فقه الصادق المجلد 10

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحَمدُ للّهِ على ما أولانا مِنَ التفقّه في الدِّين، والهِداية إلى الحقّ المُبين، والصّلاة والسّلامُ على أشرفِ النّفوسِ القُدسيّة، وأزكى الذَّواتِ المُطهَّرة المَلَكيّة، محمّدٍ المُصْطَفى ، وعترته المرضيّة، هُداة الخَلق، وأعلام الحقّ .

وبعدُ، فهذا هو الجزء العاشر من كتابنا (فقه الصادق) وهو بداية كتاب الزَّكاة وما يتعلّق بها من بحوث وأحكام، نسأل اللّه تعالى التوفيق والسَّداد، وهو وليّ التوفيق والرّشاد.

ص: 5

ص: 6

كتاب الزَّكاة.

كتابُ الزَّكاة

اشارة

وهي إمّا مصدر زَكي كرضي إذا نَما، أو مصدر زَكي إذا طَهُر، أو اسم مصدرٌ لباب التفعيل(1)، فالزكاة بمعني التزكية لغةً . ولكن لا يهمّنا البحث في ذلك، كما لا يهمّنا البحث في أنّه هل اُريد بها نفس المال والعين، أو نفس الفعل.

وفي عُرف أهل الشرع: اسمٌ للحقّ المعروف عندهم، المعلوم ثبوته لديهم، بنصّ الكتاب والسُنّة المتواترة، قال اللّه تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (2) وهذه أوضح آية وردت في تشريعها بمساعدة الأخبار.

ففي صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لمّا نزلت آية الزَّكاة «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها» في شهر رمضان، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله مناديه فنادى في النّاس: إنّ اللّه تبارك وتعالى قد فَرَض عليكم الزَّكاة، كما فَرَض عليكم الصَّلاة - إلى أن قال - ثمّ لم يتعرّض لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا وأفطروا، فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون زَكّوا أموالكم تُقبل صلاتكم، قال: ثمّ وجّه عُمّال الصدقة وعمال الطسوق»(3).

ص: 7


1- كتاب العين: ج 5/394، لسان العرب: ج 14/358، مجمع البحرين: ج 2/283.
2- سورة التوبة: الآية 103.
3- الكافي: ج 3/497 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/9 ح 11387.

وظاهر الخبر أنّها أوّل آيةٍ نزلت في تشريع الزَّكاة، وهي أجلى من سائر الآيات المشتملة على الأمر بالزّكاة، وعليه فما عن المحقّق الأردبيلي في «زبدة البيان»(1) من جعل سائر الآيات مستند التشريع دونها، وأنّها إنّما سيقت لبيان وجوب الأخذ، نظراً إلى شأن نزولها في جماعةٍ خاصّة تخلّفوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض الغزوات، وهم أبو لبابة وأصحابه، ثمّ تابوا وبذلوا أموالهم، مع إشعار تخصيص الخطاب وضمير الجمع بذلك، في غير محلّه.

وكيف كان، فثبوت وجوبها ممّا لا كلام فيه، بل هو من ضروريّات الدِّين، فلا وجه لإطالة الكلام في المقام.

***3.

ص: 8


1- زبدة البيان: ص 183.

وهي قسمان: زكاة المال، وزكاة الفطرة.

وهنا أبواب: البابُ الأوّل: في شرائط الوجوب ووقته:

إنّما تجبُ زكاة المال على البالغ العاقل الحُرّ، المالك للنّصاب، المتمكّن من التصرّف.

شرائط الوجوب

(وهي قسمان: زكاةُ المال، وزكاة الفطرة).

البابُ الأوّل: في شرائط الوجوب ووقته

اشارة

(وهنا أبواب: البابُ الأوّل: في شرائط الوجوب ووقته):

أمّا الأوّل: ف (إنّما تجبُ زكاة المال على البالغ العاقل الحُرّ، المالك للنّصاب، المتمكِّن من التصرّف)، فها هنا مباحث:

المبحث الأوّل: يعتبر في وجوبها البلوغ، فلا تجبُ على غير البالغ، بلا خلافٍ فيه في النقدين، وهو المشهور في الغلّات والمواشي، كما عن جماعةٍ ، بل عن سيِّد «الرياض»(1) إنّه خيرة المتأخّرين كافّة، وجماعة من أعاظم القدماء.

وعن «المقنعة»(2)، و «النهاية»(3)، و «الخلاف»(4)، و «المبسوط»(5) و «الوسيلة»(6)

ص: 9


1- رياض المسائل: ج 5/36 (ط. ج).
2- المقنعة: ص 238.
3- النهاية: ص 174.
4- الخلاف: ج 2/40.
5- المبسوط: ج 1/190.
6- الوسيلة: ص 121.

وغيرها(1): وجوب الزَّكاة في الغلّات والمواشي.

وعن «الناصريّات»(2): إنّه مذهب أكثر أصحابنا، وعن «الخلاف»(3)الإجماع عليه.

أقول: وحقّ القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الأوّل: في بيان أنّه هل يدلّ حديث (رفع القلم عن الصبيّ )(4) على عدم ثبوتها أم لا؟

الثاني: في مفاد النصوص الخاصّة:

أمّا المورد الأوّل: فإنّ الحكم يختلف بحسب المجعول الشرعي:

فإنْ كان وجوب الزَّكاة حكماً تكليفياً صرفاً، أي ما جعله الشارع الأقدس هو ذلك خاصّة، وإنْ انتزع منه حكم وضعي، فلا ينبغي التوقّف في أنّ مقتضى الحديث عدم وجوبها على غير البالغ، لما حقّقناه في حاشيتنا(5) على مكاسب الشيخ الأعظم رحمه الله من عموم الحديث لجميع الآثار، وعدم اختصاصه برفع قلم المؤأخذة.

وإنْ كان المجعول حقّاً أو مالاً في أموالهم، فإنّه لا يصلح الحديث لرفعه، إذ الحديث يختصّ بما إذا كان الحكم والأثر مترتّباً على فعل المكلّف بما هو، ولا يعمّ مثل النجاسة المترتّبة على عنوان الملاقاة إذا لاقى بدنه مع شيءٍ نجس، وعليه فلا يشمل الحديث الزَّكاة المسبّبة عن وصول المال إلى حَدّ النصاب كما لا يخفى .7.

ص: 10


1- الكافي للحلبي: ص 165، المهذّب: ج 1/168.
2- الناصريات: ص 281.
3- الخلاف: ج 2/41.
4- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81، الخصال: ج 1/93 ح 40 و ص 175 ح 233.
5- منهاج الفقاهة: ج 3/387.

ولا فرق فيما ذكرناه بين كون وجوب الأداء أيضاً مجعولاً أم لا، كما لا فرق بين أنْ يكون أحد المجعولين تابعاً للآخر وعدمه، وحيث أنّ الظاهر من الأدلّة كما سيأتي إنْ شاء اللّه تعالى هو الثاني، فلا وجه للتمسّك بحديث رفع القلم عن الصبيّ .

وأمّا المورد الثاني: فالنصوص الواردة في المقام - غير ما دلّ على وجوب الزَّكاة في النقدين والغلّات والمواشي الشامل بإطلاقه لغير البالغ - على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما تدلّ على عدم الزَّكاة على مال اليتيم:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة»(1).

ومنها: موثّق يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«أرسلتُ إليه أنّ لي إخوة صغاراً، فمتى تجب على أموالهم الزَّكاة ؟

قال عليه السلام: إذا وجبت عليهم الصَّلاة وجبت عليهم الزَّكاة»(2).

ونحوها غيرها، فإنّها بضميمة ما دلَّ من النصوص على بقاء اليُتم إلى حين البلوغ تدلّ على ذلك.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على عدم وجوبها في النقدين، ووجوبها في الغلّات والمواشي:

منها: صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم، عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، أنّهما قالا: «ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شيء، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة»(3).6.

ص: 11


1- تهذيب الأحكام: ج 4/26 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/85 ح 11582
2- الكافي: ج 3/541 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/85 ح 11579.
3- الكافي: ج 3/541 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/83 ح 11576.

وهو وإنْ اختصّ بالغلّات، إلّاأنّه لعدم الفصل بينها وبين المواشي يثبت فيها أيضاً.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على عدم وجوبها في الغلّات:

منها: ما رواه الشيخ عن أبي بصير بطريق موثّق بابن فضّال، عن أبي عبداللّه عليه السلام، أنّه سمعه يقول:

«ليس في مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة، وإنْ بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل حتّى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، وكان عليه مثل ما على غيره من النّاس»(1).

أقول: الجمع بين ما دلّ على وجوب الزَّكاة، وبين الطائفة الأُولى ، يقتضي تقييد إطلاقه بها، إذ النسبة بين ما دلّ على وجوب الزَّكاة في كلٍّ من النقدين والغلّات والمواشي وتلك الطائفة، وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّاأنّه حيث لا وجه لتقديمها على بعض دون بعض، ونسبتها مع المجموع عمومٌ مطلق، فلا محالة تقدّم على الجميع.

ومجرّد قيام دليل خاص على عدم وجوبها في النقدين، لا يصلح للترجيح، كما هو واضح.

نعم، الطائفة الثانية لأخصيّتها عن هذه الطائفة، تقدّم عليها، فتكون النتيجة عدم وجوبها عليه في النقدين، ووجوبها في الغلّات والمواشي.

وأمّا الطائفة الثالثة: فحيثُ إنّ الخبر مرويٌّ في «الكافي» بطريق صحيح عن حريز، عن أبي بصير، عنه عليه السلام هكذا:5.

ص: 12


1- الاستبصار: ج 2/31 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/86 ح 11585.

«ليس على مال اليتيم زكاة، وإنْ بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة...» إلى آخر ما ذكر بتفاوت يسير(1)، ولا يحتمل تعدّد الرواية، والكليني أضبط من الشيخ، والشيخ رحمه الله ربما يُدرج في الخبر فتواه، فلا يعتمد على ذلك الخبر، فلا صارف عن ظهور الطائفة الثانية في الوجوب.

وبالجملة: فالأظهر وجوبها على غير البالغ في الغلّات والمواشي، دون النقدين، فيجب على الوليّ دفعها كسائر حقوق النّاس الثابتة في مال الصبيّ أو في ذمّته.

اعتبار ابتداء الحول من حين البلوغ وعدمه

أقول: وعلى القول بعدم وجوب الزَّكاة في النقدين على الصبيّ :

هل يعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل نُفي عنه الخلاف، وادُّعي عليه الإجماع(2)؟

أم يكفي صيرورته بالغاً آخر الحول، كما عن بعض متأخّري المتأخّرين(3)؟ وجهان:

استدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: أصالة البراءة.

وفيه: أنّه إنّما يرجع إليها مع عدم الدليل على أحد الطرفين.

ص: 13


1- الكافي: ج 3/541 ح 4.
2- مستند الشيعة: ج 9/17.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/421.

الوجه الثاني: حديث رفع القلم عن الصبيّ (1).

وفيه: مضافاً إلى ما تقدّم من أنّه لا وجه للتمسّك بذلك الحديث في المقام، أنّه بناءً على التمسّك به لا وجه للاستدلال به في خصوص هذه المسألة، لأنّ تعلّق الخطاب به في الفرض إنّما هو بعد البلوغ، وقبله لا يتوجّه إليه خطابٌ كي يرفعه.

الوجه الثالث: ما عن «الحدائق»(2) وغيرها(3)، من أنّ المستفاد من أخبار الحول بعد التأمّل فيها، أنّه لابدّ في وجوب الزَّكاة على المكلّف أن يحول الحول على النصاب عنده وفي يده، كما في روايات الدَّين وروايات المال الغائب، والمتبادر من كونه عنده وفي يده، هو التصرّف فيه كيف شاء، وهو المشار إليه بإمكان التصرّف، ولا ريب في أنّ المال بالنسبة إلى الطفل محجورٌ عليه، وليس عنده ولا في يده.

وبالجملة: اعتبار إمكان التصرّف، وأنّه لابدّ وأن يحول الحول عليه متمكّناً من التصرّف فيه، ينفي وجوب الزَّكاة في الصورة المفروضة، حتّى يبلغ الصبيّ ، ويحول عليه الحول في يده.

وفيه: أنّ اعتبار إمكان التصرّف لا يلازم المباشرة من المالك، بل يتمّ بإمكان التصرّف ممّن هو بمنزلته كالوكيل والوليّ ونحوهما، فإنّ يدهما يد المالك، ويؤيّد ذلك بل يشهد له استحباب الزَّكاة على الطفل فيما يُتّجر له، فإنّ اعتبار إمكان التصرّف شرطٌ فيه أيضاً، مع أنّ ما ذكر يستلزم إرجاع اشتراط البلوغ إلى اشتراط التمكّن من التصرّف، فيتّحد الشرطان، وهو لا يلائم صريح كلمات القوم من التعدّد والتغاير.5.

ص: 14


1- وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 81، الخصال: ج 1/93 ح 40 و ص 175 ح 233.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/21.
3- رياض المسائل: ج 5/42 (ط. ج)، كتاب الزَّكاة للشيخ الأنصاري ص 115.

الوجه الرابع: قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدّم: (فليس عليه لما مضى زكاة) بدعوى أنّ ظاهره أنّه غير مخاطبٍ بالزكاة بالنسبة إلى الأموال التي ملكها قبل البلوغ، أعمٌّ من أنْ يكون قد حال عليه أحوال أو حول تامّ على يده، أو مضى عليها حول إلّاأيّاماً قلائل، فإنّ لفظ (ما) يشمل الجميع.

وفيه: أنّ من المحتمل لو لم يكن المظنون من جهة تفريع هذه الجملة على الجملة السابقة عليها، النافية للزكاة على جميع غلّاته أنْ يكون المراد من لفظ (ما) الغلّات المذكورة في صدر الخبر، ويكون المراد من الإدراك، بلوغ الحَدّ الذي تجب عنده الزَّكاة.

وعليه، فالخبر أجنبيٌ عن المقام فتأمّل، مضافاً إلى أنّ شمول (ما) للحول الناقص محلّ تأمّل.

الوجه الخامس: ما دلّ على أنّه لا زكاة في مال اليتيم، بتقريب أنّ الظاهر منه تقييد الموضوع، وأنّ موضوع الزَّكاة مال البالغ فلا يشمل غيره.

وبعبارة اُخرى : الظاهر منه سلب الأهليّة والقابليّة، وأنّ مال اليتيم لا يصلح أن يصبح سبباً للزكاة، نظراً إلى أنّ النفي في أمثال المقام متوجّهٌ إلى الحقيقة، وظاهر ما دلّ على اعتبار حول الحول على ما هو موضوع لها، وعليه فلو بلغ الصبيّ في أثناء الحول، لم تجب الزَّكاة عليه، وإلّا لزم كون مال اليتيم منشأً وقابلاً لتعلّق الزَّكاة.

وبالجملة: لم تجب عليه الزَّكاة، لعدم مضيّ الحول على ما هو موضوع لها، وهو متينٌ ، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ.

***

ص: 15

اعتبار العقل في وجوب الزَّكاة

المبحث الثاني: يعتبر في وجوب الزَّكاة العقل، فلا زكاة في مال المجنون، بلا خلافٍ فيه في الجملة، فقد نُسب إلى الأكثر(1)، بل المشهور أنّ حكم المجنون حكم الصبيّ (2).

واستدلّ له:

1 - بالاستقراء الدالّ على اشتراكهما في الأحكام غالباً.

ولكنّه لا يفيد الاطمئنان بالتسوية، فإذاً ما أفاده صاحب «الجواهر»(3) رحمه الله من أنّه لا دليل معتدّ به على هذه التسوية إلّامصادرات، لا ينبغي للفقيه الركون إليها، حقٌّ ، وعليه فلابدّ من ملاحظة سائر الأدلّة.

2 - حديث رفع القلم، وقد تقدّم في المبحث السابق أنّه لا مجال للرجوع إليه في المقام.

3 - الأصل بعد قصور أدلّة الزَّكاة عن شمول مال المجنون، إذ ما كان منها مسوقاً لبيان الحكم التكليفي، فهو مخصوص بالعاقلين لحديث رفع القلم، وما كان منها مسوقاً لبيان الحكم الوضعي، واردٌ مورد حكمٍ آخر لا يصحّ التمسّك به لإثباتها على المجنون.

