه من الواجبات بالنصوص المستفيضة المصرّحة بذلك.

وأمّا الآية الكريمة: «إِنَّ اَلصَّفا وَ اَلْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اَللّهِ فَمَنْ حَجَّ اَلْبَيْتَ أَوِ اِعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما»(1) فلا يصحّ الاستدلال بها على عدم الوجوب، بدعوى استفادته من نفي الجناح، لما رواه الصير في عن بعض أصحابنا، قال:

«سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن السَّعي بين الصفا والمروة، فريضة أم سُنّة ؟

فقال عليه السلام: فريضة. قلنا: أوليس قد قال اللّه عَزّ وجلّ : «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» ؟ قال عليه السلام: كان ذلك في عُمرة القضاء، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة، فتشاغل رجلٌ ترك السعي حتّى انتقضت الأيّام واُعيدت الأصنام، فجاؤوا إليه، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ فلاناً لم يسع بين الصفا والمروة وقد اُعيدت الأصنام، فأنزل اللّه عزّوجلّ : «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» أي و عليهما الأصنام»(2).

وفي «كنز العرفان»: (إنّ المسلمين كانوا في بدأ الإسلام يرون أنّ فيه جُناحاً، بسبب ما حكي أنّ أسافاً ونائلة زنيا في الكعبة، فمُسِخا حَجَرين ووضعا على الصفا والمروة للاعتبار، فلمّا طال الزمان توهّم أنّ الطواف كان تعظيماً للصَّنمين، فلمّا جاء الإسلام وكُسرت الأصنام، تحرّج المسلمون من السعي بينهما، فرفع اللّه ذلك الحرج)(3)، انتهى .1.

ص: 173


1- سورة ا لبقرة: الآية 158.
2- الكافي: ج 4/435 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/468 ح 18227.
3- كنز العرفان: ج 1/311.

لا سهواً ويعود لأجله، فإنْ تعذّر إستناب،

أقول: والكلام في وقت الترك والفوات كما تقدّم في الطواف.

و (لا) يبطل الحَجّ بتركه (سهواً)، (و) لكن (يعود لأجله، فإنْ تعذّر استناب) وكذا إنْ شقّ عليه، بلا خلافٍ (1) في شيء من ذلك.

أمّا عدم البطلان: فالنصوص متّفقة عليه، وكذا لزوم القضاء، وأيضاً لا كلام في أنّه في صورة التعذّر والتعسّر يستنيب، إنّما الكلام في أنّه مع عدم التعذّر هل تجبُ المباشرة، أم يجوز الاستنابة ؟

أقول: والنصوص في المقام طائفتان:

الطائفة الأُولى : ما يدلّ على وجوب المباشرة وإنْ رجع إلى أهله:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: رجلٌ نسي السعي بين الصفا والمروة ؟ قال عليه السلام: يعيد السعي.

قلت: فإنّه خرج ؟ قال عليه السلام: يرجع فيعيد السعي، إنّ هذا ليس كرمي الجمار، إنّ الرّمي سنة، والسعي بين الصفا والمروة فريضة»(2). ونحوه غيره.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على جواز الاستنابة:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجلٍ نسي أن يطوف بين الصفا والمروة ؟ قال عليه السلام: يطاف عنه»(3).7.

ص: 174


1- كما ادّعاه في السيّد الرياض: ج 7/99، بل ادّعى عليه الإجماع في الغنية ص 177.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/150 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/485 ح 18265.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/413 ح 2848، وسائل الشيعة: ج 13/486 ح 18267.

ونحوه خبر زيد الشحّام(1).

أقول: وقد قيل في الجمع بين الطائفتين وجهان:

أحدهما: ما هو المشهور، وهو حمل الأولى على صورة عدم التعذّر والتعسّر، والثانية على صورة التعذّر أو المشقّة، واستشهد له في «الجواهر»: (بالفتاوى، والإجماع المحكيّ ، وقاعدة المباشرة في بعض الأفراد، ونفي الحرج، وقبوله للنيابة في آخر بما عرفت)(2)، انتهى .

وهذا كما ترى جمعٌ تبرّعي لا شاهد له في بادي النظر، وما أفاده رحمه الله لا يصلح شاهداً للجمع بين النصوص.

ثانيهما: الجمعُ بينهما بالبناء على التخيّير، وهذا جمعٌ عرفي.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ الطائفة الثانية مختصّة بصورة التعذّر أو التعسّر، فإنّ المفروض فيها التذكّر بعد الرجوع إلى أهله، وهذا يلازم غالباً التعذّر أو المشقّة، فيقيّد بها إطلاق الطائفة الأولى .

وعليه، فالنتيجة ما أفاده المشهور.

وأمّا عموم العلّة في صحيح معاوية المتقدّم، في نسيان الطواف، المتضمّن أنّه لا يجوز الاستنابة فيه ما دام حيّاً لكونه فريضة، الموجب لعدم جوازها في المقام أيضاً، لأنّ السعي أيضاً فريضة كما نصّ عليه صحيح معاوية المتقدّم آنفاً، فيقيّد إطلاقه بنصوص الاستنابة في صورة التعذّر أو المشقّة، واللّه العالم.0.

ص: 175


1- تهذيب الأحكام: ج 5/150 ح 493، وسائل الشيعة: ج 13/486 ح 18266.
2- جواهر الكلام: ج 19/430.

فرع: هل الجاهل ملحقٌ بالعامد كما في محكي «المسالك»(1) و «الجواهر»(2)وغيرهما، أم ملحقٌ بالناسي ؟

وجهان؛ أقواهما الأوّل، كما هو مقتضى القاعدة المشار إليها، بل لا يبعدُ دعوى شمول نصوص الترك متعمّداً له، سيّما بملاحظة أنّ العالم لا يتركُ متعمّداً.

***0.

ص: 176


1- مسالك الأفهام: ج 2/359.
2- جواهر الكلام: ج 19/430.

ولو زاد على السَّبع عَمداً بطل

حكم الزّيادة على السّبع متعمّداً

(و) المسألة الثانية: (لو زاد على السَّبع عمداً بطل) بلا خلافٍ فيه(1)، ويشهد به خبر عبد اللّه بن محمّد، عن أبي الحسن عليه السلام:

«الطواف المفروض إذا زِدْتَ عليه مثل الصلاة المفروضة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة، وكذا السعي»(2).

أقول: ومناقشة سيّد «المدارك» فيه سنداً(3)، بعد كون الراوي عن من توهم كونه ضعيفاً من نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، واستناد الأصحاب إليه.

في غير محلّها، مع أنّ الضعف إنّما هو من جهة الاشتراك بين الثقة وغيره، وقيل إنّه الثقة، ولذا وصفه العلماء بالصحّة.

ومقتضى إطلاقه مبطليّة الزيادة، سواءٌ قصد الإتيان بالزائد من الأوّل أو في الأثناء، أو تجدّد له تعمّد الزيادة بعد الإتمام.

ودعوى عدم شموله للأخير، مرَّ اندفاعها.

نعم، يعتبر في صدق الزيادة الإتيان بالزائد بقصد أنّه من السعي، وإلّا فلا تصدق كما مرَّ في الطواف.

ص: 177


1- على المشهور كما في المسند: ج 12/177، بل لا خلاف ظاهر فيه كما صرّح به في الرياض: ج 7/100، بل هو مقطوعٌ به في كلام الأصحاب كما في مدارك الأحكام: ج 8/213، والذخيرة (ط. ق): ج 1/646 ق 3.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/151 ح 498، وسائل الشيعة: ج 13/490 ح 18277.
3- مدارك الأحكام: ج 8/213.

ويشهد لأصل الحكم أيضاً صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ طاف الرّجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط، فليسع على واحدٍ وليطرح ثمانية، وإنْ طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي»(1).

أقول: وقد وقع «الخلاف» في هذا الخبر:

فعن «التهذيب»(2) وغيره(3): أنّه في العامد، ويدلّ على مبطليّة الزيادة، فالشوط الثامن يُبطل الاسبوع الأوّل، وحيثُ أنّ مبدأه المروة يكون باطلاً بنفسه أيضاً، ولذا أمر بطرح الثمانية. وأمّا الشوط التاسع فمبدأه المروة فيصحّ ، ويكون ابتداء السعي والاسبوع الثاني.

وأورد عليه: بأنّ العامد إنْ أتى بهما بقصد الزيادة، فكيف يجعل الشوط التاسع صحيحاً ومبدأ للاسبوع الثاني، مع أنّه تشريع وباطلٌ قطعاً! وإنْ أتى بهما بعنوان السعي الثاني مشروعاً كان أم لا لم يصدق الزيادة ولم يوجب البطلان.

ولذلك أو لغيره حمله جماعة - منهم الصدوق قدس سره - على صورة النسيان، وأورد عليه بأنّه منافٍ للنص والفتوى(4) على عدم مبطليّة الزيادة السهويّة.

وفي «الجواهر»: (فالصحيح المزبور غير ظاهر الوجه، فالمتّجه الإعراض عنه والتعويل على غيره)(5)، انتهى .7.

ص: 178


1- تهذيب الأحكام: ج 5/153 ح 503، وسائل الشيعة: ج 13/489 ح 18276.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/153 حيث عنون هذه الطائفة من الروايات ب: فإنْ طاف ثمانية أشواط عامداً فعليه إعادة السعي.
3- كالمحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 12/177.
4- انظر مسند الشيعة: ج 12/177-178.
5- جواهر الكلام: ج 19/437.

أقول: ولكن الظاهر من الحديث هو العموم للصورتين، غاية الأمر يُخصّص بالعامد، لما سيأتي من النصوص في الناسي.

ويمكن أنْ يُجاب عن الإشكال المزبور: بأنّ الشوطين الزائدين إذا أتى بهما بما أنّهما من السعي الأوّل يصدق الزيادة، ويوجب بطلان الاسبوع الأوّل، والشوط الأوّل منهما أيضاً باطل للابتداء من المروة، وأمّا الثاني منهما فلا وجه لبطلانه، إذ المفروض أنّ السعي واجب عليه لفرض بطلان الأوّل، وما أتى به واجدٌ لجميع القيود والشرائط.

ولا وجه لبطلانه سوى توهم أنّ الإتيان به من الأوّل تشريعٌ محرّم، أو أنّه بهذا العنوان غير مأمورٍ به قطعاً، فلو وقع جزءٌ من السعي الثاني لزم وقوع ما لم يقصد.

ويندفع الأوّل: بأنّ قصد كونه من الأوّل لم يظهر من دليل كونه من الموانع، فالمأتيّ به ينطبق عليه المأمور به.

ويندفع الثاني: بأنّ قصد كونه من الأوّل أو الثاني ليس من الاُمور الدخيلة في المأمور به، فلا يلزم وقوع ما لم يقصد.

فالمتحصّل: أنّ البطلان مع الزيادة العمديّة خالٍ عن الإشكال، فإشكال سيّد «المدارك»(1) فيه مستنداً إلى أنّه لا مدرك له سوى خبر عبد اللّه بن محمّد وهو ضعيفٌ ، في غير محلّه، لما عرفت من دلالة صحيح معاوية أيضاً عليه، وأنّ خبر عبداللّه بن محمّد صحيحٌ أو بحكمه.

***3.

ص: 179


1- مدارك الأحكام: ج 8/213.

لا سهواً

حكم الزيادة في السعي سهواً

و (لا) يبطل السعي بالزيادة فيه (سهواً) بلا خلافٍ (1)، والنصوص الآتي طرفٌ منها شاهدة به، إنّما الكلام في أنّه:

هل يتخيّر بين إهدار الشوط الزائد فما زاد والبناء على السبعة، وبين إكمال اسبوعين كما في الطواف، وهو المشهور بين الأصحاب(2)؟

أم يتعيّن الثاني كما عن ظاهر «الغُنية»(3)؟

أم يتعيّن الأوّل كما عن صاحب «الحدائق»(4)؟ وجعله سيّد «الرياض» أحوط(5)؟

أقول: يشهد للمشهور أنّه مقتضى الجمع بين طائفتين من النصوص:

الطائفة الاُولى: تدلّ على الأوّل:

منها: صحيح ابن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن رجلٍ سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط، ما عليه ؟

ص: 180


1- كما عن الجواهر: ج 19/432 قال: (بلا خلافٍ بل الإجماع بقسميه عليه)، وحكاه النراقي في المستند: ج 12/178 قال: (وعليه الإجماع في كلام بعضهم).
2- كما في مستند الشيعة: ج 12/179، وقوّاه، والرياض: ج 7/100 حيث نسب التخيّير إلى أكثر الأصحاب، راجع مدارك الأحكام: ج 8/213-214 وكشف اللّثام (ط. ق): ج 1/348، والحدائق الناضرة: ج 16/280.
3- غنية النزوع: ص 177.
4- الحدائق الناضرة: ج 16/282.
5- رياض المسائل: ج 7/101.

فقال: إنْ كان خطأ اطرح واحداً واعتدّ بسبعة»(1).

ومنها: صحيح معاوية: «من طاف بين الصّفا والمروة خمسة عشر شوطاً، طرح ثمانية واعتدّ بسبعة»(2).

ونحوهما غيرهما، وهي مستندة صاحب «الحدائق» رحمه الله(3).

الطائفة الثانية: تدلّ على الإكمال، وهي صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «قلت له: رجلٌ طاف بالبيت فاستيقن أنّه طاف ثمانية أشواط؟ قال عليه السلام: يضيف إليها ستّة، وكذلك إذا استيقن أنّه طاف بين الصفا والمروة ثمانية، فليضف إليها ستّة»(4).

أقول: وأورد صاحب «الحدائق» رحمه الله(5) على الطائفة الثانية بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ السعي ليس كالطواف والصلاة يقع واجباً تارةً ومستحبّاً اُخرى، ولم نقف في غير هذا الخبر على ما يدلّ على استحباب السعي.

الوجه الثاني: أنّه يلزم من الطواف ثمانية كون الابتداء في الاسبوع الثاني بالمروة، فكيف يجوزُ أن يعتدّ به ويبني عليه سعياً مستأنفاً، مع اتّفاق الأصحاب على أنّه لا يعتدّ بالسعي الذي بدأ فيه من المروة.

ثمّ بعد ذلك أظهر تعجبه من سيّد «المدارك» أنّه كيف لم يتنبّه لذلك، وجَمَد على موافقة الأصحاب في هذا الباب ؟!2.

ص: 181


1- الكافي: ج 4/436 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/491 ح 18280.
2- الكافي: ج 4/437 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/491 ح 18281.
3- الحدائق الناضرة: ج 16/281-282.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/472 ح 307، وسائل الشيعة: ج 13/366 ح 17968.
5- الحدائق الناضرة: ج 16/281-282.

أقول: والعجبُ منه قدس سره كيف يطرح الخبر الصحيح المعمول به بين الأصحاب، بمثل هذه الوجوه التي هي اجتهادات في مقابل النص، إذ أي مانعٍ من كون السعي في خصوص المقام مستحبّاً، وفي أنّه يجوز أن يبدأ بالمروة في الاسبوع الثاني، ويخصّص العمومات بالصحيح، فالأظهر هو ما عن المشهور.

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق ما دلّ على مبطليّة الزيادة في السعي المتقدّم.

ومورد هذه النصوص الآمرة بالطرح والإكمال، ما إذا أكمل الشوط الثامن، وعليه فالإكمال المتوقّف على ثبوت استحبابه، يتوقّف عليه، فإذا كان في أثناء الشوط الثامن، فإنّه لا دليل على جواز إكماله، والأصل عدمه، كما صرّح به ابن زُهرة(1) والشهيد الثاني(2) وسيّد «الرياض»(3) وغيرهم، ونصوص الإطراح أيضاً مختصّة به، إلّاأنّه إذا لم يبطل بزيادة شوطٍ سهواً، فلئلّا يبطل بزيادة بعض شوطٍ أولى .

وبالجملة: فيتعيّن في الفرض طرح الزائد، والإعتداد بسبعة.

***2.

ص: 182


1- غنية النزوع: ص 177.
2- في مسالك الأفهام: ج 2/359.
3- رياض المسائل: ج 7/102.

ويعيده لو لم يَحصل عدد أشواطه

الشكّ في عدد الأسواط

المسألة الثالثة: (ويعيده) أي السّعي (لو لم يحصل عدد أشواطه) بمعنى أنّه لو شكّ فيه فيما دون السبعة عليه الإعادة، كما صرّح به غير واحد(1).

أقول: ونخبة القول في هذه المسألة، أنّه:

تارةً : يشكّ في الزائد على عدد الأشواط، كما لو علم السبعة وشكّ في الزائد، فلا إشكال ولا كلام في أنّه يصحّ سعيه، ولا شيء عليه؛ لتحقّق الواجب، وعدم منافاة الزيادة السهويّة كما مرّ.

نعم، إذا كان على وجه ينافي البدأة بالصَّفا - كما لو كان على الصفا وشكّ بين السبعة والتسعة - فإنّه حينئذٍ يعلم أنّه بدأ بالمروة، فيبطل سعيه لذلك.

واُخرى : يشكّ فيما دون السبعة - كما لو شكّ بين الستّة والسبعة - فمقتضى القاعدة أنّه إنْ لم يتجاوز محلّه بالدخول في الغير المترتّب الشرعي، وجب عليه الإتيان بالزائد، ويصحّ سعيه.

ودعوى: أنّه يبطل سعيه لتردّده بين محذوري الزيادة والنقيصة اللّتين كلّ منهما مبطلة كما في «الجواهر»(2).

ص: 183


1- كالعلّامة في الإرشاد: ج 1/328، والقواعد: ج 1/431، الدروس الشرعيّة: ج 1/413، وحكاه في الجواهر: ج 19/438 عن المختصر النافع ومحكي الإقتصاد والوسيلة والجامع للشرائع والمهذّب وغيرها.
2- جواهر الكلام: ج 19/239.

مندفعة: بأنّ احتمال الزيادة يُنفى بالأصل، فيأتي بما يحتمل النقص ولا شيء عليه، مع أنّ الإتيان بالشوط لا بداعي الزيادة في السعي، بل باحتمال كونه من عدد الاسبوع وباحتمال الأمر، لا يشمله دليل مبطليّة الزيادة كما تقدّم، وإنْ مضى محلّه لا يعتني به.

أقول: لكن في المقام روايتين تقتضيان خلاف ما ذكرناه:

إحداهما: صحيحة ابن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

«رجل متمتّع سعى بين الصفا والمروة ستّة أشواط، ثمّ رجع إلى منزله وهو يرى أنّه قد فرغ منه، وقلّم أظافيره، وأحلّ ، ثمّ ذكر أنّه سعى ستّة أشواط؟

فقال لي: يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط، فإنْ كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط، فليعد وليتم شوطاً وليرق دماً. فقلت: دمُ ماذا؟ قال عليه السلام: بقرة.

قال: وإنْ لم يكن حفظ أنّه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدأ السّعي حتّى يكمل سبعة أشواط ثمّ ليرق دم بقرة»(1).

ومثله صحيح ابن عمّار المتقدّم في بعض المسائل المتقدّمة، والوارد فيه قوله عليه السلام: (وإنْ كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سعياً).

وهما يدلّان على أنّ الشكّ في النقيصة موجبٌ لبطلان السعي، ولو كان بعد الفراغ من العمل، كما هو فتوى الأصحاب، وبهما يرفع اليد عن ما تقتضية القواعد.

***3.

ص: 184


1- تهذيب الأحكام: ج 5/153 ح 504، وسائل الشيعة: ج 13/492 ح 18283.

ولو قطع سعيه لقضاء حاجةٍ أو لصلاة فريضةٍ تمَّمه،

حكم قطع السعي في وقت الفريضة

المسألة الرابعة: (ولو قطع سعيه لقضاء حاجة) مؤمنٍ استحباباً (أو لصلاة فريضةٍ ) حاضرة وجوباً إذا ضاق وقتها، واستحباباً إذا لم يضق (تمّمه) بعد ذلك مطلقاً، ولو كان ما سعى شوطاً واحداً، على الأشهر كما في «الرياض»(1)، وفاقاً للمشهور كما في «الجواهر»(2)، وفي «المنتهى »: (لا نعلم فيه خلافاً)(3)، ولكن ذكر ذلك في المورد الثاني، وكذا في «التذكرة»(4).

أقول: ويشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة، أيخفّف أو يقطع ويُصلّي ثمّ يعود، أو يثبت كما هو على حاله حتّى يفرغ ؟

قال عليه السلام: لا بل يُصلّي ثمّ يعود، أو ليس عليهما مسجد»(5). أي موضع صلاة.

وهذا الصحيح صريح في دلالته على جواز القطع بل وأفضليّته، ولا يدلّ على

ص: 185


1- رياض المسائل: ج 7/106.
2- جواهر الكلام: ج 19/443.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/707.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/367.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/156 ح 44، وسائل الشيعة: ج 13/499 ح 18301.

البناء على ما أتى به، بل وغير متعرّض لذلك.

ومنها: موثّق علي بن فضال، قال: «سأل محمّد بن علي أبا الحسن عليه السلام، فقال له:

سعيتُ شوطاً واحداً ثمّ طلع الفجر؟ فقال: صلِّ ثمّ عُد فأتمّ سعيك»(1).

ومثله موثّق محمّد بن الفضيل(2)، ودلالتهما على المطلوب واضحة.

ومنها: صحيح صفوان، عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة، فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثمّ يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام ؟ قال عليه السلام: إنْ أجابه فلا بأس»(3).

وهذا الخبر أيضاً أجنبيٌ عن المدّعى، بل يدلّ على جواز القطع خاصّة، وعلى ذلك فلا دليل على المطلوب في القطع لقضاء حاجة، ولذلك حكي عن المفيد(4)وسلّار(5) أنّهما جعلاه في القطع لحاجة ونحوها - كالطواف في افتراق مجاوزة النصف عن عدمها - واستدلاله بخبرين آتيين لا بقياس السعي على الطواف، كي يرد عليهما ما عن المصنّف(6) بأنّه قياسٌ مع الفارق، لأنّ حرمة الطواف أكثر من حرمة السعي، فالقطع لقضاء الحاجة، حكمه حكم القطع لغيره في ذلك، فالأولى البحث في العنوان العام.6.

ص: 186


1- تهذيب الأحكام: ج 5/156 ح 43، وسائل الشيعة: ج 13/499 ح 18302.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/127 ح 89، وسائل الشيعة: ج 13/500 ح 18303.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/157 ح 45، وسائل الشيعة: ج 13/500 ح 18304.
4- المقنعة: ص 440-441.
5- المراسم العلويّة: ص 123-124.
6- في المختلف: ج 4/216.

أقول: إنّ جواز البناء على ما أتى به ولو كان شوطاً واحداً ممّا يقتضيه القاعدة، فإنّه لا يعتبر الموالاة بين أشواط السعي، كما صرّح به في «المنتهى » و «التذكرة»(1)، وظاهرهما كون الحكم متّفقاً عليه للأصل بعد عدم الدليل على اعتبارها، وعليه فيجوز القطع لغير داعٍ حيث لا يخاف الفوت، فلو أتى بشوط وقطعه ثمّ عاد، له البناء على ما أتى به، ويؤيّده ما ورد في الاستراحة ولقضاء حاجة وللدّعاء إلى الطعام.

واستدلّ سيّد «الرياض»(2) لاعتبار الموالاة بالتأسّي، وبأنّه المتيقّن.

ولكن إتيانهم عليهم السلام بالأشواط متوالية لم يظهر كونه منسكاً كي يكون مورداً للتأسّي، ولعلّه من باب أحد الأفراد، سيّما بعد ورود النصوص بجواز القطع لصلاة الفريضة ولقضاء الحاجة ولتلبية الدعوة إلى الطعام، مع أنّ غاية ما يمكن أن يستفاد من التأسّي عدم جواز القطع لا وجوب الموالاة، كما هو واضح، والثاني يندفع بأنّه لا ملزم للاقتصار على المتيقّن بعد الأصل.

نعم، بناءً على عدم جريان البراءة عند الشكّ في شرطيّة شيء أو جزئيّته للمأمور به، يتمّ ما أفاده، ولكن المبنى فاسدٌ كما حُقّق في الاُصول(3).

أقول: واستدلّ لما ذهب إليه المفيد وسلّار:(4)

1 - بخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، فجاوزت النصف، فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمته، فإنْ هي قطعت طوافها في أقلّ 4.

ص: 187


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/707 قال: «ولا نعلم فيه خلافاً»، تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/367 وادّعى عليها الإجماع.
2- رياض المسائل: ج 7/109.
3- زبدة الاصول: ج 5/96.
4- راجع المقنعة: ص 440، جواهر الكلام: ج 19/444.

من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله»(1).

2 - ونحوه خبر أحمد بن عمر الحلال، عن أبي الحسن عليه السلام(2)، بدعوى أنّ الطواف عامٌ شاملٌ للسعي بقرينة السؤال.

وفيه أوّلاً: إنّ الخبرين ضعيفان، أمّا الأوّل فلمقام سلمة بن الخطّاب، وأمّا الثاني فللإرسال.

وثانياً: إنّ الأصحاب أعرضوا عنهما.

وثالثاً: إنّ الجواب ظاهرٌ في خصوص الطواف، والسؤال لا يصلح قرينة على إرادة العموم منه، ولعلّه لم يجب عن حدوث الحيض في أثناءالسعي، سيّما وأنّ حدوث الحيض في أثنائه لا يمنعُ من إتمامه كما دلّت عليه النصوص، وهو مورد الاتّفاق.

فالمتحصّل: أنّه لا تجب الموالاة فيه، وأنّه لو قطعه لغرضٍ أو لا لغرضٍ يبني على ما أتى به.

وأيضاً: قد مرَّ في مبحث الطواف، حكم ما لو قطعه لتدارك الطواف أو بعضه أو ركعتيه، فراجع(3).

***د.

ص: 188


1- الكافي: ج 4/448 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/453 ح 18199.
2- الكافي: ج 4/449 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/454 ح 18200.
3- صفحة 137 من هذا المجلّد.

ولو ظنَّ الإتمام فأحلّ ، وواقع أهله، وقلّم الأظفار، ثمّ ذكر نسيان شوطٍ، أتمّ ويكفِّر ببقرة،

حكم الإحلال بظنّ الإتمام

(و) المسألة الخامسة: (لو ظَنّ الإتمام) أي إتمام السعي، أو علم به (فأحَلّ ، وواقع أهله، وقلّم الأظفار، ثمّ ذكر نسيان شوطٍ، أتمّ ويكفّر ببقرة) كما عن المفيد(1)، والشيخ في «التهذيب»(2)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(3)، وغيرهم في غيرها(4).

أقول: ويشهد به:

1 - صحيح ابن يسار المتقدّم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل متمتّع سعى بين الصفا والمروة ستّة أشواط، ثمّ رجع إلى منزله وهو يرى أنّه قد فرغ منه وقلّم أظافيره وأحلّ ، ثمّ ذكر أنّه سعى ستّة أشواط، فقال لي: يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط، فإنْ كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط، فليعد وليتمّ شوطاً وليرق دماً.

فقلت: دمُ ماذا؟ قال: بقرة(5)، الحديث».

2 - وخبر ابن مسكان، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ طاف بين الصفا والمروة ستّة

ص: 189


1- المقنعة: ص 434.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/153 ذيل الحديث 503.
3- انظر مختلف الشيعة: ج 4/170، وتذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/367.
4- كسلّار الديلمي في المراسم العلويّة: ص 120، وابن سعيد في الجامع للشرائع: ص 203، والبحراني في الحدائق الناضرة: ج 16/284.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/153 ح 504، وسائل الشيعة: ج 13/392 ح 18283.

أشواط وهو يظنّ أنّها سبعة، فذكر بعدما أحلّ وواقع النساء أنّه إنّما طاف ستّة أشواط؟ قال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً»(1).

وضعف سند الثاني منجبرٌ بعمل من سمعت.

والإيراد عليهما: بعدم ظهورهما في الوجوب كما ترى ، فإنّ الجملة الخبريّة ظاهرة في الوجوب.

وأيضاً: أضعف منه الإيراد على الثاني بمخالفته للعمومات الدالّة على وجوب البدنة على من جامع قبل طواف النساء، وعلى الأوّل بأنّه مخالفٌ لما دلّ على وجوب الشاة في تقليم الأظافير(2).

فإنّه يرد عليه أوّلاً: ما تقدّم من أنّه لا كفّارة على الناسي.

وثانياً: أنّه يخصّص العمومات بالخبر، وبه يظهر اندفاع إيراد آخر عليه، وهو أنّه لا كفّارة على الناسي فى غير الصيد، ولأجله حمل بعضهم الخبرين على الاستحباب(3).

أقول: ولا وجه لتخصيص الحكم بالمتمتّع، لإطلاق الخبر، كما لا وجه لتخصيصة بظان الفراغ، فإنّ الصحيح شاملٌ للعالم بل ظاهرٌ فيه، والخبر مطلق لإستعمال كلمة (الظنّ ) في الأخبار في الأعمّ كثيراً.

نعم، الأظهر هو الاقتصار على ستّة أشواط لكونها مورد الخبرين، وصرّح جماعة من الأصحاب بالإختصاص(4).

***4.

ص: 190


1- تهذيب الأحكام: ج 5/153 ح 30، وسائل الشيعة: ج 13/493 ح 18284.
2- راجع مسالك الأفهام: ج 2/362.
3- كالشيخ في التهذيب: ج 5/153 ح 504، والسبزواري في تذكرة المعاد (ط. ق): ج 1/648 ق 3.
4- حكاه في مستند الشيعة: ج 12/184.

وإذا فرغ من سعي العُمرة قصَّر، وأدناه أن يقصّ أظفاره، أو شيئاً من شعره.

التقصير

(وإذا فرغ مِنْ سعي العُمرة قصّر، وأدناه أن يقصّ أظفاره أو شيئاً من شعره) بلا خلافٍ (1) في رجحان ذلك، بل عليه الإجماع(2).

ويشهد به:

1 - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في حديث السعي: ثمّ قصّر من رأسك من جوانبه ولحيتك، وخُذ من شاربك، وقلّم أظفارك، وابق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللتَ من كلّ شيء يحلّ منه المُحرِم وأحرمت منه»(3).

2 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «طواف المتمتّع أن يطوف بالكعبة، ويسعى بين الصفا والمروة، ويقصّر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحَلّ »(4).

3 - وخبر عمر بن يزيد، عنه عليه السلام: «ثمّ ائتِ منزلك فقصّر من شعرك، وحلَّ لك كلّ شيء»(5). ونحوها غيرها.

أقول: وتمام الكلام في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: إنّ التقصير من أفعال العُمرة الواجبة، للأمر به في النصوص،

ص: 191


1- انظر مستند الشيعة: ج 12/190.
2- كما في الخلاف: ج 2/330-331 مسألة 144.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/148 ح 487، وسائل الشيعة: ج 13/505 ح 18317.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/157 ح 522، وسائل الشيعة: ج 13/505 ح 18318.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/157 ح 523، وسائل الشيعة: ج 13/506 ح 18319.

ويجزي مُسمّى التقصير:

ففي «المنتهى »: (وأدنى في التقصير أن يقصّر من شعرٍ ولو كان يسيراً، وأقلّه ثلاث شعرات، لأنّ الامتثال يحصل به فيكون مُجزياً، ولما رواه الشيخ قدس سره في الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن متمتّعٍ قرض أظفاره، وأخذ من شعره بمشقصٍ؟ قال: لا بأس»(1)، هذا اختيار علمائنا)، انتهى (2).

وأيضاً: يمكن أن يستدلّ له، ولما ذكره بعد ذلك بقوله عليه السلام:

«لو قصّ الشعر بأيّ شيءٍ كان أجزاه»، جملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي - أو حسنه - قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي لما قضيتُ نُسُكي للعمرة أتيتُ أهلي ولم اُقصّر؟ قال: عليك بدنة.

قلت: إنّي لمّا أردتُ ذلك منها ولم تكن قصّرت امتنعت، فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها؟

فقال: رحمها اللّه كانت أفقه منك، عليك بدنة، وليس عليها شيء»(3).

ومنها: مرسل ابن أبي عُمير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة»(4).

ومنها: خبر محمّد الحلبي، عنه عليه السلام: «عن امرأةٍ متمتّعةٍ عاجلها زوجها قبل أن تقصّر، فلمّا تخوّفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها وقرضت4.

