فقه الصادق المجلد 15

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحمدُ للّه الذي أوجب الحَجّ تشيّيداً للدِّين، وجَعَله من القواعد التي عليها بناء الإسلام، والصّلاة على محمّدٍ المبعوث إلى كافّة الأنام، وعلى آله هُداة الخلق، وأعلام الحَقّ ، واللّعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدِّين.

وبعدُ، فهذا هو الجزء الخامس عشر من كتابنا «فقه الصادق»، وقد وفّقني اللّه سبحانه لطبعه، راجياً منه تعالى التوفيق لنشر بقيّة الأجزاء، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

ولا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت.

أحكام المواقيت

ثمّ إنّه يقع الكلام في أحكام المواقيت، (و) تفصيل القول فيها في ضمن مسائل:

المسألة الاُولى: (لا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت) بلا خلافٍ .

وفي «التذكرة»(1): (عند علمائنا).

وفي «المنتهى»(2): (ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّاما نستثنيه) انتهى .

وفي «الجواهر»(3): (بل الإجماع بقسميه عليه).

ويشهد به: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح ابن أبي عمير، عن ابن اُذنية، قال أبو عبداللّه عليه السلام: «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحَجّ فلا حجّ له، ومن أحرم دون الميقات فلا إحرام له»(4).

وخبر ميسر، قال: «دخلتُ على أبي عبداللّه عليه السلام وأنا متغيّر اللّون، فقال لي: من أينَ أحرمتَ؟ قلت: من موضع كذا وكذا. فقال عليه السلام: رُبّ طالب خير يزلّ قدمه. ثمّ قال: يسرّك إنْ صلّيتَ الظهر في السفر أربعاً؟ قلت: لا. قال: فهو واللّه ذاك»(5).

ص: 7


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/142.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/841.
3- جواهر الكلام: ج 18/121-122.
4- الكافي: ج 4/322 ح 4، وسائل الشيعة: ج 11/272 ح 14769.
5- الكافي: ج 4/322 ح 6، وسائل الشيعة: ج 11/324 ح 14923.

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، لا ينبغي لحاجٍّ ولا معتمرٍ أن يحرم قبلها ولا بعدها. وذكر المواقيث، ثمّ قال: ولا ينبغي لأحدٍ أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديثٍ : «ليس لأحدٍ أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإنّما مثل ذلك من صَلّى في السفر أربعاً وترك الثنتين»(2). ونحوها غيرها.

ودلالتها على بطلان الإحرام قبل الميقات وعدم انعقاده واضحة.

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يكون حراماً ذاتاً أيضاً أم لا؟ وقبل بيان أدلّة الطرفين لابدَّ من بيان موضوع الحرمة.

لا إشكال في أنّ موضوع الحرمة الذاتيّة، ليس نفس العمل الخارجي مع قطع النظر عن قصد التقرّب، أو عنوانٍ آخر، إذ لا خلاف عندهم في عدم حرمته عليه بقصد التعليم، مضافاً إلى عدم دلالة الدليل عليها.

كما أنّه ليس الموضع هو ذلك العمل بقصد التقرّب جزماً أو احتمالاً، إذ مع إمكانهما لا يعقل النهي عنهما، لأنّ حُسن الإطاعة ذاتي لا يعقل النهي عنها، ومع عدم إمكانهما لا يعقل النهي، لأنّه كالأمر لا يتعلّق بغير المقدور.

بل الموضوع إمّا العمل الخاصّ تشريعاً، فيكون التشريع الخاصّ محرّماً من حيث كونه تشريعاً، ومن حيث كونه تشريعاً خاصّاً أو العمل الخاصّ المجعول بعنوان التذلّل وإظهار العبوديّة، الذي لا يتوقّف صدق العبادة عليه إلّاعلى العلم بكونه أدباً يليق الخضوع به، وقد كشف الشارع عن ذلك بالأمر فيما ليس للعرف1.

ص: 8


1- الكافي: ج 4/319 ح 2، وسائل الشيعة: ج 11/308 ح 14875.
2- الكافي: ج 4/321 ح 2، وسائل الشيعة: ج 11/323 ح 14921.

طريق إلى كشفه.

ولعلّ هذا هو مراد المشهور، حيث نُسب إليهم القول بالعبادة الذاتيّة في قبال ما يكون عبادة بالأمر.

أقول: إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الإحرام قبل الميقات حرامٌ تشريعاً، لعدم الأمر به، إنّما الكلام في حرمته الذاتيّة.

وقد استدلّ لها بالنهي عنه الظاهر في تلك.

وفيه: أنّ النهي ظاهرٌ في الإرشاد إلى الحكم الوضعي، وأنّه لا ينعقد كما صرّح به في جملة من النصوص فتدبّر، ويترتّب على ما ذكرناه أنّه مع اشتباه الميقات يمكن الإحتياط، فتأمّل.

نذر الإحرام قبل الميقات

استثنى الأصحاب من عدم جواز الإحرام قبل الميقات موردين:

المورد الأوّل: نذر الإحرام قبل الميقات.

قال صاحب «الرياض»(1): (وفاقاً للشيخ في «النهاية»(2) و «المبسوط»(3)و «الخلاف»(4)، والتهذيبين(5)، والديلمي(6)، والقاضي(7)، وابن حمزة(8) والمفيد(9) كما

ص: 9


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/198.
2- النهاية ونكتها: ج 1/465.
3- المبسوط.: ج 1/311.
4- الخلاف: ج 2/386.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/53، الإستبصار: ج 2/164.
6- المراسم: ص 108.
7- المهذّب: ج 1/214.
8- الوسيلة: ص 159.
9- حكاه عنه في كشف اللّثام: ج 1/308.

حُكي، وعليه أكثرالمتأخّرين عليما أجده، أو مطلقاً علي مايستفاد من «الذخيرة»(1)وغيرها، وفي «المسالك»(2) وغيره أنّه المشهور بين الأصحاب)، انتهى .

وفي «الجواهر»(3): (بل المشهور نقلاً إن لم يكن تحصيلاً)، انتهى .

وفي «السرائر»(4)، وعن المصنّف في «المختلف»(5)، والمحقّق في «المعتبر»(6)، و «كشف اللّثام»(7): عدم صحّته وانعقاده.

يشهد للأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن الحلبي، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ جعل للّه عليه شكراً أن يحرم من الكوفة ؟ قال:

فليحرم من الكوفة وليف للّه بما قال»(8).

وأورد على الاستدلال به بإيرادات:

الإيراد الأوّل: أنّ المعروف في الحلبي مطلقاً أنّه عبيداللّه وأخوه محمّد وحمّاد إنْ كان ابن عيسى فيبعد روايته عن عبيداللّه بلا واسطة، وإنْ كان ابن عثمان فتبعد رواية الحسين بن سعيد عنه بلا واسطة، وتبعد أيضاً إرادة عمران من الحلبي.

وفيه: أنّ استبعاد رواية ابن عيسى عن عبيداللّه:8.

ص: 10


1- ذخيرة المعاد: ج 3/574.
2- مسالك الأفهام: ج 2/218.
3- جواهر الكلام: ج 18/122.
4- السرائر: ج 1/526-527.
5- مختلف الشيعة: ج 4/42.
6- المعتبر: ج 2/805 و 807.
7- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/226.
8- تهذيب الأحكام: ج 5/53 ح 8، وسائل الشيعة: ج 11/326 ح 14928.

إنْ كان من جهة عدم ملاقاتهما، بمعنى موت المرويّ عنه قبل قابليّة الراوي، فهذا غير ظاهر، فإنّ ابن عيسى لاقى الإمام الصادق عليه السلام وروى عنه، فلعلّه لاقى عبيداللّه أيضاً، لعدم معلوميّة تاريخ موته.

وإنْ كان من جهة الكبرى الكليّة التي ذهب إليها جمعٌ من الرجاليّين، - باعتبار أنّهم إذا رأوا في جملةٍ من الروايات توسّط راويين، ثمّ وجدوا رواية أحد الإثنين من الآخر من دون توسّط الواسطة المذكورة، حكموا بالسهو وسقوط الواسطة - فهو مردودٌ بأنّه لا وجه لذلك سوى الغلبة، وهي ليست بحجّة، خصوصاً بالنسبة إلى ما هو ظاهر نقل الثقه من سماعه منه.

الإيراد الثاني: أنّ المحقّق في «المعتبر»(1) نسب الرواية إلى علي بن أبي حمزة وطعن فيها بأنّه واقفي لا يُعتمد عليه، بل المحكيّ عن نسخ «التهذيب»(2) أنّ الراوي هو علي، وإنّما الحلبي بدله مذكورٌ في نسخ «الاستبصار»(3).

وفيه: أنّ في المقام خبرين أحدهما روايه علي، والآخر روايه الحلبي، ونصّهما واحد، فلو كان الراوي هو عليّ فهذا يعني أنّحمّاد الراوي عنه هو حمّادبن عيسى ، وهو من أصحاب الإجماع، فيصبح الخبر صحيحاً كما وصفه المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(4)و «التذكرة»(5) بالصحّة.

ومن الغريب أنّ المصنّف رحمه الله مع تصريحه في الكتابين بالصحّة، وأنّ الراوي هو6.

ص: 11


1- المعتبر: ج 2/807.
2- تهذيب الأحكام: ج 8/314 ح 43.
3- الإستبصار: ج 2/163 ح 8.
4- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/669.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/196.

الحلبي، نسبه في «المختلف» إلى عليّ ، وطرحه للضعف.

أضف إلى ذلك كلّه، أنّ عمل المشهور عليه، فلو كان ضعيفاً في نفسه، فهو مجبور بالعمل، كما في «الرياض»(1) و «الجواهر»(2).

الإيراد الثالث: أنّ من المحتمل إرادة المسير للإحرام من الكوفة دون الإحرام منها.

وفيه: أنّ هذا خلاف الظاهر، لو لم يكن خلاف ما نصّ عليه الخبر.

الإيراد الرابع: أنّ الإحرام قبل الميقات كما تقدّم مرجوحٌ ، والمعتبر في النذر رجحان المتعلّق.

وقد يُجاب عنه: بكفاية الرجحان حين العمل، ولو للنذر غير الصحيح، لكنّه ممنوعٌ لأنّ انعقاد النذر متوقّفٌ على الرجحان، فالرجحان الآتي من قبل النذر إنْ كان كافياً لزم الدور، وهو باطل.

وعليه، فالحقّ في الجواب أن يقال: إنّ من الممكن ثبوتاً أن يكون نذر الإحرام قبل الميقات ملازماً واقعاً لجهة موجبة للرجحان، أو يكون النذر الجامع لشرائط الصحّة سوى شرط الرجحان موجباً لرجحان المتعلّق في ظرفه، وعليه فلا مانع عن الأخذ بالدليل في مقام الإثبات الدالّ على صحّة نذره، هذا فضلاً عن أنّه يمكن أن يقال بكون الدليل مقيّداً لإطلاق ما دلّ على اعتبار الرجحان في متعلّق النذر، وكم له نظيرٌ في الفقه.

فالمتحصّل: أنّه لا إشكال في الخبر سنداً ودلالةً .

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن2.

ص: 12


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/199.
2- جواهر الكلام: ج 18/122.

إسماعيل، عن صفوان، عن عليّ بن أبي حمزة، قال:

«كتبتُ إلى أبي عبداللّه عليه السلام أسأله عن رجلٍ جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة ؟

قال: يحرم من الكوفة»(1).

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول لو أنّ عبداً أنعم اللّه عليه نعمة، أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البلية، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يُتمّ »(2).

أقول: وفي دلالته تأمّل، وفي الأولين كفاية.

فروع:

الفرع الأوّل: لو نذر الإحرام قبل الميقات، فأحرم قبله لا يجبُ عليه تجديد الإحرام من الميقات، ولا المرور عليه، لفرض صحّة إحرامه قبل الميقات.

وما عن «المراسم»(3)، والراوندي(4) من الإحرام مرّتين في المنذور وفي الميقات، لعلّ وجهه توقّفهما في انعقاد النذر وعدمه، وما ذكراه طريق الاحتياط، كما أفاده كاشف اللّثام(5).

وما عن بعضٍ من أنّه إذا نذر إحراماً واجباً، وجب تجديده في الميقات وإلّا استحبّ ، غير ظاهر الوجه، بل معلومٌ فساده، كما لا يخفى .

ص: 13


1- تهذيب الأحكام: ج 5/53 ح 9، وسائل الشيعة: ج 11/327 ح 14929.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/54 ح 10، وسائل الشيعة: ج 11/327 ح 14930.
3- المراسم: ص 108.
4- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/341.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/227.

الفرع الثاني: مورد النصوص النذر من المكان المعيّن، فلو نذر مطلقاً، كان مخيّراً بينهما، وأمّا لو نذر مع الترديد بين المكانين، كما لو قال: (للّه عَليَّ أن أحرم إمّا من الكوفة أو البصرة) بطل نذره ولم ينعقد، لأنّه بعدما لا إطلاق للنصوص، والتعدّي عن موردها لا دليل عليه، لا مخرج عمّا يقتضيه القاعدة من البطلان، فالقول بالصحّة فيهما ضعيف.

وأضعف منه ما في «العروة»(1) من التفصيل والحكم بالبطلان في الأوّل، وعدم استبعاد الانعقاد في الثاني، إذ مع فرض عدم الإطلاق للنصوص، لم يظهر وجه صحّته في الثاني، ولو بنى على إلغاء الخصوصيّة لابدّ من البناء على الانعقاد في الصورة الاُولى أيضاً.

الفرع الثالث: لا فرق بين كون الإحرام للحجّ الواجب أو المندوب، وللعمرة المفردة، نعم لو كان للحجّ أو عُمرة التمتّع، فإنّه يشترط أن يكون في أشهر الحَجّ كما صرّح به الأساطين، فإنّ نصوص الباب متعرّضة لإيقاع الإحرام قبل الوقت، ولا تعرّض لها لسائر الشروط، وقد تقدّم أنّه يعتبر أن يكون الإحرام للحجّ والعُمرة في أشهر الحَجّ .

الفرع الرابع: عن الشهيد الثاني في «المسالك»(2) استظهار إلحاق العهد واليمين بالنذر، ولم يستبعده سيّد «العروة»(3)، وظاهر كلّ من اقتصر على النذر، الإختصاص به وعدم إلحاقهما به، ومالَ إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(4).3.

ص: 14


1- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/644-645.
2- مسالك الأفهام: ج 2/219.
3- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/644.
4- جواهر الكلام: ج 18/123.

وربما يحتمل التفصيل بين العهد واليمين، وإلحاق الأوّل دون الثاني.

واستدلّ للأوّل: بأنّ النصوص شاملة لهما، فإنّها مفروضة فيمن نذره على نفسه، وبإطلاق قوله في خبر أبي بصير: (فجعل على نفسه أن يحرم) فإنّ الجعل على النفس كما يحصل بسبب النذر، كذلك يحصل بسبب العهد واليمين.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ في العهد واليمين لا يكون تمليك شيء للّه تعالى بخلافه في النذر، وعليه فظاهر قوله: (جعل للّه عليه أن يحرم) هو خصوص النذر.

وأمّا الثاني: فقد مرّ التأمّل في دلالته، فإنّ ظاهره مجرّد جعل الإحرام من المواضع البعيدة على نفسه من باب تحمّل الزحمة، فهو بظاهره غير معمول به.

واستدلّ للثالث: بأنّ المعاهدة مع اللّه سبحانه على فعل شيء، ترجع إلى جعل ذلك له وتمليكه إيّاه تعالى ، فيشمله صحيح الحلبي، وكذا خبر علي بن أبي حمزة.

وفيه: أنّ المعاهدة مع اللّه على فعل شيء كالمعاهدة مع غيره على ذلك، فكما أنّه في المعاهدة مع غيره لا يكون هنا ما يملّكه، كذلك في المعاهدة مع اللّه سبحانه، فالمتعيّن الاقتصار على النذر.

الفرع الخامس: لو نذر ولم يحرم من المكان المعيّن عمداً أو نسياناً، وأحرم من الميقات صحّ إحرامه، لأنّ غاية الأمر كون الإحرام من الميقات ضدّ الإحرام من ذلك المكان، والأمر بالضدّين معاً غير ممكن، لكنّه لا يوجبُ عدم الأمر به بنحو الترتّب، فهو مأمور به فيصحّ .

أقول: وما أفاده بعض الأعاظم(1) من أنّ الإحرام من الميقات حيثُ إنّه يكون3.

ص: 15


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/303.

في صورة العمد تفويتاً للواجب المملوك، فيكون حراماً، فيبطل إذا كان عبادة.

يرد عليه: أنّه بما أنّ له أن لا يحرم من الميقات، ولا يحرم من ذلك المكان أيضاً، فالإحرام من الميقات لا يعدّ تفويتاً له، بل المفوّت اختيار المكلّف، وعليه فلا يكون الإحرام من الميقات حراماً، فيصحّ كما مرّ.

***

ص: 16

الإحرام قبل الميقات لإدراك عُمرة رجب

المورد الثاني: الذي استثناه الأصحاب من كليّة المنع:

هو المشهور بين الأصحاب أنّه إذا أراد المعتمر إدراك عُمرة رجب، وخَشي فوتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات، وتُحسَب له عُمرة رجبيّة، وإنْ أتى ببقيّة الأعمال في شعبان.

وفي «المنتهى»(1): (وعلى ذلك فتوى علمائنا) انتهى .

وفي «المستند»(2): (بلا خلافٍ فيه يُعرف واتّفاقهم عليه منقولٌفي كلماتهم) انتهى .

وعن «المسالك»(3): (أنّه موضع نصّ ووفاق).

وعن «المعتبر»(4): (عليه اتّفاق علمائنا) انتهى .

وعن الحِلّي(5): (مخالفة القوم وأنّه لا يجوز).

يشهد للأوّل:

1 - صحيح إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ يجيء معتمراً ينوي عُمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، فيحرمُ قبل الوقت، ويجعلها لرجب، أم يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان ؟ قال عليه السلام: فيحرم قبل الوقت لرجب، فإنّ لرجب فضلاً»(6).

ص: 17


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/669.
2- مستند الشيعة: ج 11/193.
3- مسالك الأفهام: ج 2/220.
4- المعتبر: ج 2/806.
5- السرائر: ج 1/526-527.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/53 ح 6، وسائل الشيعة: ج 11/326 ح 14927.

2 - وصحيح معاوية بن عمّار: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله، إلّاأن يخاف فوت الشهر في العُمرة»(1).

ومقتضى إطلاق الثاني وإنْ كان جواز ذلك لعمرة غير رجب أيضاً، حيث أنّ لكلّ شهرٍ عُمرة، إلّاأنّه لعدم إفتاء أحدٍ من الأصحاب بذلك في غير رجب، وللتعليل في الصحيح الأوّل، فإنّه يختصّ الحكم بعمرة رجب.

فرع: وهل يجب التأخير إلى آخر الوقت اقتصاراً في تخصيص العمومات على موضع الضرورة، أم لايجب ذلك، بل يجوز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات، لإطلاق النص وإطلاق المقيّد مقدّم على إطلاق المطلق ؟

وجهان: أظهرهما الثاني.

والنص مختصٌّ بعُمرة رجب، الظاهر في العُمرة المندوبة، فإسراء الحكم إلى العُمرة الواجبة بالأصل، يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

وأيضاً: لو علم بعدم الإدراك، فأحرم ثمّ انكشف الإدراك، فالظاهر بطلان إحرامه، لأنّ الحكم الظاهري لا يقتضي الإجزاء، وموضوع جواز الإحرام قبل الميقات، هو عدم الإدراك، والمفروض إدراكه.

وحيث قال صاحب «الرياض»(2) وغيره بأنّ كثيراً من الأصحاب لم يتعرّضوا له، ولعلّ ذلك منهم خلاف فيه، فالأولى والأحوط تجديد الإحرام في الميقات.

***0.

ص: 18


1- الكافي: ج 4/323 ح 8، وسائل الشيعة: ج 11/325 ح 14926.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/200.

التجاوز عن الميقات بلا إحرام

المسألة الثانية: كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات، كذلك لا يجوز التأخير عنه، فلا يجوز لمن أراد النسك أو دخول مكّة - إن لم يكن ممّن يتكرّر منه دخولها كالسائق، ولم يدخلها لقتالٍ - أن يتجاوز الميقات إلّامُحرِماً بلا خلاف.

وفي «الجواهر»(1): (إجماعاً بقسميه).

وفي «المنتهى»(2): (وهو قول العلماء كافّة).

ويشهد لعدم جواز التجاوزعن الميقات بغير إحرامٍ ، لمريد النُسك نصوص عديدة:

منها: صحيح صفوان بن يحيى ، عن الإمام الرّضا عليه السلام، قال: «كتبت إليه: أنّ بعض مواليك يحرمون ببطن العقيق - إلى أن قال - فكتب أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها، ومن أتى عليها من غير أهلها، وفيها رخصة لمن كانت به علّة، فلا تجاوز الميقات إلّامن علّة»(3).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من تمام الحَجّ والعُمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا تجاوزها إلّاوأنت محرم»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام في حديثٍ : «لا تجاوز الجُحفة إلّامحرماً»(5).

ونحوها غيرها.

ص: 19


1- جواهر الكلام: ج 18/125.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/669.
3- الكافي: ج 4/323 ح 2، وسائل الشيعة: ج 11/331 ح 14941.
4- الكافي: ج 4/318 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/307 ح 14874.
5- وسائل الشيعة: ج 11/333 ح 14944.

وهذه النصوص تدلّ على عدم جواز التجاوز عن الميقات بغير الإحرام لمريد النسك، ولمن يجبُ عليه الإحرام، وقد دلّت النصوص المستفيضة على أنّه لا يجوز دخول مكّة بغير إحرام إلّافي الموردين المتقدّمين، وهما: من يتكرّر دخوله كالحطّاب، ومُريد القتال.

وقد ادّعى سيّد «المدارك»(1) الإجماع من العلماء على عدم وجوب الإحرام عليهما، وعلى من يتجاوز الميقات ولا يريد دخول مكّة.

وهل يجب الإحرام لمن لا يريد أداء المناسك، ولا دخول مكّة، بل كان له عمله خارجها إذا أراد دخول الحرم أم لا؟ وجهان:

يشهد للأوّل: جملة من النصوص:

1 - صحيح عاصم بن حميد، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: يدخل الحرم أحد إلّا محرماً؟ قال عليه السلام: لا، إلّامريض أو مبطون»(2).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «سألت عنه هل يدخل الرّجل الحرم بغير إحرام ؟ قال عليه السلام: لا، إلّاأن يكون مريضاً أو به بطن»(3).

ولكن المشهور لم يعملوا بها، بل عن سيّد «المدارك»(4): (قد أجمع العلماء على أنّ من مرّ على ميقات وهو لا يريد دخول مكّة، بل يريد حاجةً فيما سواها لا يلزمه الإحرام)، انتهى .

وقد حكى صاحب «المستند»(5) الفتوى بمضمون النصوص عن جمعٍ ، إلّا1.

ص: 20


1- مدارك الأحكام: ج 7/234.
2- الإستبصار: ج 2/245 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/402 ح 16623.
3- الإستبصار: ج 2/245 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/403 ح 16624.
4- مدارك الأحكام: ج 7/234.
5- مستند الشيعة: ج 11/181.

أنّه لا يخرجها عن الشذوذ، فتُحمل النصوص على الفضل أو على صورة إرادة دخول مكّة.

فرع: وهل يختصّ عدم جواز التجاوز إلّامُحرِماً بالميقات، أم يعمّ محاذاته فلا يجوز اجتياز محاذاة الميقات إلّامُحرِماً، وإنْ كان أمامه ميقاتٌ آخر؟ وجهان.

استدلّ للأوّل: بقوله عليه السلام في أحد صحيحي ابن سنان المتقدّمين: (فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال).

وبقوله في الصحيح الآخر: (فليحرم منها).

لكنّهما مختصّان بمن يريد الحَجّ ، والأمر بالإحرام منها إنّما يكون إرشاديّاً إلى الشرطيّة، ولا حكماً مولويّاً نفسيّاً.

وعليه، فالأظهر هو الثاني.

لو تعذّر الإحرام من الميقات

ولو تعذّر الإحرام الجامع لجميع القيود من الميقات، لمانعٍ من المرض ونحوه، ففيه قولان:

1 - عن الشيخ في «النهاية»(1): (جاز له أن يؤخّره عن الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه).

2 - وخالفه من تأخّر عنه من جهتين:

إحداهما: ما عن ابن إدريس(2)، والمصنّف في «المختلف»(3) و «التحرير»(4)

ص: 21


1- النهاية: ص 209.
2- السرائر: ج 1/527.
3- مختلف الشيعة: ج 4/43.
4- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/564.

و «المنتهى»(1)، والشهيد في «المسالك»(2) من أنّه إذا كان مانع عنه يؤخّر كيفيّة الإحرام الظاهرة، من نزع الثياب، وكشف الرأس، والإرتداء والتوشيح والائتزار، فأمّا النيّة والتلبية مع القدرة عليهما، فلا يجوز له ذلك، إذ لا مانع له يمنع ذلك ولا ضرورة ولا تقية، وإن تركهما فقد ترك الإحرام متعمّداً من موضعه فيؤدّي إلى إبطال حجّه.

ثانيتهما: ما عن المحقّق في «الشرائع»(3)، وهو: أنّ المانع إذا زال يجبُ العود إلى الميقات، فإنْ تعذّر جدّد الإحرام حيث زال، ومثله ما عن المصنّف في «القواعد»(4)، كما قال صاحب «الجواهر» رحمه الله(5): (ذكر ذلك غير واحدمرسلين له إرسال المسلّمات).

أمّا الجهة الاُولى: فمع قطع النظر عن الأخبار الخاصّة، فإنّ ما أفاده الحِلّي ومن تبعه متين بناءً على ما سيأتي من أنّ لبس الثوبين ونزع المخيط ليسا من شرائط الإحرام، بل واجبان حينه، فإنّه حينئذٍ متمكّناً من الإحرام فلا يجوز له التأخير، ولو أحرم كذلك ثمّ زال المانع، لبس الثوبين ونزع المخيط من موضعه، لفرض صحّة إحرامه وكونه معذوراً في تركهما.

ولكن في المقام خبرين:

أحدهما: مرسل أبي شعيب المحاملي، عن بعض أصحابنا، عن احدهما عليهما السلام: «إذا خاف الرّجل على نفسه، أخّر إحرامه إلى الحرم»(6).5.

ص: 22


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/671.
2- مسالك الأفهام: ج 2/221.
3- شرائع الإسلام: ج 1/178.
4- قواعد الأحكام: ج 1/417.
5- جواهر الكلام: ج 18/126.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/58 ح 28، وسائل الشيعة: ج 11/333 ح 14945.

ثانيهما: صحيح صفوان المتقدّم في سؤاله عن تأخير الإحرام من الميقات، حيث قال عليه السلام: «وفيها رخصة لمن كانت به علّة، فلا تجاوز الميقات من غير علّة».

والأوّل وإنْ كان مرسلاً، إلّاأنّ الثاني صحيح.

وقول سيّد «الرياض»:(1) من أنّه لم يصرّح في الصحيح، بخلاف ما قاله ابن إدريس الموافق للقواعد.

يرد عليه: أنّه وإنْ لم يصرّح بخلافه، إلّاأنّه ظاهر فيه، والظهور حجّة عندنا وعنده.

ودعوى: أنّه يحمل الصحيح على العلّة المانعة من النيّة.

مندفعة: بكون ذلك خلاف الإطلاق، سيّما مع ندرة العلّة الكذائيّة، بل معها خلاف النص.

وأمّا خبر الاحتجاج المتقدّم في الميقات السابع، الذي جَعَله صاحب «الحدائق» مؤيّداً لما أفاده الحِلّي، فهو غير ما نحن فيه، لتضمّنه إيقاع الإحرام بجميع واجباته، حتّى نزع الخيط ولبس الثوبين، فلا يصحّ الاستشهاد به للمقام.

وبالجملة: فما أفاده الشيخ رحمه الله هو الصحيح.

وأمّا الجهة الثانية: فالمنسبق إلى الذهن من الصحيح أنّه يحرم من الموضع الذي زال المانع، إذ الواجب هو قطع المسافة المعيّنة مُحرِماً، وقد رخّص الشارع ترك الإحرام لمن به علّة، فمع ارتفاعها يجب الباقي.

وعليه، فما أفاده الشيخ رحمه الله متين، وإنْ أبيت عن استفادة ذلك من النصّ ، فسيأتي حكم من ترك الإحرام من الميقات لعُذرٍ، فانتظر.

***2.

ص: 23


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/202.

ولو تجاوزها متعمّداً، رجع وأحرم منها، وإنْ لم يتمكّن بَطَل حجّه.

في حكم تأخير الإحرام من الميقات

المسألة الثالثة: لو أخّر الإحرام من الميقات، ففيه صور:

1 - أن يؤخّره عالماً عامداً.

2 - أن يكون تأخيره ناسياً أو جاهلاً بالحكم أو الموضوع.

3 - أن يكون معذوراً في تركه، ولم يكن جاهلاً أو ناسياً، كما لو لم يقصد أداء المناسك ولا دخول مكّة، أو كان ممّن لا يجب عليه الإحرام لدخولها، ثمّ أراد النسك وقد تجاوز الميقات.

أمّا الصورة الاُولى: فلا خلاف (و) لا إشكال في أنّه (لو تجاوزها متعمّداً رجع وأحرم منها) إنْ تمكّن من ذلك، (و) الأكثر على أنّه (إنْ لم يتمكّن بطل حجّه) كما في «الجواهر»(1) حيث قال: (بل ربما يفهم من غير واحد عدم الخلاف فيه بيننا).

أقول: وكلام المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(2) و «التذكرة»(3) مشعرٌ بذلك، فإنّه بعد حكمه ببطلان حجّه، نقل الخلاف عن بعض العامّة، لكنّه نقل في «المستند»(4) عن «المبسوط»(5) و «المصباح»(6) ومختصره وجماعة من متأخّري المتأخّرين(7)، أنّه

ص: 24


1- جواهر الكلام: ج 18/132.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/669-670.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/198-199.
4- مستند الشيعة: ج 11/199.
5- المبسوط.: ج 1/312.
6- مصباح المتهجّد: ص 8.
7- منهم صاحب المدارك: ج 7/235، ذخيرة المعاد: ج 3/575، الحدائق الناضرة: ج 14/471.

إن أمكن له خرج من الحرم وأحرم منه، وإلّا أحرم من موضعه، وصحَّ حجّه، وهذا اختياره أخيراً.

ولعلّ اقتصار جماعةٍ من الفقهاء كالمحقّق في «الشرائع»(1) والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(2)، وغيرهما في غيرهما على ذكر بطلان الإحرام، من جهة إمكان صحّة الحَجّ بأن يحرم من موضعه.

وكيف كان، فمقتضى القواعد وإنْ كان هو القول الأوّل، لأنّ بانتفاء الجزء والشرط ينتفي الكلّ والمشروط، لكن الوارد في صحيح الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم ؟ فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإنْ خشي أن يفوته الحَجّ ، فليحرم من مكانه، فإنْ استطاع أن يخرج عن الحرم فليخرج»(3)، فهذا الخبر بإطلاقه يشمل التارك عن علمٍ وعمد، ويدلّ على صحّة إحرامه وحجّه إنْ أحرم من موضعه.

وأورد عليه بإيرادين:

الإيراد الأوّل: ما ذكره صاحب «الجواهر»(4) بقوله: (إنّ تقيّيد إطلاق دليل التوقيت، الدالّ على بطلان الحَجّ بدون الإحرام من الميقات بإطلاق الصحيح، ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض - يعني غير العامد - وهو أولى من وجوه)، انتهى .

وفيه: إنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو في غير المطلق والعام والخاصّ ، وأمّا2.

ص: 25


1- شرائع الإسلام: ج 1/178.
2- قواعد الأحكام: ج 1/417.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/58 ح 26، وسائل الشيعة: ج 11/330 ح 14937.
4- جواهر الكلام: ج 18/132.

فيهما فيقدّم إطلاق المقيّد والخاصّ على إطلاق المطلق والعام بلا كلام، ونسبة صحيح الحلبي مع أدلّة التوقيت هي نسبة العام والخاصّ والمطلق والمقيّد، فلا وجه لملاحظة المرجّحات، بل يقدّم الصحيح.

الإيراد الثاني: أنّ الحمل على الصحّة يقتضي اختصاص الخبر بغير العامد، فإنّ حمل الترك على الأعمّ من العمد، خلاف حمل فعل المسلم على الصحّة.

وفيه: أنّه إنْ كان محطّ نظر المورد أنّ الحمل على الصحّة يقتضي انصراف الصحيح عن العامد، فيرد عليه أنّه لو سُلّم فهو بدوي لا يعتنى به.

وإنْ كان مراده أنّ ذلك يوجب تقيّيد إطلاقه. فغير ظاهر الوجه.

فالمتحصّل: أنّ البناء على كفاية الخروج من الحرم، والإحرام من خارجه، ومع عدم إمكانه فالإحرام من موضعه هو الأظهر.

ثمّ إنّ صحيح الحلبي مختصٌّ بالعُمرة المتمتّع بها والحَجّ ، ولا يشمل العُمرة المفردة، فالإكتفاء فيها بالإحرام من موضعه يتوقّف على العلم بعدم الخصوصيّة وهو مشكلٌ ، فعلى هذا لو ترك الإحرام من الميقات متعمّداً، وأمكنه الإحرام من أدنى الحِلّ ، فهل يجوز له الإحرام منه كما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) وسيّد «العروة»(2) وغيرهما، أم لا؟

قال صاحب «الجواهر»: (وظاهر المتن و «القواعد» وغيرهما بطلان الإحرام منه ولو للعمرة المفردة، وحينئذٍ لا يباح له دخول مكّة حتّى يحرم من الميقات، بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك، لكن قد يقال: إنّ المراد بطلانه للإحرام للحجّ 9.

ص: 26


1- جواهر الكلام: ج 18/133.
2- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/649.

لا للعمرة المفردة التي أدنى الحِلّ ميقاتٌ لها اختياري، وإنْ أثِم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات، بل قيل إنّ الأصحاب إنّما صرّحوا بذلك لا بطلانه مطلقاً، ويمكن صرف ظاهر المتن وغيره إليه، ولعلّه الأقوى )(1) انتهى .

أقول: - بعد تصحيحه بأنّ المراد من العُمرة المفردة العُمرة بعد حَجّ القِران والإفراد، لما تقدّم أنّه قدس سره ادّعى الإجماع على أنّ أدنى الحِلّ ميقاتٌ لخصوص تلك العُمرة دون كلّ عُمرةٍ مفردة - إنّه قد مرّ أنّ أدنى الحِلّ إنّما هو ميقاتها إذا كان المُعتمر في مكّة، وإلّا فيتعيّن عليه الإحرام من أحد المواقيت الخمسة، وليس من أدنى الحِلّ الذي يعدّ ميقاتاً له.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ مراده ما لو خرج المُعتمر من مكّة وتجاوز الميقات ثمّ رجع منه.

ولكن يرد عليه: أنّ دليل توقيت أدنى الحِلّ لا يشمل مثل ذلك، وعليه فالمتعيّن هو الرجوع الى إطلاق أدلّة التوقيت الشامل للعمرة المفردة.

فالمتحصّل: عدم الاكتفاء بالإحرام من أدنى الحِلّ في الفرض.

وأيضاً: على القول بأنّ من أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ولم يتمكّن من العود إليه بَطَل حجّه وإحرامه، لا إشكال في وجوب قضاء الحَجّ عليه إذا كان مستطيعاً في السنة اللّاحقة.

وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً:

فإنْ رجع بعد تجاوز الميقات، دون أن يدخل الحرم، فلا قضاء عليه، بلا خلافٍ نعلمه كما في «التذكرة»(2).9.

ص: 27


1- جواهر الكلام: ج 18/133.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/209.

وإنْ كان ناسياً أو جاهلاً رجع مع المكنة.

لو ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلاً

وأمّا إنْ دخل الحرم:

فعن الشهيد في «المسالك»(1) وجوب القضاء عليه لوجوب الإحرام عليه، فإذا لم يأت به وجب قضاءه.

وأورد عليه: سبطه السيّد السند في محكي «المدارك»(2) بأنّ الإحرام مشروع لتحيّة البقعة، فإذا لم يأت به سقط، وحيث أنّ القضاء فرض مستأنف، فثبوته يتوقّف على الدليل، وهو منتفٍ هنا، لأصالة البراءة من القضاء، وهو متين.

وقد وجّه صاحب «الجواهر»(3) كلام الشهيد: بأنّه لعلّ مراده ما لو دخل مكّة حاجّاً ولو بإحرامٍ من دونه، وعليه فيكون القضاء للحجّ لا للإحرام.

وفيه أوّلاً: أنّه خلاف ظاهر عبارة «المسالك».

وثانياً: لا دليل على وجوب قضاء الحَجّ في الفرض، لاختصاص ما دلّ على وجوب قضاء لمن أفسد حجّه بغير ذلك، ومقتضى الأصل عدم وجوبه.

هذا كلّه فيما لو ترك الإحرام عن علم وعمد.

(و) أمّا (إن) تركه من الميقات و (كان ناسياً أو جاهلاً) بالحكم أو الموضوع وهي الصورة الثانية، فلا خلافٍ في أنّه (رجع مع المكنة).

ص: 28


1- مسالك الأفهام: ج 2/222.
2- مدارك الأحكام: ج 7/236.
3- جواهر الكلام: ج 18/133.

وفي «المنتهى»(1): (اتّفقوا على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي والجاهل)، انتهى . وقريبٌ منه ما في «التذكرة»(2).

أقول: وهو مضافاً إلى كونه على وفق القاعدة، يشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ ترك الإحرام حتّى دخل الحرم ؟ فقال عليه السلام: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإنْ خشي أن يفوته الحَجّ ، فليحرم من مكانه، فإنْ استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»(3).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن امرأةٍ كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري أعليكِ إحرامٌ أم لا وأنتِ حائض، فتركوها حتّى دخلت الحرم ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فإنْ لم يكن عليها وقت، فلترجع إلى ما قدرت عليه بعدما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجل نسي أن يحرم حتّى دخل الحرم ؟ قال عليه السلام: قال أبي عليه السلام يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإنْ خشي أن يفوته الحَجّ أحرم من مكانه، فإنْ استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم»(5).

ونحوها غيرها.

أقول: الخبر الثالث وإنْ كان مختصّاً بالناسي، والثاني مختصّاً بالجاهل بالحكم،1.

ص: 29


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/670.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/201.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/58 ح 26، وسائل الشيعة: ج 11/330 ح 14937.
4- الكافي: ج 4/325 ح 10، وسائل الشيعة: ج 11/329 ح 14934.
5- الكافي: ج 4/323 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/328 ح 14931.

إلّا أنّ الأوّل عام شاملٌ لهما وللجاهل بالموضوع.

ومن الغريب أنّ بعض الأعاظم(1) سَلّم شمول ذلك للعالم العامد، وبرغم ذلك ادّعى في المقام أنّه ليس في النصوص تعرّض لحكم الجاهل بالموضوع، ثمّ قال:

(ولكن يمكن استفادته من النصوص الواردة في غيره، لا سيّما وكون الحكم إجماعيّاً).

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّه يخرج من الحرم ويهلّ بالحجّ ، كخبر أبي الصباح الكناني، قال:

«سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ جهل أن يحرم حتّى دخل الحرم كيف يصنع ؟ قال عليه السلام يخرج من الحرم ثمّ يهلّ بالحجّ »(2)، ويُحمل على صورة عدم إمكان الرجوع إلى الميقات.

كما أنّ بها يقيّد إطلاق ما دلّ من النصوص على أنّه يحرم من مكانه، كخبر سورة بن كُليب، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: خَرَجَتْ معنا امرأة من أهلنا، فجهلت الإحرام فلم تحرم حتّى دخلنا مكّة، ونسينا أن نأمرها بذلك ؟ قال عليه السلام: فمروها فلتحرم من مكانها من مكّة أو من المسجد»(3)، ويُحمل على صورة تعذّر الرجوع إلى الميقات.

وأمّا خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ ترك الإحرام حتّى انتهى إلى الحرم، فأحرم قبل أن يدخله ؟ قال عليه السلام: إنْ كانْ فعل ذلك جاهلاً فليبنِ مكانه ليقضي، فإنّ ذلك يُجزيه إنْ شاء اللّه تعالى ، وإنْ رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل5.

ص: 30


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/318.
2- الكافي: ج 4/325 ح 7، وسائل الشيعة: ج 11/329 ح 14933.
3- الكافي: ج 4/326 ح 12، وسائل الشيعة: ج 11/329 ح 14935.

بلده فإنّه أفضل»(1).

فهذا الخبر صريح في عدم وجوب الرجوع إلى الميقات مع التمكّن منه، فلضعفه في نفسه، لأنّ عبداللّه بن الحسن لم يوثّق، ولإعراض المشهور عنه، بل لا قائل به كما في «الجواهر»(2) لابدّ من طرحه.

قال صاحب «المستند»(3): (لو تعذّر رجوع الناسي أو الجاهل إلى الميقات، فليرجع إلى قرب الميقات بقدر الإمكان وفاقاً للشهيد(4) وبعض آخر)(5).

وعن الشهيد قدس سره الاستدلال له بقاعدة الميسور.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّها غير تامّة في أجزاء الواجب.

وثانياً: أنّها لو تمّت، رفعنا اليد عنها بإطلاق النصوص المتضمّنة أنّه يحرم من مكانه أو بعدما يخرج من الحرم.

وقد يستدلّ له بصحيح معاوية المتقدّم: (فلترجع إلى ما قدرت عليه بعدما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها).

قال صاحب «المدارك»:(6) بعد نقل الصحيح: (أنّه يمكن حمله على الاستحباب، لعدم وجوب ذلك على الناسي والجاهل مع الاشتراك في العذر، ولموثّق زرارة في المرأة المذكورة الحاكم بأنّها من مكانها).7.

ص: 31


1- وسائل الشيعة: ج 11/331 ح 14940، قرب الإسناد ص 106.
2- جواهر الكلام: ج 18/130.
3- مستند الشيعة: ج 11/197.
4- الدروس: ج 1/341.
5- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/207.
6- مدارك الأحكام: ج 7/387.

وفيه: أنّ عدم وجوبه عليها أوّل الكلام، والاشتراك في العُذر قياسٌ مستنبط، والموثّق مطلق يحمل على المقيّد وهو الصحيح.

فالحقّ في الجواب عنه أن يقال: إنّ مقتضى جملةٍ من النصوص كصحيحي الحلبي المتقدّمين، وخبر أبي الصباح المتقدّم، وصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍ مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل، فلم يحرم حتّى أتى مكّة، فخاف إنْ رجع إلى الوقت أن يفوته الحَجّ؟ فقال عليه السلام: يخرج من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك»(1)، حيث أنّ هذه الأخبار تدلّ على أنّه إنْ لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، خرج من الحرم إن قدر ويحرم منه ويجزيه، وبها يقيّد إطلاق صحيح معاوية الدالّ على أنّ المرأة إن تقدر على الرجوع إلى الميقات فلترجع إلى ما قدرت بقدر ما لا يفوتها الحَجّ ، فإنّه مطلق من حيث الرجوع إلى خارج الحرم أو أزيد منه، فيقيّد إطلاقه بالنصوص المتقدّمة.

فإنْ قيل: إنّهما مثبتان، فكيف يُحمل المطلق على المقيّد؟

قلنا: إنّ قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان: (يُجزيه ذلك) يدلّ على عدم لزوم الإحرام من ما فوق ذلك وإن قدر عليه، مع أنّ حمل هذه النصوص على ما إذا لم يقدر على الرجوع في الجمله إلى ما فوق الحرم، حملٌ على الفرد النادر جدّاً، وهو بعيدٌ غير صحيح.

أضف إلى ذلك كلّه أنّ الصحيح واردٌ في خصوص الجاهل بالحكم، والتعدّي عنه يحتاج إلى دليل مفقود.2.

ص: 32


1- الكافي: ج 4/324 ح 6، وسائل الشيعة: ج 11/328 ح 14932.

فتحصّل: أنّ الجاهل أو الناسي إذا ترك الإحرام من الميقات، يرجع إلى الوقت مع المكنة، وإلّا فإنْ دخل الحرم يخرج منه ويحرم.

وإن لم يتمكّن من الرجوع إلى الوقت، ولم يدخل الحرم، ولكن أمامه ميقاتٌ آخر فهل يحرم من مكانه، أو يؤخّر الإحرام إلى ذلك الميقات ؟

وجهان: أقواهما الثاني، لعموم دليل ذلك الميقات، فإنّه وإن لم يكن ميقاتاً مع عدم العذر، لكن لا كلام في أنّه ميقاتٌ معه، ونصوص الباب الدالّة على أنّه يحرم من موضعه إذا لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، موردها ما لو علم وتذكّر وهو في الحرم، وهو غير ما نحن فيه.

وعن الشهيد الثاني في «المسالك»(1)، وسبطه السيّد في «المدارك»(2)، وصاحب «الجواهر» في «الجواهر»(3): أنّه مع إمكان العود إلى ميقات أهل بلاده لا يجب العود إنْ كان أمامه ميقاتٌ آخر، واستدلّ له بأنّه أيضاً ميقاتٌ لمن مرَّ به عند وصوله، وبأنّه يجتزي بالإحرام منه مع الاختيار فضلاً عن العذر.

أقول: لكن ظاهر أكثر نصوص الباب، تعيّن العود إلى ميقات أهل بلاده، وبها يقيّد إطلاق صحيح معاوية المتقدّم المتضمّن: (فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه)، لو لم يكن المراد منها الميقات الذي عبّروا عليه حين سألتهم المرأة، وكذا يقيّد به إطلاق دليل ذلك الوقت.

***7.

ص: 33


1- مسالك الأفهام: ج 2/221.
2- مدارك الأحكام: ج 7/231.
3- جواهر الكلام: ج 18/127.

وأحرَمَ من موضعه إنْ لم يتمكّن.

هذا كلّه فيما إذا تمكّن من الرجوع إلى الميقات، أو إلى خارج الحرم، فقد عرفت أنّه يرجع إليه ويخرج من الحرم مع التمكّن.

(و) إنْ لم يتمكّن من ذلك، فقد طفحت كلماتهم بأنّه (أحرم من موضعه إنْ لم يتمكّن).

وفي كثيرٍ من الكلمات دعوى نفي الخلاف فيه، أو الإجماع عليه، والنصوص المتقدّمة شاهدة به.

***

لو ترك الإحرام عن عُذر

وأمّا الصورة الثالثة: وهي ما لو ترك الإحرام عن عذر غير النسيان والجهل، فالظاهر إجراء حكم الناسي فيها، لا لما في «الجواهر»(1) من فحوى النصوص الواردة فيه وفي الجاهل، بل هو أعذر من الناسي وأنسب بالتخفيف، فإنّ ذلك قياسٌ مستنبط، بل لإطلاق صحيح الحلبي المتقدّم بالتقريب الذي مرّ في العالِم العامد.

نعم، في خصوص من كان مغمىً عليه ورد خبرٌ دالٌّ على أنّه يُحرِمه رجلٌ ، وهو مرسل جميل، عن أحدهما عليه السلام:

«في مريضٍ اُغمي عليه فلم يعقل حتّى أتى الوقت ؟ قال عليه السلام: يَحرم عنه رجل»(2).

ص: 34


1- جواهر الكلام: ج 18/127.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/60 ح 37، وسائل الشيعة: ج 11/338 ح 14962.

والمراد به أنّه يتولّى رجلٌ آخر إحرامه، ويتولّى النيّة النائب، ويُجنّبه محرّمات الإحرام، لا أنّه ينوب عنه في الإحرام، ولازم ذلك عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته وإنْ كان ممكناً.

أقول: هذا الخبر برغم أنّه مرسلٌ ، إلّاأنّ جمعاً من الأعيان كالشيخ في «النهاية»(1)، و «المبسوط»(2)، و «التهذيب»(3)، والأحمدي(4)، و «المهذّب»(5)، و «الجامع»(6)، والمحقّق في «المعتبر»(7)، والمصنّف في «القواعد»(8)، والشهيد في «الدروس»(9) وغيرهم في غيرها، عملوا به، وعليه فضعفه منجبرٌ بالعمل.

ولكن لو لم يَحرم به أحدٌ، يلحقه حكم غيره من ذوي الأعذار، كما أنّ في غير مريد النسك إذا لم يتمكّن من العود إلى الميقات إشكالاً، فإنّ شمول إطلاق صحيح الحلبي له لا يخلو عن إشكال، فإنّ دعوى انصرافه إلى مَنْ ترك الإحرام وهو يريد النسك، من جهة ظهور قول السائل: (ترك الإحرام) في تركه لما لا ينبغي تركه، فإنّه المحتاج إلى السؤال، قريبة.

وعليه، فالصحيح لا يشمله، ومقتضى القاعدة عدم صحّة حجّه.

***2.

ص: 35


1- النهاية ونكتها: ج 1/467.
2- المبسوط: ج 1/313.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/60.
4- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/45.
5- المهذّب: ج 1/214.
6- الجامع للشرائع ص 180.
7- المعتبر: ج 2/809.
8- قواعد الأحكام: ج 1/417.
9- الدروس: ج 1/342.

لو نسي المتمتّع الإحرام للحجّ

الصورة الرابعة: لو نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة:

فتارةً : يتذكّر وهو في عرفات.

واُخرى : يتذكّر وهو في المشعر، أو بعد الإفاضة منه.

وثالثة: يتذكّر وقد أتى بجميع الأعمال.

أمّا الصورة الاُولى : فمقتضى القاعدة أنّه إذا تمكن من العود وجب، لوجوب الإتيان بالمأمور به على وجهه.

ولكن صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن رجلٍ نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات ما حاله ؟ قال عليه السلام: يقول: اللّهُمَّ على كتابك وسُنّة نبيّك صلى الله عليه و آله فقد تمَّ إحرامه، فإنْ جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتّى رجع إلى بلده إنْ كان قضى مناسكه كلّها فقد تمَّ حجّه»(1).

يدلّ بإطلاقه على عدم وجوب العود إلى الميقات، وصحّة حجّه وإحرامه لو أحرم من موضعه.

وأفاد بعض الأعاظم(2): أنّ النصوص المتقدّمة الدالّة على لزوم الإحرام من الميقات مع المكنة تقيّده.

وفيه: أنّها في نسيان إحرام العُمرة من ميقاتها، والصحيح في نسيان إحرام الحَجّ من مكّة، فلا يكونان في موردٍ واحد، كي يقيّد إطلاق الصحيح بها.

وعليه، فما عن المصنّف في «المنتهى»(3) و «التذكرة»(4) من أنّه لو نسي

ص: 36


1- تهذيب الأحكام: ج 5/175 ح 32، وسائل الشيعة: ج 11/330 ح 14938.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/319.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/715.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/162.

الإحرام بالحجّ حتّى حصل بعرفات، أحرم من موضعه، وصحَّ حجّه، هو الظاهر من الأدلّة.

وأمّا لو لم يتمكّن من العود إلى مكّة، أحرم من موضعه بلا كلام، وعليه اتّفاق النص والفتوى.

وأمّا الصورة الثانية: فعن جماعةٍ منهم الشهيد في «الدروس»(1) أنّه يصحّ حجّه، لكن تردّد سيّد «المدارك»(2) في الحكم.

واستدلّ للأوّل: بحديث رفع النسيان بتقريب أنّ الحديث واردٌ في مقام الامتنان، ومقتضى الامتنان رفع قيدية الإحرام من مكّة في الفرض بالخصوص، فيصحّ حجّه حينئذٍ، لإتيان المأمور به على وجهه.

وفيه: أنّ حديث الرفع إنّما يرفع الحكم ولا يصلح للوضع، وحيث أنّ رفع الجزئيّة والشرطيّة إنّما يكون برفع الأمر بالكلّ ، فهو رافعٌ له، ولا يصلح لإثبات الأمر بالباقي، فما أتى به غير مأمورٍ به، وتمام الكلام في محلّه.

وربما يستدلّ له: بما دلّ على أنّ من نَسي الإحرام حتّى قضى المناسك كلّها صَحَّ حجّه، حيث إنّه يدلّ على حكم نسيان الإحرام في البعض بالأولويّة، وهو حسنٌ سيّما بملاحظة ما ورد في نسيانه ثمّ تذكّر وهو في عرفات، الدالّ على الصحّة، فإنّ أهل العرف يفهمون من ضمّ أحدهمابالآخر أنّ حكم التذكّر في المشعر وبعده أيضاً كذلك.

***3.

ص: 37


1- الدروس: ج 1/416.
2- مدارك الأحكام: ج 7/233.

ولو نسي الإحرام حتّى أكمل مناسكه، صَحَّ حجّه على روايةٍ .

وأمّا الصورة الثالثة: (و) هي ما (لو نَسي الإحرام حتّى أكمل مناسكه) فالمشهور بين الأصحاب أنّه يُجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك، و (صحَّ حجّه)، و (على ) ذلك (رواية) وهي مرسل جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام: «في رجل نسي أن يحرم أو جهل، وقد شهد المناسك كلّها، وطاف وسعى؟ قال عليه السلام: يُجزيه نيّته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه وإن لم يهلّ »(1).

وأُورد عليه بإيرادين:

الإيراد الأوّل: ما عن «المدارك»(2) من أنّه ضعيف للإرسال.

وفيه: إنّه بعد إفتاء المشهور به، بل عن «الدروس»(3) (أنّه فتوى الأصحاب إلّا ابن إدريس) لا محالة ينجبر ضعفه، سيّما وأنّ الرواي عن جميل ابن أبي عمير.

الإيراد الثاني: ما عن «الدروس»(4) من أنّه يدلّ على الصحّة فيما لو كان المنسيّ التلبية لا النيّة.

وفيه: ما عن «المدارك»(3): أنّ ظاهر قوله: (إذا كان قد نوى ذلك) أنّه نوى الحَجّ بجميع أجزائه جملةً ، لا نوى الإحرام، بقرينة ذكر الجاهل مع الناسي والجاهل، لا يتأتّى منه نيّة الإحرام، وهو واضح.7.

ص: 38


1- الكافي: ج 4/325 ح 8، وسائل الشيعة: ج 11/338 ح 14959.
2- مدارك الأحكام: ج 7/238 و 237. (3و4) الدروس: ج 1/350.
3- مدارك الأحكام: ج 7/238 و 237.

أقول: وأمّا الاستدلال له بما يأتي في الجاهل، إمّا بأنّ الناسي أعذر من الجاهل، أو لشمول الجهل للنسيان كما عن «كشف اللّثام»(1)، فغير صحيح، لمنع الثاني، وكون الأوّل قياساً.

وهل نسيان الإحرام من الميقات للعمرة أيضاً كذلك، كما هو المشهور بين الأصحاب، أم لا؟ وجهان:

وجه الأوّل: شمول المرسل لنسيان عُمرة التمتّع، لكونها جزءاً للحجّ ، فيشملها إطلاق المرسل، ويثبت في العُمرة المفردة بعدم الفصل أو بالأولويّة.

وجه الثاني: أنّ المرسل وارد في خصوص نسيان إحرام الحَجّ ، والتعدّي منه إلى العُمرة لا يخرج عن القياس، كما أفاده سيّد «المدارك»(2)، لكن الأوّل أظهر.

هذا كلّه في نسيان المتمتّع الإحرام للحجّ ، ولو جهله، فإنْ كان فعل المناسك كلّها صَحَّ حجّه بلا خلاف، ويشهد به ذيل صحيح عليّ بن جعفر المتقدّم من قوله عليه السلام: (فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحَجّ حتّى رجع إلى بلده إنْ كان قضى مناسكه كلّها فقد تَمّ حجّه وإلّا فحكمه حكم الناسي) لأنّ صدر صحيح علي بن جعفر المتضمّن لحكم التذكّر في عرفات في الناسي، وذيله المتضمّن للتوجّه بعد قضاء المناسك كلّها في الجاهل، وهذا كاشفٌ عن اتّحاد حكمهما كما فهمه الأصحاب.

***8.

ص: 39


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/239.
2- مدارك الأحكام: ج 7/238.

حقيقة الإحرام

ثمّ إنّه يقع الكلام في الإحرام، والكلام فيه في مواضع:

1 - في حقيقته.

2 - في واجباته.

3 - في ما يستحبّ فيه وقبله.

4 - في تروكه.

5 - في أحكامه.

أمّا الأوّل: فقد اختلفت كلمات القوم في حقيقة الإحرام على أقوال:

القول الأوّل: أنّ الإحرام عبارة عن إيقاع التلبية المقارنة لنيّة الحَجّ أو العُمرة في الموضع المعيّن، وقد نسب ذلك إلى الشيخ في «التهذيب»(1) و «الاستبصار»(2)، بل إلى الأكثر، بل نُقل عليه الإجماع في كثير من الكتب كالانتصار(3) و «الخلاف»(4)و «الجواهر»(5) و «الغُنية»(6) وغيرها(7).

القول الثاني: أنّه عبارة عن النيّة. وهو المنسوب إلى «الجمل»(8)

ص: 40


1- تهذيب الأحكام: ج 5/83.
2- الإستبصار: ج 2/189.
3- الإنتصار: ص 102.
4- الخلاف: ج 2/289-290.
5- جواهر الفقه: ص 41.
6- غنية النزوع: ص 574.
7- المفاتيح: ج 1/313، رياض المسائل (ط. ج): ج 6/236.
8- حكاه عنه في المدارك: ج 7/239.

و «المبسوط»(1) و «المسالك»(2).

القول الثالث: عبارة عن النيّة والتلبية. حُكي عن ابن إدريس رحمه الله(3).

القول الرابع: أنّه مركّبٌ من النيّة والتلبية ولبس الثوبين. نُسب ذلك إلى المصنّف في «المختلف»(4).

القول الخامس: أنّه عبارة عن توطين النفس على ترك المنهيّات المعهودة إلى أن يأتي بالمُحِلّ . وهو الذي ذهب إليه الشهيد رحمه الله(5).

القول السادس: أنّه الحالة الحاصلة للشخص من التزام ترك المحرّمات أو نيّة ترك المحرّمات.

وهناك وجوهٌ اُخر لم أظفر بقائلها.

ومن يقول بأنّه عبارة عن النيّة، ليس مراده نيّة الإحرام، كي يرد عليه ما أورده بعض الأعاظم(6) بأنّ الإحرام فعلٌ اختياري يقع تارةً عن نيّة، واُخرى لا عنها، ومن المعلوم أنّ النيّة لا تكون موضوعة للنيّة، بل المراد نيّة ترك المحرّمات أو نية الأعمال أو نيّتهما معاً، فإشكال عدم المعقوليّة في غير محلّه.

وأمّا النصوص: فهي مختلفة وعلى طوائف:

الطائفة الاُولى : ما يظهر منها دخل التلبية في الإحرام، أو كونه هو التلبية خاصّة:9.

ص: 41


1- المبسوط. ج 1 ص 314.
2- مسالك الأفهام: ج 2/224.
3- السرائر: ج 1/527.
4- مختلف الشيعة: ج 2/263.
5- اللّمعة الدمشقيّة: ج 2/210، غاية المراد ص 66.
6- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/359.

1 - صحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن التهيّؤ للإحرام ؟ فقال: في مسجد الشجرة، فقد صلّى فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وقد ترى اُناساً يحرمون فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء، حيث الميل فتحرمون، كما أنتم في محاملكم تقول: لبّيك اللّهُمَّ لبّيك... إلى آخره»(1).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام في حديثٍ : «وقّت لأهل المدينة ذا الحُليفة وهو مسجد الشجرة، كان يُصلّي فيه، ويفرض الحَجّ ، فإذا خرج من المساجد وسار واستوت به البيداء حين يُحاذي الميل الأوّل أحرم»(2).

فإنّ ما يُفعل في المسجد هو النيّة والعزم على الحَجّ ، وما يُفعل في البيداء هو التلبية، وأطلق عليها اسم الإحرام.

3 - وصحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ متمتّع كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: ينوي العُمرة ويحرم بالحجّ »(3).

فإنّ المراد بالإحرام التلبية، كما يشهد به صحيح أحمد: «قلتُ لأبي الحسن علي بن موسى عليه السلام: كيف أصنع إذا أردتُ أن أتمتّع ؟ فقال: لَبِّ بالحجّ وأنو المتعة، الحديث»(4).

وصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والإشعار والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم»(5).8.

ص: 42


1- تهذيب الأحكام: ج 5/84 ح 85، وسائل الشيعة: ج 12/370 ح 16538.
2- الفقيه، ج 2، ص 302 ح 2522.
3- الإستبصار: ج 2/168 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/348 ح 16481.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/86 ح 93، وسائل الشيعة: ج 12/352 ح 16490.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/43 ح 58، وسائل الشيعة: ج 11/279 ح 14798.

أقول: ويمكن أن يُستظهر ذلك من النصوص الآتية في محلّها، المتضمّنة أنّه يجوز كلّ فعلٍ يحرم على المُحرم قبل التلبّي الموافقة لعمل الأصحاب.

ولكن بإزاء تلك جملة من الأخبار، صريحة أو ظاهرة في كون الإحرام غير التلبية:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «صَلِّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتّى تصعد إلى البيداء إلى أوّل ميلٍ من يسارك، فإذا استوت بك الأرض، راكباً كنتَ أو ماشياً، فلبّ »(1). ومثله صحيحاه الآخران.

ومنها: خبر المفيد، قال عليه السلام: «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فلا تُلبّ حتّى تنتهي إلى البيداء»(2).

ومنها: صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «إن أحرمتَ من غمرة ومن بريد البعث صلّيت، وقلت كما يقول المحرم في دَبر صلاتك، وإنْ شئتَ لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلاً ثمّ تُلبّي»(3).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «قلتُ له: إذا أحرم الرّجل في دَبر المكتوبة، أيلبّي حين ينهض به بعيره أو جالساً في دَبر الصلاة ؟ قال:

أيّ ذلك شاء صنع»(4).

إلى غير ذلك من الأخبار التي تكون بهذا المضمون.

وأيضاً: الأخبار المستفيضة الدالّة على لزوم الإحرام من الميقات، وعدم جواز9.

ص: 43


1- الكافي: ج 4/334 ح 14، وسائل الشيعة: ج 12/370 ح 16541.
2- وسائل الشيعة: ج 12/372 ح 16544، المقنعة ص 448.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/321 ح 2563، وسائل الشيعة: ج 12/372 ح 16546.
4- الكافي: ج 4/334 ح 13، وسائل الشيعة: ج 12/373 ح 16549.

تأخير الإحرام، المتّفق بين الأصحاب على العمل بها إذا انضمّ إليها نصوص مستفيضة اُخرى دالّة على جواز تأخير التلبية عنه المختلف فيه بينهم، جميعها تكون ظاهرة بل صريحة في عدم كون التلبية من الإحرام، بل هي واجبة فيه.

وكذا لا يُناسب جزئيّة التلبية للإحرام، ولا كونه هي، قولُ كثيرٍ منهم بأنّه لو عقد الإحرام ولم يلبّ لم يلزمه كفّارة بما فَعَله، بل نصوصٌ كثيرة تدلّ على ذلك:

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في الرّجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبّ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء»(1).

ومنها: صحيحه الآخر: «أنّه صَلّى ركعتين في مسجد الشجرة، وعقدالإحرام، ثم خرج فأتى بخبيصٍ فيه زعفران فأكل منه»(2).

ورواه الصدوق بإسناده عن ابن الحجّاج، إلّاأنّه قال: (فأكل قبل أن يُلبّي منه)(3).

ومنها: صحيح جميل بن دُرّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السلام: «أنّه قال في رجلٍ صَلّى في مسجد الشجرة، وعقد الإحرام وأهلَّ بالحجّ ثمّ مَسّ الطيب، وأصاب أو وقع على أهله ؟ قال عليه السلام: ليس بشيء حتّى يُلبّي»(4).

ومنها: خبر حفص بن البُختري، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة، ثمّ وقع على أهله قبل أن يُلبّي ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء»(5).2.

ص: 44


1- تهذيب الأحكام: ج 5/82 ح 82، وسائل الشيعة: ج 12/333 ح 16441.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/82 ح 83، وسائل الشيعة: ج 12/333 ح 16442.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/322 ح 2567.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/82 ح 81، وسائل الشيعة: ج 12/335 ح 16444.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/321 ح 2565، وسائل الشيعة: ج 12/337 ح 16452.

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، وكذا عَدّهم التلبية أحد واجبات الإحرام، إلى غير ذلك من النصوص والفتاوى غير المنطبقة على كون الإحرام هو التلبية، أو كونها داخلة في حقيقته.

أقول: والجمع بين المتنافيّين إنّما يكون بأحد وجهين:

1 - إمّا بأن يقال إنّ ما يجوز تأخيره هو الإجهار بالتلبية دون نفسها.

2 - أو بحمل ما دلّ على عدم انعقاد الإحرام إلّابالتلبية، وتضمّن إطلاق الإحرام عليها على أنّه ما لم يُلبّ له ارتكاب المحرّمات، ولا كفّارة عليه، وإنْ لم يجز له فسخ النيّة.

وحيث إنّ الجمع الأوّل لا يقبله أكثر أخبار جواز تأخير التلبية إلّابتكليفٍ بعيد، فالمتعيّن هو الثاني، وعلى ذلك فالتلبية غير داخلة في حقيقة الإحرام، وبذلك يسقط القول الأوّل والثالث والرابع.

وأمّا لبس الثوبين: فلم يرد خبرٌ موهم بدخله في حقيقته، بل الأخبار الدالّة على جواز تبديل ثوبي الإحرام وغسلهما وما شاكل كالصريحة في عدم دخله فيه.

وأمّا تروك الإحرام: فهي كذلك، وإنْ كان في بعض الأخبار (إحرام الرّجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها)(1)، وهو يوهم دخلها فيه، ولكن بعد ملاحظة النصوص، سيّما ما دلّ على عدم بطلان الإحرام بعدم تحقّق تلك التروك، يقطع الفقيه بعدم دخلها فيه، كيف والمُحرم إذا فعل جميع المحرّمات من ابتداء إحرامه إلى أن يَحلّ لا يخرج عن كونه مُحرِماً.

وبذلك يظهر فساد مقايسته بالصوم، فإنّ الصائم إذا استعمل المُفطّر خرج عن6.

ص: 45


1- الكافي: ج 4/345 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/493 ح 16876.

كونه صائماً بخلاف المُحرِم، فإنّه لا ينتقض الإحرام بفعلها، بل الإحرام بمجرّد حصوله يبقى للمكلّف إلى أن يَحلّ بالمُحلّ ، فهو باقٍ بنفسه.

وأمّا النيّة: فقد استدلّ على كونها هي الإحرام بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يكون الإحرام إلّا في دَبر صلاة مكتوبةٍ أو نافلةٍ ، فإنْ كانت مكتوبة أحرمت في دَبرها بعد التسليم، وإنْ كانت نافلةً صلّيت ركعتين وأحرمت في دَبرهما، فإذا انفتلت من صلاتك، فأحمِدِ اللّه وأثنِ عليه، وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله وتقول: اللّهُمَّ إنّي أسألك أن تجعلني ممّن استجاب لك - إلى أن قال فيه - أحرم لكَ شَعري وبَشَري ولحمِي ودَمي وعظامي ومُخّي وعَصَبي من النساء وثياب والطيب»(1).

ومنها: خبر عبداللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «إذا أردت الإحرام والتمتّع، فقل: اللّهُمَّ إنّي أردتُ ما أمرتَ به من المتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ، فيسّر ذلك لي وتقبّله منّي، وأعنّي عليه، وحلّني حيث حبستني بقَدَرك الذي قَدَرت عَليّ ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب»(2).

ومنها: خبر أبي الصباح مولى بسّام الصيرفي، قال: «أردتُ الإحرام بالمتعة، فقلت لأبي عبداللّه عليه السلام: كيف أقول ؟ قال: تقول: اللّهُمَّ إنّي اُريد التمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ على كتابك وسُنّة نبيّك، وإنْ شئتَ أضمرتَ التي تريد»(3). ونحوها وغيرها.

أقول: إنّ غاية ما يستفاد من هذه النصوص، تحقّق الإحرام في تلك الحال،5.

ص: 46


1- الكافي: ج 4/331 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/340 ح 16462.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/79 ح 71، وسائل الشيعة: ج 12/341 ح 16463.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/79 ح 70، وسائل الشيعة: ج 12/343 ح 16465.

وأمّا كونه عبارةً عن النيّة، فليس في شيء منها ذلك، بل ظاهر قوله: (أحرَمَ لكَ شعري وبشري... إلى آخره) أنّه عبارة عمّا هو المتفاهم عرفاً من إطلاق لفظ (الإحرام) وهو توطين النفس على ترك المنهيّات، وإنشاء الالتزام بالتروك، فالإحرام عبارة عن الحالة النفسانيّة، وهي الالتزام النفساني الذي هو فعل اختياري، نظير الالتزام بصحّة ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله الذي هو الإسلام، والالتزام في باب العقود والإيقاعات، وعلى ذلك ينطبق الأخبار، وهو المنسبق إلى الذهن من لفظ الإحرام.

ودعوى : أنّ الإحرام هو الحالة النفسانيّة الحاصلة من هذا الالتزام.

مندفعة: بأنّ تلك الحالة بما أنّها ليست من الموجودات العينيّة، فلا محالة تكون من الاُمور الاعتباريّة، فيسئل عن دليلة وهو مفقود.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الإحرام عبارة عن الالتزام والبناء النفساني على ترك المحرّمات، وقد جعل الشارع الأقدس لذلك قيوداً وحدوداً، وحكم بعدم الخروج عنه بعد تحقّقه إلّابالمُحلّ ، وهذا هو الذي بنى عليه الشهيد قدس سره وصاحب «المدارك»، وأظنّ أنّ القائلين بأنّه عبارة عن النيّة هذا مرادهم دون غيره، واللّه تعالى أعلم.

***

ص: 47

والواجب في الإحرام النيّة.

من واجبات الإحرام النيّة

(و) أمّا الموضع الثاني: ف (الواجب في الإحرام) اُمورٌ ثلاثة:

الأوّل: (النيّة) بلا خلافٍ فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه مستفيضٌ ، كذا في «الجواهر»(1).

والمراد بها القصد إليه، والوجه في ذلك - مضافاً إلى أنّ الفعل غير الصادر عن القصد والإرادة لايكاد يُتّصف بالوجوب، لقبح التكليف بما هو خارجٌ عن الاختيار.

ومضافاً إلى ما سيأتي من النصوص، وإلى الأخبار العامّة - ما عرفت من أنّ الإحرام من العناوين القصديّة، فلا يُعقل تحقّقه بدون القصد، وهو نظير العقود والإيقاعات لا يتحقّق بدونه، فهذا ممّا لا ينبغي الكلام فيه، إنّما الكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: أنّ الإحرام بما أنّه من أجزاء الحَجّ أو العُمرة - وقد مرّ دلالة الآية الشريفة والنصوص على أنّ الحَجّ والعُمرة من العبادات - فهو من العبادات، ودخل القُربة والخلوص فيها من القضايا التي قياساتها معها، فيعتبر فيه قصد القربة.

الأمر الثاني: عن الشيخ في «المبسوط»(2): (الأفضل أن تكون - أي النيّة - مقارنةً للإحرام، فإنْ فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلّل)، انتهى .

وأورد عليه المصنّف في «المختلف»(3) بقوله: (وفيه نظر، فإنّ الأولى إبطال ما لم

ص: 48


1- جواهر الكلام: ج 18/199.
2- المبسوط: ج 1/307.
3- مختلف الشيعة: ج 4/34.

يقع بنيّته، لفوات الشرط).

وعن «كشف اللّثام»(1) توجيه كلام الشيخ بأنّ نظره إلى أن التروك لا تفتقر إلى النيّة، ولما أجمع على اشتراطه بها كالصوم قلنا بها في الجملة، ولو قبل التحلّل بلحظة، إذ لا دليل على أزيد من ذلك، وإنّما كان الأفضل المقارنة، لأنّ النيّة شرط في ترتّب الثواب على الترك.

أقول: يرد على ما أفاده من جهات:

الجهة الاُولى: ما عرفت من أنّ الإحرام عبارة عن الالتزام والبناء النفساني على ترك المحرّمات، لا أنّه التروك بنفسه، والفرق بينه وبين الصوم هو عبارة عن ترك المفطّرات في غاية الوضوح، ولذا لو أتى بأحد المفطّرات نقض صومه، بخلاف الإحرام الذي لا ينقض لو أتي بجميع المحرّمات.

الجهة الثانية: ما عرفت من أنّه لا يعقل تحقّق الإحرام لا يعقل بلا نيّة، وحيث إنّه من العبادات فيعتبر فيه الخلوص والقربة من أوّل تحقّقه.

الجهة الثالثة: أنّه لو اُغمض عن جميع ما ذكرناه وسُلّم كون التروك هو الإحرام، فلا محالة تكون التلبية ولبس الثوبين أيضاً داخلين فيه، وهما من الأفعال.

الجهة الرابعة: أنّ ما يظهر منه من أنّ التروك لا تحتاج الى النيّة، غير ظاهر الوجه، إذ لو كان الترك واجباً، كيف لا يكون محتاجاً إليها؟ نعم في خصوص باب الصوم دلّ دليلٌ على عدم اعتبار نيّة القربة، فلو لم يشرب لعدم التمكّن منه، لا يكون الصوم باطلاً، بل يصحّ وإن لم يكن تركه الشرب عباديّاً وقُربيّاً حينئذٍ، ولذا قالوا إنّ عباديّة الصوم فاعليّة لا فعليّة.4.

ص: 49


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/254.

فتحصّل: أنّ الأظهر اعتبار المقارنة للشروع، فلا يكفي حصولها في الأثناء، فلو تركها وجب تجديده.

تعيين الإحرام في النيّة

الأمر الثالث: في تحديد الإحرام قولان:

1 - يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام للحجّ أو للعُمرة، وأنّ الحَجّ تمتّعٌ أو قِران أو إفراد، وأنّه حجّة الإسلام أو الحَجّ النذري أو الندبي، فلو نوى الإحرام من غير تعيين، وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل.

2 - وعن «المبسوط»(1)، و «المهذّب»(2)، و «الوسيلة»(3)، و «التذكرة»(4)، و «المنتهى»(5)، و «كشف اللّثام»(6): أنّه لو نوى الإحرام مطلقاً، ولم يذكر لا حَجّاً ولا عُمرة انعقد إحرامه، وكان له أن يصرفه إلى أيّهما شاء.

ويمكن الاستشهاد للأوّل: بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ الإحرام من أجزاء النُسكين، وحيث أنّ عنوان المتعة وأخويه من العناوين القصديّة المعتبرة، ولذلك بنينا على لزوم قصد المتعة في حَجّ التمتّع، فلابدَّ من قصد العنوان القصدي المأخوذ في المأمور به.

الوجه الثاني: أنّ الإحرام إذا كان صالحاً لوقوعه امتثالاً لأوامر متعدّدة، فلو لم

ص: 50


1- المبسوط: ج 1/316.
2- المهذّب: ج 1/219.
3- الوسيلة: ص 161.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/233.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/674.
6- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/255-256.

يقصد أحدها المعيّن، لا يقع امتثالاً لشيء منها، إذ وقوعه امتثالاً للجميع غير ممكن، ولأحدها دون غيره ترجيحٌ بلا مرجّح، فلا محالة لا يقع امتثالاً لشيء منها.

الوجه الثالث: النصوص الكثيرة الدالّة على لزوم قصد المتعة حين الإحرام، المُسرية إلى سائر الأنواع بعدم القول بالفصل:

منها: صحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «سألته عن متمتّع كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: ينوي العُمرة ويحرم بالحجّ »(1).

ومنها: خبر أبان بن تغلب: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: بأيّ شيءٍ أهلّ؟ فقال عليه السلام:

لا تُسمّ حَجّاً ولا عُمرة، وأضمر في نفسك المتعة، وإن أدركت كنتَ متمتّعاً وإلّا كنت حاجّاً»(2).

ومنها: صحيح أحمد: «قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه السلام: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع ؟ فقال عليه السلام: لبّ بالحجّ وأنو المتعة»(3).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المعتضدة بأخبار الدّعاء حال الإحرام، المتضمّنة لتعيينه.

واستدلّ للقول الآخر: بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن «كشف اللّثام»(4) من أنّ النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته، ولا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً ولا صنفاً باختلاف غاياته، فالأصل عدم وجوب التعيّين.6.

ص: 51


1- الإستبصار: ج 2/168 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/348 ح 16481.
2- الإستبصار: ج 2/172 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/349 ح 16483.
3- الإستبصار: ج 2/172 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/352 ح 16490.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/256.

وفيه أوّلاً: أنّ الإحرام من أجزاء النسكين.

وثانياً: على فرض كونهما غايتين له، يرد هذا الوجه الوجه الثاني الذي ذكرناه، وليس من قبيل الوضوء بالنسبة إلى الصلاة، فإنّه مشروعٌ لنفسه، فيمكن أن يتعبّد به لنفسه من دون نيّة الغاية، بخلاف الإحرام فإنّه لو سُلّم كون النسكين غايتين له، لا إشكال في أنّه لا يتعبّد به لنفسه، وإنّما يتعبّد به في ضمن غايته.

الوجه الثاني: ما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1)، قال: (إنّ الإحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات، لأنّه لا يخرج عنه بالفساد، وإذا عقد عن غيره باُجرةٍ أو تطوّعاً وعليه فرضه، وقع عن فرضه، فجاز أن ينعقد مطلقاً، وإذا ثبت أنّه ينعقد مطلقاً، فإن صَرفَه إلى الحَجّ صار حجّاً، وإن صَرَفه إلى العُمرة صار عُمرة)، انتهى .

وفيه: إنّ عدم الخروج عنه بالفساد، لما دلّ على أنّه لا يخرج عنه إلّابالمحلّ ، لا ينافي كونه لازم التعيّين قبل تحقّقه والإتيان به، ووقوع ما أتى به تطوّعاً عن فرضه للدليل من قبيل العدول من صلاةٍ إلى اُخرى ، لا يدلّ على عدم لزوم التعيّين، مع أنّه قد عرفت عدم إجزائه عنه.

الوجه الثالث: ما روي: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خَرج من المدينة لا سَمّى حجّاً ولا عُمرةً ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة»(2).

وفيه أوّلاً: أنّه عامّي لم يثبت، بل النصوص دالّة على أنّه صلى الله عليه و آله وأصحابه قصدوا الحَجّ .6.

ص: 52


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/234.
2- سنن البيهقي: ج 5/6.

وثانياً: أنّه على الفرض أنّه لو كان هناك قصور في التشريع، إلّاأنّهم قصدوا ما هو المشروع بخصوصيّاته.

فتحصّل: أنّ الأظهر اعتبار التعيّين، نعم يكفي التعيّين الإجمالى كما لو نوى ما هو واجب عليه فعلاً، وكان الواجب عليه حَجّ التمتّع، فإنّ الأمر يدعو إلى ما تعلّق به، فقَصْدُ ما يجب عليه، قصدٌ لذلك العنوان المأخوذ في المتعلّق ويعدّ كافياً.

فرع: هل تكون نيّة الإحرام لما سيعيّنه من حَجّ أو عُمرة كافياً كما في «العروة»(1) بدعوى أنّه نوع تعيين، وفرق بينه وبين ما لو نوى مردّداً مع إيكال التعيّين إلى ما بعد، أم لا؟ وجهان:

أظهرهما الثاني؛ لأنّ ذلك لا يُخرجه عن عدم التعيّين.

ودعوى : أنّه إذا نوى الحَجّ بعد ذلك، فقد نوى الحَجّ من الأوّل، وإذا كان ما يعيّنه العُمرة فقد نوى العُمرة من أوّل الأمر.