ص: 16


1- منتهى المطلب (ط. ق) - العلّامة الحِلّي: ج 1/471: (فلا يجب زكاة العين من الذهب والفضّة على الصبيّوالمجنون، ذهب إليه علماؤنا أجمع).
2- الدروس: ج 1/229.
3- جواهر الكلام: ج 15/28.

وفيه: إنّه لو مُنع الإطلاق في بعضها، لا سبيل إلى منعه في جميعها.

4 - النصوص الخاصّة:

منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، في الصحيح، قال: «قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: امرأةٌ من أهلنا مختلطة أعليها زكاة ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان عمل به فعليها زكاة، وإنْ لم يعمل به فلا»(1).

ومنها: ما رواه موسى بن بكر، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن امرأةٍ مصابة ولها مالٌ في يد أخيها، هل عليه زكاة ؟ فقال: إنْ كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة»(2).

وأورد على الاستدلال بهما: بأنّ المنساق من الخبرين خصوصاً ثانيهما، ورودهما في المال الصامت، فاستفادة نفي الزَّكاة في مواشيه وغلّاته ما لم يتّجر بهما، من إطلاق هذين الخبرين، لا تخلو من نظر.

واُجيب عنه: بان عدم العمل المصرّح به في الصحيح، والمفهوم في الخبر أعمّ من عدم القابليّة فيشمل الجميع.

ولكن يمكن أن يقال: بظهور عدم العمل في عدم العمل فيما هو قابلٌ له، وعليه فحكم المجنون حكم الصبيّ في أنّه لا زكاة عليه في النقدين، وأنّها تثبت عليه في الغلّات والمواشي، ولعلّه إلى ذلك نظر المشهور في الحكم بالتسوية، والكلام في اعتبار ابتداء الحول بعد العقل وعدمه، هو الكلام في الصبيّ ، فراجع(3).

أقول: وبه يظهر حال الجنون الأدواري.د.

ص: 17


1- الكافي: ج 3/542 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/90 ح 11595.
2- الكافي: ج 3/542 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/90 ح 11596.
3- صفحة 9 و مابعدها من هذا المجلّد.

الحُريّة من شرائط وجوب الزَّكاة

المبحث الثالث: يعتبر في وجوب الزَّكاة الحُريّة، فلا زكاة على العبد على المشهور بين الأصحاب(1).

أقول: إنّ مورد الكلام في هذا المبحث، إنّما هو في أنّ العبد هل يملك شيئاً أم لا؟ وأنّه على فرض الملكيّة أو عدمها، هل عليه زكاة أم لا؟ وفي كلا الموردين كلمات القوم مختلفة، والروايات الواردة على أنحاء مختلفة، ولكن من حيث عدم الموضوع لهذا البحث، لعدم وجود العبد في هذا الزمان، يكون الإغماض عن إطالة البحث في ذلك أولى .

الملكيّة شرطٌ لوجوب الزَّكاة

المبحث الرابع: يعتبر في وجوبها أنْ يكون مالكاً باتّفاق العلماء، كما عن «المعتبر»(2) و «المنتهى»(3).

وتشهد له: - مضافاً إلى وضوحه - جملة من النصوص:

منها: صحيح الكناني، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ : «إنّما الزَّكاة على

ص: 18


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج) - العلّامة الحِلّي: ج 5/16 (الحُريّة شرط في الزَّكاة، فلا تجب على العبد بإجماع العلماء، ولا نعلم فيه خلافاً إلّاعن عطاء....)، مجمع الفائدة - المحقّق الأردبيلي: ج 4/234 (الثالث) الحُريّة فلا يجب على المملوك، ودليله أيضاً الإجماع المدّعى فيه)، الحدائق الناضرة: ج 12/28.
2- المعتبر: ج 2/490.
3- منتهى المطلب: ج 1/475 (ط. ق).

صاحب المال»(1). ونحوه غيره.

وهذا ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام فيما رتّبوه على ذلك، وهو اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه لا تجب الزَّكاة في الموهوب قبل القبض، ولا إشكال في ذلك، سواءٌ جعلنا القبض ناقلاً أم كاشفاً عن تحقّق الملكيّة من حين العقد.

أمّا على الأوّل: فلعدم حصول الملك.

وأمّا على الثاني: فللمنع من التصرّف.

نعم، على القول الثاني، لا يكون هذا متفرّعاً على هذا الشرط، فهل تجبُ في الموهوب بناءً على كون القبض شرطاً للزوم الهبة دون صحّتها أم لا؟ وجهان:

أقواهما الأوّل، من جهة أنّ الظاهر أنّ مراد من قال بأنّه شرطٌ في اللّزوم، كونه شرطاً في الملكيّة على الكشف، كما صرّح به كاشف الغطاء(2)، إذ بعد القبض يجوز الرجوع في الهبة عند الكلّ ، إلّافي مواضع خاصّة.

***

فروع في اشتراط الحريّة والملكيّة

الفرع الأوّل: لو رجع الواهب في أثناء الحول، لا زكاة عليهما، لاعتبار دوران تمام الحول على المال عند المالك.

الفرع الثاني: لو رجع الواهب بعد حول الحول، وتمكّن المتّهب من أداء الزَّكاة، ولكن تسامح فيه، ولم يؤدِّ شيئاً، فالظاهر أنّه لا إشكال في وجوب الزَّكاة.

ص: 19


1- الكافي: ج 3/521 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/103 ح 11633.
2- كشف الغطاء: ج 2/347.

أقول: الكلام في أنّ المتولّي للإخراج عند التشاح:

1 - هل هو المتّهب كما اختاره جدّنا العلّامة رحمه الله(1)، نظراً إلى أنّ العبرة فيه بحال تعلّق الوجوب، ويساعده الاستصحاب بناءً على جريانه في الأحكام، وإطلاق دليل لزوم الزَّكاة على من تعلّق بماله.

2 - أو الواهب كما عن المحقّق الرشتي رحمه الله ؟

3 - أو الحاكم ؟ وجوه:

استدلّ للثاني:

1 - بأنّ المستفاد من الأخبار إنّما هو مراعاة حال المالك والإرفاق به، بحيث يصدق قوله لو ادّعى الأداء من دون مطالبة بيّنة ونحوها، ولا ريب في أنّ المالك حال الأداء هو الواهب، فينبغي أنْ يكون هو المتولّي للإخراج.

2 - وبأنّ العبرة بحال الأداء.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه وجهٌ اعتباري لا يصلح مدركاً للحكم الشرعي.

وأمّا الثاني: فلأنّه مصادرة.

واستدلّ للثالث: بأنّ الحاكم هو المرجع في مصالح العامّة.

وفيه: أنّه إنّما يتمّ ذلك مع عدم الدليل على تعيين المتولّي، وقد عرفت وجوده.

والإيراد: على ما ذُكر وجهاً لكون المتولّي هو المتّهب، بأنّ المتيقّن من الإطلاقات إنّما هو إخراج من كان مالكاً حال التعلّق والأداء، والاستصحاب لا).

ص: 20


1- وهو السيّد محمّد صادق الروحاني قدس سره جدّ المؤلّف، في (كتاب الزَّكاة) (مخطوط).

يجري لتبدّل الموضوع، وهو المالك.

في غير محلّه: فإنّه لا يعتبر المالكيّة حين الأداء قطعاً، ولذا لو تلف المال بأجمعه بعد الحول، مع المسامحة في أداء الزَّكاة وجب دفعها، برغم أنّه ليس مالكاً حين الأداء.

وعليه، فالأظهر هو الأوّل، ولا يضمنه المتّهب لأنّ هذا الاستحقاق جارٍ مجرى الإتلاف.

الفرع الثالث: لو رجع بعد حول الحول وقبل التمكّن من الأداء:

فعن «المنتهى»(1) وغيره(2): وجوب الزَّكاة.

وعن «التذكرة»(3) و «كشف الالتباس»(4) وغيرهما: عدم الوجوب.

أقول: والأوّل أظهر، من جهة أنّه بحول الحول تتعلّق الزَّكاة بالمال، والتمكّن من الأداء شرطٌ في الحكم التكليفي، ويُجدي في ضمانه للفقراء مع التفريط، لا في الحكم الوضعي، والظاهر أنّ هذا مراد من استدلّ له بأنّ التمكّن من الأداء شرطٌ في الضمان لا في الوجوب.

الأمر الثاني: أن لا تجب الزَّكاة في المُوصى به قبل القبول، بناءً على كون القبول ممّا تتوقّف عليه الملكيّة لعدم حصولها قبله، نعم على القول بعدم توقّفها عليه، كما هو ليس ببعيد، وسيأتي، فوجوب الزَّكاة لا يتوقّف عليه، ولا تجبُ أيضاً قبل الوفاة،8.

ص: 21


1- منتهى المطلب: ج 1/477 (ط. ق).
2- مدارك الأحكام: ج 5/27، ذخيرة المعاد: ج 3/423، جواهر الكلام: ج 15/38.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/32 (ط. ج).
4- حكاه صاحب الجواهر: ج 15/38.

سواءٌ قلنا بكون الموت ناقلاً أم كاشفاً، كما تقدّم في الأمر السابق.

وما في «العروة»(1) من أنّه: (لا تجبُ الزَّكاة قبل القبض)، الظاهر أنّه سهوٌ من قلمه الشريف، إذ لم يقل أحدٌ بكونه شرطاً للملكيّة.

الأمر الثالث: لا تجبُ الزَّكاة في القرض قبل القبض، لأنّه جزءُ السبب المملّك، بل وقبل التصرّف بناءً على اعتبار التصرّف.

المبحث الخامس: يعتبر في وجوب الزَّكاة النصاب على تفصيلٍ يأتي لاحقاً في مبحث زكاة الأنعام.

اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزَّكاة

المبحث السادس: يعتبر في وجوب الزَّكاة، التمكّن من التصرّف في تمام الحول، بلا خلافٍ فيه، كما عن «الحدائق»(2)، بل إجماعاً، كما عن الشيخ الأعظم رحمه الله(3).

أقول: وتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في جهات:

الأولى: في إثبات اشتراطه في الجملة.

الثانية: في اعتباره في تمام الحول.

الثالثة: في اعتباره في تمام الأجناس.

الرابعة: في بيان المراد من هذا الشرط من حيث جميع أقسام التمكّن، أو في

ص: 22


1- العروة الوثقى: ج 6/8 (ط. ج).
2- الحدائق الناضرة: ج 2/31.
3- كتاب الزَّكاة - الشيخ الأنصاري: ص 115 (التمكّن من التصرّف شرطٌ في وجوب الزَّكاة إجماعاً محقّقاً في الجملة، ومستفيضاً، ويظهر من الأخبار...).

الجملة وغير ذلك، وبيان ما يتفرّع عليه.

أمّا الجهة الأُولى : فقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: الإجماع.

وفيه: أنّ مدرك المُجمعين معلومٌ ، فلا يُستند إليه في الحكم.

الوجه الثاني: ما عن «تذكرة» المصنّف(1) رحمه الله، وهو أنّه لو وجبت الزَّكاة في النصاب مع عدم التمكّن من التصرّف فيه عقلاً أو شرعاً، للزم وجوب الإخراج من غيره، وهو معلومُ البطلان، لأنّ الزَّكاة إنّما تجب في العين.

وفيه أوّلاً: إنّا نمنع الملازمة، لإمكان وجوبها فيها مع عدم لزوم إخراجها من غيرها، بل يصبر حتّى يحصل له التمكّن من إخراجها من نفس العين.

وثانياً: نمنع بطلان التالي، إذ لا امتناع في تعلّق الزَّكاة بمال، ولزوم إخراجها من غيره بدلاً، وقد حُكي عن أحد قولي الشيخ(2) رحمه الله في المرهون، أنّه تجب الزَّكاة فيه، وتُخرج من غيره.

الوجه الثالث: جملة من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا صدقة على الدين، ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك»(3).8.

ص: 23


1- مدارك الأحكام - السيّد محمّد العاملي: ج 5/33 (نعم، يمكن الاستدلال عليه بأنّه لو وجبت الزَّكاة في النصاب مع عدم التمكّن من التصرّف فيه عقلاً أو شرعاً، للزم وجوب الإخراج من غيره، وهو معلوم البطلان فإنّ الزَّكاة إنّما تجب في العين).
2- المبسوط: ج 1/208 و 209.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11608.

ومنها: صحيح إبراهيم بن أبي محمّد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:

«عن الرّجل يكن له الوديعة والدين، فلا يصل إليهما، ثمّ يأخذهما، متى تجب عليه الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يُزكي»(1).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ ماله عنه غائبٌ لا يقدر على أخذه ؟ قال عليه السلام: فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعامٍ واحد»(2).

ونحوها غيرها.

أقول: وأورد عليها بوجوه:

1 - أنّها إنّما تدلّ على عدم الزَّكاة في موارد خاصّة، فلا يمكن استفادة حكمٍ كلّي منها.

وفيه: مضافاً إلى إلغاء الخصوصيّات، أنّ بعض النصوص بنفسه ظاهرٌ في العموم، لاحظ التعليل المذكور في الخبر الحسن المروي عن سُدير بقوله: (لأنّه كان غائباً عنه وإنْ كان احتبسه).

2 - ما عن سيّد «المدارك»(3) وتبعه غيره(4): من أنّ هذه النصوص تدلّ على سقوط الزَّكاة في المال الغائب الذي لا يقدر صاحبه على أخذه، لا على اعتبار التمكّن من التصرّف.

وحاصله: أنّ مفادها اعتبار كون المال تحت اليد فعلاً، والنسبة بين ذلك وبين7.

ص: 24


1- تهذيب الأحكام: ج 4/34 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11610.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11609.
3- مدارك الأحكام: ج 5/33.
4- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 47.

التمكّن من التصرّف عموم من وجه، لتحقّق الأوّل دون الثاني في المرهون الذي تحت يد الراهن، مع كونه ممنوعاً من التصرّف والثاني دون الأوّل، فيما يمكن التصرّف فيه بالإتلاف، مع عدم كونه تحت يده.

وفيه: أنّ المراد من كونه تحت يده، بعد القطع بعدم إرادة معناه الحقيقي منه، كونه تحت استيلائه الفعلي وسلطنته التامّة، بحيثُ يكون متمكّناً من التصرّفات الناقلة في الجملة، وأمّا اعتبار الحضور الفعلي فغير ثابت، وسيأتي الكلام فيه.

ويؤيّد ما ذكرناه فهم الأصحاب، وظهور بعض الروايات، كرواية الدين، وبعض نصوص الغائب، حيث قُيّد النفي بعدم القدرة على الأخذ.

3 - أنّه إن اُريد التمكّن من جميع التصرّفات، لزم سقوط الزَّكاة مع عدم التمكّن من بعض التصرّفات، لمانعٍ شرعي من بيع العين، كما لو نذر عدمه، أو مانعٌ قهري، كما لو منعه مانعٌ قاهر عنه، أو غيره، ولا يمكن الالتزام به.

وإنْ اُريد التمكّن من بعض التصرّفات، فأكثر ما مثّلوا به لغير المتمكّن منه، كالمغصوب والمجحود والغائب تكون ممّا تجب فيه الزَّكاة، لأنّه يمكن نقل العين إلى الغاصب والجاحد بالهبة ونقل الغائب إلى شخصٍ حاضر.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم(1) رحمه الله: بأنّ المراد هو كون المال بحيث يتمكّن صاحبه عقلاً وشرعاً من التصرّف فيه على وجه الإقباض والتسليم، والدفع إلى الغير، بحيث يكون من شأنه بعد حول الحول أن يكلّف بدفع حصّة منه إلى المستحقّين، لأنّ هذا التمكّن شرطٌ في آخر الحول الذي هو أوّل وقت الوجوب قطعاً، فلو لم يكن6.

ص: 25


1- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 116.

معتبراً في تمامه، لزم توقّف الوجوب، مضافاً إلى كونه في يده تمام الحول، إلى شيء آخر.

وفيه أوّلاً: أنّه لا يندفع الإشكال بذلك، إذ:

لو اُريد تمكّنه من جميع التصرّفات الناقلة المُتلفة التي يعتبر فيها الإقباض، لزم عدم وجوب الزَّكاة في ما لو منع من بعض التصرّفات.

وإنْ اُريد تمكّنه منها في الجملة، لزم وجوبها في كثيرٍ من تلك الأمثلة المُشار إليها.

اللُّهُمَّ إلّاأن تستثنى منها الإنشاءات الشرعيّة، ولكن ذلك اقتراحٌ لا منشأ له.