ص: 192


1- الكافي: ج 4/439 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/507 ح 18321.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/711.
3- الكافي: ج 4/441 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/508 ح 18323.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/244 ح 824، وسائل الشيعة: ج 13/508 ح 18324.

ولا يحلق رأسه

بأظافيرها، هل عليها شيء؟

قال عليه السلام: لا، ليس كلّ أحدٍ يجد المقاريض»(1). ونحوها غيرها.

وبها يُحمل الأمر في صحيح معاوية وغيره بأخذ الشعر من المواضع الخاصّة، على الفضل والاستحباب، كما صرّح به الأصحاب(2).

الجهة الثانية: المعروف بين الأصحاب لزوم التقصير في العُمرة (و) أنّه (لا يحلق رأسه).

وعن الشيخ في «الخلاف»: (يجوز الحلق، والتقصير أفضل)(3).

وقال المصنّف رحمه الله في محكي «المختلف» بعد نقل قول «الخلاف»: (وكان يذهب إليه والدي)(4).

أقول: والأوّل اصحّ ، للأمر به في النصوص المتقدّمة، ولصحيح ابن عمّار عن مولانا الصادق عليه السلام: «وليس في المتعة إلّاالتقصير»(5).

وأيضاً: يمكن أن يُستشهد له بطوائف اُخر من النصوص:

منها: النصوص المتضمّنة لبطلان العُمرة إذا أهلَّ بالحَجّ قبل التقصير.7.

ص: 193


1- تهذيب الأحكام: ج 5/162 ح 542، وسائل الشيعة: ج 13/509 ح 18325.
2- راجع مستند الشيعة: ج 12/191، كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/32، السرائر: ج 1/580، الحدائق الناضرة: ج 16/299.
3- الخلاف: ج 2/330 مسألة 144.
4- مختلف الشيعة: ج 4/217.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/160 ح 58، وسائل الشيعة: ج 13/510 ح 18327.

ومنها: النصوص الواردة في صفة الحَجّ المقتصرة على التقصير في عُمرة التمتّع.

ومنها: النصوص المثبته للدّم على الحالق رأسه.

ومنها: غير ذلك.

وعليه، فما عن «الخلاف» من جواز الحلق فمّما لا وجه له.

قال المصنّف رحمه الله(1) في «المنتهى » - برغم بنائه على حرمة الحلق ووجوب التقصير -: (لو حلق رأسه أجزأه وسقط الدّم).

وعلّق عليه صاحب «الحدائق» بقوله: (كيف يُجزيه ما لم يقم عليه دليل(2)؟!).

أقول: يمكن أنْ يكون الوجه في الإجزاء ما أفاده الشهيد رحمه الله بقوله: (ولو حلق بعض رأسه أجزأ عن التقصير، ولا تحريم فيه، ولو حَلَق الجميع احتمل الإجزاء لحصوله بالشروع، وعند التقصير يحلّ له جميع ما يحلّ للمُحِلّ حتّى الوقاع، للنصّ على جوازه قولاً وفعلاً)، انتهى (3).

ومن الغريب أنّه قدس سره بعد الاعتراض على ما أفاده المصنّف رحمه الله، نقل كلام الشهيد في «الدروس»، ثمّ قال:

(أقول: ما ذكره من الاحتمال المذكور ليس ببعيدٍ، لكن ينبغي تقيّيده بما إذا نوى من أوّل الأمر بالتقصير خاصّة، ثمّ بعد حصول التقصير وحصول الإحلال به حَلق الباقي)، انتهى (4).

أقول: ولكن الأظهر عدم الإجتزاء بحلق البعض أيضاً، فإنّ التقصير مفهومٌ 1.

ص: 194


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/710.
2- الحدائق الناضرة: ج 16/300.
3- الدروس الشرعيّة: ج 1/415.
4- المُحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 16/301.

فإن فعل كان عليه دم،

مغايرٌ لمفهوم الحلق، فإنّه يعني جَعل الشعر أو غيره قصيراً، وأمّا الحلق فهو أمرٌ آخر، فلا يُجزي حلق البعض ولا الكلّ .

الجهة الثالثة: بعدما عرفت من وجوب التقصير:

1 - فهل يجوز معه الحلق مطلقاً كما في «المستند»(1) ومالَ إليه سيّد «المدارك»(2).

2 - أم يحرم كذلك، كما عن القاضي(3)، وابن حمزة(4)، والشهيد(5) وغيرهم، وهو الظاهر من الكتاب حيث قال قدس سره: (فإنْ فعل كان عليه دم)؟

3 - أم يحرم قبل التقصير خاصّة كما عن «النافع»(6)؟.

واستدلّ للقول الأوّل: بالأصل(7).

وللثاني: بالأخبار الدالّة على أنّ المتمتّع إذا حلق رأسه بمكّة كان عليه دم:

منها: صحيح جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن متمتّع حَلَق رأسه بمكّة ؟ قال عليه السلام: إنْ كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإنْ تعمّد ذلك في أوّل شهور الحَجّ بثلاثين يوماً، فليس عليه شيء، وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحَجّ ، فإنّ عليه دماً يُهريقه»(8).0.

ص: 195


1- مستند الشيعة: ج 12/193 إلى 197.
2- مدارك الأحكام: ج 8/461.
3- المهذّب لابن البرّاج: ج 1/225.
4- الوسيلة: ص 168.
5- في الدروس الشرعيّة: ج 1/414.
6- المختصر النافع: ص 99.
7- انظر مستند الشيعة: ج 12/193.
8- الكافي: ج 4/441 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/510 ح 18330.

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المتمتّع أراد أن يقصّر فَحَلَق رأسه ؟ قال: عليه دمٌ يُهريقه»(1).

واستدلّ للثالث: بالخبرين، بدعوى اختصاصهما بما قبل التقصير، وهو تامّ بالنسبة إلى الثاني، ولكن الخبر الأوّل ليس فيه أنّ الدّم لأجل التقصير، بل التفصيل بين ما بعد الثلاثين وما قبلها، وهو قرينة على عدم كونه له، بل يمكن أنْ يكون من جهة الإخلال بتوفير الشعر المستحبّ عند الأكثر، والواجب عند البعض(2).

ومورد الثاني هو النّاسي، وقد اتّفقت كلماتهم - إلّاعن شاذٍ - على عدم وجوب الدّم عليه(3)، فلابدَّ من طرحه للإعراض، فلا مورد لدعوى الأولويّة في العامد.

وعلى هذا، فلا دليل على حرمة الحلق إلّاالإجماع إنْ ثبت(4)، والمتيقّن منه ما قبل التقصير، فعلى فرض ثبوته، الأظهر هو القول الثالث.

الجهة الرابعة: قد مرّ أنّه يكفي المسمّى في التقصير، وأيضاً يكفي بأيّ آلةٍ أمكن، ولا يلزم المقراض، وعليه:

فهل يلزم كونه في الشعر(5)؟

أم يكفي كونه في الأظافير؟

قولان، الظاهر هو الأوّل، إذ النصوص المتضمّنة لقرض الأظفار ليس في شيء منها هو وحده بل ذُكر مع الأخذ من الشَّعر، وهذا بخلاف العكس، فراجع(6).ا.

ص: 196


1- تهذيب الأحكام: ج 5/158 ح 525، وسائل الشيعة: ج 13/510 ح 18328.
2- كالشيخ في النهاية: ص 206.
3- اُنظر مستند الشيعة: ج 12/197.
4- راجع مسند الشيعة: ج 12/195، النهاية ص 243، الإرشاد: ج 1/325، شرح اللّمعة: ج 2/267.
5- نسب كفايته من الشعر أو الظفر إلى المشهور المحقّق النراقي في المستند: ج 12/197.
6- صفحة 191 و مابعدها.

وكذا لو نسيه حتّى أحرم بالحَجّ ، ومع التقصير يحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد ما دام في الحَرم، ويستحبّ له أن يتشبّه بالمُحرِمين في ترك لبس المخيط.

الجهة الخامسة: لو ترك التقصير عمداً حتّى أحرم بالحَجّ ، فهل تبطل متعته وتصبح حجّة مفردة(1)، أم يبطل إحرامه(2)؟ قولان:

ولو كان ذلك نسياناً، صحّ تمتعه بلا خلافٍ (3)، وحينئذٍ فهل عليه دمٌ كما أفاده المصنّف رحمه الله(4) حيث قال (وكذا لو نسيه حتّى أحرم بالحَجّ ) أم لا(5)؟ قولان أيضاً.

أقول: وقدتقدّم الكلام مفصّلاً في هذه المسألة في بحث أحكام الإحرام، فراجع(6).

الجهة السادسة: (ومع التقصير يحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّاالصيد ما دام في الحَرم) بلا خلافٍ (7)، ويدلّ على المستثنى منه النصوص المتقدّمة، وعلى المستثنى ان حرمة الصيد إنّما هي للحرم لا الإحرام.

الجهة السابعة: (ويستحبّ له أن يتشبّه بالمُحرِمين في ترك لبس المخيط)، لصحيح حفص بن البُختري - أو حسنه - عن غير واحدٍ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«ينبغي للمتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ إذا أحلّ أنْ لا يلبس قميصاً، وليتشبّه بالمُحرِمين»(8). ونحوه غيره.0.

ص: 197


1- قال به الشيخ في الخلاف: ج 2/332، والعلّامة في التحرير: ج 1/597.
2- كما عليه الحِلّي في السرائر: ج 1/581.
3- كما عن المحقّق النراقي في المستند: ج 12/198، والسبزواري في الذخيرة (ط. ق): ج 1/649.
4- ووفاقاً للشيخ الصدوق فيما حكاه عنه في الذخيرة (ط. ق): ج 1/649، والطوسي في النهاية: ص 246، والقاضي في المهذّب: ج 1/225، والإرشاد: ج 1/328.
5- كما قال به الديلمى فى المراسم: ص 124، وابن إدريس فى السرائر: ج 580/1، والعلّامة فى القواعد: ج 431/1.
6- فقه الصادق: ج 15/28.
7- نسبه في الحدائق: ج 16/305 إلى أكثر الأصحاب في قبال الشيخ في الخلاف وابن أبي عقيل حيث ذهبا إلى أنّه متى ساق الهَدي معه فإنّه لا يحلّ حتّى يبلغ الهَدْي محلّه.
8- الكافي: ج 4/441 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/514 ح 18340.

الباب الثامن: في أفعال الحَجّ ، وفيه فصول:

الأوّل: في إحرام الحَجّ :

إذا فرغ من العُمرة، وجب عليه الإحرام بالحَجّ من مكّة، ويستحبّ أنْ يكون يوم التروية عند الزوال من تحت الميزاب. وكيفيّته كما تقدّم إلّاأنّه ينوي إحرام الحَجّ ، ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال، ولو نسيه حتّى يحصل بعرفات أحرم بها إنْ لم يتمكّن من الرجوع، ولو لم يتذكّر حتّى يقضي مناسكه لم يكن عليه شيء.

أفعال الحَجّ

(الباب الثامن: في أفعال الحَجّ ، وفيه فصول):

الفصل الأوّل: (في إحرام الحَجّ ):

يقول المصنّف رحمه الله: (إذا فرغ) المتمتّع (من) أفعال (العُمرة) وأحلّ منها، (وجبَ عليه الإحرام بالحَجّ ) إجماعاً(1)، والنصوص الدالّة عليه كثيرة.

ويجبُ أنْ يكون ذلك (من) بطن (مكّة)، كما مرّ في مبحث المواقيت(2)، كما مرّ البحث عن أفضل مواضعها، وموضع التلبية، ومحلّ قطعها فى بحث تلبية إحرام المتعة.

وكذا مرّ البحث عن كيفيّة الإحرام وواجباته ومستحبّاته في مبحث الإحرام(3)، فما في المتن (ويستحبّ أنْ يكون يوم التروية عند الزوال من تحت الميزاب، وكيفيّته كما تقدّم، إلّاأنّه ينوي إحرام الحَجّ ويقطع التلبية يوم عرفة عند

ص: 198


1- قال في الذخيرة (ط. ق): ج 650/1 ق 3: (لاخلاف في هذا الحكم عند الأصحاب).
2- فقه الصادق: ج 14/330.
3- فقه الصادق: ج 15/40.

الزوال، ولو نسيه حتّى يحصل بعرفات أحرم بها إنْ لم يتمكّن من الرجوع، ولو لم يتذكّر حتّى يقضي مناسكه، لم يكن عليه شيء) قد تقدّم الكلام في جميعها، وعرفت ما هو المختار في كلّ مسألة منها فلا وجه للإعادة.

***

ص: 199

الفصل الثاني: في الوقوف بعرفات:

هو ركنٌ في الحَجّ يبطل بالإخلال به عمداً

الوقوف بعرفات ركن

(الفصل الثاني: في الوقوف بعرفات) أي الكون بها، ولكن تعارف التعبير عنه بذلك لأنّه أفضل أفراده.

(وهو) - أي الوقوف - واجبٌ في الحَجّ إجماعاً(1) بل ضرورة من الدِّين(2)، والنصوص شاهدة به.

بل هو (ركنٌ في الحَجّ يبطل بالإخلال به عمداً) وهو قول علماء الإسلام كما في «المنتهى »(3).

وفي «الجواهر»: (فلا خلاف أجده في ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل نسبه غير واحدٍ إلى علماء الإسلام)(4)، انتهى .

ويشهد به: - مضافاً إلى الإجماع المحقَّق(5) والمحكيّ -:

1 - أنّ ظاهر الأمر به كونه من أجزاء الحَجّ ، لأنّ الظاهر من الأمر بشيء في مركّبٍ اعتباري كونه جزءاً له أو شرطاً، والمركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، وهذا

ص: 200


1- انظر كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/68 و 75، جواهر الكلام: ج 19/32، مستند الشيعة: ج 12/212.
2- انظر مستند الشيعة: ج 12/212.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/719.
4- جواهر الكلام: ج 19/32.
5- انظر المبسوط للشيخ الطوسي: ج 1/366، المهذّب لابن البرّاج: ج 1/250-251، السرائر للحِلّي: ج 1/521.

هو مراد الفقهاء من الاستدلال له بقاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

فالإيراد عليه: بأنّ الأمر به لا يقتضي دخوله في ماهيّة الحَجّ ، فإنّما يصحّ لو علمنا ووقفنا على ماهيّة الحَجّ أو قدراً مشتركاً على أقلّ تقدير، ولكنّهاغير معلومة.

في غير محلّه.

أقول: مع أنّه يرد عليه ما ذكره بعض المحقّقين بقوله: (إنّ ذلك الدخل يجري في كلّ فعلٍ ، وجعل بعض الأفعال جزءاً بالإجماع يجري في ذلك أيضاً)(1)، انتهى .

2 - والنبويّ المنقول في «المنتهى »(2) و «الكنز»(3) وغيرهما(4) بعدّة طرق من أنّه صلى الله عليه و آله قال: «الحَجّ عرفة»، أو: «الحَجّ عرفات»(5).

3 - والنصوص المتضمّنة من أنّ الذين يقفون تحت الأراك لا حَجّ لهم:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: في الموقف ارتفعوا عن بطن عُرنة، وقال: أصحاب الأراك لا حَجّ لهم»(6) ونحوه غيره من الأخبار المتعدّدة، الدالّة على أنّ من لم يقف بعرفة وإنْ وقف بحدودها - كالأراك ونحوه فضلاً عن غيرها - لا حَجّ له.

لا يقال: إنّ تلك النصوص لم يصرّح فيها بمن وقف في الأراك في الوقت الاختياري، فيمكن تنزيلها على الوقتين، فلا يتمّ ما عن «النهاية» و «المبسوط»7.

ص: 201


1- المحقّق النراقي في المستند: ج 12/224.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/719.
3- كنز العرفان العرفان: ج 1/303.
4- راجع مستدرك وسائل الشيعة: ج 10/34 ح 11388، عوالي اللئالي: ج 2/236 ح 5.
5- عوالي اللئالي: ج 2/93 ح 247، مستدرك وسائل الشيعة: ج 10/34 ح 11388.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/287 ح 13، وسائل الشيعة: ج 13/551 ح 18417.

و «المهذّب» و «السرائر» و «النافع» وفي «الشرائع» و «التبصرة» و «القواعد»(1)وغيرها: من أنّ الرّكن هو الوقوف الاختياري بعرفة، ومقتضاه عدم الإجتزاء بالاضطراري منه لو ترك الاختياري عمداً(2).

فإنّه يقال: - مضافاً إلى إطلاق النصوص -: إنّ صحيح الحلبي صريحٌ في ذلك، فإنّ موقفه صلى الله عليه و آله كان في الوقت الاختياري قطعاً، فالأمر بالارتفاع حينئذٍ ونفي الحَجّ عن أصحاب الأراك فيه، ظاهرٌ فيما قالوه.

أقول: ولا ينافيها مرسل ابن فضّال، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة سُنّة»(3)، ونحوه مرسل الصدوق(4)، لإحتمال إرادة ما ثبت وجوبه من السُنّة منها، بخلاف الوقوف بالمشعر المستفاد وجوبه من قوله تعالى: «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اَللّهَ عِنْدَ اَلْمَشْعَرِ اَلْحَرامِ »(5) ، هذا فضلاً عن أنّه مرسل.

وعليه، فلا إشكال في الحكم.

نعم، أجمعوا على أنّ الرّكن هو المُسمّى منه(6)، وإنْ كان الواجب الوقوف5.

ص: 202


1- حكاه عنهم في الجواهر: ج 19/33 قال: (وفي القواعد الوقوف الاختياري بعرفة ركنٌ ، ومقتضاه عدم الإجتزاء بالإضطراري مع تركه عمداً وهو كذلك، بل هو صريح المصنّف، بل قيل يعطيه النهاية والمبسوط والمهذّب والسرائر والنافع لإطلاق الأدلّة السابقة)، وكذلك في كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/75.
2- راجع كلّاً من النهاية ص 251، المبسوط: ج 1/367، المهذّب: ج 1، 250-251، السرائر: ج 1/588، المختصر النافع ص 68، شرائع الإسلام: ج 1/188، تبصرة المتعلّمين ص 100، قواعد الأحكام: ج 1/435.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/287 ح 14، وسائل الشيعة: ج 13/552 ح 18421.
4- من لايحضره الفقيه: ج 2/213 ح 2189، وسائل الشيعة: ج 14/10 ح 18458.
5- سورة البقرة: الآية 198.
6- راجع مستند الشيعة: ج 12/225.

ولو تركه ناسياً حتّى فات وقته، ولم يصل بالمشعر، بطل حَجّه

من الزوال إلى الغروب، ويشهد به - مضافاً إلى ذلك - النصوص المتضمّنة للكفّارة على من أفاض من عرفات قبل الغروب فتأمّل، وسيأتي لذلك زيادة توضيح إنْ شاء اللّه تعالى.

(ولو تركه ناسياً) تداركه ما دام بقاء وقته الإختياري أو الاضطراري.

ولو لم يأت به (حتّى فات وقته) بقسميه، اجتزأ بالوقوف بالمشعر، كما يأتي عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

(و) لو (لم يصل بالمشعر بطل حَجّه) للنصوص الآتية.

***

ص: 203

ويجبُ فيه النيّة، والكون بعرفات

كيفيّة الوقوف بعرفات

أقول: ثمّ إنّه يقع الكلام في كيفيّته، (و) هو مشتملٌ على واجبٍ ومندوب، وعليه فهاهنا مقامان:

المقام الأوّل: فيما (يجبُ فيه) وهي اُمور:

الأمر الأوّل: (النيّة) بلا خلافٍ في وجوبها(1)، بل عليه الإجماع بقسميه(2)، وقد مرَّ غير مرّة بيان حقيقتها، ووجه وجوبها في العبادات التي منها الوقوف بعرفات.

ووقتها أوّل وقت الكون بلا كلام، وما في بعض الكلمات من أنّه هل يجبُ النيّة من أوّل وقت الكون، أو يجوز التأخير عنه، ليس خلافاً في المسألة، كما يشهد له استدلاله للثاني بالنصوص الآتية الدالّة على أنّ أوّل الزوال ليس أوّل وقت الكون.

(و) الأمر الثاني: (الكون بعرفات) إجماعاً(3)، بل ضرورة من الدين(4)، ولا كلام في أنّ وقت الكون من أوّل زوال الشمس إلى الغروب.

وجوب الوقوف من أوّل الزوال

إنّما الكلام في أنّه هل يجب الاستيعاب أم لا؟

وفيه أقوال:

ص: 204


1- انظر تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/371 وحكى عليها الإجماع.
2- كما عن جواهر الكلام: ج 19/15.
3- كما عن الجواهر: ج 19/17.
4- كذا في مستند الشيعة: ج 12/212.

القول الأوّل: اعتبار أنْ يكون ابتداء الوقوف بعرفات أوّل الزوال، بمعنى أنّه لا يجوز التأخير عنه اختياراً، ويجبُ استيعاب جميع الوقت المحدود من حيث المنتهى - بما سيأتي في الموقف - حقيقةً ، فلا يجوز الإخلال بجزءٍ منه كما عن جماعة.

وفي «الجواهر»: (كما صرّح به الشهيدان في «الدروس»(1) و «المسالك»(2)، و «اللّمعة»(3)، والمقداد والكركي(4) وغيرهم، من غير إشارة واحدٍ منهم إلى خلاف في المسألة، بل ظاهر «المدارك»(5) نسبته إلى الأصحاب مُشعراً بالإجماع عليه، بل لم أجد الثاني قولاً محرّراً بين الأصحاب)(6)، انتهى .

ثمّ ذكر قدس سره جملة من كلمات القدماء والمتأخّرين، الظاهرة في خلاف ذلك، ثمّ أتعب نفسه الزكيّة في توجيهها، وحمل كلماتهم على ما ينطبق على هذا القول.

القول الثاني: الإجتزاء بمسمّى الوقوف، كما عن «السرائر»(7)، ونُسب إلى «التذكرة»(8) و «المنتهى »(9)، إلّاأنّ صاحب «الجواهر» أنكر ذلك، وقال: (إنّ التدبّر في عبارة «التذكرة» يقتضي إرادة بيان الرّكن من الوقوف)، ثمّ ذكر قرائن لذلك، إلى أنْ يقول: (وعبارة «المنتهى » يمكن أنْ تكون في الدلالة على خلاف ذلك أظهر منها).

ص: 205


1- الدروس الشرعيّة: ج 1/419.
2- مسالك الأفهام: ج 2/273.
3- شرح اللّمعة: ج 2/269.
4- انظر جامع المقاصد: ج 3/222.
5- مدارك الأحكام: ج 7/393.
6- جواهر الكلام: ج 19/19.
7- السرائر: ج 1/587.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/171.
9- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/716 قال: (ويجب الكون بعرفة إلى غروب الشمس من يوم عرفة).

فيه، خصوصاً قوله: (والأمر للوجوب)، ومثله عبارة «التذكرة»)، انتهى .

كما أنّه رحمه الله بهذه الطريقة وجّه كلام الحِلّي في «السرائر»(1).

ومع ذلك ففي «الرياض»: (وإنْ كان القول بكفاية مسمّى الوقوف لا يخلو عن قُربٍ )(2)، انتهى .

القول الثالث: ما هو ظاهر كلمات أكثر القدماء(3)، وصريح جمعٍ من المتأخّرين كصاحب «الحدائق»(4) و «الذخيرة»(5)، وفي «المستند»(6) وغيره، وهو أنّه يجبُ استيعاب ما بين الزوال إلى الغروب عرفاً، الحاصل بالاشتغال بمقدّمات الوقوف المستحبّة في حدود عرفة، ثمّ الوقوف بحيث يكون الوقتُ مستوعباً بهذه الاُمور، وإنْ كان قليلٌ من أوّل الوقت مصروفاً في الحدود بالمقدّمات والصلاة.

أقول: والأصل في هذا الحكم، النصوص المتضمّنة لأفعال المعصومين عليهم السلام وأقوالهم، وإليك تلك النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار المتضمّنة لصفة حَجّ النبيّ صلى الله عليه و آله:

«ثمّ غدا والنّاس معه، إلى أنْ قال: حتّى انتهوا إلى نَمِرة وهي بطن عُرنة بحيال الأراك، فضُربت قبّته، وضَرَب النّاس أخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خَرَج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه قريش، وقد اغتسل وقطع التلبية، حتّى وقف بالمسجد، فوعظ7.

ص: 206


1- جواهر الكلام: ج 19/24-25.
2- رياض المسائل: ج 6/363.
3- كالشيخ في المبسوط: ج 1/366، والنهاية ص 250، والحِلّي في السرائر: ج 1/587، والديلمي في المراسم ص 112، والعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 1/718.
4- الحدائق الناضرة: ج 16/377.
5- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/652 ق 3.
6- مستند الشيعة: ج 12/217.

النّاس وأمرهم ونهاهم، ثمّ صَلّى الظهر والعصر بأذانٍ واحد وإقامتين، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به»(1).

ومنها: صحيح ابن أبي عُمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: «فإذا انتهيتَ إلى عرفات، فاضرب خِباك بنَمِرة، ونمرة هي بطن عُرنة دون الموقف ودون عَرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصَلِّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، فإنّما تُعجّل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنّه يوم دعاءٍ ومسألة»(2).

ومنها: ما عنه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّما تُعجّل الصلاة وتُجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنّه يوم دعاءٍ ومسألة، ثمّ تأتي الموقف...(3) الخ».

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فاما النزول تحته حتّى تزول الشمس وينهض إلى الموقف فلا بأس»(4).

ومنها: ما رواه فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ إبراهيم أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من يوم التروية، إلى أنْ قال: حتّى إذا بزغت الشمس، خرج إلى عرفات، فنزل بنمرة وهي بُطن عرنة، فلمّا زالت الشمس خَرَج وقد اغتسل فَصلّى الظهر والعصر بأذانٍ واحد وإقامتين، وصلّى في موضع المسجد الذي بعرفات، إلى أنْ قال: ثمّ مضى به إلى الموقف(5).. الخ».8.

ص: 207


1- الكافي: ج 4/245 ح 4، وسائل الشيعة: ج 11/213 ح 14647.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/179 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/529 ح 18372.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/182 ح 15، وسائل الشيعة: ج 13/538 ح 18394.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/181 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/533 ح 18382.
5- وسائل الشيعة: ج 11/237 ح 14678.

ومنها: صحيح أبي بصير، عن الإمامين الصادقين عليهم السلام: «أنّه لمّا كان يوم التروية، قال جبرئيل لإبراهيم عليه السلام تروّ من الماء، إلى أن قال: ثمّ غدا به إلى عرفات، فضرب خِباه بنمرة دون عُرنة، فبنى مسجداً بأحجار بيض، وكان يُعرف أثر مسجد إبراهيم عليهم السلام حتّى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيثُ يُصلّي الإمام يوم عرفة، فصلّى بها الظهر والعصر، ثمّ عمد به إلى عرفات فقال: هذه عرفات فاعرف بها مناسكك، واعترف بذنبك، فسُمّي عرفات(1).. الخ».

إلى غير ذلك من النصوص.

أقول: واستفادة الحكم منها، تتوقّف على البحث في أمرين:

أحدهما: أنّها هل تدلّ على الوجوب أم لا؟

الثاني: فيما تدلّ عليه ؟

أمّا الأمر الأوّل: فيمكن تقريب دلالتها عليه بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ جملة منها متضمّنة لوقوفه صلى الله عليه و آله في ذلك الوقت من أوّل الزوال عرفاً أو حقيقة، وقد أمرنا بأخذ المناسك عنه صلى الله عليه و آله، فقد نُسب إليه أنّه قال صلى الله عليه و آله:

«خُذوا عنّي مناسككم»(2). وهو وإنْ كان ضعيفاً، إلّاأنّه منجبر بالعمل والاستناد.

الوجه الثاني: الأمر بذلك بلسانه أو بالجملة الخبريّة الّتي هي أصرح في الوجوب، فدلالتها على اللّزوم واضحة.

أقول: وبذلك ظهر ما في «الرياض» حيث قال: (ودلالتها على الوجوب غير واضحة، أمّا ما تضمّن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين، فلا يفيد الفوريّة7.

ص: 208


1- الكافي: ج 4/207 ح 9، وسائل الشيعة: ج 11/230 ح 14667.
2- عوالي اللئالي: ج 1/215 ح 73، مستدرك وسائل الشيعة: ج 9/420 ح 1237.

ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبّة، وأمّا ما تضمّن فعله صلى الله عليه و آله فكذلك، بناءً على عدم وجوب التأسّي، وعلى تقدير وجوبه في العبادة فإنّما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي، وكلامنا فيه لا في سابقه، للاتّفاق - كما عرفت - على عدمه)(1)، انتهى .

فإنّه يرد على ما أفاده أوّلاً: أنّ الأمر بالكون بعرفة بعد الصلاة - سيّما في المتضمّن، لأنّه إنّما يعجّل الصلاتين لدرك ذلك - ظاهرٌ في إرادة الفور.

وبعبارة اُخرى: ظاهرٌفي أنّ مبدأ الوقوف الواجب هو مابعد الصلاتين بلا فصل.

ويرد على ما أفاده ثانياً: ما تقدّم منّا مراراً من أنّ كون الأمر في سياق الأوامر المستحبّة، لا يصلح قرينةً لحمله على الندب.

وأمّا ما أفاده ثالثاً فيرده: قوله صلى الله عليه و آله: «خُذُوا عنّي مناسككم»، مع أنّ فعله دالّ على مطلوبيّته، وحيث لم يرد دليلٌ مرخّص في تركه فيبني على اللّزوم.

وأمّا ما ذكره رابعاً فيرده: أنّ محلّ الكلام هو الوجوب الشرطي، أي كونه من واجبات الوقوف بعرفة، وبالتبع من واجبات الحَجّ ، وأمّا كون تركه مبطلاً أم لا، فهو كلامٌ آخر.

فتحصّل: أنّه لا ينبغي التوقّف في دلالة النصوص على الوجوب.

وأمّا الأمر الثاني: فقد صرّح في جملة منها التهيّؤ له عند الزوال، وإتيان مقدّماته والصلاة دون الموقف، كما في بعضها، ودون عرفة كما في آخر، ثمّ الذهاب إلى الموقف وإلى عرفة، وعليه فالنصوص تدلّ على القول الثالث.4.

ص: 209


1- رياض المسائل: ج 6/364.

إلى غروب الشمس من يوم عرفة

وأمّا منتهى الوقوف: فلا خلاف بينهم في أنّه يجب الوقوف فيها (إلى غروب الشمس من يوم عرفة)، وقد ادّعى عليه الإجماع(1).

أقول: ويشهد به نصوص كثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأفاض بعد غروب الشمس»(2).

ومنها: موثّق يونس بن يعقوب، عنه عليه السلام، قال: «قلت له: متى تفيض من عرفات ؟ فقال: إذا ذهبتِ الحُمرة من هاهنا، وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس»(3)، ونحوه خبره الآخر(4).

ومنها: النصوص الآتية المُثبتة للكفّارة على من أفاض قبله.

وأمّا ما قاله الشيخ رحمه الله: (والأولى أن يقف إلى غروب الشمس ويدفع عن الموقف بعد غروبها)(5)، فمراده ما في محكي «المختلف»(6) من أنّ الأولى انتهاء الوقوف بالغروب، وعدم الوقوف بعده، وأنّ الأولى استمرار الوقوف متّصلاً إلى الغروب، وإنْ أجزأ لو خرج في الأثناء ثمّ عاد قبل الغروب.6.

ص: 210


1- إتّفاقاً كما عن كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/68، وعليه اتّفاق الأصحاب كما في الحدائق: ج 16/380، وإجماعاً كما في مستند الشيعة: ج 12/216، وعدم الخلاف كما في منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/720.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/186 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/556 ح 18434.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/186 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/557 ح 18435.
4- الكافي: ج 4/466 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/557 ح 18436.
5- الخلاف: ج 2/338 مسألة 157.
6- مختلف الشيعة: ج 4/245-246.

فروع الوقوف بعرفات

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالتعرّض لفروع:

الفرع الأوّل: المراد بالغروب هنا هو الذي بيّن في أوقات الصلاة، وهو استتار القرص على الأظهر، وذهاب الحُمرة المشرقيّة على الأحوط، كما ذكرناه في مقامه في بحث الوقت في هذا الشرح(1).

الفرع الثاني: المراد بالوقوف هو الكون فيها، سواءٌ أكان نائماً أو مستيقظاً، أو قاعداً أو قائماً، أو راكباً أو ماشياً، لصدقه على الجميع.