مندفعة: بأنّه إذا كان ما يشير إليه في النيّة متحقّقاً خارجاً حين النيّة، كما لو نوى ما يجبُ عليه فعلاً تَمّ ذلك.

وأمّا إذا كان غير متحقّق، وتحقّقه إنّما يكون باختياره وتعيينه، وأنّ له أن يعيّن الحَجّ مثلاً أو العُمرة، وله أن لا يعيّن شيئاً، فلا يكون ذلك تعييناً له من الأوّل، بل هو تعيين له من حينه وهو غير كافٍ .

ويدلّ على ذلك: خبر أبان المتقدّم، فقد سأل الإمام عن كيفيّة النيّة فيما لو كان متردّداً في أن يتمتّع أو يحجّ ، وأمره عليه السلام بأن ينوي المتعة، وأنّه إنْ أدرك يكون متمتّعاً وإلّا ينقلب ويصبح حجّاً، ولو كان ذلك كافياً لأشار عليه السلام إليه.7.

ص: 53


1- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/657.

واستدامتها حُكماً.

وعليه، فالأظهر عدم كفاية ذلك، مع أنّه لم يظهر فرقٌ بين ما لو نوى مردّداً مع إيكال التعيّين إلى ما بعد، وبين ما لو نوى مطلقاً مع إيكال التعيّين إلى ما بعد.

استدامة النيّة

الأمر الرابع: لا يجب في النيّة قصد الوجه من الوجوب أو الندب، لما حُقّق في محلّه وأشرنا إليه في مبحث نيّة الصلاة في هذا الشرح(1)، كما لا خلاف في أنه لا يعتبر فيها التلفّظ.

ويشهد له: - مضافاً إلى الأصل - صحيح حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قلت له: إنّي اُريد أن أتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ فكيف أقول ؟ فقال عليه السلام: تقول: اللّهُمَّ إنّي اُريد أن أتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ على كتابك وسُنّة نبيّك، وإنْ شئت أضمرت الذي تريد»(2).

ونحوه خبر أبي الصباح المتقدّم.

واحتمال إرادة الإسرار في التلفّظ من الإضمار، خلاف الظاهر.

وبهما يُرفع اليد عن ظهور الأمر في جملة من النصوص بالتلفّظ في الوجوب، ويُحمل على الاستحباب، وبذلك يمتاز الحَجّ عن سائر العبادات، فإنّه لا يستحبّ التلفّظ بما ينوي ويعزم عليه في غير الحَجّ من العبادات، وسيأتي زيادة توضيح لذلك، كما لا يعتبر الإخطار بالبال، بل يكفي الداعي المُحرّك.

فرع: وهل يعتبر استدامه النيّة، كما في المتن، حيث قال بعد أن ذكر أنّ الواجب في الإحرام النيّة (واستدامتها حُكماً) أم لا؟

ص: 54


1- فقه الصادق: ج 7/13.
2- الكافي: ج 4/332 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/342 ح 16464.

أقول: في العبادات مطلقاً ومنها الحَجّ ، كما يعتبر النيّة حدوثاً كذلك تعتبر بقاءً واستدامة، غاية الأمر أنّ من فسّر النيّة بالإرادة التفصيليّة يرى أنّه يعتبر استدامة النيّة حُكماً، ومن يفسّرها بالداعي المحرّك نحو الفعل يقول باعتبار استدامتها حقيقةً ، وسِرّه واضح.

وأمّا في المقام فبالنسبة إلى الحَجّ أو العُمرة يعتبر استدامة النيّة، لأنّهما عبادتان، فلابدّ وأن يقع كلّ جزء منه عن النيّة.

وأمّا في الإحرام فقد مرّ أنّه عبارة عن الالتزام بترك المحرّمات، فحين النيّة لابدّ وأن ينوي ترك المحرّمات إلى آخر إحرامه، ويلتزم بذلك، ولكن بعد تحقّقه حيث حكم الشارع ببقائه، وأنّه لا يخرج من الإحرام إلّابالمحلّ ، بل لو فعل جميع المحرّمات لا ينتقض إحرامه، فلا يعتبر فيها استدامة العزم على ترك محرماته، بل لو عزم على الفعل وفَعَل، يبقى على إحرامه، فاستدامة النيّة بهذا المعنى غير معتبرة.

لو أحرم بنُسُكٍ ثمّ نَسيه

الأمر الخامس: قال المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1): (لو أحرم بنُسُكٍ ثمّ نسيه تخيّر بين الحَجّ والعُمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما).

وقال الشيخ في «المبسوط»(2): (لأنّه قبل الإحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء، فمع عدم علم التعيّين، يستمرّ هذا الجواز عملاً باستصحاب الحال، ولأنّه لو أحرم بالحَجّ جاز له فسخه إلى العُمرة على ما تقدّم).

ص: 55


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/235-236.
2- المبسوط: ج 1/317.

وقال الشيخ في «الخلاف»(1): (يجعله عُمرةً - إلى أن قال - أمّا لو تعيّن أحدهما عليه فالوجه انصرافه إليه) انتهى ، ونحوه ما في «المنتهى»(2).

وبما أفتى به في الكتابين أفتى المحقّق في «الشرائع»(3) والشهيدان(4) وغيرهم.

أقول: ومحصّل ما ذكروه في وجه التخيّير في صورة عدم تعيين أحدهما عليه وجوه:

أحدها: أنّه قبل الإحرام كان له الإحرام بأيّ النسكين شاء، ويستمرّ هذا الجواز عملاً بالاستصحاب.

وفيه: أنّه بالإحرام بكلّ منهما معيّناً يتعيّن ذلك، ويتبدّل الموضوع، وهو مانعٌ عن إجراء الاستصحاب.

ثانيها: أنّه لو أحرم بالحَجّ جاز له فسخه إلى العُمرة.

وفيه: أنّه أخصّ من المدّعى، فإنّه لا يستلزم جواز الصَّرف إلى الحَجّ .

ثالثها: ما عن «كشف اللّثام»(5)، قال: (لعدم الرجحان، وعدم جواز الإحلال بدون النُسك، إلّاإذا صُدّ أو أحصر، ولا جمع بين النسكين في إحرام) انتهى .

وفيه: إنّ عدم الرجحان، وعدم جواز الإحلال بدون النسك، لا يقتضيان تعلّق الخطاب بخصوص ما يختاره وصحّته على ما أختاره.

رابعها: اقتضاء العقل التخيّير، لإجمال المكلّف به، وعدم طريقٍ إلى امتثاله.7.

ص: 56


1- الخلاف: ج 2/290-291.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/675.
3- شرائع الإسلام: ج 1/181.
4- الدروس: ج 1/346، مسالك الأفهام: ج 2/233.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/257.

وفيه أوّلاً: أنّه بعد العلم الإجمالي بوجوب إتمام إحداهما، حيث إنّه يتمكّن من الموافقة القطعيّة بالامتثال الإجمالي، مثلاً لو تردّد المنوي بين العُمرة المفردة والحَجّ الإفرادي، عليه أن يقوم بأعمال الحَجّ أوّلاً ثمّ يأتي مكّة فيأتي بأعمالها بنيّته المردّدة بين الحَجّ والعُمرة، ولو تردّد بين العُمرة المفردة والعُمرة المتمتّع بها ينحلّ العلم الإجمالي إلى علمٍ تفصيلي - بموجب إتيان أعمال العُمرة بقصد ما نوى - وشكّ بدوي في وجوب الحَجّ بعدها، فيأتي بأعمال العُمرة بنيّة مردّدة بينهما، ولا يجبُ بعده الحَجّ .

وبالجملة: فطريق الامتثال الإجمالي موجودٌ، فيجب بحكم العقل. نعم، لايجزي ذلك عقلاً ولا تفرغ به الذمّة.

وعليه، فربما يُدّعى أنّ المُسلّم عندهم أنّه إذا لم يكن العمل ممّا يجتزئ به في مقام الامتثال، جاز رفع اليد عنه وإبطاله، ولذا من شكّ في أنّه نوى الظهر أو العصر إنْ كان يتمكّن من إتمام ما بيده بقصد ما دخل فيه، ولكن من جهة عدم الاجتزاء به في مقام الامتثال بنوا على جواز رفع اليد عنه وإبطاله، فإنْ ثبت ذلك في المقام، يحكم بجواز رفع اليد عنه، وإلّا فلا.

وثانياً: أنّه إذا لم يمكن تحصيل العلم بالامتثال وإحرازه، يسقط الخطاب ولا مجال للحكم بالتخيّير.

ولو قيل: إنّ التحليل متوقّفٌ على اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل، وإلّا كان محرماً أبداً، فهو ليس من التخيّير على نحو الابتداء، لعدم خطاب به، بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف.

أقول: ذكروا في وجه تعيّن الصرف إلى ما يجب عليه، إذا كان الواجب أحدهما، بأنّه الظاهر من حلّ المكلّف الإتيان بما هو فرضه، خصوصاً مع العزم المتقدّم على

ص: 57

الإتيان بذلك الواجب.

وفيه: لا دليل على حجيّة هذا الظهور وكاشفيّته عن قصد المفروض.

واستدلّ للصرف إلى ما يتعيّن عليه، إنْ كان يصحّ منه أحدهما دون الآخر، بأصالة الصحّة.

ولكن لو سُلّم جريان أصالة الصحّة في فعل الإنسان نفسه، فإنّه يتوقّف جريانها على إحراز العنوان الذي يكون موضوعاً للصحّة والفساد، ولا تجزي مع الشكّ فيه.

أقول: والحقّ في المقام أن يقال:

تارةً : يصحّ أحدهما دون الآخر.

واُخرى : يصحان معاً، ولكن يجب عليه أحدهما دون الآخر.

وثالثة: يصحّان معاً ولا يجب قبل الإحرام شيءٌ منهما.

أمّا في الصورة الاُولى : فيشكّ في أنّ ما أتى به الى الآن هل وقع صحيحاً أم لا؟ فإنّه إنْ كان قَصَد به العنوان الذي يصحّ منه، فقد صحَّ وإلّا بطل، فيجري قاعدة التجاوز، للشكّ في الصحّة والفساد، ويحكم بصحّة ماأتى به، وينوي بعد ذلك مايصحّ منه، وبضمّ الوجدان إلى القاعدة يُحرز الموضوع، وعلى هذا بنينا على أنّ من شكّ في أنّ ما بيده ظهرٌ أو عصر، وكان قد صَلّى الظهر يبني على أنّه عصر ويتمّ ما بيده كذلك.

وأمّا الصورة الثانية: فإنْ قلنا بأنّه مع تعيّن أحدهما عليه لا يصحّ الآخر، فالحكم كما في الصورة الاُولى ، وإنْ قلنا بأنّه يصحّ وإنْ عَصى بترك الواجب، فإنْ كان الواجب ممّا يجوز العدول إليه، كما لو كان هو العُمرة المتمتّع بها، واحتمال الإتيان

ص: 58

بحجّ الإفراد، يعدل بنيّته إلى ما وجب عليه، فإنّه إنْ كان متمتّعاً فقد وافق، وإنْ كان حاجّاً فالعدول منه إلى غيره جائز.

وإنْ كان ممّا لا يجوز العدول إليه، فلا يكون مورداً لقاعدة التجاوز ولا أصالة الصحّة، لأنّهما من القواعد التي نرجع إليها عند الشكّ في الصحّة والفساد، وأمّا إذا كان صحيحاً على التقديرين، فلا تكونان جاريتين، وظهور حال المسلم قد عرفت ما فيه.

وعلى هذا فيمكن أن يقال: إنّه يحصل له علمٌ إجمالي بوجوب الإتيان ببقيّة الأعمال بالعنوان الذي قصده المردّد بين عنوانين، فإنّ المستحبّ أيضاً مع الشروع فيه يجب إتمامه، وحيثُ أنّ أحد طرفي العلم الإجمالي وهو خصوص الواجب عليه بالأصالة كان واجباً من الأوّل، فيجري فيه الاستصحاب، فلا مانع من جريان أصالة البراءة عن وجوب الإتمام بالعنوان الآخر، فيتمّه بقصد ما يجبُ عليه، ولكنّه لايجتزي به، إذ الأعمال السابقة مشكوكٌ عنوانها، ولو أراد الاحتياط بالنحو المتقدّم لا مانع منه.

وبالجملة: بما ذكرناه ظهر حكم ما إذا كانا معاً قبل الشروع مستحبّين، وهي الصورة الثالثة، فإنّه بعد الشروع يجب إتمامه، فإذا تردّد بين عنوانين، فإن كان العدول من أحدهما إلى الآخر جائزاً، كما في الرجوع من حَجّ الإفراد الى العُمرة المتمتّع بها يعدل إليه، ويجعل ما بيده عُمرة يتمتع بها إلى الحَجّ كما مرّ، وإلّا فيحصل له العلم الإجمالي بوجوب أحد العنوانين، وأصالة البراءة عن وجوب كلّ منهما تعارض أصالة البراءة عن وجوب الآخر فتتساقطان، فلابدّ له من الاحتياط بالنحو المتقدّم، حتّى إذا ثبت قاعدة جواز رفع اليد عن العمل الذي لايجتزي به في

ص: 59

مقام الامتثال، فإنّها لا تشمل المقام الذي لو احتاط يكون امتثالاً لأمر ندبي، وإنّما هي في الواجب كما لايخفى .

كما أنّه ظهر حكم ما لو كانا واجبين، كما لو كان عليه حَجّ التمتّع، ونذر الإتيان بحَجّ الإفراد أيضاً، بناءً على ما تقدّم من أنّه لو ترك حَجّة الإسلام وأتى بالمنذور صحّ بالترتيب.

عدم كفاية نيّة واحدة للعمرة والحَجّ

الأمر السادس: ولو أحرم للحَجّ والعُمرة، ففيه أقوال:

القول الأوّل: أنّه لا يقع لشيء منهما ويكون باطلاً، ذهب إليه المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1) و «التذكرة»(2)، وصاحب «الحدائق»(3)، وعن «المسالك»(4)و «المدارك»(5) وغيرهما.

القول الثاني: أنّه يصحّ ، وأنّه يجب عليه العُمرة أوّلاً ثمّ الحَجّ ، وأنّه لا يحلّ من العُمرة بعد الإتيان بأفعالها، وإنّما يحلّ بعد الإتيان بأفعال الحَجّ ، نُسب ذلك إلى ابن أبي عقيل(6) وجماعة(7).

القول الثالث: ما في «الشرائع»(8) من أنّه لو كان في أشهر الحَجّ بطل، ولزم

ص: 60


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/676.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/237.
3- الحدائق الناضرة: ج 15/31-32.
4- مسالك الأفهام: ج 2/211.
5- مدارك الأحكام: ج 7/260.
6- حكاه عنه في المعتبر: ج 2/800.
7- المدوّنة الكبرى: ج 1/378، الفتاوى: ج 1/237.
8- شرائع الإسلام: ج 1/180-181.

التجديد، وإنْ كان في غيرها صَحَّ عُمرة مفردة.

القول الرابع: أنّه يصحّ فإن كان في أشهر الحَجّ ، كان مخيّراً بين الحَجّ والعُمرة إذا لم يتعيّن أحدهما، وإلّا كان للمتعيّن، وإنْ كان في غير أشهر الحَجّ تعيّن للعمرة المفردة، نُسب ذلك إلى «الخلاف»(1) و «المبسوط»(2) و «كشف اللّثام»(3).

أقول: وجه القول الأوّل ظاهرٌ، فإنّ الإحرام جزءٌ لكلٍّ من النسكين، فإذا أحرم ونوى بإحرامه الحَجّ والعُمرة، بأن يكون إحرامه الشخصي لكلّ منهما، فهو يكون قد نوى لغير المشروع، فلا يصحّ من هذه الجهة.

وإنْ شئت قلت: إنّ المأمور به إذا كان فردين، يكون الإتيان بفردٍ واحد لهما واضح البطلان، نظير ما لو كَبّر لصلاتين.

وأيضاً: استدلّ للصحّة والتخيّير بينهما إذا كان في أشهر الحَجّ ولم يتعيّن أحدهما، والصرف إلى العُمرة المفردة لو كان في غيرها:

بأنّهما إذا لم يدخلان في حقيقة الإحرام، فكأنّه نوى أن يحرم ليوقع بعد ذلك النسكين، وليس فيه شيء، وإن عزم على إيقاعهما في هذا الإحرام، وإنْ لم يكن في أشهر الحَجّ ، هكذا يحكي عن «كشف اللّثام»(4).

وحاصله: أنّ الإحرام حقيقة واحدة، فإذا وقع على وجه العبادة صَحَّ وترتّب عليه أثره.

وفيه أوّلاً: ما عرفت من دخوله في كلّ من النُسكين.

وثانياً: على فرض كون النسكين غايتين له، الذي دلّ الدليل على مشروعيّة

(4)7.

ص: 61


1- الخلاف: ج 2/259.
2- المبسوط: ج 1/316. (3و4) كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/257.

الإحرام لغاية الحَجّ خاصّة، ولغاية العُمرة كذلك، والإحرام لهما معاً لم يدلّ دليلٌ على مشروعيّته، والأصل عدمها.

وإلى هذا يرجع ما عن «المسالك» و «المدارك» من أنّ العبادات توقيفيّة، ولم يثبت عن الشارع مثل ذلك.

وأيضاً: استدلّ للصحّة عُمرةً إذا كان في غير أشهر الحَجّ ، بأنّ الحَجّ لمّا لم يمكن في غيرها، لم يكن التعرّض له إلّالغواً محضاً، بل خطأ.

وفيه: إنّ اللّغوية والخطئيّة لا تنافي البطلان، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه كما مرّ.

وأيضاً: ما عن ابن أبي عقيل وتابعيه، فقد استدلّ له بنصوصٍ :

منها: صحيح يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام، فقلت: كيف ترى لي أن أهلّ؟ فقال: إنْ شئت سمّيت وإنْ شئت لم تُسمّ شيئاً.

فقلت له: كيف تصنع أنت ؟ قال: أجمعهما فأقول لبّيك بحَجّة وعُمرة معاً»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام، قال: «إنّ عثمان خرج حاجّاً، فلمّا صار إلى الأبواء أمر مُنادياً ينادي في الناس اجعلوها حَجّة ولا تمتّعوا. فنادى المنادي في النّاس اجعلوها حَجّة ولا تمتّعوا - إلى أن قال - فلمّا انتهى المنادي إلى عليّ عليه السلام وكان عند ركائبه يلقمها خبط ودقيقاً، فلمّا سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان، وقال: ما هذا الذي أمرتَ به ؟ فقال: رأيٌ رأيته. فقال: واللّه لقد أمرتَ بخلاف رسول صلى الله عليه و آله، ثمّ أدبر موليّاً رافعاً صوته لبّيك بحَجّة وعُمرة معاً، الحديث»(2).6.

ص: 62


1- تهذيب الأحكام: ج 5/88 ح 99، وسائل الشيعة: ج 12/343 ح 16466.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/85 ح 90، وسائل الشيعة: ج 12/350 ح 16486.

وفيه: إنّ هذه النصوص لا علاقة لها بما هو محلّ الكلام، بل موردها حجّ التمتّع الذي دخل العُمرة فيه الى يوم القيامة، والمقصود الإحرام بعُمرةٍ وقصد إنشاء الحَجّ بعدها فإنّهما عبارة واحدة.

أقول: وفيها طائفتان أُخريان:

الاُولى: فيها نيّة العُمرة خاصّة:

1 - صحيح البزنطي المتقدّم، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل متمتّعٍ كيف يصنع ؟ قال: ينوي العُمرة ويحرم بالحَجّ »(1).

2 - وخبر إسماعيل الجُعفي، قال: «خرجتُ أنا وميسر واُناسٍ من أصحابنا، فقال لنا زرارة: لبّوا بالحَجّ . فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام فقال له: أصلحك اللّه إنّا نُريد الحَجّ ونحن قوم صرورة، أو كلنّا صرورة، فكيف نصنع ؟ فقال: لبّوا بالعُمرة. فلمّا خَرجنا قَدِم عبد الملك بن أعين، فقلت له: ألا تعجبَ من زرارة قال لنا: لبّوا بالحَجّ ، وإنّ أبا جعفر عليه السلام قال لنا: لبّوا بالعُمرة ؟

فدخل عليه عبد الملك بن أعين فقال له: إنّ اُناساً من مواليك أمرهم زرارة أن يلبّوا بالحجّ عنك، وإنّهم دخلوا عليك فأمرتهم أن يلبّوا بالعُمرة ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: يريد كلّ إنسانٍ منهم أن يسمع على حِدة، أعدهم عَليّ ، فدخلنا فقال: لبّوا بالحجّ ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لبّى بالحَجّ »(2) ونحوهما غيرهما.

والاُخرى: وفيها الأمر بنية الحَجّ ، منها ذيل خبر الجعفي، ومنها غير ذلك.

ولذا قال الشهيد في محكي «الدروس»(3): (وروى زرارة: أنّ المتمتّع يهلّ 6.

ص: 63


1- تهذيب الأحكام: ج 5/80 ح 72، وسائل الشيعة: ج 12/351 ح 16487.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/87 ح 98، وسائل الشيعة: ج 12/349 ح 16482.
3- الدروس: ج 1/346.

بالحجّ ، فإذا طاف وسعى وقصّر، أهلَّ بالحجّ ، وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام:

«دَخَلَتِ العُمرة في الحَجّ إلى يوم القيامة». وروى إسحاق بن عمّار بنيّة المتعة. وروى الحلبي أنّ عليّاً عليه السلام قال: «لبّيك بحجّة وعُمرة معاً»، وليس ببعيد إجزاء الجميع، إذ الحَجّ المنويّ هو الذي دخلت فيه العُمرة، فهو دالٌّ عليه بالتضمّن، ونيّتهما معاً باعتبار دخول الحَجّ فيها. والشيخ قدس سره بالغ في الاقتصار على نيّة المتعة، والإهلال بها، وتأويل الأخبار المعارضة لها) انتهى .

وفي «الجواهر»(1): (لا ريب في أنّ المتّجه جواز الجميع عملاً بجميع النصوص، المراد منها جميعاً الإشارة إلى نيّة حَجّ التمتّع، ولكن بعبارات متعدّدة، منها الإهلال بالحَجّ مضمراً التمتّع، ومنها الإهلال بعُمرة التمتّع، ومنها الإهلال بحجّة وعُمرة معاً) انتهى .

فالمتحصّل: أجنبيّة هذه النصوص عمّا هو محلّ الكلام، والأظهر فيما نحن هو البطلان، كما أفتى به الأساطين.

حكم النيّة المُبهمة

الأمر السابع: قال في «التذكرة»(2): (يصحّ إبهام الإحرام، وهو أن يحرم بما أحرم به فلان، فإنْ علم ما أحرم به فلان انعقد إحرامه مثله) انتهى

ونحوه في «المنتهى»(3)، وهو المحكيّ عن الشيخ(4).

ص: 64


1- جواهر الكلام: ج 18/210.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/234.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/675.
4- الخلاف: ج 2/290، المبسوط: ج 1/316.

أقول: ومحلّ الكلام ما إذا لم يعلم حين النيّة أنّ فلاناً بماذا أحرم، وإلّا فلا خلاف ولا إشكال في الصحّة.

واستدلّ للصحّة: فيما هو محلّ الكلام بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في حَجّة الوداع، أنّه صلى الله عليه و آله قال: يا عليّ بأيّ شيء أهللت ؟ فقال: أهللتُ بما أهل به النبيّ صلى الله عليه و آله»(1).

ونحوه صحيح معاوية، إلّاأنّ فيه أنّه قال: «قلت: إهلالاً كإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله»(2).

ونحوهما مرسل الفقيه(3).

ولكن يرد على الاستدلال بها من جهات عديدة:

الجهة الاُولى: أنّ التمتّع إنّما شرّع في حَجّة الوداع، وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه و آله إلى مكّة، وقبله كان المشروع خصوص حَجّ الإفراد والقِران اللّذين هما حقيقة واحدة، والفرق إنّما هو في سياق الهدي، فلم يكن إجمالٌ في إحرامه، كما أنّ المسلمين بأجمعهم أحرموا كإحرام رسول صلى الله عليه و آله، فالمقصود من قوله (إهلالاً كإهلال) في مقابل إهلال الجاهليّة.

الجهة الثانية: إنّ عليّاً عليه السلام لعلّه كان عالماً بإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله، وكان قد ساق الهدي وأهلّ بالقِران، كما يشهد به صحيح معاوية المتضمّن أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ساق أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين بدنة، وأنّ عليّاً عليه السلام جاء بأربع وثلاثين أو ست وثلاثين.

الجهة الثالثة: أنّ المذكور في صحيح الحلبي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ساق مائة بدنة، وبعد أن جاء عليٌّ من اليمن، وقال: (أهللتُ كإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله) أشركه في هديه. وهذا8.

ص: 65


1- الكافي: ج 4/248 ح 6، وسائل الشيعة: ج 11/222 ح 14657.
2- الكافي: ج 4/245 ح 4، وسائل الشيعة: ج 11/213 ح 14647.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/236 ح 2288، وسائل الشيعة: ج 11/231 ح 14668.

- مضافاً إلى كونه مخالفاً لما تضمّنه حديث معاوية - لا يمكن تصحيحه إلّابالالتزام بأنّ ذلك من مختصّاته، فإنّه مع عدم سياق الهدي كيف يشترك في الهدي، وكيف يصير حَجّه قِراناً!؟

وربما يستدلّ للصحّة: بأنّ ذلك نوع تعيين ولا بأس به، إنْ لم يكن إحرام فلان متأخّراً، بل كان متقدّماً أو مقارناً، فإنّه لما أحرم واقعاً معيناً، وهذا ينوي ذلك المعنون بعنوانٍ خاص، فيكون ذلك تعييناً إجماليّاً، وهذا بخلاف ما إذا لم يحرم فلان، فإنّه حينئذٍ من قبيل ما لو أحرم ونوى ما يعينه فيما بعد، الذي عرفت أنّ الأقوى فيه عدم الكفاية، وأمّا إذا كان إحرامه مقدّماً أو مقارناً، فله واقع محفوظ وهوناً ولذلك العنوان إجمالاً، ولعلّ إحرام أكثر العوام على هذا النحو، فإنّهم يحرمون كما يحرم غيرهم ممّن يعرفونه بالمعرفة.

وعلى هذا، فإنْ علم بعد ذلك بما أحرم به فلانٌ فلا كلام، وإنْ بقي على تردّده فإنْ علم أنّه قد أتى بما هو وظيفته الفعليّة اجتزأ به، وإن لم يحرز ذلك، فالأظهر عدم الاجتزاء به في مقام الامتثال.

اشتراط الإحلال

الأمر الثامن: قال في «التذكرة»(1): (ينبغي للمُحرِم أن يشترط على رَبّه حالة الإحرام، فإذا اشترط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متى مَرِض أو ضاعت نفقته، أو نفدت، أو منعه ظالم أو غير ذلك، فإنّه يحلّ متى وجد ذلك المانع) انتهى .

وفي «المستند»(2): (لا خلاف في استحبابه، أي استحباب أن يشترط حين إحرامه أن يحلّه من إحرامه حيث منعه مانعٌ من الإتمام، وأن يتمّه عُمرة إنْ لم يتيسّر

ص: 66


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/396.
2- مستند الشيعة: ج 11/286.

له حَجّة، كما صرّح به غير واحدٍ، بل صرّح جماعة بالإجماع أيضاً) انتهى .

أقول: ويشهد للجواز والاستحباب جملةٌ من النصوص:

منها: خبر فضيل بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المعتمر عُمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه، ومُفرِد الحَجّ يشترط على ربّه إن لم تكن حَجّة فعُمرة»(1).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يشترط في الحَجّ كيف يشترط؟ قال عليه السلام: يقول حين يريد أن يحرم: أن حَلّني حيث حبستني، فإنْ حبستني فهي عُمرة»(2).

وصحيحي ابن سنان ومعاوية المتقدّمين.

واختلفوا في فائدة هذا الشرط - بعد الاتّفاق على أنّه حَلّ إذا حبس، اشترط أو لم يشترط، كما نطقت به جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«هو حَلّ إذا حبسه اشترط أو لم يشترط»(3). ونحوه غيره - على أقوال:

القول الأوّل: ما عن المرتضى(4)، والحِلّي(5)، ويحيى بن سعيد(6)، والمصنّف في حصر «التحرير»(7) و «التذكرة»(8) و «المنتهى»(9) و «القواعد»(10)، وغيرهم، من4.

ص: 67


1- الكافي: ج 4/335 ح 15، وسائل الشيعة: ج 12/354 ح 16496.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/81 ح 77، وسائل الشيعة: ج 12/354 ح 16495.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/80 ح 75، وسائل الشيعة: ج 12/357 ح 16502.
4- الإنتصار: ص 258.
5- السرائر: ج 1/534 و 640.
6- الجامع للشرايع: ص 222.
7- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 2/81.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/396.
9- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/849.
10- قواعد الأحكام: ج 1/454.

سقوط الْهَدْي، بل عن انتصار الأوّل(1) دعوى الإجماع عليه.

القول الثاني: ما عن «المبسوط»(2) و «الخلاف»(3)، و «المهذّب»(4) في المحصور، و «الوسيلة»(5) في المصدود، واختاره في «الشرائع»(6) و «الجواهر»(7)، من تعجيل التحلّل وعدم انتظار بلوغ الْهَدْي محلّه.

القول الثالث: ما عن الشيخ في «التهذيب»(8)، من سقوط الحَجّ من قابل.

القول الرابع: ما عن الشهيد الثاني(9) في جملةٍ من مصنّفاته، وفي «العروة»(10)، من أنّ فائدته إدراك الثواب.

القول الخامس: ما في «كنز العرفان»(11) من أنّ فائدته لزوم التحلّل، إذ بدونه يعدّ التحلّل رخصة.

وعليه، فالكلام يقع في موضعين:

الموضع الأوّل: هل يسقط الهَدي به أم لا؟ وقد استدلّ للسقوط بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع.8.

ص: 68


1- الإنتصار: ص 258.
2- المبسوط: ج 1/323.
3- الخلاف: ج 2/425.
4- المهذّب: ج 1/270-271.
5- الوسيلة: ص 194.
6- شرائع الإسلام: ج 1/182.
7- جواهر الكلام: ج 18/262.
8- تهذيب الأحكام: ج 5/81.
9- مسالك الأفهام: ج 2/243.
10- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/662.
11- كنز العرفان: ج 1/288.

وفيه: - مضافاً إلى عدم ثبوته كما عرفت - أنّه على فرض ثبوته لعدم كونه تعبّديّاً لا يُعتنى به.

الوجه الثاني: أنّه لا فائدة له سواه.

وفيه: أنّ العبادة وكذا جزؤها لا يعتبر في الأمر بها ترتّب فائدة دنيويّة عليها.

الوجه الثالث: صحيح ذريح المحاربي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجلٍ متمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ، وأُحصر بعدما أحرم، كيف يصنع ؟

قال: فقال عليه السلام: أو ما اشترط على رَبّه قبل أن يحلّه من إحرامه عند عارضٍ عرض له من أمر اللّه تعالى؟

فقلت: بلى قد اشترط ذلك. قال عليه السلام: فليرجع إلى أهله حلالاً لا إحرام عليه، إنّ اللّه تعالى أحقّ من وفّى بما اشترط عليه. قلت: أفعليه الحَجّ من قابل ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

وصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرمٍ انكسرت ساقه، أيّ شيء تكون حاله، وأيّ شيء عليه ؟ قال عليه السلام: هو حلال من كلّ شيء. فقلت: من النساء والثياب والطيب ؟ فقال عليه السلام: نعم من جميع ما يحرم على المُحرِم، ثمّ قال: أوَ ما بلغك قول أبي عبد اللّه عليه السلام: حَلّني حيث حبستني لقدرك الذي عَليّ؟ قلت: أخبرني عن المحصور والمصدور هما سواء؟ فقال عليه السلام: لا»(2).

بدعوى: أنّ السكوت في الصحيحين عن الهَدي ظاهرٌ في سقوطه.4.

ص: 69


1- تهذيب الأحكام: ج 5/81 ح 78، وسائل الشيعة: ج 12/356 ح 16501.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/464 ح 268، وسائل الشيعة: ج 13/179 ح 17524.

قال صاحب «الجواهر»(1): (بل من الأخير يستفاد الاستدلال بكلّ ما دلّ على مشروعيّة الشرط المزبور، بناءً على إفادته ذلك)، ثمّ أيّد ذلك رحمه الله بأنّ الشرط ظاهر في ذلك، فإنّ مضمونه فسخ الإحرام وجعله كأن لم يكن، فلا يتحقّق اقتضاء للهَدي كي يجب عليه.

لكن أورد صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله على هذا الوجه:

1 - بأنّ عدم بيان وجوب الهَدي لعلّه من جهة الاتّكال على الآية وغيرها، وبأنّ الشرط ليس ظاهراً في تحليل خاص لا يحتاج معه إلى هَدي ولا غيره، بل المراد به التحلّل من إحرامه بمحلّله الشرعي.

2 - وبأنّ صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام خرج معتمراً فمرض في الطريق، فبلغ عليّاً عليه السلام وهو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السُقيا وهو مريض، فقال عليه السلام يابُنيّ ما تشتكي ؟ فقال عليه السلام: أشتكي رأسي، فدعا عليّ عليه السلام ببدنةٍ فنحرها، وحَلَق رأسه، وردّه إلى المدينه، فلمّا برأ من وجعه اعتمر، الحديث»(1).

بناءً على أنّه عليه السلام اشترط باعتبار كونه مستحبّاً فلا يتركه الحسين عليه السلام.

وصحيح رفاعة، عنه عليه السلام: «خرج الحسين معتمراً وقد ساق بدنةً حتّى انتهى إلى السُقيا، فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه، ثمّ أقبل حتّى جاء فضرب الباب. فقال عليّ عليه السلام: ابني ورَبّ الكعبة، افتحوا له الباب وكان قد حموه الماء فأكبّ عليه فشرب ثمّ اعتمر بعد»(2).6.

ص: 70


1- تهذيب الأحكام: ج 5/421 ح 111، وسائل الشيعة: ج 13/178 ح 17523.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/516 ح 3107، وسائل الشيعة: ج 13/186 ح 17536.

بتقريب: أنّه لابدّ من حمل قوله: (ساق بدنة) فيه على سوقها لا على كونه حجّ قِران، وإلّا كان الواجب البعث للنحر لا النحر في محلّه، والخبران يدلّان على عدم سقوط الهَدي، فإنّه متى شرع النحر تحليلاً، فقد نافى السقوط إذ احتمال سقوط الواجب خاصّة لم نعرفه قولاً لأحدٍ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه.

يرد على ما أفاده أوّلاً: أنّ احتمال عدم بيان وجوب الهَدي اتّكالا على الآية بعيدٌ جدّاً، إذ معه لما كان مورداً للسؤال، مع أنّ حكم المحصور المذكور في الآية الكريمة قرينة على أنّ السؤال إنّما هو عن وظيفته، وظاهر الجواب بيان تمام تلك، ويؤكّد ذلك سؤاله في الصحيح الثاني عن ما هو عليه.

وإنْ شئت قلت: إنّ مورد الصحيحين أخصّ من مورد الآية الكريمة، فإنّ الآية تدلّ على أنّ المحصور لا يحلّ ما لم يبلغ الهَدي محلّه، والصحيحان يدلّان على أنّه في مورد الشرط خاصّة يحلّ بدون ذلك.

ويرد على ما أفاده ثانياً: أنّ الظاهر من الشرط فسخ الإحرام، وجعله كأن لم يكن كما مرّ، لا التحليل بالمحلّل الشرعي، فإنّه لا يحتاج إلى الشرط.

أقول: وأمّا الصحيحان المذكوران في كلامه، فيرد على الاستدلال بهما: أنّهما غير ظاهرين في صورة الاشتراط، وتركه عليه السلام للمستحبّ لا مانع عنه، ولا يكون منافياً لمقدمه، مع أنّ ظاهر الثاني منهما كون مورده السائق للهدي، ومحلّ الكلام من لم يسق الهدي.

وأمّا السائق فقد قال عنه فخر المحقّقين رحمه الله(1): (إنّه لا يسقط عنه بإجماع الاُمّة، وعليه فإنْ كان موردهما واقعة واحدة فهما غير ما نحن فيه، وإلّا فخصوص الثاني).7.

ص: 71


1- إيضاح الفوائد: ج 1/327.

وبما ذكرناه ظهر مدرك القول الثاني، فإنّه استدلّ له بالصحيحين، أي صحيح معاوية، وصحيح رفاعة، بدعوى أنّ موردهما الاشتراط وغير سياق الهدي، وقد نحر عليه السلام في ذلك المكان وأحَلّ ، فيدلّان على أنّ فائدة الشرط تعجيل التحلّل، وعدم انتظار بلوغ الهدي محلّه، وقد مَرّ ما فيه.

وأيضاً: استدلّ له مضافاً إلى ذلك، بما عن جامع ابن سعيد(1)، عن كتاب المشيخة لابن محبوب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ خرج معتمراً فاعتلّ في بعض الطريق وهو مُحرم ؟ قال عليه السلام: ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله، ولا يقرب النساء. فإنْ لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، فإذا برئ من وجعه اعتمر إنْ كان لم يشترط على رَبّه في إحرامه، وإنْ كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر».

ويرد عليه: أنّ ابن سعيد الذي هو الراوي الوحيد له لم يعمل به، وقد نُسب إليه القول الأوّل، وعليه فهو غير صحيح.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر هو السقوط، لصحيحي البزنطي والمحاربي.

الموضع الثاني: في بيان أنّه هل عليه الحَجّ من قابل أم لا؟ فقد استدلّ للسقوط:

1 - بصحيح ضُريس بن أعين، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتّعاً بالعُمرة إلى الحَجّ ، فلم يبلغ مكّة إلّايوم النحر؟ قال عليه السلام: يُقيم على إحرامه، ويقطع التلبية حين يدخل مكّة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إنْ شاء، وقال: هذا لمن اشترط على رَبّه عند إحرامه، فإنْ لم يكن اشترط فإنّ عليه الحَجّ من قابل»(2).9.

ص: 72


1- الجامع للشرايع ص 222-223.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/295 ح 38، وسائل الشيعة: ج 14/49 ح 18559.

2 - وبما في ذيل صحيح ذُريح المحاربي المتقدّم: (قلت: فعليه الحَجّ من قابل ؟ قال عليه السلام: لا).

ولكن يرد على الأوّل: ما في «الجواهر»(1) من أنّ الحَجّ الفائت إنْ كان واجباً لم يسقط فرضه في العام القابل بمجرّد الاشتراط بلا خلافٍ ، وإنْ لم يكن واجباً لم يجب بترك الاشتراط بلا خلافٍ أيضاً، فالصحيح معرض عنه عند الأصحاب، أضف إليه أنّ مورده المتمتّع الذي لم يدرك الوقوفين، فلا وجه للتعدّي منه إلى المقام.

وأمّا الثاني: فيقابله روايات:

منها: خبر رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر، هل يُجزيه أن لا يحجّ من قابل ؟ قال عليه السلام: يحج من قابل، والحاجُّ مثل ذلك إذا اُحصر»(2).

ومنها: خبر حمزة بن حمران، عنه عليه السلام: «عن الذي يقول حَلّني حيث حبستني ؟ فقال عليه السلام: هو حِلّ حيث حبسه قال أو لم يقل، ولا يسقط الاشتراط عنه الحَجّ من قابل»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يشترط في الحَجّ أن يحلّه حيث حبسه، أعليه الحَجّ من قابل ؟ قال عليه السلام: نعم»(4).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عنه عليه السلام بعد بيان كيفيّة الاشتراط: «فقلت له:

فعليه الحَجّ من قابل ؟ قال عليه السلام: نعم»(5).0.

ص: 73


1- جواهر الكلام: ج 18/266.
2- الكافي: ج 4/371 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/189 ح 17542.
3- الكافي: ج 4/333 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/357 ح 16503.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/80 ح 76، وسائل الشيعة: ج 13/190 ح 17544.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/81 ح 77، وسائل الشيعة: ج 12/356 ح 16500.

وقال صفوان: (وقد روى هذا الحديث عدّة من أصحابنا، كلّهم يقولون: إنّ عليه الحَجّ من قابل).

أقول: ومقتضى الجمع بين هذه النصوص، وبين صحيح المحاربي، أنّ الاشتراط لا يوجبُ سقوط الحَجّ الواجب، والمحصوريّة المانعة من إتمام الحَجّ بنفسها لا توجب وجوب الحَجّ عليه من قابل، كما على ذلك فتوى الأصحاب.

وأمّا ما عن «كنز العرفان» فيدفعه النصوص الدالّة على عدم الفرق بين الاشتراط وعدمه في الحِلّ ، مثل مصحّح زرارة المتقدّم: (وهو حِلّ إذا حبسه، اشترط أو لم يشترط).

وخبر ابن حمران المتقدّم: (هو حِلٌّ حيث حُبس قال أو لم يقل).

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ فائدة الاشتراط زائداً على الثواب وكونه مستحبّاً بنفسه، وهو سقوط الهدي، وأنّه يتحلّل بلا هدي، إلّاإذا كان سائق الهَدي.

والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط، وهو واضح.

نعم، لا يعتبر لفظٌ مخصوص لإطلاق النصوص، لاحظ صحيح المحاربي، وما تضمّن منها لفظ مخصوص وصيغة خاصّة لا مفهوم له، كي يوجب تقيّيد إطلاق المطلق منها.

استحباب التلفّظ بالنيّة

الأمر التاسع: في استحباب أن يتلفّظ الُمحرِم بالنيّة، وقد صرّح به غير واحد، ويشهد به جملة من النصوص:

منها: خبر أبي الصّاح(1) المتقدّم، قال: «أردتُ الإحرام بالمتعة، فقلت لأبي

ص: 74


1- تقدّم سابقاً أنّ الصحيح (أبي الصّبَّاح).

عبداللّه عليه السلام: كيف أقول ؟ قال عليه السلام تقول: اللّهُمَّ إنّي اُريد التمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ على كتابك وسُنّة نبيّك، وإنْ شئت أضمرت الذي تريد»(1).

ونحوه صحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم في مسألة استدامة النيّة.

ومنها: صحيح عبداللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أردت الإحرام والتمتّع، فقل: اللّهُمَّ إنّي اُريد ما أمرتَ به من التمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ ، فيسّر ذلك لي وتقبّله منّي وأعنّي عليه، وحِلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت عَليَّ ، أحرمَ لكَ شَعري وبَشَري من النساء والطيب والثياب»(2). ونحوها غيرها.

وما في هذه النصوص من الأمر بالتلفّظ، يدلّ على الاستحباب، بقرينة ما في ذيل صحيح حمّاد بعد الأمر به: (وإنْ شئت أضمرتَ الذي تريد) كما مرّ، ومثله ما في خبر أبي الصلاح.

قال المصنّف رحمه الله «المنتهى»(3): فرع: (لو اتّقى كان الأفضل الإضمار، روى الشيخ في الصحيح عن أبان بن تغلب، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: بأيّ شيء أهلّ؟ فقال:

لا تُسمّ حَجّاً ولا عُمرة، وأضمر في نفسك المتعة، فإنْ أدركتَ كنت متمتّعاً وإلّا كنت حاجّاً»(4).

وعن منصور بن حازم، قال: أمرنا أبو عبداللّه عليه السلام أن نُلبّي ولا نُسمّي شيئاً، وقال: أصحاب الإضمار أحبّ إلي»(5).8.

ص: 75


1- تهذيب الأحكام: ج 5/79 ح 70، وسائل الشيعة: ج 12/343 ح 16465.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/79 ح 71، وسائل الشيعة: ج 12/341 ح 16463.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/676.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/86 ح 94، وسائل الشيعة: ج 12/349 ح 16483.
5- الكافي: ج 4/333 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/344 ح 16468.

وعن إسحاق بن عمّار: قال: «سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال:

أصحاب الإضمار أحبّ إليّ فلبِّ ولا تُسمّ »(1).

وإنّما قلنا إنّ ذلك على سبيل التقيّة جمعاً بين الأخبار) انتهى .

أقول: ولابأس به، والأولى أن يكون بما تضمّنته النصوص كصحيح ابن سنان المتقدّم وغيره.

***9.

ص: 76


1- وسائل الشيعة: ج 12/344 ح 16469.

والتلبيات الأربع للمتمتّع والمفرِد، وهي والإشعار والتقليد للقارن.

التلبيات الأربع

(و) الثاني من واجبات الإحرام (التلبيات الأربع للمتمتّع والمفرِد، وهي والإشعار والتقليد للقارن) كما هو الشهور بين الأصحاب.

وفي «المنتهى»(1): (ذهب إليه علماؤنا أجمع) انتهى ، ونحوه في «التذكرة»(2).

وفي «الحدائق»(3): (فلا ينعقد الإحرام لمتمتّعٍ ولا لمُفردٍ إلّابها، وهو ممّا وقع عليه الاحماع نصّاً وفتوى) انتهى .

وفي «المستند»(4): (ووجوبها - أي التلبيات الأربع - بعد نيّة الإحرام للمعتمر والحاجّ إجماعي محقّقاً ومحكيّاً مستفيضاً) انتهى .

أقول: وتنقيح القول يتحقّق من خلال عدّة مسائل:

المسألة الاُولى: المحكيّ عن «الاقتصاد»(5) لزوم الخَمس من التلبيات.

وفي حاشية «التبصرة» للسيّد الطباطبائي صاحب «العروة»: والأحوطا لخمس.

وعن «المهذّب البارع»(6): (أنّ فيها قولاً آخر وهو الست).

ص: 77


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/676.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/248.
3- الحدائق الناضرة: ج 15/40.
4- مستند الشيعة: ج 11/304-305.
5- الاقتصاد: ص 301.
6- المهذّب البارع: ج 2/166.

وستعرف في بيان صورة التلبيات تنقيح القول في ذلك، وأنّ الزائد على الأربع مستحبٌّ لا واجب.

المسألة الثانية: قد طفحت كلماتهم بأنّه لا ينعقد الإحرام إلّابالتلبية، وعن «الانتصار»(1) و «الغُنية»(2) و «الخلاف»(3) وغيرها الإجماع على ذلك. ومقتضى ذلك عدم حصول الإحرام بدونها.

ولكن في «الجواهر»(4) وغيرها: أنّ المراد عدم الإثم والكفّارة في ارتكاب المحرّمات عليه قبلها، لا أنّه لا يكون مُحْرِماً إلّابالتلبية.

والوجه في انعقاد الإحرام قبلها، وأنّه يتحقّق بالنيّة، والجواب عمّا استدلّ به على عدم تحقّق الإحرام إلّابها، قد تقدّما في أوّل مبحث الإحرام عند بيان حقيقته، فراجع(5).

كما أنّه قد تقدّم هناك ذكر النصوص الدالّة على عدم حرمة المحرّمات قبلها، وأنّه لا كفّارة على ارتكابها، ومقتضى إطلاق تلك النصوص عدم الفرق بين إحرام العُمرة وإحرام الحَجّ ، وبين عُمرة التمتّع والعُمرة المفردة، وفي الحَجّ بين حجّ التمتّع والقِران والإفراد.

وأمّا ما عن أحمد بن محمّد، قال: «سمعتُ أبي يقول في رجلٍ يلبس ثيابه ويتهيّأ للإحرام ثمّ يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام ؟ قال: عليه دم»(6)، فلعدم معلوميّة3.

ص: 78


1- الإنتصار: ص 253-254.
2- غنية النزوع: ص 156.
3- الخلاف: ج 2/289-290.
4- جواهر الكلام: ج 18/216.
5- صفحة 40 من هذا المجلّد.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/317 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/337 ح 16453.

استناده إلى الإمام عليه السلام، وإعراض الأصحاب عنه، ومعارضته بما هو أشهر وأوضح سنداً وأكثر عدداً يتعيّن طرحه.

أقول: وهل يبطل الإحرام بفعل شيء من المحرّمات، أو لايبطل ؟ وعلى الثاني فهل يجوز أن يبطل إحرامه قبلها بأن يرفع اليد عنه أم لا، بل يكون باقياً؟ وجوه:

نُسب الأوّل إلى المرتضى قدس سره(1)، واستدلّ له بما رواه النضر بن سويد، عن بعض أصحابه، قال: «كتبتُ إلى أبي إبراهيم عليه السلام: رجلٌ دخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل أن يُلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء، ألَهُ ذلك ؟ فكتب عليه السلام: نعم، أو لا بأس به»(2).

ولكن يرد عليه: أنّه مرسلٌ لا يُعتمد عليه.

وأمّا الإيراد عليه: بأنّ فعل المنافي لا يقتضي النقض، كما لو فعله بعد التلبية، كما عن صاحب «الجواهر» رحمه الله(3).

فيردّه: أنّه لو كان سند الخبر تامّاً، كان هو الدليل عليه، وعلى الفرق بين قبل التلبية وبعدها.

ويرد الثاني: استصحاب بقاء الإحرام وإنْ عدل عنه، وعليه فالمتعيّن هو الثالث.

نعم، يجوز له ارتكاب جميع المحرّمات ما لم يُلبّ ، وأثر بقائه حينئذٍ أنّه لو اتّفق وقوع التلبية منه لزمه الإحرام، ولم يحلّ عنه إلّابالمحلّل.2.

ص: 79


1- رسائل المرتضى: ج 4/324.
2- الكافي: ج 4/331 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/337 ح 16451.
3- جواهر الكلام: ج 18/232.

ما ينعقد به إحرام القارن

المسألة الثالثة: المشهور بين الأصحاب أن تعيين التلبية لانعقاد الإحرام، إنّما هو في المتمتّع والمُفرِد، وأمّا القارن فهو مخيّرٌ بينها وبين الإشعار أو التقليد، فإن شاء لبّى وعقد إحرامه بها، وإنْ شاء أشعر أو قلّد وعقده به، وعن ظاهر «الغُنية»(1)و «الخلاف»(2) و «المنتهى»(3) و «المختلف»(4) الإجماع عليه.

ويشهد به: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والإشعار والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم»(5).

ومنها: صحيح عمر بن يزيد، عنه عليه السلام: «من أشعر بدنةً فقد أحرم، وإن لم يتكلّم بقليلٍ ولا كثير»(6).

ومنها: صحيح آخر لمعاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية»(7). ونحوها وغيرها.

أقول: وفي المقام قولان آخران:

القول الأوّل: ما عن السيّد(8) والحِلّي(9) من عدم انعقاد الإحرام بغير التلبية، واستدلّ له بأنّ الإنعقاد بها متّفقٌ عليه، ولا دليل على انعقاده بغيرها، والأصل

ص: 80


1- غنية النزوع: ص 156.
2- الخلاف: ج 2/290.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/676.
4- مختلف الشيعة: ج 4/52.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/43 ح 58، وسائل الشيعة: ج 11/279 ح 14798.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/44 ح 59، وسائل الشيعة: ج 11/279 ح 14799.
7- من لا يحضره الفقيه: ج 2/324 ح 2575، وسائل الشيعة: ج 11/277 ح 14789.
8- الإنتصار: ص 102.
9- السرائر: ج 1/532.

عدمه. والنصوص المتقدّمة تردّه حتّى على مسلكهما من عدم حجيّة خبر الواحد، كما لا يخفى .

وقيل: مخالفة السيّد غير معلومة.

القول الثاني: ما عن الشيخ في «المبسوط»(1) و «الجُمل»(1) وابني حمزة(2)والبرّاج(3) من أنّه يعتبر في انعقاد الإحرام بغير التلبية العَجزُ عنها، واستدلّ له بأنّه مقتضى الجمع بين هذه النصوص ونصوص التلبية.

ويرد عليه: أنّ ذلك جمعٌ تبرّعي لا شاهد له، بل الجمع العرفي، سيّما بملاحظة الصحيح الأخير يقتضي البناء على ما هو المشهور بين الأصحاب.

ويؤيّده: أنّ حمل النصوص المتقدّمة على العاجز عن التلبية حملٌ على الفرد النادر.

المسألة الرابعة: الظاهر أنّه لاخلاف بينهم في أنّ الإشعار مختصٌّ بالبدن، والتقليد مشتركٌ بينها وبين سائر أنواع الهَدي.

وفي «الحدائق»(4): (الظاهر أنّ الحكم المذكور متّفقٌ عليه بينهم، لا أعلم فيه مخالفاً). انتهى .

وعن غير واحدٍ التصريح بذلك مرسلين له إرسال المسلّمات، راجع «التذكرة»(5) و «المنتهى»(6) و «القواعد»(7) وغيرها من كتب الأساطين(9)، واستدلّ

له بضعف البقر والغنم عن الإشعار، وبأنّ ما ورد في كيفيّة الإشعار لم يُذكر9.

ص: 81


1- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 5/271، وفي الهامش (الجمل والعقود ص 131).
2- الوسيلة ص 158.
3- المهذّب: ج 1/214-215.
4- الحدائق الناضرة: ج 15/52.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/257.
6- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/679.
7- قواعد الأحكام: ج 1/419.

إلّا في البدن، بل أكثر نصوص مشروعيّة الإشعار وانعقاد الإحرام به كذلك.

ولعلّ ذينك بضميمة الإجماع - والشكّ في مشروعيّة إشعار البقر والغنم مع العلم بكفاية تقليدهما - تكفي في البناء على ذلك، واللّه تعالى هو العالم.

أقول: ثمّ إنّ الأولى في البُدن الجمع بين الإشعار والتقليد، لحسن ابن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «البُدن تُشعِر من الجانب الأيمن، ويقوم الرّجل في الجانب الأيسر، ثمّ يقلّدها بنعلٍ خَلِق قد صلّى فيها»(1).

ونحوه غيره، المحمول ما فيها من الأمر على الاستحباب - لصراحة ماتقدّم - في عدم وجوب الجمع.

المسألة الخامسة: قال في «التذكرة»(2): (والإشعارُ أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن، ويلطخ صفحته بالدم، ليعلم أنّه صدقة، وهو مختصٌّ بالإبل.

والتقليد أن يجعل في رقبة الهَدْي نعلاً قد صلّى فيه، أو يجعل في رقبة الهَدي خيطاً أو سيراً أو ما أشبههما ليعلم أنّه صدقة) انتهى .

ونحوه ما في «المنتهى»(3)، لكن فيه: (ويلطخ بالدّم)، وليس فيه كلمة (صفحته) وقد وافقه الأصحاب في ذلك.

ولكن في «الحدائق»(4): (أنّ الأخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللّطخ).

أقول: وكيف كان، فيشهد لكون الإشعار شَقّ سِنام البعير من الجانب الأيمن، جملةٌ من الأخبار:9.

ص: 82


1- الكافي: ج 4/297 ح 6، وسائل الشيعة: ج 11/276 ح 14782.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/257.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/679.
4- الحدائق الناضرة: ج 15/49.

منها: حسن معاوية المتقدّم: (البُدن تُشعر من الجانب الأيمن، ويقوم الرّجل في الجانب الأيسر).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن البُدن كيف تشعر؟ قال عليه السلام: تشعر وهي باركة، ويشقّ سنامها الأيمن، وتُنحَر وهي قائمة من قِبل الأيمن»(1). ونحوهما غيرهما.

وأمّا اللّطخ: فلم يدلّ عليه دليل ممّا بأيدينا، وما علّله به المصنّف رحمه الله عليل، لأنّه لا يصلح لأنْ يكون مدركاً للاستحباب، مع أنّه يُعلّم بشقّ السِّنام.

وأمّا التقليد: فالذي في الأخبار هو: (أن يُعلّق في رقبة الهَدي نعلاً خَلِقاً قد صَلّى فيه)، وأمّا ما أفاده المصنّف رحمه الله وغيره: (أو يجعل في رقبة الهَدي خيطا أو ما شابه)، فلم يرد به رواية.

نعم، في صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «كان الناس يقلّدون الغنم والبقر، وإنّما تركه الناس حديثاً ويقلّدون بخيط وسير»(2).

لكنّه لا يدلّ على المطلوب، لاحتمال أن يكون المراد بالناس المخالفين، فالأحوط الاقتصار على النعل.

فرع: ولو كانت البُدنة التي ساقها القارن متعدّدة دلّت النصوص على أنّ عليه أن يقف بينها، ويُشعر ما عن يمينه من الجانب الأيمن، وما عن يساره من الجانب الأيسر، كما ذكره الأصحاب.

ففي صحيح جميل: «إذا كانت البُدن كثيرة، قام فيما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثمّ اليسرى »(3).5.

ص: 83


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/324 ح 2574، وسائل الشيعة: ج 11/278 ح 14792.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/323 ح 2571، وسائل الشيعة: ج 11/277 ح 14787.
3- الكافي: ج 4/297 ح 5، وسائل الشيعة: ج 11/276 ح 14785.

وفي صحيح حريز: «إذا كانت بدنٌ كثيرة، فأردت أن تُشعرها، دَخَل الرّجل ليلاً بدنتين فيُشعر هذه من الشِقّ الأيمن وهذه من الشِقّ الأيسر»(1).

ونحوهما غيرهما.

وجوب التلبية على نفس القارن

المسألة السادسة: إذا عقد القارن إحرامه بالإشعار أو التقليد، فهل تجب عليه التلبية في نفسها كما هو المنسوب إلى قدماء الأصحاب إلى زمان الفاضلين، أم تكون مستحبّة كما هو المشهور من زمانهما إلى هذا الزمان ؟ وجهان:

قد استدلّ للوجوب بموثّق يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام:

إنّي قد اشتريتُ بدنةً فكيف أصنع بها؟

فقال: انطلق حتّى تأتي مسجد الشجرة، فأفض عليك من الماء، والبس ثوبيك ثمّ انخها مستقبل القبلة، ثمّ أدخل المسجد فصلِّ ، ثمّ افرض بعد صلاتك ثمّ اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثمّ قل: بسم اللّه اللّهُمَّ منك وإليك، اللّهُمَّ تقبَّل منّي، ثمّ انطلق حتّى تأتي البيداء فلبّه»(2). وظاهر الأمر الوارد فيه هو الوجوب.

وأُورد عليه:

1 - بأنّ جهة السؤال عمّا يصنع بالبُدنة غير معلومة من حيث الواجب أو الاستحباب أو هما معاً.

2 - وبأنّ أكثر المذكورات آداب.

ص: 84


1- تهذيب الأحكام: ج 5/43 ح 57، وسائل الشيعة: ج 11/279 ح 14797.
2- الكافي: ج 4/296 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/275 ح 14780.

3 - وبأنّ الأمر إنّما كان بالتلبية في البيداء، وسيأتي أنّ في كونها مستحبّة أو واجبة إشكالاً.

4 - وبأنّ صحيح معاوية المتقدّم الدالّ على أنّ الإشعار والتقليد بمنزلة التلبية، حاكمٌ على دليل الوجوب لو كان.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ جهة السؤال وإنْ كانت مجهولة، إلّاأنّ مورد الاستدلال هو الأمر بالتلبية لا ما هو المسؤل عنه.

ويرد على الثاني: أنّه بناءً على خروج الوجوب والاستحباب عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، فإنّ العقل حاكم بلزوم الإتيان إذا لم يرخّص المولى في ترك المأمور به، وإلّا فبالاستحباب، وإلّا فالمستعمل فيه فيهما شيء واحد، وعلى هذا فإذا أمر المولى بعدّة اُمور، ورخّص في ترك جميعها إلّافي ترك واحد منها، حكم العقل بوجوبه خاصّة، والمقام من هذا القبيل، فإن بقيّة ما تضمّنه الحديث والذي ورد الترخيص في تركها، فهي آداب، ولم يرد في ترك التلبية فهي واجبة.

ويرد على الثالث: أنّ الإشكال في القيد وإجماله لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر بالمقيّد في الوجوب.

ويرد على الرابع: أنّ التنزيل إنّما هو في خصوص انعقاد الإحرام، كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام في صحيح حريز: «فإنّه إذا أشعرها وقلّدها، وجب عليه الإحرام، وهو بمنزلة التلبية»(1).

مع أنّ لازم كون التنزيل حتّى بلحاظ الحكم التكليفي، هو وجوب الإشعار والتقليد كالتلبية لا عدم وجوبها، فإذاً الأظهر وجوب التلبية.7.

ص: 85


1- تهذيب الأحكام: ج 5/43 ح 57، وسائل الشيعة: ج 11/279 ح 14797.

ثمّ إنّ ظاهر كلمات جمعٍ من الأساطين، استحباب الإشعار أو التقليد لو عقد القارن إحرامه بالتلبية، بل استحباب كلّ منهما لو عقد إحرامه بالآخر.

قال المحقّق في «الشرائع»(1) بعد حكمه بأنّ القارن يكون بالخيار: (إنْ شاء عقد إحرامه بالتلبية، وإنْ شاء عقده بالإشعار أو التقليد، وبأيّهما بدأ كان الآخر مستحبّاً.

وفي «التذكرة»(2): أيها فعل انعقد إحرامه به وكان الباقي مستحبّاً)، انتهى .

وعن ظاهر «المسالك»(3) المفروغيّة عن الاستحباب، ولكن سيّد «المدارك»(4) لم يقف على دليل على ذلك صريحاً، قال: (ولعلّ الأمر بكلّ من الثلاثة كافٍ في ذلك).

أقول: يشهد باستحباب الإشعار بعد التلبية؛ خبر جابر عن أبي عبداللّه عليه السلام(5):

«إنّما استحسنوا إشعار البُدن لأنّ أوّل قطرة تقطر من دمها يغفر اللّه عزّ وجلّ له على ذلك»(6).

فإنّ مقتضى إطلاقه استحبابه في نفسه، وبعدم القول بالفصل يثبت في التقليد.

أقول: ويمكن أن يستدلّ له فيهما بخبر الفضيل بن يسار:

قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: «رجل أحرم من الوقت ومضى ، ثمّ اشترى بدنة بعد ذلك بيوم أو يومين فأشعرها وقلّدها وساقها؟ فقال عليه السلام: إنْ كان ابتاعها قبل أن يدخل الحرم فلا بأس»(7).1.

ص: 86


1- شرائع الإسلام: ج 1/181.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/257.
3- مسالك الأفهام: ج 2/235.
4- مدارك الأحكام: ج 7/267.
5- رواه في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 2/323 ح 2570، وسائل الشيعة: ج 11/278 ح 14793.
7- من لا يحضره الفقيه: ج 2/324 ح 2573، وسائل الشيعة: ج 11/277 ح 14791.

وأيضاً: يشهد لاستحباب الإشعار بعد التقليد، والتقليد بعد الإشعار:

1 - ما في ذيل خبر الفضيل المتقدّم: (ولكن إذا انتهى إلى الوقت، فليحرم ثمّ يشعرها ويقلّدها).

2 - وما في صحيح معاوية المتقدّم: (ولكن إذا انتهى إلى الوقت، فليحرم ثم يشعرها ويقلّدها).

3 - وما في صحيح معاوية المتقدّم من الأمر بالتقليد بعد الإشعار.

4 - ومافي خبرالسكوني من الأمربالتقليدمع الإشعار، إذ من الواضح أنّه لايجب الجمع بينهما لا على الترتيب ولا مطلقاً، فلا محالة يحمل الأمر على الاستحباب.

مقارنة التلبية لنيّة الإحرام

المسألة السابعة: صرّح جماعة بعدم وجوب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام، ويجوز التأخير عنها.

قال صاحب «المستند»(1): (على الأظهر الأشهر) انتهى .

وفي «الجواهر»(2): (هو مفروغ عنه في محلّه، وظاهر المعظم بل إلّامن ستعرف) انتهى .

وعن ابناء إدريس(3) وحمزة(4) وسعيد(5)، و «التنقيح»(6) و «اللّمعة»(7)،

ص: 87


1- مستند الشيعة: ج 11/310.
2- جواهر الكلام: ج 18/219.
3- السرائر: ج 1/520.
4- الوسيلة: ص 195.
5- الجامع للشرايع: ص 180.
6- حكاه عن التنقيح السيّد الحكيم في مستمسك العروة: ج 11/403.
7- اللّمعة الدمشقيّة: ص 58.

و «الدروس»(1) اعتبار المقارنة، لكن أنكر بعض الأعاظم(2) التزامهم بذلك.

وكيف كان، فيشهد للمشهور: - مضافاً إلى الأصل، وإطلاق دليل تشريع الإحرام بناءً على ما عرفت من عدم دخل التلبية في حقيقة الإحرام - جملةٌ من النصوص:

منها: مصحّح إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «قلت له: إذا أحرم الرّجل في دَبر المكتوبة أيُلبّي حين ينهض به بعيره أو جالساً في دَبر الصلاة ؟ قال: أيّ ذلك شاء صنع(3). ومثله صحيح ابن سنان»(4).

ومنها: صحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا صلّيت عند الشجرة، فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء، حيث يقول الناس يخسف بالجيش»(5).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، أو حسنه، عنه عليه السلام: «صلِّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة، وأخرج بغير تلبية حتّى تصعد إلى أوّل البيداء، إلى أوّل ميلٍ عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض، راكباً كنت أو ماشياً فلبّ »(6).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام: «أعقد الإحرام في دَبر الفريضة، حتّى إذا استوت بك البيداء فلبّ .

قلت: أرأيت إذا كنت مُحرِماً من طريق العراق ؟ قال: لبّ إذا استوى بك بعيرك»(7). ونحوها صحاح كثيرة.7.

ص: 88


1- الدروس: ج 1/347.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/403.
3- الكافي ج 4 ص 334 ح 13 / وسائل الشيعة: ج 12 ص 373، ح 16549.
4- وسائل الشيعة: ج 12/372 ح 16547.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/84 ح 86، وسائل الشيعة: ج 12/370 ح 16539.
6- الكافي: ج 4/334 ح 14، وسائل الشيعة: ج 12/370 ح 16541.
7- وسائل الشيعة: ج 12/371 ح 16542، بحار الأنوار: ج 96/184 ح 7.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بما دلّ على عدم انعقاد الإحرام إلّابالتلبية، وعدم جواز المرور على الميقات إلّامُحرِماً، فإنّه إذا انضمّ أحد الدليلين بالآخر تكون النتيجة لزوم المقارنة.

2 - وبما دلّ على أنّ الإحرام هو التلبية، أو كونها جزءً منه.

3 - وبأصالة عدم ترتّب الأثر بدون المقارنة.

ولكن يرد الأوّل: ما تقدّم من انعقاد الإحرام بدونها، وإنّما لا يحرم المحرّمات بدونها، ولا كفّارة على ارتكابها.

ويرد الثاني: ما مرّ في حقيقة الإحرام من عدم دخولها في حقيقة.

ويرد الثالث: ما تقدّم من إطلاق دليل التشريع والنصوص الخاصّة، وحمل تلك النصوص على إرادة رفع الصوت بالتلبية والإجهار بها، ممّا لا يقبله كثيرٌ منها، مع أنّه لا شاهد له.

فالمتحصّل: أنّه لا دليل على وجوب المقارنة.

وعليه، فالأظهر عدم وجوبها، ولكن ليس لازم ذلك جواز التأخير مطلقاً، فإنّ وقتها معيّن سيمرّ عليك، ولو أخّرت عن وقتها نسياناً وجب العود إليه لتداركه مع المكنة.

وقت التلبية

المسألة الثامنة: اختلف الفقهاء في وقت التلبية، وهو عند من يرى دخلها في الإحرام أوّل الميقات للإحرام وهو واضح، وأمّا بناءً على ما هو الحقّ من عدم دخلها فيه، فالظاهر من جملة من النصوص لزوم المبادرة إليها من أوّل الإحرام،

ص: 89

ولازم ذلك عدم التأخير عن ميقات الإحرام، ففي خبر سليمان بن جعفر، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن التلبية وعلّتها؟ فقال عليه السلام: إنّ الناس إذا أحرموا ناداهم اللّه تعالى ذكره، فقال: يا عبادي وإمائي لأُحرمنّكم على النار كما أحرمتم لي، فقولهم:

(لبّيك اللّهُمَّ لبّيك) إجابة للّه عزّ وجلّ على ندائه لهم»(1). ونحوه غيره.

أقول: ولكن في المقام روايات اُخر دالّة على جواز التأخير إلى مواضع، بل أفضليّته، وتنقيح القول في ذلك في ضمن مواضع:

الموضع الأوّل: المحكيّ عن ابني حمزة(2) والبرّاج(3) أنّ الأفضل لمن حَجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء(4) مطلقاً، ووافقهما الشيخ(5) وابن سعيد(6) في خصوص الراكب، وتبعهم جمعٌ من متأخّري المتأخّرين، بل لم يستبعد بعض الفقهاء وجوب التأخير لو لا ذهاب قدماء الأصحاب إلى التخيّير.

والنصوص الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما تضمّن الأمر بالتأخير إلى البيداء، وقد تقدّمت تلك النصوص في مسألة مقارنة التلبية للنيّة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم وجوب الفرق في ذلك بين الراكب والماشي، لاحظ صحيح معاوية أو حسنه المتقدّم في تلك المسألة.3.

ص: 90


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/196 ح 2124، وسائل الشيعة: ج 12/375 ح 16552.
2- الوسيلة: ص 161.
3- المهذّب: ج 1/216.
4- البيداء أرض مخصوصة بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحُليفة نحو مكّة.
5- النهاية: ص 214، الخلاف: ج 2/289، المبسوط: ج 1/316.
6- الجامع للشرائع: ص 183.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على عدم وجوب التأخير وجواز الإتيان بها بعد الإحرام بلا فصل، كموثّق إسحاق المتقدّم، وخبر عبداللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام: هل يجوز للمتمتّع بالعُمرة إلى الحَجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة ؟ فقال عليه السلام: نعم إنّما لَبّى النبيّ صلى الله عليه و آله في البيداء، لأنّ الناس لم يعرفوا التلبية، فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية»(1).

الطائفة الرابعة: ما دلّ على الفرق بين الماشي والراكب، كصحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إنْ كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإنْ كنت راكباً فإذا عَلَت بك راحلتك البيداء»(2).

الطائفة الخامسة: ما دلّ على عدم جواز التقديم على البيداء، كخبر علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام: «قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحلّ لمن أحرم عندها أن لا يُلبّي حتّى يعلو البيداء؟

قال عليه السلام: لا يُلبّي حتّى يأتي البيداء عند أوّل ميلٍ ، فأمّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية»(3).

أقول: والجمع بين الطوائف الثلاث الاُولى يقتضي البناء على جواز التقديم وأفضليّة التأخير من غير فرقٍ بين الماشي والراكب.

وأمّا الطائفة الرابعة، وهي صحيح عمر، فقد حمله المُحدِّث الكاشاني(4) على).

ص: 91


1- الكافي: ج 4/334 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/372 ح 16547.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/85 ح 89، وسائل الشيعة: ج 12/369 ح 16536.
3- وسائل الشيعة: ج 12/371 ح 16543، مسائل علي بن جعفر عليه السلام ص 267.
4- الوافي: ج 12/549، قوله: (وتلبيتك من المسجد).

التقيّة، واستحسنه المُحدِّث البحراني رحمه الله(1).

ويمكن الجمع بينه وبين ما تقدّم بالالتزام بالفرق بينهما في تأكّد الفضيلة لا في أصلها.

ولا يبعد أن يقال: إنّ الصحيح ليس في مقام بيان جواز التأخير أو التقديم، بل إنّما يدلّ على الفرق بينهما - لو اختار التقديم - بأنّ الماشي يجهر بها والراكب لا يجهر.

وأمّا الطائفة الخامسة: - أي خبر عليّ بن جعفر عليه السلام - فلضعفها في نفسها، وعدم عمل الأصحاب بها، ومعارضتها لما تقدّم لابدّ من طرحها.

فتحصّل: أنّه يجوز تأخير التلبية إلى البيداء، بل الأفضل ذلك، من غير فرق بين الراكب والماشى، ويجوز الإتيان بها من حين الإحرام، ولكن لا يجوز تأخيرها عن البيداء.

الموضع الثاني: إذا أحرم من طريقٍ آخر غير المدينة:

فعن «المبسوط»(2)، و «التحرير»(3)، و «المنتهى»(4)، و «المسالك»(5): الأفضل تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً.

وفي المقام رواية واحدة مختصّة بمن يحجّ من طريق العراق، وهي صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«إن أحرمتَ من غمرة، ومن بريد البعث، صلّيت وقلت كما يقول المُحرِم في6.

ص: 92


1- الحدائق الناضرة: ج 15/46.
2- المبسوط: ج 1/316.
3- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/572.
4- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/671.
5- مسالك الأفهام: ج 2/246.

دَبر صلاتك، وإنْ شئتَ لبّيت في موضع، والفضل أن تمشي قليلاً ثمّ تُلبّي»(1).

وهي مختصّة بمن يحجّ من طريق العراق، والتعدّي إلى غيره يتوقّف على إحراز كون ذكر بريد البعث وغمرة من باب المثال، أو إحراز المناط، ولم يُحرز شيء منهما، فالمتعيّن هو الاقتصار على مورده.

وفيه إشكالٌ آخر: وهو ما تقدّم من أنّ بريد البعث ليس ميقاتاً، بل الميقات بعده من المسلخ.

الموضع الثالث: لو أحرم من مكّة:

فعن «هداية» الصدوق:(2) يستحبّ تأخير التلبية إلى الرقطاء(3) مطلقاً.

وعن «السرائر»(4)، و «النهاية»(5)، و «الجامع»(6)، و «الوسيلة»(7)، و «المنتهى»(8)، و «التذكرة»(9): استحباب تلبية الُمحرِم من مكّة من موضعه، إنْ كان ماشياً، وإذا نهض به بعيره إنْ كان راكباً.

وعن «القواعد»(10) وغيرها: الأفضل التأخير إلى أن يُشرف على الأبطح.0.

ص: 93


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/321 ح 2563، وسائل الشيعة: ج 12/372 ح 16546.
2- الهداية: ص 234.
3- الرقطاء: موضع دون الرّدم، ويسمّى مدعا، والرّدم بمكّة، وهو حاجز يمنع السيل عن البّيت، كما عن مجمع البحرين: ج 2/210.
4- السرائر: ج 1/584.
5- النهاية: ص 248.
6- الجامع للشرايع: ص 204.
7- الوسيلة: ص 161.
8- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/714.
9- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/161.
10- قواعد الأحكام: ج 1/420.

والنصوص الواردة فيه مختلفة من حيث المضمون:

فمنها: ما تضمّن أفضليّة تأخير التلبية إلى الرقطاء، كصحيح الفضلاء: حفص ابن البختري، ومعاوية بن عمّار، وعبد الرحمن بن الحجّاج، كلّهم عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا أهللتَ من المسجد الحرام للحجّ ، فإنْ شئت لبّيتَ خلف المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتّى تأتي الرقطاء وتُلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح»(1).

ومنها: ما تضمّن الأمر بالتلبية عند الرقطاء، ورفع الصوت بها عند الإشراف على الأبطح، كحسن معاوية أو صحيحه، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ : «فإذا انتهيت إلى الرّقطاء دون الرّدم فلبّ ، فإذا انتهيت إلى الرّدم وأشرفتَ على الأبطح، فارفع صوتك بالتلبية حتّى تأتي منى»(2).

ومنها: ما تضمّن أنّ الماشي يُلبّي عند المقام، والراكب يُلبّي إذا نهض به بعيره، لاحظ صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«إذا كان يوم التروية - إلى أن قال - فإنْ كنتَ ماشياً فلبّ عند المقام، وإنْ كنت راكباً فإذا نهض بك بعيرك»(3).

ومنها: ما تضمّن أنّه يُلبّي من المسجد الحرام مطلقاً، كخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيتَ حين أحرمت»(4).

أقول: والجمع بين هذه النصوص يقتضي البناء على أنّ وقت التلبية من حين الإحرام إلى أن ينتهي إلى الرقطاء، والأفضل التأخير خصوصاً للراكب، والأفضل2.

ص: 94


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/320 ح 2562، وسائل الشيعة: ج 12/396 ح 16610.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/167 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/397 ح 16613.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/169 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/397 ح 16611.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/168 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/397 ح 16612.

أن يكون رفع الصوت بها إذا انتهى إلى الرّدم وأشرفت على الأبطح.

والرقطاء: موضعٌ دون الرّدم يُسمّى مُدعى(1).

والرَّدم: حاجزٌ يمنع السيل عن البّيت(2)، وهما خارجان عن مكّة.

وفي «الجواهر»(1): (قيل: قد فتّشنا تواريخ مكّة فلم نجد الرقطاء اسم موضعٍ فيها).

والأبطح: مسيل وادي مكّة، وهو مسيلٌ واسعٌ فيه دقائق الحصى ، أوّله منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متّصلٌ بالمقبرة الّتي تُسمّى بالمَعْلى عند أهل مكّة(2).

الواجب من التلبية مرّة واحدة

المسألة التاسعة: الواجب من التلبية مرّة واحدة بلا خلاف، ويقتضيه إطلاق الأدلّة، ويستحبّ الإكثار بها، وتكريرها ما استطاع، خصوصاً في دَبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة، وعند صعود شرف أو هبوط وادٍ، وعند اليقظة، وعند الركوب، وعند النزول، وعند ملاقاة راكبٍ ، وفي الأسحار، كما نطقت بذلك كلّه النصوص، ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام بعد الأمر بالتلبية، وبيان كيفيّتها:

«تقول ذلك في دَبر كلّ صلاةٍ مكتوبة ونافلة، وحين ينهض بك بعيرك، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً، أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك، وبالأسحار، وأكثر ما استطعت واجهر بها، وإنْ تركت بعض التلبية، فلا يضرّك غير أنّ تمامها

ص: 95


1- جواهر الكلام: ج 18/284.
2- مجمع البحرين: ج 1/210.

أفضل - إلى أن قال - وأكثر من ذي المعارج، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يُكثر منها، الحديث»(1).

ونحوه غيره من الروايات الصحيحة.

وعن المقنعة(2)، و «المقنع»(3)، و «المراسم»(4)، و «الفقيه»(5): استحبابها عند صعود الدابّة وعند النزول منها، والشاهد به صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا أحرمتَ من مسجد الشجرة، فإنْ كنتَ ماشياً لبّيتَ من مكانك من المسجد - إلى إن قال - وأجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت، الحديث»(6).

وكفى به مدركاً للاستحباب بعد قاعدة التسامح.

وفي «العروة»(7) وعن غيرها: استحبابها عند المنام، ولم يدلّ عليه دليل خاص، كما اعترف به سيّد «المدارك»(8) وصاحب «الجواهر»(9)، وعن «كشف اللّثام»(9):

(إنّه لم يتعرّض له قبل الفاضلين أحد).

واستدلّ له صاحب «الجواهر»(11): بأنّه يكون وجهه ما يظهر من النصوص من استحبابها عند كلّ حادثٍ ، والأحوال المذكورة في النصوص من باب المثال.3.

ص: 96


1- الكافي: ج 4/335 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/382 ح 16569.
2- المقنعة: ص 398.
3- المقنع: ص 220.
4- المراسم العلويّة: ص 108.
5- وهو الظاهر من الفقيه: ج 2/528، باب سياق مناسك الحَجّ (التلبية).
6- تهذيب الأحكام: ج 5/92 ح 109، وسائل الشيعة: ج 12/383 ح 16570.
7- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/668.
8- مدارك الأحكام: ج 7/293. (9و11) جواهر الكلام: ج 18/273.
9- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/283.

وكيف كان، فاستحباب الإكثار منها خالٍ عن الإشكال، لدلالة النصوص الكثيرة عليه، وفي خبر ابن فضّال، عن رجالٍ شتّى ، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قال رسول صلى الله عليه و آله: من لَبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً، أشهد اللّه له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق»(1).

الجهر بالتلبية

المسألة العاشرة: المشهور بين الأصحاب استحباب الجهر بالتلبية للرِّجال، وعن «التهذيب»(2) والكليني وجوبه، ومالَ إليه صاحب «الحدائق»(3).