وثانياً: أنّ العلّة المذكورة عليلة، فإنّ في المقام أمرين:

أحدهما: ثبوت الزَّكاة في المال.

ثانيهما: وجوب دفعها إلى مصرفها.

والتمكّن من الدفع في آخر الحول، شرطٌ في وجوب الدفع، لا في ثبوت الزَّكاة في المال، والتمكّن من التصرّف في تمام الحول شرطٌ في ثبوتها، فلا يلزم من كون التمكّن من التصرّف في تمام الحول بمعنى آخر، كون الشرط أمرين، فتأمّل.

والحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّ المستفاد من مجموع النصوص، اعتبار القدرة على الأخذ، والتمكّن من التصرّف الخارجي القائم به من إتلاف ونحوه، بحيثُ لا يكون قصورٌ في المال مانعٌ عن ذلك، لاحظ خبر زرارة، حيث تضمّن أنّ المناط في سقوط الزَّكاة على المال الغائب، عدم القدرة على أخذه، وأنّه لو كان يقدر عليه وجبت الزَّكاة فيه، وكذلك غيره، فإذاً لا انتقاض عليها.

ص: 26

ولا يخفى أنّ هذه النصوص إنّما هي في موارد عدم التمكّن الخارجي، وسريان الحكم إلى عدم التمكّن الشرعي، يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة.

اللُّهُمَّ إلّاأن يُقال: إن إطلاق قوله عليه السلام: (لا يقدر) في خبر زرارة، وقوله:

(لا يَصل) في صحيح ابن أبي محمود شاملٌ له أيضاً.

الجهة الثانية: في اعتبار هذا الشرط في تمام الحول.

أقول: والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه فيما يعتبر فيه الحول، ويشهد له مصحّح إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن الرّجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده، فلا يدري أين هو، ومات الرّجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه ؟ قال عليه السلام: يُعزل حتّى يجيء؟

قلت: فعلى ماله زكاة ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يجيء، قلت: فإذا هو جاء أيزكّيه ؟ فقال عليه السلام: لا، حتّى يحول عليه الحول في يده»(1). ونحوه غيره.

اعتبار التمكّن من التصرّف لا يختصّ بالنقدين.

اعتبار التمكّن من التصرّف لا يختصّ بالنقدين

الجهة الثالثة: هل يختصّ ذلك بالنقدين المعتبر فيهما حول الحول، أم يعمّ غيرهما من الأجناس كالغلّات ؟

أقول: لسائر الأجناس حالتان:

الأُولى : حال بدو الصلاح أو انعقاد الحَبّ - على تفصيلٍ يأتي في محلّه - التي هي

ص: 27


1- الكافي: ج 3/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/93 ح 11604.

حال تعلّق الوجوب.

الثانية: حال صيرورة الّتمر تمراً أو أوان انفصاله وحصاد الزرع، التي هي حال وجوب الأداء.

لا إشكال في عدم وجوب الزَّكاة إذا غُصبت قبل بدو الصلاح أو بعده دون تقصيرٍ من المالك ولم تعد إليه أبداً، ولا في وجوبها إذا عادت إليه قبل حال تعلّق الوجوب أي بدو الصلاح.

إنّما الكلام فيما لو غُصبت قبل تعلّق الوجوب، ثمّ عادت إليه بعده قبل وصول زمان الأداء:

فعن جماعةٍ منهم المحقّق(1) والشهيد في «المسالك»(2): اعتبار الشرط المزبور فيها، بل عن ظاهر «المسالك»(3) كونه من المسلّمات.

واستشكل فيه في محكيّ «التذكرة»(2) بعدم وضوح المأخذ، لظهور الأخبار فيما يعتبر فيه الحول، قال: (فلو قيل بوجوب الزَّكاة في الغلّات متى تمكّن المالك من التصرّف في النصاب لم يكن بعيداً)، ووافقه غيره(3).

واستدلّ للأوّل بوجوه:

1 - إطلاقات معاقد الإجماعات، فإنّها شاملة لها.

وفيه: منع الإطلاق، بل هي ظاهرة في الحوليّات، كما لا يخفى على من لاحظها،3.

ص: 28


1- شرائع الإسلام: ج 1/107. (2و3) مسالك الأفهام: ج 1/361.
2- هذا الكلام موجود نصّاً في مدارك الأحكام: ج 5/34.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/424، مستند الشيعة: ج 9/43.

لاقتران بعضها بالنقدين، وبعضٌ آخر باستقبال الحول وتجدّده، وفي بعض آخر اعتبار القبض.

2 - الأولويّة، فإنّه إذا اعتبر التمكّن من التصرّف في تمام الحول فيما يعتبر فيه دوران الحول، فيعتبر في غيره بالنسبة إلى زمان التعلّق بطريقٍ أولى .

3 - أنّ المستفاد من نصوص الزَّكاة الحكم التكليفي، والوضع يكون تابعاً له، ولا ريب في أنّ تعلّق التكليف مشروط بالتمكّن من امتثاله، فعند عدمه لا يتحقّق التكليف، وكذا ما يتبعه.

وفيه أوّلاً: لا نُسلّم اشتراط التكليف بالتمكّن، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في مباحث الاُصول(1).

وثانياً: أن تبعيّة الحكم الوضعي للتكليفي غير ثابتة، بل هو أيضاً مستقلٌّ في الجعل ومستفادٌ من النصوص.

4 - قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك»(2) فإنّ إطلاقه يشمل الغلّات.

وفيه: الظاهر منه نفي الفعليّة، فهو بمفهوم الغاية يدلّ على وجوب الزَّكاة بعد القدرة عليه مطلقاً، خرج عنه ما يعتبر فيه الحول بالدليل، فيبقى الباقي فتأمّل، فإنّ الظاهر منه خصوص ما يعتبر فيه الحول، بقرينة ذكر الوقوع في اليد، واعتبار القبض، فتأمّل.

5 - عموم العلّة المنصوصة في حسن سُدَير بقوله عليه السلام: (لأنّه كان غائباً عنه8.

ص: 29


1- زبدة الاصول: ج 2/267.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11608.

و

وإنْ كان احتبسه)(1)، فإنّه يدلّ على عدم تعلّق الزَّكاة بالمدفون غير المتمكّن من التصرّف فيه. وظاهره أنّه لا يصلح سبباً لتعلّق الزَّكاة، إذ التعليل ليس لخصوص نفي الحكم التكليفي، بل المراد نفي السببيّة للزكاة، فيكون عدم التمكّن منشأً لعدم تعلّق الزَّكاة، من غير فرقٍ بين النقدين والغلّات، ولا بأس به، والاحتياط سبيل النجاة.

الجهة الرابعة: أنّ عدم التمكّن من التصرّف، ربما يكون من ناحية المالك، وربما يكون من ناحية المال.

وعلى التقدير الأوّل: إمّا يكون داخليّاً، أو يكون خارجيّاً.

والتقدير الثاني: أيضاً فيه صور.

على كلّ تقديرٍ، فهل العبرة في هذا الشرط بالتمكّن الفعلي، أم يكفي القدرة الشأنيّة، ومن هنا وقع الاختلاف في الفروع المترتّبة على هذا الشرط، وصار هذا الاختلاف موجباً لذكر الفروع، واختلف فيها أنظارهم. وقبل التعرّض لتلك الفروع، ينبغي تقديم مسألة تبعاً للمصنّف، (و) هي أنّه:3.

ص: 30


1- الكافي: ج 3/519 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/93 ح 11603.

يستحبُّ لمن اتّجر في مال الطفل من أوليائه إخراجها عنه.

إذا اتّجر الوليّ بمال الطفل أخرج زكاته

(يستحبُّ لمَن اتّجر في مال الطفل من أوليائه إخراجها عنه).

أقول: والكلام هنا يقع حول مسائل:

المسألة الأُولى : في حكم زكاته:

فالمشهور استحباب الإخراج، وعن «المعتبر»(1) و «المنتهى»(2) وغيرهما(3)دعوى الإجماع عليه، ونُسب إلى المفيد رحمه الله(4): القول بالوجوب.

وعن الشيخ(5): توجيه كلامه بما يرجع إلى الاستحباب، وعليه فلاقائل بالوجوب.

وعن الحِلّي(6): عدم الجواز، واستجوده السيّد في «المدارك»(7).

واستدلّ للأوّل: بجملة من النصوص:

منها: مصحّح ابن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «هل على مال اليتيم زكاة ؟ قال عليه السلام: لا، إلّاأن تتّجر به أو تعمل به»(8).

ص: 31


1- المعتبر: ج 2/487.
2- منتهى المطلب: ج 1/472 (ط. ق).
3- نهاية الاحكام: ج 2/299، رياض المسائل: ج 5/34 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 9/22.
4- المقنعة: ص 238.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/27.
6- السرائر: ج 1/441.
7- مدارك الأحكام: ج 6/18.
8- الكافي: ج 3/541 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/87 ح 11587.

ومنها: موثّق يونس بن يعقوب، عنه عليه السلام، في حديثٍ : «إذا اتُّجر به فزكّه»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وأورد عليها بإيرادات:

الأوّل: ما عن «المدارك»(2) بأنّه ضعيف السند.

وفيه: مضافاً إلى استفاضتها، أنّها مشتملة على الصحاح والموثّق والحسن بابن هاشم الذي هو في قوّة الصحيح، بل هو في غير موضع من كتابه على ما قيل قد اعتمد عليها.

الثاني: أنّها موافقة للعامّة، فمحمولة على التقيّة.

وفيه: أنّ مجرّد الموافقة لهم لا يوجب الحمل على التقيّة، بل هي من مرجّحات إحدى الحُجّتين على الاُخرى بعد فقد جملة من المرجّحات، مضافاً إلى أنّ بعضها مشتملٌ على نفي الوجوب عن أصل المال، وثبوتها عند التجارة كالمصحح المتقدّم، وهو مخالف لمذهبهم.

الثالث: أنّ ظاهرها الوجوب، وحملها على الاستحباب يحتاج إلى قرينة.

وأجاب عنه المحقّق الهمداني رحمه الله(3): بأنّها معارضة بالأخبار الكثيرة في مطلق مال التجارة الصريحة في نفي الوجوب.

وفيه: أنّ نصوص الباب أخصّ من تلك الأخبار فتقدّم عليها، ولا تصلح هي).

ص: 32


1- الكافي: ج 3/541 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/85 ح 11579.
2- مدارك الأحكام: ج 5/18.
3- مصباح الفقيه - آقا رضا الهمداني: ج 3/4 (بل لمعارضتها بالروايات الاتية في مبحث زكاة مال التجارة الصريحة في نفي الوجوب وهذه الأخبار وإنْ كان موردها أخصّ من مطلق مال التجارة ولكن قد ورد مثل هذه الأخبار أخبار كثيرة في مطلق مال التجارة وفي خصوص تجارة البالغين إيضا).

لصرف ظهور هذه الأخبار، ومجرّد ورود نظير هذه الأخبار في مطلق مال التجارة، وخصوص تجارة البالغين، الظاهر في الوجوب، المحمول على الاستحباب جمعاً لا يكفي في حمل هذه على الاستحباب كما لا يخفى .

فالحقّ في الجواب أنْ يقال: إنّ الإجماع على عدم الوجوب يصلح أنْ يكون قرينة لصرف هذه الأخبار عن ظاهرها، وحملها على الاستحباب.

وبالجملة: فالأظهر هو الاستحباب.

المسألة الثانية: لا شبهة في أنّ الربح للطفل، ويشهد به الكتاب، والسُنّة، والإجماع، مضافاً إلى مقتضى القاعدة الدالّة على أنّ النماء تابع لأصل المال.

المسألة الثالثة: في ما لو طرأ الخسران على المال:

فالمحكي عن جماعةٍ (1) أنّه على الوليّ مطلقاً، لأصالة الضمان، وكونه غير مأذون في الإتلاف.

وصريح بعض الأساطين(2) أنّه على الطفل، نظراً إلى قاعدة الإحسان، حيث أنّ الوليّ محسنٌ للطفل، وما على المحسنين من سبيل، وأنّ إذن الشارع في التصرّف كما هو المفروض كإذن المالك رافعٌ للضمان.

أقول: الحقّ في المقام يقتضي البحث في موردين:

الأوّل: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصّة.).

ص: 33


1- المقنعة، للشيخ المفيد: ص 238 (إلّا أن يتّجر الوليّ لهم أو القيّم عليهم بها، فإنْ اتّجر بها، وحرّكها وجب عليه إخراج الزَّكاة منها، فإذا أفادت ربحاً فهو لأربابها، وإنْ حصل فيها خسران ضمنه المتّجر لهم بها).
2- كتاب الزَّكاة للشيخ الأنصاري ص 13 (إنّ الخسارة الحاصلة من التجارة على اليتيم، للأصل وقاعدة عدم ضمان المأذون والمحسن، ورواية الحسن بن محبوب).

أمّا المورد الأوّل: فالحقّ هو ما أفاده جدّنا العلّامة أعلى اللّه مقامه وهو التفصيل، إذ الخسران:

1 - ربما يحصل من جهة تلفٍ سماوي حال كون مال التجارة تحت يده.

2 - وقد يكون من جهة خطأ الوليّ ، كما لو باع مال الصبيّ نسيةً لمن اعتقد أنّه مَلئٌ ثمّ تبيّن أنّه مفلّس.

3 - وقد يكون من جهة إتلاف الأجنبي كأن أرسل مال الصبيّ إلى بلدٍ لأجل التجارة فسُرق في أثناء الطريق.

فلو كان الخسران على الوجه الأوّل: فالقاعدة تقتضي كونه على الطفل، لأنّ الوليّ كان مأذوناً في وضع يده عليه، فلا ضمان عليه، لأنّ يده يد أمّاني.

ولو كان الخسران على الوجه الثاني: فالضمان على الوليّ ، لأنّ تصرّف الوليّ في مال الصبيّ بإذن الشارع، يكون كتصرّف الطبيب في بدنه بإذنه، فكما أنّ جنايته في بدنه مضمّنة ولو كانت غير مقصودة له، بل كان غرضه الإصلاح، فكذلك الخسران الحاصل في ماله بتصرّف الوليّ .

والسرّ فيه: أنّه مأذون في الاتّجار وتحصيل الانتفاع، فالإذن متعلّقٌ بهذا العنوان دون الإتلاف والإضرار، فإتلافه ولو نسبيّاً لا يكون متعلّقاً للإذن فيه، بل متعلّقٌ بعنوانٍ مغاير لسبب الضمان، فلا يكون مُجدياً في رفعه.

ولكن قد يتطرّق الإشكال في بعض الصور، فلابدّ من التأمّل في تطبيقها على ما تقتضيه القاعدة.

وأمّا المورد الثاني: فقد ورد في المقام روايتان:

إحداهما: رواية أبي الربيع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يكون في يديه

ص: 34

مالٌ لأخٍ له يتيم، وهو وصيّه، أيصلح له أن يعمل به ؟

قال عليه السلام: نعم، كما يعمل بمال غيره، والربح بينهما.

قال: قلت: فهل عليه ضمان ؟ قال عليه السلام: لا، إذا كان ناظراً له»(1).

والإيراد عليها: بأنّ أبا الربيع لم يوثّقه أحدٌ.

في غير محلّه، بعد أنّ في سند الخبر حسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع.

الرواية الثانية: رواية سعيد السمّان، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلّاأن يتّجر به، فإنْ اتّجر به فالربح لليتيم، وإنْ وضع فعلى الذي يتّجر به»(2).

والظاهر من الثانية هو الخسران على الوجه الثاني، أو الأعمّ منه والثالث، والظاهر من الأولى الخسران على الوجه الأوّل، وإنْ أبيتَ عنه، فهي مطلقة شاملة للجميع، فيقيّد إطلاقها بالثانية.

المسألة الرابعة: لا يدخل الحمل في حكم غير البالغ، فلا يستحبّ إخراج زكاة مال تجارته بلا خلافٍ ، وعن «الإيضاح»(3): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: ظهور الأدلّة في المولود لأخذ اليتيم في موضوعها، والمناسبة العرفيّة المقتضية للتعدّي غير ثابتة، والتعدّي من ما دلّ على عدم وجوب الزَّكاة على الصبيّ إلى الجنين إنّما يكون للأولويّة، بل يمكن دعوى شموله له لأخذ غير البالغ الشامل له).