ودعوى : صاحب «كشف اللِّثام»(2) من الإشكال في الركوب ونحوه باعتبار أنّ المأمور به في بعض النصوص هو الوقوف، وهو لا يصدق على الركوب لغةً وعرفاً، ونصوص الكون والإتيان لا تصلح لصرفه إلى المجاز.

ممنوعة: لصدقه عليه أوّلاً، ونصوص الكون لا تنافيه ثانياً، لكونه أحد أفراد الكون بها، وفرده الآخر الركوب، أضف إلى ذلك كلّه، خبر حمّاد بن عيسى، قال:

«رأيتُ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد صلى الله عليه و آله بالموقف على بغلة رافعاً يده إلى السماء عن يسار وإلى الموسم حتّى انصرف، وكان في موقف النبيّ صلى الله عليه و آله(3).. الخ».

الفرع الثالث: الواجب هو الوقوف بعرفة، ولا يجزي حدودها الآتية، لما مرّ، والمرجع في معرفة عرفات - لو لم تظهر حدودها من النصوص الآتية - هو العُرف، ومع الشكّ لا بدَّ من الاقتصار على المتيقّن.

***

ص: 211


1- فقه الصادق: ج 6/43.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/74-75.
3- قرب الإسناد ص 45 ح 146، وسائل الشيعة: ج 13/536 ح 18391.

ولو لم يتمكّن من الوقوف نهاراً وقف ليلاً ولو قبل الفجر

وقت الوقوف الإضطراري

ظهر ممّا ذكرنا أنّ الوقت الاختياري بعرفة هي من زوال الشمس إلى غروبها، كما ظهر أنّ من ترك مسمّاه بطل حَجّه، وإنْ كان الواجب هو جميع ما بين الحَدّين بالمعنى المتقدّم.

يقول المصنّف رحمه الله: (ولو لم يتمكّن من الوقوف نهاراً وقف ليلاً ولو قبل الفجر) فوقت الاضطرار من غروب الشمس إلى طلوع الفجر من يوم النحر، بلا خلافٍ أجده فيه، بل في «المدارك» وغيرها الإجماع عليه(1)، كما صرّح به في «الجواهر»(2)، ويشهد به:

1 - صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يأتي بعدما يفيض النّاس من عرفات ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان في مهل حتّى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثمّ يفيض فيدرك النّاس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتمّ حَجّه حتّى يأتي عرفات، وإنْ قَدِمَ رجلٌ وقد فاتته عرفات، فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تمّ حَجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، وقبل أن يفيض النّاس، فإنْ لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحَجّ ، فليجعلها عُمرة مفردة، وعليه الحَجّ من قابل»(3).

ص: 212


1- مدارك الأحكام: ج 7/402، ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/658 ق 3، مستند الشيعة: ج 12/225.
2- جواهر الكلام: ج 19/35.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/289 ح 18، وسائل الشيعة: ج 14/36 ح 18525.

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام، قال: «في رجل أدرك الإمام وهو بِجُمَع ؟ فقال: إنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلاً ثمّ يدرك جُمعاً قبل طلوع الشمس فلياتها، وإنْ ظنّ أنّه لا يأتيها حتّى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تمّ حجّه»(1).

3 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سفر، فإذا شيخٌ كبير قال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجُمَع ؟

فقال له: إنْ ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف قليلاً ثمّ يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، وإنْ ظنّ أنّه لا يأتيها حتّى يفيض النّاس من جمع، فلا يأتها، وقد تمَّ حَجّه»(2).

4 - وخبر إدريس بن عبداللّه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل أدرك النّاس بجمع، وخشي إنْ مضي إلى عرفات أن يفيض النّاس من جمع قبل أنْ يدركها؟

فقال عليه السلام: إنْ ظنّ أن يدرك النّاس بجمع قبل طلوع الشمس، فليأت عرفات، فإنْ خشي أنْ لا يدرك جمعاً فليقف بجمع ثمّ ليفض مع النّاس فقد تمّ حَجّه»(3).

ونحوها غيرها من الأخبار.

أقول: ونخبة القول فيما يستفاد من هذه النصوص في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: أنّ مورد هذه النصوص وإنْ كان غير المتمكّن من إدراك الاختياري، إلّاأنّ الظاهر ثبوت هذا الحكم في الناسي، كما هو ظاهر الأصحاب، بل صريحهم، لعموم العلّة المصرّح بها في صحيح الحلبي، بل الظاهر ثبوته في حقّ 6.

ص: 213


1- الكافي: ج 4/476 ح 2، وسائل الشيعة: ج 14/35 ح 18524.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/290 ح 20، وسائل الشيعة: ج 14/37 ح 18527.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/289 ح 19، وسائل الشيعة: ج 14/36 ح 18526.

الجاهل غير المقصّر، كما عن «الدروس»(1) و «الذخيرة»(2) وفي «المستند»(3).

ويؤيّد ثبوت الحكم لهما، الأخبار الآتية الدالّة على أنّ : (من أدرك جمعاً فقد أدرك الحَجّ ).

الفرع الثاني: قد يقال: إنّ مقتضى إطلاق النصوص، أنّ وقت الإضطرار للوقوف بعرفة هو ما لا يفوت معه وقوف المشعر الاختياري، فلو تمكّن منهما معاً قبل طلوع الشمس كفى، ولكن لابدّ من تقيّيد ذلك بما في بعض النصوص من التقيّيد باللّيل، المعتضد بفتوى الأصحاب على وجهٍ قيل لا يعرف فيه الخلاف، ولكن مع ذلك الأحوط لمن يرى أنّ اللّيل إلى طلوع الشمس الجمع بين الوقوفين.

الفرع الثالث: الواجب من الوقوف الاضطراري مسمّى الكون لا استيعاب اللّيل، بلا خلافٍ ، وعليه الإجماع، كما صرّح به غير واحدٍ(4)، لإطلاق الأخبار، ولقوله عليه السلام في صحيح معاوية: (فيقف قليلاً).

الفرع الرابع: وجوب الوقوف الاضطراري إنّما هو مع علمه أو ظنّه بأنّه إذا أتى به يدرك اختياري المشعر، أمّا لو علم بأنّه إن أتى به لا يدركه، أو ظنّ بذلك، بل حتّى لو احتمل ذلك، فلا يجبُ عليه:

أمّا مع العلم أو الظنّ فللتصريح بذلك في النصوص.

وأمّا مع الاحتمال، فلما ورد في خبر إدريس من قوله عليه السلام: (فإن خشى.. الخ)، فإنّه تتحقّق الخشية مع احتمال الفوت.2.

ص: 214


1- الدروس الشرعيّة: ج 1/421.
2- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/653 ق 3.
3- مستند الشيعة: ج 12/227.
4- كما في مستند الشيعة: ج 12/227، مدارك الأحكام: ج 7/402.

الفرع الخامس: إذا علم بأنّه إنْ أتى به يُدرك اختياري المشعر، ومع ذلك ترك الوقوف بها عالماً عامداً:

فهل يبطل حَجّه من جهة أنّ وقت الاضطراري من الوقوف كوقت الاختياري منه في فوات الحَجّ بفوات المُسمّى ، مع العلم والعمد، كما هو مقتضى كلام الفقهاء من أنّ (الرّكن مسمّاه)، فإنّه شاملٌ للاضطراري أيضاً، كما صرّح به غير واحد من متأخّري المتأخّرين(1)؟

أم لا كما يشعر به كلام المصنّف رحمه الله في محكي «القواعد» حيث قال: (الوقوف الاختياري بعرفة ركنٌ من تركه عامداً بطل حَجّه)(2)؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لصحيح الحلبي المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: «إنْ كان في مهل حتّى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثمّ يفيض فيدرك النّاس في المشعر، قبل أنْ يفيضوا، فلا يتمّ حَجّه حتّى يأتي عرفات».

وبه يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ (من أدرك جمعاً أدرك الحَجّ ).

أقول: ووجّه صاحب «الجواهر» رحمه الله كلام المصنّف رحمه الله بقوله:

(ويمكن أنْ يكون الوجه في اقتصاره بيان أنّه لا يجزي الاقتصار على الاضطراري عمداً، بل من ترك الاختياري عمداً بطل حَجّه وإنْ أتى بالاضطراري)(3)، انتهى .

الفرع السادس: قال صاحب «الجواهر»: (فما عن الشيخ في «الخلاف»(4) من6.

ص: 215


1- كالمحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 12/228، ورياض المسائل: ج 6/372.
2- قواعد الأحكام: ج 1/435.
3- جواهر الكلام: ج 19/36.
4- راجع الخلاف: ج 2/337 مسألة 156.

ولو لم يتمكّن أو نسى حتّى طلع الفجر، وقف بالمشعر وأجزأه

إطلاق أنّ وقت الوقوف قبل الغروب وجب عليه بدنة، ولو عجز صام ثمانية عشر يوماً إنْ كان عالماً بعرفة من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم العيد، منزّلٌ على ما عرفت من التفصيل الذي ذكره في باقي كتبه، فما عن ابن إدريس(1) من أنّ هذا القول مخالفٌ لأقوال علمائنا، وإنّما هو قولٌ لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيراداً لا اعتقاداً، في غير محلّه)(2) انتهى .

الفرع السابع: (ولو لم يتمكّن) من الوقوف الاضطراري أيضاً (أو نسى حتّى طلع الفجر، وقف بالمشعر وأجزأه) بلا خلافٍ (3).

وعن «المدارك»: (أنّه موضع وفاق)(4).

وعن «الانتصار»(5) و «الخلاف»(6) و «الغُنية»(7) و «الجواهر»(8): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: جميع النصوص المتقدّمة فى الوقوف الاضطرارى المصرّحة بذلك.8.

ص: 216


1- راجع السرائر: ج 1/587-588.
2- جواهر الكلام: ج 19/36-37.
3- اُنظر الخلاف: ج 2/342 مسألة 162، مدارك الأحكام: ج 7/404.
4- مدارك الأحكام: ج 7/404.
5- الإنتصار: ص 234.
6- الخلاف: ج 2/342.
7- غنية النزوع: ص 181.
8- جواهر الكلام: ج 19/38.

ولو أفاض منها قبل الغروب، وجب عليه بدنة، ولو عَجَز صام ثمانية عشر يوماً إنْ كان عالماً

حكم من أفاض من عرفات قبل الغروب

الفرع الثامن: (ولو أفاض منها قبل الغروب وجب عليه بدنة، ولو عَجَز صام ثمانية عشر يوماً إن كان عالماً) كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1)، بل بلا خلافٍ (2) في أصل الجبر.

وعن «المنتهى »: (إنّه قول عامّة أهل العلم إلّامن مالك)(3) انتهى .

وعن الصدوقين(4): أنّ الكفّارة هي الشاة لا البدنة.

وعن «الخلاف»(5): إطلاق أنّ عليه دماً.

أقول: ويشهد للحكم:

1 - صحيح ضريس، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن رجلٍ أفاض من عرفات قبل أنْ تغيب الشمس ؟ قال عليه السلام: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإنْ لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة، أو في الطريق، أو

ص: 217


1- انظر المبسوط للطوسي: ج 1/367، التبصرة للعلّامة الحِلّي ص 100، قواعد الأحكام: ج 1/435، مستندالشيعة: ج 12/222.
2- كما عن الجواهر: ج 19/28.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/720.
4- حكاه في المختلف عن علي بن بابويه: ج 8/232، وحكاه عنهما في: ج 4/245، وراجع الفقيه للصدوق: ج 2/467 ذيل الحديث 2986.
5- الخلاف: ج 2/338 مسألة 157.

في أهله»(1).

2 - وصحيح مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ؟ قال عليه السلام: إنْ كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإنْ كان متعمّداً فعليه بدنة»(2).

3 - ومرسل ابن محبوب، عنه عليه السلام: «في رجلٍ أفاض من عرفات قبل أنْ تغرب الشمس ؟ قال: عليه بدنة، فإنْ لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوماً»(3).

ونحوها غيرها.

ومقتضى إطلاق النصوص، ثبوت الكفّارة لمن أفاض بعد الزوال بقليلٍ أو كثير، لصدق الإفاضة قبل الغروب.

ودعوى: الانصراف إلى صورة ما إذا أفاض قبيل الغروب.

مندفعة: بمنعه أوّلاً، وكونه بدويّاً ثانياً.

كما أنّ مقتضى صريحها ثبوت البدنة، فما عن الصدوقين غير ظاهر الوجه.

وعن «الجامع»: أنّ به رواية(4)، لكنّها لم تصل إلينا، فلا يُعتمد عليها، مضافاً إلى إعراض الأصحاب عنها على فرض وجودها، كما أنّ ما في النبوي: «مَن تَرك نُسُكاً فعليه دم»(5)، على فرض حجيّته يقيّد إطلاقه بما تقدّم.

وهل الجاهل المقصّر ملحقٌ بالعالم ؟0.

ص: 218


1- الكافي: ج 4/467 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/558 ح 18439.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/187 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/558 ح 18437.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/480 ح 348، وسائل الشيعة: ج 13/558 ح 18438.
4- الجامع للشرايع ص 207، راجع جامع أحاديث الشيعة: ج 11/525 ح 3360.
5- سنن البيهقي: ج 5/152، إرواء الغليل للألباني: ج 4/229 ح 1100.

وجهان، أظهرهما الأوّل، لاتّفاقهم على أنّه بحكم العالم، ولكن مقتضى إطلاق صحيح مسمع عدم وجوب الكفّارة عليه.

الفرع التاسع: ولو أفاض قبل الغروب وجب عليه العود، بناءً على وجوب الاستيعاب كما اخترناه ووجهه واضح، وأمّا على القول الآخر ففيه وجهان.

واستدلّ في «الجواهر»(1) على وجوب العود، بأنّه حينئذٍ مقدّمة لامتثال حرمة الإفاضة قبل الغروب.

ولكن يرد عليه: أنّ بقائه خارج الموقف لا يصدق عليه عنوان الإفاضة من عرفات، وعليه فلا دليل على وجوبه على هذا القول.

الفرع العاشر: ولو عاد، فهل يسقط عنه الكفّارة، كما عن الشيخ(2) وابني حمزة(3)وإدريس(4) وفي «الشرائع»(5) وغيرها(6)؟ أم لا كما عن «النزهه» و «كشف اللِّثام»(7)؟ وجهان.

استدلّ للأوّل:

1 - بالأصل.

2 - وبأنّه لو لم يقف إلّاهذا الزمان، لم يكن عليه شيء، فهو حينئذٍ كمن تجاوز الميقات غير مُحرِمٍ ثمّ عاد إليه فأحرم.ً.

ص: 219


1- جواهر الكلام: ج 19/28.
2- في المبسوط: ج 1/367.
3- في الوسيلة ص 179.
4- في السرائر: ج 1/588.
5- شرائع الإسلام: ج 1/188.
6- كالعلّامة في التذكرة (ط. ق): ج 1/373.
7- كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/70، وحكاه عن نزهة الناظر أيضاً.

ولو كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه.

3 - وبظهور النصوص في غير العائد.

وفيه: إنّ الأصل لا يرجع إليه مع إطلاق الدليل، وعدم الوقوف إلّافي غير هذا الزمان غير الإفاضة التي هي الموجبة للكفّارة، وظهور النصوص في غيرالعائد ممنوعٌ .

هذا كلّه إذا كان عالماً.

(و) أمّا (لو كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه) بلا خلافٍ أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في «الجواهر»(1).

ويشهد به:

1 - صحيح مسمع المتقدّم.

2 - والأصل، بعد اختصاص نصوص الكفّارة بالمتعمّد.

3 - والنص، وإنْ اختصّ صدره بالجاهل، إلّا أنّه يلحق به الناسي بالإجماع(2).

4 - وبمفهوم ذيله: «وإنْ كان متعمّداً فعليه بدنة»، بل يمكن إدخاله في الجاهل المنصوص عليه.

ولو علم أو ذكر قبل الغروب، وجبَ عليه العود مع الإمكان، على القول بوجوب الاستيعاب كما مرّ.

أقول: وهل يجب عليه حينئذٍ الكفّارة لو لم يعد، كما عن ثاني الشهيدين(3)؟4.

ص: 220


1- جواهر الكلام: ج 19/27.
2- انظر مستند الشيعة: ج 12/224.
3- مسالك الأفهام: ج 2/274.

الظاهر العدم، لعدم صدق الإفاضة من عرفات عامداً على البقاء في خارجه كما عرفت.

الفرع الحادي عشر: لو كان نائماً في الموقف، فهل يحتزأ بوقوفه كما عن الشيخ قدس سره(1)؟، أم لا إنْ كان مستوعباً كما عن الشهيد في «الدروس»(2)؟

فالحقّ أن يقال: إنّه كما يقال في الصوم لو نوى الإمساك قبل طلوع الفجر، ثمّ نام واستيقظ بعد غروب الشمس، صحّ صومه من جهة أنّه صام عن نيّةٍ ، ولا ينافي النوم الصوم، وإنْ نام من دون أن ينوي بطل، كذلك في المقام فإنّه لو نوى الوقوف بعرفة ثمّ نام يجتزي به، وإلّا فلا، وقد تقدّم الكلام في ذلك في كتاب الصوم في مبحث النيّة مفصّلاً فراجع(3).

وبما ذكرناه صرّح المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4)، وظاهره كونه متّفقاً عليه.

***2.

ص: 221


1- في المبسوط: ج 1/384.
2- الدروس الشرعيّة: ج 1/420.
3- فقه الصادق: ج 12/23.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/172.

ونَمرة، وثويّة، وذو المجاز، وعُرنة، والأراك حدودٌ لا يُجزي الوقوف بها.

لا يُجزي الوقوف بحدود عَرفة

قد عرفت أنّه يجب الوقوف بعرفة، وقد دلّت النصوص على أنّ عرفة كلّها موقف، وفي «التذكرة»: (إنّه قول علماء الإسلام)(1).

(و) حدود عرفة (نَمرة(2)، وثويّة(3)، وذو المجاز(4)، وعُرنة(5)، والأراك)(6) وهذه (حدود) ها، و (لا يجزي الوقوف بها) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع(7)، وفي «التذكرة» نسبته إلى الجمهور أيضاً إلّاما حُكي عن مالك(8).

أقول: ويشهد بذلك نصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام في حديث: «وحَدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز، وخلف الجبل موقف»(9).

ص: 222


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/174.
2- نمرة: (بفتح النون، وكسر الميم، وفتح الراء - هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف)، اُنظر مجمع البحرين: ج 4/374.
3- ثويّة - بفتح الثاء وكسر الواو وتشديد الياء - حدود عرفة، كذا في مجمع البحرين: ج 1/335.
4- ذو المجاز: هو سوق كان على فرسخ من عرفة بناحية كبكب، كما في الجواهر: ج 19/18، راجع مجمع البحرين: ج 1/429.
5- عُرنة - كهُمزة - وادي بحذاء عرفة.
6- الأراك - كسحاب -: هو موضع بعرفة من ناحية الشام.
7- كما عن الجواهر: ج 19/18.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/175.
9- تهذيب الأحكام: ج 5/179 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/531 ح 18376.

ومنها: خبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «واتّق الأراك ونمرة - وهي بطن عُرنة - وثوية وذي المجاز، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، ومعاوية جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«وحَدّ عرفات من المأزمين إلى الموقف»(2).

ومنها: مرسل الصدوق، قال عليه السلام: «حَدّ عرفة من بطن عرنة وثويّة ونَمرة وذي المجاز، وخلف الجبل موقف إلى وراء الجبل»(3).

وقد تقدّمت النصوص الدالّة على أنّ (أهل الأراك لا حَجّ لهم)، إلى غير ذلك من النصوص.

وفي «الجواهر»: (ولعلّه لا تنافي بين الجميع في كونها حدود عرفة باعتبار الجهات، كما عن «المختلف»)(4).

***9.

ص: 223


1- تهذيب الأحكام: ج 5/181 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/532 ح 18381.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/179 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/533 ح 18383.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/463 ح 2979، وسائل الشيعة: ج 13/533 ح 18384.
4- جواهر الكلام: ج 19/19.

ويستحبّ أن يخرج إلى منى يوم التروية بعد الزوال

وقت الخروج من مكّة

أقول: قد مرّ في شرائط حَجّ التمتّع أنّه لا كلام في أنّه لابدّ وأنْيكون إحرام حَجّ التمتّع من مكّة كما مرّ، فيجبُ الخروج منها إلى جهة عرفات، لأنّه مقدّمة الواجب.

(و) إنّما الكلام في وقت الخروج، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1)كادت تكون إجماعاً، بل عليه الإجماع في غير واحدٍ من الكلمات(2)، أنّه (يستحبّ أن يخرج إلى منى يوم التروية بعد الزوال)، ويجوز قبله وبعده.

وعن الإسكافي(3) والشيخ(4): أنّه لا يجوز تقديمه على يوم التروية لغير ذوي الأعذار.

وعن الشيخ عدم جواز تأخيره عن يوم التروية.

ويشهد للأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كان يوم التروية إنْ شاء اللّه تعالى، فاغتسل ثمّ البس ثوبك، وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار، ثمّ صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر، ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصلِّ

ص: 224


1- انظر فقه الرضا لابن بابويه: ص 223، المقنع للصدوق: ص 267، المقنعة للمفيد: ص 390، الإنتصارللمرتضى: ص 238، الكافي للحلبي: ص 212، المراسم للديلمي: ص 103 وغيرها.
2- كالشيخ في الخلاف: ج 2/281 مسألة 55، والعلّامة في التذكرة (ط. ج): ج 8/159.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 4/323.
4- في التهذيب: ج 5/175، الرسائل العشر ص 233.

المكتوبة، ثمّ قُل في دَبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، وأحرم بالحَجّ وعليك السكينة والوقار، فإذا انتهيت إلى فضا دون الرّدم فلبّ ، فإنْ انتهيت إلى الرَّدم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتّى تأتي منى»(1).

ونحوه خبر عمر بن يزيد(2)، وموثّق أبي بصير(3).

واستدلّ للثاني: أي عدم جواز التقديم على يوم التروية:

1 - بظهور الأمر فيها في الوجوب.

2 - وبموثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرّجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط النّاس وزحامهم، يحرم بالحَجّ ويخرج إلى منى قبل يوم التروية ؟ قال: نعم.

قلت: يخرج الرّجل الصحيح يلتمس مكاناً أو يتروّح بذلك المكان ؟ قال عليه السلام: لا.

قلت: يعجّل بيوم ؟ قال: نعم قلت: بيومين ؟ قال: نعم، قلت: ثلاثة ؟ قال: نعم، قلت: أكثر من ذلك ؟ قال: لا»(4).

واُجيب في «المستند»(5) عن الأوّل: بأنّ النصوص المتقدّمة وإنْ تضمّنت الأمر، إلّا أنّها في الخروج بعد الزوال الذي هو ليس بواجب قطعاً كما يأتي.

وعن الثاني: بأنّه لتضمّنه الجملة الخبريّة لا يدلّ على اللّزوم.

أقول: لكن يندفع الثاني بما تكرّر منّا من أنّ الجملة الخبريّة ظاهرة في اللّزوم،4.

ص: 225


1- الكافي: ج 4/454 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/519 ح 18348.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/169 ح 561، وسائل الشيعة: ج 13/521 ح 18351.
3- الكافي: ج 4/454 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/521 ح 18350.
4- الكافي: ج 4/460 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/522 ح 18352.
5- مستند الشيعة: ج 12/204.

كما ويندفع الأوّل بأنّ الوارد في خبر عمر بن يزيد قوله عليه السلام: «التروية فأهلّ بالحَجّ »، وفي موثّق أبي بصير: «وإنْ قدرت أنْ يكون رواحك إلى منى زوال الشمس، وإلّا فمتى ما تيسّر لك».

وبالجملة: ظاهر النصوص عدم جواز التقديم على يوم التروية، ولكن بما أنّه تكرّر دعوى الإجماع في كلماتهم على جواز التقديم، تُحمل النصوص على الندب والفضل، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم التقديم.

ويجوز لذوي الأعذار التقديم إلى ثلاثة أيّام بلا إشكال، لدلالة الموثّق عليه، وبالنسبة إلى أزيد منها ينبغي مراعاة الاحتياط، كما في غيرهم بالنسبة إلى يوم التروية.

وأيضاً: استدلّ لعدم جواز التأخير عن يوم التروية بالأمر بالإحرام فيها في النصوص المتقدّمة، ولكن يتعيّن البناء على جواز التأخير لنصوص مصرّحة بذلك:

منها: خبر علي بن يقطين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الذي يريد أن يتقدّم فيه الذي ليس له وقت أوّل منه ؟ قال عليه السلام: إذا زالت الشمس ؟

وعن الذي يريد أن يتخلّف بمكّة عشيّة التروية إلى أيّة ساعة يسعه أن يتخلّف ؟

قال عليه السلام: ذلك موسع له حتّى يُصبح بمنى»(1).

ومعناه أنّ أوّل وقت الخروج إلى منى، هو زوال الشمس من يوم التروية، وآخره ليلة عرفة، بأن يصبح في منى.

ومنها: خبر البزنطي، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ :

«وموسّع للرّجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية إلى أنْ يصبح9.

ص: 226


1- تهذيب الأحكام: ج 5/175 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/520 ح 18349.

والإمام يُصلّي بها

حيث يعلم أنّه لا يفوته الموقف»(1).

ونحوهما غيرهما.

وعليه، فلا ينبغي التوقّف في جواز التأخير، وأمّا التقديم فيحتاط بتركه إلّا لذوي الأعذار.

أقول: قد مرّ في آداب الإحرام نقل الأقوال في استحباب الإحرام عقيب الصلاة، وبيّنا هناك أنّ الأظهر في حَجّ التمتّع أنّه إنْ قدر على أن يُصلّي أوّل الوقت بمنى، فيُصلّي الظهر هناك، وإلّا ففي مكّة ثمّ يحرم به.

هذا في غير الإمام، والمراد به أمير الحاجّ كما صرّح به غير واحد من الفقهاء(2)، ويشهد به خبر المؤذن، قال:

«حَجّ إسماعيل بن علي بالنّاس سنة أربعين ومائة، فسقط أبو عبد اللّه عليه السلام عن بغلته، فوقف عليه إسماعيل. فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: سِر فإنّ الإمام لا يقف»(3).

(و) أمّا (الإمام) فقد صرَّح غير واحدٍ(4) بأنّه (يُصلّي بها) أي بمنى، ويشهد به صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«على الإمام أن يُصلّي الظهر بمنى، ويبيت بها ويصبح حتّى تطلع الشمس، ثمّ يخرج إلى عرفات»(5).1.

ص: 227


1- تهذيب الأحكام: ج 5/176 ح 4.
2- كالشيخ في التهذيب: ج 5/175، جواهر الكلام: ج 19/7، كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/60.
3- الكافي: ج 4/541 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/525 ح 18362.
4- اُنظر الشيخ في الإقتصاد: ص 305، الحِلّي في السرائر: ج 1/586، العلّامة في التذكرة (ط. ج): ج 8/163.
5- الكافي: ج 4/460 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/525 ح 18361.

ثمّ يبيتُ بها إلى فَجر عَرفة،

ونحوه غيره من الأخبار.

وظاهرها وإنْ كان لزوم ذلك، إلّاأنّ الظاهر اتّفاق الأصحاب - إلّاالنادر منهم(1) - على استحبابه، فلتُحمل النصوص عليه.

وأمّا المبيت بمنى: فالمشهور بين الأصحاب(2) استحبابه للإمام وغيره.

وعن القاضي(3) والحلبي(4) وجوبه للإمام، وظاهر المصنّف في هذا الكتاب حيث قال: (ثمّ يبيتُ بها إلى فجر عَرفة) اختصاص رجحان ذلك بالإمام.

وملخّص القول فيه: إنّه يشهد لاستحبابه لغير الإمام:

1 - صحيح ابن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام: «ثمّ تُصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر»(5).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «سأله هل صَلّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله الظهر بمنى يوم التروية ؟

فقال عليه السلام: نعم، والغداة بمنى يوم عرفة»(6).

وظاهرهما وإنْ كان لزوم ذلك، إلّاأنّه يُحملان على الاستحباب، للنصوص9.

ص: 228


1- كالشيخ في التهذيب: ج 5/176 ذيل الحديث 590.
2- كالحِلّي في السرائر: ج 1/521، العلّامة في التذكرة (ط. ج): ج 8/165، ونقل الجواهر: ج 19/11 هذه الشهرة، وكذلك الفاضل الهندي في كشف اللّثام (ط. ج): ج 6/60.
3- المهذّب: ج 1/251.
4- الكافي للحلبي: ص 213.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/177 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/524 ح 18360.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/177 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/524 ح 18359.

المتقدّمة الدالّة على جواز التأخير في الخروج إلى أنْ يعلم أنّه لا يفوته الموقف.

وأمّا الإمام: فالنصوص الآمرة بمبيته بها كثيرة، لاحظ صحيح جميل المتقدّم آنفاً، لكن من جهة الإجماع على الاستحباب تُحمل عليه.

***

ص: 229

ولا يجوزَ وادي محسِّر حتّى تطلع الشمس، وأن يدعو عند نزولها، والخروج منها، وفي الطريق،

بعض آداب الوقوف بعرفات

(و) من الآداب: أن (لا يجوز وادي مُحسِّر) - بكسر السين المشدّدة(1) على صيغة اسم الفاعل - حَدّ منى إلى جهة عرفة، كما صرّح به في الصحيح، (حتّى تطلع الشمس) بلا خلافٍ ، إلّاعن الشيخ(2) والقاضي(3) حيث حرّماه.

ويشهد للحكم صحيح هشام، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«لا يجوز وادي محسِّر حتّى تطلع الشمس»(4).

وظاهره الحرمة، إلّاأنّ تسالم الأصحاب على عدم الحرمة يوجب رفع اليد عن ظهوره، واللّه العالم.

أيضاً: (و) يستحبّ (أن يدعو عند نزولها، والخروج منها، وفي الطريق) بما تضمّنته النصوص:

منها: صحيح معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا انتهيت إلى منى، فقل: اللّهُمَّ هذه منى، وهذه ممّا مَننتَ به علينا من المناسك، فاسألك أن تَمُنَّ عَليَّ بما مننتَ به على

ص: 230


1- وادٍ معترض الطريق بين جمع ومنى، وهو إلى منى أقرب، وهو حَدٌّ من حدودها، سُمّي بذلك لما قيل أنّ فيه أبرهة أعيى وكلَّ فيه فتحسّر أصحابه بفعله، وأوقعهم في الحسرات.
2- في المبسوط: ج 1/366، والتهذيب: ج 5/178.
3- في المهذّب: ج 1/251.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/178 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/528 ح 18370.

وأن يقف مع السّفح

أنبيائك، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك»(1).

ومنها: في صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «فقُل وأنتَ متوجّهٌ إليها: اللّهُمَّ إليك صمدتُ ، وإيّاك اعتمدتُ ، ووجهك أردتُ ، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي، وأن تقضي لي حاجتي، وأن تجعلني ممّن تُباهي به اليوم مَنْ هو أفضل منّي، ثمّ تُلبِّي وأنتَ غادٍ إلى عرفات»(2).

ومنها: في حسنه: «إذا توجّهت إلى منى، فقُل: اللّهُمَّ إيّاك أرجو، وإيّاك أدعو، فبلّغني أملي، وأصلح لي عملي»(3).

وأيضاً: (و) يستحبّ (أن يقف مع السّفح) أي أسفل الجبل، وأوجبه الحِلّي(4)ولو قليلاً.

يشهد للأوّل:

1 - موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

«عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض ؟

قال عليه السلام: على الأرض»(5).

2 - وصحيح مسمع، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عرفات كلّها موقف، وأفضل الموقف سفح الجبل»(6).8.

ص: 231


1- تهذيب الأحكام: ج 5/177 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/526 ح 18365.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/179 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/528 ح 18371.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/177 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/526 ح 18364.
4- في السرائر: ج 1/587.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/180 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/532 ح 18380.
6- الكافي: ج 4/463 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/534 ح 18388.

في ميسرة الجبل داعياً

وقالوا أيضاً: يستحبّ الوقوف (في ميسرة الجبل)، ويشهد به صحيح معاوية ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قف في ميسرة الجبل، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلمّا وقف صلى الله عليه و آله جعل النّاس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبه، فنحّاها، ففعلوا مثل ذلك...

إلى أنْ قال: وهذا كلّه موقف، وأشار بيده إلى الموقف»(1) الحديث.