أقول: ودليل الطرفين النصوص الكثيرة الآمرة به كصحيح معاوية المتقدّم، وكذا صحيح عمر بن يزيد المتقدّم، وصحيح حريز وغيره عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبداللّه عليه السلام أنّهما قالا:

«لمّا أحرمَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه جبرائيل، فقال له: فمُر أصحابك بالعجّ والثّج، فالعجّ : رفع الصوت، والثَّج نحر البدن، قال: وقال جابر: فما مشى الرّوحاء حتّى بَحّت أصواتنا»(4).

وقد استدلّ بظهور الأمر به في الوجوب القائلون به.

وأُورد عليه: أصحاب القول بالاستحباب، بأنّ النصوص المذكورة ظاهرة في

ص: 97


1- الكافي: ج 4/337 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/386 ح 16577.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/92.
3- الحدائق الناضرة: ج 15/62.
4- الكافي: ج 4/336 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/378 ح 16558.

الحكم الأدبي، بقرينة بحّة الصوت الذي حكاه جابر، إذ لا قائل بوجوبه، وبذكره في سياق الاُمور التي لا شبهه في استحبابها.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ بحّة الصوت ليس مأموراً به في الحديث، بل الذي أمر به هو رفع الصوت والإجهار بها، راجع النصوص.

ويرد الثاني: ما تقدّم منّا مراراً من أنّه لو أمر بأُمور، ورخَّص في ترك بعضها دون آخر، يحكم بوجوب خصوص ما لم يُرخّص في تركه، وليس المورد من موارد وحدة السياق، لعدم كون الوجوب والاستحباب داخلين في المستعمل فيه، بل المستعمل فيه واحدٌ اُريد به الاستحباب أو الوجوب، وهما أمران انتزاعيّان من الترخيص في الترك وعدمه.

والحقّ أن يقال: إنّه قد تقدّم دلالة جملةٍ من النصوص على أنّ من يحرم من مسجد الشجرة إذا لَبّى بعد الإحرام، قبل أن يصل البيداء، لا يجهر بها، أي لا يستحبّ الإجهار حينئذٍ، وكذا من أحرم من مكّة يكون رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح، فإذا انضمّ إلى ذلك أنّه لا يجب التلبية إلّامرّة واحدة، يظهر أن التلبية الواجبة لا يجبُ الجهر بها إذا أتى بها قبل الموضعين، وبعدم القول بالفصل يُحكم بعدم وجوبه في غيرهما، ولعلّ ذلك بضميمة عدم إفتاء الأصحاب بالوجوب - حتّى أنّ الشيخ بنفسه قال في محكي «الخلاف»(1): (إنّ التلبية فريضة، ورفع الصوت بها سُنّة، ولم أجد أحداً ذكر كونها فرضاً) - يكفي في الحكم بعدم الوجوب.

أقول: وكيف كان، فلا جهر على النساءبلا خلافٍ - كماقيل - للنصوص المتعدّدة،1.

ص: 98


1- الخلاف: ج 2/291.

ففي مصحّح أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «ليس على النساء جهر بالتلبية»(1).

وفي مرسل فضالة، عمّن حدّثه عنه عليه السلام: «إنّ اللّه وضع عن النساء أربعاً: الجهر بالتلبية(2)، الحديث». ونحوه خبر أبي سعيد المُكاري(3).

***2.

ص: 99


1- الكافي: ج 4/336 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/380 ح 16564.
2- وسائل الشيعة: ج 12/379 ح 16561.
3- وسائل الشيعة: ج 12/380 ح 16562.

صورة التلبيات الأربع

اختلف الأصحاب في صورة التلبية الواجبة وكيفيّتها على أقوال:

القول الأوّل: ما في «المنتهى»(1) و «الشرائع»(2) و «المستند»(3)، و «العروة»(4)، وعن «النافع»(5) وبعض نسخ «المقنعة»(6) و «التحرير»(7) و «المختلف»(8)و «المسالك»(9) و «كشف اللّثام»(10) و «المدارك»(11) و «الذخيرة»(12) و «الكافية»(13)وغيرها، وهو: (لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك).

القول الثاني: مانُسب إلى «الفقيه»(14) و «المقنع»(15) و «الهداية»(16) و «الأمالي»(17)

ص: 100


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/677.
2- شرائع الإسلام: ج 1/181.
3- مستند الشيعة: ج 11/313.
4- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/663.
5- المختصر النافع: ص 82.
6- المقنعة: ص 397.
7- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/570.
8- مختلف الشيعة: ج 4/54.
9- مسالك الأفهام: ج 2/235.
10- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/261.
11- مدارك الأحكام: ج 7/267.
12- ذخيرة المعاد: ج 3/578.
13- الظاهر أنّ المراد كفاية الأحكام: ص 58.
14- من لا يحضره الفقيه: ج 2/317.
15- المقنع: ص 220.
16- الهداية: ص 220.
17- الأمالي: ص 748.

وصورتها: لبّيكَ اللّهُمَّ لبَّيك، إنَّ الحَمدَ والنعمة والمُلك لكَ ، لا شريك لكَ لبّيك.

و «المراسم»(1) من أن يضاف إلى تلك العبارة: (إنَّ الحمدَ والنِعمة لكَ والمُلك، لا شريك لك).

القول الثالث: ما عن جُمل السيّد(2) و «قواعد الأحكام»(3) و «السرائر»(4)و «الكافي»(5) و «الغُنية»(6) و «الوسيلة»(7) من أنّها: (لبّيكَ اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك إنّ الحمدَ والنعمة لكَ والمُلك، لا شريكَ لكَ لبّيك).

القول الرابع: ما في المتن، حيث قال: (وصورتها: لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، إنّ الحمدَ والنِعمَةَ والمُلك لكَ ، لا شريكَ لكَ لبّيك) كما في «المبسوط»(8)، وحكي أيضاً عن «الجامع» لابن سعيد(9) و «المعتبر».

القول الخامس: ما عن «النهاية»(10) و «الإصباح»(11) وهو ذكر (لك) في).

ص: 101


1- المراسم العلويّة: ص 108.
2- جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى: ج 3/67) حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 11/312.
3- قواعد الأحكام: ج 1/419.
4- السرائر: ج 1/536.
5- الكافي ص 193.
6- غنية النزوع: ص 156.
7- الوسيلة: ص 161.
8- المبسوط: ج 1/316.
9- الجامع للشرايع ص 182.
10- النهاية: ص 215.
11- إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهيّة: ج 8/459)، وحكاه عنه الفاضل في كشف اللّثام: ج 5/260-261 (ط. ج).

الصورة الأخيرة قبل: (الملك) وبعده جميعاً.

القول السادس: ما نُقل في «المستند»(1) وجعله السيّد الطباطبائي في حاشية «التبصرة» أحوط من أن يضاف إلى الجملة الأخيرة قوله: (بحجّة أو عُمرة تمامها عليك لبّيك)، وهو المحكيّ عن «الاقتصاد»(2).

أقول: وأمّا النصوص فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على القول الأوّل، واستدلّ به للثاني أيضاً، وهو صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«التلبية أن تقول: لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لكَ لبّيك، إنّ الحمدَ والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك، لبّيك غفّار الذّنوب لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك، لبّيك تبدأ والمعاد إليك لبّيك، لبّيك تستغني ويفتقر إليك لبّيك، لبّيك مرهوباً مرغوباً إليك لبّيك، لبّيك إله الحقّ لبّيك، لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبّيك، لبّيك كشّاف الكُرب العظام لبّيك، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك، لبّيك يا كريم لبّيك. تقول ذلك في دَبر كلّ صلاةٍ مكتوبة ونافلة».

إلى أن قال: (وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك، غير أنّ تمامها أفضل، واعلم أنّه لابدّ من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام، وهي الفريضة، وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون)(3). الحديث.9.

ص: 102


1- مستند الشيعة: ج 11/313.
2- الاقتصاد: ص 301.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/91 ح 108، وسائل الشيعة: ج 12/382 ح 16569.

تقريب الاستدلال به للقول الأوّل: إنّ قوله: (واعلم أنّه لابدّ من التلبيات الأربع) يدلّ على عدم وجوب ما بعد التلبية الرابعة، فينطبق على القول الأوّل.

ودعوى : أنّ المراد بالتلبيات الأربع ما قبل الخمسة، وتكون جملة: (إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) جزء للصيغة الواجبة، وتكون التلبيات الأربع من قبيل العلم لذلك، فيدلّ على القول الثاني.

مندفعة: بأنّ ذلك خلاف الظاهر جداً، فإنّ كون ما ذُكر مسمّى التلبيات الأربع، ليس من باب الحقيقة اللّغوية ولا المتشرّعيّة، وكونه من باب المجاز خلاف الظاهر، مع أنّه على فرض الاحتمال ينفى الزائد بالأصل.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على القول الثاني:

1 - صحيح عاصم بن حميد، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا انتهى إلى البيداء، حيث الميل، قربت له ناقة فركبها، فلمّا انبعثت به لبّى بالأربع، فقال: لبّيكَ اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمدَ والنعمةَ والمُلك لكَ لا شريك لك. ثمّ قال: ههنا يخسف بالأخابث. ثمّ قال: إنّ الناس زادوا بعد وهو حسن»(1).

2 - وخبر الأعمش، عن الإمام الصادق عليه السلام: «وفرائض الحَجّ : الإحرام، والتلبيات الأربع، وهي: لبّيكَ اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لكَ لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لَك»(2).

والأمر دائرٌ بين حمل صحيح معاوية على إرادة ما قبل الخامسة من التلبيات5.

ص: 103


1- وسائل الشيعة: ج 12/376 ح 16555، قرب الإسناد ص 59.
2- وسائل الشيعة: ج 11/233 ح 14672، الخصال: ج 2/605.

الأربع، وبين حمل ما في الخبرين على الاستحباب، وتكون حكاية الإمام عليه السلام في الصحيح من باب حكاية ما هو أفضل.

والثاني - مضافاً إلى أنّه أرجح، على فرض الإجمال وتساوي الاحتمالين، والأصل ينفي الزائد - يشهد به صحيح عمر بن يزيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أحرمتَ من مسجد الشجرة، فإنْ كنت ماشياً لبّيت من مكانك من المسجد، تقول:

لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك بحجّةٍ تمامها عليك» الحديث(1)، فإنّه يدلّ على عدم وجوب تلك الجملة.

أضف إليذلك أنّ صحيح عاصم متضمّنٌ لحكاية تلبية الرسول صلى الله عليه و آله، ولا ظهور له في تعيّينها. وأمّا الخبر فقاصر سنداً.

وأمّا صحيح عبداللّه بن سنان عنه عليه السلام: «لمّا لبّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، قال: لبّيكَ اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والمُلك لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج، وكان صلى الله عليه و آله يَكِثرُ من ذي المعارج... الحديث»(2)، فهو غير ظاهر ولا مشعرٍ بتعيّن ما قبل (ذي المعارج)، فإنّه حكاية فعل النبيّ صلى الله عليه و آله، فإذاً الأظهر عدم وجوب ضمّ تلك الزيادة.

الطائفة الثالثة: ما تضمن صوراً اُخر:

1 - خبر يوسف بن محمّد بن زياد، وعلي بن محمّد بن يسار، عن أبويهما، عن الإمام الحسن العسكري، عن آبائه عليهم السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حديث موسى : فنادى ربّنا عزّ وجلّ يا اُمّة محمّد،1.

ص: 104


1- تهذيب الأحكام: ج 5/92 ح 109، وسائل الشيعة: ج 12/383 ح 16570.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/325 ح 2578، وسائل الشيعة: ج 12/384 ح 16571.

فأجابوه كلّهم وهم في أصلاب آبائهم، وفي أرحام اُمّهاتهم، لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمدَ والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك، فجعل اللّه عزّوجلّ تلك الإجابة شعار الحَجّ »(1). ونحوه مرسل الصدوق(2).

2 - وما عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول:

إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا انتهى إلى البيداء حيث الميلين، اُنيخت له ناقته فركبها، فلمّا انبعثت به لبّى بأربع، فقال: لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمدَ والنعمةَ لك لا شريك لك. ثمّ قال: حيث يخسف بالأخابث»(3).

وهذا الخبر في متنه اختلافٌ مع متن صحيح ابن حميد المتقدّم، ولعلّ ذلك يوجبُ إشكالاً آخر فيه، ولكن هذه النصوص ضعيفة سنداً.

أمّا الأوّل: فلمحمّد بن القاسم الأسترآبادي، فإنّه مهمل.

وأمّا الثاني والثالث: فللإرسال.

مضافاً إلى أنّ الأولين متضمّنان للتلبيات الخمس، وقد دلّ صحيح معاوية على عدم وجوب الزائد عن الأربع.

أقول: وبذلك يظهر حال النصوص الاُخر المتضمّنة لأكثر من الأربع، وعليه فالقول الأوّل أظهر، وتضعيفه بندرة القائل به بين القدماء في غير محلّه، وإنْ كان الأولى والأحوط إضافة الجملة المذكورة.

وأمّا القول الثالث والرابع والخامس، فقد صرّح غير واحدٍ من الأساطين3.

ص: 105


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/327 ح 2586، وسائل الشيعة: ج 12/384 ح 16572.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/234 ح 2284، وسائل الشيعة: ج 12/385 ح 16573.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 9/176 ح 3.

بعدم العثور على ما يدلّ على شيء منها.

قال صاحب «المدارك»(1): (وأمّا القول الثالث، فلم نقف له على مستندٍ مع شهرته بين الأصحاب، وقد ذكره العلّامة في «المنتهى» مجرّداً عن الدليل.

إلى أن قال: ومن العجب قول الشهيد في «الدروس»: (الرابع: التلبيات الأربع وأتمّها: لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك).

ويجزي: (لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك). وإن أضاف إلى ذلك: (إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) كان حسناً، فإن جعلها أتمّ الصور يقتضي قوّة مستندها بالنظر إلى مستند القولين الآخرين، والحال أنّ ما وصل إلينا من الا خبار الصحيحة والضعيفة خالٍ من ذلك رأساً، مع صحّة مستند القولين الآخرين، واستفاضت الروايات بذلك، وهم أعلم بما قالوه) انتهى .

ونحوه ما في «الجواهر»(2) وعن «كشف اللّثام»(3).

***

حُكم من لا يُحسِن التلبية

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: أنّه يجب الإتيان بالتلبية على الوجه الصحيح، بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربيّة، فلا يُجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح بلا خلافٍ ، كما هو ظاهر «التذكرة»(4)، وهو واضح.

ص: 106


1- مدارك الأحكام: ج 7/270-271.
2- جواهر الكلام: ج 18/231.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/263.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/251.

ولو لم يحسن ولو بالتلقين، وجب عليه التعلّم، لأنّ وجوب التلبية يستدعي وجوب التعلّم تحصيلاً للواجب، ولما دلّ من النصوص على وجوب التعلّم، وللإجماع.

هذا إذا تمكن من التعلّم بعد وجوب الحَجّ عليه، وكذلك إذا قدر على التعلّم قبله مع العلم بعدم التمكّن منه بعده، لما حُقّق في الاُصول(1) من وجوب ما يترتّب على تركه فوت الواجب في ظرفه، إذا لم يكن القدرة في ظرفه شرطاً للوجوب.

وإنْ لم يتمكّن من التعلّم:

فعن ابن سعيد(2): (إنْ لم يتأتِ له التلبية، لبّى عنه غيره) انتهى .

وعن الشهيد(3): (ففي ترجمتها نظر، وروي أن غيره يلبّي عنه) انتهى .

وعن «كشف اللّثام»(4): (لا يبعد عندي وجوب الأمرين، فالترجمة لكونها كإشارة الأخرس وأوضح، والنيابة لمثل ما عرفت) انتهى .

وفي «الجواهر»(5): (فلا يبعد القول بما استطاع منها، وإلّا اجتزي بالترجمة التي هي أولى من إشارة الأخرس، ويحتمل الإستنابة عملاً بخبر زرارة) انتهى .

أقول: يقع الكلام في موردين:

الأوّل: في التلبية الملحونة.

الثاني: في ترجمتها.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ للزوم الإتيان بها بقاعدة الميسور.

ويرد عليه: ما تقدّم مراراً من عدم حجّيتها(6).5.

ص: 107


1- راجع: زبدة الاصول: ج 2/127.
2- الجامع للشرايع ص 180.
3- الدروس: ج 1/347.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/270.
5- جواهر الكلام: ج 18/224.
6- راجع: زبدة الاصول: ج 5/125.

والأولى أن يستدلّ له بخبر مسعدة بن صدقة، قال: «سمعتُ جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: إنّك ترى من المُحرِم من العجم ما لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس، في القراءة والصلاة والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمُحرِم لا يُراد منه ما يُراد من العاقل المتكلِّم الفصيح»(1).

فإنّ مقتضى إطلاقه الاجتزاء بالتلبية الملحونة.

فإنْ قيل: مقتضى إطلاقه الإجتزاء بها حتّى مع التمكّن من تعلّم الصحيحة، فلا يجب التعلّم.

قلنا: إنّه من الجائز أن يكون وفاء الناقصة بالمصلحة، وكونها مثل التامّة في صورة عدم إمكان التعلّم.

ولكن مقتضى خبر زرارة: «إنّ رجُلاً قدم حاجّاً لا يُحسن أن يُلبّي، فاستفتى له أبا عبداللّه عليه السلام فأمر له أن يُلبّى عنه»(2). وجوب الاستنابة.

ودعوى : أنّه حكاية حال.

مندفعة: بأنّه حكاية فتوى الإمام عليه السلام في مورد الجواب عن السؤال، لكنّه ضعيف السند، والاعتماد عليه غير ثابت، ولكن يؤيّده، بل يدلّ على هذا الحكم صحيح زرارة، عن أحدهما عليه السلام: «إذا حَجّ الرّجل بابنه وهو صغير، فإنّه يأمره أن يلبّي ويفرض الحَجّ ، فإنْ لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه»(3).

وقريبٌ منه غيره، من جهة أنّ ظاهر ذيله أنّ هذا حكمُ من لا يُحسن أن يُلبّي،1.

ص: 108


1- وسائل الشيعة: ج 6/136 ح 7552، قرب الإسناد ص 23.
2- وسائل الشيعة: ج 12/381 ح 16567.
3- الكافي: ج 4/303 ح 1، وسائل الشيعة: ج 11/288 ح 14821.

ولا اختصاص له بالصبي، ويؤيّده ما في «الجواهر»(1) و «المستند»(2) من قبول أفعال الحَجّ والعُمرة للنيابة.

وعليه، فالأظهر لزوم الاستنابة إنْ أمكن، والأحوط الجمع بينهما وبين الإتيان بالملحونة، بل لا ينبغي تركه.

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم الترجمة، فإنّه لا يجري فيها ما ذكرناه في الملحونة، فالمتعيّن هو الاستنابة.

وأمّا الأخرس: فقد صرّح أكثر الأصحاب بأنّه يشير إليها بإصابعه مع تحريك لسانه، ويشهد بذلك:

خبر السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام قال: تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة، تحريك لسانه وإشارته بإصبعه»(3).

وعن «كشف اللّثام»(4): وجوب الاستنابة أيضاً عملاً بالخبرين: خبر السكوني، وخبر زرارة المتقدّم.

ويرد عليه: أنّ خبر السكوني حاكمٌ على خبر زرارة، لما ورد فيه أنّ تحريك لسانه وإشارته باصبعه تلبية، والموضوع في خبر زرارة لا يشمل الأخرس، لأنّ الأخرس غير قادرٍ لا غير محسن، بل هو عبارة عن الأعجمي.

وقال المحقّق في «الشرائع»(5): (مع عقد قلبه بها)، ومراده أن يقصد بحركة1.

ص: 109


1- جواهر الكلام: ج 18/224.
2- مستند الشيعة: ج 11/315.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/93 ح 113، وسائل الشيعة: ج 12/381 ح 16566.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/270.
5- شرائع الإسلام: ج 1/181.

اللّسان كونها حركةً للتلبية، أي الألفاظ المحكيّة بها لا معناها، والوجه في اعتباره عدم تأتّي قصد امتثال الأمر المتوجّه إليه إلّابه، لأنّ الحركة بنفسها تصلح لغير التلبية.

واعتبار تطبيق الحركة على حروف التلبية جزءً فجزءً بحيث يكون صوته بمنزلة كلام غير متمايزة الحروف في حقّ من سمع ألفاظ التلبية وأتقنها بل تكلّم بها مدّة، ممّا لم يدلّ عليه دليل، وكون ذلك تلبية لا يقتضيه كما لا يخفى ، كما أنّ الإشكال في وجوب ما ذكرناه للأخرس الذي لم يَعرف أنّ في الوجود كلاماً ولفظاً، في غير محلّه، إذ دعوى عدم إمكان ذلك فيه، مندفعة بتمكّنه من القصد إلى ما يفعله الناطق إجمالاً.

وعليه، فوجوب عقد قلبه بمعنى التلبية لا وجه له.

***

ص: 110

مبدأ اشتقاق التلبية

التنبيه الثاني: أصل (لبّيك) لبين لكَ . كما عن «المصباح المنير»(1) والجوهري(2)وغيرهما، فحذف اللّام واُضيف إلى الكاف، فحذف النون.

وعن يونس(3): أنّه غير مثنّى بل اسمٌ مفردٌ متّصلٌ بالضمير، بمنزلة (علي ولدي) إذا اتّصل به الضمير.

وأنكره سيبويه(4) وقال: (لو كان مثل (علي ولدي) ثبتت الياء مع الضمير، وبقيت الألف مع الظاهر، وحكى من كلامهم لبّى زيد مع الإضافة إلى الظاهر، فثبوت الياء مع الإضافة إلى الظاهر، يدلّ على أنّه ليس مثل (علي ولدي) انتهى .

وفي «المجمع»(5): (ولبّى بالحَجّ تلبية، أصله لبّيت بغير همزة، قال الجوهري:

قال الفّراء: ربما أخرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز) انتهى .

وهو مصدرٌ منصوبٌ بفعل مقدّر، قال سيبويه(6): انتصبَ لبّيك كما انتصبَ سُبحان اللّه.

وعن «الصحاح»(7): (نُصب على المصدر كقولك حمد اللّه وشكراً، وكان حقّه

ص: 111


1- المصباح المنير: ج 2/547 قوله: (اللّبُّ ) الإقامة وأصل (لبيّك) لبين لك فحذفت النون للإضافة، وحكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 15/67.
2- الصحاح: ج 1/216.
3- كما قاله في المصباح والحدائق الناضرة (المصدر السابق).
4- كما حكاه في المصباح والحدائق الناضرة (المصدر السابق). قال في المصباح: (وأنكره سيبويه وقال لو كان مثل علي ولدي ثبتت الياء مع المضمر وبقيت الألف مع الظاهر).
5- مجمع البحرين: ج 4/107.
6- حكاه عنه في لسان العرب: ج 1/731.
7- الصحاح: ج 1/216.

أن يقال: لبا لك، فالمعنى حينئذٍ إمّا ألبُّ لكَ البابا بعد الباب، أو لباً بعد لب أي إقامة بعد إقامة من لب بالمكان أو ألب أي أنام، والأنسب بهيئة الثلاثي كونه من لب).

أقول: وفي معنى اللّب خلاف:

فقد يحتمل - كما عن ابن الأثير والجوهري والخليل وغيرهم - أن يكون من لب بمعنى واجه، يُقال: داري تلب دارك. أي: تواجهها، فمعناه مواجهتي وقصدي لك.

وقد يحتمل أن يكون من لب الشيء. أي خالصه، فيكون بمعنى إخلاصي لك.

واحتمل في محكى «القاموس»(1): أنّ المعنى محبّتي لك.

والذي صرّح به جماعة من القدماء والمتأخّرين من أهل اللّغة، أنّه بمعنى الإجابة، فمعنى لبّيك إجابتين لك، والنصوص توافق الأخير.

وفي «المجمع»(2): (وفي الحديث: سُمّيت التلبية إجابةً ، لأنّ موسى عليه السلام أجاب ربه، وقال: لبّيك).

أقول: ولِنعمَ ما أفاده بعض الأعاظم(3)، قال بعد نقل كلمات القوم: (وكلّها بعيدة وتخرّص في العربيّة، ولا طريق إلى إثبات بعضها، ولا يخطر منها شيءٌ في بال المتكلّم أصلاً، والأقرب أن تكون كلمةً برأسها تُستعمل في مقام الجواب للمنادي، مثل سائر كلمات الجواب، لا يختلف حالها في الظاهر والضمير).

***

التنبيه الثالث: أنّ المصرّح به في كلمات غير واحدٍ، أنّه يجوز في قوله: (إنّ 5.

ص: 112


1- القاموس المحيط: ج 1/126-127.
2- مجمع البحرين: ج 4/107.
3- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/395.

الحمد.. الخ) أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها.

وفي «العروة»(1): (والأولى الأوّل)، وعلق عليه جمعٌ من المحشّين بأنّه لا يُترك(2)، وجمعٌ منهم بقولهم: (الظاهر تعيّنه)(3)، أو ولعلّه المتعيّن(4).

والأصل في ذلك ما عن العلّامة في «المنتهى »(1) عن بعض أهل العربيّة أنّه قال:

(من قال (أن) بفتحها فقد خَصّ . ومن قال بالكسر فقد عَمّ ، وهو واضح، لأنّ الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقاً، والفتح يقتضي تخصيص التلبية، أي لبّيك بسبب أن الحمد لك..) انتهى .

أقول: بعدما لا كلام في أنّ المأمور به هو الكلام الصادر عن المعصوم عليه السلام بما له من المادّة والصورة، فلو فرضنا العلم بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أتى بها مفتوحة، لا يجوز لنا التبديل بقراءتها مكسورة.

وعليه، فحيث إنّ كيفيّة الصدور من المعصوم غير معلومة، فمقتضى القاعدة هو الاحتياط بالجمع بين الكيفيّتين، وقراءتها تارةً مكسورة واُخرى مفتوحة.

***1.

ص: 113


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/681.

ولبس ثوبين.

لبس الثوبين

(و) الثالث من واجبات الإحرام: (لبس الثوبين).

قال صاحب «المستند»(1): (وهما واجبان بلا خلافٍ يُعلم، كما في «المنتهى»(2)و «الذخيرة»(3) و «الكفاية»(4)، بل هو مقطوعٌ به في كلام الأصحاب، كما في «المدارك»(5)، بل إجماعيٌ كما عن «التحرير»(6) وفي «المفاتيح»(7) وشرحه: بل إجماعٌ محقّق. وفي «الرياض»(8): (وهما واجبان بغير خلافٍ أجده، وبه صرّح جماعة، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه).

واستدلّ له: بالإجماع، والتأسّي، وهما كما ترى، فإنّ الإجماع المعلوم مدركه ليس بحجّة، وفعله صلى الله عليه و آله أعمّ من الواجب، سيّما وأن اللّبس من العادات، إلّاأن يثبت كونه من العبادات.

أقول: الحقّ أن يستدلّ له بجملةٍ من النصوص:

ص: 114


1- مستند الشيعة: ج 11/287.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/681.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/580.
4- كفاية الأحكام: ص 58.
5- مدارك الأحكام: ج 7/274.
6- تحرير الأحكام: ج 1/96.
7- المفاتيح: ج 1/313.
8- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/250.

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلى العقيق من قِبل العراق، أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريدُ الإحرام إنْ شاء اللّه تعالى ، فانتف إبطيك، وقلّم أظفارك، وأطّل عانتك وخُذ من شاربك، ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت ثمّ استك، واغتسل وألبس ثوبيك... الحديث»(1).

ومنها: صحيحه الآخر عنه عليه السلام الوارد في إحرام الحَجّ : «إذا كان يوم التروية إنْ شاء اللّه تعالى فاغتسل ثمّ البس... الحديث»(2).

ومنها: صحيح هاشم بن سالم، قال: «أرسلنا إلى أبي عبداللّه عليه السلام ونحن جماعة ونحن بالمدينة: إنّا نريدُ أن نودّعك، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخاف أن يعزّ الماء عليكم بذي الحُليفة، فاغتسلوا بالمدينة وألبسوا ثيابكم التي تُحرمون فيها، ثمّ تعالوا فُرادى أو مثاني»(3).

ومنها: خبر زيد الشحّام، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سُئل عن امرأةٍ حاضت وهي تريد الإحرام، فتطمث ؟ قال عليه السلام: تغتسل وتحتشي بكُرسفٍ وتلبس ثياب الإحرام وتحرم»(4).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة.

ولا يضرّ بذلك ذكر لبس الثوبين في عداد المستحبّات، لما مرّ غير مرّة من أنّه إذا أمر المولى بعدة اُمور، ولو كان ذلك بأمرٍ واحد، فضلاً عن أوامر عديدة، ورخّص في المخالفة بالنسبة إلى بعض تلك الاُمور، حُكم بكون ذلك البعض مستحبّاً، وما لم8.

ص: 115


1- الكافي: ج 4/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/336 ح 3807.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/167 ح 3، وسائل الشيعة: ج 11/339 ح 14963.
3- الكافي: ج 4/328 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/326 ح 16418.
4- الكافي: ج 4/445 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/400 ح 16618.

يرخّص فيه واجباً، وعليه فوجوب لبس الثوبين ممّا لا ينبغي التوقّف فيه.

وعليه، فلا يخفى ضعف ما قاله صاحب «كشف اللّثام»(1): (وأمّا لبس الثوبين فإنْ كان على وجوبه إجماعٌ كان هو الدليل، وإلّا فالاخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندة له، مع أنّ الأصل العدم)، وإن لم يستبعده بعض الأعاظم(2).

بحث: وهل يختصّ وجوب اللّبس بالرجال أم يعمّ المرأة ؟ وجهان:

قوّى صاحب «الجواهر»(3) الاختصاص، بعد أن حكى الثاني عن بعض الأفاضل، واستدلّ لما قوّاه بعدم شمول النصوص السابقة للإناث إلّابقاعدة الاشتراك، التي يخرج عنها هنا لظاهر النص والفتوى.

وفيه: أنّ المخاطب في أكثر النصوص وإنْ كان هو الرّجل، ولكن هذا الخطاب كسائر خطابات الأحكام المتوجّهة إلى الرّجل، الّتي بناء الأصحاب على التعدّي منه إلى المرأة لا لقاعدة الاشتراك، بل لفهم عدم الخصوصيّة، ويؤكّد ذلك ما يظهر من بعض الأخبار ثبوت الحكم لها، كخبر زيد المتقدّم، ومثله موثّق يونس بن يعقوب، قال:

«سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحائض تريد الإحرام ؟ قال: تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكُرسف، وتلبس ثوباً دون ثياب إحرامها... الحديث»(4).

وعليه، فالأظهر ثبوت الحكم لها أيضاً.

***7.

ص: 116


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/273.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/425.
3- جواهر الكلام: ج 18/245.
4- الكافي: ج 4/444 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/399 ح 16617.

لبس الثوبين ليس شرطاً للصحّة

أقول: ها هنا عدّة فروع ينبغي التعرّض لها:

الفرع الأوّل: هل يكون لبس الثوبين من شرائط صحّة الإحرام، بحيث لا يدخل الحاجّ أو المُعتمر في الحَجّ أو العُمرة ما لم يلبسهما؟

أو لا تكون التلبية غير المسبوقة به مُحرّمة لما يحرم بالإحرام ؟

أم لا يكون كذلك، بل هو من الواجبات التعبّديّة النفسيّة ؟

نُسب الأوّل إلى ظاهر الإسكافي(1)، وأنكره صاحب «المستند»(2)، وأمّا الثاني فمصرّح به في كلام جماعة كالمقداد(3) والشهيد الثاني(4) وسبطه(5) وصاحب «الذخيرة»(6) وجماعة ممّن تأخّر عنهم، بل نُسب إلى ظاهر الأصحاب.

قال في محكي «الدروس»(7): (وهل اللّبس من شرائط الصحّة، حتّى لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد؟ نظرٌ، وظاهر الأصحاب انعقاده، حيث قالوا: (لو أحرم وعليه قميصٌ نزعه ولا يشقّه، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقّه وإخراجه من تحته كما هو مرويّ ) انتهى .

ص: 117


1- حكاه عنه الشهيد في الدروس: ج 1/345 (ط. ج) إلى أن قال: (وظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرّد)، وأيضاًحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة: ج 11/289.
2- مستند الشيعة: ج 11/289.
3- التنقيح: ج 1/460.
4- مسالك الأفهام: ج 2/224.
5- مدارك الأحكام: ج 7/274.
6- ذخيرة المعاد: ج 3/580.
7- الدروس: ج 1/345.

أقول: وتنقيح القول أن في المقام مسألتين.

إحدهما: اشتراط التجرّد.

والاُخرى : اشتراط لبس الثوبين.

المسألة الاُولى: الظاهر أنّ الإسكافي قائلٌ باشتراط التجرّد، وكيف كان فظاهر كلام الأصحاب الذي نقله الشهيد، عدم اشتراط التجرّد، إذ لو كان ذلك شرطاً كان اللّازم تجديد النيّة والتلبية، وظاهرهم عدم الاحتياج إلى ذلك.

والنصوص أيضاً شاهدة بذلك، لاحظ:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، وغير واحدٍ، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجل أحرم وعليه قميصه ؟ فقال عليه السلام: ينزعه ولا يشقّه، وإنْ كان لبسه بعدما أحرم شقّه وأخرجه من ما يلي رجليه»(1).

مقتضى إطلاق ذلك عدم الفرق بين العامد والجاهل والناسي.

2 - وصحيح صفوان عن خالد بن محمّد الأصم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «فيمن لبس قميصاً؟ فقال له: كيف صنعتَ؟ قال: أحرمتُ هكذا في قميصي وكسائي. فقال:

أنزعه من رأسك، ليس يُنزع هذا من رجليه، إنّما جهل. فأتاه غير ذلك، فقال: ما تقول في رجلٍ أحرم في قميصه ؟ قال: ينزعه من رأسه»(2). ونحوه خبر عبد الصمد ابن بشير(3).

قد يقال: إنّ الخبرين مختصّان بالجاهل، فيقيّد إطلاق صحيح معاوية بهما كما1.

ص: 118


1- الكافي: ج 4/348 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/488 ح 16860.
2- الكافي: ج 4/348 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/489 ح 16862.
3- وسائل الشيعة: ج 12/488 ح 16861.

في «الحدائق»(1).

وفيه أوّلاً: أنّ ذيل الخبر متضمّنٌ لسؤالٍ وجواب آخرين، وهو مطلق.

وثانياً: أنّ قوله: (إنّما جهل) علّةٌ لعدم النزع من الرجلين، وأنّه يجوز أن ينزعه من رأسه، فمفهومه أنّ العالم ينزعه من رجليه، ولازم ذلك صحّة إحرامه، فهما أيضاً يدلّان على انعقاد الإحرام في صورة العلم أيضاً.

أقول: وأضعف من ذلك استدلاله قدس سره لعدم الاشتراط بعد ذلك بما دلّ على أنّ الإحرام هو النيّة والتلبية ونزع الثياب، أمّا لبس الثوبين فغير داخلين في حقيقته، فإنّه إذا كان للخبرين مفهوم، وكان مفهومه ما استظهره من البطلان في صورة العلم، كانا هما الدليل على البطلان، وبهما يخرج عن ما ذكر، وإن لم يكن لهما مفهوم، لما كان وجه لتقيّيد إطلاق صحيح معاوية بهما، لعدم حمل المطلق على المقيّد في المتوافقين.

وأمّا مصحّح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ لبستَ ثوباً في إحرامك لايصلح لك لبسه، فلبّ وأعِد غسلك، وإنْ لبستَ قميصاً فشقّه وأخرجه من تحت قدميك»(2).

فالظاهر منه غير ما نحن في، وهو اللّبس بعد الإحرام، وصريحه الفرق بين لبس الثياب ولبس القميص، لكن بما أنّه لم يعمل به أحدٌ فيُطرح.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم اشتراط التجرّد.

وأمّا المسألة الثانية: وهي اشتراط لبس الثوبين فيه، فالأظهر عدمه أيضاً، وذلك لأنّ صحيح معاوية وإن لم يكن مربوطاً بذلك، لوروده في التجرّد، إلّاأنّه3.

ص: 119


1- الحدائق الناضرة: ج 15/78.
2- الكافي: ج 4/348 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/489 ح 16863.

يمكن الاستدلال لعدم اعتباره فيه بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ الخبرين الآخرين وإنْ كان موردهما الجهل، إلّاأنّه من جهة أنّ المفروض فيهما عدم لبس الثوبين، حيث حكم عليه السلام بالصحّة ونزع لباسه من رأسه، وعلّله بما مفهومه أنّه لو فعل ذلك عالماً، نزع لباسه من رجليه، يدلّان على الصحّة مع عدم لبسهما عالماً.

الوجه الثاني: أنّه مقتضى إطلاق صحيح معاوية، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، والإشعار، والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم»(1).

فإنّ مقتضى إطلاقه عدم اعتبار شيء آخر، فيه ومنه لبس الثوبين، فالأظهر عدم اعتباره فيه أيضاً.

ثمّ إنّه قد يقال: إنّه لو أحرم في قميصه عالماً عامداً، وجب عليه الإعادة لا لشرطيّة لبس الثوبين أو التجرّد عن ثيابه، بل لأنّ الإحرام عبارة عن العزم على ترك المحرّمات التي منها لبس المخيط، فذلك منافٍ للنيّة، فلا ينعقد الإحرام.

ولكن يرد عليه: ماتقدّم من أنّ الإحرام عبارة عن الالتزام والبناء النفساني علي تحريمها على نفسه، وهذا الالتزام لا ينافي وجوده مع فعل المُحرّم فلا يكون باطلاً.

***

كيفيّة لبس الثوبين

الفرع الثاني: لا إشكال في أنّ المراد بالثوبين الرداء والإزار، ويشهد به صحيح ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام، وفيه: «لمّا نزل - أي رسول اللّه صلى الله عليه و آله - الشجرة أمر

ص: 120


1- تهذيب الأحكام: ج 5/43 ح 58، وسائل الشيعة: ج 11/279 ح 14798.

الناس بنتف الإبط، وحلق العانة والغُسل والتجرّد في إزار ورداء، وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء»(1).

وفي صحيح محمّد وغيره: «ويلبس المُحرِم القباء إذا لم يكن له رداء»(2).

وفي صحيح ابن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «ولا تلبس سراويل إلّاأن لا يكون لك إزار»(3). ونحوها غيرها.

الظاهر في كيفيّة لبسهما: الإتّزار بالارتداء بالرداء والإزار على ما هو المعروف بين الأصحاب ما يستر ما بين السُّرة والركبة، والرداء ما يستر المنكبين، وقد نفى الإشكال سيّد «الرياض»(4) عن ذلك، ولكن صرّح صاحب «الجواهر»(5) بأنّ اللّازم فيهما الرجوع إلى العرف، ولعلّ أهل العرف يرون اعتبار ستر أزيد من ما بين المنكبين بالرداء، وعلى هذا فيغطّي بالإزار ما بين السُّرة والرّكبة، وبالرداء ما يستر المنكبين وأزيد.

وعن الشيخ(6) والحِلّي(7)، و «القواعد»(8) و «المسالك»(9)، وبعض آخر التخيّير في الرداء بين الإرتداء والتوشّح، وهو تغطية أحد المنكبين.8.

ص: 121


1- الكافي: ج 4/249 ح 7، وسائل الشيعة: ج 11/223 ح 14658.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/340 ح 2616، وسائل الشيعة: ج 12/487 ح 16857.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/69 ح 35، وسائل الشيعة: ج 12/473 ح 16816.
4- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/252.
5- جواهر الكلام: ج 18/239.
6- الخلاف: ج 2/298.
7- السرائر: ج 1/527.
8- قواعد الأحكام: ج 1/473.
9- مسالك الأفهام: ج 2/238.

وعن الأزهري(1) التوشّح أن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ويُلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشّح بالسيف.

وعن «الوسيلة»(2): التوشّح من غير ذكر للارتداء.

واستدلّ الأولون: بالإطلاق.

وعن «كشف اللّثام»(3): (ولا يتعيّن شيء من الهيئتين، للأصل من غير معارضٍ ، بل يجوز التوشّح بالعكس أيضاً، أي إدخال طرفه تحت الإبط الأيسر وإلقاؤه على الأيمن) انتهى .

وفيه: أنّ الظاهر من لبس الرداء الإرتداء به، كما يظهر لمن راجع نظائره، فهل ترى أنّه لو أمر بلبس العمامة أو المنطقة، فهل يتوقّف أحدٌ في أنّ المراد التعمّم والتمنطق، فكذلك في المقام.

وأمّا الثاني: فلم يُذكر له دليلٌ وضعفه ظاهر، فالأظهر هو الإرتداء به.

وهل يجوز عقد الرداء أم لا كماعن المصنّف والشهيد في «الدروس»(4)؟ وجهان:

أظهرهما المنع، فإنّ المنساق من الأمر بالارتداء المستفاد من لبس الرداء، هو لبسه بطريقه المتعارف، وهو الإلقاء دون العقد والشّد، فإنّه غير الإرتداء.

وربما يستدلّ له بموثّق سعيد الأعرج: «أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يعقد إزاره في عنقه ؟ قال عليه السلام: لا»(5).6.

ص: 122


1- كما حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 5/275.
2- الوسيلة: ص 173.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/275.
4- الدروس: ج 1/344.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/345 ح 2641، وسائل الشيعة: ج 12/502 ح 16906.

وخبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «المُحرِم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده»(1).

بناءً على أنّ المراد بالإزار الرداء بقرينة السؤال، لأنّه هو الذي يعقد في العنق، لكنّه خلاف الظاهر، وسيجيء الكلام فيه في خبر القداح.

وأمّا الإزار: فقد صرّح جماعة بجواز عقده مطلقاً.

فعن «المنتهى»(2): (يجوز للمُحرِم أن يعقد إزاره عليه، لأنّه يحتاج إليه لستر العورة).

وعن بعضٍ : (عدم جواز عقده في العنق، وجواز عقده في الوسط).

وقد يقال بعدم جوازه مطلقاً.

دليل الأوّل: الأصل، وخبر القداح، عن جعفر عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان لا يرى بأساً بعقد الثوب إذا قصر، ثمّ يُصلّي فيه وإنْ كان مُحرِماً»(3).

ودليل الثاني: موثّق سعيد، وخبر عليّ بن جعفر عليه السلام المتقدّمان.

ودعوى : أنّه من المحتمل كون السؤال في الموثّق عن وجوب العقد، لمناسبة الستر الذي هو أقرب إلى مقام العبادة، فيكون النفي في الجواب بنفي الوجوب، وخبر عليّ ضعيف السند.

مندفعة: بأنّ الظاهر من السؤال، هو السؤال عن أصل الجواز، فالجواب يكون نفياً إيّاه.7.

ص: 123


1- وسائل الشيعة: ج 12/503 ح 16910، قرب الإسناد ص 106.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
3- الكافي: ج 4/347 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/502 ح 16907.

ودليل الثالث: مكاتبة محمّد بن عبداللّه بن جعفر إلى صاحب الأمر أرواحنا فداه، المرويّة في «الاحتجاج»: «أنّه كتبَ إليه يسأله عن المُحرِم يجوز أن يشدّ المئزر من خلفه على عنقه.. إلى آخر ما ذكر في السؤال ؟

فأجاب عليه السلام: جائزٌ أن يتّزر الإنسان كيف شاء، إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة تُخرجه به عن حَدّ المئزر، وغرزه غرزاً، ولم يعقده ولم يشدّ بعضه ببعض، وإذا غطّى سرّته وركبتيه كلاهما فإنّ السنّة الُمجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين، والأحبّ إلينا والأفضل لكلّ أحدٍ شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعاً»(1).

أقول: لكن المكاتبة ضعيفة، إذ لم يذكر صاحب «الاحتجاج» سندها، وكذا خبر عليّ ، وأمّا موثّق سعيد فمختصّ بالعقد في العنق حيث ينهى عنه، وبه يقيّد إطلاق خبر القداح، وعليه فالقول الثاني أظهر.

ومقتضى إطلاق خبر القداح جواز عقده الرداء، ولكن في شموله له تأمّلاً، وطريق الاحتياط معلوم.

والظاهر من النصوص اعتبار تعدّد الثوب، فلا يكفي ثوب طويل يتّزر ببعضه، ويرتدي بالباقي، وعليه فما عن الشهيد في «الدروس»(2) من الاكتفاء به ضعيفٌ .

***4.

ص: 124


1- وسائل الشيعة: ج 12/502 ح 16908، الإحتجاج: ج 2/485.
2- الدروس: ج 1/344.

الإحرام في القميص جاهلاً أو ناسياً

الفرع الثالث: لو أحرم في القميص جاهلاً أو ناسياً نزعه، وصحّ إحرامه كما تقدّم، أمّا لو لبسه بعد الإحرام، فالمشهور أنّ اللّازم شقّه وإخراجه من الأسفل، والشاهد به النصوص المتقدّمة بعضها، لاحظ:

1 - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا لبست قميصاً وأنتَ محرم فشقّه، وأخرجه من تحت قدميك»(1).

2 - صحيح ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار وغير واحدٍ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ أحرم وعليه قميصه ؟ فقال: ينزعه ولا يشقّه، وإنْ كان لَبَسه بعدما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه»(2).

وخبري عبد الصمد(3)، وخالد بن محمّد المتقدّمين(4).

ومقتضى خبر خالد من جهة التعليل الوارد فيه بنزع الثوب من الرأس بكونه جاهلاً، أنّ العالم إذا أحرم في قميصه لاينزعه من رأسه، لكنّه ضعيف السند، فتأمّل، ومقتضى إطلاق النصوص أنّ حكمه حكم الجاهل.

***

ص: 125


1- تهذيب الأحكام: ج 5/72 ح 45، وسائل الشيعة: ج 12/488 ح 16859.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/72 ح 46، وسائل الشيعة: ج 12/488 ح 16860.
3- وسائل الشيعة: ج 12/488 ح 16861.
4- وسائل الشيعة: ج 12/489 ح 16862.

استدامة لبس الثوبين

الفرع الرابع: قال صاحب «المستند»(1): (الظاهر كما صرّح به جماعة منهم «المدارك»(2) و «الذخيرة»(3) وغيرهما، عدم وجوب استدامة اللّبس، لصدق الامتثال، وعدم دليل على وجوب الاستمرار، ويدلّ عليه أيضاً مثل رواية زيد:

«عن امرأةٍ حاضت وهي تريد الإحرام فطمثت ؟ فقال: تغتسل وتحتشي بكرسفٍ ، وتلبس ثياب الإحرام وتحرم، فإذا كان اللّيل خلعتها ولبست ثيابها الاُخر حتّى تطهر»(4). انتهى .

وفي «الرياض»(5): (والظاهر أنّه لايجب استدامة اللّبس كما صرّح به جماعة، لصدق الامتثال وعدم دليل على وجوب الاستمرار) انتهى .

وفي «الجواهر»(6): (نعم لا تجب استدامة اللّبس ما دام مُحرِماً كما قطع به في «المدارك» للأصل، بعد صدق الإمتثال بالطبيعة).

ونحوها كلمات غيرهم.

أقول: لا يبعد أن يقال إنّه من الأمر بلبس ثوبين بعد التجرّد عن ثيابه، وحرمة لبسها ما دام محرم، ينسبق إلى الذّهن وجوب لبسهما ما دام محرماً على نحو ما يلبس

ص: 126


1- مستند الشيعة: ج 11/293-294.
2- مدارك الأحكام: ج 7/274.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/580.
4- الكافي: ج 4/445 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/400 ح 16618.
5- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/253.
6- جواهر الكلام: ج 18/239.

ثيابه، غير المنافي لنزعهما في حال النوم وما شاكل، وأمّا مجرّد لبسهما ونزعهما، فالظاهر عدم كونه مطلوباً ومأموراً به بالخصوص.

نعم، يجوز تبديلهما وغسلهما إذا احتاج إلى الغَسل، للأصل، وللنصوص:

ففي صحيح معاوية بن عمّار، قال أبو عبداللّه عليه السلام: «لا بأس بأن يغيّر المُحرِم ثيابه، ولكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللّذين أحرم فيهما، وكره أن يبيعهما»(1).

وفي صحيح الحلبي عنه عليه السلام في حديثٍ : «لا بأس أن يحوّل المُحرِم ثيابه»(2).

ونحوهما غيرهما.

وأمّا خبر زيد - فمضافاً إلى أنّه مختصٌّ بالخلع باللّيل - إنّما هو في مورد الضرورة، وللتحفّظ على الطهارة، بل يمكن أن يقال إنّ قوله: (خلعتها في اللّيل حتّى تطهر)، دليلٌ على أنّ الاستدامة مأمور بها.

فالمتحصّل: أنّه لا إشكال في جواز غَسل ثوبي الإحرام إذا احتاج إليه، كما لا كلام في جواز تبديلهما بثوبين آخرين، ولكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللّذين أحرم فيهما، ويجوز خلعهما في حال النوم والاغتسال، وأمّا جواز خلعهما وستر العورة بشيء آخر، ويُتمّ مناسكه كذلك، ففيه توقّفٌ وإشكالٌ ، وإنْ كان ظاهر الأساطين المفروغيّة عنه، وطريق الاحتياط معلوم.

***8.

ص: 127


1- الكافي: ج 4/341 ح 11، وسائل الشيعة: ج 12/363 ح 16516.
2- الكافي: ج 4/343 ح 20، وسائل الشيعة: ج 12/364 ح 16518.

حكم الزيادة على الثوبين

الفرع الخامس: المشهور بين الأصحاب أنّه يجوز الزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام، وفي الأثناء للاتّقاء من البرد والحَرّ، بل عن «المفاتيح»(1) وشرحه دعوى نفي الخلاف في ذلك، ويشهد به:

مصحّح الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يتردّى بالثوبين ؟ قال: نعم، والثلاثة إنْ شاء يتّقي بها البرد والحَرّ»(2). ونحوه غيره.

بل الظاهر جواز ذلك اختياراً، كما صرّح به غير واحدٍ:

منها: مصحّح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن المُحرِم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها؟ قال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة»(3).

***

ص: 128


1- حكاه عنه السيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 6/226، (ط. ج) وفي هامشه: (مفاتيح الشرائع: ج 1/317).
2- الكافي: ج 4/341 ح 10، وسائل الشيعة: ج 12/362 ح 16514.
3- الكافي: ج 4/340 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/363 ح 16515.

ممّا يصحّ فيه الصلاة.

اعتبار كون الثوب ممّا تصحّ فيه الصلاة

الفرع السادس: صرّح غير واحد في كتبهم كالمبسوط(1) و «المصباح»(2)ومختصره، و «الاقتصاد»(3) و «الكافي»(4) و «الغُنية»(5) و «المراسم»(6) و «النافع»(7)و «القواعد»(8) و «المنتهى»(9) و «التحرير»(10) و «اللّمعة» و «الروضة»(11)و «المسالك»(12)، وفي المتن وغيرها(13): أنّه يشترط في ثوبي الإحرام كونهما (ممّا يصحّ فيه الصلاة).

وعن «الكفاية»(14): أنّه المعروف من مذهب الأصحاب.

ص: 129


1- المبسوط: ج 1/319.
2- مصباح المتهجّد: ص 676.
3- الاقتصاد: ص 301.
4- الكافي: ص 207.
5- غنية النزوع: ص 574.
6- المراسم: ص 108.
7- المختصر النافع: ص 83.
8- قواعد الأحكام: ج 1/80.
9- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/681.
10- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/574.
11- الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 2/231.
12- مسالك الأفهام: ج 2/237.
13- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/14.
14- كفاية الأحكام: ص 58.

وعن «المفاتيح»(1): أنّه لا خلاف فيه.

وعن «شرح المفاتيح»: أنّه اتّفقت عليه كلمة الأصحاب.

أقول: وقد استدلّوا لذلك بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع.

وفيه أوّلاً: أنّه غير ثابت، إذ المحكيّ عن كثيرٍ من الأصحاب عدم التعرّض لذلك إمّا بالكليّة كالشيخ في «الجُمل»، والحِلّي ويحيى بن سعيد، أو لجميع الأفراد كالسيّد في «الجُمل» وابن حمزة والمفيد(2).

وثانياً: أنّه لعدم كونه تعبّديّاً لا يعتمد عليه.

الوجه الثاني: ما دلّ على رجحان دوام لبسهما والتكفّن بهما، والطواف بهما ونحو ذلك ممّا يدلّ على قابليّتهما للصلاة التي لا ينفكّ المكلّف عنها، فضلاً عن الطواف وصلاته.

وفيه: أنّ ذلك لو كان على وجه اللّزوم، كان الاستدلال متيناً، وحيث إنّه على غير وجه اللّزوم، فغاية ما يدلّ عليه رجحان كونهما ممّا يصحّ الصلاة فيه لا لزومه.

الوجه الثالث: صحيح حريز أو حسنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قال: كلّ ثوبٍ تُصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»(3).

وأُورد عليه: بعدم صراحته في الحُرمة، لأنّ البأس أعمٌّ منها ومن الكراهة.

وفيه: إنّ البأس الذي هو بمعنى العذاب أو الشدّة، ظاهرٌ في الحرمة، مع5.

ص: 130


1- المفاتيح: ج 1/317.
2- حكاه عنهم في مستند الشيعة: ج 11/295.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/334 ح 2595، وسائل الشيعة: ج 12/359 ح 16505.

أنّ الحرمة كالوجوب يكفي في الحكم بها إبراز انزجار المولى وعدم الترخيص في الفعل.

ولكن الذي يرد على الخبر: أنّ دلالته على ما ذكر إنّما تكون بمفهوم الوصف، وهو غير حجّة كما حُقّق في محلّه(1).

الوجه الرابع: التأسّي، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحرم في الثوب الذي كان يُصلّي فيه، كما يفصح عن ذلك خبر معاوية، عن الصادق عليه السلام: «كان ثوبا رسول اللّه صلى الله عليه و آله اللّذين أحرم فيهما يمانيّين عبري وأظفار، وفيهما كُفِّن»(2).

وفيه: إنّ الفعل أعمٌّ من الوجوب، ولذ لم يتوهّم أحدٌ لزوم كون الثوب يمانيّاً، فإذاً لا دليل على هذه الكليّة.

نعم، في بعض ما لا يجوز الصلاة فيه لا يجوز الإحرام، وهو موارد:

اعتبار طهارة ثوبي الإحرام

المورد الأوّل: الثوب النجس.

ويشهد للزوم طهارة ثوبي الإحرام حسن معاوية أو صحيحه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن المُحرِم يصيب ثوبه الجنابة ؟ قال عليه السلام: لا يلبسه حتّى يغسله وإحرامه تامّ »(3).

وصحيحه الآخر عنه عليه السلام: «عن المُحرِم يقارن بين ثيابه الّتي أحرم فيها وبين غيرها؟ قال عليه السلام: نعم إذا كانت طاهرة»(4).

ص: 131


1- ذكره في مستند الشيعة: ج 11/295.
2- الكافي: ج 4/339 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/359 ح 16506.
3- وسائل الشيعة: ج 12/476 ح 16822.
4- الكافي: ج 4/340 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/363 ح 16515.

وعن «كشف اللّثام»(1): (ولنحو هذين الخبرين نصّ ابن حمزة على عدم جواز الإحرام في الثوب النجس).

وفي «المبسوط»(2): (ولا ينبغي إلّافي ثيابٍ طاهرة نظيفة).

وفي «النهاية»(3): (ولا يحرم إلّافي ثيابٍ طاهرة نظيفة).

ونحوه عن «السرائر»(4) وغيرها.

أقول: ولكن ظاهر الخبرين، عدم جواز لبس النجس حال الإحرام مطلقاً، وقد حملهما سيّد «المدارك»(5) على ابتداء اللّبس، لأنّ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن، إلّاأن يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضاً للإحرام، وإنْ لم أقف على مصرّح به.

وفيه: أنّ ذلك خلاف ظاهرهما، لو لم يكن خلاف نصّ الأوّل منهما.

وفي «الجواهر»(6): (إنّ الخبر ظاهرٌ في اعتبار الطهارة فيهما حال الإحرام ابتداءً واستدامةً ، ولكن يقتصر على الأوّل لاعتضاده بالفتاوي دون غيره الباقي على حكم الأصل).

وفيه: أنّه لا مجال للرجوع إلى الأصل مع إطلاق الدليل، ولم يثبت من الأصحاب اقتصارهم على حال الابتداء.

وبالجملة: الأظهر اعتبار الطهارة فيهما.0.

ص: 132


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/276.
2- المبسوط: ج 1/319.
3- النهاية: ص 217.
4- السرائر: ج 1/542.
5- مدارك الأحكام: ج 7/275.
6- جواهر الكلام: ج 18/240.

الإحرام في الثوب المغصوب والجلد والحرير

المورد الثاني: الثوب المغصوب وما شاكله من الثياب الّتي يحرم لبسها مطلقاً، فإنّ الظاهر عدم جواز الإحرام فيها، واعتبار أن لا يكون ثوبا الإحرام كذلك، والوجه فيه ما ذكرناه في الاُصول(1) من أنّه في موارد اجتماع الأمر والنهي إنْ كان المأمور به والمنهيّ عنه عنوانين منطبقين على شيء واحد ووجود فارد وكان التركيب اتّحادياً، فلا مناص عن القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي، وحينئذٍ يقع التعارض بين إطلاقي دليلي الأمر والنهي، ولابد من تقديم أحدهما، فلو قُدّم إطلاق دليل النهي خرج المجمع عن حيّز الأمر واقعاً، ويصبح متمحّضاً في الحرمة، فلا يقع امتثالاً للأمر، وهذا بخلاف ما إذا كان لكلّ منهما وجودٌ منحازٌ عن الآخر، وكان التركيب بينهما انضماميّاً، فإنّه لابدّ من البناء على الجواز، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الحكم لا يسري عن متعلّقه إلى مقارناته.

وعلى هذا، ففي المقام إذا كان الثوبان مغصوبين، فبما أنّ الإرتداء والاتّزار بالثوبين واجبان، ومعلوم أنّ ذينك يعدّان تصرّفاً في الثوبين فينطبق على الإرتداء والاتّزار عنوان الغصبيّة مثلاً، فيتّحد المأمور به والمنهي عنه وجوداً، وحيث أنّ الإطلاق في طرف الأمر بدلي، وفي طرف النهي شمولي، فيقدّم إطلاق دليل النهي، فلا يقع المأتي به مصداقاً لما أمر به من لبس الثوبين، ولا ينطبق الطبيعة المأمور بها عليه، وتفصيل القول في ذلك موكولٌ إلى محلّه(2).

المورد الثالث: منع جماعة من الأصحاب لبس الجلد من الميتة أو ممّا لا يؤكل لحمه في الإحرام، ومنهم من منع عن كلّ جلدٍ حتّى المأكول، واستدلّ له، بصحيح

ص: 133


1- زبدة الاصول: ج 2/424.
2- زبدة الاصول: ج 2/424.

حريز المتقدّم، بتقريب أنّ الثوب لا يصدق على الجلد.

وفيه: أنّه لو سُلّم عدم صدق الثوب على بعض الجلود، لا نُسلّم عدم صدقه على جميعها، مع أنّ دلالة الصحيح على ذلك متوقّفة على القول بمفهوم اللّقب، ولم يقُل به أحد.

وعليه، فالأولى على فرض تسليم عدم صدق الثوب عليه، أن يستدلّ بالأمر الوارد بلبس الثوبين في الإحرام.

المورد الرابع: الحرير المحض المُحرّم على الرجال لبسه، والظاهر أنّه لا خلاف في اعتبار أن لا يكون ثوب الإحرام حريراً، كما في «الجواهر»(1).

ويشهد له: - مضافاً إلى ما ذكرناه في المغصوب - خبر أبي بصير، قال: «سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الخميصة سُداها إبريسم، ولُحمتها من غزل ؟ قال عليه السلام: لا بأس بأن يحرم فيها، إنّما يُكره الخالص منه»(2).

ونحوه خبر أبي الحسن النهدي(3).

إذ من المعلوم - سيّما بقرينة نفي البأس أوّلاً، وحرمة لبس الحرير في نفسه - إرادة الحرمة من الكراهة فيهما.

وبما ذكرناه يظهر عدم جواز الإحرام للرجال في المُذّهب.

***3.

ص: 134


1- جواهر الكلام: ج 18/241.
2- الكافي: ج 4/339 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/361 ح 16511.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/337 ح 2611، وسائل الشيعة: ج 12/362 ح 16513.

إحرام النساء في الحرير

هل يجوز للمرأة أن تحرم في الحرير المحض كما عن المفيد(1) في كتاب أحكام النساء، وابن إدريس في «السرائر»(2)، والمصنّف في «القواعد»(3)، وأكثر المتأخّرين، بل هو المشهور بينهم، واختاره في «الجواهر»(4)، ومالَ إليه السيّد في «المدارك»(5)، والفاضل الخراساني(6)؟

أم لا يجوز، كما عن الصدوق(7)، والشيخ المفيد في «المقنعة»(8)، والسيّد في «الجُمل»(9)، والشهيد في «الدروس»(10)، ونسبه في محكي «النافع»(11) إلى أشهر الروايتين، واختاره في «الحدائق»(12) و «المستند»(13)؟

وجهان، ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الاُولى : ما يدلّ على الجواز بنحو العموم، وهو صحيح حريز المتقدّم

ص: 135


1- أحكام النساء (مصنّفات الشيخ المفيد 9) ص 35.
2- السرائر: ج 1/531.
3- قواعد الأحكام: ج 1/419.
4- جواهر الكلام: ج 18/244.
5- مدارك الأحكام: ج 7/276-277.
6- ذخيرة المعاد: ج 3/581.
7- المقنع: ص 72.
8- المقنعة: ص 396.
9- جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3/66.
10- الدروس: ج 1/344.
11- المختصر النافع: ص 83.
12- الحدائق الناضرة: ج 15/88.
13- مستند الشيعة: ج 11/299.

الدالّ على أنّه يجوز الإحرام في كلّ ثوبٍ يجوز الصلاة فيه، بناءً على جواز الصلاة للنساء في الحرير المحض، كما هو المشهور.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الجواز في خصوص الإحرام:

1 - صحيح يعقوب بن شعيب، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والخَزّ والديباج ؟ فقال: نعم لا بأس به، وتلبس الخلخالين والمسك»(1).

المسك: قيل إنّه جلود دابّة بحريّة.

وعن «النهاية»: (المَسَكة بالتحريك: السّوار من الذبل وهي قرون الأوعال)(2).

2 - وخبر النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سألته عن المُحرِمة أيّ شيء تلبس من الثياب ؟ قال عليه السلام تلبس الثياب كلّها إلّاالمصبوغة بالزّعفران والوَرَس، ولا تلبس القفازين»(3).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على المنع:

1 - صحيح عيص بن القاسم، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: المرأة المُحرِمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين»(4).

2 - وخبر أبي عيينة، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي مُحرِمة ؟ فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين والبرقع والحرير. قلت: أتلبس الخَزّ؟ قال: نعم. قلت: فإنّ سُداه ابريسم وهو حرير؟ قال عليه السلام: ما لم يكن حريراً3.

ص: 136


1- تهذيب الأحكام: ج 5/74 ح 54، وسائل الشيعة: ج 12/366 ح 16525.
2- النهاية في غريب الحديث (لابن الأثير): ج 4/331.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/74 ح 52، وسائل الشيعة: ج 12/366 ح 16526.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/73 ح 51، وسائل الشيعة: ج 12/368 ح 16533.

خالصاً فلا بأس»(1).

3 - وموثّق أسماعيل بن الفضيل(2)، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوباً حريراً وهي مُحرِمة ؟ قال عليه السلام: لا، ولها أن تلبسه في غير إحرامها»(3).

4 - موثّق ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام: «النساء يَلْبَسن الحرير والديباج إلّافي الإحرام»(4).

5 - وموثّق سماعة: «أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح أن تلبس حريراً محضاً لا خلط فيه»(5). ونحوها غيرها.

الطائفة الرابعة: ما تضمّن لفظ الكراهة:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخَزّ، وليس يكره إلّاالحرير المحض»(6).

2 - وخبر أبي بصير المرادي: «أنّه سُئل أبا عبداللّه عليه السلام عن القَزّ تلبسه المرأة في الإحرام ؟ قال عليه السلام: لا بأس، إنّما يكره الحرير المبهم»(7).

3 - وصحيح أبي الحسن الأحمسي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن العمامة السابريّة فيها علم حرير تحرم فيها المرأة ؟ قال عليه السلام نعم، إنّما كره ذلك إذا كان سُداه ولُحمته9.

ص: 137


1- تهذيب الأحكام: ج 5/75 ح 55، وسائل الشيعة: ج 12/367 ح 16527.
2- الصحيح (إسماعيل بن الفضل) كما في المصدر.
3- الكافي: ج 4/346 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/368 ح 16534.
4- الكافي: ج 6/454 ح 8، وسائل الشيعة: ج 4/379 ح 5450.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/344 ح 2635، وسائل الشيعة: ج 12/368 ح 16531.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 2/345 ح 2638، وسائل الشيعة: ج 12/367 ح 16528.
7- من لا يحضره الفقيه: ج 2/345 ح 2636، وسائل الشيعة: ج 12/367 ح 16529.

جميعاً حريراً، الحديث»(1). ونحوها غيرها.

أقول: وللأصحاب في مقام الجمع بين النصوص طرق:

الطريق الأوّل: ما عن «الذخيرة»(2) وفي «الجواهر»(3) من حمل نصوص المنع على الكراهة، جمعاً بينها وبين نصوص الجواز.

والشاهد به - مضافاً إلى كونه جمعاً عرفيّاً - الطائفة الأخيرة المتضمّنة للفظ الكراهة الظاهرة في الكراهة المصطلحة.

وفيه: أنّ الكراهة في الأخبار ليست ظاهرة في الكراهة المصطلحة، بل إطلاقها وإرادة الحرمة منها في النصوص شائعة، بل أكثر من أطلاقها على المصطلحة.

وأمّا الحمل لأجل الجمع، فيرده أنّ الجمع العرفي عبارة عن كون أحد الخبرين بنظر العرف قرينةً على الآخر، بحيث لو جمعهما في كلام واحد لا يرى العرف تهافتاً بينهما أصلاً، والمقام ليس كذلك فإنّا إذا جمعنا قوله عليه السلام: (نعم) في جواب: (وتلبس الحرير)، كما في صحيح يعقوب، مع قوله عليه السلام في صحيح العيص: (تلبس ما شاءت غير الحرير) لا محالة يكونان متهافتين، ولا يرى العرف أحدهما قرينةً على الآخر.

ومن الغريب أنّ صاحب «الجواهر» بنفسه ذكر ذلك ضابطاً للجمع العرفي، وبرغم ذلك التزم في المقام بالحمل على الكراهة جمعاً!

الطريق الثاني: ما في «الحدائق»(4) من أنّه تحمل نصوص المنع على الحرير المحض، ونصوص الجواز على الممتزج.7.

ص: 138


1- الكافي: ج 4/345 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/369 ح 16535.
2- ذخيرة المعاد: ج 3/581.
3- جواهر الكلام: ج 18/244.
4- الحدائق الناضرة: ج 15/87.

وفيه: أنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له، حتّى بالنسبة إلى صحيح يعقوب، إذ ليس فيه سوى الجواب ب (نعم) عن السؤال عن لبس الحرير، الظاهر في الخالص.

وأمّا خبر أبي عيينة الذي جَعله صاحبا «المدارك» و «الحدائق» شاهداً لهذا الجمع، لم يظهر لي وجه شهادته، فإنّه بعد أن نهى عن لبس الحرير في حال الإحرام، وسؤال الراوي أنّ سُداه ابريسم وهو حرير، قال عليه السلام: (ما لم يكن حريراً خالصاً لا بأس).

وقد يقال: إنّ نظرهما إلى أنّ روايات الجواز مطلقة من هذه الجهة، أي شاملة للخالص والممزوج، وروايات المنع مختصّة بالخالص، فيقيّد إطلاق الاُولى بالثانية.

ويرده: أنّ قوله: (ما لم يكن حريراً خالصاً) إنّما هو في جواب السؤال عن لباس الخَزّ الذي يكون سُداه من حرير، وإلّا فالحرير ظاهر في الخالص، وعلى أيّ حال لسان الأدلّة المانعة والمجوّزة واحد.

الطريق الثالث: ما في «الحدائق»(1) أيضاً من أنّ روايات المنع أكثر، والأكثريّة تُعدّ من موجبات الترجيح.

وفيه: إنّ الكثرة لم تُجعل في أخبار الترجيح من المرجّحات.

والحقّ أن يقال: إنّ الطائفة الاُولى الدالّة على جواز الإحرام في كلّ ثوبٍ يصحّ فيه الصلاة مطلقة، يقيّد إطلاقها بنصوص المنع عن إحرام النساء في الحرير.

وأمّا ما في «المستند»(2) من (أنّ الخطاب فيه إلى الرّجل حتماً أو احتمالاً).

فيرد عليه: أنّ الظاهر كون قوله: (تُصلّي وتُحرم) بصيغة المجهول، ولا مخاطب9.

ص: 139


1- الحدائق الناضرة: ج 15/87.
2- مستند الشيعة: ج 11/299.

في الخبر.

وأمّا نصوص الطائفة الثانية فعمدتها صحيح يعقوب، وهو ليس في الإحرام بل مطلق.

وما في «الجواهر»(1) من أنّه لا ريب في ظهوره في حال الإحرام، كما ترى ، فإنّ وضوح جواز لبس الخلخالين والمِسْك والقميص تزرّه عليها إنّما هو بمثل هذه النصوص، وكيف كان فهو مطلق يقيّد إطلاقه بنصوص المنع، ويختصّ بغير حال الصلاة.

وأمّا خبر النضر فهو مطلق من حيث الشمول لثوب الحرير وغيره، فيقيّد إطلاقه بنصوص المنع.

وهناك رواياتٌ اُخرى ضعيفة السند وقاصرة الدلالة، لا نتعرّض لها.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر هو المنع.

وأخيراً: إنّ روايات المنع لا تختصّ بثوبي الإحرام، بل تدلّ على عدم جواز لبس الحرير في حال الإحرام مطلقاً، فهي في حال الإحرام كالرجل في حرمة لبسها الحرير.

***3.

ص: 140


1- جواهر الكلام: ج 18/243.

الإحرام في القباء

الفرع السابع: لا إشكال في عدم جواز الإحرام في القَباء والسّراويل، بل لبسهما في حال الإحرام اختياراً.

ويشهد به: - مضافاً إلى ما دلّ على لزوم التجرّد عن الثياب، ولبس الإزار والرداء بالتقريب المتقدّم - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام: «ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «إذا اضطرّ المُحرِم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره، فليلبسه مقلوباً، ولا يدخل يديه في يدي القَباء»(2).

ومنها: صحيح عمر بن يزيد، عنه عليه السلام: «وإن لم يكن له رداء طَرَح قميصه على عنقه أو قباء بعد أن ينكسه»(3).

ومنها: خبر الحنّاط، عنه عليه السلام: «من اضطرّ إلى ثوبٍ وهو مُحرم وليس معه إلّا قباء، فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه»(4).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ :

«ويلبس المُحرِم القباء إذا لم يكن له رداء، ويقلب بظهره لباطنه»(5).

ص: 141


1- تهذيب الأحكام: ج 5/69 ح 35، وسائل الشيعة: ج 12/499 ح 16896.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/70 ح 36، وسائل الشيعة: ج 12/486 ح 16851.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/70 ح 37، وسائل الشيعة: ج 12/486 ح 16852.
4- الكافي: ج 4/347 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/486 ح 16853.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/340 ح 2616، وسائل الشيعة: ج 12/487 ح 16857.

ومنها: صحيح البزنطي، عن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من اضطرّ إلى ثوبٍ وهو مُحرِمٌ وليس له إلّاقباء، فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله وليلبسه»(1).

ومثله خبر عليّ بن أبي حمزة(2). ونحوها غيرها.

كما لا خلاف في جواز أن يلبس القباء إذا لم يكن معه ثوبُ الإحرام في الجملة.

وعن «المدارك»(3): (أنّ هذا الحكم مقطوعٌ به في كلام الأصحاب)، ويشهد به النصوص المتقدّمة.

أقول: إنّما الكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: بعدما لا شكّ في أنّ الشرط لجواز لبس القباء أحد الأمرين، وهما: فقد ثوب الإحرام، أو الاضطرار إلى اللّبس لبردٍ وشبهه، فإنّ النصوص متضمّنة لكلّ واحدٍ منهما مستقلّاً لا مجتمعاً، وقع الكلام في أنّ الشرط الأوّل هو فقد الثوبين معاً، كما عن نهاية(4) الشيخ ومبسوطه(5) وسرائر(6) الحِلّي، و «النافع»(7)و «الشرائع»(8)، بل قيل إنّه المشهور بين القدماء؟

أو فقد الرّداء خاصّة كما عن «الدروس»(9)؟4.

ص: 142


1- وسائل الشيعة: ج 12/487 ح 16858.
2- وسائل الشيعة: ج 12/487 ح 16856.
3- مدارك الأحكام: ج 7/277.
4- النهاية: ص 218.
5- المبسوط: ج 1/320.
6- السرائر: ج 1/543.
7- المختصر النافع: ص 83.
8- شرائع الإسلام: ج 1/181.
9- الدروس: ج 1/344.

أو يكفي فقد أحدهما، ولو كان هو الإزار كما عن الشهيدين في «اللّمعة»(1)و «المسالك»(2)؟

وجوه، أظهرها الثاني، لصحيحي عمر بن يزيد ومحمّد، وبهما يقيّد ما ظاهره الإطلاق أو العموم.

ومقتضى صحيح عمر طرح القباء أو القميص على العنق، ومقتضي صحيح محمّد لبسه، والأظهر هو التخيّير بينهما.

كما أنّه يظهر من صحيح عمر بن يزيد عدم الاختصاص بالقباء، وجريانه في القميص أيضاً.

وهل الحكم على وجه الرخصة أو الوجوب ؟ ظاهر الأمر في بعض النصوص المتقدّمة الوجوب.

إلّا أن يقال: إنّه لوروده مورد توهّم الحظر، لا يستفاد منه أزيد من الرخصة والجواز، ولكنّه يتمّ في لبس القباء في مورد الإضطرار، لا في مورد فقد الرداء.

ولو فقد الإزار لبس السراويل بلا خلافٍ ، ويشهد به صحيح معاوية المتقدّم وغيره من الأخبار.

الموضع الثاني: في كيفيّة لبس القباء:

فعن ابن إدريس(3): (أنّ المراد بقلب القباء، جعل ذيله فوق أكتافه، لئلّا يشبه لبس المخيط).3.

ص: 143


1- اللّمعة الدمشقيّة ص 58-59.
2- مسالك الأفهام: ج 2/485.
3- السرائر: ج 1/543.

وعن الشيخ(1) وجمعٍ من الأصحاب: أنّ المراد به جعل ظاهره باطنه.

واجتزأ المصنّف في «المنتهى»(2) و «المختلف»(3) بكلٍّ من الأمرين وتبعه جمعٌ .

وقال صاحب «المستند»(4) يجب كلا الأمرين معاً.

واستدلّ للأوّل: بصحيح البزنطي، واستأنس له بأنّ المقصود بذلك أنّه لا يشبه لبس المخيط إذا جُعل ذيله على أكتافه، فأمّا إذا قلبه وجَعل باطنه ظاهراً، فهو يشبه المخيط.

واستدلّ للثاني: بصحيح محمّد، واستأنس له بأنّه لو كان المراد جَعل الأعلى منه أسفل، لما كان مورد للنهي عن أدخال اليد في القباء، لعدم إمكانه.

واستدلّ للثالث: بأنّه مقتضي الجمع بين الطائفتين.

واستدلّ للرابع: بأنّ كلّاً من الطائفتين مطلقة بالنسبة إلى الاُخرى ، فيقيّد إطلاق كلّ منهما بالاُخرى ، فتكون النتيجة لزومهما معاً، وهو حسن.

وإنْ شئت قلت: إنّ ما يأمر بالنكس لا نظر له إلى القلب ولا ينفيه، كما أنّ ما يأمر بالقلب كذلك بالنسبة إلى النكس، فمقتضى القاعدة العمل بكلّ منهما.

وما في «الحدائق»(5): من أنّ النصوص مشتملة على بيان كيفيّة القلب وتبيّنها على هاتين الصورتين، والإنسان مخيّرٌ بينهما، وما ذكروه صورة ثالثة لا مستند لها، فهي الى خلاف الاحتياط أقرب منها إليه.4.

ص: 144


1- النهاية: ص 218، المبسوط: ج 1/320.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/683.
3- مختلف الشيعة: ج 4/68.
4- مستند الشيعة: ج 11/302.
5- الحدائق الناضرة: ج 15/94.

يرد عليه أوّلاً: أنّ كلّاً من الطائفتين متضمّن لصورة معيّنة، فالحكم بالتخيّير حكمٌ بغير ما تضمّنه كلّ منهما.

وثانياً: أنّ الجمع بينهما ليس صورة اُخرى ، بل جمعٌ بين الصورتين، فالأظهر هو الجمع، وهو محتمل عبارة «الشرائع»، راجعها.

ثمّ إنّه لابدّ وأن يعلم أنّه لو لبس القباء كذلك، ليس للبسه حينئذٍ فداء، كما صرّح به جماعة للأصل، إلّاإذا أدخل يده في كُمّه.

***

ص: 145

الإحرام في الثياب السود

الفرع الثامن: عن جملةٍ من كتب الفقهاء كالنهاية(1) و «المبسوط»(2)و «الخلاف»(3) و «الوسيلة»(4): عدم جواز الإحرام في الثياب السود، لكن المشهور بين الأصحاب الكراهة.

واستدلّ للأوّل: بموثّق الحسين بن المختار، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «قلت له: يحرم الرّجل بالثوب الأسود؟ قال عليه السلام: لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميّت»(5).

أقول: وحمله الآخرون على الكراهة، لوجوه:

الوجه الأوّل: ما في «المستند»(6) من أنّ الجملة الخبريّة قاصرة عن إفادة اللّزوم.

وفيه: ما حُقّق في محلّه من أنّ الجملة الخبريّة أظهر في الدلالة على اللّزوم من الأمر والنهي.

الوجه الثاني: ما قاله صاحب «الرياض»(7) من إنّه: (لإشعار النهي عن التكفين به، فإنّه فيه له قطعاً، وجمعاً بينه وبين الصحيح المجوّز للتكفين في كلّ ما لا يجوز الصلاة فيه، بناءً على جواز الصلاة فيه قطعاً) انتهى .

وفيه أوّلاً: أنّ الموثّق أخصّ مطلق من ما دلّ على جواز التكفين في كلّ ما تجوز

ص: 146


1- النهاية: ص 217.
2- المبسوط: ج 1/319.
3- الخلاف: ج 2/298.
4- الوسيلة: ص 163.
5- الكافي: ج 4/341 ح 13، وسائل الشيعة: ج 12/358 ح 16504.
6- مستند الشيعة: ج 11/304.
7- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/343.

الصلاة فيه، فالجمع يقتضي البناء على عدم جواز التكفين به.

وثانياً: أنّ حمل أحد النهيّين على الكراهة للدليل، لا يستلزم حمل الآخر الذي لا دليل على جواز فعله عليها كما مرّ مراراً.

الوجه الثالث: ما في «الجواهر»(1)، من أنّ الموثّق لا يصلح لتقيّيد ما دلّ عليه جواز الإحرام في كلّ ما يجوز الصلاة فيه، بضميمة الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود، المؤيّد بتظافر النصوص بالنهي عن لبس السواد، المحمول على الكراهة.

وفيه: أنّ الموثّق خاصٌّ ، وذلك الدليل عام، والعام بلغ في القوّة ما بلغ يقدّم الخاصّ عليه، وما دلّ على كراهة لبس السواد مطلقاً، لا يصلح لحمل ما دلّ على النهي عن الإحرام فيه على الكراهة.

