فقه الصادق المجلد 11

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحَمدُ للّه على نعمائه، وله الشُّكر على آلائه، والصَّلاة على محمّدٍ المبعوث إلى كافّة الأنام، وعلى آله هُداة الخلق، وأعلام الحقّ ، واللّعن الدّائم على أعدائهم إلى يوم الدِّين.

وبعد، فإن من فروض اللّه على عباده لتطهير أموالهم، وتزكية نفوسهم أن أمرهم بالخُمس، وقد وفّقنا اللّه للنظر في أحكام هذا الواجب بشتّى تفريعاته واستدلالاته، فكان من ثمارها هذا الجزء من كتابنا المسمّى ب (فقه الصادق)، وقد وفّقنا لطبعه، والمرجوّ من اللّه تعالى التوفيق لنشر بقيّة الأجزاء، إنّه وليّ التوفيق.

ص: 5

ص: 6

البابُ الخامس: في الخُمس.

كتابُ الخمس

اشارة

(الباب الخامس: في الخمس)، وهو لغةً رابع الكسور، وشرعاً حقٌّ مالي محدودٌ برابع الكسور، فَرضه اللّه على عباده للحجّة عليه السلام وقبيله.

ودعوى: أنّه ليس له حقيقة شرعيّة ولا متشرّعيّة، بل المعنى المعهود عند المتشرّعة هو أحد مصاديق معناه اللّغوي.

مندفعة: بأنّ الخمس عند المتشرّعة يُستعمل في هذا الفرد الذي له مصرفٌ خاصّ بلا قرينة، وحيثُ أنّ استعمال اللّفظ الموضوع للكلّي في الفرد - لا سيّما مع تقيّده بقيدٍ خاصّ - يكون مجازاً، فيستكشف من استعمال الخمس في المعنى المعهود بلا قرينة، ثبوت حقيقة شرعيّة أو تشرّعيّة له، لذا نلتزم في الموارد التي ورد الأمر فيها بإخراج الخمس - كالحلال الُمختلط بالحرام - بأنّ مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس، كما سيمرّ عليك.

الدُّنيا وما فيها للإمام عليه السلام

الدُّنيا وما فيها للإمام عليه السلام

أقول: وقبل الشروع في مقاصد هذا الباب، لا بأس بالتنبيه على أمر وهو:

أنّه يظهر من جملةٍ من النصوص أنّ الدُّنيا وما فيها للحُجّة عليه السلام، وأنّ له التصرّف فيها كيف ما شاء:

ص: 7

1 - مكاتبة ابن الرّيان إلى العسكري عليه السلام، قال: «كتبتُ إليه: رُوي لنا أنْ ليس لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من الدُّنيا إلّاالخُمس ؟ فجاء الجواب: إنّ الدُّنيا وما عليها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

2 - مرسل أحمد بن محمّد بن عبد اللّه: «الدُّنيا وما فيها للّه ولرسوله ولنا، فمن غلب علي شيء منها فليتّق اللّه، الحديث»(1).

3 - وخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قلتُ له: أما على الإمام زكاة ؟ فقال: أُحلّت يا أبا محمّد، أما علمت أنّ الدُّنيا والآخرة للإمام عليه السلام، يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى مَنْ يشاء.. الخ»(3). ونحوها غيرها.

وأورد عليها: بأنّ هذه النصوص مصادمة للضرورة وللكتاب والسُنّة، حيث أنّهما يدلّان على ثبوت الخمس، ولو كان الدُّنيا وما فيها للحُجّة عليه السلام لما كان لجعل الخمس موردٌ.

وفيه: الظاهر من هذه الأخبار ثبوت السلطنة الثابتة للّه تعالى على أموال الناس، من غير جعل جاعلٍ للرسول صلى الله عليه و آله والإمام عليه السلام بالجعل، وهذا المعنى من الملكيّة لا ينافي مع ملكيّة الناس، وإنْ شئتَ فعبّر عن ذلك بأولويّة الحجّة بالتصرّف فيها من المالكين لها، وهذه الملكيّة أقوى من ملكيّة ما يملكه العبد لسيّده.

ويؤيّد ذلك: مخاصمة ابن أبي عُمير، مع أبي مالك في أنّ الدُّنيا وما فيها للإمام عليه السلام، وهَجْره هِشاماً بعدما حكم لأبي مالك من عدم كونها له، إذ لا يُظنّ بابن2.

ص: 8


1- الكافي: ج 1/408 ح 2.

أبي عُمير التزامه بملكيّتها له عليه السلام بنحوٍ لا تجامع مالكيّة سائر الناس، والتزام الأئمّة عليهم السلام بالتجنّب عمّا في أيدي الناس، وعدم استباحة شيء من ذلك إلّابسببٍ لا ينافي ذلك، لعدم دلالته على عدم كونه لهم واقعاً، ولذا تصرف الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في بستان مخالفه، مع تصريحه بعدم رضاه بذلك، واسترضائه بعد ذلك لا يوجبُ جواز التصرّف قبله، ولم يكن ذلك إلّالما ذكرناه.

وكيف كان، فوجوب الخمس في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا كلام، قال اللّه تعالى : وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى وَ اَلْيَتامى وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ ... الخ(1).

والنصوص الدالّة عليه متواترة، سيمرّ عليك جملة منها إنْ شاء اللّه تعالى .

أقول: وتنقيح القول في ما يجبُ فيه الخُمس يتحقّق بالبحث في فصول:1.

ص: 9


1- سورة الأنفال: الآية 41.

وهو واجبٌ في غَنائم دار الحرب.

غنائم دار الحرب

الفصل الأوّل: فيما يجب فيه الخمس (وهو واجبٌ في) سبعة أشياء، بناءً على وجوبه في الأرض التي اشتراها الذّمي من المسلم، وفي الحلال المختلط بالحرام كما هو الأقوى على ما ستعرف:

المورد الأوّل: (غنائم دار الحرب) إذا كان بإذن الإمام عليه السلام، من غير خلافٍ فيه، كما عن ظاهر «الغُنية»(1) أو صريحها.

وفي «المدارك»(2): هذا الحكم مجمعٌ عليه بين المسلمين.

وتشهد له:

1 - الآية الشريفة: وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى وَ اَلْيَتامى وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ (3) إذ هي القدر المتيقّن ممّا اُريد من الآية الكريمة.

وأمّا الكلام في تفسير (الغنيمة) وأنّه هل اُريد بها كلّ ما استُفِيد أو خصوص ما أُخذ من الكفّار مع القتال، فسيأتي في خُمس الأرباح إنْ شاء اللّه تعالى .

2 - وكثيرٌ من الأخبار:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «أنّه قال: كلّ شيء قُوتل عليه

ص: 10


1- غنية النزوع: ص 128-129.
2- مدارك الأحكام: ج 5/360.
3- سورة الأنفال: الآية 41.

على شهادة أنْ لا إله إلّااللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فإنّ لنا خُمسه، ولا يحلّ لأحدٍ أن يشتري من الخُمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(1).

3 - ومرسل حمّاد، عن العبد الصالح: «الخُمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز الحديث»(2) ونحوهما غيرهما.

الخُمس في الغنائم الّتي حواها العسكر وما لم يحوه

الخُمس في الغنائم الّتي حواها العسكر وما لم يحوه

وقد وقع الكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: أنّ ظاهر كلمات جماعة من الأصحاب، وصريح جمع آخرين أنّ الغنيمة التي يجب فيها الخمس، هي جميع أموال أهل الحرب ممّا ينقل ويُحوّل وغيره ممّا حواها العسكر أو لم يحوها، بل ظاهر «المدارك»(3) إجماع المسلمين عليه، وخالفهم صاحب «الحدائق» رحمه الله(4) واختار اختصاصه بالمال المنقول، وتبعه بعض من تأخّر عنه(5).

واستدلّ له بوجوه:

1 - انحصار مخرج الخُمس في غنيمتهم، على ما هو صريح الآية الشريفة(6)، حيث أضاف الخمس إلى ما أضافه إلى الغانمين، فلا تشمل الآية الأراضي التي اتّفقوا على أنّها فيءٌ للمسلمين قاطبةً ، ممّن وُجِد منهم ذلك اليوم ومن يتجدّد إلى يوم القيامة.

ص: 11


1- الكافي: ج 1/545 ح 14، وسائل الشيعة: ج 9/487 ح 12550.
2- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/487 ح 12549.
3- مدارك الأحكام: ج 5/360.
4- الحدائق الناضرة: ج 12/324.
5- كتاب الخمس للسيّد الخوئي: ج 1/12.
6- سورة الأنفال: الآية 41.

2 - ما في «الحدائق»(1)، وهو أنّه لا دليل على التعميم، سوى ظاهر الآية الشريفة، فإنّ الظاهر من الروايات كصحيح ربعي الآتي وغيره، المتضمّنة قسمة الخُمس، اختصاص ذلك بالأموال المنقولة، وليس فيها ما يدلّ على دخول الأرض ونحوها فيه، أمّا الآية الشريفة فيمكن تخصيصها بما دلّت عليه هذه الأخبار.

3 - إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ أرض الخراج فيءٌ للمسلمين، هو عدم ثبوت الخمس فيها، وحيث أنّ إطلاق الخاص مقدّمٌ على عموم العام فيقدّم ذلك على عموم الآية الشريفة.

4 - الأخبار الواردة في أحكام الأراضي الخَراجيّة(2)، فإنّه لا تعرّض في شيءٍ منها لوجوب الخمس مع ذكر الزكاة فيها، ولو كان ثابتاً فيها لكان أولى بالذِّكر.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى إطلاق الآية، ثبوت الخُمس فيما يضاف إلى الغانمين ولو بما أنّهم من المسلمين، ولا يختصّ بما يُضاف إليهم بما أنّهم من المقاتلين، فالأراضي بما أنّها فيءٌ لهم بما هم مسلمون تشملها الآية الكريمة.

وأمّا الثاني: - فلأنّه مضافاً إلى أنّ مقتضى جملة من النصوص أيضاً ثبوت الخُمس فيها، وعدم اختصاص دليل الثبوت بالآية، كما ادّعاه رحمه الله، فضلاً عن أنّ ن.

ص: 12


1- الحدائق الناضرة: ج 12/324.
2- الكافي: ج 3/512 باب أقلّ ما يجب فيه الزكاة من الحرث، وسائل الشيعة: ج 15/157 باب أحكام الأرضين.

هناك أخبار يجب ملاحظتها مثل خبر أبي بصير المتقدّم، ومرسل حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة. الحديث»(1)، ونحوهما غيرهما - فإنّ النصوص المختصّة بالأموال المنقولة لا مفهوم لها كي تدلّ على عدم ثبوت الخمس في غيرها، فتخصّص بها الآية الشريفة، ومنطوقها لا يعارضها، فلا وجه لتقييد إطلاقها.

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر من تلك النصوص، ورودها في مقام بيان أنّ الأراضي تغاير غيرها من الغنائم المختصّة بالمقاتلين، فإنّها فيءٌ للمسلمين، وأمّا كون ذلك قبل إخراج الخمس أو بعده، فهي ساكتة عنه.

مع أنّه لو سُلّم ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة، فلا ريب في أظهريّة آية الخُمس(2) عنها، فتُقدّم عليها بناءً على ما حقّقناه في التعادل والترجيح من «زبدة الاُصول»(3) تبعاً للعلّامة الأنصاري رحمه الله(4) من أنّ إطلاق الخاص لا يقدّم على العام مطلقاً، إلّاإذا كان أظهر، وفي المقام بما أنّ الأمر بالعكس فيقدّم إطلاق العام.

وأمّا الرابع: فظهور تلك النصوص في عدم وجوب إخراج الخمس بعد الخراج وإنْ كان لا يُنكر، إلّاأنّ من الممكن كون ذلك إرفاقاً بالشيعة، واجتزاءً بما يأخذه السلطان باسم الخراج، كالإجتزاء بما يأخذه باسم الزكاة والخمس.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو التعميم.2.

ص: 13


1- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/487 ح 12549.
2- سورة الأنفال: الآية 41.
3- زبدة الاُصول: ج 4/324 (ط. ق)، وفي الجديدة: ج 6/269-270 (بيان وجه عدم التعارض بين العام والخاص).
4- فرائد الاُصول: ج 2/752.

إباحة خُمس غنائم دار الحرب

إباحة خُمس غنائم دار الحرب

ثمّ إنّ الأصحاب بعد اتّفاقهم على ثبوت هذا الخُمس، اختلفوا في أنّه هل اُبيح ذلك للشيعة في زمان الغيبة أم لا؟

ذهب الشيخ في محكيّ «التهذيب»(1) إلى الأوّل.

والقائلون بعدم الإباحة اختلفوا في أنّه هل يُخرج الخُمس من حاصلها كما اختاره المصنّف رحمه الله في محكيّ «التحرير»(2)؟

أو يُفرز من العين، وعن «التذكرة»(3) حكاية ذلك عن الشيخ رحمه الله ؟

أم يتخيّر بين إفراز الخمس من عين الأرض، أو من حاصلها كلّ سنةٍ ، وعن «الشرائع»(4) و «القواعد»(5) اختياره ؟

واستدلّ للتحليل:

1 - بروايات إحلال الأئمّة عليهم السلام حقوقهم لشيعتهم(6).

2 - وبقوله عليه السلام في صحيح عمر بن يزيد: «وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه محلّلون، يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيُجيبهم طِسْق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم، وأمّا ما كان في أيدي غيرهم، فإنّ

ص: 14


1- تهذيب الأحكام: ج 4/147 ذيل الحديث 33.
2- تحرير الأحكام: ج 1/433 مسألة 1498، قوله: (الثاني: الغنائم التي تُؤخذ من دار الحرب، يجب فيها الخمس ممّا حواه العسكر، وما لم يحوه، أمكن نقله أو لا، ممّا يصحّ تملّكه).
3- تذكرة الفقهاء ج 9 ص 189-190. وذكره الشيخ في المبسوط: ج 2/34.
4- شرائع الإسلام: ج 1/245.
5- قواعد الأحكام: ج 1/492-493.
6- تهذيب الأحكام: ج 4/137 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/543 باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة.

كسبهم من الأرض حرامٌ عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم، ويخرجهم عنها صغرة»(1).

أقول: ولكن نصوص التحليل سيمرّ عليك عدم تماميّة الاستدلال بها.

وأمّا الصحيح: فظاهره وروده في مقام بيان حكم ما كان من الأنفال لا مطلقاً، مع أنّه لو سُلّم إطلاقه، يتعيّن تقييده بذلك للإجماع على عدم جواز التصرّف في أرض الخراج من غير أداء خراجه إلى السلطان أو نائب الإمام، وظاهره جواز ذلك، وقد عرفت آنفاً أنّ مقتضى ما ورد في بيان أحكام أرض الخراج، عدم وجوب الخُمس على من تقبّلها إذا أدّى خراجها، وإلّا فيجبُ إفراز الخمس من عينها كسائر الموارد.

ثبوت الخُمس بعد إخراج المُؤن

ثبوت الخُمس بعد إخراج المُؤن

الأمر الثاني: صرّح جماعة منهم المحقّق(2) وصاحب «الجواهر»(3) رحمه الله أنّه إنّما يجبُ الخمس بعد إخراج المُؤن الّتي اُنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها، بل ظاهر «الجواهر» في كتاب الجهاد(4) دعوى الإجماع عليه.

وعن الشيخ في «الخلاف»(5)، والشهيدين(6) وغيرهم(7): العدم.

ص: 15


1- الكافي: ج 1/408 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/548 ح 12686.
2- شرائع الإسلام: ج 1/247، المختصر النافع ص 113.
3- جواهر الكلام: ج 16/9.
4- جواهر الكلام: ج 21/197.
5- الخلاف: ج 2/118 قوله: (ويكون المؤنة وما يلزم عليه من أصله والخمس فيما بقي).
6- الدروس: ج 2/35 قوله: (تقسّم الغنيمة المنقولة بعد الجعائل والمُؤن ثمّ الخمس بين المقاتلة)، شرح اللّمعة: ج 2/65 و 403، ومسالك الأفهام: ج 3/60.
7- رياض المسائل: ج 7/516 (ط. ج).

واستدلّ له: بإطلاق الآية الشريفة.

واُجيب عنه تارةً : بأنّ الإطلاق لا نظر فيه إلى هذه الجهة، كي يعوّل عليه.

واُخرى : بلزوم تقييده بما دلّ من النصوص على أنّ الخُمس بعد المؤونة.

وثالثة: بموافقة الإخراج للعدل، إذ المفروض كون المؤونة عليجميع الغنيمة.

ورابعة: بأنّ الغنيمة لا تصدق على ماهو مأخوذٌ من المال إلّابعد إخراجها.

ولكن يمكن أنْ يُجاب عن الأوّل: بأنّ مقتضى إطلاق الآية وجوب الخمس في جميع ما يَغنم، وصَرْفُ مقدارٍ منه في حفظ الباقي لا يوجبُ عدم شمول الآية له.

وعن الثاني: بأنّ الظاهر من تلك النصوص كونها في مقام بيان استثناء المُؤن السابقة على التحصيل، الّتي لا إشكال في عدم استثنائها في المقام.

وعن الثالث: بأنّ مجرّد الموافقة للعدل، لا يصلح أنْ يكون مستنداً للحكم، إلّا أنْ يرجع إلى ما نذكره.

وعن الرابع: بأنّ عنوان الغنيمة حين حصولها صادقة على الجميع، وما يصرف فيها بعد تحصيلها لا يوجب عدم صدقها على ما يقبله، كما لايخفى .

فالصحيح أنْ يُقال: إنّ الحرب إذا كان بإذن الإمام عليه السلام - كما هو المفروض - فالغنائم المأخوذة من دار الحرب خُمسها للحجّة عليه السلام وقبيله، فلا محالة يكون المغنم مأذوناً من قبله عليه السلام في الإنفاق عليها بحفظٍ وحملٍ ورَعي ونحوها، فلا محالة يوزع المُؤن على الجميع، فلا وجه لاختصاصها ببعضها.

ودعوى: إنّ هذا يتمّ على مسلك القوم، القائلين بأنّ الخُمس إنّما يتعلّق بالعين على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعين، وأمّا بناءً على المسلك الحقّ ، من كون تعلّقه على نحو الحقّ في العين، فلا يتمّ ، إذ المؤونة إنّما تكون على العين لا على الحقّ .

ص: 16

مندفعة: بأنّ مؤونة موضوع الحقّ تكون مؤونته كما هو واضح.

وعليه، فالأقوى هو القول الأوّل.

الثالث من الغنائم: الفداءُ الذي يؤخذ من أهل الحرب، كما عن «الدروس»(1)، و «المسالك»(2)، و «الروضة»(3)، و «كشف الغطاء»(4)، و «الجواهر»(5) وغيرها(6)، لأنّه بدل ما اغتنم، فيصدق عليه الغنيمة.

ودعوى: اختصاص صدق الغنيمة بالمعنى الأخصّ ، على ما لو كان بعد الغلبة، فلا تشمل ما كان بدونها.

ممنوعة: إذ لا إشكال في اعتبار القتال في صدقها، ولذا لا تصدق على الجزية، ولكن اعتبار الغلبة لا شاهد له.

وبما ذكرناه يظهر حكم ما صُولح عليه.

اعتبار أنْ لا تكون الغنيمة غصباً

اعتبار أنْ لا تكون الغنيمة غصباً

الأمر الرابع: يعتبر في المَغنم أنْ لا يكون غصبا من محترم المال، وإلّا فيجبُ ردّه إلى صاحبه كما هو المشهور.

والدليل عليه: ما دلّ على احترام ماله، وخبر طربال عن الإمام الباقر عليه السلام،

ص: 17


1- الدروس: ج 1/258.
2- مسالك الأفهام: ج 3/41.
3- شرح اللّمعة: ج 2/65.
4- كشف الغطاء: ج 2/407.
5- جواهر الكلام: ج 16/127.
6- تذكرة الفقهاء: ج 9/162، رياض المسائل: ج 7/535 (ط. ج).

المرويّ في كتاب المشيخة: «عن رجلٍ كان له جارية، فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثمّ إنّ المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم ؟ فقال: إنْ كانت في الغنائم وأقام البيّنة على أنّ المشركين أغاروا عليهم، فأخذوها منه، رُدّت عليه»(1). ونحوه غيره.

وعن الشيخ في «النهاية»(2): (كونه للمقاتلة، مع غرامة الإمام عليه السلام لأربابه الأثمان من بيت المال)، واستدلّ له بما في مرسل هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام: في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين، ثمّ إنّ المسلمين أخذوهم منهم بعد القتال، قال: «وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين، فيباعون، وتُعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين»(3).

وفيه: إنّه لمعارضته مع جملةٍ من النصوص التي منها خبره الآخر الدالّة على أنّ المسلم أحقّ بماله أينما وجده، يتعيّن حمله على ما لو لم يصبهم إلّابعد تفرّق الناس، وتقسيم جميع الغنائم.

كما يشهد لذلك بعض النصوص، وإنْ كان مقتضى بعضها خلاف ذلك، وتمام الكلام في محلّه من كتاب الجهاد(4) في هذا الشرح.

وأمّا إذا كان مغصوباً من غير محترم المال، فحكمه حكم أمواله، لإطلاق الأدلّة.

الأمر الخامس: نُسب(5) إلى ظاهر «التذكرة»: أنّ السَّلب إذا جُعل للسّالب،ا.

ص: 18


1- تهذيب الأحكام: ج 6/160 ح 5، وسائل الشيعة: ج 15/99 ح 20064.
2- النهاية: ص 295.
3- الكافي: ج 5/42 ح 1، وسائل الشيعة: ج 15/97 ح 20060.
4- فقه الصادق: ج 19/187.
5- جواهر الكلام: ج 16/10 قوله: (لكن ظاهر التذكرة عدم الخمس فيه على السالب أيضاً) حاكياً له عن بعض علمائنا.

لا يجبُ إخراج خمسه.

وعن الشيخ في «الخلاف»(1)، والشهيدين(2): أنّه يُخرج الخمس مقدّماً عليه، وهو الذي احتمله صاحب «الجواهر»(3).

أقول: والأوّل أقوى ، بناءً على ما هو الحقّ من عدم كون السَّلب للمقاتل، ما لم يجعل له إذ حينئذٍ يكون كسائر الجعائل، لا يجب إخراج خمسه لمرسل حمّاد، عن العبد الصالح عليه السلام في حديثٍ ، قال:

«وللإمام صفو المال - إلى أنْ قال - وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه، من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم، وغير ذلك ممّا ينوبه، فإنْ بقي بعد ذلك شيءٌ أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله. الحديث»(4).

ولا يضرّ إرساله بعد كون المُرسِل من أصحاب الإجماع، وبه يقيّد إطلاق الآية الكريمة الذي استدلّ به الشيخ رحمه الله.

الأمر السادس: لا يعتبر في وجوب الخُمس في الغنائم، بلوغ النصاب عشرين ديناراً، لإطلاق الأدلّة، فما عن المفيد(5) من اعتبار ذلك لا وجه له.

هذا كلّه إذا كانت الحرب بإذن الإمام عليه السلام، وأمّا إنْ كانت بغير إذنه، فسيأتي حكمه في مبحث الأنفال(6) إنْ شاء اللّه تعالى .د.

ص: 19


1- الخلاف: ج 4/185.
2- الدروس: ج 2/38، شرح اللّمعة: ج 2/65 و 404، ومسالك الأفهام: ج 3/60.
3- الجواهر: ج 16/10.
4- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628.
5- حكاه عنه صاحب جواهر الكلام: ج 16/13 قوله: (بل لا أعرف فيه خلافاً سوى ما يحكى عن ظاهر غرية المفيد).
6- صفحة 314 من هذا المجلّد.

ما يُؤخذ من الكفّار بالسَّرقة أو الغيلة

ما يُؤخذ من الكفّار بالسَّرقة أو الغيلة

أقول: بقى في المقام أمورٌ لابدَّ من التنبيه عليها:

الأمر الأوّل: ما يؤخذ من الكفّار بغير الحرب والقتال، كما لو أخذ منهم بالسّرقة أو الغيلة أو الرّباء ونحوها، هل يجبُ فيه الخمس ؟

أو لا يجبُ عليه شيءٌ كما عن «الدروس»(1)؟

أم يكون ملحقاً بالفوائد المكتسبة، فتعتبر فيه الزيادة عن مؤونة السَّنة، كما عن «الروضة»(2) وفي «الجواهر»(3)؟

أم يجبُ إخراج خمسه مطلقاً كما عن جماعةٍ (4)؟

أم يفصّل بين المأخوذ بالسرقة أو الغيلة، فيجب إخراج خمسه مطلقاً، وبين المأخوذ بالرباء أو بالدعوى الباطلة، فلا يجب إلّاإذا زاد عن مؤونة السَّنة ؟

وجوهٌ ، أقواها الثاني، إذ الغنيمة بالمعنى الأخصّ - الّتي هي موضوع وجوب الخُمس قبل إخراج مؤونة السَّنة - غير صادقة في المقام، إذ يعتبر فيها الحرب والقتال، كما يظهر من النصوص الواردة في تقسيم الغنائم، وخبر أبي بصير المتقدّم، وخبر حكم: «الخُمس من خمسة أشياء - إلى أنْ قال - والغُنم الذي يقاتل عليه».

نعم، تصدق حينئذٍ الغنيمة بالمعنى الأعمّ ، وهي مطلق الفائدة، ومقتضى إطلاق الآية حينئذٍ وجوب الخمس في المقام، إلّاأنّه لإطلاق ما دلّ على أنّ خمس

ص: 20


1- الدروس: ج 1/258.
2- شرح اللّمعة: ج 2/65.
3- جواهر الكلام: ج 16/11.
4- كشف الغطاء: ج 2/359.

الفائدة إنّما يجبُ بعد مؤونة السَّنة، يتعيّن الالتزام بوجوبه بعدها.

ودعوى: أنّ خمس الفائدة إنّما يجبُ في الفوائد المكتسبة، لا في مثل المقام، وعليه فالأظهر هو القول الأوّل.

مندفعة: بما سيأتي في محلّه من وجوبه في مطلق الفائدة.

كما أنّ دعوى أنّ الأخذ بالسرقة والغيلة، يعدّ من أنحاء الحرب والجدال، فالقول الرابع أظهر، كما ترى .

وأمّا القول الثالث: فقد استدلّ له:

1 - بإطلاق الآية.

2 - وبفحوى ما ورد في مال الناصب الآتي في الفرع الثاني.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت آنفاً من لزوم تقييده في غنائم الكسب بما دلّ على أنّ الخمس فيها بعد المؤونة.

وأمّا الثاني: فلأنّ التعدّي عن الناصب الذي هو أنجس من الكلب، إلى الكافر لايخرج عن القياس.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الأوّل، وهو وجوب الخمس فيه بعد مؤونة السَّنة.

مال النّاصب

مال النّاصب

الأمر الثاني: يجوزُ أخذ مال الناصب أينما وُجِد بلا خلافٍ ظاهر.

وتشهدُ له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن أبي عُمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

ص: 21

«خُذ مال النّاصب حيثما وجدته، وادفع إلينا الخُمس»(1).

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: مال الناصب وكلّ شيء يملكه حلالٌ إلّاامرأته فإنّ نكاح أهل الشرك جائز»(2). ونحوهما غيرهما.

وما عن ابن إدريس(3) رحمه الله من أنّ المراد من الناصب في هذه النصوص، هو من نصب الحرب من الكفّار، لا الناصب لأهل البيت عليهم السلام، ضعيفٌ لمعروفيّة غير ذلك منه.

ولكن يجب إخراج الخمس منه مطلقاً، لإطلاق قوله عليه السلام: «وادفع إلينا الخُمس».

ودعوى: أنّه يقيّد بما دلّ على أنّ الخمس بعد المؤونة.

مندفعة: بأنّ النسبة بين الدليلين في بادي النظر وإنْ كانت عموماً من وجه، ولكن بعد التأمّل يكون الظاهر من أخبار استثناء المؤونة، استثنائها من ما يجب فيه الخمس بعنوان الفائدة، ولا تشمل المقام الذي ثبت فيه الخمس بعنوان أنّه مالٌ مأخوذٌ من الناصب، وحملها على إرادة وجوب الخمس فيه بما أنّه من الفوائد خلاف الظاهر.

ولو تنزّلنا عن ذلك، وسلّمنا شمول نصوص الاستثناء للمقام، فإنّه لا ريب في أظهريّة نصوص الباب، فتقدّم بلا كلام.

فتحصّل: أنّ الأقوى إخراج خمسه مطلقاً.

الأمر الثالث: ما حواه العسكر ممّا ينقل ويحوّل من مال البغاة، إذا كانوا من7.

ص: 22


1- تهذيب الأحكام: ج 4/122 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/487 ح 12551.
2- تهذيب الأحكام: ج 6/387 ح 275، وسائل الشيعة: ج 15/80 ح 20024.
3- السرائر: ج 3/607.

النواصب ممّا لا كلام في حليّته، وإنّما الإشكال فيما إذا لم يكونوا منهم:

فعن جماعةٍ (1): حليّة مالهم.

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(2): نسبتها إلى الأكثر.

وعن «الخلاف»(3): دعوى الإجماع عليها، والمحقّق(4) رحمه الله في جهاد «الشرائع» جعلها أظهر، واستدلّ لها:

1 - بسيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

2 - وبإجماع الفرقة وأخبارهم.

ولكن دعوى سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام معارضة بدعوى الشهيد في محكيّ «الدروس»(5) وغيره(6) من أنّ سيرة الإمام عليه السلام على العدم، ولعلّها الأظهر كما يظهر من مراجعة ما دلّ على أنّه عليه السلام أمر بردّ أموال أهل البصرة، فأخذت حتّى القدور.

ودعوى: أنّ قسمة أموالهم في أوّل الأمر تدلّ على الحِلّ ، والردّ أعمٌّ من الحرمة، لإمكان كونه على نحو المَنّ .

مندفعة: بأنّه لم يثبت من الأدلّة أنّه عليه السلام قسّم الأموال بين المقاتلين ابتداءً حتّى يستدلّ بفعله، وتصرّفهم فيها أعمّ من ذلك.9.

ص: 23


1- حكاه في مختلف الشيعة عن ابن أبي عقيل وابن الجُنيد: ج 4/450، الكافي في الفقه: ص 251، المهذّب: ج 1/135-326.
2- مختلف الشيعة: ج 4/451.
3- الخلاف: ج 5/346.
4- شرائع الإسلام: ج 1/257.
5- الدروس: ج 2/42.
6- الناصريّات: ص 443، السرائر: ج 2/18-19.

وأمّا الإجماع: فلا سبيل إلى دعواه، بعد حكاية المنع عن السيّد(1)، والحِلّي(2)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(3)، والمحقّق(4) والشهيد(5) الثانيين، ودعوى جماعة منهم الإجماع عليه.

وأمّا الأخبار: فغير ثابتة، وما أرسله الشيخ رحمه الله في محكيّ «مبسوطه»(6) من أنّ ما يحويه العسكر من الأموال، فإنّه يقسّم - مضافاً إلى إرساله - معارضٌ بما عن «المبسوط»(7) أيضاً من أنّه رُوي:

«أنّ عليّاً عليه السلام لمّا هزم النّاس يوم الجمل، قالوا له: يا أمير المؤمنين ألا نأخذ أموالهم ؟ قال عليه السلام: لا، لأنّهم تحرّموا بحرمة الإسلام، فلا تَحلّ أموالهم في دار الهجرة».

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم الحليّة ما لم يدخلوا في عنوان الناصب.

***6.

ص: 24


1- الناصريّات: ص 443.
2- السرائر: ج 2/18-19.
3- منتهى المطلب: ج 1/988، قواعد الأحكام: ج 1/522.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/477.
5- شرح اللّمعة: ج 2/408.
6- المبسوط: ج 7/266.
7- المبسوط: ج 7/266.

والمعادن.

المعادن

(و) المورد الثاني ممّا يجب فيه الخمس: (المعادن).

ولا خلافٍ في ثبوته فيه، بل عن «الخلاف»(1)، و «السرائر»(2)، و «المنتهى»(3)، و «التذكرة»(4) وغيرها(5): دعوى الإجماع عليه.

بل عن بعضهم(6): دعوى نفي «الخلاف» فيه بين المسلمين في معدن الذهب والفضّة.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص ؟ فقال: عليها الخمس جميعاً»(7).

ومنها: صحيح الحلبي: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كَمْ فيه ؟

قال عليه السلام: الخمس، وعن المعادن كَمْ فيها؟ قال عليه السلام: الخُمس، وعن الرصاص والصفر والحديد، وما كان من المعادن كَمْ فيها؟ قال عليه السلام: يُؤخذ منها كما يُؤخذ من

ص: 25


1- الخلاف: ج 2/116-117.
2- السرائر: ج 1/489.
3- منتهى المطلب: ج 1/544.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/409 (ط. ج).
5- مدارك الأحكام: ج 5/362، رياض المسائل: ج 5/237، غنائم الأيّام: ج 4/288، مستندالشيعة: ج 10/17.
6- غنية النزوع: ص 128.
7- تهذيب الأحكام: ج 4/121 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/491 ح 12561.

معادن الذهب والفضّة»(1).

ومنها: صحيح ابن مسلم، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة ؟ فقال: وما الملاحة ؟ فقلت: أرضٌ سبخة مالحة، يجتمع فيها الماء، فيصير مِلْحاً؟ فقال عليه السلام: هذا المعدن فيه الخُمس.

فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض ؟ فقال عليه السلام: هذا وأشباهه فيه الخمس»(2). ونحوها غيرها.

أقول: اشتملت هذه النصوص على الذهب والفضّة والرصاص والكبريت والنفط والملح وأشباهها، والمتيقّن من أشباهها كلّ ما خَرَج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها، ممّا له قيمة، فثبوت الخمس في هذه الاُمور ممّا لا إشكال فيه، كما أنّ جملة من النصوص مشتملة على ثبوت الخمس في المعدن مطلقاً، وكلمات العلماء واللّغويين في تفسيره مختلفة:

فعن «المُغرب»(3): إنّه معدن الذهب والفضّة.

وعن «المدارك»(4) و «القاموس»(5) ونهاية ابن الأثير(6): إنّه منبتُ الجواهر من ذهب ونحوه.

وعن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(7)، و «المنتهى»(8): إنّه كلّ ما يخرج من الأرض4.

ص: 26


1- تهذيب الأحكام: ج 4/121 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/492 ح 12562.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/122 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/492 ح 12564.
3- حكاه عنه صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/327.
4- مدارك الأحكام: ج 5/363.
5- القاموس المحيط: ج 4/247.
6- النهاية في غريب الحديث: ج 3/192.
7- تذكرة الفقهاء: ج 5/409.
8- منتهى المطلب: ج 1/544.

ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، ثمّ نسب ذلك إلى علمائناأجمع(1).

وفي رسالة شيخنا الأعظم(2) رحمه الله، ونحو ذلك عن ابن الأثير في «النهاية»(3)، وعن «المسالك»(4) و «الروضة»(5): إنّه كلّ ما استخرج من الأرض ما كان أصله منها، ثمّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها، وعَدّ منها الجِصّ وطين الغَسل، وحجارة الرَّحى، وزاد في محكيّ «البيان»(6) النُّورة.

أقول: ما ورد في «المُغرب» مخالفٌ للنصوص والعُرف العام.

وأمّا ما عن «القاموس» و «المدارك»:

فإنْ اُريد بالجوهر مطلق ما يقابل وَجه الأرض من غير النباتات، فهو يرجع إلى ما في «التذكرة».

وإنْ اُريد به كلّ حَجَرٍ يستخرج منه شيء ينتفع به - كما عن «القاموس» - فهو خلافُ ما تضمّن من النصوص ثبوت الخُمس في الكبريت والنفط والملح، وقد صرّح عليه السلام في صحيح محمّد بن مسلم بأنّ الملح من المعدن، فيدور الأمر بين التفسيرين الأخيرين، والأقوى هو الأوّل منهما، إذ المنساق إلى الذهن من لفظ (المعدن) هو ذلك، وأمّا ما استخرج من الأرض، ممّا كان منها مشتملاً على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها، فهو بنظر العرف كسائر قطع الأرض، ولا يُسمّى 4.

ص: 27


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/409.
2- كتاب الخمس: ص 27-28.
3- النهاية في غريب الحديث: ج 3/192.
4- مسالك الأفهام: ج 1/458.
5- شرح اللّمعة: ج 2/66.
6- البيان: ص 214.

عندهم معدناً، هذا مضافاً إلى دعوى المصنّف رحمه الله الإجماع عليه(1).

وعلى فرض التنزّل وتسليم الإجمال، فلابدَّ من الرجوع في الزائد عن مقدار المتيقّن إلى الأصل، وهو يقتضي عدم الوجوب - كما سيأتي تنقيح القول في هذا الأصل في أرباح المكاسب - وعليه فلا يجبُ الخُمس من حيث المعدنيّة في الجِصّ والنُّورة، وطين الغَسل، وحَجَر الرَّحي والمَغرّة، وإنْ كان الأحوط إخراج الخُمس منها.

أقول: وقد فسر اللّغويون المعدن بالَمحلّ ، والفقهاء فسّروه بالحال، وما أفاده اللّغويون وإنْ كان أظهر، لكونه موافقاً لوضعه بحسب الهيئة كما لا يخفى ، إلّاأنّ الغرض حيث يكون بيان ما هو الموضوع للحكم الشرعي وهو الحال، فلذلك فسّروه بذلك.

ثبوت الخمس في المعدن مطلقاً

ثبوت الخمس في المعدن مطلقاً

فروع:

الفرع الأوّل: لا فرق في وجوب إخراج خُمس المعدن:

1 - بين أنْ يكون في أرضٍ مباحة أو مملوكة، لإطلاق الأدلّة.

2 - ولا بين أنْ يكون الُمخرِج مكلّفاً أو غير مكلّفٍ ، بلا خلافٍ ، بل عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(2)، والمحقّق القُمّي في «الغنائم»(3): دعوى الإجماع عليه، وسيأتي في آخر مسألةٍ من مسائل أرباح المكاسب تنقيح القول في ذلك.

3 - ولا بين أنْ يكون الُمخرِج مسلماً أو كافراً، إذ الكفّار مكلّفون بالفروع كما هم

ص: 28


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/409.
2- منتهى المطلب: ج 1/546.
3- غنائم الأيّام: ج 4/296-297.

مكلّفون بالاُصول ويشهد له عموم أدلّة التكليف.

والإيراد عليه: بأنّه بما أنّ الخُمس من العبادات، فيعتبر فيه قصد القربة المتوقّف على الإسلام، وعليه:

فإنْ اُريد بكونه مكلّفاً به، لزوم أدائه حال الكفر، فهو لا يتمكّن من ذلك.

وإنْ اُريد به لزومه بعد إسلامه، كما هو المراد بذلك في سائر العبادات، فهو منافٍ لما دلّ على أنّ (الإسلام يجبُّ ما قبله).

ضعيفٌ : - إذ مضافاً إلى ماعرفت في كتاب الزكاة(1) من الكلام في دلالة الحديث على سقوط الزكاة والخُمس مع بقاء العين - أنّه لو سُلّم ذلك، نقول إنّ أثر ثبوت الخمس وضعاً جواز انتزاع الحاكم من في يده قهراً أو اختياراً.

وهذا الإشكال لو تمّ فإنّما هو بالنسبة إلى حكمه التكليفي، دون الوضعي.

فإنْ قلت: ما الدليل على جواز الانتزاع ؟

قلت: دليله ما دلّ على ولاية الحاكم الشرعي على الفقراء باستيفاء حقوقهم، وعدم صحّة إعطاء الكافر بنفسه، لعدم تمكّنه من التقرّب به، لايستلزمُ عدم إمكان استيفاء حقوق الفقراء من المال بوجهٍ ، مع أنّ اعتبار قصد القربة في الخُمس وكونه من العبادات غير ثابت.

الفرع الثاني: لو عمل فيما أخرجه من المعدن قبل إخراج خُمسه عملاً أوجبَ زيادة قيمته، كما لو سكّه دراهم أو دنانير، أو جعله حُليّاً، اعتبر الخُمس في الأصل الذي هو المادّة، وانطبق على الزائد حُكم المكاسب، فيقوّم حينئذٍ سبيكةً ويُخرّج خُمسه، كما هو واضح، وبه صرّح في «المسالك»(2)، و «المدارك»(3)، كذا في8.

ص: 29


1- فقه الصادق: ج 10/104.
2- مسالك الأفهام: ج 1/459.
3- مدارك الأحكام: ج 5/368.

«الجواهر»(1)، وهو متين، إذ الصفة بتمامها لعاملها، ولأرباب الخمس خُمس المادّة، فلا وجه لاشتراكهم مع عامل الصِّفة في قيمتها.

إذا وُجِد مقدار من المعدن مُخْرَجاً

إذا وُجِد مقدار من المعدن مُخْرَجاً

الفرع الثالث: إذا وُجد مقدارٌ من المعدن مُخْرَجاً مطروحاً في الصحراء:

فإنْ عَلم أنّ الُمخْرِج له إنسانٌ ، وقصد تملّكه بذلك، فحكمه حكم اللُّقطة وخارجٌ عمّا نحن فيه.

وإنْ عَلم أنّه خَرج بمثل السِّيل، أو أخرجه حيوانٌ أو إنسان، لم يقصد حيازته:

فهل يجب إخراجُ خُمسه من حيث المعدنيّة ؟

أم لا يجب كما عن كاشف الغطاء(2)؟

أم يفصّل بين ما لو أخرجه إنسانٌ فيجب، وبين ما لو أخرجه حيوانٌ ، أو خَرَج بمثل السِّيل، فلا يجب، كما قوّاه المحقّق الهمداني(3) رحمه الله ؟

وجوهٌ أقواها الأوّل، لإطلاق ما دلّ على ثبوت الخمس في المعادن.

واستدلّ للثاني: بأنّ الظاهر من الأدلّة اعتبار الإخراج.

وفيه: ما عرفت من أنّ ظاهر صحيح البزنطي وغيره، أنّ العبرة بالُمخرِج لا بالإخراج، وذِكْرُ الإخراج في بعض النصوص إنّما هو لطريقيّته إلى الخروج.

وبعبارة اُخرى : ما تضمّن الإخراج لا مفهوم له كي يقيّد به إطلاق النصوص، مع أنّ الملاحة - وهي الأرض السَّبخة المالحة - يجبُ فيها خُمس المعدن، مع أنّه لا

ص: 30


1- جواهر الكلام: ج 16/21.
2- كشف الغطاء: ج 2/360.
3- مصباح الفقيه: ج 3/113.

إخراج هناك.

ويؤيّده: ما عن الأكثر(1) من أنّ العنبر المأخوذ من وجه الأرض معدنٌ .

واستدلّ للثالث: بأنّ الظاهر من الأدلّة، اعتبار الاستخراج، سواءٌ ملكه الُمخرِج أم لا، غاية الأمر قراره على من دخل في مِلْكه، فخصوصيّة الفاعل ملغاة لدى العرف، ولكن لا على وجهٍ يتعدّى إلى مثل السيل وهبوب الريح ونحوهما.

وفيه: ما تقدّم من عدم الدليل على اعتبار الاستخراج.

استيجار الغير لإخراج المعدن

استيجار الغير لإخراج المعدن

الفرع الرابع: لا نقاش في جواز استئجار الغير لإخراج المعدن، ويملكه المُستأجر إنْ كان مالكاً للأرض، أو له حقّ اختصاص بها، أو كان الأجير قاصداً بكونه له.

أمّا في الأوّل: فواضح.

وأمّا في الثاني: فلأنّ المرتكز في أذهان العرف، كون الحيازة من العناوين القابلة للنيابة والوكالة.

وأمّا أنّ قصد الأجير حيازته لنفسه، مع كون الأرض من المباحات، فيُشكل الحكم بكونه للمستأجر، إذ غاية ما قيل في وجه كونه له اُمورٌ:

أحدها: أنّ العمل مملوكٌ للمستأجر بالإجارة، فلا محالة تكون نتيجة هذا العمل المملوك أيضاً له بالتبع.

ص: 31


1- مدارك الأحكام: ج 5/377، الحدائق الناضرة: ج 12/345، جواهر الكلام: ج 16/44، كتاب الخمس للشيخ الأنصاري: ص 31.

وفيه: أنّ الإجارة إنّما توجب ملكيّة الحيازة، ولا توجب استناد الحيازة إلى المستأجر، والدليل دلّ على أنّ ما يحوزه الحائز يكون لمن تستند إليه الحيازة، لا لمن هو مالكٌ للحيازة، والفرق ظاهر.

ثانيها: أنّ الحيازة موجبة لمالكيّة مالك الحيازة قهراً، وهي من الأسباب القهريّة، فالمتاجر يملك ما حازه الأجير، لكون الحيازة له.

وفيه أوّلاً: منع كونها من الأسباب القهريّة.

وثانياً: أنّه لو سُلّم ذلك، فهي سببٌ لملكيّته لمن انتسبت إليه الحيازة قهراً، وهو الأجير في الفرض.

ثالثها: أنّ ملكيّة ما حازه من آثار ومنافع الحيازة، فتتبع ملكيّة الحيازة.

وفيه: أنّ ملكيّته من آثار نفس الحيازة المنتسبة إلى الحائز، لا من آثار ملكيّتها، كما يظهر من أدلّة مملكيّة الحيازة.

وعليه، فالأظهر عدم صيرورته مِلْكاً للمؤجّر، بل يصبح ملكاً للأجير، فإنّ مقتضى ما دلّ على أنّ (من حاز ملك)، وإنْ لم أظفر بما تضمّن هذه العبارة في كتب الحديث، إلّاأنّ بمضمونها رواية، وهي الذي تضمّن قول أمير المؤمنين عليه السلام: «للعينِ ما رأت ولليد ما أخذت»(1).

وقريبٌ من هذا المضمون في غيرها، هو كونه مِلكاً للأجير.

أقول: وبما ذكرناه يظهر حكم فرعٍ آخر، وهو ما لو أخرجه العبد، فإنّه إنْ قصد كونه لمولاه فله، وعليه الخمس، وإلّا فلنفسه.

المعدن في أرض مملوكة4.

ص: 32


1- الكافي: ج 6/223 ح 6، وسائل الشيعة: ج 23/391 ح 29824.

المعدن في أرض مملوكة

الفرع الخامس: ويدور البحث فيه عن حكم أقسام محلّ المعدن، فإنّه:

1 - إمّا أنْ يكون في أرضٍ مملوكة.

2 - أو يكون في معمور الأرض المفتوحة عنوة الّتي هي للمسلمين.

3 - أو يكون في الأرض الموات حال الفتح.

أمّا الأوّل: أي فيما لو كان في أرض مملوكة، فهو لمالكها، بلا خلافٍ أجده كما في «الجواهر»(1) للتبعيّة.

ودعوى: أنّ استخراج المعدن إحياءٌ له، ومقتضى عموم ما دلّ على أنّ (من أحيى أرضاً ميّتة فهي له)(2) كونه للمُحيي.

مندفعة: بأنّ هذا في الموات غير المملوك، وأمّا المملوك ولو بتبع ملك الأرض، فهو لمالكه، ولا يكون مشمولاً للعموم المذكور.

أمّا الثاني: وهو ما لو كان في معمور الأرض المفتوحة عنوةً ، فمقتضى دليل التبعيّة كونه مِلكاً للمسلمين لا للمُخرِج، إلّابناءً على كون المعادن بأنفسها من الأنفال مطلقاً - وسيأتي التعرّض له في باب الأنفال - فإنّ المعدن المزبور حينئذٍ يكون للإمام، ومقتضى أخبار التحليل تكون ملكيّته للمُخرِج إنْ كان مؤمناً وإلّا فلا.

ولكن يظهر من كلمات الفقهاء ثبوت السيرة المستمرّة على تملّك المعادن المستخرجة من هذا القسم، سواءٌ أكان المخرج مؤمناً أم لم يكن، بل ادّعى صاحب

ص: 33


1- جواهر الكلام: ج 16/31.
2- الكافي: ج 5/279 باب في إحياء أرض الموات. وسائل الشيعة: ج 25/409 كتاب إحياء الموات.

«الجواهر» رحمه الله(1) ثبوت السيرة على أنّ الناس شَرعٌ سواء في المعادن، فتملّك المسلم ممّا لا إشكال فيه.

وأمّا تملّك الذّمي، فهو يتوقّف على ثبوت ما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله، وحيث لم يثبت فتملّكه لا يخلو عن إشكال وتأمّل.

وعموم قوله عليه السلام: (من أحيى أرضاً ميّتة فهي له)(2) لا يشمل ما لو كانت الأرض مِلْكاً لشخصٍ خاصّ غير الإمام عليه السلام، أو جماعة مخصوصة، وإنْ كان المعدن في الأرض الموات حال الفتح، فحيثُ أنّ ظاهر كلماتهم المفروغيّة عن أنّ استخراج المعدن إحياء مملّك، فتملّك المسلم ممّا لا كلام فيه، لعموم ما دلّ على أنّ (مَن أحيى أرضاً ميّتة فهي له)، مضافاً إلى السيرة التي تقدّمت الإشارة إليها.

وأمّا الذّمي فتملّكه يبتني على القول بشمول العموم المذكور له، وحيثُ أنّ الأظهر هو ذلك، فالأقوى تملّكه.

***ت.

ص: 34


1- جواهر الكلام: ج 16/23-24.
2- الكافي: ج 5/279 باب في إحياء أرض الموات. وسائل الشيعة: ج 25/409 كتاب إحياء الموات.

والغوص.

الغوص

(و) المورد الثالث ممّا يجب فيه الخمس: (الغوص).

كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل ممّا لا خلاف فيه، كما اعترف به صاحب «الحدائق»(1)، وعن ظاهر «الانتصار»(2) و «التذكرة»(3) وصريح «الغُنية»(4)و «المنتهى»(5): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العنبر وغوص اللّؤلؤ؟ فقال:

عليه الخمس»(6).

ومنها: مصحّح عمّار بن مروان: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: فيما يُخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخُمس»(7).

ومنها: صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن على بن أبي عبداللّه،

ص: 35


1- الحدائق الناضرة: ج 12/343.
2- الانتصار: ص 225.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/419.
4- غنية النزوع: ص 129.
5- منتهى المطلب: ج 1/547.
6- الكافي: ج 1/548 ح 28، وسائل الشيعة: ج 9/498 ح 12576.
7- وسائل الشيعة: ج 9/494 ح 12566، الخصال: ج 1/290.

عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سألته عمّا يخرج من البحر من اللّؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة، هل فيها زكاة ؟ فقال عليه السلام: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخُمس»(1).

ومنها: مرسل ابن أبي عمير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«الخُمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عُمير الخامس»(2).

ونحوه مرسل حمّاد مع ذكر الخامس وهو الملاحة(3)، ونحوها غيرها.

وعليه، فأصل الحكم ممّا لا ينبغي الارتياب فيه، كما لا ينبغي التوقّف في شموله لكلّ ما يخرج من البحر بالغوص.

فما عن «المدارك»(4) من الخدشة في ذلك، مستنداً إلى عدم الدليل عليه سوى صحيح الحلبي القاصر عن إفادة العموم، ضعيفٌ لابتنائه على ما أسّسه من عدم حجيّة الخبر إذا لم يكن متّصفاً بالصحّة، وقد حقّقناه في محلّه في «زُبدة الاُصول»(5)وبيّنا ضعف المبنى .

أقول: الكلام يقع في موارد:

المورد الأوّل: أنّ النصوص تضمّنت عنوانين:

أحدهما: الغوص، لاحظ أغلب النصوص.).

ص: 36


1- الكافي: ج 1/547 ح 21، وسائل الشيعة: ج 9/493 ح 12565.
2- وسائل الشيعة: ج 9/494 ح 12567، الخصال: ج 1/291.
3- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/487 ح 12549.
4- مدارك الأحكام: ج 5/375.
5- راجع زبدة الاُصول: في (المبحث الخامس: في حجيّة خبر الواحد).

ثانيهما: ما يخرج من البحر، لاحظ خبري عمّار ومحمّد بن علي.

وقد يتوهّم: أنّ النسبة بين العنوانين عمومٌ من وجه، لشمول الأوّل للغوص في الأنهار والشطوط، وشمول الثاني لما أُخرج بالآلة، ولما أُخذ من وجه الماء، ولأجله قيل(1) في وجه الجمع بين الطائفتين: إنّه يدور بين تقييد كلٍّ منهما بالآخر، وإرجاع الأوّل إلى الثاني والعكس، والأخذ بكلٍّ من العنوانين أو العنوان المشترك بينهما الصادق على كلٍّ منهما.

ولكنّه توهّمٌ فاسد: إذ الظاهر أنّ المراد بالغوص في المقام ليس معناه اللّغوي، بل المعنى العرفي المجعول مهنةً ، وصدقه على الغوص في النهر أو الشط غير ظاهر، كما اعترف به سيّد «المناهل»(2) ومالَ إليه شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله(3)، وعليه فالأمر يدور بين تقييد الثاني بالأوّل، أو الأخذ بإطلاق الثاني، ولا ثالث كما هو واضح.

والأظهر هو الأوّل، إذ الطائفتان المتضمّنتان للعنوانين، وإنْ كانتا مثبتتين، إلّا أنّه لأجل كون النصوص المشتملة على الغوص في مقام الحصر، ولها مفهوم يتعيّن تقييد ما تضمّن ما يخرج من البحر بها، فتكون النتيجة اعتبار صدق كلا العنوانين.

فإنْ قلت: إنّه ما المانع من الأخذ بإطلاق (ما يخرج من البحر) والالتزام باستقلاله بالموضوعيّة في مقابل الغوص ؟

قلت: المانع من ذلك ما دلّ من الأخبار وكلمات علمائنا الأبرار، على عدم كون ذلك عنواناً مستقلّاً في مقابله، لاحظ نصوص الحصر وغيرها.5.

ص: 37


1- حكى هذا القيل صاحب مستمسك العروة الوثقى: ج 9/483.
2- حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 166.
3- كتاب الخمس: ص 67 و 165.

فإنْ قلت: لِمَ لا تلتزم بحمل ذكر الغوص على الغالب ؟

قلت: لكونه خلاف ظاهر الكلام، فإنّ الظاهر من أخذ كلّ قيدٍ في الحكم - لا سيّما إذا كان في مقام التحديد - دخله فيه في نفسه.

فتحصّل: أنّ الأقوى ثبوت الحكم في الإخراج بطريق الغوص، وأمّا الإخراج بالآلة أو من وجه الماء، فلا دليل على ثبوت هذا الحكم له.

نعم، لو غاص وشدّه بآلةٍ ثمّ أخرج وجب فيه الخمس، لأنّه يصدق عليه أنّه أخرجه بالغوص، كما اعترف به جماعة(1).

وعلى فرض التنزّل وتسليم كون النسبة عموماً من وجه، فإنّ الأظهر هو ذلك أيضاً، لما عرفت من كون نصوص الغوص في مقام الحصر، خلافاً لنصوص الإخراج، فيتعيّن تقييدها بها. فتدبّر جيّداً.

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم فرعٍ آخر، وهو: أنّ الأنهار العظيمة كدجلة والفرات ليس حكمها حكم البحر في ذلك، فلا يجبُ الخمس فيما يُخرج منها من «الجواهر»، كما مالَ إليه الشيخ الأعظم(2) رحمه الله؛ لعدم صدق الغوص بمعناه العرفي عليه، وإنْ كان هو أحوط إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر.

المورد الثاني: الظاهر اختصاص هذا الحكم بالجواهر المستخرجة من البحر، ولا يعمّ مثل السَّمك ونحوه من الحيوانات، لعدم صدق الغوص بالمعنى العرفي المجعول مهنةً على ذلك.6.

ص: 38


1- جواهر الكلام: ج 16/41، مصباح الفقيه: ج 3/123، مستمسك العروة: ج 9/484.
2- كتاب الخمس: ص 166.

وعليه، فما عن الشيخ(1)، وبعض معاصري الشهيد(2)، وصاحب «المستند»(3)من دعوى عمومه له، مستنداً إلى عموم مراسيل أحمد وحمّاد وابن أبي عمير، ومصحّح عمّار المتقدّمة، ضعيفٌ .

المورد الثالث: لو فرض وجود معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء، فأخرج منه شيئاً بالغوص، فلا ريب في وجوب الخمس فيه، لأنّه إمّا معدن أو غوصٌ ، وهذا ثابت لا نقاش فيه، إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أم نصاب الغوص، بعد معلوميّة عدم وجوب تخميسه مرّتين، كما سيأتي تحقيقه ؟

الأظهر هو الثاني، لأنّه قد نصّ في نصوص الغوص بالزَّبرجد والياقوت الّذين هما من المعادن، ولا سبيل إلى دعوى اختصاصها بما إذا كانا في البحر تحت الماء، ومحلّ الكلام هو ما إذا كان تحت الماء معدنٌ ، وكانا فيه، لإطلاق نصوص الغوص، ولما عرفت في المعادن من أنّ الحكم في المعادن لا يختصّ بما إذا أُخرج من بطن الأرض، فراجع(4).

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّ الإيراد على المحقّق الهمداني(5) رحمه الله المستدلّ على هذا الحكم، بإطلاق دليل وجوب الخُمس في الغوص، بأنّه معارضٌ بإطلاق ما دلّ على وجوبه في المعادن في غير محلّه.

المورد الرابع: لو غاص لا بقصد الانتفاع والاغتنام، بل لغرضٍ آخر كالغُسل،3.

ص: 39


1- المبسوط: ج 1/237-238.
2- حكاه الشهيد الأوّل في البيان: ص 216 بقوله: (وكان بعض من عاصرنا يجعله من قبيل الغوص).
3- مستند الشيعة: ج 10/29.
4- صفحة 26 من هذا المجلّد.
5- مصباح الفقيه: ج 3/123.

فهل يجبُ فيه خُمس الغوص، كما عن كاشف الغطاء(1)، أم لا؟

وقد توقّف فيه صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله والمحقّق الهمداني(2) لإطلاق الأدلّة، ولإمكان دعوى انصرافها إلى ما لو كان بقصد الحيازة.

لكن الأظهر هو الأوّل، إذ لا وجه لدعوى الانصراف المذكور، فإنّه بدوي يزول بأدنى تأمّل.

المورد الخامس: إذا غرق شيءٌ في البحر وانقطع أمل صاحبه عن حصوله، فترك التعرّض لإخراجه كما هو المتعارف، فمقتضى القواعد وإنْ هو عدم ملكيّته لمن أخرجه بالغوص، ما لم يَعرِض عنه، إلّاأنّ النصوص الخاصّة دلّت على التفصيل بين ما لو قَذَف به البحر على ساحله، وبين ما لو أخرجه الغوّاص، كخبر السّكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وإذا غَرِقت السّفينة وما فيها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم أحقّ به، وما غاص عليه النّاس وتركه صاحبه فهو لهم»(3). ونحوه غيره.

وحينئذٍ فهل يجب فيه خُمس الغوص، أم لا؟ وجهان أقواهما ذلك، لإطلاق دليله.

ودعوى: صاحب «الجواهر»(5) رحمه الله بأنّ النصوص والفتاوى ظاهرة في غيره، كما ترى .

وبذلك ظهر أنّ ما يخرج من البحر، إذا كان عليه أثر الإسلام، فهو للغائص، إذ2.

ص: 40


1- كشف الغطاء: ج 2/361. (2و5) جواهر الكلام: ج 16/42.
2- مصباح الفقيه: ج 3/123.
3- الكافي: ج 5/242 ح 5، وسائل الشيعة: ج 25/455 ح 32342.

بعد ترك صاحبه التعرّض له، يكون هو لمَن أخرجه بمقتضى الروايتين المتقدّمتين.

وعليه، فما عن المحقّق(1)، والشهيد(2) الثانيين، من كونه في حكم مال المسلم وأنّه لقطة، ضعيف، كما أنّه لا وجه لتردّد الشهيد في «البيان»(3) في ذلك.

المورد السادس: إذا أخرج بالغوص حيواناً، وكان في بطنه شيءٌ من الجواهر:

فعن كاشف الغطاء(4): وجوب الخُمس فيه مطلقاً.

وعن جماعةٍ منهم صاحب «العروة»(5): التفصيل بين ما لو كان معتاداً، فيجب فيه الخُمس، وبين ما لو كان من باب الاتّفاق فلا يجب، ومالَ إليه في «الجواهر»(6)، وهو الأقوى ، لصدق الغوص في الأوّل دون الثاني، كما لا يخفى .

نصاب الغوص

نصاب الغوص

المورد السابع: المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة: أنّه يُشترط في وجوب الخُمس في الغوص، أنْ يبلغ قيمة ما أُخرج ديناراً فصاعداً، بل عن غير واحدٍ، منهم المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(7) و «المنتهى»(8) دعوى الإجماع عليه، ويشهد له خبر محمّد بن علي المتقدّم، وضعفه به منجبرٌ بعمل الأصحاب.

ص: 41


1- جامع المقاصد: ج 3/51.
2- مسالك الأفهام: ج 1/462.
3- البيان: ص 216.
4- كشف الغطاء: ج 2/361.
5- العروة الوثقى: ج 4/254 (ط. ج).
6- جواهر الكلام: ج 16/43.
7- تذكرة الفقهاء: ج 5/428 (ط. ج).
8- منتهى المطلب: ج 1/550.

وعن «غريّة» المفيد(1): اعتبار عشرين ديناراً، ولم يظهر وجهه كما صرّح به غير واحد(2).

أقول: وبما سنذكره في المعدن، يظهر لك ما هو الحقّ في المقام، فيقع البحث في فروع:

منها: اعتبار إخراج المُؤن.

ومنها: اعتبار كون النصاب بعده أو قبله.

ومنها: البحث في الدفعة والدفعات.

ومنها: ضَمّ الُمخرَج بعضه إلى بعض.

ومنها: غير ذلك من المباحث لاتّحاد مناط البحث.

تفريع: لا كلام في وجوب الخُمس في العَنبر، بل عن جماعةٍ منهم سيّد «المدارك»(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: صحيح الحلبي المتقدّم في الغوص.

إنّما الكلام في نصابه، فالمنسوبُ إلى الأكثر(4) أنّه إنْ أُخرج بالغوص روعي فيه نصابه، وإنْ جنى من وجه الماء أو من الساحل، كان له حكم المعدن.

وعن المفيد(5): أنّ نصابه عشرون ديناراً مطلقاً.0.

ص: 42


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 3/320.
2- مختلف الشيعة: ج 3/320، مدارك الأحكام: ج 5/375، رياض المسائل: ج 5/251 (ط. ج)، غنائم الأيّام: ج 4/287.
3- مدارك الأحكام: ج 5/377.
4- مدارك الأحكام: ج 5/377 قوله: (فذهب الأكثر إلى أنّه إن أخرج بالغوص... الخ).
5- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/320.

وعن «النهاية»(1)، و «السرائر»(2)، و «الوسيلة»(3): أنّه لا نصاب له، بل يجبُ الخُمس في قليله وكثيره.

وعن «المدارك»(4): الميل إليه.

وعن كاشف الغطاء(5): أنّ العنبر من الغوص أو بحكمه.

واستدلّ للأوّل: بأنّ العنبر إمّا من المعدن أو ملحقٌ به:

لأنّه إمّا أنْ يكون من عينٍ في البحر، كما عن «منهاج البيان»(6) فهو منه.

أو يكون رجيع دواب بحريّة، كما عن «حياة الحيوان»(7).

أو أنّه نباتٌ في البحر، كما عن «المبسوط»(8) و «الإقتصاد»(9).

فهو وإنْ لم يكن منه، إلّاأنّه من جهة التسالم على انحصار ما يجبُ فيه في السبعة، يتعيّن إلحاقه بأحدها، وحيث أنّه أشبه بالمعادن - حيث أنّ له مكاناً مخصوصاً وكلّ ما كان كذلك يُطلق على مكانه بالمعدن توسّعاً - فيكون ملحقاً به.

وحينئذٍ إنْ أُخرج بالغوص، جرى عليه حكمه، لما تقدّم من اختصاص حكم المعدن بما يخرج لا بطريق الغوص، وإلّا فيجري عليه حكم المعدن.3.

ص: 43


1- النهاية: ص 197.
2- السرائر: ج 1/485.
3- الوسيلة: ص 136.
4- مدارك الأحكام: ج 5/378.
5- كشف الغطاء: ج 2/361.
6- حكاه عنه في السرائر: ج 1/486 بقوله: (وقال ابن جزلة المتطبّب في كتاب منهاج البيان... الخ).
7- حكاه عنه في السرائر: ج 1/485.
8- نسبه إلى الشيخ في المبسوط والاقتصاد، الحِلّي في السرائر، راجع المبسوط: ج 1/236. قوله: (وكلّما يخرج من البحر وفي العنبر).
9- الاقتصاد: ص 283.

وفيه أوّلاً: النقض بالمال الذي يُؤخذ من الناصب، فإنّه يجبُ فيه الخُمس، ولا يعتبر فيه شيءٌ ممّا يعتبر في الأقسام السبعة، على ما تقدّم.

وثانياً: بالحَلّ ، وهو أنّ التسالم على الانحصار المزبور ليس إجماعاً تعبّديّاً، على أنّه لو كان كذلك، فحكمه حكم النصوص الدالّة على الحصر في الأربعة أو الخمسة أو السبعة، فيكون قابلاً للتخصيص.

وعليه، فبما أنّ المختار حجيّة خبر الثقة في الموضوعات، فقول الشيخ وإخباره حجّة علينا، فهو ليس من المعدن، ولا ملحقاً به، فإنْ أُخذ بغير طريق الغوص، فلا مجال لإجراء حكم الغوص ولا المعدن عليه، بل يتعيّن الرجوع إلى إطلاق الصحيح، القاضي بعدم اعتبار النصاب، وكذلك إنْ أُخذ بالغوص، إذ المتبادر من دليل الغوص غيره، لما عرفت من أنّ الموضوع هو الغوص بالمعنى العرفي له.

ويؤيّده عطف الغوص عليه في الصحيح، المُشعر بالتغاير، وعليه فالأقوى هو القول الثالث، وهو عدم النصاب له.

وبالجملة: وبما حقّقناه ظهر ضعف القول الثاني، لإبتنائه على كونه من المعدن، وكذلك القول الرابع. فتدبّر جيّداً.

***

ص: 44

أرباح المكاسب ثبوت الخمس في أرباح المكاسب

(و) المورد الرابع من ما يجب فيه الخمس: ما يفضل عن مؤونة السَّنة له ولعياله، من (أرباح التجارات، والصِّناعات، والزّراعات) بلا خلافٍ فيه.

وعن السيّد في «الانتصار»(1)، والشيخ في «الخلاف»(2)، والمصنّف في «المنتهى»(3) و «التذكرة»(4)، وغيرهم(5) في غيرها: دعوى الإجماع عليه.

وقد نُسب «الخلاف» إلى القديمين(6)، بل ظاهر ابن الجُنيد(7) وجود المخالف في المسألة قبله، حيث قال: (فأمّا ما استُفيد من ميراث أو كديد أو صلة أخٍ أو ربحِ تجارةٍ ، أو نحو ذلك، فالأحوط إخراجه، لإختلاف الرواية في ذلك، ولأنّ لفظ (فرضه) محتملُ هذا المعنى، فلو لم يخرجه الإنسان، لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها)، انتهى.

أقول: لكن بما أنّه جعل الإخراج مورد اختلاف الرواية، ووجود المخالف في

ص: 45


1- الانتصار: ص 225.
2- الخلاف: ج 2/118.
3- منتهى المطلب: ج 1/548.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/428 (ط. ج).
5- غنية النزوع: ص 129، البيان للشهيد الأوّل: ص 218-219.
6- نسبه إليه الشهيد الأوّل في البيان: ص 218.
7- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/313.

وجوبه، لا أصل ثبوته، فالظاهر أنّه قائلٌ بالعفو والإباحة، وكذا من نقل خلافه مخالفٌ في القول بعدم العفو.

وبالجملة: لا ينبغي الريب في أصل وجوب الخُمس في هذا القسم، وتشهد له الآية الشريفة: وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ ... الخ(1)، إذ الغنيمة على ما يظهر من كلمات جماعةٍ (2)، هي كلّ ما استفيد واكتسب.

وعن المفيد(3)، و «مجمع البحرين»(4)، و «الدروس»(5)، و «البيان»(6)، والطبرسي(7): أنّ المراد من الغنيمة في الآية هي الفائدة المكتسبة، بل عن «الرياض»(8) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى أنّه ممّا يقتضيه مادّة (الغنيمة) التي هي في مقابل الغُرم - بعض النصوص الوارد في تفسير الآية الشريفة، وقد صرّح فيه عليه السلام بأنّ الغنيمة هي الفائدة، كصحيح علي بن مهزيار الآتي، وفيه:

«فالغنائم والفوائد يَرحَمك اللّه، فهي الغنيمة، يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان.. الخ».

وذكر الآية الشريفة في ضمن الآيات المتضمّنة لحكم الجهاد، لا يكون قرينةً 8.

ص: 46


1- سورة الأنفال: الآية 41.
2- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري: ص 25، مصباح الفقيه: ج 3/109.
3- المقنعة: ص 276.
4- مجمع البحرين: ج 3/333.
5- الدروس: ج 1/258.
6- البيان: ص 218 قوله: (وسابعها [أي لمعاني الغنيمة] جميع أنواع التكسّب).
7- مجمع البيان: ج 4/467-468.
8- رياض المسائل: ج 5/238.

لإرادة خصوص غنيمة دار الحرب.

ودعوى: أنّ عموم الآية مستلزمٌ لتخصيص الأكثر.

مندفعة: بأنّ جملةً من موارد عدم وجوب الخُمس، إنّما هي الموارد التي أباح صاحب الخُمس فيها، ورفع اليد عن حقّه، لا أنّه لا يجبُ فيها في أصل الشرع، وجملةٌ من تلك الموارد لا تصدق الغنيمة عليها، مع أنّ دعوى أكثريّة موارد عدم الوجوب من موارد الوجوب، فاسدة.

فإنْ قلت: إنّ الخمس في غنائم دار الحرب، إنّما يجبُ على المجموع من حيث المجموع.

وبعبارة اُخرى : قبل أن يُقسّم الغنائم يُخرج خمسه، لا أنّه يكلّف كلّ فردٍ بأدائه، وهذا بخلاف أرباح المكاسب، فإنّ مَنْ يجبُ عليه الإخراج، هو كلّ فردٍ بنفسه ومستقلّاً، فإرادة الوجوب فيهما بدليلٍ واحد، مستلزمة للجمع بين اللّحاظين، إذ لحاظ كلّ فرد من الأفراد في الأُولى لحاظٌ تبعي واندكاكي، ولحاظه في الثانية استقلالي انفرادي.

قلت: لا مانع من ذلك بعد فرض إناطة الحكم بجامعٍ يجمع العنوانين، كعنوان المالك مثلاً، فإنّ معنى الإطلاق هو رفض القيود لا الجمع بينها، ولذا ترى أنّه لا يشكّ أحدٌ في ترتيب جميع الأحكام المترتّبة على عنوان المالك، سواءٌ أكان هو الفرد أو الهيئة.

فإنْ قلت: قد صرّح بعض اللّغويين(1) بأنّ معنى (الغنيمة) خصوص ما أُخذ من3.

ص: 47


1- مجمع البحرين: ج 3/333.

الكفّار عن طريق القتال.

قلت أوّلاً: قول اللّغوي - لا سيّما عند معارضته مع قول جماعة آخرين منهم - ليس بحجّة.

وثانياً: لو سُلّم كون أحد معاني لفظة (الغنيمة) - أو معناها - هو خصوص ذلك، لكن لم يصرّح أحدٌ بأنّ هذه المادّة معناها ذلك، في ضمن أيّ هيئة كانت.

وثالثاً: أنّه بعد تفسيره عليه السلام للآية، لا يبقى موردٌ لذلك.

فإذاً لا ينبغي التوقّف في عموم الآية الشريفة وشمولها للمقام.

أمّا النصوص الدالّة على الحكم: فهي عديدة:

منها: صحيح ابن مهزيار، عن محمّد بن الحسن الأشعري: «كتبَ بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخُمس، أعلى جميع ما يستفيدُ الرّجل من قليلٍ وكثيرٍ، من جميع الضروب، وعلى الصناع، وكيف ذلك ؟ فكتب عليه السلام بخطّه: الخُمس بعد المؤونة»(1).

ومنها: صحيحه الآخر، عن عليّ بن محمّد بن الشجاع النيسابوري:

«أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام: عن رجلٍ أصاب من ضيعته مائة كُرّ من الحنطة، ما يُزكّى فأخذ منه العُشر عَشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمّارة الضيعة ثلاثون كُرّاً وبقى في يده ستّون كُرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك ؟ وهل يجبُ لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع لي: منه الخمس ممّا يفضل عن مؤونته»(2).

ومنها: صحيحه الثالث: «قال لي أبو عليّ بن راشد: قلت له (أي الحسن بن0.

ص: 48


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/499 ح 12579.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12580.

علي العسكري): أمرتني بالقيام بأمرك، وأخذ حقّك، فأعلمتُ مواليك بذلك، فقال بعضهم: وأيّ شيءٍ حقّه، فلم أدرِ ما اُجيبه ؟ فقال عليه السلام: يجبُ عليهم الخُمس.

فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم، وصنائعهم.