استحباب الدّعاء في عرفات

وأيضاً: يستحبّ أنْ يكون زمان وقوفه بعرفات كلّه (داعياً) بالدّعاء المتلقّى عن أهل البيت عليهم السلام أو غيره من الأدعية والثناء والذِّكر، بلا خلافٍ في الرجحان بل إجماعاً، والنصوص الدالّة عليه فوق حَدّ التواتر.

أقول: إنّما الكلام في أنّه:

1 - ذهب بعض علمائنا إلى وجوب الدّعاء.

2 - وبعضهم إلى وجوب الذِّكر والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله كالقاضي(2).

واستدلّ للأوّل:

1 - مضافاً إلى الأمر بالدّعاء في جملةٍ من النصوص كصحيح معاوية، عن

ص: 232


1- الكافي: ج 4/463 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/534 ح 18387.
2- المهذّب: ج 1/246.

الإمام الصادق عليه السلام:

«ثمّ تأتي الموقف وعليك السكينة والوقار، فاحمِد اللّه وهلّله ومجِّده واثنِ عليه، وكبّر مائة مرّة...

إلى أنْ قال: واقرأ قل هو اللّه أحد مائة مرّة، وتخيّر لنفسك من الدّعاء ما أحببتَ واجتهد، فإنّه يوم دعاء ومسألة، وتعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم، فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه أن يذهلك في ذلك الموضع، وإيّاك أن تشتغل بالنظر إلى النّاس، وأقبل قِبل نفسك، وليكن فيما تقول: اللّهُمَّ .. الخ»(1).

2 - بخبر أبي يحيى زكريّا الموصلي، عن العبد الصالح عليه السلام:

«عن رجلٍ وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده قبل أنْ يذكر اللّه تعالى بشيء أو يدعو، فاشتغل بالجَزَع والبكاء عن الدّعاء، ثمّ أفاض النّاس، فقال عليه السلام: لا أرى عليه شيئاً وقد أساء، فليستغفر اللّه»(2).

بناءً على أنّ الإساءة والاستغفار إنّما لترك الدّعاء.

3 - وبما رواه في «المجالس» الوارد في أسئلة اليهودي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وقد ورد فيه قول النبيّ صلى الله عليه و آله:

«ففرض اللّه عزّ وجلّ على أُمّتي الوقوف والتضرّع والدّعاء في أحبّ المواضع إليه، وتكفّل لهم بالجنّة»(3).

أقول: ولكن الأظهر هو الاستحباب، وعدم الوجوب:5.

ص: 233


1- تهذيب الأحكام: ج 5/182 ح 15، وسائل الشيعة: ج 13/538 ح 18394.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/184 ح 18، وسائل الشيعة: ج 13/543 ح 18401.
3- أمالي الصدوق ص 254 ح 279، وسائل الشيعة: ج 13/550 ح 18415.

1 - لتسالم الأصحاب عليه.

2 - ولأنّ النصوص المتضمّنة للأمر، آمرة بأدعية مخصوصة ليست بواجبة قطعاً، كما هو صريح صحيح معاوية، وأمّا خبر الموصلي فظاهره كون الإساءة والاستغفار للجَزَع والبكاء، ولذا قال بعد ذلك: (أمّا لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسناتِ أهل الموقف.. الخ).

وأمّا خبر المجالس فقابل لإرادة الندب، سيّما بضميمة ترتّب الثواب، خاصّة بعد عدم كونه في مقام التشريع وكونه في مقام الإخبار عمّا شرع كما لا يخفى .

3 - ولخبر الأزدي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ وقف بالموقف فأصابته دهشة النّاس، فبقي ينظر إلى النّاس ولا يدعو حتّى أفاض النّاس ؟ قال عليه السلام: يجزيه وقوفه»(1).

والمناقشة في دلالته: على عدم الوجوب كما في «الجواهر» في غير محلّه، ولذا رجع هو قدس سره عن ذلك، وقال: (لكن الإنصاف عدم خلوّ الأوّل عن ظهورٍ في الاجتزاء بالوقوف المجرّد، وأنّه لا يجب غيره)(2).

أمّا القول الثاني: فقد استدلّ لما ذهب إليه القاضي بالآية الكريمة.

واُجيب: بعدم كونها للوجوب.

وفيه: أنّه ليس في آية من الآيات امرٌ بالذِّكر والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله في عرفات، بل فيها الأمر بالذِّكر عند المشعر الحرام، وعلى بهيمة الأنعام، وفي أيّام معدودات، وقد فُسّرت في الأخبار بالعيد وأيّام التشريق، والذكر فيها بالتكبيرا.

ص: 234


1- تهذيب الأحكام: ج 5/184 ح 17، وسائل الشيعة: ج 13/543 ح 18400.
2- جواهر الكلام: ج 19/52 وما بعدها.

قائماً، وأنْ يجمع بين الظهرين بأذان وإقامتين.

عقيب الصلوات، وبعد قضاء المناسك، فيُحتمل التكبير المذكور وغيره.

فتحصّل: أنّ الأظهر استحبابه(1)، ولكن كما أفاده سيّد «المدارك»(2): (لا ريب في تأكّد استحباب الدّعاء في هذا اليوم فإنّه شريفٌ كثير البركة...

إلى أنْ قال: الدعوات المأثورة فيه عن النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام أكثر من أنْ تُحصى ، وأحسنه الدّعاء المنقول عن سيّدنا ومولانا أبي عبداللّه عليه السلام وولده الإمام زين العابدين عليه السلام.. الخ).

ويستحبّ أيضاً: أن يدعو (قائماً) هكذا قالوا، ولكن صاحب «الجواهر» لم يجد نصاً فيه بالخصوص، ولذا علّله بأنّه أفضل الأفراد، باعتبار كونه (أحمز وإلى الأدب أقرب)(3).

أقول: لكن إنْ كان هذا هو العلّة، فالسجود أفضل للأخبار والاعتبار، والأمر سهلٌ بعد كون الحكم ندبيّاً.

(و) أيضاً يستحبّ (أن يجمع بين الظهرين بأذان وإقامتين) للنصوص المتقدّمة المتضمّنة لذلك:

ففي صحيح معاوية المتقدّم: «وصلِّ الظهر والعصر بأذان واحدٍ وإقامتين، فإنّما تُعجّل العصر وتُجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنّه يوم دعاء ومسألة».

وهل سقوط الأذان عن الثانية على نحو العزيمة أو الرخصة ؟ فيه كلام قد مرّ في كتاب الصلاة من هذا الشرح(4).

***5.

ص: 235


1- جواهر الكلام: ج 19/52 وما بعدها.
2- مدارك الأحكام: ج 7/410.
3- جواهر الكلام: ج 19/58.
4- فقه الصادق: ج 6/415.

ويكره الوقوف في أعلى الجبل، وقاعداً، وراكباً.

مكروهات الوقوف بعرفات

يقول المصنّف رحمه الله: (ويُكره الوقوف في أعلى الجبل).

وعن ابني البرّاج(1) وإدريس(2) تحريمه، ويشهد لأفضليّة الوقوف على الأرض - التي هي المراد من كراهة الوقوف الذي هو من العبادات - موثّق إسحاق المتقدّم، المتضمّن أفضليّة الوقوف على الأرض صريحاً، وصحيح مسمع المتقدّم آنفاً.

وقد استدلّ للحرمة: بخبر سماعة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون ؟ قال عليه السلام: يرتفعون إلى الجبل»(3).

ولكن في دلالته عليها منعاً، وعلى فرضها يُحمل على الكراهة، لتسالم الأصحاب، ولموثّق إسحاق المتقدّم.

(و) ممّا اشتهر أنّه يكره، هو الوقوف (قاعداً وراكباً).

وعن «التذكرة»: (عندنا الركوب والقعود مكروهان)(4).

أقول: قد تقدّم خبر محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، قال: «رأيتُ أبا عبداللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام بالموقف على بغلةٍ رافعاً يده إلى السماء.. الخ».

كما مرَّ ما عن «كشف اللِّثام» من المنع عن الركوب وجوابه(5).

ص: 236


1- في المهذّب: ج 1/246.
2- في السرائر: ج 1/587.
3- الكافي: ج 4/466 ح 11، وسائل الشيعة: ج 13/535 ح 18389.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/169.
5- تقدّمت الرواية وكلام صاحب كشف اللّثام قبل صفحات.

وقد يقال: إنّ الركوب أفضل، لما رُوي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقف راكباً.

وفيه: ما عن «المنتهى »(1) من أنّه يمكن أن فعل ذلك كان بياناً للجواز كما طاف راكباً، ومع ذلك كلّه، الإفتاء بكراهة الركوب أو القعود مطلقاً، مع عدم الدليل سوى الاشتهار بين الفقهاء، مشكلٌ جدّاً.

ثمّ إنّه في المقام مستحبّات اُخرى تتضمّن النصوص جملة منها، أوكلنا بيانها إلى الكتب المفصّلة.

***6.

ص: 237


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/716.

كفاية الحَجّ الذي وقع على طبق حكم قاضي العامّة

خاتمة: في بيان مسألة مهمّة مبتلى بها في هذه الأيّام، وهي أنّه بعدما عرفت من أنّ وقت الوقوف بعرفات هو يوم التاسع من شهر ذي الحجّة، فلو قامت البيّنة عند قاضي العامّة، وحَكم برؤية الهلال على وجهٍ يكون يوم التروية عندنا - عِلْماً أو استصحاباً - عرفة عندهم:

1 - فهل يصحّ للإمامي الوقوف معهم ويجزي، كما عن العلّامة الطباطبائي(1)، ومالَ إليه صاحب «الجواهر»(2)، وأفتى به جمعٌ من فقهاء العصر وما يقرب من عصرنا(3).

2 - أم لا يصحّ كما عن جمع آخرين(4).

3 - أم يفصّل بين ما إذا لم يثبت الخلاف فيجزي، وبين ما إذا ثبت فلا يجزي، كما عن جمعٍ من متأخّري المتأخّرين ؟ وجوه.

أقول: وقد استدلّ للصحّة والإجزاء بوجوه:

الوجه الأوّل: عمومات التقيّة:

منها: صحيح هشام، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «التقيّة في كلّ شيء، إلّافي شُرب النبيذ والمسح على الخُفّين»(5). ونحوه غيره.

ص: 238


1- نقل الحكاية عنه في جواهر الكلام: ج 19/32.
2- جواهر الكلام: ج 19/32.
3- اُنظر تحرير الوسيلة: ج 1/441 مسألة 7، كلمة التقوى للشيخ محمّد أمين زين الدين: ج 3/406 مسألة 905، أحكام الحَجّ من تحرير الوسيلة للفاضل اللنكراني: ص 128، وغيرهم.
4- انظر مسالك الفهام: ج 2/391.
5- الكافي: ج 2/217 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/215 ح 21394.

بتقريب: أنّها تدلّ على إذن الشارع الأقدس في الإتيان بالواجبات على وفق مذهب العامّة، وموافقة للتقيّة، فكما أنّ الإذن في عبادة خاصّة كالصّلاة متكتّفاً، والوضوء مع غَسل الرّجلين، وما شاكل - يوجبُ إجزاء المأتي به عن الأمر - لأنّ الأمر بالكلّي كما يسقط بفرده الاختياري كذلك يسقط بفرده الاضطراري، كذلك الإذن بامتثال أوامر العبادات على وجه التقيّة، يستلزم إجزاء ما أتى به على وجه التقيّة عن الأمر، فالأمر المتعلّق بالحَجّ مع الوقوف يوم التاسع بعرفة، يسقط بالحَجّ مع الوقوف يوم الثامن من جهة التقيّة.

أقول: لا إشكال في جواز التقيّة تكليفاً - بل عن جمعٍ من المحقّقين(1) أنّها قد تجب، وآيتان كريمتان من الكتاب المجيد(2) ونصوص مستفيضة شاهدة به - إلّاأنّها ربما تحرم أيضاً في موارد:

منها: الدّماء.

ومنها: فيما إذا لزم من التقيّة محو الدِّين وتضعيفة، كالسكوت بوجه سلاطين الجور، المبتدعين في الدِّين والمعاندين للحقّ واليقين، الذين إذا خلا لهم الجوّ بدّلوا أحكام اللّه تعالى ، وغيّروا سُنّة رسوله صلى الله عليه و آله، بحيث لا يبقى من الإسلام إلّااسمه، ومن القرآن إلّارسمه.

ومنها: فيما إذا وقعت الفتن، بحيث تجلب للمؤمن ذلّة وحقارة وحطّة عن شرافته ومقامه إذا كتمَ الحقّ ، ولم يُظهره، أو كان في حياة غيره كفاية، فإنّه تحرم عليه».

ص: 239


1- انظر كتاب الصلاة للشيخ الأعظم: ج 2/476 وما بعدها، صلاة الجماعة للأصفهاني: ص 223 وما بعدها.
2- سورة آل عمران: الآية 28 «إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ...»، وسورة النحل: الآية 106 «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ...».

التقيّة حينئذٍ، ويجبُ عليه أن يعرّج على قوله الحقّ حتّى لو استلزم أن يعرِّض نفسه وأمواله للنهب والهلاك، ويستبدل الحياة الفانية الحقيرة في ولاية الظالمين بالحياة الباقية عند اللّه تعالى، فقد صحّ الخبر عن سيّدنا الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ اللّه فوّض إلى المؤمن اُموره كلّها، ولم يفوّض إليه أنْ يكون ذليلاً، أما تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول: «وَ لِلّهِ اَلْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ »(1) فالمؤمن ينبغي أنْ يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً(2)، يعزّه اللّه بالايمان والإسلام».

فهذا سيّد شاب أهل الجنّة، ورأس اُباة الضيم أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السلام يقول في خطبته: «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه، فإنّي لا أرى الموت إلّاسعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً»(3).

وهوالذي يقول: «لا واللّه، لا أعطيهم بيدي إعطاءالذّليل، ولا أفِرُّفرارالعبيد»(4).

وهو الذي قال في خطبته المعروفة: «ألا وإنّ الدَّعي ابن الدَّعي قد ركز بين اثنتين: بين السَّلة والذِّلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهرت، وأنوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبية، من أن نؤثر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحفٌ بهذه الاُسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر»(5).

وأفحش من ذلك السكوت عن بيان الحقّ وكتمانه عند تصويب القوانين0.

ص: 240


1- سورة المنافقون: الآية 8.
2- الكافي: ج 5/63 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/157 ح 21233.
3- مثيرالأحزان لابن نما الحِلّي، المتوفّى سنة 645: ص 31-32، مقتل الحسين عليه السلام للمقرم: ص 210، 257، 263.
4- الإرشاد للشيخ المفيد: ج 2/98، المناقب لابن شهر آشوب: ج 3/224.
5- الإحتجاج للطبرسي: ج 2/24-25، مثير الأحزان ص 40.

المخالفة لقوانين الإسلام، وأحكام القرآن الثابتة بعنوان أنّها من أحكام الإسلام، وأنّه جاء بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، معتذراً بأنّه يمكن أن تتأذى مصادر الاُمور من ذلك، وتكون النتيجة أن يفعلوا أفعالاً تمسّ بكرامتنا، أو تودي إلى إخراجنا من بلادنا كما فعلوا بأمثالنا.

ففي خبر يونس بن عبد الرحمن، عن الصادقين عليهما السلام، قالا:

«إذا ظهرت البدَع، فعلى العالم أن يُظهر علمه، فإنْلم يفعل سُلِب نور الإيمان»(1).

وفي خبر محمّد بن جمهور، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إذا ظهرت البدع في أُمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه»(2).

وفي خبر طلحة بن زيد، عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ العالم الكاتم علمه يُبعَث أنتن أهل القيامة ريحاً، تلعنه كلّ دابّةٍ من دواب الأرض الصغار»(3).

إلى غير ذلك من النصوص المرويّة عنهم عليهم السلام.

أقول: وتفصيل القول في هذه الجهة موكولٌ إلى محلّ آخر، ولعلّ اللّه يوفّقنا بعد الخلاص من أيدي الجبابرة لوضع رسالة في ذلك، نُبيِّن فيها موارد جواز التقيّة تفصيلاً، بحيث لا يشتبه الأمر كما اشتبه في هذه الأيّام على كثيرٍ من الأنام(4).

***ي.

ص: 241


1- غيبة الطوسي ص 64، علل الشرائع: ج 1/235 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/271 ح 21546.
2- الكافي: ج 1/54 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/269 ح 21538.
3- المحاسن للبرقي: ج 1/231 ح 177، وسائل الشيعة: ج 16/270 ح 21539.
4- هذه النفثات الصادرة من صدر المؤلّف (دام ظلّه) إنّما صدرت في أيّام النظام الطاغوتي الذي كان جاثماً على صدر الشعب الإيراني.

بحث حول التقيّة في الوقوف بعرفات

أقول: استفادة الإجزاء من نصوص التقيّة، وأنّه يجزي الوقوف مع العامّة، تتوقّف على اُمور:

1 - وجود أدلّة مطلقة تشمل جميع أبواب العبادات.

2 - دلالة ذلك على أنّ المأتي به على وفق مذهب العامّة بدلٌ عن المأمور به الواقعي، أو على أنّ التكليف بالواقع الذي اقتضت التقيّة تركه يكون ساقطاً، وإلّا فمع انتفاء الأمرين لا مجال للحكم بالإجزاء، لأنّ الجواز التكليفي لا يكفي للإجزاء وسقوط الأمر الواقعي، كذلك الجواز الوضعي الذي غايته كونه مأموراً به، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف الواقعي.

3 - شمول نصوص التقيّة للعمل على طبق الموضوع الخارجي الذي اعتقدوا تحقّقه في الخارج، مع عدم تحقّقه في الواقع، كالوقوف بعرفات يوم الثامن إذا اعتقدوا رؤية الهلال في اللّيلة الأخيرة من ذي القعدة، فإنّه لا اختلاف بيننا وبينهم في الحكم الكلّي المجعول، وهو لزوم الوقوف يوم التاسع من ذي الحجّة، وإنّما الاختلاف في الموضوع الخارجي.

دليل التقيّة شاملٌ لجميع العبادات

أمّا الأمر الأوّل: فالأخبار التي يستفاد منها الشمول متعدّدة:

منها: مصحّح هشام، عن ابن أبي عمر الأعجمي، عن الصادق عليه السلام: «التقيّة في كلّ شيء، إلّافي النبيذ والمسح على الخفّين»(1).

ص: 242


1- الكافي: ج 2/217 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/215 ح 21394.

وتقريب الاستدلال: أنّه يدلّ على ثبوت التقيّة ومشروعيّتها في كلّ شيء ممنوعٍ لولا التقيّة، إلّافي الفعلين المذكورين، فإستثناء المسح على الخُفّين مع كون المنع فيه غيريّاً تشريعيّاً، دليلٌ على عموم (الشيء) لكلّ شيء ممّا يشبهه من الممنوعات، لأجل التوصّل بتركها إلى صحّة العمل، ويدلّ على أنّ التقيّة ترفع ذلك المنع الغيري ولازم ذلك الأمر به، وحيث أنّه أمرٌ بعنوان التقيّة والاضطرار منّة على العباد بالحنيفيّة السمحة، فلا محالة يكون بدلاً عن المأمور به الواقعي، فيدلّ على أنّ غَسل الرّجلين الذي يراه العامّة جزء للوضوء، مكان مسحه مأمورٌ به في حال التقيّة، وبدلٌ عن المسح المأمور به الواقعي، فلا محالة يكون مجزياً.

أقول: وفي معنى هذا الخبر أخبارٌ اُخر:

منها: صحيح زرارة، قال: «قلت له: في مسح الخفّين تقيّة ؟

فقال عليه السلام: ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شُرب المسكر، ومَسح الخفّين، ومتعة الحَجّ .

قال زرارة: ولم يقل الواجب عليكم أنْ لا تتّقوا فيهنّ أحداً»(1).

فإنّ معناه ثبوت التقيّة في غير الثلاث من الاُمور الممنوعة شرعاً، ولازمه ما ذكرناه في سابقه.

ولا يقدح في الاستدلال عدم الخلاف بين الأصحاب في جواز المسح على الخفّين، بناءً منهم على أنّ مقتضى الجمع بين هذه الأخبار، وبين ما دلّ على جوازه، حملها على إرادة نفي الوجوب، أو اختصاص الاستثناء بنفس الإمام عليه السلام، أو غير ذلك من المحامل.

ومنها: موثّق سماعة، عن رجلٍ كان يُصلّي فخرج الإمام وقد صَلّى الرّجل6.

ص: 243


1- الكافي: ج 3/32 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/215 ح 21396.

ركعةً من صلاة فريضة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان إماماً عَدْلاً فليصلِّ اُخرى وينصرف، ويجعلهما تطوّعاً، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإنْ لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، ويُصلّي ركعة اُخرى ويجلس قَدَر ما يقول أشهدُ أنْ لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع، فإنّ التقيّة واسعة، وليس من شيء من التقيّة إلّاوصاحبها مأجورٌ عليها إنْ شاء اللّه تعالى »(1).

وتقريب الاستدلال: أنّ الأمر بإتمام الصلاة على ما استطاع، مع عدم الاضطرار إلى فعل الفريضة في ذلك الوقت، معلّلاً بأنّ التقيّة واسعة، يدلّ على جواز كلّ عملٍ على وجه التقيّة، وأداء الصلاة على جميع وجوه التقيّة، ومنها الصلاة مع عدم السجود على الأرض، وجواز ذلك مستلزمٌ للأمر به كما مرّ.

ومنها: موثّق مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ : «وتفسير ما يتّقى مثل أنْ يكون قومٌ سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيءٍ يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة، ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدِّين، فإنّه جائز»(2).

بناءً على أنّ المراد بالجواز في (كلّ شيء) بالقياس إلى المنع المتحقّق فيه لولا التقيّة، فيصدق على غَسل الرِّجلين في الوضوء في محلّ التقيّة أنّه جائز، وغير ممنوع عنه بالمنع الثابت فيه لولا التقيّة.7.

ص: 244


1- الكافي: ج 3/380 ح 7، وسائل الشيعة: ج 8/405 ح 11207.
2- الكافي: ج 2/168 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/216 ح 21397.

وأمّا الأمر الثاني: فقد ظهر في تقريب دلالة مصحّح هشام على جريان التقيّة في كلّ عبادة، بتقريب دلالته على كون المأتي به تقيّة بدلٌ عن المأمور به الواقعي، فيدلّ على الإجزاء وسقوط الإعادة والقضاء.

وأمّا الأمر الثالث:

فقد يقال: إنّ نصوص التقيّة حتّى ما له إطلاقٌ منصرفة إلى ما له دخلٌ في المذهب - كغَسل الرجلين ومتعة الحَجّ - وأمّا ما هو اعتقاد خطأ في موضوعٍ خارجي - ككون اليوم تاسع ذي الحجّة - فالنصوص لا تشمله.

ولكن يمكن أنْ يُقال: أنّه فرقٌ بين الموضوع الخارجي الصرف، وبين ما يرجع إلى الحكم، والنصوص وإنْ لم تشمل الأوّل، إلّاأنّها تشمل الثاني، والمقام من قبيل الثاني، فإنّه إذا حَكم القاضي بثبوت الهلال من جهة شهادة من لا تُقبل شهادته إذا كان مذهب الحاكم القبول، فترك العمل به قدحٌ في المذهب، فيدخل في أدلّة التقيّة، كما يشهد به نصوص الصوم الآتي بعضها.

إعتبار المندوحة

ثمّ إنّ تمام الكلام فى استفادة الحكم من هذه النصوص يتوقّف على التعرّض لجهات:

الجهة الأُولى: أنّه هل يعتبر عدم المندوحة كما عن «المدارك»(1).

أم لا يعتبر، كما عن الشهيدين والمحقّق الثاني في «البيان»(2) و «الروض»(3)

ص: 245


1- مدارك الأحكام: ج 1/223.
2- البيان للشهيد الأوّل: ص 10.
3- روض الجنان (ط. ق) للشهيد الثاني: ص 37.

و «جامع المقاصد»(1)؟ وجهان.

أظهرهما الأوّل في خصوص المقام، وإنْ كان في باب الوضوء والصلاة روايات يمكن استفادة عدم اعتبار عدم المندوحة منها.

أقول: ويشهد لما اخترناه جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «التقيّة في كلّ ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به»(2).

ومنها: خبر الفاضلين، عنه عليه السلام: «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم، فقد أحلّه اللّه له»(3).

وفي معناهما روايات اُخر.

ومنها: خبر البزنطي، عن إبراهيم بن شيبة، قال: «كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف مَن يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يرى المسح على الخُفّين، أو خلف من يحرّم المسح وهو يمسح ؟

فكتب عليه السلام: إنْ جامعك وإيّاهم موضعٌ لا تجد بُدّاً من الصلاة معهم، فأذّن لنفسك وأقم(4)... الخ».

وعليه، فالأظهر اعتبار عدم المندوحة؛ أعمّ من التمكّن حين العمل من الإتيان به موافقاً للواقع، مثل أن يمكنه عند إرادة التكفير للتقيّة من الفصل بين يديه، بأن لا يضع بطن إحداهما على ظهر الاُخرى ، بل يقارب بينهما، ومن تبديل موضوع2.

ص: 246


1- جامع المقاصد: ج 1/222.
2- الكافي: ج 2/219 ح 13، وسائل الشيعة: ج 16/214 ح 21392.
3- الكافي: ج 2/220 ح 18، وسائل الشيعة: ج 16/214 ح 21393.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/276 ح 127، وسائل الشيعة: ج 8/363 ح 10912.

التقيّة بموضوعٍ آخر، كما لو كان في محلٍّ إذا أراد أن يُصلّي فإنّ التقيّة هناك تقتضي أن يُصلّي على خلاف مذهب الحقّ ، ولكن له أن يخرج من ذلك المكان إلى مكان آخر يتمكّن من أداء الصلاة صحيحة.

ففي المقام قد يتمكّن من الوقوف يوم التاسع، وقد لا يتمكّن من ذلك ما دام مع جماعة خاصّة، ولكن يمكن له ذلك إذا تخلّف عنهم، فيعتبر عدم التمكّن بكلا معنييه.

أمّا الاستدلال لعدم اعتباره في الفرض الثاني:

1 - بلزوم الحرج العظيم.

2 - وبأنّ التقيّة إنّما شُرّعت تسهيلاً للأمر على الشيعة.

3 - وبأنّ ذلك ربما يؤدّي إلى اطّلاعهم على ذلك، ويترتّب عليه مفسده أهمّ كما في رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله(1).

في غير محلّه: فإنّ محلّ الكلام ما لو لم يلزم الحَرَج، ولا يترتّب مفسدة أهمّ ، ومجرّد كون التقيّة إنّما شُرّعت للتسهيل لا يقتضي ذلك.

وعليه، فمن يتمكّن من الوقوف في اليوم التاسع ولو بالاقتصار على ما هو الرّكن خاصّة، من دون أن يترتّب عليه مفسدة شخصيّة أو نوعيّة، دون أن يوجب ذلك خوفاً، لا يجزيه الوقوف معهم، وإلّا فيكون مجزياً، من غير فرقٍ بين ما لو علم بأنّه ليس اليوم هو التاسع أم شكّ في ذلك.

***1.

ص: 247


1- رسالة في التقيّة للشيخ الأعظم: ص 51.

حكم ما لو ترك التقيّة ووقف اليوم التاسع

الجهة الثانية: إذا ترك المؤمن التقيَّة ووقف يوم التاسع، ولم يقف معهم:

فهل يصحّ حَجّه أم لا؟

ام يفصّل بين ما إذا وجبت التقيّة فلا يصحّ ، وبين ما إذا لم تجب فيصحّ؟ وجوه.

أقول: لا ريب في الصحّة مع عدم تعيّن التقيّة، كما في هذه الأزمنة التي يترتّب على ترك التقيّة ضررٌ يجوز تحمّله، لأنّ معنى عدم وجوبها جواز العمل على وفق مذهب الحقّ .

وأمّا في مورد وجوبها - كما إذا لزم من تركها قتل نفس محترمة وما شاكل - فقد استدلّ للبطلان:

1 - بأنّ ظاهر الأمر بالتقيّة لزوماً، كون الوقوف في اليوم الثامن معهم جزءً تعيّينياً للحجّ ، فيلزم من تركه بطلان الحَجّ .

2 - وبأنّ الأمر بالوقوف معهم، مستلزمٌ للنهي عن الوقوف في اليوم التاسع، والنهي عن العبادة يستلزم الفساد.

3 - وبأنّ الوقوف في اليوم الثامن، كما يكون موافقاً للتقيّة ومأموراً به، كذلك ترك الوقوف في اليوم التاسع، ولازم ذلك وجوب الترك وحرمة الفعل، ولازمه البطلان.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الأمر بالتقيّة لمصلحةٍ فيها أهمّ من ما في الوقوف في اليوم التاسع، لا يوجبُ سقوط الأمر به حتّى بنحو الترتّب.

ص: 248

وأمّا الثاني: فلما حقّقناه في محلّه من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه، مع أنّ الوقوف في اليوم التاسع ليس ضدّاً للوقوف في اليوم الثامن، كما لايخفى .

وأمّا الثالث: فلأنّ ترك الواجب ليس بحرام، اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال إنّه إذا ترتّب ضررٌ يحرم تحمّله - كقتل النفس - على الوقوف في اليوم التاسع مثلاً، فلا محالة يكون هو سبباً للحرام فيكون حراماً.

وعلى كلّ تقدير، فإنّ هذا فردٌ نادر جدّاً، والغالب عدم حرمة تحمّل ما يترتّب على ترك التقيّة من المفسدة.

وعليه، فيجوز ترك التقيّة، والعمل بما يوافق مذهب الحقّ .

الجهة الثالثة: إنّه قد يتوهّم أنّ خبر رفاعة، عن رجلٍ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«دخلتُ على أبي العبّاس بالحيرة، فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام اليوم ؟

فقال: ذاك إلى الإمام، إنْ صمتَ صمنا، وإنْ أفطرتَ أفطرنا.

فقال: يا غلام، عَليَّ بالمائدة، فأكلتُ معه وأنا أعلم - واللّه - إنّه يومٌ من شهر رمضان، فكان إفطارى يوماً وقضائه أيسر عَليَّ من أنْ يُضرب عُنقي ولا يُعبد اللّه»(1).

يدلّ على أنّ العمل الموافق للتقيّة لا يوجبُ سقوط الإعادة والقضاء.

ولكن يرد عليه: أنّ الخبر إنّما يدلّ على أنّ الآثار الوضعيّة المترتّبة على الفعل المخالف للحقّ ، تترتّب عليه إن صدر تقيّة، كما تترتّب عليه لو صدر اختياراً، فالإفطار مبطلٌ للصوم وإنْ كان على وجه التقيّة، وهذا غير ما هو محلّ الكلام، وهو أنّ الفعل المخالف للحقّ هل يترتّب عليه آثار الحقّ بمجرّد الإذن فيه أم لا؟

وبعبارة اُخرى : إنّ هناك مطلبين:5.

ص: 249


1- الكافي: ج 4/82 ح 7، وسائل الشيعة: ج 10/132 ح 13035.

أحدهما: لو اقتضت التقيّة ترك الواجب، هل يوجبُ ذلك سقوط الواجب إعادةً وقضاءاً، أم لا؟.

ثانيهما: لو اقتضت التقيّة الإتيان بفعلٍ مخالف للحقّ ، هل يكون ذلك الفعل بدلاً عن الواقع، ومسقطاً للإعادة أو القضاء، أم لا؟

فمحلّ البحث هو الثاني، ومورد الخبر هو الأوّل.

فالمتحصّل: أنّ أخبار التقيّة تدلّ على إجزاء الوقوف مع العامّة ويصحّ الحَجّ معه، سواءٌ أكان الضرر الذي يخاف ترتّبه على تركه نوعيّاً أو شخصيّاً، وسواءً جاز تحمّله أم لم يجز.

نعم، لو كان له مندوحة لم يجز، كما أنّ الأظهر جواز ترك التقيّة والعمل بمذهب الحقّ بحسب الغالب، ويكون مجزياً دائماً، من غير فرق في جميع ذلك بين الوقوف يوم الشكّ ، والوقوف مع اليقين بعدم كونه اليوم التاسع.

***

ص: 250

دلالة دليل السيرة

الوجه الثاني: من الوجوه الدالّة على إجزاء الوقوف بعرفات مع العامّة، هي السيرة المستمرّة المتّصلة إلى زمان المعصومين عليهم السلام الكاشفة عن إمضائهم لذلك.