الوجه الرابع: إعراض المشهور عن الموثّق، فبذلك يسقط عن الحجيّة.

وفيه: أنّ الإعراض الموهن هو عدم عمل القوم بالخبر رأساً، وأمّا عدم العمل بظاهره وحمله على غير ما هو ظاهر فيه، فلا يسقط الخبر عن الحجيّة.

وبعبارة اُخرى : الموهن هو الإعراض عن السند لا الدلالة، وفي المقام الأصحاب لم يعرضوا عن الخبر رأساً، بل أفتوا بالكراهة، ومدركهم الموثّق، وإنّما حملوه عليها، ولعلّه لبعض ما تقدّم.

فالمتحصّل: أنّ مقتضى الموثّق المنع عن الإحرام بالسّواد، وبما أنّ مخالفة القوم مشكلة، وأشكل منها مخالفة الدليل المعتبر، فلو لم نفتِ بعدم الجواز، لا نتوقّف في الاحتياط اللّزومي.

***4.

ص: 147


1- جواهر الكلام: ج 18/423-424.

والمندوب توفير شعر الرأس للمتمتّع من أوّل ذي القعدة.

آداب الإحرام

(و) أمّا الموضع الثالث: ف (المندوب) اُمور:

الأمر الأوّل: (توفير شعر الرأس) كما في المتن و «الشرائع»(1)، وعن «النافع»(2)وغيرها، بل واللّحية، كما عن «المصباح»(3) و «السرائر»(4)، وفي «المنتهى»(5)(للمتمتّع) كما عن «القواعد»(6) و «النهاية»(7) و «المبسوط»(8) و «التحرير»(9)وغيرها، بل لإحرام الحَجّ مطلقاً كما عن جمعٍ من المحقّقين (من أوّل ذي القعدة)، وتوفيرهما شهراً لمن أراد العُمرة، لجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح عبداللّه بن مسكان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحَجّ في ذي القعدة، ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العُمرة»(10). ومثله صحيح ابن سنان(11).

ص: 148


1- شرائع الإسلام: ج 1/179.
2- المختصر النافع: ص 81.
3- مصباح المتهجّد: ص 675.
4- السرائر: ج 1/522.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/672.
6- قواعد الأحكام: ج 1/417.
7- النهاية: ص 206.
8- المبسوط: ج 1/309.
9- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/566.
10- تهذيب الأحكام: ج 5/46 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/315 ح 16390.
11- تهذيب الأحكام: ج 5/445 ح 197، وسائل الشيعة: ج 12/315 ح 16390، لكن بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن عبداللّه بن سنان... إلخ.

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «خُذ من شعرك إذا أزمعت على الحَجّ شوّال كلّه إلى غُرّة ذي القعدة»(1).

ومنها: مصحّح عبداللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «اعف شعرك للحجّ إذا رأيت هلال ذي القعدة، وللعُمرة شهراً»(2).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «فمن أراد الحَجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، ومن أراد العُمرة وفّر شعره شهراً»(3).

ومنها: صحيح ابن أبي العلاء، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يريد الحَجّ أيأخذ من رأسه في شوّال كلّه ما لم يرَ الهلال ؟ قال عليه السلام: لا بأس ما لم يرَ الهلال»(4).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الرّجل يريد الحَجّ ، أيأخذ شعره في أشهر الحَجّ؟ فقال: لا، ولا من لحيته، لكن يأخذ من شاربه ومن أظفاره، وليطل إنْ شاء»(5). ونحوها غيرها.

أقول: توضيح ما هو مفاد هذه النصوص يتحقّق في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: إطلاق الأخبار يشمل مطلق الحَجّ ، فالتخصيص بالتمتّع لا وجه له، والاستناد الى خبر جميل الآتي المُثبت للدم على المتمتّع الحالق رأسه، غير تامّ ، أذ لا يدلّ على عدم الحرمة أو الكراهة في غير المتمتّع، كي يقيّد به إطلاق النصوص، وثبوت حكمٍ آخر في خصوص المتمتّع لا يكون قرينةً على تخصيص هذا لحكم به.3.

ص: 149


1- تهذيب الأحكام: ج 5/47 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/316 ح 16391.
2- الكافي: ج 4/318 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/316 ح 16394.
3- الكافي: ج 4/317 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/316 ح 16393.
4- الكافي: ج 4/317 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/319 ح 16400.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/48 ح 11، وسائل الشيعة: ج 12/320 ح 16403.

الفرع الثاني: هل المأمور به هو السعي في توفير الشعر وكثرته، أو عدم الأخذ منه، أو عدم حلقه خاصّة ؟ وجوه.

الأظهر هو الثاني لأنّ جملة من النصوص وإنْ تضمّن الأمر بالتوفير، إلّاأنّ في بعض آخر ذكر عدم الأخذ منه، وهو المراد بالتوفير في النصوص والفتاوي قطعاً، وخبر جميل وإنْ اختصّ بالحلق، لكنّه كما عرفت لا يصلح مقيّداً لإطلاق هذه النصوص.

الفرع الثالث: مقتضى إطلاق جملة من النصوص اختصاص الحكم بالشعر، وصراحة جملة اُخرى منها ثبوت الحكم في اللّحية أيضاً كالرأس، والاستناد إلى خبر جميل المختصّ بحلق الرأس قد مرّ ما فيه، كما أنّ اختصاص صحيح ابن أبي العلاء بالرأس، لا يصلح للتقييد، لعدم حمل المطلق على المقيّد في المتوافقين.

الفرع الرابع: إنّ خبر أبي الصباح وإنْ كان عامّاً لأشهر الحَجّ ، إلّاأنّه يقيّد إطلاقه بما تقدّم من النصوص المصرّحة بالجواز وعدم البأس بالأخذ والحلق في شوّال منطوقاً أو مفهوماً.

الفرع الخامس: ظاهر النصوص المتقدّمة وجوب التوفير، كما عن الشيخين في «المقنعة»(1) و «الاستبصار»(2) و «النهاية»(3)، ولكن المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة الاستحباب.

أقول: واُجيب عن ظهور الأخبار بأجوبة:6.

ص: 150


1- المقنعة: ص 391.
2- الإستبصار: ج 2/161.
3- النهاية: ص 206.

الجواب الأوّل: ما عن «المختلف»(1) من أنّ المستحبّ أيضاً مأمورٌ به كالواجب، وأنّ أصالة البراءة، وخبر سماعة المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الحجامة وحلق القفافي أشهرالحَجّ؟ فقال عليه السلام: لابأس به والسواك والنورة»(2)، يقتضيان الاستحباب.

ولكن يرد عليه: أنّ المستحبّ وإنْ كان مأموراً به، إلّاأنّ حمل الأمر على الاستحباب يتوقّف على الدليل، لكونه خلاف الظاهر، وأصالة البراءة لا تصلح لذلك، إذ لا مورد لها مع الدليل، وخبر سماعة في غير شعر الرأس واللّحية، مع أنّه مطلق من حيث أشهر الحَجّ .

الجواب الثاني: ما عن «الذخيرة»(3)، من التوقّف في دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب، فيثبت حكم الاستحباب بانضمام الأصل.

وفيه: ما حُقّق في محلّه من ظهور الأمر في الوجوب، وإلّا لزم تأسيس فقه جديد إذ أنّ أكثر الواجبات تثبت بالأمر.

الجواب الثالث: أنّه يشهد لعدم الوجوب طائفة اُخرى من الأخبار:

منها: خبر عليّ بن جعفر - الذي عبّر عن كتابه صاحب «الجواهر»(4)بالصحيح - عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: «سألته عن الرّجل إذا هَمّ بالحجّ ، يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(5).

ومنها: صحيح هشام بن الحكم وإسماعيل بن جابر جميعاً، عن الإمام الصادق عليه السلام:6.

ص: 151


1- مختلف الشيعة: ج 4/47-48.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/47 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/319 ح 16402.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/585.
4- جواهر الكلام: ج 18/172.
5- وسائل الشيعة: ج 12/320 ح 16405، مسائل علي بن جعفر عليه السلام ص 176.

«أنّه يجزي الحاجّ أن يوفّر شعره شهراً»(1).

أقول: وأورد على دلالته على عدم الوجوب بعض الأعاظم(2) بأنّ الإجزاء أعمّ من الجواز، ونُسب إلى بعض آخر من الأعاظم أنّ الإجزاء كما ترى مجملٌ ، لأنّه لم يدر أنّه مجزٍ عن الواجب أو عن المستحبّ ، ولكن أظنّ أنّهما لم يتوجّها إلى كيفيّة الاستدلال.

قال في «الجواهر»(3): (إذ هو حينئذٍ أقلّ من التوفير من أوّل ذي القعدة، فيدلّ على عدم الوجوب من أوله قطعاً).

ومنها: خبر محمّد بن خالد الخزّاز، قال: «سمعتُ أبا الحسن عليه السلام يقول: أمّا أنا فآخذ من شعري حين اُريد الخروج إلى مكّة للإحرام»(4).

وأُورد عليه: بأنّه لابدّ من توجيهه حتّى على القول المشهور، لاشتماله على شيء لا يمكن الالتزام بظاهره، وهو مواظبة الإمام عليه السلام على ترك المستحبّ ، مع أنّه ليس كذلك قطعاً.

وفيه: أنّه ليس فيه ما هو ظاهر في مواظبته على ذلك، ولعلّه ينقل البناء على ذلك في سفره القابل خاصّة، وسره حينئذٍ إعلام الجواز، ولا محذور في ذلك.

وعليه، فالإنصاف أنّ صحيح عليّ وهذا الخبر يدلّان على عدم الوجوب، وأمّا صحيح هشام وإنْ كان دالّاً عليه، إلّاأنّه أعمٌّ من الحَجّ والعُمرة، فيمكن أن يقيّد بالعُمرة بالنصوص المتقدّمة.4.

ص: 152


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/302 في ذيل ح 2520، وسائل الشيعة: ج 12/316 ح 16392.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 11/329.
3- جواهر الكلام: ج 18/172.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/48 ح 10، وسائل الشيعة: ج 12/320 ح 16404.

وربما يقال: إنّ الجمع بين الطائفتين يمكن أن يقيّد نصوص الجواز إلى أوّل ذي القعدة، ونصوص المنع من أوّل ذي القعدة إلى أيّام الحَجّ .

وفيه: قوله عليه السلام في خبر عليّ : (ما لم يحرم) يأبى عن ذلك، وكذا قوله عليه السلام في خبر الخزّاز: (حين أريد الخروج إلى مكّة).

وبالجملة: فالحقّ أنّ الجمع بينهما يقتضي البناء على الاستحباب، وهذا مضافاً إلى كونه جمعاً عرفيّاً، يعضده بناء الأصحاب على الاستحباب، إذ مع عموم الابتلاء به، لا يحتمل أن يكون ذلك واجباً قد خُفي عليهم.

وأمّا خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «من أراد الحَجّ فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة من شوّال»(1)، فيُحمل على مرتبة من الندب، فيتمّ ما أفاده صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله من أنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على تفاوت مراتب الندب، كما فهمه المشهور، المرتبة الاُولى ما إذا مضت عشرة من شوّال، والمرتبة الثانية من أوّل ذي القعدة، والمرتبة الثالثة إذا بقي شهر.

الفرع السادس: نُسب إلى الشيخ المفيد(3) قدس سره وجوب الدم بالحلق في ذي القعدة، واستدلّ له بخبر جميل بن درّاج، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّعٍ حلق رأسه بمكّة ؟ قال عليه السلام إنْ كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإنْ تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوماً، فليس عليه شيء، وإنْ تعمّد ذلك بعد الثلاثين الّتي يوفّر فيها للحجّ ، فإنّ عليه دماً يهريقه»(4).6.

ص: 153


1- وسائل الشيعة: ج 12/317 ح 16397، قرب الإسناد ص 104.
2- جواهر الكلام: ج 18/173.
3- المقنعة: ص 434 و 571.
4- الكافي: ج 4/441 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/321 ح 16406.

وأُورد عليه تارةً : بضعف السند، لأنّ في سنده عليّ بن حديد الذي صرّح الشيخ رحمه الله في «التهذيب»(1) بأنّه: (ضعيف جدّاً لا يعوّل على ما انفرد به).

واُخرى : بأنّ السؤال إنّما وقع عن حلق رأسه بمكّة، والجواب مقيّدٌ بذلك السؤال بعود الضمير الواقع فيه إلى المسؤول عنه، فلا يمكن الاستدلال به على لزوم الدم بذلك على وجه العموم.

وثالثة: بأنّه إنْ تضمّن لزوم الدّم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ ، وهو خلاف المدّعى، ذكر ذلك كلّه سيّد «المدارك»(2).

ويتوجّه على الأوّل: أنّ الخبر مرويٌ في «الفقيه» عن جميل، وطريقه إليه في المشيخة صحيحٌ .

وعلى الثاني: أنّ السؤال وإنْ كان عن موضوع خاص، إلّاأنّ جوابه عليه السلام عام متضمّن لشقوق المسألة، ولا مانع عن ذلك.

وعلى الثالث: أنّه لو سُلّم دلالته على وجوب الدّم في ذي الحجّة، مجرّد كون ذلك خلاف المدّعى لا يوجبُ رفع اليد عنه.

والذي يفهم من الخبر في نفسه مع قطع النظر عن الفتاوى والأقوال: أنّ من تعمّد الحلق في أوّل الشهور بثلاثين يوماً، أي بمضيّ ثلاثين فإنّ الثلاثين عين وجودها ومضيّها، لأنّ المفهوم حاكٍ عن نفس الوجود كما قيل لا دم عليه.

فلو حلق من أوّل ذي القعدة لا دَم عليه، وإنْ تعمّد بعد مُضيّ الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر وهي شهر ذي القعدة بتمامها، أي بعد دخول ذي الحجّة وجب عليه الدّم.7.

ص: 154


1- تهذيب الأحكام: ج 7/101.
2- مدارك الأحكام: ج 7/247.

وإذا انضمّ إلى ذلك رجوع الضمير إلى مورد السؤال، يكون مفاد النص أنّ المتمتّع إذا حَلَق رأسه في ذي الحجّة بمكّة، وجب عليه الدم، وحيث لا قائل بوجوبه كذلك، فيُحمل على الندب.

فيتمّ بذلك ما ذكره بعضهم، من تأكّد استحباب توفيرالشعر من أوّل ذي الحجّة.

وعليك بالتأمّل في ما ذكرناه وما ذكره القوم ممّا هو أجنبي عن ظاهر الخبر، واللّه تعالىُ مُقيل العثرات.

***

ص: 155

وتنظيف الجَسد، وقصّ الأظفار وأخذ الشّارب، وأخذ العانة والإبطين بالنُّورة.

تنظيف الجسد

(و) الأمر الثاني: (تنظيف الجسد، وقَصّ الأظفار، وأخذ الشّارب، وأخذ العانة والإبطين بالنورة) أو الحلق أو النتف، بلا خلافٍ فيه في الجملة.

والنصوص المتظافرة شاهدة به، لا حظ:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فانتف إبطيك، واحلق عانتك، وقلم أظفارك، وقصّ شاربك، ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت»(1).

2 - صحيحه الآخر عنه عليه السلام: «إذا انتهيتَ إلى العقيق من قِبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت، وأنتَ تريد الإحرام إنْ شاء اللّه، فانتف إبطيك، وقلّم أظفارك، وأطل عانتك، وخُذ من شاربك، ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت»(2).

3 - صحيح حريز، عنه عليه السلام: «عن التهيّؤ للإحرام ؟ فقال: تقليم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة»(3). ونحوها غيرها.

أقول: وفي هذه النصوص ذكر في العانة الحلق والإطلاء، وفي الإبط النتف، ولم يذكر في العانة النتف، ولا في الإبط الحلق والإطلاء، وفي نصوص آداب الحمام وإن

ص: 156


1- تهذيب الأحكام: ج 5/61 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/322 ح 16409.
2- الكافي: ج 4/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/323 ح 16410.
3- الكافي: ج 4/326 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/322 ح 16407.

ذكر في الإبط الإطلاء والحلق، إلّاأنّها غير مربوطة بالمقام، فالجمود على ظاهر النصوص يقتضي الاقتصار على ما ذكر فيها، ولكن الظاهر أنّه كما فهمه المشهور المقصود هو إزالة الشعر بأيّ نحوٍ كان.

وليس في النصوص تنظيف الجسد من الأوساخ، ولكن المصنّف رحمه الله ذكره في المقام، وفي محكي «القواعد»(1)، كما ذكره المحقّق في «الشرائع»(2)، وليس له دليل بالخصوص، نعم يمكن استفادته من هذه النصوص من باب تنقيح المناط، ويؤيّده ما دلّ على رجحان ذلك في نفسه.

ومقتضى إطلاق النصوص هو مطلوبيّة الإطلاء للإحرام، ولو كان أطلى قبل ذلك بأيّام قلائل، وأمّا إذا كان أطلى قبل للإحرام فأخّر إحرامه، فإنْ كان ذلك قبل الإحرام بستّة ليال أو أقلّ أو أكثر إلى خمسة عشر يوماً اجتزأ به كما أفتى به الأساطين، للنصوص الواردة:

منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا بأس بأن تطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوماً»(3).

ومنها: صحيح معاوية عنه عليه السلام: «عن الرّجل يَطلي قبل أن يأتي الوقت بستّة ليال ؟ قال عليه السلام: لا بأس. وسأله عن الرّجل يَطلي قبل أن يأتي مكّة بسبع أو ثمان ليال ؟ قال عليه السلام لا بأس»(4).

وأمّا خبر عليّ بن حمزة: «سأل أبو بصير أبا عبداللّه عليه السلام وأنا حاضر، فقال: إذا7.

ص: 157


1- قواعد الأحكام: ج 1/418.
2- شرائع الإسلام: ج 1/179.
3- الكافي: ج 4/327 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/325 ح 16416.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/308 ح 2535، وسائل الشيعة: ج 12/325 ح 16417.

أطليت للإحرام الأوّل كيف أصنع في الطلية الأخيرة، وكم بينهما؟ قال عليه السلام: إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوماً فأطل»(1).

فهو غير ما نحن فيه، فإنّ مورده الإطلاء للإحرام الأوّل، فيكون الثاني بعد انتهائه أو في أثنائه.

***5.

ص: 158


1- تهذيب الأحكام: ج 5/62 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/325 ح 16415.

والغُسل أمامه.

استحباب الغُسل للإحرام

(و) الثالث ممّا يستحبّ في الإحرام: (الغُسل أمامه) بلا خلافٍ فيه، وفي «التذكرة»(1) و «المستند»(2) وعن «التحرير»(3) دعوى الإجماع عليه.

والنصوص الواردة في المقام متواترة، وألسنتها مختلفة:

ففي بعضها: الأمر به، كالصحاح الثلاث لابن عمّار(4)، وصحيحي هشام(5)وابن وهب(6).

وفي بعضها: عدّه من الواجب، كموثّق سماعة(7)، ومرسل يونس(8).

وفي بعضها: الأمر بإعادة الغُسل لمن لبس قميصاً بعده، كصحيحي ابن عمّار(9)والنضر(10)، وخبري محمّد(11) وعليّ بن أبي حمزة(12).

ص: 159


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/223.
2- مستند الشيعة: ج 11/268.
3- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/566-567.
4- وسائل الشيعة: ج 12/323 ح 16410.
5- وسائل الشيعة: ج 12/326 ح 16418.
6- وسائل الشيعة: ج 12/324 ح 16412.
7- وسائل الشيعة: ج 12/329 ح 16428.
8- وسائل الشيعة: ج 12/328 ح 16426.
9- الوسائل: ج 12/332 ح 16437.
10- وسائل الشيعة: ج 12/329 ح 16430.
11- وسائل الشيعة: ج 12/331 ح 16434.
12- وسائل الشيعة: ج 12/330 ح 16433.

وفي بعضها: مضامين اُخر يأتي بعضها في هذه المباحث.

ومقتضى ظاهر هذه الأخبار جميعاً الوجوب، كما أفتى به القديمان(1).

أقول: ما قاله صاحب «المدارك»(2) من أنّ مقتضى أصالة البراءة - وذكره في عداد المسنونات - هو الاستحباب وعدم الوجوب.

يرد عليه: أنّ أصالة البراءة لا مجرى لها مع ظاهر الدليل، وذكره في عداد المندوبات لا يصلح لذلك كما تقدّم مراراً.

فالحقّ أن يقال: إنّه يحمل على الاستحباب، لاتّفاق الأصحاب - إلّاالنادر منهم - عليه، مع كون هذه النصوص بمرأى منهم ومنظر، وظهور الأمر في الوجوب من المسلّمات عندهم، ولا معارض لها، فإنّ إفتاءهم بالندب مع ذلك كلّه، سيّما في مثل هذه المسألة العامّة البلوى يوجب القطع بعدم الوجوب، فيحمل النصوص المتقدّمة على الاستحباب، وتمام الكلام في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: أنّ ظاهر جملة من النصوص أنّ محلّ الغُسل الميقات، لاحظ قوله عليه السلام صحيح معاوية المتقدّم في المسألة السابقة: (إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله - إلى أن قال - واغتسل)(3). ونحوه غيره.

ولا خلاف في جواز تقديمه مع خوف إعواز الماء، ويشهد به صحيح هشام، قال: «أرسلنا إلى أبي عبداللّه عليه السلام ونحن جماعة ونحن بالمدينة: إنّا نريدُ أن نودّعك، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخافُ أن يعزّ الماء عليكم بذي الحُليفة،0.

ص: 160


1- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة عنهما: ج 1/315.
2- مدارك الأحكام: ج 2/168.
3- الكافي: ج 4/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/323 ح 16410.

فاغتسلوا بالمدينة، وألبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها»(1) الحديث.

وهل يجوز تقديمه مطلقاً كما عن جمعٍ من المحقّقين، أم لا؟ وجهان، ظاهر النصوص الموقّتة والتعليل في صحيح هشام هو الثاني.

ويدلّ على الأوّل:

1 - صحيح معاوية بن وهب، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام ونحن بالمدينة عن التهيّؤ للإحرام ؟ فقال: أطل بالمدينة، وتجهّز كلّ ما تريد واغتسل، وإنْ شئت استمتعت بقميصك حتّى تأتي مسجد الشجرة»(2).

ورواية الشيخ إيّاه خالياً عن ذكر (الغُسل) لا تضرّ، بعد روايته إيّاه بنفسه بطريق آخر مع ذكر الغُسل، وكذلك الصدوق، سيّما بناءً على ما أسّس في محلّه من أنّه عند دوران الأمر بين الزيادة والنقصان يُبنى على الأولى .

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يغتسل بالمدينة للإحرام، أيجزيه عن غُسل ذي الحُليفة ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

ومثله خبر أبي بصير(4).

أقول: ولو نوقش في الأخيرين بأنّ المسؤول عنه إجزاء الغُسل الواقع في المدينة - على فرض مشروعيّته - عن غُسل الميقات، فلا إطلاق لهما كي يدلّان على مشروعيّة الغُسل حتّى مع عدم إعواز الماء، ففي الأوّل كفاية، وبه يرفع اليد عن0.

ص: 161


1- الكافي: ج 4/328 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/326 ح 16418.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/62 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/324 ح 16412.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/63 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/327 ح 16422.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/63 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/326 ح 16420.

ظهور النصوص الموقّتة في التعيّين.

وأمّا التعليل في صحيح هشام، فهو يصلح أن يكون تعليلا لتعيّن الفرد الأوّل، المستفاد من ظاهر الأمر، وأنّ تعيّنه إنّما يكون لخوف إعواز الماء.

وأمّا ما ذكره بعض الأجلّة:(1) من أنّ ما نقله في «التنقيح» من الإجماع على عدم المشروعيّة في صورة عدم خوف إعواز الماء، يوجبُ تقيّيد إطلاق النصوص الشاملة لصورة عدم الخوف.

فيرد عليه: أنّ في «التنقيح» لم يدّع الإجماع على عدم جواز التقديم اختياراً، بل قال: (إنّه لا يظهر قائل به)، مع أنّ الإجماع المنقول، سيّما في مثل هذه المسألة المعلوم مدركهم فيها، لا يكون حجّة، فلا يصلح للتقييد، فالأظهر جواز التقديم اختياراً.

وأيضاً: لو اغتسل قبل الميقات، هل يستحبّ الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟ فيه قولان:

واستدلّ للأوّل: بذيل صحيح هشام المتقدّم: «لا عليكم أن تغتسلوا إنْ وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحُليفة».

ونوقش فيه: بأنّ نفي البأس غير الاستحباب.

وأجاب عنه في «المستند»:(2) بأنّه إذا لم يكن به بأس كان راجحاًلكونه عبادة.

ولكن ذلك كلّه على فرض تقدير البأس، ولا وجه له، بل الظاهر من الخبر نفي أصل الغُسل كما تنبّه له في «المستند»، وعليه فهو يدلّ على القول الثاني، فهو أظهر.2.

ص: 162


1- جواهر الكلام: ج 18/180.
2- مستند الشيعة: ج 11/272.

موارد استحباب إعادة الغُسل

الفرع الثاني: ولو اغتسل وأحرم فلا كلام، وأمّا لو أخّر الإحرام:

فتارةً : يؤخّره إلى أن يمضي اليوم إن وقع الغُسل فيه، أو اللّيل إن وقع فيه.

واُخرى : يؤخّره إلى أن يمضي يوم وليلة.

وثالثة: ينام بعد الغُسل قبل الإحرام.

ورابعة: يحدث بحدثٍ آخر غير النوم.

وخامسة: يأكلّ ما لا يجوز أكله، ويلبس ما لا يجوز لبسه، أو يتطيّب.

أمّا الصورة الاُولى: فلا خلاف في الإجزاء وعدم استحباب الإعادة، وتشهد به نصوص كثيرة:

منها: صحيح عمر بن يزيد، عن إمامنا الصادق عليه السلام، قال: «غسل يومك ليومك وغسل ليلتك لليلتك»(1).

ومنها: خبر سماعة بن مهران، عنه عليه السلام: «من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحمّ قبل ذلك، ثمّ أحرم من يومه أجزأه غُسله، وإنْ اغتسل في أوّل اللّيل ثمّ أحرم في آخر اللّيل أجزاه غُسله»(2). ونحوهما غيرهما.

وأمّا في الصورة الثانية: فقد صرّح غير واحدٍ بأنّ غُسل اليوم يكفي إلى آخر اللّيل وبالعكس.

وفي «المستند»(3): (وأفتى به جماعة ولا بأس به) انتهى .

ص: 163


1- الكافي: ج 4/327 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/328 ح 16425.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/64 ح 13، وسائل الشيعة: ج 12/329 ح 16428.
3- مستند الشيعة: ج 11/272.

وفي «الجواهر»(1): (أفتى به جماعة من متأخّري المتأخّرين تبعاً للمحكي عن «المقنع»، ونفي عنه البأس في «الرياض») انتهى .

ويشهد به: صحيح جميل، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «غُسل يومك يجزيك لليلتك، وغُسل ليلتك يجزيك ليومك»(2).

أقول: وحمل اللّام على معنى إلى ، بعيدٌ غايته.

وخبر سماعة المتقدّم، إذ حمله على الغُسل بعد طلوع الفجر بإرادة طلوع الفجر من قوله: (قبل طلوع الفجر) خلاف الظاهر، ولا تهافت بينهما وبين النصوص المتقدّمة كصحيح عمر بن يزيد، لعدم التنافي.

وأمّا الصورة الثالثة: فالمشهور بين الأصحاب استحباب الإعادة، ويشهد به صحيح النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن الرّجل يغتسل للإحرام ثمّينام قبل أن يحرم ؟ قال عليه السلام: عليه إعادة الغُسل»(3).

ومثله خبر عليّ بن أبي حمزة(4).

أقول: وأورد على ذلك بإيرادين:

الإيراد الأوّل: ما عن الحِلّي(5) حيث قال: (إنّ الأخبار عن الأئمّة الأطهار جاءت في أنّ من اغتسل نهاراً كفاه ذلك الغُسل، وكذا من اغتسل ليلاً).

وفيه: إنّ النظر في تلك الأخبار إلى الزمان نفسه، وفي الخبرين إلى الحَدَث.0.

ص: 164


1- جواهر الكلام: ج 18/182.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/310 ح 2542، وسائل الشيعة: ج 12/328 ح 16424.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/65 ح 14، وسائل الشيعة: ج 12/329 ح 16430.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/65 ح 15، وسائل الشيعة: ج 12/330 ح 16431.
5- السرائر: ج 1/530.

الإيراد الثاني: إنّ صحيح عيص بن القاسم، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الرّجل يغتسل للإحرام بالمدينة، ويلبس ثوبين، ثمّ ينام قبل أن يحرم ؟ قال عليه السلام ليس عليه غُسل»(1).

وأُجيب عنه بالحمل على نفي التأكّد جمعاً، كما عن «المدارك»(2) وتبعه غيره، ولكن الإنصاف أنّ ذلك جمعٌ تبرّعي، بل يرى العرف التهافت بين قوله في صحيح النضر: (عليه إعادة الغُسل)، وقوله في صحيح العيص: (ليس عليه غُسلٌ ). وعليه، فيقدّم صحيح النضر للشهرة، فالأظهر استحباباً الإعادة.

وأمّا الصورة الرابعة: فعن «الدروس»(3): (الأقرب أنّ الحَدَث كذلك، ويستحبّ إعادة الغُسل معه).

وعلّله في محكي «المسالك»(4) بأنّ غير النوم أقوى ، وجه القوّة الاتّفاق على نقض الحَدَث غيره مطلقاً، والخلاف فيه على بعض الوجوه.

وعن «كشف اللّثام»(5): وجه القوّة أنّها تلوث البدن دونه، أو لأنّ الظاهر أنّ النوم إنّما صارت حَدَثاً؛ لأنّ معه مظنّة الأحداث فحقائقها أولى .

أقول: ولكن الحقّ أنّ هذه الوجوه كلّها اعتباريّة، لا تصلح مدركاً للحكم الشرعي، وأمّا استفادة عدم الخصوصيّة من النص الوارد في النوم، فغير ظاهرة، وعلى هذا فالأصحّ ما عن «المدارك» من عدم الاستحباب، لعدم الدليل، وأمّا ما0.

ص: 165


1- تهذيب الأحكام: ج 5/65 ح 16، وسائل الشيعة: ج 12/330 ح 16432.
2- مدارك الأحكام: ج 7/252.
3- الدروس: ج 1/343.
4- مسالك الأفهام: ج 2/229.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/250.

ورد في غُسل الزيارة ودخول مكّة والطواف، الدالّ على استحباب الإعادة مع تخلّل الحَدَث، فغير مربوط بالمقام.

وأمّا الصورة الخامسة: فظاهر كلام الأصحاب استحباب إعادة الغُسل فيها، كما أفاده صاحب «الحدائق»(1)، ويشهد به:

1 - صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا اغتسلت للإحرام، فلا تقنّع ولا تطيّب، ولا تأكل طعاماً في طيب فتُعيد الغُسل»(2).

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «إذا لبستَ ثوباً لا ينبغي لك لبسه، أو أكلتَ طعاماً لا ينبغي لك أكله، فأعد الغُسل»(3). ونحوهما غيرهما.

والظاهر من الأمر بالإعادة بقاء التكليف السابق، وحيث أنّ الغُسل بنفسه مستحبٌّ فكذلك الإعادة، وعلى فرض القول بالوجوب لابدّ من البناء على وجوبه في المقام ولا يخفى وجهه.

أقول: النصوص المذكورة مختصّة بأكل ما لا يجوز أكله، ولبس ما لا يجوز لبسه والتطيّب. والتعدّي الى سائر تروك الإحرام يتوقّف على إحراز المناط، أو الدليل الخاصّ ، وكلاهما مفقودان، فالأظهر عدم التعدّي.

لو أحرم بغير الغُسل

الفرع الثالث: لو أحرم بغير غُسلٍ ، أتى به وأعاد الإحرام، إمّا حقيقةً أو صورة، بلا خلاف ظاهر يعتدّ به.

ص: 166


1- الحدائق الناضرة: ج 15/12.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/71 ح 39، وسائل الشيعة: ج 12/332 ح 16438.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/71 ح 40، وسائل الشيعة: ج 12/332 ح 16437.

ويشهد به: صحيح الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، قال:

كتبتُ إلى العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام: «رجلٌ أحرم بغير الصلاة، أو بغير غُسلٍجاهلاً أو عالماً ماعليه في ذلك، وكيف ينبغي له أن يصنع ؟ فكتب عليه السلام: يعيده»(1).

أقول: الأمر فيه محمولٌ على الاستحباب لوجهين:

الوجه الأوّل: ما تقدّم من أنّ الأمر بإعادة الشيء لا يزيد على الأمر بذلك الشيء، بل الظاهر كونه إرشاداً إلى بقاء ذلك، وإلى ذلك أشار صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) بقوله: (لا أجد له وجهاً، ضرورة عدم تعقّل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوباً) انتهى .

الوجه الثاني: أنّ السؤال حيث يكون مع لفظ (ينبغي) الظاهر في الاستحباب، فيكون المسؤول عنه الوظيفة الاستحبابيّة، فيكون الجواب كذلك، للزوم التطابق بينهما، وإنْ أبيتَ عن ظهور (ينبغي) في الاستحباب، فلا أقلّ من الإجمال، وعدم ظهوره في الوجوب.

وبذلك يظهر تماميّة ما أفاده سيّد «المدارك»، وأنّه لا يرد عليه ما أورد صاحب «الحدائق»، راجعها.

أقول: قد اختلفت كلماتهم بالنسبة إلى الإحرام الثاني على أقوال:

القول الأوّل: ما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(3)، وفي «الرياض»(4) من أنّ 8.

ص: 167


1- تهذيب الأحكام: ج 5/78 ح 68، وسائل الشيعة: ج 12/347 ح 16479.
2- جواهر الكلام: ج 18/185.
3- مختلف الشيعة: ج 4/49-50.
4- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/228.

الإحرام الثاني مشروعٌ ويبطل الأوّل. ولعلّه الظاهر من «التذكرة»(1).

القول الثاني: ما عن «المسالك»(2) و «المدارك»(3) من أنّ المستحبّ صورة الإحرام بلبس الثوبين، والتلبية بلا نيّة إنشائه. واختاره سيّد «العروة»(4) وأكثر محشيها.

القول الثالث: ما في «الجواهر»(5) اختياره في آخر المسألة، وعن «كشف اللّثام»(6) مشروعيّته ثانياً مع البناء على صحّة الإحرام الأوّل، فيكون قد أحرم إحرامين حقيقيّين.

القول الرابع: ما عن ابن إدريس(7) من أنّ عدم مشروعيّة الإعادة إلّافيما لو كان الواقع أوّلاً صورة الإحرام.

أقول: أمّا الأخير فهو خارجٌ عن فرض المسألة، لأنّ محلّ الكلام مشروعيّة الإعادة بعد وقوع الإحرام حقيقة، وهو خلاف ظاهر الرواية.

والذي دعى الحِلّي إلى الالتزام بذلك، توهّم عدم معقوليّة الإعادة مع وقوع الإحرام، فإنّه مع انعقاده ووقوعه، أيّ إعادةٍ تكون عليه.

وأورد عليه المصنّف رحمه الله: بأنّ الإعادة تكون عليه من جهة النص، واستبعاد إعادة الفرض لأجل النفل في غير محلّه، فإنّ الصلاة المكتوبة لو دخل فيها بغير أذان وإقامة، فإنّه يستحبّ له إعادتها، فليكن المقام كذلك.2.

ص: 168


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/225.
2- مسالك الأفهام: ج 2/229-230.
3- مدارك الأحكام: ج 7/254.
4- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/653.
5- جواهر الكلام: ج 18/189.
6- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/251.
7- السرائر: ج 1/532.

أقول: وأجاب عن ذلك الشهيد الثاني بالفرق بين الصلاة والإحرام، فإنّ الصلاة قابلة للإبطال بفعل المنافي، ولو بنية الإبطال، وليس كذلك الإحرام، فإنّه بعد انعقاده لا يخرج عنه إلّابالاتمام أو ما يقوم مقامه.

ويرد على الشهيد قدس سره: أنّ المصنّف لا يريد الاستدلال لاستحباب الإعادة قياساً بالصلاة، كي يورد عليه بما اُفيد، بل هو استدلّ له في مقام الإثبات بالرواية، وما ذكره إنّما هو من باب إبداء الاحتمال جواباً عن إشكال عدم معقوليّة ذلك ثبوتاً، وعليه فمن المحتمل أن يكون رفع اليد عن الإحرام الأوّل، والبناء على الإتيان بالثاني، قائماً مقام الإتمام.

وأمّا القول الثاني فيرد عليه: إنّه خلاف ظاهر النص، فإنّ الإتيان بصورة الإحرام ليس إعادة للإحرام، فيدور الأمر بين القول الأوّل والثالث.

وقد يقال: إنّه لا يبعد أظهريّة الأوّل، فإنّ الإعادة عبارة عن الإتيان بالمأتي به ثانياً، لعدم وقوعه امتثالاً للأمر، مع أنّ بناء الأصحاب على أنّ الإحرام غير قابل للتكرار والتأكّد.

أضف إليه: أنّ لازم الثاني هو حصول الامتثال بهما معاً، مع أنّ ظاهر النص المعبّر بالإعادة حصوله بالثاني.

أقول: هذا غاية ما يمكن أن يُقال في توجيه الأوّل، ولكن بما أنّ الإحرام الأوّل في الفرض وقع صحيحاً، ومع فرض صحّته، وعدم وقوع المبطل عليه، حكم بالإعادة، ولو كان المراد هو إبطال الأوّل بالنيّة، لكان اللّازم التنبيه عليه، وكون البناء على الإتيان بالإحرام الثاني مبطلاً للأوّل، مع أنّه لا دليل عليه وليس كذلك قطعاً، إذ لو بني عليه ثم انصرف لا إشكال في صحّة إحرامه، فلا محالة تكون

ص: 169

الإعادة من قبيل إعادة صلاة الفرادى جماعة، والإعادة - لو لم تكن ظاهرة في الثاني من جهة أنّها عبارة عن الوجود الثاني - لا تكون ظاهرة فيما اُفيد، والنصّ ليس ظاهراً في حصول الامتثال بالثاني، وبناء الأصحاب على عدم تكرّر الإحرام، ولا تأكّده غير ثابت، فإذاً مقتضى ظاهر النص هو ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله فابتداء الإحرام من باب الامتثال بعد الامتثال، واستدامته من قبيل الامتثال في ضمن فردين، ولا مانع من ذلك مع مساعدة الدليل، فإذاً ما اختاره في «الجواهر» أظهر.

ويمكن أن يقال: إنّه يعيد ابتداء الإحرام لتدارك المصلحة الفائتة، ولكنّه بقاء فرد واحد لا فردان، وعليه فلا وجه لتوهّم تعدّد الكفّارة ولا تعدّد العقاب لو فعل المُحرِم بعض محرّمات الإحرام كما لا يخفى .

والنصّ مختصٌّ بالجاهل والعالم، والناسي المذكور في كلماتهم غير مذكور فيه، فإلحاقه بهما يتوقّف على القول بكونه من مصاديق العالم، أو يلحق بهما بالفحوى ، كما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) ولا يبعدان.

وبناءً على ما اخترناه لو أتى بما يوجب الكفّارة بعده، وقبل الإعادة، وجبت عليه الكفّارة، لفرض صحّة إحرامه الأوّل، بل على القول ببطلانه أيضاً لو أتى به قبل تحقّق المبطل.

***9.

ص: 170


1- جواهر الكلام: ج 18/189.

والإحرام عقيب الظهر أو فريضةٍ ، أو ستّ ركعات أو ركعتين.

استحباب الإحرام عقيب الصلاة

(و) الرابع من مندوبات الإحرام: (الإحرام عقيب الظهر أو فريضةٍ ، أو ستّ ركعات أو ركعتين).

أقول: هنا مسائل:

الاُولى : في استحباب الإحرام عقيب الصلاة.

الثانية: في مشروعيّة التطوّع للإحرام.

الثالثة: في الجمع بين الفريضة وتطوّع الإحرام.

أمّا المسألة الاُولى: فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة استحباب ذلك، وعن الإسكافي(1) وجوبه، وفي حواشي جمعٍ من المحقّقين على «العروة»(2):

(الأحوط عدم تركه)، وظاهر بعضها الاحتياط الوجوبي.

ومدرك الحكم: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «صلِّ المكتوبة ثمّ احرم بالحجّ أو بالمتعة»(3).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة

ص: 171


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/50.
2- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/654.
3- الكافي: ج 4/334 ح 14، وسائل الشيعة: ج 12/344 ح 16470.

الفريضة، فصلِّ ركعتين ثمّ أحرم في دَبرها»(1).

ومنها: صحيحه الثالث عنه عليه السلام: «لا يكون الإحرام إلّافي دَبر صلاةٍ مكتوبة أو نافلة، فإنْ كانت مكتوبة أحرمتَ في دَبرها بعد التسليم، وإنْ كانت نافلةً ، صلّيت ركعتين وأحرمت في دَبرهما، فإذا انفتلت في صلاتك فأحمد اللّه واثن عليه، وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله، الحديث»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «تُصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دَبرها»(3).

ومنها: خبر إدريس بن عبداللّه، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الرّجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: يُقيم إلى المغرب. قلت: فإنّ أبي جمّاله أن يقيم عليه ؟ قال: ليس له أن يخالف السُنّة.

قلت له: أيتطوّع بعد العصر؟ قال عليه السلام: لا بأس به، ولكنّي أكرهه للشهرة، وتأخير ذلك أحبّ إليّ . قلت: كم اُصلّي إذا تطوّعت ؟ قال عليه السلام: أربع ركعات»(4).

ونحوها غيرها.

وظاهر هذه النصوص الوجوب.

أقول: وقد قيل في توجيه حملها على الاستحباب، وجوه:

الوجه الأوّل: أنّها مختلفة، فبعضها أمر بما بعد المكتوبة، وآخر بما بعد ستّ 7.

ص: 172


1- تهذيب الأحكام: ج 5/78 ح 66، وسائل الشيعة: ج 12/345 ح 16474.
2- الكافي: ج 4/331 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/340 ح 16462.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/78 ح 65، وسائل الشيعة: ج 12/345 ح 16473.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/78 ح 67، وسائل الشيعة: ج 12/346 ح 16477.

ركعات، وثالث بالأربع، ورابع باثنتين. ذكره في «المستند»(1)، وتبعه سيّد «العروة»(1).

وفيه: أنّه مع إمكان الجمع بين النصوص بالتخيّير من هذه الجهة، وإنّما الواجب هو وقوعه بعد الصلاة، لا يصلح ذلك لرفع اليد عن ظاهر النصوص.

الوجه الثاني: ما في «المستند»(3) أيضاً، حيث يقول: (مع أنّه صرّح في آخر رواية عمر بن يزيد: «واعلم بأنّه واسعٌ لك أن تحرم في دَبر فريضةٍ أو نافلة أو ليل أو نهار».) انتهى (2).

وفيه: أنّه صرّح بالتوسعة في الخصوصيّات لا في أصل الصلاة.

الوجه الثالث: ما في «العروة»(3)، من اشتمال النصوص على خصوصيّات غير واجبة.

لكن قد تقدّم الجواب عن ذلك، وبيّنا أنّ الخبر إذا اشتمل على اُمور مستحبّة، وكان ظاهراً في وجوب أمر واحد، يؤخذ بظاهره فيه.

الوجه الرابع: ما عن «كشف اللّثام»(6) من أنّ وجوب ذلك يستلزم وجوب نافلة الإحرام، إذا لم يتّفق في وقت فريضة.

وفيه: أنّه لا محذور في الالتزام بذلك، إذا لم يتمكّن من انتظار الفريضة المقبلة.

الوجه الخامس: ما عنه(7)، أيضاً، وهو الأصل، لكن ذكرنا أنّه عاجز عن مقاومة الدليل.

فالأظهر أن يقال: إنّ هذا الحكم يعمّ به البلوى ، والنصوص ظاهرة في وجوبه1.

ص: 173


1- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/654.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/169 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/338 ح 16456.
3- العروة الوثقى (ط. ج): ج 4/654. (6و7) كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/251.

من دون قرينةٍ صارفة عنه موجودة، ومع ذلك أفتى الأصحاب بعدم الوجوب، وهذا يوجبُ القطع به، كما مرّ في غُسل الإحرام، وعليه فالأظهر هو الاستحباب.

وأمّا المسألة الثانية: فلا كلام في استحباب صلاة الإحرام في الجملة، والنصوص المتقدّمة ناطقة به، ولكن المتيقّن منها ما لو كان في غير وقت الفريضة، ومقتضى صحيحي معاوية أنّها ركعتان، ومقتضى خبر إدريس أنّها أربع ركعات، ومقتضى خبر أبي بصير هي ستّ ركعات، والمتحصّل من النصوص، هو التخيّير بين الستّ والأربع والإثنتين.

وأمّا المسألة الثالثة: فقد اختلفت كلماتهم فيها على أقوال:

القول الأوّل: أنّه يجمع بين الفريضة والنافلة، ويؤخّر الفريضة إنْ كان في وقت الفريضة، حكي ذلك عن الشيخ المفيد في المقنعة(1)، والشيخ في «المبسوط»(2)و «النهاية»(3)، والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(4) و «التذكرة»(5) و «المنتهى»(6)، والشهيد الثاني في «المسالك»(7)، بل عن «كشف اللّثام»(8)، أنّه المشهور بين الأصحاب.

القول الثاني: أنّه يجمع بينهما مع تقديم الفريضة على النافلة، اختاره في محكي «كشف اللّثام»(9).

القول الثالث: أنّه لا يجمع بينهما، بل إنْ كان في وقت الفريضة يأتي بالفريضة3.

ص: 174


1- المقنعة ص 396.
2- المبسوط: ج 1/315.
3- النهاية: ص 213.
4- قواعد الأحكام: ج 1/418.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/230-231.
6- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/674.
7- مسالك الأفهام: ج 2/230. (8و9) كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/252 و 253.

خاصّة، وإلّا فبالتطوّع، وهو ظاهر «الشرائع»(1) في مبحث مقدّمات الإحرام المستحبّة، و «الإرشاد»(2) و «المدارك»(3).

وظاهر أخبار الباب هو الأخير، لاحظصحاح ابن عمّار، وخبر إدريس المتقدّمة.

واستدلّ للجمع بينهما في «المستند»(4) و «الجواهر»(5) بإطلاق أدلّة مشروعيّة نافلة الإحرام.

وفيه: إنّ أكثر النصوص مفصلة بين الإتيان بالفريضة وعدمه، وبها يقيّد إطلاقها لو كان. ثمّ على فرض الجمع وجوازه، قد يستدلّ لتقديم الفريضة بما دلّ على عدم جواز التطوّع في وقت الفريضة، كما عن «الجمل والعقود»(6)و «المهذّب»(7) و «الوسيلة»(8) و «الغُنية»(9).

وفيه أوّلاً: أنّه يجوز التطوّع في وقت الفريضة، كما تقدّم في الجزء الخامس.

وثانياً: أنّه جعل هذه الصلاة في الصحيح الآتي من الصلوات التي تصلّى في كلّ وقت.

وقد يستدلّ له: بما تضمّن أنّه يحرم في دَبر صلاته، فإنّ المتبادر منه التعقيب بلا فاصلة.

وفيه: أنّه يعارضه ما تضمّن من الصحاح المتقدّمة، أنّه يحرم في دَبر المكتوبة.9.

ص: 175


1- شرائع الإسلام: ج 1/180.
2- إرشاد الأذهان: ج 1/316.
3- مدارك الأحكام: ج 7/254-255.
4- مستند الشيعة: ج 11/279.
5- جواهر الكلام: ج 18/194-195.
6- الجمل والعقود، عدم جواز التطوّع ص 60، والإحرام عقيب الفريضة ص 133.
7- المهذّب: ج 1/219.
8- الوسيلة: ص 84 و 161.
9- غنية النزوع: ص 109.

وهي أكثر عدداً وأصحّ سنداً.

فإمّا إن تقدّم لذلك، أو يحمل الدَبر على المعنى الأعمّ .

واستدلّ صاحب «الجواهر»:(1) لما ذهب إليه:

1 - بصحيح معاوية بن عمّار، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: خمس صلوات لا تُترك على حال، إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم»(2).

2 - وخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «خمس صلواتٍ تُصلّيها في كلّ وقت منها: صلاة الإحرام»(3).

وأُورد عليه: بأنّه لو تمّت دلالة الروايتين على مشروعيّته صلاة الإحرام في وقت الفريضة، فغايتها مشروعيّة الإحرام في دَبرها حينئذٍ، لا الجمع بينها وبين الفريضة، والإحرام بعد الفريضة.

وفيه: إنّ هذا الإيراد لو تَمّ فإنّما هو في خبر أبي بصير، ولا يتمّ في الصحيح، فإنّ من جملة الحالات الإتيان بصلاة الفريضة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه إنّما يدلّ على لزوم كون الإحرام بعد الصلاة، وأمّا أنّها هي الفريضة أو النافلة فلا نظر له إلى ذلك، وعليه فالقول الأخير وهو عدم الجمع هو القول الأظهر، فلو كان في وقت الفريضة يأتي بها، ويحرم دَبرها، وإلّا فيأتي بالنافلة مخيّراً بين السّت والأربع والإثنتين، ويحرم دَبرها.

***6.

ص: 176


1- جواهر الكلام: ج 18/193.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/172 ح 141، وسائل الشيعة: ج 4/241 ح 5033.
3- وسائل الشيعة: ج 12/346 ح 16476.

الإحرام بعد صلاة الظهر أولى

ثمّ إنّ المشهور بين الأصحاب أنّ في غير حَجّ التمتّع، الأولى أن يكون الإحرام بعد صلاة الظهر، وظاهر «الحدائق»(1) اتّفاق الأصحاب عليه، واستدلّ له بنصوص كثيرة:

منها: صحيح الفاضلين: ابن عمّار والحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يضرّك بليلٍ أحرمت أو نهاراً إلّاأنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس»(2).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: وليكن فراغك من ذلك أي الغُسل إنْ شاء اللّه تعالى عند زوال الشمس، وإن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرّك ذلك، غير إنّي أحبّ أن يكون ذلك عند زوال الشمس»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «سألته أليلاً أحرَمَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أم نهاراً؟ فقال: نهاراً. فقلت: أيّ ساعةٍ؟ قال عليه السلام: صلاة الظهر. فسألته متى ترى أنْ نَحرُم ؟ قال عليه السلام: سواءٌ عليكم إنّما أحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاة الظهر، لأنّ الماء كان قليلاً، كان في رؤوس الجبال، فيهجر الناس إلى مثل ذلك من الغد، ولا يكاد يقدرون على الماء، وإنّما أحدثت هذه المياه حديثاً»(4). ونحوه مرسل المفيد(5).

وأورد عليها: بأنّ ظاهرها استحباب كونه عند زوال الشمس، ولو قبل صلاة الظهر أو بعد صلاة العصر، وبأنّ الصحيح الأخير صريحٌ في نفي أفضليّة إحداثه عند الزوال أو بعد صلاة الظهر.

ص: 177


1- الحدائق الناضرة: ج 15/23-27.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/78 ح 64، وسائل الشيعة: ج 12/338 ح 16455.
3- الكافي: ج 4/326 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/339 ح 16460.
4- الكافي: ج 4/332 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/339 ح 16459.
5- وسائل الشيعة: ج 12/340 ح 16461، المقنعة ص 444.

ولكن يدفع الأوّل: أنّه عند زوال الشمس لا يصدق على ما بعد صلاة العصر، وأمّا قبل الظهر فإذا انضمّ إلى هذه النصوص صدرُ صحيح معاوية الوارد فيه قوله عليه السلام: (وليكن فراغك من ذلك عند زوال الشمس)، وما دلّ على أنّه لو كان في وقت الفريضة يحرم في دبرها، فلا يبقى لدعوى شمول النصوص له مجالٌ كما لا يخفى .

ويدفع الثاني: أنّ الظاهر كون السؤال الثاني إنّما هو عن اللّزوم، والتعليل إنّما يكون لذلك، ولا أقلّ من احتمال ذلك، فلا يصلح لصرف ظهور غيره، وعليه فالأظهر ما هو المشهور من أولويّة ذلك.

أقول: وأمّا في حَجّ التمتّع ففيه خلافٌ :

فعن المفيد(1) والسيّد(1) وتبعهما جمعٌ : أنّ الأفضل فيه أن يُصلّي الظهر بمنى.

وعن «المواهب»(2) و «الوسيلة»(3)، وفي «التذكرة»(4) و «المنتهى»(5) و «الشرائع»(6)وعن غيرها: أنّ الأفضل أن يحرم بعد صلاة الظهرين في مسجد الحرام.

وعن «الهداية»(7) و «المقنع»(8) و «المقنعة»(10) و «المصباح»(9) ومختصره6.

ص: 178


1- جمل العلم والعمل ص 109 إلى أن قال: (ويلبّي ثمّ يمضي إلى منى فليصلِّ فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ويغدو إلى عرفات).
2- حكاه عن المواهب السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 11/350.
3- الوسيلة: ص 177.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/230.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/673.
6- شرائع الإسلام: ج 1/180.
7- الهداية: ص 219.
8- المقنع: ص 218-219.
9- مصباح المتهجّد: ص 676.

و «السرائر»(1) و «الجامع»(2) وغيرها: أنّ الأفضل أن يحرم بعد صلاة الظهر.

وعن الشيخ في «التهذيب»(3): التفصيل بين الإمام فيصلّي الظهر بمنى ، وبين غيره فيصلّي في المسجد الحرام.

وأمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على القول الأوّل:

منها: صحيج عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام: إذا كان يوم التروية فأهلّ بالحَجّ - إلى أن قال - وصلِّ الظهر إن قدرت بمنى»(4).

ومنها: صحيح معاوية: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا انتهيت إلى منى فقل... إلى أن قال: ثمّ تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، والإمام يُصلّي بها الظهر لا يسعه إلّاذلك، وموسّع لك أن تُصلّي بغيرها إن لم تقدر»(5).

ومنها: موثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «ثمّ تُلبّي من المسجد الحرام، إلى أن قال:

وإن قدرت أن يكون رواحك إلى مِنى زوال الشمس وإلّا متى ما تيسّر لك من يوم التروية»(6).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّه يُصلّي المكتوبة في المسجد:

منها: صحيح معاوية: «إذا كان يوم التروية إنْ شاء اللّه تعالى فاغتسل، ثمّ 1.

ص: 179


1- السرائر: ج 1/585.
2- الجامع للشرائع: ص 182.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/175.
4- وسائل الشيعة: ج 13/521 ح 18351.
5- الكافي: ج 4/461 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/524 ح 18360.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/168 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/409 ح 16641.

البس ثوبيك، وادخل المسجد حافياً، إلى أن قال: ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس، فصلِّ المكتوبة، ثمّ قُل في دبر صلاتك كماقلت حين أحرمت من الشجرة، الحديث»(1).

والمراد من (المكتوبة) إنْ كان هو الظهران، فهو دليل القول الثاني، وإنْ كان هو الظهر خاصّة، فهو دليل القول الثالث.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على التفضيل:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «على الإمام أن يُصلّي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف، ويُصلّي الظهر يوم النفر في المسجد الحرام»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «لا ينبغي للإمام أن يُصلّي الظهر يوم التروية إلّابمنى ، ويبيت بها إلى طلوع الشمس»(3). ونحوهما غيرهما.

أقول: والجمع بين النصوص يقتضي البناء على أنّه إنْ قدر على أنْ يُصلّي أوّل الوقت بمنى فيُصلّي الظهر هناك، وإلّا ففي مكّة، فإنّ الطائفة الاُولى تقيّد إطلاق الثانية، وأمّا الإمام عليه السلام فليس علينا بيان وظيفته، وإنْ اُريد به أمير الحاجّ فسيأتي حكمه.

***6.

ص: 180


1- الكافي: ج 4/454 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/408 ح 16640.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/177 ح 7، وسائل الشيعة: ج 13/524 ح 18358.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/176 ح 5، وسائل الشيعة: ج 13/523 ح 18356.

ورفع الصوت بالتلبية إذا علت راحلته البيداء إن حجّ على طريق المدينة، والدُّعاء، والتلفّظ بالنوع، والإشتراط، وتكرار التلبية.

إلى أن يشاهد بيوت مكّة للمتمتّع، وإلى عند الزوال يوم عرفة للمُفرِد والقارِن، وإذا دخل الحرم للمعتمر.

باقي مندوبات الإحرام

(و) الخامس من مندوبات الإحرام (رفع الصوت بالتلبية إذا علت راحلته البيداء إن حَجّ على طريق المدينة) وقد تقدّم تفصيل القول في ذلك في مبحث التلبية مفصّلاً(1).

(و) من المندوبات: (الدُّعاء والتلفّظ بالنوع)، بل المنويّ مطلقاً، كما مرّ في مبحث النيّة(2).

(و) قد مرّ أيضاً في ذلك المبحث أنّ من المندوبات: (الإشتراط) أي اشتراط التحلّل إن مرض، أو ضاغت نفقته، أو منعه ظالم، أو غير ذلك، كما بيّنا هناك فائدة هذا الاشتراط.

(و) منها: (تكرار التلبية) وقد مرّ وجهه.

بيان موضع قطع التلبية

إنّما الكلام في المقام في موضع قطع التلبية، فالمشهور بين الأصحاب: أنّه يستحبّ التلبية (إلى أن يشاهد بيوت مكّة للمتمتّع) أي لعمرته، (وإلى عند الزوال يوم عرفة للمُفرِد والقارن)، بل للحاجّ متمتّعاً أيضاً، (وإذا دخل الحرم للمُعتَمر) عُمرة مفردة.

ص: 181


1- راجع صفحة 84 من هذا المجلّد.
2- راجع صفحة 48 من هذا المجلّد.

أقول: يقع فالكلام في مواضع:

الموضع الأوّل: المتمتّع عُمرة التمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة، كما هو المشهور، وقيل إنّه إجماعي، والشاهد به نصوص:

منها: مصحّح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا دخلتَ مكّة وأنت متمتّع، فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية، وحَدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين، فإنّ الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن، فاقطع التلبية، وعليك بالتكبير والتحميد والتهليل والثناء على اللّه عزّ وجلّ ما استطعت»(1).

ومنها: مصحّح الحلبي، عنه عليه السلام: «المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية»(2).

ومنها: صحيح البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «أنّه سُئل عن المتمتّع متى يقطع التلبيه ؟ قال عليه السلام: إذا نظر إلى عراش مكّة عقبة ذي طوى .

قلت: بيوت مكّة ؟ قال عليه السلام: نعم»(3). ونحوها غيرها.

وأمّا موثّق زرارة، عنه عليه السلام: «سألته أين يمسك المتمتّع التلبية ؟ فقال عليه السلام: إذا دخل البيوت، بيوت مكّة لا بيوت الأبطح»(4).

وخبر زيد الشحّام، عنه عليه السلام: «عن تلبية المتعة متى تقطع ؟ قال عليه السلام: حين يدخل الحرم»(5).

فلعدم عمل الأصحاب بهما والإعراض عنهما يُطرحان.9.

ص: 182


1- الكافي: ج 4/399 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/388 ح 16581.
2- الكافي: ج 4/399 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/389 ح 16582.
3- الإستبصار: ج 2/176 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/389 ح 16584.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/468 ح 284، وسائل الشيعة: ج 12/390 ح 16587.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/95 ح 120، وسائل الشيعة: ج 12/391 ح 16589.

أقول: إنّ عقبة المدنيّين إنْ كانت متّحدة مع عقبة ذي طوى ، فلا تعارض بين صحيح البزنطي ومصحّح معاوية، وإلّا فيكون الاختلاف من ناحية اختلاف الجهات، فلا تعارض أيضاً.

وعن «الروضة»(1) و «المسالك»(2): إنّ عقبة المدنيّين من جهة أعلى مكّة، وعقبة ذي طوى من جهة أسفلها.

ثمّ إنّ الموضوع هو بيوت مكّة، وما في مصحّح معاوية إنّما هو تحديد لبيوت مكّة في ذلك الزمان لا لموضوع الحكم، فلا حاجة إلى تحديد ذلك.

الموضع الثاني: الحاجّ بأيّ نوع من الحَجّ يقطعها عند الزوال من يوم عرفة، ويشهد بذلك نصوص كثيرة:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الحاجّ يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس»(3).

ومنها: مصحّح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس»(4). ونحوهما غيرهما.

الموضع الثالث: المشهور بين الأصحاب أنّ المعتمر عُمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، وعند مشاهدة الكعبة إنْ كان قد خرج من مكّة لإحرامها.

وأمّا النصوص فهي مختلفة:4.

ص: 183


1- شرح اللّمعة: ج 2/234.
2- مسالك الأفهام: ج 2/245.
3- الكافي: ج 4/462 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/391 ح 16590.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/181 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/392 ح 16594.

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على أنّ وقت القطع النظر إلى الكعبة:

منها: صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ : «ومن خرج من مكّة يريد العُمرة، ثمّ دخل معتمراً، لم يقطع التلبية حتّى ينظر إلى الكعبة»(1).

ومنها: مصحّح معاوية، عنه عليه السلام: «من اعتمر من التنعيم، فلا يقطع التلبية حتّى ينظر إلى المسجد»(2).

وهذان الخبران كما ترى مختصّان بالخارج من مكّة.

الطائفة الثانية: ما هو مطلق، ويدلّ على أنّ وقت القطع دخول الحرم:

منها: صحيح عمر بن يزيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من دخل مكّة مفرداً للعمرة، فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم»(3).

ومنها: خبر معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم»(4). ونحوهما غيرهما.

والجمع بين الطائفتين من جهة أخصيّة الاُولى ، يقتضي البناء على ماهو المشهور.

الطائفة الثالثة: ما تضمّن أنّه يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة:

منها: موثّق يونس بن يعقوب، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام: عن الرّجل يعتمر عُمرة مفرد ة، من أين يقطع التلبية ؟ قال عليه السلام: إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية»(5).9.

ص: 184


1- تهذيب الأحكام: ج 5/95 ح 123، وسائل الشيعة: ج 12/395 ح 16604.
2- الكافي: ج 4/537 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/394 ح 16600.
3- الإستبصار: ج 2/177 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/394 ح 16598.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/94 ح 117، وسائل الشيعة: ج 12/393 ح 16597.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/95 ح 122، وسائل الشيعة: ج 12/394 ح 16599.

ومنها: خبر الفضيل بن يسار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قلت: دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية ؟ قال عليه السلام: حيال العقبة عقبة المدنيّين. فقلت: أين عقبة المدنيّين ؟ قال:

بحيال القصّارين»(1).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام: «عن الرّجل يعتمر عُمرة المحرم من أين يقطع التلبية ؟ قال: كان أبو الحسن عليه السلام من قوله: يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة»(2). ونحوها غيرها.

أقول: لا إشكال في أنّ الطائفة الاُولى المختصّة بالخارج من مكّة للإعتمار أخصّ من هذه النصوص، فتخصّصها بالجائي من خارج الحرم، وأمّا الطائفتان الأخيرتان فهما متعارضتان، فإنّ الأُولى منهما تدلّ على القطع عند دخول الحرم، والثانية تدلّ على القطع عند النظر إلى بيوت مكّة.

وقيل في الجمع بينهما وجوه:

الوجه الأوّل: ما عن الصدوق(3) و «النافع»(4) و «كشف اللّثام»(5) من الحمل على التخيّير.

الوجه الثاني: ما عن ظاهر «الاستبصار»(6) و «التهذيب»(7) من حمل الأُولى منهما على من لم يجيء من المدينة والعراق، والثانية على من جاء منهما.3.

ص: 185


1- تهذيب الأحكام: ج 5/96 ح 124، وسائل الشيعة: ج 12/395 ح 16607.
2- وسائل الشيعة: ج 12/396 ح 16608، قرب الإسناد ص 167.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/456.
4- المختصر النافع: ص 83.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/286.
6- الإستبصار: ج 2/177.
7- تهذيب الأحكام: ج 5/93.

والإحرام في قطن محض.

الوجه الثالث: الجمع بينهما بحمل الثانية على تأكّد المنع.

أقول: ولكن هذه الوجوه كلّها ليست من قبيل الجمع العرفي، ولكن الذي يسهّل الخطب أنّه لم يظهر قائلٌ بمضمون الطائفة الأخيرة، فالمعتمد هي الأوليتان، وقد مرّ بيان ما يستفاد منهما.

والظاهر أنّ القطع في الموارد المذكورة على الوجوب، وفاقاً في الأوّل لظاهر الأكثر، بل عن «الخلاف»(1) الإجماع عليه، وفي الثاني لوالد الصدوق(2) والشيخ(3)و «الوسيلة»(4) و «المفاتيح»(5) وشرحه، واستحسنه في «المدارك»(6)، بل هو محتمل الأكثر كما قيل(7)، وفي الثالث لظاهر الأكثر، وصريح بعضهم(8)، كلّ ذلك لظاهر الأوامر الخالية عن المعارض، كذا صرّح به صاحب «المستند»(9).

***

(و) المستحبّ التاسع: (الإحرام في قُطن محض) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر كما في «الرياض»(10)، وقد رُوي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله4.

ص: 186


1- الخلاف: ج 2/293.
2- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/60.
3- المبسوط: ج 1/317.
4- الوسيلة: ص 161.
5- المفاتيح: ج 1/316.
6- مدارك الأحكام: ج 7/298.
7- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/286.
8- المقنعة: ص 63.
9- مستند الشيعة: ج 11/326.
10- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/274.

لبسه في الإحرام، ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«كان ثوبا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، اللّذين أحرم فيهما يمانيّين عبري وأظفار، وفيهما كُفِّن»(1).

كما قد ورد الأمر بلبس القطن مطلقاً، وفي بعض النصوص: (أنّه لباس رسول صلى الله عليه و آله)، وفي آخر: (هو لباسنا ولم يكن يلبس الشعر والصوف إلّامن علّة).

قيل: وأفضله البيض، لتظافر الأخبار بالأمر بلبسه، وكونه خير الثياب وأطيبها وأطهرها، لكن لا بأس بما عداه من الألوان والأجناس، للنصوص:

منها: خبر خالد بن أبي العلاء الخفّاف، قال: «رأيتُ أبا جعفر عليه السلام وعليه برد أخضر وهو مُحرِم»(2).

ومنها: صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج: «أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن المُحرِم يلبس الخَزّ، قال عليه السلام: لا بأس»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخَزّ»(4).

ومنها: التوقيع الشريف: «كتبَ إليه عليه السلام الحميري: هل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خَزّ أم لا؟ فكتب عليه السلام إليه في الجواب: لا بأس بذلك وقد فعله قوم صالحون»(5). ونحوها غيرها.

نعم يكره في الأسود وقد تقدّم وعرفت أنّ الأحوط لزوماً أن لا يحرم فيه.3.

ص: 187


1- الكافي: ج 4/339 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/359 ح 16506.
2- الكافي: ج 4/339 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/360 ح 16508.
3- الكافي: ج 4/341 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/364 ح 16521.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/345 ح 2638، وسائل الشيعة: ج 12/365 ح 16522.
5- وسائل الشيعة: ج 12/365 ح 16524، الإحتجاج: ج 2/483.

وإحرام المرأة كإحرام الرّجل إلّافي تحريم المخيط، ولا يمنعها الحيض منه.

(وإحرام المرأة كاحرام الرّجل إلّافي تحريم المخيط) لقاعدة الاشتراك، وسيأتي الكلام في لبسها المخيط في تروك الإحرام، كما أنّه قد مرّ أنّه لا يستحبّ لها رفع الصوت بالتلبية، وحكم إحرامها في الحرير، وسيأتي حكم التظليل ساتراً وكشف الوجه وستر الرأس.

(ولا يمنعها الحيض منه) أي من الإحرام بلا خلافٍ ، كما في «الجواهر»(1)، ويشهد به:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، قال: «سألتُ أباعبداللّه عليه السلام عن الحائض تحرم وهي حائض ؟ قال عليه السلام: نعم تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المُحرِمة، ولاتُصلّي»(2).

2 - وصحيح منصور بن حازم: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: المرأة الحائض تحرم وهي لا تُصلّي ؟ قال عليه السلام: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم»(3).

3 - وصحيح العيص بن القاسم، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام: أتحرم المرأة وهي طامث ؟ قال عليه السلام نعم تغتسل وتلبّي»(4). ونحوها غيرها.

أقول: وصريح الأوّل والثاني عدم سقوط الغُسل عنها، فما عن بعض من سقوطه ضعيف، وقد مرّ أنّه مستحبٌّ بنفسه لا لحصول الطهارة.

نعم، تسقط الصلاة عنها لصحيح معاوية، ولعموم الأدلّة، وقد تقدّم في مبحث المواقيت حكم إحرامها من مسجد الشجرة، فراجع(5).

***7.

ص: 188


1- جواهر الكلام: ج 18/451.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/388 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/400 ح 16619.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/388 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/399 ح 16616.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/389 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/401 ح 16620.
5- فقه الصادق: ج 14/357.

الباب الرابع: في تروك الإحرام.

والواجب منها أربعة عشر تركاً: صيد البرّ وإمساكه، والإشارة إليه والإغلاق عليه وذبحه.

تروك الإحرام

(الباب الرابع: في تروك الإحرام).

أي ما يجب تركه، ومايكون تركه أفضل، وبعبارة اُخرى مايُحرم فعله ومايُكره.

(والواجب منها: أربعة عشر تركاً) عند المصنّف هنا.

وعن «النافع»(1)، وفي «التذكرة»(2) و «الشرائع»(3): عشرون شيئاً.

وعن «الدروس»(4) ثلاثة وعشرون تركاً.

وعن «القواعد»(5): ثمانية عشر تركاً، فالأقوال أربعة، ولكلٍّ وجهٌ سيظهر لك إنْ شاء اللّه تعالى في آخر هذا المبحث.

الصيد حرامٌ على المُحرِم

المحرّم الأوّل: (صيد البرّ وإمساكه وأكله والإشارة إليه والإغلاق عليه وذبحه) بلا خلافٍ أجده في شيء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه كما في

ص: 189


1- المختصر النافع: ص 84.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/263.
3- شرائع الإسلام: ج 1/183.
4- الدروس: ج 1/351.
5- قواعد الأحكام: ج 1/421، قوله: (في تروكه والمحرم عشرون).

«الجواهر»(1)، وادّعى صاحب «المنتهى»(2) إجماع المسلمين عليه.

وفي «المستند»(3) إجماع المسلمين في الأولين، وإجماعنا المحقَّق والمحكيّ في البواقي:

أقول: تفصيل القول في ذلك يتحقّق في ضمن مسائل:

المسألة الاُولى: أنّه لا إشكال في حرمة تلك ووجوب تركها، ويشهد بها الكتاب والسُنّة.

أمّا الكتاب: فآيات منه:

الآية الاُولى : قوله تعالى: «لَيَبْلُوَنَّكُمُ اَللّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ اَلصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اَللّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ » (4) دلّت هذه الآية الشريفة على أنّ اللّه تعالى يختبر المؤمنين بالصيد، فإنّه على ما قيل كان قد كثر الصيد عندهم بالحُديبيّة وهم مُحرمون، بحيث يدخل في أمتعتهم حتّى كانوا يتمكّنون من قبضه.

قيل: إنّ المراد بما «تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ » الصغار من الصيد، «وَ رِماحُكُمْ » الكبار منه، كما هو مرويٌّ عن الإمام الصادق عليه السلام وابن عبّاس، «فَمَنِ اِعْتَدى » بعد الاختبار، أي خالف النهي «فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ » .

ومقتضى إطلاق الآية بقرينة حذف المتعلّق، حرمة كلّ ما يتعلّق بالصيد من القتل والإشارة وغيرهما، والآية مختصّة بحال الإحرام أو هي والحرم.4.

ص: 190


1- جواهر الكلام: ج 18/286.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/802.
3- مستند الشيعة: ج 11/339.
4- سورة المائدة: الآية 94.

الآية الثانية: قوله تعالى: «وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (1) وهو أيضاً بواسطة حذف متعلّق التحريم يفيد العموم.

الآية الثالثة: قوله تعالى: «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ » (2)هذه الآية الشريفة مختصّة بالقتل.

وأمّا السُنّة: فهي كثيرة:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا تستحلن شيئاً من الصيد وأنتَ حرام، ولا وأنت حلال في الحرم، ولا تدلنّ عليه مُحلّاً ولا مُحرِماً فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحلّ من أجلك فإنّ فيه فداء لمن تعمّده»(3).

ومنها: خبر عمر بن يزيد، عنه عليه السلام: «واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه، ولا تأكل من ما صاده غيرك، ولا تَشٖر إليه فيصيده»(4).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «لا تأكل من الصيد وأنتَ حرام وإنْ كان أصابه مُحلّ »(5).

ومنها: صحيحه الآخر عنه: «لا تأكل من الصيد وأنت حرام، وإنْ كان أصابه مُحلّ ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالةٍ إلّاالصيد، فإنّ عليك فيه الفداء»(6).

ومنها: صحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام: «عن المُحرِم يصيب الصيد1.

ص: 191


1- سورة المائدة: الآية 96.
2- سورة المائدة: الآية 95.
3- الكافي: ج 4/381 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/415 ح 16651.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/300 ح 19، وسائل الشيعة: ج 12/416 ح 16655.
5- وسائل الشيعة: ج 12/419 ح 16663.
6- الكافي: ج 4/381 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/68 ح 17251.

بجهالة ؟ قال عليه السلام: عليه كفّارة. قلت: فإنْ أصابه خطأً؟ وأيّ شيء الخطأ عندك ؟ قال:

ترمي هذه النخلة فتُصيب نخلةً اُخرى . فقال عليه السلام: نعم هذا الخطأ وعليه الكفّارة.

قلت: فإنْ أخذ طائراً متعمّداً فذبحه وهو مُحرِم ؟ قال: عليه الكفّارة. قلت: جُعلت فداك ألستَ قلت إنّ الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء، فبأيّ شيء يفضل المتعمّد الجاهل والخاطئ ؟ قال: إنّه أثم ولعب بدينه»(1).

ومنها: صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المُحرِم لا يدلّ على الصيد، فإنْ دلّ عليه فقتل فعليه الفداء»(2).

ومنها: موثّق ابن عمّار، عنه عليه السلام: «لا تأكل شيئاً من الصيد وأنت محرم، وإن صاده حلال»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه أيضاً: «أنّه سُئل عن الصيد يصاد في الحِلّ ثمّ يُجاء به إلى الحرم وهو حَيّ؟ فقال عليه السلام: إذا أدخله الحرم وهو حَيّ فقد حَرُم لحمه وإمساكه. وقال: لا تشتره في الحرم إلّامذبوحاً قد ذُبح في الحِلّ ثمّ أُدخل الحرم»(4).

ومنها: خبر شهاب عنه عليه السلام في حديث: «أما علمت أنّ ما دخلت به الحرم حيّاً فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه»(5).

ومنها: خبر إبراهيم بن عمر وسليمان بن خالد، قلنا لأبي عبداللّه عليه السلام: «رجلٌ أغلق بابه عليطائر؟ فقال: إنْ كان أغلق الباب بعدما أحرم فعليه شاة. الحديث»(6).5.

ص: 192


1- الكافي: ج 4/381 ح 4، وسائل الشيعة: ج 13/69 ح 17252.
2- الكافي: ج 4/381 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/416 ح 16653.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/370 ح 201، وسائل الشيعة: ج 12/419 ح 16662.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/376 ح 226، وسائل الشيعة: ج 12/423 ح 16672.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/262 ح 2370، وسائل الشيعة: ج 13/31 ح 17164.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/350 ح 128، وسائل الشيعة: ج 13/24 ح 17145.

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة، ودلالتها على حرمة صيد البرّ أكلاً واصطياداً ودلالةً وإشارةً وإمساكاً وإغلاقاً واضحة.

أقول: والمنساق إلى الذهن من النصوص والفتاوى، بل المصرّح به فيها، أنّ الإشارة أو الدلالة المسبّبة للصيد حرام، فلا يحرم دلالة من يرى الصيد ولا يريده أو لا يقدر عليه أو لا يفيده الدلالة والإشارة لأجل علمه به، فإنّ ظاهر قوله في صحيح منصور: (المُحرِم لا يدلّ على الصيد، فإنْ دلّ عليه فقتل فعليه الفداء)، وقوله عليه السلام في خبر عمر بن يزيد: (ولا تشر إليه فيصيده) ونحوهما غيرهما، أنّ المُحرّم هو الإشارة والدلالة المسبّبتان للصيد لا مطلقاً.

والمراد بالتسبيب ليس هو التسبيب التوليدي لتوسّط فعل الصائد المختار بين الدلالة والإشارة والصيد، بل المراد مطلق المدخليّة في اصطياده أو إتلافه ولو على جهة الشرطيّة.

والتعليل كما يُخصّص كذلك يعمّم، فما في النصوص من العلّة الغائيّة - وهي ترتّب الصيد - يوجب الالتزام بحرمة كلّ فعلٍ له دخلٌ إعدادي في الاصطياد.

وبعبارة اُخرى: لا إشكال في أنّه إذا قال المولى لعبده: (لا تُدخل الدار زيداً فيطّلع على أسرار البّيت) يفهم العرف منه عدم جواز كلّما يترتّب عليه ذلك، وليس ذلك من باب تنقيح المناط كما هو واضح، وفي المقام بما أنّه رتب الشارع النهي على الدلالة والإشارة الاصطياد فيفهم العرف منه كبرى كليّة، وهي حرمة كلّ ما تفرّع عليه الاصطياد كالإغلاق وما شاكل، وعلى هذا فتسرية الحكم لا تحتاج إلى دعوى الإجماع على حرمة مطلق الإعانة على الصيد بكلّ فعلٍ تحقّق به، ولو

ص: 193

بالإغلاق كما في «الجواهر»(1)، كي يورد عليه بعدم ثبوت الاتّفاق أوّلاً، وعدم كونه تعبّديّاً ثانياً.

ويترتّب على ذلك أنّه لا حاجة إلى البحث في بيان النسبة بين الدلالة والإشارة، وأنّه هل تصدق الدلالة على الكتابة أم لا؟ فإنّ المُحرّم مطلق الإعانة على الصيد، صدق عليه الدلالة أو الإشارة أم لم تصدق.

والمُحرّم هو الدلالة أو الإشارة سواءٌ أكان المعان مُحرِماً أو محلّاً، لإطلاق بعض النصوص، وللتصريح في بعض آخر بذلك، لاحظ صحيح معاوية المتقدّم.

***6.

ص: 194


1- جواهر الكلام: ج 18/286.

عدم اختصاص حرمة الصيد بمحلَّل الأكل

المسألة الثانية: اختلفت كلماتهم في أنّ المراد بالصيد في المقام، هل هو خصوص الصيد المحلَّل أو يعمّ محرّم الأكل ؟ بعد اتّفاقها على أنّ المراد به الممتنع أصالة، وأنّ الإنسيّ المتوحّش خارجٌ ، والوحشي المستأنس داخلٌ ، للنصّ .

ففي «المستند»(1): (الصيد المحرّم يشمل كلّ حيوان ممتنع بالأصالة، سواءٌ كان ممّا يؤكل أو لا، وفاقاًللشرائع(2) و «التذكرة»(3)، بل جملة من كتب الفاضل، وجمعٌ من المتأخّرين، وعن الراوندي(4) أنّه مذهبنا، معرباً عن دعوى الإجماع) انتهى .

وعن «النافع»(5) و «الدروس»(6): أنّ المراد به الحيوان المحلَّل.

بل عن «المفاتيح»(7) نسبة ذلك إلى أكثر الأصحاب.

وقد استثنى كلّ من الطائفتين عن المحرّم أصنافاً:

فالأوّلون استثنوا منه العقرب والأفعى والفأرة، بل كلّ ما خيف منه، وإن اختلفوا في بعض الأقسام.