ص: 35


1- تهذيب الأحكام: ج 4/28 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/89 ح 11592.
2- الكافي: ج 3/541 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/87 ح 11588.
3- إيضاح الفوائد - لابن العلّامة: ج 1/167: (واعلم أنّ إجماع أصحابنا على أنّه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله كالميراث لا وجوباً ولا غيره، وإنّما تثبت وجوباً على القول به أو استحباباً على الحقّ بعد الانفصال).

في الموضوع.

المسألة الخامسة: المتولّي لإخراج الزَّكاة إنّما هو الوليّ ، لا لعدم قابليّة الصبيّ لتوجّه الخطاب إليه، فإنّه قابلٌ لذلك، ولذلك بنينا على شرعيّة عباداته، بل لما ورد من (عدم جواز أمر الصبيّ حتّى يبلغ)(1)، فإنّه يشمل عطاياه الشاملة لإعطائه الزَّكاة، فيتولّاه الوليّ ، لأنّ ذلك إحدى جهات ولايته، ومع غيبته يتولّاه الحاكم الشرعي، لأنّه ولي من لا ولي له، والغائب بمنزلة المعدوم لعجزه عن القيام بشؤون الولاية.

المسألة السادسة: إذا تعدّد الوليّ ، جاز لكلٍّ منهم ذلك، لأنّ كلّاً منهم وليٌّ مستقلّ ، هذا إذا لم تكن الولاية ثابتة بالوصيّة، وإلّا كما لو أوصي لصغاره بثلاثة أو أزيد، وجَعَلهم قيّماً عليهم، فالمتعيّن هو إتّباع الوصيّة من حيث اعتبار اجتماع الأولياء، واستقلال كلّ منهم في التصرّف.

ولو تشاحّوا في الإخراج، فإنْ كان كلّ منهم وليّاً مستقلّاً، قدّم من يريد الإخراج، بمعنى أنّه لو أخرج، ليس لغيره المنع عنه، وإلّا فإنْ اتّفقا في الإخراج فهو، وإلّا فيتولّاه الحاكم من قبل الممتنع، وعلى أيّ حالٍ لم يظهر لي وجه ما عن «كشف الغطاء»(2) من التوزيع عليهم.

أقول: بعد الوقوف على أحكام المسائل الآنفة، يقتضي المقام العود إلى ما وعدنا ذكره من الفروع المتفرّعة على اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزَّكاة، وهي فروع:5.

ص: 36


1- الكافي: ج 7/197 ح 1، وسائل الشيعة: ج 17/360 ح 22751.
2- كشف الغطاء: ج 2/345.

والمالُ الغائبُ إذا لم يتمكّن صاحبه منه، لا تجب فيه.

لا زكاة في المال الغائب

الفرع الأوّل: (والمالُ الغائب إذا لم يتمكّن صاحبه منه) بأنْ كان خارجاً عن تحت سلطنته واختياره (لا تجب) الزَّكاة (فيه)، بلا خلافٍ فيه على الظاهر، وتشهد له جملةٌ من النصوص المتقدّم بعضها، إنّما الكلام في اُمور:

الأمر الأوّل: المحكيّ عن «الذخيرة»(1) نفي البُعد من كون الغيبة بنفسها موجبة لسقوط الزَّكاة، وإنْ كان يتمكّن من التصرّف فيه، واستظهر ذلك من «الإرشاد».

واستدلّ له: بإطلاق أكثر أخبار الباب، والأصل.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ إطلاقها يقيّد بموثّق زرارة: «في رجلٍ ماله عنه غائب، لا يقدر على أخذه ؟ قال عليه السلام: فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعامٍ واحد، فإن كان يدعه متعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزَّكاة»(2).

فإنّه يدلّ على أنّ مجرّد الغيبة المقابلة للحضور، لا يكون مانعاً عن وجوب الزَّكاة، بل الميزان كونه بنحوٍ لا يقدر على أخذه، مضافاً إلى القطع بعدم ذلك، إذ لا سبيل إلى الالتزام بأنّ مَنْ كانت له زروع أو مواش متفرّقة في القرى والضياع لاتجب عليه زكاتها، حيث لم يحضر عند كلّ واحدٍ منها طول سنته.

ويرد على الثاني: أنّه لا مسرح له مع وجود الدليل.

ص: 37


1- ذخيرة المعاد: ج 3/424.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11609.

فتحصّل: أنّ المناط هو عدم التمكّن من التصرّف.

الأمر الثاني: المرجع في الغيبة، وعدم القدرة على الأخذ، وعدم كون المال في اليد، هو العرف، فلا عبرة بالعجز عن بعض التصرّفات مع صدقه، ولا بالعجز عن جميعها في زمانٍ قصير مع صدقه، والمعنى العرفي أعمٌّ من الاستيلاء الفعلي، وأخصّ من القدرة العقليّة، ولو شكّ في موردٍ من صدق عدم القدرة العرفيّة وعدمه، فإنْ كان ذلك للشكّ في سعة المفهوم وضيقه، يتعيّن الرجوع إلى عموم ما دلّ على الوجوب، فإنّه خُصّص بما إذا لم يتمكّن من التصرّف، والقدر المتيقّن من دليل المخصّص غير المورد، وفيه يرجع إلى عموم العام، كما هو الشأن في جميع موارد إجمال المخصّص مفهوماً، المردّد بين الأقلّ والأكثر إذا كان المخصّص منفصلاً.

هذا مع عدم إحراز الحالة السابقة، وإلّا فالعمل عليها بناءً على ما هو الحقّ من جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة.

وإنْ كان ذلك لعارضٍ خارجي، فلا سبيل إلى الرجوع إليه، لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، ولا إلى قاعدة المقتضي والمانع لعدم حجيّتها، بل إنْ كان له حالة سابقة يعمل بها للاستصحاب، وإلّا فالمرجع إلى أصالة البراءة، ويبني على عدم الوجوب.

الأمر الثالث: صرّح بعض المتأخّرين(1) بأنّه يجب احتساب بداية الحول من حين تحقّق التخلّص إن شرع فيه أوّل الإمكان، وإلّا فبعد مُضيّ زمانٍ يمكن فيه التخلّص، فلو توقّف حصول الاستيلاء على المال الغائب على مُضيّ زمان، كما لو5.

ص: 38


1- مستند الشيعة: ج 9/45.

احتاج إلى السير إلى بلدٍ فيه ماله، أو يبعث إليه وكيله ونحوه، فإنّ المدّة المزبورة إلى زمان حصول الاستيلاء مستثناة من الحول.

وعن الشيخ الأعظم رحمه الله(1): نفي البأس عنه في بعض تحقيقاته، وارتضاه فيما نُقل عنه، واستدلّ له بأنّ التمكّن يحصل بذلك.

ثمّ أورد عليه: بأنّه لا إشكال في كفاية القدرة مع الواسطة، ولذا لا يقدح الزمان اليسير في ذلك، كما لو كان ماله في الدار وهو في السوق، مع أنّه غير قادر فعلاً على الاستيلاء، وعليه فلابدَّ من احتساب الزمان من ابتداء السير لصدق التمكّن مع الواسطة.

وفيه: قد عرفت أنّ المناط صدق القدرة والتمكّن عرفاً، ولا ريب في أنّ الزمان المفروض ظرفٌ لحصول القدرة والتمكّن، فالصدق العرفي إنّما يتحقّق باعتبار انقضاء ذلك الزمان، فمضيّ زمان السير يكون من قبيل المقدّمات الوجوديّة باعتبار مظروفه وهو السير.

وبالجملة: لا شبهة في أنّ الصدق العرفي إنّما هو باعتبار قدرته على إيجاد الأسباب، وإذا استلزم وجود السبب كالسير مثلاً انقضاء الزمان عُدَّ ذلك ظرفاً له، فلا جرم يكون حصوله شرطاً لوجود القدرة عرفاً، وبدون انقضائه لم يتحقّق شرط الوجوب.

وما ذُكر من الشاهد بالنقض بزمانٍ يسير، مدفوعٌ بأنّه ممّا يتسامح فيه عرفاً، ولا يلتفت إليه في محاسبتهم العرفيّة.5.

ص: 39


1- كتاب الزَّكاة للشيخ الأنصاري: ص 45.

الأمر الرابع: إنّ جمعاً من الأساطين(1) ذهبوا إلى إلحاق الوكيل بالمالك، فأوجبوا الزَّكاة في المال الغائب عن المالك إذا كان في يد وكيله، وظاهرهم ذلك حتّى إذا لم يقدر المالك على التصرّف فيه وأخذه، والمحكيّ عن جماعة(2) الاقتصار على المالك.

واستدلّ للثاني:

1 - بإطلاق بعض الأخبار، وعمومه الناشئ من ترك الاستفصال.

2 - وبنصوص تخلّف النفقة عند الأهل، المصرّحة بنفي الزَّكاة عند الغيبة، مع كون الأهل وكيلاً في الضبط.

ويمكن الجواب عن الأوّل: بأنّه يصدق التمكّن عرفاً بتمكّن وكيله.

وعن الثاني أوّلاً: بالنقض بما إذا تمكن المالك من التصرّف فيه، فإنّ ظاهر تلك النصوص نفي الزَّكاة في هذه الصورة أيضاً، وهذه الجماعة لا يلتزمون به.

وثانياً: إنّه يكون خصوص النفقة خارجاً عن تحت القاعدة بالدليل، نظراً إلى كونها في معرض الإتلاف، أو لعلّه أخرجها عن ملكه بالتعيين، فلا يصحّ الاستناد إليها في مفروض المقام.

أقول: هذا غاية ما يقال في وجه القول الأوّل، ولكن الإنصاف أنّه:

تارةً : يعدّ تمكّن الوكيل تمكّن المالك عرفاً، كما إذا صحّ له التقليب وإتلافه بنحوٍ من الأنحاء، على وجهٍ يكون ممّا يصلح لإخراج بعضه زكاة، فالأظهر الإلحاق.4.

ص: 40


1- شرائع الإسلام: ج 1/106، إيضاح الفوائد: ج 1/169، البيان الشهيد الأوّل: ص 167، الدروس: ج 1/230، مسالك الأفهام: ج 1/361.
2- النهاية: ص 175، المختصر النافع: ص 53، المعتبر: ج 2/490، مدارك الأحكام: ج 5/34.

واُخرى : لا يعدّ تمكّنه تمكّن المالك، فالأقوى عدم الإلحاق، إذ المناط صدق هذا العنوان.

الأمر الخامس: ذهب جمعٌ من الأصحاب(1) إلى أنّه لو انقطع المالك عن ماله وجب عليه دفع الزَّكاة.

واستدلّ له: بأنّ الظاهر من الأدلّة، هو اعتبار عدم قصورٍ في المال، إمّا لعدم حدوث تمام التمكّن فيه، كالإرث الذي لم يصل إلى الوارث، أو لحدوث مانعٍ فيه، إمّا لتعلّق حقٍّ شرعي به، أو تسلّط يد عرفيّ عليه، أو حصول غيبة منقطعة، لا عدم قصور المالك عن التصرّف فيه لمرضٍ أو حبسٍ أو غيرهما.

ويرد عليه: ما ذكره جدّنا العلّامة رحمه الله من أنّه لا فرق بين الصورتين إذا تحقّق المناط، أعني عدم التمكّن من التصرّف، وعدم القدرة على الأخذ، فإنّ إطلاقه في معقد الإجماع، وظاهر الرواية يشملها، ولو قلنا بشمول الأخبار الواردة في تخلّف النفقة لمثل المقام، وجعلها من فروع الغيبة، كما هو صريح الأخبار، وكلمات الأصحاب لكانت المسألة خالية عن الإشكال لضرورة صراحتها وورودها في مقام غيبة المالك عن المال دون العكس.).

ص: 41


1- البيان الشهيد الأوّل: ص 167: (لو حبس عن ماله من غير إثبات اليد عليه وجبت زكاته لنفوذ تصرّفه فيه).

ولو مضت عليه أحوالٌ كذلك، استحبَّ إخراجُ زكاة حولٍ عنه بعد وجوده.

الأمر السادس: ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله: (ولو مضت عليه أحوالٌ كذلك، استحبّ إخراج زكاة حولٍ عنه بعد وجوده)، هذا هو المشهور بين الأصحاب.

وعن «المنتهى»(1): نسبته إلى علمائنا.

وعن ظاهر «النهاية»(2): إطلاق الأمر بالإخراج الظاهر في الوجوب.

وعن «الرياض»(3): حكايته عن نادر من المتأخّرين.

أقول: والأوّل أظهر، لأنّه مقتضى الجمع:

بين قوله عليه السلام في موثّق زرارة المتقدّم: (فإذا خرج زكّاه لعامٍ واحد)(4)، وقوله عليه السلام في حسن سُدير الصيّرفي المتقدّم: «في المال المدفون ثلاث سنين، ولا يَعلم صاحبه موضعه، يزكّيه لسنة واحدة»(5).

وبين ما هو صريحٌ في نفي الوجوب، كصحيح إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرِّضا عليه السلام: «في الوديعة التي لا يصل مالكها إليها إذا أخذها، ثمّ يَحولُ عليه الحول ؟ يزكّى»(6) في الجواب عن زمان وجوب الزَّكاة، وموثّق إسحاق المتقدّم في ميراث الغائب من أبيه:0.

ص: 42


1- منتهى المطلب: ج 1/490 (ط. ق).
2- النهاية: ص 175-176: (فإنْ لم يكن متمكّناً وغاب منه سنين ثمّ حصل عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة).
3- رياض المسائل: ج 5/45 (ط. ج).
4- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11609.
5- الكافي: ج 3/519 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/93 ح 11603.
6- تهذيب الأحكام: ج 4/34 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11610.

«قلت: فعلى ماله زكاة ؟ قال عليه السلام لا، حتّى يجيء. قلت: فإذا جاء هو أيزكّيه ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يحول عليه الحول في يده»(1) ونحوهما غيرهما.

فإنّ مقتضى الجمع بين الطائفتين، هو البناء على الاستحباب.

ثمّ إنّ المحكيّ عن ظاهر جماعةٍ (2) استحباب الزَّكاة مع العود لسنة واحدة، ولا بأس به لإطلاق موثّق زرارة.

***).

ص: 43


1- الكافي: ج 3/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/93 ح 11604.
2- مدارك الأحكام: ج 5/37 / رياض المسائل: ج 5/45 (ط. ج).

ولا زكاة في الدّين.

لا زكاة في الدّين

الفرع الثاني: (ولا زكاة في الدّين) حتّى يقبضه، بلا خلافٍ فيه على الظاهر، إذا لم يمكن استيفائه من المديون، عدا ما يظهر من «المبسوط»(1) حيث حَكى عن بعض أصحابنا: (أنّه يخرج لسنة واحدة إذا لم يكن مؤجّلاً).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا صدقة على الدين، ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يدك»(2).

ومنها: مصحّح إسحاق: «قلت لأبي إبراهيم: الدّين عليه زكاة ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يقبضه. قلت: فإذا قبضه أيُزكّيه ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يحول عليه الحول في يده»(3).

ونحوهما غيرهما.

أقول: يقع الكلام في صورة التمكّن من الاستيفاء والقبض:

فعن السيّدفي «الجمل»(4) وغيرها، والشيخين في «المقنعة»(5)، و «المبسوط»(6)،

ص: 44


1- المبسوط: ج 1/211.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11608.
3- الكافي: ج 3/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/93 ح 11604.
4- رسائل المرتضى : ج 3/74.
5- المقنعة: ص 239.
6- المبسوط: ج 1/221.

و «الخلاف»(1) وغيرهم(2) القول بالوجوب.

والمشهور بين الأصحاب(3) عدم الوجوب، وهم بين من يقول بالاستحباب(4)وبين من ينفيه(5).

ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار، وهي على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما تدلّ على عدم الوجوب في الدّين مطلقاً، وقد تقدّم بعضها.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على عدم الوجوب في خصوص ماإذا أمكن الاستيفاء:

منها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، المرويّ في «قرب الإسناد»:(6) «وعن كتاب ابن جعفر: عن الدين يكون على القوم المياسير، إذا شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يقبضه ويحول عليه الحول»(7).

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على الوجوب في الدّين مطلقاً:

منها: صحيح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يُنسي أو يُعين فلا يزال ماله ديناً، كيف يصنع في زكاته ؟ قال عليه السلام: يزكّيه ولا يُزكّي ما عليه من الدّين، إنّما الزَّكاة على صاحب المال»(8).