توضيح ذلك: لا ريب في أنّ المعصومين عليهم السلام وأصحابهم كانوا يحجّون في أيّام الخلفاء وولاة الجور، وكان ثبوت الهلال بحكم الحاكم، والنّاس كانوا مُلجئين بالعمل بما يحكمون به، كما يكشف ذلك روايات الصوم المتقدّم بعضها، ولم ينقل في رواية ولا كتاب تأريخ أنّ أحداً من أتباع مذهب الحقّ خالف النّاس في الوقوف ووقف في اليوم اللّاحق، ويكشف ذلك عن متابعتهم لهم في العمل، كما لم ينقل أنّهم احتاطوا أو أمروا بالاحتياط بالحَجّ في السنة المتأخّرة، ويكشف ذلك كلّه عن كون الوقوف معهم مجزياً قطعاً.

والجواب: لم يثبت منع العامّة عن ترك الوقوف معهم في اليوم الذي يقفون بعرفات، ولعلّه لم يكن هناك منعٌ وكان كلّ يعمل على طبق عقيدته، لعدم كون هذا الاختلاف اختلافاً في المذهب، لاتّفاق كلتا الطائفتين على أنّ الموقف هو اليوم التاسع، فكلّ من ثبت عنده أنّ اليوم هو اليوم التاسع كان يقف فيه، ومن لم يثبت عنده ذلك كان يقف في اليوم الذي يلي وقوفهم، سواءٌ أكان من العامّة أو الخاصّة.

وجه الاندفاع: أنّه فرق بين الموضوع الخارجي الصرف، وبين ما يرجع إلى الحكم، ويلزم من عدم المتابعة القدح في المذهب، والمقام من قبيل الثاني، ولذا ورد في باب الصوم ما ورد من متابعتهم في الإفطار، ولكن بما أنّه لا إطلاق لهذا الوجه، فاللّازم هو الأخذ بالمتيقّن، وهو ما لو شكّ في أنّ يوم وقوفهم هو اليوم التاسع،

ص: 251

وأمّا لو اُحرز كونه اليوم الثامن الذي قلّما يتّفق، فلا ندري هل وقع ذلك في أزمنتهم أم لا؟

نعم، وقوع عدم ثبوت كون يوم وقوفهم اليوم التاسع، ممّا لا يقبل الإنكار، فنتيجة هذا الوجه هو الإجزاء في خصوص الوقوف يوم الشكّ كما هو الغالب.

فرع: وهل يُجزي العمل على وفق مذهب الحقّ ، ويجوز ذلك تكليفاً، أم لا؟

لا ريب في الإجزاء والجواز:

أمّا الأوّل: فلإطلاق أدلّة التكاليف الواقعيّة الأوليّة من دون أن يرد عليه مقيّد.

وأمّا الثاني: فللأصل.

أقول: ثمّ إنّه قد استدلّ للإجزاء بوجوه اُخر:

منها: الإجماع العملي والقولي من العلماء، المستكشف ذلك من أعمال مقلّديهم وما ذكروه في كتب مناسك الحَجّ (1).

وفيه: إنّه لمعلوميّة مدركهم، وهو أحد الوجهين المتقدّمين، لا يكون ذلك وجهاً آخر.

ومنها: قاعدة الميسور.

وفيه أوّلاً: أنّ مقتضاها الاقتصار على صورة التعذّر، وأمّا في صورة المشقّة فلا تكون جارية.

وثانياً: أنّه قد تكرّر منّا في هذا الشرح أنّها ليست تامّة، ولا تدلّ على الأمر بباقي الأجزاء غير الجزء المتعذّر، كي يلزم منه الإجزاء.

ومنها: أدلّة نفي العُسر والحَرج، ونفي الاضطرار والضرر، فإنّها تقتضي سقوط2.

ص: 252


1- اُنظر رسائل المحقّق الكركي، الرسالة 2 في التقيّة ص 52.

جزئيّة الوقوف يوم التاسع في عرفات عن الحَجّ ، ويلزم منه الإجزاء.

وفيه أوّلاً: أنّه يتوقّف على الاضطرار في تمام العمر، إذ الحَجّ واجبٌ موسّع، ووجوبه فوراً غير وجوب أصله، وقد حُقّق في محلّه أنّ أدلّة نفي الحَرج والضرر والاضطرار، إنّما تنفي الأحكام التي تكون حَرَجيّة أو ضرريّة في جميع الوقت المضروب لها.

وثانياً: أنّها إنّما ترفع الأحكام، ولا تدلّ على ثبوت الأمر بغير الجزء المتعذّر أو المتعسّر من الأجزاء والشرائط.

وتمام الكلام في محلّه.

ومنها: النصوص الواردة في الصوم، المتضمّنة أنّ الفطر هو اليوم الذي يفطر فيه النّاس.

ولكن قد تقدّم أنّ مسألة التقيّة في ترك الواجب غير ما هو محلّ الكلام، وهو أداء الواجب في ضمن فردٍ آخر غير ما هو مأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، مع أنّه قد مرّ ورود النص بأنّه يقضي الصوم الذي أفطر فيه وفقاً للعامّة، فالعمدة هو ما ذكرناه.

أقول: وفّقني اللّه سبحانه وتعالى لنشر رسالة حول موضوع التقيّة أخيراً، ولأجل كونها رسالة مهمّة مشتملة على مسائل ومطالب لا يُستغنى عنها، أحببتُ أن أذكرها هنا، فألحقها بهذه الطبعة دون التصرّف فيها.

***

ص: 253

ص: 254

رسالة في التقيَّة

اشارة

ص: 255

ص: 256

الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّدٍ وآله الطاهرين، واللّعن على أعدائهم أجميعن إلى يوم الدِّين.

تقديم

:

إنّ مشروعيّة التقيّة ثابتةٌ بالكتاب(1)، والسُنّة المتواترة من طرق

ص: 257


1- كقوله تعالى: «لا يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اَللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اَللّهِ اَلْمَصِيرُ» آل عمران: 28. «مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اَللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » النحل: 106. وقد صرّحوا بجواز التقيّة وإظهار الموالاة حتّى للكفّار، إذا خيف على النفس التلف، أو تلف بعض الأعضاء، أو خيف من ضرر كبير يلحق الإنسان في نفسه، بل هي ممّا أجمع عليه المسلمون؛ قال محمّد بن عقيل: (التقيّة ممّا أجمع المسلمون على جوازه، وإن اختلفت تسميتهم لها، فسمّاها بعضهم بالكذب لأجل الضرورة أو المصلحة، وقد عمل بها الصالحون، فهي من دين المتّقين الأبرار. وعكس القول فيها كذب ظاهر) تقوية الإيمان ص 38. وفي شأن الآية الأُولى يقول الآلوسي في تفسيره: ج 3/121-122: (وفي الآية دليلٌ على مشروعيّة التقيّة، وعرّفوها بمحافظة النفس أو العِرض أو المال من شرّ الأعداء، سواءٌ أكان العداء لأجل اختلاف الدِّين أو للأغراض الدنيويّة. ثمّ قال: وعدَّ قوم من باب التقيّة مداراة الكفّار والفَسَقَة والظَلَمة وإلانة الكلام لهم والتبسّم في وجوههم والانبساط معهم وإعطائهم، لكفّ أذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض منهم، ولا يعدّ ذلك من باب الموالاة المنهيّ عنها بل هي سُنّة وأمرٌ مشروع). وقال ابن العربي في (أحكام القرآن) ج 2/223 في قوله تعالى : «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اَلنَّبِيِّ » الحجرات: 2:

الفريقين(1)، وتوافقها الفطرة الإنسانيّة السليمة، إذ هي إحدى القوانين السياسيةة.

ص: 258


1- (جوّز الشافعي ونظراؤه الائتمام في الجماعة خلف الفاسق ومن لا يؤتمن على حبّة من مال، وأصله أنّ الولاة الذين يصلّون بالناس جماعة لما فسدت أديانهم، ولم يمكن ترك الصلاة معهم، ولا يستطاع إزالتهم صلّى معهم وراءهم، ومن النّاس من إذا صلّى معهم تقيّة أعادها ومنهم من يكتفي بها، وأنا أقول بوجوب إعادتها سرّاً ولكن لا ينبغي ترك الصلاة معهم) . وقال الآلوسي المفسِّر في رسالته (الأجوبة العراقيّة) ص 225: المسألة 22: (كنت أُصلّي الظهر في البيت بعد صلاة الجمعة، وأنكر في قلبي على من يصلّيها في الجامع جماعة وأنّه ليضيق صدري ولا ينطلق لساني). وفي «الفروع» لابن مفلح الحنبلي: ج 1/482: (لا تصحّ إمامة الفاسق مطلقاً وإذا لم تصحّ صلّى معه دفعاً للأذى ويعيد، وقرأ المروزي على أحمد بن حنبل أنّ أنس بن مالك كان يُصلّي المكتوبة في منزله ويُصلّي الجمعة خلف الحَجّاج فلم ينكر ذلك أحمد). وفي مناقب أبي حنيفة للخوارزمي: ج 1/171 طبعة حيدر آباد: (إنّ أبا حنيفة كان يقول أمام ابن هبيرة: عمر أفضل من عليّ تقيّة). وفيه ص 171 وفي مناقبه للبزار في ذيل مناقبه للخوارزمي ص 172: (كان المشايخ في زمان بني أُميّة لا يذكرون عليّاً عليه السلام باسمه خوفاً منهم، والعلّامة بينهم إذا رووا عن عليّ أن يقولوا قال الشيخ كذا، وكان الحسن البصري يتّقي في الرواية عن عليّ بن أبي طالب، فيقول رَوى (أبو زينب) كنايةً عنه! خوفاً من بني مروان). وروى ابن قُدامة في المغني: ج 2/186 عن أبي الحارث: (أنّه لا يُصلّي خلف مُرجيء ولا رافضي ولا فاسق إلّاأن يخافهم فيُصلّي ويُعيد) ولم يتعقّب هذه الرواية. وفي تاريخ بغداد للخطيب: ج 13/380: (كان أبو حنيفة يعمل بالتقيّة خوفاً). وفي تفسير المنار: ج 3/281 و (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيميّة ص 176 و (التبصير في الدِّين الإسلامي) للاسفرائيني ص 164 و (الروض الباسم) للوزير اليماني: ج 2/41 والنجوم الزاهرة لابن تغربردي الحنفي: ج 2/219 ما يؤيّد ذلك. وأمّا من طريق أهل السُنّة: فمنها: قصّة عمّار بن ياسر المعروفة، وقول النبيّ صلى الله عليه و آله له: «إنْ عادوا فَعُد». وهي مرويّة في مختلف كتب الحديث والتفسير عندهم، راجع فتح الباري: ج 12/277-278، وبهذه المناسبة نزل قوله تعالى : «مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » النحل: من الآية 106. ومنها: ما روي في مسند أحمد: ج 5/159 عن أبي ذرّ رحمه الله، عن النبيّ صلى الله عليه و آله، أنّه قال: «ستكون عليكم أئمّة يميتون الصلاة، فإن أدركتموهم فصلّوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة». ومنها: ما جاء من أنّ مسيلمة الكذّاب أُتي برجلين فقال لأحدهما: تعلم أنّي رسول اللّه ؟ قال: بل محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقتله، وقال للآخر ذلك، فقال: أنتَ ومحمّد رسول اللّه، فخلّى سبيله، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: أمّا الأوّل فمضى على عزمه ويقينه، وأمّا الآخر فأخذ برخصة اللّه فلا تبعةً عليه». وغيرها، راجع محاضرات الأُدباء للراغب الأصفهاني: ج 4/408، أحكام القرآن للجصّاص: ج 2/10، سعد السعود ص 137.

الاجتماعيّة الرائعة، بها تُحفظ وحدة المجتمع الإسلامي الّتي هي منشأ الخير والبركة والسعادة، وبها يُتّقى عن الاختلاف والشقاق فيه.

ومع ذلك، لم يبسط الفقهاء - الأمناء على حلال اللّه وحرامه - الكلام فيها من حيث الحكم التكليفي، وإنّما تعرّضوا لموضوع إجزاء العمل الموافق للتقيّة والمخالف للحقّ ، وعدمه(1)، فنتج من جراء ذلك خفاء التقيّة - مورداً ومراداً وحكماً وملاكاً - على كثيرٍ من علماء المسلمين، حتّى نسبوا إلى الشيعة ما هم بَراءٌ منه، وذلك لأنّهم لم يحسنوا الفهم فلم يحسنوا النقد(2)!

بل نتج من جراء ذلك اشتباه الأمر على جمعٍ من علمائنا فيها أيضاً بحسب المورد، حتّي تخيلوا لزوم التقيّة أو جوازها فى موردٍ، برغم كونها محرّمة فى ذلك المورد!.

لذلك كلّه وجب علينا تنقيح القول في التقيّة فيما يلي، مورداً وحكماً، فنقول:

***ا.

ص: 259


1- انظر مشرق الشمسين: ص 366، الحدائق الناضرة: ج 2/415، كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري قدس سره: ج 2/281، مستمسك العروة الوثقى للسيّد الحكيم: ج 2/402.
2- انظر أجوبة مسائل جار اللّه للسيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي: ص 78 وما بعدها.

المراد بالتقيّة

التقيّة: اسم لأتّقى يتّقي، والتاء بدلٌ عن الواو كما في التهمة، والمراد بها هنا الإتيان بعملٍ لا يهدمُ حقّاً، ولا يبني باطلاً، مخالف للحقّ ، أو ترك عملٍ موافق للحقّ ، أو كتمان المذهب، تحفّظاً عن ضرر الغير على الشخص، أو الإسلام أو التشيّع، أو إعزازاً للدِّين، وإعلاء لكلمة الإسلام والمسلمين، وتقوية لشوكتهم.

وتفصيل هذا التعريف الجامع:

تارةً : قد يخاف الإنسان على النفس أو العِرض من إتيان العمل الموافق لمذهب الحقّ ، أو ترك ما يخالفه، أو إظهار ما يعتقده.

واُخرى : قد لا يخاف على ذلك.

أمّا الأوّل: فهو على قسمين:

1 - فقد يكون الخوف مع سبق الإكراه.

2 - وقد يكون دون سبق منه.

وأمّا الثاني: أيضاً على قسمين:

1 - إذ ربما يترتّب على التقيّة إعلاء كلمة الإسلام.

2 - وقد لا يترتّب عليها.

والأخير خارجٌ عن التقيّة، وما قبله معدودٌ من أقسام التقيّة.

وبالجملة: فتنقسم التقيّة إلى أقسام أربعة:

التقيّة الخوفيّة، والتقيّة الإكراهيّة، والتقيّة الكتمانيّة، والتقيّة المداراتيّة.

تمهيد: لا ريب في أنّ القرآن المتكفّل لهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم،

ص: 260

في مختلف أدوارهم، الضامن لهم نيل السعادة الكبرى في العاجل والآجل - وكذا الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام - اعتنى بأمر المجتمع، ودعا النّاس إلى ما فيه سعادة الحياة والعيش الطيّب مجتمعين:

قال اللّه تعالى: «وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا»(1).

وقال عزّ وجلّ : «إِنَّ اَلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ ءٍ »(2).

وقال تعالى: «وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ »(3) .

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، و الروايات المتواتره، الداعية إلى الإتّحاد والاتّفاق.

وأيضاً: لا ريب في اهتمام الشارع الأقدس بحفظ النفس من التهلكة حتّى عُدّ من أهمّ الواجبات.

فالعقل السليم يحكم فطريّاً بأنّه عند وقوع التزاحم بين الوظيفة الفرديّة مع شوكة الإسلام وعزّته وقوّته، أو وقوع التزاحم بين حفظ النفس وبين واجبٍ أو محرّمٍ آخر، لا بدَّ من سقوط الوظيفة الفرديّة، وليست التقيّة إلّاذلك.

أقول: والكلام في التقيّة يقع في مقامين:

الأوّل: في حكمها التكليفي.

الثاني: في حكمها الوضعي، من جهة الآثار الوضعيّة المترتّبة على الفعل المخالف للحقّ ، وأنّها تترتّب على الصادر تقيّة كما تترتّب على الصادر اختياراً، أم أنّ 6.

ص: 261


1- سورة آل عمران: الآية 103.
2- سورة الأنعام: الآية 159.
3- سورة الأنفال: الآية 46.

وقوعها تقيّة يوجب رفع تلكم الآثار؟

ومن جهة أنّ الفعل المخالف للحقّ هل يترتّب عليه آثار الحقّ بمجرّد الإذن فيها من قبل الشارع أم لا؟

***

ص: 262

حكم التقيّة تكليفاً

أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال في مشروعيّة التقيّة في الجملة، والكتاب والسُنّة يشهدان بها، وقد اعترف بها المخالفون الذين نالوا من الشيعة في شأن التقيّة، ففي «تفسير المنار»(1) بعد التشنيع على الشيعة، قال:

(وقصارى ما تدلّ عليه هذه الآية أنّ للمسلم أن يتّقي ما يتّقي من مضرّة الكافرين، وقصارى ما تدلّ عليه آية سورة النحل(2) ما تقدّم آنفاً، وكل ذلك من باب الرخص لأجل الضرورات لا من اُصول الدِّين المتّبعة دائماً).

أقول: قسّم أصحابنا التقيّة إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: محرّم، وهو في الدّماء.

الثاني: مباح، وهو في إظهار كلمة الكفر.

الثالث: واجب، وهو ما عدا هذين القمسين.

وفي «رسالة التقيّة» للشيخ الأعظم رحمه الله، تقسيم حكمها إلى الأحكام الخمسة:

فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلاً.

والمستحبّ : ما كان فيه التحرّز عن معارض الضرر، بأن يكون تركه مُفضياً تدريجاً إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامّة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنّه ينجرّ غالباً إلى حصول المباينة الموجب لتضرّره منهم.

والمباح: ما كان التحرّز عن الضرر وتحمّله متساوياً في نظر الشارع - كالتقيّة

ص: 263


1- تفسير المنار: ج 3/281 كما عن هامش الحدائق: ج 2/416.
2- «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » سورة النحل: الآية 106.

في إظهار كلمة الكفر - على ما ذكره جمعٌ من الأصحاب.

والمكروه: ما كان تركه وتحمّل الضرر أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر.

والمحرّم: ما كان في الدّماء(1).

وعن الشهيد في (قواعده) بعد تقسيمها إلى خمسة أقسام:

(المستحبّ : إذا كان لا يخافُ ضرراً عاجلاً، ويتوهّم ضرراً آجلاً، أو ضرراً سهلاً، أو كان تقيّة في المستحبّ كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات اللّه عليها، وترك بعض فصول الأذان.

والمكروه: التقيّة في المستحبّ ، حيث لا ضرر عاجلاً ولا آجلاً، ويخاف منه الإلتباس على عوامّ المذهب.

والحرام: التقيّة حيث يؤمن الضرر عاجلاً وآجلاً، أو في قتل مسلم.

والمباح: التقيّة في بعض المباحات التي يرجّحها العامّة، ولا يصل بتركها ضرر)،(2) انتهى .

وقد صرّح بعض الأكابر: (بأنّ التقيّة حتّى في حال الخوف على النفس رخصة، والإفصاح بالحقّ فضيلة)(3).

أقول: وتنقيح القول في المقام بالبحث في كلّ قسمٍ من الأقسام الأربعة للتقيّة - أي: الإكراهيّة والخوفيّة، والكتمانيّة، والمداراتيّة - بذكر أدلّة المشروعيّة وبيان ما يستفاد منها، بعد الجمع بينها وبين ما يعارضها ويقيّدها.

***

ص: 264


1- رسالة في التقيّة للشيخ الأنصاري قدس سره ص 39-40، كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري قدس سره: ج 2/396.
2- القواعد والفوائد: ج 2/158.
3- راجع الشيخ الطوسي قدس سره في التبيان: ج 2/435.

التقيّة الإكراهيّة

أمّا القسم الأوّل: وهو التقيّة الإكراهيّة، فيشهد لمشروعيتها في الجملة من الكتاب آيتان:

الآية الأُولى : قوله تعالى: «مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اَللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اِسْتَحَبُّوا اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا عَلَى اَلْآخِرَةِ وَ أَنَّ اَللّهَ لا يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكافِرِينَ »(1).

قال شيخ الطائفة في «التبيان»: (نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر رحمه الله، أكرهه المشركون بمكّة بأنواع العذاب، وقيل إنّهم غَطّوه في بئر ماء على أن يلفط بالكفر، وكان قلبه مطمئناً بالايمان، فجاز من ذلك، وجاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله جزعاً، فقال له النبيّ :

كيف كان قلبك ؟ قال: كان مطمئناً بالإيمان، فأنزل اللّه فيه الآية، وأخبر أنّ الذين يكفرون باللّه بعد أنْ كانوا مصدِّقين به - بأن يرتدّوا عن الإسلام - فعليهم غضبٌ من اللّه، ثمّ استثنى من ذلك من كَفَر بلسانه وكان مطمئن القلب بالايمان في باطنه، فإنّه بخلافه)،(2) انتهى .

قوله تعالى : «مَنْ كَفَرَ» شرطٌ، وجوابه قوله: «فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ » ، وضمير الجمع في الجزاء عائدٌ إلى اسم الشرط «مَنْ » لكونه بحسب المعنى كليّاً ذا أفراد، والمراد بالكفر هو التكلّم بكلمة الكفر بقرينة الإستثناء.

ص: 265


1- سورة النحل: الآيتان 106 و 107.
2- التبيان: ج 2/428.

وقوله تعالى : «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(1) استثناءٌ من عموم الشرط، والمراد بالإكراه: الإجبار على كلمة الكفر والتظاهر به، إذ القلب لا يقبل الإكراه.

وقوله تعالى : «وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً»(2) استدراكٌ من الاستثناء، فيعود إلى معنى المستثنى منه.

فالمعنى : ما أردتُ بقولي «مَنْ كَفَرَ»(3) ما كان من إكراه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن أريد من شَرَح بالكفر صدراً، وفي مجموع الاستثناء والاستدراك بيان كامل للشرط.

فالمتحصّل من الآية الشريفة: أنّ من تكلّم بكلمة الكفر بعد إيمانه، إمّا أن يكون مكرهاً عليه، أو يكون منشرح الصدر به مبتهجاً بذلك، أو يكون خائضاً مع الخائضين يتلفّظ به لهواً ولعباً.

فإنْ كان منشرح الصدر به، فعليه غضبٌ من اللّه، وله عذابٌ عطيم، لأنّه اختار الحياة الماديّة الّتي لا غاية لها إلّاالتمتّع الحيواني على الآخرة التي هي حياة دائمة أبديّة، وهي غاية الحياة الإنسانيّة.

وإنْ كان مكرهاً عليه، فهو مرخّص فيه، منة على العباد، وإبقاءً على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.

ولا تعرّض في الآية لحكم القسم الثالث، لكن تعرّض له في آية اُخرى وهي قوله تعالي : «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ »(4).

فالمستفاد من الآية: أنّ الترخيص في الكفر باللّه مختصٌّ بمورد الخوف على

ص: 266


1- سورة النحل: الآية 106.
2- سورة النحل: الآية 106.
3- سورة النحل: الآية 106.
4- سورة التوبة: الآية 65.

النفس، وأنّ المكره مخيّر بين حفظ النفس والتكلّم بكلمة الكفر، وبين تعريض النفس للهلاك، وعدم التكلّم بكلمة الكفر، فإذا كان الكفر باللّه مرخّصاً فيه عند الإكراه، فالكفر بالنبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة المعصومين عليهم السلام أو سبّهم أو البراءة منهم أولى بالجواز والرخصة.

الآية الثانية: قوله تعالى: «لا يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً »(1).

كلمة (أَوْلِيَاءَ ) جمعُ الولي، وهو من الولاية، وهي في الأصل: مِلْك تدبير أمر الشيء بالمعونة والنصرة، والإتّخاذ يفيد معنى الاصطناع، وهو عبارة عن مكاشفتهم بالأسرار الخاصّة بمصلحة المجتمع الإسلامي و (دُونِ ) في قوله تعالى :

«مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ » كأنّه ظرفٌ يفيد معنى «عند» مع شوبٍ من معنى السفالة، (مِنْ ) لابتداء الغاية.

وتقدير الآية: لا تجعلوا ابتداء الولاية مكاناً دون المؤمنين، لأنّ مكان المؤمن الأعلى ومكان الكفّار الأدنى .

فالآية الكريمة تنهى عن اتّخاذ الكافرين أولياء، بحيث يؤدّي إلى مطاوعتهم، والتأثّر منهم في شؤون الحياة، وتصرّفهم في ذلك، وأن يأتمر المسلمون بأمرهم وينتهوا بنهيهم، كما تعارف في هذا الزمان في الدول الإسلاميّة من استخدام الكافرين المعاندين للإسلام من دول الضلال كإسرائيل وغيرها.

و (وَمَنْ يَفْعَلْ ).. الخ، أي ومن يتّخذهم أولياء من دون المؤمنين، وإنّما بدّل بلفظ عام للإشعار بنهاية نفرة المتكلّم منه، ولم يقل (من المؤمنين) لأنّه لا يجتمع الإيمان

ص: 267


1- سورة آل عمران: الآية 28.

مع هذا الفعل، فليس فاعله من حزب اللّه في شيء ولا يعدّ من المؤمنين.

قوله تعالى : «إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً »(1) استثناء من أعمّ الأحوال، أي أنّه يجبُ ترك موالاة الكافرين على المؤمنين في كلّ حال، إلّافي حال التقيّة والخوف من الكفّار، فلكم حينئذٍ أن توالوهم بقدر ما يتّقى به ذلك، وهذه الموالاة صوريّة لأنّها للمؤمنين لا عليهم.

والاستثناء منقطع؛ لأنّ التقرّب إلى الغير اتّقاء ضرره بإظهار آثار التولّي ظاهراً ليس من التولّي في شيء، وفي الآية دلالة على الرخصة في التقيّة، اتّقاءً للمؤمنين من ضرر الكافرين، وإبقاءً على أنفسهم، وهذه الرخصة موافقة لحكم الفطرة وسيرة العقلاء، وإبقاءً للحقّ والدّين بإبقاء أهله، فيتّحد مفاد الآيتين من هذه الجهة.

أمّا الروايات: فإنّ طوائف منها أيضاً تشهد لمشروعيّة التقيّة في الجملة:

1 - حديث لا ضرر.

منها: حديث «لا ضرر ولا ضرار»(2) المرويّ بطرق عديدة وبعضها صحيح، فإنّ مفاده أنّ الشارع الأقدس مَنَّ على العباد بالحنيفيّة السمحة، فرفع كلّ حكمٍ من الأحكام الشرعيّة - التي في نفسها لا تلازم الضرر - إذا كان ضرريّاً، فإذا كان وجوب فعل أو حرمته منشأ للضرر على المكلّف، يكون ذلك مرفوعاً عن الأُمّة، ولا يثبت به إلّاالرخصة دون لزوم التقيّة، ولذلك فإنّ حديث (لا ضرر) يعدّ نافياً للحكم لا مثبتاً.

2 - أخبار التقيّة:3.

ص: 268


1- سورة آل عمران: الآية 28.
2- الكافي: ج 5/292 ح 2؛ وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073.

ومنها: ما تواتر عن المعصومين عليهم السلام من جعل التقيّة من الدِّين، لاحظ:

ألف: خبر الأعجمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«يا أبا عمر، إنّ تسعة أعشار الدِّين في التقيّة، ولا دين لمَن لا تقيّة له»(1).

ب: خبر ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام: «اتّقوا على دينكم واحجبوه بالتقيّة، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّما أنتم في النّاس كالنحل في الطير، ولو أنّ الطير يعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلّاأكلته، ولو أنّ النّاس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت، لأكلوكم بألسنتهم، ولنحلوكم في السرّ والعلانية! رحم اللّه عبداً منكم كان على ولايتنا»(2).

ج: خبر عبد اللّه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «التقيّة تِرسُ المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقيّة له»(3).

د: خبر الحسن بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام:

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: لا إيمان لمن لا تقيّة له، ويقول: قال اللّه «إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً (4)»»(5).

ه: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا خير فيمن لا تقيّة له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له»(6).

و: خبر «الاحتجاج»، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث:

«وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك، فإنّ اللّه يقول: «لا يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ 5.

ص: 269


1- الكافي: ج 2/217 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/204 ح 21358.
2- الكافي: ج 2/218 ح 5، وسائل الشيعة: ج 16/205 ح 21363.
3- الكافي: ج 2/221 ح 23، وسائل الشيعة: ج 16/205 ح 21362.
4- سورة آل عمران: الآية 28.
5- (5) تفسير العيّاشي: ج 1/166 ح 24، وسائل الشيعة: ج 16/212-213 ح 21387.
6- المحاسن: ج 1/257 ح 299، وسائل الشيعة: ج 16/212 ح 21385.

اَلْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ ...» الآية.

إلى أن يقول: وإيّاك ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك، وأن تترك التقيّة التي أمرتك بها، فإنّك شائطٌ بدمك ودماء اخوانك، معرّض لزوال نعمتك ونعمتهم، مذلّهم في أيدي أعداء دين اللّه، وقد أمرك اللّه بإعزازهم»(1).

إلى غير ذلك من النصوص المتواترة.

أقول: ولكن بما أنّه في جملة من تلكم الأخبار التعليل لهذا الاهتمام، بأنّ تارك التقيّة شائطٌ بدمه ودماء اخوانه، معرّض لزوال النعمة، الظاهر منها نعمة الولاية، كما في خبر «الاحتجاج»، وبأنّ الشيعة بالنسبة إلى سائر المسلمين كالنحل في مقابل الطير، ولو أنّ الطير علم ما في أجواف النحل ما بقي شيء إلّاأكلته.

وبما أنّ هذه النصوص بأجمعها واردة في التقيّة من العامّة، وفي وقت صدورها كانت الشيعة قليلة جدّاً، ومع ذلك كانوا يحبّون الجهاد، ولو لم يأمرهم الأئمّة عليهم السلام بالتقيّة لثاروا على أهل الضلال، واستئصلوا عن آخرهم في تلكم الفتن، ولأوردوا أهل البيت عليهم السلام موارد الهلكة والاستئصال ولم يبق من الشيعة أحد.

وبما أنّ الحقّ في ظرف صدور هذه الروايات لم يأخذ نصابه، ولو لم يؤمروا بالتقيّة لما أمكن نشر مبادئ التشيّع الحقّ .

لذلك كلّه يتعيّن حمل الأخبار على التقيّة في موردٍ يلزم من تركها هدم الدّين، وإذلال المؤمنين واستئصالهم، ومن التقيّة بقاء الدِّين وحفظ المؤمنين من الهلاكة، ومن الضروري لزوم التقيّة في أمثال ذلك، ولم يتوهّم أحدٌ عدم لزومها. وإنّما الكلام فيما إذا لم يترتّب على التقيّة ذلك، ولا على تركها ما ذكر، وهذه النصوص لا تعرُّض2.

ص: 270


1- الاحتجاج: ج 1/354، وسائل الشيعة: ج 16/228 ح 21432.

لها لحكم تلكم الموارد.

ويمكن أن يقال: إنّ مورد تلك الأخبار التقيّة الكتمانيّة والمداراتيّة، كما سيمرُّ عليك، بل ستعرف تعيُّن حملها على ذينك القسمين.

3 - حديث الرفع.

ومنها: النبوي المرويّ بطرق عديدة، فيها الصحيح والحسن والموثّق، المتضمّن لرفع ما استكرهوا عليه، لاحظ:

ألف: خبر حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: رُفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يُطيقون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة»(1).

ب: وخبر عمرو بن مروان الخراز، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: رفعت عن أُمّتي أربع خصال: ما اضطرّوا إليه، وما نسوا، وما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وذلك في كتاب اللّه قوله: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ »(2) ، وقول اللّه:

«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ »(3)»(4).

ونحوهما غيرهما.1.

ص: 271


1- الخصال: ص 417 ح 9، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.
2- سورة البقرة: الآية 286.
3- سورة النحل: الآية 106.
4- تفسير العيّاشي: ج 1/160-161 ح 534، وسائل الشيعة: ج 16/218 ح 21401.