والآخرون استثنوا الأسد والثعلب والأرنب والضبّ والقُنفذ واليربوع، وألحقوا هذه بمحلّل الأكل.

ص: 195


1- مستند الشيعة: ج 11/345.
2- شرائع الإسلام: ج 1/214.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/264.
4- فقه القرآن: ج 1/306.
5- المختصر النافع: ص 101.
6- الدروس: ج 1/351.
7- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 11/348، وفي الهامش (المفاتيح 1:319).

أقول: يقع الكلام في موردين:

الأوّل: في أصل الحكم.

الثاني: في الاستثناء.

أمّا المورد الأوّل: فيشهد على أنّ المراد ما يعمّ المُحرم وجوه:

الوجه الأوّل: شمول الصيد المنهيّ عنه كتاباًوسُنّة له لغةًوعرفاً، فيشمله إطلاقهما.

الوجه الثاني: عموم صحيح ابن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا أحرمت فاتّق قتل الدّواب كلّها إلّاالأفعى والعقرب والفأرة، الحديث»(1).

الوجه الثالث: ما في صحيح معاوية وغيره من النهي عن قتل ما لم يرده من الحيوانات المحرّمة المذكورة فيها.

الوجه الرابع: ما دلّ على حرمة قتل الوحش والطير مطلقاً، والنهي عن قتل غير الإبل والبقر والغنم والدجاج في الحرم، وحُرمة كلّ ما اُدخل الحرم حَيّاً، الآتي كلّها في باب مسائل الحرم، فإنّها بضميمة الإجماع وصحيح حريز الآتي الدالّ على اتّحاد حكم الحرم والإحرام في تحريم الصيد تدلّ على المطلوب.

وأيضاً: استدلّ للاختصاص بمحلّل الأكل بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع.

وهو غير ثابت، كيف وقد عرفت دعوى الإجماع عن بعضٍ على التعميم، وعلى فرض ثبوته لعدم كونه تعبّديّاً لا يعتمد عليه.

الوجه الثاني: منع صدق الصيد على المُحرِم.

وفيه: - مضافاً إلى صدقه عليه عرفاً ولغةً - أنّه قد استعمل في الأخبار في صيد6.

ص: 196


1- الكافي: ج 4/363 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/545 ح 17036.

المُحرِم، وكفاك ما نسب إلى سيّد البلغاء أمير المؤمنين عليه السلام:

«صيد الملوك ثعالب وأرانب وإذا ركبتُ فصيدي الأبطال»(1).

الوجه الثالث: قوله تعالى: «حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (2).

تقريب الاستدلال: أنّ المراد بالصيد الحيوان المُصطاد، وبديهي أنّ التحريم إذا تعلّق بالعين الخارجيّة دون الفعل، كان ظاهراً في إرادة أظهر أفراده، مثلاً قوله تعالى : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ » (3) ظاهرٌ في حرمة نكاحهن، ففي المقام يكون ظاهراً في إرادة حرمة الأكل، وحيث أنّ المحرّم على كلّ أحدٍ في حال إحرامه وغير إحرامه، والحرمة في الآية الكريمة قيّدت بحال الإحرام، فيعلم أنّ الحكم في الآية مختصّ بالمحلّل، فإنّه الذي يصلح تقيّيد حرمته بحال الإحرام.

وفيه أوّلاً: أنّه يمكن أن يكون المراد بالصيد في الآية الشريفة الاصطياد، بل هو الظاهر منها دون المصيد.

وثانياً: ما تقدّم من أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، وأنّ المقدّر هو جميع الآثار، إلّا مع قيام القرينة على إرادة أثر خاص منه.

وثالثاً: أنّ غاية ذلك اختصاص الآيه الكريمة بالمحلّل، ولا مفهوم لها كي يقيّد به إطلاق سائر الأدلّة.

الوجه الرابع: انصراف الأدلّة عن المُحرّم أكله، وعن «كشف اللّثام»(4) تقريبه بدعوى تبادر المحلّل، وأيّده بأصالة الحِلّ والبراءة.1.

ص: 197


1- حكاه عنه الراوندي في فقه القرآن: ج 1/306.
2- سورة المائدة: الآية 96.
3- سورة النساء: الآية 23.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/321.

وفيه: أنّه لا منشأ لشيءٍ منهما، وأصالة الحلّ والبراءة لا مجرى لهما مع إطلاق الدليل.

الوجه الخامس: أنّه لا تجب الكفّارة في قتل غير المأكول غير الثمانية، وهي:

الأسد والأرنب والثعلب واليربوع والقُنفذ والضبّ والذئب والزنبور، التي دلّت النصوص الخاصّة - كخبر أبي سعيد(1) وصحاح البزنطي(2) والحلبي(3) ومعاوية(4)ومسمع(5) - على ثبوت الكفّارة في قتلها.

وأُورد عليه: بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفّارة وعدم التحريم، لعدم نهوض دليل على كون الكفّارة من لوازم الحرمة، كي يكون دليل عدم وجوب الكفّارة دليلاً لعدم الحرمة، كما يشهد له سقوط الكفّارة في الصيد متعمّداً.

واُجيب عن ذلك: بأنّه يمكن استفادة التلازم:

1 - من قوله سبحانه: «وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ » (6).

2 - ومن قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: «فإنّ فيه فداءٌ لمَن تعمّده».

3 - وقوله عليه السلام في صحيح ابن حازم: «وإنّما الفداء على المُحرم».

حيث لا يدلّ على الصيد، فإنْ دلّ فعليه الفداء، فإنّ المستفاد منها ثبوت الفداء5.

ص: 198


1- الكافي: ج 4/237 ح 26، وسائل الشيعة: ج 13/79 ح 17280.
2- وسائل الشيعة: ج 13/17 ح 17121.
3- الكافي: ج 4/381 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/43 باب 17 ح 17194.
4- وسائل الشيعة: ج 13/21 ح 17132.
5- وسائل الشيعة: ج 13/19 ح 17128.
6- سورة المائدة: الآية 95.

في كلّ ما تعلّق به النهي، وهذا التلازم لا يتمّ إلّاعلى تقدير تخصيص الصيد بالمحلّل منه، وأمّا غيره فلا تلازم فيه، بل صرّح الشيخ في «المبسوط»(1) بأنّه لا خلاف بين العلماء في عدم وجوب الجزاء في قتل الحيّة والعقرب والفأرة والغراب والحداة والكلب والذئب، وأنّه لا يجبُ الجزاء عندنا في الجوارح من الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك، والسّباع من البهائم، فلو كان صيد هذه الأنواع حراماً، كان الواجب ثبوت الفداء، للتلازم المستفاد من الآية والنصوص، والتالي باطلٌ ، لما عرفت من الإجماع، فيتعيّن أنّ المراد خصوص مأكول اللّحم.

وإنْ شئت قلت: إنّ مفاد الآية والروايات ثبوت الفداء في كلّ ما تعلّق به النهي، فلابدّ من أحد التخصيصين: إمّا تخصيص الصيد بالمحلّل، أو الفداء ببعض ما يحرم صيده، فلا يعلم عموم حرمة الصيد.

أقول: إنّ غاية ما يثبت بذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء، وهذا لا يفيد فيما نهي فيه عن قتل الدّواب والسّباع ونحوها من الأخبار بالمنطوق والمفهوم.

وبعبارة اُخرى: إن لنا عنوانين: أحدهما الصيد، والآخر قتل الدّواب، والتلازم لو ثبت فإنّما هو في الأوّل دون الثاني، والمثبت للتعميم حقيقةً هو الثاني.

فالمتحصّل: أنّه لا يجوز للمُحرِم قتل الحيوان، سواءٌ أكان مأكول اللّحم أو غير مأكول اللّحم.

وأمّا المورد الثاني: فقد استثني عن ذلك موارد:

المورد الأوّل: كلّ ما خيف منه، فإنّه يجوز قتله إذا أراده، إجماعاً كما قيل:

1 - لصحيح ابن عمّار المتقدّم: «إذا أحرمت فاتّق قتل الدّواب كلّها إلّاالأفعى 9.

ص: 199


1- المبسوط: ج 1/338-339.

والعقرب والفأرة - إلى أن قال - والحيّة إن ارادتك فاقتلها، فإنْ لم تردك فلا تردها، والكلب العقور والسَّبع إذا أراداك فاقتلهما، وإنْ لم يكن تردك فلا تردها، والأُسود الغدر فاقتله على كلّ حال، وارم الغُراب والحُدأة رمياً. الحديث»(1).

2 - وصحيح حسين بن أبي العلاء، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قال لي: يقتل المُحرِم الأسود الغدر - إلى أن قال - وقال: اقتل كلّ واحدٍ منهنّ يريدك»(2).

3 - وصحيح حريز، عنه عليه السلام: «كلّ ما يخاف المُحرِم على نفسه من السّباع والحيّات وغيرهما فليقتله، وإنْ لم يردك فلا ترده»(3).

4 - وخبر عبد الرحمن العزرمي، عن الإمام الصادق، عن أبيه عن عليّ عليهم السلام، قال: «يقتل المُحرِم كلّ ما خشيه على نفسه»(4).

5 - وصحيح آخر لمعاوية بن عمّار: «عن مُحرمٍ قتل زنبوراً؟ قال: إنّ كان خطأً فليس عليه شيء. قلت: لا بل متعمّداً. قال عليه السلام يُطعم شيئاً من طعام. قلت: إنّه أرادني. قال عليه السلام كلّ شيء أرادك فاقتله»(5).

المورد الثاني: الأفعي والعقرب والفأرة، استثناهاالمحقّق(6) وجماعة(7)، ويشهدبه:8.

ص: 200


1- الكافي: ج 4/363 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/545 ح 17036.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/366 ح 187، وسائل الشيعة: ج 12/546 ح 17039.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/365 ح 185، وسائل الشيعة: ج 12/544 ح 17035.
4- الكافي: ج 4/364 ح 10، وسائل الشيعة: ج 12/546 ح 17041.
5- الكافي: ج 4/364 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/547 ح 17043.
6- شرائع الإسلام: ج 1/215.
7- منهم الصدوق في المقنع: ص 77، وصاحب المدارك في مداركه: ج 8/316، وصاحب الحدائق في حدائقه: ج 15/158.

1 - صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم.

2 - خبر محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سألته عن المُحرم وما يقتل من الدّواب ؟ فقال: يقتل الأسود والأفعى والفأرة والعقرب، وكلّ حيّة، وإن أرادك السبع فاقتله، وإنْ لم يردك فلا تقتله، والكلب العقور إنْ أرادك فاقتله، الحديث»(1).

3 - وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر، وكلّ حيّة سوء، والعقرب والفأرة وهي الفويسقه، ويرجم الغُراب والحدأة رجماً، الحديث»(2). ونحوها غيرها.

وما في حسن ابن أبي العلاء، من قوله عليه السلام: «اقتل كلّ واحدٍ منهنّ يريدك»(3)ونحوه غيره، لا يصلح مقيّداً لإطلاق هذه النصوص، إذ لا مفهوم له، ومنطوقه لاينافي الإطلاق كي يقيّده.

المورد الثالث: الحيّة، وأصل جواز قتلها في الجملة محلّ وفاق، والنصوص ناطقة به، إنّما الخلاف في أنّه:

1 - هل يجوز مطلقاً كما هو الأشهر، بل عن «الغُنية»(4) و «المبسوط»(5)الإجماع عليه ؟8.

ص: 201


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/364 ح 2722، وسائل الشيعة: ج 12/547 ح 17044.
2- الكافي: ج 4/363 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/546 ح 17040.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/366 ح 187، وسائل الشيعة: ج 12/546 ح 17039.
4- غنية النزوع: ص 161.
5- المبسوط: ج 1/338.

2 - أو يختصّ بصورة الخوف كما عن «السرائر»(1) وفي «المستند»(2)؟ وجهان:

يشهد للأوّل: إطلاق بعض ما تقدّم، كصحيح الحلبي، وخبر ابن الفضيل.

وللثاني: صحيح ابن عمّار، وحيث إنّه أخصّ فيخصَّص الإطلاق به.

المورد الرابع: الزنبور والنسر والأسود، ويجوز قتل هؤلاء أيضاً، لخبر غياث ابن إبراهيم، عن أبيه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يقتل المُحرِم الزنبور والنسر والأسود الغدر والذئب، وما خاف أن يعدو عليه. وقال: الكلب العقور هو الذئب»(3).

ونحوه خبر وهب بن وهب(4).

المورد الخامس: الكلب العقور، والظاهر اختصاص الجواز بما إذا أراده، لخبر ابن الفضيل المتقدّم.

المورد السادس: النمل والبقّ والقُمّلة والبرغوث والذَّر، ويشهد به النصوص الدالّة على جواز قتلها في الحرم، راجع: باب 84 من أبواب تروك الإحرام، فإنّها - بضميمة ما دلّ على أنّ ما يجوز قتله في الحرم، يجوز للمحرم قتله - تشهد بالجواز، وفي خصوص البقّ والبرغوث بحثٌ سيأتي في مبحث هوام الجسد(5).

***

حرمة ذبيحة المُحرِم على المُحلّ والمُحرِم

المسألة الثالثة: إذا صاد المُحرِم صيداً وقتله، حرُم عليه وعلى من مثله في كونه مُحرِماً إجماعاً ونصّاً، وهذا متّفقٌ عليه لا نقاش فيه، إنّما الكلام في أنّه هل يحرم

ص: 202


1- السرائر: ج 1/567.
2- مستند الشيعة: ج 11/347.
3- الكافي: ج 4/363 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/546 ح 17042.
4- وسائل الشيعة: ج 12/547 ح 17046، قرب الإسناد ص 66.
5- صفحة 368 من هذا المجلّد.

على كلّ أحدٍ وإنْ كان مُحلّاً أم لا؟ فيه أقوال:

القول الأوّل: ما عن أكثر كتب الشيخ(1) و «المهذّب»(2) و «الجامع»(3)و «الوسيلة»(4) و «الجواهر»(5) و «الشرائع»(6) و «النافع»(7) و «القواعد»(8) و «الإرشاد»(9)وغيرها، وهو أنّه ميتة وحرامٌ عليه.

وفي «الجواهر»(10): (بل هوالمشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف مَنْ عادته نقله وإنْ ضعف) انتهى .

وفي «المنتهى»(11): (ولو ذبحه المحرم كان حراماً لا يَحلّ أكله للمحرم ولا للمُحلّ ، يصير ميتة يحرم أكله على جميع الناس، ذهب إليه علماؤنا أجمع) انتهى .

ومثله في «التذكرة»(12).

القول الثاني: أنّه يحلّ أكله له إنْ ذبحه في الحِلّ ، نُسب ذلك إلى «المقنع»(13)6.

ص: 203


1- النهاية: ص 220.
2- المهذّب: ج 1/230.
3- الجامع للشرايع: ص 183.
4- الوسيلة: ص 165.
5- جواهر الفقه: ص 46.
6- شرائع الإسلام: ج 1/183.
7- المختصر النافع ص 84.
8- قواعد الأحكام: ج 1/421.
9- إرشاد الأذهان: ج 1/317.
10- جواهر الكلام: ج 18/289.
11- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/803.
12- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/272.
13- المقنع: ص 246.

والفقيه(1)، والإسكافي(2) والمفيد(3) والسيّد(4) والكُليني(5).

القول الثالث: التفصيل بين مقتول المُحرِم ومذبوحه، فالحكم بالحليّة للمحلّ في الأوّل، والحرمة له في الثاني، حُكي ذلك عن الشيخين(6) وعن سيّد «المدارك»(7)وبعض من تأخّر(8) عنه الميل إليه، وقال صاحب «المستند»(9) إنّه الأقرب.

أقول: يقع الكلام في موردين:

الأوّل: في مقتضى النصوص الخاصّة.

الثاني: في سائر الوجوه المذكورة دليلاً أو تأييداً.

أمّا المورد الأوّل: فالنصوص الخاصّة الواردة في المقام طائفتان:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على القول المشهور:

1 - خبر وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا ذبح المُحرِم الصيد لم يأكله الحلال والحرام، وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلالٌ ذبحه أو حرام»(10).

2 - وخبر الحسن بن موسي الخشّاب، عن إسحاق، عن جعفر عليه السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام6.

ص: 204


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/263 ح 2376.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 4/133، والسيّد الخونساري في جامع المدارك: ج 2/396.
3- المقنعة: ص 438.
4- رسائل المرتضى: ج 3/72.
5- الكافي: ج 4/382 ح 6.
6- المقنعة: ص 438، تهذيب الأحكام: ج 5/375-378، الإستبصار: ج 2/215.
7- مدارك الأحكام: ج 7/308.
8- الحدائق الناضرة: ج 15/145.
9- مستند الشيعة: ج 11/344.
10- تهذيب الأحكام: ج 5/377 ح 228، وسائل الشيعة: ج 12/432 ح 16696.

كان يقول: إذا ذَبح المُحرِم الصيد في غير الحرم، فهو ميتة لايأكله مُحلّ ولا محرم»(1).

وأُورد عليهما: بأنّهما قاصران من حيث السند:

أمّا الأوّل: فلاشتراك وهب بين الضعيف والقوي.

وأمّا الثاني: فلأنّ من جملة رجاله الخشّاب، وهو غير ممدوح مدحاً يعتدّ به.

وفيه أوّلاً: أنّ الخشّاب ممدوحٌ بمدحٍ يعتدّ به، قال النجاشي(2): (هو من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم والحديث)، ومثله عن القسم الأوّل من الخلاصة(3)، وذكره ابن داود(4) في القسم الأوّل، وأشار إلى ما في رجال الشيخ والنجاشي، وعن «الذخيرة»(5) و «البلغة» وغيرهم: أنّه ممدوح، واستشهد الوحيد لوثاقته بأُمورٍ، وعليه فحديث الرّجل إمّا صحيحٌ أو حسن كالصحيح.

نعم، من لا يعتمد إلّاعلى التوثيق الصريح كصاحب «المدارك» وثاني الشهيدين، لا يعتمد على روايته.

وثانياً: أنّه مع عمل من تقدّم من الأساطين والفقهاء بهما ينجبر ضعف سندهما لو كان به، فلا إشكال فيهما من حيث السند.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم البأس بأكل المُحلّ ما صاده المُحرِم:

1 - صحيح حريز: «قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مُحرمٍ أصابَ صيداً أيأكل منه الُمحلّ؟ فقال عليه السلام: ليس على الُمحلّ شيء، إنّما الفداء على المُحرِم»(6).8.

ص: 205


1- تهذيب الأحكام: ج 5/377 ح 229، وسائل الشيعة: ج 12/432 ح 16697.
2- رجال النجاشي: ص 42 رقم [85].
3- خلاصة الأقوال: ص 104 رقم [19].
4- رجال ابن داود: ص 78 رقم [465].
5- ذخيرة المعاد: ج 3/600.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/375 ح 219، وسائل الشيعة: ج 12/421 ح 16668.

2 - صحيح معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ أصاب صيداً وهو مُحرم، أيأكل منه الحلال ؟ فقال عليه السلام: لا بأس، إنّما الفداء على المُحرِم»(1).

3 - صحيح منصور بن حازم، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: رجلٌ أصاب صيداً وهو مُحرم، آكل منه وأنا حلال ؟ قال: أنا كنتُ فاعلاً. قلت له: فرجلٌ أصاب مالاً حراماً؟ فقال عليه السلام ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّه، إنّ ذلك عليه»(2).

4 - حسن الحلبي أو صحيحه: «المُحرِم إذا قَتَل الصيد فعليه جزاؤه، ويتصدّق بالصيد على مسكين»(3).

5 - حسن معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «إذا أصاب المُحرِم الصيد في الحرم وهو مُحرم، فإنّه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد، وإذا أصاب في الحِلّ فإنّ الحلال يأكله وعليه الفداء»(4).

أقول: وللقوم في الجمع بين الطائفتين طرق:

الطريق الأوّل: ما عن أصحاب القول الثالث، وهو: أنّ الأخبار المجوّزة للأكل مطلقٌ من حيث كون التذكية بالذبح بعد الصيد، أو كونها بغيره كما لو رماه ولم يدركه حَيّاً، والأخبار المانعة - وهي الخبران المتقدّمان - مختصّة بالذبح، فيقيّد إطلاق المجوّزة بها، فيختصّ المنع بما إذا ذبحه المُحرم.

وفيه: إنّ هذا لو تَمّ في جملة من أخبار الجواز المتضمّنة لقوله: (أصاب صيداً) أو (من صيد) لم يتمّ في جميعها حتّى مثل حسن الحلبي المتضمّن لقوله عليه السلام: (المُحرم إذا6.

ص: 206


1- تهذيب الأحكام: ج 5/375 ح 220، وسائل الشيعة: ج 12/421 ح 16669.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/375 ح 218، وسائل الشيعة: ج 12/421 ح 16667.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/372 ح 210، وسائل الشيعة: ج 12/432 ح 16698.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/378 ح 231، وسائل الشيعة: ج 12/420 ح 16666.

قتل الصيد)، إذ لا يبقى حينئذٍ فرقٌ بين الذبح والقتل، كي يُحمل الأوّل على ما لو ذبحه بعد الصيد، والقتل على ما لو قتله بالصيد؟ وهل هذا إلّاجمعٌ تبرّعي لا شاهد له ؟

الطريق الثاني: ما عن بعض أصحاب ذلك القول من أنّ الأخبار المجوّزة مطلقة من حيث إدراك الصيد وبه رمق، بأن يحتاج إلى الذّبح فيذبحه المُحلّ ، وعدم إدراكه الا وليس به رمق، والأخبار المانعة مختصّة بالثاني، فيقيّد إطلاق المجوّزة بها.

وفيه: إنّ حسن الحلبي يأبى عن ذلك، كما لا يخفى على من لاحظه، والغريب أنّ المنسوب إلى الشيخ في «التهذيب»(1) حمل خصوص حسن الحلبي وحسن معاوية على ما إذا أدرك الصيد وبه رمق، بحيث يحتاج إلى الذبح، مع التصريح بقوله:

(المُحرِم إذا قتل الصيد) في حسن الحلبي، مع أنّ قوله عليه السلام في حسن معاوية: (فإنّه ينبغي له أن يدفنه) يأبى عن ذلك.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ في بعض النسخ بدل (يدفنه) كلمة (يفديه).

الطريق الثالث من وجوه الجمع: أنّ الروايات المجوّزة كلّها متضمّنة لكلمة (أصاب) إلّاحسن الحلبي، والإصابة بنفسها ظاهرة في الأخذ والاستيلاء، فمفادها حينئذٍ أن مجرّد استيلاء المُحرِم على الصيد لا يوجبُ حرمته على الحلال، حتّى لو ذكّاه مُحلّ ، بل للمحلّ أن يذكّيه ويأكله، وما ورد في ذيل حسن معاوية من قوله عليه السلام:

(فإنّه ينبغي له أن يدفنه) قد عرفت أنّه مرويٌ بطريق آخر.

وأمّا حسن الحلبي: (المُحرِم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، ويتصدّق بالصيد على مسكين)، فكونه من الأخبار المجوّزة، إنّما هو بلحاظ ذيله الآمر بالتصدّق به على المسكين، إذ لو كان حراماً لما كان وجه لذلك، كما هو واضح.8.

ص: 207


1- تهذيب الأحكام: ج 5/378.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ حرف (ب) الداخلة على الصيد للسببيّة، والمراد من مدخولها المعنى المصدري، فمفاد الخبر حينئذٍ هو أنّه يتصدّق على المسكين بسب ارتكابه الصيد، ويحتمل أن يقدّر كلمة (مثل)، فمفاده أنّه يتصدّق على المسكين بمثل الصيد، وعلى التقديرين ليس الخبر من النصوص المجوّزة للأكل.

وفيه: أنّ حمل الإصابة على خصوص الأخذ والاستيلاء خلاف الظاهر، سيّما مع فرض السؤال عن أكله من دون تقيّيد بالتذكية، فتأمّل، مع أنّ حمل (ب) على السببيّة، أو تقدير كلمة (مثل) في الحسن خلاف الظاهر جدّاً لا يُصار إليه بغير دليل.

الطريق الرابع: حمل الأخبار المانعة على الكراهة للنصوص المصرّحة بالجواز.

وفيه: أنّها من جهة التعبير فيها بأنّها ميتة، تأبى عن الحمل على الكراهة.

وعلى هذا، فإن تمّت دعوى إعراض الأصحاب عن النصوص المجوّزة فهي ساقطة عن الحجيّة، وإلّا وقع التعارض والترجيح مع الأخبار المانعة، لأن أوّل المرجّحات هي الشهرة وهي معها.

وعليه، فالأظهر هو المنع مطلقاً.

الوجوه المؤيّدة للمنع

وأمّا المورد الثاني: فقد ذكر لتأييد الأخبار المانعة والقول بالمنع وجوه:

الوجه الأوّل: الأخبار الآمرة بدفنه:

منها: صحيح ابن أبي عمير، عن خلّاد السِّري، عن إمامنا الصادق عليه السلام:

«في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم ؟ قال عليه السلام: عليه الفداء. قلت: فيأكله ؟ قال عليه السلام: لا. قلت: فيطرحه ؟ قال: إذا طرحه فعليه فداءٌ آخر. قلت: فما يصنع به ؟

ص: 208

قال عليه السلام: يدفنه»(1).

ومنها: حسن معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «إذا أصاب المُحرم الصيد في الحرم وهو محرم، فإنّه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد، وإذا أصاب في الحِلّ فإنّ الحلال يأكله وعليه الفداء»(2).

ومنها: خبر محمّد بن أبي الحكم، قال: «قلت لغلامٍ لنا: هيّئ لنا غداءنا. فأخذ لنا أطياراً فذبحها وطبخها، فدخلتُ على أبي عبداللّه عليه السلام: قال عليه السلام: ادفنهن، وافد عن كلّ طير منهنّ »(3).

أقول: أمّا خبر ابن أبي عمير فهو للدلالة أو الإشعار بالجواز أولى ، فلأنّ قوله:

(إذا طرحه فعليه فداءٌ آخر) معناه إذا طرحه أو أطعمه الغير يثبت عليه فداء آخر، فهو مشعرٌ بجواز الإطعام مع الالتزام بفداء آخر.

وأمّا حسن معاوية فقد مرّ أنّه من نصوص الجواز، وعرفت حاله.

وأمّا خبر محمّد فليس فيه ما يدلّ على كون الغلام مُحرِماً، بل الظاهر أنّه في طير الحرم.

الوجه الثاني: أنّه لا يحلّ المذبوح إلّاإذا ذكر اسم اللّه تعالى عليه، والمُحرِم لا يتمكّن من ذلك، إذ مع حرمته عليه كيف يذكره.

وفيه أوّلاً: النقض بتذكية المغصوب.

وثانياً: بالحَلّ بأن ذكر اللّه - أي ذكر اسمه تعالى حين الذبح - لا ينافي مع كون الفعل حراماً تكليفاً.5.

ص: 209


1- تهذيب الأحكام: ج 5/378 ح 232، وسائل الشيعة: ج 12/431 ح 16694.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/378 ح 231، وسائل الشيعة: ج 12/420 ح 16666.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/263 ح 2374، وسائل الشيعة: ج 13/103 ح 17345.

الوجه الثالث: أخبار تعارض الميتة والصيد للمُحرِم المضطرّ:

منها: صحيح الحلبي، عن سيّدنا الصادق عليه السلام: «عن المُحرِم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل ؟ قال عليه السلام: يأكلّ من الصيد، أليس هو بالخيار أن يأكل ؟ قلت: بلى.

قال عليه السلام: إنّما عليه الفداء، فليأكل وليفده»(1).

ومنها: موثّق يونس بن يعقوب، عنه عليه السلام: «عن المضطرّ إلى الميتة وهو يجد الصيد؟ قال عليه السلام: يأكل الصيد. قلت: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد أحلَّ له الميتة إذا اضطرّ إليها، ولم يحلّ له الصيد؟ قال عليه السلام: تأكل من مالك أحبّ إليك أو ميتة ؟ قلت: من مالي. قال:

هو مالك، لأنّ عليك فداءه. قلت: فإنْ لم يكن عندي مال ؟ قال: تقضيه إذا رجعت إلى مالك»(2).

ونحوهما أخبار زرارة، وابن بكير(3)، وعليّ بن جعفر عليه السلام(4)، وأبي أيّوب(5)، ومنصور بن حازم(6).

ومنها: خبر إسحاق، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: إذا اضطرّ المُحرِم إلى الصيد وإلى الميتة، فليأكل الميتة التي أحلَّ اللّه له»(7).

ومثله خبر عبد الغفار الجازي(8) والمرسل(9).2.

ص: 210


1- تهذيب الأحكام: ج 5/368 ح 196، وسائل الشيعة: ج 13/84 ح 17295.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/368 ح 198، وسائل الشيعة: ج 13/85 ح 17296.
3- وسائل الشيعة: ج 13/85 ح 17297.
4- وسائل الشيعة: ج 13/86 ح 17299.
5- وسائل الشيعة: ج 13/86 ح 17300.
6- وسائل الشيعة: ج 13/86 ح 17301.
7- تهذيب الأحكام: ج 5/368 ح 197، وسائل الشيعة: ج 13/87 ح 17305.
8- وسائل الشيعة: ج 13/87 ح 17306.
9- وسائل الشيعة: ج 13/86 ح 17302.

أقول: أمّا الأخبار الأخيرة المقدّمة للميتة، فسيأتي أنّه لابدّ من طرحها، وأمّا الطائفة المقدّمة للصيد، فمن جهة تضمّنها تقديم الصيد والتعليل في بعضها لذلك بأنّه: (ماله وليس ميتة) تكون في الدلالة على الجواز أولى ، وعلى أيّ تقدير لا تصلح تأييداً للمنع.

وعليه، فالعمدة في وجه المنع ما ذكرناه وكفى به دليلاً.

ولو اضطرّ الى أكل الميتة أو الصيد، فقد مرّ أنّ طائفةً من النصوص تدلّ على تقديم الصيد، وطائفةً اُخرى تدلّ على تقديم الميتة، وقد جمع الصدوق(1) رحمه الله بينهما بالبناء على التخيّير مع رجحان الصيد، استناداً إلى خبر يونس المصرّح بكون الصيد أحبّ .

ويردّه: أنّ صحيح الحلبي آبٍ عن هذا الحمل، والفاضل النراقي(2) رحمه الله قدّم الأولى لموافقتها للاستصحاب، أي استصحاب حليّة الصيد وحُرمة الميتة، ومخالفتها لما عليه أكثر العامّة.

ويرد عليه: أنّ حليّة الصيد قبل الاضطرار غير ثابتة كي تُستصحب، مع أنّ الاستصحاب ليس من المرجّحات، إذ لا مورد له مع الدليل، ومخالفة العامّة من المرجّحات، إلّاأنّه بعد فقد جملةٍ من المرجّحات لا مطلقاً.

فالحقّ أن يقال: إنّ نصوص تقديم الميتة لابدّ من طرحها؛ إمّا لعدم العمل بها إلّا من شاذٍّ، أو لمعارضتها مع ما هو أشهر منها، والشهرة أولى المرجّحات.

أقول: ثمّ لو أكل الصيد، لابدّ من الاقتصار على ما يسدّ به الرمق، كما هو4.

ص: 211


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/235.
2- مستند الشيعة: ج 11/354.

مقتضى الاضطرار المجوّز له، والنصوص لا إطلاق لها من هذه الجهة، لتدلّ على جواز الأكل بمجرّد الاضطرار مطلقاً، بل موضوع الجواز الاضطرار، وفي «المنتهى»(1): (ولا نعلم فيه خلافاً).

ولو أكل وجب عليه الفداء، ويشهد به النصوص المتقدّمة، ولو لم يتمكّن من الفداء يقضيه إذا رجع من ماله، كما صرّح به في موثّق يونس، ولو لم يتمكّن منه إذا رجع أيضاً يأتي ببدله الآتي في بحث الكفّارات.

ولو لم يكن له بدلٌ ، أو عجز عنه أيضاً:

فعن «المبسوط»(2) و «المهذّب»(3) و «الشرائع»(4) و «النافع»(5) و «القواعد»(6)، وفي «المستند»(7) وغيرها: يأكل الميتة، واستدلّ له باختصاص أخبار تقديم الصيد بما إذا تمكّن من الفداء للأمر به، فيبقى أخبار تقديم الميتة في هذا المورد خالية عن المعارض، فيجب العمل بها البتّة.

وفيه: أنّ أخبار تقديم الميتة بعد طرحها للإعراض أو لأرجحيّة المعارض، لا معنى للرجوع إليها، ونصوص تقديم الصيد أيضاً غير شاملة للمقام كما اُفيد، فالمتعيّن هو الرجوع الى القواعد، وهي تقتضي التخيّير كما هو واضح.

***4.

ص: 212


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/805.
2- المبسوط: ج 1/349.
3- المهذب: ج 1/230.
4- شرائع الإسلام: ج 1/224.
5- المختصر النافع: ص 105.
6- قواعد الأحكام: ج 3/336.
7- مستند الشيعة: ج 11/354.

هل يترتّب سائر أحكام الميتة على صيد المُحرِم

المسألة الرابعة: يدور البحث في هذه المسألة عن أنّه:

1 - هل يترتّب على صيد المُحرِم - الذي لا يجوز أكله حتّى للمُحلّ - سائر أحكام الميتة، فلا تجوز الصلاة في جلده، ويحرم بيعه، ويوجب نجاسة ملاقيه، وما شاكل، كما عن المصنّف في «التحرير»(1)؟

2 - أم لايترتّب عليه غيرحرمة الأكل، كماقوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(2)؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بأنّه نزل الصيد في الخبرين المتقدّمين الدالّين على حُرمة أكله منزلة الميتة، ومقتضى عموم التنزيل جريان جميع أحكام الميتة عليه.

أقول: وأورد عليه بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ الظاهر من التنزيل، هو تنزيله منزلتها في أوضح منافعها، وأظهر آثارها، وهو في المقام ليس إلّاحرمة الأكل.

وفيه: أنّ مقتضى الإطلاق كون التنزيل بلحاظ جميع الآثار.

الوجه الثاني: أنّ في صدر الخبرين حكمٌ بحرمة أكله، وهذا صالحٌ لأن يكون قرينة على إرادة الحرمة ممّا في ذيله من التنزيل، فيختصّ التنزيل بحرمة الأكل.

وفيه أوّلاً: أنّه لو سُلّم إطلاق الذيل في نفسه، لا يصلح ما في الصدر قرينة عليه، لعدم التنافي بينهما، بل بينهما حينئذٍ كمال الملائمة، بل يكون من قبيل الصغرى والكبرى ، فلا وجه لتقييد إطلاقة.

ص: 213


1- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 2/21.
2- جواهر الكلام: ج 18/289.

وثانياً: أنّه يلزم على ما ذكر الالتزام بكون ما في الذيل تأكيداً، وهو خلاف الظاهر.

الوجه الثالث: أنّ موثّق يونس وفيه: (تأكل من مالكَ أحبُّ إليك أو من ميتة ؟) ظاهرٌ في عدم كونه ميتة، ولأجله يرفع اليد عن ظهور الخبرين، ويُحملان على إرادة أنّه كالميتة في حرمة الأكل.

وفيه: أنّه لا إشكال في دلالة الموثّق على أنّه ليس ميتة حقيقةً ، وما ذُكر من أنّه لا ماليّة للميتة، لا يشمل الصيد، ولكن هل يجمع بينه وبين الخبرين على إرادة خصوص الحرمة أو جميع آثارها؟ والموثّق لا يشهد بشيءٍ منهما، ومقتضى الإطلاق هو الثاني.

الوجه الرابع: أنّه لم يرد دليلٌ تعبّدي على اعتبار كون الذّابح مُحلّاً حتّى يقال بعدم تحقّق هذا الشرط، كما ورد ذلك في اعتبار كونه مسلماً وغيره من الشرائط الاُخر.

وفيه أوّلاً: إنّ نفس الخبرين يمكن عدّهما دليلاً تعبّديّاً لذلك.

وثانياً: أنّه لا منافاة بين صيروته مذكّى بذبح المُحرِم، ولا يجوز الصلاة في جلده مثلاً للدليل الخاصّ ، وكم من حيوانٍ مذكّى لا يجوز الصلاة في جلده، كما إذا كان غير مأكول اللّحم ؟!

الوجه الخامس: أنّه ورد رواية خاصّة في جواز استعمال جلود الصيد التي جعل فيها الماء، وهو خبر علي بن مهزيار، قال:

«سألت الرّجل عليه السلام عن المُحرِم يشرب الماء من قِربةٍ ، أو سقّاء اتّخذ من جلود الصيد، هل يجوز ذلك أم لا؟ فقال: يشرب من جلودها»(1).2.

ص: 214


1- الكافي: ج 4/397 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/430 ح 16692.

وفيه أوّلاً: أنّه لم يظهر كون المسؤول عنه صيد المُحرِم، ولعلّ وجه السؤال أنّه كما يكون قتل الصيد والدلالة عليه والإشارة إليه وإمساكه حراماً، يمكن أن يكون استعمال جلده حراماً للمُحرِم أيضاً، وعليه فالخبر أجنبيٌ عن المقام بالكليّة.

وثانياً: أنّه لعلّه من باب عدم تنجّس الماء القليل.

فالمتحصّل: أنّ ما أفاده المصنّف رحمه الله من إجراء أحكام الميتة عليه مطلقاً هو الأظهر.

نعم، الظاهر قبوله التذكية، وثبوت الماليّة له.

حكم ذبح المُحلّ للصيد

هذا كلّه فيما إذا ذبح المُحرِم للصيد، وأمّا إذا ذبحه المُحلّ فله صورتان:

الاُولى: ما لو ذبحه في الحَرم.

الثانية: ما لو ذبحه في الحِلّ .

أمّا الصورة الاُولى: فلو ذبحه في الحرم:

قال صاحب «الجواهر»(1): (صرّح غير واحدٍ بحرمته أيضاً، وأنّه كالميتة) انتهى .

وفي «الحدائق»(2): (استفاضت الروايات مضافاً إلى اتّفاق الأصحاب بتحريم ما ذبحه المُحلّ في الحرم، وأنّه في حكم الميتة، لا يحلّ لمُحلٍّ ولا لمُحرِم) انتهى .

ويشهد بذلك ما تقدّم من الخبرين في ذبح المُحرم، المصرّحين بحرمة ما ذبحه المُحلّ في الحرم، وأنّه ميتة، ومقتضى إطلاقهما ترتّب جميع أحكام الميتة عليه،

ص: 215


1- جواهر الكلام: ج 18/292.
2- الحدائق الناضرة: ج 15/145.

ويؤيّدهما جملة من النصوص:

منها: صحيح منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في حمامٍ ذُبِح في الحِلّ؟ قال: لا يأكله محرم، وإذا اُدخل مكّة أكله المُحلّ بمكّة، وإذا أُدخل الحرم حَيّاً ثمّ ذبح في الحرم، فلا يأكله لأنّه ذبح بعدما دخل مأمنه»(1).

ومنها: صحيح الحلبي: «سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن صيدٍ رمى في الحِلّ ثمّ اُدخل الحرم وهو حَيّ؟ فقال عليه السلام: إذا أدخله المُحرِم وهو حَيّ ، فقد حرم لحمه وإمساكه.

وقال: لاتشتره في الحرم إلّامذبوحاً قد ذُبح في الحِلّ ، ثمّ دخل الحرم فلا بأس به»(2).

ومنها: صحيح شهاب بن عبد ربّه، عنه عليه السلام: (أما علمت أنّ ما دخلت به الحرم حَيّاً فقد حَرُم عليك ذبحه وإمساكه»(3). ونحوها غيرها.

وأمّا الصورة الثانية: فلا إشكال في أنّه يجوز للمُحلّ أكله في الحِلّ والحرم، ويشهد به مضافاً إلى الأصل جملةٌ من النصوص:

منها: صحيحاً منصور والحلبي المتقدّمان.

ومنها: صحيح ابن أبي يعفور، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: الصيد يُصاد في الحِلّ ويُذبح في الحِلّ يدخل الحرم ويؤكل ؟ قال عليه السلام: نعم لا بأس به»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «لا تشترينّ في الحرم إلّامذبوحاً قد ذُبح في الحلّ ، ثمّ جيء به إلى الحرم مذبوحاً فلا بأس به للحلال»(5).8.

ص: 216


1- تهذيب الأحكام: ج 5/376 ح 223، وسائل الشيعة: ج 12/424 ح 16675.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/376 ح 226، وسائل الشيعة: ج 12/423 ح 16672.
3- وسائل الشيعة: ج 13/31 ح 17164.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/377 ح 227، وسائل الشيعة: ج 12/423 ح 16673.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/263 ح 2376، وسائل الشيعة: ج 12/425 ح 16678.

ومنها: غير ذلك من النصوص.

ومقتضى إطلاقها، عدم الفرق بين كون الصيد بدلالة المُحرِم أو إشارته أو إعانته بدفع سلاحٍ ونحوه وعدمها، كما أفتى بعدم الفرق صاحب «الجواهر» رحمه الله(1).

ومقتضى إطلاق بعض هذه النصوص حليته للمُحرِم أيضاً، لكنّه يجب تقيّيد إطلاقها بما دلّ من الأخبار على حرمته عليه كصحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا تأكل شيئاً من الصيد وأنتَ محرم وإن صاده حلال»(2). ونحوه غيره.

***2.

ص: 217


1- جواهر الكلام: ج 18/293.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/370 ح 201، وسائل الشيعة: ج 12/419 ح 16662.

حرمة فرخ الصيد وبيضه

المسألة الخامسة: كما يحرم الصيد يحرم فرخه وبيضه.

وفي «المستند»(1): (بلا خلافٍ يعلم كما في «الذخيرة»(2)، بل عن «التذكرة»(3)وفي شرح «المفاتيح» الإجماع عليه) انتهى .

وفي «الجواهر»(4) في شرح كلام الماتن: (وكذا يحرم بيضه وفرخه. قال: أكلاً وإتلافاً مباشرةً ودلالةً وإعانةً ، بلا خلاف، بل الإجماع بقسمية عليه، بل في «المنتهى»(5) إنّه قول كلّ من يُحفظ عنه العلم) انتهى .

أقول: ولم يذكروا لذلك دليلاً سوى الأخبار المستفيضة الآتية الدالّة على ثبوت الكفّارة فيهما، كصحيح حفص بن البُختري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الحمام درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم»(6). ونحوه غيره.

وتماميّة هذا الوجه تتوقف على تلازم ثبوت الكفّارة مع الحرمة، أي كلّ ما ثبت فيه الكفّارة كان حراماً، والظاهر أنّ ذلك متسالمٌ عليه بينهم، ولعلّه بضميمة الإجماعات المحكيّة في المقام يكفي في الحكم.

قال صاحب «الجواهر»(7): (نعم، لا يحرم البيض الذي أخذه المُحرِم أو كسره

ص: 218


1- مستند الشيعة: ج 11/341.
2- ذخيرة المعاد: ج 3/588.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/264.
4- جواهر الكلام: ج 18/293.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/802.
6- الكافي: ج 4/234 ح 10، وسائل الشيعة: ج 13/26 ح 17150.
7- جواهر الكلام: ج 18/293.

على المّحل في الحِلّ للأصل، وعدم اشتراط حلّه بنحو تذكيته أو بشيء فقد هنا، خلافاً للمحكي عن «المبسوط») انتهى .

***

عن صيد الجراد وحكمه

المسألة السادسة: الجراد عندنا من صيد البرّ، ويحرم قتله، ويضمنه المُحرم في الحِلّ والحرم، والمُحلّ في الحرم، ذهب إليه علماؤنا كما قاله صاحب «المنتهى»(1).

وفي «التذكرة»(2): (عند علمائنا) انتهى .

وفي «المستند»(3): (اتّفاقاً محقّقاً ومحكيّاً له) انتهى .

أقول: والشاهد به نصوصٌ كثيرة:

1 - صحيح محمّدبن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن مُحرمٍ قتل جراداً كثيراً؟ قال: كفٌّ من طعام، وإنْ كان أكثر فعليه شاة»(4).

2 - صحيحه الآخر، عن أبي جعفر عليه السلام: «مَرَّ عليٌّ صلوات اللّه عليه على قومٍ يأكلون جراداً، فقال: سبحان اللّه وأنتم مُحرِمون ؟! فقالوا: إنّما هو من صيد البحر.

فقال لهم: ارمسوه في الماء إذاً»(5).

3 - وصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس للمُحرِم أن يأكل جراداً ولا يقتله»(6). ونحوها غيرها.

ص: 219


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/801.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/281.
3- مستند الشيعة: ج 11/351.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/364 ح 180، وسائل الشيعة: ج 13/77 ح 17271.
5- الكافي: ج 4/393 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/428 ح 16685.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/363 ح 177، وسائل الشيعة: ج 12/429 ح 16688.

نعم، ما يقتل في حال الاضطرار من غير تعمّدٍ لانتشارهم في الطريق لاكفّارة فيه، ولابأس به، والنصوص تدلّ عليه كصحيح معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «قلت له:

الجراد يكون في ظهر الطريق، والقوم محرمون، فكيف يصنعون ؟ قال عليه السلام يتنكّبونه ما استطاعوا.

قلت: فإنْ قتلوا منه شيئاً فما عليهم ؟ قال عليه السلام لا شيء عليهم»(1).

ونحوه غيره من الأخبار الكثيرة.

***

عدم حرمة صيد البحر على المُحرِم

المسألة السابعة: لا يحرم على المُحرِم صيد البحر بلا خلافٍ .

قال صاحب «الجواهر»(2): (بل الإجماع بقسميه عليه).

وفي «المستند»(3): (وأمّا البحري فلا يحرم به بالإجماعين) انتهى .

وفي «المنتهى»(4): (دعوى إجماع المسلمين كافّة على تحليل مصيد البحر صيداً وأكلاً وبيعاً وشراءً ممّا يحلّ أكله، وأنّه لا خلاف فيه بينهم).

ويشهد به:

1 - الآية الشريفة: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (5).

ص: 220


1- تهذيب الأحكام: ج 5/364 ح 182، وسائل الشيعة: ج 13/79 ح 17278.
2- جواهر الكلام: ج 18/295.
3- مستند الشيعة: ج 11/350.
4- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/802.
5- سورة المائدة: الآية 96.

2 - والنصوص الكثيرة:

منها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ ، قال: «والسمك لا بأس بأكله طريّه ومالحه ويتزوّد، قال اللّه تعالى: «أُحِلَّ .. إلى آخره»(1)، قال:

فليختر الذين يأكلون. وقال: فصَّل ما بينهما كلّ طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيدُ البر، وما يكون من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر»(2).

ومنها: صحيح حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا بأس بأن يصيد المُحرِم السمك ويأكلّ مالحه وطريّه ويتزوّد، قال اللّه تعالى: «أُحِلَّ ..» إلى أن قال:

وفصَّل ما بينها كلّ طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البر، وما كان من صيد البرّ يكون في البرّ ويبيض في البحر فهو من صيد البحر»(3).

ونحوهما غيرهما.

أقول: والمراد بالبحر ما يعمّ النهر، بلا خلافٍ كما عن «التبيان»(4)، قال: (لأنّ العرب تُسمّي النهر بحراً)، ومنه قوله تعالى: «ظَهَرَ اَلْفَسادُ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ» (5).

والأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحاً، لكن إذا أُطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف.

وتميّيز صيد البرّ عن البحر إنّما هو بملاحظة كيفيّة الحياة، فما يعيش في البرّ فهو برّي، وإنْ كان أصله من البحر فهو بحري، لصدق الاسم.1.

ص: 221


1- سورة المائدة: الآية 96.
2- وسائل الشيعة: ج 12/425 ح 16680.
3- الكافي: ج 4/392 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/426 ح 16682.
4- التبيان: ج 4/28.
5- سورة الروم: الآية 41.

ولصحيح محمّد المتقدّم في الجراد: «مَرَّ عليٌّ عليه السلام على قومٍ يأكلون جراداً، فقال:

سبحان اللّه وأنتم محرمون! فقالوا: إنّما هو من صيد البحر. فقال لهم: ارمسوه في الماء إذاً».

فإنّ قوله عليه السلام: (ارمسوه في الماء) استنكارٌ لما ادّعوه من كونه من البحر، ومعناه أنّه لو كان بحريّاً لكان يعيش في البحر.

وإنْ كان يعيش في البرّ والبحر معاً، فالفصل المميّز هو أنّه إنْ كان يبيض في الماء ويفرخ فيه فهو بحري، وأن كان يبيض ويفرخ في البرّ فهو برّي باتّفاق العلماء، ويشهد به الصحيحان المتقدّمان: صحيح معاوية وصحيح حريز.

وبذلك ظهر أنّه لاتنافي بين الضابطتين، فإنّ مورد الاُولى هو ما يعيش في أحدهما، ومورد الثانية ما يعيش فيهما معاً.

وفي «المستند»(1): (وفي حكم البيض والأفراخ التوالد).

وفي «الجواهر»(2): (ثمّ إنّ الظاهر إلحاق حكم البيض والفرخ، بل لعلّه أولى ) انتهى .

واستدلّوا لذلك:

تارةً : بما عن «القاموس»(3) من أنّ الفرخ يشمل التوالد، ولا يكون مختصّاً بما يتكوّن في البيض.

واُخرى : بما في «الجواهر» من الأولويّة.6.

ص: 222


1- مستند الشيعة: ج 11/351.
2- جواهر الكلام: ج 18/296.
3- القاموس المحيط: ج 1/266.

ويرد على الأوّل: عدم حجيّة قول اللّغوي، سيّما مع مخالفته لما هو المنساق إلى الذهن، كما في المقام، إذ المتبادر إلى الذهن من الفرخ ما يتكوّن في البيض، وإليه يرجع ما قاله صاحب «المجمع»(1): (الفرخ ولد الطائر) مع معارضة قوله قول غيره.

ويرد على الثاني: منع الأولويّة، لعدم العلم بالمناطات، وعليه فالأظهر عدم الإلحاق.

أقول: بقي في المقام إشكال أورده بعضٌ وهو:

أنّ ظاهر النصوص والفتاوى أنّ الصيد البحري هو ما يبيض ويفرخ في الماء نفسه، فلو باض وفرخ في الآجام، وفي حافّة الأنهار، فهو صيدٌ برّي، ولذا قال المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(2): (وأمّا طير الماء كالبط ونحوه، فإنّه من صيد البرّ، لأنّه يبيض ويفرح فيه، وهو قول عامّة أهل العلم) انتهى .

وعليه، فحيث إنّ هذه الضابطة واردة في الطيور وإسرائها في غيرها إنّما هو لتنقيح المناط، ولم يوجد طيرٌ يبيض ويفرخ في الماء، بل كلّ طير من طيور الماء يبيض ويفرخ في نواحيه، فيلزم لغويّة هذه الضابطة.

والجواب عن ذلك أوّلاً: أنّه لم يظهر مستند قوله: (كلّ طير الماء يبيض ويفرخ في نواحي الماء). ولا أدري من أين علم بذلك ؟.

وثانياً: أنّ الضابطة إنّما هي للطيور وغيرها فلا إشكال.

***2.

ص: 223


1- مجمع البحرين: ج 3/378.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/802.

في حكم الصيد المشكوك

المسألة الثامنة: لا كلام في أنّه إذا كان لنوعٍ من الحيوان صنفان: بحريٌّ وبرّي كالسُّلحفاة كان لكلّ صنفٍ حكم نفسه، كما لا إشكال فيما لو شكّ في حيوانٍ أنّه برّي أو بحري وانطبق عليه أحد الضابطين المتقدّمين.

إنّما الكلام فيما لو شكّ في ذلك، ولم يرتفع الشكّ بشيء من الضابطين.

فقدصرّح صاحب «الجواهر»(1): بأنّ المتّجه هوالحرمة، وقداستدلّ لذلك بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ مقتضى إطلاق الآية الكريمة: «لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ » (2)وجملة من النصوص كصحيح الحلبي المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: (لا تستحلنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام) وغيره؛ حرمة كلّ صيدٍ، خرج عن ذلك صيد البحر، فإن أُحرز كون الصيد بحريّاً حَلّ ، وإلّا فمقتضى الإطلاق حرمته.

وفي «الجواهر»(3): (فائدة العموم دخول الفرد المشتبه، وما في الآية الكريمة:

«حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ» (4) وما يشبهها من النصوص في ذلك لا يصلح مقيّداً للإطلاق، كي يكون موضوع الحرمة صيد البرّ خاصّة، المشكوك صدقه على المورد، فلا يجوز التمسّك بالإطلاق لعدم التنافي، وعدم حمل المطلق على المقيّد في المتوافقين).

أقول: هذا الوجه يتمّ فيما إذا كانت الشبهة مفهوميّة، بأن شُكّ في مفهوم صيد البحر أنّه هل يكون موسّعاً شاملاً لحيوان قد يبيض ويفرخ في الماء، وقد يبيض ويفرخ في خارج الماء، أم مضيّقاً لا يشمل ذلك بناءً على ما حقّقناه في الاُصول(5)

ص: 224


1- جواهر الكلام: ج 18/296.
2- سورة المائدة: الآية 95.
3- جواهر الكلام: ج 18/296.
4- سورة المائدة: الآية 96.
5- زبدة الاصول: ج 3/225.

من جواز التمسّك بالعام في الشبهة المفهوميّة للخاص، ولا يتمّ إذا كان الشكّ من ناحية الاُمور الخارجيّة، كما لو شكّ في أنّه يبيض ويفرخ في الماء أو في خارجه، لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

الوجه الثاني: أنّ الصيديّة مقتضية للحرمة، والبحريّة مانعة عنه، فلو أُحرز المقتضي وشُكّ في المانع، يبني على تحقّق المقتضي وهو الحرمة.

وفيه أوّلاً: منع الكبرى ، لعدم تماميّة قاعدة المقتضي والمانع، إذ ليس ذلك ممّا عليه بناء العقلاء، ولم يدلّ دليل تعبّدي عليه.

وثانياً: منع الصغرى، إذ المراد بالمقتضي:

إنْ كان هو المقتضي في مقام الإثبات، وهو إطلاق الدليل، والمانع هو الخاصّ والمقيّد، فليس ذلك من مصاديق تلك القاعدة، بل هو حينئذٍ من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وقد مرّ الإشكال فيه.

وإنْ كان المراد هو المقتضي والمانع في مقام الثبوت:

فأوّلاً: أنّ باب التشريعيّات ليس من قبيل العلل والمعلولات، بل المقتضيات كلّها من قبيل العلل المُعدّة، وأمّا العلّة التامّة فهي إرادة المولى وجعله.

وثانياً: لعدم العلم بمناطات الأحكام، لا يُعلم أنّ الصيديّة مقتضية أم لا، فلعلّه لا اقتضاء في صيد البحر أصلاً.

الوجه الثالث: ما عن المحقّق النائيني رحمه الله(1) من أنّ تعليق الحكم الترخيصي على أمرٍ وجودي، يكون دالّاً بالدلالة الالتزاميّة على أنّ الموضوع هو إحراز ذلك الأمر،4.

ص: 225


1- حكاه عنه في مصباح المنهاج - طهارة -: ج 1/154.

وأنّه ما لم يُحرز يترتّب عليه ضدّ ذلك الحكم، مثلاً لو قال المولى: (يجوز لك أن تُدخل بيتي في هذا اليوم أصدقائي) يفهم العرف من ذلك أنّ من ذلك أنّ من علم كونه صديقاً للمولى يجوز إدخاله، وإلّا فلا يجوز، وفي المقام بما أنّ الجواز عُلّق على الأمر الوجودي، وهو كونه بحريّاً، فمع الشكّ في ذلك لابدّ من البناء على عدم الجواز.

ولا يرد عليه: أنّ عدم الجواز أيضاً عُلّق على أمرٍ وجودي وهو كونه بريّاً، كما عن بعض الأعاظم، فإنّ هذه الكبرى يمكن دعواها في خصوص الحكم الترخيصي، مع أنّه قد تقدّم منّا ومنه أنّ موضوع الحرمة ليس خصوص ما كان بريّاً، بل كلّ ما لم يكن بحريّاً لا يجوز صيده.

فالحقّ في الجواب: منع الكبرى ، إذ لا فرق بين تعليق الحكم الترخيصي على أمرٍ وجودي، أو الحكم الإلزامي عليه، في أنّ الموضوع بنظر العرف واقع ذلك الموضوع لاإحرازه، وإنّما يلتزم في بعض موارد الشكّ بثبوت ضدّ ذلك الحكم، فيما لم يكن مورداً للأصل النافي للتكليف من باب قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، ولعلّه من هذا الباب الأحكام العرفيّة.

وعلى أيّ حال، الدلالة الالتزاميّة المشار إليها غير تامّة، لا يساعد عليها قواعد باب المحاورة.

الوجه الرابع: التمسّك باستصحاب العدم الأزلي، بتقريب أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة - كما مرّ - حُرمة كلّ صيدٍ، خرج عن ذلك صيد البحر، فالباقي تحته ليس كلّ حيوانٍ معنونٍ بعنوان عدم كونه بحريّاً، فضلاً عن تعنونه بكونه بريّاً، بل الباقي هو

ص: 226

كلّ حيوانٍ غير معنون بعنوان البحريّة، أي كلّ عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاصّ ، فالموضوع مركّبٌ من الصيد، وعدم الاتّصاف بالبحريّة، لا الاتّصاف بعدم البحريّة، وعليه فحيث إنّه قبل وجود الحيوان لم يكن الصيد ولا اتّصافه بالبحريّة موجوداً، وبعد وجوده يشكّ في تبدّل عدم الاتّصاف بالاتّصاف، فيستصحب ذلك العدم، وبانضمام هذا الأصل إلى ما هو مُحرزٌ بالوجدان وهو الصيديّة يُحرز الموضوع، وهو الصيد غير المتّصف بكونه بحريّاً، فيترتّب عليه حكمه وهو الحرمة، وتمام الكلام موكولٌ إلى محلّه.

فإن قيل: إنّه يعارض هذا الأصل أصالة عدم وجودالمجموع الذي هو الموضوع.

قلنا: إنّ المجموع بما هو مجموعٌ لا يكون موضوعاً، بل الموضوع هو ذوات الأجزاء التوأمة، وهي محرزة بالوجدان والأصل.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: تماميّة هذا الوجه، فكلّ حيوانٍ شُكّ في أنّه برّي أو بحري، ولم يمكن تشخيصه بشيءٍ من الضابطين، يُبنى على أنّ صيده حرام، ولا مجرى مع ذلك لأصالة البراءة كما لا يخفى .

***

ص: 227

والنساء وطياً وتقبيلاً ولمساً ونظراً بشهوة، وعقداً له ولغيره، وشهادة عليه.

حرمة الجماع على المُحرِم

(و) المحرّم الثاني: (النساء وطياً وتقبيلاً ولمساً ونظراً بشهوة، وعقداً له ولغيره، وشهادة عليه) بلا خلافٍ في كثير منها، بل في جميعها، فها هنا مسائل:

المسألة الأُولى : لا يجوز على المُحرِم وطء النساء قُبلاً أو دبراً بلا خلاف.

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه، وقد استفاض نقل الإجماع عليه).

ويشهد به: مضافاً إلى ذلك، قوله تعالى : «فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي اَلْحَجِّ » (2)، والرفث وإنْ لم يكن صريحاً في الجماع، ولذا قيل في معناه إنّه الفحش من الكلام، إلّاأنّ المراد به في الآية الشريفة هو المراد منه في آية الصوم: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ اَلصِّيامِ اَلرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ » (3)، وذلك للنصوص المفسّرة إيّاها:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا أحرمتَ فعليك بتقوى اللّه، وذكر اللّه، وقلّة الكلام إلّابخير، فإنّ من تمام الحَجّ والعُمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّامن خير، كما قال اللّه تعالى : «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ اَلْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي اَلْحَجِّ » (4) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب والسّباب، والجدال قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه»(5).

ومنها: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «الرفث جماع النساء، والفسوق

ص: 228


1- جواهر الكلام: ج 18/297.
2- سورة البقرة: الآية 197.
3- سورة البقرة: الآية 187.
4- سورة البقرة: الآية 197.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/296 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/463 ح 16788.

الكذب، الحديث»(1).

ومنها: خبر زيد الشحّام، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أمّا الرَّفث فالجماع الخبر»(2). ونحوها غيرها.

فالآية الشريفة من جهة النهي عن الرّفث الذي هو الجماع تدلّ على حرمة ذلك، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الرّجل والمرأة في هذا الحكم، وأمّا النصوص المتواترة الواردة بألسنة مختلفة، فقد ذكرها صاحب «الوسائل» رحمه الله(3) تحت أبواب:

1 - باب جواز الجماع والطيب، وجميع التروك قبل عقد الإحرام لا بعد ذلك.

2 - باب تحريم الرفث والفسوق والجدال على المُحرِم والمُحرِمة والجماع، والتمكّن منه.. إلى آخره.

3 - باب أنّ المُحرِم إذا جامع ناسياً أو جاهلاً لا يجب عليه شيء.

4 - باب فساد حجّ الرّجل والمرأة بتعمّد الجماع مع العلم بالتحريم.

إلى غير ذلك من الأبواب، وهذه النصوص ما بين ما هو صريح في الحرمة، وما هو يدلّ عليها بالمفهوم، وما يدلّ عليها من جهة دلالته على لزوم الكفّارة أو فساد الحَجّ ، أووجوبه من قابل، وما شابه، أذكر رواية منها تيمّناً، وهي:

خبر عليّ بن أبي حمزة، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن مُحرِم وقع على أهله ؟ قال عليه السلام: قد أتى عظيماً. قلت: أفتني ؟ فقال: استَكرَهها أو لم يستكرهها؟ قلت: افتني فيها جميعاً. قال عليه السلام: إنْ كان استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يمكن استكرهها فعليهم.

ص: 229


1- تهذيب الأحكام: ج 5/297 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/465 ح 16791.
2- وسائل الشيعة: ج 12/467 ح 16795، معاني الأخبار ص 294.
3- راجع الوسائل ج 13، طبعة مؤسّسة آل البّيت عليهم السلام.

بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان، حتّى ينتهيا إلى مكّة، وعليهما الحَجّ من قابل لابدّ منه.

قلت: فإذا انتهيا إلى مكّة، فهي امرأته كما كانت ؟ فقال عليه السلام: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتّى يحلّا. فإذا أحَلّا فقد انقضى عنهما، فإنّ أبي كان يقول ذلك»(1). ونحوه غيره.

ومقتضى أكثر النصوص عدم الفرق في ذلك بين الرّجل والمرأة، فكما يحرم النساء على الرّجل، يحرم الرِّجال على النساء، ولنِعْمَ ما عنون المسألة الفاضل النراقي(2) رحمه الله قال:

(من المحرّمات على الرّجال والنساء: النساء والرِّجال جماعاً ولمساً بشهوة - إلى أن قال - بلا خلافٍ في شيء منها كما قيل) انتهى .

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه لا فرق في الحكم بين وطئها قُبلاً أو دبراً، لإطلاق الآية، فإنّ الرفث هو الجماع، أو جماع النساء، النصوص إذ لم يقيّد الحكم فيها بإتيانها قُبلاً.

الأمر الثاني: هل الحكم مختصٌّ برفث امرأته أم يعمّ رفث الأجنبيّة ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ مجامعة الأجنبيّة بنفسها حرامٌ في حال الإحرام وغيره، وما هو محرّم لا يمكن أن يحكم عليه بالحرمة ثانياً، وإلّا لزم اجتماع المثلين.

وفيه أوّلاً: أنّ الحرمة قابلة للتأكّد، فيُحكم بحرمته ثانياً، ويلتزم بالتأكّد ولا محذور فيه.5.

ص: 230


1- تهذيب الأحكام: ج 5/317 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/116 ح 17376.
2- مستند الشيعة: ج 11/355.

وثانياً: أنّ الحكم في المقام ليس خصوص الحرمة التكليفيّة، بل الثابت الكفّارة وغيرها، ولا محذور في شمول أدلتها لها أيضاً، ويحكم بثبوت تلك الأحكام.

الوجه الثاني: أنّ ظاهر قوله تعالى: «فَلا رَفَثَ ... فِي اَلْحَجِّ » (1) أنّ المنفيّ ما هو ثابت قبل الحَجّ ، وهو رفث امرأته، وأمّا الرفث مع الأجنبيّة، فهو منفيّ قبل الحَجّ أيضاً.

وفيه: أنّ الظهور المذكور ممنوعٌ ، فإنّ النفي ليس نفياً تكوينيّاً، بل هو تشريعي، ولا مانع من التشريع ثانياً من جهة انطباق عنوان آخر عليه، مع أنّ النصوص عامّة لا يجري فيها ذلك.

وبالجملة: في مقابل إطلاق الآية والنصوص، ليس شيءٌ يستند إليه في البناء على عدم الشمول.

الأمر الثالث: هل الحكم مختصٌّ بإتيان النساء والجماع، أم يعمّ اللّواط والمساحقة ووطء البهائم ؟

الظاهر هو الفرق بين الأوّل والأخيرين، كما لعلّه كذلك في الكفّارة، لشمول الآية الشريفة وبعض النصوص له، فإنّ الرفث فسر بالجماع الشامل له.

وما في صحيح عليّ بن جعفر من تفسيره بجماع النساء، لعدم كونه في مقام التحديد، لا يصلح مقيّداً، فتأمّل.

وتوضيح الكلام في ذلك في مبحث الكفّارات(2)، إذ البحث في المقام متمحّض في الحرمة، وحرمة هذه الاُمور من الضروريّات، فلا فائدة في إطالة البحث في ذلك.3.

ص: 231


1- سورة البقرة: الآية 197.
2- فقه الصادق: ج 16/223.

الأمر الرابع: لا فرق في الحكم بين الزوجة الدائمة والمنقطعة، لإطلاق الأدلّة.

***

حرمة التقبيل على المُحرِم

المسألة الثانية: يحرم على المُحرِم تقبيل امرأته، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل عن «المفاتيح» وشرحها الإجماع عليه.

ويشهد به:

1 - ما رواه الكليني، عن الحسين بن حمّاد: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يُقبِّل أُمّه ؟ قال عليه السلام لا بأس هذه قُبلة رحمة، إنّما تكره قُبلة الشهوة»(1).

والكراهة مضافاً إلى استعمالها في الحرمة في الأخبار كثيراً، يُراد بها في المقام الحرمة بقرينة المقابلة بنفي البأس.

أقول: ثمّ إنّ المستفاد من الخبر، أن الذي يكون حراماً هو القُبلة التي تكون محلّ الشهوة، لا ما ليس محلّها، ولا داعياً إلى الجماع، فمقتضى إطلاقه حرمة تقبيل المرأة مطلقاً، سواءٌ أكان عن شهوة أم لم يكن، لأنها محلّ الشهوة، بخلاف الاُمّ ومن شابهها كالاُخت.

2 - وحسن مسمع أبي سيّار: «قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: يا أبا سيّار إنّ حال المحرم ضيّقة، فمَن قبَّل إمرأته على غير شهوةٍ وهو مُحرِم فعليه دم شاة، ومَن قبّل إمرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور، ويستغفر اللّه، ومَن مسَّ إمرأته وهو مُحرِم على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى إمرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، ومن

ص: 232


1- الكافي: ج 4/377 ح 9، وسائل الشيعة: ج 13/139 ح 17426.

مسَّ إمرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه»(1).

ودلالة هذا الخبر على الحرمة كالنصوص الآتية، متوقّفة على اقتضاء ثبوت الكفّارة للحرمة.

ثمّ إنّ الخبر مصرّح بعدم الفرق بين كون التقبيل بشهوةٍ أو بغير شهوة.

3 - وخبر العلاء بن فضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ وامرأة تمتّعا جميعاً، فقصّرت امرأته ولم يقصّر فقبلها؟ قال عليه السلام: يهريق دماً، وإنْ كانا لم يقصّرا جميعاً، فعلى كلّ واحدٍ منهما أن يهريق دماً»(2).

4 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام، في حديثٍ : «قلت فإنْ قبَّل ؟ قال: هذا أشدّ، ينحر بدنة»(3).

5 - وخبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل قبّل إمرأته وهو مُحرِم ؟ قال عليه السلام عليه بدنة، وإن لم ينزل، وليس له أن يأكل منها»(4).

ونحوها غيرها.

فروع:

الفرع الأوّل: هل الحكم مختصٌّ بالتقبيل عن شهوة كما عن «الذخيرة»(5) وفي

ص: 233


1- الكافي: ج 4/376 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/434 ح 16703.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/473 ح 312، وسائل الشيعة: ج 13/140 ح 17427.
3- الكافي: ج 4/375 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/138 ح 17422.
4- الكافي: ج 4/376 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/139 ح 17425.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/621.

«الرياض»(1) ونقله عن جماعة، وفي «الحدائق»(2)؟

أم يعمّ ما إذا كان التقبيل لا بالشهوة، كما هو صريح بعضٍ ، وظاهر «جُمل العلم والعمل»(3) و «السرائر»(4) و «الكافي»(5) وغيرها؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني: بإطلاق بعض ما تقدّم، وصريح آخر.

واستدلّ للأوّل:

1 - بالأصل.

2 - وبالتعليل في خبر الحسين بن حمّاد: (إنّما يُكره قُبلة الشهوة).

3 - وبأنّ المنساق من إطلاق تقبيل الإمرأة كونه على وجه الاستمتاع والإلتذاذ.

أقول: واُجيب عن التصريح في خبر مسمع بقوله: (من غير شهوة) بأنّه محمول على إرادة عدم الإمناء، بقرينة المقابلة، لكونه تقبيل رحمة، ونحوه ممّا لم يكن استمتاعاً والتذاذاً بالإمرأة، ولكن الأصل مقطوعٌ بما عرفت، والتعليل في خبر ابن حمّاد قد عرفت حاله.

وكون ما ذُكر هو المنساق من إطلاق تقبيل المرأة ممنوعٌ .

وحمل قوله عليه السلام: (من غير شهوة) على إرادة عدم الإمناء وإنْ كان لا يبعد بقرينة المقابلة، لكنّه لا يصلح مقيّداً لإطلاق الأدلّة، وعليه فالأظهر هو التعميم.3.

ص: 234


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/295.
2- الحدائق الناضرة: ج 15/347.
3- جمل العلم والعمل: ص 106 قوله: (على المُحرم اجتناب: - إلى أن قال - وكلّ ما يؤدّي إلى نزول المني من قُبلة أو ملامسة أو نظر بشهوة).
4- السرائر: ج 1/552.
5- الكافي ص 203.

الفرع الثاني: النصوص مختصّة بتقبيل امرأته، فإسراء الحكم إلى تقبيل الأجنبيّة والغلام إنّما هو بالأولويّة، أو لعموم العلّة في خبر ابن حمّاد.

الفرع الثالث: لا إشكال في تقبيل الاُمّ والاُخت والبنت ومن أضرابهنّ .

قال المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1): (لا يحرم للمُحرِم أن يُقبِّل اُمّه لأنّه ليس محلّاً للشهوة، ولا داعياً إلى الجماع فكان سائغاً. روى الشيخ عن حسين بن حمّاد ثمّ ساق الخبر - ثمّ قال: إذا ثبت هذا فالتعليل الذي علّل الإمام عليه السلام ينسحب في غير الاُمّ كالبنت والاُخت والعمّة والخالة وبنت الأخ وغيرهن من الُمحرّمات) انتهى .

الفرع الرابع: هل يحرم تقبيل المرأة للرجل أيضاً أم لا؟ وجهان:

استدلّ الفاضل النراقي(2) للأوّل بالإجماع المركّب، وبالتصريح بحكم المرأة في رواية العلاء أيضاً.

أقول: ولكن الأوّل غير ثابت، وعلى فرض ثبوته، كونه تعبّديّاً غير ظاهر، كما ويرد على الثاني أنّ الظاهر من الخبر بيان حكم مطاوعة المرأة وتسليمها لتقبيل الرّجل لها لا تقبيلها إيّاه، ولا أقلّ من الاحتمال.

وربما يستدلّ له بتنقيح المناط، وقاعدة الاشتراك، وهما كما ترى ، فإذاً لا دليل على حرمته، ولكن الاحتياط لا يُترك، وسيأتي في المسّ ماله نفعٌ بالمقام.

***8.

ص: 235


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/810.
2- مستند الشيعة: ج 11/357-358.

حرمة لمس المرأة على المُحرِم

المسألة الثالثة: يحرم على الرّجل لمس امرأته، بلا خلافٍ فيه في الجملة، ويشهد به النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍ حمل امرأته وهو مُحرِمٌ فأمنى أو أمذى؟ قال: إنّ كان حملها أو مسّها بشيء من الشهوة فأمنى ، أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ، فعليه دم يهريقه، فإن حملها أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شيء»(1).

ومنها: ما رواه الحلبي، عنه عليه السلام: «قلت: المُحرِم يضع يده على امرأته ؟ قال: لا بأس. قلت: فينزلها من المَحمل ويضمّها إليه ؟ قال: لا بأس. قلت: فإنّه أراد أن ينزلها من المَحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء إلّاأن يكون طلب ذلك»(2).

وحَسن مسمع أبي سيّار المتقدّم ونحوها غيرها.

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق غيرها ممّا تضمّن ثبوت الكفّارة على اللّمس مطلقاً، كما أنّ بها يقيّد إطلاق صحيح الحلبي: «في المُحرِم قلت: أفيمسّها وهي مُحرِمة ؟ قال عليه السلام نعم»(3).

وكذا يحمل ما أطلق فيه من الفتاوي المحكيّة عن «جُمل العلم والعمل» و «السرائر» و «الكافي»، ويحتمله الكتاب.

ص: 236


1- تهذيب الأحكام: ج 5/326 ح 33، وسائل الشيعة: ج 13/137 ح 17420.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/326 ح 31، وسائل الشيعة: ج 13/137 ح 17419.
3- الكافي: ج 4/375 ح 2، وسائل الشيعة: ج 13/136 ح 17416.

أقول: ثمّ إنّ دلالة هذه النصوص على الحرمة، إنّما هي بواسطة دلالتها على ثبوت الكفّارة بناءً على اقتضائه ذلك، كما هو الظاهر، قال صاحب «المستند»(1):

(للإجماع ظاهراً على استلزام وجوب الكفّارة، لعدم الجواز في هذا المقام) انتهى .

ويشهد بالحرمة مضافاً إلى ذلك، خبر الأعرج، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل ينزل المرأة من المَحمل فيضمّها إليه وهو مُحرِم ؟ قال عليه السلام: لا بأس إلّاأن يتعمّد ذلك»(2).

فإنّ ثبوت البأس في صورة التعمّد المستفاد من الاستثناء، ملازمٌ للمحرمة كما مرّ فتدبّر، فلا إشكال في الحكم، كما لاريب في الاختصاص بما إذا كان عن شهوة.

والروايات مختصّة بالرجل - وثبوت الحرمة للمرأة إذا مسّت الرّجل بشهوة ممّا ادّعى عليه الفاضل النراقي(3) الإجماع المركّب، وهو بضميمة قاعدة الاشتراك وتنقيح المناط، إن لم توجب الإفتاء بالثبوت، لا ريب في صيرورتها منشئاً للاحتياط اللّزومي.

بل الظاهر المستفاد من نظائر المقام في الجماع والملاعبة وما شاكل، ثبوت الحكم في المرأة أيضاً، وكذا في التقبيل.

فرع: وهل يختصّ الحكم بالزوجة أم يشمل الأجنبيّة ؟ وجهان.

قد يقال: إنّ أدلّة الباب مختصّة بالزوجة، والتعدّي عنها يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة أو تنقيح المناط.8.

ص: 237


1- مستند الشيعة: ج 11/357.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/362 ح 2714، وسائل الشيعة: ج 12/436 ح 16705.
3- مستند الشيعة: ج 11/357-358.

ولكن يمكن أن يستدلّ للشمول للأجنبيّة، بالنصوص الواردة في الدُّعاء عند التهيّؤ للإحرام، المشتملة على تحريم الاستمتاع بالنساء على المُحرِم، كقول:

(أحرمَ لكَ شَعري وبَشَري من النساء) فإنّه يدلّ على تحريم الاستمتاع بهُنّ مطلقاً.

وعليه، فيحرم النظر عن شهوة إلى الأجنبيّة من جهة الإحرام أيضاً، وبذلك يظهر حكم تقبيلها.

***

ص: 238

نظر المُحرِم إلى زوجته

المسألة الرابعة: في نظر المُحرِم إلى زوجته قولان:

القول الأوّل: أنّه يحرم إذا كان عن شهوة، وهو المشهور بين الأصحاب.

القول الثاني: ما استظهر من خلوّ كتب الشيخ والأكثر عن تحريمه، وهو عدم حرمته مطلقاً.

نعم، إذا نظر فأمنى يحرم من ناحية الإمناء.

وعن الصدوق(1) التصريح بأنّه لاشيء عليه، واختاره سيّد «الرياض»(2)لولا الإجماع، والفاضل النراقي في «المستند»(3).

أقول: وأمّا النصوص فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على أنّ النظر بشهوة حرامٌ ، وهي النصوص الدالّة على تحريم الاستمتاع بالنساء مطلقاً، التي تقدّمت الإشارة إليها، الواردة في أدعية التهيّؤ للإحرام، حيث تمسّك بها صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله في المقام.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ النظر ولو كان بشهوة لا يكون حراماً:

منها: موثّق إسحاق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في مُحرمٍ نظر إلى امرأة بشهوة فأمنى؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء»(5).

ص: 239


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/213.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/295.
3- مستند الشيعة: ج 11/360-361.
4- جواهر الكلام: ج 18/305.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/327 ح 35، وسائل الشيعة: ج 13/138 ح 17421.

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في المُحرِم ينظر إلى امرأته وهي محرمة ؟ قال عليه السلام لا بأس»(1).

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على حرمة النظر بشهوة إذا أمنى :

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن إمامنا الصادق عليه السلام: «عن مُحرِمٍ نظر إلى إمرأته فأمنى أو أمذى وهو مُحرِم ؟ قال عليه السلام: لا شيء عليه، ولكن ليغتسل ويستغفر ربّه - إلى أن قال - وقال في المُحرِم ينظر الى امرأته أو ينزلها بشهوةٍ حتّى ينزل ؟ قال عليه السلام: عليه بدنة»(2).

أقول: ومورد الاستدلال ذيل الخبر، أمّا صدره فغير خالٍ عن الإشكال، لأنّه:

إنْ كان المراد به النظر بشهوة، فيعارض مع ذيله، فإنّه في الصدر يصرّح بأنّه لا شيء عليه، وفي الذيل يقول بأنّ عليه بدنة.

وإنْ اُريد به النظر بغير شهوة، فهو ليس بحرامٍ ، فلا معنى لقوله: (ويستغفر ربّه)، ثمّ قوله: (ليغتسل)، مع أنّ السؤال إنّما هو عن الإمناء أو الإمذاء على إطلاقه الذي لم يُعمل به.

وكذلك خبر مسمع المتقدّم: (من نظر إلى امرأته نظر شهوةٍ فأمنى فعليه جزور). ونحوهما غيرهما.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على حرمة النظر بشهوة، وإنْ لم يمن:

منها: موثّق أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «قال: قلت له: رجلٌ مُحرِمٌ نظر إلى ساق إمرأة أو إلى فرجها فأمنى؟ قال عليه السلام: إنْ كان موسراً فعليه بدنة، وإنْ كان وسطا5.

ص: 240


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/362 ح 2715، وسائل الشيعة: ج 12/435 ح 16704.
2- الكافي: ج 4/375 ح 1، وسائل الشيعة: ج 13/135 ح 17415.

فعليه بقرة، وإنْ كان فقيراً فعليه شاة.

ثمّ قال: أمّا إنّي لم أجعل عليه هذا، لأنّه أمنى ، إنّما جعلته عليه لأنّه نظر إلى ما لا يحلّ له»(1).

فإنّه صريح في أنّ الحرمة لغير الإمناء، وأنّ المُحرّم هو النظر وإنْ لم يخرج منه المني.