ونحوه خبر «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام(9).4.

ص: 45


1- الخلاف: ج 2/80.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/34.
3- السرائر: ج 1/444، المختصر النافع ص 53، شرائع الإسلام: ج 1/142.
4- مختلف الشيعة: ج 3/162، مدارك الأحكام: ج 5/40.
5- راجع السرائر للحلّي: ج 1/443-444 وغيره.
6- قرب الإسناد: ص 228 ح 895.
7- وسائل الشيعة: ج 9/100 ح 11624، مسائل علي بن جعفر ص 259.
8- الكافي: ج 3/521 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/103 ح 11633.
9- وسائل الشيعة: ج 9/104 ح 11635، مسائل علي بن جعفر: ص 102، قرب الإسناد: ص 228 ح 894.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ على الوجوب فيما إذا تمكّن من الاستيفاء:

منها: خبر عبد العزيز، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يكون له الدين أيزكّيه ؟ قال عليه السلام: كلّ دينٍ يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة»(1).

ونحوه خبر عمر بن يزيد، عنه عليه السلام(2).

أقول: الطائفة الأخيرة ضعيفة سنداً، أمّا الأوّل فلميسرة وعبد العزيز، وأمّا الثاني فلعمر بن يزيد، وكذلك الطائفة الثانية، لعدم ثبوت وثاقة عبد الحسن راوي الخبر.

وأمّا الطائفتان الأُولى والثالثة، فالظاهر أنّه لا يمكن الجمع بينهما بحمل الثانية على الاستحباب، لعدم كونه جمعاً عرفيّاً، بل العرف يرون التعارض بين قوله عليه السلام:

(لا) في جواب: (أيزكّيه)، وقوله عليه السلام: (يزكّيه)، والترجيح مع الاُولى ، لأنّهما أصح سنداً وأشهر، فتكون النتيجة سقوط الزَّكاة مطلقاً.

نعم، لا بأس بالقول بالاستحباب، فيما إذا تمكّن من الاستيفاء للطائفة الرابعة، بضميمة قاعدة التسامح.

وبالجملة: وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم المذكورة في مقام الجمع بين هذه النصوص.

فرع: قال في محكيّ «المبسوط»(3) بعد اختياره وجوب الزَّكاة في الدين: (إذا).

ص: 46


1- تهذيب الأحكام: ج 4/32 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/96 ح 11614.
2- الكافي: ج 3/519 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/97 ح 11616.
3- هذا نصّ عبارة كتاب المبسوط - الشيخ الطوسي: ج 1/225: (إذا استأجر بأربعين شاة في الذمّة أو بخمسة أوسق من التّمر لم يلزم الأجير الزكاة، لأنّ الغنم لا يجب فيها الزكاة إلّاإذا كانت سائمة، وما في الذمّة لا يكون سائمة، والثمرة فلا يجب فيها الزكاة إلّاإذا ملكها من شجرها).

استأجر بأربعين شاة في الذمّة، لم يلزم الأجير الزَّكاة، لأنّ الغنم لا تجب فيها الزَّكاة، إلّا إذا كانت سائمة، وما في الذمّة لا يكون بسائمة).

وأورد عليه المصنّف(1): بأنّهم ذكروا في السَّلم في الحيوان التعرّض لكونه لحمٌ راعية أو معلوفة، فإذا جاز أن يثبت في الذمّة لحم راعية، جاز أن يثبت سائمة، واستجوده غيره(2).

وفصّل بعضهم:(3)

بين ما إذا قلنا بأنّ السّوم أمرٌ وجودي، وهو أكلها من مال اللّه المباح.

وبين ما إذا قلنا إنّه أمرٌ عدمي، وهو عدم العلف.

وما ذكره الشيخ يتمّ على الثاني.

أقول: الحقّ عدم الوجوب مطلقاً، لأنّ السّوم وإنْ كان عدميّاً، إلّاأنّه عدم الملكة، وعليه فهو سواءٌ كان وجوديّاً أو عدميّاً لا يعتبر بالنسبة إلى ما في الذمّة.

وقول المصنّف رحمه الله(4): من النقض بالسَّلم.

مندفع: بأنّ ذكر الوصف فيه إنّما هو لتنويع الكلّي وتشخيصه، ويلزمه تحقّقه عند الأداء، وهذا لا دخل له بالمقام من اعتباره متعلّقاً للحكم الشرعي، بحيث يعتبر بما في الذمّة.

***).

ص: 47


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/24 (ط. ج).
2- مدارك الأحكام: ج 5/41.
3- المفصِّل هو الشهيد الثاني في «فوائد القواعد» كما نقل ذلك سبطه صاحب «مدارك الأحكام» بقوله في: ج 5/41: (وأورد عليه جدّي قدس سره في فوائد القواعد...). وكذلك ينقلها غيره كصاحب ذخيرة المعاد في: ج 3/426، وصاحب جواهر الكلام: ج 15/61.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/24 (ط. ج).

وزكاة القَرض على المُقترض إنْ تُرك بحاله حولاً.

زكاة القرض على المقترض

الفرع الثالث: (وزكاة القرض على المقترض إنْ تُرك بحاله حولاً) لا المقرض، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكويّة، وبقى عنده سنة، وجب عليه الزَّكاة، بلا خلافٍ كما عن «السرائر»(1) وغيرها(2)، بل عن «التنقيح»(3) نسبته إلى الأصحاب.

أقول: تشهد للحكمين جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ دفع إلى رجلٍ مالاً قرضاً، على مَنْ زكاته، على المُقرِض أو على المقترض ؟ قال عليه السلام: لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولاً على المقترض»(4).

ومنها: صحيح يعقوب بن شعيب: «سألتُ أبا عبد اللّه عن الرّجل يُقرض المال للرّجل السنة والسنتين والثلاث، أو ما شاء اللّه، على مَنْ الزَّكاة؛ على المقرِض أو على المستقرض ؟ فقال عليه السلام: على المستقرض؛ لأنّ له نفعه وعليه زكاته»(5). ونحوهما

ص: 48


1- السرائر: ج 1/445.
2- شرائع الإسلام: ج 1/107.
3- حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 15/57.
4- الكافي: ج 3/520 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/100 ح 11625.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/33 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/102 ح 11629.

غيرهما.

وقد استثنوا من ذلك ما إذا تبرّع المقرض بأداء الزَّكاة عنه، فإنّه لا زكاة حينئذٍ على المقترض.

وعن الشهيد رحمه الله في «الدروس»(1) و «البيان»(2) اعتبار إذن المقترض في الإجزاء فلا يُجزي بدونه.

وعن بعضٍ (3) حمله على صورة الاشتراط.

أقول: تنقيح الكلام يقتضي البحث عن موارد:

1 - في أنّه هل يجزي أداء المقرِض في الجملة أم لا؟.

2 - في أنّه هل يعتبر إذنه أم لا؟.

3 - في صحّة الشرط المذكور.

4 - في لزومه.

5 - في أداء الأجنبي.

أمّا المورد الأوّل: فيشهد للإجزاء صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في رجل استقرض مالاً، فحال عليه الحول، وهو عنده ؟

قال عليه السلام: إنْ كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، وإنْ كان لا يؤدّي أدى المستقرض»(4).6.

ص: 49


1- الدروس: ج 1/231.
2- البيان: ص 170.
3- النهاية: ص 312.
4- الكافي: ج 3/520 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/101 ح 11626.

وقد استدلّ المصنّف رحمه الله(1) وغيره له(2): بأنّه بمنزلة الدين، وسقوطه بالتبرع لا كلام فيه.

وأورد عليه أوّلاً: بأنّ إيتائها عبادة، والنيابة فيها عن الحَيّ ممنوعة.

وفيه: إنّه قام الإجماع والأخبار على إلغاء المباشرة في باب الزَّكاة، من جهة اتّفاقهما على جواز التوكيل في أدائها، وعليه فلا مانع من النيابة في أدائها.

وثانياً: إنّ الزَّكاة متعلّقة بالعين، ويشارك أهلها مع المالك في العين بقدر حصّتهم، فمقتضى القاعدة عدم كفاية فعل المتبرّع، وعدم سقوط حقّ الفقراء من عين المال، بعد فرض مشاركتهم مع المالك، وقيام الدليل على جواز أداء المالك مالاً آخر بدلاً، لا يقتضي التعدّي إلى غير المالك، فإنّ قضيّة البدليّة ليس إلّاخروجُ البدل عن ملك من يدخل فيه المُبدَل، وهذا غير ثابت بالنسبة إلى الأجنبي.

وبعبارة اُخرى: إنّ غاية ما يثبت بالدليل، أنّ للمالك ولاية التبديل، فإيتاء غيره بدله يحتاج إلى دليل، وهذا الوجه يتمّ بناءً على تعلّقها بالعين، وسيأتي الكلام في المبنى .

وأمّا المورد الثاني: فمقتضى إطلاق الصحيح المتقدّم عدم اعتبار إذنه، لكن قد استدلّ لاعتباره بأنّ أداء الزَّكاة عبادة، فلابدّ من صدوره عن المالك بالمباشرة أو التسبيب، كي يُنتسب العمل إليه.

وفيه أوّلاً: إنّه اجتهادٌ في مقابل النص، كيف وكون فعل الغير مسقطاً ولو بلا).

ص: 50


1- منتهى المطلب: ج 1/477 (ط. ق).
2- رياض المسائل: ج 5/50 (ط. ج).

إذنٍ غَيرُ عزيزٍ في الشرع، كإسقاط فعل الإمام قراءة المأموم من دون اعتبار إذنه فيه اتّفاقاً.

وثانياً: إنّه لو تمّ ما ذكر لما كان الإذنُ كافياً في صحّة النسبة، وكان اللّازم حينئذٍ قصد النيابة.

وأمّا المورد الثالث: فعن «الدروس»(1)، وحواشي «القواعد»(2)، و «الموجز»(3)، وشرحه(4) فساد الشرط والعقد معاً.

وعن المشهور(5) فساد الأوّل خاصّة.

وعن الشيخ في بعض كتبه(2) صحتهما معاً.

وقد استدلّ لفساد الشرط:

1 - بأنّه شرطٌ مخالف للكتاب والسُنّة:

إمّا لما ذكره المصنّف رحمه الله(3) من أنّه حقٌّ عليه، يفتقر إلى النيّة، فلا يتعلّق بغيره بالشرط، وإليه يؤول ما ذكره غير واحدٍ(4) من أنّه اشتراطٌ للعبادة على غير من وجبت عليه.

وإمّا لأنّ الأدلّة دلّت على ثبوتها على المالك في ماله الخاص الزكوي، فاشتراط ثبوتها على غير المالك، أو في غير المال الزكوي مخالفة لتلك الأدلّة.6.

ص: 51


1- الدروس: ج 1/231. (2و3و4و5) حكاه صاحب الجواهر: ج 15/58.
2- المبسوط: ج 1/213.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/31 (ط. ج).
4- مختلف الشيعة: ج 3/163، مسالك الأفهام: ج 1/387، ذخيرة المعاد: ج 3/426.

2 - وبأنّ الشرط في القرض باطلٌ ، لأنّه موجبٌ للرِّبا.

3 - وبأنّ عقد القرض جائزٌ، فالشرط لا يجبُ الوفاء به.

4 - وبأنّه يلزمُ من صحّته، تعلّق وجوب الأداء بكلٍّ منهما عيناً بالنسبة إلى واحدٍ شخصي.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت من جواز النيابة في الأداء، وعليه فإنّ شرط الأداء في مقام العمل لا يوجب توجّه خطاب الزَّكاة إليه، ولذلك لا يكون هذا الشرط خلاف الكتاب والسُنّة.

نعم، لو شرط سقوط خطاب الزَّكاة عنه، وتوجّهه إلى المقرِض، كان ذلك مخالفاً الكتاب والسُنّة.

ولعلّه بما ذكرناه يتصالح بين الطرفين، القائل أحدهما بأنّه شرطٌ مخالفٌ للكتاب والسُنّة، والآخر القائل بأنّه شرطٌ سائغٌ في نفسه.

وأمّا الثاني: فلأنّ الشرط في القرض يوجبُ الرِّبا إنْ كان على المقترض، لا ما إذا كان على المقرض، كما في المقام.

وأمّا الثالث: فلأنّ عقد القرض لازم، مع أنّه لو كان جائزاً لما كان منافياً للزوم العمل بالشرط، ما دام لم يفسخ.

نعم، لو فسخ رجع الشرط بقاءً إلى كونه ابتدائيّاً، لا يجبُ الوفاء به، بناءً على عدم لزوم العمل بالشروط البدويّة بقاءً أيضاً.

وأمّا الرابع: فلأنّ متعلّق أحد التكليفين أدائه عن المالك، ومتعلّق الآخر أدائه

ص: 52

عن المنوب عنه، ولا مانع من الالتزام بثبوتهما بنحو الترتيب.

وبالجملة: فالأظهر صحّة الشرط المذكور.

واستدلّ لفساد العقد: بأنّ الشرط الفاسد مفسدٌ للعقد.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من عدم فساده - الشرط الفاسد لا يُفسد العقد، لما حقّقناه في حاشيتنا على «المكاسب»(1)، ويؤيّد ما اخترناه:

1 - صحيح ابن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام، يقول: باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا وكذا ألف دينار، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين»(2).

2 - وصحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «باع أبي من سليمان بن عبد الملك واشترط عليه في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستِ سنين»(3). فتأمّل.

***1.

ص: 53


1- منهاج الفقاهة: ج 6/328.
2- الكافي: ج 3/524 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/173 ح 11770.
3- الكافي: ج 3/524 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/174 ح 11771.

لا زكاة في المغصوب

الفرع الرابع: لا زكاة في المال المغصوب، بلا خلافٍ فيه في الجملة، لما تقدّم من اعتبار التمكّن من التصرّف في تعلّق وجوب الزَّكاة المفقود في الفرض.

إنّما الكلام في أنّه إذا كان قادراً على أخذه بالأسباب والحيل، هل تتعلّق به الزَّكاة بملاحظة وجود القدرة الشأنيّة على التصرّف فيه، كما عن غير واحد من المتأخّرين(1)، أم لا تتعلّق به، لأنّ الشرط هو الاستيلاء الفعلي، بحيث يعدّ تحت تصرّفه فعلاً، المفقود في المقام، كما هو ظاهر معاقد الإجماعات ؟ وجهان:

والأظهر هو الأوّل، لأنّ ظاهر عمدة النصوص المتضمّنة لكونه عنده أو في يده أو يقع في يده، وإنْ كان اعتبار الاستيلاء الفعلي، إلّاأنّ قوله عليه السلام في موثّق زرارة المتقدّم: (فإنْ كان يَدَعه متعمّداً، وهو يقدِرُ على أخذه، فعليه الزَّكاة لكلّ ما مرّ به من السنين)(2)، ظاهرٌ في كفاية الاستيلاء الشأني، وبه ترفع اليد عن ظهور النصوص المتقدّمة في الاستيلاء الفعلي.

قال الشيخ الأعظم رحمه الله(3): يمكن المناقشة في هذا الجمع، بدعوى أنّ هذا ليس بأولى من إبقاء ما تقدّم على ظاهره، وحَملُ الموثّق، إمّا على القدرة على الأخذ، الحاصلة على الوجه المتعارف من التوكيل في القبض ونحوه لا إيجاد الأسباب، حيث يمكن تأييد هذا الحمل بأنّ تقييد المال الغائب في أدلّة نفي الزَّكاة بما لا يقدر

ص: 54


1- مستند الشيعة: ج 9/45.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11609.
3- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 44.

على التسلّط عليه والتمكّن، ولو ببذل بعضه لرفع الموانع، تقييدٌ بالفرد النّادر، ضرورة قلّة وجود مثل ذلك، أو على خصوص الدّين بناءً على ما يأتي من عدم الزَّكاة فيه إلّااستحباباً، استناداً إلى ملاحظة كثرة ما يدلّ على اعتبار اليد الفعليّة من الصِّحاح وغيرها، ولأجلها ضَعف مقاومة الموثّق لها، ولذلك نميل أخيراً إلى أنّ المرجع حينئذٍ هو عمومات نفي الزَّكاة في المال الغائب على وجه الإطلاق، وبقول مطلق.

أقول: فيما أفاده قدس سره مواقع للنظر:

أحدها: ما مال إليه من الرجوع إلى العام الفوق، على فرض تكافؤ الجمعين، ممنوع لأنّه يرد عليه أنّه عند تعارض الروايات، يتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، ومع فقدها يحكم بالتخيير، ولا وجه للرجوع إلى العام والترجيح مع النصوص الأوّل وهو الشهرة.