أقول: وهذه النصوص تدلّ على أنّه كلّما تعلّق الإكراه بمتعلّق حكمٍ وجوبي أو تحريمي، يرتفع الوجوب والحرمة، فتدلّ على الرخصة في التقيّة في كلّ موردٍ من موارد الإكراه، إلّاأنّ لها مقيّدات ستمرّ عليك.

4 - أخبار البراءة والسَّب.

ومنها: النصوص الكثيرة الواردة في السَّب والبراءة من أمير المؤمنين عليه السلام، وغيرهما من كلمات الكفر، وهي طوائف:

الطائفة الأُولى : ماتضمّن أفضليّة البراءة والسَّب - عملاً بالتقيّة - من عدمهما، لاحظ:

ألف: خبر عبد اللّه بن عجلان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته فقلتُ له: إنّ الضحّاك قد ظهر بالكوفة، ويوشك أن نُدعى إلى البراءة من عليّ عليه السلام، فكيف نصنع ؟ قال: «فابرأ منه».

قلت: أيّهما أحبّ إليك ؟ قال: أن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر، أُخذ بمكّة فقالوا له: ابرأ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبرأ منه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ عُذره «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (1)»»(2).

ب: وخبر الحضرمي، عنه عليه السلام في حديثٍ : «إنّه قيل له: مَدُّ الرِّقاب أحبّ إليك أم البراءة من عليّ عليه السلام ؟

فقال عليه السلام: الرخصة أحبّ إليَّ ، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ في عمّار «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (3)»»(4).

ونحوهما غيرهما.

ص: 272


1- (1) سورة النحل: الآية 106.
2- (2) تفسير العيّاشي: ج 2/272 ح 76، وسائل الشيعة: ج 16/230 ح 21434.
3- (3) سورة النحل: الآية 106.
4- (4) تفسير العيّاشي: ج 2/272 ح 74، وسائل الشيعة: ج 16/230 ح 21433.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على أفضليّة ترك التقيّة:

كخبر يوسف بن عمران الميثمي، قال: «سمعتُ ميثم النهرواني يقول: دعاني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقال:

كيف أنتَ يا ميثم إذا دعاك دَعيُّ بني أُميّة عبيد اللّه بن زياد إلى البراءة منّي ؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا واللّه لا أبرأ منك!

قال عليه السلام: إذاً واللّه يَقتلك ويَصلبك.

قلت: أصبر، فذاك في اللّه قليل! فقال: يا ميثم، إذاً تكون معي في درجتي»(1).

وروى أصحاب التواريخ في جماعة من حواري أمير المؤمنين عليه السلام أمثال كميل ابن زياد، ورُشيد الهَجَري، وقنبر وأمثالهم، قد عرضت عليهم البراءة منه عليه السلام، فلم يتبرّءوا منه، فصلبوا وقتلوا وقطعت أيديهم وأرجلهم ولسانهم، ولم يشكّ أحدٌ في علوّ درجاتهم(2).

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على التساوي:

كخبر عبد اللّه عطاء، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: دُعي رجلان من أهل الكوفة فقيل لهما: إبرءا من أمير المؤمنين عليه السلام! فبرأ واحدٌ منهما وأبى الآخر، فخلّي سبيل الذي برأ، وقتل الآخر؟

فقال: أمَّا الذي برئ فرجلٌ فقيه في دينه، وأمّا الذي لم يبرأ فرجلٌ تعجَّل إلى الجنّة»(3).5.

ص: 273


1- اختيار معرفة الرجال: ج 1/295 ح 139، وسائل الشيعة: ج 16/227 ح 21428.
2- انظر البداية والنهاية لابن كثير: ج 9/57، كشف الغمّة لابن أبي الفتح الأربلي: ج 1/281-282، تاريخ الطبري: ج 3/432.
3- الكافي: ج 2/221 ح 21، وسائل الشيعة: ج 16/226 ح 21425.

الطائفة الرابعة: ما تضمّن التفصيل بين السَّب والبراءة:

كخبر محمّد بن ميمون، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: ستُدعون إلى سبّي فسبّوني، وتُدعون إلى البراءة منّي فمُدّوا الرقاب فإنّي على الفطرة»(1).

وخبر أخي دعبل، عن الإمام الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام: «إنّكم ستُعرضون على سبّي، فإنْ خفتم على أنفسكم فسبّوني! ألا وإنّكم ستعرضون على البراءة منّي، فلا تفعلوا، فإنّي على الفطرة»(2).

ونحوهما غيرهما من الأخبار المستفيضة كما قاله المفيد رحمه الله(3).

ودلالة جميع الطوائف على مشروعيّة التقيّة واضحة، وإنّما الكلام فيما بين هذه الطوائف من الاختلاف وطريق الجمع بينها.

فالحقّ أنْ يُقال: إنّ ما تضمّن أفضليّة العمل بالتقيّة، فمن جهة أنّ هذا الصنف من الرخصة الواردة على طبق حكم الفطرة، إنّما جُعلت للأخذ بها لا الإعراض والرغبة عنها، ولذلك خلق النّاس مفطورين عليها، واللّه تعالى يحبّ أن تؤتى رُخَصه كما يُحبّ أن تؤتى عزائمه، كما في خبر ابن عبّاس عن رسول صلى الله عليه و آله الذي رواه الطبراني في «الجامع الكبير»(4) من العامّة، وفي الخبر المرويّ عن «تفسيرالنعماني» عن عليّ عليه السلام من طرقنا(5).1.

ص: 274


1- أمالي الطوسي: ص 213، وسائل الشيعة: ج 16/227 ح 21429.
2- أمالي الطوسي ص 364 ح 765، وسائل الشيعة: ج 16/228 ح 21430.
3- الإرشاد: ج 1/322.
4- نقله عنه في مجمع الزوائد للهيثمي: ج 3/162-163.
5- رسالة في المحكم والمتشابه: ص 36، وسائل الشيعة: ج 16/232 ح 21441.

وأمّا ما دلّ على أفضليّة ترك التقيّة، فإنّما هو لخصوصيّة في تلكم الأشخاص الذين هم مورد تلكم الأخبار، فإنّهم كانوا من المختصّين بالإمام عليه السلام أشدّ اختصاص، معروفين بحبّه، فلو تبرّأوا منه كان ذلك كاشفاً عن خوفهم من الموت، وفرارهم منه، وهو موجبٌ لهوانهم وحطّ منزلتهم وقدرهم، وكان رغبة بأنفسهم عن إعزازه عند الأعداء، وموجباً لجعل أنفسهم سخرية عند النّاس.

وأمّا الطائفة الثالثة: فهي متضمّنة لبيان حكم اللّه عزّ وجلّ من حيث هو.

وأمّا الطائفة المفصّلة بين السَّب والبراءة، فالظاهر أنّها مطروحة، لوجوه:

الوجه الأوّل: صراحة موثّق مسعدة بن صدقة في أنّها مختلقة، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ النّاس يروون أنّ عليّاً عليه السلام قال على منبر الكوفة:

أيّها النّاس! إنّكم ستدعون إلى سَبّي فسبّوني، ثمّ تُدعون إلى البراءة منّي فلا تتبرّأوا منّي! فقال عليه السلام: ما أكثر ما يكذب النّاس على عليّ ، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم ستدعون إلى سَبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي، وإنّي لعلى دين محمّد، ولم يقل: ولا تبرؤا منّي، فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال: واللّه ما ذلك عليه، وما له إلّاما مضى عليه عمّار بن ياسر...» الحديث(1).

الوجه الثاني: أنّ النسبة بين السَّب والبراءة عمومٌ مطلق، فكلّ سَبٍّ براءة ومتضمّن لها، ولا عكس، فكيف يجوزُ السَّب ولا تجوز البراءة ؟!.

الوجه الثالث: أنّه يلزم كون عليّ عليه السلام أعلى كعباً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فتجوز البراءة منه صلى الله عليه و آله عند التقيّة والخوف على النفس كما دلّ عليه الكتاب، ولا تجوز البراءة منه عليه السلام، وهذا ما لا يمكن الالتزام به.3.

ص: 275


1- الكافي: ج 2/219 ح 10، وسائل الشيعة: ج 16/225 ح 21423.

الوجه الرابع: ما في بعض تلكم الأخبار من تعليل عدم جواز البراءة بقوله عليه السلام:

(إنّي على الفطرة)، مع أنّ كلّ مولودٍ يولد على الفطرة(1).

وهناك قرائن اُخرى تدلّ على أنّها مجعولة.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الكتاب والسُنّة يدلّان على مشروعيّة التقيّة في الجملة، وأنّه يجوز ترك الواجب وفعل الحرام إذا دعت التقيّة والضرورة إلى ذلك.

متى لا تشرع التقيّة ؟

أقول: برغم ما قلناه من مشروعيّة التقيّة، لكن ثبت بالأدلّة عدم مشروعيّة التقيّة في موارد نذكرها مع أدلّتها:

المورد الأوّل: التقيّة في الدّماء، فالمشهور بين الأصحاب أنّها حرام، فكلّ ما يستلزم إباحة دم لا يجوز قتله، لا تجوز التقيّة فيه.

وعن غير واحدٍ - منهم الحِلّي(2)، والعلّامة(3)، وسيّد «الرياض»(4) - دعوى الإجماع عليه.

ويشهد لذلك عدم شمول الكتاب وأكثر النصوص بل جميعها له:

أمّا الكتاب: فلأنّ مورد الآيتين اتّخاذ الكافر وليّاً، والتكلّم بكلمة الكفر.

وأمّا حديث «لا ضرر»: فلأنّه متضمّنٌ لحكم اجتماعي، فإنّه إنّما يرفع حكماً كان ضرراً على الاُمّة، وأمّا ما يعدّ ضرراً على شخص وتركه ضرراً على آخر، فلا9.

ص: 276


1- الكافي: ج 2/12 ح 4، وسائل الشيعة: ج 15/125 ح 20130.
2- في السرائر: ج 2/203 قوله: (لأنّ ذلك ليس فيه تقيّة عند أصحابنا) و: ج 2/25.
3- مختلف الشيعة: ج 4/463.
4- رياض المسائل: ج 8/109.

يكون مرفوعاً به.

وأمّا «حديث الرفع»: فلأنّه حكمٌ امتناني على الاُمّة، ولا منّة على الاُمّة في رفع هذا الحكم.

وأمّا نصوص التقيّة: فقد عرفت حالها.

وأمّا أخبار السَّب والبراءة فعدم شمولها لهذا المورد واضح.

أقول: فضلاً عن جميع ذلك، فإنّ هناك جملةً من الأخبار تدلّ على الممنوعيّة المذكورة، لاحظ:

1 - خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إنّما جعل التقيّة ليحقن بها الدّم، فإذا بلغ الدّم فليس تقيّة»(1).

2 - وخبر الثمالي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«إنّما جُعلت التقيّة ليحقن بها الدّم، فإذا بلغت التقيّة الدّم، فلا تقيّة، وأيمُ اللّه، لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنّما نبقى، ولكانت التقيّة أحبّ إليكم من آبائكم واُمّهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك، ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حَدّ اللّه»(2).

المورد الثاني: ما لو كان العمل على طبق التقيّة مؤدّياً إلى الفساد في الدين، فإنّه لا تجوز التقيّة في هذا المورد.

ويشهد به:

1 - أنّ التقيّة إنّما شُرِّعت إعلاءاً للحقّ ، وإعزازاً للإسلام والمسلمين، وحفظاً6.

ص: 277


1- الكافي: ج 2/220 ح 16، وسائل الشيعة: ج 16/234 ح 21445.
2- تهذيب الأحكام: ج 6/172 ح 13، وسائل الشيعة: ج 16/234 ح 21446.

لوحدة الكلمة المستلزمة لقوّة الإسلام والمسلمين، فمع استلزامها للفساد في الدين لا تقيّة هناك، فإنّ هذا يدلّ على انصراف أدلّة التقيّة عن مثل المورد.

2 - ثمّ موثّق مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«إنّ المؤمن إذا أظهر الإيمان، ثمّ ظهر منه ما يدلّ على نقضه، خرج ممّا وصف، وأظهر وكان له ناقضاً، إلّاأنْ يدّعى أنّه إنّما عمل ذلك تقيّةً ، ومع ذلك ينظر فيه، فإنْ كان ليس ممّا يمكن أنْ تكون التقيّة في مثله لم يقبل منه ذلك، لأنّ للتقيّة مواضع، مَن أزالها عن مواضعها لم تستقم له، وتفسير ما يتّقي: مثل أنْ يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز»(1).

فإنّه في مقام تحديد التقيّة موضعاً، قيّدها بما لا يؤدّي إلى الفساد في الدين، فمفهومه أنّه إذا أدّت إلى الفساد في الدِّين فلا تجوز التقيّة.

أقول: وللفساد في الدِّين مصاديق:

منها: ما لو كان المحرَّم من قبيل محو نُسخ القرآن الكريم وتفسيره بما ينطبق على المذهب الباطل، وتخريب الكعبة المكرّمة، وقبور المعصومين عليهم السلام، وما شاكل.

ومنها: سكوت العلماء في مقابل حكام الجور المبتدعين في الدِّين، والمعاندين للحقّ ، الذين إذا خلا لهم الجوّ بدّلوا أحكام اللّه تعالى ، وغيّروا سُنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، بحيث لا يبقى من الإسلام إلّااسمه، ومن القرآن إلّارسمه!.

ومنها: ما لو كان العمل المحرّم ممّا يرجع ضرره إلى المجتمع الإسلامي.

وله مصاديق اُخر تظهر ممّا بيّناه.7.

ص: 278


1- الكافي: ج 2/168 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/216 ح 21397.

المورد الثالث: ما إذا كانت التقيّة بحيث تجلب إلى المؤمن ذلّة وحقارة، وحطّة عن شرافته ومقامه إذا كتمَ الحقّ ، ولم يظهره، فإنّه تُحرم عليه التقيّة حينئذٍ، ويجبُ عليه أن يعرّج على قول الحقّ حتّى لو استلزم أن يعرّض نفسه وأمواله للنهب والهلاك، ويستبدل الحياة الفانية الحقيرة في ولاية الظالمين بالحياة الباقية عند اللّه تعالى!. فقد صحّ عن سيّدنا الصادق عليه السلام قوله:

«إنّ اللّه فوّض إلى المؤمن اُموره كلّها، ولم يفوّض إليه أنْ يكون ذليلاً، أما تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول: «وَ لِلّهِ اَلْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ »(1) فالمؤمن ينبغي أنْ يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً، يعزّه اللّه بالإيمان والإسلام»(2).

وبمضمونه أخبارٌ أُخر.

وهذا سيّد شباب أهل الجنّة، ورأس اُباة الضيم أبو عبد اللّه الحسين عليه السلام يقول في خطبته:

«ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقّاً مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّاسعادة، والحياة مع الظالمين إلّابرما»(3).

وهو الذي يقول: «لا واللّه، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفِرّ فرار العبيد»(4).

وهو الذي يقول فيما كتبه إلى أهل الكوفة، لمّا رأى خذلانهم إيّاه: «ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز منّا بين اثنتين: بين السَّلة والذلّة، وهيهات منّا الدنيئة،4.

ص: 279


1- سورة المنافقون: الآية 8.
2- الكافي: ج 5/63 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/157 ح 21233.
3- تحف العقول: ص 245.
4- الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله: ج 2/97، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ج 3/224.

يأبى اللّه ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجورٌ طابت، واُنوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبيّة، أن نُؤثِر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام! وإنّي زاحفٌ إليهم بهذه الاُسرة، على كَلَب العدوّ، وكثرة العدد، وخذلة الناصر»(1).

المورد الرابع: ما لو ظهرت البدعة، ومنها ما هو المتعارف في عصرنا الحاضر من تصويب القوانين المخالفة لقوانين الإسلام، وأحكام القرآن المسلَّمة، بعنوان أنّها ممّا جاء بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإنّه يجب على العالم أن يُظهِر علمه، وتُحرم التقيّة حينئذٍ.

ففي خبر يونس بن عبد الرحمن، عن الصادقين عليهما السلام، قالا:

«إذا ظهرت البدع فَعَلى العالم أن يُظهر علمه، فإنْلم يفعل سُلب نور الإيمان»(2).

وفي خبر محمّد بن جمهور، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«إذا ظهرت البدع في أُمّتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه»(3).

وفي خبر طلحة بن زيد عن العالم الكاتم علمه: «يُبعث أنتن أهل القيامة ريحاً، تلعنه كلّ دابّةٍ من دواب الأرض الصغار»(4).

ونحوها غيرها.

وتقريب الاستدلال بها: أنّ المبتدع في الدِّين بحسب الغالب له قوّة وشوكة، وإظهار العلم في مقابله مستلزمٌ لتعريض النفس والعِرض والمال للهلاك، ومع ذلك فقد أوجبه الأئمّة عليهم السلام وأكّدوه، فيعلم أنّه في هذا المقام لا مورد للتقيّة، بل يجب9.

ص: 280


1- الاحتجاج: ج 2/24-25، مثير الأحزان ص 39-40.
2- عيون أخبار الرضا: ج 1/103 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/271 ح 21546.
3- الكافي: ج 1/54 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/269 ح 21538.
4- المحاسن: ج 1/231، وسائل الشيعة: ج 16/270 ح 21539.

إظهار العلم، وإنْ أكرهه المبتدع على السكوت.

وبذلك يظهر أنّ اعتراض بعض المتحمسين في سبيل الدِّين - على جهل العلماء المعرّضين أنفسهم ومناصبهم في معرض الهلاك، بإظهار علمهم عند تصويب القوانين المخالفة لقوانين الإسلام، بعنوان أنّها من الدِّين - في غير محلّه، وأنّ أمثال هؤلاء المتحمّسين الجاهلين أضرّ الخلق على الإسلام والمسلمين، بل أبعد عن حقيقته من سائر العالمين!

اللّهُمَّ إهد هؤلاء المسلمين إلى كتابك وسُنّة نبيّك صلى الله عليه و آله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.

المورد الخامس: ما إذا كان العمل بالنسبة إلى شخصٍ خاصٍ سبباً لوهن عقيدة المسلمين، أو وهن العامل وحطّه عن منزلته الرفعيّة، وبالتبع وهن رؤساء الدِّين، وعدم تأثير كلماتهم ومواعظهم، كما لو فرض أنّ المرجع الأعلى للمسلمين اُكره على شرب الخمر في ملأٍ من النّاس، فإنّه لا شكّ أنّه لا يجوز له شربها حتّى وإن استلزم ترك الشرب هلاك نفسه، فإنّه إنّما شُرِّعت التقيّة فيما إذا لم يستلزم الفساد في الدِّين كما مرّ، ومع لزومها ذلك لا تقيّة، وشرب المرجع المُسكر ينافي مقامه السامي، ويوجبُ ضعف عقيدة المسلمين، وإعراضهم عنه وعن غيره من رؤساء المذهب، فقد ورد في صحيح زرارة، قال:

«قلت له: هل في المسح على الخفّين تقيّة ؟

فقال عليه السلام: ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شُرب المسكر، والمسح على الخفّين، ومتعة الحَجّ »(1).

ومن مصاديق هذه الكبرى الكليّة اتّباع العالم الحاكمَ الجائر، وصيرورته معيناً له، فإنّه وإنْ كان ذلك حراماً لكلّ أحدٍ، إلّاأنّه في صورة الإكراه والتقيّة يجوز2.

ص: 281


1- الكافي: ج 6/415 ح 12، وسائل الشيعة: ج 25/350 ح 32102.

لغير العالم ولا يجوز له، ويدلّ عليه ورود روايات كثيرة في ذمّ العلماء المختلفين إلى أبواب السلاطين، حتّى عدّهم الأخبار المذكورة آفة الدِّين، وتتضمّن الأخبار النهي عن تحمل العلم منهم، والصلاة خلفهم، وتشيّيع جنائزهم، وعياده مرضاهم، وما شاكل(1).

ويشير الإمام زين العابدين عليه السلام إلى سِرّ ذلك في كتاب موعظته إلى محمّد بن مسلم الزُّهري:

«واعلم أنّ أدنى ما اكتسبت، وأخفّ ما احتملت، أن آنستَ وحشة الظالم، وسهّلت له طريق الغَيّ ، بدنوّك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دُعيت، فما أخوفني أنْ تكون تبوء بإثمك غداً مع الخونة، وأن تُسأل عمّا أخذتَ بإعانتك على ظلم الظَلَمة، إنّك أخذتَ ما ليس لك ممّن أعطاك، ودنوتَ ممّن لم يرد على أحد حقّاً ولم تردّ باطلاً حين أدناك، وأجبتَ مَن حادّ اللّه، أوليس بدعائه إيّاك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رَحى مظالمهم ؟ وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ؟ وسُلّماً إلى ضلالتهم ؟ داعياً إلى غَيّهم، سالكاً سبيلهم، يُدخلون بك الشكّ على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلّا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم...(2)» إلى آخر ما في ذلك الكتاب.

***5.

ص: 282


1- الكافي: ج 1/46.
2- تحف العقول ص 275.

التقيّة الصادرة عن الخوف

أمّا القسم الثاني: وهو التقيّة الخوفيّة، فيشهد لمشروعيّتها من الكتاب الآية الثانية من الآيتين المتقدّمتين(1) في التقيّة الإكراهيّة، و «حديث لا ضرر» بالتقريب المتقدّم، وأخبار التقيّة المتقدّمة بالتقريب المتقدّم.

ولكن كما مرّ في ذلك القسم أنّ للتقيّة حدوداً مبيّنة في الأخبار لابدّ من رعايتها، وأنّ التقيّة المشروعة تجري في عمل لا يهدمُ حقاً ولا يبني باطلاً، ومن شخص لا يكون عمله بالتقيّة موجباً للفساد في الدِّين، وموجباً لضعف عقيدة المسلمين، وإنّما شُرِّعت حفظاً لدماء المسلمين، وإعزازاً للدِّين، وإعلاءً لكلمة الإسلام والمسلمين، فما لا يترتّب عليه هذه الأُمور لا تكون مشروعة.

وهذا الذي ذكرناه - مضافاً إلى ظهوره ممّا قدّمناه في القسم الأوّل - يستفاد من نصوص اُخرى :

منها: الخبر الذي رواه صاحب «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثٍ :

«وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك، فإنّ اللّه يقول: «لا يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً » (2)، وقد أذنتُ لك في تفضيل أعدائنا إنْ ألجأك الخوف إليه، وفي إظهار البراءة إنْ حَمَلك الوجل عليه، وفي ترك الصلوات المكتوبات إنْ خشيت على حُشاشة نفسك الآفات والعاهات، فإنّ تفضيل أعدائنا عند خوفك لا ينفعهم

ص: 283


1- سورة النحل: الآية 106.
2- سورة آل عمران: الآية 28.

ولا يضرّنا، وأنّ إظهار براءتك منّا عند تقيّتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا، ولئن تَبرأ منّا ساعة بلسانك وأنتَ موالٍ لنا بجنانك، لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها، ومالها الذي به قيامها، وجاهها الذي به تَمسّكها، وتصونُ مَنْ عَرف بذلك من أوليائنا واخواننا، فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدِّين، وصلاح اخوانك المؤمنين، وإيّاك ثمّ إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتُك بها، فإنّك شائطٌ بدمك ودماء اخوانك، معرّض لنعمتك ونعمتهم للزوال، مذلٌّ لهم في أيدي أعداء دين اللّه، وقد أمرك اللّه بإعزازهم، فإنّك إنْ خالفت وصيّتي كان ضررك على اخوانك ونفسك أشدّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا»(1).

ومنها: ما رواه صاحب «تفسير العسكري» عن آبائه، عن علي عليهم السلام مثله(2).

ومنها: ما في تفسير العسكري» أيضاً: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: التقيّة من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه واخوانه عن الفاجرين»(3).

وفيه: قال الحسن بن علي عليهما السلام: «إنّ التقيّة يصلح اللّه بها أُمّة، لصاحبها مثل ثواب أعمالهم»(4).

وفيه: قال جعفر بن محمّد عليهما السلام: «استعمال التقيّة بصيانة الإخوان، فإنْ كان هو يحمي الخائف، فهو من أشرف خصال الكرام»(5).

ونحوها غيرها من النصوص الظاهرة في اختصاص مشروعيّة التقيّة بما ذكرناه وأشرنا إليه.6.

ص: 284


1- تفسير الإمام العسكري: ص 175-176، وسائل الشيعة: ج 16/228 ح 21432.
2- تفسير الإمام العسكري: ص 175-176.
3- تفسير الإمام العسكري: ص 320-321 ح 163، وسائل الشيعة: ج 16/222 ح 21411.
4- تفسير الإمام العسكري: ص 321 ح 164، وسائل الشيعة: ج 16/222 ح 21412.
5- تفسير الإمام العسكري: ص 322 ح 168، وسائل الشيعة: ج 16/223 ح 21416.

الأحكام المستخرجة

أقول: ويستنتج ممّا ذكرناه في هذين القسمين أحكام نشير إلى طرفٍ منها:

الحكم الأوّل: تجب التقيّة إذا لم يكن ما يتّقى به هادماً لحقّ ولا بانياً لباطل، ولم يكن العامل ممّن يقتدي به النّاس، ولا يؤخذ عمله حجّة، ولم يكن ما يتّقي به من المهمّات الشرعيّة، ولا موجباً لذلّة المؤمن وحقارته، وكان الضرر المترتّب على ترك التقيّة هلاك النفس، أو وهن الدِّين.

الحكم الثاني: تجوز التقيّة في إظهار الكفر، إذا لم يكن المُظهِر قدوة للأنام، وكان الضرر المترتّب على تركها هلاك النفس.

الحكم الثالث: تستحبّ التقيّة في إظهار كلمة الكفر، ومنه إظهار البراءة من الأئمّة المعصومين عليهم السلام، فيما إذا كان الضرر المترتّب على ترك التقيّة، هو الفساد في الدين أو هلاك النفس.

الحكم الرابع: الأفضل ترك التقيّة فيما إذا كان الشخص قدوة للأنام، أو كانت تقيّته موجبة للوهن في الدِّين، وكان الضرر هو هلاك نفسه.

الحكم الخامس: تحرم التقيّة في موارد:

المورد الأوّل: في الدّماء، فإنّه لا تقيّة فيها، فكلّ ما يستلزم إباحةُ دمِ مَنْ لا يجوز قتله، لا تجوز التقيّة فيه.

المورد الثاني: ما لو ادت التقيّة إلى الفساد في الدين، أو إذلال المؤمنين.

المورد الثالث: إذا كان ما يتّقي به من قبيل هدم الحقّ بمحو نُسَخ القرآن وتفسيره بما ينطبق على المذهب الباطل، وتخريب الكعبة المعظّمة وقبور المعصومين عليهم السلام، وما شاكل.

ص: 285

المورد الرابع: ما إذا كان الشخص قدوة للأنام، ورئيساً في الدِّين عند قومه، بحيث يلزم من تقيته وهن الدِّين، ورواج الباطل، كشُرب إمام المسلمين المُسكر، ودنو العالم وأتباعه من الحاكم الجائر.

المورد الخامس: ما لو كان العمل المُحرّم ممّا يرجع ضرره إلى المجتمع الإسلامي.

المورد السادس: ما إذا كانت التقيّة بحيث تجلبُ إلى المؤمن مذلّة وحقارة وحطّة عن شرافته ومقامه إذا عمل بالتقيّة.

المورد السابع: ما إذا ظهرت البدعة في الدِّين، فإنّه يجب على العالم أن يظهر علمه بلغ ما بلغ.

وهناك مواردٌ اُخر تُحرَم فيها التقيّة تظهر ممّا بيّناه.

***

ص: 286

التقيّة لغرض الكتمان

القسم الثالث: التقيّة الكتمانيّة، وهي عبارة عن كتمان المعتَقَد والمذهب، وعدم ترويجه ظاهراً، بل السعي فيه سرّاً، وذلك فيما إذا ترتّب على التظاهر به مفسدة مهمّة كهلاك النفس، وتشتّت الجمع، والمنع من رواجه، وما شاكل، كما كان الأمر كذلك في عصر الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

أقول: ولهذه التقيّة موارد:

تارةً : تترتّب على التظاهر به مصلحة أهمّ ممّا تترتّب عليه من المفسدة، كما إذا لزم من الكتمان هدم أساس الدِّين والمذهب.

واُخرى : تكون المفسدة أهمّ .

وثالثة: يتساويان.

وتشخيص هذه الموارد إنّما تكون وظيفة العالم المطّلع على أوضاع الزمان، وقد اُشير إلى ذلك في بعض الأخبار:

منها: ما رواه مسعدة بن صدقة، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «المؤمن إذا أظهر الإيمان، ثمّ ظهر منه ما يدلّ على نقضه، خَرج ممّا وصف، وأظهر وكان له ناقضاً، إلّاأنْ يدّعي أنّه إنّما عمل ذلك تقيّة، ومع ذلك يُنظر فيه، فإنْ كان ليس ممّا يمكن أنْ تكون التقيّة في مثله لم يُقبل منه ذلك، لأنّ للتقيّة مواضع مَن أزالها عن مواضعها لم تستقم له، وتفسير ما يتّقي: مثل أنْ يكون بين قوم سوءٍ ظاهرُ حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا

ص: 287

لا يؤدّي إلى الفساد في الدِّين فإنّه جائزٌ»(1).

ومنها: خبر «الاحتجاج»، عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، في حديث: «وتتّقون حيث لا تجب التقيّة، وتتركون التقيّة حيث لابدّ من التقيّة!»(2).

وكيف كان، ففي الصورة الأُولى تحرم التقيّة، وعمل الأنبياء والأولياء والشهداء أقوى شاهد على ذلك، وسيمرّ عليك أنّ نصوص التقيّة لا تشمل هذه الصورة، وأظنّ أنّ ذلك من الوضوح بمكان لا حاجة معه إلى الاستدلال له.

وأمّا في الصورة الثانية: فالظاهر مشروعيّة التقيّة بل وجوبها، ويشهد به استقلال العقل بذلك، واقتضاء الفطرة السليمة له، فإنّه إذا اجتمع جماعة قليلون، وشكّلوا جمعيّة لها مرام ومسلك مخصوص، يتوقّف تطبيق وتنفيذ بنود ذلك المرام، على الأخذ بزمام الحكم والسيطرة على البلد وعلى أفراد المملكة، وكانت الحكومة بيد من يخالف ذلك المرام، فلا ريب في حكم العقل بأنّه يتحتّم عليهم كتمان المرام في بداية الأمر، والسعي في ترويجه وتبليغه سرّاً، فإنّه ما لم يأخذ الحقّ الذي يرونه نصابه، أوجب التظاهر به استئصالهم عن آخرهم، واضمحلال الحقّ باضمحلال أهله، وبعد أخذ الحقّ نصابه يتحتّم التظاهر والقيام لإحياء المرام ونشره.

ويشير إلى ذلك بعض النصوص الصادرة في ظرفٍ لم يأخذ مذهب التشيّع نصابه، وكانت الحكومة بيد خلفاء الجور المخالفين للمذهب، كقوله عليه السلام:

«اتّقوا اللّه على دينكم واحجبوه بالتقيّة، فإنّه لا إيمان لمَن لا تقيّة له، إنّما أنتم في النّاس كالنحل في الطير، ولو أنّ الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلّا7.

ص: 288


1- الكافي: ج 2/168 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/216 ح 21397.
2- الإحتجاج: ج 2/237.

أكلته، ولو أنّ النّاس علموا ما في أجوافكم أنّكم تُحبّونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم، ولنحلوكم في السِرّ والعلانية»(1)، الحديث.

مضافاً إلى بناء العقلاء عليه في تشكيل المجتمع، والاستيلاء على الحكومة، فإنّه إذا لم يكتم المتحزّبون أمرهم في بدو الأمر، ولم يسعوا في ترويجه سرّاً لما بقي من المرام والمسلك وأهله إلّاالاسم، ويدلّ عليه أيضاً جملة من النصوص الصريح طرف منها في مشروعيّة هذه التقيّة بهذا النحو الذي ذكرناه في ظرفٍ لم يأخذ المذهب الحقّ نصابه:

منها: خبر الحسن البصري، قال: «سمعت عليّاً عليه السلام يوم قتل عثمان يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: إنّ التقيّة من دين اللّه، ولا دينَ لمَن لا تقيّة له، واللّه لولا التقيّة ما عُبِد اللّه في الأرض في دولة إبليس.

فقال رجلٌ : ما دولة إبليس ؟ فقال: إذا ولّي إمامُ هدى فهي دولة الحقّ على إبليس، وإذا ولّي إمام ضلالة فهي دولة إبليس»(2).