أقول: في هذه الطوائف كلامٌ :

أمّا الطائفة الثالثة: فهي مختصّة بصورة الإمناء، فلعلّ الكفّارة لأجله لا للنظر.

وأمّا الطائفة الرابعة: فهي وإنْ كانت صريحة في أنّ الكفّارة لأجل النظر لا للإمناء، إلّاأنّه قد يقال باختصاصها بالأجنبيّة للتعليل، ولتنكير المرأة.

ولكن يمكن دفع ذلك: بأنّه يمكن أن تجري العلّة في الزوجة من جهة عدم الحلية لأجل الإحرام، فلا مقيّد للصدر، وتنكير المرأة إنّما هو لإفادة الإطلاق، إلّا أنّه يعارضها صحيح معاوية:

«في مُحرِمٍ نظر إلى غير أهله فأنزل ؟ قال عليه السلام: عليه دم، لأنّه نظر إلى غير ما يحلّ له، وإن لم يكن أنزل فليتّق اللّه، ولا يعُد، وليس عليه شيء»(2).

والجمع بينهما يقتضي البناء على أنّ الموجب للكفّارة، هو النظر المؤدّي الى الإمناء لا مطلقاً كما هو واضح.

وأمّا الطائفة الثانية: فلمعارضتها مع هاتين الطائفتين، وإعراض الأصحاب عنها تُطرح إمّا ابتداءً أو بعد ملاحظة المعارضة، أو تُحمل على حال السهو كما حمله4.

ص: 241


1- الفقيه، ج 2، ص 332، ح 2590؛ تهذيب الأحكام: ج 5/325 ح 28، وسائل الشيعة: ج 13/133 ح 17411.
2- الكافي: ج 4/377 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/135 ح 17414.

عليها الشيخ قدس سره(1).

وأمّا ما في «الجواهر»(2) من أنّ نفي الشيء عليه لا يدلّ على نفي الحرمة، فغير تامّ ، إذ النكرة الواقعة في حيز النفي تدلّ على المعلوم.

وأمّا الطائفة الاُولى : فهي معارضٌ لها، وتدلّ على حرمة الاستمتاع بالنساء، ومن الاستمتاع بهنّ النظر بشهوة، ولو لم يمن أو لم يمذ.

وبالجملة: فالأظهر حرمة النظر بشهوة مطلقاً، ويؤيّده ما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله(3) دليلاً له، وهو فحوى ما دلّ من النصوص على حرمة المسّ والحمل إذا كان بشهوة لا بدونها، وقد تقدّمت وجه كون ذلك مؤيّداً لا دليلاً، أنّه يحتمل وجود خصوصيّة في المسّ والحمل غير موجودة في النظر.

هذا كلّه في النظر بشهوة.

وأمّا النظر بدون الشهوة: فهو جائزٌ بلا خلاف، ويشهد له:

1 - إطلاق ما دلّ على النظر إلى المرأة حتّى النظر إلى فرجها.

2 - والأصل.

3 - وحسن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ قال لإمرأته أو لجاريته بعدما حَلَق ولم يطف ولم يَسْع بين الصفا والمروة: اطرحي ثوبك. ونظر إلى فرجها؟ قال عليه السلام: لا شيء عليه إذا لم يكن غير النظر»(2).

وهذه النصوص وإنْ اختصّ بعضها بالزوجة، إلّاأنّ جملة منها مطلقة شاملة8.

ص: 242


1- تهذيب الأحكام: ج 5/327 ذيل ح 35، الإستبصار: ج 2/192 ذيل ح 3. (2و3) جواهر الكلام: ج 18/306 و 305.
2- الكافي: ج 4/380 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/137 ح 17418.

للأجنبيّة، وبعضها في خصوص الأجنبيّة، فلا وجه لاختصاص الحكم بالزوجة.

فما عن «المسالك»(1) من أنّه (لا فرق في ذلك بين الزوجة والأجنبيّة بالنسبة إلى النظرة الاُولى إن جوّزناها والنظر إلى المخطوبة، وإلّا فالحكم مخصوص بالزوجة).

غير تامّ ، ويرد عليه ما أورده سبطه في محكي «المدارك»(2) حيث قال بعد نقل ذلك من جدّه: (وكان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبيّة على هذا التقدير، وعدم اختصاصه بحال الشهوة. وهو جيّد إلّاأنّ ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بالشهوة) انتهى .

أقول: ومحصّل ما يمكن قوله هنا إنّ في المقام عنوانين:

أحدهما: النظر إلى الزوجة في حال الإحرام.

الثاني: النظر إلى الأجنبيّة.

وحرمة الثاني مطلقة، والأوّل مقيّدة بما إذا كان عن شهوة، وإذا انطبقا على موردٍ تتأكّد الحرمة.

وعليه، فما أفاده صاحب «الحدائق» رحمه الله(3) بأنّه (متى قيل بتحريم النظر إلى الأجنبيّة مطلقاً في أوّل نظرة أو غيرها من مُحِلٍّ كان أو مُحرِم، فالتفصيل بالنسبة إلى المُحرِم بين ما إذا كان نظره بشهوه فيحرم، أوّلاً بشهوة فيحلّ ، لا معنى له، لأنّ المدّعى عموم التحريم للمُحرِم وغيره، فكيف يتمّ ما ادّعاه من اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بشهوة ؟) في غير محلّه كما عرفت.7.

ص: 243


1- مسالك الأفهام: ج 2/249.
2- مدارك الأحكام: ج 7/313-314.
3- الحدائق الناضرة: ج 15/347.

فرع: هل يحرم النظر الى الغلام بشهوة أم لا؟ وجهان:

الأدلّة مختصّة بالنظر إلى النساء، وأمّا الأولويّة فهي غير ثابتة، إذ المناط غير معلوم، فلا مجال لدعوى الأولويّة، والاحتياط سبيل النجاة.

وهل يحرم نظر المرأة إلى الرّجل إذا كان عن شهوةٍ أم لا؟ وجهان:

ويجري في المقام ما ذكرناه في التقبيل والمسّ ، وعليه فالاحتياط لا يُترك.

***

ص: 244

عقد المُحرِم لنفسه ولغيره

المسألة الخامسة: لا يجوز للمُحرِم أن يعقد لنفسه ولغيره بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه مستفيضٌ إنْ لم يكن متواتراً) انتهى .

وفي «التذكرة»(2): (يُحرم على المُحرِم أن يتزوّج أو يزوّج، فيكون وكيلاً لغيره أو وليّاً، سواء كان رجُلاً أو امراة، ذهب إليه علماؤنا أجمع) انتهى .

أقول: ويشهد به نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس للمُحرِم أن يتزوّج ولا يزوّج، وإنْ تزوّج أو زوّج مُحِلّاً فتزويجه باطل»(3).

ومنها: حسن معاوية بن عمّار: «المُحرِم لا يتزوّج ولا يزوّج، فإنْ فعل فنكاحه باطل»(4).

ومنها: موثّق سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج مُحرِماً وهو يعلم أنّه لا يَحلّ له.

قلت: فإنْ فعل فدخل بها المُحرِم ؟ فقال: إنْ كانا عالمين، فإنّ على كلّ واحد منهما بدنة، وعلى المرأة إنْ كانت مُحرِمة بدنة، وإنْ لم تكن مُحرمة فلا شيء عليها، إلّا

ص: 245


1- جواهر الكلام: ج 18/298.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/382-383.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/328 ح 41، وسائل الشيعة: ج 12/436 ح 16706.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/330 ح 48، وسائل الشيعة: ج 12/438 ح 16714.

أنْ تكون هي قد علمت أنّ الذي تزوّجها مُحرِم، فإنْ كانت علمت ثمّ تزوّجت فعليها بدنة»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «المُحرِم يطلّق ولا يتزوّج»(2).

ومنها: خبر عاصم بن حميد: «للمُحرِم أن يُطلّق ولا يتزوّج»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: وتمام الكلام في هذه المسألة بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى : كما يحرُم التزويج وضعاً، كذلك يحرم تكليفاً، ويشهد بها صحيح ابن سنان، وحسن معاوية، وخبر سماعة وغيرها.

الجهة الثانية: كما يحرم التزويج لنفسه، كذلك يحرم تكليفاً ووضعاً أن يزوّج غيره، للنصوص المتقدّمة، وتزويج الغير قد يكون بصيرورته وكيلاً عنه في العقد، وقد يكون بكونه وكيلاً في إجراء الصيغة خاصّة، وقد يكون وليّاً على من يتزوّج له، ثمّ إنّه قد يُجري الصيغة الولي بنفسه، وقد يوكّل غيره في أن يجري الصيغة، وعلى أيّة حال فإنّ عنوان تزويج الغير يشمل جميع ذلك.

ودعوى : أنّ ذلك لا يصدق على مُجري الصيغة خاصّة، نظير ما ذكروه فيما إذا كان الصبي مُجرياً لصيغة البيع، حيث قالوا إنّه لا يستند البيع والشراء إليه، ولذلك بنوا على عدم ثبوت خيار المجلس لمُجري الصيغة، لعدم صدق البيع عليه، فالبيع..

ص: 246


1- تهذيب الأحكام: ج 5/330 ح 51، وسائل الشيعة: ج 12/438 ح 16715.
2- الكافي: ج 4/372 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/441 ح 16722.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/383 ح 249، وسائل الشيعة: ج 12/441 ح 16722، لكن برواية الشيخ له عن موسى بن القاسم عن صفوان وابن أبي عمير عن عاصم....

إنّما يكون بيع الولي والموكّل لا مُجري الصيغة، فكذلك في المقام.

مندفعة: بالفرق بين البابين، فإنّ الموضوع لخيار المجلس البيع، وهو لا يصدق على مُجري الصيغة، وأيضاً موضع البطلان في عقد الصبي أمر الصبي في البيع والشراء، وأمّا في المقام فالموضوع هوالتزويج للغير أي إيجاد علقة الزوجيّة، وهذا إنّما يكون بفعل مُجري الصيغة، وعليه فالموضوع في المقام يشمله.

فإن قيل: إنّه لو وكّل الولى المُحرِم للعقد على المولّي عليه، لا يكون فعل الوكيل مشمولاً لهذه النصوص، والتوكيل ليس تزويجاً محرّماً بالإجماع والنص، ولعلّه لذا قال في «القواعد»(1): (الأقرب جواز توكيل الجدّ المُحرِم مُحلّاً) أي في تزويج المولّي عليه.

قلنا أوّلاً: إنّ الوكيل نائبُ الموكّل ولا نيابة فيما ليس له فعله.

وثانياً: أنّ التزويج المنهيّ عنه في النصوص يشمل التوكيل، ولذا قطع الأصحاب بحرمة توكيل المُحرم على التزويج لنفسه وبطلان العقد.

ويرد على المصنّف زائداً على ذلك: أنّه لا وجه لتخصيص الجَدّ بالذكر.

وأيضاً: لو عقد الفضولي للمُحرِم في حال كونه مُحلّا، وأجازه في حال الإحرام، كان ذلك باطلاً من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، إذ على القولين إنّما يستند عقد النكاح والتزويج إليه في حال الإجازة، والفرض أنّه محرم في تلك الحالة فيشمله النصوص.

وأيضاً: لو عقد الفضولي في حال كونه مُحرِماً، أو عقد الفضولي له في تلك الحالة،2.

ص: 247


1- قواعد الأحكام: ج 1/422.

وأجاز من له العقد في حال كونه مُحلّاً، فالظاهر عدم جوازه، لأنّ عقد الفضولي تزويجٌ ، من غير فرق بين القول بالكشف والنقل، فإنّ ذلك في حصول الزوجيّة لا في صدق التزويج والإنكاح.

وعليه، فما في «الجواهر»(1) من تخصيص المنع أوّلاً بالقول بالكشف، وتبعه بعض الأعاظم(2). غير تامّ .

التزويج في حال الإحرام يوجبُ الحرمة الأبديّة

الجهة الثالثة: التزويج في حال الإحرام يوجب الحرمة الأبديّة، بلا خلافٍ فيه في الجملة، إنّما الخلاف في أنّه هل يوجب الحرمة مطلقاً علم الزوج المُحرِم بالحرمة أو لا، تحقّق الإيلاج أم لا، أو أنّه لا يوجب الحرمة إلّامع العلم وإنْ لم يدخل بها، أو مع الدخول وإنْ لم بعلم بالحرمة ؟

أقول: ومنشأ الاختلاف هو اختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الاُولى : ما يدلّ على أنّه يوجب الحرمة الأبديّة مطلقاً:

منها: خبر أديم بن الحُرّ الخزاعي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إنّ المُحرِم إذا تزوّج وهو مُحرِمٌ فُرِّق بينهما، ولا يتعاودان أبداً»(3).

ومنها: موثّق ابن بكير، عن إبراهيم بن الحسن، عنه عليه السلام: «إنّ المُحرِم إذا تزوّج وهو محرم، فُرِّق بينهما ثمّ لا يتعاودان أبداً»(4). ونحوهما غيرهما.

ص: 248


1- جواهر الكلام: ج 18/300.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 14/168.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/329 ح 45، وسائل الشيعة: ج 12/440 ح 16717.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/329 ح 46، وسائل الشيعة: ج 12/439 ح 16716.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على أنّ العقد فاسدٌ ولا يوجب الحرمة الأبديّة مطلقاً:

منها: ما رواه صفوان وابن أبي عمير، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ ملك بُضع امرأةٍ وهو مُحرِمٌ قبل أن يحلّ ، فقضى عليه السلام أن يُخلّي سبيلها، ولم يجعل نكاحه شيئاً حتّى يحلّ ، فإذا أحلَّ خطبها إنْ شاء، فإنْ شاء أهلها زوّجوه، وإنْ شاؤوا لم يزوّجوه»(1).

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّه يوجب الحرمة مع العلم:

منها: خبر زرارة وداود بن سرحان، عن أبي عبداللّه عليه السلام.

ومنها: خبر أديم بيّاع الهروي، عنه عليه السلام، قال: «والمُحرِم إذا تزوّج وهو يعلم أنّه حرامٌ عليه لم تحلّ له أبداً»(2).

أقول: وللأصحاب في مقام الجمع بين النصوص مسالك:

المسلك الأوّل: أنّ الظاهر من الطائفة الاُولى بقرينة قوله عليه السلام: (فُرّق بينهما) هو الحرمة مع الدخول، ضرورة أنّ المراد بالتفريق ليس هو التفريق الاعتباري، بمعنى ارتفاع الزوجيّة، لأنّه حاصلٌ بنفس فساد العقد، فلا يصحّ أمر الحاكم أو العدول من المؤمنين به، بل المراد هو التفريق الخارجي، وهو لا يتحقّق إلّابعد الاجتماع في الفراش الذي لا ينفكّ غالباً عن الدخول.

وعليه، فهذه الطائفة أخصّ من الطائفة الثانية، فتقيّدها بصورة عدم الدخول، والنسبة بينها وبين الطائفة الثالثة وإنْ كانت عموماً من وجه، لأنّها تدلّ على حرمة المدخول بها علم بالحرمة أم لا، ومفهوم الطائفة الثالثة أنّها مع الجهل2.

ص: 249


1- تهذيب الأحكام: ج 5/330 ح 47، وسائل الشيعة: ج 12/440 ح 16718.
2- الكافي: ج 5/426 ح 1، وسائل الشيعة: ج 20/491 ح 26172.

لا تحرم أبداً، دخل بها أم لا، إلّاأنّ المفهوم لا يصلح لمعارضة المنطوق، ضرورة أنّ دلالة الشرط على المفهوم إنّما هي من جهة ظهور التعليق عليه في كونه علّة منحصرة، وظهوره في ذلك ليس بمثابةٍ يعارض مع ظهور المنطوق، فيقدّم عليه، فتكون النتيجة هي الحرمة مع الدخول ولو كان جاهلاً.

وفيه أوّلاً: الظاهر من التفريق، سيّما بقرينة قوله عليه السلام: (ولا يتعاودان أبداً)، هو التفريق الاعتباري، وليس هو أمراً تكليفيّاً بالتفريق، بل هو إرشادي إلى بطلان النكاح، ولذا يفهم من ذلك في المقام وفي نظائره بطلان العقد.

وثانياً: أنّ منطوق الطائفة الثالثة إنّما هو دخالة العلم في الحرمة، فالجمع بينه وبين هذه الطائفة على ما اُفيد، هو اعتبار الأمرين من الدخول والعلم في الحرمة.

وثالثاً: أنّ ما اُفيد من أنّ المفهوم لا يصلح لمعارضة المنطوق غير تامّ ، فإنّ المفهوم إنّما يستفاد من خصوصيّةٍ في المنطوق، وهي ما اُشير إليه من دلالة الشرط على الانحصار، وهذه الدلالة دلالة منطوقيّة، وطرف التعارض هي تلك، فلا وجه لتقديم الطائفة الاُولى على مفهوم الطائفة الثالثة.

المسلك الثاني: أنّ الطائفة الثالثة أخصّ من الثانية، فتقيّدها بصورة الجهل، فتصير الثانية أخصّ من الاُولى ، فتقيّد إطلاقها، وتكون النتيجة هي الحرمة مع العلم لا بدونه.

وفيه: أنّه يتوقّف على القول بانقلاب النسبة ولا نقول به.

المسلك الثالث: أنّ الطائفة الثالثة بمنطوقها تقيّد الثانية، وبمفهومها تقيّد الاُولى ، وتكون النتيجة هي الحرمة لو علم أنّه حرامٌ عليه.

ص: 250

وفيه: أنّه يتوقّف على كون (إذا) شرطيّة، أو القول بمفهوم الوصف، والأوّلُ غير ظاهرٍ، والثاني فاسدٌ، مع أنّه يلزم حمل الطائفة الاُولى على الفرد النادر، إذ إقدام المُحرِم - الذي في مقام إتيان العبادة - على النكاح مع علمه بالحرمة والفساد نادرٌ.

أقول: الحقّ أنّه يقع التعارض بين الطائفة الاُولى والثانية، أمّا الثالثة فلأخصيّتها من الثانية تقدّم عليها، ومنطوقها لا ينافي الطائفة الاُولى ، فهي يعمل بها على كلّ تقدير، فبالنسبة الى صورة الجهل يقع التعارض بين الطائفتين الأولتين، ولا يمكن الجمع الدلالي بينهما، فلابدّ من الرجوع فيهما إلى المرجّحات السنديّة، والطائفة الاُولى أرجح لأجل الشهرة فتُقدَّم، فالنتيجة هي الحرمة الأبديّة مطلقاً.

ولكن الظاهر كون كلمة (إذا) في الطائفة الثالثة شرطيّة، لعدم ملائمتها مع الجمله بمعناها الآخر، وعليه فمفهومها تقيّد الاُولى بصورة العلم.

ودعوى : لزوم الحمل على الفرد النادر، على فرض صحّتها، يلزم منها التعارض بين الطائفتين، والترجيح مع الثالثة للشهرة، وموافقة الكتاب.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر هو الحرمة مع العلم مطلقاً، وعدمها مع الجهل كذلك.

إلحاق المُحرِمة بالمُحرِم

الجهة الرابعة: في إلحاق المُحرِمة بالمُحرِم في حرمة العقد الصادر منه وبطلانه، وكونه موجباً للحرمة الأبديّة، أقوال:

ثالثها: التفصيل بين الأخير والأولين بعدم الإلحاق في الأخير خاصّة.

ص: 251

أقول: يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: في حرمة العقد وبطلانه:

قال في «المنتهى»(1): (ولا يجوز للمُحرِم أن يتزوّج ولا يزوّج، ولا يكون وليّاً في النكاح ولا وكيلاً فيه، سواءٌ كان رجُلاً أو امرأة، ذهب إليه علماؤنا أجمع) انتهى .

ونحوه في «التذكرة»(2).

قال في «الجواهر»(3): (وفي «القواعد»(4) وكشفها(5): ولو كانت المرأة مُحرِمة والرّجل مُحلّاً، فالحكم كما تقدّم من حُرمة نكاحها وتلذّذها بزوجها تقبيلاً أو لمساً أو نظراً أو تمكيناً له من وطئها، وكراهة خِطبتها، وجواز رجعتها وشرائها، ومفارقتها، بل في الأخير الاتّفاق على ذلك) انتهى .

وهذه الإجماعات المنقولة بضميمة ما قيل من عدم كون هذا الحكم من مختصّات الرّجل، وعدم اختصاص الأحكام المتقدّمة من الاستمتاعات به، لعلّها كافيه في إرادة الجنس من قوله عليه السلام: (ليس للمُحرِم أن يتزوّج ولا يزوّج، وإنْ تزوّج أو زوّج مُحلّاً فتزويجه باطلٌ )، وما شابهه.

وأمّا المورد الثاني: فقد صرّح غير واحدٍ بعدم الإلحاق، وأنّه إذا عقد على المُحرِمة وهو مُحلّ لم تحرم عليه، وذهب جمعٌ إلى الإلحاق، وظاهر المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(6) هو الاختصاص، وعدم الإلحاق، فقد صرّح عند عنوان بطلان العقد8.

ص: 252


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/808.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/382-383.
3- جواهر الكلام: ج 18/317.
4- قواعد الأحكام: ج 1/422.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/339.
6- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/808.

وحرمته بالمرأة أيضاً كما تقدّم، ولكن في مسألة الحرمة الأبديّة يقول: (لو عقد المُحرِم حال إحرامه على امرأة فإنْ كان عالماً... إلى آخره)(1)، دون أن يتعرّض لحكم المرأة.

وكيف كان، فمقتضى العمومات والأصل عدم الحرمة.

وقد استدلّ للحرمة بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع. وهو كما ترى .

الوجه الثاني: قاعدة الاشتراك.

وفيه: أنّ القاعدة تامّة في الأحكام الثابتة للأشياء بما هي من غير نظر إلى صنف خاص، كوجوب السورة في الصلاة، فإنّه في أمثال ذلك إذا خوطب الرّجل به، أو كان الكلام المبيّن للحكم بنحوٍ له ظهورٌ في الرجال، أو قلنا باختصاص الخطاب بالحاضرين مجلس التخاطب، وكان الحاضرون هم الرجال، تتمّ القاعدة.

وأمّا الأحكام المترتّبة على صنفٍ خاص، مع احتمال الدخل في الحكم، فالقاعده غير تامّة، فإنْ كان هذا الحكم من أحكام الإحرام بما هو، وكان لسان الدليل بنحوٍ استفيد منه ذلك، كان هذا الوجه متيناً، ولكن بما أنّه يُحتمل كونه من مختصّات الرجال، وكونه من أحكام المُحرِم بما هو مُحرِمٌ ، فلا يكون مورداً لجريان قاعدة الاشتراك.

الوجه الثالث: أنّ المراد بقوله: (المُحرِم إذا تزوّج وهو محرم) هو الجنس، لظهور الألف واللّام في ذلك فيشمل المُحرِمة أيضاً.8.

ص: 253


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/808.

وفيه: أنّه لا ريب في ظهور الألف واللّام في الجنس، ولكن ليس لازم ذلك شمول المدخول لغير من يصلح أن يشمل له، بل لازمه كونه ظاهراً في إرادة فعليّة جميع ما يصلح أن ينطبق عليه المدخول، وعلى ذلك:

فإنْكان المراد بالمُحرِم الشخص المتّصف بالإحرام، كان شاملاً للرِّجال والنساء.

وإنْ كان المراد معناه الظاهر، وهو الرّجل المتّصف بالإحرام، فلا يشمل المرأة.

أقول: والكلام وإنْ لم يكن ظاهراً في الثاني، فلا أقلّ من الإجمال، فيكون مردّداً بين الأقلّ والأكثر، فلابدّ من الاقتصار على الأقلّ المتيقّن وهو الرّجل، فإذاً لا دليل على الإلحاق، ولكن بما أنّ كثيراً من الأحكام المشتركة بين الصنفين، بيّنها الشارع بصيغة المذكّر وهذا شائعٌ ، وأفتى الأصحاب بالإلحاق، فالاحتياط لا يُترك إنْ لم يكن الإلحاق أظهر.

***

ص: 254

اختلاف الزوجين في العقد

فروع:

الفرع الأوّل: لو اختلف الزوجان في العقد، ففيه صورتان:

الصورة الاُولى : ما إذا اختلفا في وقوع العقد حال الإحرام أو الإحلال.

الصورة الثانية: أن يتوافقا على وقوعه حال الإحرام، ولكن اختلفا في العلم والجهل.

أمّا الصورة الاُولى : فقد يقال إنّه يقدم قولُ مدّعي الصحّة، واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة صحّة كلّ عقدٍ، خرج عنه العقد الواقع حال الإحرام، فباستحباب عدم مقارنة العقد لحال الإحرام، يثبت صحّته من غير حاجةٍ إلى إثبات كونه في حال الإحلال، ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله(1).

وفيه: أنّ العقد حال وقوعه كان مقارناً لحال الإحرام أو لم يكن، فلا حالة سابقة لعدم المقارنة كي يُستصحب.

الوجه الثاني: أنّه يُستصحب عدم الإحرام إلى حال وقوع العقد، فالعقد مُحرزٌ بالوجدان، وعدم كون العاقد مُحرِماً في حالةٍ محرزٌ بالأصل، فيتمّ الموضوع.

ولا يعارض ذلك استصحاب عدم العقد الى حال الإحرام، فإنّه لا يثبت به وقوع العقد في حال الإحرام، لكونه مثبتاً.

كما لا يعارضه استحباب عدم وقوع العقد في حال الإحلال، أي غير حال الإحرام الذي هو موضوع الصحّة، إذ الأصل الأوّل حاكمٌ على ذلك، فإنّ الشكّ في

ص: 255


1- جواهر الكلام: ج 18/309.

وقوع المَجمع المقيّد مسبّبٌ عن الشكّ في القيد، فالأصل الجاري في القيد حاكمٌ عليه.

وإنْ شئت قلت: إنّ الأثر لا يترتّب على المركّب بما هو مركّبٌ ، بل على ذوات الأجزاء التوأمة المحرزة بالوجدان والأصل، ولا يفرّق فيما ذكرناه بين العلم بتاريخ الإحرام والجهل به بناءً على ما هو المختار من جريان الاستصحاب في كلٍّ من معلوم التاريخ ومجهوله.

ولكن يرد عليه: أنّه يتمّ فيما إذا كان الشكّ في تقديم العقد على الإحرام أو وقوعه حاله، وأمّا لو علم بعدم التقديم، وشكّ في التأخير، فإنّه يمكن إجراء استصحاب بقاء الإحرام حال العقد، وبه يحرز موضوع البطلان.

الوجه الثالث: جريان أصالة الصحّة الجارية في جميع العقود والإيقاعات، والحاكمة بصحّة كلّ عقدٍ واقع شكّ في صحّته وفساده، التي عليها بناء العقلاء وإجماع العلماء، ولكن حيث يكون عمدة مدركها بناء العقلاء والإجماع، وثبوت ذلك فيما إذا احتمل التصادف الواقعي من دون أن يكون المتعاقدان ناظرين إليه محلّ تأمّل، فلو اعترفا بالجهل بفساد العقد في حال الإحرام، فإنّه لا مورد لجريان أصالة الصحّة.

بل يمكن أن يقال إنّها لا تجري في الفرض حتّى مع تسليم ثبوتها بالأدلّة اللّفظيّة، بناءً على أنّها من الأمارات لا الاُصول التعبّديّة، فإنّه في الفرض لا ملاك للطريقيّة.

وعلى هذا، فما أورده سيّد «المدارك» رحمه الله(1) على هذا الوجه الذي ذكره المحقّق5.

ص: 256


1- مدارك الأحكام: ج 7/315.

الكركي(1) قدس سره وثاني الشهيدين(2) وتبعهما غيرهما، من أنّه (إنّما يتمّ إذا كان المُدّعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالماً بفساد ذلك، أمّا مع اعترافهما بالجهل، فلا وجه للحمل على الصحّة) في غاية المتانة.

ولا يرد عليه: ما في «الجواهر»(3) بأنّ (أصل الصحّة في العقد ونحوه لا يعتبر فيه العلم، لإطلاق دليلة، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم، وهو غير أصل الصحّة التي هي بمعنى ترتّب الأثر كما هو واضح) انتهى .

وعليه، فإذا لم يُعلم جهلها بالفساد، يكون مقتضى أصالة الصحّة المقدّمة على جميع الاُصول، هو البناء على الصحّة، وتقديم قول مُدّعيها.

وإنْ علم بذلك:

فإنْ كان يحتمل تقدّم العقد على الإحرام، حُكم بالصحّة للاستصحاب المتقدّم.

وإن لم يُحتمل ذلك، فمقتضى الأصل - اي أصالة بقاء الإحرام حال العقد، وأصالة عدم تحقّق الزوجيّة - هو البناء على الفساد وتقديم قول مدّعيه.

وأمّا الصورة الثانية: فأثر اختلافهما هو في الحرمة الأبديّة وعدمها، وفي هذه الصورة لاتجري أصالة الصحّة ولا غيرها ممّا تقدّم من الاُصول، إذ الفساد محرزٌ، فإنْ بنينا على أنّ المُحرِمة غير ملحقة بالمُحرِم في هذا الحكم - كما قوّيناه بحسب الدليل - لابدّ من تقديم قول الزوج، سواءٌ ادّعى الجهل أو العلم، لما دلّ على أنّ قول الشخص فيما لا يُعلم إلّامن قِبله حجّة ومعتبر، كما يستفاد ذلك ممّا ذكره الفقهاء تبعاً9.

ص: 257


1- جامع المقاصد: ج 3/178.
2- مسالك الأفهام: ج 2/250.
3- جواهر الكلام: ج 18/309.

للنص في باب الحيض في مسألة إخبار المرأة بالحيض أو الطهر من حجيّة قولها فيه من باب حجيّة إخبار الشخص عمّا في نفسه، إذ عليه يكون الإخبار بعلمه أو جهله إخباراً عمّا في نفسه، فيقدّم ذلك.

ويعارضه ظهور حال المسلم في العلم بما يبتلي به من الأحكام، فإنّ هذا الظهور ساقطٌ قطعاً، إذ العالم بالفساد لا يقدّم على العقد.

وإنْ بنينا على إلحاق المُحرِمة بالمُحرِم:

فإنْ كان الخلاف في علم أحدهما المعيّن وجهله، مع الاعتراف بجهل الآخر، فالحكم ما تقدّم من تقديم قوله.

وإلّا فيقدّم قول مُدّعي العلم، فإنّ ادّعاء جهل الآخر لا أثر له مع علم صاحبه على الفرض.

ومع جريان أصالة الصحّة والحكم بها، فحيث إنّ ذلك حكمٌ ظاهري لا واقعي، فيختصّ بصورة الجهل، فالمُدّعي للفساد العالم به، ليس له ترتيب آثار الصحّة فيما يختصّ به، فلو كان هي المرأة ليس لها المطالبة بالمَهر، ولا بشيء من حقوقها الزوجيّة، ولا بالمهر قبل الدخول، أمّا بعده فتطالب بأقلّ الأمرين من المُسمّى ومَهر المِثل، ولها أن تخلّص نفسها منه ولو بالهرب واستدعاء الفِراق، ولو كان هو الرّجل ليس له الاستمتاع بها، ولكن يجب عليه أن يُنفق عليها ويعطيها مَهرها وما شاكلّ من الاثار التي عليه لا له.

أيضاً: هل للرّجل أن يتزوّج اُختها؟

الظاهر لا، فإنّ من آثار صحّة العقد الواقع، حرمة تزويج اُختها، فهي تثبت عليه، وعليه فما في محكي «المسالك»(1) من أنّه (يجوز له التزويج باُختها وخامسة1.

ص: 258


1- مسالك الأفهام: ج 2/251.

ونحو ذلك من لوازم الفساد)، غير صحيح، لحكم الشارع بصحّة العقد ظاهراً، فيترتّب عليها جميع آثارها إلّاما هو له، فإنّه لا يترتّب واقعاً وهو واضح، وظاهراً للإقرار، كما أنّ ما عن سيّد «المدارك»(1) من أنّه (متى حُكم بصحّة العقد شرعاً، ترتّب عليه لوازمه، فيجوز لها المطالبة بحقوق الزوجيّة ظاهراً وإنْ ادّعت الفساد).

لا يتمّ ، لكونه منافياً لإقرارها الذي هو ماضٍ عليها بالنسبة إلى حقّها، وغير ماضٍ في حقّ الغير، كما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(2).

الفرع الثاني: إذا كان المُنكِر للصحّة الرّجل:

فإنْ كان قد دخل بها استحقّت تمام مهرها بلا كلام، وموثّق سماعة يشهد به.

وإنْ لم يدخل بها، ففيه خلاف:

1 - فعن ظاهر الشيخ(3) قدس سره انفساخ العقد حينئذٍ، ووجوب نصف المهر.

2 - وعن غير واحدٍ: أنّ العقد يكون باقياً، فإنْ طلقها استحقّت نصف المهر وإلّا فتمامه، وقد حمل صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله كلام الشيخ على ذلك.

3 - وعن «كشف اللّثام»(5): أنّه إنْ طلّقها باستدعائها تستحقّ نصف المهر، وإنْ لم يطلّقها، أو طلّقها باستدعائه استحقّت تمام المهر.

واستدلّ للأوّل: بالنسبة الى استحقاقها نصف المهر وإنْ لم يُطلّق بوجهين:

أحدهما: أنّ الرّجل معترفٌ بما يمنع من الوطء، فيكون كالطلاق قبل الدخول.6.

ص: 259


1- مدارك الأحكام: ج 7/317.
2- جواهر الكلام: ج 18/314.
3- المبسوط: ج 1/318، الخلاف: ج 2/316-317.
4- جواهر الكلام: ج 18/311.
5- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/336.

ثانيهما: أنّ العقد إنّما يوجبُ تملّك نصف المهر، ومملّك النصف الاخر هو الوطء أو الموت.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه قياسٌ باطل.

وعلى الثاني: ما حُقّق في محلّه من أنّ العقد مُملّك لتمام المهر(1)، وأنّ بالطلاق قبل الدخول يرجع النصف.

وبما ذكرناه يظهر وجه القول الثاني.

واستدلّ للقول الثالث: بأنّ العقد مُملّك لتمام المهر، والطلاق بزعم الزوج لغوٌ فلا يوجب إرجاع النصف، إلّاإذا كان باستدعائها، فإنّه حينئذٍ يُحكم بالرجوع إلزاماً لها، فيكون طلاقاً شرعيّاً صحيحاً باعترافها.

وفيه: إنّه لم تستدع الزوجة الطلاق، وطلاقها يكون بنظر الرّجل لغواً، ولكن في زعم المرأة صحيحٌ ، فتلتزم بها.

وإنْ شئت قلت: إنّه إن طلقها يحصل العلم الإجمالي بأنّها:

إمّا لا تستحقّ تمام المهر إنْ كان العقد باطلاً.

أو نصفه إنْ كان صحيحاً لوقوع الطلاق.

فيُعلم تفصيلاً أنّها في كلّ الأحوال لا تستحقّ النصف من المهر، وقد مرّ أنّ الأثر إنّما يترتّب على أصالة الصحّة مع عدم العلم التفصيلي بالخلاف، لعدم كونها مغيّرة للواقع.

وأمّا مسألة انفساخ العقد المنسوب إلى الشيخ، فلم يظهر لي وجهه.

الفرع الثالث: أنّه إذا تزوّج في حال الإحرام مع العلم بالحكم، لكن كان غافلاً3.

ص: 260


1- راجع كتاب النكاح من «فقه الصادق»: ج 33/83.

عن كونه مُحرِماً أو ناسياً، فلا إشكال في بطلان العقد، لإطلاق أدلّة البطلان.

وأمّا حديث رفع القلم عن التسعة منهم الناسي والغافل، فلا يصلح لإثبات الصحّة، فإنّه نافٍ للحكم لا مثبت، والبطلان ليس حكماً وضعيّاً كي يرتفع به، بل هو انتزاعي من عدم مطابقة المأتي به لما هو موضوع الأثر.

أقول: والسؤال حينئذٍ هو أنّه:

هل يوجب هذا العقد الحرمة الأبديّة كما هو مقتضى إطلاق دليل المحرميّة، إذ الخارج عنه خصوص الجهل بأنّه لا يحلّ له، وأمّا إن علم بالحكم، فهو داخلٌ تحت عموم الدليل ؟

أم لا يكون مُحرّماً كما صرّح به غير واحد؟

وجهان، أقواهما الثاني، فإنّ المقيّد لإطلاق دليل المحرّميّة لايدلّ على الاختصاص بالعلم بالحكم الكلّي المجعول شرعاً، بل يدلّ على أنّه مختصّ بما إذا علم بالحكم الجزئي المجعول له، لاحظ قوله: (وهو يعلم أنّه لا يحلّ له)، ومعلومٌ أنّ العلم به متوقّفٌ على العلم بالكبرى ، والعلم بالصغرى ، فمع الغفلة أو النسيان لا علم بالحكم الجزئي، فيكون داخلاً تحت المقيّد.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الغفلة والنسيان لا يوجبان عدم العلم رأساً، لحضور المعلوم ووجوده في خزانة النفس، فتأمّل فإنّ العلم بنظر العرف لا يجتمع مع النسيان والغفلة.

الفرع الرابع: لو تزوّج حال الإحرام ولكن كان باطلاً من ناحية اُخرى كتزويج اُخت الزوجة، أو الخامسة، أو في العدّة وما شاكل.

ص: 261

قال صاحب «العروة»(1): الظاهر أنّه يوجب التحريم، لصدق التزويج فتشمله الأخبار.

وقد ذكر بعض المحقّقين في وجه الشمول: أنّ المراد بالتزويج في حال الإحرام، هو العقد الجامع لشرائط صحّة نفسه، أي الواجد لجميع ما يعتبر فيه من حيث إنّه عقد كالماضويّة، والعربيّة، وتقدّم الإيجاب على القبول، وأمثال ذلك، والمفروض تحقّقه واجداً لما يعتبر وجوده فيه، فيكون مشمولاً للأخبار.

أقول: لا إشكال في أنّ المراد بالتزويج في نصوص الباب، ليس هو التزويج الصحيح من جميع الجهات، سيّما ما تضمّن أنّه مع العلم بأنّه لا يحلّ له، وأنّه يحرم عليه أبداً، فإنّ التزويج فيه فاسدٌ حتّى في علم العاقد، وعليه فيدور الأمر بين أن يكون المراد:

هو التزويج الصحيح من جميع الجهات، فلا تشمل النصوص للمقام.

أو التزويج الصحيح من ناحية ما يعتبر في العقد نفسه فتشمله.

أو ما يطلق عليه التزويج ولو كان باطلاً من جهة فقد شرطٍ من شروط صحّة نفسه.

أقول: والذي يظهر لي أنّ المراد بعدما لم يكن هو التزويج الصحيح من جميع الجهات شرعاً، يراد به ما هو تزويجٌ عند العرف والعقلاء، فإنّ الخطابات الشرعيّة منزّلة على ما هو المتداول بين أهل العرف في محاوراتهم، وعليه فكلّ قيدٍ من قيود العقد والتزويج العقلائي إنْ فُقد لا يكون مشمولاً للأخبار، وإلّا فيكون مشمولاً له، من غير فرق بين قيود العقد نفسه وغيرها.1.

ص: 262


1- العروة الوثقى (ط. ج): ج 5/530-531.

وعليه، ففي الأمثلة المذكورة فإنّ ما أفاده السيّد في «العروة» هو الصحيح.

الفرع الخامس: من كان مُحرماً وشكّ في أنّه أحلّ من إحرامه أم لا، لا يجوز له التزويج، فإنْ تَزوّج مع ذلك بَطَل، للاستصحاب، أي استصحاب بقاء الإحرام، وهذا ثابت لا نقاش فيه، إنّما الكلام في أنّه هل يوجب الحرمة أم لا؟ وجهان:

قد يقال بالأوّل كما في «العروة»(1) بدعوى أنّه مقتضى استصحاب بقاء الإحرام.

ولكن يرد عليه: أنّ المأخوذ في موضوع التحريم الأبدي هو العلم بأنّه لا يحلّ له، المتوقف على العلم بالكبرى والعلم بالصغرى كما مرّ، وقد حُقّق في محلّه(2) أنّ الاستصحاب لايقوم مقام العلم المأخوذ في الموضوع، وعليه فلا يفيد الاستصحاب.

وأمّا إطلاق ما دلّ على جواز تزويج كلّ امرأةٍ ، فلا يمكن التمسّك به في مقام، لأنّه بعدما خرج عنه المرأة المزوجة في حال الإحرام، يكون التمسّك به تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة.

وعليه، فالمتعيّن هو الرجوع إلى استصحاب عدم وقوع مايوجب حرمتها الأبديّة.

وبعبارة اُخرى : بقاؤها على ما هي عليه من جواز تزويجها ذاتاً.

***).

ص: 263


1- العروة الوثقى (ط. ج): ج 5/532.
2- تعرّض المصنّف لذلك في غير مورد، منها ما في «زبدة الاُصول»: ج 6/39، في بحث (جريان الاستصحاب في الاعتقادات).

شهادة المُحرِم على العقد

المسألة السادسة: المشهور بين الأصحاب حرمة الشهادة على العقد على المُحرِم، ففي «الجواهر»(1): (بلا خلافٍ أجده فيه)، بل في «المدارك»(2) نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن محتمل «الغُنية»(3) الإجماع عليه، بل عن «الخلاف»(4)دعواه صريحاً.

وفي «الحدائق»(5): (ظاهرهم الاتّفاق عليه) انتهى .

وأمّا «جُمل العلم والعمل» و «المقنع» و «المقنعة» و «الكافي» و «الاقتصاد» و «المصباح» ومختصره و «المراسم» فجميعها خالية عن ذلك، ولعلّ بناءهم على عدم الحرمة، لكن الأساطين والفحول أعرف بفتاوي القوم، وهم يدّعون الاتّفاق ونفي الخلاف.

نعم، صرّح بعض متأخّري المتأخّرين بعدم الحرمة.

أقول: وكيف كان، فمدرك الحكم روايات ثلاث:

الرواية الاُولى: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن أبي شجرة، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في المُحرِم يشهد على نكاح مُحلّين ؟ قال عليه السلام: لا يشهد، الحديث»(6).

ص: 264


1- جواهر الكلام: ج 18/301.
2- مدارك الأحكام: ج 7/311.
3- غنية النزوع: ص 158.
4- الخلاف: ج 2/317.
5- الحدائق الناضرة: ج 15/350.
6- وسائل الشيعة: ج 12/437 ح 16710.

الرواية الثانية: ما رواه بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام: «المُحرِم لا يَنكح ولا يُنكِح ولا يشهد، فإنْ نَكح فنكاحه باطلٌ »(1).

ورواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد مثله، وزاد:

«ولا يَخطب»(2).

الرواية الثالثة: مرسلة ابن شجرة، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«في المُحرِم يشهد على نكاح محلّين ؟ قال: لا يشهد. ثمّ قال: يجوز للمُحرِم أن يشير بصيدٍ على مُحلّ »(3).

وقال الشيخ(4) والصدوق(5): هذا إنكارٌ وتنبيه على أنّه لا يجوز.

أقول: وأُورد على استدلال بها بوجوه:

الوجه الأوّل: ضعف السند، وذلك لأنّ جميعها مرسلات، مع أنّ الظاهر أنّ الثالثة عين الاُولى رويت مرّتين؛ مرّة مع الزيادة واُخرى بدونها.

أضف إلى ذلك أنّ الثانية يرويها أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي، وقد أنكر المحقّق الأردبيلي رواية أحمد عن الحسن بن علي، وحكم بسقوط الواسطه، فهي مرسلة من ناحيتين.

أقول: بعد الإغماض عن أنّ راوي إحداها عثمان بن عيسى الذي قيل عنه إنّه8.

ص: 265


1- تهذيب الأحكام: ج 5/330 ح 49، وسائل الشيعة: ج 12/438 ح 16712.
2- الكافي: ج 4/372 ح 1.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/315 ح 85، وسائل الشيعة: ج 12/417 ح 16658.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/315 في ذيل ح 85.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/361 في ذيل ح 2708.

من أصحاب الإجماع، وراوي الاُخرى الحسن بن علي الفضّال وهو أيضاً ممّن قيل في حقّه إنّه من أصحاب الإجماع، وسقوط الواسطة بين أحمد والحسين غير ثابت، وعلى فرضه لا يضرّ، لأنّ أحمد بن محمّد بن عيسى كان يُخرج من قم من كان يروي عن الضعفاء، فلا يحتمل في حقّه الرواية عن ضعيف، بل قيل في حقّه إنّه ما كان يروى عن ابن محبوب من أجل أنّ أصحابنا يتّهمون ابن محبوب في روايته عن الثمالي، فلا يحتمل في مثل هذا الشخص الرواية عن الضعيف، بل الظاهر هو اطمئنانه بوثاقة جميع الوسائط، فإنّ الأصحاب عملوا بها، وأفتوا بما تضمّنته، فلو كان فيها ضعف أصبح منجبراً بالعمل.

الوجه الثاني: ما في «المستند»(1) من أنّها متضمّنة للجملة الخبريّة، وهي لا تدلّ على اللّزوم.

وفيه: ما حُقّق في محلّه(2) من أنّ الجُملة الخبريّة أظهر في اللّزوم من الأمر والنهي.

الوجه الثالث: أنّه في كلمة (يشهد) احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون ثلاثيّاً مجرّداً بصيغة المعلوم، فمفاد النصوص حينئذٍ حرمة حضور مجلس العقد، وتحمّل الشهادة.

الاحتمال الثاني: أن يكون بصيغة المعلوم، مع كونه من باب الأفعال، فتدلّ النصوص على عدم جواز أداء الشهادة.

الاحتمال الثالث: أن يكون بصيغة المعلوم، فمفادها عدم جواز طلب الشهادة).

ص: 266


1- مستند الشيعة: ج 11/362.
2- راجع زبدة الأصول: ج 1/400، بحث (دلالة الجملة الخبريّة على الوجوب).

من المُحرِم على الغير، وعلى هذا فهي مجملة.

فإن قيل: إنّ مقتضى العلم الإجمالي بحرمة أحد ما ذكر، يقتضي لزوم الاحتياط، فيجب ترك الجميع.

قلنا: إنّ مثل هذا العلم الإجمالي بتكليفٍ مردّد بين شخصين لا يكون منجّزاً، وكلّ من الطرفين يرجع في وظيفته الى أصالة البراءة كما حُقّق في محلّه.

وفيه: أنّ الاحتمال الثالث خلاف الظاهر، مع أنّه على فرضه، قد تعلّق النهي بصيرورته شاهداً، ومقتضى إطلاقه حينئذٍ حرمة إشهاد الغير إيّاه، وحرمة تصدّيه للشهادة.

وإنْ شئت قلت: إنّه يدلّ على مبغوضيّة صيرورته شاهداً، فما هو السبب لذلك وهو اختياره، أو هو مع طلب الغير أيضاً يكون حراماً، بل الظاهر هو خصوص ما هو الجزء الأخير من السبب، وهو اختياره وإرادته، فعلى هذا أيضاً تدلّ على حرمة الحضور وتحمّل الشهادة.

وأمّا الاحتمالان الأوّلان فالظاهر هو الأوّل منهما، فإنّه لو كان المراد به أداء الشهاده كان المفروض أن يتعدّى بالباء، وعليه فالمتعيّن هو الأوّل.

فالمتحصّل: تماميّة دلالة النصوص على حرمة الشهادة، وسندها أيضاً لا إشكال فيه، فلا وجه للتوقّف في الحكم.

أقول: ومقتضى إطلاقها حرمة الشهادة والتحمّل، سواءٌ أكان الحضور للتحمّل أو لم يكن، فما عن «المدارك»(1) وفي «المستند»(2) من الاختصاص بالأوّل إنّما هو من2.

ص: 267


1- مدارك الأحكام: ج 7/311.
2- مستند الشيعة: ج 11/362.

جهة أنّهما ينكران مدركية النصوص لهذا الحكم: إمّا لضعف السند كما عن الأوّل(1)، أو لقصور الدلالة كما في الثاني(2)، وأنّ المدرك عندهما هو الإجماع، فلابدّ من الاقتصار على المتيقّن وهو خصوص الحضور لأجل تحمّل الشهادة، ولكن حيث عرفت أنّ النصوص تامّة سنداً ودلالةً ، فلا مانع من الأخذ بإطلاقها.

ومقتضى إطلاق النصوص هو عدم الفرق بين كون العقد للمُحلّين أو للمُحرِمين أو للمفترقين كما عليه الأصحاب.

وأمّا الشهادة: فالمشهور على ما قيل حرمة أداء الشهادة:

ففي «الجواهر»(3): (وكذا تحرم عليه إقامتها على العقد، كما عن «المبسوط»(4)و «السرائر»(5)، بل في «الرياض»(6) نسبته إلى المشهور، بل في «الحدائق»(7):

ظاهرهم الاتّفاق عليه) انتهى .

والمصنّف رحمه الله هنا خلافاً للتذكرة(8) و «المنتهى»(9) و «القواعد»(10) لم يتعرّض لها، وفي الأولين حكم بحرمة إقامة الشهادة، لكن استشكل في الحكم في محكي «القواعد».2.

ص: 268


1- أي عن المدارك.
2- أي في المستند.
3- جواهر الكلام: ج 18/301.
4- المبسوط: ج 1/317.
5- السرائر: ج 1/547.
6- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/296-297.
7- الحدائق الناضرة: ج 15/347.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/381.
9- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/810.
10- قواعد الأحكام: ج 1/422.

وكيف كان، فلا دليل على الحكم المذكور، وما ذكروه مدركاً له عليل، حيث ذكروا له وجهين:

الوجه الأوّل: دخولها في الشهادة المنهيّ عنها في الأخبار المتقدّمة.

لكن لا يخفى أنّ المنهي عنه هي الشهادة وهي أعمٌّ من تحمّلها أو أدائها، بل على ما في نسخة «الوسائل» من إثبات كلمة (على ) في مرسل ابن أبي شجرة بعد كلمة (يشهد)، فيكون ظاهراً في أداء الشهادة، لأنّ الشهادة على شيء ظاهرة في أدائها.

وفيه: أنّ الشهادة من الشهود، بمعنى الحضور ظاهرة في حضور مجلس النكاح، لا أداؤها، وثبوت حرف (على ) غير محقّق، وقاعدة البناء على زائد لو دار الأمر بين الزيادة والنقيصة وإنْ كانت تامّة، إلّاأنّ استناد الأصحاب إلى خصوص الرواية المتضمّنة لكلمة (على ) غير مسلّم، فإذاً النصوص لا تشمل أداء الشهادة، مع أنّه على فرض ثبوتها الخبر قابلٌ للحمل على كلّ منهما، فالمسلّم هو حرمة الشهادة دون أدائها.

الوجه الثاني: قد مرّ أنّ قوله عليه السلام في ذيل المرسل الأخير: (يجوز للمُحرِم أن يشير بصيدٍ على مُحرمٍ ) استفهامٌ إنكاري، وتنبيه على أنّه لا يجوز، والمراد به تشبيه الشهادة بالإشارة، وأنّه كما لا يجوز كلّ ما هو دخيلٌ في الصيد ولو بنحو الإعداد، كذلك لا يجوز كلّ ما هو دخيلٌ في النكاح، ومنه أداء الشهادة، إذ كما أنّ تحمّلها دخيلٌ فيه كذلك أداؤها.

وفيه أوّلاً: أنّ استناد الأصحاب إليه بالخصوص غير ثابت، فضعفه في نفسه غير ثابت الجبر.

وثانياً: أنّ أداء الشهادة لا دخل له في ثبوت النكاح أصلاً، وحضور الشاهد

ص: 269

مجلس العقد، وإنْ كان مستحبّاً، ومن تلك الجهة لا بأس بتشبيهه بالإشارة إلى الصيد، وأمّا أداؤها فلا دخل له في النكاح بوجه، بل إنّما هو من وسائط إثباته في مقام النزاع والدّعوى ، فلا دليل على حرمته أصلاً، والإجماع المنقول قد مرّ ما فيه مراراً.

وبالجملة: فالأظهر عدم حرمته.

أقول: وما ذكرناه هو الوجه في الإشكال، من دون حاجة إلى الوجوه التي أشار إليها المصنّف رحمه الله في محكي «القواعد»:

منها: التمسّك بأدلّة حرمة كتمان الشهادة، الدالّة عليوجوبها عندالاحتياج إليها.

ومنها: أنّه يلزم ترتّب مفاسد عظيمة على عدم الشهادة.

ومنها: أنّ أداء الشهادة من قبيل الإخبار لا الإنشاء، والخبر الصادق إذا لم يترتّب عليه ضررٌ لا يحسن تحريمه.

ومنها: أولويّة جواز أداء الشهادة من جواز الرجوع إلى المعتدّة في العدّة الرجعيّة، لأنّه إيجاد للنكاح دون أداء الشهادة.

مع أنّ للمناقشة في أكثر هذه الوجوه مجالاً واسعاً، إذ لو دلّ الدليل على حرمة أداء الشهادة، يوجب ذلك تخصيص أدلّة حرمة كتمانها، ولو بنى على حرمته للدليل إنّما يلتزم به مع عدم ترتّب مفسدة عظيمة على تركه، وإلّا فيحكم بجوازه اتّباعاً لقواعد باب التزاحم، وكون الخبر الصادق لا يحسن تحريمه، غير تامّ بعد عدم علمنا بمناطات الأحكام، وجواز الرجوع إلى معتدّة في العِدّة الرجعيّة، إنّما هو من جهة أنّها زوجة حقيقةً ، وليس الرجوع إيجاداً للنكاح وإلّا لما جاز.

وأيضاً: لا فرق في جواز أدائها بين تحمّلها وهو مُحرِم أو مُحلّ .

ص: 270

نعم، إذا تحمّلها مُحرِماً مع معرفته بحرمة الشهادة، لا يكون قوله حجّة لفسقه، ولكن إذا كان تحمّلها على الوجه الجائز، كما لو أوقعا العقد عنده من دون أن يتمكّن من عدم الحضور، فلا مانع من قبول شهادته، كما أنّه لو تحمّلها على وجه الحرام ولكن تاب بعد ذلك، قُبلت شهادته.

ودعوى : الشيخ في «المبسوط»(1) من أنّه لو تحمّلها مُحرِماً لا يثبت النكاح بأدائها ولو كان مُحلّاً، إمّا لفسقه، أو لأنّ هذا الشهادة شهادةٌ مرغوب عنها شرعاً فلا تعتبر، وإنْ وقعت جهلاً أو سهواً أو اتّفاقاً.

ممنوعة: بأنّ دليله الأوّل قد مرّ ما فيه، وما ادّعاه ثانياً مجرّد دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلّة خلافها، كما صرّح به صاحب «الجواهر» رحمه الله(2).

***3.

ص: 271


1- المبسوط: ج 1/317.
2- جواهر الكلام: ج 18/303.

حكم الخطبة

المسألة السابعة: قال المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1): (يُكره الخِطبة للمُحرِم وخِطبة المُحرِمة، ويكره للمُحرِم أن يخطب للمُحلّين) انتهى .

وفي «الجواهر»(2): (تُكره للمُحرِم الخِطبة كما في «القواعد»(3)، ومحكي «المبسوط»(4) و «الوسيلة»(5) انتهى .

وعن ظاهر أبي عليّ الحُرمة(6)، ومالَ إليها بعض الأعاظم(7) من المعاصرين.

أقول: استدلّ للحرمة بوجوه:

الوجه الأوّل: النبوي: «لا يَنكح المُحرِم ولا يُنكح ولا يشهد ولا يَخطب»(8).

وفيه: أنّه وإنْ كانت دلالته تامّة، ولا يُصغى إلى ما قيل من إنّ الجملة الخبريّة لا تدلّ على اللّزوم، أو إنّه يحتمل أن يكون بصيغة المجهول، أي لا يطلب الغير للخِطبة، لأنّ الجملة الخبريّة أصرح في اللّزوم من الأمر والنهي، وكونه بصيغة المجهول خلافُ السياق، فإنّ بقيّة الجمل بصيغة المعلوم، إلّاأنّه ضعيفُ السند، واستناد الأصحاب إليه بالنسبة إليسائر جُمله غير ثابت، لو لم يكن ثابت الخلاف.

ص: 272


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/385.
2- جواهر الكلام: ج 18/316.
3- قواعد الأحكام: ج 1/422.
4- المبسوط: ج 1/318.
5- الوسيلة: ص 164.
6- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 18/316.
7- كتاب الحَجّ للسيّد الخوئي: ج 4/116.
8- سنن البيهقي: ج 5/65، الفصول المختارة ص 197 وليس فيهما (ولا يشهد).

مع أنّه لو سُلّم استنادهم إليه، فهو بالنسبة الى تلك الجمل دون هذه الجملة التي لم يفتِ المشهور على طبقها، ولا مانع من جبر ضعف الخبر بالنسبة إلى بعضه، وعدم جبره بالنسبة إلى الآخر بعد انحلاله إلى أخبار عديدة.

الوجه الثاني: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المُحرِم لا يَنكح ولا يُنكح ولا يَشهد ولا يَخطب، فإن نَكح فنكاحه باطل»(1).

أقول: وهذا الخبر وإنْ لم يكن بمرتبة النبويّ في الضعف، فإنّ الحسن قيل من أصحاب الإجماع، والرّاوي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى الذي كان يُخرج من قُمّ من كان يروي عن الضعفاء، ولا يحتمل في حقّه أن يروي عن الضعيف ولو مع الواسطة، وروايته في «التهذيب» بدون جملة (ولا يخطب) لا تضرّ بعد فرض أنّ الكليني أضبط من الشيخ، وثبوت قاعدة البناء على زائدٍ لو دار الأمر في الخبر بين الزيادة والنقصان، ولكن إعراض الأصحاب عنه، وعدم إفتائهم بحرمة الخِطبة، يوجب وهنه وضعفه فلا يُعتمد عليه.

الوجه الثالث: ما في مرسل الأخير: «يجوزُ للمُحرِم أن يشير بصيدٍ على مُحلّ »، فإنّه كما عرفت يدلّ على حرمة كلّ ما له دخلٌ في النكاح، والخِطبة دخلية في النكاح كدخل الإشارة في الصيد، فلا تجوز.

وفيه: ما تقدّم عدم ثبوت استناد الأصحاب إلى ذلك المرسل، سيّما ذيله، فضعفه لا جابر له، فإذاً لا دليل على الحرمة.

واستدلّ للكراهة:2.

ص: 273


1- الكافي: ج 4/372 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/438 ح 16712.

1 - بالنصوص المتقدّمة، بدعوى أنّها لضعفها لا تصلح مدركاً للحرمة، لكنها تصلح مدركاً للكراهة، ولو بواسطة قاعدة التسامح في أدلّة الأحكام غير الإلزاميّة.

2 - و بما قاله صاحب «التذكرة»(1): (لأنّه تسبّب إلى الحرام فكان مكروهاً كالصرف).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ قاعده التسامح الثابتة بأخبار من بلغ، مختصّة بالمستحبّات، ولا مورد لها في المكروهات.

ويرد على الثاني: أنّه لا يخرج عن القياس، لأنّه إنْ اُريد إثبات الكراهة قياساً بكراهة الصرف الدّاعي إلى الرّبا، كان تخرّصاً بالغيب، يما إذا كان المراد إثباتها بما ذكر العلّة.

فتحصّل: أنّه لا دليل على الحرمة ولا الكراهة، فالأظهر بحسب الأدلّة جوازها من غير كراهة، ولكن الاحتياط بتركها لا ينبغي تركه.

***5.

ص: 274


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/385.

والإستمناء.

حُرمة الإستمناء

(و) المحرّم الثالث: (الاستمناء) باليد أو الملاعبة أو غيرهما، (بلا خلافٍ أجده فيه) كما في «الجواهر»(1)، و (بلا خلافٍ على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر) كما في «الرياض»(2)، و (بلا ريبٍ ) كما في محكي «المدارك»(3)، بل بلا خلافٍ .

أقول: والنصوص المربوطة بالمقام طوائف:

الطائفة الاُولى : ما ظاهره الحرمة من ناحية الإحرام:

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يعبث بأهله وهو مُحرِم حتّى يمنى من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الذي يُجامع»(4).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام: «قلت: ما تقولُ في مُحرِم عبث بذَكَره فأمنى؟ قال عليه السلام أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو مُحرِم بدنة، والحَجّ من قابل»(5).

وهذان الخبران وإن اختصّا بالعَبَث بالأهل وباليد، إلّاأنّ الظاهر تماميّة ما

ص: 275


1- جواهر الكلام: ج 18/307.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/297.
3- مدارك الأحكام: ج 7/314.
4- وسائل الشيعة: ج 13/131 ح 17408.
5- الكافي: ج 4/376 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/132 ح 17409.

أفاده في «الجواهر» بقوله: (بل الظاهر عدم الفرق بين أسبابه من الملاعبة والتخيّل والخضخضة وغير ذلك كما صرّح به غير واحدٍ، حتّى السيّد في «الجُمل») انتهى .

الطائفة الثانية: ما ظاهره عدم الحرمة من هذه الجهة:

منها: صحيح البزنطي، عن سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المُحرِم تُنعت له مرأة الجميلة الخلقة فيمنى ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء»(1).

ومنها: ما رواه البزنطي، عن بعض أصحابنا، عنه عليه السلام: «في مُحرِم استمع على رجلٍ يُجامع أهله فأمنى؟ قال عليه السلام: وليس عليه شيء»(2).

ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على الفرق بين صدور فعل خارجي منه فيحرم، وعدمه فلا يحرم:

منها: خبر «دعائم الإسلام»، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: «المُحرِم يحدّث نفسه بالشهوة من النساء فيمني ؟

قال عليه السلام لا شيء عليه. قال: فإن عَبَث بذَكَره فأنعظّ فأمنى؟ قال: هذا عليه مثل ما على من وطأ»(3).

وقد يقال: إنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على ما تضمّنته الطائفة الأخيرة، فإنّها أخصّ منهما، بل الطائفة الاُولى بنفسها مختصّة بما إذا صدر من المُحرِم فعل خارجي كالعبث بذكره أو بزوجته، والطائفة الثانية مختصّة بما إذا لم4.

ص: 276


1- الكافي: ج 4/377 ح 12، وسائل الشيعة: ج 13/141 ح 17430.
2- الكافي: ج 4/377 ح 11، وسائل الشيعة: ج 13/141 ح 17431.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 9/292 ح 10935-1، دعائم الإسلام: ج 1/304.

يصدر منه فعل خارجي، بل كان مجرّد الاستماع.

ولكن يرد عليه: أنّ خبر «دعائم الإسلام» ضعيف لإرساله، ولعدم ثبوت وثاقة مؤلّف هذا الكتاب.

وأمّا الطائفة الاُولى وإنْ اختصّت بالعَبَث بالذَكَر والأهل، إلّاأنّ الأصحاب فهموا منها التمثيل لكلّ ما يستدعي به خروج المني، ولذا التزموا به في التخيّل وحديث النفس بالشهوة من النساء أيضاً، وعليذلك فهذا الجمع لايكون جمعاًعرفيّاً.

والحقّ أن يقال: إنّ الجمع يقتضي البناء على أنّه لو قصد بما أوجبَ خروج المني من الفعل الخارجي أو النفساني كان حراماً، ولو لم يقصد وسبقه المني لا يكون كذلك، وشاهد هذا الجمع أنّ استماع نعت الجميلة، ومجامعة الرّجل أهله بنفسه، ليسا من أسباب خروج المني عادةً ، فنزول المني كان اتّفاقيّاً وعن غير قصدٍ، بخلاف العَبَث بالأهل أو الذَكَر، فإنّه من الأسباب العاديّة المتعارفة، وعليه فالنصوص الأولى مختصّة بما إذا قَصَد خروج المني، والثانية مختصّة بما إذا لم يقصد وسبقه المني، ولكن بما أنّ خروج المني بعد الاستماع لا يكون دفعيّاً ومن غير سبق توجّه الإنسان به، فأول الاستماع إنْ لم يكن قاصداً لخروجه، لكن في آخره لا محالة يكون قاصداً له، فمن هذه الجهة لا فرق بين الموردين.

ودعوى : استنتاج التمثيل ممّا ذكر في الطائفة الاُولى، لا تنافي ذلك، فإنّه يتعدّى عن المثالين إلى كلّ فعلٍ خارجي موجب لذلك، فالأصحّ هو الجمع الأوّل، ويؤيّده خبر «دعائم الإسلام».

وأيضاً: يعتبر في الحرمة زائداً على أنْ يقصد بفعل خارجي خروج المني، خروجه منه بالفعل، وإلّا فالمقدّمات من دون أن يترتّب عليها ذلك لا تكون

ص: 277

مشمولة لهذا الحكم.

هذا كلّه من ناحية الإحرام.

وأمّا الاستمناء المُحرّم في نفسه، فهو عامٌّ شاملٌ لجميع الأسباب، أعمّ من كونه بالفعل الخارجي أو غيره.

فرع: في إلحاق استمناء المُحرِمة باستمناء المُحرِم ؟ وجهان تقدّما في نظائره، ولعلّ الأصحّ الإلحاق.

***

ص: 278

والطيب.

حرمة الطيب

(و) المحرّم الرابع: (الطيب) بلا خلافٍ فيه في الجملة.

وفي «الجواهر»(1): (إجماعاً في الجملة بين المسلمين، فضلاً عن المؤمنين) انتهى .

وفي «المستند»(2): (إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً) انتهى .

وفي «المنتهى»(3): (الطيب حرامٌ على المُحرِم، وهو قول علماء الإسلام).

وفي «التذكرة»(4): (يحرم على المُحرِم الرّجل والمرأة الطيب أكلاً وشمّاً وإطلاءً بإجماع علماء الأمصار) انتهى .

أقول: اختلف الأصحاب في الطيب المُحرّم عليهما على أقوال:

القول الأوّل: ما عن المفيد(5) والصدوق في «المقنع»(6) والسيّد(7) والحلبي(8)والحِلّي(9) وظاهر الإسكافي(10) والعُمّاني(11) والشيخ في «المبسوط»(12) والمحقّق(13)

ص: 279


1- جواهر الكلام: ج 18/317.
2- مستند الشيعة: ج 11/367.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/303.
5- المقنعة: ص 432.
6- المقنع: ص 72.
7- جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3/66.
8- الكافي: ص 202.
9- السرائر: ج 1/542.
10- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/69.
11- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/69.
12- المبسوط: ج 1/319.
13- شرائع الإسلام: ج 1/184.

والمصنّف(1) في أكثر كتبه منها: المتن، وجُملةٌ من متأخّري المتأخّرين بل أكثرهم، من التعميم بالنسبة إلى كلّ طيبٍ عدا ما سيأتي استثناؤه.

القول الثاني: ما عن «الخلاف»(2) و «النهاية»(3) و «الوسيلة»(4) من أنّه إنّما يحرم المِسْك والعنبر والزعفران والوَرَس والعود والكافور، بل عن «الخلاف» دعوى الإجماع عليه(5).

القول الثالث: ما عن «الجُمل والعقود»(6)، و «المهذّب»(7)، و «الإصباح»(8)، و «الإشارة»(9) من حصره في خمسة بإسقاط الوَرَس، وعن «الغُنية»(10) نفي الخلاف عن حرمتها.

القول الرابع: ما عن الصدوق في «المقنع»(11) أيضاً، و «التهذيب»(12)و «الجامع»(13) و «الذخيرة»(14) و «الكفاية»(15) من الاقتصار على أربعة: المِسْك9.

ص: 280


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/784، مختلف الشيعة: ج 4/69-70، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/226.
2- الخلاف: ج 2/302.
3- النهاية: ص 219.
4- الوسيلة: ص 162.
5- الخلاف: ج 2/303.
6- الجمل والعقود: ص 228.
7- المهذّب: ج 1/220.
8- إصباح الشيعة: ص 153.
9- الإشارة: ص 157.
10- غنية النزوع: ص 160.
11- المقنع: ص 231.
12- تهذيب الأحكام: ج 5/299.
13- الجامع للشرايع: ص 183.
14- ذخيرة المعاد: ج 3/590.
15- كفاية الأحكام ص 59.

الزّعفران والعنبر والوَرَس.

وعن «الإرشاد»(1) وجمع من متأخّري المتأخّرين: التردّدفي التعميم أو التخصيص.

أقول: ثمّ إنّ في المقام نزاعين آخرين:

أحدهما: في موضوع الطيب على القول بالتعميم.

ثانيهما: في متعلّق الحكم، وأنّ المُحرّم هو الشمّ والأكل، أو هما مع الإطلاء، أو كلّ فعلٍ متعلّق به.

بل نزاع ثالث وهو في موارد الإستثناء.

فالكلام في موارد:

الأوّل: في الحكم وأنّه مطلق، أو مختصٌّ ببعض الأنواع.

الثاني: في الموضوع.

الثالث: في المتعلّق.

الرابع: في ما استثني.

***7.

ص: 281


1- أرشاد الأذهان: ج 1/317.

في حكم الطيب

المورد الأوّل: وقد مرَّ أنّ فيه أقوالاً، ومنشأ الاختلاف النصوص، فإنّها على طوائف:

الطائفة الاُولى : ما يدلّ على التعميم:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «لا تمسّ شيئاً من الطيب، ولا من الدهن في إحرامك، واتّق الطيب في طعامك، وأمسك على أنفك من الرائحة الطيّبة، ولا تُمسك عليه من الرائحة المنتنة، فإنّه لا ينبغي للمُحرِم أن يتلذّذ بريحٍ طيّبة»(1).

ومنها: مرسل حريز، عنه عليه السلام: «لا يمسُّ المُحرِم شيئاً من الطيب، ولا الريحان، ولا يتلذّذ به ولا بريحٍ طيّبة، فمن ابتلى بذلك فَليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته»(2).

ومثله صحيحه، إلّاأنّه ليس فيه: (ولا بريح طيّبة)، وبدل قوله عليه السلام: (قدر سعته) ورد (بقدر شبعه)(3)، يعني من الطعام.

ومنها: صحيح الحلبي ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المُحرِم يمسك على أنفه من الرّيح الطيّبة، ولا يَمسك على أنفه من الريح الخبيثة»(4).

ومثله صحيح الحلبي(5) إلّاأن فيه بدل قوله عليه السلام: (الريح الخبيثة)، قوله: (الريح

ص: 282


1- الكافي: ج 4/353 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16728.
2- الكافي: ج 4/353 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16729.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/297 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/445 ح 16734.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/352 ح 2670، وسائل الشيعة: ج 12/452 ح 16758.
5- الكافي: ج 4/354 ح 4.

المنتنة)، ومثله صحيح هشام(1).

ومنها: موثّق الساباطي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المُحرِم يأكل الأُترج ؟ قال: نعم. قلت: له رائحة طيّبة ؟ قال: الأُترج طعام ليس هو من الطيب»(2).

فإنّه يدلّ بالتعليل على أنّه لو كان طِيباً لحكم بالإجتناب عنه.

ومثله في وجه الدلالة صحيح ابن سنان، عن إمامنا الصادق عليه السلام:

«عن الحنّاء؟ فقال: إنّ المُحرِم ليمسّه ويداوي به بغيره وما هو بطيب، وما به بأس»(3).

ومنها: صحيح عبداللّه بن سنان، عنه عليه السلام: «لا تمسّ ريحاناً وأنتَ مُحرم، ولا شيئاً فيه زعفران، ولا تطعم طعاماً فيه زعفران»(4). ونحوها غيرها.

وأورد على الاستدلال بها بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن «الذخيرة»(5)، قال: (ولا يخفى أنّ دلالة هذه الأخبار على التحريم غير واضحة، والأصل يقتضي حملها على الكراهة، ويناسب ذلك قوله: «لا ينبغي») انتهى .

وفيه: أنّ إنكار دلالتها عليه لعلّه من جهة إنكاره ظهور النهي في التحريم، وقد حُقّق بطلانه، وأمّا كلمة (لا ينبغي) فهي لو لم تكن في الأخبار ظاهرة في الحرمة، لا تكون ظاهرة في خلافها، فلا تصلح قرينةً لرفع اليد عن ظهور الأخبار في الحرمة ووجوب الترك.1.

ص: 283


1- الكافي: ج 4/354 ح 5.
2- الكافي: ج 4/356 ح 17، وسائل الشيعة: ج 12/455 ح 16766.
3- الكافي: ج 4/356 ح 18، وسائل الشيعة: ج 12/451 ح 16756.
4- الكافي: ج 4/355 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16726.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/591.

الوجه الثاني: ما قاله صاحب «المستند»(1) من: (إنّ جملةً من النصوص لتضمّنها للجملة الخبريّة أو لما يحتملها، ليست دالّة على التحريم، وكذا طائفة أُخرى متضمّنة للفظ (لا ينبغي) وما تضمّن التعليل المذكور، يمكن أن يكون لنفي الكراهة).

وفيه أوّلاً: اعترافه بأنّه يبقى طائفة قليلة منها دالّة على المطلوب وهي كافية.

وثانياً: أنّ الجملة الخبريّة أصرح في اللّزوم من الأمر والنهي.

الوجه الثالث: إنّ صحيح حريز المتقدّم مشتملٌ على الريحان، وحيث إنّه مكروه، فالنهي المتعلّق به وبالطيب محمولٌ على الكراهة.

وفيه أوّلاً: أنّ لفظ (لا) الذي صَدّر به الريحان لا ناهية لا زائدة، وحمله على الكراهة لا يستلزم حمل النهي عن الطيب عليها.

وثانياً: ما أشرنا إليه مراراً من أنّه لو نهى الشارع عن أشياء ثمّ رخَّص في فعل بعضها، ولم يُرخّص في فعل الآخر، حُكم بحرمة ما لم يرخّص في فعله خاصّة، فالنصوص سنداً ودلالةً تامّة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على الانحصار بأربعة:

منها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام المتضمّن صدره لما تقدّم منه في الطائفة الاُولى ، لكن ورد في ذيله قوله عليه السلام:

«واتّق الطيب في زادك، فمن ابتلى بشيءٍ من ذلك فليعُد غُسله، وليتصدّق بصدقة بقدر ما صنع، وإنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المِسْك والعَنبر والوَرَس والزعفران، غير أنّه يكره للمُحرِم الأدهان الطيّبة إلّاالمضطرّ إلى الزيت2.

ص: 284


1- مستند الشيعة: ج 11/372.

أو شبهه يتداوى به»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «إنّما يحرمُ عليك من الطيب أربعة أشياء: المِسك والعنبر والزعفران والوَرَس، غير أنّه يكره للمُحرِم الأدهان الطيّبة الريح»(2).

ومنها: خبر عبد الغفّار، قال: «سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: الطيب: المسكُ والعنبرُ والزعفران والوَرَس»(3).

ومنها: مرسل الصدوق، قال الصادق عليه السلام: «يُكره من الطيب أربعة أشياء للمُحرِم: المِسك والعنبر والزعفران والوَرَس، وكان يكره من الأدهان الطيّبة الريح»(4).

الطائفة الثالثة: ما تضمّن المنع عن أربعة، إلّاأنّه بدل (الوَرَس) في النصوص السابقة ورد اسم (العود):

منها: صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «الطيب والمِسْك والعنبر والزعفران والعود»(5).

الطائفة الرابعة: ما تضمّن منع تجهيز الميّت المُحرِم بالكافور، حيث تدلّ على منع الحَيّ منه بالأولويّة.

أقول: هذه تمام النصوص، فقد استدلّ القائلون بالتعميم بالطائفة الاُولى ، والقائلون بالقول الأخير بالطائفة الثانية، وبها قيدوا إطلاق الاُولى ، واستدلّ أصحاب القول الثالث بأنّه مقتضى الجمع بين الطائفتين الثانية والثالثة المقيّدين8.

ص: 285


1- تهذيب الأحكام: ج 5/304 ح 37، وسائل الشيعة: ج 12/444 ح 16731.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/299 ح 11، وسائل الشيعة: ج 12/445 ح 16737.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/299 ح 13، وسائل الشيعة: ج 12/446 ح 16739.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/350 ح 2661، وسائل الشيعة: ج 12/446 ح 16742.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/299 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/446 ح 16738.

لإطلاق الاُولى ، وأمّا أصحاب القول الثاني فقد قالوا إنّ الجمع بين الطوائف الأخيرة، ثمّ تقيّيد الاُولى بها يقتضي ذلك.

أقول: وللقوم في الجمع بين هذه النصوص مسالك:

المسلك الأوّل: ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) وحاصله:

أنّ أخبار الحصر بالأربعة من جهة أنّه لم يعمل بها إلّانادر - حتّى أنّ الشيخ الذي قال به في «التهذيب» قد رجع عنه في «المبسوط» و «الخلاف» - يقتضي الجمع بينها وبين الطائفتين الأخيرتين صرفها عن ظاهرها بالنسبة إلى العود والكافور، فيكون مجازاً بالنسبة إلى ذلك، وحملها على ما هو أغلظ تحريماً، أو المختصّ بالكفّارة من تخصيص العمومات بها، وحملها على الحصر الإضافي، وذلك لأنّ التخصيص وإنْ كان أرجح من المجاز حيثُ ما تعارضا، ولكن إذا لزم المجاز على كلّ تقديرٍ لا ريب في أنّ اختيار فردٍ منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص.

ثمّ أيّد رحمه الله ذلك بكثرة نصوص التعميم، وعمل المشهور بها، واشتمال بعضها على التعليل بأنّه (لا ينبغي للمُحرِم التلذّذ بذلك) المناسب لمعنى الإحرام.

وبما ورد في دعائه من إحرام الأنف وغيره، فيكون الظنّ بها أقوى .

أقول: يرد على ما أفاده قدس سره أُمور:

الأمر الأوّل: أنّ الدليل الظاهر في الحصر، يدلّ بالمنطوق على شيء وبالمفهوم على الآخر، وإذا كان مفهومه مطلقاً وورد عليه قيد يقيّد إطلاق مفهومه، وحيث إنّ التصرّف في المفهوم من دون أن يتصرّف في المنطوق غير ممكن، يقال إنّه يُحمل6.

ص: 286


1- جواهر الكلام: ج 18/326.

الحصر في ذلك الشيء على الحصر الإضافي، بمعنى أنّه يتصرّف في ما ورد عليه الحصر، وإلّا فأداة الحصر باقية على ما هي عليه من المعنى الموضوع له والمستعمل فيه، من دون أن يلزم مجازٌ أصلاً.

وبالجملة: التصرّف إنّما يكون في مدخول الأداة، لا نفس أداة الحصر، ومعلومٌ أنّ التصرّف فيه بإضافة قيدٍ ليس من المجاز بشيء.

المورد الثاني: أنّ الخاصّ مقدّمٌ على العام مطلقاً، من جهة حكومة القرينة على ذي القرينة، ولا وجه لملاحظة النسبة بين العام وخاصّه.

المورد الثالث: لا ينافي شيءٌ من المؤيّدات المذكورة مع تخصيص العام، إذ القرآنُ يخصّص عمومه بخبر الواحد، فضلاً عن النصوص المتواترة أو الكثيرة، والتعليل المشار إليه عام بنفسه قابل للتقييد وكذا الدُّعاء.

المسلك الثاني: أن تحمل نصوص التعميم على الحرمة فقط دون ثبوت الكفّارة، وتُحمل غيرها من الطوائف على ثبوت الكفّارة أيضاً.

وفيه: أنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له.

المسلك الثالث: ما عن «الاستبصار»(1) فإنّ الشيخ رحمه الله بعدما ذكر خبر ابن أبي يعفور من الطائفة الثالثة، وخبر عبد الغفّار من الطائفة الثانية، وأوّلهما بأنّ ذكر هذه الأشياء إنّما وقع تعظيماً لها وتفخيماً، ولم يكن القصد بيان تحليلهما أو تحريمهما - قال:

(إنّ هذين الخبرين ليس فيهما أكثر من الإخبار بأنّ الطيب أربعة أشياء، وليس فيهما ذكر ما يجب اجتنابه على المُحرِم، وأنّه إنّما تأوّلهما لذكر الأصحاب لهما في أبواب ما يجبُ على المُحرِم اجتنابه، وإلّا فلا حاجة إلى تأويلهما.0.