قلت: والتّاجر عليه، والصانع بيده ؟ فقال عليه السلام: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن زيد الطبري، قال:

«كتب رجلٌ من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرِّضا عليه السلام يسأله الإذن في الخُمس، فكتب إليه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، إنّ اللّه واسعٌ كريم، ضَمِن على العمل الثواب، وعلى الضيّق الهمّ ، لا يحلّ مالٌ إلّامن وجهٍ أحلّه اللّه، إنّ الخُمس عوننا على ديننا، وعلى عيالاتنا، وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنَّا، ولا تحرموا أنفسكم دعائنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاحُرزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهِّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يَفي للّه بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللِّسان، وخالف بالقلب، والسَّلام»(2).

ومنها: ما رواه بإسناده أيضاً عن الطبري: «قَدم قومٌ من خراسان إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حِلٍّ من الخُمس ؟!

فقال عليه السلام: ما أمحَل هذا؟! تمحضونا المودّة بألسنتكم، وتزوون عنّا حقّاً جعله اللّه لنا وجعلنا له، وهو الخُمس، لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحدٍ منكم في حِلّ »(3).6.

ص: 49


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12581.
2- الكافي: ج 1/547 ح 25، وسائل الشيعة: ج 9/538 ح 12665.
3- الكافي: ج 1/548 ح 26، وسائل الشيعة: ج 9/539 ح 12666.

ومنها: مصحّح الريّان بن الصلت، قال: «كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام: ما الذي يجبُ عَليَّ يا مولاي في غِلة رحى في أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سَمك وبَردي وقصبٍ أبيعه من أجمة هذه القطيعة ؟ فكتب عليه السلام: يجبُ عليه فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى »(1).

ومنها: صحيح عليّ بن مهزيار: «كتب إليه إبراهيم بن محمّد - إلى أنْ قال - فاختلف مَنْ قِبَلنا في ذلك، فقالوا: يجبُ على الضياع الخُمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرّجل وعياله.

فكتب، وقرأه علي بن مهزيار: عليه الخُمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(2).

ومنها: صحيح علي بن مهزيار الخامس الطويل، وفيه:

«فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى: وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ... (3)، والغنائم والفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها... الخ»(4).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة بهذا المضمون، فلا مجال للارتياب في وجوب الخمس في هذا القسم.

***3.

ص: 50


1- تهذيب الأحكام: ج 4/139 ح 16 / وسائل الشيعة: ج 9/504 ح 12587.
2- الكافي: ج 1/547 ح 24، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12582.
3- سورة الأنفال: الآية 41.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/141 ح 20، وسائل الشيعة: ج 9/501 ح 12583.

أخبار التحليل

أخبار التحليل

أقول: بعد دلالة الأخبار الآنفة على ثبوت أصل الخُمس، يقع الكلام في أنّه:

هل اُبيح الخُمس في هذا القسم أو مطلقاً للشيعة بتمامه، كما عن القديمين(1)، والديلمي(2)، و «الذخيرة»(3)، وفي «الحدائق»(4) نسبته إلى شيخه الشيخ عبد اللّه ابن صالح وإلى جملة من معاصريه ؟

أم أنّه اُبيح نصفه الذي للإمام عليه السلام، كما في «المدارك»(5)، و «الحدائق»(6)، وعن «المفاتيح»(7)، و «الوافي»(8)، وعن «كشف الرموز»(7): نسبته إلى قوم من المتقدّمين ؟

أم اُبيح إذا لم يكن من الأصناف الثلاثة، وإلّا وجب صرفه فيهم كما اختاره صاحب «الوسائل»(8).

أم لم يُبح شى ءٌمنه، إلّا في موارد خاصّة، كما هو المعروف بين الأصحاب ؟ وجوه:

تشهد للأخير: - مضافاً إلى أصالة عدم العفو، الّتي هي كأصالة عدم النسخ يعتمد عليها - جملةٌ من النصوص المتقدّمة آنفاً، كما لا يخفى على مَن لاحظها.

ص: 51


1- حكاه في مختلف الشيعة: ج 3/339 وذكر جميع الأقوال عن القدماء.
2- المراسم العلويّة: ص 141.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/492.
4- الحدائق الناضرة: ج 12/438.
5- مدارك الأحكام: ج 5/424.
6- الحدائق الناضرة: ج 12/439. (7و8) حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 10/127.
7- كشف الرموز: ج 1/272.
8- كما يظهر من وسائل الشيعة: ج 9/552 في تعليقه على رواية رقم: 12692.

واستدلّ للإباحة: بنصوص كثيرة، وجملة منها وإنْ وردت في موارد خاصّة، التي استثنيت كما سيمرّ عليك، إلّاأنّ جملة اُخرى منها مطلقة:

منها: خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال له رجلٌ : حَلِّل لي الفروج! ففزع أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال له رجلٌ : ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادمةً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يُصيبه، أو تجارةً أو شيئاً أعطاه.

فقال: هذا لشيعتنا حلالٌ ، الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحَيّ ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلالٌ ، أما واللّه لا يَحلّ إلّالمن أحللنا له»(1).

ومنها: صحيح الحارث بن المغيرة النضري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلّاتٍ وتجاراتٍ ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً.

قال عليه السلام: فلِمَ أحللنا إذاً لشيعتنا، إلّالتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهو في حِلٍّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلّغ الشاهدُ الغائبَ »(2).

ومنها: صحيح الفضلاء، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: هَلَك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآبائهم في حِلّ »(3).

ومنها: خبر حكيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في تفسير قوله تعالى : وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ ... إلخ(4)، هي واللّه الإفادة يوماً بيوم، ألا إنّ أبي جعل شيعته في حِلّ ليزكوا»(5).2.

ص: 52


1- تهذيب الأحكام: ج 4/137 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/544 ح 12678.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/143 ح 21، وسائل الشيعة: ج 9/547 ح 12683.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/137 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/543 ح 12675.
4- سورة الأنفال: الآية 41.
5- وسائل الشيعة: ج 9/546 ح 12682.

ومنها: خبر ابن سنان: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: على كلّ امرءٍ غنمٌ أو اكتسب الخمُس ممّا أصاب، لفاطمة عليها السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحُجَج على النّاس، فذلك لهم خاصّة، يضعونه حيث شاؤوا، وحَرُم عليهم الصَّدقة، حتّى الخيّاط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق، فلنا منه دانق، إلّامن أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة»(1).

ومنها: التوقيع الشريف المرويّ في «كتاب إكمال الدِّين» عن محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، فيما ورد عليه من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان عليه السلام:

«وأمّا الخُمس فقد اُبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حِلّ إلى أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تَخبُث»(2).

ومنها: مرسل الأحسائي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّه سأله بعض أصحابه، فقال: يابن رسول اللّه، ما حال شيعتكم فيما خَصّكم اللّه إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم ؟ فقال عليه السلام: ما أنصفناهم إنْ واخذناهم، ولا أحببناهم إنْ عاقبناهم، بل نُبيح لهم المساكن لتصحّ عباداتهم، ونُبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، ونُبيح لهم المتاجر لتَزكوا أموالهم»(3).

أقول: فما ورد عن بعضٍ (4) من أنّ نصوص التحليل واردة في موارد خاصّة، وليس فيها ما يدلّ على التحليل المطلق، ضعيفٌ .).

ص: 53


1- الاستبصار: ج 2/55 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/503 ح 12586.
2- وسائل الشيعة: ج 9/550 ح 12690، إكمال الدِّين: ج 2/483 ح 4.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 7/303 ح 8272-3، عوالي اللآلي: ج 4/5 ح 2.
4- الحدائق الناضرة: ج 12/464، رياض المسائل: ج 5/279 (ط. ج).

كما أنّ ما ورد عن المجلسي(1) رحمه الله من أنّه لم يرد عنه عليه السلام ما يدلّ على التحليل في زمان الغيبة، غير تامّ .

ثمّ إنّ من ذهب إلى تحليل الخُمس بتمامه، استند إلى بعض هذه النصوص، ومن اختار إباحة خصوص حصّة الإمام، استند إلى ما تضمّن إباحة حقّهم عليهم السلام كصحيح الفضلاء، ومن اختار إباحة حصّته عليه السلام في زمان الغيبة، كصاحب «الحدائق»(2) رحمه الله استند إلى التوقيع الشريف.

أقول: وقد ذكروا في مقام الجواب عن هذه النصوص وجوهاً:

الوجه الأوّل: إعراض المشهور عنها.

وفيه: إنّ الأصحاب لم يعرضوا عن هذه النصوص، وإنّما حَمَلوها على الموارد الخاصّة، جمعاً بينها وبين غيرها.

الوجه الثاني: ضعف إسنادها.

وفيه: إنّه وإنْ سُلّم في جملة منها كخبر حكيم لجهالته، وخبر عبد اللّه بن سنان، لأنّ من جملة رجاله عبد اللّه بن القاسم الحضرمي، الذي وصفه النجاشي بأنّه كان كذّاباً، والتوقيع على ما ستعرف، والمرسل، إلّاأنّ جملة منها صحيحة سنداً ومعتبرة.

الوجه الثالث: الثابت من الشرع أنّهم عليهم السلام خَزَنة علم اللّه سبحانه، وحَفَظة شرعه القويم، يحكمون فيه بما استودعهم الرسول صلى الله عليه و آله، وأنّهم لا يغيّرون الأحكام بعد انقطاع الوحي، فكيف يستقيم قولهم عليهم السلام (أحللنا لشيعتنا وأبحنا لهم)؟!

ودعوى: أنّ الخُمس حقّهم، وإباحة حقّهم كإباحة غيرهم حقّه، لا يعدّ تصرّفاً9.

ص: 54


1- حكاه عنه صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/469.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/469.

في الحكم وتغييراً فيه.

مندفعة: بأنّه على ذلك لابدّ من الاقتصار على خصوص حصّته عليه السلام، لا حقّ السادات، ولا حقّ الإمام اللّاحق، مع أنّ إباحة غير الحقّ الثابت حين التحليل من قبيل إسقاط ما لم يجب.

وفيه: الثابت بالدليل أنّ للنبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام العفو عمّا وضعه اللّه، والوضع لا يكون إلّابعد العفو، ولذا عَفى النبيّ صلى الله عليه و آله الزكاة عمّا عدا التسعة بعدما وضعت وشرّعت أوّلاً على جميع الأموال، ووضعها عليّ عليه السلام بعد عفو النبيّ صلى الله عليه و آله على الفَرَس، والنبيّ صلى الله عليه و آله جَعل السُّدس طُعمة الجَدّ في الإرث، مع أنّه لم يجعل اللّه تعالى له شيئاً، ووضع دية العين ودية النفس، وحَرّم النبيذ وكُلّ مسكرٍ، مع أنّه تعالى لم يُحرّم إلّا الخمر، وألحقَ الرّكعتين، وسَنَّ صلى الله عليه و آله صوم شعبان، وثلاثة أيّام في كلّ شهر، وزاد النبيّ صلى الله عليه و آله على الوضوء الثابت بحسب أصل الشرع مرّةً ، ووضعه اثنين اثنين، إلى غير ذلك من الموارد، ولتفويض هذا المقام إليهم، لهم الحقّ في أن يتصرّفوا في بيت المال ما يرون، ويعطون مَن يشاءون، ويمنعونه عمّن شاؤوا، كما نطقت بجميع ذلك النصوص المعتبرة.

وعلى ذلك، فلا محذور في عفوه عن حقّ السادات وحقّ الإمام اللّاحق، وليس من قبيل إسقاط ما لم يجب، بل يكون عفوهم بنحو القضيّة الحقيقيّة فتدبّر، فإنّ هذا غير النَسخ، فإنّه عبارة عن رفع الحكم، وهذا إغماضٌ وعفوٌ عمّا ثبت عليه الحكم، مع بقاء الحكم على حاله.

مع أنّ جملة من النصوص تضمّنت أنّ الدُّنيا للإمام، ففي خبر أبي سيّار، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ومالنا من الأرض وما أخرج اللّه منها إلّاالخمس، يا أبا سيّار

ص: 55

الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شيءٍ ، فهو لنا»(1). ونحوه غيره.

وليس مفاد هذه النصوص الملكيّة بنحوٍ لا تُجامع مع ملكيّة غيرهم، كي ترد بمخالفتها للضرورة، بل الملكيّة الثابتة بها من قبيل الملكيّة الثابتة للّه تعالى لما في أيدي الناس، التي جعلها اللّه لنبيّه صلى الله عليه و آله بقوله: اَلنَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (2)وجَعَلها النبيّ صلى الله عليه و آله للأوصياء من بعده، غير المنافية لملكيّة العباد، وهذه هي التي أرادها ابن أبي عمير في منازعته مع أبي مالك الحضرمي، حيث قال: الدُّنيا كلّها للإمام، على جهة المِلْك وأنّه أولى بها من الذين في أيديهم، فإنكار الحضرمي كتصديق هِشام في غير محلّه، وعليه فله التصرّف في الخُمس من غير فرقٍ بين حقّ السادات وحقّه عليه السلام، وغيرهما من الأموال كيف ما شاء.

نعم، التزموا عليهم السلام في الظاهر بعدم استباحة شيء ممّا في أيدى الناس، إلّابسببٍ من الأسباب الظاهريّة.

الوجه الرابع: ما عن المجلسي(3) رحمه الله وهو أنّ أخبار التحليل إنّما تدلّ على حليّة التصرّف في مال الخمس قبل إخراجه، مع ضمان الخمس في الذّمة، وهذا يلائم مع نصوص وجوبه، وعدم العفو عنه.

وفيه: إنّ هذا منافٍ لظهور مادّة التحليل، ولذا ترى أنّ الفقهاء في جملةٍ من الموارد - كالمناكح والمساكن - التزموا بالعفو، استناداً إلى ما تضمّن التحليل فيها، مع أنّ بعضها كالصريح في العفو، كصحيح الفضلاء المتقدّم وغيره.4.

ص: 56


1- تهذيب الأحكام: ج 4/144 ح 25، وسائل الشيعة: ج 9/548 ح 12686.
2- سورة الأحزاب: الآية 6.
3- حكاه عنه صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/444.

الوجه الخامس: منافاته للحكمة المقتضية لتشريعه، من استغناءبني هاشم به عن وجوه الصدقات، فلابدّ من حملها على خصوص قسمٍ خاصّ أوزمانٍمخصوص.

وفيه: إنّ هذا وجهٌ استحساني، لا يوجب تقييد المطلقات، مع اختصاصه بحقّ السادات.

الحقّ في الجواب عن أخبار التحليل

الحقّ في الجواب عن أخبار التحليل

أقول: والحقّ في مقام الجمع بين النصوص، يقتضي أنْ يُقال:

إنّ ما عدا التوقيع الشريف، والمرسل، وخبر أبي خديجة من النصوص إنّما صدرت عن الصادقين عليهما السلام، حيث عفيا عن الخمس، إلّاأنّ من بعدهما من الأئمّة عليهم السلام أثبتوه، بل شدّدوا عليه، وصرّحوا بعدم الحِليّة، لاحظ النصوص المتقدّمة آنفاً، ولا يخفى أنّه بحسب اعتقادنا؛ كما أنّ لهما العفو كذلك لهم الوضع.

وأمّا خبر أبي خديجة: فهو يدلّ على التحليل في خصوص المناكح، كما يدلّ عليه نصّ السؤال.

وأمّا المرسل: فهو ضعيفٌ لإرساله وضعف راوية.

وأمّا التوقيع الشريف: - فمضافاً إلى ضعف سنده، لا لكون محمّد بن محمّد بن عصام في طريقه - ولم ينصّ أحدٌ على وثاقته، لأنّه من مشايخ الإجازة - بل للجهل بحال إسحاق بن يعقوب، إذ جمعٌ من الرجاليّين وإنْ وثّقوه، إلّاأنّ توثيقهم إيّاه إنّما يكون لأجل التوقيع الوارد عليه من صاحب الأمر عليه السلام في جواب مسائل أُشكلت عليه:

«أمّا ما سألتَ عنه أرشَدَك اللّه وثبّتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا، وبني

ص: 57

عمّنا، فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ وجلّ وبين أحدٍ قرابة، ومن أنكر فليس منّي، وسبيله سبيل ابن نوح، وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده، فسبيل إخوة يوسف - إلى أنْ قال - وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمانٌ لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمانٌ لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يُعنيكم - إلى أنْ قال أخيراً - والسَّلامُ عليك يا إسحاق بن يعقوب، وعلى من اتّبع الهدى »(1).

أقول أوّلاً: ولا يخفى أنّ هذا التوقيع لا يدلّ على وثاقته، بل يدلّ على أنّه كان متردّداً في أمره عليه السلام لشبهات كانت في ذهنه.

وثانياً: إنّه هو الراوي له، فكيف يمكن الاعتماد عليه في وثاقته ؟

إنّ قوله عليه السلام: (وأمّا الخمس) فهو جوابٌ عمّا سأله، ولعلّ السؤال كان عن قسمٍ خاصّ ، بل قوله عليه السلام: (واُبيح شيعتنا وجعلوا منه في حِلّ ) الظاهر في تحليل مَنْ قَبله من الأئمّة يقتضي تحليل قسمٍ خاصّ كما لا يخفى .

ويؤيّده بل يشهد به، تعليله الحليّة بطِيب الولادة، وعدم خُبثها، فإنّه يقتضي تحليل خصوص ما يتعلّق بالمناكح.

أقول: وأجاب المحقّق الهمداني رحمه الله عن التوقيع الشريف، بجوابين آخرين، هما:

الجواب الأوّل: معارضته بأخبار مرويّة عنه، مثل ما رواه سعيد بن هبة اللّه الراوندي في «الخرائج والجرائح» عن أبي الحسن المسترق، عن الحسين بن عبداللّه بن حمدان، عن عمّه الحسين، في حديثٍ عن صاحب الزمان عليه السلام أنّه رآه وتحته بغلةٌ شهباء، إلى أنْ قال:9.

ص: 58


1- احتجاج الطبرسي: ج 2/469.

«يا حسين كم ترزأ على الناحية، ولم تمنع أصحابي عن خمس مالك ؟!

ثمّ قال: إذا مضيتَ إلى الموضع الذي تُريده، تدخله عفواً، وكسبت ماكسبت، تحمل خُمسه إلى مستحقّه.

قال: فقلت: السَّمع والطاعة، ثمّ قال: إنّ العُمري أتاه وأخذ خُمس ماله»(1).

وما رواه الصدوق أنّه ورد عنه عليه السلام في جواب مسائل محمّد بن جعفر الأسدي: «وأمّاماسألتَ عنه من أمر مَن يستحلُّ مافي يده من أموالنا، ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله، من غير أمرنا، فمن فَعَل ذلك فهو ملعونٌونحن خُصَمائه... الخ»(2).

وقريبٌ منه توقيعٌ آخر.

الجواب الثاني: إنّ هذا الحكم ليس من الأحكام الشرعيّة، بل من قبيل الموضوعات الخارجيّة، فلا يكفي في ثبوته إلّاالعلم أو البيّنة ونحوها.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الجواب الأوّل: فقد وصف النجاشي الحسين بن حمدان الذي هو الراوي للتوقيع الأوّل بقوله(3): (كان فاسد المذهب)، كما قال عنه ابن الغضائري(4): (كذّاب فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة، ولا يلتفت إليه).

مع أنّه متضمّنٌ لحكم شخصٍ واحد، وعدم العفو عنه، لا يلازم عدم العفو عن غيره.

وأمّا التوقيعان الآخران: فهما إنّما يتضمّنان اللّعن على مَنْ أكل أموالهم مستحلّاً).

ص: 59


1- وسائل الشيعة: ج 9/541 ح 12672، الخرائج والجرائح: ج 1/472.
2- وسائل الشيعة: ج 9/540 ح 12670، إكمال الدِّين: ج 2/520 ح 49.
3- رجال النجاشي: ص 67 رقم 159، وحكاه السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث: ج 6/244 تحت رقم 3381 الحسين بن حمدان.
4- رجال ابن الغضائري: ج 2/172، وحكاه السيّد الخوئي (المصدر السابق).

من غير إذنه، وهذا لا ربط له بمن يتصرّف فيها بإذنه عليه السلام.

وأمّا الجواب الثاني: فلما عرفت مراراً في هذا الشرح، من أنّ خبر الواحد حجّة في الموضوعات أيضاً، فضلاً عن أنّ الدليل الذي اُقيم لعدم حجيّته فيها - وهو خبر مسعدة - لا يشمل أمثال هذا الموضوع الخارجي، كما لا يخفى .

فالحقّ في الجواب ما ذكرناه.

فتحصّل: أنّ المعتمد في زمان الغيبة الكبرى ، هو ما دلّ على عدم الإباحة والحِليّة، فلا إشكال في تعلّق الخُمس بأرباح المكاسب، ولكن بما يفضل منها عن مؤونة السَّنة، على ما سيأتي تنقيح القول في هذا الشرط عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

***

ص: 60

متعلّق خُمس الأرباح مطلق الفائدة

متعلّق خُمس الأرباح مطلق الفائدة

اختلفت كلمات القوم في فتاويهم، ومعاقد إجماعاتهم، في تحديد موضوع الخمس في هذا القسم:

فظاهر جمعٍ منهم: أنّ الموضوع جميع المستفاد.

وعن الشيخ في «الخلاف»(1): (يجبُ الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والمكاسب، وفيمايفضل من الغلّات والزراعات على اختلاف أجناسها.

إلى أنْ قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم). ونحوه ما عن «الغُنية»(2).

ويظهر من جماعةٍ منهم إناطة الحكم بعنوان التكسّب على اختلاف عباراتهم، حيث اقتصر بعضهم على أرباح التجارات، وآخر على المكاسب، وثالث على حاصل أنواع التكسّبات من التجارة والزراعة والصناعة، وقريبٌ منها غيرها.

والظاهر أنّ مراد الجميع واحدٌ، بقرينة دعوى الإجماع على كلٍّ من العبارتين، واشتمال الكتاب الواحد عليهما، بحمل الثانية على المثال، ولذا اقتصر بعضهم على خصوص المكاسب، وآخر على أرباح التجارة، بل لا يبعد دعوى أنّ مراد الجميع وجوب الخمس في كلّ فائدة، وإنْ لم تكن بقصد، ولذا استثنى في «المدارك»(3) عن ذلك الميراث والهديّة والصَّدقة، ولا يخفى أنّ الاستثناء فرع الشمول.

وعلى ذلك، فترجع الأقوال الثلاثة إلى قولٍ واحد، وهو ما قوّاه الشيخ

ص: 61


1- الخلاف: ج 2/118. المسألة 139.
2- غنية النزوع: ص 129.
3- مدارك الأحكام: ج 5/384.

الأعظم(1) رحمه الله من وجوب الخُمس في كلّ ما يملكه ولو بإرثٍ ونحوه، وهو الأقوى .

وتشهد له:

1 - الآية الشريفة: وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ (2)... الخ، إذ (الغنيمة) على ما عرفت هي مطلق الفائدة، وهيئة المجرّد موضوعة للنسبة الأعمّ من الطوعي وعدمه، فتشمل الآية ما هو قهريّ كالإرث.

نعم، لو قال سبحانه بدل (غنمتم) كلمة (اغتنمتم) لكانت مختصّة بما يملكه باختياره، لأنّ هذه الهيئة وضعت لإفادة الإرتباط إلى الفاعل على سبيل الرغبة.

2 - وجملةٌ من النصوص:

منها: موثّق سماعة: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الخُمس ؟ فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليلٍ أو كثير»(3).

وجه دلالته: التعبير ب (ما أفاد الناس) لا ب (استفاد).

ومنها: صحيح علي بن مهزيار: «فالغنائم والفوائد يرحمك اللّه، فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يُحتسب من غير أبٍ ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مالٍ يوجد ولا يُعرف له صاحب. الحديث»(4).

وهذا كالصريح، من جهة تفسيره (الغنائم) بما يشمل الميراث كما هو المختار.

ومنها: خبر يزيد، قال: «كتبتُ : جُعِلتُ لك الفداء، تعلّمني ما الفائدة، وما3.

ص: 62


1- كتاب الخمس: ص 186.
2- سورة الأنفال: الآية 41.
3- الكافي: ج 1/545 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/503 ح 12584.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/141 ح 20، وسائل الشيعة: ج 9/501 ح 12583.

حَدّها؟ رأيك أبقاك اللّه أن تمُنّ عَليَّ ببيان ذلك، لكي لا أكون مُقيماً على حرامٍ ، لا صلاة لي ولا صوم ؟

فكتب عليه السلام: الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارةٍ من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة»(1).

أقول: وممّا ذكرناه في موثّق سماعة تظهر دلالة هذا الخبر أيضاً على المُدّعي.

وقريبٌ من هذه النصوص صحيحٍ آخر لابن مهزيار(2).

ولا ينافي هذه النصوص ظاهر بعض النصوص، المقتضي لاختصاص الوجوب بكلّ فائدةٍ حاصلة باختيار الشخص، لأنّ منطوقه موافق لها ولا مفهوم له كي تقيّد به الإطلاقات.

أقول: وقد أورد على هذه الأدلّة، انتصاراً للقائلين بعدم وجوبه في غير ما اشتهر بين العلماء، و هو أرباح التجارات والصناعات، و سائر أنواع التكسّبات، بوجوه:

1 - إعراض المشهور عنها.

2 - مخالفتها للنصوص الحاصرة للخُمس في خمسة أو في أربعة، وفي بعضها:

(ليس الخُمس إلّافي الغنائم خاصّة)، فإنّه على فرض تعلّقه بكلّ فائدة لايظهر للحصر وجه.

3 - إنّه لا ريب في عدم تعارف الخُمس في مثل الميراث والهبة ونحوهما في زمان النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام، وإلّا لم يختفٍ مثل هذا الحكم مع عموم الابتلاء به على النساء والصبيان، فضلاً عن صيرورة خلافه مشهوراً بين العلماء، وهو دليلٌ عدم9.

ص: 63


1- الكافي: ج 1/545 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/503 ح 12585.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/449 ح 12579.

الوجوب.

4 - خبر أبي عليّ بن راشد: «قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك، وأخذ حقّك، فأعلمتُ مواليك بذلك فقال لي بعضهم: وأيّ شيءٍ حقّه ؟ فلم أدرَ ما اُجيبه ؟ فقال عليه السلام: يجبُ عليهم الخُمس. فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم»(1).

فإنّه واردٌ في مقام بيان ما يتعلّق به الخمس، فيدلّ على عدم وجوبه في غير المتاع والصنعة كالنقد المنتقل إليه بإرث ونحوه، أو غير ذلك ممّا لا يطلق عليه عند العرف عنوان المتاع.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّه من المحتمل قويّاً إفتاء المشهور بذلك، مع أنّ إعراضهم عن ظاهر الآية الشريفة، لأجل توهّم عدم دلالتها على العموم، لا يمنع عن الاستدلال به.

وأمّا الثاني: فلأنّ النصوص الحاصرة أيضاً تدلّ على وجوب الخُمس في كلّ غنيمةٍ وفائدة.

ودعوى: أنّه لا يظهر وجهٌ حينئذٍ للحصر.

فاسدة: إذ يمكن أنْ يكون الحصر بالإضافة إلى ما يملكه بالعوض.

وأمّا الثالث: فلأنّ في زمان الأئمّة، حيث أنّهم عليهم السلام كانوا معزولين عن مقامهم الذي جَعَله اللّه لهم، ولذا أباحوا الخُمس بتمامه في برهةٍ من الزمان، فعدم تعارفه في تلك الأزمنة، لا يكون دليلاً لعدم الوجوب في مثل هذا الحكم الذي له1.

ص: 64


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12581.

مساسٌ بأمر الخلافة والولاية.

وأمّا الرابع: فلأنّ أحد معاني (المتاع) على ما عن «القاموس»(1) وغيره(2) هو المنفعة، وهي تشمل كلّ فائدةٍ ، بل هي هي.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب الخمس في كلّ فائدة ويصل إلى الإنسان.

***3.

ص: 65


1- القاموس المحيط: ج 3/83.
2- مختار الصحاح: ص 315، لسان العرب: ج 8/333.

تعلّق الخُمس بالهبة

تعلّق الخُمس بالهبة

أقول: هنا موارد يجب البحث عنها:

المورد الأوّل: في الهبة.

فعن الحلبي(1) و «اللّمعة»(2): الجزم بثبوت الخُمس فيها، وقوّاه شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله(3).

وعن «الروضة»(4): أنّه حسن.

وعن «المعتبر»(5) و «الدروس»(6) و «البيان»(7) و «الجواهر»(8): التوقّف فيه.

ونُسب(9) إلى المشهور العدم، بل عن الحِلّي(10): دعوى الاتّفاق عليه.

والظاهر أنّ منشأ هذه النسبة عدم تعرّضهم لوجوب الخُمس فيها، مع تعبيرهم عن ما يجب فيه الخُمس بالتكسّب أو نحوه، غير الشامل لقبول الهديّة،

ص: 66


1- الكافي في الفقه: ص 170.
2- اللّمعة الدمشقيّة: ص 45.
3- كتاب الخمس: ص 191.
4- شرح اللّمعة: ج 2/74.
5- لم يصرّح المحقّق في المعتبر بذلك راجع: ج 2/623، وعدم التصريح قد يظهر منه التوقّف كما نسبه إليه المؤلّف، ولكن غيره نسب إليه الوجوب كالشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 191-192 ولعلّه لإطلاق قوله: وجميع الاكتسابات، ونسب إليه المحقّق القُمّي في غنائم الأيّام: ج 4/320 الميل إلى الوجوب، وقال: (يظهر من ملاحظة كلامه في المال المختلط بالحرام، ووجهه غير واضح هناك).
6- الدروس: ج 1/258.
7- البيان: ص 219.
8- جواهر الكلام: ج 16/56.
9- مستند الشيعة: ج 10/52.
10- السرائر: ج 1/490.

ولكن عدم التعرّض أعمٌّ من القول بالعدم، لا سيّما مع فرض شمول ما أخذوه موضوعاً للوجوب لها.

وتعبيرهم بالتكسّب قد مرَّ أنّه لا يدلّ على ذلك، لأنّ الظاهر إرادة الأعمّ منه، مع أنّ قبول الهديّة والهبة يعدّ نوعاً من التكسّب، ولذا ترى إفتائهم بوجوبه إذا وجب ذلك، كالاكتساب للنفقة وعدمه حيث لا يجب، وكالاكتساب للحجّ ، بل عن كثيرٍ من الأصحاب التصريح بذلك.

وبالجملة: فلو لم ندَّع أنّ المشهور بين الأصحاب هو الوجوب، لا نُسلّم كون المشهور عدمه، ولذا نَسب المحقّق(1) القول بعدم الوجوب إلى بعض المتأخّرين، ومراده الحِلّي(2)، وكذا الشهيد في «الدروس»(3).

واستدلّ للوجوب: - مضافاً إلى عموم الآية والنصوص المتقدّمة - خصوص خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«كتبتُ إليه: في الرّجل يَهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس ؟

فكتب عليه السلام: الخُمس في ذلك»(4).6.

ص: 67


1- المعتبر: ج 2/623 قوله: (وقال أبو الصلاح الحلبي: الميراث والهديّة والهبة فيه الخمس. وأنكر قوله بعض المتأخّرين. وأطبق الجمهور على إنكار ذلك كلّه).
2- السرائر: ج 1/490 حيث ذهب إلى عدم الوجوب في الهديّة مطلقاً فإنّه بعد أن أورد كلام أبو الصلاح القائل بالوجوب قال: (ولم يذكره [أي الوجوب] أحدٌ من أصحابنا، إلّاالمشار إليه، ولو كان صحيحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذّمة، فلا نشغلها... الخ).
3- الدروس: ج 1/258، فإنّه لم يذكر وجوب الخمس في الهديّة، ولكنّها نقل الأقوال في ذلك، ولم ينفها كما أنّه لم يؤيّدها، فظاهره التوقّف، وإنْ كان الميل إلى عدم الوجوب أظهر، حيث عدَّ من المكاسب ما كان من تجارة وزراعة وصناعة وغرس ولم يتعرّض للهديّة.
4- وسائل الشيعة: ج 9/504 ح 12588، مستطرفات السرائر ص 606.

وصحيح ابن مهزيار(1)، وخبر يزيد(2) المتقدّمين.

ويشير إليه أيضاً خبر علي بن الحسين بن عبد ربّه، قال:

«سرّح الرِّضا عليه السلام بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليَّ فيما سرّحت إليّ خمسٌ؟ فكتب إليه: لا خُمس عليك فيما سرّح به صاحب الخُمس»(3).

فإنّ ظاهره أنّ وجه عدم وجوبه ليس كونه تسريحاً، بل كون المسرّح به صاحب الخمس.

واستدلّ للعدم:

1 - بالإجماع.

2 - وبأصل البراءة.

3 - وبمكاتبة ابن مهزيار، قال: «كتبتُ إليه: يا سيّدي رجلٌ دفع إليه مالٌ يحجّ به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخُمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟

فكتب عليه السلام: ليس عليه الخُمس»(4).

بدعوى: أنّه يتعيّن حملها على ما إذا كان الدفع من باب الصِّلة، وصرف المال في سبيل اللّه، والتسبيب لعمل الخير، لأنّه الظاهر من السؤال، لا الاُجرة حتّى يدخل في أرباح المكاسب، فينافي مع الأدلّة.

4 - وبخبر أبي خديجة، عن الإمام الصادق عليه السلام المتقدّم، الدالّ على تحليل5.

ص: 68


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/449 ح 12579.
2- الكافي: ج 1/545 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/503 ح 12585.
3- الكافي: ج 1/547 ح 23، وسائل الشيعة: ج 9/508 ح 12596.
4- الكافي: ج 1/547 ح 22، وسائل الشيعة: ج 9/507 ح 12595.

الخُمس في الهبة إلى يوم القيامة(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الإجماع: فلما عرفت.

وأمّا الأصل: فلأنّه لا يرجع إليه مع الدليل.

وأمّا المكاتبة: فلأنّ ظاهرها السؤال عن اُجرة الحجّ ، ومخالفتها لسائر الأدلّة لا توجب حملها على الصِّلة، فيتعيّن طرحها، أو حملها على القسم الأوّل من السؤال، ولعلّه الظاهر، من جهة أنّ الظاهر من السؤال المفروغيّة عن وجوب الخُمس في ذلك المال، وإنّما الشكّ كان من جهة وجوبه قبل الحجّ ، أو فيما فَضُل في يده بعده.

والعجب من صاحب «الحدائق» رحمه الله(2) حيث أنّه التزم بعدم الوجوب في أمثال هذا المال المأخوذ بعنوان الاُجرة، بدعوى أنّها تُؤخذ في مقابل الأعمال لا مجّاناً، فلا تكون فوائد وغنائم.

إذ يرد عليه: أنّ لازم ذلك عدم وجوب الخمس في شيء من أرباح المكاسب، إذ كلّها إنّما تكون في مقابل الأعمال، مع أنّه عليه السلام صرّح بوجوب الخمس في ما يأخذه الخيّاط في مقابل عمله.

وأمّا الرابع: فقد مرّ في الجواب عن أخبار التحليل أنّ خبر أبي خديجة مختصٌّ بالمناكح.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب الخمس في الهبة والهديّة والجائزة.

أقول: ثمّ إنّ تقييد الجائزة في المكاتبة بما كان له خَطَرٌ:3.

ص: 69


1- تهذيب الأحكام: ج 4/137 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/544 ح 12678.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/353.

يمكن أنْ يكون من جهة أنّ ما لا يكون كذلك من المؤونة غالباً، كما اختاره شيخنا الأنصاري رحمه الله(1).

ويمكن أنْ يكون من جهة أنّ ما لا يكون كذلك، لا يعدّ في العرف غنيمةً وفائدة، وإنّما يعتبر في صدق هذا العنوان أنْ يكون لها قدر ومنزلة كما قيل.

***4.

ص: 70


1- كتاب الخمس: ص 194.

تعلّق الخُمس بالميراث غير المحتسب

تعلّق الخُمس بالميراث غير المحتسب

المورد الثاني: في الميراث:

والأقوال في وجوبه فيه هي الأقوال في الهبة.

ويشهد لوجوبه فيه:

1 - الآية الشريفة.

2 - مكاتبة ابن مهزيار، المصرّحة بذلك.

3 - وموثّق سماعة المتقدّم، لأنّه لا يعتبر في صدق الإفادة أنْ يكون وصول الفائدة إلى الشخص باختياره، كما لايخفى .

4 - وخبر أبي خديجة الوارد في تحليل ما أصابه ميراثاً، إذ لو لم يكن واجباً في أصل الشرع، لما كان وجهٌ لتحليله عليه السلام قسماً منه.

ولكن بما أنّ المكاتبة واردة في مقام بيان ما يتعلّق به الخمس غير أرباح التجارات، وقيّد الميراث بالذي لا يحتسب، فتدلّ بالمفهوم على عدم وجوبه في الميراث الذي يُحتسب، ولعلّ العرف يساعد على اعتبار كون الميراث من حيث لا يُحتسب يصدق عليه عنوان الغنيمة والفائدة.

وقوله عليه السلام: (من غير أبٍ ولا ابن) المذكور من باب التمثيل:

يحتمل أنْ يكون قيداً لغير المحتسب، فيعتبر في وجوبه أمران:

1 - كون المورث رَحِماً بعيداً.

2 - وعدم كون الوارث عالماً به.

ويحتمل أنْ يكون تفسيراً له، فلا يعتبر سوى عدم كونه رَحِماً قريباً.

ولعلّ الأوّل أظهر.

ص: 71

واستدلّ لعدم وجوبه فيه:

1 - بالأصل.

2 - والإجماع.

3 - وبأنّه لا دليل عليه سوى المكاتبة، وحيث لم ينقل الالتزام بمفادها عن أحدٍ، فإنّ من حُكي عنه القول بثبوت الخمس في المواريث، لم يفصّل بين مصاديقها، فيتعيّن طرحها.

4 - وبأنّ خبرأبي خديجة يدلّ على التحليل الأبدي في عدّة أشياء منها الميراث.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّلان: فلما عرفت في الهبة.

وأمّا الثالث: فلأنّ سقوط الخبر الصحيح عن الحجيّة - لا سيّما في بعض مدلوله - يتوقّف على ثبوت الإعراض، وفي هذه المسألة بما أنّه يحتمل أنْ يكون نظر القائلين بعدم وجوبه - حتّي في غير الُمحتَسب إلى أحد الوجوه المذكورة، والنصوص التي توهم دلالتها على التحليل من خبر أبي خديجة وغيره، ونظر القائلين بوجوبه كذلك إلي عدم دلالة المكاتبة على المفهوم - فلا يثبت الإعراض، مع أنّ جماعةً من القدماء لم تنقل فتاويهم، ولعلّهم كانوا يفتون بالتفصيل.

وأمّا الرابع: فلأنّه - مضافاً إلى ما مرّ من اختصاصه بالمناكح - لو سُلّم شموله لمطلق الميراث فإنّه مرويٌّ عن الإمام الصادق عليه السلام في مطلق الميراث، وهذه الرواية مرويّة عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في خصوص قسمٍ منه، ولا شبهة في تقدّمها عليه.

وعليه، فالأقوى وجوب الخمس في الميراث الذي لا يُحتسب.

***

ص: 72

تعلّق الخُمس بالصداق

تعلّق الخُمس بالصداق

المورد الثالث: في الصِّداق، وفيه قولان:

القول الأوّل: لصاحب «الحدائق»(1) فقد استدلّ لعدم وجوب الخُمس فيه، بأنّ الصداق عوض البُضع كثمن المبيع، فلا يكون من قبيل الغنيمة.

وفيه أوّلاً: إنّه ليس كذلك، كما سيأتي تحقيقه في كتاب النكاح.(2)

وثانياً: لو سُلّم ذلك، غاية الأمر كونه كسائر ما يؤخذ في مقابل الأعمال ومنافع الإنسان، وقد عرفت وجوب الخُمس فيما يؤخذ بإزائها، بل وجوبه فيه من ما لاخلاف فيه.

القول الثاني: ما استدلّ له بعض المحقّقين رحمه الله بأنّ رجوع المال ثانياً إلى من أرجعه إلى الغير بالإعطاء له ينافي الإعطاء، ومن القبيح بمكان، وحيث أنّ الخُمس للّه تعالى ، ورجوعه إلى الرسول صلى الله عليه و آله والإمام عليه السلام إنّما هو بالخلافة عنه تعالى ، والصداق أيضاً عطيّة منه تعالى إلى النساء، كما تشهد له الآية الشريفة: وَ آتُوا اَلنِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (3) أي عطيّة، فرجوعه إليه ثانياً ينافي الإعطاء.

وفيه: لو سُلّم كون الصداق عطيّة، فإنّما هو عطيّةٌ من الزوج لها، لكنّها مجعولة من قِبل اللّه تعالى لا أنّه عطيّة مباشرة من اللّه تعالى لها.

فالحقّ أنّ الصداق كالهدايا والجوائز، فبناءً على ما هو الحقّ من وجوب الخُمس في كلّ فائدة، يكون واجباً فيه، ومنه يظهر حكمِ عوض الخُلع.

ص: 73


1- الحدائق الناضرة: ج 12/353.
2- فقه الصادق: ج 32/343.
3- سورة النساء: الآية 4.

وأمّا الصَّدقة المندوبة: فهي كالهبة والهديّة، غاية الأمر يعتبر فيها قصد القربة، وذلك لا يوجب الفرق في وجوب الخُمس المتوقّف على صدق الفائدة.

وبذلك يظهر عدم تماميّة ما اختاره جماعةٌ من محقّقي عصرنا(1) وما يقرب من هذا العصر، من عدم وجوب الخُمس في هذه الثلاثة، مع بنائهم على وجوبه في كلّ فائدة، أو التوقّف في ذلك.

***5.

ص: 74


1- العروة الوثقى: ج 4/277 (ط. ج)، مستمسك العروة الوثقى: ج 9/525.

ما ملك بالخُمس أو الزّكاة

ما ملك بالخُمس أو الزّكاة

المورد الرابع: هل يجبُ الخُمس فيما ملك بالخُمس أو الزكاة إنْ زاد عن مؤونة السَّنة أم لا؟ وجهان بل قولان:

استدلّ الشيخ الأعظم(1) للثاني، بأنّه مِلْكٌ للسّادة أو الفقراء، فكأنّه يدفع إليهم ما يطلبونه، فيُشكل صدق الفائدة عليه.

وفيه: أمّا حقّ الإمام عليه السلام فهو يدفع إليه ثمّ يتملّك أو يملك من قبله عليه السلام.

وبعبارة اُخرى : من يطلبه هو الإمام، ومن يدفع إليه غيره، فهذه الملكيّة تصدق عليها الفائدة والغُنم، وأمّا حقّ السّادة والفقراء فهو ليس مِلْكاً لمن يدفع إليه قبل الدفع، وإنّما يصير مِلْكاً له بذلك فيصدق الفائدة.

أقول: واستدلّ له بعض المحقّقين بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ رجوع المال ثانياً إلى من أرجعه إلى الغير بالإعطاء له، ينافي الإعطاء، ومن القبيح بمكان.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام في مرسل حمّاد بن عيسى - الذي رواه المشايخ الثلاثة، المعوّل عليه عند الأصحاب، لأنّ مُرسله من أصحاب الإجماع - عن العبد الصالح عليه السلام: «وليس في مال الخُمس زكاة، لأنّ فقراء الناس جُعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحدٌ، وجُعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه و آله نصف الخُمس، فأغناهم به عن صدقات الناس، وصدقات النبيّ صلى الله عليه و آله ووليّ الأمر، فلم يبق فقيرٌ من فقراء النّاس، ولم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول صلى الله عليه و آله إلّاوقد

ص: 75


1- كتاب الخمس: ص 195.

استغنى ، فلا فقير، ولذلك لم يكن على مال النبيّ والوليّ زكاةٌ ، لأنّه لم يبق فقيرٌ محتاج، الحديث»(1).

وتقريب الاستدلال به: من وجهين:

الأوّل: أنّه يدلّ على عدم وجوب الزكاة في مال الخُمس، وحيث أنّ الخُمس بدل عن الزكاة، فيلحقه حكمها، فلا خُمس في مال الخمس أيضاً، ويثبت الحكم - أي عدم الخمس - في مال الزكاة بعدم القول بالفصل.

الثاني: أنّه بعموم علّته يدلّ على أنّ تشريع الخُمس والزكاة إنّما يكون في سائر الأموال غير الخُمس والزكاة، فلا خُمس في الخُمس ولا في الزكاة، كما لا زكاة في الخُمس ولا في الزكاة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه وجهٌ استحساني لا يصلح عدّه مستنداً للحكم الشرعي، مع أنّه لا يتمّ في حقّ السادات، لأنّه إذا انتقل إلى السيّد وزيد عن مؤونة سنته، ووجب فيه الخُمس، لا يلزم منه رجوع المال إلى من أعطاه، كما هو واضح.

وأمّا الثاني: فيرد على التقريب الأوّل: أنّه لا دليل على عموم البدليّة، وإنّما الدليل دلَّ على قيامه مقامها في سَدّ الخُلّة.

وعلى الثاني: أنّ هذا التعليل يختصّ بصورة بسط يد الإمام، ونقل كلّ الخُمس والزكاة إليه، بحيث يسعهُ القيام بمؤونة جميع الفقراء من الهاشميين وغيرهم، وفي مثل ذلك لا يجوزُ إعطاء هاشمي أكثر من مؤونته - كما هو صريح المرسل - حتّى يجب فيه الخُمس، ولذا ترى أنّه لم يستدلّ الأصحاب بهذا المرسل في المقام، ولا في مسألة7.

ص: 76


1- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/513 ح 12607.

عدم وجوب الزكاة في مال الزكاة.

أقول: وقد يستدلّ لهذا الحكم بوجهين آخرين:

أحدهما: خبر علي بن الحسين المتقدّم في الهبة، المتضمّن لقوله عليه السلام: (لا خُمس عليك فيما سرّح به صاحب الخُمس)(1) فإنّه يدلّ على عدم وجوب الخمس في مال الخُمس إذا سُرّح به إلى الغير، فعدم وجوبه فيه إذا كان عنده أولى منه كما لا يخفى ، فإذا ثبت فيه يثبت في مال الزكاة بعدم القول بالفصل.

ثانيهما: أنّ موضوع كلّ حكم متقدم عليه رتبة، فلا يعقل شمول الحكم لما يوجد به، ويكون متأخّراً عنه، فإنّه يلزم تقدّم ما هو متأخّر رتبة وهو محال، وفي المقام ملكيّة السادات والإمام لمال الخُمس إنّما تثبت بما دلّ على وجوب الخمس، فيستحيل أنْ تكون موضوعة له.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه مختصٌّ بالإمام الذي هو صاحب الخُمس كلّه، ويجب إيصاله بتمامه إليه، مع أنّه ليس فيه ما يدلّ على أنّ ما سُرّح به كان من مال الخُمس، أضف إلى ذلك منع الأولويّة المزبورة.

وأمّا الثاني: فلأنّه بما أنّ الحكم المُنشَأ بآية الخمس(2) وغيرها من الأدلّة، ليس حكماً واحداً شخصيّاً، بل هي أحكام عديدة اُنشأت بإنشاءٍ واحد - كما هو الشأن في القضيّة الحقيقيّة - فلا مانع من أنْ يكون أحد تلك الأحكام مُثبتاً وموجداً لموضوع الآخر.

فتحصّل: عدم تماميّة شيءٍ من الوجوه الخمسة المذكورة لعدم وجوب الخُمس1.

ص: 77


1- الكافي: ج 1/547 ح 23، وسائل الشيعة: ج 9/507 ح 12596.
2- سورة الأنفال: الآية 41.

في ما مَلِك بالخُمس أو الزكاة.

وعليه، فالأظهر بناءً على المختار من وجوب الخُمس في كلّ فائدةٍ ، ثبوته في المقام.

هذا بناءً على جواز إعطاء الهاشمي أكثر من مؤونة سنته، وإلّا فيجبُ ردّ جميع ما زاد عنها لا خُمسه.

***

ص: 78

تعلّق الخُمس بالنماء المتّصل والمنفصل

تعلّق الخُمس بالنماء المتّصل والمنفصل

المورد الخامس: يدور البحث فيه عن الزيادة في الأعيان الموجودة عند المكلّفين، فهي على قسمين:

تارةً : يكون عنده من الأعيان الّتي لم يتعلّق بها الخمس، أو تعلّق بها ولكن أدّاه فزادت زيادةً متّصلة أو منفصلة:

فهل يجب الخُمس في ذلك النماء مطلقاً، كما عن جماعة التصريح به، منهم المصنّف في «التحرير»(1)، والشهيد الثاني في «المسالك»(2)؟

أو يثبت الخُمس فيما إذا قصد به الاسترباح والتكسّب، كما عن كاشف الغطاء(3)، واختاره المحقّق الهمداني(4)، وجملةٌ ممّن تأخّر عنهما(5)؟

أم لا يثبت الخمس في ذلك النماء مطلقاً؟

أم يجب التفصيل بين النماء المنفصل، فيجب في صورة قصد الاسترباح أو مطلقاً، وبين النماء المتّصل فلا يجب مطلقاً؟

وجوهٌوأقوال، أقواهاالأوّل، لما عرفت من وجوب الخُمس في مطلق الفائدة.

ودعوى: عدم صدق الفائدة على النماء المتّصل كالسّمُن، تندفع بالمراجعة إلى العرف.

ص: 79


1- تحرير الأحكام: ج 1/439 (ط. ج).
2- مسالك الأفهام: ج 1/465.
3- كشف الغطاء: ج 2/359.
4- مصباح الفقيه: ج 3/129.
5- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/527 و 529، كتاب الخمس للشيخ مرتضى الحائري: ص 159.

تعلّق الخمس بزيادة القيمة السوقيّة

تعلّق الخمس بزيادة القيمة السوقيّة

واُخرى: ترتفع القيمة السوقيّة للعين من غير زيادة عينيّة:

فعن المصنّف رحمه الله في «التحرير»(1): عدم وجوب خُمس تلك الزيادة مطلقاً.

وعن «الروضة»(2): وجوبه كذلك.

ويظهر من محكيّ «المنتهى»(3): التفصيل بين ما لو باعها فيجب، وبين ما قبل البيع فلا يجب. وهو مختار شيخنا المرتضى(4) رحمه الله وصاحب «الحدائق»(5) وغيرهما من المتأخّرين(6).

وعن جماعةٍ : التفصيل:

بين ما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الاتّجار بها، والانتفاع بها، فيجب مطلقاً كما عن بعضهم، أو في صورة البيع كما عن آخرين.

وبين ما لو لم يقصد به ذلك، فلا يجب.

وذهب بعضُ المتأخّرين(7) إلى التفصيل بين ما إذا ملكها بغير معاوضة، كما لو ورثها، فلا يجب الخمس، وبين ما إذا ملكها بها فيجب.

واستدلّ في «المستمسك»(8) لعدم الوجوب: (بأنّ الظاهر من الغنيمة والفائدة

ص: 80


1- تحرير الأحكام: ج 1/439 (ط. ج).
2- شرح اللّمعة: ج 2/67.
3- منتهى المطلب: ج 1/548.
4- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري: ص 195.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/354.
6- جواهر الكلام: ج 16/57، العروة الوثقى: ج 4/282.
7- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/527.
8- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/526-527.

الزيادة في المال، وذلك لا يتحقّق بزيادة القيمة، إذ لا زيادة في المال معها، وإنّما تكون الزيادة في الماليّة الّتي هي من قبيل الأمر الاعتباري المنتزع من وجود الراغب والباذل، ومنه يظهر أنّه لا فرق بين البيع وعدمه، إذ البيع إنّما يقتضي تبديل المال بمالٍ آخر لا زيادة مال على ماله). انتهى.

وفيه: الظاهر وجوب الخُمس في موارد الزيادة الماليّة، وأمّا الزيادة في المال، فهي ليست مناطاً لوجوب الخُمس إلّابملاحظتها، ألا ترى أنّه لو فرض أنّ التاجر في أوّل سنته كان عنده مقدارٌ من العين المعيّنة كالقطن، ثمّ اتّجر بها وباعها واشترى عيناً آخر، فكان رابحاً في معاملته، فهل يمكن الالتزام بعدم وجوب الخُمس عليه، لأنّه لم يزد في ماله بل بدّله بغيره، كما أنّه لو زاد في ماله مع النقص في ماليّته، هل يمكن الالتزام بوجوبه عليه ؟

وبالجملة: لا ينبغي التأمّل في أنّ تمام المناط هو الزيادة الماليّة، لا الزيادة في المال، لعدم صدق الفائدة والغنيمة إلّافي موارد الزيادة الماليّة، ولو صدقت في موارد الزيادة في المال، فإنّما هو بملاحظتها.

واستدلّ لعدم وجوبه: فيما إذا لم يكن المقصود من الاشتراء أو الإبقاء في ملكه الإتّجار بها، والوجوب فيما إذا كان المقصود ذلك: بعدم صدق التكسّب، ولا صدق حصول الفائدة في الصورة الأُولى، لا سيّما إذا لم يبعها، وصدقهما في الصورة الثانية.

وفيه: أمّا عدم صدق التكسّب، فهو لا كلام فيه، إلّاأنّه قد عرفت عدم اعتباره في وجوبه.

وأمّا عدم صدق الفائدة، فهو غير تامّ ، لما عرفت من أنّ صدق الفائدة إنّما يكون باعتبار الماليّة، حتّى في موارد الزيادة في المال، ولذا لو زاد مال التاجر

ص: 81

ونقصت ماليّته، لا يصدق أنّه ربح واستفاد في سنته هذه، بل يقال إنّه خسر فيها ولم يستفد. وعليه، فإذا زادت الماليّة يصدق حصول الفائدة عرفاً.

فإنْ قلت: إنّه يمكن أنْ يكون نظر المفصّلين إلى أنّه إذا كان المقصود من شراء العين أو إبقائها في ملكه، الاتّجار بها، بحيث يستند عرفاً حصول الفائدة إلى المالك، وفي غير هذه الصورة لا يُستند إليه، بل يكون منتزعاً من وجود الراغب والباذل، ولهذا يجبُ في الصورة الأُولى دون الثانية.

قلت: إنّه قد مرّ أنّ الأظهر وجوب الخُمس في مطلق الفائدة، ولو كان حصولها بغير الاختيار.

واستدلّ للتفصيل بين قبل البيع وبعده: بأنّ الظاهر من النصوص وجوب الخُمس في الفائدة الفعليّة لا الفائدة بالقوّة، وفي مورد ارتفاع القيمة السوقيّة لو سُلّم صدق الفائدة، فإنّما هي تعدّ فائدة بالقوّة قبل البيع فلا يجب.

وفيه: قد عرفت أنّ صدق الفائدة إنّما يكون باعتبار الماليّة، فإذا زادت الماليّة تصدق الفائدة الفعليّة، من غير توقّفٍ على البيع.

وبعبارة اُخرى : العين قبل ارتفاع قيمتهاالسوقيّة، كانت عوضاً عن مقدارٍ معيّن من المال، وبعده بما أنّها تصبح عوضاً عن مقدارٍ زائد عليه يصدق الفائدة عرفاً.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى وجوب الخُمس عند ارتفاع القيمة السوقيّة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها مطلقاً.

***

ص: 82

المعاملة على العين قبل أداء الخُمس

المعاملة على العين قبل أداء الخُمس فروع:

الفرع الأوّل: إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدِّ خُمسه، فهل يصحّ البيع بالنسبة إلى مقدار الخُمس بلا حاجةٍ إلى الإجازة، أم تتوقّف عليها؟ وجهان بل قولان:

أقول: وتحقيق القول في المقام يقتضي البحث مقامين:

الأوّل: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يستفاد من النصوص الخاصّة.

أمّا المقام الأوّل: فيختلف بحسب المبنى :

فإنْ قلنا بتعلّق الخُمس بالذمّة، فلا إشكال في صحّة البيع، وعدم توقّفه على الإجازة.

وأمّا بناءً على تعلّقه بالعين، سواءٌ أكان حقّاً متعلّقاً بالعين نظير حقّ الرهانة أو الجُعالة، أم كان خُمس المال لصاحب الخُمس بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن:

1 - فإنْ كان له الولاية على التبديل - كما أنّه ليس ببعيدٍ على ما سيأتي تحقيقه - فيصحّ البيع، بلا حاجةٍ إلى الإجازة في صورة العلم به أو احتماله، أمّا في الأُولى فواضح، وأمّا في الثانية فلقاعدة اليد.

2 - أمّا إذا لم تكن له الولاية، أو كانت له الولاية، ولكن علمنا بعدم التبديل، تكون المعاملة بالنسبة إلى خُمس المال فضوليّة، فإنْ أجاز الحاكم رجع عليه بالثمن،

ص: 83

وإلّا فإنْ أدّى المالك الخُمس من ماله الآخر، فبناءً على كونه حقّاً متعلّقاً بالعين، لا يحتاج إلى الإجازة، لأنّه حينئذٍ نظير ما لو باع الراهن المال المرهون ثمّ فكّه عن الرهن، وبناءً على كون المستحقّ نفس العين، تكون من باب من باع شيئاً ثمّ ملكه.

هذا فيما تقتضيه القواعد.

وأمّا المقام الثاني: فظاهر جملةٍ من النصوص جواز إيقاع المعاملة على المال الذي فيه الخُمس، فينتقل الخُمس من العين إلى الذّمة:

منها: مصحّح الرّيان بن الصلت المتقدّم: «كتبتُ إلى أبي محمّد عليه السلام: ما الذي يجبُ عَليَّ يامولاي في غِلّة رَحى أرضٍ في قطيعة لي، وفي ثمن سَمكٍ وبَرديّ وقَصَبٍ أبيعه من أجمة هذه القطيعة ؟

فكتب عليه السلام: يجبُ عليك فيه الخمس»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام المرويّ في «السرائر»:

«في الرّجل يكون في داره البستان، فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس ؟

فكتب عليه السلام: أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع»(2).

ومنها: خبر الحارث بن حصيرة الأزدي: في رجلٍ وجد ركازاً فباعه ؟

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أدِّ خُمس ما أخذتَ فإنّ الخُمس عليك.. الخ»(3).

والاجتزاء بخُمس الثمن في هذه الأخبار، محمولٌ على الغالب من عدم5.

ص: 84


1- تهذيب الأحكام: ج 4/139 ح 16، وسائل الشيعة: ج 9/504 ح 12587.
2- وسائل الشيعة: ج 9/504 ح 12588، مستطرفات السرائر ص 606.
3- الكافي: ج 5/315 ح 48، وسائل الشيعة: ج 9/497 ح 12575.

نقصان الثمن عن القيمة، وإلّا فلا اعتبار بالثمن، كذا فى رسالة شيخنا المرتضى رحمه الله(1).

أقول: وفي مقابلها نصوصٌ تدلّ على عدم الجواز:

منها: خبر إسحاق بن عمّار: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا يعذر عبدٌ اشترى من الخُمس شيئاً أنْ يقول يا ربّ اشتريته بمالي، حتّى يأذن له أهلُ الخُمس»(2).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «لا يَحلُّ لأحدٍ أن يشتري من الخُمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(3). ونحوهما غيرهما.

أقول: وذكروا في مقام الجمع بين الطائفتين وجوهاً:

الوجه الأوّل: حمل الطائفة الأولى على إرادة انتقال الخُمس إلى ذمّة المالك بمجرّد الضمان.

وفيه: أنّ مورد تلك النصوص الجاهل بوجوب الخُمس، فهي ظاهرة في صورة عدم الضمان.

الوجه الثاني: حمل النصوص الأولى على صورة الأداء، وحَمل الثانية على صورة عدمه، فيكون الأداء نظير الإجازة في عقد الفضولي، فإنْ تحقّق صحّ التصرّف، ولو مع نيّة عدمه، وإنْ لم يتحقّق لم يصحّ ولو مع نيّته.

وفيه: الظاهر من تلك النصوص صحّة المعاملة، وانتقال الثمن بتمامه إلى المالك قبل أداء الخمس، ولذا حكم عليه السلام بأداء الخمس من الثمن، ولو لم تكن المعاملة صحيحة، والثمن منتقلاً إلى المالك، لما كان وجهٌ لذلك.3.

ص: 85


1- كتاب الخمس الشيخ الأنصاري: ص 279.
2- وسائل الشيعة: ج 9/542 ح 12674، تفسير العيّاشي: ج 2/63 ح 60.
3- الكافي: ج 1/545 ح 14، وسائل الشيعة: ج 9/484 ح 12543.

الوجه الثالث: حمل النصوص الأولى على ما قبل تمام الحول، أخذاً بالقَدَر المتيقّن، لأنّه لا إطلاق لها من هذه الجهة.

وفيه: إنّ خبر الحارث واردٌ في الركاز الذي لم يستثن منه مؤونة السَّنة، كي لا يتنجّز التكليف فيه قبل مُضيّ الحول.

مع أنّ دعوى عدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة ممنوعة، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، ومقتضى القاعدة هو كونه في مقام البيان على ما حُقّق في محلّه.

والصحيح في مقام الجمع أنْ يُقال: إنّ النصوص الأولى أخصّ من الثانية، لاختصاصها بصورة عدم البناء على عدم الإعطاء، كما لايخفى، فتُحمل عليها النصوص الثانية.

فتحصّل: أنّ الأقوى بناءً على عدم التبديل صحّة المعاملة، بلا توقّفٍ على الإجازة، في صورة البناء على إعطاء الخُمس، بل عدم البناء على عدم الإعطاء، و تتوقّف صحّتها على الإجازة في صورة البناء على عدم الإعطاء.

***

ص: 86

إذا زادت القيمة ثمّ تنزّلت

إذا زادت القيمة ثمّ تنزّلت

الفرع الثاني: إذا اشترى عيناً فزادت قيمتها السوقيّة أوّلاً، ثمّ هبطت إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السَّنة:

فعلى القول بعدم وجوب الخُمس فيها ما لم يبعها، لا كلام.

وأمّا على القول بوجوبه بمجرّد ظهور الربح كما بنينا عليه، ففيه صور:

الصورة الأُولى : ما لو تنزّلت بالمقدار المذكور قبل تمام السَّنة، وكان عدم البيع غفلة أو طلباً للزيادة أو غيرهما ممّا يكون عُذراً في ترك البيع، فإنّه لا إشكال في عدم ضمان خُمس تلك الزيادة، وذلك لوجهين:

الأوّل: أنّ جواز التأخير في الأداء إلى مُضيّ الحول، يوجبُ كون الخُمس في يد المالك أمانة شرعيّة، وحيث إنّه لم يفرّط في إتلافه، فلا يكون ضامناً.

الثاني: أنّ مثل هذا الخسرأنْ يكون داخلاً في المؤونة.

وأمّا ما في «العروة»:(1) من التعليل بعدم تحقّقها في الخارج.

فغير تامّ : لما عرفت من صدق الفائدة بمجرّد ظهور الربح، مع أنّه عليه لا وجه لحكمه في الفرع السابق بوجوب الخُمس إذا أمكن بيعها، وأخذ قيمتها، إذ مع فرض عدم تحقّق الزيادة ما لم يبع، كيف يُحكم بوجوب الخمس.

الصورة الثانية: ما ترك بيعها عمداً، وكان هبوط القيمة قبل نهاية السَّنة، فإنّ الحكم في هذه الصورة يبتني على شمول المؤونة المستثناة لجميع ما خَرج عن ملك

ص: 87


1- العروة الوثقى: ج 4/280 (ط. ج).

المالك، ولو بصَرفه بنحو الإسراف والإتلاف العمدي وعدمه:

إذ على الأوّل: لا يكون ضامناً لخُمس تلك الزيادة.

وعلى الثاني: فهو ضامنٌ كما لا يخفى .

وسيأتي تنقيح القول في المبني إنْ شاء اللّه تعالى.

الصورة الثالثة: ما لو ترك بيعها عمداً بعد تمام السَّنة، فإنّه لا إشكال في ضمانه، لعدم كون الخسارة في هذه الصورة من المؤونة، فحيث أنّه فرّط فيه فيكون ضامناً.

الصورة الرابعة: ما لو ترك بيعها بعده غفلةً أو طلباً للزيادة، أو غيرهما ممّا يعدّ عُذراً في ترك البيع، فقد يقال بعدم ضمانه بدعوى أنّ هذا ليس تفريطاً موجباً للضمان، والأصل البراءة منه.

وفيه: أنّ مال الغير إذا كان عند الشخص بعنوان الأمانة، وتلف بغير تفريطٍ منه لا يكون ضامناً، وإلّا فهو ضامن، حتّى مع عدم التفريط، كما هو واضح، وفي المقام بما أنّه لا يكون حقّ الإمام وحقّ السادات عند المالك بعنوان الأمانة، وبترخيصٍ من صاحب الخُمس، فلا محالة يكون ضامناً.

***

ص: 88

حكم الأرباح المتجدّدة خلال السَّنة

حكم الأرباح المتجدّدة خلال السَّنة

الفرع الثالث: إذا حصل ربحٌ بعد ربح في سنةٍ واحدة، ففيه وجوهٌ ، بل أقوال:

القول الأوّل: أنّه يلاحظ في آخر السَّنة مجموعُ ما استفاده، فيجبُ عليه خُمس ما حصل منها بعد إخراج مؤونته، سواءٌ اتّحد جنس التجارة وكان للأرباح جامعٌ واحدٌ، أم تعدّد ولم يكن لها جامعٌ واحد، كما إذا كان له رأسُ مال يتّجر به، وأرض يزرعها، وهذا هو المنسوب إلى الشهيد في «الدروس»(1)، والمحقّق الثاني، وصاحب «الحدائق»(2)، وسيّد «المدارك»(3)، والمحقّق السبزواري(4)، وجمعٌ آخر(5)، ولعلّه المشهور في هذا العصر وما يقرب منه.

القول الثاني: أنّه يعتبر لكلّ ربحٍ حولٌ بانفراده مطلقاً، وتُوزّع المؤونة في الزمان المشترك بين كلّ ربحٍ وبين ما سبق عليه، ويختصّ كلٌّ بمؤونة زمانه المختصّ به، فلو ربح في أوّل المحرّم مائة دينار، ثمّ ربح كذلك في أوّل رجب، استثنى من الأوّل مؤونة السَّنة التي تنتهي بأوّل المحرّم القادم، ومن الفائدة الثانية مؤونة سنةٍ تنتهي بأوّل رجب القادم، فمؤونة ما بين المحرّم الأوّل ورجب الأوّل، تستثنى من خصوص الربح الأوّل، ومؤونة ما بين رجب والمحرّم القادم توزّع عليهما، ومؤونة ما بين المحرّم الثاني ورجب الثاني القادمان تستثنى من الربح الثاني، وهذا هو الذي اختاره

ص: 89


1- الدروس: ج 1/259.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/354.
3- مدارك الأحكام: ج 5/391.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/484، كفاية الأحكام: ج 1/215 (ط. ج).
5- غنائم الأيّام: ج 4/356، مستند الشيعة: ج 10/80.

في محكيّ «الروضة»(1) و «المسالك»(2) وغيرهما(3).

القول الثالث: التفصيل بين اتّحاد جنس التجارة فالأوّل، وعدمه فالثاني، وهذا هو المنسوب إلى جماعة(4).

وقد استدلّ للثاني:

1 - بأنّ المستفاد من الأدلّة، وجوب الخُمس في كلّ فائدة، واستثنى من ذلك مؤونة السّنة، فيكون الجمع بين الدليلين مقتضياً لوجوب الخُمس في كلّ ربحٍ بعد إخراج مؤونة السَّنة منه.

2 - وبأنّه على القول الآخر يتعيّن تقييد الأرباح بالسّنة، بخلاف هذا القول، وحيثُ لا قرينة على هذا التقييد، فلابدّ من الالتزام بذلك.

أقول: يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في ما إذا كان للأرباح المتعدّدة جامعٌ واحد.

الثاني: فيما إذا لم يكن لها جامع.

أمّا المقام الأوّل: فلا ينبغي التأمّل في لزوم ملاحظة المجموع من حيث المجموع، لا كلّ ربحٍ مستقلّاً، لأنّ ملاحظة ما يُصرف فيما بين الأرباح وضبطها كي يعلم كيفيّة التوزيع، تؤدّي غالباً إلى الحَرَج الشديد، لا سيّما فيما لو اكتسب كلّ يوم شيئاً، بل كلّ ساعةٍ شيئاً، فإنّه لا يمكن حينئذٍ ضبط الأحوال عادةً ، واختصاص المؤونة بالبعض).

ص: 90


1- شرح اللّمعة: ج 2/78.
2- مسالك الأفهام: ج 1/465.
3- جواهر الكلام: ج 13/82.
4- ذكره صاحب مستمسك العروة الوثقى: ج 9/532 قوله: (وبما ذكرنا يظهر أنّه لا فرق بين اتّحاد جنس التجارة وتعدّده.. الخ).

في زمانٍ وفي ثانٍ بثانٍ وهكذا، يؤدّي إلى انصراف النّاس عن الاشتغال بالتجارات والاكتسابات كما لا يخفى، مع أنّ السيرة القطعيّة قائمة على احتساب المجموع من حيث المجموع، مضافاً إلى أنّ هذا هو الظاهر من جملةٍ من النصوص، لاحظ خبر أبي علي بن راشد المتقدّم(1)، فإنّ قوله عليه السلام: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم) بعد حُكمه عليه السلام بوجوب الخُمس في أمتعتهم وصنائعهم وسؤال الراوي عن التاجر والصانع بيده، ظاهرٌ في إرادة استثناء مؤونته في كلّ سنةٍ من التجارة والصناعة، مع حصول الأرباح التدريجيّة، وهذا يستلزم تقييد ما يجب فيه الخُمس بما يفضل عن ربحه في كلّ سنةٍ عمّا يصرف فيها، فلا يكون هذا التقييد بلا قرينةٍ كما قيل.

وبعبارة اُخرى : إنّه ظاهرٌفي استثناءمؤونة واحدة لمجموع ماربح خلال السَّنة.

وأمّا المقام الثاني: فملاحظة المجموع فيه، وإنْ لم تكن بذلك الوضوح، لعدم ترتب التوالي الفاسدة المتقدّمة على ملاحظة كلّ نوعٍ مستقلّاً، إلّاأنّ الظاهر فيه أيضاً ذلك.

والوجه في ذلك: أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الخُمس في كلّ غنيمةٍ وفائدة، خَرَج عنها مؤونة السَّنة، وحيثُ لا إطلاق لما دلّ على استثناء مؤونة السَّنة، كي يُتمسّك به ويقال إنّه يُستثنى من كلّ ربحٍ مؤونة السَّنة - لو لم ندّع ظهور ما دلّ على الاستثناء في خلافه، كما تقدّم في المقام الأوّل، إذ لا دليل على استثنائها غير تلك النصوص.

وبالجملة: فيتعيّن الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو استثناء مؤونة واحدة1.

ص: 91


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12581.

لسنة المجموع، أي لمجموع ما ربحه خلال السَّنة الواحدة.

فيكون المتحصّل من مجموع الأدلّة: وجوب الخُمس في كلّ عام ممّا يفضل عن ربحه، لا وجوبه في كلّ ربحٍ بعد وضع مؤونة السّنة منه.

وبما ذكرناه ظهر ما يمكن أنْ يستدلّ به لكلٍّ من الأقوال، وأنّ الأقوى هو القول الأوّل، وضعف ما استدلّ به للقولين الآخرين.

أقول: وأمّا ما استدلّ به للقول المختار في «رسالة» شيخنا الأعظم رحمه الله(1) وإنْ تنظّر فيه قدس سره لاحقاً بأنّ المراد من لفظة (ما) في الآية الشريفة، وموثّق سماعة وغيرهما من الأدلّة، الجنس لا العموم، لأنّها موضوعة له، فالوحدة كالتعدّد غير ملحوظة فيه، فالمراد من الموصول مجموعُ الحاصل بالاستفادات المتعدّدة، وقد استثني عن ذلك المؤونة، وحيث أنّ المقيد هو المجموع المستفاد بالاستفادات، فلا يعتبر فيه إلّا سنة هذا المجموع، فيُستثني مؤونتها من هذا المستفاد الواحد بالاستفادات، ويُخمّس الباقي.

وليس المراد منها العموم، ليكون مفاد الأدلّة أنّ كلّ مستفادٍ باستفادة مستقلّة يتعلّق به الخُمس، فيكون كلّ مستفادٍ فرداً من العام في مقابل الآخر، ويتعلّق به حكمٌ مستقلّ ، ليحصل لكلٍّ منها عامٌ مستقلٌّ باعتبار ما استثنى منه من المؤونة، فإذا اتّفق اشتراكهما في تمام السَّنة أو في بعضها، فلابدّ أن يوزّع مؤونة الزمان المشترك بينهما.

فغير تامّ : إذ ذلك خلاف الظاهر في القضايا الحقيقيّة، فإنّ الظاهر منها إرادة0.

ص: 92


1- كتاب الخمس: ص 220.

العموم، لاحظ سائر الموارد، منها ما ورد في الغوص والمعدن والكَنز، فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام: (ما يَخرُجُ من المعدن وما يَخرُج من البحر) هو ملاحظة كلّ فردٍ بنفسه موضوعاً للحكم، برغم تعدّده عرفاً، وبيان السرّ في ذلك موكولٌ إلى محلّه.

وإجماله: أنّ في القضيّة الحقيقيّة، وهي ما حكم فيه على الطبيعة السّارية، إلى ما في الخارج كقضيّة (لا تشرب الخمر)، بما أنّ الأفراد الخارجيّة التي هي محكومة بالحكم، باعتبار صدق الطبيعة المأخوذة في الموضوع عليها متكثّرة، فظاهرها ملاحظة كلّ فردٍ موضوعاً مستقلّاً لا ملاحظة المجموع شيئاً واحداً، فإنّ هذه عناية زائدة تحتاج افادتها إلى دليل آخر، وعليه فالصحيح ما ذكرناه.