والمستفاد من هذا الخبر أمران:

أحدهما: أنّ التقيّة في زمان دولة إبليس سببٌ لبقاء عبادة اللّه، وبديهي أنّ هذه الخاصّية مختصّة بهذا القسم من التقيّة.

الثاني: أنّ هذا القسم من التقيّة إنّما يكون بالسعي في ترويج المذهب سِرّاً، لا في كتمانه خاصّة، إذ في فرض الكتمان بلا تبليغ ينقرض المذهب بانقراض تلكم الجماعة الخاصّة، وعليه فيعتبر في مثل هذا المقام القيام بترويج المذهب سرّاً.

ص: 289


1- الكافي: ج 2/218 ح 5، وسائل الشيعة: ج 16/205 ح 21363.
2- كتاب سليم بن قيس: ص 416، مستدرك وسائل الشيعة: ج 12/252 ح 14031.

ومنها: خبر المعلّى بن خُنيس، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

يا معلّى، اكتم أمرنا ولا تُذعه، فإنّه مَنْ كتم أمرنا ولم يذعه أعزّه اللّه به في الدُّنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنّة، يا معلّى من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذلّه اللّه به في الدُّنيا، ونَزَع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النّار، يا معلّى إنّ التقيّة من ديني ودين آبائي، ولا دين لمَن لا تقيّة له، يا مُعلّى إنّ اللّه يحبُّ أن يُعبَد في السِرّ كما يحبُّ أن يُعبد في العلانية، يا معلّى إنّ المذيع لأمرنا كالجاحد له»(1).

وقد أمر الإمام عليه السلام أصحابه في زمانه - الذي كان أهل الحقّ فيه قلّة، وكانوا إذا تظاهروا بما هم عليه استئصلوا عن آخرهم في تلك الفتن، ولأوردوا أهل البيت عليهم السلام موارد الهلكة والإستئصال - بكتمان ما هم عليه، وبعد ذلك طبق التقيّة التي هي دينه ودين آبائه على هذا العمل، وفي ذيل الخبر عَبّر عن هذا العمل بالعبادة في السِرّ، فيستفاد من ذلك أنّ التقيّة التي هي دينه ودين آبائه ستر المذهب عن المخالفين، والسعي في رواجه سِرّاً، وأنّه إنّما يجب ذلك من جهة أنّ بقاء الدِّين وأهله ورواجه يتوقّف عليه، وأمّا لو كانت الظروف بنحوٍ لو لم يتظاهر به لما بقي من الدين شيء - كما في ظرف قيام أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام - وجبَ حفظ الدِّين وحَرُمت التقيّة.

وبه يظهر اختلاف حالات الأئمّة عليهم السلام والعلماء، ففي بعض الأزمنة لابدّ من التقيّة، وفي بعضها لابدّ من تركها، وهم أعلم بمواضعها، وقد صَحّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»(2).

ص: 290


1- الكافي: ج 2/223 ح 8، وسائل الشيعة: ج 16/210 ح 21379.
2- علل الشرايع: ج 1/211، المناقب لابن شهر آشوب: ج 3/163.

أضف إلى ذلك أنّ قوله عليه السلام: «التقيّة ديني ودين آبائي» بنفسها ظاهرة في الاختصاص بهذا القسم، لأنّ «الدين» في اللّغة الجزاء والطاعة والخضوع(1)، أي سبب الجزاء، ويطلق على مجموع التكاليف التي يدين بها العباد للّه، قالوا فيكون بمعنى الملّة والشرع.

وقال آخرون: إنّ ما يكلّف اللّه به العباد يُسمّى شرعاً، باعتبار وضعه وبيانه، ويُسمّى ديناً باعتبار الخضوع وطاعة الشارع به، ويُسمّى ملّةً باعتبار جملة التكاليف.

فكون التقيّة ديناً إنّما ينطبق على هذا القسم الذي هو عبادة اللّه والعمل بما جاء به النبيّ سِرّاً، وعدم التظاهر به، ولا معنى لكون الإتيان بالمحرم - حِقناً للدّم مثلاً - ديناً، وهذا واضح.

وعليه، فجميع الروايات الكثيرة المتضمّنة لهذه الجملة، وما يقرب منها، تختصّ بهذا القسم من التقيّة، ولا تشمل القسمين الأولين، وهذا هو الذي وعدنا بيانه هناك.

ومنها: خبر الأزدي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «اتّقوا اللّه، وصُونوا دينكم بالورع، وقوّوه بالتقيّة»(2).

وبديهي أنّ تقوية الدِّين إنّما تكون بالتقيّة الكتمانيّة مع استمرار النشاط والترويج سِرّاً، لا بالتقيّة الإكراهيّة والخوفيّة.

أقول: ومثله في الدلالة على ذلك، خبر عبد اللّه بن أبي يعفور، عنه عليه السلام: «التقيّة تِرس المؤمن»(3).2.

ص: 291


1- الصحاح للجوهري: ج 5/2118، لسان العرب: ج 13/169.
2- الكافي: ج 5/105 ح 3، وسائل الشيعة: ج 17/178 ح 22292.
3- الكافي: ج 2/221 ح 23، وسائل الشيعة: ج 16/205 ح 21362.

ولا يخفى أنّ الترس هو الذي يستعمله المقاتل في ساحة الجهاد، فالمراد أنّ التبليغ بمنزلة الجهاد، فإنْ كان سرّاً فهو ترس المبلغ.

ومنها: خبر سليمان بن خالد، عنه عليه السلام: «يا سليمان، إنّكم على دينٍ ، مَنْ كتمه أعزّه اللّه، ومن أذاعه أذلّه اللّه»(1).

ومنها: خبر هشام بن سالم، عنه عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا»(2) ، قال: بما صبروا على التقيّة، و «وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ اَلسَّيِّئَةَ » (3)قال: الحسنة التقيّة، والسيّئة الإذاعة»(4).

ومنها: خبر الحسن بن أبي الحسن الديلمي في «إرشاد القلوب» في حديثٍ طويل عن سلمان الفارسي، أنّه ذكر قدوم الجاثليق من الروم ومعه مائة من الأساقفة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة، وسؤالهم أبا بكر أشياء عجز فيها عن الجواب، ثمّ ذكر لقاءهم عليّ عليه السلام وحلّه مشاكلهم، وإسلامهم على يده، وأمره إيّاهم برجوعهم إلى أوطانهم...

إلى أنْ قال: «وعليكم بالتمسّك بحبل اللّه وعروته، وكونوا من حِزب اللّه ورسوله، والزموا عهد اللّه وميثاقه عليكم، فإنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعودُ غريباً، وكونوا في أهل ملّتكم كأصحاب الكهف، وإيّاكم أن تفشوا أمركم إلى أهلٍ أو ولدٍ حميم أو قريب، فإنّ دين اللّه عزّ وجلّ الذي أوجب له التقيّة لأوليائه، فيقتلكم قومكم»(5) الخبر.

ص: 292


1- الكافي: ج 2/222 ح 3، وسائل الشيعة: ج 16/235 ح 21447.
2- سورة القصص: الآية 54.
3- سورة القصص: الآية 54.
4- الكافي: ج 2/217 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/203 ح 21356.
5- إرشاد القلوب: ص 313، مستدرك وسائل الشيعة: ج 12/256-257 ح 14044.

ومنها: خبر أبي بصير، قال أبو جعفر عليه السلام:

«خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانيّة»(1).

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على ذلك.

وبما ذكرناه يظهر حكم الصورة الثالثة، وهو التخيّير بين التقيّة وتركها، وجواز التقيّة بالمعنى الأعمّ القابل لأفضليّة التقيّة وتركها وتساويهما في الفضل، إذ مع فرض تساوي المصلحتين - بمعنى عدم كون زيادة أحدهما بمقدارٍ يلزم تحصيلها - تارةً تكون مصلحة التقيّة أزيد، واُخرى بالعكس، وثالثة لا مزيّة لإحداهما على الاُخرى ، وبهذا الاعتبار يقال: إنّه ينقسم هذا القسم أيضاً إلى الأقسام الخمسة من الواجب، والحرام، والمستحبّ ، والمكروه، والمباح.

***

ص: 293


1- الكافي: ج 2/220، ح 20، وسائل الشيعة: ج 16/219 ح 21404.

التقيَّة المداراتيّة

القسم الرابع: التقيّة المداراتيّة، وهي حُسن المعاشرة مع العامّة بالصّلاة في مساجدهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، وما شاكل، حفظاً للوحدة الإسلاميّة، وتأييداً للدِّين، وإعلاءً لكلمة الإسلام والمسلمين في مقابل الكفّار والمشركين.

أقول: ويشهد لمطلوبيّة هذا القسم من التقيّة:

1 - الآيات الداعية إلى الاتّحاد، والنّاهية عن التفرّق:

منها: قوله تعالى: «وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا»(1).

ومنها: قوله تعالى: «وَ أَطِيعُوا اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ »(2).

ومنها: قوله عزّ وجلّ : «إِنَّ اَلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ ءٍ »(3) .

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الداعية إلى الاتّحاد والاتّفاق.

2 - سيرة الأئمّة المعصومين عليهم السلام، فهذا أمير المؤمنين عليه السلام برغم غصب حقّه وإيذائه بما هو فوق حَدّ التصوّر، حتّى قال في خطبته المعروفة بالشقشقيّة:

«فَصَبرتُ وفي العين قَذى، وفي الحلق شجى»(4)، كان يحضر عليه السلام جماعة المسلمين،

ص: 294


1- (1) سورة آل عمران: الآية 103.
2- (2) سورة الأنفال: الآية 46.
3- سورة الأنعام: الآية 159.
4- علل الشرايع للصدوق: ج 1/150-151 ح 12، معاني الأخبار للصدوق ص 360-361 ح 1، إرشاد الشيخ المفيد: ج 1/287-288، الأمالي للشيخ الطوسي ص 372-273 ح 80، نهج البلاغة، الخطبة رقم 3 المعروفة بالشقشقية ص 30 وما بعدها.

ويعود مرضاهم، ويشيّع جنائزهم، وكان يؤيّدهم عند وقوع الحرب بينهم وبين الكفّار والمشركين.

3 - وكثير من الروايات:

منها: الخبر الذي رواه هشام الكندي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إيّاكم أن تعملوا عملاً نعيّر به! فإنّ وَلد السّوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً! صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير، فأنتم أولى به منهم، واللّه ما عُبد اللّه بشيء أحبّ إليه من الخباء، قلت: وما الخباء؟ قال عليه السلام: التقيّة»(1).

ومنها: خبر مدرك بن الهزهاز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«رحم اللّه عبداً جرَّ مودَّة النّاس إلى نفسه، فحدَّثهم بما يعرفون، وتَرك ما ينكرون»(2).

ومنها: خبر معاوية بن وهب، قال: «قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وبين خلطائنا ممّا ليسوا على أمرنا؟

فقال: تنظرون إلى أئمّتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فو اللّه إنّهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم»(3).7.

ص: 295


1- الكافي: ج 2/219 ح 11، وسائل الشيعة: ج 16/219 ح 21403.
2- الخصال ص 25 ح 89، وسائل الشيعة: ج 16/220 ح 21405.
3- الكافي: ج 2/636 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/6 ح 15497.

ومنها: خبر الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عليكم بالوَرَع والاجتهاد، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضروا مع قومكم مساجدكم، وأحبّوا للناس ما تُحبّون لأنفسكم، أما يستحيي الرّجل منكم أن يَعرف جاره حقّه ولا يعرف حقَّ جاره»(1).

ونحوها غيرها من الأخبار البالغة حَدّ التواتر ممّا يقرب هذا المضمون.

وفي بعض خطب «نهج البلاغة» أشير إلى ذلك، بل في «الصحيفة السجّاديّة» الدّعاء (27) دعاؤه لأهل الثغور(2)، فإنه عليه السلام يدعو في ذلك الدّعاء لأهل الثغور في الدولة الإسلاميّة التي كان الحاكم عليها من بني أُميّة، حفظاً للوحدة وإعلاءً للكلمة، يدعو لهم بأبلغ دعاءٍ مشحون بالحقائق، وهو يبيّن وظيفتهم ووظيفة الحكام معهم من خلال الدّعاء.

وعلى الجملة: فالمستفاد من الآيات الشريفة، والسُنّة المتواترة وعمل المعصومين عليهم السلام الاهتمام بالوحدة الإسلاميّة، والحذر من التشتّت والتفرّق، والتجربة القطعيّة أيضاً تدلّنا على ذلك، إذ في كلّ عصر كانت الوحدة الإسلاميّة محفوظة، وكان المسلمون كيدٍ واحدة على من سواهم، آلَ أمر المجتمع إلى الصلاح والعزّة، وذاقوا حلاوة النِعَم المادّية والمعنويّة، وكلّ عصر ظهر الاختلاف والنفاق فيه بين المسلمين - كزماننا هذا آلَ أمر المجتمع إلى الفساد، وسيطر عليهم الأجانب واستعمروهم.

ومن المؤسف جدّاً أنّ الأجانب والكفّار عرفوا ذلك منذ عهد بعيد، فأخذوا يسعون بشتّى الطرق والوسائل لإيجاد التفرقة بين المسلمين، ولمّا رأوا أنّ هذا الأمر لا يتمّ ما1.

ص: 296


1- الكافي: ج 2/635 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/6 ح 15498.
2- الصحيفة السجاديّة الكاملة: ص 141.

دام القرآن - وهو الكتاب الذي يتبعه المسلمون، ويجرون أحكامه وقوانينه، ويتبعون إرشاداته وتعاليمه - بينهم، فسعوا إلى إبعاده عن الاُمّة، وهذا ما صرّح به جولادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، فقد صرّح في مجلس العموم البريطاني، قائلاً: لا نفوذ لبريطانيا في الشرق الإسلامي، والقرآن عندهم، يعملون به ويهتدون بهداه!).

فأخذوا يسعون على إمحاء ما عُلّق في نفوس المسلمين من العلاقة مع القرآن، والعمل بأحكامه والسير على هُداه، وحاولوا إزالة القرآن من بينهم ليخلو لهم الجوّ ويفعلوا ما يشاؤا.

ولما رأوا أنّ هذا الأمر لا يتحقّق ما دام العلماء هم القوّة المجرية لقوانين القرآن، والنّاس تابعون لهم، وهم الآمرون والناهون، أخذوا يسعون في تضعيف العلماء والروحانيّين بشتّى الطرق والوسائل، ومن جملتها نصب رجال هم أعداء للدِّين والعلماء مصادر للأمر، وناصروهم جهد طاقتهم، فكانت هذه الطبقة من الرِّجال عند حسن ظنّهم، حتّى آلَ أمر المجتمع إلى ما نرى بالعيان من تسلّط الكفّار والأجانب على البلدان الإسلاميّة، وضعف الإسلام في نفوس المسلمين، و... فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.

***

ص: 297

حكم التقيّة وضعاً

وأمّا المقام الثاني: وهو حكمها الوضعي، فقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا (فقه الصادق) في أبواب الوضوء، والصلاة، والصوم، والحَجّ ، وغيرها وإنّما نشير إليه في المقام إشارة عابرة، فنقول:

تارةً : تكون التقيّة في الفتوى وبيان الحكم.

واُخرى : تكون في مقام الامتثال.

أمّا التقيّة في الفتوى:

فتارةً : تكون في اتّقاء المفتي نفسه، كما إذا كان في محضر الإمام عليه السلام مخالفٌ يحذّره الإمام على نفسه.

واُخرى : تكون في اتّقائه في نفس المستفتي، كما في قضيّة عليّ بن يقطين الذي أمره الإمام أبو الحسن الكاظم عليه السلام بالوضوء الموافق للعامّة اتّقاءاً على نفسه(1).

وثالثة: تكون في اتّقائه على ثالث.

والتقيَّة في مقام الامتثال:

1 - قد تكون في الحكم الشرعي، كما في المسح على الخفّين، ومتعة الحَجّ ، والتكتيف في الصلاة، وما شاكل.

2 - وقد تكون في موضوع الحكم الشرعي، مع التوافق في الحكم نفسه، كما إذا

ص: 298


1- الإرشاد للشيخ المفيد قدس سره: ج 2/225-227، الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (ت 877): ج 2/192 ح 20-21، الخرائج والجرائح لقطب الدِّين الراوندي: ج 1/334، عيون المعجزات لحسن عبدالوهاب (ت في القرن الخامس): ص 89-90.

وقع الخلاف في خمريّة مائع خارجي وقالوا بأنّه ماءٌ مثلاً مع كونه خمراً عندنا، ولعلّه من هذا القبيل الفقاع، ومن هذا القبيل وقوع الخلاف في العيد ويوم عرفة، حيث أنّه لا خلاف بين المسلمين في وجوب الوقوف يوم عرفة وحرمة صوم يوم العيد، وأيضاً لا خلاف في أنّ أوّل يوم من شهر شوّال هو العيد، ويوم التاسع من ذي الحجّة يوم عرفة، وإنّما الخلاف وقع في تعيّين بداية الشهر من جهة ثبوت الهلال وعدمه.

والتقيَّة في الحكم:

1 - قد تكون في ترك الواجب، كترك الصوم.

2 - وقد تكون بفعلٍ مخالفٍ للحقّ كغَسل الرجلين، والمسح على الخُفّين، وما شاكل.

أقول: فحقّ القول في المقام يثبت بالبحث في موارد:

***

ص: 299

التقيّة في بيان الحكم

المورد الأوّل: التقيّة في الفتوى وبيان الحكم، سواءٌ أكان في المفتي، أو المستفتي، أو ثالث.

فإنْ أحرز أحد الثلاثة المذكورين كونها على وجه التقيّة فلا إشكال في عدم جواز العمل على طبق الفتوى المذكورة، كما أنّه لو أحرز أنّها على غير التقيّة، وجب العمل على طبقها، وإنْ لم يحرز شيء منهما، وشكّ في ذلك، وجب العمل على طبق الفتوى، لبناء العقلاء على تطابق المراد الجِدّي مع المراد الاستعمالي، وكون الحكم الصادر هو الواقعي وعدم صدوره تقيّة، ولولا ذلك لزم تأسيس فقه جديد، وأخبار الترجيح في الخبرين المتعارضين، الدالّة على جعل مخالفة العامّة من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى بعد فقد جملةٍ من المرجّحات(1)، أقوى شاهد على ذلك، هذا كلّه ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في إجزاء المأتي به بعد انكشاف الخلاف، وكون الفتوى على طبق التقيّة.

والحقّ عدم الإجزاء، لكون المقام من مصاديق المأتي به بالأمر الظاهري، وقد حُقّق في محلّه أنّه لا يجزي عن الأمر الواقعي بناءً على مذهب التخطئة، ولذا جَعل الشهيد الثاني رحمه الله عدم الإجزاء من ثمرات القول بالتخطئة، وللبحث في هذه المسألة محلّ آخر.

***

ص: 300


1- الكافي: ج 1/54 ح 10، وسائل الشيعة: ج 27/106 باب 9 من أبواب صفات القاضي ح 33334 وما بعده.

التقيَّة في ترك الواجب

المورد الثاني: التقيّة في ترك الواجب.

مقتضى القاعدة فيها وجوب الإعادة والقضاء، إذ الأمر الواقعي لم يمتثل، ولم يأت المكلّف بما جَعَله الشارع الأقدس بدلاً عن المأمور به، لما ستعرف أنّ أدلّة التقيّة إنّما تدلّ على إجزاء الإتيان بفعلٍ مخالف للحقّ ، وكونه بدلاً عن المأمور به الواقعي، ولا تدلّ على أنّ ترك العمل تقيّة بحكم العمل وبدل عنه، ولا تدلّ أيضاً على سقوط الأمر الواقعي.

وعليه، فلا مُسقِط للأمر، فيجبُ الإعادة والقضاء في مورد وجوب القضاء على فرض ترك الواجب في وقته.

وعلى ذلك، فالنصوص المتضمّنة لإفطار الإمام الصادق عليه السلام يوماً من رمضان كان عيداً عند النّاس وقضائه(1)، إنّما تكون وفق القاعدة، برغم ضعف سند الرواية المذكورة.

ولكن يمكن أن يقال:

تارةً : لا يصوم تقيّة.

واُخرى : يصوم ويفطر تقيّة.

وما ذكرناه يتمّ في الأوّل ولا يتمّ في الثاني، فإنّه حينئذٍ يصحّ أن يقال إنّ المأتي به صومٌ ناقص، نظير ما إذا أتى بمفطّر لا يرونه مفطّراً تقيّة، أو أفطر قبل ذهاب الحُمرة المشرقيّة بعد استتار القرص على القول بأنّ المنتهى هو ذهاب الحمرة، فيكون مُجزياً.

ص: 301


1- الكافي: ج 4/83 ح 4، وسائل الشيعة: ج 10/132 ح 13035.

وأمّا النصوص: فقد مرّ أنّها ضعيفة سنداً، مع أنّها قابلة للحمل على أفضليّة القضاء.

وعليه، فللقول بالإجزاء في المورد الثاني وجهٌ وجيه، وتمام الكلام في محلّه.

وكيف كان، فالكبرى الكليّة المشار إليها تامّة لا إشكال فيها.

***

ص: 302

التقيَّة في الموضوع

المورد الثالث: التقيَّة في موضوع الحكم الشرعي.

فقد يقال: إنّ نصوص التقيّة - حتّى ما له إطلاق - منصرفةٌ إلى ما له دخل في المذهب كغَسل الرجلين ومتعة الحَجّ ، وأمّا ما هو اعتقاد خطأً في موضوع خارجي، ككون اليوم تاسع ذي الحجّة، فالنصوص لا تشمله.

أقول: لكن موضوع الحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما يكون من الموضوعات الشرعيّة التي يكون بيانها وظيفة الشارع، كوقت المغرب، وأنّه عند استتار القرص، أو عند ذهاب الحمرة المشرقيّة، ويعبّر عنها بالموضوعات المستنبطة.

ثانيهما: ما يكون من الموضوعات الخارجيّة المحضة، كالهلال ورؤيته.

والثاني أيضاً قسمان:

أحدهما: ما تكون الطريقة المُثبت له من الاُمور الخارجيّة المحضة.

الثاني: ما يكون له طريقٌ شرعي، ووقع الخلاف بين المسلمين في طريقيّة بعض الاُمور، كشهادة من لا تُقبل شهادته عندنا، والمقبولة عندهم.

أقول: أمّا القسم الأوّل والثالث، فلا ينبغي الإشكال في شمول نصوص التقيّة الدالّة على الإجزاء - الآتية - لهما، لرجوعهما إلى الحكم، وترك العمل فيهما قدح في المذهب، فيدخلان في أدلّة التقيّة، ومن القسم الثالث حكم الحاكم بثبوت الهلال اعتماداً على شهادة من لا تُقبل شهادته إذا كان المذهب الحاكم القبول.

وأمّا القسم الثاني ففي بادئ النظر وإنْ كان ما أفيد حسناً، ولكنّه بالتدبّر في

ص: 303

نصوص الإجزاء - بضميمة ما ستعرف من عدم اختصاص التقيّة بما يكون عن المخالف في المذهب - يظهر عموم أدلّة الإجزاء له، ولا أقلّ من الغاء الخصوصيّة عن موارد الأحكام، وتنقيح المناط فيها.

وعليه، فالأظهر أنّ العمل على طبق التقيّة مجزٍ هنا على فرض القول بالإجزاء في الأحكام.

***

ص: 304

إجزاء العمل على طبق التقيّة

المورد الرابع: التقيّة في العمل بإتيان العمل على خلاف مذهب الحقّ على طبق التقيّة.

أقول: والكلام فيه في مقامين:

الأوّل: في أنّ الفعل المخالف للحقّ الموافق للتقيّة، هل يترتّب عليه سقوط الإعادة والقضاء كما يترتّب على الحقّ أم لا؟

الثاني: في الآثار الأُخر، كرفع الوضوء الصادر تقيّة للحدث بالنسبة إلى جميع الصلوات، وإفادة المعاملة الواقعة تقيّةً الآثار المترتّبة على المعاملة الصحيحة، وحصول البينونة بالطلاق على طبق التقيّة، وما شاكل.

أمّا المقام الأوّل: فكونه مسقطاً يتوقّف على أمرين:

أحدهما: وجود مطلق شامل لجميع أبواب العبادات.

الثاني: دلالة ذلك على أنّ المأتي به على وفق مذهب العامّة بدلٌ عن المأمور به الواقعي، أو على أنّ التكليف بالواقع الذي اقتضت التقيّة تركه يكون ساقطاً، وإلّا فمع انتفاء الأمرين لا يتمّ السقوط، فكما أنّ الجواز التكليفي لا يكفي للإجزاء وسقوط الأمر الواقعي، كذلك الجواز الوضعي الذي غايته كونه مأموراً به، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف الواقعي.

أقول: ويستفاد الأمران من جملة من الأخبار:

منها: مصحّح هشام عن أبي عُمر الأعجمي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «التقيّة في كلّ شيء إلّافي النبيذ، والمسح على الخُفّين»(1).

ص: 305


1- الكافي: ج 2/217 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/215 ح 21394.

فإنّه يدلّ على ثبوت التقيّة ومشروعيّتها في كلّ شيء ممنوعٍ ، لولا التقيّة إلّافي الفعلين المذكورين، فاستثناء المسح على الخُفّين مع كون المنع فيه غيريّاً تشريعيّاً، دليلٌ على عموم (الشيء) لكلّ شيء ممّا يشبهه من الممنوعات، لأجل التوصّل بتركها إلى صحّة العمل، ويدلّ على أنّ التقيّة ترفع ذلك المنع الغيري، ولازم ذلك الأمر به، وحيث أنّه أمرٌ بعنوان التقيّة والاضطرار منَّة على العباد بالحنيفة السمحة، فلا محالة يكون بدلاً عن المأمور به الواقعي، فيدلّ على أنّ غَسل الرجلين مثلاً - الذي يراه العامّة جزءً من الوضوء مكان مسحه - مأمورٌ به في حال التقيّة، وبدل عن المسح المأمور به الواقعي، فلا محالة يكون مجزياً.

وفي معنى هذا الخبر أخبار أُخر، كصحيح زرارة، قال:

«قلت له: في مسح الخُفّين ومتعة الحَجّ تقيّة ؟ فقال: ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً...

قال زرارة: ولم يقل الواجب عليكم أنْ لا تتّقوا فيهنّ أحداً»(1).

فإنّ معناه ثبوت التقيّة في غير الثلاث من الأُمور الممنوعة شرعاً، ولازمه ما ذكرناه في سابقة.

ولا يقدح في الاستدلال عدم الخلاف بين الأصحاب في جواز المسح على الخفّين(2)، بناءً منهم على أنّ مقتضى الجمع بين هذه الأخبار وبين ما دلّ على جوازه، حملها على إرادة نفي الوجوب، أو اختصاص الاستثناء بنفس الإمام عليه السلام، أو غير ذلك من المحامل.

ومنها: موثّق سماعة: «عن رجلٍ كان يُصلّي، فخرج الإمام وقد صلّى الرّجل ركعة من صلاةٍ فريضة ؟).

ص: 306


1- الكافي: ج 3/32 ح 2، وسائل الشيعة: ج 16/215 ح 21396.
2- كالعلّامة في المختلف: ج 1/303 قال: (مسألة: يجوز المسح على الخفّين عند التقيّة والضرورة إجماعاً).

قال عليه السلام: إنْ كان إماماً عدلاً فليصلِّ اُخرى وينصرف، ويجعلهما تطوّعاً، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإنْ لم يكن إمام عدلٍ فليبن على صلاته كما هو، ويُصلّي ركعة اُخرى ، ويجلس قَدَر ما يقول: أشهد أنْ لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه علي ما استطاع، فإنّ التقيّة واسعة، وليس شيءٌ من التقيّة إلّاوصاحبها مأجورٌ عليها إنْ شاء اللّه تعالى »(1).

تقريب الاستدلال به: أنّ الأمر بإتمام الصلاة على ما استطاع مع عدم الاضطرار إلى فعل الفريضة في ذلك الوقت، معلّلاً بأنّ التقيّة واسعة، يدلّ على جواز كلّ عمل على وجه التقيّة، وأداء الصلاة على جميع وجوه التقيّة، ومنها الصلاة مع عدم السجود على الأرض، وجواز ذلك مستلزم للأمر به كما مرّ.

ومنها: موثّق مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «وتفسير ما يتّقي مثل أنْ يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة، ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدِّين، فإنّه جائز»(2).

بناءً على أنّ المراد بالجواز في كلّ شيء، بالقياس إلى المنع المتحقّق فيه لو لا التقيّة، فيصدق على غَسل الرجلين في الوضوء في محلّ التقيّة أنّه جائز وغير ممنوع عنه بالمنع الثابت لولا التقيّة.

فيستنتج من هذه النصوص - بالتقريب الذي ذكرناه - مسقطيّة العمل الموافق للتقيّة للإعادة والقضاء.

***7.

ص: 307


1- الكافي: ج 3/380 ح 7، وسائل الشيعة: ج 8/405 ح 11027.
2- الكافي: ج 2/168 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/216 ح 21397.

الوجوه الأُخر للإجزاء ونقدها

أقول: قد استدلّ للإجزاء بوجوه أخر:

منها: أدلّة نفي العُسر والحرج(1)، ونفي ما أُكره عليه، والاضطرار(2)، وحديث نفي الضرر(3)، بدعوى أنّها تقتضي سقوط قيديّة ما تقتضي التقيّة الإخلال به، ويلزم منه الإجزاء.

وفيها: أنّ هذه الأدلّة إنّما تكون نافية للحكم ولا تكون مثبتة، والحكم الضمني إنّما يكون رفعه كوضعه تابعاً للحكم المجعول على المركّب منه ومن غيره، فالأدلّة إنّما ترفع الحكم المترتّب على الكلّ ، ولا تدلّ على ثبوت الحكم على الفاقد لذلك القيد، كي يلزم منه الاجزاء.

فإنْ قيل: إنّ هذه الأدلّة إنّما ترفع الفساد المترتّب على العمل الناقص، وإذا لم يفسد فلا محالة يكون مُجزياً.

قلنا: إنّ الفساد ليس أثراً شرعيّاً كي يرفع بها، بل هو منتزعٌ بحكم العقل من عدم مطابقة المأتي به للمأمور به.

وأمّا ما استدلّ به سيّد «المدارك»(4) لعدم وجوب قضاء الصوم على المُكرِه على تناول المفطّر - الشامل للمقام أيضاً - وهو:

(أنّ نصوص وجوب القضاء مختصّة بغير المكره، صرفاً أو انصرافاً، فيقال في

ص: 308


1- سورة الحَجّ : الآية 78، والمائدة: الآية 6، والبقرة: الآية 185.
2- الخصال ص 417 ح 9، وسائل الشيعة: ج 15/20769.
3- وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073.
4- مدارك الأحكام: ج 6/669.

المقام إنّها مختصّة بغير ما يؤتي به بعنوان التقيّة صرفاً أو انصرافاً)، فالمرجع فيه إلى الأصل والاستصحاب.

والظاهر أنّ نظره الشريف إلى قصور أدلّة القضاء عن الشمول للمكرَه، ومراده من الصحّة ذلك، أي عدم وجوب القضاء.

أقول: حاول المحقّق الهمداني رحمه الله بيان مراده فقال:

(إنّه أراد بذلك قصور ما دلّ على أنّ الإخلال بما يعتبر في العبادة لولا الإكراه والتقيّة مبطلٌ للعبادة عن شموله للمكرَه، ومن أتى على وجه التقيّة)(1).

والتحقيق: إنْ كان مراد صاحب «المدارك» ما ذكرناه، ورد عليه - مضافاً إلى اختصاصه بالقضاء وعدم الشمول للإعادة في الوقت - منع التبادر والانصراف في تلكم النصوص، ومع إطلاقها لا وجه للرجوع إلى الأصل.

وإن كان مراده ما أفاده المحقّق الهمداني رحمه الله، ورد عليه أنّ دليل ذلك القيد المعتبر في العبادة - وجوداً أو عدماً، قيداً أو تقيّيداً - إنْ لم يكن له إطلاقٌ شاملٌ لما يصدر عنه في حال الإكراه والتقيّة، كان مقتضى القاعدة هو الصحّة، إذ يشكّ في قيديّة ذلك في حال التقيّة والإكراه، والأصل يقتضي عدمها، فيكون صحيحاً، ولا حاجة إلى ما ذكر من الدليل ولا مورد له.