ص: 287


1- الإستبصار: ج 2/180.

وتبعه فيما ذكره أخيراً الفاضل النراقي رحمه الله(1).

ويرد عليه أوّلاً: أنّ الإمام عليه السلام ليس من شأنه بيان الموضوع الخارجي، بلا نظر إلى الحكم، بل واجبه بيان موضوع الحرمة.

وثانياً: أنّ نصوص حرمة الطيب تُثبت الحكم على فرض وجود الطيب، دون أن تتعرّض للموضوع، فإذابيّن الشارع الموضوع، فلامحالة يكون حاكماًو مقدّماً عليها.

وأمّا ما ذكره سيّد «المدارك»(2) تأييداً لذلك بزيادة: (وخَلُوق الكعبة لا بأس به) في آخر خبر عبد الغفّار، فيرد عليه أنّ ذلك ليس في الرواية، وإنّما هو من كلام الشيخ رحمه الله.

والحقّ أن يقال: إنّ ما دلّ على منع الميت من الكافور، لا يصحّ الاستدلال به في المقام، لعدم ثبوت الأولويّة، وأمّا الطائفة الثانية والثالثة فهما وإنْ كانتا متعارضتين في بادئ النظر، من جهة ورود كلّ منهما في مقام تحديد موضوع التحريم، إلّاأنّ الجمع بينهما إنّما يكون بتقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الاُخرى .

فالنتيجة: كون الموضوع هو الخمسة لا الأربعة، ونسبتهما مع الطائفة الاُولى نسبة الخاصّ والمقيّد، مع العام والمطلق، فيقيّد إطلاقها بهما، فتكون النتيجة اختصاص الحرمة بالخمسة.

تنبيهات:

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور يتّضح بها جهات البحث في المقام:

التنبيه الأوّل: أنّ استعمال غير الخمسة المتقدّمة من أنواع الطيب يكون

ص: 288


1- مستند الشيعة: ج 11/372-373.
2- مدارك الأحكام: ج 7/321.

مكروهاً لقوله في صدر صحيح معاوية المتقدّم المشتمل على حصر المُحرِم في الأربعة: (لا ينبغي للمُحرِم أن يتلذّذ بريحٍ طيّبة... إلى آخره) ونحوه غيره.

التنبيه الثاني: لا فرق في حرمة الطيب على المُحرِم بين إحداثه بعد الإحرام واستدامته، فكما يحرم عليه بعد الإحرام التطيّب، كذلك يحرم عليه إبقاءه حين إنشاء الإحرام إذا تطيّبت به قبله، بلا خلافٍ يُعرف كما في «المستند»(1)، ويشهد به:

1 - خبرحمّادبن عثمان، قال: «قلتُلأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي جعلتُثوبَي إحرامي مع أثواب قد جُمّرت فأخذ من ريحها؟ قال عليه السلام: فانشرها في الريح حتّى يذهب ريحها»(2).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «لا تدهن حين تريد أن تُحرِم بدُهنٍ فيه مسك ولا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعدماتحرم(3). الحديث»، ونحوهماغيرهما.

التنبيه الثالث: لا فرق في حرمة الطيب بعد الإحرام بين الحدوث والبقاء، فإذا تطيّب بعد الإحرام، أو تلطّخ ثوبه به في حال النوم مثلاً، وجب عليه إزالته كما صرّح به غير واحدٍمنهم المصنّف رحمه الله، ويشهد به خبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المُحرِم يمسّ الطيب وهو نائم لايعلم ؟ قال عليه السلام: يغسله، وليس عليه شيء.

وعن المُحرِم يدهنه الحلال بالدّهن الطيب والمُحرِم لا يعلم ما عليه ؟ قال عليه السلام: يغسله أيضاً وليحذر»(4) ونحوه غيره.

فرع: وهل يجوز أن يزيله بيده وبمباشرته، كماعن «التهذيب»(5) و «التحرير»(6)؟1.

ص: 289


1- مستند الشيعة: ج 11/374.
2- الكافي: ج 4/356 ح 19، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16727.
3- الكافي: ج 4/329 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/458 ح 16773.
4- الكافي: ج 4/355 ح 15، وسائل الشيعة: ج 12/450 ح 16755.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/299.
6- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/121.

أم يأمر الحلال بغَسله، أو يغسله بآلةٍ كما عن «الدروس»(1)؟ وجهان:

استدلّ للثاني: بحرمة مسّ الطيب بنفسه، وإنْ أزاله بيده لزم منه المسّ المُحرِم فلا يجوز.

وأُورد عليه: بأنّ المسّ وإنْ كان حراماً، إلّاأنّه إذا توقّف الواجب أو ترك الحرام والتخلّص منه عليه، صار جائزاً، ألا ترى أنّ الخروج عن الدار الغصبي برغم أنّه تصرّفٌ في مال الغير وحرام بنفسه، ولكن حيث يتوقّف عليه التخلّص عن البقاء في الدار يكون جائزاً، فكذلك في المقام.

والجواب: أنّه إنْ تَمّ فإنّما هو في صورة الانحصار، وأمّا مع التمكّن من إتيان الواجب والتخلّص من الحرام بطريق آخر مباح لا يصبح الحرام جائزاً.

وبعبارة اُخرى: الحرام الذي يكون مقدمة لواجب إذا جاز، فإنّما هو في صورة التوقّف، وأمّا مع إمكان إتيان الواجب بنحوٍ لا يرتكب الحرام، فلا إشكال في عدم الجواز.

أقول: وعليه فالحقّ أن يُستدلّ للجواز بالنصوص الخاصّة:

منها: خبر إسحاق المتقدّم.

ومنها: مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام: «في مُحرِمٍ أصابه طيب ؟ فقال عليه السلام: لا بأس أن يمسحه بيده أو يغسله»(2).

ونحوه مرسله الآخر عن الإمام الصادق عليه السلام(3) ونحوها غيرها.4.

ص: 290


1- الدروس: ج 1/374.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/299 ح 15، وسائل الشيعة: ج 12/450 ح 16753.
3- الكافي: ج 4/354 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/450 ح 16754.

أقول: وأورد عليها:

تارةً : بضعف السند.

واُخرى : بأنّ جملةً من النصوص الصحيحة دلّت على حرمة المسّ ، والأصحاب عملوا بها، ولا يمكن رفع اليد عنها بهذه النصوص.

ويرد الأوّل: أنّ مرسلات ابن أبي عمير بحكم الروايات الصحيحة، لأنّه لا يُرسل إلّاعن ثقة، كما أنّ بقيّة رجال السند ثُقات.

ويرد الثاني: أنّ هذه النصوص أخصّ منها، فيقيّد إطلاقها بها، فالأظهر هو الجواز.

التنبيه الرابع: إذا توقّف إزالة الطيب على استعمال الماء، وكان عنده ماء يكفي لها أو للوضوء، وقد حَضَر وقت الصلاة:

1 - فهل يجبُ عليه صرفه في الإزالة ويتيمّم للصلاة كما عن الشهيد قدس سره(1) وقوّاه سيّد «المدارك»(2)؟

2 - أو يجب صرفه في الوضوء؟

3 - أم يفصّل بين الوقت وخارجه ؟ ففي الأوّل يصرفه في الوضوء، وفي الثاني في الإزالة كما اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله(3).

4 - أم يتخيّر بينهما؟ وجوه:

قد استدلّ للأوّل: بأنّ من مرجّحات باب التزاحم، أن يكون لأحد الواجبين7.

ص: 291


1- الدروس: ج 1/374.
2- مدارك الأحكام: ج 7/326.
3- الحدائق الناضرة: ج 15/427.

بدلٌ دون الآخر، فإنّه يقدم عند التزاحم ما ليس له بدل، فإنّ به يمتثل كلا التكليفين، أمّا ما قدّمه فواضح، وأمّا الآخر فللإتيان ببدله.

وفيه: أنّ هذا وإنْ كان مشهوراً بين الأصحاب، إلّاأنّه لم يدلّ عليه دليلٌ شرعي ولا عقلي، وما ذُكر في وجه ذلك يرده أنّه يمكن أن يكون لما له البدل خصوصيّة، ولأجلها لا يرضى الشارع بتركها، والانتقال إلى بدله، ويكون ذلك بمرتبةٍ من الأهميّة بحيث يُقدّم على غيره.

واستدلّ للثاني: بأنّ الطيب عند الضرورة لا يجبُ رفعه، ومنها المقام.

وفيه: إنّه إذا وجب صرف ما عنده من الماء في الوضوء تَمّ ذلك، ومع عدم وجوبه لا يتمّ ، كما لا يخفى ، فإثبات الوجوب به دورٌ واضح.

واستدلّ للثالث: بأنّه في الوقت مخاطبٌ بالوضوء، وهو متمكّنٌ منه، والتيمّم مع فرض التمكّن من الوضوء غير مشروع، فيسقط وجوب الإزالة للضرورة، وأمّا في خارج الوقت فهو غير مخاطبٍ بالوضوء، فلا مزاحم لوجوب الإزالة، ممّا يقتضي أن يصبح هو المتعيّن.

ويرد على ما اُفيد أوّلاً: بأنّه لو وجب صرف الماء في الوضوء كان ما ذكر تامّاً، ولكن الكلام في ذلك فإنّه وإنْ كان في الوقت، إلّاأنّه يحتمل أن يكون مأموراً بصرف ما عنده من الماء في الإزالة، فهو فاقد للماء، فيجب عليه التيمّم.

وبعبارة اُخرى : كما يصلح دليل وحوب الوضوء لأنْ يُوجب سقوط دليل وجوب الإزالة، كذلك دليل وجوب الإزالة يصلح لأنْ يوجب سقوط وجوب الوضوء، وانتقال الفرض إلى التيمّم، والكلام إنّما هو في تقديم أحدهما.

وأمّا ما ذكره ثانياً فيرد عليه: أنّ المعروف بين الأصحاب أنّ من يعلم أنّه

ص: 292

لا يتمكّن من الماء بعد دخول الوقت ليتوضّأ به، لا يجوز له استعمال ما عنده من الماء، ويجبُ أن يتوضّأ به قبله، أو يحفظه فيتوضّأ به بعد الوقت، فإذاً لا دليل على تقديم أحدهما على الآخر، فالأظهر هو التخيّير.

التنبيه الخامس: لا اختصاص لهذا الحكم بالرجال، ويعمّ النساء كما مرّ، وعن المصنّف رحمه الله والفاضل النراقي(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: مضافاً إليما تقدّم - تصريح بعض النصوص بذلك، كصحيح النضربن سويد الآتي، عن أبي الحسن عليه السلام في حديثٍ : «أنّ المرأة المُحرِمة لا تمسّ طيباً»(2).

بل الظاهر أنّ أهل العرف لا يشكّون في أنّ المراد بالمُحرِم في النصوص، هو الجامع بين الرّجل والمرأة، وإنّما ذُكّر للتبعيّة، كما لا ينبغي التوقّف في جريان قاعدة الاشتراك في مثل هذه الأحكام التي لا وجه لتوهّم اختصاصها بالرجال.

***0.

ص: 293


1- مستند الشيعة: ج 11/367.
2- وسائل الشيعة: ج 12/444 ح 16730.

بيان ما يحرم من الطيب على المُحرِم

المورد الثاني: وهو في بيان الموضوع، وعن حقيقة الطيب المُحرّم على المُحرِم على القول بالتعميم أو المكروه على ما اخترناه، وبيان مفهومه سعةًوضيقاً.

قال المصنّف في «التذكرة»(1): (الطيب ما تطيب رائحته، ويتّخذ للشمّ كالمِسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد، والأدهان الطيّبة كدُهن البنفسج والوَرَس، والمعتبر أن يكون الغرض منه التطيّب، أو يظهر فيه هذا الغرض) انتهى .

ومثله ما في «المنتهى»(2) إلى قوله (والمعتبر).

قال الشهيد رحمه الله(3): (إنّه كلّ جسمٍ ذي ريح طيّبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة، أو إلى مزاج المستعمل غير أمر الرياحين).

وقريبٌ منه ما عن «المسالك»(4)، واستحسنه سيّد «المدارك»(5) وغيره من الأساطين، فالمستفاد من هذه الكلمات أنّ الريح الطيّبة ليست من الطيب، ويشهد به:

خبر حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يمسّ المُحرِم شيئاً من الطيب، ولا الريحان، ولا يتلذّذ به، ولا بريحٍ طيّبة»(6).

إذ المقابلة آية التعدّد، بل الطيب اسمٌ لما تطيب رائحته، كما أنّ كلّ ما له رائحة

ص: 294


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/304.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
3- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 5/339-340 (ط. ج)، وأيضاً صاحب الجواهر: ج 18/327.
4- مسالك الأفهام: ج 2/252.
5- مدارك الأحكام: ج 7/322.
6- الكافي: ج 4/353 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16729.

طيبة ليس هو الطيب، ويشهد بذلك موثّق الساباطي، عنه عليه السلام:

«عن المُحرِم يأكل الاُترج ؟ قال: نعم. قلت: له رائحةٌ طيّبة ؟ قال عليه السلام: الأُترج طعام ليس هو من الطيب»(1).

ونحوه غيره، بل هو ما يكون الغرض منه التطيّب.

وبعبارة اُخرى: أنّه كلّ ما له رائحةٌ طيّبة هي المقصودة والغرض منه.

وأمّا ما عن «مصباح» الشيخ(2) من استثناء الفاكهة منه، فلا ينافي ذلك، فإنّه قابلٌ للحمل على الاستثناء المنقطع، وبذلك يظهر حال سائر ما استُثنى في كلمات الفقهاء ممّا لا ينطبق عليه التعريف المذكور.

أقول: ثمّ إنّه لا بأس ببيان النبات الطيّب وأحكامه.

اما الأوّل: فعن المصنّف تقسيمه إلى أقسام ثلاثة:

القسم الأوّل: ما لا ينبت للطيب ولا يتّخذ منه كالشيح والقيصوم والخزّامي، والفواكه كلّها من الأُترج والتفاح والسَّفرجل وأشباهها.

القسم الثاني: ما ينبته الآدميّون للطيب، ولا يتّخذ منه طيبٌ كالريحان، المسمّى بالفارسيّة والمرزبخوش، والنرجس.

القسم الثالث: ما يقصد شمّه، ويُتّخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر.

وأمّا أحكام هذه الأقسام:

أمّا القسم الأوّل: فالمشهور عدم حرمته، وعدم تعلّق الكفّارة به، بل الظاهر أنّه المتّفق عليه بينهم، ويشهد به جملة من النصوص:8.

ص: 295


1- الكافي: ج 4/356 ح 17، وسائل الشيعة: ج 12/455 ح 16766.
2- مصباح المتهجّد: ص 678.

منها: موثّق عمّار المتقدّم: (الأُترج طعامٌ ليس هو من الطيب)، وهو بعموم التعليل يدلّ على عدم الحرمة، وعدم ثبوت الكفّارة في بقيّة أفراد هذا القسم.

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنتَ مُحرِم»(1). ونحوهما غيرهما، وبها يرفع اليد عن ظاهر مثل مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«عن التفاح والأُترج والنبق، وما طاب ريحه ؟ فقال: يمسك على شمّه ويأكله»(2). في الوجوب، ويُحمل على الاستحباب.

وأمّا القسم الثاني: فعن الشيخ رحمه الله(3) عدم حرمته، وعدم تعلّق الكفّارة به، وعن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(4) حرمته.

أقول: إنْ صَدَق عليه الريحان، فسيأتي حكمه بعد بيان أحكام هذه الأقسام وإنْ لم يصدق، فالأظهر عدم حرمته، لعدم الدليل، ولمفهوم العلّة في موثّق عمّار، ولصحيح معاوية المتقدّم: (لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنتَ مُحرِم).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المراد بقوله عليه السلام: (وأشباهه) ما يشبهه من نبت البراري - بل عن «المدارك»(5) أنّ المراد به مطلق نبات الصحراء - أو ما هو أخصّ من ذلك، فالعمدة الأصل، ومفهوم العلّة.0.

ص: 296


1- تهذيب الأحكام: ج 5/305 ح 39، وسائل الشيعة: ج 12/453 ح 16761.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/305 ح 40، وسائل الشيعة: ج 12/455 ح 16767.
3- الخلاف: ج 2/303، المبسوط: ج 1/352.
4- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 2/27.
5- مدارك الأحكام: ج 7/380.

نعم، الأظهر كراهته لحسن معاوية المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام: (لا ينبغي للمُحرِم أن يتلذّذ بريحٍ طيّبة).

وأمّا القسم الثالث: فعن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1) و «المنتهى»(2) حرمته، وتعلّق الكفّارة به.

وعن الشيخ رحمه الله(3) عدم الحرمة، وعدم الكفّارة، بل كراهته.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الفدية إنّما تجبُ فيما يتّخذ منه، فكذا في أصله.

ويرد عليه: أنّ ذلك قياسٌ مع الفارق، ألا ترى أنّ الخمر المتّخذ من العنب حرامٌ ، مع أنّ أصله ليس بحرام.

وعليه، فالحقّ أنّه إنْ صدق عليه الريحان، فسيمرّ عليك حكمه، وإلّا فهو جائزٌ للأصل ومفهوم العلّة المتقدّمة في موثّق عمّار، ومثلها في صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الحنّاء؟ قال: إنّ المُحرِم ليمسّه ويداوي به بعيره، وما هو بطيبٍ وما به بأس»(4).

فإنّ مقتضى ذلك جواز كلّ ما ليس بطيبٍ أيضاً، ومنه ذلك.

نعم، يكره ما أفاده الشيخ رحمه الله لحسن معاوية المتقدّم.

حكم الريحان والأدهان الطيّبة

أقول: بقي الكلام في أمرين:

الأوّل: في حكم الريحان.

ص: 297


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/306.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/784.
3- المبسوط: ج 1/352.
4- الكافي: ج 4/356 ح 18، وسائل الشيعة: ج 12/451 ح 16756.

الثاني: في الأدهان الطيّبة.

أمّا الأمر الأوّل: ففيه قولان:

القول الأوّل:

1 - عن جماعةٍ ، منهم المفيد(1) والمصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2) و «المنتهى»(3)و «التحرير»(4) و «المختلف»(5) وغيرها: الحرمة.

القول الثاني: وفي «الشرائع»(6)، وعن الإسكافي(7) و «النهاية»(8) و «الوسيلة»(9)و «النافع»(10) و «القواعد»(11): الكراهة.

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح حريز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لايمسّ المُحرِم شيئاً من الطيب، ولا الريحان، ولا يتلذّذ به»(12).

2 - وصحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «لا تمسّ ريحاناً وأنتَ مُحرِم»(13).3.

ص: 298


1- المقنعة: ص 432.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/303.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
4- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 2/27.
5- مختلف الشيعة: ج 4/71-72.
6- شرائع الإسلام: ج 1/187.
7- حكاه عنه السيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 6/347-348.
8- النهاية: ص 156.
9- الوسيلة: ص 164.
10- المختصر النافع: ص 85.
11- قواعد الأحكام: ج 1/420.
12- تهذيب الأحكام: ج 5/297 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/454 ح 16762.
13- الكافي: ج 4/355 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/454 ح 16763.

3 - ومرسل البرقي، عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المُحرِم يشمّ الريحان ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

أقول: وأورد أصحاب القول الثاني على الاستدلال بهذه النصوص، بأنّه لابدّ من حملها على الكراهة، لصحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزّامي والشيح وأشباهه وأنتَ مُحرِم»(2). فإنّه يدلّ على الجواز مطلقاً لوجهين:

أحدهما: أنّه وإنْ ورد في اُمور مخصوصة، إلّاأنّه بضميمة الإجماع المركّب يثبت الجواز في غيرها.

الثاني: لفظ (وأشباهه).

ولكن يرد على الأوّل: أن الإجماع المركّب غير ثابت، وعلى فرضه ليس تعبّديّاً.

وعلى الثاني: أنّ المراد ب (أشباهه) كما يُحتمل أن يكون ما يُسمّى ريحاناً، كذلك يُحتمل أن يكون أخصّ من ذلك، وهو ما يشبهه من نبت البراري أو مطلق نبات الصحراء، كما عن «المدارك»(3)، فهو مجملٌ ، ففي الزائد على المتيقّن لابدّ من الرجوع إلى إطلاق نصوص الطائفة الاُولى .

وعليه، فالأظهر هو الحرمة إلّاما استُثني.

الريحان: والمراد منه إمّا نبات الصحراء الذي يزرعه الآدمي، كما عن «المدارك»، أو خصوص ما يزرعه الآدمي من نبات الصحراء ممّا له ريح طيّبة، كما0.

ص: 299


1- وسائل الشيعة: ج 12/454 ح 16764، المحاسن: ج 2/318 ح 43.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/305 ح 39، وسائل الشيعة: ج 12/453 ح 16761.
3- مدارك الأحكام: ج 7/380.

عن بعضٍ ، وعن ابن الأثير(1) هو: (كلّ نبتٍ طيّب الريح من أنواع المشموم).

وعن كتابي المطرزي(2): (عندالفقهاء: الريحان ما لساقه رائحة طيّبة، كما لورده، والورد ما لورقه رائحة طيّبة كالياسمين).

وعن «القاموس»(3): (الريحان نبتٌ طيّب الرائحة، أو كلّ نبتٍ كذلك، أو أطرافه أو ورقه وأصله ذو الرائحة).

وعن «العين»(4): (الريحان اسمٌ جامعٌ للرياحين الطيّبة الرِّيح).

وقال أيضاً: (والريحان أطراف كلّ بقلةٍ طيّبة الريح، إذا خرج عليه أوائل النور).

وعليه، فلابدَّ في الحكم من الاقتصار على المتيقّن، وهو كلّ نبتٍ لساقه رائحةٌ طيّبة، كما لورده، ويكون من نبات الصحراء الذي يزرعه الآدمي، ومع فقد أحد هذه القيود صدق الريحان مشكوكاً فيه، ويكون المرجع إلى أصالة البراءة.

وأمّا الأدهان الطيّبة:

فمن جهة الشمّ أو الأكل وما شابه، حكمها حكم سائر أنواع الطيب، وقد تقدّم النزاع في حرمته مطلقاً أو خصوص أنواع منه.

وأمّا من جهة الإدهان: فقد قال المصنّف في «المنتهى »(5): (أجمع علماؤنا على أنّه يحرم الإدهان في حال الإحرام بالأدهان الطيّبة؛ كدُهن الورد والبان والزيبق، وهو قول عامّة أهل العلم ويجب به الفدية إجماعاً).7.

ص: 300


1- النهاية في غريب الحديث (لابن الأثير): ج 2/288.
2- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 18/435.
3- القاموس المحيط: ج 1/224.
4- كتاب العين: ج 3/294.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/787.

أقول: والنصوص فيها مختلفة:

منها: ما تضمّن النهي عن الأدهان مطلقاً، مثل:

1 - صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تمسّ شيئاً من الطيب، ولا من الدهن في إحرامك»(1). ونحوه صحيحه الآخر(2).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «لا تدهن حين تريد أن تُحرم، إلى أن قال - فإذا أحرمت فقد حَرُم عليك الدهن حتّى تحلّ »(3).

ومنها: ما يدلّ على الجواز كذلك، مثل:

1 - خبر محمّد بن مسلم، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: لا بأس بأن يدهن الرّجل قبل أن يغتسل للإحرام وبعده»(4).

2 - وصحيح هشام، قال له ابن أبي يعفور: «ما تقولُ في دهنه بعد الغُسل للإحرام ؟ فقال: قبل وبعدُ ومع ليس به بأس. قال: ثمّ دعا بقارورةٍ بان سليخة، ليس فيها شيء، فأمرنا فادّهنا منها»(5).

ومنها: ما يدلّ على المنع بالدّهن الطيّب، مثل:

1 - مرسل الصدوق، قال الصادق عليه السلام: «يكره من الطيب أربعة أشياء للمُحرِم:

المِسْك والعنبر والزعفران والوَرَس، وكان يكره من الأدهان الطيّبة الريح»(6).2.

ص: 301


1- تهذيب الأحكام: ج 5/297 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/444 ح 16732.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/304 ح 37، وسائل الشيعة: ج 12/444 ح 16731.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/303 ح 30، وسائل الشيعة: ج 12/458 ح 16773.
4- الكافي: ج 4/329 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/460 ح 16779.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/303 ح 32، وسائل الشيعة: ج 12/461 ح 16782.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 2/350 ح 2661، وسائل الشيعة: ج 12/446 ح 16742.

وحيث إنّ الصدوق ينسب الخبر إلى المعصوم جزماً، فمرسله حجّة كما مرّ، والكراهة في الأخبار تُستعمل في الحرمة كثيراً ومنها المقام بقرينة الصدر.

2 - وصحيح معاوية، عن أبي عبداللّه عليه السلام حيث قال بعد تحريم الأنواع الأربعة من الطيب: «غير أنّه يكره للمُحرِم الأدهان الطيّبة»(1). ونحوهما غيرهما.

أقول: والجمع بين النصوص، يقتضي تقيّيد إطلاق الأولتين بالأخيرة، فتختصّ الحرمة بالأدهان الطيّبة الريح.

***7.

ص: 302


1- تهذيب الأحكام: ج 5/299 ح 11، وسائل الشيعة: ج 12/445 ح 16737.

بحثٌ حول الطيب

وأمّا المورد الثالث: فيدور البحث فيه عن متعلّق الحرمة في الطيب، فإنّه لا خلاف في حرمة شَمّ الطيب وأكله وإطلاء البدن والثوب به.

وفي «التذكرة»(1): (يحرمُ على المُحرِم الرَّجل والمرأة الطيب، أكلا وشمّاً وإطلاءً ، بإجماع علماء الأمصار) انتهى .

يشهد بالأوّل: صحاح ابن عمّار المتقدّمة.

وبالثاني: صحيح زرارة المتقدّم، وخبر حنّان بن سُدير، عن أبيه، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «ولا يُطعم شيئاً من الطيب»(2). ونحوهما غيرهما.

وبالثالث: خبر الحسن بن زياد، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت له: الأشنان فيه الطيب، فأغسل به يدي وأنا مُحرِم ؟ قال: إذا أردتم الإحرام، فانظروا مزاودكم فاعزلوا ما لا تحتاجون إليه.

وقال: تصدّق بشيءٍ كفّارةً للأشنان الذي غَسَلت به يدك»(3). ونحوه خبره الآخر.

وبالرابع: ما تقدّم من النصوص الدالّة على وجوب غَسل الثوب إذا أصابه الطيب، في مسألة عدم الفرق في حرمة التطيّب بين الأحداث بعد الإحرام واستدامته، كما أنّه عرفت في تلك المسألة أنّ المسّ أيضاً حرامٌ ، فراجع(4). ويشهد به أكثر نصوص الباب.

ص: 303


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/303.
2- الكافي: ج 4/355 ح 10، وسائل الشيعة: ج 12/442 ح 16725.
3- الكافي: ج 4/354 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/456 ح 16769.
4- صفحة 289 من هذا المجلّد.

فرع: وهل يحرم الاستعمالات الاُخر كما قيل، بل يظهر من «المستند»(1) دعوى بعض الإجماع عليه، ولذا قال قدس سره: (فإن ثبتَ فيها إجماعٌ ...) أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بقوله عليه السلام في صحيح ابن عمّار المتقدّم:

«وإنّما يحرمُ عليك من الطيب أربعة: المِسْك والعنبر والزعفران والوَرَس» بدعوى أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، فيدلّ على حرمة كلّ فعلٍ متعلّقٍ بالطيب، حتّى الإمساك عليه واقتنائه في مزوده، ويؤيّده قوله عليه السلام في صدره: (واتّق الطيب في زادك).

والإيراد عليه: بأنّ الاستعمال هو الأثر الظاهر، فالكلام ظاهرٌ في إرادته، والاستعمال لا يصدق على اقتنائه وبيعه وشرائه.

في غير محلّه: لأنّه لا وجه لتقيّيده بالأثر الظاهر، بعد ظهور حذف المتعلّق في إرادة العموم.

أقول: لكن الذي يختلج في البال أنّ صدر الصحيح متضمّنٌ لبيان حرمة أفعال، وظاهر الذيل - ولا أقلّ من محتمله - وروده في مقام بيان موضوع التحريم، ولا إطلاق له من جهة المتعلّق، وعليه فلا إطلاق، فإنْ ثبت إجماعٌ أو استلزم الاستشمام لم يجز، وإلّا فالأصل جوازه.

***7.

ص: 304


1- مستند الشيعة: ج 11/376-377.

عدم حرمة خَلُوق الكعبة وزعفرانها على المُحرِم

وأمّا المورد الرابع: البحث فيه عن موارد استثناء حرمة الطيب، وهي عدّة اُمور:

الأمر الأوّل: خَلُوق الكعبة - وهو على ما عن «نهاية» الحريري و «منهاج» ابن جزلة المتطبّب، وجُملة اُخرى من كتب اللّغة(1) والفقه(2): (ضَرْبٌ من الطيب معروفٌ مركّبٌ من الزعفران وغيره) - لا خلاف في استثنائه، وادّعى المصنّف رحمه الله الإجماع عليه، والنصوص شاهدة به:

منها: صحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن خَلُوق الكعبة يُصيب ثوب المُحرِم ؟ قال عليه السلام لا بأس، ولا يغسله فإنّه طهور»(3).

ومنها: صحيح حمّاد بن عثمان، عنه عليه السلام: «عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام ؟ فقال عليه السلام: لا بأس بهما هما طهوران»(4).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وهذه النصوص غاية ما تدلّ عليه، أنّه لا يجبُ غَسل الثوب منه، وأنّ الثوب المتلطّخ به لا بأس بإمساكه والتصرّف فيه، وبالملازمة بين ذلك والشمّ تدلّ على جواز شمّه، وأمّا سائر التصرّفات كالأكل منه وتطيّيب البدن به وما شاكل، فلا تدلّ على جوازها، ففي تلك التصرّفات لابدّ من الرجوع إلى إطلاقات الأدلّة،

ص: 305


1- القاموس المحيط: ج 3/229، مجمع البحرين: ج 1/693.
2- ذخيرة المعاد: ج 3/592، كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/349، الحدائق الناضرة: ج 15/422، مدارك الأحكام: ج 7/324 وغيرها.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/96 ح 33، وسائل الشيعة: ج 12/449 ح 16747.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/299 ح 14، وسائل الشيعة: ج 12/449 ح 16749.

ومقتضاها أنّه إنْ كان الخَلُوق بنظر العرف طيباً خاصّاً في مقابل الزعفران، ولا يصدق عليه أنّه زعفران وغيره، جاز جميع الاستعمالات التي تقدّم من انحصار التحريم بالأنواع الخمسة، وليس الخلوق منها، وإنْ صدق عليه الزعفران وغيره، لم تجز وهو واضح.

وهل يتعدّى عن خَلُوق الكعبة إلى غيره ممّا يتطيّب به الكعبة كما عن الشيخ(1) والمصنّف(2)؟

أم لا، كما عن الشهيد الثاني(3)؟

وجهان أظهرهما الثاني، إذ النصوص مختصّة به، فالتعدّي يحتاج إلى دليلٍ ، وهو مفقود، أو العلم بالمناط وليس بموجود.

والاستدلال له بما يدلّ على جواز شَمّ الرائحة الطيّبة بين الصفا والمروة، بتقريب: أنّ ريح الكعبة أولى بجواز الشمّ كما في «الحدائق»(4) لايخرج عن القياس، كما أنّ النصوص مختصّة بخلوق الكعبة، وهو إنّما يكون بعد استعمال الخلوق بالكعبة، وأمّا قبله فلا دليل على خروجه عن تحت أدلّة المنع، والعلم بعدم الخصوصيّة كما ترى .

وقد مرّ صحيح حمّاد، ولاحظت دلالته على استثناء خَلُوق القبر أيضاً، وهو المعروف بين الأصحاب.

وهل المراد به قبور الأعاظم التي صارت مزاراً، أو مطلق قبور الكعبة2.

ص: 306


1- النهاية: ص 217.
2- قواعد الأحكام: ج 1/471، منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/813، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 8/11.
3- مسالك الأفهام: ج 2/254.
4- الحدائق الناضرة: ج 15/422.

وما حولها، أو مطلق القبور؟ وجوهٌ ، خيرها أوسطها.

وعن «التهذيب»(1) و «النهاية»(2) و «السرائر»(3) و «التحرير»(4) و «التذكرة»(5):

إلحاق زعفران الكعبة بخَلُوقها، ويشهد به: صحيح يعقوب بن شُعيب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: المُحرِم يُصيب ثيابه الزعفران من الكعبة ؟ قال: لا يضرّه ولا يغسله»(6). ونحوه غيره.

الأمرالثاني: طيب العطّارين بين الصّفاو المروة، والظاهرأنّه لاخلاف في استثنائه.

ويدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول:

لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين الصفا والمروه من ريح العطّارين، ولا يُمسك على أنفه»(7).

ومقتضى إطلاقه جواز الشمّ ، وعدم وجوب الإمساك على الأنف، سواءٌ أكان المرور للسعي أو لغيره، بل كان حين المرور أو حين الجلوس، كما أنّ مقتضى إطلاقه جواز تعمّد الشمّ ، ولا اختصاص له بالشمّ القهري، فلو تعمّد الشمّ من قارورة العطّار جاز.

التطيّب حال الإضطرار

الأمر الثالث: إذا اضطرّ المُحرِم إلى أكل الطيب، أو إلى مسّه والتداوي به جاز بلا خلافٍ ، فيقع الكلام:

تارةً : فيما تقتضيه القواعد.

ص: 307


1- تهذيب الأحكام: ج 5/69 في ذيل ح 32.
2- النهاية: ص 217.
3- السرائر: ج 1/543.
4- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/574.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/241.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/69 ح 34، وسائل الشيعة: ج 12/449 ح 16748.
7- تهذيب الأحكام: ج 5/300 ح 16، وسائل الشيعة: ج 12/448 ح 16746.

واُخرى : في مقتضى النصوص الخاصّة.

أمّا الأوّل: فمقتضى حديث رفع التسعة الّتي منها ما اضطرّوا إليه(1)، وما دلّ على أنّه: (ما مِنْ شيءٍ حرّمه اللّه إلّاوقد أحلّه في حال الاضطرار) هو جواز خصوص الفعل المتعلّق بالطيب الذي اضطرّ إليه، وعدم جواز ما عداه، وفيما يجوز أيضاً لابدّ وأن يصل إلى حَدّ الاضطرار والإلجاء، وبدون ذلك لا يجوز، وإنْ توقّف عليه تداوي الجرح الذي يتحمّل عادةً ، ولكن الذي أفتى به الأصحاب أوسع من ذلك قطعاً، فيعلم أنّ مدركهم النصوص.

وأمّا النصوص:

فبعضها: متضمّنٌ لجواز استعمال الطيب لو وصف الطبيب المعالج ما فيه طيب، كصحيح إسماعيل بن جابر، وكانت عرضتْ له ريحٌ في وجهه من علّةٍ أصابته وهو مُحرِم، قال:

«فقلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ الطبيب الذي يُعالجني وصف لي سعوطاً فيه مسك ؟ فقال عليه السلام: اسعط به»(2). ونحوه غيره.

ومقتضى ذلك جواز استعمال الطيب وإنْ لم يضطرّ، بل كان هناك طريقٌ آخر للمعالجة، ولكن كان علاجاً للمرض بحسب وصف الطبيب.

وبعضها: مختصٌّ بصورة الاضطرار، كخبر إسماعيل بن جابر: «أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم إذا اضطرّ إلى سعوطٍ فيه مِسك من ريحٍ تعرض له في وجهه، وعلّةٍ تُصيبه ؟ فقال عليه السلام استعط به»(3).5.

ص: 308


1- الكافي: ج 2/463 ح 2؛ وسائل الشيعة: ج 15/370 ح 20771.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/298 ح 10، وسائل الشيعة: ج 12/447 ح 16743.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/351 ح 2669، وسائل الشيعة: ج 12/448 ح 16745.

وبعضها: يدلّ على جواز السعوط بما فيه مِسك مطلقاً، كخبره الآخر عنه عليه السلام:

«عن السعوط للمُحرِم وفيه طيب ؟ فقال عليه السلام: لا بأس»(1).

وقد يقال: إنّ الطائفة الاُولى أخصّ من الثالثة، والثانية أخصّ من الاُولى ، فيقيّد إطلاق كلّ منهما بمقيّده، فيختصّ الحكم بصورة الاضطرار.

ولكن يرد عليه: أنْ لا مفهوم لشيءٍ منها، فلا وجه للحمل، لعدم حمل المطلق على المقيّد في المتوافقين، إلّاأنّ في المقام شيئاً وهو أنّ هذه النصوص الثلاثة السائل والمسؤول عنه ومورد السؤال فيها واحد، ومن المستبعد جدّاً أن يسأل إسماعيل عن الإمام الصادق عليه السلام سؤالاً واحداً بكيفيّاتٍ متفاوتة، سيّما بالنسبة إلى الأولين، حيث إنّ خصوصيّات المسؤول عنه فيهما واحد، وعليه فسؤال واحدٌ وكذا جوابٌ واحد نقل بنحوين أو بأنحاء، فمقتضى القاعدة هو الاقتصار على المورد المتيقّن منها، وهو صورة الاضطرار.

وقد يقال: إنّ نظير ذلك ورد في الدهن والإدهان به، فإنّ بعض النصوص تضمّن جواز الإدّهان به لمعالجة القُرحة وما شاكل:

منها: صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا خرج بالمُحرِم الخراج أو الدّمل فليبطّه وليداوه بسمنٍ أو زيت»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «عن مُحرِمٍ تشقّقت يداه ؟ قال: فقال عليه السلام: يدهنهما بزيتٍ أو بسمن أو إهالة»(3).5.

ص: 309


1- تهذيب الأحكام: ج 5/298 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/447 ح 16744.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/304 ح 34، وسائل الشيعة: ج 12/462 ح 16784.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/304 ح 35، وسائل الشيعة: ج 12/462 ح 16785.

ولكن الظاهر أجنبيّة هذه الروايات عن المقام، فإنّ المُحرّم هي الأدهان الطيّبة لا الإدهان بكلّ دُهنٍ ، ولذا ورد في خبر الأحمسي: «سأل أبا عبداللّه عليه السلام سعيد ابن يسار عن المُحرِم تكون به القرحة أو البثرة أو الدّمل ؟ فقال: اجعل عليه بنفسج وأشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيّبة»(1).

ومن الغريب استدلال جمعٍ بهذه النصوص على جواز التداوي بالطيب.

فالمتحصّل: أنّه في الإدهان لم يرد دليلٌ خاص، وأمّا في الطيب وإنْ ورد إلّا أنّه للإجمال الناشئ عن نقل الخبر بكيفيّتين، يتعيّن الإقتصار على المتيقّن، وهو صورة الاضطرار، ولابدّ وأن يقُتصر على الفعل الذي اضطرّ به، فلا يجوز سائر الأفعال لعدم المخصّص لعموم الأدلّة، ولذا أفتى الأصحاب بأنّه إذا اضطرّ إلى التداوي بالطيب بالأكل أو الإدهان، وجب عليه أن يقبض على أنفه للنصوص الآمرة به، وقد تقدّمت جملةٌ منها، وهي وإنْ كانت مطلقة غير مختصّة بحال الاضطرار، ولكن المقصود من الاستدلال أنّ وجوب ذلك ثبت بالدليل، فما لم يدلّ دليلٌ أقوى على عدم وجوبه، يكون المتَّبع هو دليل المنع، فلا مورد للإيراد على المستدلّين بتلك النصوص بأنّها غير مرتبطة بالمقام، الذي هو حال الضرورة، وعلى هذا ففي مورد جواز السعوط بما فيه مسك، وهو إدخاله في الأنف، لابدّ وأن يُراعى أن لا يمسّه يده مع الإمكان.

اجتياز المُحرِم في موضعٍ يُباع فيه الطيب

أقول: بقي الكلام في فروع في المقام:

الفرع الأوّل: لا إشكال في جواز أن يجتاز المُحرِم موضعاً يُباع فيه الطيب،

ص: 310


1- تهذيب الأحكام: ج 5/303 ح 33، وسائل الشيعة: ج 12/463 ح 16786.

وكذا الجلوس عند من يبيعه، بل وبيعه وشراؤه كما مرّ، بشرط أن يمسك على أنفه، لدلالة الدليل على حرمة شمّ الطيب.

أمّا أصل جواز الاجتياز والجلوس، فمضافاً إلى عدم الخلاف فيه، وقيام الأصل عليه لعدم الدليل على الحرمة، يشهد له صحيح ابن بزيع: «رأيتُ أبا الحسن عليه السلام كشف بين يديه طيبٌ لينظر إليه وهو مُحرِم، فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته»(1).

وأمّا وجوب أمساك اليد بالأنف، فيشهد به هذا الصحيح وما تقدّم من النصوص، كقوله عليه السلام في صحيح ابن عمّار: «وأمسك على أنفك من الرائحة الطيّبة»(2)، وغيره.

وعن ظاهر «المبسوط»(3) و «الإستبصار»(4) و «السرائر»(5) و «الجامع»(6):

عدم وجوبه، واستدلّوا له:

بصحيح هشام بن الحكم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطّارين، ولا يمسك على أنفه»(7)، بدعوى أنّه:

1 - إنّما لا يجب الإمساك على الأنف من جهة أنّ وصول الريح الطيّبة إلى المشام6.

ص: 311


1- الكافي: ج 4/354 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/442 ح 16724.
2- الكافي: ج 4/353 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16728.
3- المبسوط: ج 1/319.
4- الإستبصار: ج 2/180-181.
5- السرائر: ج 1/545.
6- الجامع للشرائع: ص 186.
7- الكافي: ج 4/354 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/448 ح 16746.

في حال الإجتياز، غير شَمّ الطيب، والصحيح يدلّ على جوازه.

2 - وبأنّه لا دليل على وجوب الإمساك، بعد فرض عدم صدق الشمّ على إصابة الرائحة في حال الإجتياز، والأصل عدم الوجوب.

ولكن يرد على الوجه الأوّل: أنّ الصحيح مختصٌّ بمورد خاص، والتعدّي عنه يحتاج إلى دليل أو إحراز المناط، وهما مفقودان، والأصل ينقطع بما ذُكر من النصوص، ولعلّ تعمّد الاجتياز من مكانٍ فيه الطيب من قبيل الأكل والمباشرة المؤدين إلى الشمّ ، اللّذين لا كلام في شمول موضع النهي لهما، وعليه فالأظهر وجوب الإمساك.

الفرع الثاني: قال المصنّف في «المنتهى»(1): (يحرمُ عليه لبس ثوبٍ مسّه طيبٌ محرّم كالزعفران والوَرَس وأشباههما، ذهب إليه فقهاء الأمصار) انتهى .

ونحوه ما في «التذكرة»(2).

أقول: وما أفاده رحمه الله أعمٌّ من لبس ثوبٍ صُبغ بالطيب، أو غُمس فيه، أو غيرهما ممّا يصدق عليه لبس الثوب الذي مسّه الطيب، ويشهد به:

1 - خبر الحسين بن أبي العلاء، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الثوبُ يصيبه الزّعفران، ثمّ يُغسل فلا يذهب، أيحرِمُ فيه ؟ فقال عليه السلام: لا بأس به إذا ذهب ريحه»(3).

فإنّ مفهومه من أنّه إنْ لم يذهب ريحه، وإنْ ذهب عنه أو لم يذهب لا يجوز الإحرام فيه، فمفاده أعمّ ممّا أفاده.5.

ص: 312


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/785.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/318.
3- الكافي: ج 4/342 ح 18، وسائل الشيعة: ج 12/484 ح 16845.

2 - وخبر إسماعيل بن الفضل: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يلبس الثوب قد أصابه الطيب ؟ فقال: إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه»(1). ومفاده كسابقه.

اللّهُمَّ إلّاإن يقال: إنّ عدم ذهاب الريح أمارة بقاء العين، ويؤيّده خبر سعيد بن يسار، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الثوب المصبوغ بالزّعفران أغسله وأحرِمُ فيه ؟ قال عليه السلام: لا بأس به»(2).

إلّا أنّه يظهر من بعض النصوص أنّه لو كسب الثوب رائحة الطيب، ولو لم يمسّه لايحرم فيه، لاحظ صحيح حمّاد بن عثمان: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي جعلتُ ثوبي إحرامي مع أثوابٍ قد جُمّرت، فأخذ من ريحها، قال عليه السلام: فانشرها في الريح حتّى يذهب ريحها»(3).

ولكن يمكن أن يقال: - مضافاً إلى ما تقدّم من اختصاص الحرمة بالأنواع الخمسة، فلا يحرم المُجمّرة وغيرها، وإنّما يكره الرائحة الطيّبة - إنّ السؤال ليس عن الكراهة أو الحرمة، بل إحداهما مفروغٌ عنها عند السائل، وإنّما يسأل عن حكم كسب الرائحة، فلا يستفاد من جوابه عليه السلام باتّحاد ريح المُجمرة معها عدم جواز لبسه.

فالمتحصّل: أنّ الثوب الذي فيه الطيب يَحرمُ لبسه، وأمّا ما فيه رائحته أو رائحةٍ طيّبة اُخرى يُكره لبسه.

الفرع الثالث: قال في «التذكرة»(4): (فكلّ ما صُبغ بزعفرانٍ أو وَرَسٍ أو غُمس8.

ص: 313


1- الكافي: ج 4/343 ح 19، وسائل الشيعة: ج 12/485 ح 16849.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/67 ح 26، وسائل الشيعة: ج 12/485 ح 16850.
3- الكافي: ج 4/356 ح 19، وسائل الشيعة: ج 12/443 ح 16727.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/318.

في ماء ورد، أو بُخّر بعودٍ، فليس للمُحرِم لبسه، ولا الجلوس عليه، ولا النوم عليه، لأنّه استعمال له فأشبه لبسه، ومتى لبسه أو استعمله فعليه الفداء).

أقول: ومحلّ الكلام في هذا الفرع هو الجلوس على ما مسّه الطيب أو النوم عليه، واستدلّ للحرمة بصدق استعمال الطيب، فيحرم، وبخبر حمّاد المتقدّم.

ولكن يرد على الأوّل: ما تقدّم من عدم الدليل على حرمة استعمال الطيب، بل ما دلّ عليه حرمة أفعال خاصّة ليس النوم والجلوس منها.

نعم، هما يستلزمان الشمّ المُحرِم، فلو أمسك على أنفه بنحوٍ لا يشمّ الطيب، فلا أرى بأساً بالجلوس والنوم عليه، إلّاإذا كان بدنه مماسّاً مع الطيب، المستلزم ذلك للمسّ المُحرّم، وأمّا لو كان بنحوٍ لا يشمّ الطيب، ولم يكن البدن مماسّاً بالطيب جاز.

وأمّا ما دلّ من النصوص(1) على أنّه يكره للمُحرِم أن ينام على الفراش الأصفر، والمرفقة الصفراء، سواءٌ أكان المراد بالصفرة صَفرة الطيب أم غيرها، فلا يستفاد منها الحرمة، لأعميّة الكراهة في الأخبار عنها.

وهل يلحق بمسّ البدن في الحرمة، مسّ الثوب كما عن «المنتهى»(2)، أو لا يلحق به كما في «المدارك»(3)؟ وجهان:

أظهرهما الثاني، فإنّه لا دليل على حرمة مسّ الثوب.

وما عن «المنتهى»: من أنّ المُحرِم كما مُنع من استعمال الطيب في بدنه، مُنع6.

ص: 314


1- راجع وسائل الشيعة: ج 12 باب 28 من أبواب تروك الإحرام.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/785.
3- مدارك الأحكام: ج 7/326.

من استعماله في ثوبه.

غير تامّ ، فإنّ الممنوع هو لبس الثوب الذي مسّه الطيب، فإنْ لزم منه ذلك بأن مسّ الطيب بثوبه فتلطّخ ثوبه به، وكان لابساً إيّاه، حَرُم عليه استدامة اللّبس، ووجب نزعه وإلّا فلا.

الفرع الرابع: لو انقطعت رائحة الطيب:

فتارةً : يعلم ببقاء الطيب ولو بأن يرشّ عليه الماء فتفوح رائحته.

واُخرى : يعلم بعدم البقاء.

وثالثة: يشكّ في ذلك.

أقول: حكم الأولين واضح، فإنّه لا يجوز في الأوّل، ويجوز في الثاني، لعدم الفرق في الطيب بين كونه مع الرطوبة أو بدونها، وأمّا الثالث فمقتضى استصحاب بقائه ترتّب أحكام الطيب عليه.

الفرع الخامس: المشهور بين الأصحاب أنّه لا يجوز للمُحرِم أن يمسك على أنفه من الرائحة الكريهة، وعن «الغُنية»(1) دعوى نفي الخلاف فيه، ويشهد به:

1 - صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المُحرِم إذا مرَّ على جيفةٍ فلا يمسك على أنفه»(2).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، والحلبي جميعاً عنه عليه السلام: «المُحرِم يُمسك على أنفه من الريح الطيّبة، ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة»(3).8.

ص: 315


1- غنية النزوع: ص 160.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/305 ح 38، وسائل الشيعة: ج 12/453 ح 16760.
3- الفقيه: ج 2/352 ح 2670، وسائل الشيعة: ج 12/452 ح 16758.

ونحوهما غيرهما، والنهي ظاهرٌ في الحرمة.

ودعوى : احتمال إرادة نفي الوجوب منه، في مقابل الريح الطيّبة لا الحرمة، لا شاهد لها، فلا صارف عن ظهور النهي.

الفرع السادس: قال المصنّف في «التذكرة»(1): (لو أكل طعاماً فيه زعفران أو طيب آخر، أو استعمل مخلوطاً بالطيب في غير الأكل، فإن استهلك فيه، فلم يبق له ريحٌ ولا طعمٌ ولا لونٌ ؛ فالاقرب أنّه لا فدية فيه) انتهى .

وعن «الذخيرة»(2): (أنّ الاعتبار يقتضي إناطة حكم الجواز باستهلاك الرائحة لا مطلق الوصف، والنهي عن التلذّذ بالرائحة الطيّبة مشعرٌ به، والأحوط الاجتناب عن الجميع مطلقاً) انتهى .

أقول: إنّ المنهيّ عنه هو أكل الطيب، فما دام لم يستهلك ويكون باقياً عرفاً، لم يجز وإنْ استهلك ريحه.

ودعوى : أنّ الريح الطيّبة مقومٌ لعنوان الطيب، فبدونه لا يصدق الطيب.

مندفعة: بأنّ الطيب كما عرفت فُسّر في النصوص بالأنواع الخمسة المعيّنة، أي الزعفران والمِسْك والعَنبر والوَرَس والعود، فالميزان صدق أحد هذه العناوين، وإن لم يكن له ريح، بل لعلّه في الزعفران يكون اللّون أهمّ من الريح، ويؤيّد ذلك صحيح منصور بن حازم، عن إمامنا الصادق عليه السلام:

«إذا كنتَ متمتّعاً فلا تقربنّ شيئاً فيه صُفرة حتّى تطوف بالبيت»(3).5.

ص: 316


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/314.
2- ذخيرة المعاد: ج 3/592.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/298 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/445 ح 16735.

وأمّا صحيح عمران الحلبي: «عن المُحرِم يكون به الجُرح فيداوي بدواء فيه زعفران ؟ قال عليه السلام: إنْ كان الغالب على الدّواء فلا، وإنْ كانت الأدوية الغالبة فلا بأس»(1). فهو مورد التداوي والضرورة، ولا ربط له بالمقام.

الاكتحال بما فيه الطيب

الفرع السابع: المشهور بين الأصحاب عدم جوز الاكتحال بما فيه طيب.

وفي «التذكرة»(2): (أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمُحرِم أن يكتحل بكُحلٍ فيه طيبٌ ، سواءٌ كان رجُلاً او امرأة) انتهى .

وعن الإسكافي(3) والشيخ في «الجمل»(4) والقاضي في «المهذّب»(3) و «شرح

جُمل العلم والعمل»(4): القول بالكراهة.

واستدلّ للثاني:

1 - بالأصل بعد زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفاً، لاختصاصه بالظواهر.

2 - وبصحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «تكتحل المرأة بالكُحل كلّه، إلّا الكُحل الأسود للزينة»(5).

ولكن يرد على الأوّل: - مضافاً إلى عدم اختصاص الأدلّة بالمسّ بالظاهر، وفي

ص: 317


1- الكافي: ج 4/359 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/527 ح 16986.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/324. (3و4) حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 18/347.
3- المهذّب: ج 1/221.
4- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 18/348.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/301 ح 22، وسائل الشيعة: ج 12/468 ح 16799.

«الجواهر»(1): (الإجماع بقسميه على حرمة مسّ الطيب ولو بالباطن) - أنّ النصوص الآتية كافية في الحكم بالحرمة، كما أنّه بتلك النصوص يقيّد الإطلاق في خبر زرارة.

ويشهد للمشهور - مضافاً الى إطلاق ما دلّ على حرمة مسّ الطيب - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن إمامنا الصادق عليه السلام: «المُحرِم لا يكتحل إلّا من وجع. وقال: لا بأس بأن تكتحل وأنتَ مُحرِم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فأمّا للزينة فلا»(2).

ومنها: صحيحه الآخر عنه عليه السلام(3) مثله.

ومنها: خبر هارون بن حمزة، عنه عليه السلام: «لا يكحل المُحرِم عينيه بكُحلٍ فيه زعفران، وليكحل بكُحلٍ فارسي»(4).

ومنها: مرسل أبان، عنه عليه السلام: إذا اشتكى المُحرِم عينيه، فليكتحل بكُحلٍ ليس فيه مِسكٌ ولا طيب»(5).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «يكتحل المُحرِم عينيه إنْ شاء بصبرٍ ليس فيه زعفران ولا وَرَس»(6).8.

ص: 318


1- جواهر الكلام: ج 18/348.
2- الكافي: ج 4/357 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/470 ح 16804.
3- وسائل الشيعة: ج 12/468 ح 16797.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/301 ح 25، وسائل الشيعة: ج 12/469 ح 16802.
5- الكافي: ج 4/357 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/470 ح 16805.
6- الفقيه: ج 2/347 ح 2648، وسائل الشيعة: ج 12/471 ح 16808.

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس للمُحرِم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينيه»(1).

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة.

أقول: ثمّ إنّ تمام البحث في هذه المسألة يتحقّق بالبحث في جهات:

الجهة الاُولى: أنّ في الاكتحال بالسّواد أقوالاً: الكراهة مطلقاً، والحرمة كذلك، والتفصيل بين كونه للزينة أو غيرها، وسيأتي الكلام فيه في مكروهات الإحرام عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

الجهة الثانية: إنّ في بعض نصوص الباب كمرسل أبان وصحيح ابن سنان وغيرهما، نهيٌ عن الاكتحال بما فيه طيب للتداوي، فقد يتوهّم عدم جوازه حتّى مع الضرورة، وانحصار الدواء به.

ولكن يشهد لجوازه في حال الضرورة جملةٌ من النصوص:

منها: حسن الكاهلي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سأله رجلٌ ضرير وأنا حاضر، فقال: اكتحلُ إذا أحرمت ؟ قال: لا. قال: ولِمَ تكتحل ؟ قال: إنّي ضريرُ البصر، وإذا أنا اكتحلتُ نفعني، وإنْ لم أكتحل ضَرّني. قال: فاكتحل»(2).

ومنها: خبر الحلبي، عنه عليه السلام: «إذا اضطرّت إليه فلتكتحل»(3).

ونحوهما غيرهما، وبها يقيّد إطلاق تلك النصوص، وتُحمل على صورة إمكان التداوي بغيره، مع أنّ العمومات الدالّة على إباحة كلّ مُحرّم في حال الإضطرار كما تكون حاكمة على إطلاقات أدلّة سائر المحرّمات، كذلك تكون حاكمة على إطلاق6.

ص: 319


1- الفقيه: ج 2/347 ح 2647، وسائل الشيعة: ج 12/471 ح 16809.
2- الكافي: ج 4/358 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/470 ح 16806.
3- وسائل الشيعة: ج 12/471 ح 16810، علل الشرائع: ج 2/456.

هذه النصوص، إذ لا يكون دلالة هذه النصوص على عدم الجواز في حال الاضطرار إلّابالإطلاق، فلأجلها تُحمل النصوص على الاندفاع بغير ذلك.

وبما ذكرناه ظهر ضعف ما عن «النهاية»(1) و «المبسوط»(2) من الحرمة وإنْ اضطرّ إليه.

الجهة الثالثة: أنّه قد يقال إنّ مقتضى إطلاق نصوص الباب، حرمة الاكتحال بكلّ ما فيه طيب، سواءٌ كان طيبه من أحد الأنواع الأربعة أو الخمسة المحرّمة، أم غيرها. نعم إذا كان من أحد تلك الأنواع، يحرم من جهة الاستعمال أيضاً.

وفيه: أنّ بعض نصوص حصر الطيب في الأربعة غير مقيّدٍ باستعمال الطيب، بل عامٌّ ويدلّ على انحصار الطيب فيها مطلقاً. وحيث إنّه إنّما يكون بلحاظ حكم الطيب، فيدلّ ذلك بالإطلاق على أنّ هذا الحكم كحكم سائر استعمالات الطيب مختصٌّ بها.

الجهة الرابعة: هل يختصّ حكم الحُرمة بما إذا كان للطيب رائحة كما في «الجواهر»(3) و «الذخيرة»(4) أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بمنع صدق الطيب على ما ليس فيه الريح.

ولكنّه ممنوع، سيّما بعد تفسير الطيب بالأنواع الخاصّة، والنهي عن تلك الأنواع في خصوص المقام، وقد تقدّم نظير ذلك في أكل طعامٍ فيه طيب.

***2.

ص: 320


1- النهاية: ص 220.
2- المبسوط: ج 1/321.
3- جواهر الكلام: ج 18/348.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/592.

والمخيط للرجال.

حرمة لبس المخيط على الرجال

(و) المحرّم الخامس: لبس (المخيط للرجال) بلا خلافٍ أجده فيه، كما عن «المنتهى»(1)، و «التحرير»(2)، و «التنقيح»(3) وغيرها، بل الإجماع بقسميه عليه، والمحكيّ منه مستفيضٌ ، والنصوص تدلّ عليه.

أقول: إنّما الكلام في أنّه هل يحرم لبس المخيط مطلقاً حتّى وإنْ قلّت الخياطة فيه، أم تكون الحرمة مختصّة بالثوب المزرّر أو المدرّع والقميص والقباء والسراويل ؟

مقتضى نصوص الباب هو الثاني:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تلبس وأنتَ تُريد الإحرام ثوباً تزرّه ولا تدرّعه»(4).

ومنها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «لا تلبس ثوباً له أزرار وأنتَ مُحرم إلّاأن تنكّسه، ولا ثوباً تدرعه، ولا سراويل، إلّاأن لا يكون لك إزار، ولا خُفّين إلّاأن لا يكون لك نعلان»(5). ونحوهما غيرهما.

أقول: قد تقدّمت النصوص الدالّة على أنّ المُحرِم إذا لبس قميصاً، فإن لبسه

ص: 321


1- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/681.
2- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 2/29.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 18/335.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/69 ح 35، وسائل الشيعة: ج 12/473 ح 16816.
5- الكافي: ج 4/340 ح 9، وسائل الشيعة: ج 12/473 ح 16815.

بعدما أحرم شَقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه، وإن لبسه قبله ينزعه ولا يشقّه، وسيأتي في مبحث الكفّارات ما تضمّن وجوب الكفّارة(1) في لبس القميص متعمّداً، وأيضاً قد مرّ ما تضمّن من النصوص الناهية عن لبس القباء(2)، وأنّه لو اضطرّ إليه لبسه مقلوباً، إلّاأنّ فتاوى الأصحاب متطابقة على حرمة لَبس المخيط.

قال المصنّف في «المنتهى»(3): (يحرمُ على المُحرِم لبس المخيط من الثياب إنْ كان رجُلاً، ولا نعلم فيه خلافاً) انتهى .

وفي «التذكرة»(4): (يحرمُ على المُحرِم لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار) انتهى .

وفي «المستند»(5): (بلا خلافٍ يُعلم كما في موضع من «المنتهى»، بل مطلقاً كما في «المفاتيح»(6) وشرحه، وعن «الغُنية»(7) و «التحرير»(8) و «التنقيح»(9)، بل إجماع العلماء كافّة كما في موضعٍ آخر من «المنتهى»(10) وعن «التذكرة»(11) وظاهر «الدروس»(12)، بل بالإجماع المحقّق عند التحقيق) انتهى .

مع اعتراف غير واحدٍ منهم بعدم العثور على رواية دالّة عليه.6.

ص: 322


1- فقه الصادق: ج 16/285.
2- صفحة 141 من هذا المجلّد.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/781.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/295.
5- مستند الشيعة: ج 12/5.
6- المفاتيح: ج 1/331.
7- غنية النزوع: ص 577.
8- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 2/29.
9- التنقيح: ج 1/469.
10- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
11- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/295.
12- الدروس: ج 1/376.

وفي «الجواهر»(1): (نعم ما سمعته من معاقد الإجماعات، كافٍ في جعل العنوان لبس المخيط، وإنْ لم أجده في شيءٍ ممّا وصل إلينا من النصوص الموجودة في الكتب الأربعة وغيره، كما اعترف به غير واحدٍ حتّى الشهيد في «الدروس») انتهى .

وعلى هذا فمثل هذا الإجماع كاشفٌ عن رأي المعصوم قطعاً، أو عن وجود روايةٍ معتبرة ظاهرة فيه لم تصل إلينا، وإلّا فلا يحتمل في حقّ هؤلاء الأعاظم والفحول أن يفتوا بشيء من غير دليل.

وما في «الرياض»(2) حيث قال: (ولا يتمّ الاستدلال على ما يظهر من كلام الأصحاب بالمنع ممّا له إزرار، لجواز كونه للضمّ ، كما يستفاد من الصحيح في الطيلسان المزرور: «وإنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل فأمّا الفقيه فلا بأس أن يلبسه»)(3)، لا يوجبُ أن يحتمل في حقّ الأصحاب استدلالهم بذلك، كي يسقط كاشفيّة اتّفاقهم عن رأي المعصوم، أو عن دليلٍ معتبر.

وعلى ذلك، فترديد صاحب «الحدائق»(4) رحمه الله في الحكم في غير محلّه.

وعدم تعرّض المفيد رحمه الله له واقتصاره على ذكر أشياء معيّنة، لا يضرّ بما ادّعيناه، لأنّا لا نقول بحجيّة الإجماع من باب قاعدة اللطف حتّى يضرّ مخالفة فقيهٍ واحد.

وأضعف من ذلك استدلال بعض الأعاظم(5) لجواز لبسه:

1 - بصحيح زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: «عن ما يكره للمُحرِم أن يلبسه ؟5.

ص: 323


1- جواهر الكلام: ج 18/335.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/302.
3- الكافي: ج 4/340 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/475 ح 16819.
4- الحدائق الناضرة: ج 15/435.
5- كتاب الحَجّ (للسيّد الخوئي): ج 4/135.

فقال عليه السلام: كلّ ثوبٍ إلّاثوباً يتدرّعه»(1).

2 - وبما تضمّن عدم جواز لبس الطيلسان المزرور حتّى ينزع إزاره، معلّلاً بأنّه يخاف أن يزرّه الجاهل عليه(2).

فإنّ الصحيح مطلق يقيّد إطلاقه بما ذُكر، بل وجود مثل ذلك يؤكّد ما ذكرناه، فإنّ الإفتاء بما يخالف الدليل المعتبر كاشفٌ عن دليلٍ أقوى ، وبه يظهر حال الثاني.

وبالجملة: لا ينبغي للفقيه أن يتوقّف في الحكم على إطلاقه.

أقول: ثمّ إنّه لابدّ من التنبيه على اُمورٍ بها يتمّ جهات البحث:

التنبيه الأوّل: قد عرفت أنّ النصوص تدلّ على حرمة لبس عدّة أشياء، وهي:

القميص والقباء والسّراويل والثوب المدرّع، والثوب المزرور، ومقتضى إطلاق النصوص أنّه لا فرق في ذلك بين كونها مخيطة أو غير مخيطة، فالدرع المنسوج، وجُبّة اللَّبد، والملصق بعضه ببعض، والتبان والران وما شاكل لا يجوز لبسها في الإحرام، كما أفتى به غير واحدٍ.

ودعوى : أنّ النصوص المتضمّنة لعدم جواز لبس هذه الأشياء محمولة - ولو بقرينة الإجماع - على أنّها إنّما ذُكرت أمثلةً لعنوان المخيط، فالمانع هو الخياطة خاصّة، فلا وجه للحكم بحرمة غير المخيط منها.

مندفعة: بأنّ حمل ما في النصوص على إرادة المثال خلاف ظاهرها، لا يُصار إليه إلّامع القرينة، والإجماع لا يصلح قرينةً على ذلك، إذ لا مانع من أن يكون كلّ منهما مانعاً مستقلّاً، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الأخبار.8.

ص: 324


1- وسائل الشيعة: ج 12/475 ح 16821.
2- الكافي: ج 4/340 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/475 ح 16818.

أقول: وهذا هو الوجه في المنع، لا ما أفاده المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1) من إلحاق الفقهاء، فإنّ إلحاقهم ليس تعبّديّاً.

ولكن ينبغي أن يستثنى من ذلك الطيلسان، فإنّه قد دلّ النص الصحيح على جواز لبسه، ففي صحيح يعقوب بن شعيب، قال:

«سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال عليه السلام: نعم وفي كتاب عليٍّ عليه السلام لا تلبس طيلسانٍ حتّى يُنزع أزراره، فحدثني أبي أنّه إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه»(2). ونحوه غيره.

ومقتضى إطلاق النصوص جواز لبسه اختياراً، كما صرّح به المصنّف في جملة من كتبه(3)، والشهيد في «الدروس»(4)، على ما في «الحدائق»(5). وعن «الإرشاد»(6):

(اعتبار الضرورة في لبسه) لكن لم يظهر وجه للتقيّيد.

التنبيه الثاني: هل موضوع الحرمة مسمّى الخياطة وإنْ قلت كما اشتهر بين المتأخّرين، فلو كانت الخياطة القليلة في الإزار أو الرّداء حَرُم لبسه، بل عن الشهيد(7) نسبته إلى ظاهر كلام الأصحاب ؟

أم يكون الموضوع هو اللّباس المخيط كالقميص والقباء وما شاكل، كما قوّاه6.

ص: 325


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/296.
2- الكافي: ج 4/340 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/475 ح 16818.
3- قواعد الأحكام: ج 1/424، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/242، تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/574.
4- الدروس: ج 1/344.
5- الحدائق الناضرة: ج 15/436.
6- الإرشاد: ج 1/318.
7- الدروس: ج 1/376.

جمعٌ منهم صاحب «الجواهر»(1) رحمه الله والفاضل النراقي(2)؟ وجهان:

من إطلاق معقد الإجماع، ومن أنّ إطلاق الرداء والإزار يشمل المخيطين وغيرهما، وانسباق الموضوع للخياطة ممّا شابه ما في النصوص من القميص والقباء وما شاكل، وظهور نصوص الطيلسان في الجواز وإنْ كان فيه أزرار مخيط، وانصراف المخيط إلى غير ذلك.

ولكن الأوّل إنْ لم يكن أقوى ، لا ريب في كونه أحوط، فإنّ إطلاق الرداء والإزار يقيّد بما دلّ على مانعيّة الخياطة، ونصوص الطيلسان محمولة على المورد الخاصّ كأصله، والانسباق والانصراف ممنوعان، وعلى فرضه فهو بدوي لا يعتنى به، فالمتعيّن الأخذ بإطلاق معقد الإجماع.

التنبيه الثالث: أنّ مورد الإجماع هو لبس المخيط، وهو يصدق على التوشّح والتدثّر به، فهما أيضاً غير جائزين.

وما في «الجواهر»(3) من الاستدلال للجواز تارةً بعدم صدق اللّبس على التوشّح والتدثّر، واُخرى بأنّ قوله عليه السلام: (ولا ثوباً تُدرّعه) يدلّ على أنّ المُحرِم هو الإدّراع به لا التوشّح ونحوه.

قابل للمناقشة، إذ اللّبس كما يصدق على التدرّع بالثوب، كذلك يصدق على التدثّر والتوشّح به، غاية الأمر أنّه شائع في بعض مصاديق اللّبس في الثوب والقميص من غيره.7.

ص: 326


1- جواهر الكلام: ج 18/337.
2- مستند الشيعة: ج 12/7.
3- جواهر الكلام: ج 18/337.

وقوله عليه السلام: (ولا ثوباً تُدّرعه) لا مفهوم له يدلّ به على جواز غيره، كي يقيّد إطلاق ما دلّ على المنع عن لبس المخيط به.

وعن الشهيد في «الدورس»(1): (إن قلنا بأنّه يعتبر في حُرمة المخيط كونه مخيطاً بالبدن، كما هو ظاهر ابن الجنيد، لا يحرم التوشّح به ونحوه، وإلّا فيُحرم).

أقول: لا إشكال في أنّه لا يصدق اللّبس إلّامع إحاطة الملبوس بجزءٍ من أجزاء بدن اللّابس، واشتماله عليه، فلو جُعل المخيط في جيبه لا يصدق عليه اللّبس قطعاً، وهذا لا يستلزم عدم حرمة التوشّح والتدثّر، فإنّهما مستلزمان للإحاطة المُشار إليها.

وعن «المدارك»(2) الاستدلال على عدم حرمة التوشّح به بالأصل، وبقوله عليه السلام في خبر ابن عمّار: «لا تلبس ثوباً له إزاراً وأنتَ مُحرِمٌ إلّاأن تنكسه».

ويرد عليه: أنّ الأصل مقطوعٌ بما عرفت، والخبر محمولٌ على صورة الضرورة، للنصوص المتقدّمة في شرائط ثوبي الإحرام، الدالّة على أنّه إنّما يجوز لبس القباء منكوساً مع عدم وجود الرداء أو الاضطرار إليه من بردٍ وغيره.

وعليه، فالأظهر حرمة التوشّح بالمخيط في حال الاختيار.

لبس المنطقة وشَدّ الهميان

التنبيه الرابع: قال صاحب «الجواهر»(3): (صرّح الفاضل(4)، والصدوق(5)، وابن

ص: 327


1- الدروس: ج 1/376.
2- مدارك الأحكام: ج 7/329.
3- جواهر الكلام: ج 18/339.
4- مدارك الأحكام: ج 7/330.
5- المقنع: ص 237.

حمزة(1)، ويحييبن سعيد(2)، والشهيد(3) وغيرهم، بجواز لبس المنطقة، وشَدّ الهميان، وإنْ كانا مخيطين) انتهى .

أقول: والأصل في ذلك النصوص الخاصّة:

منها: صحيح يعقوب بن شعيب، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المُحرِم يصر الدراهم في ثوبه ؟ قال عليه السلام: نعم، ويلبس المنطقة والهميان»(4).

ومنها: خبر يعقوب بن سالم: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: يكون معي الدراهم فيها تماثيل وأنا مُحرِم، فأجعلها في هميان وأشدّه في وسطي ؟ فقال: لا بأس، أوَلَيسَ هي نفقتك وعليها اعتمادك بعد اللّه عزّ وجلّ؟!»(5).

ومنها: خبر يونس بن يعقوب: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: المُحرِم يَشدّ الهميان في وسطه ؟ فقال: نعم وما خيره بعد نفقته»(6).

ومنها: صحيح أبي بصير، عنه عليه السلام: «في المُحرِم يشدّ على بطنه العمامة ؟ قال:

لا، ثمّ قال: وكان أبي يقول يشدّ على بطنه المِنطقة التي فيها نفقته، يستوثق منها، فإنّها من يتمام حجّه»(7). ونحوها غيرها.

ودلالة هذه النصوص عليجواز شَدّ الهِميان والمنطقة المخيطين إنّماتكون بالإطلاق.

ولكن قد يقال: إنّه حيث يكون مورد السؤال والجواب هو خصوص شَدّهما1.

ص: 328


1- الوسيلة: ص 163.
2- الجامع للشرايع: ص 186.
3- الدروس: ج 1/376.
4- الكافي: ج 4/344 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/491 ح 16870.
5- الفقيه: ج 2/280 ح 2449، وسائل الشيعة: ج 12/492 ح 16872.
6- الفقيه: ج 2/346 ح 2645، وسائل الشيعة: ج 12/492 ح 16873.
7- الكافي: ج 4/343 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/491 ح 16871.

في الوسط، فلا إطلاق لها كي تدلّ على جواز شد المخيطين منهما، وعلى فرض الإطلاق يقيّد بما دلّ على حرمة لبس المخيط.

وما في «الجواهر»(1): من منع إندراجه في لبس المخيط.

يرد عليه: صدق اللّبس عليه قطعاً، والشاهد به صدق اللّبس على لبس الخاتم والعمامة وما شاكل، ولكن إنكار إطلاق النصوص مكابرة، بل يمكن أن يقال من جهة غلبة المخيطيّة فيهما، تكون النصوص كالصريحة في جواز المخيط منهما، مع أنّه على فرض الإطلاق وتعارضها مع إطلاق ما دلّ على حرمة لبس المخيط، بما أنّ التعارض بالعموم من وجه، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، والترجيح مع نصوص المقام، فالأظهر جواز لبس المخيط منهما.

وأمّا العمامة: فصحيح أبي بصير ظاهرٌ في حرمة شدّها على البطن، إلّاأنّ صحيح الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المُحرِم يشدّ على بطنه العمامة، وإنْ شاء يعصّبها على موضع الإزار، ولا يرفعها إلى صدره»(2) يدلّ على الجواز.

وقد يقال: - كما في «الحدائق»(3) - إنّه يمكن الجمع بينهما بحمل البطن في صحيح أبي بصير على الصدر، ولكنّه كما ترى جمعٌ تبرّعي لا شاهد له، وإمكان استعمال البطن في الصدر مجازاً لا يكفي في الجمع.

وربما يقال: إنّ الجمع بينهما يقتضي البناء على الكراهة، ولكن ضابط الجمع العرفي لا يصدق عليه، فإنّا لو جَمعنا بين قوله عليه السلام: (لا) في صحيح أبي بصير في1.

ص: 329


1- جواهر الكلام: ج 18/340.
2- الفقيه: ج 2/346 ح 2644، وسائل الشيعة: ج 12/533 ح 17002.
3- الحدائق الناضرة: ج 15/441.

جواب قول السائل: (يشدّ على بطنه العمامة)، مع قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: (يشدّ على بطنه العمامة) يرى العرف التهافت بينهما، ولا يعتبرون الثاني قرينةً على الأوّل.

أقول: وأضعف منهما حمل صحيح أبي بصير على ما لو كانت العمامة من الحرير.

وعليه، فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّحات، ولعلّ الترجيح مع صحيح الحلبي، لكون الجواز مشهوراً، إلّاأنّ الأحوط مع ذلك اجتنابه، وأمّا شدّها على الصدر فلا يجوز للصحيح.

وإيراد الفاضل النراقي(1) عليه من أنّ الجملة الخبريّة لا تدلّ على الوجوب. قد مرّ ما فيه مراراً.

وأمّا عقد الإزار والرِّداء: فقد تقدّم حكمه في شرائط ثوبي الإحرام.

جواز لبس المخيط للنساء

التنبيه الخامس: في جواز لَبس المخيط للنساء قولان:

1 - المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، هو الجواز، بل قال صاحب «التذكرة»(2): (يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعاً) انتهى .

وفي «المنتهى»(3) قال بعد قوله: يحرم على المُحرِم لبس المخيط: (وأجمعوا على أنّ المراد بهذا الذكور دون النساء) انتهى .

2 - وعن الشيخ في «النهاية»(4) عدم الجواز، ولكنّه على ما قيل ليس كلامه

ص: 330


1- مستند الشيعة: ج 12/13.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/301.
3- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/781.
4- النهاية: ص 218.

فيها نصّاً في الحرمة، وعلى أيّ تقديرٍ قد أفتى رحمه الله أخيراً بما يوافق المشهور في سائر كتبه.

أقول: والأوّل أظهر، إذ يشهد له - مضافاً إلى اختصاص دليل المنع بالرجل، حتّى ما تضمّن لفظ (المُحرِم) فإنّ حمله على إرادة الجنس الشامل للرجل والمرأة يحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام، بل على الخلاف موجودة، وقاعدة الاشتراك لا مجرى لها فيما نحن فيه، والأصل يقتضي الجواز - جملةٌ من النصوص الخاصّة:

منها: صحيح يعقوب بن شعيب: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها، وتلبس الحرير والخَزّ والديباج ؟ فقال عليه السلام: نعم لا بأس به، وتلبس الخلخالين والمِسْك»(1).

ومنها: خبر النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن المُحرِمة أيّ شيء تلبس من الثياب ؟ قال عليه السلام: تلبس الثياب كلّها إلّاالمصبوغة بالزّعفران والوَرَس، ولا تلبس القفازين»(2).

ونحوهما غيرهما من الأخبار الكثيرة، فلا توقّف في الجواز.

حرمة لبس القفازين على النساء

أقول: ثمّ إنّ هذه النصوص متضمّنة لبيان حكمين آخرين:

أحدهما: جواز لبس الحرير للنساء، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً في مبحث شرائط ثوبي الإحرام(3).

ص: 331


1- تهذيب الأحكام: ج 5/74 ح 54، وسائل الشيعة: ج 12/366 ح 16525.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/74 ح 52، وسائل الشيعة: ج 12/366 ح 16526.
3- في الصفحة 135 من هذا المجلّد.

ثانيهما: حكم لبس القفازين عليهنّ ، والمشهور بين الأصحاب حرمته.

وظاهر «التذكرة»(1) و «المنتهى»(2) عدم الخلاف فيها، وعن صريح «الخلاف»(3) و «الغُنية»(4) الإجماع عليها.

واستدلّ لها بجملةٍ من النصوص المتقدّمة:

ففي خبر النضر: «ولا تلبس القفازين»(5).

وفي صحيح العيص: «المرأة المُحرِمة تلبس ما شاءت من الثياب، غير الحرير والقفازين»(6).

وفي خبر أبي عُيّينة: «الثياب كلّها ما خلا القفازين»(7). ونحوها غيرها.

وأورد على الاستدلال بها بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ خبر يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «أنّه كره للمرأة المُحرِمة البرقُع والقفازين»(8) صريحٌ في الكراهة فيه، يرفع اليد عن ظهور تلك النصوص في الحرمة وتُحمل عليها.

وفيه: أنّ الكراهة في الأخبار غير ظاهرة في الكراهة المصطلحة، فضلاً عن الصراحة، لو لم تكن ظاهرة في الحرمة، فغايته الإجمال، فبقرينة النصوص المتقدّمة تُحمل هذه على الحرمة.0.

ص: 332


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/302.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
3- الخلاف: ج 2/294.
4- غنية النزوع: ص 159.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/74 ح 52، وسائل الشيعة: ج 12/366 ح 16526.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/73 ح 51، وسائل الشيعة: ج 12/368 ح 16533.
7- الكافي: ج 4/345 ح 6، وسائل الشيعة: ج 12/367 ح 16527.
8- الفقيه: ج 2/344 ح 2630، وسائل الشيعة: ج 12/367 ح 16530.

الوجه الثاني: ما في «المستند»(1) من أنّ القُفّاز مجملٌ ، فإنّه فسّره في «السرائر»(2) و «مجمع البحرين»(3) و «الصحاح»(4) و «المنتهى»(5) و «التذكرة»(6)بأنّه: (شيءٌ يُعمل لليدين، يُحشى بالقطن يلبسها المرأة للبرد).

وفي «القاموس»(7)، وعن جماعةٍ من أهل اللّغة(8): (أنّه ضَرْبٌ من الحُليّ لليدين والرِّجلين)، وعليه فينفى الفائدة في المنع، لإباحة كلٍّ من المعنيين بالأصل، إلّا أن يثمر في حرمة الجمع بينهما.