***

ص: 93

حكم الشراء المربح خياريّاً

حكم الشراء المربح خياريّاً

الفرع الرابع: لو اشترى شيئاً فيه ربحٌ ، وكان للبائع الخيار، فقد حكم فيه صاحب «العروة»(1) بقوله: (لا يجبُ خمسه إلّابعد لزوم البيع، ومضيّ زمان خيار البائع)، ولم يعلق عليه أكثر المحشّين.

وتنقيح القول في المقام:

إنّه على القول بعدم تملك المبيع قبل انقضاء الخيار - كما هو المنسوب(2) إلى الشيخ وابن سعيد - يتمّ ما ذكره قدس سره، إذ مع عدم حصول الملكيّة لا تصدق الفائدة، فلا يجب الخُمس.

وأمّا على القول بالتملّك كما هو المشهور، فقد استدلّ لعدم الوجوب:

1 - بانصراف النصوص إلى الربح المستقرّ.

2 - وبعدم صدق الفائدة ما دام للمالك حقّ الفسخ.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مثل هذه الانصرافات، لا تصلح لتقييد الإطلاق، اللّهُمَّ إلّاأن يريد به في المقام، الانصراف الناشئ عن التشكيك في الماهيّة في متفاهم العرف، وحينئذٍ يرجع إلى الوجه الثاني، فإنّ مرجعه حينئذٍ إلى دعوى أنّ هذا المصداق يكون خارجاً عن كونه فرداً لما يفهم من لفظتي الفائدة والربح.

وأمّا الثاني: فلمنعه، بل هو ربحٌ غير مستقرّ، لا أنّه ليس بربح، مع أنّه لو سُلّم

ص: 94


1- العروة الوثقى: ج 4/283 مسألة 57.
2- نسبه لهما الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب: ج 6/145.

ما ذكر، فإنّما هو في صورة الفسخ، وأمّا في صورة عدمه، فلا شُبهة في عدم تماميّته، وعليه فلازمه الحكم بالوجوب في ما إذا كان البيع يلزم بعد ذلك بنحو الشرط المتأخّر، فإنّه إذا لم يفسخ ذو الخيار انكشف تحقّق الربح والفائدة من حين البيع.

***

الفرع الخامس: لو اشترى ما فيه ربحٌ ، فاستقاله البائع، فأقاله:

فإنْ كان ذلك في أثناء سنته، لم يجب خُمسه، لأنّه من قبيل المُؤن المستثناة.

وأمّا إنْ كان بعد تلك السَّنة، فالأظهر عدم سقوط وجوبه، لأنّ ما يصرف بعد السَّنة لا يكون مستثنى من أرباح السَّنة.

ودعوى : عدم صدق الفائدة، ولو فيما كان من شأن البيع أن يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار، إذا رد مثل الثمن، ممنوعة.

ومنه يظهر ضعف ما في «العروة»(1) من سقوطه فيما إذا كان من شأنه أن يقيله.

***8.

ص: 95


1- العروة الوثقى: ج 4/283 مسألة 58.

حكم رأس المال

حكم رأس المال

الفرع السادس: قد اختلفت كلمات المحقّقين من المتأخّرين في حكم رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه:

فقد اختار جماعةٌ منهم المحقّق القُمّي(1)، والشيخ الأعظم(2) رحمه الله عدم وجوب الخُمس فيه مع الحاجة، والمراد بها أنْ يكون المالك محتاجاً إليه في إعاشة سنته، أو محتاجاً بحسب حالته الإجتماعيّة إلى رأس مال يتّجر به، بحيث إذا أدّى خُمسه لزمه التنزّل إلى كسبٍ لا يفي بمؤونته، أو لا يليق بشأنه.

وذهب جمعٌ آخر إلى وجوبه(3).

وتوقّف في الحكم سيّد «العروة»(4) وجَعَل إخراج خُمسه أحوط.

وقد استدلّ للوجوب بوجهين:

الوجه الأوّل: عدم كونه من المؤونة، لأنّ به تحصل المؤونة، لا أنّه بنفسه منها، وعليه فبما أنّه من الأرباح، وليس داخلاً في المستثنى ، فيجبُ فيه الخُمس.

الوجه الثاني: أنّه على فرض صدق المؤونة عليه، فإنّما هو من مؤونة السَّنة اللّاحقة لا سنة الربح.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما سيأتي من أنّ المؤونة المستثناة ما يعمّ ما ينتفع به مع بقاء عينه

ص: 96


1- غنائم الأيّام: ج 4/327 و 331.
2- كتاب الخمس: ص 201.
3- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/535، كتاب الخُمس الشيخ مرتضى الحائري: ص 178.
4- العروة الوثقى: ج 4/284 (ط. ج).

كالبقرة المحتاج إليها لا اللّبن، مع أنّه في الصورة الثانية يكون رأس المال كحُليّ النساء ويكون بنفسه محتاجاً إليه لا بمنافعه.

وأمّا الثاني: فلأنّه إنْ كان رأس المال في سنة الربح أيضاً كذلك، فحكمه حكم الفرش والأواني وغيرهما ممّا ينتفع به مع بقاء عينه.

أقول: وسيأتي أنّ الأقوى جواز شرائها من ربح سنة الربح، وإنْ بقيت للسنين الآتية، وأمّا لو فرضنا عدم الحاجة إليه في سنة الربح، فلأنّ الظاهر صدق المؤونة على ما يحتاج إليه في السَّنة اللّاحقة، ولا يمكن تحصيله فيها، إذ المتعارف بين الناس تحصيل مثل ذلك من أرباح السَّنة.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الأوّل.

***

ص: 97

تحديد مبدأ السَّنة

تحديد مبدأ السَّنة

الفرع السابع: نُسب إلى جماعةٍ ، منهم الشهيد في «الدروس»(1)، وصاحب «الحدائق»(2): أنّ مبدأ السَّنة هو الشروع في الاكتساب.

وفي «رسالة» شيخنا الأعظم رحمه الله(3): التفصيل بين من شُغله التكسّب وبين من حصل له الفائدة اتّفاقاً.

واختار رحمه الله مبدأ الحول الأوّل هو الشروع في الاكتساب، ومبدأ الحول الثاني حين حصول الفائدة، وتبعه جماعةٌ من المحقّقين(4)، والظاهر أنّ هذا هو مراد الطائفة الأُولى .

وعن جماعةٍ منهم صاحب «المدارك»(5)، والشهيد الثاني في «الروضة»(6)، و «المسالك»(7): أنّ مبدأه حصول الربح مطلقاً، وبعضهم وإنْ عبّر بظهور الربح، إلّا أنّ الظاهر وحدة المراد.

واختار المحقّق الهمداني(8) رحمه الله أنّ له الخيار في أن يجعل مؤونته في أيّ سنةٍ تُفرض من ربحه الذي اكتسبه في تلك السَّنة، ولا موجب للالتزام بسنة خاصّة معيّنة، بحث يتعيّن عليه استثناء مؤونتها بالخصوص من الربح الذي اكتسبه فيها.

ص: 98


1- الدروس: ج 1/259.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/354.
3- كتاب الخمس: ص 215.
4- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/537.
5- مدارك الأحكام: ج 5/391.
6- شرح اللّمعة: ج 2/77.
7- مسالك الأفهام: ج 1/468.
8- مصباح الفقيه: ج 3/142-143.

واستدلّ للأخير: بأنّ (السَّنة) مفهومٌ كلّيٌ صادقٌ على أيّ وقت يفرض من الزمان إلى أن يحلّ مثل ذلك الزمان من عامه المقبل، وقد دلَّ الدليل على أنّ عليه في كلّ سنةٍ فيما يفضل من ربحه عن مؤونتها الخُمس، فإذا حصل له الربح في أيّ سنةٍ تُفرض من هذه السنين، اندرج في موضوع هذا الحكم، ويكون مخيّراً في تعيين أيّتها شاء بحكم العقل، وكونه مسبوقاً بربحٍ موجبٌ لتعلّق التكليف بخُمس ما يفضل عن مؤونة سنته من ربحها، لا يجب عليه احتساب هذا الربح من ربح السَّنة التي اُضيف إليها الربح السابق، بعد أنْ لا يكون ذلك مانعاً عن صحّة إضافته إلى عامه المقبل، كي يُخرجه عن موضوع الأدلّة وهو ربح هذه السَّنة، ولا منافياً لحكمها، وهو جواز استيفاء مؤونتها من ربحه، وتخميس الفاضل، كي يكون شموله للفرد الأوّل مانعاً عن شموله لهذا الفرد، كي يلزمه ارتكاب التخصيص بالنسبة إليه، إذ لا مانع عقلاً من أنْ يرخّصه الشارع في أن يستوفي مؤونته في كلّ سنةٍ من ربحه في تلك السَّنة، من غير تقييده بقيدٍ، ومقتضاه أنْ يكون له في السنين المتداخلة التي حصل فيها هذا الربح الخيار في تعيين سنته.

وفيه: بعدما عرفت من أنّه لا يُستثنى من كلّ ربحٍ مؤونة السَّنة، بل المستثنى منه مجموعُ الأرباح الحاصلة في السَّنة، والمستثنى المؤونة في تلك السَّنة، فإنّه إذا حصل ربحٌ موجبٌ لتعلّق التكليف بخُمس ما يفضل عن مؤونة سنة ربحها، لا محالة يتعيّن عليه احتساب الربح الثاني من ربح السَّنة التي اُضيف إليها الربح السابق، ويخرج هذا عن موضوع الأدلّة، فلو اكتسب في أوّل المحرّم، وحَصَل له الربح بمقدارٍ يفي بمؤونته ستّة أشهر، ثمّ في أوّل رجب حصل له الربح بمقدارٍ يفي بمؤونته إلى رجب القادم، ويكون لا محالة زائداً عن مؤونته إلى المحرّم القادم، وجب عليه تخميس ما

ص: 99

زاد عن مؤونته في أوّل المحرّم القادم، وليس له جعل رجب الأوّل أوّل سنته كي لا يجب عليه شيءٌ في الفرض.

وقد استدلّ للقول الأوّل بوجهين:

الوجه الأوّل: الظاهر من خبر ابن شجاع، وصحيحي ابن راشد وابن مهزيار المتقدّمة، أنّ موضوعها التاجر والصانع، وصاحب الضيعة ممّا يعني أنّ المستثنى هو مؤونة عام التجارة أو الصناعة أو الزراعة، ولا شبهة في أنّ مبدأ عام التجارة أو الصناعة أو الزراعة من بداية ما يشرع فيها، وحيث أنّ هذه النصوص هي عمدة نصوص المؤونة، وأمّا غيرها ممّا ليس له موردٌ، فإمّا مهملٌ أو مجملٌ أو مطلق يقيّد بما ذكر.

الوجه الثاني: وهو الوارد في «رسالة» شيخنا المرتضى(1) رحمه الله من أنّ المستثنى وإنْ كان مؤونة عام الربح، إلّاأنّ المرجع في تشخيص عام الربح هو العرف، والمتعارف في عام الربح الذي تلحظ المؤونة بالنسبة إليه ان مبدأه حين الشروع في الاكتساب.

وبعبارة اُخرى : المتعارف وضع مؤونة زمان الشروع في الاكتساب من الربح المكتسب.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه بعدما لا شبهة في أنّ موضوع وجوب الخُمس هو المستفيد لا التاجر أو الصانع وإنْ لم يكن مستفيداً، وما دلّ على وجوبه عليه إنّما يكون من حيث كون التجارة أو الصناعة واسطة لحصوله، يكون ما دلّ على وجوب الخُمس5.

ص: 100


1- كتاب الخمس: ص 215.

على التاجر بعد وضع مؤونته، ظاهراً في وجوبه على المستفيد بعد وضع مؤونة سنته، فيكون المستثنى مؤونة سنة الاستفادة، لا التجارة من حيث هي. فتدبّر فإنّه لا يخلو عن دقّة.

وأمّا الثاني: فلأنّا لا نُسلّم تعارف وضع المؤونة غير مؤونة التحصيل التي تكون مستثناة من الربح، وذلك لا لخصوص المقام، بل لعموم استثنائها من مطلق الغنائم عن أوّل الكسب على الربح اللّاحق، إلّافيما إذا كانت من قبيل الدين وأدّاه من الربح اللّاحق، فهي من هذه الجهة تعدّ من مؤونته اللّاحقة للربح.

وبعبارة اُخرى : لم يثبت تعارف ذلك في غير مؤونة التحصيل، وما إذا كانت المؤونة من قَبيل الدَّين الذي يؤدّيه من الربح اللّاحق، مع أنّه لو سُلّم تعارفه فعلاً بما أنّه لم يثبت تعارفه في عصر صدور النصوص، فلا مجال للاعتماد عليه في مقابل الإطلاق المقامي، المقتضي لكون المبدأ ظهور الربح الذي هو زمان تعلّق الخُمس، وترفع اليد به عنه.

أقول: ويشهد لكون المبدأ حصول الربح: - مضافاً إلى أنّه ممّا يقتضيه الإطلاق المقامي، وأنّه المتبادر من النصوص - أنّ الظاهر من (المؤونة) التي دلّت النصوص على استثنائها، إنّما هي المؤونة التي يصرف فيها الربح، فإنّه بناءً على ما هو الحقّ من وجوب الخُمس في مطلق الفائدة، وكون مبدأ السَّنة لمن حصلت له فائدة اتّفاقاً هو تعيّن الالتزام بذلك، إذ التفكيك بين الفوائد في مبدأ العام خلاف الظاهر. فتأمّل.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى هو الالتزام بأنّ المبدأ يكون من حين حصول الفائدة.

***

ص: 101

والكُنُوز

وجوبُ الخُمس في الكنوز

(و) المورد الخامس ممّا يجب فيه الخُمس: (الكنوز).

ولا كلام في هذا الحكم ولاإشكال، بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له:

1 - الآية الشريفة(2) بضميمة ما ورد في أنّها مورد نزول الآية، مثل ما عن الكليني والصدوق بإسنادهما عن حمّاد بن عمرو، وأنس بن محمّد، عن أبيه، جميعاً عن الصادق عليه السلام، عن آبائه في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السلام، قال: «يا عليّ إنّ عبد المطّلب سَنَّ في الجاهليّة خَمس سُننٍ أجراها اللّه له في الإسلام.

إلى أنْ قال: ووَجَد كنزاً فأخرج منه الخُمس، وتصدّق به، فأنزل اللّه تعالى:

وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (3) »(4).

2 - وجملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنز كَم فيه ؟ فقال عليه السلام: الخُمس»(5).

ونحوه غيره، وتقدّمت جملة منها وسيأتي بعضها خلال البحث.

ص: 102


1- منتهى المطلب: ج 1/546، مجمع الفائدة: ج 4/299، مدارك الأحكام: ج 5/369.
2- سورة الأنفال، الآية: 41.
3- سورة الأنفال: الآية 41.
4- وسائل الشيعة: ج 9/496 ح 12571.
5- الكافي: ج 1/546 ح 19، وسائل الشيعة: ج 9/495 ح 12569.

أقول: إنّما الكلام يقع في اُمور:

الأمر الأوّل: في بيان حقيقة الكنز:

وقد عرّفه جماعةٌ (1): بأنّه المال المذخور، وزادوا عليه في جملةٍ من الكلمات قيوداً، وتنقيح القول في ذلك يقتضي البحث في جهات:

الجهة الأُولى : مقتضى إطلاق النصوص، وكلمات جماعةٍ من الفقهاء واللّغويّين، عدم اختصاصه بخصوص المذخور في الأرض، وشموله للمذخور في الجبل أو الجدار أو الشجر، ويشهد به ملاحظة موارد استعماله، فما يقتضيه ظاهر التخصيص بالأرض في كلام الأكثر، وصريح «كشف الغطاء»(2) من اختصاص الوجوب بما يكون مذخوراً في الأرض، غير تامّ .

تعريف الكنز

تعريف الكنز

الجهة الثانية: ظاهرُ جماعةٍ ، منهم المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(3)، و «المنتهى»(4)، والشهيد في «الدروس»(5): أنّ المدار على الصدق العُرفي، سواءٌ أكان المذخور من النقدين أو من غيرهما.

وعن «النهاية»(6)، و «المبسوط»(7)، و «الجُمل»(8)، و «السرائر»(9)،

ص: 103


1- إيضاح الفوائد: ج 1/215، شرح اللّمعة: ج 2/68.
2- كشف الغطاء: ج 2/360.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/413 (ط. ج).
4- منتهى المطلب: ج 1/546.
5- الدروس: ج 1/260.
6- النهاية: ص 198.
7- المبسوط: ج 1/236.
8- الرسائل العشر: ص 207.
9- السرائر: ج 1/486.

و «الجامع»(1): تخصيصه بالنَّقدين، بل نُسِب ذلك إلى ظاهر الأكثر(2)، وهو الأظهر، لا لما في «الجواهر»(3) من أنّ الكنز لا يشمل بنفسه لغيرهما، فإنّه يرد عليه ملاحظة موارد الاستعمال شاهدة بخلاف ذلك.

بل لما عن «المستند»(4) حيث استدلّ له بمفهوم صحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «سألته عمّا يجب فيه الخُمس من الكنز؟ فقال عليه السلام: ما يجبُ الزكاة في مثله ففيه الخُمس»(5).

لظهوره في إرادة المماثلة في العين لا في القيمة.

وأورد عليه بإيرادات:

1 - أنّ الظاهر من المماثلة إرادة المقدار، وإلّا فلو كان المراد الجنس لقال (ما يجبُ فيه) ولما عبّر ب (المثل).

2 - ما ادّعى في «الرياض»(6) من الاتّفاق على إرادة المقدار منها لا النوع.

3 - ورود مرسلةٍ بمضمونه، صريحة في إرادة المقدار، وهي ما عن «المقنعة»(7):

«سُئل الرِّضا عليه السلام عن مقدار الكنز الذي يجبُ فيه الخُمس ؟ فقال عليه السلام: ما يجبُ فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخُمس، وما لم يبلغ حَدّ ما يجبُ فيه الزكاة فلا خُمس فيه»(8).3.

ص: 104


1- الجامع للشرائع ص 149.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/468.
3- جواهر الكلام: ج 16/25 (تعريف الكنز).
4- مستند الشيعة: ج 10/28.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/40 ح 1647، وسائل الشيعة: ج 9/495 ح 12570.
6- رياض المسائل: ج 5/249 (ط. ج).
7- المقنعة: ص 283.
8- وسائل الشيعة: ج 9/497 ح 12574، المقنعة ص 283.

4 - أنّ مقتضى إطلاق (المثل) اعتبار كونه مسكوكاً، وحيثُ أنّ أحداً من الفقهاء لم يفتِ باعتبار ذلك، فيستكشف من ذلك أنّ المراد به ليس إلّاالمماثلة في الماليّة.

5 - أنّ المراد بالوجوب في الصحيح، معناه اللّغوي، وهو مطلق الثبوت، الأعمّ من الوجوب الاصطلاحي والاستحباب، فيعمّ سائر أنواع الكنوز، وإنْ كان المراد من المثل المماثلة في النوع أيضاً، حيث تتعلّق بمثله الزكاة لو كان متّخذاً للتكسّب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى الإطلاق، إرادة المماثلة من جميع الجهات، سواءٌ الداخليّة منها أو الخارجيّة الدخيلة في الحكم.

وأمّا الثاني: فإنّ فهم الأصحاب في نفسه لا يعدّ حجّة علينا، إلّاأنْ يكون كاشفاً عن قرينة داخليّة أو خارجيّة، وحيثُ لا جزم لنا بذلك، بل المظنون هو العدم، فلا يعتمد عليه في المقام.

وأمّا الثالث: - فمضافاً إلى الإرسال -: أنّ المظنون - كما اعترف به جماعة - أنّ هذا المُرسَل متّحدٌ مع الصحيح، وأنّ الاختلاف إنّما نشأ من جهة النقل بالمعنى، واجتهاد المفيد في فهم الخبر.

وأمّا الرابع: فلأنّ الإطلاق وإنْ كان مقتضياً لاعتبار كونه مسكوكاً، إلّاأنّه يقيّد بالأدلّة الاُخر، وهذا لا يستلزم عدم حجيّته في اعتبار غيره من القيود.

وأمّا الخامس: فلأنّ ثبوت الزكاة في غير النقدين، إنّما يكون بشرط التكسّب، ولا تثبت فيه من حيث هو، وظاهر الصحيح ثبوت الخُمس فيما ثبت فيه الزكاة من حيث هو.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما نُسب إلى الأكثر من عدم وجوب الخُمس في

ص: 105

غير النقدين.

الجهة الثالثة: صرّح الشهيد الثاني في محكيّ «المسالك»(1) و «الروضة»(2): بأنّ المتبادر من عنوان (الكنز) إرادة كون المذخور عن قصدٍ، فلا يتناول المال المُستتر بالأرض بنفسه، أو بقصد غير الإدّخار، وتبعه في ذلك جماعةٌ من المحقّقين(3).

وعن «كشف الغطاء»(4) عدم اعتبار القصد.

والأوّل أقوى كما تشهد به ملاحظة موارد الاستعمال، ألا ترى أنّ الصرّاف إذا دفن ماله خوفاً من اللّص ليلاً، وأخرجه نهاراً، لا يُطلق على ما دفنه الكنز؟!

نعم، لا يعتبر ذلك من حين الدفن، بل لو قصد ذلك بعده كفى .

ودعوى: أنّ الكنز وإنْ لم يشمل المال المستتر من غير قصد الإدّخار، إلّاأنّ الركاز الذي جُعل موضوعاً في الصحيح المتقدّم يشمله.

مندفعة: بما عن «المجمع»(5) و «نهاية» ابن الأثير(6) من اختلاف أهل العراق والحجاز في معنى الركاز، وقول الأوّل بأنّه المعادن كلّها، والثاني بأنّه كنوز الجاهليّة قبل الإسلام المدفونة في الأرض. وأنّ القولين يحتملهما أهل اللّغة.

أقسام الكَنز

أقسام الكَنز

ص: 106


1- مسالك الأفهام: ج 1/460.
2- شرح اللّمعة: ج 2/68.
3- مصباح الفقيه: ج 3/115.
4- كشف الغطاء: ج 2/360.
5- مجمع البحرين: ج 2/217.
6- النهاية في غريب الحديث: ج 2/258.

الأمر الثاني: في بيان أقسام الكنز، وبيان ما يَملكه الواجد منه، وما لا يملكه، وإنْ كان ذلك خارجاً عن وظيفة هذا الباب.

ومحصّل القول في المقام: إنّه لو كان الكنز في بلاد الكفّار الحربيّين فهو لواجده، وعليه الخُمس، بلا خلافٍ فيهما، بل عن جماعةٍ من الأصحاب(1) التصريح بأنّ الأصحاب قطعوا بهما، لما دلّ على انحصار عصمة المال بالإسلام والذِّمام، واحتمال كون ما وُجِد في دار الحرب لمسلمٍ لا يُعتنى به للغلبة.

وإنْ كان في بلاد الإسلام، وكانت الأرض مباحة أو مملوكة للإمام عليه السلام، أو لقاطبة المسلمين، أو له بالاحياء أو بالابتياع، مع العلم بعدم كونه مِلْكاً للبايعين، فالمشهور بين الأصحاب كونه لواجده، إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، وعن غير واحدٍ(2) نفي الخلاف فيه، وعن «المدارك»(3) أنّه قطع به الأصحاب.

واستدلّ له:

1 - بالنّصوص(4) المتقدّمة الدالّة على وجوب الخُمس لواجده.

2 - وبأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، والتصرّف في مال الغير إنّما يَحرُم إذا ثبت كون المال لمحترمٍ ، أو تعلّق به نهيٌ خصوصاً أو عموماً، والكلّ منتفٍ في المقام.

3 - وباستصحاب عدم استيلاء يدٍ محترمة عليه.

أقول: ولكن يرد على الاستدلال بتلك النصوص بأنّها ليست في مقام بيان ذلك، كي يصحّ التمسّك باطلاقها، مع أنّ وجوب الخُمس على الواجد أعمٌّ من كونس.

ص: 107


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/470.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/333، مستند الشيعة: ج 10/20.
3- مدارك الأحكام: ج 5/370.
4- وسائل الشيعة: ج 9/483 أبواب ما يجب فيه الخُمس.

الباقي له كما تقدّم.

وأُورد على الثاني تارةً : بأنّ إباحة التصرّف لا تقتضي جواز التملّك، بل تقتضي جواز التصرّف لكلّ أحدٍ ولو غير الواجد.

واُخرى : بأنّ ما ورد في التوقيع الشريف: «فلا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(1) يدلّ على عدم الجواز، وكذلك يدلّ عليه قوله عليه السلام في المكاتبة المتقدّمة: «لا يحلّ مالٍ إلّامن وجهٍ أحلّه اللّه»(2).

وثالثةً : بأنّ أصالة الاحتياط في الأبواب الثلاثة هي المرجع عند عدم الدليل دون أصالة الإباحة.

ورابعة: بما في «مصباح الفقيه»(3) من أنّ الأصل في مال الغير هو الحرمة، وهو أصلٌ عقلائي قد أمضاه الشارع كقاعدة اليد وقاعدة سلطنة الناس على أموالهم، وغيرهما من القواعد العقلائيّة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأُولى : فلأنّ المراد بالأصل المزبور، ليس أصالة الحِلّ ، بل أصالة عدم ما يوجبُ عِصمة المال، وعدم جواز تملّكه، وهو الإسلام والذِّمام، مع أنّه يمكن أنْ يُقال بصيرورته بحكم المباحات الأصليّة بمقتضى أصالة الإباحة، فبضميمة ما دلّ على تملّك المباحات بالحيازة يتمّ المطلوب.

وأمّا الثانية: فلأنّ التوقيع إنّما خُصّص بمال الكافر الحربي، ومع عدم العلم8.

ص: 108


1- وسائل الشيعة: ج 9/540 ح 12670، الاحتجاج: ج 2/479.
2- الكافي: ج 1/547 ح 25، وسائل الشيعة: ج 9/538 ح 12665.
3- مصباح الفقيه: ج 3/118.

بالمالك، يكون التمسّك به تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة، وهو غير جائز.

وأمّا المكاتبة: فمضافاً إلى ضعف سندها - لأنّ في الطريق محمّد بن زيد الطبري وهو مجهول - أنّها لا تدلّ على المُدّعي، إذ الحكم بالحِليّة مستنداً إلى الأصل، حكمٌ بها من وجهٍ أحلّه اللّه تعالى . فتدبّر.

وأمّا الثالثة: فلأنّ أصالة الاحتياط في الأبواب الثلاثة، لم تَثبت بنحو الكليّة الشاملة، لما إذا لم يكن أصلٌ موضوعي مقتضياً للحرمة وللاحتياط.

وأمّا الرابعة: فلأنّ كون هذا الأصل من الاُصول العقلائيّة، محلّ منعٍ وتأمّل.

فتحصّل: أنّ الأظهر تماميّة الوجه المزبور، وكذلك الوجه الأخير.

ودعوى: عدم جريانهما من جهة أنّ مقتضى اليد كونه مملوكاً للدافن، وأنّه محترم المال بحكم الغلبة، لضرورة أنّ كلّ من يسكن في أرض المسلمين وبلدهم، محقون المال والدّم، ما لم يُعلم خلافه.

مندفعة: بأنّ ذلك لو تمّ فإنّما هو فيما لم يحتمل دفنه قبل صيرورة الأرض للمسلمين، على أنّ حجيّة الغلبة المفروضة أوّل الكلام، مع أنّ العرف لا يتعامل مع المال الذي فُقِد إضافته إلى مالكه المعيّن أصلاً لهلاكه أو ضياع النسبة بواسطة الاضمحلال، لا يعامل معه إلّامعاملة المباحات الأصليّة، كما يشهد به استقرار سيرة العُقلاء قاطبةً عليه، كذا ذكره بعض الأعاظم من المحقّقين(1).

والنتيجة: أنّ الأقوي كونه لواجده، وعليه الخُمس بمقتضى النصوص المتقدّمة.

وإنْ كان الكنز عليه أثر الإسلام:8.

ص: 109


1- مصباح الفقيه: ج 3/118.

فعن «الخلاف»(1)، و «السرائر»(2)، و «المدارك»(3) وغيرها(4): أنّه لواجده.

وعن الشيخ في «المبسوط»(5)، والقاضي(6)، والمصنّف(7)، والشهيدين في «المسالك»(8)، و «البيان»(9)، والمحقّق(10) وغيرهم(11)، ونُسِب إلى الأشهر(12): أنّه يَجري عليه حكم اللُّقطة.

واستدلّ للثاني: - في مقابل الأصلين المتقدّمين المقتضيّين لكونه لواجده، مضافاً إلى ما ذُكر والذي قد عرفت ما فيه آنفاً -:

1 - بأنّ وجوده في دار الإسلام، مع وجود أثر الإسلام عليه، أمارة على تملّك المسلم له.

2 - وبموثّق محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: «قضى عليّ عليه السلام في رجلٍ وَجَد وَرِقاً في خَربةٍ ، أن يُعرّفها، فإنْ وجد من يعرفها وإلّا تمتّع بها»(13).8.

ص: 110


1- الخلاف: ج 2/122.
2- السرائر: ج 1/487.
3- مدارك الأحكام: ج 5/370.
4- مستند الشيعة: ج 10/21.
5- المبسوط: ج 1/236.
6- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 1/178.
7- منتهى المطلب: ج 1/546.
8- مسالك الأفهام: ج 1/460.
9- البيان: ص 215.
10- شرائع الإسلام: ج 1/163.
11- إيضاح الفوائد: ج 1/215-216.
12- شرح اللّمعة: ج 7/119-120، جامع المقاصد: ج 10/175.
13- تهذيب الأحكام: ج 6/398 ح 39، وسائل الشيعة: ج 25/448 ح 32328.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ أثر الإسلام مع وجوده في دار الإسلام، أعمٌّ من كونه للمسلم، فلا يكون أمارة عليه، والغلبة في نفسها ليست بحجّة، مع أنّه لو تمّ فهو أخصّ من المُدّعي، لما عرفت من استقرار سيرة العقلاء قاطبةً على المعاملة مع مالٍ لا يحفظ إضافته إلى مالكٍ مخصوص، معاملة المباحات الأصليّة.

وأمّا الثاني: فإنّ مورده ليس هو الكنز، لعدم الشاهد على كون الوَرِق مكنوزاً، بل لعلّ ظاهره غيره، وبه يقيّد إطلاق صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن الدار يوجد فيها الوَرِق ؟ قال عليه السلام: إنْ كانت معمورةً فهي لأهلها، وإنْ كانت خربةً فأنتَ أحقّ بما وجدت»(1).

ونحوه صحيحه(2) الآخر.

ثمّ إنّه على فرض التنزّل وتسليم شمول هذه النصوص للمكنوز، أو اختصاصها به، فإنّ الجمع بين الصحيحين والموثّق يقتضي البناء على لزوم التعريف إذا احتمل أنّه سيتعرّف على المالك المحترم المال، وأنّه مع عدم احتمال ذلك، أو عدم العثور عليه فهو لواجده.

أقول: وقد ذكر الأصحاب - بعد بنائهم على شمول الصحيحين للمكنوز - في مقام الجمع بينهما وبين الموثّق وجوهاً:

منها: حمل الصحيحين على ما ليس فيه أثر الإسلام.4.

ص: 111


1- تهذيب الأحكام: ج 6/390 ح 5، وسائل الشيعة: ج 25/447 ح 32325.
2- تهذيب الأحكام: ج 6/390 ح 9، وسائل الشيعة: ج 25/447 ح 32324.

وفيه: أنّه جمعٌ تبرّعيٌ لا شاهد له.

ومنها: حمل التعريف في الموثّق على إرادة تعريف مالك الخربة.

وفيه: أنّه لا شاهد لهذا الحمل كذلك.

ومنها: حمل الموثّق على إرادة بيان حكم قضيّةٍ خارجيّة شخصيّة.

وفيه: إنّ راوي الخبر هو محمّد بن قيس وله كتاب يروي عن الإمام الباقر عليه السلام قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، وظاهره إرادة بيان الحكم، مع أنّ الأصل في كلام المعصوم هو الحمل على بيان الحكم، كما لا يخفى .

ومنها: حمل الموثّق على ما علم كونه من الكنوز الإسلاميّة المعلوم كونها للمسلمين.

وفيه: مضافاً إلى ما أوردناه على الأولين، فإنّ الكنوز الإسلاميّة في زمان الأمير عليه السلام، في غاية القلّة كما في رسالة الشيخ الأعظم(1) رحمه الله.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى كونه لواجده، وإنْ كان في دار الإسلام، وكان عليه أثر الإسلام.

***1.

ص: 112


1- كتاب الخمس: ص 141.

لو كان في أرضٍ مبتاعة مع احتمال كونه للبائع

لو كان في أرضٍ مبتاعة مع احتمال كونه للبائع

ولو كان الكنز في أرض مبتاعة - مع احتمال كونه لأحد المتعاملين - وجب على البائع تعريفه، بلا خلافٍ في ذلك كما صرّح به جماعة(1)، ولعلّه كذلك، إذ لم ينقل الخلاف إلّاعن صاحب «المدارك»(2)، ولكن مورد كلامه قدس سره صورة احتمال حدوث الكنز بعد البيع، وهو خارجٌ عن مفروض المقام.

وكيف كان، فيشهد له - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه - ما في محكيّ «المنتهى»(3)من أنّ يد المالك الأوّل على الدار يدٌ على ما فيها، واليد قاضية بالمِلْك، ولذلك لو ادّعاه يُدفع إليه بلا حاجةٍ إلى ما يثبته.

فإنْ قلت: إنْ لازم هذا الوجه لزوم الدفع إليه، وكونه له من غير تعريفٍ ، بل لزم الحكم بكونه له، ولو لم يكن قابلاً للادّعاء كالميّت.

قلت: لا مانع من الالتزام بذلك، كما يُشير إليه صحيحاً ابن مسلم السابقان، ولم يظهر من الأصحاب مخالفةً في ذلك، وقولهم: (عرّفه المالك) اُريد منه أنّه لايجوز التملّك قبله.

وبعبارة اُخرى : أرادوا من وجوب التعريف الشرطي منه.

ودعوى المحقّق الهمداني رحمه الله:(4) في مقام الجواب عن ذلك بأنّ هذا النحو من اليد التبعيّة غير المستقلّة لا يتمّ ظهورها في المِلْكيّة لصاحب اليد، إلّابضميمة الادّعاء،

ص: 113


1- شرائع الإسلام: ج 134/1، إرشادالأذهان: ج 292/1، الدروس: ج 1/260، العروة الوثقى: ج 4/246 (ط. ج).
2- مدارك الأحكام: ج 5/372.
3- منتهى المطلب: ج 1/546.
4- مصباح الفقيه: ج 3/119.

فإنّ عمدة مستندها بناء العقلاء، وهم لا يرون لليد السابقة غير الباقية بالنسبة إلى هذه الأموال أزيد من قبول ادّعائه للملكيّة.

ممنوعة: إذ اليد على مثل هذه الأموال إنْ كانت حجّة ببناء العقلاء وإمضاء الشارع، كما هو كذلك، فلا فرق عندهم بين ادّعائه وعدمه، وإلّا فلا يحكم بكونها له بمجرّد الادّعاء.

ويمكن الاستشهاد له بموثّق إسحاق، وصحيح عبد اللّه بن جعفر، الدالّين على لزوم تعريف البائع فيما وجده في بعض بيوت مكّة، وما وجده في جوف الدابّة، وسيأتي الكلام فيما يستفاد منهما عند التعرّض للفرعين. فانتظر.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّ على الواحد تعريفه البائع، فإنْ عرفه فهو أحقّ به، وإلّا فالمالك الذي قبله كما هو المشهور، لأنّه أيضاً ذو يدٍ عليه، وإنّما لا يعرّف السابق في عرض اللّاحق من جهة أنّ اليد اللّاحقة مزيلة للسابقة، فما لم يُنكر اللّاحقة لا مورد للرجوع إلى السابقة، وإذا رَدّ البائع ارتفع المانع، فيرجع إلى السابق لوجود المقتضى وعدم المانع.

وعن بعضٍ (1): احتمال استحقاق البائع له، وعدم الرجوع إلى السابق، وإنْ أنكر كونه منه لأجل الصحيحين المتقدّمين.

وقال في محكيّ كلامه(2): (ولا استبعاد في حكم الشارع بتمليك المالك، كما قد يُحكم بتملّك الواجد).

وفيه: أنّ موردهما من قبيل مجهول المالك - كما تقدّم - ولا ربط لهما بالكنز، مع أنّه لو سُلّم شمولهما للكنز، فالمتبادر منهما هو إمضاء ما تقتضيه قاعدة اليد، وعليه5.

ص: 114


1- حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخُمس: ص 145.
2- حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخُمس: ص 145.

فلا يشملان صورة الإنكار، مع أنّه لو كان لهما إطلاقٌ يشمل تلك الصورة، قيّدناه بموثّق إسحاق الآتي.

مع أنّه لو سُلّم دلالتهما على ذلك حتّى في هذه الصورة، سقط إطلاقهما لتعارضهما مع قاعدة الإقرار، كما هو الشأن في جميع موارد تعارض العامّين من وجه، إذا كان دلالتهما على حكم المجمع بالإطلاق.

وعن جماعة(1): عدم لزوم تعريف السابق مع عدم معرفة اللّاحق، واستدلّ له بموثّق إسحاق بن عمّار، قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجلٍ نزل بعض بيوت مكّة، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قَدِم الكوفة، كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها قلت: فإنْ لم يعرفوها؟ قال:

يتصدّق بها»(2).

وبمضمونه صحيح عبد اللّه بن جعفر، الوارد فيما وُجِد في جوف الدابّة(3).

وفيه: أنّ ظاهر (أهل المنزل) في نفسه وإنْ كان هو المالك الأخير، إلّاأنّه لعموم المناط - لأنّ اليد مشتركة بين الجميع - يكون ظاهراً في إرادة الجنس، ولا أقلّ من الإجمال، فلا موجب لرفع اليد عن مقتضى حجيّة اليد السابقة.

هذا فيما إذا لم يحتمل تأخّر الدفن إلى زمان اللّاحق، وإلّا فلا وجه لوجوب تعريف السابق، وقبول دعواه بلا بيّنة، وأصالة عدم تقدّم ملك اللّاحق مع أنّه لا يثبتُ بها كون الكنز في يد السابق، معارضة بأصالة عدم تقدّم الكنز.5.

ص: 115


1- حكاه صاحب مستمسك العروة الوثقى: ج 9/473.
2- تهذيب الأحكام: ج 6/391 ح 11، وسائل الشيعة: ج 25/448 ح 32326.
3- تهذيب الأحكام: ج 6/392 ح 14، وسائل الشيعة: ج 25/452 ح 32335.

ومنه يظهر تماميّة ما ذكره سيّد «المدارك»(1) رحمه الله من أنّه لا يجبُ تعريفُ البائع إذا احتمل عدم جريان يده عليه، لاحتمال تجدّد الكنز بعد الشراء.

أقول: ولو عرَّفه المالك السابق وكذا من سبقه ولم يعرفوه، ففيه أقوال:

1 - ما عن «النهاية»(2)، و «السرائر»(3)، و «الشرائع»(4)، و «الإرشاد»(5)، وغيرها(6) وهو: أنّه لواجده، وعليه الخُمس.

2 - ما عن المحقّق(7) والمصنّف(8) في بعض كتبهما وغيرهما(9) وهو: أنّه لقطة.

3 - ما عن «المبسوط»(10)، و «الدروس»(11)، و «المسالك»(12)، وغيرها(13)، وهو: أنّه لواجده إنْ لم يكن عليه أثر الإسلام، وإنْ كان عليه الأثر المذكور فيعدّ لقطة، ويجبُ التعريف.

والأوّل أقوى ، لما تقدّم في أوّل المبحث(14) من أصالة عدم ما يوجب عصمةد.

ص: 116


1- مدارك الأحكام: ج 5/372.
2- النهاية: ص 321.
3- السرائر: ج 1/487 و: ج 2/105.
4- شرائع الإسلام: ج 1/189-190.
5- الإرشاد: ج 1/292.
6- اللّمعة الدمشقيّة: ص 209.
7- المختصر النافع: ص 254.
8- منتهى المطلب: ج 1/546.
9- حكاه المقداد في التنقيح: ج 2/121 عن الشيخ الطوسي.
10- المبسوط: ج 1/236.
11- الدروس: ج 1/260.
12- مسالك الأفهام: ج 1/461.
13- التنقيح الرائع: ج 1/337-338.
14- راجع صفحة 107 من هذا المجلّد.

المال، وأصالة الإباحة، فراجع(1).

وأمّا الأمر بالتصدّق في الموثّق فمحمولٌ على الاستحباب، أو يحمل الموثّق على ما لو علم كونه لمسلمٍ ، كما هو الظاهر، وليس في الأدلّة ما يدلّ على وجوب التعريف إلّا موثّق ابن قيس المتقدّم، وقد عرفت أنّ مورده غير المقام. فراجع(2).

وعليه، فالأقوى كونه لواجده، وعليه الخُمس لعموم أدلّته.

***د.

ص: 117


1- صفحة 107 من هذا المجلّد.
2- صفحة 111 من هذا المجلّد.

لو وجد الكنز في مِلْك الغير

لو وجد الكنز في مِلْك الغير فروع:

الفرع الأوّل: لو وجد الكنز في مِلْك الغير:

فإنْ كان الواجد مستأجراً أو مستعيراً، فحكمه حكم من ابتاع أرضاً فوجد فيها كنزاً.

وإنْ كان غيره، فبالنسبة إلى تعريف المالك ومَنْ كان الأرض تحت يده لا إشكال ولا كلام، كما أنّه لا إشكال في حرمة أخذه من ملك الغير، ما لم يكن راضياً بتصرّفه فيه، وكان محترم المال.

إنّما الكلام يقع في مواضع:

الموضع الأوّل: في أنّه لو فعل الحرام وأخذه، وعرَّف من وجده في ملكه ونفاه، فهل هو له أم لا؟

صريح الشيخ الأعظم(1) رحمه الله وظاهر غيره(2): هو الأوّل.

وعن الشيخ في «الخلاف»(3): (إذا وجد ركازاً في مِلْك مسلمٍ أو ذمّي فلا يتعرّض له إجماعاً).

أقول: والأوّل أقوى، لأصالة عدم ما يوجب عصمة المال.

واستدلّ للثاني: بأنّ مثل هذا الكنز ونظائره ممّا لم يعرف له مالكٌ ، ويكون

ص: 118


1- كتاب الخمس: ص 57.
2- حكاه المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 3/120.
3- الخلاف: ج 2/123.

بالفعل من المباحات، ويكون كالأرض وتوابعها يدخلُ في ملك من مَلِك الأرض بإحياءٍ أو شراء ونحوه.

وفيه أوّلاً: أنّ لازم ذلك عدم كون الكنز للواجد مطلقاً، ما لم يدلّ دليل خاصّ عليه، ولم يحتمل تأخّر الدفن عن دخول الأرض في مِلكه كما لا يخفى .

وثانياً: لا وجه للحكم المذكور، لعدم كونه من توابع الأرض عرفاً، بل هو شيءٌ مستقلٌّ لا يدخل في مِلْك مالك الأرض، من دون ما يوجب ذلك، وحيثُ أنّه لم يقصد حيازته، ولم ينتقل إليه بشراءٍ ونحوه، فهو باقٍ على إباحته، فيجوز لكلّ أحدٍ تملّكه بالحيازة.

وأمّا إطلاق صحيحي ابن مسلم، فقد عرفت آنفاً أنّه لا يشمل صورة ما لو نفي المالك ملكيّته له.

الموضع الثاني: في حكم المالك:

فهو إنْ كان عارفاً بحال الكنز وأنّه بالفعل مِلْكٌ له، أو أنّه ليس له، فلا إشكال.

وأمّا لو كان جاهلاً بحاله، واحتمل حصوله بفعله وعروض النسيان له مثلاً، فهل يُحكم بكونه للمالك أم لا؟

وجهان، لا يبعد الأوّل لقاعدة اليد، بناءً على ما حقّقناه في محلّه من أنّ كون اليد حجّة على الملك، لا يختصّ بيد الغير، بل يعمّ ما إذا كان للشخص يدٌ على عينٍ ، وشكّ في أنّه ملكه، لعموم ملاك الطريقيّة، وقوله عليه السلام: «ومن استولى على شيء منه فهو له»(1). بعد إلغاء خصوصيّة المورد.7.

ص: 119


1- تهذيب الأحكام: ج 9/302 ح 39، وسائل الشيعة: ج 26/216 ح 32857.

وأمّا ما في موثّق إسحاق المتقدّم، قلت: «فإنْ لم يعرفوها أي أهل المنزل ؟ قال:

يتصدّق بها».

فالمراد من المعرفة ما يقابل الإنكار دون الجهل.

وأمّا صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «رجلٌ وَجَد في منزله ديناراً؟ قال عليه السلام: يَدخُلُ منزله غيره ؟ قلت: نعم كثير. قال عليه السلام: هذا لقطة»(1).

فالمتبادر منه صورة ما لو لم يحتمل وضعه اختياراً، ثمّ عرض له النسيان، بل على تقدير كونه له يكون بغير اختياره. فتأمّل فإنّه لا يخلو عن إشكال، وتمام الكلام في بيان المراد منه، ودفع ما يُترائى من معارضة هذه الجملة من الصحيح، مع ما في ذيله موكولٌ إلى محلّه من كتاب اللُّقطة.(2)

التداعي في ملكيّة الكَنز

التداعي في ملكيّة الكَنز

الموضع الثالث: لو وجد الكنز في أرضٍ مستأجرة، فعرّفَ الواجدُ المستأجرَ والمالك، فادّعاه كلّ منهما:

فعن الشيخ في «المبسوط»(3)، والمحقّق في «المعتبر»(4)، والمقدّس الأردبيلي(5)وغيرهم(6): يقدّم قول المالك، بل هو المنسوب إلى المشهور(7).

ص: 120


1- الكافي: ج 5/137 ح 3، وسائل الشيعة: ج 25/446 ح 32321.
2- فقه الصادق: ج 39/130.
3- المبسوط: ج 1/237.
4- المعتبر: ج 2/621.
5- مجمع الفائدة: ج 4/303.
6- ذخيرة المعاد: ج 3/485، غنائم الأيّام: ج 4/305.
7- جامع المقاصد: ج 3/51.

وعن الشيخ في «الخلاف»(1)، والمصنّف رحمه الله في «المختلف»(2)، والشهيد في «المسالك»(3) وغيرهم في غيرها(4): تقديم قول المستأجر، واختاره الشيخ الأعظم(5) رحمه الله وبعضُ مَن تأخّر عنه(6).

وعن «كشف الغطاء»(7)، و «البيان»(8)، وفي «العروة»(9) و «الجواهر»(10):

الاختلاف بحسب المقامات في قوّة إحدى اليدين.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المِلْك للمالك، فهو ذو اليد، فعلى المستأجر الإثبات.

2 - وبأنّ يد المالك أصليّة، ويد المستأجر فرعيّة.

3 - وبأنّ دار المالك كَيَدَه.

4 - وبأصالة عدم الاستئجار قبل الدفن.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ المراد من (اليد) التي هي الموضوع للحجيّة، التسلّط الخارجي، وإلّا لما كانت حجّة على الملكيّة، كما لا يخفى ، ومن المعلوم أنّ المستأجر تكون يده2.

ص: 121


1- الخلاف: ج 2/123.
2- مختلف الشيعة: ج 3/323.
3- مسالك الأفهام: ج 1/468.
4- متسمك العروة الوثقى: ج 9/478.
5- كتاب الخمس: ص 153.
6- مصباح الفقيه: ج 3/143.
7- كشف الغطاء: ج 2/360.
8- البيان: ص 216.
9- العروة الوثقى: ج 4/248 (ط. ج).
10- جواهر الكلام: ج 16/34 و 82.

على العين لأجل استيفاء المنفعة.

وأمّا الثاني: فلأنّ المراد من فرعيّة يد المستأجر غير معلوم:

إذ لو اُريد بها ان المستأجر تكون يده على العين، بعد كون العين في يد المالك، فهذه لا توجبُ تقدّم الأولى، بل كما عرفت تكون اليد اللّاحقة مزيلة لأثر الأُولى.

وإنْ اُريد بها غير ذلك، فلم يتّضح لنا، مع أنّ ذلك لو تمّ فإنّما هو بالنسبة إلى العين المستأجرة، وأمّا بالنسبة إلى ما هو خارج عن موضوع الإجارة كالفراش ونحوه، فهما على حَدٍّ سواء، والكنز من قبيل الثاني كما هو واضح.

وأمّا الثالث: فلأنّ دار المالك إنّما يعدّ كيده إذا كانت تحت يده، لا فيما إذا كانت تحت يد الغير.

وأمّا الرابع: فلأنّه لا يثبت بها كون الكنز تحت يد المالك قبل الاستئجار، إلّا على القول بالأصل المثبت، ولا نقول به.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرناه في الجواب عن الوجه الثاني، أنّ الأظهر تقديم قول المستأجر، ويشهد له - مضافاً إلى ذلك -: موثّق إسحاق المتقدّم في ما وجد في بعض بيوت مكّة، فإنّ ظاهره وجوب تعريف سكنة المنزل حين ما وجد ولو كان مستأجراً، بل في «رسالة» الشيخ الأعظم رحمه الله(1) أنّه ظاهرٌ في خصوص المستأجر، لأنّ ظاهره وجوب السؤال عن أهل ذلك المنزل بعد الوصول إلى الكوفة، فالظاهر كون المراد به رفقته الّذين حَجّوا من الكوفة، الّذين نزلوا معه الدّار استئجاراً، هذا فضلاً عن جريان أصالة عدم ثبوت يد المالك عليه.2.

ص: 122


1- كتاب الخمس: ص 152.

ويؤيّده صحيحا ابن مسلم المتقدّمان، الدالّان على أنّ ما وجد لأهل المنزل إذا كانت الأرض معمورة.

وبذلك كلّه ظهر ضعف القول الثالث.

وأمّا ما عن «الخلاف»(1) من الاستدلال له بظهور أنّ المالك لا يؤجّر داراً فيها كنزٌ، فضعيف، لعدم الدليل على حجيّة هذا الظهور، مع أنّه ممنوعٌ صغرى .

***3.

ص: 123


1- الخلاف: ج 2/123.

لو علم كون الكنز لمسلم

لو علم كون الكنز لمسلم

الفرع الثاني: لو علم كون الكنز لمسلمٍ موجود هو أو وارثه في عصره لكنّه مجهول، ففي إجراء حكم مجهول المالك، أو حكم الكنز، وجهان بل قولان:

قد استدلّ للثاني:

1 - بإطلاقات وجوب الخُمس في الكنز.

2 - وبإطلاق موثّق محمّد بن قيس المتقدّم.

3 - وبإطلاق الصحيحين الدالّين على كونه لواجده.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ تلك الأدلّة ليست في مقام البيان من هذه الجهة، وإنّما تدلّ على أنّ الكنز الذي يُملك يجبُ فيه الخُمس، كما تقدّم.

وأمّا الثاني: فلما عرفت من أنّ مورده غير الكنز، وكذلك الصحيحان.

وبالجملة: فالأقوى هو الأوّل، لموثّق إسحاق بن عمّار، قال:

«سألتُ أبا إبراهيم عليه السلام عن رجلٍ نزل بعض بيوت مكّة فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تَزَل معه، ولم يذكرها حتّى قَدِم الكوفة، كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: يسأل عنها أهلُ المنزل، لعلّهم يعرفونها.

قلت: فإنْ لم يعرفوها؟ قال عليه السلام: يتصدّق بها»(1).

حيث أنّ ظاهره صورة العلم بكون مالكه مُسلماً، ومورده وإنْ كان صورة كونه فيما في يد المسلم، إلّاأنّ الظاهر هو التعدّي إلى كلّ ما يعلم كونه لمسلم وإنْ لم يكن تحت يده بالفعل.

***

ص: 124


1- تهذيب الأحكام: ج 6/391 ح 11، وسائل الشيعة: ج 25/448 ح 32326.

حكم ما في جوف الدابّة

حكم ما في جوف الدابّة

الفرع الثالث: لو اشترى دابّةً ووجد في جوفها شيئاً له قيمة، عرّفه البائع، فإنْ عرفه فهو أحقّ به بلا خلافٍ .

ويشهد له: صحيح عبد اللّه بن جعفر، قال: «كتبتُ إلى الرّجل أسأله عن رجلٍ اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك ؟

فوقّع عليه السلام: عرّفها البائع، فإنْ لم يكن يعرفها، فالشيء لك، رزقك اللّه تعالى إيّاه»(1).

وظاهره وإنْ كان عدم وجوب تعريف الملّاك السابقين، إلّاأنّ الظاهر هو الوجوب بالترتيب، فيما لم يحتمل وجوده بعد الخروج عن ملكهم لتنقيح المناط.

كما أنّ الظاهر اختصاص الحكم بما إذا لم يحتمل وجوده بعد البيع، إذ الصحيح يُحمل على الغالب، كما لا يخفى وجهه.

ومنه يظهر أنّ حكمه من هذه الجهة حكم الكنز، وإنْ لم يعرفها البائع، فهو له للصحيح المتقدّم.

فهل يجبُ عليه الخُمس، كما عن «المدارك»(2)، و «الذخيرة»(3) نسبته إلى قطع الأصحاب، وعن بعضٍ (4) دعوى الإجماع عليه، أم لا؟

ص: 125


1- الكافي: ج 5/139 ح 9، وسائل الشيعة: ج 25/452 ح 32335.
2- مدارك الأحكام: ج 5/373.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/479.
4- الحدائق الناضرة: ج 12/339، وقال صاحب جواهر الكلام: ج 16/36، (والحدائق الاتّفاق عليه... الخ).

وجهان أقواهما الثاني لعدم الدليل.

نعم، بناءً على وجوب الخُمس في مطلق الفائدة، كما قوّيناه، يجبُ فيه بعد مؤونته طول سنته، كما عن «السرائر»(1).

واستدلّ للأوّل:

1 - باندراجه في مفهوم الكنز.

2 - وبعموم قوله عليه السلام: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخُمس».

3 - وبالإجماع.

والكلّ كما ترى .

وأيضاً: لو ابتاع سمكةً فوجد في جوفها شيئاً:

فإنْ كانت في ماءٍ محصور للبائع، واحتمل كونه له، فإنّه لا إشكال في وجوب تعريفه، لكونه ذا يد عليها.

وإنْ اصطيدت من البحر، فالمشهور بين الأصحاب على ما نُسب إليهم(2) أنّه للواجد، ولا يجبُ عليه تعريف البائع.

وعن المصنّف رحمه الله(3): الميل إلى مساواة السمكة للدابّة.

أقول: والأظهر هو التفصيل في المقام:

بين ما إذا احتمل أنّ الصائد حينما صاد السمكة نوى حيازة ما في جوفها، ولم يشترط للمشتري ما في جوفها، فيجبُ تعريفه حينئذٍ، لا لمجرّد هذا الاحتمال، بل).

ص: 126


1- السرائر: ج 2/106.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/480.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/265 (ط. ق).

لقاعدة اليد.

وبين ما إذا لم يحتمل ذلك، أو احتمل ولكن شَرَط له ذلك، فلا يجبُ بل هو له.

أمّا في الثاني: فواضح.

وأمّا في الأوّل: فلعدم كون المورد من موارد التمسّك بقاعدة اليد، بعد كونها من الأمارات كما هو واضح، والحيازة الخارجيّة ولو تبعاً من غير قصدٍ لا تكفي في الملكيّة، كما هو محقّق في محلّه.

وعلى فرض القول بكفايتها، بدعوى أنّ القصد إلى حيازتها يستلزمُ القصد إلى حيازة جميع أجزائها، وما يتعلّق بها، لابدَّ من الالتزام بخروجه عن ملكه، وانتقاله إلى المشتري تبعاً.

فعلى أيّ تقديرٍ لا وجه لوجوب تعريف البائع في الفرض، بل هو يدخلُ في مِلك الواجد إمّا بالبيع أو بالحيازة.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك -: النصوص الواردة في شراء بعض الفقراء من بني إسرائيل السَّمكة، فوجد في جوفها لؤلؤتين، وأيضاً من أعطاه الإمام زين العابدين عليه السلام قرصتي خبز، فاشترى بأحدهما سمكةً ، وبالأُخرى مِلْحاً فوجد في جوف السَّمكة دُرّة أو دُرَّتين(1).

وعن «المسالك»(2) وحاشية «الشرائع»(3): أنّه لو كان الموجود مشتملاً على أثر الإسلام يكون لقطة، ولعلّه لكون الأثر علامة سبق يدِ المسلم عليها، فتشمله7.

ص: 127


1- وسائل الشيعة: ج 25/454 ح 32340، الأمالي للطوسي ص 453 ح 3.
2- مسالك الأفهام: ج 1/461-462.
3- حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 157.

عمومات اللُّقطة.

واُجيب عنه: بأنّ ما يخرج من البحر مِلكٌ للمُخرِج مطلقاً، وفيه تأمّلٌ مع عدم ثبوت الإعراض، مع أنّه لو تمّ فإنّما هو فيما لم يحتمل ابتلاع السّمكة ما في جوفها من الخارج.

فالصحيح في الجواب عنه: أنّ عمومات اللُّقطة يتعيّن تخصيصها بفحوى صحيح عبد اللّه المتقدّم في ما يوجد في جوف الدابّة، والنصوص المشار إليها آنفاً، والكلام في وجوب الخُمس فيه هو الكلام في وجوبه فيما يوجد في جوف الدابّة، فراجع المورد الثالث في بيان اعتبار النصاب وحَدّه(1). وسيأتي الكلام عنه عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

***د.

ص: 128


1- صفحة 177 من هذا المجلّد.

وأرض الذّمي إذا اشتراها من مسلمٍ .

الأرض التي اشتراها الذّمي من المُسلم

(و) المورد السادس ممّا يجب فيه الخُمس: هو (أرضُ الذّمي إذا اشتراها مِنْ مُسلم) عند الشيخين(1) والمتأخّرين(2).

وعن «الغُنية»(3): دعوى الإجماع عليه، وعن «التذكرة»(4) و «المنتهى»(5):

نسبته إلى علمائنا.

ويشهد له:

1 - صحيح أبي عبيدة الحذّاء: «سمعتُ أبا جعفر عليه السلام، يقول: أيّما ذمّي اشترى من مسلمٍ أرضاً فإنّ عليه الخُمس»(6).

2 - ومرسل «المقنعة» عن الإمام الصادق عليه السلام: «الذّمي إذا اشترى من مسلمٍ الأرضَ فعليه فيها الخُمس»(7).

وعن ظاهر كثيرٍ من المتقدّمين كابن الجُنيد(8)، و المفيد(9)، وابن

ص: 129


1- المقنعة: ص 283 حيث ذكر المرسلة الآتية، وقد نسب إليه هذا القول المحقّق في المعتبر: ج 2/624، والشيخ في المبسوط: ج 1/237، والشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 99.
2- السرائر: ج 1/488، المهذّب لابن البرّاج: ج 1/177.
3- غنية النزوع: ص 129.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/422 (ط. ج).
5- منتهى المطلب: ج 1/549.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 2/42 ح 1653، وسائل الشيعة: ج 9/505 ح 12589.
7- وسائل الشيعة: ج 9/505 ح 12590، المقنعة ص 283.
8- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/317.
9- لم يبدِ الشيخ المفيد رأيه في المقنعة سوى ذكره المرسلة المتقدّمة، إلّاأنّ العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/317 حكى عنه القول بعدم الوجوب، فلعلّه فهم منه ذلك من عدم كلامه في المسألة، أو عدم تعليقه على الرواية.

أبي عقيل(1)، وسلّار(2)، وأبي الصلاح(3): عدم الوجوب.

وعن بعض متأخّري المتأخّرين(4): الميل إليه.

واستدلّ له:

1 - بضعف الخبرين سنداً، لكون الأوّل من الموثّق، والثاني من المرسل.

2 - وبأنّ مذهب المالكيّة من العامّة أنّ الذّمي إذا اشترى أرضاً من مسلم، وكانت عشريّة، ضوعف عليه العُشر، وأُخذ منه الخُمس، ولعلّ ذلك هو المراد من النَّص.

3 - و بمعارضتهما للنصوص الحاصرة للخُمس في خَمسة الّتي ليس المقام منها.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الموثّق حجّة كالصحيح على ما حقّقناه في محلّه، مضافاً إلى أنّ الخبر صحيحٌ لا موثّق.

وأمّا الثاني: فلأنّ مجرّد مطابقة الخبر لفتوى العامّة، لا يوجب حمله على التقيّة، لأنّ مخالفة العامّة من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحجّة عن اللّاحجّة، مع أنّ ظهور مذهب مالك في عصر الإمام الباقر عليه السلام غير معلوم، مضافاً إلى عدم مطابقة الخبر لمذهب العامّة، لإطلاقه على الأراضي العُشريّة وغيرها، وظهوره في وجوب الخُمس بمجرّد).

ص: 130


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3/317.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/317 بقوله: (ولم يذكر... ولا سلّار ولا أبو الصلاح).
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/317 بقوله: (ولم يذكر... ولا سلّار ولا أبو الصلاح) وهذا الاستظهار من العلّامة منشأه أنّ أبا الصلاح في الكافي في فصل الخُمس ص 170 عدّد الموارد الذي يجب فيها الخُمس، ولم يذكر الذي إذا اشترى الأرض من المسلم.
4- حكاه صاحب مدارك الأحكام: ج 386/5 عن جدّه الشهيدالثاني بقوله: (ومالَ إليه جدّي قدس سره في فوائدالقواعد).

الشراء لا خُمس الزرع، بل المرسل صريحٌ في ذلك، وعليه فلا ينبغي التوقّف في وجوب الخُمس فيها.

ثبوت الخُمس في الأرض سواءٌ أكانت مزرعاً أو مسكناً

ثبوت الخُمس في الأرض سواءٌ أكانت مزرعاً أو مسكناً

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: المحكيّ عن المحقّق في «المعتبر»(1)، والمصنّف في «المنتهى»(2)وغيرهما(3) في غيرهما: تخصيص الحكم بأرض الزراعة.

واستدلّوا له: في مقابل إطلاق النَّص والفتوى ، بعدم تعارف التعبير عن الدار والمسكن ونحوهما إلّابأساميها الخاصّة.

وبعبارة اُخرى : إنّ الأرض لها إطلاقان:

أحدهما: ما يُطلق في مقابل السماء.

الثاني: ما يطلق في مقابل الدّار والبستان ونحوهما.

والثاني هو الشائع عرفاً، فالحمل عليه أولى .

وفيه: إنّ التعبير عن الدار والمسكن ونحوهما بأساميها، ليس لأجل عدم إطلاق الأرض على أرض الدّار والمسكن، بل من جهة أنّهم يريدون التعبير عن مجموع الأرض والبناء بشيء واحد، ولذا ترى عدم توقّف أحدٍ في ترتيب سائر أحكام الأرض كالسجود والتيمّم وغيرهما عليها.

وعليه، فالأقوى عدم اختصاص الحكم بأرض الزراعة، بل هو شاملٌلمطلق

ص: 131


1- المعتبر: ج 2/624.
2- منتهى المطلب: ج 1/549.
3- مدارك الأحكام: ج 5/386.

الأرض التي اشتراها من مسلم، ولو اشتراها ليسكن فيها.

الأمر الثاني: مقتضى إطلاق النَّص والفتوى ، عدم الفرق في هذا الحكم بين ما لو كانت الأرض مبيعة تبعاً أو استقلالاً، وعليه فدعوى عدم ثبوت الحكم فيما لو كان المشترى هو الدار مثلاً، لأنّه تكون الأرض حينئذٍ ملحوظة تبعاً، في غير محلّها.

الأمر الثالث: ظاهر الأصحاب أنّ مصرف هذا الخُمس مصرف غيره من الأقسام، ويشهد له ظهور لفظ (الخُمس) في المعنى المعهود الشرعي لثبوت الحقيقة الشرعيّة أو المتشرّعيّة له في عصر صدور هذه النصوص.

واحتمال كون المراد منه الخراج الخُمسي، قد عرفت دفعه، لتوقّفه على إرادة تضعيف العُشر على الذّمي إذا اشترى أرضاً عُشريّة، وقد عرفت ما فيه.

الأمر الرابع: ظاهر المشهور اختصاص الحكم بالشراء، وعن كاشف الغطاء(1)التصريح بعمومه لمطلق المعاوضة، دون الانتقال المجّاني، وعن ظاهر الشهيدين(2)شموله لمطلق الانتقال ولو مجّاناً.

والأوّل أقوى، لاختصاص النَّص بالشراء.

واستدلّ للثاني: بعمومه عرفاً لسائر المعاوضات، لإلغاء خصوصيّة الشراء.

واستدلّ للثالث: بأنّ المناط هو الانتقال، كما يستفاد من نقل أقوال الخاصّة والعامّة في «التذكرة»(3).).

ص: 132


1- كشف الغطاء: ج 2/361.
2- البيان: ص 217، مسالك الأفهام: ج 1/466.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/422-423 (ط. ج).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا وجه للإلغاء المذكور، مع احتمال الخصوصيّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ مناط الحكم غير معلوم، فلا وجه للتعدّي.

الأرض المفتوحة عنوة

الأرض المفتوحة عنوة

الأمر الخامس: لو كانت الأرض من الأراضي الخراجيّة المفتوحة عنوةً فبيعت على الذّمي:

1 - فإنْ ملكها بالبيع، وكان ذلك مقصوداً بالأصالة - كما لو كان البائع هو الإمام أو باعها نائبه لبعض المصالح العامّة - فلا إشكال في وجوب الخُمس عليه لإطلاق النّص والفتوى .

وأمّا إذا كان المقصود بالأصالة هو بيع الآثار، وقلنا بحصول الملك للمتصرّف بذلك - وإنْ كان يزول بزوال تلك الآثار كما عن جماعةٍ - فكذلك يجب عليه الخُمس على الأقوى ، ولا وجه للقول بعدم وجوبه، سوى ما قيل من عدم شمول النَّص لما إذا كانت الأرض مبيعة تبعاً، وقد عرفت ضعفه.

ودعوى: أنّ المتبادر من النَّص إنّما هو الشراء الموجب لانتقال الأرض إليه على الإطلاق، خصوصاً لو لم نقل بجواز تعلّق الشراء بنفس الأرض من حيث هي إلّا بالتبع، لا بعنوان كونه شراء الأرض، كما في «مصباح الفقيه».

مندفعة: بأنّ ملكيّة الأرض وإنْ قلنا بأنّها تزول بزوال تلك الآثار، إلّا أنّ كون المتبادر هو الشراء الموجب لانتقال الأرض، بنحوٍ تكون باقية على كونها مملوكة له بعد زوال الأثر ممنوعٌ ، إذ لا وجه لدعواه سوى الغَلَبة، وهي كما ترى ، كما

ص: 133

أنّ جواز شراء الأرض من حيث هي لا دخل له في الحكم إذا تعلّق الشراء بها تبعاً.

2 - وأمّا إذا لم يملكها الذِّمي، كما لو باعها المتصرّف تبعاً للآثار، وقلنا بعدم دخولها في مِلْك المشتري، وإنّما يثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري:

فعن شيخنا الأعظم(1): الميل إلى وجوب الخُمس فيها، نظراً إلى صدق أنّه اشترى أرضاً ولو تبعاً، وإنْ لم يملكها حقيقةً .

وأورد عليه: جماعةٌ منهم المحقّق الهمداني(2) رحمه الله، بأنّ إطلاق شراء الأرض عرفاً في مثل المقام، إنْ كان فهو إمّا من باب المسامحة، أو من حيث أنّهم يرونها مِلْكاً حقيقيّاً للمتصرّف، فلا إشكال في خروجه عن موضوع النَّص، فضلاً عن منصرفه.

وفيه: أنّه لا إشكال في عدم اعتبار دخول المبيع في مِلْك المشتري في صدق الشراء، بل لو كان المبيع حقّاً من الحقوق يصدق الشراء، كما أنّه لو كان المبيع هو العين، وكانت نتيجة البيع صيرورتها مستحقّة للمشتري - كما في الأرض المفتوحة عنوة - لصدق الشراء، كما حقّقناه في محلّه من «حاشيتنا على المكاسب». وعليه فيجب عليه الخُمس، فيقابل الأرض من حيث أنّها مستحقّة غير مملوكة بمالٍ ، فعليه خُمس ذلك المال.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب الخُمس في الأرض المفتوحة عنوة مطلقاً، ولزوم تكرار الخُمس لا محذور فيه بعد اختلاف جهتي الوجوب.

عدم سقوط هذا الخُمس بالإقالة والفسخ4.

ص: 134


1- كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري: ص 104.
2- مصباح الفقيه: ج 3/134.

عدم سقوط هذا الخُمس بالإقالة والفسخ

الأمر السادس: لا خلاف في عدم سقوط هذا الخُمس في ما لو باع الذّمي الأرض بعد الشراء من مسلمٍ آخر، بل وإنْ باعها من الأوّل، أو مات وانتقلت ملكيّتها إلى وارثه المسلم، وإنّما الخلاف فيما لو رَدّها إلى البائع بالإقالة، أو كان له الخيار فَفَسخ:

فعن «البيان»(1)، و «المسالك»(2): احتمال السقوط بالإقالة.

وعن جماعةٍ (3): احتمال السقوط بالفسخ.

واستدلّ للسقوط بهما:

1 - بأنّ الإقالة والفسخ توجبان حَلّ العقد من أوّل الأمر لا من حينهما.

2 - وبظهور النَّص في الشراء المستقرّ اللّازم.

ولكن المبنيين فاسدان.

وحقّ القول في المقام: إنّ صيرورة العين أو بعضها مستحقّة للغير، إنْ كانت من مسقطات الخيار، كما هو الأظهر في مثل خيار العيب، فليس له الفَسخ، وإلّا فحيث أنّه وقع الشراء، وصار بعض العين متعلّقاً لحقّ أرباب الخُمس، فلو فسخ أو رَدّ بالإقالة، فلابدّ من إرضاء البائع بقبول ما عداه مع قيمة خُمسها، أو إرضاء أرباب الخُمس بقبول قيمته.

فتدبّر، فإنّ تنقيح القول في ذلك يحتاج إلى بسطٍ في المقال، لا يسعه المقام.

راجع أبحاثنا في كتاب المتاجر من هذا الشرح.

ص: 135


1- البيان: ص 217.
2- مسالك الأفهام: ج 1/466.
3- جواهر الكلام: ج 16/67، مستمسك العروة الوثقى: ج 9/512.

أقول: ولا يسقط أيضاً لو أسلم الذّمي بعد الشراء والقبض، إلّابناءً على سقوطه بالإسلام في سائر المقامات كالزكاة، بمقتضى حديث الجُبّ . فراجع ما حقّقناه في كتاب الزكاة(1).

أمّا لو أسلم قبل القبض:

فبناءً على أنّ القبض كاشفٌ عن انتقال المبيع من حين العقد، فحكم هذا الفرض حكم سابقه.

وأمّا بناءً على كونه ناقلاً:

فقد يقال: إنّه لا يجبُ عليه الخُمس، لتحقّق الشراء بعد الإسلام، إذ الموضوع ليس هو الشراء الإنشائي، بل الحقيقي المتوقّف على دخول المشتري في مِلْكه، أو صيرورته مورداً لحقّه فعلاً، كما في الأرض المفتوحة عنوة.

وفيه: أنّ الشراء الحقيقي أيضاً يكون قبل الإسلام، وتأثيره يكون بعده.

الأمر السابع: لو تملّك ذمّيٌ من مثله بعقدٍ مشروط بالقبض، فأسلم الناقل قبل القبض، ففي ثبوت الخُمس ؟ وجهان، بل قولان:

اختار أوّلهما صاحب «الجواهر» رحمه الله(2)، والشيخ الأعظم(3) رحمه الله، دون أن يُقيما دليلاً على اختيارهما.

وقد استدلّ غيرهما له(4): بأنّ تملك الذّمي كان في حال إسلام البائع، فيصدق عليه تملّك الذّمي من مسلم.

وفيه أوّلاً: إنّه لو تمّ فإنّما هو على القول بالنقل لا الكشف.4.

ص: 136


1- فقه الصادق: ج 10/104.
2- جواهر الكلام: ج 16/67.
3- كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري: ص 241.
4- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/514.

وثانياً: أنّه لا يتمّ حتّى على القول بالنقل، إذ الشراء كان من الذّمي.

ودعوى: أنّ موضوع الخُمس هو مطلق الانتقال، وهو إنّما يكون من المسلم.

مندفعة: - مضافاً إلى ما تقدّم من اختصاصه بالشراء - أنّ الظاهر من النَّص على القول بالعموم أيضاً هو ما إذا كان سببُ الانتقال في حال إسلام طرفه.

فإذاً الأقوى عدم ثبوت الخُمس.

الأمر الثامن: يتخيّر الذّمي بين دفع الخُمس من عين الأرض أو قيمتها، كما هو الشأن في سائر الأخماس كما سيأتي، وحينئذٍ لو لم يدفع القيمة يتخيّر وليّ الخُمس بين أخذ رقبة الأرض، وبين إبقائها بالاُجرة.

وفي «الحدائق»(1): أنّه يتعيّن الأخذ من الارتفاع، إذا كانت الأرض مشغولة بغرس أو بناء، واستجوده المحقّق الهمداني رحمه الله(2) معلّلاً بأنّه ليس لأهل الخُمس إلزامه بقلع الغرس أو البناء بعد كونه موضوعاً بحقّ ، فليس لهم إلّاالرضا ببقائه بالاُجرة.