وإنْ كان له إطلاق، فمقتضاه هو الحكم بالفساد، فإنّ المأتي به غير موافق للمأمور به، فلا مورد للدعوى المذكورة.

وأمّا قاعدة الميسور: التي استدلّ لها:

1 - بالاستصحاب - أمّا في خصوص صورة طروّ التعذّر أو مطلقاً -.2.

ص: 309


1- مصباح الفقيه: ج 3/192.

2 - وبما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(1).

3 - وبالعلوي: «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2).

4 - وبما روى عنه عليه السلام: «ما لا يُدرك كلّه لا يُترك كلّه»(3) وروى صاحب «الكفاية»(2) الأخيرين عن النبيّ صلى الله عليه و آله.

فيرد عليه: ما حقّقناه في حاشيتنا على «الكفاية»، من عدم تماميّة الاستصحاب، والروايات مرسلات ضعيفة الإسناد لا يعتمد على شيء منها.

أضف إلى ذلك أنّها تدلّ على أنّ الميسور من الأفراد لا يسقط بالمعسور منها، ولا تدلّ على أنّ الميسور من الأجزاء لا يسقط بالمعسور منها، وللكلام في ذلك كلّه محلّ آخر.

وفي المقام وجوه أخر استدلّوا بها للاجزاء، ولمعلوميّة فسادها أغمضنا عن التعرّض لها.

***0.

ص: 310


1- عوالي اللئالي: ج 4/58، السنن الكبرى للبيهقي: ج 4/326، صحيح البخاري: ج 8/142. (2و3) عوالي اللئالي: ج 4/58.
2- الكفاية: ص 370.

ترتّب الآثار الأخر على العمل بالتقيّة

المقام الثاني: في الآثار الاُخر عدا سقوط الإعادة والقضاء، كرفع الحدث بالوضوء تقيّة بالإضافة إلى سائر الصلوات.

وقد عنون الفقهاء هذا البحث تحت عنوان أنّه إذا زال السبب المسوّغ للمسح على الحائل من تقيّةٍ أو ضرورة:

فهل تجبُ إعادة الطهارة للغايات التي أراد إيجادها بعد زوال السبب ؟

أم لا تجبُ إلّاللمُحدِث ؟.

1 - فعن الشيخ في «المبسوط»(1)، والمحقّق في «المعتبر»(2)، والعلّامة في «التذكرة»(3) و «المنتهى »(4)، وابنه في «الإيضاح»(5) اختيار الأوّل.

2 - وعن العلّامة في «المختلف»(6)، والشهيدفي «الذكرى»(7) و «الدروس»(8)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(9)، وسيّد «المدارك»(10)، وجماعة آخرين(11) اختيار الثاني، بل نُسب إلى المشهور(12).

ص: 311


1- المبسوط: ج 1/22-23.
2- المعتبر: ج 1/162.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/18.
4- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/66.
5- إيضاح الفوائد: ج 1/40، لكنّه قال: (فإن زال السبب ففي الإعادة من غير حَدَث إشكال).
6- مختلف الشيعة: ج 1/303.
7- ذكرى الشيعة: ص 90.
8- الدروس الشرعيّة: ج 1/92.
9- جامع المقاصد: ج 1/222.
10- مدارك الأحكام: ج 1/224.
11- منهم ابن سعيد في الجامع للشرايع: ص 35، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 37، غير أنّه احتمل الأوّل، ويحتمله لزوال المشروط بزوال شرطه، والجواهري في الرسائل الفقهيّة (مخطوط): ص 32.
12- نسبه المحقّق البحراني إلى ظاهر المشهور، اُنظر الحدائق الناضرة: ج 2/313.

واستدلّ للثاني صاحب «الجواهر» رحمه الله(1):

1 - بأنّه وضوءٌ مأمور به، والأمر يقتضي الإجزاء.

2 - وباستصحاب الصحّة.

3 - وبما دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلّاالحَدَث(2) وارتفاع الضرورة ليس بحدثٍ .

4 - وبأنّه حيثُ ينوي بوضوئه رفع الحدث، يجبُ حصول الطهارة به، لقوله عليه السلام: «لكلّ إمرءٍ ما نوى»(3).

5 - وبأنّ مقتضى جواز البدار هو التخيّير بين الإتيان بالوضوء الناقص في أوّل الوقت، وبين الإتيان بالوضوء التامّ في آخره، وإيجاب الاستيناف عليه متنافٍ مع التخيّير المذكور.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ إجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراري، إنّما هو بمعنى مسقطيّته للإعادة والقضاء بالنسبة إلى الأمر الاختياري، وأمّا بلحاظ ترتّب الآثار الاُخر - كرفع الحَدث - فهو تابعٌ لمقدار دلالة دليل الاضطراري، فإنْ دلّ على الرافعيّة ما دام الاضطرار باقياً - كما في التيمّم - لزم منه عدم ترتّب الأثر بعد رفع العذر، وإنْ دلّ على الرافعيّة المطلقة، لزم منه ترتّب الأثر بعده، وهذا غير مربوط بالإجزاء.

وأمّا الثاني: فلعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة - كما أشرنا إليه في هذا الشرح مراراً - ولأنّ الموضوع في الاستصحاب مردّدٌ بين إباحة الصلاة المدخول بها حال الضرورة، أو كلّ صلاة، والأوّل لا ينفع، والثاني مشكوك الحدوث.

وأمّا الثالث: فلأنّ الوضوء وإنْ دلّ الدليل على أنّه لا ينتقض إلّابالحَدَث، إلّا9.

ص: 312


1- جواهر الكلام: ج 2/242.
2- تهذيب الأحكام: ج 1/347 ح 1017، وسائل الشيعة: ج 1/245 ح 632 وما بعده.
3- تهذيب الأحكام: ج 1/83 ح 218، وسائل الشيعة: ج 1/48 ح 89.

أنّ الكلام في المقام ليس في انتقاض الوضوء، بل إنّما هو في قابليّة الوضوء الناقص واستعداده للبقاء مع زوال العذر، مع أنّ ذلك الدليل لا إطلاق له من هذه الجهة، كي يتمسّك به، لعدم انتقاض الناقص أيضاً إلّابالحَدَث.

وأمّا الرابع: فلأنّ رفعه الحَدَث يمكن أنْ يكون رفعاً ما دام بقاء العذر - كما قيل في التيمّم - فلا يلازم ذلك عدم محدثيّته بعد زوال العذر.

وأمّا الخامس: فلأنّ الذي ينافي جواز البدار واقعاً هو لزوم الاستيناف للصلاة التي أتي بها مع ذلك الوضوء، وأمّا لزوم استينافه للصلاة التي يأتي بها بعد ذلك، فلا ينافي مع جواز البدار، ومحلّ الكلام هو الثاني.

أقول: فالصحيح أن يستدلّ له بإطلاق ما دلّ على جواز المسح على الحائل مثلاً، المقتضي لجواز الإكتفاء به في مقام الامتثال، ولو كان الاضطرار مرتفعاً.

وإنْ شئت قلت: إنّ مقتضي إطلاق دليله كونه فرداً من طبيعة الوضوء في حال العذر، كما أنّ الوضوء التامّ فردٌ منها في حال الاختيار، وعليه فيترتّب على كلّ منهما جميع ما يترتّب على تلك الطبيعة من غير فرقٍ بينهما، فكما أنّ من توضّأ في حال الاختيار يترتّب عليوضوئه جميع مايتوقّف على الوضوء حتّى في حال الاضطرار، كذلك يترتّب على وضوء المضطرّ جميع تلكم الاُمور حتّى بعد زوال العذر.

أقول: وبما ذكرناه يظهر ردّ ما استدلّ به لوجوب الإعادة:

تارةً : بأنّ الوضوء في حال الضرورة والتقيّة مشروط بهما، فيزول أثره بزوالهما، كما عن الشيخ رحمه الله(1).

واُخرى : بما في «الحدائق»(2) من أنّ دليل الوضوء في المقام لا إطلاق له، بل هو مخصوص بحالة معيّنة أو زمان مخصوص، فعند زوال تلك الحالة وتجدّد حالة اُخرى مغايرة لها يحتاج في إجراء الحكم في الحالة الاُخرى إلى دليل، وليس فليس.4.

ص: 313


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 1/303، انظر المبسوط: ج 1/22.
2- الحدائق الناضرة: ج 2/314.

وثالثة: بعموم آية الوضوء(1).

إذ يرد على الأوّل: أنّه إنْ أُريد بتقدير الطهارة بقدر الضرورة عدم جواز الوضوء كذلك بعد زوال الضرورة، فهو حقٌّ لكنّه غير ما هو محلّ الكلام، وإنْ اُريد عدم إباحتها، فهو محلّ النزاع.

ويرد على الثاني: ما تقدّم من وجود دليل مطلق.

ويرد على الثالث: أنّ ظاهر دليل مشروعيّة الناقص تقيّيد دليل وجوب التامّ وهو الآية المباركة.

أقول: وبهذا يظهر أنّ ما أفاده بعض المحقّقين رحمه الله في المقام، بأنّ :

(ما تقدّم من الأخبار الواردة في أنّ كلّ ما يعمل للتقيّة فهو جائز، وأنّ كلّ شيء يضطرّ إليه فهو جائز، يدلّ على ترتيب الآثار مطلقاً، بناء على أنّ معنى الجواز والمنع في كلّ شيء بحسبه، فكما أنّ الجواز والمنع في الأفعال المستقلّة في الحكم - كشرب النبيذ ونحوه - يراد به الإثم والعدم، وفي الاُمور الداخلة في العبادات فعلاً أو تركاً يراد به الإذن والمنع من جهة تحقّق الامتثال بتلك العبادات، فكذلك الكلام في المعاملات، بمعنى عدم البأس، وثبوته من جهة ترتّب الآثار المقصودة من تلك المعاملة، كما في قول الشارع تجوز المعاملة الفلانية أو لا تجوز)(2)، هو الصحيح.

ولا يرد عليه شيءٌ ظاهر ولا خفيّ .

وبالجملة: فما أفاده الشيخ الأعظم بقوله: (وهذا توهمٌ مدفوعٌ بما لا يخفى على المتأمّل)، غير تامّ (3).0.

ص: 314


1- سورة المائدة: الآية 6.
2- قرّره الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة بقوله: (وربما يتوهّم....) ثمّ قال: (وهذا توهّم مدفوع بما لا يخفى على المتأمّل) اُنظر كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/401.
3- رسائل فقهيّة: ص 100.

اعتبار المندوحة

بقي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: هل يعتبر في صحّة الأعمال التي يؤتى بها تقيَّة:

1 - عدم المندوحة كما عن الشيخ في «الخلاف»(1)، والمحقّق(2)، والعلّامة(3)، وصاحب «المدارك»(4)، وبعض متأخّري المتأخّرين(5)؟

2 - أم لا يعتبر ذلك، كما عن الشهيدين، والمحقّق الثاني في «البيان»(6)، و «الروض»(7)، و «جامع المقاصد»(8)، بل نسب إلى المشهور(9) في الوضوء مع المسح على الحائل ؟

3 - أم يفصّل بين ما ورد فيه الإذن بالخصوص كالصلاة متكتّفاً، أو الوضوء مع المسح على الخُفّين وما شاكل، فلا يعتبر عدم المندوحة، وبين ما كان الدليل عليه هو عمومات التقيّة، فيعتبر عدم المندوحة، كما عن المحقّق الثاني في بعض كتبه(10).

ص: 315


1- لم يصرّح بذلك في «الخلاف»، إلّاأنّه يمكن استظهاره من أكثر من مورد كالمسألة 169 من الجزء 1 ص 207 وغيره.
2- في المعتبر: ج 1/154.
3- في تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/174.
4- مدارك الأحكام: ج 1/223.
5- لعلّه إشارة إلى الوحيد البهباني، قال السيّد العاملي: (وعليه الاُستاذ الآغا سمعته منه في جواب سائل سأله عن ذلك) اُنظر مفتاح الكرامة: ج 2/448، الحدائق الناضرة: ج 2/316.
6- البيان للشهيد الأوّل: ص 10.
7- روض الجنان للشهيد الثاني: ص 37.
8- جامع المقاصد: ج 1/222.
9- انظر منتهى المطلب (ط. ق): ج 2/84.
10- رسائل الكركي: ج 2/52 وقال: (ولا أعلم في ذلك خلافاً بين الأصحاب).

4 - أم يفصّل بين المندوحة العَرَضيّة و الطوليّة، فيعتبر عدم الأوّل دون الثاني ؟ وجوه:

ونخبة القول في المقام: أنّ ما ورد فيه إذنٌ خاص لابدَّ من الرجوع إلى دليل ذلك الإذن، فإنْ اقتضى اعتبار عدم المندوحة، وجب الالتزام به، وكذلك إنْ اقتضى عدم اعتباره، وقد ذكرنا في الجزء الأوّل من هذا الكتاب(1) في مبحث المسح على الخُفّين أنّ مقتضى النصوص الخاصّة كخبر أبي الورد(2) عدم اعتباره، وكذلك في مسألة ردّ الشعر حيث يدلّ خبر صفوان(3) على عدم اعتباره، وهكذا في الصلاة خلف المخالفين، التي ورد فيها أخبار كثيرة آمرة بالصلاة معهم تقيّة(4)، فإنّ حمل تلكم النصوص الكثيرة على ما إذا لم يكن هناك مندوحة في تمام الوقت بالنسبة إلى جميع الأمكنة، بعيدٌ جدّاً.

وأمّا ما لم يرد فيه إذنٌ خاص ونصٌ بالخصوص، بل كان الدليل عليه هو عمومات التقيّة - كالوضوء بالنبيذ، والصّلاة إلى غير القبلة، والوضوء مع الإخلال بالموالاة، والوقوف بعرفات يوم الثامن الذي يراه القوم يوم التاسع، وما شاكل - فالظاهر اعتبار عدم المندوحة، ويشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «التقيّة في كلّ ضرورةٍ وصاحبها أعلم بها حين تنزل به»(5).

ومنها: خبر الفاضلين، عنه عليه السلام: «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم، فقد2.

ص: 316


1- فقه الصادق: ج 1/441.
2- التهذيب، ج 1/362 ح 22؛ وسائل الشيعة: ج 1/458 ح 1211.
3- تفسير العيّاشي: ج 1/300 ح 54، مستدرك وسائل الشيعة: ج 1/311-312 ح 697.
4- الكافي: ج 3/375 ح 7، وسائل الشيعة: ج 7/351 ح 9551.
5- الكافي: ج 2/174 ح 13، وسائل الشيعة: ج 16/214 ح 21392.

أحلّه اللّه له»(1) وفي معناهما روايات اُخر.

ومنها: خبر البزنطي، عن إبراهيم بن شيبة، قال:

«كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح على الخُفّين، أو خلف من يُحرّم المسح وهو يمسح ؟

فكتب عليه السلام: إنْ جامعك وإيّاهم موضعٌ لا تجد بُدّأ من الصلاة معهم فأذّن لنفسك وأقم»(2) الحديث، ونحوها غيرها.

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق ما يدلّ على عدم الاعتبار لو كان هناك إطلاق.

أقول: ثمّ إنّ المندوحة:

تارةً : تكون بالتمكّن من إتيان المأمور به الاختياري في جزءٍ من الوقت ولو في آخرة.

واُخرى : تكون بالتمكّن منه مع تغيّير المكان، كما إذا كان في المسجد وكان الصلاة فيه مستلزماً للتكتّف، ولكن له أن يدخل بيته ويغلق الباب على نفسه ويُصلّي من غير تكتّف.

وثالثة: تكون بالتمكّن من إيجاد الفعل الصحيح الواقعي حين امتثاله، كما إذا تمكّن في حال الوضوء من تلبيس الأمر عليهم بصبّ الماء من الكفّ إلى المرفق المعبّر عنه في الأخبار بردّ الشعر، لكن ينوي غَسل اليد عند رجوع الماء من المرفق، أو تمكّن عند إرادة التكفير من الفصل بين يديه وعدم وضع بطن إحداهما على ظهر الاُخرى ، بل يقرّب بينهما.2.

ص: 317


1- الكافي: ج 2/220 ح 18، وسائل الشيعة: ج 16/214 ح 21393.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/276 ح 127، وسائل الشيعة: ج 8/363 ح 10912.

وقد ذهب الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله إلى اعتبار عدم المندوحة بالنحوين الأخيرين دون الأوّل(1)، واستند في اعتباره بالنحوين إلى العمومات الدالّة على أنّ التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم، فإنّ ظاهرها حصر التقيّة في حال الاضطرار، ولا يصدق الاضطرار مع التمكّن من تبديل موضوع التقيّة، وفي عدم اعتباره بالنحو الأوّل استند إلى أنّ الأخبار بين ظاهر وصريح في خلافه، وإلى لزوم الحَرَج العظيم من اعتباره، وإلى أنّ التقيّة إنّما شُرِّعت تسهيلاً للأمر على الشيعة، وإلى أنّ ذلك ربما يؤدّي إلى اطّلاعهم على ذلك ويترتّب عليه مفسدة أهمّ .

ولكن يرد على ما أفاده: بالنسبة إلى عدم الاعتبار: أنّ الأخبار الظاهرة أو الصريحة فيه، إنّما هي في الموارد الخاصّة، وظهور خبر أو صراحته في ذلك من عمومات التقيّة غير ثابت، وعلى فرض الظهور يقدم عليه ما استدلّ به للاعتبار، ومحلّ الكلام ما لو لم يلزم الحرج ولا ترتُّب مفسدة أهمّ ، ومجرّد كون التقيّة إنّما شُرِّعت للتسهيل لا يقتضي ذلك.

وعليه، فالأظهر اعتبار عدم المندوحة مطلقاً.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما عن المحقّق رحمه الله(2) في بعض فوائده من التفصيل بين ما إذا كان المأمور به في التقيّة بطريق الخصوص فيصحّ وإنْ كان ثمّة مندوحة، أو بطريق العموم فلا يجزي إلّامع عدم المندوحة، هو الصحيح، وإنْ كان ما استدلّ به الشيخ الأعظم رحمه الله له بظاهره غير تامّ ، لكنّه قابل لتوجيهه بنحو ينطبق على ما حقّقناه، فلا يرد عليه إيراد الشيخ رحمه الله من أنّه:2.

ص: 318


1- رسائل فقهيّة: ص 85-86.
2- رسائل الكركي: ج 2/52.

(إنْ أراد من القسم الثاني - أي ما لم يرد فيه نص خاص - عدم ثبوت الإذن في امتثال العمل على وجه التقيّة، أنّه لا دليل حينئذٍ على مشروعيّة الدخول في العمل المفروض، امتثالاً للأوامر المطلقة المتعلّقة بالعمل الواقعي، إذ الأمر بالتقيّة لا يستلزم الإذن في امتثال تلك الأوامر.

وإن أراد به عدم النصّ الدالّ على الإذن في هذه العبادة بالخصوص، وإنْ كان هناك نصٌّ عام دالٌّ على الإذن في امتثال أوامر مطلق العبادات على وجه التقيّة).

(أنّ هذا النص كما يكفي للدخول في العبادة امتثالاً للأمر المتعلّق بها، كذلك يوجبُ موافقته الإجزاء، وعدم وجوب الإعادة في الزمان الثاني إذا ارتفعت التقيّة).

والحاصل: أنّ الفرق بين كون متعلّق التقيّة مأذوناً فيه بالخصوص أو بالعموم لا نفهم له وجهاً.

ووجه عدم الورود: ما ذكرناه من أنّ الفرق بينهما ظهور النص الخاص، بل صراحته في عدم اعتبار المندوحة، وظهور النص العام في اعتبار عدم المندوحة في أطراف ما ذكرناه.

نعم، في ما ورد فيه إذنٌ خاص - لو قيل باعتبار عدم المندوحة بالمعنى الأخير - لم يكن بعيداً، ولكن للكلام فيه محلٌّ آخر، قد أشبعناه في الأجزاء السابقة من (فقه الصادق).

***

ص: 319

حكم العبادة مع ترك التقيّة

التنبيه الثاني: إذا خالف التقيّة وأتى بالعبادة على طبق المذهب الحقّ ، كما لو توضّأ مع المسح على البشرة، أو صلّى بلا تكتّف، أو وقف بعرفات يوم التاسع، ولم يقف معهم:

فهل يصحّ عمله أم لا؟

أم يفصّل بين ما إذا وجبت التقيّة فلا يصحّ ، وبين ما إذا لم تجب فيصحّ؟ وجوه.

أقول: لا ريب في الصحّة مع عدم تعيّن التقيّة، لأنّ معنى عدم الوجوب جواز العمل على وفق مذهب الحقّ .

وأمّا في مورد وجوبها، فأقوال:

القول الأوّل: بطلان العمل، ومنشأه أحد اُمور:

1 - كون أوامر التقيّة من قبيل أوامر الأبدال الاضطراريّة دالّة على جزئيّة ما يؤتي به تقيّةً وشرطيّته، وكونه بدلاً عن المأمور به الاختياري، فيكون المسح على الخُفّين قيداً للوضوء في حال التقيّة، فالإخلال به إخلالٌ بالواجب، فيكون باطلاً.

2 - أو كون الأمر بالعمل على طبق التقيّة مستلزماً للنهي عن ضدّه، وهو العمل الموافق لمذهب الحقّ ، والنهي عن العبادة يستلزم الفساد.

3 - أو كون ترك العمل بالحقّ لكونه موافقاً للتقيّة واجباً، وهو يلازم حرمة الفعل، والحرمة تستلزم الفساد.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الأمر بالتقيّة لما فيها مصلحة أهمّ ممّا في العمل بالحقّ ، لا يوجبُ سقوط الأمر به حتّى بنحو الترتّب، فما يأتي به يكون مأموراً به بنحو

ص: 320

الترتّب، فيكون صحيحاً.

وأمّا الثاني: فلأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه، مع أنّ العمل بالتقيّة ليس ضدّاً للعمل بالحقّ ، لإمكان اجتماعهما.

أضف إليهما أنّ الاقتضاء على القول به إنّما هو في المأمور به المضيّق، والواجب للتقيّة في المقام من قبيل الواجب الموسّع.

وأمّا الثالث: فلأنّ ترك الواجب لا يكون حراماً.

نعم، إذا ترتّب على العمل بالحقّ ضررٌ يحرم تحمّله - كقتل النفس - فلا محالة يحرم لكونه سبباً للحرام، ولكنّه فردٌ نادرٌ، والغالب عدم حرمة تحمّل ما يترتّب على ترك التقيّة من المفسدة.

القول الثاني: صحّة العمل، ومنشأها ما ذكرناه آنفاً، وقد استدلّ له بما في رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله بأنّ تعلّق الأمر بالتقيّة لا يكون من جهة تقيّد الأمر بذلك الوجه.

وبعبارة اُخرى : (ليس أمراً ضمنيّاً وإرشاداً إلى القيديّة، بل هو من حيث نفس الفعل الخارجي، وهو أمرٌ استقلالي، ويوجبُ وجوب العمل بالتقيّة في ضمن المأمور به، فالمأمور به في حال التقيّة ليس هو الوضوء المشتمل على غَسل الرجلين مثلاً، بل نفس غسل الرجلين الواقع في الوضوء، فمخالفة الأمر بالتقيّة إنّما توجب الإثم لا بطلان الوضوء، فيكون من قبيل النظر إلى الأجنبيّة في أثناء الصلاة)(1).

وفيه: إنّه لو تمّ فلابدّ من تقيّيده بما إذا لم يلزم من ذلك ما يوجبُ بمقتضى القواعد البطلان، كما ستعرف عند توجيه القول الثالث.

هذا مضافاً إلى ما تقدّم في توجيه دلالة نصوص التقيّة على الإجزاء من أنّها تدلّ على بدليّة المأتي به تقيّةً عن المأمور به الاختياري، ومضافاً إلى أنّ لازم ذلك1.

ص: 321


1- رسالة في التقيّة للشيخ الأنصاري: ص 61.

صحّة الوضوء مع ترك المسح على البشرة وعلى الخُفّين وغَسل الرجلين.

والجواب عن الثاني: بأنّ (الأمر بالمسح على البشرة ينحلّ إلى أمرين: أمرٌ بالمسح، وأمرٌ بالمباشرة، أو أمرٌ بإيصال الماء، وأمرٌ بالمسح، فإذا تعذّر الثاني لم يسقط الأوّل) كما في رسالة الشيخ(1)؛ من الغرائب، فإنّه لا يفهم العرف من الأمر بالمسح على البشرة ذلك قطعاً.

على أنّه لو تمّ المثال، لا يتمّ في الحَجّ مع ترك الوقوف في اليوم الثامن والتاسع، كما لا يخفى .

القول الثالث: التفصيل:

بين ما إذا لزم من ترك التقيّة الإتيان بما يحرم عليه في تلك الحال، مع كون المحرّم متّحداً مع المأمور به، كما في السجود على التربة الحسينيّة، مع اقتضاء التقيّة تركه، فالبطلان، فإنّ السجود في المثال يقع منهيّاً عنه، فيفسد، وتفسد بتبعه الصلاة.

وبين ما لو لم يلزم ذلك، بل كان ترك التقيّة بترك ما كان يجبُ عليه في حال التقيّة، كترك التكتيف في الصلاة في ما يجب عليه التكتّف تقيّةً ، فالصحّة.

أقول: ذهب إلى هذا القول الشيخ الأعظم رحمه الله(2)، واستدلّ للصحّة في الفرض الثاني بما ذكرناه في توجيه القول الثاني، وللبطلان في الفرض الأوّل بما أشرنا إليه من أنّ السجود مثلاً يصير منهيّاً، فيلزم اجتماع الأمر والنهي، فيقدّم جانب النهي، فيفسد السجود، وبفساده يفسد الصلاة.

ولكن يرد عليه: الوجهان الأولان اللّذان أوردناهما على دليل القول الثاني.

فالمتحصّل: هو صحّة العمل، إلّافيما إذا كان العمل بنفسه سبباً للحرام، وقد عرفتَ أنّه فرضٌ نادر.0.

ص: 322


1- رسالة في التقيّة: ص 62 و 60.
2- رسالة في التقيّة: ص 62 و 60.

التقيّة عن غير المخالف

التنبيه الثالث: قد يتوهّم أنّه يشترط في إجزاء العمل على طبق التقيّة، أن تكون التقيّة من مذهب المخالفين، لأنّه هو المتيقّن من الأدلّة الواردة في الإذن في العبادات على وجه التقيّة، لأنّ المتبادر هو التقيّة من مذهب المخالفين، فلا يجري في التقيّة عن الكفّار أو ظلمة الشيعة.

وفيه: الأخذ بالمتيقّن إنّما هو مع فرض عدم الإطلاق للأدلة، وحيث أنّ التقيّة في لسان الأئمّة المعصومين عليهم السلام لا تختصّ بالتقيّة من مذهب المخالفين، بل صريح جملةٍ من الأخبار استعمالها في غيرها كما يظهر لمن راجعها، بل التقيّة استعملت في الكتاب العزيز في غيرها كما مرّ، يثبت شمول أدلّة التقيّة حتّى عن غير المخالف.

أضف إلى ذلك كلّه: موثّق مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في تفسير ما يُتّقى فيه:

«أن يكون قومُ سوءٍ ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيء يعمله المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدِّين، فهو جائز»(1).

فإنّه كالصريح في العموم، فلا محالة تكون أدلّة الإجزاء مطلقة.

وبعضٌ من نصوصها كموثّق سماعة(2) وإنْ كان مختصّاً، إلّاأنّه عُلّل فيه الحكم بما هو ظاهر في العموم، فإذن لا إشكال في العموم وعدم الاختصاص، وقد

ص: 323


1- الكافي: ج 2/168 ح 1، وسائل الشيعة: ج 16/216 ح 21397.
2- الكافي: ج 3/380 ح 7، وسائل الشيعة: ج 8/405 ح 11027.

مرّ عند بيان الحكم التكليفي للتقيّة ما يظهر منه حكم المقام، فراجع(1).

هذا تمام الكلام فيمايتعلّق بالتقيَّة من الأحكام. وقد وقع الفراغ منه عصر يوم الجمعة 23 شعبان سنة 1396 هجريّة، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلّى اللّه على محمّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين الهدُاة المعصومين.

***د.

ص: 324


1- صفحة 263 من هذا المجلّد.

فهرس الموضوعات

الطواف... 7

اعتبار الطهارة في الطواف... 7

حكم طواف المُحدِث بالحَدَث الأكبر... 10

إزالة النجاسة من شرائط الطواف... 14

اعتبار سَتر العورة في الطواف... 19

اعتبار إباحة السّاتر في الطواف... 21

يعتبر الختان في الطواف للرجل... 24

واجبات الطواف... 28

اعتبارُ جَعل البيت على اليسار... 33

اعتبار إدخال حِجْر إسماعيل في الطواف... 36

يعتبر أنْ يكون الطواف بين المقام والبيت... 39

وجوب ركعتي الطواف خلف المقام... 43

محلّ إيقاع الصلاة... 45

حكم نسيان ركعتي الطواف... 53

حكم ترك صلاة الطواف عمداً... 60

وجوب المبادرة إلى الصلاة... 62

مقدّمات الطواف المستحبّة... 65

استحباب الغسل... 68

استلام الحَجَر... 71

استحباب الدّعاء في الطواف... 78

ص: 325

استحباب التزام المُستجار... 79

استحباب استلام الأركان... 81

مقدار الطواف المستحبّ ... 84

كراهة الكلام أثناء الطواف... 88

الطواف ركن يبطل الحَجّ بتركه عمداً... 90

عدم بطلان الحَجّ بترك الطواف نسياناً... 94

وجوب الاستنابة في الطواف لو تعذّر العود... 97

ما به يتحقّق الترك... 99

وجوب إعادة السعي مع قضاء الطواف... 102

وجوب الكفّارة على من واقع أهله قبل قضاء الفائت... 104

حكم نسيان طواف النساء... 107

حكم الشكّ في عدد الطواف... 111

القِران بين الطوافين... 121

حكم الزيادة على الطواف عمداً... 128

حكم الزيادة سهواً... 131

وجوب الإتيان بصلاة الطواف الواجب قبل السعي... 134

حكم من نقص من طوافه... 137

عدم جواز تقديم الطواف والسّعي على الوقوف... 151

السعي... 157

بيان المراد من الصَّفا والمروة... 159

كيفيّة السعي... 163

مستحبّات السّعي... 164

السعي ركنٌ للحَجّ ... 172

ص: 326

حكم الزّيادة على السّبع متعمّداً... 177

حكم الزيادة في السعي سهواً... 180

الشكّ في عدد الأسواط... 183

حكم قطع السعي في وقت الفريضة... 185

حكم الإحلال بظنّ الإتمام... 189

التقصير... 191

أفعال الحَجّ ... 198

الوقوف بعرفات ركن... 200

كيفيّة الوقوف بعرفات... 204

وجوب الوقوف من أوّل الزوال... 204

فروع الوقوف بعرفات... 211

وقت الوقوف الإضطراري... 212

حكم من أفاض من عرفات قبل الغروب... 217

لا يُجزي الوقوف بحدود عَرفة... 222

وقت الخروج من مكّة... 224

بعض آداب الوقوف بعرفات... 230

استحباب الدّعاء في عرفات... 232

مكروهات الوقوف بعرفات... 236

كفاية الحَجّ الذي وقع على طبق حكم قاضي العامّة... 238

بحث حول التقيّة في الوقوف بعرفات... 242

دليل التقيّة شاملٌ لجميع العبادات... 242

إعتبار المندوحة... 245

حكم ما لو ترك التقيّة ووقف اليوم التاسع... 248

ص: 327

دلالة دليل السيرة... 251

تقديم... 257

المراد بالتقيّة... 260

حكم التقيّة تكليفاً... 263

التقيّة الإكراهيّة... 265

التقيّة الصادرة عن الخوف... 283

الأحكام المستخرجة... 285

التقيّة لغرض الكتمان... 287

التقيَّة المداراتيّة... 294

حكم التقيّة وضعاً... 298

التقيّة في بيان الحكم... 300

التقيَّة في ترك الواجب... 301

التقيَّة في الموضوع... 303

إجزاء العمل على طبق التقيّة... 305

الوجوه الأُخر للإجزاء ونقدها... 308

ترتّب الآثار الأخر على العمل بالتقيّة... 311

اعتبار المندوحة... 315

حكم العبادة مع ترك التقيّة... 320

التقيّة عن غير المخالف... 323

فهرس الموضوعات... 325

***

ص: 328

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.