وفيه أوّلاً: أنّ الأكثر فسّروه بالأوّل، مع أنّ صريح خبر يعقوب بن شُعيب جواز أن تلبس المرأة الخلخال والمِسْك وهو سِوارٌ من دبل أو عاج(9)، فيُعلم من ذلك أنّ القُفّاز الممنوع غير ذلك.

وثانياً: أنّ غايته الإجمال، فإذا ثبت حرمته، والمُحرّم مردّدٌ بين المعنيين، وجب الإجتناب عنهما معاً، قضاءً للعلم الإجمالي، إذ العلم الإجمالي المنجِزُ للتكليف، أعمٌّ من العلم الوجداني والتعبّدي، فما أفاده من أنّ لازمه الجمع بينهما منافٍ لقواعد العلم الإجمالي.5.

ص: 333


1- مستند الشيعة: ج 12/12.
2- السرائر: ج 1/544.
3- مجمع البحرين: ج 3/534.
4- الصحاح: ج 3/892.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/302.
7- القاموس المحيط: ج 2/187.
8- النهاية لإبن الأثير: ج 4/90، لسان العرب: ج 5/395 وغيرهما.
9- تهذيب الأحكام: ج 5/74 ح 54، وسائل الشيعة: ج 12/366 ح 16525.

الوجه الثالث: أنّ القُفّاز بالمعنى الأوّل من قبيل الثياب، الجائز لبسها لها، وبالمعنى الثاني من قبيل الحُليّ الجائز لها إذا لم تكن للزينة.

وفيه: أنّه على التقديرين يكون دليل المنع أخصّ من أدلّة الجواز، فيقيّد إطلاقها به، فالأظهر هو المنع.

جواز لبس الغلالة والسَّراويل للنساء

التنبيه السادس: لا إشكال ولا خلاف في جواز أن تلبس المرأة الحائض الغلالة، وهي - بكسر الغين - ثوبٌ رقيقٌ تلبسها الحائض تحت الثياب.

وفي «التذكرة»(1) و «الشرائع»(2) وغيرهما دعوى الإجماع عليه، حتّى من القائل بحرمة لبس المَخيط عليها، ولعلّه من جهة ما قاله الشيخ في «النهاية»(3)- بعد أن منع من أن تلبس المخيط - من إنّه (يجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتّقي ثيابها من النجاسات).

ويشهد به:

1 - مضافاً إلى ما تقدّم، وكذلك الأصل.

2 - صحيح عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «تلبس المُحرِمة الحائض تحت ثيابها غلالة»(4).

3 - وأيضاً لا خلاف في جواز أن تلبس السراويل، بل عليه الإجماع، كما

ص: 334


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/301.
2- شرائع الإسلام: ج 1/184.
3- النهاية: ص 218.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/76 ح 59، وسائل الشيعة: ج 12/501 ح 16905.

صرّح الشيخ(1) أيضاً بذلك. ويشهد له صحيح الحلبي: «سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المرأة إذا أحرَمَت أتلبس السراويل ؟ قال عليه السلام: نعم، إنّما تريد بذلك السَّتر»(2).

وأمّا الرّجل فقد مرّ أنّه لا يجوز له لبس السراويل، إلّاإذا لم يجد إزاراً، وقد تقدّم في بيان شرائط ثوبي الإحرام ذلك.

أقول: إنّما الكلام في المقام في أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ المحكيّ عن «الغُنية»(3) و «الإصباح»(4) أنّه: (عند قومٍ من أصحابنا لا يلبس حتّى يفتق، ويجعل كالمئزر، وأنّه أحوط).

ولكن يرد عليه: - مضافاً إلى منافاته لإطلاق الفتاوى والنصوص، فإنّه لم يقيّد الجواز في شيء منها بذلك - أنّه على هذا لا وجه للاختصاص بصورة الضرورة، وعدم وجود الإزار، ولا للقول بثبوت الفدية.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبار ذلك.

الأمر الثاني: أنّه سيأتي إنْ شاء اللّه تعالى أنّ في لبس الرّجل القميص والسراويل وما شاكل اختياراً ثبوت الفدية، لكن وهل تجب الفدية مع جواز لبس السراويل كما مال إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(5) أم لا؟

المشهور بين الأصحاب هو الثاني، وقد نسبه المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(6)إلى علمائنا.7.

ص: 335


1- النهاية: ص 218، المبسوط: ج 1/320.
2- الفقيه: ج 2/344 ح 2631، وسائل الشيعة: ج 12/499 ح 16897.
3- غنية النزوع: ص 159.
4- حكاه عنه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/380.
5- جواهر الكلام: ج 18/344.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/297.

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن المُحرِم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها؟ قال عليه السلام: عليه لكلّ صنفٍ منها فداء»(1).

2 - وخبر ابن العيص: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يلبس القميص متعمّداً؟ قال عليه السلام: عليه دم»(2).

ومن اضطرّ إلى لبس ثوبٍ يحرم عليه مع الاختيار، جاز له لبسه وعليه دم شاة.

3 - وصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «من نتف إبطه، أو قلّم ظُفره، أو حَلَق رأسه، أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحرِم، ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً، فليس عليه شيء، ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة»(3).

ولكن يرد على الأخير: أنّه أجنبيٌ عن المقام، فإنّ الموضوع فيه لبس ما لا ينبغي له لبسه، ومن لا إزار له ينبغي له لبس السراويل.

ويرد على ما قبله: أنّ ذيله ليس في كتب الأخبار.

وأمّا الأوّل: فإنّه أعمٌّ من الاحتياج المسوّغ للبس وعدمه.

وعليه، فيتمّ الاستدلال لعدم الوجوب، بخلوّ النصوص عن وجوبها في المقام،2.

ص: 336


1- تهذيب الأحكام: ج 5/384 ح 253، وسائل الشيعة: ج 13/159 ح 17477.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/384 ح 252، وسائل الشيعة: ج 13/157 ح 17473.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/369 ح 200، وسائل الشيعة: ج 13/157 ح 17472.

وبانصراف نصوص الفدية إلى اللّبس المُحرّم، وسيأتي تمام الكلام إنْ شاء اللّه تعالى في مبحث الكفّارات(1).

حكم الخُنثى

التنبيه السابع: قال المصنّف في «التذكرة»(2): (الخُنثى المُشكل لا يجبُ عليه اجتناب المخيط، لأصالة البراءة) انتهى .

أقول: إنّه إنْ قلنا بأنّ الخُنثى صنفٌ ثالث، ليس برجلٍ ولا امرأة، فالظاهر هو ما أفاده، لأنّ دليل حرمة لبس المخيط هو الإجماع، وهو مختصٌّ بالرجل، وكذا نصوص المنع عن لبس القباء والقميص وما شاكل، فيبقى الخنثى بلا دليل، فالمرجعع إلى أصالة البراءة.

ولكن إن قلنا بأنّه إمّا رجلٌ أو امرأة، وليس صنفاً ثالثاً كما هو الصحيح، أو ليس له تكليفٌ خاص، بل هو مكلّفٌ إمّا بتكاليف الرجال أو بتكاليف النساء، فحيث إنّ المختار عندنا منجّزيّة العلم الإجمالي، ولو كان المعلوم بالإجمال أحد حكمين، ولا يعتبر في تنجيزه العلم بحكمٍ معيّن، فلو علم أنّه إمّا أن يحرم عليه الجلوس في مكانٍ معيّن، أو يجب أن يتصدّق بدرهم، يكون هذا العلم منجّزاً، وموجباً للزوم الاحتياط.

ففي المقام نقول: إنّ الخُنثى يعلم أنّه إمّا أن يحرم عليه لبس المخيط، أو النظر الى الرّجل مثلاً، فمقتضى هذا العلم الإجمالي الاجتناب عنهما.

ص: 337


1- فقه الصادق: ج 16/285.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/303.

ولو نوقش في خصوص المثال، فإنّه لا مجال للمناقشة في الكبرى الكليّة التي ذكرناها.

ولعلّ نظر من ذهب إلى المنع تمسّكاً بقاعدة الشُّغل إلى ما ذكرناه، إذ مع عدم جريان أصالة البراءة للعلم الإجمالي، لابدّ من الرجوع إلى قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

***

ص: 338

وما يَستُر ظهر القدم.

حرمة لبس ما يَستُر ظهر القدم

(و) المحرّم السادس: لبس (ما يستر ظهر القدم) من الخُفّ خاصّة، كما هو ظاهر كلام الشيخ في «النهاية»(1)، والحِلّي في «السرائر»(2)، و «كاشف اللّثام»(3)حيث اقتصروا على ذكره.

أو مع الجورب، كما عن ظاهر «المقنع»(4)، و «التهذيب»(5)، و «المفاتيح»(6). وعن «شرح المقاتيح» التصريح بالاختصاص بهما، وهو ظاهر «الذخيرة»(7) و «المدارك»(8).

أو هو مع الشمشك، كماعن ظاهر «المبسوط»(9) و «الخلاف»(10) و «الجامع»(11).

أو بكلّ ما يستره باللّبس، كما عن «الاقتصاد»(12) و «الجُمل والعقود»(13)

ص: 339


1- النهاية: ص 218.
2- السرائر: ج 1/543.
3- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/381.
4- المقنع: ص 72.
5- تهذيب الأحكام: ج 5/384.
6- حكاه عنه المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 12/13-14.
7- ذخيرة المعاد: ج 3/594.
8- مدارك الأحكام: ج 7/337.
9- المبسوط: ج 1/320.
10- الخلاف: ج 2/296.
11- الجامع للشرايع: ص 184.
12- الاقتصاد: ص 302.
13- الجُمل والعقود: ص 135.

و «الوسيلة»(1) و «المهذّب»(2) و «النافع»(3) و «القواعد»(4) وغيرها، بل في محكي «الذخيرة» نسبته إلى قطع المتأخّرين، بل نسبه سيّد «المدارك» إلى قطع الأصحاب، وقد ادّعى صاحب «المنتهى»(5) نفي الخلاف فيه بقوله: (ولا يجوز له لبس الخفّين، ولا ما يستر ظهر القدم اختياراً، ويجوز اضطراراً، ولا نعلم فيه خلافاً) انتهى ، بل ظاهره نفيه بين المسلمين.

أقول: وأمّا النصوص فهي:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«ولا تلبس سراويل إلّاأن لا يكون لك إزار، ولا خُفّين إلّاأن لا يكون لك نعلان»(6).

2 - صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «وأيّ مُحرِمٍ هلكت نعلاه، فلم يكن له نعلان، فله أن يلبس الخُفّين إذا اضطرّ إلى ذلك، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما»(7).

3 - خبر أبي بصير، عنه عليه السلام: «في رجلٍ هلكت نعلاه، ولم يقدر على نعلين ؟ قال عليه السلام: له أن يلبس الخُفّين إذا اضطرّ إلى ذلك، وليشقّه عن ظهر القدم»(8).

4 - صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «في المُحرِم يلبس الخُفّ إذا لم2.

ص: 340


1- الوسيلة: ص 162.
2- المهذّب: ج 1/221.
3- المختصر النافع ص 84.
4- قواعد الأحكام: ج 1/424.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/783.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/69 ح 35، وسائل الشيعة: ج 12/473 ح 16816.
7- تهذيب الأحكام: ج 5/384 ح 254، وسائل الشيعة: ج 12/500 ح 16901.
8- الكافي: ج 4/346 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/501 ح 16902.

يكن له نعل ؟ قال عليه السلام: نعم، ولكن يشقّ ظهر القدم»(1).

5 - خبر رفاعة بن موسى ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المُحرِم يلبس الجوربين ؟ قال عليه السلام: نعم، أو الخُفّين إذا اضطرّ إليهما»(2).

أقول: ودلالة هذه النصوص على عدم جواز اللّبس اختياراً لا تُنكر، إلّاأنّها كما ترى مختصّة بالجورب والخُفّ ، فمن اقتصر عليهما فدليله ظاهر، ومن خصَّ الحكم بالخُفّ ، استدلّ له بأنّ النص المتضمّن للجورب إنّما تضمّن الجملة الخبريّة، وهي عن إفادة الحرمة قاصرة.

وإمّا الخُفّ : فهو وإنْ كان كذلك أيضاً، إلّاأنّه يمكن استفادة تحريمه:

1 - من عطفه في الصحيحين الأولين على السراويل، الذي يكون النهي فيه للحُرمة.

2 - وعن الأمر في خبر أبي بصير بالشقّ ، الذي هو للوجوب البتة.

3 - وعن مفهوم خبر أبي بصير وصحيح الحلبي، حيث أنّ المتبادر من ما تضمّناه الحليّة ونفيها منطوقاً ومفهوماً.

ولكن يرد عليه: أنّ الجملة الخبريّة - كما أشرنا إليه غير مرّة - أصرح في الحرمة من النهي، فهذا القول ساقط.

وأمّا القول المشهور: فقد استدلّ له في «الرياض»(3) ووافقه عليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(4) بقوله: (والظاهر كفاية نفي الخلاف في «الغُنية» مع سابقيه - مراده ما0.

ص: 341


1- الفقيه: ج 2/340 ح 2616، وسائل الشيعة: ج 12/501 ح 16904.
2- الفقيه: ج 2/340 ح 2615، وسائل الشيعة: ج 12/501 ح 16903.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/308.
4- جواهر الكلام: ج 18/350.

أفاده في «الذخيرة» و «المدارك» - الذي أقلّه الشهرة العظيمة في التعدية، ويُحتمل قويّاً خروج الخُفّ والجورب في الفتوى والنص على مجرى الغالب) انتهى .

ولكن يرد عليه: - مضافاً إلى أنّ جمعاً من الأصحاب لم يتعرّضوا لهذه المسألة، وقد مرّ الاختلاف العظيم بين المتعرّضين لها - أنّ التعدّي من مورد النصوص يتوقّف على ظهور الدليل في إرادة المثال ممّا تضمّنه أو دليلٌ معتبر على التعدّي، وما ذكر لا يصلح لشيء من ذلك، ومجرّد الاحتمال لا يكفي في الاستدلال.

فالمتحصّل: أنّ الأظهر هو الاقتصار على لبس الخُفّ والجورب، وأمّا غيرهما فإنْ كان مخيطاً لم يجز على الرجال خاصّة، لما دلّ على حُرمة لبس المخيط عليهم، وإنْ لم يكن مخيطاً جاز.

تنبيهات:

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: قد يقال: إنّه على فرض القول بالتعدّي، لابدّ وأن يُقتصر على ما يماثل الخُفّ والجورب، في ستر ظهر القدم، بحيث يكون له الساق أيضاً، لأنّه مقتضى المماثلة.

وفي «الجواهر»(1): (إنْ لم يكن إجماعاً، أمكن الاختصاص بما شابه الخُفّ والجورب من لباس القدم ذي الساق دون غيره، لأنّه المناسب كونهما مثالاً لغيرهما) انتهى .

ولكن الظاهر بناءً على القول بالتعدّي، إنّما هو التعدّي إلى كلّ ما يستر ظهر

ص: 342


1- جواهر الكلام: ج 18/350.

القدم، ولو لم يكن له الساق، لأنّه لم يدلّ دليلٌ لفظي على أنّ بحُكم الخُفّ والجورب كلّما يماثلهما حتّى يقال إنّ مقتضى المماثلة ذلك، بل الدليل للتعدّي هو فهم الأصحاب، وهم لا يفرّقون بين ذي الساق وغيره).

التنبيه الثاني: عن «الروضة»(1): (أنّ بعض الظهر كالجميع، إلّاما يتوقّف عليه لبس النعلين) انتهى .

ولكن لا يتمّ ذلك حتّى بناءً على التعدّي ممّا في النصوص من الجورب والخُفّ ، والتعدّي عن ذي الساق إلى غيره، فإنّ التعدّي عمّا يستر تمام ظهر القدم إلى ما يستر بعضه ممّا لا وجه له أصلاً، سيّما مع ورود النص بجواز لبس النعل، وهو يستر بعض الظهر.

أقول: ودعوى أنّ الكلّ ليس إلّاالأبعاض، فإذا لم يجز لبس ما يَستُر جميع الظهر، لم يجر لبس ما يستر البعض، مغالطة واضحة، فإنّ الدليل دلّ على حرمة سَتر المجموع، والبعض غير المجموع.

وبالجملة: التعدّي عن مورد النص إنّما هو بمؤونة الإجماع، ولا إجماع على التعدّي إلى الساتر لبعض الظهر، بل عن «كشف اللّثام»(2): (ولا يحرم عندنا إلّاستر ظهر القدم بتمامه باللّبس) انتهى .

التنبيه الثالث: أنّ المُحرِم على فرض التعدّي إذا لبس ما يسترُ ظهر القدم، فلو ستر القدم لا باللّبس بل بالجلوس، وإلقاء طرف الرداء عليه، أو أصبح تحت الغطاء حين النوم وما شاكل، فإنّه لا بأس به.2.

ص: 343


1- شرح اللّمعة: ج 2/244.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/382.

التنبيه الرابع: هل يعتبر في حُرمة لبس الخُفّين و الجوربين سترهما لباطن القدم، فعلى القول بالتعدّي أيضاً لابدّ وأن يكون الملبوس ساتراً للظاهر والباطن أم لا؟ وجهان:

لم يعثر صاحب «الجواهر»(1) على من اعتبر من الفقهاء ذلك، بل استظهر من الأصحاب خلافه، ولكن الظاهر عدم الاعتبار، لصدقهما على ما لا شيء له يسترُ باطن القدم، ومجرّد غلبة الوجود لا يصلح تقيّيداً للإطلاق، فعلى فرض التعدّي يتعدّى إلى كلّ ما يستر ظاهر القدم وإنْ لم يكن ساتراً لباطنه.

التنبيه الخامس: هل يحرم على النساء لبس الخُفّ والجورب أم لا؟ وجهان:

نُسب الأوّل إلى «النهاية»(2) و «الوسيلة»(3)، والثاني إلى العُمّاني(4) والشهيد(5).

والمصنّف في «المنتهى»(6) استدلّ للأوّل بعموم الأخبار والفتاوى وقاعدة الاشتراك.

وأُورد عليه: أنّ الظاهر من النصوص والفتاوى، أنّ المنع عن الجورب والخُفّ من جهة أنّ المخيط ممنوعٌ لبسه، وهما من مصاديقه أو ما شابهه، وعليه فيختصّ الحكم بالرجال.

وفيه: أنّ ظاهر النصوص كون الخُفّ والجورب من العناوين المستقلة غير3.

ص: 344


1- جواهر الكلام: ج 18/350.
2- النهاية: ص 218.
3- الوسيلة: ص 162.
4- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 12/17.
5- الدروس: ج 1/377.
6- منتهى المطلب (ط. ق): ص 782-783.

الخياطة، فلو كان الجورب غير مخيطٍ مثل ما هو المتعارف في هذا الزمان، عمّه الدليل، لكن لا من باب المشابهة بل لإطلاق النص، ومع ذلك كلّه لا يتمّ دليل المانعين، فإنّ إطلاق الأخبار ممنوع لاختصاصها بالمُحرِم المذكّر، وحملها على إرادة الجنس أو التغليب خلاف الظاهر، وقاعدة الاشتراك لا تجري مع احتمال الخصوصيّة، سيّما بعدما ورد من أنّه يجوز للمرأة لبس السراويل لأنّه أستر لها.

وبالجملة: فالأظهر هو الاختصاص بالرجال، لأصالة البراءة عن حرمة لبسهما على النساء.

لبس الخُفّين في حال الاضطرار

التنبيه السادس: (لو اضطرّ إلى لبس الخُفّ أو الجورب جاز بلا خلافٍ ولا إشكال) كما في «الجواهر»(1)، و (إجماعاً) كما في «السرائر»(2). و «المختلف»(3). وفي «الرياض»(4)، (ولا نعلم فيه خلافاً) كما في «المنتهى»(5).

أقول: والنصوص شاهدة به:

1 - ففي صحيح الحلبي المتقدّم: «فله أن يلبس الخُفّين إذا اضطرّ إلى ذلك، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إليهما».

2 - وفي خبر أبي بصير: «في رجلٍ هلكت نعلاه، لم يقدر على نعلين ؟ قال عليه السلام:

ص: 345


1- جواهر الكلام: ج 18/351.
2- السرائر: ج 1/543.
3- مختلف الشيعة: ج 4/80.
4- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/309.
5- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/782.

له أن يلبس الخفّين إنْ اضطرّ إلى ذلك، فيشقّ عن ظهر القدم».

3 - وفي خبر محمّد بن مسلم: «المُحرِم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ؟ قال عليه السلام: نعم، لكن يشقّ ظهر القدم».

وقد تقدّمت هذه النصوص، إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: أن الذي يظهر من خبر محمّد أنّ المسوّغ لجواز اللّبس هو فَقْد النعل لا الضرورة، إلّاأنّه يتعيّن تقيّيد إطلاقه بمفهوم غيره من النصوص، سيّما خبر أبي بصير الوارد فيمَن هلكت نعلاه.

المورد الثاني: أنّه هل يجب شقّهما في حال الضرورة إن أمكن، كما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، وابني حمزة وسعيد في «الوسيلة»(2) و «الجامع»(3)، والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(4)، والشهيد في «الدروس»(5)، والشهيد الثاني في «المسالك»(6) وغيرهم في غيرها؟

أم لا يجب كما عليه جماعة من الأصحاب، ومنهم الحِلّي(7) مدّعياًعليه الإجماع، ويُشعر به أيضاً عبارة «الشرائع»(8)، واختاره سيّد «الرياض»(9) أيضاً، وعن0.

ص: 346


1- المبسوط: ج 1/320.
2- الوسيلة: ص 163.
3- الجامع للشرايع: ص 184-185.
4- مختلف الشيعة: ج 4/81.
5- الدروس: ج 1/377.
6- مسالك الأفهام: ج 2/257.
7- السرائر: ج 1/543.
8- شرائع الإسلام: ج 1/185.
9- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/310.

«التحرير»(1) التردّد فيه ؟

ثمّ القائلون بعدم وجوب الشقّ :

منهم من ذهب إلى استحبابه، كصاحب «الذخيرة»(2).

ومنهم من أفتى بإباحته.

ومنهم من اختار حرمته كسيّد «الرياض»(3).

والمدرك: هو الأخبار، فإنّه استدلّ بالأمر بالشقّ في جملةٍ من النصوص - كخبري أبي بصير ومحمّدبن مسلم المتقدّمين، والمرسل عن بعض الكتب: «لا بأس للمُحرِم إذا لم يجد نعلاً واحتاج أن يلبس خُفّاً دون الكعبين» - على الوجوب.

وأيّد ذلك بأنّ ما دلّ على حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بدون ضرورة، يدلّ على وجوبه، فإنّه مع الشقّ لا ضرورة.

أقول: وأورد عليه القائلون بعدم الوجوب بوجوه:

منها: أنّ الروايتين ضعيفتان لا يُعتمد عليهما.

وفيه أوّلاً: أنّ خبر محمّد بن مسلم رواه الصدوق بإسناده عنه ولا يبعد صحّته.

وثانياً: أنّ اعتماد من عرفت عليهما يوجبُ جبر ضعفهما لو كان.

ومنها: موافقتهما لمذهب أكثر العامّة ومنهم أبو حنيفة، فيُحملان على التقيّة.

وفيه أوّلاً: أنّ الموافقة للعامة إنّما توجب طرح الخبر عند معارضته بما هو مخالف لهم، بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، فهي بنفسها ليست من موهنات الرواية، ولا موجبة لحملها على التقيّة.0.

ص: 347


1- تحرير الأحكام (ط. ج): ج 1/575.
2- ذخيرة المعاد: ج 3/594.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/310.

وثانياً: أنّ فتوى بعضهم كبعض رواياتهم إنّما هو وجوب الشقّ .

ومنها: العلوي الذي رواه الجمهور أنّه عليه السلام قال: «قطع الخُفّين فساد يلبسهما كما هما».

والمراد بالفساد التبذير والإسراف، فيدلّ على حرمة الشقّ ، وهو إنّما يدلّ على عدم وجوب الشقّ بل حرمته كما عرفت.

وفيه: أنّه ضعيفٌ لا نعرف سنده.

ومنها: أنّ شقّ الخُفّ والجورب إتلافٌ للمال، وهو حرام، لكونه تبذيراًو إسرافاً.

وفيه: أنّه لامانع منه إذا ساعدناالدليل كمافي شقّ القميص الذي يلبسه المُحرِم.

ومنها: أنّ هذه النصوص معارضة مع النصوص الدالّة على جواز لبسهما في حال الاضطرار، فإنّها مع كونها في مقام البيان، لم تتعرّض لذلك، فتدلّ على عدم وجوبه، إذ لو كان واجباً لذُكر في مقام البيان.

أقول: جمع صاحب «الذخيرة»(1) بين الطائفتين، بحمل ما تضمّن الأمر بالشقّ على الاستحباب، وصاحب «الرياض»(2) اعتبر رأي الطائفتين متعارضتين لايمكن الجمع بينهما، ولأصحيّة نصوص عدم الوجوب قدّمها، وطرح هذه النصوص.

ويرد على الثاني: أنّه يمكن الجمع العرفي بينهما، فإنّ غاية ما ذكر في وجه التعارض، دلالة النصوص بالإطلاق على عدم وجوبه، فبمقتضيقاعدة حمل المطلق على المقيّد، تقدّم نصوص الشقّ ، لأنّها أخصّ من تلك الطائفة، فلا وجه للطرح.

وعلى الأوّل: بأنّ المُحقَّق في محلّه أنّه يقدّم المقيّد على المطلق، وإن أمكن الجمع بنحوٍ آخر.9.

ص: 348


1- ذخيرة المعاد: ج 3/594.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 7/309.

وبعبارة اُخرى : الجمع الموضوعي مقدّمٌ ، على الجمع الحكمي.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوب الشقّ .

أقول: ثمّ إنّه على القول بالوجوب أو الاستحباب، فقد وقع الخلاف في المراد من الشقّ :

قال الشيخ في محكي «المبسوط»(1): يشقّ ظهر قدميهما.

وعن «الخلاف»(2) وابن الجنيد(3): أنّه يقطعهما إلى أسفل الكعبين، وهو الظاهر من «المنتهى»(4) و «التذكرة»(5).

وعن ابن حمزة(6): التخيّير بينهما مع أفضليّة قطع الساقين، وذهب صاحب «الجواهر»(7) إلى التخيّير.

ولكن الظاهر من النصوص هو قطع الساقين، فإنّ خبر محمّد وإنْ كان قابلاً للحمل على كلٍّ من المعنيين، إلّاأنّ خبر أبي بصير ظاهر في القطع، لاحظ قوله عليه السلام:

(شَقّ عن ظهر القدم) يعني منتهى الشقّ هو ظهر القدم.

وبعبارة اُخرى: فرق بين شَقّ ظهر القدم، والشقّ عن ظهر القدم، والثاني ظاهر في إرادة القطع، بحيث يكون ممّا لا ساق له، وعلى هذا فالمتعيّن ذلك.

أقول: ثمّ إنّ النصوص دالّة على جواز لبس النعل كما تقدّم، ومقتضى إطلاقها4.

ص: 349


1- المبسوط: ج 1/320.
2- الخلاف: ج 2/295.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 4/81.
4- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/782.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/244.
6- الوسيلة: ص 163.
7- جواهر الكلام: ج 18/354.

جواز لبسه وإنْ كان مخيطاً، وهل يتعدّى إلى غيره ممّا لا يكون ساتراً لظهر القدم كالقندرة أم لا؟ وجهان بل وجوه:

ثالثها: التفصيل بين ما لو كانت مخيطة فلا يجوز، لإطلاق ما دلّ على حرمة لبس المخيط للرجال، الشامل لذلك، ونصوص النعل مختصّة به، والتعدّي يتوقّف على وجود دليل أو علم بالمناط، وهما كما ترى ، وبين ما إذا لم تكن مخيطة، بل كانت معمولة بالمسمار فيجوز، لعدم شمول دليل المنع عمّا يستر ظهر القدم إيّاها، كما لايخفى ، وكذلك ما دلّ على حرمة لبس المخيط.

وبالجملة: فالأظهر هو التفصيل، واللّه العالم.

***

ص: 350

والفسوق، وهو الكذب.

حرمة الفسوق على المُحرِم

(و) المحرّم السابع: (الفسوق) بلا خلافٍ في حرمته على المُحرِم، ففي «الجواهر»(1): (بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه مستفيض)، وفي «الرياض»(2) و «المستند»(3) وغيرهما أيضاً دعوى الإجماع عليه، وهو كذلك، والنصوص الآتية شاهدة به، مضافاً الى الآية الكريمة: «فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي اَلْحَجِّ » (4).

أقول: إنّما الكلام في المراد منه. ففي المتن و «الحدائق»(5) و «الشرائع»(6)وعن «المقنع»(7) و «النهاية»(8) و «المبسوط»(9) و «الاقتصاد»(10) و «الجامع»(11)و «الشرائع» و «النافع»(12)(و) غيرها (هو الكذب)،

ص: 351


1- جواهر الكلام: ج 18/355.
2- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/310.
3- مستند الشيعة: ج 11/381.
4- سورة البقرة: الآية 197.
5- الحدائق الناضرة: ج 15/456.
6- شرائع الإسلام: ج 1/185.
7- المقنع: ص 224.
8- النهاية: ص 219.
9- المبسوط: ج 1/320.
10- الاقتصاد: ص 302.
11- الجامع للشرايع: ص 184.
12- المختصر النافع: ص 84.

بل عن «التبيان»(1) و «مجمع البيان»(2) و «روض الجنان»(3) أنّه رواية أصحابنا، مشعرين بدعوى الإجماع.

وعن السيّد(4) وابن الجنيد(5) والشهيدين(6) وجمعٍ آخرين من المتأخّرين: أنّه الكذب مع السّباب.

وعن «الذخيرة»(7)، وفي حاشية «التبصرة» للسيّد الطباطبائي: أنّه الكذب والسباب والمفاخرة، واختاره المصنّف في محكي «المختلف»(8)، لكنّه قال: إنّ المفاخرة لا تنفكّ عن السِّباب.

وعن ابن أبي عقيل(9): أنّه الكذب واللّفظ القبيح.

وعن «الجُمل والعقود»(10): أنّه الكذب على اللّه تعالى .

وعن «الغُنية»(11) و «المهذّب»(12) و «الإصباح»(13) و «الإشارة»(14): أنّه8.

ص: 352


1- التبيان: ج 2/164.
2- مجمع البيان: ج 1/294.
3- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 11/382.
4- رسائل المرتضى: ج 3/65.
5- حكاه عنه في الحدائق: ج 15/455.
6- الدروس: ج 1/387، اللّمعة الدمشقيّة ص 59، شرح اللّمعة: ج 2/241، مسالك الأفهام: ج 2/258.
7- ذخيرة المعاد: ج 3/593.
8- مختلف الشيعة: ج 4/85.
9- حكاه عنه في الحدائق: ج 15/455.
10- الجمل والعقود: ص 228.
11- غنية النزوع: ص 160.
12- المهذّب: ج 1/221.
13- إصباح الشيعة: ص 153.
14- الإشارة: ص 128.

الكذب على اللّه ورسوله وأحد الأئمّة عليهم السلام، بل عن «الغُنية» دعوى الإجماع عليه.

وقيل: هو المفاخرة.

وقيل: هو كلّ لفظٍ قبيح.

وعن «التبيان»(1) والراوندي(2): أنّه جميع المعاصي التي نُهي المُحرِم عن ارتكابها.

أقول: وأمّا النصوص فهي طوائف:

الطائفة الاُولى : ما يدلّ على القول الأوّل:

منها: خبر زيد الشحّام، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الرفث والفسوق والجدال ؟ قال عليه السلام أمّا الرفث فالجماع، وأمّا الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى : «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ » والجدال هو قول الرجل: لا واللّه، وبلى واللّه، وسباب الرّجل الرّجل»(3).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في قوله عزّ وجلّ :

«اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ... إلى آخره»(4) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال قول الرّجل: لا واللّه وبلى واللّه»(5).

الطائفة الثانية: ما دلّ على القول الثاني:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، قال: «قال أبو عبداللّه عليه السلام: إذا أحرمتَ فعليك بتقوى اللّه - إلى أن قال - فالرفث الجماع، والفسوق الكذب والسّباب»(6).8.

ص: 353


1- التبيان: ج 2/164.
2- فقه القرآن: ج 1/283.
3- وسائل الشيعة: ج 12/467 ح 16795، معاني الأخبار ص 294.
4- سورة الحجرات: الآية 6.
5- وسائل الشيعة: ج 12/467 ح 16796.
6- تهذيب الأحكام: ج 5/296 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/463 ح 16788.

وممّا يعضد هذه الطائفة: موثّق أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه»(1).

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّه الكذب والمفاخرة:

منها: صحيح عليّ بن جعفر، قال: «سألتُ أخي موسى عليه السلام عن الرَّفث والفسوق والجدال ما هو وما على مَن فعله ؟ فقال عليه السلام: الرَّفث جماع النساء، والفسوق الكذب والمفاخرة، والجدال قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه، الحديث»(2).

وعن «المختلف»(3): (إرجاع هذه الطائفة إلى الثانية، بدعوى أنّ المفاخرة لا تنفكّ عن السّباب، إذ المفاخرة إنّما تتمّ بذكر فضائل له وسلبها عن خصمه، أو سلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه، وهذا هو معنى السباب) ومالَ إليه صاحب «الجواهر»(4)، وقوّاه بعض الأعاظم(5).

ولكن يرد عليه: أنّ السَّب متّحدٌ مع الشتم، ويعتبر فيه التنقيص والإزراء تجاه المسبوب، ويعتبر الإهانة والتعيير في مفهومه، وهذا لا يصدق على من أثبت لنفسه فضائل وسلبها عن خصمه، إذ عدم واجديّته لفضائل ليس نقصاً له، وعليه فهما متغايران، غاية الأمر بينهما عمومٌ من وجه.

وقد يقال: في مقام الجمع كما عن «المدارك»(6) وفي «الحدائق»(7): بأنّ الطائفة8.

ص: 354


1- الكافي: ج 2/359 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/281 ح 16311.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/297 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/465 ح 16791.
3- مختلف الشيعة: ج 4/85.
4- جواهر الكلام: ج 18/356.
5- كتاب الحَجّ (للسيّد الخوئي): ج 4/156.
6- مدارك الأحكام: ج 7/341.
7- الحدائق الناضرة: ج 15/458.

الثانية تقتضي نفي المفاخرة، والطائفة الثالثة تقتضي نفي السّباب، فتتدافعان وتتساقطان، فالمتعيّن هو الطائفة الاُولى ، وما اتّفق عليه الطائفتان الأخيرتان وهو كون الفسوق خصوص الكذب.

وفيه أوّلاً: أنّه لو سُلّم تعارضهما بنحوٍ لا يمكن الجمع العرفي بينهما، لزم الرجوع إلى المرجّحات، ومع فقدها فالتخيّير لا التساقط.

وثانياً: أنّه يمكن الجمع العرفي بينهما، إذ غاية ما هناك دلالة كلّ منهما بالمفهوم على نفي ما تضمّنه الاُخرى ، ومن الواضح أنّها تكون بالإطلاق، فيقيّد إطلاق مفهوم كلّ منهما بمنطوق الاُخرى ، فتكون النتيجة هو كون كلّ منهما فسوقاً.

وفي «الحدائق»(1): (أنّه يمكن أن تُحمل الروايات المشتملة على هذه الزيادة على التقيّة، فإنّ المنقول في «التذكرة» عن العامّة تفسير الفسوق بالسّباب).

وفيه: أنّ مجرّد موافقة الخبر للعامّة، لا يوجب حمله على التقيّة، فإنّ المخالفة لهم من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى بعد فقد جملة من المرجّحات، لا من مميّزات الحجّة عن اللّاحجّة.

وقد يقال: إنّ نصوص المفاخرة لا يصحّ العمل بها، فإنّه لم يظهر قائلٌ بها بالخصوص، مع أنّه في صحيح معاوية المتقدّم بعد تفسير الفسوق بالكذب والسباب، قال: (اتّق المفاخرة)، وهذا يفيد المغايرة، فيرفع اليد عنها، فيثبت القول الثاني، ولكن عدم العمل بها بعد هذا الاختلاف العظيم.

أقول: ودعوى المصنّف تلازمها مع السباب، لا يكون موهناً لها، وقوله: (اتّق8.

ص: 355


1- الحدائق الناضرة: ج 15/458.

المفاخرة) بعد تفسير الفسوق بالكذب والسباب، وإنْ كان دالّاً على أنّها ليست فسوقاً، إلّاأنّه بالإطلاق والظهور، فيرفع اليد عن ذلك بما يكون صريحاً في أنّها أيضاً فسوق.

وبذلك يظهر الجواب عن الإيراد على كون السباب من الفسوق، بعطف الفسوق على السباب، في صحيح سليمان بن خالد، قال:

«سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في حديثٍ : وفي السّباب والفسوق بقرة»(1).

فإنّه مع الإغماض عن عدم العمل به، غايته الإشعار أو الظهور في المغايرة، ولكن بعد التصريح بعدم التغاير في النص، يُحمل ذلك على كونه من قبيل عطف العام على الخاصّ .

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الجمع بين النصوص يقتضي البناء على أنّ الفسوق هو الكذب والسباب والمفاخرة، كما وقد ظهر ممّا ذكرناه حجّة القولين الأولين وعدم تماميّتها.

وأمّا بقيّة الأقوال فبين تخصيصٍ بلا مخصّص، وتعميمٍ بلا معمّم، سوى ما قيل للسادس من دعوى الإجماع في «الغُنية»، وهي ليست بحجّة كما هو واضح.

أقول: والذي يسهل الخطب، عدم ترتّب ثمرة مهمّة على هذا النزاع، لحرمة الجميع بأنفسها، وعدم إفساد شيء منها للحجّ ، وعدم إيجابه الكفّارة كما سيأتي.

ومقتضى إطلاق النصوص كون الكذب مطلقاً من الفسوق، وإنْ كان جائزاً.

نعم إذا وجب الكذب لمصلحةٍ ، وقع التزاحم بينه وبين ما دلّ عليحرمته في الإحرام.6.

ص: 356


1- الكافي: ج 4/339 ح 6، وسائل الشيعة: ج 13/148 ح 17446.

وبالجملة: هذا حكم آخر غير مرتبط بحرمة الكذب في نفسه، فلا يدور مداره، كما أنّ مقتضى إطلاق الآية الكريمة والنصوص المفسّرة لها، عدم الفرق في هذا الحكم بين الرّجل والمرأة.

***

ص: 357

والجدال وهو قول: لا واللّه، وبلى واللّه.

حرمة الجدال على المُحرِم

(و) المحرّم الثامن: (الجدال) فهو حرامٌ كتاباً وسُنّةً وإجماعاً بقسميه، على ما في أكثر كتب الأصحاب أو جميعها، كذا في «الجواهر»(1).

إنّما الخلاف في المراد منه، بعد اتّفاقهم ظاهراً على اعتبار اليمين فيه شرعاً، وإنْ كان يتحقّق عرفاً بدون اليمين، ضرورة كونه الخصومة والبغضاء.

(و) كيف كان، فالمشهور بين الأصحاب ما في المتن من أنّه: (هو قول: لا واللّه وبلى واللّه).

وعن الشهيد في «الدروس»(2): (التعدّي عن القول المذكور إلى كلّ يمين).

وفي «المستند»(3): (أنّه يعتبر الحلف باللّه، لكن لا يختصّ بلفظ (اللّه)، بل يتعدّى إلى كلّ ما يؤدّي هذا المعنى كالخالق والرّحمن ونحوهما، وبالفارسيّة وغيرها من اللّغات).

أقول: و قد وقع الخلاف في الخصوصيّات المعتبرة فيه، و سنتعرّض لها بعد ذكر الأخبار:

منها: صحيح معاوية المتقدّم وخبر زيد الشحّام، وفيهما: «الجدال قول: لا واللّه وبلى واللّه».

ص: 358


1- جواهر الكلام: ج 18/359.
2- الدروس: ج 1/386.
3- مستند الشيعة: ج 11/387.

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يقول لا لعمري، وهو مُحرِم فقال: ليس بالجدال، إنّما الجدال قول الرّجل: لا واللّه وبلى واللّه.

وأمّا قوله لاها فإنّما طلب الاسم، وقوله: ياهناه فلا بأس به، وأمّا قوله: لا بل شانيك. فإنّه من قول الجاهليّة»(1).

ومنها: صحيح أبي بصير: «سألته عن المُحرِم يريد أن يعمل له العمل، فيقول له صاحبه: واللّه لا تعمله، فيقول: واللّه لأعملنّه، فيحالفه مراراً، يلزمه ما يلزم الجدال ؟ قال: لا، إنّما أراد بهذا إكرام أخيه، إنّما كان ذلك ما كان للّه عزّ وجلّ فيه معصية»(2).

بيان: (الظاهر من الحديث أنّ المراد بالعمل ما كان فيه إكرام صاحبه، وبما كان فيه معصية لم يكن فيه غرضٌ ديني، فإنّ ذلك دخول في نهيه سبحانه بقوله: «وَ لا تَجْعَلُوا اَللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ » (3) وورد في الأخبار: «أنّ من حلف باللّه صادقاً أثم»)، كذا في «المستند»(4).

ومنها: صحيح آخر لأبي بصير، عن أحدهما عليه السلام: «إذا حلف بثلاثة أيمان متعمّداً متتابعات صادقاً، فقد جادل، وعليه دم، وإذا حلف بيمين واحدة كاذباً فقد جادل وعليه دم»(5).

وقريبٌ منه صحيحه الثالث(6).2.

ص: 359


1- تهذيب الأحكام: ج 5/336 ح 70، وسائل الشيعة: ج 12/465 ح 16790.
2- الكافي: ج 4/338 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/466 ح 16794.
3- سورة البقرة: الآية 224.
4- مستند الشيعة: ج 11/385.
5- وسائل الشيعة: ج 13/146 ح 17439.
6- وسائل الشيعة: ج 13/147 ح 17442.

ومنها: صحيح معاوية، قال أبو عبداللّه عليه السلام في حديثٍ : «والجدال: قول الرّجل:

لا واللّه وبلى واللّه. واعلم أنّ الرّجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد وهو مُحرِم، فقد جادل، وعليه دمٌ يهريقه ويتصدّق به، وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة، فقد جادل، فعليه دمٌ يهريقه ويتصدّق به.

قال: وسألته عن الرّجل يقول: لا لعمري، وبلى لعمري ؟ فقال: ليس هذا من الجدال، وإنّما الجدال قول الرّجل: لا واللّه وبلى واللّه»(1).

ومنها: موثّق يونس، قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يقول: لا واللّه وبلى واللّه، وهو صادق، عليه شيء؟ قال: لا»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الجدال في الحَجّ؟ فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم.

فقيل له: الذي يجادل وهو صادق ؟ قال: قال: عليه شاة، والكاذب عليه بقرة»(3).

أقول: هذه هي نصوص الباب، وتمام الكلام فيما يستفاد منها في ضمن جهات:

الجهة الاُولى: المستفاد من هذه النصوص أنّ الجدال هو اليمين، فالقول بأنّه مطلق الخصومة لأنّها معناه اللّغوي والعرفي ضعيفٌ .

وهل يعتبر فيه سبق الخصومة كما عن السيّد(4) الإجماع عليه واختاره في «الجواهر»(5)؟، أم يكون عامّاً شاملاً لما يكون خصومة وغيره، كما عن ظاهر4.

ص: 360


1- الكافي: ج 4/337 ح 3، وسائل الشيعة: ج 13/146 ح 17438.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/335 ح 69، وسائل الشيعة: ج 13/147 ح 17443.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/335 ح 66، وسائل الشيعة: ج 13/147 ح 17441.
4- الإنتصار: ص 242.
5- جواهر الكلام: ج 18/364.

«الدروس»(1) و «المنتهى»(2) و «التذكرة»(3)؟

وعلى الثاني: فهل يشترط عدم كونه في الإكرام وطاعة اللّه، كما هو المحكيّ عن الإسكافي و «المقنعة» والجُعفي(4)، والكركي(5)، وثاني الشهيدين(6) وسبطه(7) وفي «المستند»(8) أم لا؟

وعلى الأوّل: فهل يشترط عدم كونه في المعصية أم لا؟ وجوه:

مقتضى إطلاق النصوص المفسّرة للجدال، عدم اعتبار سبق الخصومة.

واستدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله لاعتباره بعدم صدق الجدال بدونها، وبأنّ قول:

لا واللّه وبلى واللّه إشارة إلى ذلك، فإنّ المراد النفي من واحدٍ والإثبات من آخر.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ الموضوع العرفي إذا أُخذ في موضوع الدليل:

تارةً : لا يتصرّف الشارع الأقدس فيه، وإنّما يضيف قيداً وجوديّاً أو عدميّاً فيه، كما في باب العقود والإيقاعات، فإنّ الشارع أخذ البيع بما له من المفهوم العرفي موضوعاً للإمضاء، وترتّب الآثار، غاية الأمر اعتبر فيه قيوداً، ففي مثل ذلك لابدّ من إحراز الموضوع عرفاً، والرجوع إلى العرف في تحديد مفهومه.

وأُخرى : يتصرّف فيه، ويبين المراد منه، وفي أمثال ذلك لا معنى للرجوع إلى6.

ص: 361


1- الدروس: ج 1/386.
2- منتهى المطلب (ط. ج): ج 2/844.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 18/364.
4- حكاه عنهم في الدروس: ج 1/387.
5- جامع المقاصد: ج 3/100، قوله: (وتلبيتك من المسجد).
6- شرح اللّمعة: ج 2/362.
7- مدارك الأحكام: ج 7/342.
8- مستند الشيعة: ج 11/386.

العرف، بل لابدّ من الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة.

أقول: والمقام من قبيل الثاني، فإنّ الروايات مفسّرة للجدال، كما يظهر لمن راجعها، فلا مورد للرجوع إلى العرف، ولا يهمّنا النزاع في أنّه هل له حقيقة شرعيّة أو أنّ الشارع استعمله فيه مجازاً، فإنّ ذلك لا يترتّب عليه أثر، وقد عرفت أنّ النصوص تقتضي عدم اعتبار سبقها.

وأمّا الوجه الثاني فيرده: أنّ الظاهر كونهما من شخصٍ واحد، لا النفي من واحد والإثبات من آخر.

نعم، صحيح أبي بصير المتقدّم يشهد لاعتبار عدم كونها في الإكرام وطاعة اللّه تعالى ، وبه يقيّد إطلاق سائر النصوص.

لا يقال: الوارد في آخر تلك الصحيحة من قوله عليه السلام: (إنّما كان ذلك ما كان للّه فيه معصية) يدلّ على اعتبار كونها في المعصية، لا مجرّد عدم كونها في الطاعة.

فإنّه يقال: فرق بين التعبير بما كان في المعصية، والتعبير بما كان فيه المعصية، والثاني يصدق بمجرّد عدم الطاعة، بالتقريب المتقدّم عند بيان المراد من الصحيح راجعه، فإنّ كلّ ما لم يكن في الطاعة يكون فيه المعصية بالضرورة، ويترتّب على ما ذكرناه خروج ما توقّف عليه استنقاذ الحقّ ، أو رفع الدعوى الباطلة عن الجدال، كما هو المنسوب إلى الشهيدين وغيرهما من المتأخّرين، لخروجه عن المعصية بأدلّة نفي الضرر.

الجهة الثانية: هل يعتبر فيه كون الحلف باللّه كما هو المشهور بين الأصحاب وعن السيّدين(1) دعوى الإجماع عليه، أم يكفي كلّ يمينٍ كما عن الشهيد في3.

ص: 362


1- الإنتصار: ص 242، غنية النزوع: ص 513.

«الدروس»(1)؟ وجهان:

يشهد للأوّل: ظاهر النصوص المتقدّمة، الحاصرة لها بقول: لا واللّه وبلى واللّه.

المؤيّدة بما صرّح فيه بعدم كون قوله لعمري جدالٌ ، هو الأوّل.

واستدلّ للثاني:

1 - بوحدة المناط.

2 - وبقوله عليه السلام في صحيح معاوية المتقدّم: (واعلم أنّ الرّجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقامٍ واحدٍ وهو مُحرِم فقد جادل... إلى آخره)، ومثله ما في صحيحه الآخر بدعوى أنّ مقتضى إطلاقهما كفاية كلّ ما صدق عليه اليمين.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه ما لم يُحرز الوحدة، لا وجه للتعدّي، ومع عدم علمنا بالمناطات، كيف يمكن لنا إحرازها؟!

ويرد على الثاني: أنّ إطلاقهما واردٌ في مقام بيان حكم آخر، وهو الكفّارة، وأنّه فرق بين اليمين الصادقة والكاذبة، وأنّه يعتبر في الاُولى ثلاثة أيمان متتابعات، وفي الثانية يكفي واحدة، وأمّا أنّ اليمين التي أُخذت موضوعاً فهل هي مطلق اليمين أو يمين مخصوصة، فليسا في مقام بيانه.

أضف إلى ذلك: أنّه لو سُلّم ثبوت الإطلاق لهما، فإنّه لابدّ من تقيّيده بالنصوص الحاصرة لها بالقول المخصوص، حملاً للمطلق على المقيّد.

وعليه، فالأظهر عدم كفاية مطلق اليمين.

الجهة الثالثة: هل يعتبر في الجدال أن يكون الحلف بخصوص لفظ (اللّه) كما هو7.

ص: 363


1- الدروس: ج 1/386-387.

المشهور بين الأصحاب، أم يكفي مطلق الحلف باللّه، كما عن «الانتصار»(1) و «جُمل العلم والعمل»(2)، وفي «الرياض»(3) و «المستند»(4)؟

وجهان، ظاهر النصوص الحاصرة المؤيّدة بالاجماعات المنقولة والشهرة العظيمة، هو الأوّل.

واستدلّ للثاني:

1 - بقوله في صحيح أبي بصير: «عن المُحرِم يريد العمل فيقول له صاحبه:

واللّه لا تعمله. فيقول: واللّه ما عملتَه. فيحالفه مراراً يلزمه ما يلزم الجدال ؟

قال: لا إنّما أراد بهذا إكرام أخيه، إنّما كان ذلك ما كان للّه فيه معصية».

بتقريب: أنّ تعليل نفي الجدال بذلك دون فقد الخصوصيّتين، أوضح شاهد على أنّه لولا إرادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق (واللّه)، كما هو فرض السؤال، وبه يُحمل النصوص الحاصرة على إرادة الرّد بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة المؤكّدة باليمين ولو مطلقها، ذكره صاحب «الرياض»(5).

2 - وبأنّ الأصل في الألفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللّفظ، فالمراد باللّه معناه وهو الذّات المقدّسة.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه إذا كان للشيء علل وموجبات، صحّ إسناده إلى أيّ منها، من دون أن يلزم من ذلك حزازة في الكلام، ومن دون أن يدلّ الكلام على عدم موجبٍ آخر. وفي المقام بما أنّ تحقّق الجدال متوقّفٌ على الحلف باللّه بلفظ3.

ص: 364


1- الإنتصار: ص 242.
2- رسائل المرتضى: ج 3/66.
3- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/313.
4- مستند الشيعة: ج 11/387.
5- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/313.

مخصوص، مع عدم إرادة الإكرام، فعدمه إنّما يكون بعدم أحد الضدّين أو عدمهما، وفي الصحيح نُسب ذلك إلى عدم أحدهما، وهذا لا يلازمه أن لا منشأ له غير ذلك.

أقول: وأمّا الحصر في قوله: (إنّما كان ذلك ما كان للّه فيه معصية) فهو حصرٌ بالإضافة إلى اعتبار هذا القيد، وأنّه لا جدال بدونه، مع أنّ غاية ما يثبت به - على فرض تماميّة الدليل - ثبوت الجدال باليمين باللّه تعالى مطلقاً، كانت باللّفظ المخصوص أو بغيره، فيقيّد إطلاقه بالنصوص الحاصرة، ومجرّد احتمال كون الحصر فيها إضافيّاً لا يوجب رفع اليد عن ظاهرها.

أضف إلى ذلك: أنّ المفقود في الخبر لفظ لا وبلى ، ولفظ الجلالة موجود.

ويرد على الثاني: أنّ الأصل في الألفاظ دخالتهابأنفسها، لا إرادة معانيها، لاحظ باب العبادات بأجمعها، والطلاق وماشاكل، فالأظهر في جميعها اعتبار اللّفظا لمخصوص.

وهل يعتبر لفظ لا وبلى أم لا يعتبر؟ وجهان:

اختار صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) الثاني، قائلاً بأنّ صيغة القَسَم هو قول واللّه.

وأمّا لا وبلى فهو المقسوم عليه، فلا يعتبر خصوص اللّفظين في مؤدّاه، ولو بشهادة صحيح أبي بصير، ونظره إلى التقريب الذي أفاده سيّد «الرياض».

بل تكفي الفارسيّة فيه، وإن لم تكف في لفظ الجلالة.

وفيه: أنّ ظاهر النصوص الحاصرة حصر المقسوم عليه في اللّفظين، كحصر القَسَم بلفظ الجلالة، والتعدّي لا وجه له، والصحيح قد عرفت حاله، فالأقوى اعتبار اللّفظين المخصوصين.

الجهة الرابعة: هل يعتبر في تحقّق الجدال وقوع الأمرين، أم يكفي أحدهما؟3.

ص: 365


1- جواهر الكلام: ج 18/363.

ذهب جماعةٌ - منهم الفاضل الإصفهاني(1) حاكياً له عن «المنتهى» و «التذكرة»، بل قال: (وبه قطع في «التحرير»)، وصاحب «الجواهر»(2) والفاضل النراقي(3)وسيّد «المدارك»(3) - إلى الثاني.

واستدلّ له في «الجواهر»(4) بقوله: (ولعلّه للصدق عرفاً بعد معلوميّة إرادة ما ذكرناه منهما، لا أنّ قولهما معاً من الواحد أو من الاثنين معتبراً في الجدال).

أقول: والأولى أن يستدلّ بما أفاده الفاضل النراقي رحمه الله(6) من أنّ النفي والإثبات لا يجتمعان غالباً، لأنّه إمّا أن يثبت ما يدّعيه الخصم أو ينفيه، فلا يتوجّه النفي والإثبات من شخصٍ واحد إلى معنى واحد، فالمراد بالنصوص بيان الموارد.

الجهة الخامسة: أنّه يكفي الواحدة في اليمين الكاذبة في صدق الجدال، للتصريح به في النصوص المتقدّمة، كما أنّه لا كلام في اعتبار التكرار ثلاثاً في الصادقة بالنسبة إلى وجوب الكفّارة، إنّما الخلاف في أنّه هل يعتبر الثلاث فيها في صدق الجدال أم لا؟

ظاهر جملةٍ من النصوص المتقدّمة هو الأول، وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على الاكتفاء في صدقه بواحدة.

فإنْ شئتَ قلت: إنّ موثّق يونس يدلّ على أنّ المُحرِم إذا كان صادقاً وقال: لا واللّه وبلى واللّه، لا شيء عليه، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الواحدة والثلاث، ولعلّه لذلك اعتبر الكذب في صدقه.4.

ص: 366


1- الفاضل الهندي في كشف اللّثام (ط. ج): ج 5/370.
2- جواهر الكلام: ج 18/364. (3و6) مستند الشيعة: ج 11/387.
3- مدارك الأحكام: ج 7/342.
4- جواهر الكلام: ج 18/364.

ومقتضى صحيح معاوية بن عمّار: «إنّما الجدال قول: لا واللّه وبلى واللّه»، ونحوه غيره الاكتفاء في صدق الجدال بالواحدة، وإنْ كان صادقاً.

وطائفة ثالثة من النصوص تدلّ على التفصيل بين الكاذبة والصادقة، وأنّه يعتبر في الثانية الثلاث، ويكتفي بواحدة في الاُولى ، وهي تقيّد الطائفتين الأولتين، كما هو واضح.

ودعوى : أنّ ما دلّ على اعتبار الثلاث قابلٌ للحمل على بيان ما يوجب الكفّارة خاصّة خلاف ظاهر أكثر تلك النصوص، سيّما صحيح ابن عمّار حيث رتّب تحقّق الجدال على الثلاث، وفرّع وجوب الدم على الجدال بحرف الفاء.

***

ص: 367

وقتل هَوامّ الجَسد.

يحرم قتل هَوامّ الجسد

(و) المحرّم التاسع: (قتل هَوامّ الجَسد) بالتشديد جمع هامة، ودوابّه كالقُمّل والصئبان ونحوهما كما هو المشهور بين الأصحاب على ما صرّح به جمعٌ ، كذا في «الرياض»(1).

وفي «الجواهر»(2): (لكنّا لم نتحقّقها في العنوان المزبور).

أقول: الظاهر عدم الشهرة:

فإنّ جمعاً من القدماء لم يتعرّضوا للقتل، واكتفوا بذكر الالقاء عن البدن.

وجمعاً من الفقهاء - وهم الأكثر - اقتصروا على ذكر القُمّل خاصّة.

وجوّز بعضهم قتل قُمّل البدن خاصّة دون الثوب.

وعن بعض المحدّثين تجويز قتل القُمّل مطلقاً على كراهية.

وكيف كان، فيشهد لحرمة قتلها جملةٌ من النصوص:

منها: خبر أبي الجارود، قال: «سأل رجلٌ أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قُمّلة وهو مُحرِم ؟ قال عليه السلام: بئسما صنع. قال: فما فداؤها؟ قال عليه السلام: لا فداء لها»(3).

ومنها: صحيح زرارة: «سألتُ أباعبداللّه عليه السلام: هل يحكّ المُحرِم رأسه ؟ قال عليه السلام:

ص: 368


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/315.
2- جواهر الكلام: ج 18/364.
3- الكافي: ج 4/362 ح 1، وسائل الشيعة: ج 12/539 ح 17018.

يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة»(1).

ومنها: صحيح معاوية، عنه عليه السلام: «ثمّ اتّق قتل الدّواب كلّها إلّاالأفعى والعقرب والفأرة»(2).

ودعوى : انصراف الدّواب إلى غير هوامّ الجَسد، غير مسموعة، سيّما بعد إطلاق الدابّة عليها في صحيح زرارة.

ومنها: حسن الحسين ابن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «المُحرِم لا ينزع القُمّلة من جسده، ولا من ثوبه متعمّداً، وإنْ قتل شيئاً من ذلك خَطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده»(3).

فتأمّل فإنّ في بعض النسخ: (وإن فعل) بدل: (وإن قتل)، مع أنّ دلالته عليها لو تمّت فإنّما هي من جهة حكمه بثبوت الكفّارة، بدعوى التلازم بين ثبوتها والحرمة، وفي المقام لا يتمّ ذلك، فإنّ القتل إذا كان خطأً لا يكون حراماً.

أقول: وربما يستدلّ له بطائفة اُخرى من النصوص، وهي الأخبار الدالّة على المنع من نزع القُمّلة وإبانتها وإلقائها، بتقريب: أنّ القتل متضمّن بعض ذلك، أو يتعدّى منها إلى القتل بالأولويّة، ولكن الأولويّة غير ثابتة والكلام إنّما هو في القتل من حيث هو، مع قطع النظر عن عنوانٍ آخر، فالعمدة هي النصوص الثلاثة الأولى ، ولكن بإزائها روايات:

منها: صحيح معاوية بن عمّار: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: ما تقول في مُحرِمٍ قتل1.

ص: 369


1- الكافي: ج 4/366 ح 7، وسائل الشيعة: ج 12/534 ح 17007.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/365 ح 186، وسائل الشيعة: ج 12/545 ح 17036.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/336 ح 73، وسائل الشيعة: ج 13/168 ح 17501.

قمّلة ؟ قال عليه السلام: لا شيء عليه في القُمّل، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها»(1).

حيث أنّ لفظ (لا ينبغي) وعموم (الشيء) المنفيّ وشموله للعقاب ظاهران في عدم التحريم.

ومنها: صحيح ابن عمّار، وخبر زرارة الدالّين على جواز قتل القُمّلة كما في الأوّل(2) وهي والبرغوث والبقة كما في الثاني(3) في الحرم، وهما بإطلاقهما يدلّان على عدم حرمة القتل ولو كان القاتل مُحرِماً.

وبتقريب آخر: أنّه قد دلّ الدليل على التلازم بين حرمة فعلٍ على المُحرِم، وحرمته في الحرم، فإذا ثبت الجواز في الحرم ثبت بالنسبة إلى المُحرِم.

ومنها: النصوص الدالّة عليجواز قتل كلّ ما أراد المُحرِم كمرسل «المقنعة»(4)، وصحيح معاوية(5)، أو ما أذّاه كصحيح جميل(6) وخبر زرارة(7).

ولكن ما دلّ على جواز قتل ما آذى المُحرِم مختصٌّ بالبرغوث والبق، ولا تعرّض له بالقمّل، فموضوعه غير موضوع خبر أبي الجارود.

نعم، هو أخصّ من صحيح ابن عمّار الوارد فيه قوله عليه السلام: «اتّق قَتل الدّواب كلّها» من جهة اختصاصه بالبرغوث والبق، ومن جهة الاختصاص بصورة الإيذاء، فالجمع يقتضي خروج هذه الصورة من الحرمة، كما أنّه أخصّ من صحيح زرارة.1.

ص: 370


1- الكافي: ج 4/362 ح 2، وسائل الشيعة: ج 12/539 ح 17019.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/366 ح 190، وسائل الشيعة: ج 12/551 ح 17056.
3- الكافي: ج 4/364 ح 11، وسائل الشيعة: ج 12/551 ح 17058.
4- وسائل الشيعة: ج 12/548 ح 17047، المقنعة ص 450.
5- الكافي: ج 4/364 ح 5، وسائل الشيعة: ج 12/547 ح 17043.
6- وسائل الشيعة: ج 12/540 ح 17024.
7- وسائل الشيعة: ج 12/539 ح 17021.

كما أنّ ما دلّ على جواز قتل ما أراده أخصّ من صحيح معاوية وصحيح زرارة، فيخصّصهما بصورة عدم الإرادة، والنسبة بينه وبين خبر أبي الجارود عمومٌ من وجه، إلّاأنّه يقدّم عليه إمّا لأصحيّة سنده أو لأنّه يدلّ على جواز القتل فيما لا يجوز قتله، فيكون له نحو حكومة عليه، فيجوز في صورة الإرادة والإيذاء.

وأمّا ما دلّ على جواز قتل القُمّلة في الحرم، فإن كان التمسّك بإطلاقه فيقيّد بخبر أبي الجارود وصحيح زرارة، وإنْ كان بالملازمة المُدّعاة، فهي أيضاً بالإطلاق فيقيّد بما تقدّم.

أقول: وأمّا صحيح معاوية الدالّ على جواز قتل القُمّل فيرد عليه:

إنّ ظهور (لا ينبغي) في عدم التحريم ممنوعٌ ، وعلى فرضه يرفع اليد عنه بخبر أبي الجارود الدالّ على حرمة القتل، وكذا يقيّد إطلاق نفي الشيء به.

فالمتحصّل: أنّه يحرم قتل القُمّلة مع عدم الإيذاء، وعدم إرادة المُحرِم.

وأمّا البقّ والبرغوث: فيبتني حرمة قتلهما على شمول صحيح زرارة الوارد فيه قوله عليه السلام: (ما لم يتعمّد قتل دابّة) لهما وعدمه، ومنشأ التردّد أنّ ما يقتل بحكّ الرأس من دابّة الجسد، هو خصوص القُمّل، وأمّا البق والبرغوث الخارجان عمّا يتكوّن في البدن، فشمول العموم لهما محلّ تردّد، والاحتياط بترك قتلهما أيضاً لا يترك.

إلقاء هَوامّ الجَسد

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: أنّ المذكور في كلام جماعةٍ ، حرمة إلقاء المُحرِم هوامّ الجَسد عن بدنه وثوبه، بل نُسب ذلك إلى المشهور.

ص: 371

وفي «الرياض»(1): (لولا اتّفاق الأصحاب ظاهراً على حرمة إلقاء القُمّلة...

إلى آخره).

وعن ابن زُهرة: أنّه نفى الخلاف عنه في «الغُنية»(2).

والمستند روايات:

منها: حسن ابن أبي العلاء المتقدّم.

ومنها: خبره الآخر عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يرمي المُحرِم القُمّلة من ثوبه ولا من جسده متعمّداً»(3).

ومنها: صحيح معاوية، عنه عليه السلام: «المُحرِم يلقى عنه الدّواب كلّها إلّاالقُمّلة فإنّها من جسده»(4).

وهو بعموم العلّة يدلّ على حرمة إلقاء كلّ ما هو من بدنه. ونحوها غيرها.

أقول: ولكن هذه النصوص بأجمعها في القُمّلة وليس شيءٌ منها في غيرها، بل صحيح معاوية يدلّ عليجواز إلقاء غيرها ولم يذكره أيضاً كثيرٌمن قدماء الأصحاب.

أمّا الاستدلال له بعموم العلّة في صحيح معاوية فيرد عليه:

أنّ البق والبرغوث ليس من جسده ومتكوّنين فيه، فلا يشملهما عموم العلّة.

وأمّا صحيح ابن سنان: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: أرأيتَ إنْ وجدتُ علَيَّ قراد أو حلمة أطرحهما؟ قال عليه السلام: نعم، وصغار لهما أنّهما رقيا في غير مرقاهما»(5).5.

ص: 372


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/317.
2- غنية النزوع: ص 513.
3- الكافي: ج 4/362 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/539 ح 17020.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/336 ح 74، وسائل الشيعة: ج 12/540 ح 17022.
5- الكافي: ج 4/362 ح 4، وسائل الشيعة: ج 12/541 ح 17025.

الذي استدلّ به بعض(1) بدعوى أنّه يدلّ على حرمة إطراح ما رقى مرقاه، ومنه البرغوث والقُمّل.

فيرد عليه: أنّه يدلّ على أنّ الارتقاء في غير المرقى يُرجّح الإطراح، ولا يدلّ على أنّ الإرتقاء في المرقى علّة للمنع، فالقول بالجواز فيه خالٍ عن الإشكال.

وأمّا القُمّلة: فالنصوص شاهدة بحرمة إلقائها، وأورد على الاستدلال بها أمران:

أحدهما: أنّها متضمّنة للجملة الخبريّة، وهي غير ظاهرة في الحرمة.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم مراراً من ظهورها فيها.

وثانياً: أنّ بعض النصوص متضمّنٌ للنهي لاحظ صحيح حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إنّ القِراد من البعير بمنزلة القُمّلة من جسدك، فلا تلقها وألق القِراد»(2).

ثانيهما: أنّها معارضة بخبر مُرّة مولى خالد، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يُلقي القملة ؟ فقال عليه السلام: ألقوها أبعدها اللّه غير محمودة ولا مفقودة»(3).

وأورد عليه أوّلاً: بضعف السند.

وثانياً: بأنّه يمكن أن يكون ألفوها بالفاء من الاُلفة.

ولكن يرد الأوّل: أنّ مُرّة وإنْ كان إماميّاً مجهولاً، إلّاأنّ الراوي عنه صفوان بن يحيى ، وهو من أصحاب الإجماع، وبقيّة رواة الحديث ثُقات.

ويرد الثاني: أنّه لا يناسب مع قوله: (أبعدها اللّه) ولا مع السؤال، فالأظهر تماميّة الرواية سنداً ودلالةً ، إلّاأنّ الجمع بينها وبين ما تقدّم ممّا ظاهره المنع، بحمل ما3.

ص: 373


1- رياض المسائل (ط. ج): ج 6/319.
2- الكافي: ج 4/364 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/543 ح 17029.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/337 ح 77، وسائل الشيعة: ج 12/540 ح 17023.

تقدّم على الكراهة، كما أفاده صاحب «المستند»(1) غير تامّ ، لأنّه لو جمعنا ما في الخبرين: (القوها) و (لا يرمي القُمّل من جسده) فإنّ العرف يراهما متعارضان، ولا يعدّ الأوّل قرينةً على الثاني، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، والترجيح يكون مع نصوص المنع لوجوهٍ لا تخفى .

وأمّا الروايات الدالّة على أنّ مَن حَكَّ رأسه ووقع قُمّلة لا شيء عليه، فمحمولة على غير التعمّد، كما هو ظاهرها.

وبالجملة: فالأظهر حرمة إلقاء القُمّلة عن ثوبه وجسده، إلّاإذا أذّاه، فإنّه يجوز حينئذٍ كما يشهد به خبر زرارة المتقدّم.

التنبيه الثاني: هل يحرم قتل الصاب، وهو بيض القُمّل، ويحرم إلقاؤه عن البدن أم لا، أم يفصّل بين الأوّل فيجوز، والثاني فلا يجوز؟ وجوه:

قد استدلّ للأوّل: في «الجواهر»(2) - بعد الاعتراف بعدم صدق الدابّة عليه - بأنّه من التابع للقُمّل في كونه من الجسد.

وأورد عليه بعض الأعاظم(3): بأنّ تبعيّته للقملة في الوجود، لا تلازم تبعيّته لها في الحكم، ففي حكمه يرجع الى أصالة البراءة.

أقول: الظاهر أنّ نظر صاحب «الجواهر» رحمه الله الى الاستدلال بعموم العلّة الوارد في صحيح معاوية: (إلّا القُمّلة فإنّها من جسده)، وعليه فيتمّ الاستدلال إلّاأنّه في الإلقاء لا في القتل.5.

ص: 374


1- مستند الشيعة: ج 11/393.
2- جواهر الكلام: ج 18/368.
3- لعلّ المراد به السيّد الكلبايكاني في كتاب الحَجّ : ج 2/155.

وعليه، فالأظهر هو التفصيل بين القتل والإلقاء، فيجوز الأوّل ولا يجوز الثاني، إلّا أن يتمّ دعوى الأولويّة أو التلازم، فلايجوز القتل أيضاً، والاحتياط سبيل النجاة.

نقل هَوامّ الجَسد

التنبيه الثالث: في نقل هوام الجسد من القُمّل ونحوه من مكانٍ إلى مكان آخر من جسده أقوال:

1 - جوازه مطلقاً، سواءٌ كان المنقول إليه مساوياً، أو أحرز، أو لم يكن، كما هو المشهور.

2 - أنّه يجوز النقل إلى مكانٍ مساو أو أحرز، ولا يجوز إلى غيره، وقد صرّح به بعضهم.

3 - أنّه يجوز إلى مكان غير معرّض للسقوط، وإلّا فلا يجوز.

ومدرك الحكم صحيحة ابن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام: قال: «المُحرِم يلقى عنه الدّواب كلّها إلّاالقُمّلة، فإنّها من جسده، وإنْ أراد أن يحوّل قُمّلة من مكانٍ إلى مكان فلا يضرّه»(1).

ومقتضى إطلاقه عدم اعتبار كون المنقول إليه مساوياً أو أحرز.

وأمّا النقل إلى مكانٍ معرّض للسقوط، فحيث إنّه في معنى الإلقاء فلعلّ المنع أظهر.

التنبيه الرابع: المشهور بين الأصحاب أنّه يجوز إلقاء القِراد والحلم عن نفسه

ص: 375


1- تهذيب الأحكام: ج 5/336 ح 74، وسائل الشيعة: ج 12/540 ح 17022.

وعن بعيره.

والحلم: جمع حلمة، وهي القِراد العظيم كما عن «الصحاح»(1).

وقيل: إنّها الصغيرة من القردان.

ولكن في صحيح حريز: «إنّ القِراد ليس من البعير، والحلمة من البعير»(2).

وهذا ينافي ما عن اللّغويين.

وكيف كان، فيشهد لجواز إلقائهما من المُحرِم صحيح عبداللّه بن سنان:

«قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: أرأيتَ إنْ وجدتُ علَيَّ قراد أو حلمة أطرحهما؟ قال عليه السلام:

نعم، وصغار لهما أنّهما رقيا في غير مرقاهما»(3).

ومقتضى عموم العلّة فيه جواز إلقاء كلّ دابّةٍ لا تتكوّن في البدن، ووجدها المُحرِم في بدنه أو ثوبه.

ويشهد به: مضافاً إلى ذلك، ما تقدّم من صحيح ابن عمّار: «المُحرِم يلقى عنه الدّواب كلّها إلّاالقُمّلة... الحديث».

وأمّا إلقاؤها من البعير فجملةٌ من النصوص ظاهرة في جواز إلقاء القِراد دون الحلم:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إن ألقى المُحرِم القِراد عن بعيره فلا بأس، ولا يلقي الحلمة»(4).8.

ص: 376


1- الصحاح: ج 5/1903.
2- الكافي: ج 4/364 ح 8، وسائل الشيعة: ج 12/543 ح 17029.
3- وسائل الشيعة: ج 12/541 ح 17025.
4- تهذيب الأحكام: ج 5/338 ح 80، وسائل الشيعة: ج 12/542 ح 17028.

ومنها: حسن حريز، عنه عليه السلام: «إنّ القِراد ليس من البعير، والحلمة من البعير بمنزلة القُمّلة من جسدك، فلا تلقها وألق القِراد»(1).

ومنها: خبر عمر بن يزيد: «لا بأس أن تنزع القِراد عن بعيرك، ولا ترم الحلمة»(2). ونحوها غيرها.

وقد أفتى بما تضمّنته من التفصيل الشيخ(3) قدس سره وجماعة، إلّاأنّ المشهور هو الجواز مطلقاً، واستدلّوا له:

1 - بالأصل، وصحيح ابن عمّار المتقدّم: «المُحرِم يلقي عنه الدّواب كلّها إلّا القُمّلة».

2 - وبخبر عبد اللّه بن سعيد، قال: «سأل أبو عبد الرّحمن أبا عبداللّه عليه السلام عن المُحرِم يُعالج دُبر الجمل ؟ قال: فقال: يلقي عند الدّواب، ولا يُدميه»(4).

ولكن الأصل مقطوع بالنصوص المتقدّمة، وصحيح ابن عمّار مختصٌّ بالمُحرِم والكلام في البعير.

أقول: وأمّا الخبر فعن بعض الأعاظم أنّه ضعيف السند، إلّاأنّي تفحّصتُ عن رجاله ورأيتُ رجاله كلّهم ثقات، ليس فيهم من يتوقّف فيه، فسنده قوي.

وأيضاً عنه: أنّه مختصٌّ بصورة المعالجة، وترتّب الضرر على إبقائها.

وفيه: إنّ كلمة (يعالج) ليس ظاهراً في ذلك، فإنّ العلاج بمعنى العمل والممارسة.3.

ص: 377


1- وسائل الشيعة: ج 12/543 ح 17029.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/338 ح 81، وسائل الشيعة: ج 12/543 ح 17031.
3- تهذيب الأحكام: ج 5/338.
4- الكافي: ج 4/367 ح 11، وسائل الشيعة: ج 12/543 ح 17033.

والحقّ أن يقال: إنّه عامٌ ، والنصوص المتقدّمة مختصّة بالحلمة، فيجب تقيّيدها به.

فالمتحصّل: أنّ ما أفتى به الشيخ وتابعوه من عدم جواز إلقاء الحلمة هو الصحيح، واللّه العالم.

إلى هنا تَمّ الجزء الخامس عشر من هذه الطبعة المحقّقة، ويتلوه الجزء السادس عشر في ما يتعلّق ببقيّة مباحث الحَجّ ، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

***

ص: 378

فهرس الموضوعات

أحكام المواقيت... 7

نذر الإحرام قبل الميقات... 9

فروع... 13

الإحرام قبل الميقات لإدراك عُمرة رجب... 17

التجاوز عن الميقات بلا إحرام... 19

لو تعذّر الإحرام من الميقات... 21

في حكم تأخير الإحرام من الميقات... 24

لو ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلاً... 28

لو ترك الإحرام عن عُذر... 34

لو نسي المتمتّع الإحرام للحجّ ... 36

حقيقة الإحرام... 40

من واجبات الإحرام النيّة... 48

تعيين الإحرام في النيّة... 50

استدامة النيّة... 54

لو أحرم بنُسُكٍ ثمّ نَسيه... 55

عدم كفاية نيّة واحدة للعمرة والحَجّ ... 60

حكم النيّة المُبهمة... 64

اشتراط الإحلال... 66

استحباب التلفّظ بالنيّة... 74

التلبيات الأربع... 77

ص: 379

ما ينعقد به إحرام القارن... 80

وجوب التلبية على نفس القارن... 84

مقارنة التلبية لنيّة الإحرام... 87

وقت التلبية... 89

الواجب من التلبية مرّة واحدة... 95

الجهر بالتلبية... 97

صورة التلبيات الأربع... 100

حُكم من لا يُحسِن التلبية... 106

مبدأ اشتقاق التلبية... 111

لبس الثوبين... 114

لبس الثوبين ليس شرطاً للصحّة... 117

كيفيّة لبس الثوبين... 120

الإحرام في القميص جاهلاً أو ناسياً... 125

استدامة لبس الثوبين... 126

حكم الزيادة على الثوبين... 128

اعتبار كون الثوب ممّا تصحّ فيه الصلاة... 129

اعتبار طهارة ثوبي الإحرام... 131

الإحرام في الثوب المغصوب والجلد والحرير... 133

إحرام النساء في الحرير... 135

الإحرام في القباء... 141

الإحرام في الثياب السود... 146

آداب الإحرام... 148

تنظيف الجسد... 156

ص: 380

استحباب الغُسل للإحرام... 159

موارد استحباب إعادة الغُسل... 163

لو أحرم بغير الغُسل... 166

استحباب الإحرام عقيب الصلاة... 171

الإحرام بعد صلاة الظهر أولى... 177

باقي مندوبات الإحرام... 181

بيان موضع قطع التلبية... 181

تروك الإحرام... 189

الصيد حرامٌ على المُحرِم... 189

عدم اختصاص حرمة الصيد بمحلَّل الأكل... 195

حرمة ذبيحة المُحرِم على المُحلّ والمُحرِم... 202

الوجوه المؤيّدة للمنع... 208

هل يترتّب سائر أحكام الميتة على صيد المُحرِم... 213

حكم ذبح المُحلّ للصيد... 215

حرمة فرخ الصيد وبيضه... 218

عن صيد الجراد وحكمه... 219

عدم حرمة صيد البحر على المُحرِم... 220

في حكم الصيد المشكوك... 224

حرمة الجماع على المُحرِم... 228

حرمة التقبيل على المُحرِم... 232

فروع... 233

حرمة لمس المرأة على المُحرِم... 236

نظر المُحرِم إلى زوجته... 239

ص: 381

عقد المُحرِم لنفسه ولغيره... 245

التزويج في حال الإحرام يوجبُ الحرمة الأبديّة... 248

إلحاق المُحرِمة بالمُحرِم... 251

اختلاف الزوجين في العقد... 255

شهادة المُحرِم على العقد... 264

حكم الخطبة... 272

حُرمة الإستمناء... 275

حرمة الطيب... 279

في حكم الطيب... 282

تنبيهات... 288

بيان ما يحرم من الطيب على المُحرِم... 294

حكم الريحان والأدهان الطيّبة... 297

بحثٌ حول الطيب... 303

عدم حرمة خَلُوق الكعبة وزعفرانها على المُحرِم... 305

التطيّب حال الإضطرار... 307

اجتياز المُحرِم في موضعٍ يُباع فيه الطيب... 310

الاكتحال بما فيه الطيب... 317

حرمة لبس المخيط على الرجال... 321

لبس المنطقة وشَدّ الهميان... 327

جواز لبس المخيط للنساء... 330

حرمة لبس القفازين على النساء... 331

جواز لبس الغلالة والسَّراويل للنساء... 334

حكم الخُنثى... 337

ص: 382

حرمة لبس ما يَستُر ظهر القدم... 339

تنبيهات... 342

لبس الخُفّين في حال الاضطرار... 345

حرمة الفسوق على المُحرِم... 351

حرمة الجدال على المُحرِم... 358

يحرم قتل هَوامّ الجسد... 368

إلقاء هَوامّ الجَسد... 371

نقل هَوامّ الجَسد... 375

فهرس الموضوعات... 379

***

ص: 383

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.