وفيه: إنّ لازم هذا الوجه، ليس تعيّن الأخذ من الارتفاع، بل عدم جواز قلع ما فيها، فلو أبقاها وليّ الخُمس كان شريكاً في النماء.

ولعلّ مراد العَلَمين من تعيّن أخذ الاُجرة، ما يعمّ حصّة المزارعة، بل صريح المحقّق الهمداني رحمه الله(3) ذلك. فإذاً يكون النزاع لفظيّاً.

***4.

ص: 137


1- الحدائق الناضرة: ج 12/362. (2و3) مصباح الفقيه: ج 3/134.

والحرام الممتزج من الحلال ولم يتميّز.

الحلال المختلط بالحرام

(و) المورد السابع ممّا يجب فيه الخُمس: (الحَرامُ المُمتزج من الحَلال، ولم يتميّز) ولم يُعرف صاحبه.

أقول: فها هنا صور أربع:

الصورة الأُولى: أنْ يكون قدر الحرام المختلط بالحلال وصاحبه كلاهما مجهولين، ففي هذه الصورة يجبُ إخراج الخُمس، كما صرّح به جماعة، وفي «الحدائق»(1)نسبته إلى المشهور، وعن «الغُنية»(2) دعوى الإجماع عليه.

وعن العُمّاني(3)، والإسكافي(4)، والمفيد(3)، وسلّار(4)، وسيّد «المدارك»(5)

وغيرهم(6): عدم الوجوب وعدم حليّته بالتخميس.

والمحقّق الهمداني رحمه الله(7) قوّى التخيير بين التخميس، وبين التصدّق بجميع ما فيه

ص: 138


1- الحدائق الناضرة: ج 12/363.
2- غنية النزوع: ص 129. (3و4) حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/317.
3- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/317، ولم يذكره المفيد في المقنعة في باب الخُمس والغنائم ص 276 في مقام ذكر موارد الخُمس، ولكنّه بعد ذلك ص 283 ذكر رواية دالّة على وجوب إخراج الخُمس من المختلط غير المتميّز، ولم يعلّق عليها، فقد تكون نسبة العلّامة له القول بعدم الوجوب لعدم ذكره في مورده، وهو في مقام بيان موارد تعلّق الخُمس، وقد يكون غير ذلك، فتأمّل.
4- حكاه عنه صاحب مستمسك العروة الوثقى: ج 9/490.
5- مدارك الأحكام: ج 5/388.
6- مجمع الفائدة: ج 4/320، ذخيرة المعاد: ج 3/484، كفاية الأحكام ص 43.
7- مصباح الفقيه: ج 3/134.

من الحرام بأيّ وجهٍ أمكن.

وعن بعض المحقّقين(1): حليّته بدون التخميس والتصدّق.

أقول: يشهد للقول المنسوب إلى المشهور:

1 - صحيح عمّار بن مروان:

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: فيما يَخرُج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز، الخُمس»(2).

وأورد عليه: صاحب «المستند»(3) رحمه الله بإيرادات:

الإيراد الأوّل: ما ذكره بقوله: (فلأنّ الرواية على النحو المذكور إنّما هو ما نقله عنه بعض المتأخّرين، وقال بعض مشايخنا المحقّقين: وذَكَر الصدوق في «الخصال» في باب ما يجب فيه الخُمس روايةً كالصحيحة إلى ابن أبي عُمير، عن غير واحدٍ، عن الصادق عليه السلام، قال: «الخُمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن عُمير الخامس».

وقال مصنّف هذا الكتاب: الخامس الذي نسيه، مالٌ يرثه الرّجل، وهو يعلم أنّه فيه من الحلال والحرام، ولا يعرفُ أصحابه فيؤدّيه إليهم، ولا يعرفُ الحرام بجنسه، فيخرج منه الخُمس).

الإيراد الثاني: ما ذكره بقوله(4): (وإنّي تفحَّصتُ عن «الخصال» فوجدتُ الرواية فيه في باب ما فيه الخُمس من بعض نسخه، هكذا: «الخُمس في المعادن والبحر والكنوز»، ولم أجد الرواية بالطريقين المذكورين فيه مع التفحّص عن أكثر0.

ص: 139


1- كتاب الخُمس للسيّد الخوئي - الأوّل -: ص 134.
2- وسائل الشيعة: ج 9/494 ح 12566، الخصال: ج 1/290 ح 51. (3و4) مستند الشيعة: ج 10/39 و 40.

أبوابه، وفي بعض آخر كما نقله عنه بعض مشايخنا).

الإيراد الثالث: عدم صراحة الخبر في الوجوب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ صاحب «الوسائل» روى عن «الخصال» روايتين:

إحداهما: عن أحمد بن زياد، عن جعفر الهمداني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحدٍ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ثانيتهما: عنه، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب، عن عمّار بن مروان، عن الصادق عليه السلام.

فما نقله عن بعض مشايخه إنّما هو الخبر الأوّل، فلا دخل له بالخبر الثاني المخالف له سنداً ومتناً والذي نقلناه.

وأمّا الثاني: فلأنّ عدم وجدانه لا يدلّ على عدم الوجود، كي يعارض مع نقل صاحب «الوسائل» وغيره، لاحتمال السقط عن تلك النسخة.

وأمّا الثالث: فلأنّ الجملة الخبريّة أصرح في الوجوب من الأمر، كما حُقّق في محلّه.

2 - وخبر السكوني، الذي رواه المشايخ الثلاثة مسنداً عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أتى رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إنّي كسبتُ مالاً أغمضتُ في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردتُ التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عَليَّ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تصدّق بخُمس مالك، فإنّ اللّه رَضي من الأشياء بالخُمس، وسائر المال لك حلال»(1).4.

ص: 140


1- الكافي: ج 5/125 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/506 ح 12594.

والمناقشة فيه: باحتمال إرادة المعنى اللّغوي من لفظ (الخُمس) لا تُنافي ما نحن بصدده، وهو وجوب التخميس، مع أنّه ستعرف دفعها عند التعرّض لمصرف هذا الخُمس.

3 - وخبر الحسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ رجلاً أتي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أصبتُ مالاً لا أعرف حلاله من حرامه ؟ فقال له: أخرج الخُمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد رَضي من ذلك المال بالخُمس، واجتنب ما كان صاحبه يُعلم»(1).

وأورد عليه المحقّق الهمداني(2) رحمه الله: بأنّه إنّما ورد فيمن أصاب مالاً من شخصٍ تكون أمواله مجتمعة من الحلال والحرام، فيُحتمل أنْ يكون المراد بالخمس هو الخُمس المعروف الذي قَدّر اللّه تعالى في كلّ مالٍ استفاده من حيث كونه غنيمة، لا من حيث كونه ممّا لا يُعرف حلاله من حرامه، وأمّا من هذه الجهة فله المهنّا ووزره على الآخر.

وفيه: أنّ السائل فرض أنّ ما في يده فيه حلالٌ وحرام، وأجابه عليه السلام بالأمر بإخراج الخُمس من ذلك المال - أي المخلوط بالحرام - وظاهر ذلك وجوب الخُمس فيه بهذا العنوان، لا بعنوان آخر، ويناسبه التعليل المتضمّن للتفصيل بين ما كان صاحبه يعلم فيجب الاجتناب عنه، وما لا يُعرف صاحبه، فإنّ اللّه تعالى قد رَضي منه بالخُمس.

وقريبٌ من هذه النصوص مرسلا «الفقيه»(3) والمفيد(4).3.

ص: 141


1- تهذيب الأحكام: ج 4/124 ح 15، وسائل الشيعة: ج 9/505 ح 12591.
2- مصباح الفقيه: ج 3/134.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/189 ح 3713.
4- المقنعة: ص 283.

أقول: وقد أُورد على الاستدلال بهذه الأخبار، بمعارضتها مع طائفتين من النصوص:

إحداهما: ما دلّ على حليّة المختلط بالحرام بالرِّبا، أو المختلط مطلقاً، الشامل للمقام: كموثّق سماعة الوارد في رجلٍ أصاب مالاً من عمّال بني اُميّة، فقال له الإمام الصادق عليه السلام:

«إنْ كان خلط الحرام حلالاً فاختلطا جميعاً فلم يُعرف الحلال من الحرام فلا بأس»(1).

الثانية: ماسيأتي في الفرع القادم المتضمّن للأمر بتصدّق ما لايعرف صاحبه.

واُجيب عن الطائفة الأُولى : بمخالفتها للقواعد المُسلّمة العقليّة والنقليّة.

وفيه: أنّه كما يكون التخميس أو التصدّق منافياً للقواعد، ولكن نلتزم به لقيام الدليل الدالّ عليه، كذلك لامانع من الالتزام بالعفو والتملّك.

والحقّ في الجواب عنها: أنّ نصوص الرّبا مختصّة بموردها، وسيأتي الكلام فيها في محلّه.

وأمّا موثّق سماعة: فهو مطلقٌ قابلٌ للحمل على إرادة الحليّة بعد التخميس، في مقابل الحرام المحض الذي هو موردُ السؤال فيه، وعليه فيُجمع بينه وبين نصوص المقام بالالتزام بالحليّة بعد التخميس.

وأمّا الطائفة الثانية: فسيأتي في الصورة الثانية أنّها لا تشمل الممتزج المجهول قدره، وعلى فرض شمولها له، بما أنّها تشمل المتميّز، ونصوص المقام لا تشمله، فتقدّم هذه النصوص للأخصيّة.1.

ص: 142


1- تهذيب الأحكام: ج 6/369 ح 189، وسائل الشيعة: ج 17/88 ح 22051.

وبالجملة: بما ذكرناه ظهر ضعف القولين الآخرين، وأنّ الأظهر هو ما اختاره المشهور من لزوم التخميس، وحليّة المال به.

مصرف هذا الخُمس مصرف سائر الأخماس

مصرف هذا الخُمس مصرف سائر الأخماس

والمنسوب إلى المشهور(1) أنّ مصرف هذا الخُمس، مصرف سائر أقسام الخُمس، واستدلّ له بثبوت الحقيقة الشرعيّة أو المتشرّعيّة للخُمس في عصر صدور نصوص الباب، وهي المعنى المعهود الشرعي الدالّ على أنّ نصفه للإمام عليه السلام ونصفه للسّادات.

وعن جماعةٍ من المحقّقين(2): المناقشة في ذلك، باعتبار أنّ مصرفه الفقراء للأمر بالتصدّق به في خبر السكوني، وأنّ الصَّدقة لا تحلّ لبني هاشم. وأمّا ظهور الخُمس في المعنى المعهود الشرعي فإنّه لا يُنكر، إلّاأنّ ظهور الصَّدقة في غير الخُمس أقوى منه، لاسيّما مع عدم طلبه عليه السلام نصفه.

ولكن يرد عليهم: أنّ ظهور لفظ (الخُمس) الواقع في خبر عمّار بن مروان أقوى من ظهور الصَّدقة في غيره، من جهة أنّ المراد به بالنسبة إلى غير الحرام المختلط بالحلال، هو المعنى المعهود بلا كلام، مع أنّ التعليل (بأنّ اللّه قد رَضي من الأشياء بالخُمس) في خبر السكوني أيضاً يوجب أقوائيّة ظهور الخُمس في المعنى المعهود من ظهور الصَّدقة في غيره، إذ الخُمس الثابت في الأشياء هو ذلك.

ودعوى: أنّه إنّما يدلّ على أنّ الخُمس المعهود في الأشياء أيضاً كالصدقة

ص: 143


1- كتاب الخمس: ص 107-108.
2- مصباح الفقيه: ج 3/135.

مندرجٌ تحت هذه الكليّة، وهي أنّ اللّه تعالى رَضي من عباده فيما سلّطهم عليه من ماله بدفع خُمسه، حسب ما أمرهم به في موارده، ففي سائر الموارد يصرفه إلى الإمام عليه السلام والسّادة، وفي هذا المورد إلى الفقراء بمقتضى ظاهر الصدر، فالتعليل لا ينافي إرادة الصَّدقة من الخُمس.

مندفعة: بأنّ هذا وإنْ يمكن عدّه توجيهاً متيناً، إلّاأنّه خلاف الظاهر، لأنّ الظاهر وحدة المراد من لفظ (الخُمس) الواقع في الصدر، والواقع في التعليل، وحيثُ أنّ المراد منه في الذيل المعنى المعهود، فكذلك الحال يكون في الصدر.

وأمّا عدم طلبه نصفه المختصّ به، فيُحمل على إذنه في صرف حقّه المختصّ به إلى شركائه بقرينة ما ذُكر.

أقول: وأمّا ما اختاره المحقّق الهمداني(1) رحمه الله بعد تسليمه ظهور خبر السكوني في إرادة الصَّدقة منه، من أنّه يُجمع بينه وبين غيره من الأخبار الظاهرة في إرادة المعنى المعهود الشرعي بالتخيير بينهما.

فمندفعٌ : بأنّه من جهة ظهور كلٍّ منهما في تعيّن ما تضمّنه في مقام أداء الوظيفة، لا يكون الحمل على التخيير من الجمع العرفي.

فتحصّل: أنّ الأقوى كون مصرفه مصرف سائر أقسام الخُمس.

***5.

ص: 144


1- مصباح الفقيه: ج 3/135.

الحرام المخلوط بالحلال مع العلم بقدره

الحرام المخلوط بالحلال مع العلم بقدره

الصورة الثانية: ما إذا علم مقدار الحرام دون أن يعرف صاحبه:

فعن غير واحدٍ، منهم المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(1)، والشهيد(2) وغيرهما من الأساطين(3): أنّه يتصدّق به مطلقاً، وعن بعضٍ (4) أنّه المشهور، وفي «رسالة» الشيخ الأعظم(5) رحمه الله: (لا يبعد دعوى عدم الخلاف في ذلك)، وقوّى قدس سره لزوم دفع ذلك المقدار خُمساً لا صدقة قَلَّ أو كَثُر.

واختار صاحب «الحدائق»(5) رحمه الله وجوب دفع الخُمس في هذه الصورة كالصورة السابقة، ونَسب(7) ذلك إلى «الغُنية» و «النهاية» و «الوسيلة» و «النافع» و «الشرائع» و «التبصرة» من جهة إطلاق الحكم بوجوب الخُمس في الحلال المختلط بالحرام، وإنْ كان في هذه النسبة نظر، إذ لعلّ المراد منه صورة عدم تمييز قدر الحرام تفصيلاً.

وقيل: بوجوب الخُمس، ثمّ الصَّدقة بالزائد في صورة الزيادة.

وتشهد للأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: خبر علي بن أبي حمزة، الوارد في حكاية صديقه الذي كان في ديوان بني اُميّة، فأصاب من دنياهم مالاً كثيراً، ثمّ ندم على ذلك، وسأل الإمام الصادق عليه السلام عن

ص: 145


1- إرشاد الأذهان: ج 1/292، منتهى المطلب: ج 1/548.
2- البيان: ص 217.
3- غنائم الأيّام: ج 4/344، مصباح الفقيه: ج 3/137.
4- غنائم الأيّام: ج 4/338. (5و7) كتاب الخمس: ص 252 و 253.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/364.

الَمخرَج منه، فقال عليه السلام: «فأخرِج من جميع ما اكتسبتَ في ديوانهم، فَمَن عرفتَ منهم رَدَدتَ عليه ماله، ومن لم تعرف تصدّقت به»(1).

ومنها: مصحّح يونس بن عبد الرحمن: «سُئل أبو الحسن الرضا عليه السلام وأنا حاضر...، فقال له السائل: جُعِلْتُ فداك، رفيقٌ كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله، ورحلنا إلى منازلنا، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا متاعه معنا، فأي شيءٍ نصنع به ؟ قال: تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة.

قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده، ولا نعرف كيف نصنع ؟

قال عليه السلام: إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه. قال له: على مَن جُعِلْتُ فداك ؟ قال عليه السلام: على أهل الولاية»(2).

وقريب منهما غيرهما.

وأورد عليها صاحب «الحدائق»(3) رحمه الله: بأنّ موردها إنّما هو المال المتميّز في حَدّ ذاته لملكٍ مفقود الخبر، وإلحاق المال المشترك به مع كونه لا دليل عليه، قياسٌ مع الفارق، لأنّه لا يخفى أنّ الاشتراك في المال سارٍ في كلّ درهمٍ درهمٍ ، وجُزءٍ جزءٍ منه، فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول، مع كون الشركة شائعة في أجزائه، كما أنّها شائعة في أجزاء الباقي، لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتّى يتصدّق به عنه، فهذا العزل لا ثمرة له، بل الاشتراك باقٍ مثله قبل العزل.

وفيه: أنّه لو سُلّم ورود تلك النصوص في المتميّز، لكن لا سبيل إلى توهّم الاختصاص به، وعدم شمولها للمختلط، سوى ما ذكره رحمه الله من الفرق بينهما، وهو5.

ص: 146


1- الكافي: ج 5/106 ح 4، وسائل الشيعة: ج 17/199 ح 22343.
2- تهذيب الأحكام: ج 6/395 ح 29، وسائل الشيعة: ج 25/450 ح 32332.
3- الحدائق الناضرة: ج 12/365.

فاسدٌ، إذ الظاهر من مصحّح يونس، ثبوت الولاية على الحرام لمن هو تحت يده، بأن يبدّله بغيره، فإنّه عليه السلام حَكَم بجواز بيعه والتصدّق بثمنه، وعليه فله الولاية في صورة الاختلاط على تعيين مال الغائب المجهول، وتخليص ماله بالقسمة، وبعد ذلك يكون بحكم المتميّز بل هو هو، مع أنّ ما ذُكر من أنّ موردها المال المتميّز غير صحيح، إذ مورد خبر أبي حمزة لو لم ندّع كونه خصوص الممتزج ولو بمال غير المالك المجهول، إذ من المستبعد جدّاً تمييز أموال من يعرف منهم عمّا لايعرف صاحبه، وتمييز جميعها عن مال نفسه، فلا أقلّ من كونه عامّاً للمختلط والمتميّز.

وقوله عليه السلام: (ماله) لا يدلّ على الاختصاص، بل يمكن أنْ يكون من جهة ما ذكرناه من ولايته على التبديل والتقسيم.

أقول: وقد يتوهّم معارضة هذه النصوص مع طوائف من النصوص:

منها: ما دلّ على لزوم إبقاء المال على حاله.

وفيه: أنّ تلك النصوص تُحمل على ما قبل اليأس عن صاحبه، لاختصاص هذه النصوص بما بعده، كما يظهر من المصحح.

ومنها: ما دلّ على جواز تملّكه، كصحيح ابن مهزيار الطويل المتقدّم، حيث عَدّ عليه السلام من جملة الغنائم، الفوائد التي يجبُ فيها الخُمس بما أنّها فائدة وغنيمة، حيث قال عليه السلام فيه:

«الغنائم والفوائد - يَرحمك اللّه - فهي الغنيمة يَغْنِمها المرء - إلى أنْ قال - ومثل مالٍ يوجدُ ولا يعرف له صاحب».

وفيه: أنّ الظاهر من مال يوجد، هو ما كان مثل اللُّقطة الّتي وردت فيها جملة من النصوص دالّة على جواز تملّكها بعد التعريف، متعهّداً بالخروج عن عهدتها على

ص: 147

تقدير مجيء صاحبها، ولا تشمل ما لو استولى على مال الغير عدواناً، ثمّ جَهِل صاحبه.

ومنها: ما دلّ على اختصاصه بالإمام عليه السلام كالخبر الذي رواه داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال رجلٌ : إنّي قد أصبتُ مالاً، وإنّي خفتُ منه على نفسي، فلو أصبتُ صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لو أصبتَ صاحبه كنتَ دفعته إليه ؟ فقال: أي واللّه.

فقال عليه السلام: فلا واللّه ما له صاحبٌ غيري، فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، قال: فاذهب فاقسمه في اخوانك، ولك الأمن ممّا خِفت، قال: فقسّمته بين اخواني»(1).

وفيه أوّلاً: الخبر ضعيف لمكان جمال.

وثانياً: أنّه يُحتمل فيه وجوهٌ ذُكرت جملةٍ منها في «مرآتُ العقول»:

الأوّل: كون ما أصابه لقطة من غيره، لكنّه تكون له.

الثاني: أنْيكون ما أصابه لقطة من ماله عليه السلام، فأمر بالصدقة على الاخوان تطوّعاً.

الثالث: أنْ يكون ما أصابه لقطة من غيره، ولكنّه عَلم بموت صاحبه حين السؤال، وأنّه لم يترك وارثاً غير الإمام عليه السلام.

الرابع: أنْ يكون ما أصابه من أموال السلطان، وكان ذلك ممّا يختصّ به، أو من الأموال التي له التصرّف فيها، وهو الذي استظهره المجلسي رحمه الله.

وكيف كان، فمع هذه الاحتمالات لا مورد للقول بدلالته على ذلك.

ودعوى : سيّد «العروة» من إمكان منع الدلالة، لأنّ المراد من (الصّاحب) هو1.

ص: 148


1- الكافي: ج 5/138 ح 7، وسائل الشيعة: ج 25/450 ح 32331.

الوليّ وصاحب الاختيار.

ممنوعة: لأنّ المراد من (الصاحب) في الجواب، هو المراد به في السؤال، ومعلومٌ أنّ المراد به فيه هو المالك.

ومنها: النصوص المتقدّمة في الصورة السابقة، الدالّة على لزوم التخميس، وحليّة الباقي به.

واُجيب عنها تارةً : بأنّها لا تشمل الفرض، فإنّ صورة العلم بمقدار الحرام تفصيلاً، خارجة عن منصرفها جزماً، وإطلاق خبر مروان واردٌ مورد حكمٍ آخر، فلا يفهم منه إلّاثبوت الخُمس في الحلال المختلط بالحرام على سبيل الإجمال، والقدر المتيقّن من مورده صورة الجهل بمقدار الحرام.

واُخرى : بأنّ في إيجاب الخُمس، فيما لو كان الحرام المختلط أقلّ قليل، أو الاكتفاء بالخُمس في عكسه، ما لا يخفى من البُعد المانع من صرف الروايات إليه.

وثالثة: بأنّ التعليل في خبري ابن زياد والسكوني ظاهرٌ في الاختصاص بصورة الجهل، لأنّ المرجع في حكمه اللّه تعالى ، فيمكن أنْ يكون الحكم بالتخلّص منوطاً برضاه، أمّا مع العلم بالمقدار، فالمرجع فيه المالك، وحينئذٍ يكون التعليل حاكماً على إطلاق مصحّح مروان، فيتعيّن حمله على صورة الجهل بالمقدار لا غير.

ورابعة: بأنّ التعليل لا يشمل صورة كون الحرام أقلّ من الخُمس، لوروده في مقام التوسعة والتخفيف، فلا يناسبه الالزام بالأكثر، ولا صورة كونه أزيد، فإنّ الظاهر منه كفاية الخُمس عن الزائد الواقعي، لو ثبت في المال لا المعلوم.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مصحّح عمّار مطلقٌ شامل للفرض، واختصاص غيره بغير

ص: 149

الفرض، لا ينافي إطلاقه كي يوجب تقييده، ودعوى ورود إطلاقه في مقام بيان حكمٍ آخر ممنوعة.

وأمّا الثاني: فلأنّه مجرّد استبعاٍد لا يوجبُ تقييد الأدلّة.

وأمّا الثالث: فلأنّ المرجع في حكم معلوم القدر إذا لم يعرف صاحبه، هو اللّه تعالى كمجهول القدر.

وأمّا الرابع: فلأنّ التوسعة إنّما تكون بلحاظ أنّه لاختلاط الحرام بماله لايجوز التصرّف في شيء من ماله، فوسّع اللّه تعالى عليه بأنّه إذا أخرج خُمسه، جاز له التصرّف في الباقي، فيشمل التعليل صورة كون الحرام أقلّ من الخُمس، كما أنّه يشمل صورة كونه أزيد، والظهور المذكور ممنوعٌ .

فالصحيح في المقام أنْ يُقال: إنّ النسبة بين الطائفتين عمومٌ من وجه، فإنّ نصوص التصدّق تشمل الحرام المتميّز والمختلط إذا كان معلوم القدر، ولا تشمل المجهول القدر، لاختصاص غير خبر أبي حمزة بالمتميّز، وأمّا هو فلأنّ المفروض في مورده حرمة جميع أمواله، كما يظهر لمن تدبّر فيه، غاية الأمر بعضها معلومٌ صاحبه، وبعضها مجهول الصاحب، وروايات الخُمس لا تشمل المتميّز، وتختصّ بالمختلط، ولكنّها أعمّ من جهة شمولها للمجهول قدره، فتتعارضان فيما إذا عُلم قدر الحرام وجُهل صاحبه.

وعليه، فتقدّم نصوص التصدّق لأظهريّتها من جهتين، وهما الوجه الثاني والرابع المذكوران دليلاً لعدم شمول نصوص الخُمس للفرض، فانهما وإنْ لم يعدّا دليلاً على ذلك، لكنّهما يصلحان لصيرورة نصوص التصدّق أظهر.

مع أنّه لو سُلّم عدم أظهريّتها، فلا محالة تتساقطان، ولا يشمل شيءٌ منهما

ص: 150

المفروض، ولكن بما أنّ إبقاء المال المختلط وحفظه، وعدم التصرّف في الجميع ضرر على المالك - وهو مرفوعٌ في الشريعة - فيرجع إلى الحاكم، وهو يتولّى تخليص ماله بالقسمة، وبعدها يصير الحرام متميّزاً، فيدخل في نصوص التصدّق.

فتحصّل: أنّ الأظهر لزوم التصدّق به بإذن الحاكم أو بدفعه إليه، كما هو مقتضى الجمع بين نصوص الصَّدقة، وبين ما دلّ على اختصاصها بالإمام.

أقول: ثمّ إنّ مصرف هذه الصَّدقة، مصرف سائر الصدقات، كما هو ظاهر نصوصها.

أمّاالشيخ الأعظم(1) رحمه الله فقد اختار وجوب دفع ذلك المقدار خُمساً، واستدلّ له:

بأنّ ظاهر نصوص الخُمس أنّها واردة في مقام بيان تحديد مقدار الحرام المختلط، وإلّا فمطلق الحرام المخلوط بالحلال، الموكول أمره إلى الشارع مصروفٌ في بني هاشم، كما يشير إليه التعليل بأنّ اللّه رَضي مع الجهل بمقداره بالخُمس، فإنّ مثل هذا الكلام إنّما يقال في حقّ مالٍ يكون أمره في نفسه - مع قطع النظر عن جهالة مقداره - إليه، فتكون الجهالة سبب الرّضا بهذا المقدار لا سبب كون أمره إليه.

وفيه: أنّه بما أنّ المراد من لفظ (الخُمس) في التعليل كسائر الموارد ليس هو الكسر الخاص من المال، بل المراد هو الخُمس المصطلح، فدعوى وروده في مقام تحديد مقدار الحرام المخلوط لا كونه حكماً تعبّديّاً في غاية الضعف.

***3.

ص: 151


1- كتاب الخمس: ص 253.

إذا عرف المالك وجَهل المقدار

إذا عرف المالك وجَهل المقدار

الصورة الثالثة: ما إذا عَلم المالك وجَهل المقدار.

أقول: لا إشكال في صحّة المصالحة مع المالك، وحلّية المال بها، إنّما الكلام فيما إذا لم يوافق المالك على الصلح:

فعن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1): تعيّن تخميسه وحليّة المال به.

وعن جماعةٍ (2): لزوم دفع الأقلّ المعلوم إلى المالك، والرجوع في الزائد المشكوك فيه إلى القرعة، وقوّاه شيخنا المرتضى(3) في بعض الصور.

وعن «كشف الغطاء»(4): وجوب صلح الإجبار ودفع وجه الصلح إليه.

واختار جماعةٌ منهم سيّد «العروة»(5): وجوب دفع الأقلّ ، والاكتفاء به إذا كان المال في يده، وإلّا فالتوزيع.

واستشكل في ذلك المحقّق الهمداني(6) رحمه الله واستقرب وجوب إعطاء الأكثر.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الظاهر من الأخبار الواردة في مجهول المالك أنّ الخُمس تحديدٌ لمقدار الحرام الممتزج المجهول مقداره، بلا دخل للجهل بمالكه فيه، كما يشير إليه التعليل في خبر ابن زياد (بأنّ اللّه قد رَضي من ذلك المال بالخُمس).

ص: 152


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/422 (ط. ج). قال العلّامة: (ولو عرف صاحبه وقدره وجب إيصاله إليه، فإن جهل القدر صالحه أو أخرج ما يغلب على ظنّه، فإنْ لم يصالحه مالكه أخرج خُمسه إليه، لأنّ هذا القدر جعله اللّه تعالى مطهّراً للمال).
2- غنائم الأيّام: ج 4/350، مستند الشيعة: ج 10/48.
3- كتاب الخمس: ص 245.
4- كشف الغطاء: ج 2/361.
5- العروة الوثقى: ج 4/257.
6- مصباح الفقيه: ج 3/139.

وفيه: إنّ مورد تلك النصوص مجهولُ المالك الذي تكون ولايته منتقلة عن مالكه إلى اللّه تعالى ، كما يشير إليه التعليل المذكور، والتعدّي عنه إلى ما عُلم مالكه قياسٌ مع الفارق، مع أنّك عرفت أنّ التعليل من جهة أنّ المراد من الخُمس الواقع فيه، هو الخُمس المعهود يعدّ تعبّديّاً محضاً، فلا وجه للتعدّي عن مورده.

واستدلّ للثاني: بعموم ما دلّ على (أنّ القُرعة لكلّ أمرٍ مشكل).

وفيه: - مضافاً إلى أنّه إنّما يرجع إليه مع عدم انحلال العلم الإجمالي، وستعرف أنّه منحلٌّ - أنّه لكثرة ورود التخصيص عليه، وموهونيّة أصالة العموم فيه، بحدٍّ لايمكن الرجوع إليها، لا يُعتمد عليه إلّافي موارد عمل الأصحاب واعتمادهم على القُرعة، وليس المورد منها، كما لايخفى .

واستدلّ للثالث: بأنّ الزائد المشكوك فيه مالٌ مردّدٌ بين شخصين، لا طريق إلى إحراز كونه لأحدهما، فيتعيّن صلح الإجبار.

وفيه: ما سيجيء في بيان المختار، وهو أنّ العلم الإجمالي باشتمال المال على الحرام، لكون المعلوم مردّداً بين الأقلّ والأكثر، لا محالة ينحلّ إلى العلم بكون الأقلّ للغير، والشكّ في الزائد عليه، فيجبُ رَدّ الأقلّ إليه، وأمّا الزائد المشكوك فيه، فيرجع فيه إلى ما تقتضيه قاعدة اليد، من كونه مِلْكاً لصاحب اليد، بناءً على ما هو الحقّ من انحلال العلم الإجمالي في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، وجريان الأصل النافي للتكليف أو الأمارة النافية في الأكثر بلا معارض.

ودعوى: أنّ يده على المجموع بما أنّها عادية، فجريان يده عليه غير مجدٍ.

مندفعة: بأنّ يده على المقدار الأقلّ عادية، والزائد عليه لم يَثبُت كونها كذلك، فيُحكم بملكيّته له بمقتضى قاعدة اليد.

وأيضاً دعوى : عدم جريان قاعدة اليد، فيما إذا كان للشخص يدٌ على عينٍ ، وإنّما تختصّ حجّيتها بيد الغير عند الشكّ في ملكيّته.

ص: 153

مندفعة: بما حقّقناه في محلّه من أنّها حجّة مطلقاً للسيرة والنصوص، وتمام الكلام في محلّه(1).

هذا إذا كان المال في يده، وإلّا فمقتضى أصالة البراءة، وإنْ كان عدم وجوب رَدّ المشكوك فيه إلى الغير، إلّاأنّه لا يثبت بها كونه مالكاً له، وحينئذٍ قد يحتمل لزوم التوزيع والتنصيف لقاعدة العدل والإنصاف المصطادة من النصوص الواردة في الموارد الخاصّة.

وفيه: أنّ استفادة قاعدة كليّة منها في غاية الإشكال، والقرعة قد عرفت ما فيها، فيتعيّن أن يُصالحهما الحاكم، أو يجبرهما على الصلح، والأحوط أنْ يكون الصلح بالمتوسّط بين الطرفين.

وأخيراً: ممّا ذكرناه ظهر ضعف القولين الآخرين، وانقدح أنّ الأوجه فيما إذا كان المال في يده، الإكتفاء بدفع الأقلّ المعلوم إلى الغير، وإذا لم يكن في يده ذلك، هو المعاملة مع المقدار المشكوك فيه معاملة المال المردّد بين شخصين من إجبارهما الحاكم على الصلح، أو التولّي بنفسه له بالمتوسّط بين الطرفين.

نعم، ما ذكرناه من وجوب دفع الأقلّ ، لابدّ من تقييده بتولّي الحاكم للقسمة أو إجباره له على ذلك، فإنّه لا ولاية لذي اليد عليها حتّى يحلّ الباقي له إنْ امتنع عنها بعد الحكم بها.

الصورة الرابعة: ما إذا علم مقدار الحرام ومالكه، وحكمها واضحٌ ممّا سبق ذكره وهو وجوب دفعه إليه.

***).

ص: 154


1- راجع الجزء السادس من زبدة الاُصول عند البحث عن قاعدة اليد: (يد الشخص نفسه حجّة على الملكيّة).

إذا كان كلّ من المالك والمقدار مجهولاً

إذا كان كلّ من المالك والمقدار مجهولاً

مسائل:

المسألة الأُولى: لو كان قدر المال الحرام مجهولاً تفصيلاً، ومالكه مجهولاً كذلك، ولكن علم إجمالاً زيادته على الخُمس:

فهل هو خارجٌ عن مورد أخبار الخُمس كما في «الجواهر»(1) و «رسالة» شيخنا المرتضى(2) «ومصباح الفقيه»(3)؟

أم يكفي إخراج الخُمس في حليّة الباقي، كما هو ظاهر فتاوى المشهور، وصريح «المناهل»(4) و «العروة»(5)؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بما في «الجواهر»(6) من لزوم الاكتفاء بالخُمس لحِلّ ما عُلم من ضرورة الدين خلافه.

2 - وبما في «رسالة» شيخنا المرتضى رحمه الله(7) من أنّ ظاهر التعليل: (بأنّ اللّه قد رَضي من ذلك المال بالخُمس) كفاية الخُمس عن الزائد الواقعي، لو ثبت في المال لا

ص: 155


1- جواهر الكلام: ج 16/74.
2- كتاب الخُمس: ص 265.
3- مصباح الفقيه: ج 3/139.
4- حكاه عن المناهل الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 264.
5- العروة الوثقى: ج 4/257 (ط. ج).
6- جواهر الكلام: ج 16/74.
7- كتاب الخُمس: ص 265.

المعلوم، وبه يقيّد إطلاق النصوص.

3 - وبما في «مصباح الفقيه»(1) بأنّ النصوص لاشتمالها على التعليل، لا تشمل صورة العلم إجمالاً بكون الحرام أقلّ من الخُمس، كما سيأتي تقريبه، وحيث أنّ التفكيك بين هذه الصورة، وبين صورة العلم بالزيادة لا يخلو عن بُعدٍ، فتلك الصورة أيضاً خارجة عن مورد النصوص.

4 - وبانصراف النصوص عن مثل الفرض، لاسيّما بملاحظة استبعاد التحليل للحرام المعلوم.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ولاية الخليط بما أنّها انتقلت عن مالكه إلى اللّه تعالى - كما هو صريح التعليل - فرضاه بالخُمس منه، لا يلزم منه تحليل ما عُلم من ضرورة الدين خلافه، مع أنّ أصل تشريع الخُمس يعدّ في نفسه مخالفاً لذلك، كما لا يخفى ، فهذا لا يكون مانعاً عن العمل بالإطلاق.

وأمّا الثاني: فلأنّ التعليل بإطلاقه يشمل ما لو علم زيادته.

وأمّا الثالث: - فمضافاً إلى ما سيأتي من عدم دلالة التعليل على خروج صورة العلم بالنقيصة عن إطلاق النصوص - أنّ التفكيك بينهما لا مانع منه بعد مساعدة الدليل، مع أنّ المحقّق الهمداني رحمه الله لا يُسلّم دلالة ما تضمّن التعليل على هذا الحكم، ويراه أجنبيّاً عن ذلك، فكيف يستدلّ بالتعليل ويلتزم بتقييد إطلاق سائر النصوص به.9.

ص: 156


1- مصباح الفقيه: ج 3/139.

وأمّا الرابع: فلأنّ الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق ممنوعٌ .

وعليه، فالأوجه هو الاكتفاء بإخراج الخُمس في الفرض، ولو علم كونه أقلّ من الخُمس، ففيه الوجهان المتقدّمان.

أقول: واستدلّ لعدم شمول النصوص لهذه الصورة، بأنّ الظاهر من التعليل وروده في مقام التخفيف والإرفاق، فلا يناسبه الالزام بالأكثر.

وفيه: أنّه يمكن أنْ يكون التخفيف بلحاظ أنّ الخليط المجهول مالكه، أوجب عدم جواز التصرّف في جميع المال، فبعد انتقال ولايته عن المالك إلى اللّه تعالى ، رَضي عزّ وجلّ بإخراج الخُمس في حليّة الباقي، فالأظهر كون هذه الصورة أيضاً مشمولة لأخبار الخُمس.

وعلى فرض تسليم عدم شمولها لهاتين الصورتين، المتعيّن فيهما لزوم التصدّق بالمتيقّن على القول بانحلال العلم الإجمالي عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، كما هو الصحيح، أو بما يتيقّن معه بالبراءة على القول بعدم الانحلال في أمثال المقام، كما اختاره المحقّق الهمداني(1).

وأمّا القول بوجوب دفع الجميع خُمساً، أو صرف خُمسه في مصرف الخُمس، والزائد صدقةً ، فضعيفٌ غايته.

***9.

ص: 157


1- مصباح الفقيه: ج 3/139.

حكم العلم بمقدار الحرام مع الجهل بصاحبه

حكم العلم بمقدار الحرام مع الجهل بصاحبه

المسألة الثانية: إذا علم قدر المال الحرام، ولم يعلم صاحبه بعينه ولكن عرفه في عددٍ محصور، فلا إشكال في عدم كون المورد مشمولاً لأخبار الخُمس، لاختصاصها بصورة الجهل بالمقدار، وحينئذٍ:

1 - فهل يجبُ إجراء حكم مجهول المالك عليه ؟

2 - أو يجب استخراج المالك بالقرعة ؟

3 - أو يجب توزيع ذلك المقدار عليهم بالسَّوية ؟

4 - أو يجب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجهٍ كان ؟ وجوهٌ وأقوال:

استدلّ للأوّل: بالنصوص الدالّة على لزوم التصدّق بما لم يعلم صاحبه.

وفيه: أنّها مختصّة بما إذا لم يمكن إيصال المال إلى صاحبه.

وبعبارة اُخرى : إنّ تردّد المالك بين افراد غير محصورين يوجب عدم شمول النصوص المذكورة لهذا الفرض.

واستدلّ للثاني: بعموم ما دلّ على (أنّ القرعة لكلّ أمرٍ مشكل).

وفيه: ما تقدّم في الصورة الثالثة من صور الحرام المخلوط بالحلال، من عدم صحّة التمسّك بتلك النصوص، كما أنّه تقدّم أنّ إثبات قاعدة العدل والإنصاف في غاية الإشكال.

ومنه يظهر ما يمكن أنْ يستدلّ به للثالث، وما فيه.

أقول: فالصحيح في المقام هو:

ص: 158

1 - أنّ يده على مال الغير إنْ كانت يداً عدوانيّة، فمقتضى العلم الإجمالي بوجوب الرّد إلى مالكه، الثابت بحديث على اليد(1)، وجوب التخلّص من الجميع، ولو بإرضائهم بأيّ وجهٍ كان.

والاستشكال فيه: بأنّ ذلك ضررٌ منفيٌّ بالأدلّة.

مندفع: بأنّه لكونه مقدّماً في ذلك، لا يصحّ التمسّك بالأدلّة النافية للضرر، كما لو فرض أنّ اللَّص سَرَق مِنْ مال شخصٍ شيئاً، ثمّ أراد ردّه إليه، وتوقّف ذلك على مصارف، فإنّه لا يمكن نفي وجوب ردّه إليه بقاعدة (لا ضرر).

2 - وإنْ لم تكن يده عليه عدوانيّة، كما لو أودعه المالك، فتردّد بين عددٍ محصور، فإنّه لا مورد للرجوع إلى قاعدة اليد، لأنّ ذلك ضررٌ منفيّ بالأدلّة، ولا نفي الضرر في حقّ المالك، لأنّ المختار عند دوران الأمر بين ضرر الشخص وضرر غيره في أمثال المقام، ليس هو التساقط، والرجوع إلى القواعد، فإنّ إلزام الشخص بتحمّل الضرر بدفع ما به يدفع الضرر عن الغير، بلا مُلزمٍ ، كما حقّقناه في «حاشيتنا على الكفاية»(2).

وعليه فيتعيّن دفع ذلك المقدار إلى الحاكم، ويعامل هو معه معاملة مالٍ مردّد بين أشخاص، وقد عرفت المختار في حكمه في الصورة الثالثة. فراجع.(3)

وبالجملة: بما ذكرناه يظهر حكم ما لو لم يعلم قدر المال، لكن عرف وجود صاحبه بين عددٍ محصور، فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ - على ما هو الحقّ من انحلال العلم الإجمالي عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر - يجري فيه ما ذكرناه في المقام، بناءً د.

ص: 159


1- سنن البيهقي: ج 6/90، كنز العمّال: ج 5/257 الرقم 5197.
2- هذه الحاشية لا زالت مخطوطة لم تطبع.
3- صفحة 152 من هذا المجلّد.

على ما هو الصحيح من اختصاص نصوص الخُمس بصورة عدم العلم بالمالك، ولو إجمالاً، كما هو الظاهر منها. ولكن هذا فيما إذا كانت يده على جميع المال، وإلّا فبالنسبة إلى الزائد على الأقلّ المشكوك كونه له أو لغيره، يكون المالك كأحد الأفراد الذين يكون المال مردّداً بينهم، فيجري فيه ما ذكرناه.

***

ص: 160

ثبوت حقّ الغير في الذّمة

ثبوت حقّ الغير في الذّمة

المسألة الثالثة: إذا كان الثابت في الذّمة حقّ الغير لا عين ماله، فلا محلّ للخُمس، لإختصاص النصوص بالمختلط غير الشامل للذّمي، فإنّ ما في الذّمة كُلّيٌ لا معنى للاختلاط فيه، وحينئذٍ:

أوّلاً: إنْ علم جنسه ولم يعلم صاحبه تصدّق به عنه على المشهور.

وتشهد له:

1 - النصوص(1) الواردة في الموارد المتفرّقة، حيث يُستنبط منها أنّ حكم المال مجهول المالك هو التصدّق.

2 - وصحيح معاوية: «فيمن كان له على رجلٍ حقٌّ ففقده، ولا يدري أينَ يطلبه، ولا يدري حَيٌّ هو أم ميّت، ولا يعرف له وارثاً ولا نَسَباً ولا ولداً؟

قال عليه السلام: اطلب، قال: إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به ؟ قال عليه السلام: اطلب»(2).

لا لما قيل من ظهوره في الصَّدقة، فإنّ إرادة الصَّدقة من الطلب كما ترى ، بل الظاهر من (اطلب) أنّه لرجاء إيصاله إليه، بل لأنّ الظاهر منه أنّه كان هذا الحكم - وهو لزوم التصدّق به عند اليأس عن إيصاله إليه - مغروساً في ذهن السائل، وكان يسأل عن أنّ هذا المقدار من الطلب هل يكفي أم لا، وقد قرّره الإمام عليه السلام على ذلك، ولكن أمره بالطلب رجاء الوقوف عليه وإيصاله إليه.

3 - المرسل الذي رواه الشيخ الصدوق في «الفقيه»: «إنْ لم تجد وارثاً، وعرف

ص: 161


1- وسائل الشيعة: ج 25/441 الباب 2 وص 450 الباب 7 و: ج 17/199 الباب 47 وج 26/296 الباب 6.
2- الكافي: ج 7/153 ح 2، وسائل الشيعة: ج 26/297 ح 33031.

اللّه منك الجَهد فتصدّق بها»(1).

ولابدَّ وأنْ يكون ذلك بإذن الحاكم، إذ لا إطلاق لما تضمّن الأمر بالصدقة، فلابدّ من الاقتصار على المتيقّن.

مع أنّه يمكن دعوى الأولويّة من المال الختلط أو المتميّز الخارجي، الذي دلّ الدليل على لزوم كون التصدّق بإذن الحاكم، كما لا يخفى .

وثانياً: إنْ علم صاحبه في عددٍ محصور:

فإنْ كان ثبوته في ذمّته بغير وجهٍ مُجازٍ شرعي، وجب عليه التخلّص من الجميع، ولو بإرضائهم.

وإنْ كان على وجهٍ شرعي، فيعامل مع ما في ذمّته معاملة المال المردّد بين عدد محصور، الذي تقدّم حكمه في المسألة السابقة، وتقدّم في تلك المسألة ضعف القول بالتوزيع والقرعة، وغيرهما. فراجع.(2)

وثالثاً: إنْ علم جنسه ولم يعلم مقداره، بأنْ تردّد بين الأقلّ والأكثر، أخذ بالأقلّ المتيقّن، لانحلال العلم الإجمالي بالعلم بضمان الأقلّ ، والشكّ في ضمان الزائد، فتجري أصالة البراءة عن ضمانه، وحُكم الأقلّ حينئذٍ حكم ما علم جنسه ومقداره. فراجع.(3)

ورابعاً: إنْ لم يعلم جنسه، وكان قيميّاً:

فإنْ كان ثبوته في الذّمة بسبب الإتلاف، وشبهه، وقلنا فيه بأنّه تثبت في الذّمة حينئذٍ القيمة، فحكمه حكم سابقه بل هو هو.د.

ص: 162


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4/211 ح 5490، وسائل الشيعة: ج 26/301 ح 33040.
2- صفحة 158 من هذا المجلّد.
3- صفحة 153 من هذا المجلّد.

وإنْ كان ثبوته فيها لذلك، وقلنا فيه بأنّه يثبت في الذّمة نفس الجنس القيمي، أو كان ثبوته فيها بسبب عقدٍ من العقود، وجب الاحتياط إنْ كان ذلك على وجهٍ غير شرعي، وإلّا فيتعيّن الصلح مع المالك، لما في الذّمة عند العلم به، ومع الجهل فمع الحاكم، لأنّ له الولاية على الفقراء كما يظهر ممّا أسلفناه.

وبه يظهر حكم ما لو كان مثليّاً. واللّه العالم.

***

ص: 163

لو تبيّن المالك بعد إخراج الخُمس

لو تبيّن المالك بعد إخراج الخُمس

المسألة الرابعة: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخُمس، فهل يكون الدافع ضامناً كما عن «البيان»(1) و «الروضة»(2)؟

أم لا، كما عن «المدارك»(3)، و «الذخيرة»(4)، وغيرهما(5)؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بقاعدة اليد الثابتة بالحديث المشهور(6).

2 - وبأنّه قد أتلف مال الغير فهو له ضامن، والاذن في إخراج الخُمس إنّما يقتضي دفع الإثم لا الضمان.

3 - وبما(7) ورد في التصدّق باللُّقطة إذا لم يرض صاحبها بالأجر.

4 - وبأنّ الحكم بإخراج الخُمس، وحليَّة الباقي مشروطٌ بعدم ظهور صاحبه، كما هو الشأن في جميع الأحكام المترتّبة على الموضوعات.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ قاعدة اليد لا مجال للرجوع إليها بعد فرض أمر الشارع لزوماً بدفع الخُمس، والتعليل بأنّه قد انتقل ولاية الخليط عن المالك مع الجهل به إلى اللّه

ص: 164


1- البيان: ص 218.
2- شرح اللّمعة: ج 2/68.
3- مدارك الأحكام: ج 5/389.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/484.
5- غنائم الأيّام: ج 4/351.
6- سنن البيهقي: ج 2/90، كنز العمّال: ج 5/257 ح 5197.
7- تهذيب الأحكام: ج 6/389 باب 94 باب اللُّقطة، وسائل الشيعة: ج 25/441 الباب 2.

تعالى، وأنّه عزّ وجلّ قد رضى بذلك، لأنّ إخراج الخُمس حينئذٍ إنّما يكون مراضاةً بين مالك الحلال وبينه تعالى .

وبذلك يظهر ما في الوجه الثاني.

وأمّا الثالث: فستعرف أنّه لا يتعدّى عن مورده إلى سائر أقسام مجهول المالك، الذي حكمه الصَّدقة، فضلاً عمّا حكمه إخراج الخُمس.

وأمّا الرابع: فلأنّ هذا الحكم ليس حكماً ظاهريّاً، إذ الحكم الظاهري إنّما يكون فيما احتمل مطابقته للواقع، وهذا الحكم المعلوم كونه مخالفاً للواقع، لابدّ وأنْ يكون حكماً واقعيّاً ثانويّاً، والقاعدة تقتضي الإجزاء ولو مع انكشاف الحال، كما هو مقتضى إطلاق الأدلّة.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم الضمان.

***

ص: 165

حكم خلط الحرام المجهول مالكه

حكم خلط الحرام المجهول مالكه

المسألة الخامسة: إذا كان الحرام المجهول مالكه معيّناً، وتنجّز التكليف بالتصدّق به، فخلطه بالحلال، فهل يبقي على حكمه من التصدّق ؟

أم يُجزيه إخراج خُمسه ؟ وجهان:

اختار أوّلهما الشيخ الأعظم(1)، والسيّد في «العروة»(2)، وتبعهما جماعة(3)، وثانيهما صاحب «الجواهر»(4) رحمه الله وشيخه(5).

واستدلّللأوّل: بأنّه من حيث أنّمالكه الفقراءقبل التخليط، فهو كمعلوم المالك.

وبعبارة اُخرى : موضوع وجوب الخُمس مركّبٌ من أمرين: الجهل بالمقدار، والجهل بمالكه، وفي الفرض قبل التخليط، وإنْ كان مجهول المالك، إلّاأنّه من جهة الحكم بالتصدّق به على الفقراء، أصبح معلوم المالك، وبعد التخليط وإنْ كان مجهول المقدار، إلّاأنّه معلوم المالك، فلم يجتمع القيدان في وقتٍ واحد، كي يترتّب عليه وجوب الخُمس.

أقول: وبهذا التقريب ظهر أنّ ما أورده بعض الأعاظم(6) على هذا الوجه، بأنّ الغالب في الاختلاط، كونه بعد التمييز، والتمييز كما يكون مع العلم بالمالك، يكون مع

ص: 166


1- كتاب الخمس: ص 267.
2- العروة الوثقى: ج 4/266 (ط. ج).
3- كتاب الخُمس السيّد الخوئي، الأوّل: ص 168.
4- جواهر الكلام: ج 16/76-77.
5- كشف الغطاء: ج 2/361.
6- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/503.

الجهل به، فتخصيص النصوص بغير الفرض غير ظاهر.

غَير سديدٍ، إذ وجه الاستشكال في الشمول، إنّما هو عدم اجتماع القيدين في وقتٍ واحد، لا كون الاختلاط بعد التمييز.

وأيضاً: ما ذكره سابقاً وذكره في المقام في ردّ هذا الوجه، وحاصله:

أنّ موضوع النصوص، هو ما جَهل مالكه الأصلي، فيشمل الفرض.

فيندفع بكونه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من كونه مجهول المالك، هو ما جُهل مالكه الفعلي كما هو ظاهر.

فالصحيح في الجواب عنه: أنّ الأمر بالتصدّق ظاهرٌ في عدم كون الفقير مالكاً قبل التصدّق، ولو كان واجباً، وليس من قبيل دفع المال إلى صاحبه، بل من قبيل دفع ما فيه حقّ الغير إليه، كما لا يخفى .

وعليه، ففي الفرض - بعد التخليط - يكون القيدان مجتمعين، لأنّه مجهول المقدار والمالك، فيترتّب عليه حكمه، وهو الإجتزاء بالخُمس.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّه قبل التصدّق يكون من يَجبُ دفع مقدارٍ من المال إليه معلوماً، فهو كمعلوم المالك.

ولكن يمكن دفعه: بأنّ الدفع إلى قبيل أو شخص:

تارةً : يكون واجباً ابتداءً كما في الخُمس والزكاة.

واُخرى : يكون واجباً من حيث كون المال مجهول المالك.

وما ذُكر يتمّ في الأوّل دون الثاني، كما لا يخفى .

المسألة السادسة: لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخُمس أو الزكاة أو الوقف، فهو كمعلوم المالك، كما عن جماعة من المتأخّرين منهم صاحب

ص: 167

«الجواهر»(1) رحمه الله، والشيخ الأعظم(2)، لأنّ الخُمس وإخوته:

إمّا أنْ تكون مِلْكاً لأربابها.

أو تكون من الحقوق الماليّة المتعلّقة بالأعيان.

أمّا على الأوّل: فواضحٌ لما ذكرناه، إذ لا فرق بين كون المالك شخصاً خارجيّاً، أم عنواناً كليّاً قابلاً للانطباق على جماعة.

وأمّا على الثاني: فحيثُ أنّ من يجب دفع مقدار من المال إليه معلومٌ ، فهو كمعلوم المالك، ولا يكون داخلاً تحت عنوان مجهول المالك الذي يكون حكمه التخميس أو التصدّق، ولو لم يعلم كون الخليط من الزكاة أو الخُمس، فهو كالمال المتردّد بين مالكين، فلابدَّ من التوزيع عليهما بمقتضى قاعدة العدل والإنصاف.

***7.

ص: 168


1- جواهر الكلام: ج 16/77.
2- كتاب الخمس: ص 267.

حكم التصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخُمس

حكم التصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخُمس

المسألة السابعة: لو تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخُمس:

1 - فإمّا أنْ يكون ذلك بالإتلاف.

2 - أو يكون بالتبديل والمعاملة.

وعليه، فالكلام يقع في مقامين:

الأوّل: في الإتلاف، وفيه قولان:

القول الأوّل: إنّه يبقى على حكمه من لزوم إخراج خُمسه، وينتقل الخُمس إلى الذّمة، وقد اختاره صاحب «الجواهر»(1)، والشيخ الأعظم رحمه الله(2).

القول الثاني: إنّه يجري عليه حكم رَدّ المظالم، وهو وجوب التصدّق، وقد اختاره جماعة(3).

وتوقّف في الإفتاء المحقّق الهمداني رحمه الله(4).

أقول: والأقوى هو الأوّل، لأنّ الخليط المجهول مالكه:

1 - إمّا أن لا يكون باقياً على مِلْك مالكه الأصلي ويكون خارجاً عنه.

2 - أو يكون باقياً عليه.

وعلى الأوّل: إمّا أنْ يكون داخلاً في مِلك اللّه تعالى ، أو يكون خُمس المجموع

ص: 169


1- كتاب الجواهر: ج 12/76.
2- كتاب الخمس: ص 568.
3- مجمع الفائدة: ج 10/460، وحكاه صاحب غنائم الأيّام في: ج 4/345 عن المجلسيّين.
4- مصباح الفقيه: ج 3/140.

داخلاً في مِلْك أرباب الخُمس.

والأظهر وإنْ كان هو الأخير - إذ الظاهر من الأدلّة من جهة إطلاق الحرام المختلط بالحلال ذلك، ولا ينافيه تعلّق الخُمس به، لما حقّقناه في محلّه من أنّ الخُمس المتعلّق بالشيء إنّما يكون حقّاً ماليّاً متعلّقاً به، لا أنّه مِلْكٌ لأربابه - إلّاأنّه على جميع التقادير لا وجه لإجراء حكم رَدّ المظالم عليه.

أمّا على الثاني: فواضحٌ .

وأمّا على الأخير: فلأنّ الحرام حينئذٍ غير محكوم بإيصاله إلى مالكه، بل جَعَل الشارع دفع خُمس المجموع مبرّءاً للذّمة، بدلاً عن إيصال المال إلى صاحبه، فإذا ثبت هذا الحكم له، فبالإتلاف لا تقتضي قاعدة اليد، سوى الخروج عن عُهدة الحرام بما جعله الشارع مُخرجاً لا بغيره، وليس هو إلّادفع خُمس المجموع، فالحرام المنتقل إلى الذّمة، إنّما ينتقل إليها مع هذا الوصف والحكم، فلا وجه لدعوى إجراء حكم مجهول المالك عليه.

أقول: وبهذا البيان يندفع ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله(1) القائل بأنّ :

(تعلّق الخُمس بهذا القسم ليس على حسب تعلّقه بسائر ما يتعلّق به الخُمس، في كونه حقّاً فعليّاً لبني هاشم، بل الحرام الممتزج به مِلْكٌ لصاحبه، ولكن الشارع جَعَل تخميس المال بمنزلة إيصال ما فيه الحرام إلى أهله، في الخروج عن عهدته، وسببيّته لحلّ الباقي، وقضيّة ذلك اشتغال ذمّته لدى التصرّف فيه وإتلافه، بما فيه من مال الغير لمالكه، فيُشكل الفرق حينئذٍ بينه وبين الحرام المتميّز الذي أتلفه0.

ص: 170


1- مصباح الفقيه: ج 3/140.

وجهل مقداره). انتهى .

وجه الاندفاع: ما عرفت من عدم التنافي بين صدق الحرام المختلطبالحلال، مع تعلّق الخُمس به كسائر الموارد التي يتعلّق بها الخُمس، فلا صارف لظهور مصحّح عمّار الدالّ على أنّ التعلّق في الجميع على نحوٍ واحد، وأنّ تعلّق الخُمس يوجبُ تبدّل ما تكون قاعدة (على اليد) مقتضية لدفعه إبراءً للذمّة إلى شيء آخر، وهو دفع الخُمس. فلاحظ وتأمّل.

وأمّا إذا تصرّف فيه بالمعاوضة، كما إذا باعه مثلاً، فالظاهر عدم صحّة المعاملة، وكونها بالنسبة إلى مقدار الحرام فضوليّة، ولكن بما أنّ ولاية ذلك الحرام تكون مع الحاكم، فله إجازة المعاملة، فإنْ أجازها صار الثمن مختلطاً بالحرام، والمثمن مِلْكاً للمشتري، وإلّا فالمثمن مشتركٌ بين المشتري وبين مالكه الأصلي المجهول وحكمه التخميس، والثمن مشتركاً بين البائع والمشتري بمقدار الحرام، وذلك لأنّ مقداراً من المثمن ملكٌ للغير الذي يكون الحاكم وليّاً عليه، من جهة انتقال ولاية ماله إلى اللّه تعالى ، كما هو مفاد النصوص.

ولا يجري في هذه المعاملة ما ذكرناه في مبحث أرباح المكاسب(1) من تصحيح المعاملة مع المال الذي فيه الخُمس في صورة قصد الأداء من مالٍ آخر، إذ فرقٌ بين البابين، حيث أنّ المانع عن صحّة المعاملة ونفوذها هناك، ليس إلّاتعلّق حقّ الغير به، وأمّا المال فهو بتمامه للبائع بناءً على ما هو الحقّ من أنّ تعلّق الخُمس إنّما يكون من قبيل تعلّق الحقّ ، لا أنّ الخُمس مِلْكٌ لأربابه.

وأمّا في المقام، فمع قطع النظر عن تعلّق هذا الحقّ ، يكون مقدار من المال مِلْكاًد.

ص: 171


1- راجع صفحة 83 من هذا المجلّد.

لغير البائع، وهو مقدار الحرام، فلا سبيل إلى القول بصحّة البيع ونفوذه حتّى مع قصد الأداء من مالٍ آخر، إذ قصد ذلك غايته أنّه يوجب انتقال حقّ أرباب الخُمس إلى الذّمة أو الثمن، وأمّا صيرورته موجبةً لانتقال الملك عن مالكه إلى البائع، فممّا لم يدلّ عليه دليل.

وأخيراً: بما ذكرناه ظهر ضعف ما ذكره بعض الأعاظم(1) - من أنّ عدم الصحّة إنّما يكون حيثُ لا يجوز له التصرّف فيه، وإلّا انتقل الخُمس إمّا إلى الذّمة أو إلى الثمن على ما سيأتي - لما عرفت من الفرق الواضح بين البابين.

***6.

ص: 172


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/506.

ويُعتبر في المعادن.

البحث عن شرائط وجوب الخُمس نصاب المعدن

يقول المصنّف رحمه الله: (ويُعتبر) في وجوب الخُمس (في المعادن) بلوغ ما يخرج منها قيمة عشرين ديناراً، كما عن الشيخ في «المبسوط»(1)، و «النهاية»(2)، وابن حمزة في وسيلته(3)، ووافقهما جماعة من المتأخّرين(4)، ونسبه سيّد «المدارك»(5) إلى عامّتهم.

والمشهور بين قدماء أصحابنا(6): أنّه يجبُ الخُمس فيها مطلقاً، سواءٌ أكان الخارج منها قليلاً أو كثيراً، وأنّه لا يعتبر فيها النصاب.

وعن الشيخ في «الخلاف»(7)، والحِلّي في «السرائر»(8): دعوى الإجماع عليه.

وعن أبي الصَّلاح الحلبي(9): اعتبار بلوغه ديناراً واحداً.

ص: 173


1- المبسوط: ج 1/237.
2- النهاية: ص 197.
3- الوسيلة: ص 138.
4- المعتبر: ج 2/626، مختلف الشيعة: ج 3/319..
5- مدارك الأحكام: ج 5/365.
6- المقنعة: ص 276، رسائل المرتضى: ج 1/226، المراسم العلويّة: ص 139، حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/318 عن ابن الجُنيد وابن عقيل.
7- الخلاف: ج 2/116-117.
8- السرائر: ج 1/488-489.
9- الكافي للحلبي: ص 170.

ويشهد للقول الثاني: إطلاق أدلّة وجوب الخُمس في المعدن.

واستدلّ للأوّل: بصحيح البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «عمّا أُخرج من المعدن من قليلٍ أو كثير هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً»(1).

والإيراد عليه: بأنّ المحكيّ عن الشافعي في أحد قوليه، وغيره من العامّة، وجوب الزكاة في معدن الذهب والفضّة، وعليه فيحتمل أنْ يكون غرض السائل السؤال عن ثبوت الزكاة فيه، فأجابه عليه السلام بأنّه لا زكاة فيه مالم يبلغ نصابها.

فهو أجنبيٌّ عن المقام، غير واردٍ، لأنّ المحكيّ عن أبي حنيفة ثبوت الخُمس في المعدن، وحيثُ أنّ مذهب أبي حنيفة أشهر المذاهب في زمانه، فلا يحتمل عدم احتمال السائل ثبوت الخُمس فيه، وتمحّض السؤال في ثبوت الزكاة، فلا محالة يكون السؤال عامّاً لهما، مع أنّ السؤال وإنْ كان خاصّاً، لكن جوابه عليه السلام عام يشملهما معاً، والعبرة إنّما هو بعموم الجواب.

وأيضاً: المناقشة فيه بأنّ تنزيل بعض نصوص الباب على ما إذا بلغ ما في المعدن عشرين ديناراً، لا يخلو عن بُعدٍ، فإنّ الملح المتّخذ من الأرض السَّبخة، الذي صرّح عليه السلام في صحيح ابن مسلم بوجوب الخُمس فيه، قلّما يتّفق حصول مثل هذا الفرض فيه.

في غير محلّها، إذ الغالب فيمن شغله الملاحة بلوغ ما أخرجه من معدنه هذا الحَدّ.8.

ص: 174


1- تهذيب الأحكام: ج 4/138 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/494 ح 12568.

أقول: ولكن الذي يوجب التوقّف في العمل بالصحيح، إعراض قدماء أصحابنا قاطبةً عنه، وعدم عملهم به، وحيث أنّ الرواية صحيحة، وهي بمرأى ومنظرٍ منهم، ومع ذلك لم يعملوا بها، فلا محالة يوجب ذلك وهنها، وعدم صحّة الاستدلال بها. أمّا اعتماد مثل الشيخ وابن حمزة والمتأخّرين عليه، فلا يوجب تقويتها، وإنْ كان يوجب التوقّف في الإفتاء، وطريق الاحتياط واضح، واللّه العالم.

واستدلّ للقول الثالث: بخبر البزنطي، عن محمّد بن على بن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سألته عمّا يُخرج من البحر من اللّؤلؤ والياقوت والزَّبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة، هل فيها زكاة ؟

فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخُمس»(1).

وعن الصدوق(2) مرسلاً عن الإمام الكاظم عليه السلام نحوه.

أقول: وأجابوا عنه بأُمور:

الأمر الأوّل: ما عن الشيخ في «التهذيب»(3) من أنّه إنّما يتناول حكم ما يخرج من البحر لا المعادن، وهو ما استبعده في «المدارك»(4).

وأجاب عنه المحقّق الهمداني رحمه الله:(5) انتصاراً للشيخ بأنّ معدن الذهب والفضّة وإنْ وقع التصريح به في السؤال، إلّاأنّ مورد السؤال بما أنّه متعدّدٌ، وأجاب عنه الإمام عليه السلام بجوابٍ واحد شاملٍ للجميع، فلا محالة يكون الجواب عامّاً قابلاً2.

ص: 175


1- الكافي: ج 1/547 ح 21، وسائل الشيعة: ج 9/493 ح 12565.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/39 ح 1644.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/139.
4- مدارك الأحكام: ج 5/366.
5- مصباح الفقيه: ج 3/112.

للتخصيص، فيخصّص الخبر بصحيح البزنطي المتقدّم، ممّا يوجب تخصيصه بما يخرج من البحر.

وفيه: إنّ الجواب بنحو العموم إنّمايكون نصّاً فيمالو وقع التصريح به بمصاديقه في السؤال، ليكون بالنسبة إليه بمنزلة الخاص، وأمّا بغيره فلا يصحّ تخصيصه.

الأمر الثاني: ما عن جماعةٍ منهم المحقّق الهمداني(1) رحمه الله من أنّ الخبر ليس نصّاً في الوجوب، نعم ظاهره ذلك، فترفع اليد عنه في بعض موارده، أي معادن الذهب والفضّة بالنّص، وهو صحيح البزنطي، ولا محذور فيه، فتكون النتيجة استحباب إخراج الخُمس إذا بلغ قيمته ديناراً في المعدن، ووجوبه فيما يخرج من البحر في الفرض.

وفيه: أنّ مناط حمل الظاهر على النَّص، والجمع العرفي، هو أنّه لو فرض اجتماع الخبرين، وصدورهما من شخص واحد في مجلس واحد، يرى العرف أحدهما قرينةً على الآخر، وإلّا فإنْ لاحظوا التهافت بينهما يكون الجمع المزبور جمعاً تبرّعيّاً لا عرفيّاً.

وفي المقام إذا جمعنا قوله عليه السلام في الخبر: (إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخُمس) مع قوله عليه السلام في الصحيح: (ليس فيه شيءٌ حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً) لا محالة لا يرى العرف قوله في الصحيح قرينةً لصرف الخبر عن ظاهره، كما لا يخفى ، بل بما أنّ المراد بالشيء في قوله عليه السلام: (ليس فيه شيء) ليس هو خصوص الخُمس، بل هو شاملٌ للزكاة أيضاً، فالجمع العرفي يقتضي تقييد إطلاقه بالخبر،2.

ص: 176


1- مصباح الفقيه: ج 3/112.

وحمله على خصوص الزكاة.

الأمر الثالث: ما ذكره المحقّق الهمداني(1) رحمه الله من أنّه يمكن أنْ يكون الدينار في الواقع سبباً لثبوت الخُمس، ولكن الإمام عليه السلام وسّع على النّاس، وجعلهم في حِلٍّ من ذلك، ولم يكلّفهم بشيءٍ ما لم يبلغ عشرين ديناراً، فالخبر لايصلح أنْ يكون معارضاً للصحيح.

وفيه: أنّ الظاهر من الصحيح وروده في مقام بيان الحكم الشرعي، لا التحليل المالكي.

الأمر الرابع: ما عن بعض المحقّقين رحمه الله من أنّ في الخبر اضطراباً، فالسؤال لا يخلو:

إمّا أنّه مشتملٌ على الأمرين، فأجابه عليه السلام بالدينار والعشرين فاشتبه الأمر على الراوي، ونسي ذكر الثاني.

وإمّا ما كان مختصّاً بما يخرج من البحر، فاشتبه الأمر عليه في النقل.

وهو كما ترى .

فالصحيح في الجواب عنه: أنّه ضعيف السند في نفسه، لمجهوليّة محمّد بن علي، والأصحاب أعرضوا عنه، مضافاً إلى روايته في «المقنع»(2) مع ترك ذكر المعادن على ما في «الوسائل».

أقول: ثمّ إنّه على فرض اعتبار النصاب:

هل المدار على ما هو عشرين ديناراً وقت الإخراج، كما عن جماعةٍ التصريح2.

ص: 177


1- مصباح الفقيه: ج 3/112.
2- المقنع: ص 172.

به(1)؟

أم على قيمته القديمة الثابتة له في صدر الإسلام، وهي مائتا درهم كما اختاره الشهيد(2) رحمه الله.

أم يكفي بلوغ قيمة الُمخرَج نصابُ أحد النقدين في الزكاة ذهباً كان المعدن أو فضّة أو غيرهما؟

أم يعتبر رعاية كلٍّ من نصابي الذهب والفضّة في الُمخرَج من معدنه، ورعاية أقلّهما قيمةً فيما أُخرج من سائر المعادن ؟

أم يعتبر رعاية أكثر القيمتين في الجميع ؟

وجوهٌ وأقوال، وحقّ القول في المقام: إنّه عليه السلام بعدما قال: (حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة) كان يحتمل فيه جميع هذه الوجوه، ولكن بيّنه عليه السلام ورفع إجماله بقوله عليه السلام: (عشرين ديناراً) فإنّه يدلّ على أنّ المناط قيمة عشرين ديناراً مطلقاً، سواءٌ أكان المعدن معدن الذهب أو الفضّة أو غيرهما، فإذا بلغت قيمته عشرين ديناراً، وجب فيه الخُمس، وإنْ كانت قيمته أقلّ من مائتي درهم.

ودعوى: أنّه لا يبعد أنْ يكون ذكر العشرين ديناراً من باب اتّحاده مع مائتي درهم في ذلك الزمان، لأنّه هو الأصل في زكاة النقدين على ما يظهر من أخبارها، فالعبرة إنّما هي ببلوغ مائتي درهم مطلقاً، كما اختاره الشهيد(3) رحمه الله.

مندفعة: بأنّ الظاهر من أخذ كلّ عنوانٍ في الحكم، دخله بنفسه فيه لا بما أنّه3.

ص: 178


1- جواهرالكلام: ج 16/18، كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري ص 34، كتاب الخُمس للسيّد الخوئي الأوّل - ص 48.
2- البيان: ص 213 قوله: (والظاهر الاكتفاء بمأتي درهم).
3- البيان: ص 213.

طريقٌ ومرآتٌ إلى شيء آخر، وعليه فالظاهر من الصحيح دخل العشرين ديناراً بنفسه في وجوب الخُمس، لا بما أنّه يساوي قيمته مائتي درهم، مع أنّ كون الأصل في نصاب النقدين ذلك غير تامّ ، ولذا لا يفتي أحدٌ بثبوت الزكاة في الذهب إذا بلغ مائتي درهم مالم يبلغ عشرين ديناراً، وما هو مذكورٌ في الأخبار إنّما هو من قبيل الحِكم المُقتضية للحُكم، مع أنّ مساواتهما في القيمة حين صدور الخبر غير ثابتة.

وأيضاً دعوى: أنّ قوله عليه السلام: (حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة) ظاهرٌ في أنّ نصاب خُمس المعدن متّحدٌ مع نصاب الزكاة، وحيث أنّ لكلّ من النقدين نصاباً معيّناً في الزكاة، يكون عليه المدار، وفي غيرهما يلاحظ أحد النصابين، وينطبق قهراً على أقلّهما قيمة، وقوله عليه السلام بعد ذلك: (عشرين ديناراً) إنّما هو للتمثيل، وتفهيم السائل لا لمدخليّته في الحكم، فالقول الرابع أقوى .

مندفعة: بأنّه أيضاً خلاف الظاهر كما مرّ.

فتحصّل: أنّ الأقوى العبرة بقيمة العشرين ديناراً وقت الإخراج مطلقاً.

***

ص: 179

أنّ الخُمس في المعدن بعد المؤونة

أنّ الخُمس في المعدن بعد المؤونة فروع:

الفرع الأوّل: تُستثنى مؤونة الإخراج والتصفية عمّا يجب فيه الخُمس على المشهور، بل عن «المدارك»(1): (أنّه مقطوعٌ به في كلام الأصحاب).

وعن الشيخ في «الخلاف»(2)، والمصنّف رحمه الله في «المنتهى»(3) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّله: الشيخ الأعظم(4) رحمه الله بالنصوص(5) الدالّة على أنّ الخُمس بعدالمؤونة.

وأورد عليه بعض الأعاظم(6): بأنّ ظهورها فيما نحن فيه - لاسيّما بملاحظة ما فيها من استثناء مؤونته، ومؤونة عياله أو مؤونته - محلّ نظرٍ بل منع، لعدم دخول مؤونة الإخراج في مؤونته، فتختصّ هذه النصوص بخُمس الفائدة.