ثانيها: ما أفاده من أنّ المرجع عموم ما دلّ على نفي الزَّكاة في المال الغائب أيضاً ممنوع لأنّه يرد عليه أنّ تلك الأدلّة أيضاً ظاهرة في اعتبار اليد الفعليّة، حيث ستعرف أنّ الغيبة من حيث هي ليست موضوعة الحكم، بل أخذت في الموضوع كنايةً عن عدم الاستيلاء، فسبيل هذه النصوص سبيل ما تقدّم من الأخبار، وتكون طرف المعارضة حينئذٍ، بل المرجع هو عموم ما دلّ على وجوب الزَّكاة المقتصر في تخصيصه بما إذا لم تكن هناك قدرة شأنيّة.

ثالثها: ما أفاده من أنّ هذا الجمع ليس بأولى من التصرّف في الموثّق كذلك ممنوعٌ لأنّه يرد عليه أنّه لا يبقى ترديدٌ في أولويّة ذلك الجمع، لو جمعنا الطائفتين، وفرضنا صدورهما عن شخصٍ واحد في مجلس واحد، كما لو قال: (لا زكاة في المال

ص: 55

الغائب حتّى يقع في يدك) ثمّ أضاف: (ولكن إنْ قدرتَ على أخذه فعليك الزَّكاة)، فان الثاني قرينة عند العرف على الأوّل.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الوجوب مع القدرة الشأنيّة.

أقول: ويترتّب على ما ذكرناه اُمور:

1 - أنّه لو كان تمكّنه من استرداد المغصوب ببذل بعضه، وأخذ الباقي، أو بمالٍ آخر، ثبت وجوب الزَّكاة في المقدار الباقي، كما هو صريح جماعة(1)، لصدق القدرة على الأخذ.

وما أفاده المحقّق البهبهاني(2) من أنّ الظاهر منه القدرة على الأخذ والمال بحاله، لا أن ترفع اليد عن بعضه وصرفه لتخليص الباقي، إلّاأنْ يكون أولى من صرف الكلّ عليه عقلاً وشرعاً حالاً وعاقبةً ، خلاف إطلاق الموثّق لا يستند إليه.

2 - يصدق المتمكّن على ما لو توقّف الاسترداد على الاستعانة بظالمٍ ، إلّاإذا كان هناك مشقّة وحرج، فإنّه لا يصدق القدرة على الأخذ عرفاً حينئذٍ.

وعن الشهيد(3): (التردّد في كونه متمكّناً، مع تصريحه بأنّه بالاستعانة بالعادل يكون متمكّناً).

ووجّهه بعض الأساطين(4): بأنّ العادل حيث أنّه من الأسباب التي شرّعها7.

ص: 56


1- شرح اللّمعة: ج 2/13، مستند الشيعة: ج 9/45، كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري ص 46، العروة الوثقى : ج 4/16 (ط. ج).
2- حكاه عنه الشيخ الجواهري في جواهر الكلام: ج 15/52، بقوله: (قال الاُستاذ الأكبر في شرحه للمفاتيح: الظاهر منه القدرة على الأخذ والمال بحاله، لا أن يرفع اليد عن بعضه ويضيعه على نفسه إلّاأنْ يكون أولى من تضييع الكلّ عليه عقلاً وشرعاً حالاً وعاقبةً ).
3- البيان، الشهيد الأوّل: ص 167.
4- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 46-47.

اللّه لردّ المظالم، وأوجب عليه ذلك، فهو بمنزلة الوكيل الأمين من طرف المال، بل الوليّ من طرف الغاصب والمالك، فقدرته بمنزلة قدرة المالك، بخلاف الظالم الذي ليس له التوسّل به إلّامن حيث الاضطرار، فهو من قبيل السبب إلى التمكّن.

وفيه أوّلاً: الظالم أيضاً يجب عليه ردّ المظالم، ويجوز للمالك الرجوع إليه، فلا فرق بينهما.

وثانياً: الميزان إذا كان ما ذكرناه، فإنّه لا فرق بين الموردين.

3 - لو رخَّصَ الغاصب للمالك تصرّفه في المغصوب، مع كونه في يد الغاصب، فلو كان مورد رفع المنع مجرّد إخراج الزكاة، فإنّه: لا شبهة في أنّه غير مجدٍ لبقائه على ما كان عليه من عدم التمكّن.

وإنْ كان مورد الترخيص مطلق التصرّفات، وإنّما الثابت من قِبل الغاصب مجرّد كون المال تحت يده، مع كون المالك متمكّناً من جميع التصرّفات، وجبَ إخراج الزَّكاة، إذ أنّه وإنْ لم يكن المال في يده، إلّاأنّ الميزان هو التمكّن من التصرّفات في المال الموجود في الفرض.

وبما ذكرناه: ظهر حكم الَمجحود، فإنّه إنْ أمكن تخليصه ولو بإقامة البيّنة، فالظاهر تحقّق الشرط، وإلّا فلا تجب لفقد الشرط.

***

ص: 57

لا زكاة في المرهون

الفرع الخامس: لا تجبُ الزَّكاة في الرّهن، على المشهور بين الأصحاب، على ما نَسب إليهم الشيخ رحمه الله(1).

وعنه رحمه الله في موضعٍ آخر من «المبسوط»(2): ثبوت الزَّكاة فيه مطلقاً، وتبعه جمعٌ .

وعن «الخلاف»(1) التفصيل بين تمكّن الراهن من الفكّ فالثاني، وعدمه فالأوّل، وتبعهٌ جمع من المتأخّرين(2).

أقول: لا ينبغي التوقّف في عدم وجوبها، حال عدم التمكّن من الفكّ ، لما تقدّم من اعتبار التمكّن والقدرة على الأخذ، إنّما الكلام في صورة التمكّن من الفكّ :

فقد استدلّ للنفي: بعدم صدق التمكّن معه، وإنْ قَدر على الفكّ الذي تحصل بعده صفة التمكّن.

وفيه: إنّه إنّما يتّجه هذا على مسلك من يرى اعتبار الاستيلاء الفعلي، وعدم كفاية مطلق القدرة، وقد عرفت ضعف المبنى.

وربما يستدلّ له بوجه آخر، وهو: أنّ الحقوق المتعلّقة:

1 - قد لا توجب نقصاً في المال أصلاً، كحقّ الإمساك للعين للبائع قبل إقباض المشتري ثمنه، فإنّ هذا الحقّ لا يوجب نقصاً في المبيع، بل يجوز جميع التصرّفات من دون إذنٍ من البائع.

ص: 58


1- الخلاف: ج 2/111.
2- الشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/230، البيان الشهيد الأوّل: ص 278، الشهيد الثاني في شرح الروضة 13.

2 - وقد توجبُنقصاًفيه، مع كون الحقّ المتعلّق به، حقّ تملّكٍ كالمال المنذور.

3 - وقد توجبُ نقصاً فيه، مع عدم كونه حقّ تملّكٍ كحقّ المرتهن.

ولا إشكال في أنّ الأوّل غير مانعٍ من تعلّق الزَّكاة، كما لا إشكال في مانعيّة الثاني، وأمّا الثالث فيمكن أن يذكر في وجه مانعيّته:

أنّ الزَّكاة إنّما تتعلّق بشيءٍ يكون المالك متمكّناً من أدائها، من عين ذلك الشيء، والمالك لا يتمكّن من أدائها من عين المرهون، وتمكّنه من الفكّ غير مُجدٍ، لأنّه في حال الرّهن غير قابل لتعلّق الزَّكاة به، لكونه غير تامّ الملكيّة، وتحصيل الموضوع الذي تتعلّق به الزَّكاة غير لازم، كما أنّ تحصيل المال غير لازم، وهذا بخلاف نحو المغصوب، فإنّ ملكيّته غير ناقصة، والموضوع قابلٌ لتعلّق الزَّكاة به، وإنّما المانع أمرٌ خارجي، فمع تمكّنه من رفعه تتعلّق به الزَّكاة، وأمّا المرهون فهو بنفسه غير قابل، وتحصيل القابليّة غير لازم.

أقول: هذا وجهٌ نقلهُ جدّنا العلّامة من شيخه، وهو حسنٌ ، وقد أورد عليه بإيرادات بيّنة الفساد. وعليه، فالأظهر هو النفي مطلقاً.

***

ص: 59

لا زكاة في الوقف

الفرع السادس: لا زكاة في الوقف بلا خلافٍ ، سواءٌ أكان الوقف عامّاً أو خاصّاً، لانتفاء التمكّن من التصرّف، ولعدم صدق الملكيّة عرفاً.

وبعبارة اُخرى: لنقص ملكيّته بالذات، وكونها منتزعة من قصر منفعته على الموقوف، من غير أنْ يكون له حقٌّ في التصرّف في عينه، ومثله خارج عن منصرف أدلّة الزَّكاة.

ومع الإغماض عمّا ذكرناه، فإنّ ما ذكره بعضٌ من معارضة أدلّة وجوب الزَّكاة لأدلّة الوقوف، ثمّ الرجوع إلى أصالة عدم الوجوب، لا بأس به.

وأمّا نماء العين الموقوفة: ففي الوقف الخاص تثبت الزَّكاة مع فرض وجود النصاب وسائر الشرائط، فلو كان وقفاً على أشخاص محصورين:

فإنْ كانت حصّة كلّ واحدٍ معيّنة من حيث الكمّية، اعتبرت الشرائط من الحول فيما يعتبر فيه والنصاب في الغلّات في سهم كلّ واحدٍ قبل القسمة.

وإنْ كانت كميّة الإعطاء موكولة إلى نظر الناظر، اعتبرت الشرائط بعد القسمة، إذ لا يملكه إلّابعدها.

وأمّا في الوقف العام: كالوقف على المساجد والقناطر والمشاهد، فلا زكاة في نمائه، كما لا زكاة في مال بيت المال، لأنّه لا مالك معيّن له، وخطاب الزَّكاة غير موجهٍ إلى النوع.

هذا كلّه فيما إذا لم يشترط في النماء كونه وقفاً، وإلّا فلا إشكال في عدم وجوب الزَّكاة فيه حتّى في الوقف للخاص.

***

ص: 60

ومع هلال الثاني عشر تَجب، مع بقاء الشرائط في كمال الحول، ولا يجوزُ التأخيرُ مع المُكنة.

فصل وقت وجوب إخراج الزَّكاة

اشارة

وسيأتي في شرائط وجوب الزَّكاة في المواشي، أنّ وقت تعلّق الوجوب فيما يعتبر فيه الحول حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، (و) أنّه (مع هلال الثاني عشر تجبُ ، مع بقاء الشرائط في كمال الحول).

أقول: يستدعيى المقام البحث في اُمور:

الأمر الأوّل: في أنّ الوجوب بعد تحقّقه:

1 - هل هو فوري، أم لا؟

2 - أم يفصّل بين الإخراج ولو بالعزل فيجبُ فوراً، وبين الدفع فلا يجب ؟

وعلى الأوّل:

1 - فهل هو مع الإمكان مطلقاً، كما هو ظاهر ما ورد في المتن حيث قال: (ولا يجوز التأخير مع المكنة)؟

2 - أو عند عدم انتظار الأفضل.

3 - أو البسط على الأصناف كما عن «الدروس»(1).

ص: 61


1- الدروس: ج 1/243.

4 - أو عند عدم انتظارالأفضل أو الأحوج أو معتادالطلب كماعن «البيان»(1).

5 - أو إذا لم يكن التأخير للبسط على الأصناف خاصّة بشرط دفع نصيب الموجودين فوراً، كما عن جملةٍ من كتب المصنّف رحمه الله(2)؟

وعلى الثاني:

فهل هو مطلقٌ ، أو إلى شهرٍ أو شهرين، كما عن الشيخين(3)، ومال إليه الشهيد الثاني(4)؟

وجوهٌ وأقوال.

أقول: وأمّا نصوص الباب فهي على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما ظاهره الفوريّة في الإعطاء مطلقاً، كخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أردت أن تُعطي زكاتك قبل حلّها بشهرٍ أو شهرين فلابأس، وليس لك أن تؤخّرها بعد حَلّها»(5).

والظاهر أنّ هذا هو مدرك القول الأوّل.

الطائفة الثانية: ما ظاهرها الفوريّة في الإخراج والعزل، كصحيح سعد بن سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام: «عن الرّجل تحلّ عليه الزَّكاة في السنة في ثلاث أوقات، أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقتٍ واحد؟

فقال عليه السلام: متى حَلّت أخرجها»(6).7.

ص: 62


1- البيان الشهيد الأوّل: ص 203.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/292 (ط. ج).
3- الشيخ المفيد المقنعة: ص 240، الشيخ الطوسي في النهاية: ص 183.
4- مسالك الأفهام: ج 1/428.
5- وسائل الشيعة: ج 9/308 ح 12090، مستطرفات السرائر ص 606.
6- الكافي: ج 3/523 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/306 ح 12087.

والظاهر أنّ هذا هو مدرك القول بالتفصيل، فإنّ الجواب بفوريّة العزل في هذا المقام، ظاهرٌ في عدم الفوريّة في الإعطاء.

الطائفة الثالثة: ما ظاهرها جواز التأخير في الإعطاء مطلقاً، كصحيح معاوية ابن عمّار: «الرّجل تَحلّ عليه الزَّكاة في شهر رمضان، فيؤخّرها إلى المحرّم ؟

قال عليه السلام: لا بأس. قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّافي المحرّم، فيعجلها في شهر رمضان ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(1).

ولعلّ هذه بضميمة الطائفة الثانية مدركُ القول بالتفصيل.

الطائفة الرابعة: ما ظاهرها جواز التأخير في صورة العزل وعدمه، كموثّق يونس، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: زكاتي تحلّ عَليَّ في شهرٍ، أيصلحُ لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة ؟ فقال عليه السلام: إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشيء، ثمّ أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإنْ أنا كتبتها وأثبتّها يستقيم لي ؟ قال عليه السلام: نعم، لا يضرّك»(2).

الطائفة الخامسة: ما ظاهرها جواز التأخير إلى شهرين، كصحيح حمّاد:

«لا بأس بتعجيل الزَّكاة شهرين وتأخيرها شهرين»(3).

أقول: أمّا خبر أبي بصير في الطائفة الاُولى فهو ضعيف السند بقاسم بن محمّد الجوهري، وأمّا الطائفة الثالثة والخامسة فهما لا تتنافيان مع الرابعة، نعم الطائفة4.

ص: 63


1- تهذيب الأحكام: ج 4/44 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/301 ح 12072.
2- الكافي: ج 3/522 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/307 ح 12088.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/44 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/302 ح 12074.

الثانية ربما يتوهّم تعارضها معها، لكن الجمع العرفي يقتضي البناء على أفضليّة الإخراج والعزل.

ودعوى: أنّ الجمع بين النصوص المتواترة الدالّة على عدم جواز حبس الزَّكاة ومنعها عن أهلها، وبين ما تقدّم، يقتضي البناء على المنع مع عدم انتظار المستحقّ والجواز مع انتظاره.

مندفعة: بان تلك النصوص - لاسيّما بعد ورود هذه الأخبار - إنّما تكون دالّة على المنع من الحبس، وعدم الإعطاء رأساً، لا المنع عن التأخير فيه، فلاحظها.

فتحصّل: أنّ الأظهر جواز التأخير مطلقاً، ولكن بما أنّ النصوص المجوزة للتأخير مختصّة بصور انتظار الأفضل، وإرادة البسط على الأصناف، وانتظار معتاد الطلب، وغير ذلك من موارد الأعذار العرفيّة، ومطالبة المستحقّين بشاهد الحال ثابتة، وقد ورد أنّ الزَّكاة مجعولة قوتاً للفقراء ومعونةً لهم، فالأحوط لزوماً - لو لم يكن أظهر - عدم التأخير، إلّافي موارد الأعذار العرفيّة، كما أنّ الأحوط في تلك الموارد - أي موارد الأعذار غير البالغة حَدّ إباحة المحظور كعدم المستحقّ - عدم التأخير المطلق، فليس له أن يؤخّر زكاته أربع سنين مثلاً لانتظار الأفضل، أو نحو ذلك من الاُمور الراجحة شرعاً أو عرفاً، فالقَدَر المسلّم هو جواز التأخير إلى قريب السنة الآتية في موارد الأعذار العرفيّة.