وفيه: لا نقاش في إنّ النصوص المتضمّنة لاستثناء مؤونته أو مع مؤونة عياله، ظاهرة في ما ذكره:

أمّا ما تضمّن من أنّ الخُمس بعد المؤونة، كمكاتبة ابن أبي نصر، قال: «كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام: الخُمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب عليه السلام: بعد

ص: 180


1- مدارك الأحكام: ج 5/392.
2- الخلاف: ج 2/119.
3- منتهى المطلب: ج 1/549.
4- كتاب الخمس: ص 127.
5- الكافي: ج 1/545 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/508 الباب 12.
6- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/458.

المؤونة»(1)، وخبر إبراهيم بن محمّد الهمداني: «أنّ في توقيعات الرضا عليه السلام إليه: أنّ الخُمس بعد المؤونة»(2) فظهوره فيما ذكره الشيخ(3) رحمه الله لا يُنكر، ويُمكن أنْ يُستشهد له بخبر عليّ بن محمّد بن شجاع النيسابوري القادم الوارد في الحنطة الباقية بعد مؤونة الضيعة(4)، فإنّه صريحٌ في استثناء مؤونة الضيعة في خُمس الأرباح، ولعدم القول بالفصل يثبت في المقام أيضاً.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - أنّ الظاهر من النصوص كون مناط وجوب الخُمس في الأقسام السبعة، اندراجها تحت عنوان الغنيمة والفائدة، ولا ريب في أنّه لا يعدّ الشيء فائدةً أو غنيمةً إلّابعد إخراج المؤونة، فاستثناء المؤونة ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في ما نُسب إلى المشهور(5) من اعتبار النصاب بعد المؤونة المذكورة، بل عن ظاهر تذكرة(6) المصنّف رحمه الله ومنتهاه(7) نفي الخلاف فيه.

فقد استدلّ له: بأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: (ليس فيه شيءٌ حتّى يبلغ عشرين ديناراً) هو وجوب الخُمس فيه إذا بلغ العشرين، بأنْ يكون الخُمس في نفس العشرين، (ولا يتأتّى ذلك إلّاإذا اعتبر العشرون بعد المؤونة). كما ورد في رسالة شيخنا الأعظم رحمه الله(8).).

ص: 181


1- الكافي: ج 1/545 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/508 ح 12597.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/42 ح 1652، وسائل الشيعة: ج 9/508 ح 12598.
3- كتاب الخمس: ص 127.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12580.
5- مسالك الأفهام: ج 1/469: (والذي صرّح به الأصحاب هو الأوّل).
6- تذكرة الفقهاء: ج 5/427 (ط. ج).
7- منتهى المطلب: ج 1/549.
8- كتاب الخمس: ص 127 قوله: (ولا يتأتّى ذلك إلّاإذا اعتبر العشرون بعد المؤونة).

ومحصّله: أنّ مقتضى إطلاق موضوع الخُمس في جزاء الشرطيّة هو ذلك، وإلّا لزم تقييده.

وعن «المدارك»(1) وبعض المحقّقين(2) اعتباره قبلها، واستدلّ له بعموم وجوب الخُمس في المعدن، خرج منه ما يبلغ المجموع العشرين.

وأورد عليه: بأنّ العموم لابدَّ من تقييده بالخبر.

وفيه: الظاهر أنّ الملتزمين بهذا القول إنّما تمسّكوا بالعموم بعدما لاحظوا إجمال النَّص الخاص، من جهة أنّ مقتضى إطلاق موضوع الخُمس وإنْ كان اعتبار النصاب بعدها، إلّاأنّ مقتضى إطلاق البلوغ المجعول غايةً لعدم الوجوب، هو اعتباره قبلها، فلا محالة يتعارض الإطلاقان فيتساقطان، فيكون الخبر من هذه الجهة مجملاً، فيتعيّن الرجوع إلى عموم ما دلَّ على وجوب الخُمس في المعدن، والقدر المتيقّن من خروجه هو صورة عدم بلوغ النصاب قبلها.

فتحصّل: أنّ الأظهر - على فرض اعتبار النصاب - هو القول الثاني.

***3.

ص: 182


1- مدراك الأحكام: ج 5/392.
2- مستند الشيعة: ج 10/63.

عدم اعتبار الإخراج دفعة في نصاب المعدن

عدم اعتبار الإخراج دفعة في نصاب المعدن

الفرع الثاني: لا خلاف بين الأصحاب ظاهراً في أنّه على فرض اعتبار النصاب أنّه كما لو أخرج دفعةً وكان نصاباً وجب الخُمس، كذلك لو أخرج دفعات بحكم الواحد، بأنْ لم يتخلّل بينها الإعراض وكان المجموع نصاباً وجب إخراج خُمس المجموع.

وفي «الجواهر»(1): أنّه ظاهر جماعة وصريح آخرين.

والدليل عليه: إطلاق ما دلّ على اعتبار النصاب، بل ربما ادّعى اختصاصه بالثاني، لكونه الفرد الغالب، إذ قلّما يتّفق إخراج النصاب من المعدن دفعةً ، لاسيّما في مثل الملاحة.

وأمّا لو أخرج أقلّ من النصاب، فأعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً، ففيه أقوال:

القول الأوّل: ما هو المحكيّ عن منتهى(2) المصنّف وتحريره(3)، وحاشية «الشرائع»(4)، وشرح «المفاتيح»(5)، و «الرياض»(4) من عدم وجوب الخُمس فيه، واختاره الشيخ الأعظم(5) رحمه الله.

ص: 183


1- جواهر الكلام: ج 16/19.
2- منتهى المطلب: ج 1/549.
3- تحرير الأحكام: ج 1/434 (ط. ج). (4و5) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخُمس: ص 128.
4- رياض المسائل: ج 5/252 (ط. ج).
5- كتاب الخُمس: ص 127.

القول الثاني: ما عن الشهيدين في «الدروس»(1)، و «المسالك»(2)، والأردبيلي(3)، وصاحبي «المدارك»(4) و «الذخيرة»(5) من الحكم بالوجوب.

القول الثالث: ما قوّاه أوّلاً المحقّق الهمداني(6) رحمه الله، واختاره بعض الأعاظم(7)، من التفصيل بين ما لو كان الإعراض المتخلّل في البين بنحوٍ يصدق تعدّد الإخراج عرفاً، كما لو أهمل مدّةً طويلة فالأوّل، وبين ما لو لم يكن كذلك، بل كان يعدّ في نظر العرف عوده إليه من قبيل إعراضه عن إعراضه السابق، والرجوع إلى عمله فالثاني.

واستدلّ للأوّل: بظهور صحيح البزنطي في أنّه إذا أعرض ثمّ عاد، عدّ كلّ فعلٍ موضوعاً مستقلّاً بحياله.

وأورد عليه: بأنّ هذا على إطلاقه غير تامّ ، بل إنّما يتمّ فيما إذا أهمل مدّةً طويلة ثمّ عاد، وعليه فيقوى القول الثالث.

أقول: ولكن يرد على هذا الوجه من أصله بأنّ موضوع الحكم في الصحيح ليس خصوص فعل الُمخرج حتّى يقال بأنّ الظاهر منه من جهة كونه من قبيل القضيّة الحقيقيّة، كون كلّ فعلٍ موضوعاً مستقلّاً، بل الموضوع المجعول فيه ما أُخرج، وعليه فلا فرق بين كونه مُخرَجاً بإخراج واحد أو إخراجاتٍ عديدة.0.

ص: 184


1- الدروس: ج 1/260.
2- مسالك الأفهام: ج 1/459.
3- مجمع الفائدة: ج 4/296.
4- مدارك الأحكام: ج 5/367.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/478.
6- مصباح الفقيه: ج 3/112.
7- مستمسك العروة الوثقى : ج 9/460.

فإذاً لا فرق في وجوب الخُمس بين الصور المفروضة، فالقول الثاني هو الأظهر.

وأيضاً: ظهر بما ذكرناه حكم فرعٍ آخر، وهو: ما لو اشترك جماعةٌ في الاستخراج، ولم تبلغ حصّة كلّ واحدٍ منهم النصاب، ولكن بلغ المجموع نصاباً، وأنّ الأظهر وجوب خُمسه حتّى على القول باعتبار النصاب.

ودعوى : ظهور الصحيح في ما نُسب إلى المشهور(1) - بل في «الجواهر»(2): لا أعرف من صرّح بخلافه - من اعتبار بلوغ حصّة كلّ واحدٍ منهم النصاب.

قد عرفت اندفاعها، وأنّ الظاهر من الصحيح جعل الُمخرَج (بالفتح) موضوعاً دون الُمخرِج أو الإخراج.

وأضعف منهما دعوى اعتباره حملاً له على الزكاة.

ودعوى المحقّق الهمداني (2) رحمه الله: من أنّ الظاهر من الصحيحة سؤالاً وجواباً بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن، ليس إلّاإرادة حكم ما يستفيده الشخص من المعدن مباشرةً أو تسبيباً.

فيرد عليها: أنّه بعد كون السؤال عن حكم ما أُخرج من المعدن - والجواب أيضاً مسوقاً لبيانه - لا يبقي موردٌ لهذه الدعوى .

وأمّا دعوى صاحب «الجواهر»: (4) من التفصيل بين الشركاء والمتعدّدين غير الشركاء، واعتباره أولويّة وجوب الخُمس في الأوّل، واستبعاده بل امتناعه3.

ص: 185


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/460. (2و4) جواهر الكلام: ج 16/20.
2- مصباح الفقيه: ج 3/113.

في الثاني.

فغير ظاهرة الوجه، إذ دعوى أنّه في صورة الشركة يعدّ عملاً واحداً عند العرف، بخلاف صورة استقلال كلّ منهم بعمله، مندفعة بما عرفت من عدم كون الفعل موضوعاً حتّى يتمّ الفرق بين كونه واحداً أم متعدّداً، وخصوصيّة الفاعل غير دخيلة في الحكم، فلا يصحّ أنْ يُقال إنّه في صورة الاشتراك يعدّ المجموع واحداً بخلاف صورة عدمه.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوب الخُمس في المقام، كما أنّ الأظهر وجوبه فيما لو استخرج من معدنٍ واحدٍ جنسان أو أزيد، وبلغ قيمة المجموع نصاباً - كما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1)، والشهيد في «الدروس»(2)، و «الجواهر»(2) وغيرها(3) - لما ذكرناه.

نعم، لو كانت هناك معادن متعدّدة، اعتُبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب، عليفرض اعتباره، إذ الموضوع لهذا الحكم - بحسب ظاهرالأدلّة - أفراد المعادن، وأنّ كلّ فردٍ موضوعٌ مستقلٌّ ، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقيّة.

وعليه، فما عن الشهيد في «الدروس»(5)، وكاشف الغطاء(4) من الجزم بوجوب الخُمس إذا بلغ المجموع نصاباً، مستدلّاً بظهور عنوان (المعدن) في الجنس الصادق على الواحد والمتعدّد.0.

ص: 186


1- منتهى المطلب: ج 1/549. (2و5) الدروس: ج 1/260.
2- جواهر الكلام: ج 16/20.
3- مصباح الفقيه: ج 3/113.
4- كشف الغطاء: ج 2/360.

ضعيفٌ ، إذ بعد عدم إرادة الطبيعة منه، وإرادة الأفراد، وكون القضيّة من قبيل القضيّة الحقيقيّة، لا محالة ينحلّ الحكم بعدد ما لموضوعه من الأفراد، ولكلّ فردٍ يكون موضوعاً مستقلّاً في قبال الآخر.

وأضعف من ذلك ما ذكره السيّد في «العروة»(1) من تقوية ذلك مع الاتّحاد والتقارب، فإنّ اتّحاد الجنس وعدمه، وتقارب المعادن وتباعدها، ممّا لا دخل لها في الحكم.

نعم، إذا كان التقارب بنحوٍ يعدّ المجموع واحداً عرفاً، تمّ ذلك، لكنّه خارجٌ عن محلّ الكلام، فضلاً عن أنّ الاتّحاد حينئذٍ ممّا لادخل له.

***).

ص: 187


1- العروة الوثقى: ج 4/240 (ط. ج).

الإخراج قبل التصفية

الإخراج قبل التصفية

الفرع الثالث: لو أخرج قبل التصفية خُمس تراب المعدن:

ففي «المدارك»(1): لم يجزه، لجواز اختلافه في الجوهر، ولو عَلم التساوي جاز، وعن «المسالك»(2) نحوه.

وأورد عليهما: في «الجواهر»(3) و «الرسالة» المنسوبة إلى الشيخ الأعظم رحمه الله(4)بظهور ذيل صحيح زرارة السابق في أوّل البحث، وهو قوله عليه السلام: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخُمس» في أنّ الخُمس إنّما يتعلّق بما أُخرج من المعدن بعد التصفية وظهور الجوهر.

وفيه: إنّ هذه الجملة قابلة للحمل على معان:

أحدها: ما ذكر.

ثانيها: أنّ الخُمس إنّما يكون فيما يصفو للمالك بعد المصارف، فتدلّ على استثناء المؤونة، كما استدلّ بها جملةٌ من الأعاظم لإستثنائها.

ثالثها: أنّ الخُمس إنّما يجبُ في المصفّى لا في التراب، وإنْ كان ما فيه من الذهب مثلاً أقلّ من خُمس الذهب المصفّى.

وعليه، فبما أنّ الرواية مجملة، يتعيّن الرجوع إلى سائر النصوص، ومقتضى

ص: 188


1- مدارك الأحكام: ج 5/368.
2- مسالك الأفهام: ج 1/459 قوله: (والمعتبر إخراج خمسه مخرجاً إنْ لم يفتقر إلى سبك وتصفية وإلّا اعتبر بعدها).
3- جواهر الكلام: ج 16/21.
4- كتاب الخمس: ص 36.

إطلاقها وجوب الخُمس فيما أُخرج من المعدن مطلقاً.

وما في «الجواهر»(1) من أنّه قد يُدّعى ظهور صحيح زرارة أيضاً في ذلك، كما ترى . وعليه فالأقوى هو الإجزاء.

***1.

ص: 189


1- جواهر الكلام: ج 16/21.

والكنوز عشرون ديناراً.

اعتبار النصاب في الكنز

(و) كذا يُشترط في وجوب الخُمس في (الكنوز) النصاب، وهو (عشرون ديناراً)، كما صرّح به جماعة.

بل عن «السرائر»(1)، وظاهر «التذكرة»(2)، و «المنتهى»(3)، و «المدارك»(4)الإجماع عليه.

وعن الشيخ قدس سره في «الخلاف»(5): دعوى الإجماع على أنّ نصابه هو النصاب الذي يجب فيه الزكاة.

أقول: لا إشكال في اعتبار النصاب، وأنّ نصابه بلوغه حَدّاً تجبُ في مثله الزكاة، لصراحة صحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال:

«سألته عمّا يجبُ فيه الخُمس من الكنز؟ فقال عليه السلام: ما تجبُ الزكاة في مثله ففيه الخُمس»(6).

وما نُسب إلى الصدوق(7)، وابن زُهرة(8) من أنّ النصاب دينارٌ واحد، لو

ص: 190


1- السرائر: ج 1/488.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/425 (ط. ج).
3- منتهى المطلب: ج 1/549.
4- مدارك الأحكام: ج 5/369 قوله: (وقد نصّ الأصحاب على أنّ الخُمس إنّما يجب في الكنز إذا بلغ النصاب).
5- الخلاف: ج 2/121.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 2/40 ح 1647، وسائل الشيعة: ج 9/495 ح 12570.
7- المقنع: ص 172.
8- غنية النزوع: ص 129، قال: (ويعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة).

صحّت النسبة، غير ظاهر الوجه، والغريب ما قيل من نسبة الأوّل إلى دين الإماميّة، والثاني إلى الإجماع.

وإنّما الإشكال في تشخيص ما أُريد بالمثل، ومحصّل القول فيه: إنّه بناءً على ما عرفت في أوّل مبحث الكنز(1)، من ظهور (المثل) في ما يماثله على الإطلاق، لظهوره في إرادة المماثلة في جميع القيود الدخيلة في الحكم، وعرفت أنّ لازم ذلك هو القول باختصاص هذا الخُمس بالنقدين، يتعيّن القول بأنّ نصاب كلّ من النقدين، ما هو نصابه في باب الزكاة، كما لا يخفى ، كما أنّه بناءً على التحفّظ على ظهور (المثل) والقول بالتعميم بحمل الوجوب على مطلق الثبوت، كما عرفت، يتعيّن الالتزام بأنّ نصاب كلّ جنسٍ ما هو نصابه في باب الزكاة، وعليه فالقول بأنّ النصاب هو عشرون ديناراً مطلقاً، على هذا المسلك ضعيفٌ .

وأمّابناءً على القول الآخر، وهو إرادة المماثلة في المقدار من المثل، فمقتضى إطلاق الصحيح، أنّ النصاب حينئذٍ بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين وأقلّهما.

ودعوى: أنّ النصّ يصبح مجملاً لتطرّق احتمالات عديدة عليه على هذا الفرض، فلو بلغ أحد النقدين نصاب الآخر، أو بلغ غيرهما نصاب أقلّهما، وجب الرجوع إلى الأصل، وهو أصالة البراءة عن الخُمس.

مندفعة: بأنّ المحقَّق في محلّه أنّه عند إجمال الُمخصّص مفهوماً، فإنّ المرجع هو العام، إذا كان المخصّص منفصلاً، ففي المقام لابدَّ من الرجوع إلى عموم ما دلّ على وجوب الخُمس في الكنز.

فإنْ قلت: إنّ المظنون أنّه لم يرد بالمثل في هذا الصحيح سوى ما أُريد منه في الصحيح الوارد في نصاب المعدن، الذي هو كالنّص في أنّ النصاب عشرون ديناراً،د.

ص: 191


1- صفحة 104 من هذا المجلّد.

فيتّجه حينئذٍ كون النصاب عشرين ديناراً.

قلت: إنّ الظنّ لا يُغني من الحقّ شيئاً، فلا صارف للنص عن ظاهره.

وبالجملة: بما ذكرناه في المعدن، يظهر البحث عن اعتبار إخراج المُؤن، واعتبار كون النصاب قبله أو بعده، وتحقيق البحث في الكنز الواحد والمتعدّد، ونحو ذلك من المباحث، لاتّحاد مناط البحث في الجميع.

***

ص: 192

وفي الغوص ديناراً، وفي أرباح التجارات والصناعات والزراعات، الزيادة عن مؤونة السَّنة له ولعياله.

اشتراط الزيادة عن المؤونة

(و) يعتبر في وجوب الخُمس (في الغوص) أيضاً النصاب وهو (ديناراً) واحداً، كما عرفت في مبحث الغوص.(1)

(و) يُشترط في وجوب الخُمس (في أرباح التجارات والصناعات والزراعات، الزيادة عن مؤونة السَّنة له ولعياله) بلا خلافٍ فيه.

وعن «السرائر»(2)، وظاهر «الانتصار»(3)، و «الخلاف»(4)، و «المعتبر»(5)، و «التذكرة»(6)، و «المدارك»(7)، وغيرها(8): دعوى الإجماع عليه.

وعن «شرح المفاتيح»(9): أنّه إجماعي، بل ضروري المذهب.

أقول: وتشهد لاشتراط الزيادة عن المؤونة، جملةٌ من النصوص المتقدّمة:

منها: قوله عليه السلام في خبر النيسابوري: «لي منه الخُمس ممّا يفضل عن مؤونته»(10).

ص: 193


1- صفحة 35 من هذا المجلّد.
2- السرائر: ج 1/489.
3- الانتصار: ص 225.
4- الخلاف: ج 2/118.
5- المعتبر: ج 2/627.
6- تذكرة الفقهاء: ج 5/421 (ط. ج).
7- مدارك الأحكام: ج 5/385.
8- مجمع الفائدة: ج 4/317.
9- حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 199.
10- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12580.

ومنها: قوله عليه السلام في صحيح ابن راشد: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

ومنها: قوله عليه السلام في صحيح ابن مهزيار: «عليه الخُمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان»(2).

فهذا الحكم ممّا لا ريب فيه، إنّما الكلام في كون المراد منها مؤونة السَّنة، حيث أنّ الأصحاب حكموا بذلك مع عدم ورود تصريح بذلك في شيءٍ من النصوص.

ويمكن أنْ يستدلّ له: بأنّ ذلك ممّا يقتضيه الجمع بين هذه النصوص، وبين ما دلّ على جواز تأخير أداء الخُمس إلى آخر السَّنة، من الإجماع وغيره، ويقتضيه أيضاً الإطلاق المقامي، إذ مؤونة الشخص عند الإطلاق لدى العرف، يراد بها مؤونة السَّنة، وبها تحدّ مؤونة الشخص في مثل قولهم: (ربحه يفي بمؤونته لا الشهور والأيّام)، إذ لا انضباط لها بحسب هذه الأوقات، وهذا يصلح أنْ يكون قرينة لإرادتها منها عند الإطلاق، بعدما لا قرينة على إرادة غيرها.

ويؤيّده: ما ذكره بعض المحقّقين، من أنّ الخُمس إنّما يجبُ في الغُنم إذا استند إلى الشخص على وجه الغُنم والفائدة، وحيث أنّ الكسب بجميع أنحائه يلاحظ فيه أخذ مؤونة السَّنة من أرباحه، فالعمدة المرجوّة له كون الخرج من الدخل، ولذا لو اكتسب كاسبٌ ورَبح مائة دينار مثلاً، وصارت مؤونة سنته أيضاً مائة، لما قيل إنّه ربح واستفاد، فيعلم من ذلك أنّ في الكسب الذي قابل الربح مصارف السَّنة لا يعدّ غنيمةً وفائدة بالنسبة إلى الشخص.

***2.

ص: 194


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12581.
2- الكافي: ج 1/547 ح 24، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12582.

المرجع في المؤونة إلى العرف

فروع:

أقول: هنا عدّة فروع ينبغي التعرّض لأحكامها:

المرجع في المؤونة إلى العرف

الفرع الأوّل: برغم أنّه لم يتعرّض الأكثر لإستثناء ما يُصرف في تحصيل الربح، إلّا أنّه لا ريب في استثنائه، بل ممّا لا خلاف فيه، فإنّ عدم تعرّضهم إنّما يكون لأجل أنّه لا يصدق (الربح) و (الفائدة) إلّاعلى ما يبقى بعد إخراجه، لا التوقّف في ذلك، أو البناء على العدم، ومنه يظهر وجه استثنائه.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - قوله عليه السلام في خبر يزيد المتقدّم، الوارد في تفسير الفائدة: (وحرث بعد الغرام)، وخبر ابن شجاع المتقدّم الدالّ على عدم احتساب ما صَرَفه من الحنطة في عمّارة الضيعة، من الفائدة والغنيمة التي يجبُ فيها الخُمس.

فراجع.

الفرع الثاني: اختلفت كلمات الأصحاب في بيان المراد من المؤونة، وقبل بيان ذلك، لا بأس بالإشارة إلى ما يقتضيه الأصل، ليكون هو المرجع عند الشكّ .

أقول: بما أنّ جملةً من أدلّة وجوب الخُمس في الأرباح كالآية الشريفة وغيرها، غير مقيّدة بما يفضل عن مؤونة السَّنة، فمقتضى إطلاقها وجوب الخُمس في كلّ فائدةٍ وربح، خَرَج عنها بمقتضى الأدلّة الاُخر ما يُصرف في مؤونة السَّنة، فإذا فرضنا إجمال هذه الأدلّة، فلابدّ من الاقتصار في تخصيص الأدلّة الأولى على القدر المتيقّن، بناءً على ما هو الحقّ الثابت في محلّه من أنّ العام هو المرجع في موارد الشكّ في ما إذا كان المخصّص المنفصل مجملاً.

ص: 195

بقدر الإقتصاد، فيجبُ في الزائد.

ومنه يظهر ضعف ما في «الجواهر»(1) من الاستشكال في ذلك من جهة أنّ إجمال الخاص يسري إلى العام، فإنّ ذلك إنّما يكون فيما إذا كان متّصلاً دونما إذا كان منفصلاً.

أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم:

أنّ ظاهر جماعةٍ ، وصريح آخرين:(2) تقييدها في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة (بقدر الإقتصاد، فيجبُ في الزائد).

وعن بعضٍ (3): تقييدها بما لا يخرج عن المتعارف.

وعن جماعةٍ منهم الشيخ الأعظم(3) رحمه الله وصاحب «الجواهر»(4): عدم احتساب ما يعدّ سَرفاً وسَفَهاً، بل عن بعضٍ (6) دعوى الإجماع عليه.

واختار المحقّق الهمداني(7) رحمه الله: أنّ العبرة بما يتّفق حصوله في الخارج كيف ما اتّفق.

وفي «رسالة» الشيخ الأعظم(8): أنّه إنْ اُريد بالاقتصاد في كلمات القوم التوسّط ففي اعتباره نظر.

ولكن من الجائز أنْ يكون مرادهم به ما لا يخرجُ عن المتعارف، وحينئذٍ يَرجعُ 1.

ص: 196


1- جواهر الكلام: ج 16/59-60.
2- المقنعة: ص 276، الكافي للحلبي: ص 170، النهاية: ص 198. (3و8) كتاب الخُمس: ص 92 و 201.
3- كتاب الخمس: 92-93.
4- جواهر الكلام: ج 16/59-63. (6و7) مصباح الفقيه: ج 3/131.

إلى القول الثاني، وإنْ كان يبعده ما عن «المستند»(1) من تقييده الضيافة بأنْ تكون بحيثُ يذّم تاركها.

وما عن بعض الأجلّة(2) من الإشكال في كون الهديّة والصِّلة اللّائقتين بحاله من المؤونة، وكذا مؤونة الحَجّ المندوب، وعلى هذا فليس لهذا القول وجهٌ ظاهر، إذ غاية ما يمكن أنْ يُقال في وجهه إنّ المؤونة مفهومها مجملٌ ، فيتعيّن الاقتصار على المتيقّن في الخروج عن أدلّة وجوب الخُمس.

ويرد عليه: أنّ المؤونة من الألفاظ المبيّنة عند العرف، ولا إجمال فيها، وهي عبارة عمّا ينفقه الإنسان في معاشه بالفعل.

وأمّا ما في «الجواهر»(3) من سراية الإجمال إلى العمومات، فقد عرفت ما فيه.

واستدلّ للثاني: بأنّ إطلاق نصوص المؤونة منصرفٌ إلى المتعارف، فالخارج عن المتعارف غيرَ مستثنى ، لا أنّه ليس من المؤونة.

وفيه: ما ذكرناه غير مرّةٍ من أنّ الانصراف الناشئ عن التعارف، لا يكون موجباً لتقييد الإطلاق.

واستدلّ للثالث: بأنّ المتبادر من النصوص، إنّما هو إرادة ما ينفقه في مقاصده العُقلائيّة على النهج المتعارف، لا على سبيل الإسراف. وهو كما ترى قابلٌ للمنع.

وعليه، فالأقوى هو القول الأخير، لو لم يثبت الإجماع على أنّ ما يعدّ سَرفاً وسفهاً لايعدّ من المؤونة، و قدادّعي صاحب «الجواهر»(4) عدم وجدان الخلاف فيه.

وبالجملة: فالأحوط أنّ ما زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سَرفاً وسفهاً بالنسبة إليه، لا يُحتَسب من المؤونة.2.

ص: 197


1- مستند الشيعة: ج 10/67.
2- شرح اللّمعة: ج 2/76. (3و4) جواهر الكلام: ج 16/60 و 62.

ما ينتفع به مع بقاء عينه

ما ينتفع به مع بقاء عينه

الفرع الثالث: لا إشكال ولا ريب في عدم وجوب إخراج خمس ما يُصرف عينه فيتلف، مثل المأكول والمشروب، أو ما ينتفع به مع بقاء عينه لكن يتلف في أثناء السَّنة كما لو انكسر الإناء قبل مُضيّ الحول.

إنّما الكلامُ فيما لو بقيت العين إلى نهاية السَّنة:

فعن جماعةٍ (1): عدم الخُمس فيها وإنْ بقيت للسنين الآتية، ولعلّه المشهور بين المتأخّرين.

وعن آخرين: وجوب تخميسها، وإليه مالَ صاحب «الجواهر»(2).

وعن بعضٍ ، منهم السيّد في عروته(3)، وجماعة من محشّيها(4): التفصيل بين الإستغناء عنها في السنين اللّاحقة فيجب، وبين بقاء الحاجة إليها فلا يجب.

وعليه، فهنا موردان للبحث:

الأوّل: صورة الاحتياج إليها.

الثاني: صورة الاستغناء عنها.

أمّا الصورة الأُولى : فقد استدلّ لعدم وجوب التخميس:

1 - باستصحاب عدمه.

2 - وبأنّها كانت من مؤونة السَّنة، وبعد خروجها عن أدلّة وجوب الخُمس

ص: 198


1- مستند الشيعة: ج 10/71.
2- جواهر الكلام: ج 16/64.
3- العروة الوثقى: ج 4/287 (ط. ج).
4- العروة الوثقى: ج 4/287 تعليقة السيّد الحكيم.

لا دليلٍ على دخولها فيها.

وبعبارة اُخرى : دليل المؤونة ظاهرٌ في استثنائها مطلقاً، لا مادام كونها مؤونة، ويكون مخصّصاً لعموم دليل الخُمس الإفرادي لا مقيّداً لإطلاقه الأحوالي، فمقتضى إطلاق دليل الاستثناء نفي الخُمس فيه، ولو خرج عن كونه مؤونة السَّنة

3 - وبأنّ دليل الخُمس مختصٌّ في كلّ عام بفائدة ذلك العام، كما هو ظاهر قوله عليه السلام: (وأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام)، والأعيان المذكورة في مفروض المسألة ليست من فوائد العام اللّاحق، فلا يجبُ فيها الخُمس، وإنّما هي من فوائد العام السابق، والمفروض عدم وجوب الخُمس فيها في العام السابق.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه إذا ورد عامٌ وخُصّص في زمانٍ ، فبعد مُضيّ ذلك الزمان لا يكون المورد من موارد التمسّك بالاستصحاب، بل يتمسّك بالعام مطلقاً، كما حقّقناه في محلّه، لا سيّما إذا كان الخاص مُخصّصاً له من الأوّل، ولذا لا شُبهة في التمسّك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ولو خُصّص بخيار المجلس، والمقام من هذا القبيل، كما لا يخفى .

وأمّا الثاني: فلأنّ ظاهر دليل الاستثناء - كسائر الأدلّة - دوران الحكم المتضمّن لبيانه، مدار العنوان المأخوذ في الدليل، وحيث أنّه أُخذ في موضوع هذا الحكم مؤونة السَّنة، فالحكم يكون دائراً مدارها وجوداً وعدماً، فإذا خرجت الأعيان المذكورة عن كونها مؤونة السَّنة، لا تكون مشمولة لدليل الاستثناء، فيشملها دليل الخُمس، وعليه فلا محالة يكون دليل الاستثناء مقيّداً لإطلاق دليل الخُمس الأحوالي، لا مخصّصاً لعموم دليله الإفرادي.1.

ص: 199


1- سورة المائده: الآية 1.

وأمّا الثالث: فلأنّ أدلّة الخُمس إنّما تدلّ على وجوب الخُمس في كلّ فائدةٍ لا فائدة ذلك العام.

وأمّا الرواية: فإنّما هي واردة في مقام بيان عدم تحليل الخُمس في الغنائم والفوائد في شيء من السنين، في مقابل ما أحلّه فيه في بعض السنين - لاحظ الخبر - ولذا لو لم يجب الخُمس في عام الربح لمانعٍ ، وارتفع ذلك المانع، وجب عليه دفع الخُمس في العام اللّاحق بلا كلام.

وبالجملة: فالصحيح أنْ يُقال في وجه عدم الوجوب:

إنّ دليل الاستثناء إنّما دلّ على استثناء المؤونة، وما دلّ على تقييدها بمؤونة السَّنة من الإجماع والضرورة والتبادر، والجمع بين الأدلّة، إنّما يدلّ عليه في غير مثل هذه المؤونة.

بل يمكن أنْ يُقال: إنّ الأعيان المذكورة ما دام كونها مؤونة تعد من مؤونة العام السابق لدى العرف، كما لا يخفى على من لاحظ أحوال العرف.

وأمّا الصورة الثانية: فعلى الوجوه الثلاثة المذكورة، لا يجب الخُمس فيها بعد الاستغناء، إذ بعد زوال الحاجة عنها في العام اللّاحق، لا يقطع بالوجوب، كي لايجري الاستصحاب، ولا تخرج عن كونها من مؤونة عام الفائدة، ولا هي من أرباح العام اللّاحق ليجب الخُمس فيها.

وأمّا بناءً على المختار في وجه عدم الخُمس، فيجب مع زوال الحاجة، الموجب لخروجها عن كونها مؤونة، فإنّه بعد خروجها عن تحت عنوان المؤونة تشملها أدلّة الخُمس.

***

لا تُخرَج المؤونة من مالٍ لا خُمس فيه

ص: 200

لا تُخرَج المؤونة من مالٍ لا خُمس فيه

الفرع الرابع: إذا كان له مالٌ لا خُمس فيه، إمّا لعدم تعلّقه به، أو لإخراجه:

فعن جماعةٍ ، منهم الشهيد(1)، والمحقّق(2) الثانيان، وأصحاب «المدارك»(3)و «الذخيرة»(4) و «الحدائق»(5) و «الجواهر»(6)، والشيخ الأعظم(7) وغيرهم(8)، بل أغلب من تعرّض له: أنّه يُخرج المؤونة من الربح لا من ذلك المال.

وعن المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان»(9)، والمحقّق القُمّي في «الغنائم»(10):

لزوم إخراجها من المال الآخر.

واحتمل في محكي «الدروس»(11) و «المسالك»(12): التوزيع عليهما.

أقول: الفروض المتصوّرة في المقام ثلاثة:

1 - أنْ يكون المال الآخر ما لا يحتاج إليه في الاكتساب.

2 - أنْ لا يكون كذلك، ولكن ليس من شأنه أن يؤخذ منه المؤونة، كالزائد عن مقدار الحاجة من رأس المال.

ص: 201


1- شرح اللّمعة: ج 2/77.
2- جامع المقاصد: ج 3/53.
3- مدارك الاحكام: ج 5/385.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/484.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/354.
6- جواهر الكلام: ج 16/63.
7- كتاب الخمس: ص 94.
8- كفاية الأحكام: ص 43، رياض المسائل: ج 5/253 (ط. ج).
9- مجمع الفائدة: ج 4/318.
10- غنائم الأيّام: ج 4/328.
11- الدروس: ج 1/259.
12- مسالك الأفهام: ج 1/465.

3 - ما جرت العادة بصرفه في المؤونة.

وظاهر المحقّقين الأردبيلي(1) والقُمّي(2) موافقة المشهور في الفرضين الأولين، وإنّما خالفا القوم في الفرض الأخير، ولذا ادّعى صاحب «المستند»(3) في الأولين الإجماع على أنّ المؤونة من الربح.

ويشهد له فيهما: - مضافاً إلى ذلك - إطلاق ما دلّ على أنّ المؤونة من الربح، وأنّ الخُمس بعد المؤونة، بلا استفصال بين وجودِ مالٍ آخر وعدمه.

ومنه يظهر وجه كون المؤونة من الربح في الفرض الأخير.

وأيضاً: استدلّ لكونها من المال الآخر:

1 - بأنّ المطلقات جارية مجرى الغالب من الاحتياج إلى أخذ المؤونة من الربح.

2 - وبأنّ المتبادر من نصوص المؤونة، صورة الاحتياج إلى ذلك، مع عدم صحّة إسنادها، والإجماع والضرورة ونفي الضرر تختصّ بصورة الاحتياج.

3 - وبأنّ ذلك يؤول إلى عدم الخُمس في مثل أرباح السلاطين والأكابر وزراعاتهم، وهو منافٍ لحكمة تشريع الخُمس.

4 - وبأصالة الاحتياط.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الغلبة: فضلاً عن أنّها لا توجب تقييد الإطلاق، فهي في نفسها ممنوعة، بل الغالب في مثل التاجر والزارع وجود مالٍ آخر يمكن الاستغناء به، ولو سنةً 2.

ص: 202


1- مجمع الفائدة: ج 4/318.
2- غنائم الأيّام: ج 4/328.
3- مستند الشيعة: ج 10/72.

أو سنتين.

وأمّا الثاني: فلأنّ دليل استثناء المؤونة، هو النصوص المعتبرة، لاحظ صحاح ابن راشد، وابن مهزيار، والبزنطي المتقدّمة، وغيرها من النصوص، مع أنّها منجبرة بالعمل.

ودعوى أنّ المتبادر منها صورة الاحتياج غير تامة.

وأمّا الثالث: فهو وجهٌ استحساني، لايصلح أنْيكون مدركاًللأحكام الشرعيّة.

وأمّا الرابع: فلأنّه لا يرجع إليها بعد عدم دلالة الدليل على أنّها من الربح.

واستدلّ للتوزيع: بوجوه اعتبارية واضحة الدفع، ككونه عملاً بالحقّين، ومطابقته للعدل، وغيرهما من الوجوه الاعتباريّة التي لا اعتبار بها.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الأوّل.

قال صاحب «الجواهر»(1): (لا يُحتسب ما عنده من دارٍ أو عبد أو نحوه من ما هو من المؤونة، إنْ لم يكن عنده من الأرباح، لظهور المؤونة في الاحتياج وإرادة الإرفاق، فمع فرض استغنائه عن ذلك - ولو بسبب الانتقال بإرثٍ ونحوه ممّا لا خُمس فيه - يتّجه عدم تقدير احتساب ذلك من المؤونة)، واستجوده المحقّق الهمداني رحمه الله(2).

وفيه: إنّ ذلك لا يوجبُ عدم صدق المؤونة على ما لو صَرَف الربح في شراء دارٍ أو عبدٍ آخر مثلاً، لما عرفت من أنّها عبارة عن كلّ ما ينفقه في معاشه ولو بنحو الإسراف، ولكن في خصوص مورد الإسراف لم نلتزم بذلك خوفاً من مخالفة الإجماع.2.

ص: 203


1- جواهر الكلام: ج 16/64.
2- مصباح الفقيه: ج 3/132.

وبذلك ظهر التنافي بين ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله في المقام، وما اختاره في معنى المؤونة(1)، نعم لو كان عنده عبدٌ أو جارية أو دارٌ أو نحو ذلك، لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة، لأنّ ظاهر دليل الاستثناء دلالته على ما يبذله في مصارفه فعلاً لا مقداره.

لو قتَّر على نفسه

لو قتَّر على نفسه

الفرع الخامس: لو قتَّر على نفسه:

فهل يحسب له، كما هو المشهور، بل في «الجواهر»(2): (لاأعرف فيه خلافاً)، بل لعلّه ظاهر معقد إجماع «الغُنية»(3)، و «السرائر»(4)، و «المنتهى»(5)، و «التذكرة»(6)؟

أم لا يُحسب له، كما احتمله المحقّق الأردبيلي(7)، وتبعه المحقّق الخوانساري(8)، وقوّاه كاشف الغطاء(9)، وصاحب «الجواهر»(10)، والشيخ الأعظم(11)، وتبعهم جماعة من محقّقي هذا العصر(12)، بل هو المشهور في هذه الأعصار.

أم يفصّل بين التقتير في الكمّ فالأوّل، وبين التقتير في الكيف فالثاني ؟ وجوه:

ص: 204


1- مصباح الفقيه: ج 3/131.
2- جواهر الكلام: ج 16/62.
3- غنية النزوع: ص 129 قوله: (ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الإقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة... بدليل الإجماع المشار إليه).
4- السرائر: ج 1/488 قال: (على الاقتصاد دون التقتير والإسراف).
5- منتهى المطلب: ج 1/548.
6- تذكرة الفقهاء: ج 5/420-421 (ط. ج).
7- مجمع الفائدة: ج 4/311.
8- حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 208.
9- كشف الغطاء: ج 2/362.
10- جواهر الكلام: ج 16/62.
11- كتاب الخمس: ص 208.
12- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/542.

وقد استدلّ للأوّل: بأنّ المستثنى هي المؤونة المتعارفة، فالخُمس إنّما يتعلّق بما عداها، سواءٌ أنفقها أم زاد عليها، أم نقص منها.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من عدم تماميّة دعوى انصراف المؤونة إلى المؤونة المتعارفة - أنّ ظاهر دليل الاستثناء كسائر الأدلّة، دوران الحكم مدار فعليّة العنوان المأخوذ موضوعاً له، ولا يكفي التقدير والشأنيّة، وعليه فعلى فرض تسليم كون المستثنيهي المؤونة المتعارفة، معنيذلك أنّه لو زيد عليهالم يُحسب، لا أنّه لو نقص عنها يُحتسب له، لأنّه ليس المستثنى مقدار المؤونة المتعارفة.

واستدلّ للأخير - في التقتير في الكمّ بذلك، وفي التقتير في الكيف -: بأنّ ما صرفه يقوم مقام المصروف الشأني.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت - أنّه لو تمّ ذلك، لا يفرق بين التقتيرين، إذ قيام شيءٍ مقام المؤونة المتعارفة خارجاً، لا يوجبُ قيامه مقامها عند الشارع. فتأمّل.

فتحصّل: أنّ الأقوى أنّه لو قتّر على نفسه لم يحسب له، كما أنّه لو تبرّع بالمؤونة متبرِّعٌ ، لا يستثنى له مقدارها.

نعم، لو تبرّع بمقدارها متبرّعٌ ، فعلى القول بعدم وجوب الخُمس في الهبة ونحوها، تُستثنى المؤونة من الربح لا من ذلك، وأمّا على المختار من وجوب الخُمس فيها، فإنّه لا فرق بين إخراجها من ما تبرّع به أو الربح، كما لايخفى .

الفرع السادس: لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح:

فعلى القول بعدم تعلّق الخُمس بالربح إلّابعد مُضيّ الحول، لا يجب عليه شيءٌ كما هو واضح.

وأمّا على القول بتعلّقه به حين حصوله، كما هو الصحيح، فيسقط اعتبار

ص: 205

المؤونة في باقيه، فلا يوضع من الربح مقدارها على تقدير الحياة، لانتفاء موضوعها، فيرجع إلى عموم أدلّة الخُمس.

مصارف الحجّ من مؤونة عام الإستطاعة

مصارف الحجّ من مؤونة عام الإستطاعة

الفرع السابع: إذا أصبح مستطيعاً أثناء الحول، وتمكّن من المسير في ذلك العام، وسار مع الرفقة الحجّ ، احتسب مخارجه من ربح ذلك، بلا إشكال في ذلك كما في «رسالة» الشيخ الأعظم رحمه الله(1)، لأنّها من أهمّ أقسام المؤونة عرفاً وشرعاً.

ولو لم يتحرّك إلى الحجّ وعصى حتّى انقضى الحول:

فهل يجبُ عليه خمس ذلك الربح ؟

أم يستثنى مقدار مصارف الحجّ؟

أم يفصّل بين ما لو تمكن من الحجّ بعد ذلك وإنْ لم يحفظ هذا الربح لمؤونته فالأوّل، وبين ما لو لم يتمكّن منه إلّابحفظه فالثاني ؟ وجوهٌ .

قد استدلّ للأوّل: بأنّ البذل المعتبر في صدق المؤونة منتفٍ في الفرض، فيكون نظير ما لو قَتَر على نفسه، وعليه فما في «العروة»(2) من التوقّف في الوجوب هنا، مع الجزم بأنّه لو قتر لم يحسب له، لا يخلو عن الإشكال.

وفيه: أنّه فرق بين المسألتين، من جهة أنّه في مؤونة الحَجّ لو لم يصرف لا يسقط عنه ذلك، بل مأمور شرعاً بالصرف في السَّنة اللّاحقة، بخلاف ما لو قَتَر، ولعلّ هذا هو مدرك القول الثاني، وإنْ كان هذا لا يخلو عن النظر، إذ مجرّد وجوب صَرفه شرعاً في السَّنة اللّاحقة لا يوجبُ كونه من مؤونة هذه السَّنة، كما لا يخفى .

ص: 206


1- كتاب الخمس: ص 214.
2- العروة الوثقى: ج 4/288 (ط. ج).

نعم، لو كان بحيث لا يتمكّن من الحجّ في السَّنة اللّاحقة إلّابحفظ هذا الربح، عُدّ ذلك من مؤونة هذه السَّنة، حيث يجب عليه حفظه فعلاً لأداء ما وجب عليه في السَّنة اللّاحقة.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثالث.

ومنه يظهر حكم النذور و الكفّارات، وأنّ الأقوى فيهما هو التفصيل بين الصورتين.

وأمّا لو لم يتمكّن من المسير في ذلك العام، وجب عليه خُمس ذلك الربح بلا كلام، لأنّه مع عدم التمكّن لا يجب عليه الحجّ ، كي يكون مخارجه من المؤونة، ولو في بعض الفروض.

ولو حصلت له الاستطاعة في سنين متعدّدة، ففي ما عدا سنة الاستطاعة يجب الخُمس في الربح، لعدم وجوب الحجّ ، وأمّا المقدار المتمّم له في تلك السَّنة، فحكمه حكم ما لو حصلت الاستطاعة في تلك السَّنة.

حُكم أداء الدَّين

حكم أداء الدَّين

الفرع الثامن: أداء الدين من المؤونة، إذا كان في عام حصول الربح، وكان لمؤونة تلك السَّنة، إذ لا يعتبر في المؤونة المستثناة صرف الربح فيها، فإنّ مقتضى إطلاق أدلّة الاستثناء، عدم وجوب الخُمس في مقدارٍ من الربح يقابل المؤونة الفعليّة.

وأمّا لو كان في ذلك العام لغير مؤونته فيه:

ص: 207

فقد اختار شيخنا الأعظم(1) رحمه الله أنّ أداء الدين حينئذٍ من المؤونة، وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه(2).

وظاهرُ جماعةٍ ، منهم صاحب «الجواهر» رحمه الله(3) عدم كونه منها، حيث قيّدوا الدين بالمقارن بالحاجة.

واستدلّ للأوّل: بأنّ صرف المال في أداء الدين ليس تضييعاً له، ولا صرفاً له فيما لا ينبغي، فكيف لا يحتسب من المؤونة ؟

وفيه: إنّ أداء الدين وإنْ كان من المؤونة، إلّاأنّ المستثنى ليس مطلق المؤونة، بل مؤونة السَّنة، وحينئذٍ لو استدان لمؤونة نفسه في السَّنة اللّاحقة يكون أداءه الدين معدوداً من مؤونة تلك السَّنة لا من مؤونة سنة الربح، ويكون نظير ما لو اشترى في الذّمة، وفي مقام الأداء أدّاه من ربح هذه السَّنة كما هو الغالب في معاملات الناس.

وأمّا ما أورد على هذا القول: من إنّه يجوز على هذا اعتبار مؤونة السَّنة اللّاحقة من ربح هذا العام، كما إذا استدان في هذه السَّنة واشترى كافّة ما يلزمه في السَّنة اللّاحقة سَلَماً وسَلَفاً، وأدّاه من ربح هذا العام، بل يجوز أن يستدين ويشتري الأملاك والعمارات والأراضي والبساتين و غيرها ممّاهو ليس من المؤونة، فيخرجه من ربح هذا العام بالاعتبار المذكور إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة.2.

ص: 208


1- كتاب الخمس: ص 93 و 202-203.
2- مصباح الفقيه: ج 3/131، العروة الوثقى: ج 4/290 (ط. ج).
3- جواهر الكلام: ج 16/62.

فغير تامّ : إذ الشيخ الأعظم(1) إنّما يدّعي أنّ أداء الدَّين من المؤونة، ولكن ما استدان له ليس منها، فمع وجوده - كما في الفرضين - يجب فيه الخُمس دون ما يمنع عنه.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثاني، وعليه فلا يجب الخُمس فيما استدان له كما لايخفى ، وكذلك وفيما استدان في عام الربح لمؤونة ذلك العام، ولم يؤدِّ دينه حتّى انقضى العام، فإنّ مقدارها يكون مستثنى من الخُمس، فله أن يؤدّيه من الربح بعد مُضيّ الحول قبل إخراج الخُمس، لما تقدّم من أنّ ظاهر أدلّة الاستثناء هو استثناء ما يقابل المؤونة، لا ما يُصرف من الربح فيها خاصّة. فراجع(1).

وعليه، فما قوّاه شيخنا الأعظم(3) رحمه الله من لزوم إخراج الخُمس أوّلاً، وأداء الدَّين ممّا بقي، ضعيفٌ ، كما أنّ توقّف سيّد «العروة»(2) في ذلك في غير محلّه.

هذا كلّه في ما إذا كان الدين في عام حصول الربح.

وأمّا إذا كان الدَّين سابقاً عليه، فإنْ كان لمؤونة عام الربح، فهو كالمقارن بلا فرق بينهما، وإنْ كان لغيرها:

فإنْ كان محتاجاً إليه في ذلك العام فكذلك، لصدق المؤونة عرفاً على أدائه حينئذٍ، وإلّا فالأظهر عدم كون أدائه من مؤونة عام الربح مطلقاً، من غير فرقٍ بين وجود مقابله وعدمه، وتمكّنه من الوفاء قبل عام الربح أو من مال آخر وعدمه، لما عرفت من تبعيّة أداء الدين لما هو في مقابله، فمع فرض عدم كونه من مؤونة السَّنة، لا يكون أداء الدَّين أيضاً منها.0.

ص: 209


1- صفحة 180 من هذا المجلّد.
2- العروة الوثقى: ج 4/290.

فما في «الجواهر»(1) من أنّ وفاء الدَّين السابق، حتّى مع عدم الحاجة، بعد شُغل الذّمة به يعدّ من الحاجة، وإنْ لم يكن أصله كذلك، غير سديد.

وأيضاً: ما اختاره الشيخ الأعظم رحمه الله(2) من أنّ وفاء الدَّين السابق من المؤونة، إذا لم يتمكّن من وفائه إلّافي عام الاكتساب، أو تمكّن ولم يؤدّه، مع عدم بقاء مقابله إلى عام الاكتساب، وتبعه فقيه عصره في «العروة»(3) في الفرض الأوّل.

غير تامّ ، إذ عدم التمكّن من الوفاء لا يوجبُ صدق مؤونة السَّنة عليه، بعد كون مقابله مصروفاً في غير هذا العام.

وبالجملة: أداء الدَّين من حيثُ هو، ليس من المؤونة مطلقاً، بل إنّما يكون منها إذا صرف مقابله في مؤونة هذا العام.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن بأسباب قهريّة، وإلّا فإنْ كان من قبيل قِيم المتلفات بالتلف غير الاختياري، وأروش الجنايات، فالأظهر كونه من مؤونة السَّنة، ويكون حكمه حكم مؤونة الحجّ والنذور والكفّارات، وقد تقدّم تنقيح القول فيها فراجع.(4)

***د.

ص: 210


1- جواهر الكلام: ج 16/62.
2- كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري: ص 203.
3- العروة الوثقى: ج 4/291 (ط. ج).
4- صفحة 206 من هذا المجلّد.

ووقتُ الوجوب، وقتُ حصول هذه الأشياء.

وقت تعلّق الخُمس

الفرع التاسع: (ووقت الوجوب، وقتُ حصول هذه الأشياء) بلا كلام في شيء منها عدا الأرباح، ويشهد له إطلاق أدلّتها.

وأمّا خُمس الأرباح: فهو أيضاً كذلك على المشهور.

وعن الحِلّي: أنّ وقت تعلّق الخُمس فيها بعد مُضيّ الحول.

أقول: وفي النسبة نظر(1)، إذ لعلّ مراده - من محكيّ كلامه(2): (فلا يجب فيها الخُمس، بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد، ومؤونة من يجب عليه مؤونته سنةً هلاليّة)، - ما هو المراد من نصوص الاستثناء المتضمّنة، لأنّ الخُمس بعد المؤونة كما ستعرف، ويؤيّده أنّ المحكي عن المصنّف في «المنتهى»(3) ذلك، مع أنّ المعلوم من مذهبه موافقة المشهور، ودعواه الإجماع عليه.

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ لكون وقت التعلّق بعد مُضيّ الحول:

1 - بأنّ المؤونة لا يُعلم كميّتها إلّابعد مُضيّ سنة.

2 - وبأنّ النصوص متضمّنة أنّ الخُمس ثابتٌ بعد المؤونة.

ويرد على الوجه الأوّل: أنّ عدم العلم بالكميّة، لا ينافي كون وقت الوجوب

ص: 211


1- نسبه إليه صاحب ذخيرة المعاد: ج 3/484، وكذلك نسبه إليه صاحب مصباح الفقيه: ج 3/141.
2- السرائر: ج 1/489.
3- منتهى المطلب: ج 1/550.

حين حصول الفائدة في المقدار الزائد عن المؤونة، وإنْ لم يعلم، مع أنّه ربما يَعلم الكميّة.

مضافاً إلى أنّ عدم العلم بها، إنّما هو بالنسبة إلى مقدارٍ من الربح، وأمّا الزائد على ذلك، فلا يجري فيه ذلك، مثلاً من اتّجر وربح مائة ألف دينار، ويعلم بأنّه لا يزيد مؤونة سنته من ألف دينار، فلِمَ لا يجب عليه الخُمس في الزائد؟

وعلى الوجه الثاني: أنّ أدلّة الخُمس متكفّلة لبيان أمرين:

الأوّل: الحكم الوضعي، وهو تعلّق الخُمس بالمال حين حصول الفائدة.

الثاني: وجوب إخراجه حين تعلّقه.

أمّا نصوص المؤونة، كقوله عليه السلام في خبر البزنطي، حيث أجاب عند السؤال عن السؤال عن أنّ الخُمس يخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ قال عليه السلام:

«بعد المؤونة»(1).

وقوله عليه السلام في خبر النيسابوري: «لي منه الخُمس ممّا يَفضل عن مؤونته»(2).

وغيرهما، إنّما تكون ظاهرة في عدم وجوب الإخراج قبل مُضيّ الحول، وبها يقيّد إطلاق الأدلّة من الجهة الثانية.

وأمّا الجهة الأولى فهي بالنسبة إليها باقية على إطلاقها، الموجب لكون وقته حين حصول الفائدة.

وأمّا ما أورد عليه: بأنّ الأمر في نصوص الاستثناء يدور بين إرادة البَعديّة الزمانيّة منها، وبين إرادة التأخّر الرتبي، وعلى الأُولى يلزم الالتزام بوجوب0.

ص: 212


1- الكافي: ج 1/545 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/508 ح 12597.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12580.

الخُمس في جميع الربح بعد المؤونة، إذ لا تعرّض لها حينئذٍ لمتعلّقه، بل هي واردة في مقام بيان وقته، وعلى الثانية تكون متضمّنة لتحديد متعلّق الخُمس، لا في مقام وقته، وحيثُ أنّه لا يمكن الالتزام بالأُولى ، فيتعيّن الالتزام بالثانية.

فغير تامّ : إذ ظاهر ما تضمّن أنّ الخُمس بعد المؤونة، هي البَعديّة الزمانيّة، ولا صارف عن ظهوره سوى ما ذكر، وهو فاسدٌ، إذ يشهد لتحديد المتعلّق أيضاً:

قوله عليه السلام في خبر النيسابوري: «لي منه الخُمس ممّا يَفضل عن مؤونته».

وقوله عليه السلام في خبر ابن راشد: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1) جواباً عن قول السائل: (والتاجر عليه والصانع بيده)، إذ الظاهر منه أنّ الخُمس في الباقي بعد المؤونة.

وعليه فالصحيح ما ذكرناه.

أقول: ومنه يظهر وجه ما أفتى به المشهور، من أنّه يؤخّر جوازاً ما يجب في الأرباح، بل ادّعى عليه الإجماع، وقولهم: (احتياطاً للمكتسب) إنّما اُريد به أنّ ذلك هي الحكمة في الجعل، لا أنّه الوجه في الجواز حتّى يرد عليهم بأنّه قد يعلم كميّة المؤونة.

مع أنّ احتمال وجود المؤونة منفيٌّ بالأصل، مضافاً إلى أنّ ذلك فيما يحتمل صرفه في المؤونة، وأمّا في الزائد عليه فلا يتمّ ذلك.

ودعوى : كون المراد بالاحتياط، الاحتياط النوعي، فلا يرد هذه المحاذير.

مندفعة: بأنّه يبقى حينئذٍ إشكال أنّه كيف يكون الاحتياط النوعي مدركاً لهذا الحكم ؟!1.

ص: 213


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12581.

الخسران أو التلف يُجبر بالربح

الخسران أو التلف يُجبر بالربح

الفرع العاشر: لا إشكال ولا نقاش في أنّه إذا اتّفقت الخسارة والفائدة في تجارةٍ واحدة، بأن باع بعض مال التجارة فخَسِر، ثمّ تغيّر السِّعر فباع الباقي بأضعافه، أو أخذ شيئين صفقةً ، فربح في أحدهما وخَسر في الآخر، أنّه تُجبر الخسارة بالربح، لعدم صدق الاستفادة، ما لم يحصل على أزيد من ما صرفه فيها.

ومنه يظهر عدم الفرق بين الخُسران وبين التلف بالسَّرقة ونحوها.

وعليه، فما في «الجواهر»(1) من عدم الجبر في الفرض الثاني ضعيفٌ .

وأيضاً: لو كانتا في عامٍ واحد في وقتين، فاختار صاحب «الجواهر»(2) عدم الجبر، لا سيّما لو كان الربح في الوقت الثاني، لأنّهما في الحقيقة كالتجارتين، ولكن ستعرف أنّ الجبر في التجارتين هو الأقوى .

نعم، ما ذكره فيما لو كان الربح في الوقت الثاني، أي كان الخسران متقدِّماً على أصل الربح، هو الصحيح، بناءً على ما اخترناه تبعاً له قدس سره من أنّ مبدأ السَّنة حصول الربح، لا الشروع في الاكتساب، لأنّ الخُسران أو التلف قبل السَّنة لا يُجبر بربحها، كما أنّ مؤونتها لا تستثنى منه.

أقول: لو فرّق الكاسب والتاجر رأس ماله في أنواع من التجارة، فربح في نوعٍ منها، وخَسِر في نوعٍ آخر، أو تلف بعض رأس ماله أو تمامه في نوعٍمنها:

أمّا صاحب «الجواهر»(3) فقد قوّى عدم الجبر.

ص: 214


1- جواهر الكلام: ج 16/61.
2- جواهر الكلام: ج 16/61.
3- جواهر الكلام: ج 16/61.

لكن استقرب شيخنا المرتضى(1) الجبر، وقوّاه جماعة(2)، وهو الأقوى ، إذ بعدما عرفت مراراً أنّ الظاهر من النصوص بعد رَدّ بعضها إلى بعض، أنّ موضوع وجوب الخُمس هو مجموع الربح الحاصل خلال السَّنة، دون أن يكون كلّ ربح موضوعاً مستقلّاً، وربح السَّنة إنّما يُقاس إلى رأس المال الموجود في أوّل السَّنة، فإنْ حصل له في آخر السَّنة أزيد منه، صدق أنّه ربح في سنته وإلّا فلا، لا يبقى ترديدٌ في ثبوت الجبر، من غير فرقٍ بين صورة الخُسران أو التلف، ويشير إلى ذلك قوله عليه السلام في خبر ابن راشد: (إذا أمكنهم بعد مؤونتهم) جواباً لسؤال السائل: (والتاجر عليه والصانع بيده ؟)، فإنّه يدلّ على أنّه إنّما يجبُ الخُمس إذا بقي شيءٌ للتاجر والصانع بعد مُضيّ الحول، وإلّا فلا، سواءٌ أكان له تجارة واحدة، أو أنواع من التجارة، وسواءٌ ربح في بعضها وخسر في الآخر، أو ربح في الجميع.

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّ الجبر هو الأظهر، لو كان له تجارة وزراعة مثلاً، فخسر في تجارته، أو تلف رأس ماله فيها - بناءً على ما هو الأظهر، من أنّ الملحوظ هو الربح الحاصل خلال السَّنة، بلا دخل لما يتوسّل به لحصوله - لعدم صدق الاستفادة على تجارته المذكورة عرفاً.

وعليه، فما في «العروة»(3) من أنّ عدم الجبر في هذا الفرع لا يخلو عن قوّة، ضعيف، ولعلّ الجبر في جميع هذه الفروع هو المشهور بين الأصحاب، حيث أنّهم لم يتعرّضوا لها، وإنّما أفتوا بعدم الجبر في الفرع القادم، وحكموا بأنّه لم يجبر بالربح فيما).

ص: 215


1- كتاب الخمس: ص 213.
2- شرح اللّمعة: ج 2/77، العروة الوثقى: ج 4/295 (ط. ج)، مستمسك العروة الوثقى : ج 9/553.
3- العروة الوثقى: ج 4/295 (ط. ج).

لو تلف بعض أمواله، ممّا ليس من مال التجارة، أو نحو ذلك.

واستدلّ له في «العروة»(1): بأنّه ليس محسوباً من المؤونة.

وفيه: أنّ ذلك ممّا لا إشكال فيه، ما لم يكن ذلك المقدار مورداً لاحتياجه، أو لم يشتره - الذي هو خارجٌ عن محلّ الكلام - إلّاأنّ عدم الجبر لا يتوقّف على ذلك، بل عليه وعلى صدق الاستفادة مع التلف، ولذا استدلّ به جماعة، ولكنّه قابل للمنع بناءً على ما اخترناه من وجوب الخُمس في مطلق الفائدة، لا خصوص الفائدة المكتسبة، كما هو المنسوب إلى المشهور، فإنّه عليه يلاحظ عرفاً في آخر السَّنة، فإنْ كان عنده أزيد من ما كان يملكه في أوّلها، فهو يعدّ مستفيداً وغانماً، وإلّا فلا.

وعلى فرض التنزّل وتسليم الشكّ في ذلك، فلابدّ من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الخُمس، إذ الشكّ في الجبر يستلزمُ الشكّ في صدق الإستفادة، الموجبُللشكّ في وجوب الخُمس، فيكون المرجع حينئذٍ هو إلى الأصل النافي له.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الجبر في جميع هذه الموارد، وما عن المشهور من عدمه في الفرع الأخير، إنّما يكون مبتنياً على ما نُسب إليهم من عدم الخُمس في مطلق الفائدة.

ومنه يظهر أنّ مثل صاحب «العروة» الذي توقّف في ثبوته في مطلق الفائدة، غير جازمٍ بعدم الجبر.

***).

ص: 216


1- العروة الوثقى: ج 4/264 (ط. ج).

الخُمس متعلّق بالعين

الخُمس متعلّق بالعين

بقي في المقام مسائل يجب التعرّض لها ولأحكامها، وهي:

المسألة الاُولى: في متعلّق الخُمس وكيفيّة تعلّقه ؟

وتنقيح القول فيه يتحقّق بالبحث في جهات:

1 - في أنّه متعلّقه بالعين أو بالذمّة ؟

2 - في أنّه على فرض تعلّقه بالعين، هل هو متعلّقٌ بها بما لها من الماليّة، أم متعلّقٌ بها بما لها من الخصوصيّات الشخصيّة ؟

3 - في أنّ ثبوته فى العين، هل يكون بنحو المِلْكيّة، أو يكون حقّاً متعلّقاً بالعين ؟

4 - في أنّه على القول بكونه بنحو المِلْكيّة، هل تكون شركة أرباب الخُمس مع المالك على وجه الإشاعة، أو على وجه الكلّي في المعيّن ؟

5 - في أنّه على القول بكونه حقّاً، هل هو من قبيل حقّ الجناية، أو من قبيل حقّ الرهانة، أم من قبيل غيرهما؟

وقد أشبعنا الكلام في جميع هذه الجهات في كتاب الزكاة(1)، ولا نُعيد ما تحدّثنا عنه سابقاً، وإنّما نُشير إلى ما هو الحقّ .

فأقول: الظاهر من الأدلّة الواردة في الكتاب والسُنّة، كون الخُمس متعلّقاً بالعين، راجع كتاب الزكاة من هذا الشرح(2) ولاحظ دليل المختار، وما يمكن أنْ يستدلّ به على تعلّقه بالذمّة، وما يرد عليه.

كما أنّ الظاهر كون الخُمس متعلّقاً بالعين بمالها من الماليّة، إذ الظاهر من الآية

ص: 217


1- فقه الصادق: ج 10.
2- فقه الصادق: ج 10/81.

الشريفة وجوب الخُمس في الغنيمة بما هي غنيمة، المتوقّف صدقها على الماليّة، دون الخصوصيّات الشخصيّة.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - طوائف من النصوص:

منها: ما تضمّن جواز المعاملة على مال الخُمس، وانتقاله إلى ثمنه، إذ لو كان متعلّقاً بالخصوصيّات لم يجز ذلك.

ومنها: ما دلّ على جواز أداء القيمة، وعدم وجوب دفع خُمس العين.

ومنها: ما دلّ على جواز التصرّف في العين مطلقاً.

إلى غير ذلك من النصوص.

وأيضاً: الظاهر من الأدلّة، إّ الخُمس متعلّق بالعين على نحو الحقيقة دون المِلْكيّة.

توضيحه: إنّ الأدلّة على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما اُضيف الخُمس فيه إلى نفس الموضوع، كقوله تعالى :

وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (1) .

وغاية ما قيل في وجه دلالة ذلك على كون الخُمس متعلّقاً بالشيء بنحو الملكيّة، ظهور حرف اللّام في ذلك.

ولكن يندفع ذلك بأنّ الموضوع المأخوذ في الآية هو الغنيمة والفائدة المستندة إلى الشخص، المتوقّف صدقها على الملكيّة، فموضوعه ملكيّة المالك، فلا محالة يكون تعلّق الخُمس في الطول من ذلك، فلا يُعقل إلّابأن يكون حقّاً متعلّقاً بما استند1.

ص: 218


1- سورة الأنفال: الآية 41.

إلى المالك على وجه الغُنم، وإلّا فلو كان خُمسه مِلْكاً لأربابه، لما صَحّ استناد الغُنم بتمامه إلى المالك، فتدبّر فإنّه دقيق.

الطائفة الثانية: ما جُعل الموضوع فيه ظرفاً للخُمس، كمصحّح عمّار بن مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فيما يُخرج من المعادن والبحر والغَنيمة والحلال المختلط بالحرام، إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخُمس»(1). ونحوه غيره.

أقول: وغاية ما قيل في وجه دلالة هذه النصوص على المِلْكيّة أنّ ظاهرها إرادة الجُزء الحال في الجميع.

ولكن يرد عليه: أنّه لو سُلّم الظرفيّة - مع أنّ للمنع عنها مجالاً واسعاً، إذ الظرفيّة المترائية فيها ليست حقيقيّة، بل إنّما هي ظرفيّة اعتبارية، ولم يثبت كون لفظة (في) حقيقة فيها، بل غاية ما ثبت كونها حقيقيّة في الظرفيّة الحِسيّة، وحينئذٍ فيدور الأمر بين الحمل على الظرفيّة الاعتباريّة، أو السببيّة، ولا معيّن لأحداهما - أنّه يمكن أنْ يكون الظرف لغواً متعلّقاً بفعلٍ مقدَّرٍ مثل (يجبُ )، فيكون مدخول كلمة (في) ظرفاً لذلك الفعل، نظير قولهم: (في قتل الخطأ الدّية)، فلا تدلّ على ظرفيّته للخُمس.

مع أنّه لو سُلّم كونه ظرفاً مستقرّاً متعلّقاً بكائن، حيث أنّ الظرف يباين المظروف، فيكون ظاهرها كون الخُمس شيئاً موضوعاً على المال خارجاً عنه، فيتعيّن أنْ يكون حقّاً قائماً بالعين.

مع أنّه لو أغمض عن ذلك أيضاً، فهي غير ظاهرة في ظرفيّة الكلّ للجزء، بل يجوز أنْ تكون من قبيل ظرفيّة موضوع الحقّ للحقّ .1.

ص: 219


1- وسائل الشيعة: ج 9/494 ح 12566، الخصال: ج 1/290 ح 51.

الطائفة الثالثة: النصوص المتضمّنة لأداة الاستعلاء بدل أداة الظرفيّة، كمرسل ابن أبي عُمير: «الخُمس على خَمسة أشياء: على الكنوز... الخ»(1). وظهور الخبر في أنّ الخُمسَ موضوعٌ على المال خارجاً عنه ممّا لا يُنكر.

الطائفة الرابعة: غير ذلك ممّا يكون ظاهراً فيه، أو قابلاً للحمل عليه.

أقول: ويؤيّد المختار، بل يشهد له، أنّ الالتزام بالمِلكيّة، يستلزم عدم الالتزام بجملة من الفروع الفقهيّة المسلّمة بين الفقهاء، كجواز دفع القيمة بغير رضاء أرباب الخُمس، بل الحاكم الشرعي، وعدم كون المالك ضامناً لمنفعة الخُمس، إنْ لم يستوفها، وإنْ فرّط بالتأخير، وجواز التصرّف في المال من دون إذن أرباب الخُمس، ونحو ذلك كما هو واضح.

وأيضاً: الظاهر من الأدلّة كونه من قبيل حقّ الجناية، أي يكون حقّاً تعليقيّاً متعلّقاً بنفس العين.

أمّا وجه كونه تعليقيّاً: فلما دلّ على جواز إعطاء المالك من غير العين وتبديله.

ووجه كونه متعلّقاً بالعين ابتداءً ما دلّ من النصوص والفتاوى على عدم ضمان الخُمس بتلف المال، إذ لو كان في الذّمة، وكان من قبيل حقّ الرهانة، لم يكن موجب لبراءة الذّمة عنه بتلف المال، كما أنّ تلف الرهن لا يوجب براءة ذمّة الراهن من الدين.

فتحصّل: أنّ تعلّق الخُمس بالعين إنّما يكون من قبيل تعلّق حقّ الجناية.

حُكم ربح ما تعلّق به الخُمس1.

ص: 220


1- وسائل الشيعة: ج 9/494 ح 12567، الخصال: ج 1/291.

حُكم ربح ما تعلّق به الخُمس

أقول: يترتّب على المختار أنّه لو تاجر بالمال الذي تعلّق به الخُمس، وحصل منه ربح، لا يكون ما يقابل خُمس الربح الأوّل لأرباب الخُمس، سواءٌ أكانت التجارة في أثناء السَّنة، أو كانت بعد تمام الحول، كما لا يخفى .

ثمّ إنّه على القولين الآخرين، لا إشكال في كون ما يقابل خُمس الربح الأوّل لأربابه، إذا كانت التجارة بعد مُضيّ الحول، في غير المورد الذي حكمنا فيه بصحّة المعاملة، لتبعيّة النماء للأصل.

إنّما الكلام في التجارة به في أثناء الحول، ولا كلام أيضاً في جوازها تكليفاً كسائر التصرّفات، للنصوص المتقدّمة الدالّة على جواز التأخير إلى مُضيّ الحول، فإنّها بالملازمة العاديّة تدلّ على جواز التصرّف فيه مطلقاً كما مرّ.

إنّما الإشكال فيما لو ربح، فقد نوقش في أنّ ربح خُمس المال هل هو ثابتٌ لأربابه أم لا؟

فيه وجهان، اختار أوّلهما صاحب «الجواهر»(1) رحمه الله، واستدلّ له:

بتبعيّة النماء للأصل، وأنّ جواز التأخير لا ينافي ذلك، فلو ربح أوّلاً مثلاً ستمائة دينار، وكانت مؤونته منها مائة، وقد أخذها فاتّجر بالباقي، من غير فصل معتدّ به، فربح خمسمائة، كان تمام الخُمس مائتين وثمانين، مائة من الربح الأوّل، ويتبعها نمائها من الثاني، وهو مائة أيضاً، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة، وخُمسها ثمانون، فيكون المجموع مائتين وثمانين.

وفيه: ما تقدّم منّا مراراً من أنّ الظاهر من النصوص - بعد استثناء مؤونة السَّنة

ص: 221


1- جواهر الكلام: ج 16/55.

منها - أنّ موضوع الخُمس مجموع ربح السَّنة، لا أنّ كلّ واحدٍ من الأرباح موضوعٌ مستقلٌّ ، وعليه فمجموع الربح السنوي في الفرض ألف دينار، فيكون تمام الخُمس مائتين.

وبعبارة اُخرى : موضوع وجوب الخُمس، ما يزيد في آخر السَّنة على رأس المال، كما يشهد له - مضافاً إلى ذلك - قوله عليه السلام في خبر ابن راشد: (إذا أمكنهم بعد مؤونتهم)(1) جواباً عن سؤاله التاجر عليه والصانع بيده، وقوله عليه السلام في خبر النيسابوري: (لي منه الخُمس ممّا يفضل عن مؤونته)(2).

***0.

ص: 222


1- تهذيب الأحكام: ج 4/123 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12581.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/500 ح 12580.

جواز تعجيل إخراج خُمس الأرباح

جواز تعجيل إخراج خُمس الأرباح

المسألة الثانية: يجوز تعجيل إخراج خُمس الربح، إذا حصل في أثناء السَّنة، ولا يجبُ التأخير، لما عرفت في الفرع التاسع من أنّ ما دلّ على أنّ الخُمس بعد المؤونة، إنّما يدلّ على جواز التأخير، لكن لا يدلّ على أنّ وقت تعلّق الخُمس يكون بعد الحول، فلو أراد إخراجه عليه أن يقدّر المؤونة تخميناً، ويُخرج ما زاد عليها، وحينئذٍ لو أخرجه بعد التخمين بما ظنّه، فبانَ بعد ذلك عدم كفاية الربح.

فاختار صاحب «الجواهر»(1) صحّته خُمساً له، وأنّه لا يرجع به على المستحقّ ، حتّى مع علمه بالحال وبقاء العين، فضلاً عمّا لو انتفى أحدهما. ومال إليه الشيخ الأعظم(1) رحمه الله.