ولو أخّر في الأداء فتلفت:

فإنْ كان ذلك في مورد عدم جواز التأخير، فلا إشكال ولا كلام في الضمان.

وعليه فلا كلام في ما أفاده المصنّف رحمه الله بقوله:

ص: 64

فَيَضْمَن.

(فيضمن)، تفريعاً على قوله: (ولا يجوز التأخير).

كما أنّه لا كلام في عدم الضمان، إنْ كان ذلك لضرورةٍ ، كعدم المستحقّ ، أو عدم التمكّن من الدفع، والنصوص الدالّة عليه كثيرة.

إنّما الكلام في التلف مع تحقّق الأعذار المسوّغة للتأخير، كالتعميم، أو انتظار المستحقّ ، فالظاهر هو الضمان، وذلك لأنّ القاعدة وإنْ كانت تقتضي عدم الضمان، من جهة أنّه مأذونٌ في التأخير، فيدلّ على عدم الضمان ما دلّ على عدم ضمان الأمين، إلّاأنّه يشهد للضمان: مضافاً إلى ما عن ظاهر «المنتهى»(1) و «التذكرة»(2)من الإجماع عليه:

1 - حسن(3) ابن مسلم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ بعث بزكاة ماله ليقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تُقسّم ؟

فقال عليه السلام: إذا وجد لها موضعاً، فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، وإنْ لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت عن يده، وكذلك الوصيّ الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه، إذا وجد رَبّه الذي أمر بدفعه إليه، فإنْ لم يجد فليس عليه ضمان»(4).

2 - صحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل بعث إليه أخ بزكاة3.

ص: 65


1- منتهى المطلب: ج 1/490.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/289-290 (ط. ج). (3و4) الكافي: ج 3/553 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/285 ح 12033.

يقسّمها فضاعت ؟ فقال: ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان.

قلت: فإنْ لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت أيضمنها؟

قال عليه السلام: لا، ولكن إنْ عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت، فهو لها ضامن حتّى يُخرجها»(1).

وبهما يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم الضمان، ويختصّ هو بصورة عدم التمكّن.

وأيضاً: ولو لم يكن المستحقّ موجوداً، ولكن أمكن صرفها في سائر المصارف، فهل يكون ضامناً إن تلفت أم لا؟ وجهان:

يشهد للثاني: ما قيل من إنّ حمل نصوص عدم الضمان، على ما إذا لم يمكن الصرف في سائر المصارف أيضاً حملٌ على الفرد النادر، مع أنّ قوله في الحسن: (فلم يدفعها إليه)، وقوله في الصحيح: (إنْ عرفتَ لها أهلاً) ظاهران في أنّ موضوع الحكم هو ما إذا لم يتمكّن من الأداء إلى المستحقّ ، وإنْ أمكن صرفها في سائر المصارف، فالأظهر هو عدم الضمان.

***

ص: 66


1- تهذيب الأحكام: ج 4/48 ح 17 / وسائل الشيعة: ج 9/286 ح 12034.

ولا تقديمها قبل وقت الوجوب.

تقديم الزَّكاة قبل وقت الوجوب

(و) الأمر الثاني: المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، أنّه (لا) يجوز (تقديمها قبل وقت الوجوب).

وعن ابن أبي عقيل(1)، وسلّار(2): الجواز.

ويشهد للأوّل: مضافاً إلى الأصل، باعتبار أنّه قبل حولان الحول الذي هو شرط وجوب الزَّكاة، لا أمر بها، ومع عدمه لا يُعقل كونه امتثالاً للأمر:

1 - حسن زرارة، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: أيزكّي الرّجل ماله إذا مضى ثُلث السنة ؟ قال عليه السلام: لا، أيصلّي الأولى قبل الزوال!»(3).

2 - وحسن عمر بن يزيد: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يكون عنده المال، أيزكّيه إذا مضى نصف السنة ؟

فقال عليه السلام: لا، ولكن حتّى يحول عليه الحول، ويحلّ عليه، إنّه ليس لأحدٍ أنْ يُصلّي صلاةً إلّالوقتها، وكذلك الزَّكاة، ولا يصوم أحدٌ شهر رمضان إلّافي شهره، إلّا قضاءً ، وكلّ فريضةٍ إنّما تؤدّى إذا حَلّت»(4).

ص: 67


1- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/240.
2- المراسم العلويّة: ص 128.
3- الكافي: ج 3/524 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/305 ح 12085.
4- الكافي: ج 3/523 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/305 ح 12084.

أقول: وبإزاء هذه النصوص أخبار مستفيضة - بل عن العُمّاني(1) دعوى تواترها - ظاهرة في جواز التعجيل بل صريحة فيه، وقد تقدّمت جملة منها في مسألة الفوريّة.

وحملها على القرض، ثمّ الاحتساب، مضافاً إلى عدم الشاهد عليه، يأباه التقييد في جملةٍ منها بمدّة معيّنة، إذ الإعطاء على وجه القرض يجوز قبل سنين.

نُسب إلى الشيخ قدس سره:(2) أنّ صحيح الأحول:

«في رجلٍ عجل زكاة ماله، ثمّ أيسر المعطي قبل رأس السنة ؟ قال عليه السلام: يعيد المعطي الزَّكاة»(3)، شاهدٌ لهذا الجمع، بدعوى أنّه لو لم يكن المراد بالتعجيل القرض، وجاز تقديم الزَّكاة بعنوانها، لما وجب عليه الإعادة إذا أيسر المعطي عند حلول الوقت.

وفيه: إنّه يمكن أنْ يكون بقاء القابض على صفة الاستحقاق إلى زمان الوجوب معتبراً في جواز التعجيل، إمّا لأنّها صدقة مستقلّة مسقطة للزكاة عند حلول الحول، فيعتبر فيها هذا القيد، أو لأنّها زكاة ويعتبر فيها في هذا المورد ما لا يعتبر في غيره، وهو بقائه على صفة الاستحقاق.

وبالجملة: فالحقّ إنّهما متعارضتان، ولا يمكن الجمع بينهما، والترجيح مع النصوص الأوّل، فتُحمل الأخيرة على التقيّة أو تُطرح، والنتيجة هي أنّ الأظهر عدم جواز التقديم.1.

ص: 68


1- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/240.
2- الاستبصار: ج 2/32-33.
3- الاستبصار: ج 2/32 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/304 ح 12081.

فإن دفع كان قرضاً، وله استعادته أو احتسابه منها، مع بقائه على الاستحقاق، وتحقّق الوجوب في المال.

(فإنْ دفع) إليه:

1 - فإنْ لم يقصد عنوان القرض، كان المال باقياً على ملكه، إذ المفروض عدم صحّته زكاةً ، وعدم قصد غيرها.

2 - وإنْ قَصَد عنوان القرض، (كان قرضاً، وله استعادته أو احتسابه منها، مع بقائه على ) صفة (الاستحقاق، وتحقّق الوجوب في المال) بلا خلافٍ ظاهر.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن الحجّاج، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «عن دينٍ لي على قومٍ قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فاحتسب به عليهم من الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

2 - وخبر عُقبة بن خالد: «قال له عثمان بن عمران: إنّي رجلٌ موسر، ويجيئني الرّجل ويسألني الشيء، وليس هو أبان زكاتي ؟

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: القرض عندنا بثمانية عشر، والصَّدقة بعشرة، وماذا عليك إذا كنتَ موسراً كما تقول أعطيته، فإذا كان أبان زكاتك احتسبتَ بها من الزَّكاة»(2) ونحوهما غيرهما.

ثمّ إنّه يجوز الاحتساب بعد القرض، وإنْ كان الفقير ميّتاً لصحيح ابن أبي5.

ص: 69


1- الكافي: ج 3/558 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/295 ح 12058.
2- الكافي: ج 4/34 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/300 ح 12065.

عُمير، عن هيثم الصيرفي وغيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«القرض الواحدبثمانية عشر، وإنْمات احتُسب بهامن الزَّكاة»(1). ونحوه غيره.

فرع: وهل يعتبرفي الميّت أن لاتكون له تركة تفي بدينه ؟ كما عن «المبسوط»(2)، و «الوسيلة»(3)، و «التذكرة»(4)، و «البيان»(5)، و «المدارك»(6) وغيرها(7)؟

أم لا يعتبر، بل يجوز الاحتساب مطلقاً، كما عن «المختلف»(8)، وظاهر «المنتهى»(9)، ونهاية الشيخ(10)، والمحقّق في «الشرائع»(11)، والشهيد(12)؟ وجهان، أقواهما الأوّل، لأنّ إطلاق النصوص وإنْ كان مقتضياً للقول الثاني، إلّاأنّه يتعيّن تقييده بالخبر الحسن الذي رواه زرارة، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ حلّت عليه الزَّكاة، ومات أبوه، وعليه دينٌ ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مالٌ كثير؟

فقال عليه السلام: إنْ كان أبوه أورثه مالاً، ثمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه8.

ص: 70


1- وسائل الشيعة: ج 9/301 ح 12071، ثواب الأعمال ص 138.
2- المبسوط: ج 1/252.
3- الوسيلة: ص 130.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/237.
5- البيان الشهيد الأوّل: ص 195.
6- مدارك الأحكام: ج 5/228.
7- الحدائق الناضرة: ج 12/198 / مجمع الفائدة: ج 4/164.
8- مختلف الشيعة: ج 3/212.
9- منتهى المطلب: ج 1/521 (ط. ق).
10- النهاية: ص 188.
11- شرائع الإسلام: ج 1/127.
12- شرح اللّمعة: ج 2/48.

عنه، قضاه من جميع الميراث، ولم يقضه من زكاته، وإنْ لم يكن أورثه مالاً، لم يكن أحدٌ أحقّ بزكاته من دَين أبيه، فإذا أدّاها في دَين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه»(1).

وهو وإنْ كان مورده القضاء عن الميّت لا الاحتساب، إلّاأنّ الظاهر أنّ المسألتين من باب واحد، ويتعدّى عنه إلى المقام.

***9.

ص: 71


1- الكافي: ج 3/553 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/250 ح 11949.

ولا يجوز نقلها عن بلدها مع وجود المستحقّ فيه ويضمن، ولو عدم نقل، ولا ضمان.

نقل الزَّكاة من بلدها

الأمر الثالث: (ولا يجوزُ نقلها عن بلدها، مع وجود المستحقّ فيه ويضمن، ولو عدم نقل، ولا ضمان).

أقول: فهاهنا مسائل:

المسألة الأُولى : لا خلاف ظاهراً في جواز نقل الزَّكاة من بلدها إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ضُريس، قال: «سأل المدائني أبا جعفر، فقال: إنّ لنا زكاةً نخرجها من أموالنا ففيمن نضعها؟ فقال عليه السلام: في أهل ولايتك.

فقال: إنّي في بلادٍ ليس فيها أحدٌ من أوليائك ؟

فقال عليه السلام: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، ولا تدفعها إلى قومٍ إنْ دعوتهم غداً إلى أمرك لم يُجيبوك، وكان واللّه الذَّبح»(1). ونحوه غيره.

ويأتي في المسألة الآتية ما يشهد به أيضاً.

أقول: وهل يجب النقل حينئذٍ أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بالأمر به في الصحيح.

ص: 72


1- الكافي: ج 3/555 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/222 ح 11882.

وأورد عليه(1):

1 - بأنّ الأمر المذكور أمرٌ في مقام توهّم الحظر.

2 - وبأنّ المقصود منه المنع من إعطائه لغير الموالي.

3 - وبأنّ الأمر المذكور إرشادي لبيان طريق الإيصال إلى المستحقّ ، لا مولوي تعبّدي.

ولكن يمكن دفع الأوّل والثالث، بأنّهما خلاف الظاهر، لا يُصار إلى شيء منهما بلا قرينة، كما ويمكن دفع الثاني بأنّ المنع من إعطائه لغير الموالي، إنّما يكون بقوله عليه السلام: (ولا تدفعها... الخ).

ويمكن أن يستدلّ له: بتوقّف الأداء الواجب عليه، وبأن لا يلزم تضييع الحقّ على مستحقّه؛ المعلوم من مذاق الشارع تحريمه.

أقول: ثمّ إنّ هذا كلّه في صورة عدم رجاء الوجود بعد ذلك، وأمّا مع الرجاء، فلا يبعد القول بعدم الوجوب، إذ التأخير في هذه الصورة - مضافاً إلى دلالة خبر الحدّاد على جوازه، وإلى اختصاص الصحيح بصورة اليأس - يشهد لجوازه ما تقدّم من جواز التأخير في الأداء في موارد الأعذار العرفيّة، ومن جملتها ذلك.

وعليه، فالأظهر جواز النقل والحفظ إلى أن يوجد.

المسألة الثانية: هل يكون ضامناً لو تلفت أم لا؟

أظهرهما الثاني، للنصوص الكثيرة المتقدّم بعضها في الفرع الأوّل، وقد عرفت أنّه لو لم يجد من يدفع إليه، وأمكن صرفها في سائر المصارف، فإنّ الأظهر عدم6.

ص: 73


1- ورد هذا الإشكال في جواهر الفقه: ج 15/436، وكذلك في كتاب الزَّكاة للشيخ الأنصاري ص 426.

الضمان، كما أنّ الأظهر عدم الضمان مع كون من يدفع إليه مرجوّ الوجود، إذ الظاهر من النصوص، أنّ المعيار في عدم الضمان، عدم إمكان الدفع، سواء أكان يُرجى حضوره أم لا.

المسألة الثالثة: هل يجوز نقل الزَّكاة من بلدها مع وجودالمستحقّ فيه، كما عن جماعةٍمنهم الشيخان(1)، والحلبي(2)، وابنا زُهرة(3)، وحمزة(4)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(5)، والشهيدان(6) في بعض كتبهما، بل هو المنسوب إلى أكثر المتأخّرين ؟

أم لا يجوز كما في المتن وغيره(7)، بل عن «الحدائق»(8) نسبته إلى المشهور، بل عن «التذكرة»(9) دعوى الإجماع عليه ؟ وجهان.

استدلّ للثاني بوجوه:

1 - منافاته للفوريّة.

2 - أنّه تغرير للمال وتعريض له للتلف.

3 - ما دلّ على مداومته صلى الله عليه و آله على تقسيم صدقة أهل البوادي عليهم، وصدقة أهل الحَضَر عليهم.).

ص: 74


1- المفيد في المقنعة: ص 240، الطوسي في المبسوط: ج 1/245 و 263.
2- الكافي في الفقه: ص 173.
3- غنية النزوع: ص 125-126: (نعم اعتبر الأولويّة صرفها في البلد بعد ان أوجب نقلها إلى الإمام أو نائبه.. الخ).
4- الوسيلة: ص 130.
5- منتهى المطلب: ج 1/529 (ط. ق)، مختلف الشيعة: ج 3/246.
6- الدروس: ج 1/246، شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 5/62، قوله: (كما يجوز نقل الزَّكاة للغرض).
7- الخلاف: ج 2/28، الشرائع: ج 1/125، البيان: ص 320، شرح اللّمعة: ج 2/39.
8- الحدائق الناضرة: ج 12/239.
9- تذكرة الفقهاء: ج 5/341 (ط. ج).

4 - صحيح الحلبي: «لا تَحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين»(1).

5 - ما دلّ على الضمان بالنقل مع وجود المستحقّ (2).

6 - الإجماع المحكيّ عن «التذكرة»(3).

أقول: إنّ هذه الوجوه - سوى الإجماع - لو تمّت لا تصلحُ مدركاً للحكم في مقابل النصوص الآتية، الدالّة على الجواز، مع أنّها لا تتمّ :

أمّا الأوّل: فلعدم لزوم الفوريّة بنحوٍ يُنافي مع النقل الذي يكون السفر بها شروعاً في الإخراج.

وأمّا الثاني: فلأنّ تعريضه للتلف، يقتضي البناء على الضمان، لا عدم الجواز، مع أنّه أخصّ من المدّعي، إذ ليس كلّ نقلٍ معرّضاً للتلف.

وأمّا الثالث: فلأنّ مداومته صلى الله عليه و آله لم تكن على سبيل الوجوب، كيف وقد دلّ الدليل على نفي التوقيت والتوظيف، مع أنّه صلى الله عليه و آله كان ينصب العمّال والجُباة للصدقات، فضلاً عن أنّه أخصّ من المدّعى، إذ ربما كان النقل من الأعراب إلى الأعراب ومن المهاجرين إليهم.