واستدلّ له في «الجواهر» (3) :

1 - باحتمال كون المعتبر عند إرادة التعجيل تخمين المؤونة وظنّها، إذ لو كان الخُمس متعلّقاً بالعين من حين حصول الفائدة، وكان الإخراج واجباً موسّعاً، لصحّ في كلّ وقتٍ من أوقات السَّنة الإخراج بعد وضع المؤونة، بملاحظة حاله في ذلك الوقت، فلا محالة يكون تخمين المؤونة موضوعاً لوجوب الخُمس واقعاً.

2 - وبأنّ المراد من الاحتياط في قولهم: (يجوز التأخير احتياطاً للمُكتَسِب) هو ما يقابل الخسارة، وهي إنّما تكون مع عدم جواز الرجوع على تقدير الخطأ، لا ما يقابل تعسّر الإسترداد، لأنّه ممّا لا ينبغي ملاحظته وجعله احتياطاً.

أقول: وفيهما نظر:

ص: 223


1- كتاب الخمس: ص 211.

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر من كلّ عنوانٍ مأخوذ دخيلاً في الحكم، مدخليّته بنفسه فيه، وحيثُ أنّ المأخوذ في الأدلّة موضوعاً لوجوب الخُمس، هو ما يفضل من المؤونة، فدَخَل تخمين المؤونة، بحيثُ يكون التخمين تمام الموضوع، خلاف الأدلّة، يحتاج إلى دليلٍ آخر مفقود في المقام.

وأمّا الثاني: فلأنّ قولهم: (احتياطاً للمكتسب) ليس دليل جواز التأخير كما مرّ، فلا وجه للاستدلال بما هو ظاهر الاحتياط لهذا الحكم.

وعليه، فالأقوى عدم صحّته خُمساً، فحينئذٍ سبيله سبيل ما دفع إلى الغير بعنوانٍ لا يكون موجباً لضمانه، وانكشف فساد ذلك العنوان، وعدم صحّته.

والمختار فيه: أنّه يرجع إليه مع بقاء العين مطلقاً، ومع تلفها في صورة العلم بالحال، وأمّا مع جهله وتلف العين، فلا يكون ضامناً لقاعدة الغرور(1). وتمام الكلام في محلّه.

***

المسألة الثالثة: لو جَعل الرجل الغوص أو المعدن مكسباً له، كفاه إخراج خُمسه أوّلاً، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته، كما صرّح به جماعة من المحقّقين(2).

واستدلّ له:

1 - بما ذكر في «تحف العقول» عن الإمام الرضا عليه السلام: «والخُمس من جميع المال).

ص: 224


1- وهي المستفادة من النبويّ المرسل المشهور: (المغرور يرجع إلى مَن غرّه)، وقد تعرّض المصنّف لإثبات هذه القاعدة في بحث المكاسب: (الغرامة التي غرمها المشتري).
2- العروة الوثقى: ج 4/303 (ط. ج).

مرّة واحدة»(1).

2 - وبما تضمّن أنّه: «لا ثنيا في صدقة»(2) بناءً على شيوع إرادة الخُمس من الصَّدقة، كما ادّعاه صاحب «الرياض»(3).

3 - وبأنّ الظاهر من نصوص ثبوت الخُمس في الغوص واخوته، عدم وجوب أزيد من ذلك فيها، مع كونها في مقام البيان.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلضعف سنده.

وأمّا الثاني: فلأنّ إطلاق الصَّدقة على الخُمس لو سُلّم شيوعه - مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً - لا ريب في كونه خلاف الظاهر.

وأمّا الثالث: فلأنّ إطلاق تلك النصوص مسوقٌ لبيان أحكام العناوين الخاصّة بما هي، لا من الجهات الاُخر، ولذا لو كان زكويّاً لم يسقط الزكاة.

فالصحيح أن يستدلّ له: بأنّ الظاهر من الآية الشريفة - بناءً على شمولها لجميع موارد الخُمس، سوى الحرام المختلط، وأرض الذّمي التي اشتراها من مُسلم كما قوّيناه - أنّ الخُمس إنّما يجبُ في تلك الموارد بعنوان واحد، وهي الغنيمة والفائدة، ولا دخل للعناوين الخاصّة في ثبوت أصل الخُمس، وإنْ كانت دخيلة في بعض القيود والشرائط، ولذلك نقول إنّهما ليسا عنوانين متغايرين تعلّق الخُمس بكلّ منهما، كي يجب الخُمس عند اجتماعهما مرّتين عملاً بالدليل.

***).

ص: 225


1- وسائل الشيعة: ج 9/490 ح 12558، تحف العقول ص 417.
2- النهاية في غريب الحديث: ج 1/218.
3- رياض المسائل: ج 5/248 (ط. ج).

عدم اشتراط الكمال في تعلّق الخُمس

عدم اشتراط الكمال في تعلّق الخُمس

المسألة الرابعة: لا يشترط البلوغ والعقل في تعلّق الخُمس في جميع الموارد، بلا خلافٍ ظاهر، إلّاعن صاحب «المدارك»(1) في غير الكنز والمعدن والغوص، وكذلك وصاحب «المناهل»(2) في الحلال المختلط بالحرام، وتوقّف السيّد في «العروة»(3) في أرباح المكاسب.

وعن غير واحدٍ(4) دعوى الإجماع في خصوص المعادن والكنوز والغوص، منهم المصنّف رحمه الله(5)، والمحقّق القُمّي(6) في الأُولى، بل الظاهر من إطلاق الفتاوى ومعاقد الإجماعات - لا سيّما مع التصريح باشتراط الكمال في الزكاة، والإهمال هنا - ثبوت الإجماع في الجميع، واقتصار بعضهم عليبعض الموارد لاينافي ذلك.

وكيف كان، فمقتضى إطلاق أدلّة الخُمس في الجميع، المتضمّنة لثبوت الخُمس في العين، هو عدم الاشتراط.

واستدلّ للاشتراط:

1 - بحديث (رفع القلم عن الصبي)(7).

ص: 226


1- مدارك الأحكام: ج 5/390 قوله: (وربما لاحَ من العبارة اعتبار التكليف والحريّة في غير هذه الأنواع الثلاثة، وهو مشكل على إطلاقه فإنّه مالٌ مملوك لمولاه فيتعلّق به خمسه، نعم اعتبار التكليف في الجميع متّجه).
2- حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 276.
3- العروة الوثقى: ج 4/304 (ط. ج).
4- مستند الشيعة: ج 10/75.
5- منتهى المطلب: ج 1/546.
6- غنائم الأيّام: ج 4/297.
7- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81 و 82، من لا يحضره الفقيه: ج 2/380 ح 5.

2 - وبإطلاق جملةٍ من النصوص(1) الواردة في الزكاة، النافية للشيء في مال اليتيم.

3 - وبأنّ النصوص المتضمّنة لثبوت الخُمس إنّما تدلّ عليه من جهة دلالتها على لزوم إخراجه، وحيث لا يجبُ على الصبي فلا يكون ثابتاً.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ وجوب الخُمس لو كان مجرّد حكم تكليفي - وإنْ انتزع منه الحكم الوضعي - كان مقتضى الحديث رفعه، لما حقّقناه في كتابنا (منهاج الفقاهة)(2)من عموم الحديث لجميع الآثار.

ولو كان المجعول حقّاً أو مالاً في أموالهم، لا يصلح الحديث لرفعه، إذ الحديث يختصّ بما إذا كان الحكم والأثر مترتّباً على فعل المكلّف بما هو، ولا يعمّ مثل النجاسة المترتّبة على عنوان الملاقاة.

وعليه، فلا يشمل الحديث الخُمس المسبّب عن زيادة الربح عن مؤونة السَّنة مثلاً، ولا فرق في ذلك بين كون وجوب الأداء أيضاً مجعولاً أم لا، كما لا فرق بين أنْ يكون أحد المجعولين تابعاً للآخر وعدمه، وحيث أنّ الظاهر من الأدلّة هو الثاني، وتدلّ على ثبوته في العين وضعاً، فلا وجه للتمسّك بالحديث لرفعه.

وأمّا الثاني: فلأنّ تلك النصوص تدلّ على نفي الشيء الثابت في الأموال الصامتة للبالغين عن مال اليتيم، وما هو ثابتٌ في المال الصامت من حيثُ هو كذلك ليس إلّاالزكاة، ولذا قال عليه السلام في ذيل تلك الأخبار: «فأمّا الغلّات فعليها الصَّدقة».

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر من جُلّ أدلّة الخُمس - حتّى الآية الشريفة - تعلّقة.

ص: 227


1- الكافي: ج 3/540 باب زكاة اليتيم، وسائل الشيعة: ج 9/83 الباب 1.
2- راجع منهاج الفقاهة، في البحث عن (عقد الصبي) حيث تعرّض فيه للحديث والأقوال في المسألة.

الخُمس بالعين المغتنمة من حيثُ هي.

ودعوى: أنّ دليل ثبوت الخُمس في أرض الذّمي، من جهة استعمال أداة (على ) ظاهرٌ في التكليف.

مندفعة: بما تقدّم من ظهور هذا التعبير - بملاحظة جَعل الموضوع هو العين لا الفعل - أنّ الخُمس حقٌّ مالي متعلّق بالعين.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار التكليف في شيءٍ من الموارد، وعليه فما عن «المدارك» من ثبوته في غير الثلاثة المذكورة، ضعيفٌ .

وأضعفُ منه ما عن «المناهل»(1) من اعتباره في الحلال المخلوط بالحرام، فإنّ المال المختلط إنّما شُرّع فيه الخُمس، للتخلّص عمّا فيه من الحرام، وليس حقّاً حادثاً في أصل المال كالزكاة، ولذا لا سبيل إلى توهّم اعتباره فيه.

وبالجملة: ممّا ذكرناه ظهر أنّ الأظهر عدم اشتراط الحريّة، إلّابناءً على أنّ العبد لا يملك.

ثمّ إنّه يجب على الولي دفع الخُمس المتعلّق بمال الصبي، بمثل ما يجب عليه دفع حقوق الناس المتعلّقة به، أو الثابتة في ذمّته، فالقول بتعلّقه به وعدم وجوب أدائه إلّا بعد بلوغه، ضعيفٌ .

***6.

ص: 228


1- حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: ص 276.

ويقسّم الخُمس ستّة أقسام:

قسمة الخُمس ومستحقّه

(ويُقسّم الخُمس ستّة أقسام) على المشهور بين الأصحاب شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل عليه الإجماع كما ادّعاه جماعة(1)، إذ لم يُنقل الخلاف فيه إلّاعن شاذٍ من الأصحاب، وعن بعضٍ (2) استظهار كونه ابن الجُنيد.

ولكن نقل المصنّف في محكى «المختلف»(3) موافقته للمشايخ الثلاثة وباقي علمائنا.

وتشهد له:

1 - قوله تعالى : وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى (4) الآية.

2 - وجملة من النصوص:

منها: مرسل حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا، عن الكاظم عليه السلام: «الخُمس من خمسة أشياء - إلى أنْ قال - ويقسّم بينهم الخُمس على ستّة أسهم: سهمٌ للّه، وسهمٌ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، وسهمٌ لذي القربى ، وسهمٌ لليتامى ، وسهمٌ للمساكين، وسهمٌ لأبناء السبيل. فسهمُ اللّه وسهمُ رسول اللّه لأُولي الأمر من بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله

ص: 229


1- الانتصار: ص 225، غنية النزوع: ص 130، مستند الشيعة: ج 10/83.
2- حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخُمس: ص 288 بقوله: (وإنْ حكى بعض استظهار كونه ابن الجُنيد).
3- مختلف الشيعة: ج 3/325.
4- سورة الأنفال: الآية 41.

وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثةً ، وسهمٌ مقسومٌ له من اللّه، وله نصف الخُمس كملاً»(1). الحديث.

ومنها: موثّق ابن بُكير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السلام: «في قوله تعالى:

وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (2) الآية. قال: خُمس اللّه للإمام، وخُمس الرسول للإمام، وخُمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام... الخ»(3) ونحوهما غيرهما.

أقول: واستدلّ لما نُسب إلى شاذٍ من الأصحاب، من أنّه يقسّم الخُمس خَمسة أقسام، بإسقاط سهم الرّسول صلى الله عليه و آله كما عن جماعةٍ (4)، أو سهم اللّه تعالى كما عن «المدارك»(5)، وهو مذهب أكثر العامّة:

1 - بالآية الشريفة، بدعوى أنّ هذه الآية تدلّ على ما يدلّ عليه قوله تعالى :

وَ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (6) ، أو أنّ الافتتاح بذكر اسم اللّه تعالى على جهة التيمّن والتبرّك، لأنّ الأشياء كلّها له، أو أنّ معنى الآية: إنّ من حقّ الخُمس أنْ يكون متقرّباً به إلى اللّه، وأنّ قوله تعالى: وَ لِلرَّسُولِ ... * إلى آخره(7) من قبيل التخصيص بعد التعميم، تفضيلاً لهذه الوجوه على غيرها.

2 - وبصحيح ربعي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا أتاه المَغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له، ثمّ يُقسّم ما بقى منه خَمسة أخماس ويأخذ خُمسه، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثمّ يقسّم الخُمس الذي أخذه خَمسة1.

ص: 230


1- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/513 ح 12607.
2- سورة الأنفال: الآية 41.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/125 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/510 ح 12601.
4- الجامع للشرائع ص 150، منتهى المطلب: ج 1/550.
5- مدارك الأحكام: ج 5/393 وص 396-397.
6- سورة التوبة: الآية 62.
7- سورة الأنفال: الآية 41.

أخماس، يأخذ خُمس اللّه عزّ وجلّ لنفسه، ثمّ يُقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القُربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، يُعطي كلّ واحدٍ منهم حقّاً، وكذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسول صلى الله عليه و آله»(1).

أقول: وأورد عليه بوجهين:

أحدهما: ما أفاده الشيخ في محكيّ «الاستبصار»(2)، وتبعه المصنّف(3) رحمه الله وغيره(4) بأنّه حكاية فعل، فلعلّه أخذه دون حقّه، توفيراً للباقى علي باقى المستحقّين.

ثانيهما: ما أفاده بعض الأعاظم(5) من أنّ ظاهره سقوط سهم الرّسول صلى الله عليه و آله لا سهم اللّه تعالى كما هو المدّعى.

ويرد على الأوّل: بأنّ ظاهر نقل الإمام له كونه عليه السلام في مقام بيان الحكم، وظاهر ذلك دخل كلّ ما ذكره فيه، مع أنّ قوله عليه السلام: (وكذلك الإمام يأخذ) يأبى عن ذلك كما عن جماعةٍ التصريح به.

ويرد على الثاني: بأنّ المخالف أيضاً يدّعي سقوط سهم الرسول صلى الله عليه و آله.

فالحقّ في الجواب يقتضي أنْ يُقال: إنّ ما ذُكر في الآية الشريفة خلاف الظاهر، لا يصار إليه مع عدم القرينة، مع أنّ النصوص الواردة في تفسيرها(6) - المتقدّم بعضها - تأبى عن ذلك، لصراحتها في أنّه يقسّم ستّة أسهم.س.

ص: 231


1- تهذيب الأحكام: ج 4/128 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/510 ح 12602.
2- الاستبصار: ج 2/75 ذيل الحديث 2.
3- مختلف الشيعة: ج 3/326، منتهى المطلب: ج 1/545.
4- مجمع الفائدة: ج 4/289، جواهر الكلام: ج 16/89.
5- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/568.
6- تهذيب الأحكام: ج 4/127 باب 37 قسمة الغنائم، وسائل الشيعة: ج 9/509 أبواب قسمة الخُمس.

سهمٌ للّه، وسهمٌ لرسوله صلى الله عليه و آله، وسهمٌ لذي القُربى .

ودعوى : عدم الاعتماد عليها لضعف أسنادها.

مندفعة: بأنّ فيها ما هو موثّق ومعتبر، مضافاً إلى انجبارها بعمل الأصحاب.

وأمّا الصحيح: فإنْ أمكن الجمع بينه وبين هذه النصوص، من جهة صراحتها في أنّه يقسّم ستّة أسهم، وظهور الصحيح فيما ذكر فهو، وإلّا فيتعيّن طرحه، لأنّ أوّل المرجّحات وهي الشهرة مع تلك النصوص، فتقدّم.

أمّا الآية الشريفة والنصوص المتقدّمة: وإنْ لم تشمل الحلال المختلط بالحرام، والأرض المشتراة، إلّاأنّه يثبت هذا الحكم فيهما أيضاً بالإطلاق المقامي، فإنّ عدم التعرّض في أدلّتهما لمصرفه، ظاهرٌ في ايكاله إلى ما يظهر من الآية الشريفة والنصوص المتعرّضة له.

أقول: ثمّ إنّ ثلاثة أسهم من تلك الأقسام تكون بنصّ الآية الكريمة لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى (1) والنصوص المذكورة (سهمٌ للّه، وسهمٌ لرسوله صلى الله عليه و آله، وسهمٌ لذي القربى).

أمّا سهم اللّه: فهو لرسوله صلى الله عليه و آله إجماعاً، ففي خبر معاذ صاحب الأكسية عن الإمام الصادق عليه السلام: «وما كان للّه من حقّ فهو لوليّه»(2)، وكذلك ورد في خبر البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام، أنّه قيل له: «فما كان للّه من الخُمس فلمَن هو؟ فقال عليه السلام: لرسول اللّه صلى الله عليه و آله»(3). ونحوهما غيرهما.

كما أنّ سهم ذوي القربى له صلى الله عليه و آله بلا خلافٍ ، والظاهر أنّه من جهة أنّه للإمام5.

ص: 232


1- سورة الأنفال: الآية 41.
2- الكافي: ج 1/537 ح 3.
3- الكافي: ج 1/544 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/512 ح 12605.

كما ستقف عليه، وهو الإمام في حال حياته، ولا يهمّنا إطالة البحث في ذلك، إنّما المهمّ بيان من يستحقّ أنّ هذه الثلاثة في هذه العصور.

أقول: لا خلاف بينهم في أنّ سهم اللّه تعالى ، وسهم رسوله صلى الله عليه و آله، يكونان للإمام عليه السلام، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

1 - ففي خبر البزنطي المتقدّم: «وما كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فهو للإمام».

2 - وفي مرسل ابن بُكير، عن أحدهما عليهما السلام: «خُمس اللّه عزّ وجلّ للإمام، وخُمس الرسول للإمام، وخُمس ذي القربى لقرابة الرسول الإمام». الحديث(1).

ونحوهما غيرهما.

ولا يعارضها ما ورد في الصحيح المتقدّم، من قوله عليه السلام:

«وأمّا خُمس الرسول فلأقاربه» فإنّه مطلق يقيّد بما دلَّ على أنّه لخصوص الإمام من الأقرباء.

وأمّا سهم ذي القربى: ففيه قولان:

أحدهما: أنّه للإمام عليه السلام في أصل الجَعل، وهو المشهور بين الأصحاب.

وعن «الانتصار»(2)، و «الغُنية»(3)، و «التذكرة»(4)، و «مجمع البيان»(5): دعوى الإجماع عليه.

الثاني: أنّه لجميع قرابة الرسول صلى الله عليه و آله، ولا اختصاص له بالإمام عليه السلام، اختاره ابن الجُنيد(6) وابن بابويه(7).7.

ص: 233


1- تهذيب الأحكام: ج 4/125 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/510 ح 12601.
2- الانتصار: ص 225.
3- غنية النزوع: ص 130.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/432 (ط. ج).
5- تفسير مجمع البيان: ج 4/468-469.
6- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/327.
7- المقنع: ص 171، وحكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/327.

يشهد للأوّل:

1 - موثّق ابن بكير المتقدّم.

2 - وخبر سُليم بن قيس الهلالي، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام، وذكر خطبة طويلة قال عليه السلام فيها:

«نحن واللّه عنى اللّه بذي القُربى، الذين قَرَننا اللّه بنفسه وبرسوله، فقال: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى الحديث»(1).

3 - ومرسل حمّاد، عن العبد الصالح عليه السلام - في حديث -:

«فسهم اللّه وسهم رسول اللّه لأُولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثةً ، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثةً وسهمٌ مقسومٌ له من اللّه، وله نصف الخُمس كملاً»(2).

ونحوها غيرها من الأخبار الصريحة فيه أو الظاهرة.

وأيضاً: يؤيّده ظاهر الآية الكريمة، فإنّ لفظ (ذي القربى ) مفردٌ فلا يتناول أكثر من الواحد، فينصرف إلى الإمام، لأنّ القول بأنّ المراد واحد وهو غير الإمام منفيٌّ بالإجماع، كما ذكره المحقّق رحمه الله(3).

ولا يرد عليه إمكان إرادة الجنس منه، كما في ابن السبيل، فإنّ ذلك خلاف الظاهر، وإنْ كان لفظ (ذي القربى ) مستعملاً فيه في جملةٍ من الموارد، وحمل ابن السبيل عليه إنّما هو للقرينة القطعيّة.

واستدلّ للثاني:

1 - بصحيح ربعي المتقدّم، عن الإمام الصادق عليه السلام في سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله: «ثمّ 9.

ص: 234


1- تهذيب الأحكام: ج 4/126 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/512 ح 12606.
2- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/513 ح 12607.
3- المعتبر: ج 2/629.

يقسّم ما بَقي خَمسة أخماس، ويأخذ خُمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثُمّ قسَّم الخُمس الذي أخذه خَمسة أخماس، يأخذ خُمس اللّه عزّ وجلّ لنفسه، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، يُعطي كلّ واحدٍ منهم حقّاً، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلى الله عليه و آله»(1)، بدعوى أنّه - مضافاً إلى الإتيان بصيغة الجمع - لو كان المراد من (ذوي القربى ) خصوص الإمام، لما كان له حقٌّ في أيّام حياة النبيّ صلى الله عليه و آله، بل كان حقّه له، فالدفع إلى ذوي القُربى في حياته صلى الله عليه و آله يدلّ على أنّ المستحقّ لهذا السهم ليس خصوص الإمام بما هو إمام.

2 - وبصحيح زكريّا بن مالك المتقدّم عنه عليه السلام، في حديثٍ :

«وأمّا خُمس الرسول صلى الله عليه و آله فلأقاربه، وخُمس ذوي القُربى فهم أقربائه وحدها.

الحديث»(2).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه حكاية فعل، فيمكن أنْ يُقال إنّ سهم ذي القُربى المختصّ به صلى الله عليه و آله في زمان حياته، لكونه الإمام، كان بنائه تقسيمه بين أقربائه، ويقربه أنّه صلى الله عليه و آله كان يُقسّم سهمه المختصّ به بينهم، كما هو صريح الخبر، وعليه فهو لا يصلح لمعارضة ما هو نصٌّ في الإختصاص.

ويرد على الثاني: أنّه لا وجه لتوهّم معارضته مع النصوص المتقدّمة، سوى الإتيان بصيغة الجمع، وهو لا يصلح لذلك، إذ من الجائز أنْ يكون الجمع بلحاظ إرادة جميع الأئمّة، فلا يصلح لمعارضة ما هو نصٌّ في إرادة الإمام.0.

ص: 235


1- تهذيب الأحكام: ج 4/128 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/510 ح 12602.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/125 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/509 ح 12600.

فهذه الثلاثة للإمام عليه السلام.

(ف) المتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ (هذه الثلاثة) أسهم، أي سهم اللّه، وسهم رسوله، وسهم ذي القُربى (للإمام عليه السلام) فيكون في هذا العصر نصف الخُمس لصاحب الأمر ارواح مَن سواه فداه.

ما قبضه النبيّ أو الإمام عليهما السلام ينتقل إلى وارثه

ما قبضه النبيّ صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام ينتقل إلى وارثه

أقول: يقع البحث عن أنّ ما قبضه النبيّ صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام:

هل ينتقل إلى وارثه كما هو المشهور بين الأصحاب(1)؟

أم ينتقل إلى الإمام اللّاحق، كما عن بعض ؟ وجهان:

تشهد للأوّل: أدلّة المواريث، إذ قبل القبض وإنْ التزمنا بعدم الملكيّة، وبنينا على أنّ الخُمس حقٌّ مالي متعلّق بالعين، إلّاأنّه بعده يصبح ملكاً له، فتشمله أدلّة المواريث.

واستدلّ للثاني:

1 - بما تضمّن أنّ خُمس الرسول للإمام(2).

2 - وبخبر أبي عليّ بن راشد، قال: «قلتُ لأبي الحسن الثالث عليه السلام: إنّا نؤتي بالشيء، فيقال هذا كان لأبي جعفر عليه السلام عندنا، فكيف نصنع ؟

فقال عليه السلام: ما كان لأبي عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك، فهو

ص: 236


1- شرائع الإسلام: ج 1/135، إيضاح الفوائد: ج 1/218، جامع المقاصد: ج 3/54، جواهرالكلام: ج 16/87.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/127 باب 37 قسمة الغنائم، وسائل الشيعة: ج 9/509 أبواب قسمة الخُمس.

ميراثٌ على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه»(1).

3 - وبأنّه لا وجه لانتقال المال المفروض للإمام من حيث كونه إماماً، لا لشخصه وذاته، إلى ورثته.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يدلّ على أنّ الخُمس الذي يستحقّه الرسول هو للإمام، دون أن يتعرّض لما قبضه وصار مِلْكاً له.

وأمّا الثاني: فلأنّ ما كان يؤتى عند أبي عليّ من الخُمس كان بحسب الظاهر من الأموال التي لم يقبضها الإمام عليه السلام كي تصبح مِلْكاً له، فلا يشمل ما ملكه.

وأمّا الثالث: فلأنّ سهم الإمام يملكه الإمام عليه السلام بشخصه، بسبب الإمامة، لا أنّ المالك هو عنوان الإمامة.

وعليه، فالأظهر هو الأوّل، ويؤيّده بل يشهد له ملاحظة أنّه لم يُعهد من النبيّ صلى الله عليه و آله ولا من أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام، أن قام الحجّة اللّاحق بالتصرّف في أمواله، بل كان الإمام يتعامل معها معاملته مع أموال سائر الناس، ولذا ترى أنّ الصدِّيقة الكبرى عليها السلام أنكرت على أبي بكر أشدّ الإنكار، حينما غصب إرثها وعلّل ذلك بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: (نحنُ معاشر الأنبياء لا نورّث)، وهذا من أقوى الأدلّة على هذا القول.

أقول: بعدما أصبح مصرف الثلاثة من الأسهم الستّة معلوماً، وأنّهاللحجّة عليه السلام، يقع الكلام في الثلاثة الاُخرى :3.

ص: 237


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/43 ح 1657، وسائل الشيعة: ج 9/537 ح 12663.

وسَهمٌ للفقراء من الهاشميّين، وسَهمٌ لأيتامهم، وسَهمٌ لأبناء سبيلهم.

قال المصنّف رحمه الله: (و) المشهور بين الأصحاب كون (سَهمٌ للفقراء من الهاشميّين، وسَهمٌ لأيتامهم، وسَهمٌ لأبناء سبيلهم) بل الظاهر عدم الخلاف فيه.

وتشهد له: النصوص المتقدّمة.

وأمّا ما في خبر زكريّا المتقدّم من قوله عليه السلام: «وأمّا المساكين وابن السبيل فقد عرفت إنّا لا نأكل الصَّدقة، ولا تحلّ لنا، فهي للمساكين وأبناء السبيل»، فلابدَّ من طرحه، أو حمله على التقيّة.

وأمّا ما عن ابن الجُنيد(1) من جعلها مع استغناء ذوي القربى لمطلق الأيتام والمساكين وأبناء السبيل.

فليس له وجهٌ ظاهر، إذ مع عدم الرجوع إلى النصوص الواردة في تفسير الآية الكريمة، لا وجه للتقييد باستغناء ذوي القُربى ، ومع الرجوع إليها لا وجه للتعدّي عن بني هاشم، لا سيّما وفي بعضها التصريح بأنّ الزائد عن الحاجة يعود أمره للإمام عليه السلام.

***0.

ص: 238


1- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/330.

ولا يحمل عن البلد مع وجود المستحقّ فيه.

حُكم نقل الخُمس مع وجود المستحقّ

مسائل:

المسألة الأُولى: لا شبهة في جواز نقل الخُمس من بلده، إذا لم يوجد المستحقّ فيه.

وعن غير واحدٍ(1): دعوى الإجماع عليه.

بل قد يجبُ كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك، لتوقّف إيصال الحقّ إلى أهله عليه.

ولا ضمان حينئذٍ لو تلف، بلا خلافٍ فيه على الظاهر ولا إشكال، كما في «مصباح الفقيه»(2) لأنّه مأذون في النقل، فيدلّ على عدم الضمان ما يدلّ على عدم ضمان الأمين.

(و) أمّا مع وجودالمستحقّ في بلده، فهل يجوز النقل، كماعن «المسالك»(3)، و «المدارك»(4)، و «الذخيرة»(5)؟

أم (لا يُحمَلُ عن البلد مع وجود المستحقّ فيه) كما في المتن، و «الشرائع»(6)،

ص: 239


1- رياض المسائل: ج 5/258 (ط. ج) قوله: (قولاً واحداً).
2- مصباح الفقيه: ص 150.
3- مسالك الأفهام: ج 1/472.
4- مدارك الأحكام: ج 5/410.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/488.
6- شرائع الإسلام: ج 1/136.

و «النافع»(1)، وجملة من كتب المصنّف(2) رحمه الله وغيرها(3)؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني:

1 - بمنافاته للفوريّة.

2 - وبأنّه تغريرٌ للمال، وتعريضٌ له للتلف.

3 - وبما ورد(4) في باب الزكاة من النصوص المانعة عن نقلها.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلعدم لزوم الفوريّة بنحوٍ ينافي مع النقل الذي يكون السفر به شروعاً في الإخراج.

وأمّا الثاني: فلأنّ تعريضه للتلف، يقتضي البناء على الضمان، لا عدم الجواز، مع أنّه أخصّ من المدّعى، إذ ليس كلّ نقلٍ مُعرِّضاً للتلف.

وأمّا الثالث: فلأنّ تلك النصوص في موردها لم نسلّم دلالتها علي ذلك.

فراجع(5).

وعليه، فالأظهر هو الجواز للأصل، ويؤيّده بعض النصوص الواردة في الزكاة، الدالّة على جواز نقلها مع وجود المستحقّ في البلد.

أقول: ولو نقله فتلف، هل يكون ضامناً، كما هو المشهور، وعن «المنتهى»(6)2.

ص: 240


1- المختصر النافع ص 63.
2- منتهى المطلب: ج 1/552، تحرير الأحكام: ج 1/441 (ط. ج).
3- المعتبر: ج 2/632، الدروس: ج 1/262.
4- وسائل الشيعة: ج 9/284 باب 38 باب استحباب تفريق الزكاة في بلد المال. وص 285 باب 39 باب من نقل الزكاة إلى بلدٍ آخر مع وجود المستحقّ .
5- فقه الصادق: ج 10/72.
6- منتهى المطلب: ج 1/552.

دعوى الإجماع عليه، أم لا؟ وجهان:

مقتضى القاعدة عدم الضمان، كما مرّ في الزكاة، إلّاأنّه من جهة أنّ ظاهر نصوص الزكاة ما يشمل ويدلّ على الضمان، ومن جهة عدم القول بالفصل بين المسألتين، يبني على الضمان في المقام.

نعم، لو وكّله الفقيه في قبضه عنه بالولاية العامّة على الفقراء، ثمّ أذِنَ له بنقله، أو أذِنَ في نقله ابتداءً لم يكن عليه ضمان.

أمّا في الأوّل: فلأنّه وكيلٌ عن الولي، فكما لا ضمان ليد الولي، كذلك لا ضمان ليد وكيله.

وأمّا في الثاني: فلقصور أدلّة الضمان عن شمولها لهذه الصورة.

***

ص: 241

ويَجوزُ اختصاص بعض الطوائف الثلاث بنصيبهم.

لا يجب البسط على الأصناف

(و) المسألة الثانية: المشهور بين الأصحاب أنّه (يَجوزُ اختصاص بعض الطوائف الثلاث بنصيبهم)، ودفع تمام نصف الخُمس إلى إحدى الطوائف.

بل نُسب(1) إلى الفاضلين(2)، ومن تأخّر عنهما(3)، وعن الشيخ في «المبسوط»(4)، والحلبي(5): وجوب البسط على الأصناف.

وعن جمعٍ من المتأخّرين(6): الميل إليه، واختاره صاحب «الحدائق»(7) رحمه الله.

والقائلون بوجوب البسط: بين من ذهب إلى لزوم التسوية بإعطاء سُدس الخُمس إلى كلّ صنفٍ ، وبين من التزم بجواز التفاوت بين الأسهم بالقلّة والكثرة.

واستدلّ للزوم البسط: بظاهر الآية الشريفة، وما مثلها من النصوص.

أقول: واُجيب عن ذلك بوجوه:

1 - ما في «المدارك»(8) و «رسالة» الشيخ الأعظم(9)، من أنّ الآية الشريفة إنّما تدلّ على أنّ خُمس جملة الغنائم لهذه الطوائف السّت، لا أنّ كلّ جزء من أجزائها

ص: 242


1- نسبه صاحب مستند الشيعة: ج 10/99.
2- المعتبر: ج 2/631، تحرير الأحكام: ج 1/441-442 (ط. ج).
3- مسالك الأفهام: ج 1/470.
4- المبسوط: ج 1/262.
5- الكافي في الفقه: ص 173.
6- ذخيرة المعاد: ج 3/488، وصاحب التنقيح كما حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 10/100.
7- الحدائق الناضرة: ج 12/381.
8- مدارك الأحكام: ج 5/405.
9- كتاب الخمس: ص 314.

كذلك.

وبعبارة اُخرى : المرادبالموصول ماغنمه جميع المكلّفين، لاماغنمه كلّشخص.

وأُورد عليه: بأنّ لازمه عدم وجوب دفع النصف إلى الإمام عليه السلام.

وفيه: إنّ وجوب ذلك إنّما هو لدليل خارجي من الإجماع والسُنّة.

ولكن يرد على الجواب: أنّ ذلك خلاف الظاهر من الآية والأخبار، إذ ظاهرها كسائر الآيات والنصوص المتضمّنة لبيان الأحكام الشرعيّة التي هي من قبيل القضايا الحقيقيّة، أنّ القسمة إلى ستّة أسهم، حكمٌ مترتّب على ما غنمه كلّ واحدٍ من المكلّفين، فلاحظ نظائرها.

2 - إنّ لفظة (اللّام) في الآية التي صدّر بها لفظ اللّه وتالييه، وإنْ كانت ظاهرة في المِلك والإختصاص - لا سيّما مع العطف بالواو المقتضي للتشريك، المستلزم ثبوت ذلك في الثلاثة الأولى، ثبوته في الأخيرة للعطف - إلّاأنّه بقرينة إرادة الجنس من اليتامى والمساكين وابن السبيل - لما سيأتي في المسألة الآتية - يتعيّن صرفها عن ظاهرها وحملها على إرادة بيان محض المصرف.

ولا يرد عليه: أنّ لازمه عدم وجوب دفع النصف إلى الإمام عليه السلام، لما عرفت، إلّا أنّه يرد عليه أنّ إرادة الجنس منها لا تنافي إرادة الاختصاص من اللّام، بل يمكن إرادة الاختصاص بلحاظ نوع كلّ طائفةٍ لا أشخاصها، مع أنّ إرادة المصرف منها لا توجب جواز أن يخصّ الخُمس بطائفةٍ من الطوائف، إذ لا وجه لرفع اليد عن ظهور العطف في التشريك.

3 - أنّ تغيير اسلوب الكلام بذكر حرف الجَرّ في الثلاثة الأُولى، وتركها في المذكورات، يشهد بأنّ علاقة الخُمس بالجميع وتعلّقه بهم ليس على نَسَق واحد، بل في الثلاثة الأُولى يكون بنحو المِلْكيّة أو الاستحقاق، وفي المذكورات يضعف هذا الاختصاص، ويعبَّر عنه بالمصرفيّة.

ص: 243

وفيه: ما أوردناه على ما قبله، من أنّ إرادة المصرفيّة لا تُلازم عدم وجوب البسط. فراجع.

فتحصّل: أنّ الأقوى ظهور الآية الشريفة في نفسها في وجوب البسط، والعجب من جماعةٍ من المحقّقين، التزامهم في المقام بأنّ اللّام للمصرفيّة، مع أنّهم استدلّوا بظاهر الآية الشريفة من جهة اشتمالها على اللّام على أنّ الخُمس مِلْكٌ متعلّق بالعين. فلاحظ وتدبّر.

أقول: وكيف كان، فهذا الظهور في نفسه ممّا لا ينبغي إنكاره، إلّاأنّه يتعيّن صرفها عن هذا الظهور:

1 - للسيرة المستمرّة على عدم البسط.

2 - ولأنّ التسهيم يستلزم تعطيل سهم ابن السبيل لندرة وجوده.

3 - ولأنّ النصوص إنّما دلّت على أنّ نصف الخُمس إنّما جُعل على الطوائف بنحوٍ لو أدّى الناس ذلك، لاستغنى جميع الطوائف، وحيث أنّ ابن السبيل نادر، واليتامى أقلّ من المساكين، فلا محالة يستكشف أنّه لم يجعل الخُمس بنحو يجب البسط على الطوائف، سيّما بالسويّة.

4 - ولأنّ ذيل مرسل حمّاد المتقدّم: (وَجَعل للفقراء قرابة الرّسول صلى الله عليه و آله نصف الخُمس)(1) صريحٌ في أنّ نصف الخُمس إنّما جُعل للطوائف الثلاث بما هم فقراء، وبجامعٍ واحد، بلا دخل لخصوصيّات الأصناف في الحكم.

5 - ولأنّ المستفاد من ما ورد في صدر مرسل حمّاد: (ونصف الخُمس الباقي بين أهل بيته، فسهمٌ ليتاماهم، وسهمٌ لمساكينهم، وسهمٌ لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم على الكفاف والسِّعة ما يستغنون به في سنتهم)، ومرفوع أحمد بن محمّد(2) وغيرهما من8.

ص: 244


1- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/513 ح 12607.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/126 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/514 ح 12608.

الأخبار، أنّ وجه جعل الخُمس إنّما هو استغناء جميع الطوائف، ولو بأن يعطى خُمس مالٍ لشخص وخُمس آخر لآخر.

6 - ولصحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال له:

«أفرأيتَ إنْ كان صنفٌ من الأصناف أكثر، وصنفٌ أقلّ ، ما يصنع به ؟

قال عليه السلام: ذاك إلى الإمام، أرأيتَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كيف يصنع، أليس إنّما كان يُعطي على ما يرى ، كذلك الإمام عليه السلام»(1).

ودعوى: اختصاصه بمَن له الولاية على الخُمس، فلا يُقاس بمن ليس له الولاية عليه.

مندفعة: بأنّ الظاهر منه وروده في مقام بيان الحكم، لا في مقام بيان إعمال الولاية.

وأيضاً دعوى: أنّ ظاهره السؤال عن لزوم مساواة السهام وعدمه، لا جواز الحرمان وعدمه.

مندفعة: بأنّ مقتضى إطلاق الجواب جواز الحرمان، مع أنّه إذا ثبت عدم لزوم التسوية بين السّهام والتصرّف في الآية الشريفة وما ماثلها، الظاهرة في لزومها، وصرفها عن ظاهرها، ليس حملها على إرادة البسط على الأصناف على وجهٍ لا ينافيه جواز التفاوت، مع مخالفته لقاعدة الشركة، بأولى من حملها على إرادة المصرف بالنسبة إلى الطوائف الثلاث، بلا دخل لخصوصيّة أصنافهم فيه، بل لعلّ الثاني أولى .

فتحصّل: أنّ الأقوي عدم وجوب البسط، كما ظهر مستند القولين الآخرين وضعفه.

***0.

ص: 245


1- الكافي: ج 1/544 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/519 ح 12620.

في وجوب استيعاب الأفراد وعدمه

في وجوب استيعاب الأفراد وعدمه

المسألة الثالثة: لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنفٍ ، بل يجوزُ الإقتصار على واحدٍ بلا خلاف.

وعن «المنتهى»(1): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له:

1 - السيرة.

2 - تعذّر الاستيعاب، الموجب لحمل الآية الشريفة على إرادة جنس الأصناف الثلاثة.

3 - وظاهر الآية الشريفة، بواسطة ابن السبيل المتعيّن حمله على إرادة الجنس، كما لا يخفى، فيُحمل اليتامى والمساكين أيضاً عليها بقرينة السياق، وصحيح البزنطي المتقدّم.

وعن ظاهر «البيان»(2): وجوب استيعاب الحاضر، واستدلّ له بأنّ عدم إمكان الإحاطة، قرينة صارفة للعموم إلى ما يمكن.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من عدم انحصار الدليل بذلك - أنّه أيضاً يوجب تكليف كلّ شخصٍ بصَرف خُمسه إلى جنس الأصناف المذكورة، ومقتضاه جواز الدفع إلى شخصٍ واحد.

***

ص: 246


1- منتهى المطلب: ج 1/552.
2- راجع مصباح الفقيه: ج 3/147، قال: (ولكن قد يُقال في مثل الفرض إنّ عدم إمكان الإحاطة الجميع قرينة صارفة للعموم إلى ما يمكن).

اختصاص الخُمس بولد عبد المطّلب

اختصاص الخُمس بولد عبد المطّلب

المسألة الرابعة: مستحقّ الخُمس من ولّده عبد المطّلب، لانحصار ذريّة هاشم في ولده، والمدار على كونه هاشميّاً كما تشهد له جملةٌ من نصوص الباب المتقدّم بعضها.

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: أنّه هل يختصّ هذا الحكم بذريّة الرسول صلى الله عليه و آله كما هو ظاهر بعض النصوص من جهة تضمّنه التخصيص بهم، أم لا؟

وجهان؛ أقواهما الثاني، لما في كثيرٍ من النصوص(1) من التصريح بكون الخُمس لبني هاشم، لا سيّما وفي مرسل حمّاد تفسير قرابة النبيّ صلى الله عليه و آله الذين جعل لهم الخُمس ببني عبد المطّلب، وعليه فالنصوص المتضمّنة لتخصيصه بآل النبيّ صلى الله عليه و آله، أو أهل بيته، أو ذرّيته، أو بولد فاطمة، يتعيّن حملها على إرادة أنّهم الأصل في هذا الحكم، أو غيره من المحامل.

المورد الثاني: في استحقاق بني المطّلب أخي هاشم خلافٌ وتردّد، أقواهما العدم، للنصوص المتضمّنة لاختصاصه ببني هاشم، وبني عبد المطّلب.

وأمّا موثّق زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«لو كان العدل ما احتاج هاشميٌ ولا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم.. الخ»(2).

فلإعراض الأصحاب عنه، وعدم عَمَلهم به، وموافقته للنبوي المرويّ من

ص: 247


1- تهذيب الأحكام: ج 4/127 باب 37 قسمة الغنائم. وسائل الشيعة: ج 9/509 أبواب قسمة الخُمس.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/59 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/276 ح 12012.

طرق العامّة والوارد فيه: (بنو هاشم وبنو المطّلب شيء واحد) يتعيّن طرحه، أو حمله على ما لاينافي تلك النصوص بارادة بني عبد المطّلب منه، ويكون من قبيل حذف أوّل الجزئين.

اعتبار الانتساب إلى عبد المطّلب بالأب

اعتبار الانتساب إلى عبد المطّلب بالأب

المورد الثالث: لو انتسب الشَّخصُ إلى هاشم بالاُمّ ، لم يحلّ له الخُمس، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لم يُنقل الخلاف إلّاعن السيّد المرتضى(1)، وتبعه صاحب «الحدائق» رحمه الله(2) ونَسب القول به إلى كثيرٍ من الأصحاب مصرّحاً بأسمائهم، مستظهراً ذلك من تصريحهم في مسائل الميراث والوقف ونحوهما، بإطلاق اسم الولد والابن على ولد البنت. ولكن الظاهر عدم تماميّة ذلك، إذ بعض من صرّح بذلك اعترف في المقام بعدم حليّة الخُمس له.

أقول: وكيف كان؛ فقد استدلّ لصدق الابن حقيقةً على ولد البنت:

1 - بجملةٍ من الآيات(3) القرآنيّة الواردة في باب النكاح وباب الميراث.

2 - وبكثيرٍ من النصوص المتضمّنة لاحتجاجهم عليهم السلام وبعض أصحابهم على ذلك(4).

أقول: وأُورد عليه بإيرادين:

ص: 248


1- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/333.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/390.
3- سورة النساء: الآيات 12 و 14 و 16 و 27 و 28، وسورة النور: الآية 32.
4- عيون الأخبار: ج 1/83، الاحتجاج للطبرسي: ص 199، الاختصاص للمفيد: ص 55 و 56، المجالس للصدوق: ص 318. وغيرها من الكتب.

الإيراد الأوّل: أنّ الاستعمال أعمٌّ من الحقيقة.

وفيه: - مضافاً إلى استعماله فيه في جملةٍ منها بلا قرينة - أنّ الاستعمال المجازي ينافي مقام المفاخرة.

الإيراد الثاني: أنّ الموضوع في الأدلّة، لو كان هو ابن هاشم، كان ما ذُكر تامّاً، ولكن المأخوذ موضوعاً فيها الهاشمي، وهو المراد من الآل والذريّة والقرابة والعترة، لإنصرافها إليه، وبنو هاشم وصدق هذين العنوانين لا يدور مدار صدق اسم الولد وعدمه، بل هما لا يصدقان إلّاعلى مَن انتسب بتوسّط الذكور لا غير، إذ الظاهر أنّه لوحظ في إطلاقهما المعنى الإسمي دون المعنى الإضافي.

وفيه: أنّ جملة من تلك النصوص متضمّنة لإطلاق لفظ المحمّدي على أولاد الحسن والحسين عليهما السلام.

فالصحيح أن يُجاب عنه: بأنّه يجب الخروج عنه لمرسل حمّاد الوارد فيه قوله عليه السلام: «ومَنْ كانت اُمّه من بني هاشم، وأبوه من سائر قريش، فإنّ الصدقات تحلّ ، وليس له من الخُمس شيء، لأنّ اللّه تعالى يقول: اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (1)، ولا يضرّ إرساله، لكون المُرسِل من أصحاب الإجماع، فضلاً عن عمل الأصحاب به.

وأجاب عنه في «الحدائق»(2): بأنّه يتعيّن طرحه لمعارضته بالآيات والنصوص المستفيضة، وموافقته لمذهب العامّة.

وفيه: إنّ طرح التعليل المخالف لها، لا يستلزم طرح الحكم، إذ ربما تكون الحجّة مشتملة على ما ليس بحجّة.

***8.

ص: 249


1- سورة الأحزاب: الآية 5.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/418.

مصرف سهم الإمام عليه السلام

مصرف سهم الإمام عليه السلام

المسألة الخامسة: في بيان مصرف الخُمس.

أقول: والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأوّل: في حصّة الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه.

الثاني: في حصّة الأصناف الثلاثة.

أمّا المقام الأوّل: فقد اختلفت كلمات الأصحاب فيها في زمان غيبته عليه السلام، وعمدة الأقوال عشرة:

1 - أنّها مباحة للشيعة، ذهب إليه الدّيلمي(1)، وسيّد «المدارك»(2)، وصاحبا «الذخيرة»(3) و «المفاتيح»(4) وغيرهم من الأكابر(5)، وعن «كشف الرموز»(6):

نسبته إلى قومٍ من المتقدّمين.

2 - يجب عزلها وإيداعها والوصيّة بها عند الموت، وهو المحكيّ عن «المقنعة»(7)، والحَلبي(8)، والقاضي(9)، والحِلّي(10)، والسيّد في المسائل

ص: 250


1- المراسم العلويّة: ص 142.
2- مدارك الأحكام: ج 5/426-427.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/492.
4- حكاه عنه في مستند الشيعة: ج 10/127.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/443.
6- كشف الرموز: ص 272.
7- المقنعة: ص 286.
8- الكافي في الفقه: ص 173.
9- المهذّب: ج 1/181.
10- السرائر: ج 1/499.

الحائريّة(1)، وعن منتهى(2) المصنّف رحمه الله بعد نقله عن جمهور أصحابنا استحسانه، وعن «السرائر»(3) نسبته إلى جميع محقّقي أصحابنا المصنّفين المحصّلين.

3 - وجوب دفنها، حُكي ذلك في جملةٍ من الكتب عن بعض الأصحاب(4).

4 - أنّها تُصرف في الأصناف الموجودين، ذهب إليه المفيد في «الغرية»(5)، والمحقّق في «الشرائع»(6)، وغيرهما(7)، بل نُسب(8) إلى المشهور بين المتأخّرين.

5 - التخيير بين إيداعها ودفنها، ذهب إليه الشيخ في محكيّ «النهاية»(9).

6 - التخيير بين حفظها والإيصاء بها، وبين قسمتها بين المحتاجين من الذريّة، نُسب ذلك إلى «المختلف»(10) وغيره(11).

7 - التخيير بين دفنها والإيصاء بها، وصِلة الأصناف مع إعوازهم، حُكي ذلك عن «الدروس»(12).

8 - أنّها تُصرف في فقراء المؤمنين وإنْ لم يكونوا من السّادة، وهو المنسوب2.

ص: 251


1- حكاه في مستند الشيعة: ج 10/128.
2- منتهى المطلب: ج 1/555.
3- السرائر: ج 1/499.
4- كتاب الخُمس الشيخ الأنصاري: ص 332 قوله: (إنّ هذا القول مجهول القائل).
5- حكاه في مستند الشيعة: ج 10/128.
6- شرائع الإسلام: ج 1/138.
7- المهذّب البارع: ج 1/571.
8- شرح اللّمعة: ج 2/80.
9- النهاية: ص 201.
10- مختلف الشيعة: ج 3/354.
11- النافع المختصر ص 64، البيان: ص 220، وحكاه صاحب المستند عن المحقّق الخوانساري في رسالته بزيادة رحجان القسمة.
12- الدروس: ج 1/262.

إلى ابن حمزة(1).

9 - إجراءحكم مجهول المالك عليها، وهو الذي قوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(2).

10 - أنّه يتعيّن صرفها فيما اُحرز رضاه فيه، وإلّا فالحفظ، وهو الذي اختاره جمعٌ من المحقّقين(3).

وهناك أقوالٌ اُخر ترجع إلى بعض ما نقلناه، ولذلك أغمضنا عن ذكرها.

أمّا القول الأوّل: فقد استدلّ له بأخبار التحليل(4)، لكن قد تقدّم في أوائل كتاب الخُمس في مبحث وجوب الخُمس(5) في أرباح المكاسب التعرّض لها، والجواب عنها، ويظهر لمن راجع ما ذكرناه وهن هذا القول.

واستدلّ للقول الثاني: بأنّه مقتضى القواعد المعوّل عليها في المال المعلوم مالكه، مع عدم إمكان الإيصال إليه.

وفيه أوّلاً: إنّ ذلك لو تمّ ، فإنّما هو في المال الذي لم يُحرَز رضا صاحبه في صرفه في مصرفٍ معيّن، فلا يشمل المقام كما ستعرف.

وثانياً: إنّ القاعدة الثانية تقتضي التصدّق بالمال المتعذّر إيصاله إلى مالكه المعلوم تفصيلاً، كما سنشير إليه.

واستدلّ للقول الثالث:

1 - بأنّه أحفظ.

2 - وبأنّ الأرض تُخرِجُ كنوزها للإمام عليه السلام عند ظهوره، كما في الخبر(6).

ص: 252


1- الوسيلة: ص 137.
2- جواهر الكلام: ج 16/177.
3- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/582، كتاب الخُمس السيّد الخوئي: ص 326.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/137 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/543 باب 4 إباحة حصّة الإمام من الخُمس.
5- صفحة 14 من هذا المجلّد.
6- لم يرد هذا الخبر بهذه الألفاظ في الكتب الروائيّة المعروفة، إلّاما ورد في المقنعة ص 285، ولكن الأعلام تناقلوه في كتبهم الفقهيّة كالمحقّق في المعتبر: ج 2/640، والعلّامة في تذكرة الفقهاء: ج 5/444، نعم ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله: (ويُظهر اللّه عزّ وجلّ له كنوز الأرض ومعادنها) كما في كمال الدِّين للصدوق ص 394، ورواه العلّامة في البحار: ج 12/195.

ولكن يرد على الوجه الأوّل: ما أوردناه على دليل القول الثاني من الإيرادين.

ويرد على الخبر: أنّ المراد ب (كنوز الأرض) ما فيها من المعادن، مع أنّ إخراج الكنوز لا يلازم لزوم الدفن، كما هو واضح، وإلّا لوجب أن تُدفن جميع الأموال.

واستدلّ للقول الرابع: بمرسلي حمّاد وأحمد(1):

ففي الأوّل: قال عليه السلام: «يقسّم بينهم على الكتاب والسُنّة ما يستغنون في سَنَتهم، فإنْ فَضُل عنهم شيءٌ فهو للوالي، فإنْ عجز أو نقص عن استغنائهم، كان على الوالي أن يُنفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يمونهم لأنّ له ما فضل عنهم». ونحوه الثاني.

وفيه: إنّهما مختصّان بفترة حضور الإمام وبسط يده عليه السلام، ونقل كلّ الخُمس إليه، وتمكّنه من القيام بمؤونة الفقراء من الهاشميّين، ولو بتتميم النقص من نصيبه، ولا يشملان مثل هذه الأعصار كما لا يخفى ، مع أنّهما إنّما يدلّان على أنّ على الإمام أن يكفي مؤونتهم، وليس في شيء منهما ما يشهد بوجوب صرف هذا السهم فيهم، إذ من الجائز أنْ يكون من مالٍ آخر.

وإنْ شئتَ قلتَ : إنّهما يدلّان على أنّ على الإمام عليه السلام أن يكفي مؤونتهم، ولا يدلّان على تعيّن صرف هذا السهم فيهم.

وأمّا القول الخامس، والسادس، والسابع: فقد ظهر ممّا قدّمناه ما يمكن أنْ يُستدلّ به لكلّ واحدٍ منها، أو استدلّ به له، والجواب عن الجميع.4.

ص: 253


1- وسائل الشيعة: ج 9/520 ح 12623-12624.

وأمّا القول الثامن: فقد استدلّ له بوجهين:

أحدهما: النصوص الدالّة على أنّ على الإمام الإتمام إذا أعوز الخُمس أو الزكاة، كمرسل حمّاد(1)، ومرفوع أحمد بن محمّد(2) المتقدّمين، وهما في الخُمس، وصحيح حمّاد(3) وهو في الزكاة.

وفيه: ما تقدّم من اختصاص هذه النصوص بزمان بسط يد الإمام عليه السلام، مع أنّها لا تدلّ على لزوم صرف هذا السهم، بل تدلّ على أنّه على الإمام أن يُنفِق ولو من مالٍ آخر من عنده بقدر ما يُغنيهم.

ثانيهما: النصوص الدالّة على أنّ من لم يقدر أن يصلنا، فليَصِل فقراء شيعتنا، كخبر محمّد بن يزيد، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام:

«من لم يستطع أن يصلنا، فليَصِل فقراء شيعتنا»(4).

ومرسل الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ لم يقدر على صِلَتنا، فليَصِل صالح موالينا، يكتب له ثواب صِلتنا»(5).

وفيه أوّلاً: أنّها مختصّة بالصلة المستحبّة.

وثانياً: أنّها ضعيفة سنداً.

واستدلّ للقول التاسع: - وهو إجراء حكم مجهول المالك عليها - بأن يتصدّق بها:

تارةً : بأنّ ذلك ممّا تقتضيه القواعد، لأنّه احسان بالمالك، وأنّه أقرب طرق1.

ص: 254


1- وسائل الشيعة: ج 9/520 ح 12623.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/126 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/520 ح 12624.
3- وسائل الشيعة: ج 9/250 ح 11949.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/111 ح 58، وسائل الشيعة: ج 9/475 ح 12529.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/73 ح 1765، وسائل الشيعة: ج 9/476 ح 12531.

الإيصال إلى المالك، وأنّ الإبقاء في معرض التلف.

واُخرى : بأنّ ذلك يستفاد من نصوص التصدّق بمجهول المالك، فإنّ المستفاد منها أنّ الموجب لذلك ومناطه، هو تعذّر الإيصال إلى المالك، من غير فرق بين أنْ يكون المالك مجهولاً بقولٍ مطلق، وبين كونه مردّداً بين أشخاص غير محصورين، وبين كونه معلوماً يتعذّر الوصول إليه.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا دليل على جواز الإحسان بمال الغير.

وإنْ شئتَ قلت: إنّه ليس إحساناً، إذ التصرّف في مال الغير بغير إذنه، ظلمٌ وإساءة لا عدل واحسان، والدليل إنّما دلّ على لزوم إيصال المال إلى مالكه، لا على لزوم أقرب طرق الإيصال إليه أو جوازه، وكون الإبقاء معرّضاً للتلف لا يوجب جواز إتلافه.

وأمّا الثاني: فلأنّ تلك النصوص مختصّة بصورة تعذّر الإيصال إلى المالك، وفي المقام يمكن ذلك بأنْ يصرف في جهة معيّنةٍ يقطع برضاه عليه السلام بصرف حصّته فيها، وعليه فهي خارجة عن موارد تلك النصوص.

فتحصّل: أنّ شيئاً من الأقوال التسعة، لا يمكن تطبيقه على القواعد والأدلّة.

وبالجملة: فالأظهر هو القول العاشر، فإنّ من تأمّل في أحوال الإمام عليه السلام، وفي أنّ تشييد الدِّين، وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين، ونشر شريعة سيّد المرسلين تحتاج إلى بذل المال وصرفه، يقطع برضاه عليه السلام بصرف ماله المُستغني عنه في هذا المقام.

ويؤيّده أنّ المظنون أنّ جعل هذا السهم له عليه السلام، إنّما هو من جهة رئاسته

ص: 255

وإمامته، الموجبة لاحتياجه إلى المال في تشييد الدِّين، ونشر الأحكام، ففي خبر الطبري، عن الإمام الرضا عليه السلام:

«الخُمس عوننا على ديننا، وعلى عيالنا، وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته»(1).

وكذلك لو تأمّلنا في حاله عليه السلام، وفي أحوال أرحامه المحتاجين - خصوصاً المتعفّفين منهم، الّذين لا حيلة لهم - لا يُشكّ في رضاه في صرفه فيهم، بل وكذلك بالنسبة إلى ضعفاء الشيعة، وإنْ لم يكونوا من السادة والعلويّين.

وبالجملة: بعد التدبّر والتأمّل، لا ريب في إحراز رضاه عليه السلام بصرف ماله في جهاتٍ خاصّة، فهذا هو المناط والميزان.

فرع: هل يجب مراجعة الحاكم الشرعي بالدفع إليه، أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه، كما عن المحقّق(2) والمصنّف(3) والشهيدين(4) وغيرهم(5)، بل هو المنسوب(6)إلى أكثر العلماء؟

أم لا يعتبر ذلك، بل يجوز للمالك تولّي الصَرف، بلا حاجةٍ إلى مراجعته، كما عن غرية المفيد(7) وغيرها(8)؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لعموم ما دلّ على ولايته على مال الغائب، وليس هو0.

ص: 256


1- الكافي: ج 1/547 ح 25، وسائل الشيعة: ج 9/538 ح 12665.
2- شرائع الإسلام: ج 1/138.
3- مختلف الشيعة: ج 3/355.
4- البيان: ص 220، والدروس: ج 1/262، شرح اللّمعة: ج 2/79.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/492.
6- حكاه صاحب الجواهر: ج 16/178 عن المجلسي نقلاً عن زاد المعاد.
7- حكاه عنه الشهيد الأوّل في البيان: ص 221.
8- مجمع الفائدة: ج 4/358، الحدائق الناضرة: ج 12/470.

ممّا استدلّ به على ولاية الفقيه، كي يدفع بعدم تماميّته، كما مرّ في محلّه، بل المراد منه:

1 - ما وردَ من قوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»(1).

2 - وقوله عليه السلام في مشهورة أبي خديجة: «فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً»(2).

الظاهران في أنّ للفقيه جميع ما للحكّام من المناصب والاختيارات من التصرّف في مال الغائب بصرفه في المصارف، من مناصب القضاة والحكّام، كما هو المتعارف والمعمول فيهم فعلاً.

ودعوى: أنّ قوله عليه السلام: «جعلته قاضياً» و «حاكماً» لا يشمل نفس الجاعل، فهو عليه السلام خارجٌ عن مورده، فإنّه الولي لا المولّى عليه.

مندفعة: بأنّ المُدّعى هو الولاية على المال، لا على الغائب نفسه، ولما تقدّم من أنّ سهم الإمام عليه السلام إنّما يكون له بما أنّه إمام، إذ عليه يتعيّن أن يتولّاه من يتولّى المنصب.

وبالجملة: فالأظهر لزوم المراجعة إلى الحاكم الشرعي.

نعم، لا يعتبر الرجوع إلى الأعلم إلّافي تعيين المصرف، من جهة أنّه موضوعٌ ذو حكمٍ شرعي لابدّ فيه من الرجوع إلى الأعلم كسائر الأحكام الشرعيّة.

***3.

ص: 257


1- الكافي: ج 1/67 ح 10، وسائل الشيعة: ج 27/136 ح 33416.
2- وسائل الشيعة: ج 27/139 ح 33421، عوالي اللآلي: ج 3/518 ح 13.

موارد صرف حصّة سائر الأصناف

موارد صرف حصّة سائر الأصناف

أمّا المقام الثاني: ففي بيان مصرف حصّة سائر الأصناف، والأقوال فيها ستّة:

1 - السقوط وإباحتها للشيعة في زمان الغيبة، ذهب إليه الديلمي(1) وغيره.

2 - وجوب دفنها إليزمان ظهوره عليه السلام، نُسب ذلك إلى بعضٍ من الأصحاب(2).

3 - وجوب الوصيّة بها، وهو المحكيّ عن «التهذيب»(3).

4 - التخيير بين الصرف إلى الأصناف الثلاثة، وعزلها وحفظها والوصيّة بها، وهو المحكيّ عن «المقنعة»(4).

5 - التخيير بين ذلك وبين الدفن، كما عن «المبسوط»(5).

6 - ماهو المشهور بين الأصحاب، بل هو المنسوب إلى جمهور الأصحاب، وهو تعيّن قسمتها على الأصناف الثلاثة.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأخبار التحليل.

ص: 258


1- المراسم العلويّة: ص 142.
2- حكاه الشيخ المفيد عن بعض لروايته: (أنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور القائم عليه السلام) كما في المقنعة: ص 285-286.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/147-148.
4- المقنعة: ص 286، قوله بعد ذكر هذا القول: (وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدّم، لأنّ الخُمس حقّ وجب لغائب، لم يرسم فيه قبل غيبته رسماً يجب الانتهاء إليه، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه).
5- المبسوط: ج 1/264، قوله: (فثلاثة أقسام، للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته، والثلاثة أقسام الأُخر تفرّق على أيتام آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم لأنّهم المستحقّون لها وهم ظاهرون، وعلى هذا يجب أن يكون العمل لأنّ مستحقّها ظاهر).

2 - وبما دلّ على لزوم الدفع إلى الإمام عند الحضور، بتقريب أنّ الشرط متعذّرٌ وبتعذّره يسقط المشروط.

3 - وبأصالة البراءة بعد قصور أدلّة الوجوب عن الشمول لحال الغيبة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما مرّ في مبحث أرباح المكاسب.(1)

وأمّا الثاني: فلأنّ وجوب الدفع إلى الإمام حال الحضور، وإنْ كان ممّا لا ينبغي التوقّف فيه - لأنّه المستفاد من كثيرٍ من النصوص والفتاوى، بل عن «المعتبر»(2)و «المنتهى»(3) نسبته إلى الشيخين، وجماعة من العلماء، إلّاأنّ غاية ما يثبت بالأدلّة، إنّما هو وجوب إيصال تمام الخُمس إليه لدى التمكّن منه، فمع عدم التمكّن من الدفع إليه، تبقى العمومات سليمة، مع أنّ وجوب الدفع إليه أمّا من حيث الإمامة، أو من حيث أنّ المالك لا يكون مسلّطاً على إفراز النصف للإمام، لعدم الولاية له عليه، ولا على أحد من قبيله، وعلى كلّ تقديرٍ لا يقتضي ذلك سقوط حقّ الباقين عند تعذّر قيامه عليه السلام بما يقتضيه منصبه، بل يتعيّن حينئذٍ إمّا سقوط هذا الحقّ ، أو نصب الغير للقيام به.

وأمّا الثالث: فلأنّ ما قيل في وجه قصور الأدلّة عن الشمول لحال الغيبة من أنّ دليل الخُمس منحصرٌ بالآية والأخبار، والأُولي مختصّة بحال الحضور لوجهين:

الأوّل: اختصاصها بغنائم دار الحرب، المختصّة بحال الحضور.

الثاني: أنّها خطابٌ شفاهي متوجّهٌ إلى الحاضرين خاصّة، والتعدّي إلى ).

ص: 259


1- راجع صفحة 45 من هذا المجلّد.
2- المعتبر: ج 2/640-641.
3- منتهى المطلب: ج 1/555، قوله: (مسألة: واختلف علماؤنا في الخُمس في حال غيبة الإمام... الخ).

غيرهم إنّما يكون مع التوافق في الشرائط جميعاً، وهو ممنوعٌ في محلّ البحث، فلا تنهض حجّة في زمان الغيبة.

وأمّا الأخبار: فهي مع ضعف أسانيدها، لا تدلّ على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة، أو الاختصاص مطلقاً، بل تدلّ على أنّ الإمام يقسّمه كذلك، فيجوز أنْ يكون هذا واجباً عليه من غير أنْ يكون شيءٌ من الخُمس ملكاً لهم أو مختصّاً بهم، مع أنّها مختصّة بزمان الحضور، فيجوزُ اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة، ولكن قد مرّ في أوائل هذا الكتاب، أنّ الآية الشريفة لا تكون مختصّة بغنائم دار الحرب، بل عامّة لجميع الأقسام، وأيضاً حقّقنا في الاُصول عدم اختصاص خطابات القرآن - حتّى الشفاهية منها - بالحاضرين، وأنّها تشمل المعدومين أيضاً.

وأمّا الأخبار ففيها روايات معتبرة ظاهرة في أنّ نصف الخُمس مختصٌّ بهم، فراجعها(1).

وبالجملة: فالأظهر عدم السقوط، ويؤيّد ذلك ما ورد من النصوص في مقام بيان حِكمة تشريع الخُمس، بل هو يشهد بذلك.

وأمّا سائر الأقوال: - غير القول الأخير - فيظهر وجهها ممّا ذكرناه في المقام الأوّل، بضميمة ما دلّ على وجوب إيصال الخُمس بتمامه إلى الإمام عليه السلام، وضعفها حينئذٍ ظاهرٌ، وعليه فالمتعيّن هو القول الأخير.

فرع: هل يشترط مراجعة الحاكم في ذلك، كما هو المنسوب إلى المشهور، أم لا كما صرّح به جماعة ؟ وجهان:د.

ص: 260


1- صفحة 234 من هذا المجلّد.

استدلّ للأوّل: بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّه يجبُ دفع الخُمس إلى الإمام، والتقسيم بين الأصناف وظيفته، فعند غيبته يكون ذلك وظيفة نائبه.

الوجه الثاني: أنّه لا دليل على تعيين الحصّة، سواءٌ أكانت في العين أو في الذّمة بتعيين المالك.

ويمكن دفع الأوّل: بقصور ما دلّ على لزوم الدفع إلى الإمام، وأنّ التقسيم وظيفته، عن الشمول لحال الغيبة، بل هو مختصٌّ بحال الحضور.

كما يمكن دفع الثاني: بما عن «المستند»(1) من دعوى قيام الإجماع على ولاية المالك على القسمة، واستظهره من الأخبار المتضمّنة لإفراز ربّ المال خُمسه، وعَرضه على الإمام، وتقريره له، ومع ذلك فإنّ الاحتياط في مراجعته سبيل النجاة.

***8.

ص: 261


1- مستند الشيعة: ج 10/138.

ويُعتَبر فيهم الإيمان.

اعتبار الإيمان في مستحقّ الخُمس

المسألة السادسة: (ويُعتَبر فيهم) أي في الطوائف الثلاث: اليتامى، والمساكين وابن السبيل، الّذين لهم نصفُ الخُمس بمقتضى الآية الشريفة والنصوص المتواترة:

(الإيمان) كما هو المشهور بين الأصحاب.

وفي «الجواهر»(1): (بل لا أجدُ فيه خلافاً محقّقاً كما اعترف به بعضهم، بل في «الغُنية»(2) الإجماع عليه). انتهى .

واستدلّ له:

1 - بالشُّغل المقتضي للإقتصار على المتيقّن.

2 - وبكون الخُمس كرامةً ومودّة لا يستحقّها غير المؤمن المحادد للّه ولرسوله.

3 - وبأنّه عِوضٌ عن الزكاة المعتبر فيها الإيمان إجماعاً.

4 - وبخبر إبراهيم الأوسي، عن الإمام الرضا عليه السلام، في حديثٍ : «فإنّ اللّه عزّ وجلّ حَرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا»(3).

أقول: والخدشة في الجميع ظاهرة:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا مجال للرجوع إليه مع إطلاق الكتاب والسُنّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ المراد من كون الخُمس كرامة، أنّه مجعولٌ كرامةً لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلا ينافي استحقاق المخالف له، مع أنّ المخالف بما أنّه منسوبٌ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، ومن أولاده يستحقّ الكرامة والمودّة، وإنْ كان في نفسه لايستحقّها.

ص: 262


1- جواهر الكلام: ج 16/115.
2- غنية النزوع: ص 130.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/52 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/223 ح 11887.

وفي اليتيم الفقر.

وأمّا الثالث: فلأنّ عوضيّته عن الزكاة، لا تقتضي اعتبار جميع ما يعتبر فيها فيه، ولذا ترى أنّ القائلين باعتبار العدالة في مستحقّها لم يلتزموا باعتبارها فيه.

وأمّا الرابع: فلأنّ ما حَرّمه اللّه هو أموالهم وأموال شيعتهم، وكون نصف الخُمس من أموال شيعتهم أوّل الكلام.

وعليه، فالعمدة هو الإجماع إنْ ثبت، وإلّا فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم اعتباره، ولذلك فما ذكر في «الشرائع» من التردّد في المسألة متينٌ .

اعتبار الفقر في اليتيم وعدمه

اعتبار الفقر في اليتيم وعدمه

المسألة السابعة: (و) هل يعتبر (في اليتيم الفقر) كما اختاره المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(1)، وفي «الجواهر»(2): (هو المشهور نقلاً إنْ لم يكن تحصيلاً)، أم لا كما عن الشيخ في «المبسوط»(3)، والحِلّي(4) وتبعهما غيرهما(5)؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بالشُّغل.

ص: 263


1- مختلف الشيعة: ج 3/334، إرشاد الأذهان: ج 1/293، تحرير الأحكام: ج 1/441 (ط. ج)، تبصرة المتعلّمين ص 75.
2- جواهر الكلام: ج 16/113.
3- المبسوط: ج 1/262.
4- السرائر: ج 1/496.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/489.

2 - وببدليّة الخُمس عن الزكاة المعتبر فيها ذلك.

3 - وبقوله عليه السلام في مرسل حمّاد المتقدّم: «يقسّم بينهم على الكتاب والسُنّة، ما يستغنون به في سَنَتهم، فإنْ فَضُل عنهم شيءٌ فهو للوالي، فإنْ عجز أو نَقَص عن استغنائهم، كان على الوالي أنْ يُنفق من عنده ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ له ما فَضُل عنهم»(1).

4 - وبقوله عليه السلام في مرفوع أحمد بن محمّد بن محمّد: «فهو يُعطيهم على قدر كفايتهم، فإنْ فَضُل شيءٌ فهو له»(2).

5 - وبأنّ الطفل إذا كان له أبٌ ذو مال، لم يستحقّ شيئاً، فإذا كان المال له كان أولى بالحرمان، إذ وجود المال له أنفع من وجود الاب.

أقول: ولكن في غير الخبرين ما لا يخفى ، إذ لا يُعتمد على شيءٍ ممّا ذُكر في مقابل إطلاق الأدلّة.

وأمّا الخبران: فإنْ بنينا على عدم العمل بهما فيما هما صريحان فيه - وهو الاقتصار على قدر الكفاية، وأنّه لو فَضُل منه شيءٌ كان للإمام، ولو أعوز أتمَّ من نصيبه - فهو، وإلّا فالإستدلال بهما تامّ ، وبهما تُرفع اليد عن ظهور الآية الشريفة في عدم اعتبار الفقر في اليتيم، من جهة عَدّه قِسْماً برأسه، وتُحمل الآية على أنّ المقابلة بينهما إنّما تكون في البلوغ وعدمه مع فقد الاب. فتأمّل.

وأمّا خبر الرّيان بن الصلت، عن الرضا عليه السلام، في حديثٍ طويل:

«وأمّا قوله تعالى: وَ اَلْيَتامى وَ اَلْمَساكِينِ (3) فإنّ اليتيم إذا انقطع يُتمه، خرج1.

ص: 264


1- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/520 ح 12623.
2- وسائل الشيعة: ج 9/521 ح 12624.
3- سورة الأنفال: الآية 41.

من الغنائم، ولم يكن له فيها نصيبٌ ، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته، لم يكن له نصيبٌ من الغُنم، ولا يحلّ له أخذه»(1).

الصريح في عدم اعتبار الفقر، فلأشهريّة المُرسَل عنه يُطرح ويقدّم المرسل.

ودعوى: أنّه يُجمع بينهما بالالتزام بجواز أخذه لمعاشه بقدر كفايته، وإنْ كان له مالٌ آخر.

مندفعة: بأنّه خلافُ الظاهر، مع أنّه يأباه قوله عليه السلام في المرسل: «وَجَعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه و آله نصفُ الخُمس، فأغناهم به عن صدقات الناس».

فتحصّل: أنّ الأحوط لو لم يكن أظهر اعتبار الفقر فيه.

***7.

ص: 265


1- وسائل الشيعة: ج 9/515 ح 12609، عيون أخبار الرضا: ج 1/237.

ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر

ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر

المسألة الثامنة: لا كلام ولا إشكال في عدم اعتبار الفقر في ابن السَّبيل، بل عن «المنتهى»(1) دعوى الإجماع عليه.

وهل تعتبر الحاجة في بلد التسليم كما هو المشهور؟

أم لا كما عن الحِلّي(2)؟

وجهان، والأظهر هو الأوّل:

1 - لظهور المرسلين(3) المتقدّمين فيه، وفي «الجواهر»(4): (بل في أوّلهما مواضع للدلالة على المطلوب)، وهو كذلك.

2 - ولأنّ المتبادر من إطلاق ابن السبيل، إرادة المسافر المحتاج، فلا يُقال لأرباب المُكنة في اسفارهم أبناء السبيل، ويؤيّده ما ورد في تفسير ابن السبيل وهو خبر علي بن إبراهيم، عن العالم عليه السلام: «وابن السبيل أبناءُ الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه، فيقطع عليهم، ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»(5).

وعليه، فالأقوى اعتبارها فيه.

وهل يعمّ الحكم ما لو كان سفره في معصية ؟ أم يعتبر أنْ لا يكون فيها؟

ص: 266


1- منتهى المطلب: ج 1/552.
2- السرائر: ج 1/496.
3- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/520 ح 12623-12624.
4- جواهر الكلام: ج 16/112.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/49 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862.

وجهان، مقتضى إطلاق الأدلّة كالفتاوى عدم اعتباره.

وأمّا خبر القُمّي، فظاهره اعتبار كونه في طاعة اللّه تعالى ، ولكن الإجماع على خلافه، ولإرساله، ولإحتمال كونه تفسيراً لخصوص ابن السبيل، المستحقّ للزكاة، الذي هو مورده لا مطلقه، لا يُعتمد عليه.

وعليه، فالأظهر عدم اعتباره.

***

ص: 267

عدم اعتبار العدالة في مستحقّ الخُمس

عدم اعتبار العدالة في مستحقّ الخُمس

المسألة التاسعة: وقد يقال باعتبار اُمورٍ في مستحقّ الخُمس:

الأمر الأوّل: العدالة.

وقد نُسب ذلك إلى السيّد المرتضى رحمه الله(1)، والأظهر عدم اعتبارها، كما هو المشهور بين الأصحاب.

وفي «المدارك»(2): هذا مذهبُ الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً لإطلاق الأدلّة.

واستدلّ لإعتبارها: من جهة اعتبارها في الزكاة، وقد دلّ الدليل على بدليّة الخُمس عن الزكاة وعوضيّته عنها، بل قيل(3): إنّه زكاة في المعنى.

وفيه: - مضافاً إلى منع اعتبارها في الزكاة كما مرّ في محلّه - أنّه لا دليل على عموم البدليّة، كي يَشمل إطلاقه مثل هذا الشرط، وكونه زكاةً كما ترى .

الأمر الثاني: عدم كونه مرتكباً للكبائر.

واستدلّ له:

1 - بما ورد في الزكاة من أنّها لا تُعطى لشارب الخمر والزاني(4)، بتقريب أنّه بعد إلغاء الخصوصيّة، يثبت ذلك في الزكاة، وبضميمة عموم البدليّة، يثبت في المقام.

2 - وبأنّه غير مؤمنٍ لا يستحقّ الكرامة والمودّة.

ص: 268


1- رياض المسائل: ج 5/261 (ط. ج) قوله: (لعلّه المرتضى، فإنّه وإنْ لم يصرّح باعتبارها هنا لكنّه اعتبرها في الزكاة). الانتصار: ص 218.
2- مدارك الأحكام: ج 5/411 قوله: (هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً تمسّكاً بإطلاق الكتاب والسُنّة).
3- رياض المسائل: ج 5/257 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 16/101.
4- الكافي: ج 3/563 ح 15، وسائل الشيعة: ج 9/249 باب عدم جواز دفع الزكاة إلى شارب الخمر.

أقول: بالنسبة إلى الأخير قد مرّ ما فيه في مسألة اعتبار الإيمان فيه، والأوّل يبتني على التعدّي من شُرب الخمر والزِّنا إلى سائر الكبائر، وثبوت عموم البدليّة، وكلاهما غير ثابتين.

الأمر الثالث: عدم كونه متجاهراً بالفسق.

واستدلّ له: بما دلّ على أنّ الفاسق إذا تجاهر بفسقه لا حُرمة له ولا غيبة(1)، إذ مقتضى إطلاق عدم الحرمة له، عدم إعطائه الخُمس الذي يعدّ تكريماً له كما هو المستفاد من النصوص(2).

وفيه: - مضافاً إلى عدم ثبوت الإطلاق له، كما هو الُمحرّر في محلّه من مبحث الغيبة(3) - أنّ الخُمس كرامة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، أي يُدفع إلى من انتَسب إليه كرامةً له صلى الله عليه و آله لا لشخص القابض، مع أنّ ذلك من قبيل حِكمة التشريع دون العلّة التي يدور الحكم مدارها.

الأمر الرابع: أنْ لا يكون في الدفع إعانةٌ على الإثم.

وقد اعتبره جماعةٌ (4)، واستدلّ له بما دلّ على حرمة الإعانة على الإثم، والإغراء بالقبيح.

وفيه: إنّ المحرّم بنصّ الآية الكريمة هو التعاون على الإثم(5)، وكلمة التعاون من باب التفاعل، وهي عبارةٌ عن اجتماع عدّة أشخاص لإيجاد أمر، ليكون ذلك صادراً2.

ص: 269


1- وسائل الشيعة: ج 12/289 ح 16327-16328، الأمالي للصدوق ص 39 ح 7.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/127 باب 37 قسمة الغنائم، وسائل الشيعة: ج 9/509 أبواب قسمة الخُمس.
3- فقه الصادق: ج 21/125.
4- العروة الوثقى: ج 4/306 (ط. ج)، كتاب الخُمس الشيخ مرتضى الحائري: ص 605.
5- سورة المائدة: الآية 2.

عن جميعهم، كأن يجتمعوا على قتل نفس محترمة فيقتلوها جميعاً.

وأمّا الإعانة عليه - التي هي من باب الإفعال، وهي عبارة عن إيجاد مقدّمة فعل الغير، مع استقلال ذلك الغير في صدور الإثم منه - فلا دليل على حُرمتها، لا سيّما مع عدم كون المقدّمة من المقدّمات الفاعليّة كما في المقام.

وصدق الإغراء مع عدم البعث نحو المعصية، وعدم التحريض إليها محلّ تأمّل بل منع.

نعم، لا يبعدُ القول بعدم الجواز تكليفاً إذا كان المنع رادعاً عن ارتكاب الحرام لوجوب النهي عن المنكر، إذ المستفاد من دليله لزوم الحيلولة بين المنكر ومن يريد فعله، من دون فرق بين الحدوث والبقاء، والفرق بينه وبين ما قبله أنّ في المقام تتحقّق الحيلولة بترك الإعطاء، بخلاف ترك الإعطاء هناك.

ولكن ذلك لا يوجب عدم استحقاقه للخُمس، فإنّ عدم جواز الإعطاء لعنوانٍ آخر، لا يوجب سلب استحقاقه، فلو دفع إليه تبرأ الذّمة.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار شيء من ذلك، وأنّه لا يجوز الدفع في الفرض الأخير.

***

ص: 270

الأنفال.

خاتمةٌ في الأنفال

(الأنفال)، وهي جمعُ نفل (بفتح الفاء وسكونها)، وهو في اللّغة بمعنى الزائد على الأصل، كما عن الأزهري(1) وغيره(2)، قال اللّه تعالى: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً (3) أي زيادةً على ما سأله.

وإنّما سُمّيت الغنائم بذلك، لأنّ المسلمين فضّلوا بها على سائر الأُمم الذين لم تَحلّ لهم الغنائم، فما عن «القاموس»(4) و «المصباح»(5) من أنّ النفل هو الغنيمة، إنّما يكون من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق.

والمراد بالأنفال شرعاً: ما يختصّ به الرسول صلى الله عليه و آله بنصّ الآية الكريمة:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَنْفالِ قُلِ اَلْأَنْفالُ لِلّهِ وَ اَلرَّسُولِ (6) .

وهي تكون للإمام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله للنصوص الكثيرة، لاحظ صحيح حفص بن البُختري، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الأنفال ما لم يُوجَف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ ، أو قومٌ صالحوا، أو قومٌ أعطوا بأيديهم، وكلّ أرضٍ خربةٍ ، وبطون الأودية، فهو لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهو للإمام عليه السلام من بعده يضعه حيث يشاء»(7).

ص: 271


1- تهذيب اللّغة: ج 15/355.
2- مجمع البحرين: ج 4/355.
3- سورة الأنبياء: الآية 72.
4- القاموس المحيط: ج 4/59.
5- المصباح المنير: ج 2/169.
6- سورة الأنفال: الآية 1.
7- وسائل الشيعة: ج 9/523 ح 12625، الكافي: ج 1/539 ح 3.

ونحوه غيره من النصوص الكثيرة الآتية جملة منها، وقد ورد التصريح في بعضها بأنّه: (ليس للنّاس فيها حقّ ).

وأمّا خبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الأنفال ؟ فقال: كلّ قريةٍ يَهلكُ أهلها، أو يجلون عنها، فهي نفلٌ للّه عزّ وجلّ ، نصفها يقسّم بين الناس، ونصفها لرسول اللّه، فما كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فهو للإمام»(1). ونحوه خبر حريز(2)، في الدلالة على أنّ نصف الأنفال للناس.

فلضعف سنده بإسماعيل بن سهل، ومخالفته لما هو المشهور، بل المتفق عليه بين الأصحاب، ولموافقته العامّة، ولمعارضته مع النصوص المتواترة، لابدّ من طرحه.

والمرادُ من ملكيّة الإمام، إنّما هو ملكيّة منصب الإمامة، لا شخص الإمام، وقد يُعبّر عنه بملكيّة الدولة، فإنّ جعل شيء للإمام بما هو إمامٌ وزعيمٌ للاُمّة وقائدها، إنّما هو لأجل أن يصرفه في مصالح الأُمّة.

أقول: وكيف كان، فيشهد له - مضافاً إلى أنّه من الضروري، ولا ينتقل إلى ورثة الإمام، وأنّه بموته ينتقل إلى الإمام اللّاحق - ما دلّ من النصوص على أنّها للرسول ومن بعده للإمام، فإنّها تدلّ على أنّ ذلك لمنصب الرسالة والإمامة، أضف إلي ذلك مناسبة الحكم والموضوع، وسيأتي الكلام في حكمها في زمان الغيبة.

***6.

ص: 272


1- وسائل الشيعة: ج 9/526 ح 12631، تهذيب الأحكام: ج 4/133 ح 6.
2- وسائل الشيعة: ج 9/533 ح 12649، تهذيب الأحكام: ج 4/133 ح 6.

كلُّ أرضٍ خَربةٍ بادَ أهلها.

أقول: حصر الأصحاب الأنفال في اُمور، هي:

من الأنفال الأرض الخربة

من الأنفال الأرض الخربة

الأمر الأوّل: (كلّ أرضٍ خربةٍ بادَ أهلها) وكون الأرض الخربة من الأنفال في الجملة ممّا طفحت كلماتهم به، وعن «الخلاف»(1)، و «الغُنية»(2)، و «جامع المقاصد»(3): دعوى الإجماع عليه.

وعن «المسالك»(4): أنّه موضع وفاق، ونحو ذلك عن غيرها(5).

أقول: والمراد ب (الأرض الخَربة) في عبارة المصنّف، بقرينة ذكر (المَوات) بعد ذلك، هو ما إذا كانت الأرض مسبوقة بالعمران.

والمراد من (باد أهلها):

إمّا أن يكون موتُ مالكها، ولو كان له وارثٌ مجهول أو معلوم.

أو يكون المراد موتُ أهلها وانقراضهم بتاتاً، بحيث تصبح الأرض ممّا لا مالك لها، وإلى هذا نظر الشيخ الأعظم(6) حيث قال: (الظاهر أنّه للإحتراز عمّا له مالكٌ معروف) وهو الظاهر.

ص: 273


1- الخلاف: ج 3/525.
2- غنية النزوع: ص 204.
3- جامع المقاصد: ج 7/9.
4- مسالك الأفهام: ج 12/391.
5- منتهى المطلب: ج 1/553 ط. ق، مدارك الأحكام: ج 5/414.
6- كتاب الخُمس الشيخ الأنصاري: ص 350

وكيف كان، فيشهد له:

1 - مرسل حمّاد بن عيسى ، الذي هو كالصحيح لكون المُرسِل من أصحاب الإجماع - عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام، في حديثٍ طويل:

«والأنفال كلّ أرضٍ خَربةٍ بادَ أهلها، وكلّ أرضٍ لم يوجَف عليها بخيلٍ ولا ركاب، ولكن صالحوا عليه صُلحاً، وأعطوا بأيديهم على غير قتال. الحديث»(1).

2 - وخبر الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قال: سألته عن الأنفال ؟ فقال عليه السلام:

ما كان من الأرضين باد أهلها، الحديث»(2).

3 - وخبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قال لنا الأنفال. قلتُ : وما الأنفال ؟ قال: منها المعادن والآجام، وكلّ أرضٍ لا ربّ لها، وكلّ أرضٍ باد أهلها فهو لنا»(3). ونحوها غيرها.

وأيضاً: يشهد لكونها من الأنفال بالمعنى الثاني، الذي هو الظاهر، وفهمه منه الأصحاب، جملة من النصوص الآتية المتضمّنة، أنّ كلّ أرضٍ لا ربّ لها من الأنفال، فإنّ الأرض المزبورة باعتبار أنّها باد أهلها أصبحت ممّا لا ربّ لها.

وأيضاً: يشهد له ما دلّ من النصوص أنّ من لا وارث له فماله من الأنفال:

1 - ما ورد في موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من ماتَ وليس له مولى فماله من الأنفال»(4).4.

ص: 274


1- وسائل الشيعة: ج 9/525 ح 12628، الكافي: ج 1/541 ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 9/527 ح 12635، تهذيب الأحكام: ج 4/133 ح 5.
3- وسائل الشيعة: ج 9/533 ح 12652، تفسير العيّاشي: ج 2/48 ح 11.
4- وسائل الشيعة: ج 9/531 ح 12644، تفسير القُمّي: ج 1/254.

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «من مات وليس له وارثٌ من قرابته، ولا مولى عتاقه قد ضَمِن جريرته، فماله من الأنفال»(1).

ونحوهما غيرها.

وأمّا الأنفال بالمعنى الأوّل: فإنْ كان وارثه مجهولاً فهو مجهولُ المالك، ويعود أمره إلى الإمام عليه السلام، وإن كان معلوماً فسيأتي حكمه.

الأرض الخربة التي انجلى أهلها

الأرض الخربة التي انجلى أهلها

ثمّ أنّ المصرّح به في جملةٍ من الكلمات: أنّ الأرض الخربة التي انجلى أهلها تعدّ من جملة الأنفال.

وتنقيح القول فيه: إنّ النصوص المتضمّنة لكون الأرض الخربة من الأنفال على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما تضمّن أنّ كلّ أرضٍ خربة تكون منها أو للإمام:

1 - صحيح حفص المتقدّم.

2 - وموثّق محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ الأنفال ما كان من أرضٍ لم يكن فيها هراقة دمٍ ، أو قوم صالحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرضٍ خربة، أو بطون أودية فهذا كلّه من ألفي والأنفال للّه وللرسول، الحديث»(2).

3 - وموثّق سماعة: «عن الأنفال ؟ فقال عليه السلام: كلّ أرضٍ خَربة أو شيء يكون للملوك، فهو خالص للإمام، وليس للناس فيه سهم.

ص: 275


1- وسائل الشيعة: ج 26/246 ح 32930، الكافي: ج 7/169 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 9/526 ح 12634، تهذيب الأحكام: ج 4/133 ح 4.

قال: ومنها البحرين لم يوجَفُ عليها بخيلٍ ولا ركاب»(1) ونحوها غيرها.

الطائفة الثانية: ما تضمّن أنّ الأرض الخربة التي انجلى أهلها من الأنفال:

لاحظ موثّق إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الأنفال ؟ فقال: هي القُرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للّه وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يوجَف عليه بخيل ولا ركاب، الحديث»(2).

وقريبٌ منه خبر داود بن فرقد(3).

ودعوى: أنّ مورد الموثّق القرية، وهي غير الأرض الخَربة.

مندفعة: بأنّ الأرض الخربة المسبوقة بالعمران لا محالة كانت في يومٍ من الأيّام قرية أو مزرعة أو ما شاكل، مع أنّ مورد خبر داود هو الأرض، ولا يختصّ الموثّق بأرض الكفّار، بل مقتضى إطلاقه ثبوت الحكم لأرض المسلمين لو انجلى أهلها.

الطائفة الثالثة: ما تضمّن أنّ الأرض الخربة الّتي لم يوجَف عليها بخيلٍ ولا ركاب من الأنفال: كموثّق إسحاق المتقدّم آنفاً، والظاهر اختصاص ذلك بالمحاربين.

أقول: ولا تنافي بين الطائفتين الأخيرتين، فإنّ كلّاً منهما متضمّنة لقيدٍ غير ما تضمّنته الاُخرى ، فمفاد الطائفتين أنّ كلّ أرضٍ خربة انجلى أهلها وبادوا أو أعرضوا9.

ص: 276


1- وسائل: ج 9/526 ح 12632، تهذيب الأحكام: ج 4/133 ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 9/531 ح 12644، تفسير القُمّي: ج 1/254.
3- وسائل الشيعة: ج 9/534 ح 12656، تفسير العيّاشي: ج 2/49.

عنها، أو لم يتمكّنوا من الإعاشة فيها، أو تركوها خوفاً من سيطرة المسلمين عليها، أو استولى عليها المسلمون بغير قتال، فهي من الأنفال، وقد جمع بين القيدين في خبر داود بن فرقد، ولكنّهما تُنافيان الطائفة الأُولى الدالّة على أنّ الأرض الخربة مطلقاً من الأنفال والنسبة بينهما هي العموم المطلق.

وحيثُ أنّ الظاهر ورود النصوص في مقام الحصر والتحديد، فلذا يُحمل المطلق على المقيّد، وإن كانا متوافقين، فيختصّ الحكم بالأرض الخَربة التي لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب، والخَربة التي انجلى أهلها.

أقول: ثمّ إنّ الأرض التي جلا أهلها:

1 - ربما تكون للمُسلم أو المعاهد المحترم المال.

2 - وربما تكون للكافر المحارب.

ومنشأ جلاء الأرض على الأوّل:

1 - ربما يكون هو الإعراض عنها نهائيّاً.

2 - وقد يكون لعدم التمكّن من الإعاشة فيها لخرابٍ أو قحطٍ وجدبٍ ، وغير ذلك من أسباب ترك الأرض.

وعلى الثاني: قد يكون انجلوا عنها خوفاً من سيطرة المسلمين عليها، وقد يكون تسليمهم الأرض تسليما ابتدائيا، وقد يكون غير ذلك من الأسباب.

وبالجملة: فإنّ مقتضى إطلاق النصوص، كون الأرض الخربة التي انجلى أهلها عنها، تعدّ من الأنفال مطلقاً.

ولكن في المقام طائفة من النصوص تخصّص هذه بأرض الكفّار، كما أنّ ظاهر الأصحاب اختصاص هذا العنوان بها:

ص: 277

منها: موثّق زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: ما يقول اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَنْفالِ قُلِ اَلْأَنْفالُ لِلّهِ وَ اَلرَّسُولِ (1)؟ وهي كلّ أرضٍ جلا أهلها من غير أن يُحمل عليها بخيلٍ ولا رجالٍ ولا ركابٍ ، فهي نفلٌ للّه وللرسول»(2)، ونحوه غيره.

وقد فهم الأصحاب من التقييد بقوله: (مِنْ غير أن يُحمل) الوارد في مقام التحديد والحصر، اختصاص جلاء الأرض بهذا المورد، أي جلائهم فراراً عن هجوم المسلمين، وعليه فيختصّ ذلك بها. والنسبة بين الطائفتين وإن هي عمومٌ من وجه - لعموم هذه للمعمورة، واختصاص تلك بالخربة، واختصاص هذه بأرض الكفّار، وعموم تلك لأرض المسلمين - إلّاأنّه قد تقدّم هذه الأظهريّة، أو لأنّه على فرض عدم الأظهريّة تُقدّم للشهرة التي هي أولى المرجّحات، بناءً على الرجوع إلى أخبار الترجيح في تعارض العامّين من وجه، أو لعموم ما دلّ على عدم خروج المال عن ملك صاحبه بدون سببٍ مزيل، بناءً على القول بالتساقط والرجوع إلى العام الفوق.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأرض الخربة التي انجلى أهلها المسلمون - من دون أن يعرضوا عنها، بل حتّى وإن أعرضوا عنها على ما هو الحقّ ، من أنّ الإعراض لا يوجب خروج المال عن ملك صاحبه - ليست من الأنفال، وأنّه لو كان لها ربٌّ معروف، تبقى الأرض لمالكها كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه(3)، وعن المصنّف في «التذكرة»(4) دعوى الإجماع عليه.).

ص: 278


1- سورة الأنفال: الآية 1.
2- وسائل الشيعة: ج 9/526 ح 12633، تهذيب الأحكام: ج 4/132 ح 2.
3- مستند الشيعة: ج 10/139، قوله: (خلاف فيها يوجد، للإجماع، والمستفيضة من الأخبار).
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/402 (ط. ق).

ويمكن أن يستدلّ له بوجوه أخر:

الوجه الأوّل: التقييد بما باد أهلها، بناءً على ما عرفت من ظهوره في انقراض الأهل بالمرّة.

الوجه الثاني: ما ورد من تقييد وتوصيف الأرض التي من الأنفال بالّتي (لا ربّ لها) كما في موثّق إسحاق المتقدّم، حيث عرفت أنّ الظاهر من القيد المذكور في أمثال المقام كونه لبيان التحديد والحصر، فتقيّد به النصوص، وتختصّ نصوصُ جلاء الأهل بما إذا لم يكن للأرض ربٌّ ، فتدبّر جيّداً.

حكم الأرض الخربة التي لا تكون من الأنفال

حكم الأرض الخربة التي لا تكون من الأنفال

أقول: ظهر ممّا ذكرناه أنّ الإمام عليه السلام يملك الأرض الخربة التي انجلى عنها أهلها وبادوا، وأمّا ما كان لها ربٌّ معروفٌ ، فليس من أملاكه ولا يعدّ من الأنفال، ولذا قيّد جماعةٌ منهم المحقّق في «الشرائع»(1) الأرض من الأنفال، بما باد أهلها، أو لم يجر عليها مِلكٌ كالمفاوز وسيوف البحار.

ومعلومٌ أنّ هذا التقييد كما صرّح به الشيخ الأعظم(2) للإحتراز عمّا إذا كان لها مالكٌ معروف.

فرع: يدور البحث فيه عن مالك الأرض الخربة، فقد يتركها دون أن يعرض عنها، وقد يتركها مع الإعراض عنها نهائيّاً، فالكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في فرض الإعراض:

ص: 279


1- شرائع الإسلام: ج 1/137.
2- كتاب الخُمس الشيخ الأنصاري: ص 350.

لا إشكال في أنّه لغيره إحيائها وتملّكها به:

1 - إمّا لأنّ الإعراض مخرِجٌ للمال عن ملك صاحبه، كما هو المشهور بين الأصحاب، لدليل السلطنة نظراً إلى أنّه يدلّ على سلطنة المالك على مطلق التصرّفات منها سلب الملكيّة عن نفسه كتسلطه على سائر التصرّفات.

2 - أو للارتكاز القطعي القائم لدى العرف والعقلاء، على أنّ الأرض - كما في مورد الكلام - تصير من المباحات بعد إعراض صاحبها عنها.

3 - أو للترخيص الضمني من صاحبها في أيّ تصرّف عليها من غيره حتّى التملّك بالإحياء، وكفاية مثل ذلك في حصول الملكيّة.

4 - أو لصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من أصابَ مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض، قد كلت وقامت وسيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه، فأخذها غيره، فأقام عليها، وأنفق نفقةً حتّى أحياها من الكلال ومن الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنّما هي مثل الشيء المباح»(1).

بدعوى: أنّ قوله: (وإنّما هي مثل الشيء المباح) علّة لنفي السبيل، وهذه تلائم انقطاع علاقة المالك عن ماله بإعراضه وصيرورته مباحاً.

المقام الثاني: في فرض عدم الإعراض، وفيه أقوال:

القول الأوّل: أنّها تخرج عن ملك مالكها بالخراب، إن كان سبب الملكيّة الإحياء، وأمّا إذا كان سببها الشراء أو الهبة أو ما شاكل، فلا تنقطع علاقة المالك، لا بالخراب ولا بقيام غيره بإحيائها والاستيلاء عليها.3.

ص: 280


1- وسائل الشيعة: ج 25/458 ح 32348، الكافي: ج 5/140 ح 13.

وهذا القول هو المشهور بين الأصحاب، وعن «التذكرة»(1) نفي الخلاف فيه، بل عن الشهيد في «الروضة»(2) دعوى الإجماع على عدم زوال الملك عنها، لو مَلِكها بالشّراء ونحوه.

القول الثاني: أنّ الأرض تخرج بالموت عن ملك مالكها، وتدخل في علاقة من قام بإحيائها وعمّارتها، ذهب إليه جماعةٌ منهم الشهيد الثاني في محكيّ «الروضة»(3)، و «المسالك»(2)، وعن السبزواري في «الكفاية»(3) أنّه الأقرب، وعن «المفاتيح»(4)أنّه الأوفق بالجمع بين الأخبار، وعن العلّامة في «التذكرة»(5) الميل إليه.

القول الثالث: إنّ علاقة المالك لا تنقطع عن الأرض بالخراب، وإنّما تنقطع عنها بعد قيام غيره بالإحياء.

ذهب إليه جماعةٌ (6)، وعن «جامع المقاصد»(7) أنّه المشهور بين الأصحاب.

القول الرابع: أنّ علاقة المالك لا تنقطع عن الأرض حتّى بعد قيام غيره بإحيائها، من غير فرق بين كون سبب الملكيّة الإحياء أو غيره.

ذهب إليه جماعةٌ منهم الشيخ في «المبسوط»(8)، والحِلّي في «السرائر»(9).1.

ص: 281


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/401 (ط. ق). (2و3) شرح اللّمعة: ج 7/139.
2- مسالك الأفهام: ج 3/59.
3- كفاية الأحكام: ص 239.
4- حكاه عن المفاتيح صاحب الجواهر: ج 38/21.
5- تذكرة الفقهاء: ج 2/401 (ط. ق).
6- تذكرة الفقهاء: ج 2/401 (ط. ق)، مسالك الأفهام: ج 3/59، جواهر الكلام: ج 21/184.
7- جامع المقاصد: ج 7/17.
8- المبسوط: ج 3/270.
9- السرائر: ج 1/481.

القول الخامس: التفصيل بين ما إذا كان الخراب مستنداً إلى إهمال المالك، بترك العمل عليها وإعمارها فيملكها غيره بالإحياء، وبين ما إذا لم يكن مستنداً إلى ذلك فلا يملكها به، وهو مختارنا في «حاشية المكاسب».

أقول: وتنقيح القول يتحقّق بالبحث في مقامين:

الأوّل: في أنّه هل تخرج الأرض بالخراب عن ملك مالكها أم لا؟

الثاني: في أنّه على فرض عدم الخروج، هل يملك غيره بالإحياء أم لا؟

***

ص: 282

عدم خروج الأرض بالخراب عن مِلْك مالكها

عدم خروج الأرض بالخراب عن مِلْك مالكها

أمّا المقام الأوّل: فقد استدلّ للخروج بالخراب عن ملك مالكها الأصلي إمّا مطلقاً، أو فيما إذا كان سبب الملكيّة الإحياء بوجوه:

1 - إنّ الأرض أصلها مباحٌ ، فإذا تركها الأوّل حتّى عادت على ما كانت عليه صارت مباحة.

وفيه: أنّه بعد قيام الدليل القطعي على أنّ الشيء إذا دخل في ملك شخصٍ يبقى على ملكيّته، ولا يخرج عنها ما لم يتحقّق أحد الأسباب المخرجة للملك، سواءٌ أكان السبب هو الإحياء أو الحيازة أو الشراء أو غيرها، وسواءٌ أكان الشيء أصله مباحاً كما في كثير من الأشياء، أو لم يكن، حيث إنّ كون أصل الشيء مباحاً ليس من تلك الأسباب قطعاً، فلا وجه لخروج الأرض بالخراب عن ملك مالكها.

وعلى الجملة، كون أصل الأرض مباحاً، لا يوجب صيرورتها مباحةً بعدما دخلت في ملك المحيي، وأمّا خروجها عن ملكه، فقد قام الدليل على أنّ خروج الملك لابدّ وأن يكون بسبب.

2 - إنّ سبب الملكيّة إذا كان هو الإحياء، فبزواله يزول المسبّب، لعدم بقاء المسبّب بدون السبب.

وفيه: أنّ الإحياء بالمعنى المصدري، هو السبب لملكيّة الأرض، وعليه فهو كسائر أسباب الملك كالشراء وما شاكل، يكون سبباً لحدوث الملكيّة، دون أن يكون سبباً لبقائها، ولذا لا شُبهة في بقاء الملكيّة ما دامت الأرض حيّة مع زوال السبب، فالملكيّة الحادثة بالإحياء كالملكيّة الحادثة بغيره، باقية ما لم يوجد أحد

ص: 283

الأسباب الُمخرِجة.

ودعوى: أنّ المملوك هي الأرض الحيّة، فبزوال الحياة تزول الملكيّة لانعدام الموضوع.

مندفعة: بأنّ المستفاد من الأدلّة، كون ذات الأرض مملوكة بسببٍ ، لا أنّ الأرض المعنونة بعنوان المحياة مملوكة.

3 - إطلاق ما دلّ على أنّ الأرض الخربة للإمام عليه السلام، دالٌّ بالالتزام على خروجها عن ملك مالكها لعدم اجتماع المالكين.

وفيه: تقدّم أنّ المذكور في جملةٍ من النصوص كصحيح حفص، وموثّق محمّد بن مسلم، وموثّق سماعة المتقدّمة، أنّ كلّ أرضٍ خربة تعدّ من الأنفال، الشاملة لما له مالكٌ معيّن، إلّاأنّه لابدّ من يقييد إطلاقها بما في النصوص الأُخر من التقييد بالأرض التي (لا ربّ لها)، فالأرض التي لها مالكٌ معيّن معلومٌ ، تكون خارجة عن تحت إطلاق تلك الأخبار.

أقول: ربما يستدلّ لهذا القول:

1 - بالروايات المتضمّنة أنّ : (مَنْ أحيى أرضاً ميّتةً فهي له).

2 - وبصحيحي معاوية بن وهب، وأبي خالد الكابلي الآتيين في المقام الثاني.

وحيث أنّها لو تمّت دلالتها، لدلّت على القول بخروج الأرض عن ملك مالكها بالإحياء لا بالخراب، فالمناسب هو البحث فيها في ذلك المقام.

وأيضاً: يمكن الاستدلال لبقاء الأرض في ملك مالكها بعد الخراب، بوجوهٍ :

الوجه الأوّل: أنّ المرتكز الذهني المستفاد من الأدلّة، كون الأرض مملوكة كسائر ما يملكه الإنسان، فكما أنّه في سائر المملوكات يكون الشيء باقياً في ملك

ص: 284

مالكه ما لم يتحقّق لها أحد الأسباب الُمخرجة له عن ملكه، فكذلك الأرض، والمدّعي للفرق لابدّ من بيان الوجه له.

الوجه الثاني: الإستصحاب، فإنّه يقتضي بقاء الأرض في ملكه، وعدم خروجها عنه بطروّ الخراب ولا بإحياء غيره.

وأورد عليه تارةً : بأنّ الشكّ في المقام في الموضوع، بمعنى أنّا نشكّ في أنّ موضوع الملك:

ذات الأرض، والحياة شرطٌ خارجٌ عنه ليكون باقياً قطعاً.

أو يكون الموضوع الأرض المعنونة بأنّها مُحياة، والمقيّدة بالحياة، وتكون الحياة مقوّمة للموضوع، ليكون مرتفعاً قطعاً.

ومن الواضح أنّه مع الشكّ في بقاء الموضوع لامجال لجريان الاستصحاب.

وأُخرى: يورد عليه بأنّ الشكّ في بقاء الملكيّة في المقام من قبيل الشكّ في المقتضي، للشكّ في أنّ الإحياء هل هو سببٌ للملكيّة حتّى بعد عروض الموت، أم هو سببٌ لها ما دام بقاء الحياة ؟

وبعبارة أُخرى: إنّ ملكيّة الأرض هل لها استعدادٌ للبقاء حتّى بعد انقطاع الحياة عن الأرض، أم ليس لها ذلك ؟ ومع الشكّ في المقتضي لا مجال لجريان الاستصحاب.

ولكن يمكن دفع الأوّل: بأنّ الموضوع بحسب الارتكاز القطعي لدى العرف، هو ذات الأرض، وتكون الحياة - بقرينة مناسبة الحكم والموضوع - جهة تعليليّة محضة، ومن قبيل الشرط، بلا دخلٍ لها في الموضوع.

ص: 285

ويمكن دفع الثاني: بأنّ الحقّ عدم الفرق في جريان الاستصحاب بين موارد الشكّ في الرافع، وموارد الشكّ في المقتضي، كما حُقّق في محلّه، أضف إلى ذلك أنّ ذلك ليس من مصاديق الشكّ في المقتضي الذي بنى عليه الشيخ الأعظم(1)وسائل الشيعة: ج 25/415 ح 32247، تهذيب الأحكام: ج 7/148 ح 7.(2) على عدم حجيّة الاستصحاب فيه، فإنّ مورده ما لو شُكّ في اقتضاء المستصحب للبقاء في عمود الزمان، وتمام الكلام في محلّه.

فالمتحصّل: أنّه لا مانع من جريان الاستصحاب، والحكم بعدم خروج الأرض عن ملك مالكها بالخراب، بل وبإحياء غيره للأرض.

الوجه الثالث: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها، يجري أنهارها، ويعمرها، ويزرعها، ماذا عليه ؟ قال: الصَّدقة.

قلت: فإنْ كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقّه. الحديث»(2).

إذ المراد ب (الحقّ ) إمّا الأرض أو أجرتها، وعلى التقديرين يدلّ على ذلك، أضف إليه صراحة قوله: (فإنْ كان يعرف صاحبها) في ذلك، وسيأتي الكلام فيه.

هذا فضلاً عن أنّه يمكن استفادة ذلك من أكثر نصوص الباب، فلا إشكال في الحكم.

***7.

ص: 286


1- فرائد الأُصول: ج 3/191 الهامش رقم
2- .

هل إحياء غير المالك للأرض سببٌ للخروج عن ملكه

هل إحياء غير المالك للأرض سببٌ للخروج عن ملكه

وأمّا المقام الثاني: وهو أنّه هل يُملك الأرض الخَربة التي لها مالك بإحياء غير مالكها أم لا؟

مقتضى القاعدة الأوّليّة وهي حرمة التصرّف في مال الغير بغير رضاه، والاستصحاب، عدم الخروج عن ملك مالكها الأوّل.

وقد استدلّ للخروج بوجوه:

الوجه الأوّل: النصوص المتضمّنة لهذه الجملة، أو قريباً منها: «مَنْ أحيى أرضاً مواتاً فهي له»(1).

بتقريب: أنّها تدلّ بالإطلاق على أنّ من يقوم بعملية إحياء الأرض الموات يملك الأرض، وبديهي أنّ لازم ذلك خروجها عن ملك صاحبها، لعدم اجتماع الملكين المستقلّين على أرض واحدة.

أقول: وقد استدلّ بتلك النصوص:

تارةً : لخروج الأرض عن مِلْك صاحبها بالخراب، نظراً إلى أنّه لو لم يخرج بالخراب عن ملكه، لم يجز لغيره الإحياء والتصرّف فيها، ولم يترتّب على إحيائه أثر وضعاً.

وأُخرى: للخروج عن ملكه بإحياء الثاني، نظراً إلى أنّه يمكن للشارع أن يُبيح لغيره القيام بإحياء الأرض الخربة، لئلّا تبقى الأرض معطّلة، فإذا قام غيره بإحيائها، فقد انقطعت علاقة صاحبها عنها بذلك، ودخلت في ملك المحيي الثاني.

ص: 287


1- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32240، تهذيب الأحكام: ج 7/152 ح 22.

ولكن لو تمّ الاستدلال بها، فإنّما تدلّ على القول الثاني، لأنّ مدلولها المطابقي هو أنّ الإحياء موجبٌ لتملّك الأرض، وهذا كما يلائم مع خروج الأرض عن ملك صاحبها بالخراب، كذلك يلائم مع خروجها عنه بقيام الغير بإحيائها، ومقتضى الاستصحاب بقاؤها على ملك صاحبها إلى حين قيام الثاني بعمليّة الإحياء.

أقول: الحقّ أنّه لا يصحّ الاستدلال بها بتاتاً، لأنّ غاية ما يستفاد منها كون الإحياء من الأسباب المملكة نظير الشراء والهبة وما شاكل، وهذا لا ينفي الإناطة بإذن المالك، فالجمع بين هذه النصوص، وقاعدة السلطنة، وما دلّ على عدم جواز التصرّف في مال الغير تكليفاً ووضعاً، عدم حصول الملكيّة بالإحياء بغير إذنه لقاعدة السلطنة.

ودعوى: أنّ ذلك يتمّ مع عدم إذن مالك الملوك، وإلّا فمعه - كما في اللُّقطة وحقّ المارّة - فلا يتمّ ، ونفس هذه النصوص تتضمّن إذنه، فلا مورد للتمسّك بقاعدة السلطنة.

مندفعة: بأنّ المنساق إلى الذهن، والمتفاهم العرفي من النصوص كسائر الأخبار المتضمّنة للتشريعات، إنّما هو كونها في مقام جعل الحكم والتشريع، لا في مقام بيان الإذن المالكي.

نعم، في خصوص الأرض الميّتة التي تعود ملكيّتهاإلى الإمام عليه السلام كلامٌ سيأتي، وستعرف عدم تماميّته أيضاً.

الوجه الثاني: صحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أيّما رجلٍ أتى خَربة بائرة فاستخرجها، وكَرى أنهارها، وعمّرها، فإنّ عليه

ص: 288

فيها الصَّدقة، فإن كانت أرضٌ لرجلٍ قبله، فغاب عنها وتركها فأخربها، ثمّ جاء بعدُ يطلبها، فإنّ الأرض للّه ولمن عمرها»(1).

بتقريب: أنّه يدلّ على انقطاع علاقة المالك الأوّل عن أرضه بعد التعمير، وأنّها تصبح مملوكة لمن قام بعمارتها.

أقول: هذا الخبر لو لم يكن ظاهراً في صورة الإعراض، لا ريب في ظهوره بواسطة قوله عليه السلام: (فغابَ عنها وتركها فأخربها) في الاختصاص بما إذا كان الخراب وزوال العمران مستنداً إلى إهمال صاحبها، وترك مزاولة العمل عليها، والامتناع عن الإحياء والاستثمار، ولا يشمل ما لو كان ذلك مستنداً إلى سببٍ آخر من الأسباب الطارئة، فيكون الصحيح دليلاً على القول الخامس المختار.

وقد يقال: إنّه يعارضه صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها، ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها، ماذا عليه ؟ قال عليه السلام: الصَّدقة.

قلت: فإنْ كان يعرف صاحبها؟ قال عليه السلام: فليؤدّ إليه حقّه»(2). ونحوه صحيح الحلبي.

إذ المراد من (الحقّ ) إمّا الأرض أو أجرتها، وعلى التقديرين يدلّ على عدم الخروج عن ملك صاحب الأرض ولو بالإحياء، فيتعارض الخبران مع صحيح معاوية، وحيثُ أنّهما موافقان للمشهور، والشهرة أولى المرجّحات، فيقدّم على صحيح معاوية الظاهر في الانتقال، ويُحمل على حدوث العلاقة للثاني على مستوى الحقّ .7.

ص: 289


1- وسائل الشيعة: ج 25/414 ح 32245، الكافي: ج 5/279 ح 2.
2- وسائل الشيعة: ج 25/415 ح 32247، تهذيب الأحكام: ج 7/148 ح 7.

ويرد عليه أوّلاً: أنّ صحيح معاوية لاختصاصه بصورة إهمال صاحب الأرض، وامتناعه عن القيام بعمليّة إحيائها كما عرفت، يكون أخصّ من الخبرين، فيكون مقدّماً عليها.

وثانياً: مع الإغماض عمّا ذكرناه، حيث أنّه لا نُسلّم نصوصيّة صحيح سليمان لقابليّة حمله على إرادة الطسق أو الأعيان التي منه فيها، أو التفاوت بينها وبين الموات المطلق، كما إذا كان بعض أنهارها وأوبارها باقياً، بل في «المستند»(1) أنّ هذا الاحتمال أظهر فلا ينافي ملكيّتها للمُحيي الثاني، ولا نُسلّم موافقتها للشهرة، فيتعيّن تقديم صحيح معاوية لموافقته للسنة المستفيضة المتضمّنة لكون الإحياء مُملّكاً.

ناقش صاحب «الجواهر» رحمه الله:(2) في دلالة صحيح معاوية باحتمال أن يكون المراد من قوله عليه السلام في الصحيح: (ولمن عَمّرها) هو العامر الأوّل دون الثاني، فعلى هذا الاحتمال يدلّ الخبر على خلاف المقصود، حيث أنّه يدلّ على بقاء الأرض في ملكيّة العامر الأوّل حتّى بعد إحياء الثاني، ومع هذا الاحتمال، لا يصحّ الاستدلال به.

ولكن يرد عليه: أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر جدّاً، لأنّ المفروض في الخبر غيبة المالك الأوّل وتركه الأرض المؤدّي إلى خرابها، كما أنّه قد أُسند العمران والإحياء في الخبر من جهة اُخرى إلى الثاني، ثمّ بعد ذلك يقول الإمام عليه السلام: (إنّ الأرض لمن عمّرها) وهذه أقوى قرينة لظهور قوله عليه السلام: (ولمن عمّرها) في إرادة العامر الثاني.2.

ص: 290


1- مستند الشيعة: ج 10/152.
2- جواهر الكلام: ج 38/22.

الوجه الثالث: معتبر أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام الآتي في مسألة إحياء الأرض الميّتة بالأصالة، حيث قال:

«فمن أحيى أرضاً من المسلمين - إلى أن قال - فإنْ تركها وأخربها، فأخذها رجلٌ من المسلمين من بعده، فعمَّرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، الحديث»(1).

بتقريب: أنّه يدلّ على انقطاع علاقة العامر الأوّل بالأرض بتركهاوتخريبها، وإحياء الثاني لها، وتثبت تلك العلاقة للعامر الثاني.

والإيراد عليه: بضعف السند، واختصاصه بزمان الحضور، كما عن المحقّق القُمّي رحمه الله سيأتي الجواب عنهما.

كما أن الإيراد عليه(2): بأنّه يدلّ على عدم حصول الملكيّة للمُحيي مطلقاً، سيأتي الجواب عنه في تلك المسألة، وستعرف أنّه لو سُلّم دلالته على ذلك لابدّ من طرحه.

وبه يظهر اندفاع ما أورد عليه(3): بأنّه يدلّ على أنّ العامر الثاني أحقّ بها من الأوّل، والحقُّ أعمّ من الملك، فلا تدلّ على زوال ملكيّة الُمحيي الأوّل عن رقبة الأرض، فإنّه إن كان ما رتبه عليه السلام على إحياء الأوّل من أن له ما أكل، وليؤدّ خراجها إلى الإمام عليه السلام ملائماً مع الملكيّة، فنفس ذلك رتب على إحياء العامر الثاني، وإلّا فلابدّ من طرحه.

وأمّا التعبير بالأحقّيّة فهو لا يدلّ على بقاء حقّ الأوّل، وإلّا لم يكن وجهٌ لأداء9.

ص: 291


1- وسائل الشيعة: ج 25/414 ح 32246.
2- مصباح الفقاهة: ج 3/391 (ط. ج).
3- ورد في تذكرة الفقهاء: ج 2/401 (ط. ق)، ونقله الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 12/399.

الخراج إلى الإمام عليه السلام.

ولكن الذي يرد عليه: ما أفاده صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) من أنّ الأصحاب أعرضوا عن الخبر، ولم يعملوا به، لأنّ الأصحاب لم يفتوا بوجوب الخراج للإمام على الُمحيي، فالخبر يكون ساقطاً عن الحجيّة بالإعراض.

أضف إليه: أنّه لو تمّ سنده، لاختصّ بما إذا كان الخراب وزوال العمران مستنداً إلى إهمال صاحبها، وامتناعه عن القيام بعمليّة الإحياء، ولا يشمل ما لو كان ذلك مستنداً إلى سببٍ آخر من الأسباب الطارئة.

وقد يقال: إنّه أخصّ من صحيح معاوية، لاختصاصه بما إذا كان سببُ ملكيّة العامر الأوّل الإحياء، وعموم صحيح معاوية، لما إذا كان بالشراء ونحوه، فيخصّص الصحيح به، فتكون النتيجة أنّ الأرض تخرج عن ملك مالكها إمّا بالخراب أو بإحياء الثاني، إنْ كان سبب ملكيّة العامر الأوّل الإحياء، دون ما إذا كان سببها الشراء ونحوه، الذي عرفت أنّه المشهور بين الأصحاب.

ولكن يرد عليه: أنّهما متوافقان، ولا يُحمل المطلق على المقيّدفي المتوافقين.

أقول: وبما ذكرناه تظهر مدارك الأقوال الخمسة المتقدّمة.

فالمتحصّل: أنّ الأقوى بحسب الروايات هو القول الخامس، وهو أنّ الخراب إنْ كان مستنداً إلى إهمال المالك، وترك مزاولة العمل عليها، فإنّه يملكها العامر الثاني بالإحياء، سواءٌ أكان منشأ ملكيّة العامر الأوّل الإحياء أو غيره، وإن لم يكن مستنداً إلى ذلك فلا يملكها به.

هذا في صورة عدم الإعراض، وأمّا مع الإعراض فيملكها به بلا كلام.

***2.

ص: 292


1- جواهر الكلام: ج 21/182.

فروع الأرض الخراجيّة

أقول: وتمام البحث يتحقّق ببيان فروع:

الفرع الأوّل: لو كان لأحدٍ أرضٌ خربة، دون أن يعلم بها فلا يصدق الترك، بل اللّازم الإعلام، ثمّ ملاحظة أنّه هل يهتمّ بها، ويلتفت إلى عمرانها وإصلاحها، وعرّفه على إحيائها ولو بعد وقتٍ صالح له، أو حصول مالٍ متوقّع له أم لا؟

فعلى الأوّل لا يجوز إحياؤها ولا يملكها به، وعلى الثاني يملكها بالإحياء.

الفرع الثاني: قال في «المستند»(1): (والظاهر أنّه يشترط في صدق الترك عرفاً أمران آخران:

أحدهما: أن لا يعزم على بيعها أو صلحها، ولو نقص وقتها لإحياء الجميع إمّا لعدم قصده بذلك، أو عدم توقع من يشريها، أو يقبلها توقّعاً مظنون الحصول.

وثانيهما: أن يمضي على ذلك زمانٌ يعتدّ به، بحيث يصدق معه الترك عرفاً من سنين متعدّدة، ولا أقل من ثلاث سنين، ولا يبعد أن يكون نظره إلى ذلك في رواية يونس المتقدّمة) انتهى .

أقول: وما أفاده حَسَنٌ .

الفرع الثالث: لو خربت أرضُ الطفل الصغير، أو انتقل إليه ملكٌ خرابٌ كان يريد مالكه إحيائه، فماتَ وانتقل إلى صغيره، فهل يجوز للغير إحياء تلك الأرض لو أهمل وليّه، وتَرَك الأرض ولم يعمّرها، أم لا؟

وجهان، أقواهما الثاني، لأنّ جواز إحياء الغير وتملّكه به خلاف القاعدة، فلابدّ من الاقتصار على مورد النَّص، وهو اختصاص الحكم بما لو ترك المالك

ص: 293


1- مستند الشيعة: ج 10/155.

إحياء الأرض بنفسه، واللّه العالم.

الفرع الرابع: البحث عن حكم خراب الأرض التي تكون وقفاً خاصّاً أو عامّاً، نتيجة إهمالها وتركها وعدم قيام أحد بعمرانها وإحياءها؟

أقول: الظاهر أنّها من الأنفال، لعموم ما دلّ على أنّ الأرض الخربة من الأنفال، غير الُمخصّص بتخصيص يشمل المورد، لاختصاص المخصّص بما إذا كان له مالكٌ خاصّ بالملكيّة المطلقة.

على أنّه لو سُلّم شموله لمثل هذه الملكيّة، فإنّ ما دلّ على جواز إحياء الغير في فرض الإهمال يشمله.

نعم، لو لم يتركها الموقوف عليه، أو المتولّي ولم يعطّلها، بل كان بصدد إحيائها، لا يجوز تصرف الغير فيها إجماعاً كما في «المستند»(1)، ويشهد به ما دلّ على عدم جواز التصرّف في الوقف، بما ينافي جهة وقفها، فتدبّر.

الفرع الخامس: هل يجوز إحياء الأرض الخربة التي خصّصها الشارع موطناً للعبادة ومشعراً لها - كمِنى وعَرفة والمزدلفة وما شابهها - وتعميرها بما لا يضرّ ولا يؤدّي إلى ضيقها عمّا يحتاج إليه المتعبّدون، كما اختاره المحقّق في «الشرائع»(2) وتبعه بعض من تأخّر عنه ؟(3)

أم لا يجوز القيام بمثل هذه الأعمال مهما كانت كما في «الجواهر»(4)؟

وجهان، أقواهما الأوّل؛ لأنّ هذه الأماكن المشرّفة ليست وقفاً، ولا يترتّب4.

ص: 294


1- مستند الشيعة: ج 10/156-157.
2- شرائع الإسلام: ج 4/793.
3- جامع المدارك: ج 5/233.
4- جواهر الكلام: ج 38/54.

عليها أحكام الوقف، وعليه فلا مانع من التصرّف فيها بما لا يوجبُ المزاحمة والضيق على المتعبّدين.

وغاية ما ثبت بالدليل، أنّها تعدّ من حقوق المسلمين، ولازم ذلك أنّه لا يجوز مزاحمتهم في أوقات قيامهم بالأعمال فيها، ولا تكون وقفاً كي يشملها ما دلّ على أنّ (الوقوف حسب ما يوقفها أهلها).

وعليه، فما أفاده صاحب «الجواهر»(1) في وجه عدم الجواز، من تعلّق حقوق المسلمين بها، وأنّها أعظم من الوقف الذي يتعلّق حقّ الموقوف عليهم بجريان الصيغة من الواقف، لأنّ الشرع هو الذي جعلها موطناً للعبادة خاصّة، دون إجراء صيغة عليها، ومنها ما جعله اللّه تعالى مسجداً كمسجد الحرام، ومسجد الكوفة، فكما لا يجوز التصرّف في الوقف بإحياءٍ وعمّارةٍ ، كذلك لا يجوز التصرّف في تلك المواطن المقدّسة بإحياءٍ ونحوه، لأنّه منافٍ للجعل المزبور من الرّب الجليل، وتفويتٌ للمصلحة العامّة فيه، بل يعدّ جعل جواز التصرّف فيها حتّى فيما لا يوجب المزاحمة والضيق، منافياً للضروري من الشرع.

غيرُ تامٍّ ، كما يظهر لمن تأمّل فيما ذكرناه.

وما أفاده بعض الفقهاء تبعاً للمحقّق(2) من أنّه لا مانع من الزرع فيها في مواسم معيّنة - أي في غير فصل النُّسك والأعمال - لعدم المزاحمة، وكذا لامانع من تأسيس عمارات وبيوت يسكن فيها، والتي تؤجّر في تلك الأوقات للناسكين والمتعبّدين، متينٌ موافقٌ للقاعدة.

***3.

ص: 295


1- جواهر الكلام: ج 38/53.
2- شرائع الإسلام: ج 4/793.

وكلّ أرضٍ لم يوجَف عليها بخيلٍ ولا ركاب، وكلّ أرضٍ سَلّمها أهلها طوعاً من غير قتال.

الأرض المملوكة بغير قتال

الثاني (و) الثالث: ممّا عدّه الأصحاب من الأنفال، هما: (كلّ أرض) مُلكت من غير قتالٍ ، بأن خَلاها أهلها الحربيون، وهذه ممّا (لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركابٍ ) وكذلك (وكلّ أرض سلّمها أهلها طوعاً من غير قتال) بمعنى أنّهم مكّنوا المسلمين فيها وهم فيها، بلاخلافٍ أجده، بل الظاهر أنّه إجماعٌ كماقاله صاحب «الجواهر»(1).

وتشهد لذلك: - مضافاً إلى الإجماع - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح حفص، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الأنفال ما لم يوجَف بخيلٍ ولا ركابٍ ، أو قومٌ صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرضٍ خربة، وبطون الأودية فهو لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهو للإمام من بعده يضعه حيثُ يَشاء»(2).

ومنها: مرسل حمّاد كالصحيح، عن العبد الصالح، في حديثٍ :

«والأنفال كلّ أرضٍ خَربة باد أهلها، وكلّ أرضٍ لم يُوجَف عليها بخيلٍ ولا ركابٍ ، ولكن صالحوا صلحاً، وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية والآجام، الحديث»(3).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«الأنفال ما كان من أرضٍ لم يكن فيها هراقة دمٍ ، أو قومٌ صالحوا وأعطوا

ص: 296


1- جواهر الكلام: ج 16/116.
2- وسائل الشيعة: ج 9/523 ح 12625، الكافي: ج 1/539 ح 3.
3- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628، الكافي: ج 1/539 ح 4.

بأيديهم، وما كان من أرضٍ خربةٍ ، أو بطون أوديةٍ ، فهذا كلّه من الفيء والأنفال، الحديث»(1).

إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة، إن لم تكن متواترة.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق صحيح حفص أنّ كلّ ما غُنم من الكفّار من دون قتالٍ فهو من الأنفال، وإن لم يكن أرضاً، وهذا هو المستفاد من ظاهر الأصحاب، ويشهد للعموم:

1 - صحيح معاوية بن وهب: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: السَّرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تُقسَّم ؟

قال عليه السلام: إنْ قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام، أخرج منها الخُمس له وللرسول، وقُسِّم بينهم أربعة أخماس، وإنْ لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غَنموا للإمام عليه السلام يجعله حيثُ أحبّ »(2).

بل لايبعد اختصاص هذه الصحيحة بغير الأرض، بقرينة ما فيها من التقسيم.

وقد وقع التصريح في موثّق سماعة بأن البحرين ممّا لم يُوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب، فهي من الأنفال وللإمام، وقد صرّح به الشهيد الثاني في كتاب الخُمس من «الروضة»(3)، فما عن إحياء موات «الروضة»(4) من أنّه أسلم أهلها فهي تكون كالمدينة المشرّفة من أنّ أرضها لأهلها لعلّه غفلة، كما في رسالة الشيخ الأعظم رحمه الله(5).

***8.

ص: 297


1- وسائل الشيعة: ج 9/526 ح 12634، تهذيب الأحكام: ج 4/134 ح 10.
2- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12627، الكافي: ج 5/43 ح 1.
3- شرح اللّمعة: ج 2/84.
4- شرح اللّمعة: ج 7/139.
5- كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري: ص 348.

ورؤوس الجبال، وبطون الأودية.

رؤوس الجبال وبطون الأودية من الأنفال

الرابع (و) الخامس: (رؤوس الجبال) وما يكون بها من النبات والأشجار والأحجار، (وبطون الأودية) وما فيها من نبات أو معدن أو غيرهما، كما نصّ على ذلك كلّه جماعة(1)، بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه.

أقول: وتشهد به طائفة من النصوص، وبعضها وإنْ كان ضعيفُ السند، إلّاأنّ بعضها الآخر لا إشكال فيه:

منها: مرسل حمّاد - الذي هو كالصحيح لكون المُرسِل من أصحاب الإجماع - عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام، في حديثٍ :

«قال: وللإمام صفو المال - إلى أن قال - وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، الحديث»(2).

ومنها: مرسل المقنعة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن الأنفال ؟ فقال: كلّ أرضٍ خربةٍ ، أو شيء يكون للملوك، وبطون الأودية، ورؤوس الجبال، وما لم يوجفُ عليه بخيلٍ ولا ركاب، فكلّ ذلك للإمام»(3).

ونحوهما غيرهما.

بل في موثّق محمّد بن مسلم، وصحيح حفص بن البختري المتقدّمين

ص: 298


1- الكافي للحلبي: ص 171، النهاية: ص 199، غنية النزوع: ص 204.
2- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628، الكافي: ج 1/539 ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 9/532 ح 12646، المقنعة ص 290.

عدّ بطون الأودية من الأنفال، وهما كافيان في إثبات المطلوب، بضميمة عدم القول بالفصل.

وعليه، فلا يُصغى إلى ما أفاده صاحب «المدارك»(1) من رميه جميع نصوص الباب بالضعف، ولا إلى ما عن بعض المحقّقين(2) من رمي نصوص رؤوس الجبال به.

وظاهر النصوص أنّ لها خصوصيّة، لا أنّ ذكرهما للتنبيه على أنّهما من الأفراد الخفيّة للموات.

وعليه، فما أفاده المحقّقان الأردبيلي(3) والهمداني(4) من أنّ رؤوس الجبال وبطون الأودية مندرجتان في الأرض الموات، وانفرادها بالذِّكر في الفتاوى، لتبعيّة النصوص، وأمّا ذكرهما في النصوص فمن جهة أنّهما من الأفراد الخفيّة التي ينصرف عنها إطلاق الأرض الموات، غَير تامّ .

وقد يقال: إنّه يعارض تلكم الأخبار، طوائف من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما تدلّ على تملّك الُمحيي للأرض، فإن النسبة العموم من وجه ومورد المعارضة ما إذا كانت بطون الأودية ورؤوس الجبال عامرة، بأن كانت مواتاً فأحياها إنسان.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على أنّ ما اُخذ بالسّيف فهو للمسلمين.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على أنّ أرض السواد ملكٌ للمسلمين.

أقول: ولكن هذه النصوص تقدّم على جميع تلك النصوص:2.

ص: 299


1- مدارك الأحكام: ج 5/416.
2- كتاب الخُمس للسيّد الخوئي: ج 1/361.
3- مجمع الفائدة: ج 4/334.
4- مصباح الفقيه: ج 3/152.

أمّا تقدّمها على الأُولى : فلأنّه لو قُدّمت تلك الأخبار، لزم إلغاء بطون الأودية ورؤوس الجبال نهائيّاً، وأن تصبح حالها حال الأراضي الموات، وهو خلاف المرتكز العرفي، فذلك قرينة لتقديمها.

أضف إلى ذلك أنّ المختار في تعارض العامّين من وجه، هو الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم نصوص الباب للشهرة.

مع أنّه لو سلّمنا أنّه في العامّين من وجه يُحكم بالتساقط في مورد المعارضة، والمرجع إلى العام الفوق أو الأصل، لكن العام في المقام هو ما دلّ على أنّ الأرض كلّها للإمام، والأصل - وهو استصحاب بقاء ملك الإمام - أيضاً يقتضي ذلك.

وأمّا تقدّمها على الثانية: فلكونها أخصّ مطلقاً منها.

وأمّا تقدّمها على الثالثة: فلما ذُكر في الأُولى .

فالمتحصّل: أنّه لا يختصّ هذا الحكم بما في أرض الإمام، بل مقتضى إطلاق النصوص ثبوت الحكم بما في غيرها.

وعن الحِلّي(1) وسيّد «المدارك»(2) الاختصاص بالأوّل، واستدلّ له - بعد تضعيف الأخبار المطلقة الدالّة على هذا الحكم - بالأصل.

وفيه: لكن قد عرفت مافي تضعيف النصوص، والأصل لايُعتمدعليه مع الدليل.

ويؤيّد ما ذكرناه، ما أفاده الشهيد في محكيّ «البيان»(3) في ردّ كلام ابن إدريس الحِلّي: بأنّه يفضي إلى التداخل، وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بذلك.

هذا فيما لم تكن الأرض ملك الغير.

وأمّا ما يحدثُ فيه، كما لو جَرى السَّيل على الأرض حتّى صارت من بطون2.

ص: 300


1- السرائر: ج 1/497.
2- مدارك الأحكام: ج 5/416.
3- البيان للشهيد الأوّل: ص 222.

الأودية، أو تراكمت عليها الصخور والأتربة حتّى صارت جبلاً إن أمكن الأخير، فقد استدلّ لعدم انتقاله إلى الإمام عليه السلام:

1 - بأنّ إطلاقات النصوص منصرفة عن مثل ذلك جزماً، وزاد في «مصباح الفقيه»(1) أنّه لا يظنّ بهم الالتزام بذلك.

2 - وبأنّ هذين العنوانين داخلان في الموات، وقد تقدّم أنّ الموت لا يوجبُ خروج الأرض عن ملك مالكها، إذا كان قد ملكها بغير الإحياء.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لم يُعرف وجهٌ ظاهر لهذا الانصراف، سوى ما يتوهّم من عدم خروج المِلك عن ملك مالكه إلّامع الناقل، وهو فاسدٌ، إذ بعد دلالة الدليل على أنّ رؤوس الجبال وبطون الأودية للإمام مطلقاً، يكون ذلك من النواقل، فتأمّل.

ويرد على الثاني: أنّ هذين العنوانين إذا لم يكونا من الأنفال من حيث هما، بل كانا منها من حيث اندراجهما في موضوع الموات، وإنّما أُفردا بالذِّكر للتوضيح، واحتمال صَرف الموات إلى غيرهما، كما عن المحقّق الأردبيلي رحمه الله(2) الإشارة إليه كان ذلك تامّاً، ولكن بما أنّ ظاهر النصوص خلاف ذلك، ولذا جُعِلا في النصوص في مقابل الموات، فلا يتمّ ذلك.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو البناء على العموم، كما هو ظاهر «الجواهر»(3).

***1.

ص: 301


1- مصباح الفقيه: ج 3/152.
2- مجمع الفائدة: ج 4/334.
3- جواهر الكلام: ج 16/121.

والمَواتُ الّتي لا أربابَ لها.

الأرض الموات من الأنفال

(و) السادس: الأرض (الموات التي لا أرباب لها) اتّفاقاً.

والموات: هي الأرض المعطّلة التي لا ينتفع بها لذلك، إمّا لانقطاع الماء عنها أو غير ذلك.

والمراد بها في المقام - بقرينة ذكر الخربة قبل ذلك - هي الموات بالأصالة.

أقول: وتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في جهات:

الجهة الأُولى: لا ريب ولا إشكال نصّاً وفتوى في أنّها للإمام عليه السلام، وأفاد الشيخ الأعظم رحمه الله(1) أنّ النصوص بذلك مستفيضة، بل قيل(2) إنّها متواترة.

وأورد عليه المحقّق الأصفهاني رحمه الله(3): بأنّ كون الأرض الموات بالأصالة للإمام، وإن كان اتّفاقيّاً، إلّاأنّه لا يمكن إتمامها بالنصوص الواردة في المقام، لأنّها طوائف:

الطائفة الأولى: ما تضمّن أنّ الأرض الخربة، أو الأرض الخربة التي باد أهلها، أو الخربة التي لم يُوجَف عليها بخيلٍ ولا ركابٍ للإمام عليه السلام:

منها: صحيح حفص البُختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الأنفال ما لم يُوجَف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ ، أو قومٌ صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرضٍ خربة، وبطون

ص: 302


1- كتاب المكاسب: ج 4/13.
2- جواهر الكلام: ج 38/11 (يمكن دعوى تواترها).
3- حاشية المكاسب: ج 3/16.

الأودية، فهو لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهو للإمام عليه السلام من بعده يضعه حيث يشاء»(1).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «لنا الأنفال. قلت: وما الأنفال ؟ قال: منها المعادن والآجام، وكلُّ أرضٍ لا ربّ لها، وكلُّ أرضٍ باد أهلها فهو لنا»(2).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الأنفال ؟ فقال: هي القُرى التي قد خَربت، وانجلى أهلها، فهي للّه وللرسول، وما كان للملوك فهي للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يُوجَف عليه بخيلٍ ولا ركاب، وكلّ أرضٍ لا ربّ لها، والمعادن منها، وما ماتَ وليس له مولى فماله من الأنفال»(3) ونحوها غيرها.

الطائفة الثانية: ما تضمّن أنّ الأرض التي لا ربَّ لها، أو الأرض الميّتة التي لا ربّ لها للإمام عليه السلام.

منها: موثّق إسحاق، وخبر أبي بصير المتقدّمين.

ومنها: مرسل حمّاد، عن العبد الصالح عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«وللإمام صفو المال - إلى أن قال - وله بعد الخُمس الأنفال، والأنفال كلّ أرضٍ خَربة باد أهلها، وكلّ أرضٍ لم يُوجَف عليها بخيلٍ ولا ركابٍ ، وكلّ أرضٍ ميّتة لا ربّ لها، الحديث»(4).

الطائفة الثالثة: ما تضمّن أنّ الأرض كلّها للإمام:

منها: صحيح أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:4.

ص: 303


1- وسائل الشيعة: ج 9/523 ح 12625، الكافي: ج 1/539 ح 3.
2- وسائل الشيعة: ج 9/533 ح 12652، تفسير العيّاشي: ج 2/48 ح 11.
3- وسائل الشيعة: ج 9/531 ح 12644، تفسير القُمّي: ج 1/254.
4- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628، الكافي: ج 1/539 ح 4.

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام: إِنَّ اَلْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، أنا وأهلُ بيتي الذين أوْرَثَنا الأرض، ونحنُ المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين، فليعمّرها، وليؤدِّ خراجها إلى الإمام من أهلِ بيتي، الحديث»(1).

ومنها: صحيح أبي سيار، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ :

«يا أبا سيار الأرض كلّها لنا»(2).

الطائفة الرابعة: ما تضمّن أنّ مَوَتان الأرض للرسول عليه السلام، ويدلّ على المقام بضميمة ما دلّ على أنّ ما كان للرسول فهو للإمام من بعده، لاحظ النبويّ :

«موتان الأرض للّه ورسوله، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون»(3). وقريبٌ منه نبويٌ آخر(4).

ثمّ قال رحمه الله: وشيءٌ من هذه الطوائف لا يدلّ على المطلوب:

أمّا الأُولى : فلأنّ موردها المسبوقة بالعمارة، لا الموات بالأصالة.

وأمّا الثانية: فلأنّها مسوقة لبيان مالكيّته عليه السلام لما لا مالك له، وتوصيفهابالميّتة من باب الغَلَبة، فلا تكون دليلاً على أنّ الموات بالأصالة بما هي موات للإمام عليه السلام.

وأمّا الثالثة: فلابدّ من حملها على إرادة الملك بمعنى آخر، فيكون كملكه تعالى ملكاً حقيقيّاً لا اعتباريّاً، فإنّ الممكنات كما أنّها مملوكة له تعالى حقيقةً ، بإحاطته الوجوديّة على جميع الموجودات، بأفضل أنحاء الإحاطة الحقيقيّة، كذلك النبيّ صلى الله عليه و آله).

ص: 304


1- وسائل الشيعة: ج 25/414 ح 32246، تهذيب الأحكام: ج 7/152 ح 23.
2- وسائل الشيعة: ج 9/548 ح 12686، تهذيب الأحكام: ج 4/144 ح 25.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 17/112 ح 20906، المبسوط: ج 3/268.
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/400 (ط. ق).

والأئمّة عليهم السلام، بملاحظة كونهم من وسائط فيض الوجود، لهم الجاعلية والإحاطة بذلك الوجه، بمعنى فاعلُ ما به الوجود لا ما منه الوجود، فإنّه مختصٌّ بواجب الوجود، ولا بأس بأن تكون الأملاك ومُلّاكها مملوكة بهذا الوجه، وإنْ لم تكن هي مملوكة لهم بالملك الاعتباري الذي هو موضوع الأحكام الشرعيّة.

وأمّا النبويّان: فهما غير مرويّين من طرقنا.

يردُ على ما أفاده في الطائفة الأُولى: أنّه إن أراد انصراف الأرض الخربة إلى المسبوقة بالعمارة، فلا تشمل الموات بالأصالة.

ففيه: أنّه لا وجه لذلك، إذ المنصرف إليه منها عند العرف هو المعنى المقابل لما ينصرف من الأرض العامرة عرفاً، فكما أنّ العامرة تشمل العامرة طبيعيّاً، كذلك الخربة تشمل الخربة بالأصالة.

وإن كان مراده أنّ مورد رواياتها، خصوص ما إذا كانت مسبوقة بالعمران.

ففيه: أنّ بعض تلك النصوص - وهو ما تضمّن أنّ الأرض الخربة التي باد أهلها - وإن كان كذلك، إلّاأن جملة منها تضمّنت عنواني (الأرض الخربة)، أو (ما كان من الأرض الخربة التي لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب) لا يكون فيها ما يصلح قرينةً لاختصاص موردها بالمسبوقة بالعمارة، فمقتضى عمومها شمولها لكلّ أرضٍ خربة، سواءٌ أكانت خربة بالأصالة، أو كانت بالعرض.

وأمّا ما أفاده في الطائفة الثانية: فإنْ كانت دعواه قائمة على أساس أنّه لا إطلاق لها بالإضافة إلى الموات بالأصالة، وناظرة إلى مالكيّة الإمام لما لا ربّ لها فعلاً من ناحية انجلاء أهلها، أو ما شاكل.

فيردّه: أنّه لا تنافي بين العنوانين، بل النسبة بينهما عمومٌ مطلق، فينطبق عنوان

ص: 305

(ما لا ربّ لها) على الموات بالأصالة، ولا فرق في مالكيّته لها بعنوان (لا ربّ لها)، أو بعنوان الموات بالأصالة.

وأمّا ما أفاده في الطائفة الثالثة: وقد سبقه إلى ذلك اُستاذه المحقّق الخراساني.

فيردّه: أنّه لا داعي لحمل الملكيّة فيها على الملكيّة الحقيقيّة، بعد ظهورها في نفسها في إرادة الملكيّة الاعتباريّة.

أضف إليه: أنّ فيها قرائن تشهد بإرادة الملكيّة الاعتباريّة:

منها: فرض الطِسق والاُجرة له فيها متفرّعاً على ملكيّته لها.

ومنها: تحليله عليه السلام الأرض للشيعة دون غيرهم، متفرعاً على ملكيّته لها.

ومنها: أنّ القائم عليه السلام إذا ظهر أخذ الأرض من أيدي غير المؤمنين ويخرجهم منها صغرة.

نعم، ربما يتوهّم أنّ ملكيّته عليه السلام للأرض تكون معارضة مع تملّك غير الإمام بسببٍ من الأسباب الشرعيّة من الإحياء وغيره.

ولكنّه توهّمٌ فاسد، إذ النصوص تتضمّن الحكم الأوّلي قبل أيّ سبب فرض، وتدلّ على أنّ الأرض ليست كسائر الأشياء، لتكون من المباحات الأصليّة، بل تكون الأرض بحسب وضعه الطبيعي للإمام، ولا ينافي ذلك ملكيّته لغيره بالعنوان الثانوي وبسببٍ من الأسباب.

فالمتحصّل: أنّ النصوص الدالّة على كون الأرض الموات بالأصالة له عليه السلام مستفيضة، وعليها الفتوى، فلا إشكال في الحكم.

***

ص: 306

الإحياء سببٌ لدخول الأرض في ملك المُحيي

الإحياء سببٌ لدخول الأرض في ملك المُحيي

الجهة الثانية: المشهور بين الأصحاب(1) أنّ الإحياء موجبٌ لخروج المال عن ملك الإمام عليه السلام، ودخوله في ملك الُمحيي. ونُسب إلى جماعةٍ أنّه إنّما يوجب الأحقّية خاصّة، وظاهرُ المحقّق في جهاد «الشرائع» ذلك(2)، وذهب إليه المحقّق الأصفهاني(3)، ولعلّه ظاهر الآخرين(4).

أقول: وكيف كان، فتشهد للأوّل جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الفضلاء، عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

مَنْ أحيى أرضاً مواتاً فهي له»(5).

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: مَنْ أحيى مواتاً فهي له»(6).

ومنها: معتبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من غَرَس شجراً أو حَفَر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضاً ميّتة فهي له قضاءً من اللّه ورسوله»(7).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن الشراء من أرض اليهود

ص: 307


1- جواهر الكلام: ج 38/26، كفاية الأحكام ص 239.
2- شرائع الإسلام: ج 1/247.
3- حاشية المكاسب: ج 3/23.
4- مسالك الأفهام: ج 3/58، مجمع الفائدة: ج 7/486، كفاية الأحكام ص 239.
5- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32240، تهذيب الأحكام: ج 7/152 ح 22.
6- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32241، الكافي: ج 5/279 ح 3.
7- وسائل الشيعة: ج 25/413 ح 32244، الكافي: ج 5/280 ح 6.

والنصارى؟ قال ليس به بأس - إلى أن قال - أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه، فهم أحقّ بها، وهي لهم»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في ذلك، حتّى وإن لم تكن الملكيّة أحد معاني اللّام، كما عن ابن هشام، بل صحيح محمّد كالصريح في ذلك، بقرينة قوله: (هي لهم) بعد الحكم بالأحقيّة.

بل ربما يقال: إنّ صحيح عبد اللّه بن سنان، المروي عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قال: سُئل وأنا حاضر عن رجلٍ أحيى أرضاً مواتاً، فكرى فيها نهراً، وبنى فيها بيوتاً، وغرس نخلاً وشجراً؟ فقال: هي له، وله أجر بيوتها، وعليه فيها العُشر فيما سَقَت السماء، أو سيل وادي، أو عينٍ ، وعليه فيما سقت الدّوالي والغَرب(2) نصف العُشر»(3). صريح في ذلك.

وعلى الجملة: دلالة هذه المجموعة من الأخبار على إفادة الملكيّة غير قابلة للإنكار.

ولكن قد يقال: إنّه تعارضها طائفةٌ أُخرى من الأخبار:

منها: ما عبّر عنه في كثير من الكلمات بالصحيح، وهو معتبر أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام: إِنَّ اَلْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ .

إلى أن قال: والأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضاً من المسلمين، فليعمّرها وليؤدِّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها0.

ص: 308


1- وسائل الشيعة: ج 25/411 ح 32236، تهذيب الأحكام: ج 7/148 ح 4.
2- الغَرب: كفلس، الدلو العظيم.
3- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32243، من لا يحضره الفقيه: ج 3/241 ح 3880.

فأخذها رجلٌ من المسلمين من بعده، فعمّرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم عليه السلام من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجها منها، كما حواها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومنعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(1).

تقريب دلالته على عدم الملكيّة: أنّ الإمام فَرَض الخراج فيه على الُمحيي، متفرّعاً على ملكيّته عليها، وإذا كان الإحياء موجباً للملكيّة، لما كان مقتضٍ لفرض الخراج عليه.

مع أنّه يدلّ على أنّ الحقّ المتحقّق والحادث من قبل الإحياء إنّما يرتبط بالأرض ما دامت حيّة، فإذا قام غيره بإحيائها ثانياً حصل له الحقّ فيها على أساس ذلك، وهذه الحقيقة تدلّ بوضوح على بقاء الأرض في ملك الإمام عليه السلام.

أضف إليهما: أنّه يدلّ على أنّ القائم إذا ظهر أخذ الأرض من غير المؤمنين، وهذا نصٌّ على بقاء عُلقة الإمام عليه السلام عليها حتّى بعد الإحياء.

ويرد على الوجه الأوّل: أنّ الخراج إنّما وضع على الأرض بإزاء إذن الإمام عليه السلام المالك لها في إحيائها وتملّكها، ولا يكون في الخبر قرينة على أنّه بعنوان مال الإجارة، لعدم اختصاص الخراج به، وقد صرّح المحقّق النائيني رحمه الله(2) بأنّ الخراج يشمل الضريبة المجعولة من قبل الدولة على تصرّف المالك في ماله، المُسمّى في الفارسيّة ب (الماليّات)، وقد مرّ في محلّه أنّ من الخراج ما يُجعل على الأرض التي9.

ص: 309


1- وسائل الشيعة: ج 25/414 ح 32246، تهذيب الأحكام: ج 7/152 ح 23.
2- منية الطالب: ج 1/79.

صولح عليها، على أنْ يكون الأرض لهم وعليهم كذا وكذا.

ويرد على الوجه الثاني: أنّه يدلّ على أنّ ما يحصل من الإحياء لا يكون باقياً إلى الأبد، بل يكون مغيّاً بالإحياء الثاني على شرائط، وهذا كما يلائم الحقيّة كذلك يلائم مع الملكيّة.

ويرد على الوجه الثالث: أنّ غاية ما يدلّ عليه أنّ ما يحصل من الإحياء، كان هو الحقّ ، أو الملك يختصّ بالشيعة.

فالمتحصّل: أنّه لا ظهور في الخبر في عدم الملكيّة كي يعارض مع ما تقدّم.

أقول: وأورد عليه المحقّق القُمّي بإيرادين:

أحدهما: أنّ أبا خالد هذا الظاهر أنّه الأصغر، لأنّ الأكبر من حواريي عليّبن الحسين عليهما السلام، والذي يروي عن الباقر والصادق هو الأصغر، ولم نقف له على توثيق ولا مدح له في مصادرنا الرجاليّة.

وفيه: أنّ الأصغر وقع في سلسلة أسانيد «كامل الزيارة» وقد شهد ابن قولويه بوثاقة جميع رجاله.

ثانيهما: أنّ ظاهره حكم زمان الحضور، كما يدلّ عليه إعطاء الخراج، وتبع في ذلك الشهيد الثاني في «المسالك»(1).

ويردّه ما عن «الكفاية»(2): من أنّ قوله: (حتّى يظهر القائم عليه السلام) أقوى قرينة على عدم الاختصاص بزمان الحضور.

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:9.

ص: 310


1- مسالك الأفهام: ج 3/58.
2- كفاية الأحكام ص 239.

«عن الرّجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها، ويجري أنهارها، ويعمرها ويزرعها، ماذا عليه ؟ قال عليه السلام: الصَّدقة.

قلت: فإنْ كان يعرف صاحبها؟ قال عليه السلام: فليؤدّ إليه حقّه»(1).

فإنّ قوله: (فليؤدِّ إليه حقّه) نصٌّ على عدم انقطاع علاقة مالك الأرض عن أرضه نهائيّاً بذلك، وإلّا لم يبق حقٌّ ليدفع له.

وفيه: أنّ ذلك إنّما هو في الأرض التي لها مالكٌ غير الإمام، ولا ربط له بما نحن فيه، بل يمكن أن يقال إنّ تعبيره عن الُمحيي الأوّل ب (صاحبها)، وقوله في الصدر عليه: (الصَّدقة) أي الزكاة، قرينتان على حصول الملك بالإحياء.

ومنها: صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديثٍ :

«كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها، يؤدّيها إلى الإمام عليه السلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أنْ تُؤخذ منه»(2).

ويرد عليه: أنّ كلمة (طسق) ليس بمعنى الأُجرة، كي يتمّ ما استظهر من الخبر، فإنّما هي كلمة فارسيّة معرّبة، وتساوق كلمة (الخراج)، فيجري في هذا الخبر ما ذكرناه في الخبر الأوّل.

فالمتحصّل: أنّه لا معارض للروايات الدالّة على الملكيّة.

ولو تنزّلنا عن ذلك، وسلّمنا ظهورها في عدم الملكيّة، يقع التعارض بين الطائفتين، فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات، وهي تقتضي تقديم الأولى للشهرة -6.

ص: 311


1- وسائل الشيعة: ج 25/415 ح 32247، تهذيب الأحكام: ج 7/148 ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 9/549 ح 12687، تهذيب الأحكام: ج 4/145 ح 26.

أُريد بها الشهرة الفتوائيّة أو الروائيّة - وأصحيّة السند.

ودعوى: أنّ الثانية موافقة للكتاب وهو قوله تعالى : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (1) إذ لم تثبت كون عمليّة الإحياء تجارة عن تراض، فتكون أكلاً للمال بالباطل، والأُولى مخالفة له فتقدّم الثانية.

أضف إليه: أنّ الثانية مخالفة للعامّة، فتقدَّم على الأُولى .

مندفعة: بأنّ موافقة الكتاب ومخالفة العامّة، متأخّرتان عن الشهرة، وأرجحيّة صفات الراوي، وعرفت أنّهما تقتضيان تقديم الأُولى .

ويمكن أن يُقال: إنّ دلالة الطائفة الثانية على عدم الملك، إنّما هي لتضمّنها وجوب الخراج، فإذا حملناها على الحكم غير اللّزومي بقرينة ما سيمرّ عليك من دلالة الروايات على عدم وجوبها، فلا يبقى لها مدلولٌ التزامي أي عدم الملكيّة، فإذاً لا شبهة في حصول الملكيّة بالإحياء.

***9.

ص: 312


1- سورة النساء: الآية 29.

اعتبار إذن الإمام عليه السلام في التملّك

اعتبار إذن الإمام عليه السلام في التملّك

الجهة الثالثة: في اعتبار إذنه عليه السلام في التملّك بالإحياء وعدمه:

فعن جماعةٍ منهم الشيخ في «الخلاف»(1)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(2) وغيرهما في غيرهما(3) دعوى الإجماع على اعتباره.

أقول: وهناك قولان آخران:

القول الأوّل: عدم اعتباره.

القول الثاني: التفصيل بين زماني الحضور والغيبة، فيعتبر في الأوّل دون الثاني.

أقول: مقتضى القاعدة اعتبار ذلك، لحرمة التصرّف في مال الغير بدون إذنه، ومنافاة التملّك بغير إذنه لقاعدة السلطنة.

واستدلّ لعدم الاعتبار: بأنّه يكفي في الجواز إذن مالك الملوك في ذلك، وإن لم يأذن مالكها، كما في التملّك بالإلتقاط وحقّ المارّة.

وفيه: استكشاف الإذن إذا كان من ما ورد في نصوص سببيّة الإحياء للملك.

فيرد عليه: أنّ تلك النصوص كأدلّة سائر الأسباب، لا تعارض ما دلّ على الإناطة بإذن المالك.

وإن كان من غيرها فعليه البيان.

واستدلّ للقول الثالث: بامتناع الإستيذان منه عليه السلام في زمان الغيبة، ولا دليل على نيابة الفقيه منه في هذه الأُمور، مع مشروعيّة الإحياء مطلقاً.

ص: 313


1- الخلاف: ج 3/526.
2- جامع المقاصد: ج 7/10.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/400 (ط. ق)، مسالك الأفهام: ج 12/392، جواهر الكلام: ج 38/10.

وفيه: أنّه يتوقّف على عدم صدور الإذن منه عليه السلام، وسيأتي الكلام فيه.

أقول: ثمّ إنّ القائلين باعتبار الإذن يدّعون صدوره منه، واستندوا في ذلك إلى وجوه:

الوجه الأوّل: النبويّان(1) حيث ورد في أحدهما قوله صلى الله عليه و آله: (ثمّ هي لكم منّي)، وفي الآخر قوله صلى الله عليه و آله: (ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون) ومقتضاهما وإنْ كان هو التمليك ولو مع عدم الإحياء، إلّاأنّ الجمع بينهما وبين ما دلّ على سببيّة الإحياء يقتضي الالتزام بملكيّتها للمُحيي خاصّة.

وفيه: أنّهما لم يرويا عن طرقنا.

الوجه الثاني: نفس قولهم عليهم السلام: (مَنْ أحيى أرضاً مواتاً فهي له)(2) فإنّه وإنْ تضمّن الإذن التشريعي في الإحياء، إلّاأن صدور ذلك من المالك يقتضي كونه إذناً مالكيّاً، نظير من قال: من دخل داري فله كذا، فإنّه يتضمّن الإذن المالكي كتضمّنه لسببيّة الدخول للجزاء، وكذلك في المقام.

وفيه: أنّ الإذن المالكي لابدّ وأن يصدر من المالك.

وبالجملة: فهذه النصوص المتضمّنة لهذه الجملة، تكون مفيدة بالنسبة إلى أزمنة حضور الأئمّة عليهم السلام الذين قبل إمام زماننا عليهم السلام، وحيث أنّه المالك ولم تصدر هذه الجملة منه، فلا يفيد ذلك، كما لا يخفى .

الوجه الثالث: أخبار التحليل، سيّما مثل خبر مسمع بن عبد الملك:

«وكلّ ما كان من الأرض في أيدي شيعتنا، فهم فيه محلّلون، يحلّ لهم ذلك إلى2.

ص: 314


1- وسائل الشيعة: ج 25/413 ح 32244، عوالي اللّئالي: ج 3/481 ح 5.
2- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32240 / تهذيب الأحكام: ج 7/152 ح 22.

أن يقوم قائمنا... إلى آخره»(1).

فإنّه يستفاد منها حليّة التصرّف، فبضمّها إلى ما دلّ على سببيّة الإحياء للملك، يستنتج إذنهم عليهم السلام في التملّك بالإحياء، وهذا الوجه يتوقّف على شمول أخبار التحليل للأراضي، وهو كذلك كما سيأتي.

الوجه الرابع: ما أفاده المحقّق كاشف الغطاء(2) من دلالة شاهد الحال على رضاهم بالإحياء، وطيب نفسهم بعمارة الأرض، ولا بأس به أيضاً.

البحث عن المُحيي للأرض

البحث عن المُحيي للأرض

فتحصّل: أنّ الأظهر ثبوت رضاه عليه السلام بالإحياء.

الجهة الرابعة: يدور البحث فيها عن أنّ التملّك بالإحياء هل يختصّ بالشيعة، أم يعمّ كلّ مسلم، أو يعمّ الكافر؟

فعن «التذكرة»(3): الإجماع على اعتبارالإسلام، ونحوه ماعن «جامع المقاصد»(4).

وعن جمعٍ من الأساطين(5): عدم اعتباره.

واستدلّ للأوّل:

1 - بالنبويّين المتقدّمين المتضمّنين للتمليك بالمسلمين.

2 - وبصحيح الكابلي: «مَنْ أحيى أرضاً من المسلمين فهي له».

ص: 315


1- وسائل الشيعة: ج 9/548 ح 12686، تهذيب الأحكام: ج 4/144 ح 25.
2- حكاه عنه الأصفهاني في حاشية المكاسب: ج 3/18.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/400 (ط. ق).
4- جامع المقاصد: ج 7/10.
5- المبسوط: ج 3/270، شرح اللّمعة: ج 7/135، جواهر الكلام: ج 38/12.

ولكن النبويّين ضعيفان، والصحيح لا مفهوم له كي يدلّ على عدم تملّك غير المسلم.

واستدلّ للثاني:

1 - بإطلاق النصوص.

2 - وبصحيح محمّد بن مسلم: «عن الشراء من أرض اليهود والنصارى؟ فقال: ليس به بأس - إلى أن قال - وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض، أو عملوه، فهم أحقّ بها، وهي لهم»(1).

ونحوه صحيح الفضلاء(2)، وخبر زرارة(3).

أقول: بعدما عرفت من اعتبار الإذن، وأنّ ثبوت إذنهم عليهم السلام إنّما يكون بأخبار التحليل المختصّة بالشيعة، فضلاً عن دلالة شاهد الحال، ففي زمان الغيبة الالتزام بملكيّة الأرض لغير الشيعة بالإحياء يتوقّف على إحراز رضاه بذلك، وإلّا فلا يكون الإحياء مملّكاً، وقد ورد في صحيح عمر بن يزيد، عن مسمع بن عبد الملك المتقدّم:

«وأمّا ما كان في أيدي غيرهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرامٌ عليهم، حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض»، وهذا صريحٌ في عدم الإذن لغير الشيعة.

وعليه، فالأظهر هو الاختصاص بهم.

***3.

ص: 316


1- وسائل الشيعة: ج 25/411 ح 32236، تهذيب الأحكام: ج 7/148 ح 4.
2- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32240، تهذيب الأحكام: ج 7/152 ح 22.
3- وسائل الشيعة: ج 25/412 ح 32241، الكافي: ج 5/279 ح 3.

في لزوم أداء الخراج على المُحيي وعدمه

في لزوم أداء الخراج على المُحيي وعدمه

الجهة الخامسة: في أنّ الأرض هل يملكها الُمحيي مجّاناً، أو يجب عليه أداء خراجها إلى الإمام عليه السلام ؟

ظاهر فتاوى القوم أنّ الملك بلاعوض، وعن «فوائدالشرائع» احتمال العوض.

أقول: ظاهر قولهم عليهم السلام: (مَنْ أحيى أرضاً مواتاً فهي له) هو حصول الملك مجّاناً، لكن مقتضى صحيحي الكابلي وعمر بن يزيد المتقدّمين، هو إيجاب الخراج، المنافي لكونها مِلْكاً، لكن من جهة اُخرى مقتضى نصوص التحليل سقوط الخراج، والجمع بين هذه الطوائف بحمل نصوص الخراج على زمان الحضور، كما عن الشيخ الأعظم(1) احتماله، يأباه صريح نصوص التحليل، كما أنّ حمل نصوص الخراج على بيان الاستحقاق، كما اختاره الشيخ رحمه الله(2) ينافيه ظهورها في الفعليّة.

فالحقّ أنّه لابدَّ من تأويل نصوص الخراج، أو ردّ علمها إلى أهلها، لمعارضتها مع نصوص التملّك بالإحياء، وعدم عمل الأصحاب بها، مضافاً إلى ما ذكرناه في الجزء الأوّل من «منهاج الفقاهة»(1) من عدم كون هذه الأرض منها.

وبالجملة: لا إشكال في سقوط الخراج، إمّا لعدم تشريعه، أو للتحليل، فنصوص الإحياء لا معارض لها.

أقول: وتمام الكلام في بقيّة شرائط الإحياء وأحكامه، سيأتي في كتاب الجهاد إن شاء اللّه تعالى .

***

ص: 317


1- منهاج الفقاهة: ج 2/421.

الأرض العامرة

الأرض العامرة

أقول: بعد الوقوف على الأرض الميّتة وحكمها، لا بأس بالإشارة إلى حكم الأرض العامرة، ومحصّل القول فيها:

أنّها تارةً : تكون عامرة بالأصالة، أي لا من معمّر.

وأُخرى : تكون عامرة بعد الموت.

والمراد بالعامرة، هي التي ينتفع بها على ما هي عليه من الحال، كما إذا كانت بحيث يكثر عليها وقوع الأمطار أو نحو ذلك.

أمّا العامرة بالأصالة: فالكلام فيها في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّها هل تكون للإمام، أم تكون من المباحات الأصليّة ؟

استظهر الشيخ الأعظم(1) من كلام القوم الأوّل، واستظهرصاحب «الجواهر»(2)منه الثاني.

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ لكونها من الأنفال وللإمام بوجوه:

الوجه الأوّل: ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله(3)، قال: (ولما رُوي على ما في المتن: «إنّ كلّ أرضٍ لم يجر عليها ملك مُسلمٍ فهو للإمام عليه السلام).

وفيه أوّلاً: أنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله صرّح بعدم كون ذلك رواية.

وثانياً: أنّه لا يمكن الالتزام بعمومه، فإنّ مقتضاه كون جميع أراضي الكفّار

ص: 318


1- المكاسب: ج 4/17.
2- جواهر الكلام: ج 16/120.
3- منية الطالب: ج 2/268.

للإمام، مع أنّه خلاف النَّص والإجماع.

وثالثاً: أنّه لو سُلّم كونه رواية وعامّاً، يتعيّن تخصيصه بما سيأتي.

الوجه الثاني: ما أفاده بعض المحقّقين رحمه الله(1) بقوله: وهو صريح عَدّ الآجام الذي هو قسمٌ من الُمحيّاة بالأصالة في الأنفال(2).

وفيه أوّلاً: أنّ الآجام من الموات، فإنّ الاستيجام مانعٌ عن الانتفاع بالأرض، وقد صرّح بذلك الفقهاء(3).

وثانياً: كون خصوص هذا القسم للإمام لدليلٍ خاصّ ، أعمٌّ من كون سائر الأقسام له عليه السلام.

الوجه الثالث: ما تضمّن أنّ الأرض كلّها للإمام(4).

قد تقدّم أنّه لابدّ من توجيه هذه النصوص، بحملها على الملكيّة الحقيقيّة غير المنافية لكونها من المباحات أو لغيرهم عليهم السلام.

الوجه الرابع: مصحّح إسحاق بن عمّار، حيث عد فيه من الأنفال التي للإمام (كلّ أرضٍ لا ربّ لها)(5) الشامل للعامرة، ونحوه خبر أبي بصير(6).

وفيه: أنّ إطلاق هذين الخبرين، يقيّد بما في مرسل حمّاد، حيث عَدّ من الأنفال (الأرض الميتة التي لا ربّ لها)، إذ تقييد الأرض بالميّتة في مقام الحصر والتحديد،1.

ص: 319


1- وهو المحقّق الايرواني كما في منهاج الفقاهة: ج 4/346.
2- وسائل الشيعة: ج 9/523، الكافي: ج 1/539 ح 3.
3- كتاب الخُمس الشيخ الأنصاري: ص 356، مستمسك العروة الوثقى: ج 9/602.
4- وسائل الشيعة: ج 25/414 ح 32246، الكافي: ج 1/408 و 409.
5- وسائل الشيعة: ج 9/531 ح 12644، تفسير القُمّي: ج 1/254.
6- وسائل الشيعة: ج 9/533 ح 12652، تفسير العيّاشي: ج 2/48 ح 11.

يدلّ بالمفهوم على أنّ الأرض غير الميّتة ليست للإمام.

وما أفاده الشيخ الأعظم رحمه الله(1): بأنّ الظاهر ورود الوصف مورد الغالب، إذ الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتاً.

يرد عليه: أنّ (الميّتة) لم يُؤخذ قيداً ل (لا ربّ لها) وإنّما اُخذت قيداً للأرض، فلا يكون القيد غالبيّاً.

مع أنّه لا وجه لحمل القيد على الغالب، مع أنّه لو تمّ ذلك أمكن حمل الإطلاقات على الغالب، لعين ما ذكره، إذ كما يقال إنّ ذكر القيد يكون للغلبة، كذلك يقال إنّ إهماله مع اعتباره لمكان الغلبة، فلا إطلاق يعمّ العامرة.

وعليه، فالأظهر أنّها من المباحات الأصليّة.

المقام الثاني: بناءً على المختار من أنّها من المباحات، لا كلام في أنّها تُملَك بالحيازة، كما لا يخفى ، وأمّا على القول بأنّها للإمام فقد استدلّ الشيخ الأعظم(2)لتملّكها بالحيازة، بعموم النبويّ :

«من سَبَق إلى ما لم يسبقه إليه مسلمٌ فهو أحقّ به»(1).

وفيه أوّلاً: أنّه مختصٌّ بما لا مالك له، فلا يشمل المقام.

وثانياً: أنّ الأحقيّة أعمٌّ من الملكيّة.

أقول: فالحقّ أن يستدلّ له بأخبار التحليل، الظاهرة في الملكيّة، كما سيأتي.

ثمّ إنّه يمكن القول بتملّكها بالإحياء:

1 - ما رواه السّكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله:4.

ص: 320


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 17/111 ح 20904 و 20905، عوالي اللّئالي: ج 3/480 ح 4.

«من غَرَس شجراً، أو حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضاً ميّتة فهي له قضاءً من اللّه ورسوله»(1).

وظاهره - بقرينة جعل الغرس والحفر قبال الإحياء أنّهما يوجبان الملكيّة بأنفسهما، وبضميمة إلغاء الخصوصيّة - يثبت الحكم في سائر أفراد الإحياء.

2 - ولمضمر ابن مسلم: «وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه، فهم أحقّ بها وهي لهم»(2).

***4.

ص: 321


1- وسائل الشيعة: ج 25/413 ح 32244، الكافي: ج 5/280 ح 6.
2- وسائل الشيعة: ج 25/411 ح 32236، تهذيب الأحكام: ج 7/148 ح 4.

الأرض العامرة بعد الموت

الأرض العامرة بعد الموت

وأمّا الأرض العامرة بعد الموت:

فإنْ كانت العمارة بسببٍ سماوي، كانت الأرض للإمام عليه السلام، لا للاستصحاب، بل للأدلّة، فإنّها دالّة على عدم خروج المِلْك عن ملك مالكها بلا سبب.

وإنْ كانت بالإحياء:

فإنْ كان ذلك بغير إذنه، فهي له عليه السلام لما مرّ.

وإن كان بإذنه، فالمشهور بين الأصحاب أنّها مِلْكٌ للمحيي، بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه، وعن «التنقيح» إجماع المسلمين عليه.

أقول: وقد تقدّم الكلام في ذلك، وعرفت أنّها تُملك بالإحياء، وتصبح ملكاً للمُحيي.

ثمّ إنّ أحكام الأرض المفتوحة عنوة، وجملةً من أحكام بقيّة الأراضي مذكورة في كتاب الجهاد(2)، وجملة اُخرى منها مذكورة في أوّل كتاب البيع(3)، فمَن أحبّ الإطّلاع فليراجعهما.

***

ص: 322


1- المهذّب البارع: ج 4/285، تذكرة الفقهاء: ج 2/400 (ط. ق).
2- فقه الصادق: ج 19.
3- فقه الصادق: ج 22/93.

والآجام.

الآجام من الأنفال

(و) السابع: (الآجام).

وهي جمعُ أجمة، وهي الأرض المملوءة من القصب، والشَّجر الكثير الملتفّ بعضه ببعض، كما صرّح بذلك في محكيّ «الروضة»(1) وغيرها(2).

وعليه، فالنفل هو الأرض ذات الشجر الكثير، أو المملوءة بالقصب، فما عن اللّغويّين(3) من تفسيرها بأنّها الشّجر الملتف من مسامحاتهم في التعبير.

وكيف كان، فيدلّ على كونها من الأنفال - كما هو المشهور، بل الظاهر عدم الخلاف فيه - جملةٌ من النصوص:

منها: ما ورد في مرسل حمّاد المتقدّم: «وله رؤوس الجبال، و بطون الأودية والآجام»(4).

ونحوه خبر داود بن فرقد(5)، وغيره، وخبر الحسن بن راشد(6).

وعليه، فما عن المحقّق في «المعتبر»(7)، والمصنّف رحمه الله في «المنتهى»(8) من التوقّف

ص: 323


1- شرح اللّمعة: ج 2/84.
2- مدارك الأحكام: ج 5/415، ذخيرة المعاد: ج 3/489، رياض المسائل: ج 5/262 (ط. ج).
3- القاموس المحيط: ج 1/10، مجمع البحرين: ج 1/41.
4- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628، الكافي: ج 1/539 ح 4.
5- وسائل الشيعة: ج 9/534 ح 12656، تفسير العيّاشي: ج 2/49.
6- تهذيب الأحكام: ج 4/128 ح 2.
7- المعتبر: ج 2/633.
8- منتهى المطلب: ج 1/555 (ط. ق).

فيه، ضعيفٌ .

ثمّ إنّ الكلام في كونها مطلقاً للإمام، أو إذا كانت في الأراضي المختصّة بالإمام، هو الكلام في رؤوس الجبال وبطون الأودية قولاً ودليلاً، وقد عرفت أنّ الأقوى هو العموم، فلو استجامت أرض الغير، دخلت في مِلْك الإمام عليه السلام.

***

ص: 324

وصَوافي الملوك وقطائعهم.

صَوافي الملوك من الأنفال

(و) الثامن: (صوافي الملوك).

قيل: هي الجارية والفَرَس والغِلْمان، لكن الظاهر - كما أفاده المحقّق الأردبيلي(1) - أنّها أعمّ ، لأنّها اشتقّت من الصفو، وهو اختيار ما يريد من الأُمور الحسنة، لكن المراد هنا هي المنقولات الحَسَنة التي تكون للملوك، لمقابلتها بقوله: ( وقطائعهم) وهي القُرى والبساتين والمزارع المخصوصة بالملوك.

قال المصنّف في «المنتهى»(2): (ومن الأنفال صفايا الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم، من غير جهة الغصب، بمعنى أنّ كلّ أرضٍ فُتحت من أهل الحرب، فما كان يختصّ بملكهم فهو للإمام عليه السلام... إلى أن قال:

مسألة: ومن الأنفال ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب، مثل الفَرَس الجَواد، والثوب المرتفع، والجارية الحَسناء، والسَّيف القاطع الفاخر، وما أشبه ذلك، ممّا يجحف بالغانمين، ذهب إليه علماؤنا أجمع). انتهى.

ويشهد له:

1 - صحيح داود بن فرقد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قطائع الملوك كلّها للإمام عليه السلام، وليس للناس فيها شيء»(3).

ص: 325


1- مجمع الفائدة: ج 4/334.
2- منتهى المطلب: ج 1/553 (ط. ق).
3- وسائل الشيعة: ج 9/525 ح 12630، تهذيب الأحكام: ج 4/134 ح 11.

غير المغصوبة.

2 - موثّق سماعة بن مهران: «سألته عن الأنفال ؟ فقال عليه السلام: كلّ أرضٍ خربة، أو شيء يكون للملوك، فهو خالصٌ للإمام، ليس للناس فيها سهم»(1).

3 - ومرسل حمّاد بن عيسى ، عن العبد الصالح عليه السلام المتقدّم:

«قال عليه السلام في حديثٍ : وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، الحديث»(2).

4 - وخبر الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام المرويّ في «تفسير العيّاشي»:

«ما كان للملوك فهو للإمام عليه السلام»(3). ونحوها غيرها.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق جملة من الأخبار - كموثّق سماعة، وخبر الثمالي - كون جميع ما للملوك معدودٌ من الأنفال، فالتقييد ب (الصوافي) و (القطائع) غير حسن.

قال سيّد «المدارك»(4): (الضابط أنّ كلّ ما كان لسلطان الكفر من مالٍ غير مغصوب، من محترم المال، فهو لسلطان الإسلام). انتهى .

ومراده من (سلطان الإسلام) هو الإمام عليه السلام، والظاهر أنّ مراد القوم من التقييد بالعنوانين يشمل ما يُنقل وما لا يُنقل مطلقاً.

نعم، يعتبر فيها أن تكون (غير المغصوبة) من مسلمٍ أو معاهدٍ ممّا كان محترمع.

ص: 326


1- وسائل الشيعة: ج 9/526 ح 12632، تهذيب الأحكام: ج 4/133 ح 7.
2- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628، الكافي: ج 1/539 ح 4.
3- وسائل الشيعة: ج 9/534 ح 12655، تفسير العيّاشي: ج 2/48 ح 17 و 20.
4- هذه هي عبارة السيّد محمّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 5/416: (والضابط أنّ كلّ أرضٍ فُتحت من [دار] أهل الحرب فما كان يختصّ به ملكهم فهو للإمام إذا لم يكن غصباً من مسلم أو معاهد، كما كان للنبيّ صلى الله عليه و آله). وأمّا نصّ العبارة الواردة في هذا الكتاب فقد وردت في مسالك الأفهام: ج 1/474، فراجع.

المال، وقال المحقّق الأردبيلي(1): (المراد لقولهم (غير المغصوب) الصفايا والقطائع الّتي لا تكون مِلْكاً لملوك الكفّار، أو يكون مِلْكاً لمن لا يجوز أخذ ماله، وتكون له حرمة، وهو ظاهر) انتهى .

وكيف كان، فلا خلاف ظاهراً في ذلك، ويشهد له - مضافاً إلى ذلك، وإلى الأصل - مرسل حمّاد المتقدّم.

***1.

ص: 327


1- مجمع الفائدة: ج 4/341.

للإمام أن يَصطفي من الغنيمة ما شاء

للإمام أن يَصطفي من الغنيمة ما شاء

التاسع: مصطفيات الإمام عليه السلام.

صرّح جماعةٌ بأنّ : (للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما شاء، من فرسٍ جواد، أو ثوبٍ مرتفع، أو جاريةٍ حسناء، أو سيفٍ فاخر ماضٍ ، أو غير ذلك، فيكون من الأنفال)، وعن «المنتهى»(1) الإجماع عليه.

ويشهد به:

1 - صحيح ربعي: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إذا أتاه المَغنم أخذَ صفوه، وكان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي - إلى أن قال - وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).

2 - ومرسل حمّاد، عن العبد الصالح عليه السلام المتقدّم:

«وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها، الجارية الفارهة، والثوب والمتاع ممّا يحبّويشتهي، فذلك له قبل القسمة، وقبل إخراج الخُمس»(3).

3 - وموثّق أبي الصباح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «نحن قومٌ فَرَض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، الحديث»(4).

قال في «الجواهر»(5): (وكأنّه من عطف الخاص على العام، تنبيهاً على مزيد اختصاصه به، ردّاً على العامّة القائلين بسقوط ذلك بعد النبيّ صلى الله عليه و آله). انتهى.

ص: 328


1- منتهى المطلب: ج 2/948 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 9/510 ح 12602.
3- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12628، الكافي: ج 1/539 ح 4.
4- وسائل الشيعة: ج 9/535 ح 12659، الكافي: ج 1/546 ح 17.
5- جواهر الكلام: ج 16/125.

ونحوها غيرها، فلا إشكال في أصل الحكم نصّاً وفتوى.

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: قيّد الأصحاب ذلك بقولهم (ما لم يُجحف)، وظاهرٌ «المنتهى»(1)الإجماع عليه.

وعن «المدارك»(2): أنّ قيد الإجحاف مستغنى عنه، بل كان الأولى تركه، واستدلّ لما عن «المدارك» بإطلاق الأدلّة.

وأورد عليه في «الجواهر»(3): بأنّه على اشتراطه إجماعُ «المنتهى »، المعتضد بالأصل، والاقتصار على المتيقّن، ولا بأس بذلك.

المورد الثاني: أنّه قد يقال إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة أنّ له ذلك، وإن كان هو الغنيمة لا غير، إلّاأنّ الظاهر ظهور الروايات في أنّه ليس له ذلك لو كان هو الغنيمة خاصّة:

1 - لقوله فيها: (ثمّ يقسّم الغنيمة) وغير ذلك من القرائن.

2 - ولإطلاق ما دلّ على استحقاق الغانمين الغنيمة.

3 - ولعدم ثبوت الإطلاق للأدلّة من هذه الجهة.

المورد الثالث: أنّ ظاهر موثّق أبي الصباح، أنّه كغيره من الأنفال الداخلة في ملكه عليه السلام، فما يظهر من كلمات الفقهاء، وبعض النصوص، من أنّه موقوفٌ ملكيّته عليه السلام على أخذ الإمام عليه السلام، واصطفائه لا قبله، كغيره من الأنفال التي حصل5.

ص: 329


1- منتهى المطلب: ج 2/948 (ط. ق).
2- مدارك الأحكام: ج 5/417.
3- جواهر الكلام: ج 16/125.

تمليك اللّه إيّاه قهراً، لابدّ من تأويله حملاً للظاهر على النَّص.

و عليه، فالمدار على وجود المصطفي في حَدّ ذاته و نفسه، لا بحسب نسبة الغنيمة.

المورد الرابع: إذا لم يكن في المال ما يمكن أن يصطفيه الإمام لنفسه، فهل له أخذ ما يُحبّ ، كما هو ظاهر «الشرائع»(1) وخبر أبي بصير الضعيف سنداً؟

أم لا، كما هو المنساق إلى الذهن من النصوص، ويقتضيه الأصل، وإطلاق ما دلّ على استحقاق الغانمين للغنيمة ؟

وجهان، أظهرهما الثاني.

***).

ص: 330


1- شرائع الإسلام: ج 1/137 (وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرسٍ أو ثوبٍ أو جاريةٍ أو غير ذلك ما لم يُجحِف).

حُكم المعادن

حُكم المعادن

العاشر: المعادن.

التزم الشيخ الكليني(1)، والمفيد(2)، والشيخ الطوسي(3)، والديلمي(4)، والقاضي(5)، والقُمّي(6)، وعن «الكفاية»(7) و «الذخيرة»(8) و «كشف الغطاء»(9)بأنّه من الأنفال.

واستدلّ له:

1 - بموثّق إسحاق بن عمّار، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأنفال ؟ فقال:

هي القُرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للّه وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يُوجَف عليها بخيلٍ ولا ركاب، وكلّ أرضٍ لا ربّ لها، والمعادن منها، ومَنْ مات ولا مولى له فماله من الأنفال»(10).

2 - وبخبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لنا الأنفال. قلت: وما الأنفال ؟ قال عليه السلام: منها المعادن»(11).

ص: 331


1- الكافي: ج 1/538.
2- المقنعة ص 278.
3- النهاية: ص 419.
4- المراسم العلويّة: ص 142.
5- المهذّب: ج 1/186.
6- تفسير القُمّي: ج 1/254.
7- كفاية الأحكام: ص 44.
8- ذخيرة المعاد: ج 3/487.
9- كشف الغطاء: ج 2/364.
10- وسائل الشيعة: ج 9/531 ح 12644، تفسير القُمّي: ج 1/254.
11- وسائل الشيعة: ج 9/533 ح 12652، تفسير العيّاشي: ج 2/48 ح 11.

وقريبٌ منه خبر داود بن فرقد(1).

أقول: ولكن يرد على الموثّق: أنّه يُحتمل أن يكون الضمير في (منها) راجعاً إلى الأرض المذكورة، لا راجعاً إلى الأنفال، مع أنّ الوارد في بعض النسخ بدل (منها) كلمة ظرف (فيها)، وعليه فهو يدلّ على أنّ المعادن الموجودة باطن الأرض التي لا ربّ لها للإمام ومن الأنفال، وأمّا غيرها فلا تعرض له.

ويرد على الخبرين: بضعف السند.

وعن جماعةٍ من الأصحاب(2): أنّ الناس فيها شَرعٌ سَواء.

وعن «الجواهر»(3): أنّه المشهور نقلاً وتحصيلاً.

واستدلّوا له:

1 - بالأصل.

2 - والسيرة.

3 - وخلوّ أخبار الخُمس عن التعرّض لذلك.

ثمّ إنّ الكلام في أقسام المعدن، من حيث إنّه قد يكون في أرض مملوكة، وقد يكون فيما لا رب له، وقد يكون في الأرض المفتوحة عنوة، تقدّم في أوّل كتاب الخُمس،(4) وبيّنا هناك أحكام كلّ قسم.

***د.

ص: 332


1- وسائل الشيعة: ج 9/534 ح 12656، تفسير العيّاشي: ج 2/49.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/403 (ط. ق) وأسنده إلى العامّة، مصباح الفقيه: ج 3/154، المهذّب: ج 2/34.
3- جواهر الكلام: ج 38/108.
4- راجع صفحة 33 من هذا المجلّد.

وميراثُ مَنْ لا وارث له.

ميراثُ من لا وارث له من الأنفال

(و) الحادي عشر: (ميراث من لا وارث له).

بلا خلافٍ في ذلك، وعن «المنتهى»(1) أنّه من الأنفال عند علمائنا أجمع.

وفي «المسالك»(2): إذا عَدم الوارث حتّى ضامن الجريرة، فعندنا أنّ الوارث هو الإمام.

وفي «الرياض»(3): والأصل فيه بعد الإجماع المحكيّ في «الخلاف» و «الغُنية» و «السرائر» و «المنتهى » و «المسالك» وغيرها من كتب الجماعة... إلى آخره.

أقول: وكيف كان، فتشهد به جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّدبن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «من مات وليس له وارثٌ من قرابته، ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته، فماله من الأنفال»(4).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في قول اللّه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَنْفالِ (5)؟ قال عليه السلام: من مات وليس له مولى فماله من الأنفال»(6).

ومنها: صحيحه الآخر عنه عليه السلام، في حديثٍ : «ومن مات وليس له مولى فماله

ص: 333


1- منتهى المطلب: ج 2/948 (ط. ق).
2- مسالك الأفهام: ج 13/226.
3- رياض المسائل: ج 2/369 (ط. ق).
4- وسائل الشيعة: ج 26/246 ح 32930، الكافي: ج 7/169 ح 2.
5- سورة الأنفال: الآية 1.
6- وسائل الشيعة: ج 26/247 ح 32932، الكافي: ج 7/169 ح 4.

من الأنفال»(1).

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن أعتق عبداً سائبةً ، أنّه لا ولاء لمواليه عليه، فإنْ شاء توالى إلى رجلٍ من المسلمين، فليشهد أنّه يضمن جريرته، وكلّ حَدَث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإن لم يفعل ذلك، كان ميراثه يردّ إلى إمام المسلمين»(2).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على ذلك.

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في «الفقيه»(3) حيث فرّق بين حال حضور الإمام عليه السلام فالميراث له، وبين زمان الغيبة فجعله لأهل يلد الميّت، واستدلّ له بأنّه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدّمة، وبين أخبار اُخر، كمرسل داود، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«مات رجلٌ على عهد أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين عليه السلام ميراثه إلى همشهريجه(4)»(5).

ومنها: مرفوع السري إلى أمير المؤمنين عليه السلام: «في رجلٍ يموت ويترك مالاً، ليس له وارث ؟ قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أعط المال همشاريجه»(6).

ومنها: مرسل الصدوق، قال: «رُوي في خبرٍ آخر: أنّ من ماتَ وليس له4.

ص: 334


1- وسائل الشيعة: ج 26/247 ح 32933، الكافي: ج 7/168 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 26/250 ح 32941، تهذيب الأحكام: ج 9/394 ح 14.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 4/323، ذيل حديث 5692.
4- همشهريجه: كلمة فارسيّة، أي أهل بلده.
5- وسائل الشيعة: ج 26/252 ح 32946، تهذيب الأحكام: ج 9/387 ح 5.
6- وسائل الشيعة: ج 26/252 ح 32945، تهذيب الأحكام: ج 9/387 ح 4.

وارثٌ ، فميراثه لهمشاريجه، يعني أهل بلده»(1).

وفيه أوّلاً: هذه النصوص ضعيفة الإسناد، لا يُعتمد عليها.

وثانياً: أنّ الجمع المذكور تبرّعيٌ بل باطلٌ قطعاً، فإنّ المرسل متضمّنٌ لدفع أمير المؤمنين عليه السلام نفسه المال لأهل بلده، وفي الأخيرين أمر بدفعه إليهم، فكيف تُحمل هذه النصوص على حال الغيبة.

وثالثاً: أنّ غاية ما تضمّنه هذه النصوص إعطاء أمير المؤمنين عليه السلام لأهل البلد، أو أمره بذلك، وليس في شيءٍ منها تعيّن ذلك، ولعلّه كان من جهة أنّه كان ماله وله أن يضعه حيث شاء، فقد صرفه في هذا المورد، وقد صرّح المفيد(2) والشيخ(3) بأن ذلك كان تبرّعاً منه عليه السلام.

وعن بعض المحدِّثين(4): الحكاية عن بعض النسخ (همشيريجه) بالياء بعد الشين، حيث يُراد به الأخ الرّضاعي، فتخرج النصوص عن محلّ البحث، وتكون نظير خبر مروك بن عبيد، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال:

«قلت له: ما تقولُ في رجلٍ ماتَ وليس له وارث إلّاأخاً له من الرِّضاعة يرثه ؟ قال عليه السلام: نعم، الحديث»(5).

وعن الشيخ في «الاستبصار»(6)، والإسكافي(7): أنّه لبيت مال المسلمين لا للإمام، واستدلّ له:8.

ص: 335


1- وسائل الشيعة: ج 26/253 ح 32947، من لا يحضره الفقيه: ج 4/333 ح 5715.
2- المقنعة: ص 705.
3- النهاية ص 671.
4- وسائل الشيعة: ج 26/256.
5- وسائل الشيعة: ج 26/255 ح 32955.
6- الاستبصار: ج 4/195.
7- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 9/98.

1 - بصحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ مسلمٍ قُتل وله أبٌ نصراني، لمن تكون ديته ؟ قال عليه السلام: تُؤخذ فتُجعل في بيت مال المسلمين، لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين»(1).

2 - وصحيحه الآخر، عنه عليه السلام: «عن مملوكٍ أعتق سائبة ؟ قال عليه السلام: يتولّى مَن شاء، وعلى من تولّاه جريرته، وله ميراثه.

قلت: فإن سكت حتّييموت ؟ قال عليه السلام: يُجعل ماله في بيت مال المسلمين»(2).

3 - وخبر معاوية بن عمّار، عنه عليه السلام: «مَن أعتق سائبةً فليتوال من شاء، وعلى من والى جريرته، وله ميراثه، فإنْ سكت حتّى يموت اُخذ ميراثه، فجُعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليّ »(3).

والجواب عنه: أنّه إن أمكن حمل هذه النصوص على إرادة بيت مال الإمام، من بيت مال المسلمين، ولو بقرينة الأخبار السابقة، فيرتفع التعارض بين الأخبار، وإلّا فيقدّم ما تقدّم للشهرة، ومخالفة العامّة، وغيرهما من المرجّحات.

***3.

ص: 336


1- وسائل الشيعة: ج 26/257 ح 32958، من لا يحضره الفقيه: ج 4/333 ح 5716.
2- وسائل الشيعة: ج 26/254 ح 32951، الكافي: ج 7/172 ح 8.
3- وسائل الشيعة: ج 26/249 ح 32938، تهذيب الأحكام: ج 9/394 ح 13.

والغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام.

الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام عليه السلام

(و) الثاني عشر: (الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام عليه السلام).

المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً كما في «الجواهر»(1) كونها من الأنفال.

وعن الحِلّي(2) دعوى الإجماع عليه.

وعن «المنتهى» في كتاب الخُمس(3): (أنّ هذه الغنيمة تُساوي غيرها في أنّه ليس فيها إلّاالخُمس)، واستجوده في «المدارك»(4).

وعن بعضٍ (5) التفصيل بين الغزو والدفاع، فالغنائم مع الغزو للإمام، ومع الدفاع للمُغنِم.

وعن بعضهم(6): التفصيل بين الغزو للدّعاء إلى الإسلام فالغنيمة للإمام، وبين ما إذا كان للقهر والغلبة فيجبُ الخُمس.

وفي «العروة»(7): التفصيل بين صورة إمكان الاستيذان فهي للإمام، وبين

ص: 337


1- جواهر الكلام: ج 16/126.
2- السرائر: ج 2/348.
3- منتهى المطلب: ج 1/554 (ط. ق).
4- مدارك الأحكام: ج 5/418.
5- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/448.
6- الحدائق الناضرة: ج 18/294.
7- العروة الوثقى: ج 4/231.

صورة عدم إمكانه فليس عليه إلّاالخُمس.

أقول: والأوّل أظهر، ويشهد له:

1 - صحيح معاوية بن وهب أو حسنه، بإبراهيم بن هاشم، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: السَّرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم ؟

قال عليه السلام: إنْ قاتلوا عليها مع أمير أمَّره الإمام، أُخرج منها الخُمس للّه وللرسول، وقُسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غَنموا للإمام يجعله حيثُ أحبّ »(1).

وأورد عليه الشيخ الأعظم(2) بقوله: (لا يخفى عدم دلالته على المطلوب، إلّاإذا اعتبر مفهوم القيد في قوله: (مع أمير أمّره الإمام) مع تأمّلٍ فيه أيضاً، لأنّ المفروض أنّ ضمير (قاتلوا) راجعٌ إلى (السرية التي يبعثها الإمام عليه السلام)، فالقيد لايكونُ للتخصيص قطعاً.

وفيه: أنّ دلالته تتوقّف على اعتبار مفهوم الشرط، بناءً على ما هو المحقّق في محلّه من أنّه كلّما ازداد الشرط المذكور في القضيّة قيداً، بأن كان مقيّداً بقيودٍ أو مركّباً من اُمور، زاد المفهوم سعة، إذ انتفاء الشرط حينئذٍ يكون بانتفاء أحد أجزائه أو قيوده المأخوذة في المقدم، فينتفي بانتفائه الحكم الثابت في التالي، وفي المقام قوله عليه السلام: (مع أميرٍ أمّره الإمام) يعدّ من قيود الشرط، فدلالة الصحيح على المفهوم تتوقّف على اعتبار مفهوم الشرط الذي نقول به.2.

ص: 338


1- وسائل الشيعة: ج 9/524 ح 12627، الكافي: ج 5/43 ح 1.
2- كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري: ص 362.

2 - ومرسل العبّاس الورّاق، عن رجل سمّاه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا غزا قومٌ بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزا بأمر الإمام فغنموا، كان للإمام الخُمس»(1).

وضعف سنده منجبرٌ بالشهرة.

واستدلّ للثاني:

1 - بإطلاق غَنِمْتُمْ في الآية الشريفة(2).

2 - وحسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ من أصحابنا يكون في لوائهم، فيكون معهم، فيصيب غنيمة ؟ فقال عليه السلام: يؤدّي خُمسنا ويطيب له»(3).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ المراد بالغنيمة في الآية الشريفة:

إن كان هو الغنيمة التي تكون مِلْكاً للمُغنِم، فهي ليست في مقام بيان أنّ آية الغنائم(4) يملكها المغنم، وإنّما هي في مقام بيان أنّ ما يملكه فيه الخُمس.

وإنْ كان مطلق الغنيمة، فهي إنّما تدلّ على أنّ على المُغنِم الخُمس، وأمّا كون الباقي له أو لغيره، فهي لا تدلّ عليه، فيمكن أن يكون نظير من استخرج كنزاً في مِلْك الغير، فإنّه لمالكه، وعليه فيه الخُمس.

مع أنّه لو سُلّم إطلاقها، يتعيّن تقييده بالخبرين المتقدّمين.

ويرد على الحسن: أنّ الجمع بينه وبين الخبرين يقتضي حمله على صورة الإذن1.

ص: 339


1- وسائل الشيعة: ج 9/529 ح 12640، تهذيب الأحكام: ج 4/135 ح 12.
2- سورة الأنفال: الآية 41.
3- وسائل الشيعة: ج 9/488 ح 12553، تهذيب الأحكام: ج 4/124 ح 14.
4- سورة الأنفال: الآية 41.

للرجل، وإنْ لم يكن ذلك جمعاً عرفيّاً يتعيّن طرحه عند التعارض، لوجوه لا يخفى .

وأمّا القول الثالث: فهو يتوقّف على انحصار المدرك بالمُرسل، ولكن بعدما عرفت من دلالة صحيح معاوية على كونها للإمام، لا وجه له.

أقول: وبه يظهر ما في القول الرابع، فإنّه لو تمّ فإنّما هو في فرض انحصار المدرك بالمُرسَل، مع أنّ انصراف (الغزو) إلى ما كان للدّعاء إلى الإسلام، كما هو مبنى الاستدلال، ممنوع.

واستدلّ للأخير: بأنّ الظاهر من المُرسَل هو الاختصاص بالصورة الأُولى ، أي صورة إمكان الاستيذان.

وفيه: مضافاًإليماعرفت من عدم انحصارالمدرك به، اختصاصه بها غير ظاهر.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما اختاره المشهور، من كونها للإمام عليه السلام مطلقاً.

أقول: عدّ البحار في غير واحدٍ(1) من الكلمات من الأنفال، واستدلّ له بصحيح حفص البختري، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ جبرائيل كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات، ودجلة، ونيل مصر، ومهران، ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا وهوأفسيكون(2)»(3).

ونحوه خبر يونس بن ظبيان، أو المعلّى بن خُنيس(4) إلّاأنّه عَدّ فيه الأنهار5.

ص: 340


1- المقنعة ص 278، الدروس: ج 1/264، ذخيرة المعاد: ج 3/491، مستند الشيعة: ج 10/164.
2- قيل إنّه اسمٌ للبحر المتوسّط.
3- وسائل الشيعة: ج 9/530 ح 12642، من لا يحضره الفقيه: ج 2/45 ح 1663.
4- وسائل الشيعة: ج 9/550 ح 12691، الكافي: ج 1/409 ح 5.

ثمانية: (سيحان، وجيحان، والخشوع وهو نهر الشاش. ومهران، ونيل مصر، ودجلة، والفرات).

وقد عدَّ الشيخ المفيد(1) المفاوز من الأنفال، ولكن علّق صاحب «الجواهر»(2)عليه بقوله: (لم نقف له على دليل فيما لا يرجع إلى الأراضي السابقة).

***1.

ص: 341


1- المقنعة ص 278.
2- جواهر الكلام: ج 16/131.

فهذه كلّها للإمام.

حكم الأنفال في زمان الغيبة

(ف) المتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ (هذه) الأنفال (كلّها للإمام عليه السلام) بحسب الجعل الأوّلي، وإنّما الخلاف وقع في أنّه:

هل حُلّلت الأنفال في زمان الغيبة للشيعة، كما صرّح به الشهيدان(1)وجماعة(2)، بل نُسب ذلك إلى المشهور(3)، وإنْ كان ظاهر المحكيّ عن «المختلف»(4)من عبارات الأصحاب، عدم تحقّق هذه الشهرة ؟

أو لا يجوز التصرّف فيها، فيما عدا المناكح والمساكن والمتاجر، كما نُسب إلى المشهور في «الحدائق»(5)؟

أم يفصّل بين الأراضي وغيرها، والقول بالتحليل فيها خاصّة ؟ وجوه:

استدلّ للأوّل:

1 - بخبر الحارث بن المغيرة النصري، قال:

«دخلتُ على أبي جعفر عليه السلام فجلستُ عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له

ص: 342


1- الشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/264، الشهيد الثاني في شرح اللّمعة: ج 2/85.
2- المراسم العلويّة: ص 142، كفاية الأحكام: ص 43.
3- شرح اللّمعة: ج 2/85.
4- مختلف الشيعة: ج 3/340.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/446.

فدخل فجثا على ركبتيه، ثمّ قال: جُعِلْتُ فداك، إنّي أُريد أن أسألك عن مسألةٍ واللّه ما أريد فيها إلّافكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقَّ له، فاستوى جالساً، فقال:

يا نجيّة سَلني، فلا تسألني عن شيء إلّاأخبرتك به.

قال: جُعِلْتُ فداك، ما تقول في فلان وفلان ؟ قال: يا نجيّة إنّ لنا الخُمس في كتاب اللّه تعالى، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما واللّه أوّل مَن ظَلَمنا حقّنا في كتاب اللّه تعالى ، وأوّل من حَمَل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت.

فقال نجيّة: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ثلاث مرّات، هلكنا وربّ الكعبة.

قال: فرفع جسده عن الوسادة، فاستقبل القبلة فدعا بدعاءٍ لم أفهم منه شيئاً، إلّا أنّا سمعناه في آخر دعائه، وهو يقول: اللّهُمَّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا...

إلى آخره»(1).

وفيه:

أنّ قوله عليه السلام: (ذلك) إنْ كان إشارةً إلى ما ذُكر في قوله: (ولنا الأنفال) كان الاستدلال تامّاً، ولكن بما أنّه يحتمل أنْ يكون قوله المذكور إشارة إلى شيء ذكره في دعائه الذي لم يفهم الحارث منه شيئاً، فلا يتمّ ذلك كما هو واضح.

2 - وبخبر يونس بن ظبيان - أو المعلّى بن خُنَيس - قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما لكم من هذه الأرض ؟ فتبسّم ثمّ قال: إنّ اللّه بعث7.

ص: 343


1- وسائل الشيعة: ج 9/549 ح 12688، تهذيب الأحكام: ج 4/145 ح 27.

جبرائيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها سيحان - إلى أن قال - فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدوّنا منه شيءٌ إلّاما غصب عليه، وإنّ وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه - يعني ما بين السماء والأرض - ثمّ تلا هذه الآية: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ اَلْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ اَلْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (1) »(2).

وفيه:

أنّ قوله: (وما كان لنا) إنْ لم يكن مسبوقاً بقوله: (فما سقت أو استقت فهو لنا) كان يصحّ التمسّك بإطلاقه، ولكن لسبقه به الموجب لكون المتبادر من الموصول إرادة العهد لا الجنس، لا يصحّ ذلك، وعليه فيختصّ التحليل بخصوص الأراضي.

3 - وبخبر داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، فال:

«سمعته يقول: الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّاأنّا أحللنا شيعتنا من ذلك»(3).

وفيه:

أنّ المنساق إلى الذهن منه تحليل خصوص ما يتوقّف معيشة عامّة الناس عليه، وليس هو إلّاالأرض وما يتبعها.

4 - وبخبري يونس والحارث الآتيين في مسألة تحليل الخُمس فيما يشترى0.

ص: 344


1- سورة الأعراف: الآية 32.
2- وسائل الشيعة: ج 9/550 ح 12691، الكافي: ج 1/409 ح 5.
3- وسائل الشيعة: ج 9/546 ح 12681، تهذيب الأحكام: ج 4/138 ح 10.

ممّن لا يعتقد بالخُمس.

وفيه:

أنّه سيأتي في تلك المسألة اختصاصهما به.

فتحصّل:

أنّ شيئاً من ما استدلّ به على تحليل مطلق الأنفال، لا يدلّ عليه، بل بعضها يدلّ على تحليل خصوص الأراضي وما يتبعها.

ويشهد له:

- مضافاً إلى ذلك - صحيح عمر بن يزيد، عن أبي سيّار مسمع بن عبد الملك، في حديثٍ ، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنتُ ولّيت الغوص - إلى أن قال - قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه ؟ فقال لي: يا أبا سيّار قد طيّبناه لك وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، إلى آخره»(1).

والسيرة القطعيّة على المعاملة معها معاملة المباحات الأصليّة.

ويمكن استفادته ممّا دلّ على ملك الأرض بالإحياء، بتنقيح المناط، ويؤيّده ما قيل من إنّه لولا الحِلّ لوقع أكثر الناس في الحرام، المنافي لاحتفاظهم عليهم السلام بذلك، كما يظهر من تعليل التحليل في كثير من النصوص بطيب الولادة، فإذاً لا يبقى مجالٌ للتوقّف في تحليل خصوص الأرض.5.

ص: 345


1- وسائل الشيعة: ج 9/548 ح 12686، تهذيب الأحكام: ج 4/144 ح 25.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثالث.

أقول: بقي أمرٌ لا بأس بالتنبيه عليه، وهو:

أنّ الشيخ الأعظم رحمه الله(1) بعدما سَلّم دلالة جملةٍ من النصوص على تحليل الأنفال، أجاب عنها بأنّها بعمومها تدلّ على تحليل خُمس الأرباح أيضاً، وحيثُ أنّه لا يمكن الالتزام به لما تقدّم فيتعيّن تأويلها وحملها على غير ظاهرها.

وفيه: أنّ العموم المذكور ليس من ما لا يقبل التخصيص، فيعمل به في غير موضعه.

ودعوى: أنّ المظنونَ عدمُ التخصيص في هذه الأخبار عهدةُ إثباتها على مدّعيها.

وأجاب عنها بعض الأعاظم(2):

بأنّ الشّبهة في المقام موضوعيّة، وهي صدور الإذن من الإمام عليه السلام وعدمه، فلا ترفع اليد عن أصالة عدم الإذن إلّابحجّةٍ من علمٍ أو بيّنة، وخبر الثقة غير ثابت الحجيّة في الموضوعات.

وفيه:

ما تقدّم في أخبار تحليل خُمس الأرباح، من حجيّة خبر الثقة في الموضوعات مطلقاً، وعلى فرض عدمها فهو حجّة في خصوص المقام، فراجع(3).

وأمّا الجواب:د.

ص: 346


1- كتاب الخُمس للشيخ الأنصاري: ص 325.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/606.
3- صفحة 57 من هذا المجلّد.

بشهادة جماعة من العلماء(1) العدول بالتحليل، فلا يجدي لعدم استنادها إلى الحسّ .

***6.

ص: 347


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 9/606.

واُبيح لنا المساكن والمتاجر والمناكح.

في إباحتهم عليهم السلام المناكح والمساكن والمتاجر في زمان الغيبة

أقول: (و) قد صرّح جماعة(1) بأنّه (اُبيح لنا) أي أباحوا عليهم السلام للشيعة (المساكن والمتاجر والمناكح) في زمان الغيبة، كما ورد التصريح بعين ذلك في المرسل المرويّ في «عوالي اللّئالي» عن الصادق عليه السلام، قال:

«سأله بعض أصحابه، فقال: يا ابن رسول اللّه عليهم السلام ما حال شيعتكم فيما خصّكم اللّه به إذا غاب غائبكم، واستتر قائمكم ؟

فقال عليه السلام: ما أنصفناهم إنْ واخذناهم، ولا أحببناهم إنْ عاقبناهم، نُبيح لهم المساكن لتصحّ عباداتهم، ونبيحُ لهم المناكح لتطيب ولادتهم، ونبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم»(2).

وفيه: الخبر ضعيفٌ للإرسال وغيره، ولذلك لا يعتمد عليه.

أقول: ونخبة القول في المقام تقتضي البحث في موارد:

المورد الأوّل: في المناكح، فقد ذكر الأصحاب في تفسيرها وجوهاً:

1 - ما صرّح به غير واحدٍ(3) من أنّها السَّراري المغنومة من أهل الحرب.

ص: 348


1- ذخيرة المعاد: ج 3/490، الحدائق الناضرة: ج 12/439، جواهر الكلام: ج 16/147.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 7/303 ح 8272-3، عوالي اللّئالي: ج 4/5 ح 2.
3- مسالك الأفهام: ج 1/475، جواهر الكلام: ج 16/149، جامع المدارك: ج 2/136.

2 - أنّها السراري التي تُشترى بما فيه الخُمس.

3 - أنّها مهور الزوجات.

وتشهد لتحليلها بالتفسير الأوّل: - أي إباحة تملّكها بالشراء ونحوه، ووطئها سواءٌ أكانت كلّها للإمام عليه السلام كما إذا أخذت بغير إذنه، أو بعضها له كما في المأخوذة بإذنه - جملةٌ من النصوص:

منها: خبر الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «من وجد بردُ حبّنا في كبده، فليحمد اللّه على أوّل النعم.

قلت: جُعِلْتُ فداك ما أوّل النعم ؟ قال: طيب الولادة.

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّا أحللنا اُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(1).

ومنها: خبر الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«إنّ اللّه تعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال: وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى وَ اَلْيَتامى وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ اَلْفُرْقانِ يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعانِ وَ اَللّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (2) فنحنُ أصحاب الخُمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، واللّه يا أبا حمزة ما من أرضٍ تُفتح، ولا1.

ص: 349


1- وسائل الشيعة: ج 9/547 ح 12684، تهذيب الأحكام: ج 4/143 ح 23.
2- سورة الأنفال: الآية 41.

خُمسٍ يُخمّس، فيضرب على شيءٍ منه إلّاكان حراماً على من يصيبه، فَرْجاً كان أو مالاً»(1).

ومنها: خبر الكناسي، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أتدري من أين دَخَل على الناس الزِّنا؟ فقلت: لا أدري، فقال عليه السلام: من قِبل خُمسنا أهل البيت إلّالشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّلٌ لهم ولميلادهم»(2).

ومنها: خبر سالم بن مكرّم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال له رجلٌ : حلِّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال له رجلٌ : ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما سألك خادمة يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يُصيبه، أو تجارةً أو شيئاً أعطيه.

فقال عليه السلام: هذا لشيعتنا حلالٌ ، الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحَيّ ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما واللّه لا يَحلّ إلّالمن أحللنا له... إلى آخره»(3). وقريب منها غيرها.

ودعوى: أنّ الشبهة في المقام موضوعيّة، فلا يفيد خبر الواحد في ثبوت الإذن، قد عرفت الجواب عنها في تحليل الأنفال، فراجع(4).

وورود جملةٍ منها في سبايا بني اُميّة، لا يوجبُ عدم شمول شيء من النصوص للجارية التي سباها الشيعي، واختصاصها بالسبايا المنتقلة إلى الشيعة من أيدي غير المتدينين بالخُمس، كما لا يخفى .).

ص: 350


1- وسائل الشيعة: ج 9/552 ح 12693، الكافي: ج 8/285 ح 431.
2- وسائل الشيعة: ج 9/544 ح 12677، الكافي: ج 1/546 ح 16.
3- وسائل الشيعة: ج 9/544 ح 12678، تهذيب الأحكام: ج 4/137 ح 6.
4- مرّ الحديث عن تحليل الأنفال في هذا المجلّد تحت عنوان: (حكم الأنفال في زمان الغيبة).

والظاهر عدم اختصاص هذا الحكم بخصوص الوالدات منهن، بل عامٌ لمطلق الجواري القابلة للوطء، إذ المراد بالنصوص حِلّ ما يتعلّق بالمنكح، والعلّة الغائية إرادة دفع الزّنا، كما لا يخفى .

وأمّا المناكح بالتفسيرين الآخرين: فإنْ كان الشراء وجعل المال مهراً في أثناء عام الربح، دخلت في المؤونة المستثناة، وإلّا فدلالة النصوص المتقدّم بعضها عليها غير ظاهرة، لأنّها على طوائف:

منها: ما هو مختصٌّ بالفيء.

ومنها: ما هو ظاهرٌ فيه.

ومنها: ما يكون منصرفاً عن المقام.

ومنها: نصوص التحليل العامّة.

واختصاص الثلاث الأولى بغير المقام ظاهرٌ، والأخيرة قد تقدّم الكلام فيها فراجع(1)، مضافاً إلى ضعف السند في جملةٍ منها.

المورد الثاني: في المساكن.

وقيل: إنّ المراد بها ما يتّخذه منها في الأرض المختصّة بالإمام عليه السلام كالمملوكة بغير قتال، ورؤوس الجبال، أو المشتركة بينه وبين غيره، كالمفتوحة عنوة المنتقلة إلى الشيعة من أيدي المخالفين.

وقيل: إنّ المراد بها المساكن المغنومة من الكفّار.

وقيل: إنّ المراد بها المساكن التي تُشترى من المال الذي فيه الخُمس، كما لود.

ص: 351


1- صفحة 57 من هذا المجلّد.

اشتراها من الكنز أو المعدن أو نحوهما.

وأمّا هي بالتفسير الأوّل: فتكون من الأنفال، وقد تقدّم الكلام فيها مفصّلاً، وعرفت أنّ الأراضي التي تكون من الأنفال، تكون مباحة للشيعة، فراجع(1).

وأمّا هي بالتفسير الثاني: فإنْ كان المراد بالمَغنم ما كان بغير إذن الإمام عليه السلام، فهي داخلة في الأنفال فيلحقها حكمها، وإن كان المراد به ما كان بإذنه، فلا دليل على استثنائها.

وأمّا هي بالتفسير الثالث: فإنْ كان الشراء في أثناء عام الربح، دخلت في المؤونة المستثناة، وإلّا فلا دليل على استثنائها، كما يأتي في المناكح.

المورد الثالث: في المتاجر.

وفُسّرت تارةً : بما يُشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة.

وأُخرى : بما يشترى من أموال الإمام، كالرقيق والحَطَب المقطوع من الآجام المملوكة له عليه السلام.

وثالثة: بما يُشترى ممّا فيه الخُمس، ممّن لا يعتقد بالخُمس، أو ممّن لا يُخّمس.

أمّا هي بالمعنى الأوّل والثاني: فتكون من الأنفال، وقد تقدّم الكلام فيها مفصّلاً، فراجع.

وأمّا بالمعنى الثالث: فما يُشترى ممّن لا يُخمّس فقد تقدّم الكلام فيه في مسألة إيقاع المعاملة على ما فيه الخُمس فراجعها(2).

ص: 352


1- مرّ الحديث عن تحليل الأنفال في هذا المجلّد صفحة 341، تحت عنوان: (حكم الأنفال في زمان الغيبة).
2- صفحة 171 من هذا المجلّد.

وأمّا ما يُشترى ممّن لا يعتقد الخُمس، فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم في إباحتها، ويمكن استفادتها من بعض نصوص التحليل، واللّه العالم.

تمَّ الكلام فيما يتعلّق بشرح كتاب الخُمس من «التبصرة» بيد مؤلّفه الفاني محمّد صادق الحسيني الروحاني عفى اللّه عنه. والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الكريم وآله الطاهرين.

***

ص: 353

ص: 354

فهرس الموضوعات

كتاب الخمس... 7

الدُّنيا وما فيها للإمام عليه السلام... 7

غنائم دار الحرب... 10

الخُمس في الغنائم الّتي حواها العسكر وما لم يحوه... 11

إباحة خُمس غنائم دار الحرب... 14

ثبوت الخُمس بعد إخراج المُؤن... 15

اعتبار أنْ لا تكون الغنيمة غصباً... 17

ما يُؤخذ من الكفّار بالسَّرقة أو الغيلة... 20

مال النّاصب... 21

المعادن... 25

ثبوت الخمس في المعدن مطلقاً... 28

إذا وُجِد مقدار من المعدن مُخْرَجاً... 30

استيجار الغير لإخراج المعدن... 31

المعدن في أرض مملوكة... 33

الغوص... 35

نصاب الغوص... 41

أرباح المكاسب... 45

أخبار التحليل... 51

ص: 355

الحقّ في الجواب عن أخبار التحليل... 57

متعلّق خُمس الأرباح مطلق الفائدة... 61

تعلّق الخُمس بالهبة... 66

تعلّق الخُمس بالميراث غير المحتسب... 71

تعلّق الخُمس بالصداق... 73

ما ملك بالخُمس أو الزّكاة... 75

تعلّق الخُمس بالنماء المتّصل والمنفصل... 79

تعلّق الخمس بزيادة القيمة السوقيّة... 80

المعاملة على العين قبل أداء الخُمس... 83

إذا زادت القيمة ثمّ تنزّلت... 87

حكم الأرباح المتجدّدة خلال السَّنة... 89

حكم الشراء المربح خياريّاً... 94

حكم رأس المال... 96

تحديد مبدأ السَّنة... 98

وجوب الخُمس في الكنوز... 102

تعريف الكنز... 103

أقسام الكَنز... 107

لو كان في أرضٍ مبتاعة مع احتمال كونه للبائع... 113

لو وجد الكنز في مِلْك الغير... 118

التداعي في ملكيّة الكَنز... 120

لو علم كون الكنز لمسلم... 124

ص: 356

حكم ما في جوف الدابّة... 125

الأرض التي اشتراها الذّمي من المُسلم... 129

ثبوت الخُمس في الأرض سواءٌ أكانت مزرعاً أو مسكناً... 131

الأرض المفتوحة عنوة... 133

عدم سقوط هذا الخُمس بالإقالة والفسخ... 135

الحلال المختلط بالحرام... 138

مصرف هذا الخُمس مصرف سائر الأخماس... 143

الحرام المخلوط بالحلال مع العلم بقدره... 145

إذا عرف المالك وجَهل المقدار... 152

إذا كان كلّ من المالك والمقدار مجهولاً... 155

حكم العلم بمقدار الحرام مع الجهل بصاحبه... 158

ثبوت حقّ الغير في الذّمة... 161

لو تبيّن المالك بعد إخراج الخُمس... 164

حكم خلط الحرام المجهول مالكه... 166

حكم التصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخُمس... 169

البحث عن شرائط وجوب الخُمس... 173

أنّ الخُمس في المعدن بعد المؤونة... 180

عدم اعتبار الإخراج دفعة في نصاب المعدن... 183

الإخراج قبل التصفية... 188

اعتبار النصاب في الكنز... 190

اشتراط الزيادة عن المؤونة... 193

ص: 357

المرجع في المؤونة إلى العرف... 195

ما ينتفع به مع بقاء عينه... 198

لا تُخرَج المؤونة من مالٍ لا خُمس فيه... 201

لو قتَّر على نفسه... 204

مصارف الحجّ من مؤونة عام الإستطاعة... 206

حُكم أداء الدَّين... 207

وقت تعلّق الخُمس... 211

الخسران أو التلف يُجبر بالربح... 214

الخُمس متعلّق بالعين... 217

حُكم ربح ما تعلّق به الخُمس... 221

جواز تعجيل إخراج خُمس الأرباح... 223

عدم اشتراط الكمال في تعلّق الخُمس... 226

قسمة الخُمس ومستحقّه... 229

ما قبضه النبيّ أو الإمام عليهما السلام ينتقل إلى وارثه... 236

حُكم نقل الخُمس مع وجود المستحقّ ... 239

لا يجب البسط على الأصناف... 242

في وجوب استيعاب الأفراد وعدمه... 246

اختصاص الخُمس بولد عبد المطّلب... 247

اعتبار الانتساب إلى عبد المطّلب بالأب... 248

مصرف سهم الإمام عليه السلام... 250

موارد صرف حصّة سائر الأصناف... 258

ص: 358

اعتبار الإيمان في مستحقّ الخُمس... 262

اعتبار الفقر في اليتيم وعدمه... 263

ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر... 266

عدم اعتبار العدالة في مستحقّ الخُمس... 268

خاتمةٌ في الأنفال... 271

من الأنفال الأرض الخربة... 273

الأرض الخربة التي انجلى أهلها... 275

حكم الأرض الخربة التي لا تكون من الأنفال... 279

عدم خروج الأرض بالخراب عن مِلْك مالكها... 283

هل إحياء غير المالك للأرض سببٌ للخروج عن ملكه... 287

فروع الأرض الخراجيّة فروع الأرض الخراجيّة... 293

الأرض المملوكة بغير قتال... 296

رؤوس الجبال وبطون الأودية من الأنفال... 298

الأرض الموات من الأنفال... 302

الإحياء سببٌ لدخول الأرض في ملك المُحيي... 307

اعتبار إذن الإمام عليه السلام في التملّك... 313

البحث عن المُحيي للأرض... 315

في لزوم أداء الخراج على المُحيي وعدمه... 317

الأرض العامرة... 318

الأرض العامرة بعد الموت... 322

الآجام من الأنفال... 323

ص: 359

صَوافي الملوك من الأنفال... 325

للإمام أن يَصطفي من الغنيمة ما شاء... 328

حُكم المعادن... 331

ميراثُ من لا وارث له من الأنفال... 333

الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام عليه السلام... 337

حكم الأنفال في زمان الغيبة... 342

في إباحتهم عليهم السلام المناكح والمساكن والمتاجر في زمان الغيبة... 348

فهرس الموضوعات... 355

***

ص: 360

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.