وأمّا الرابع: فالجواب عن الصحيح يظهر ممّا ذكرناه.

وأمّا الخامس: فلأنّ الضمان لا يُلازم عدم الجواز.

وأمّا السادس: فلعدم ثبوته، لا سيّما بعد إفتاء حاكيه بخلافه في كتابه الآخر، مع).

ص: 75


1- الكافي: ج 3/554 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/284 ح 12031.
2- الكافي: ج 3/553 باب الزَّكاة تبعث من بلد إلى بلد. وسائل الشيعة: ج 9/285 باب 39.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/341 (ط. ج).

أنّه يمكن أنْ يكون مستند المجمعين ما تقدّم، فلا يكون إجماعاً تعبديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام.

وبالجملة: فالأظهر هو الجواز للأصل، ولشهادة جملة من النصوص به:

منها: صحيح هشام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرّجل يُعطي الزَّكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟

فقال عليه السلام: لا بأس»(1).

ومنها: صحيح أحمد بن حمزة، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام:

«عن الرّجل يُخرج زكاته من بلدٍ إلى بلد آخر، ويصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك ؟ قال عليه السلام: نعم»(2). ونحوهما غيرهما.

المسألة الرابعة: لا خلاف في الضمان لو تلفت بالنقل، وتشهد له النصوص المتقدّم بعضها، وقد تقدّم تنقيح القول في ذلك(3) فلا نُعيد.

***د.

ص: 76


1- الكافي: ج 3/554 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/282 ح 12026.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/46 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/283 ح 12029.
3- راجع مبحث (نقل الزكاة من بلدها) صفحة 72 من هذا المجلّد.

ولابدّ من النيَّة عند الإخراج.

اعتبار نيّة القُربة في الزَّكاة

(ولابدّ من النيَّة عند الإخراج) بلا كلامٍ ، إذ لا يتّصف الفعل الصادر عن غير الإرادة والنيّة بالحُسن والقُبح، ولا يتعلّق به الأمر والنهي.

وهل تعتبر فيها القربة والإخلاص أم لا؟

وجهان أظهرهما الأوّل، للإجماع عليه بقسميه، كما ادّعاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) وغيره(2).

أقول: أمّا الكلام في كون نيّة القربة شرطاً للزكاة أو جزءاً، والكلام في أنّ الدّاعي القُربي منحصرٌ في الأمر والمحبوبيّة أم لا، وبيان مراتب غايات الامتثال، فقد تقدّمت في بحث النيّة من كتاب الصَّلاة من هذا الشرح فلا نعيد.

وأيضاً: يعتبر فيها التعيين لاعتبار قصد الخصوصيّات المأخوذة في متعلّق الأمر، غاية الأمر أنّه في صورة وحدة الواجب تكفي نيّة ما في الذمّة أو الأمر الخاص، لكونه قصداً للخصوصيّات إجمالاً، وهذا المقدار يكفي، فلو كان ما عليه متعدّداً، كما إذا كان عليه خمسٌ وزكاةٌ وهو هاشمي، فأعطى هاشميّاً، أو كان عليه زكاة وكفّارة، أو كان عليه زكاة المال والفطرة وجب التعيين، وذلك لوجهين:

الأوّل: لأنّ الظاهر من الأدلّة أخذ العناوين الخاصّة في الموضوع، فلا يمكن

ص: 77


1- جواهرالكلام: ج 15/471.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/327 (ط. ج)، مدارك الأحكام: ج 5/299.

امتثال الأوامر خالياً عن القصد.

الثاني: ولأنّ إعطاء المال كما يصلح أن يقع امتثالاً لأحدهما، يصلح أن يقع امتثالاً للآخر، فلابدّ في وقوعه امتثالاً لأحدهما المعيّن من قصده، كي لا يلزم الترجيح بلا مرجّح.

التوكيل في أداء الزَّكاة

أقول: وفي المقام مسائلٌ مناسبة لهذا المبحث، ينبغي التعرّض لها:

المسألة الأُولى : يجوز للمالك التوكيل في أداء الزَّكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال، بلا خلاف فيهما.

وتشهد لهما جملةٌ كثيرة من النصوص:

منها: موثّق سعيد: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يعطى الزَّكاة، فيقسّمها في أصحابه، أيأخذ منها شيئاً؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

وظاهر ذلك التوكيل في الإيصال.

ومنها: موثّق ابن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: «إنْ كان ثقة فمُرْه أن يضعها في مواضعها، وإنْ لم يكن ثقة فخذها أنتَ وضعها في مواضعها»(2).

وظاهر ذلك التوكيل في الأداء أيضاً. ونحوهما غيرهما، وهي روايات كثيرة:

منها: ما ورد في نقل الزَّكاة من بلدها إلى آخر(3) ومنها نصوص شراءالعبيد(4).

ص: 78


1- الكافي: ج 3/555 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/287 ح 12039.
2- الكافي: ج 3/539 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/280 ح 12019.
3- الكافي: ج 3/553 باب الزَّكاة تُبعث من بلدٍإليبلد. وسائل الشيعة: ج 9/282 باب جواز نقل الزَّكاة أو بعضها.
4- وسائل الشيعة: ج 9/291 باب جواز صرف الزَّكاة في شراء العبيد.

ومنها: نصوص الأمر بإيصالها إلى مستحقّيها. ونحو ذلك.

التوكيل في الأداء: وهو الذي حقيقته النيابة عن المالك في أداء العبادة - نظير النائب في الصَّلاة - فإنّه يجب على الوكيل حين الدفع إلى الفقير أن ينويها عن المالك لكونه المؤدّي للزّكاة، ولا تجبُ على المالك النيّة لا حين الدفع إلى الفقير، ولا حين الدفع إلى الوكيل، والأحوط أن ينوي هو أيضاً، لكن حين الدفع إلى الفقير، لأنّ به يتحقّق الإعطاء للزكاة، ولا وجه للنيّة حين الدفع إلى الوكيل، لعدم كونه موضوع الوجوب العبادي.

وفي التوكيل في الإيصال يتولّى المالك النيّة حين دفع الوكيل إلى الفقير، لأنّه الموضوع للوجوب العبادي.

عدم وجوب نقل الزَّكاة إلى الفقيه

المسألة الثانية: يجوز للمالك أن يتولّى دفعها بنفسه أو من خلال وكيله، بلا خلافٍ فيه في الجملة، خلافاً للمفيد(1) والحلبي(2) حيث أوجبا الدفع إلى الإمام مع الحضور، وإلى الفقيه مع الغيبة، وعن ابن زُهرة(3) والقاضي(4) الاقتصار على وجوب الدفع مع الحضور.

وتشهد للمشهور: أخبارٌ كثيرة واردة في أنواع المستحقّين، وشرائطهم، وفي نقلها وعزلها وغير ذلك، وفي بعضها رَدّ الإمام عليه السلام الزَّكاة إلى مالكها ليخرجها

ص: 79


1- المقنعة: ص 252.
2- الكافي في الفقه: ص 172.
3- غنية النزوع: ص 125.
4- المهذّب: ج 1/171.

بنفسه، وقال عليه السلام: «إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا، فإنّه يقسّم بالسويَّة، ويعدل في خلق الرحمن البِرّ والفاجر».

واستدلّ للمفيد والحلبي: بقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها(1)» (2)إذ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.

وأورد عليه: بعدم دلالتها على كون الصدقة من الزَّكاة، لجواز إرجاعه إلى المال الذي أخرجوه من أموالهم كفّارةً ، لتخلّفهم عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهم الآخرون المُرْجَوْنَ لأمر اللّه كما في صدر الآية الشريفة.

وفيه: ما تقدّم في أوّل هذا الكتاب، من أنّ هذه الآية بمساعدة الأخبار، أوضح آية وردت حول تشريع الزَّكاة، فراجع(3).

والحقّ في الجواب أن يقال: إنّها تدلّ على لزوم الدفع بعد المطالبة، ولا كلام في وجوبه بعد مطالبته صلى الله عليه و آله، والكلام إنّما هو في وجوب الدفع قبلها، مع أنّ الأخبار الظاهرة في جواز تولّي المالك الإخراج بنفسه فوق حَدّ الإحصاء، والنزاع في اختصاصها بزمان الغيبة، وزمان قصور أيدي الأئمّة عليهم السلام، وعمومها لزمان بسط أيديهم، لا يترتّب عليه الأثر، فالإغماض عنه أولى .

قال الشيخ الأعظم رحمه الله(4): (ولو طلبها الفقيه، فمقتضى أدلّة النيابة العامّة وجوب الدفع:

1 - لأنّ منعه ردّ عليه، والرّاد عليه رادٌّ على اللّه تعالى كما في مقبولة عمر ابن حنظلة(5).ي.

ص: 80


1- سورة التوبة: الآية 103.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/224، جواهر الكلام: ج 15/425.
3- صفحة 7 و 8 من هذا المجلّد.
4- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 356.
5- وسائل الشيعة: ج 27/11، أبواب صفات القاضي.

2 - ولقوله عليه السلام في التوقيع الشريف الوارد في وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الأحاديث قال: (فإنّهم حُجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه)(1).) انتهى.

أقول: قد تقدّم في مبحث صلاة الجمعة من هذا الشرح أنّه لا دليل على النيابة العامّة، وأنّ المقبولة مختصّة بباب المنازعات وخصومات، والتوقيع مختصٌّ بباب الأحكام، فراجع(2).

وعليه، فالأظهر عدم وجوب الدفع إليه، كما أنّ الأظهر جواز الدفع إليه، وإنْ لم يكن بعنوان التوكيل في الأداء، أو في الإيصال، بل بعنوان أنّه وليٌّ عام على الفقراء.

وهل يستحبّ ذلك أم لا؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بفتوى جماعة بالاستحباب.

2 - وبأنّه أبصر بمواقعها.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ فتوى الفقيه ليست من موارد قاعدة التسامح.

ويرد على الثاني: أنّه غير مطّردٍ، إذ ربما يكون المالك أبصر بمواقعها.

الزَّكاة متعلّقة بالعين

المسألة الثالثة: في متعلّق الزَّكاة، وكيفيّة تعلّقها.

أقول: الكلام فيها يقع في جهات:

الأُولى : في أنّها متعلّقة بالعين أو بالذمّة ؟

الثانية: في أنّه على فرض تعلّقها بالعين، هل هي متعلّقة بها بما لها من الماليّة، أم

ص: 81


1- الاحتجاج: ج 2/469، وسائل الشيعة: ج 27/11 أبواب صفات القاضي.
2- فقه الصادق: ج 7/435.

متعلّقة بها بما لها من الخصوصيّات الشخصيّة ؟

الثالثة: في أنّ ثبوتها في العين، هل يكون بنحو الملكيّة، أو يكون حقّاً متعلّقاً بالعين ؟

الرابعة: في أنّه على القول بكونها بنحو الملكيّة، هل تكون شركة أرباب الزَّكاة مع المالك على وجه الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن ؟

الخامسة: في أنّه على القول بكونها حقّاً، هل هي من قبيل حقّ الجناية، أو من قبيل حقّ الرهانة، أم من قبيل غيرهما؟

أمّا الجهة الأُولى : فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1) أنّها متعلّقة بالعين، وإنْ جاز دفعها من غيرها، وعن «التذكرة»(2)، و «المنتهى»(3) نسبته إلى علمائنا، ونُسِب إلى بعضٍ (4) تعلّقها بالذمّة.

وتشهد للأوّل: ظواهر الأدلّة من الكتاب والسُنّة.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً » (5) بناءً على أنّ المراد من أموالهم، هي الزكويّة منها، فيكون الأمر بالأخذ منها مستلزماً لتعلّقها بالعين، إذ الحكم الشرعي إذا تعلّق بعين خاصّةٍ من الأعيان، يستفاد منه ثبوت الحقّ فيها، وبه تظهر دلالة قوله تعالى : «وَ اَلَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ » (6).

وأمّا الأخبار: فهي كثيرة:4.

ص: 82


1- الحدائق الناضرة: ج 12/141.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/187 (ط. ج).
3- منتهى المطلب: ج 1/505.
4- مستند الشيعة: ج 9/217.
5- سورة التوبة: الآية 103.
6- سورة المعارج: الآية 24.

منها: ما يدلّ على الشركة، كموثّق أبي المعزاء: «إنّ اللّه تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»(1).

ومنها: ما يدلّ على أنّه إذا باع النصاب قبل أداء الزَّكاة، وجبت على المشتري، ويرجع بها إلى البائع، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجل لم يُزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال عليه السلام: نعم، يؤخذ منه زكاتها، ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع»(2).

إذ لولا تعلّقها بالعين لما كان وجهٌ لتعلّقها بالمشتري.

ومنها: ما يدلّ على تصنيف المال الزكوي وتصديعه، ثمّ تخيير المالك إلى أن يبقى ما فيه حقّ اللّه؛ كمصحّح بريد بن معاوية، قال:

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: بعثَ أمير المؤمنين عليه السلام مصدّقاً إلى بادية الكوفة - إلى أنْ قال عليه السلام له - فإذا أتيتَ ماله فلا تدخله إلّابإذنه، فإنّ أكثره له - إلى أنْ قال عليه السلام - فاصدع المال صدعين، ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثمّ أصدع الباقي صدعين، ثمّ خيّره... إلى آخره»(3).

وبهذا المضمون ما في «نهج البلاغة»، ولا يخفى أنّ فيهما دلالة من وجهين:

أحدهما: التعليل بأنّ أكثره له، فإنّه صريحٌ في أنّ أقلّه ليس له، بل للفقراء.

ثانيهما: الأمر بالتصديع.

ومنها: ما يدلّ على العزل، وتقسيط الربح لو اتّجر بالزكوي؛ كخبر أبي حمزة،8.

ص: 83


1- الكافي: ج 3/545 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/215 ح 11868.
2- الكافي: ج 3/531 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/127 ح 11674.
3- الكافي: ج 3/536 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/129 ح 11678.

عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن الزَّكاة تجبُ عليَّ في مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها؟

قال عليه السلام: اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنتَ لها ضامن، ولها الربح، وإنْ تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة، فليس عليك شيء، فإنْ لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك، فلها تقسيطها من الربح ولا وضيعة عليها»(1).

وهو أيضاً يدلّ على المطلوب من وجهين:

من حيث الأمر بالعزل، وتقسيط الربح مع عدمه، فإنّه لو لم تكن العين مِلْكاً للفقراء، لما كان وجهٌ للتقسيط.

ومنها: النصوص الكثيرة المتضمّنة لفظ (إخراج الزَّكاة)، فإنّ الإخراج من شيءٍ إنّما يكون مع دخوله فيه.

أقول: وقد استدلّ له بوجهين آخرين:

الوجه الأوّل: ما عن «التذكرة»(2): من أنّه لو وجبت الزَّكاة في الذمّة، لتكرّرت في النصاب الواحد، بتكرّر الحول، لعدم انثلام النصاب، ولم تُقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قَصُرت التركة، ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، ولم يجز للسّاعي تتبّع العين لو باعها المالك، وهذه اللّوازم باطلة اتّفاقاً، وكذا الملزوم.

بيان الملازمة:

أمّا في الأوّل: فلأنّه لو فرضنا عنده أربعين شاة، ولم يزكّ حتّى مضى عليه عامان، فمقتضى تعلّقها بالذمّة، لزوم إعطاء شياه متعدّدة بتعدّد السنة، إذ النصاب7.

ص: 84


1- الكافي: ج 4/60 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/307 ح 12089.
2- المدارك: ج 5/97، حكاه عن الشيخ وغيره السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 11/367.

المجتمع لجميع شرائط الزَّكاة موجودٌ في كلٍّ منهما، وقد اتّفقت كلماتهم على عدم وجوب أزيد من شاةٍ واحدة، وهذا كاشفٌ عن تعلّقها بالعين، إذ في العام الأوّل ينثلم النصاب لأجل كون واحدٍ من الأربعين مِلْكاً للفقراء، فلا يبقى عنده بعد ذلك العام نصاب تامّ .

وأمّا في الثاني: فلأنّها لو كانت متعلّقة بالذمّة، لكانت في عرض سائر ديون الميّت، ولا يبقى لتقديمها على سائر الديون وجه.

وأمّا الأخيران: فالملازمة فيهما ظاهرة.

أقول: ولا يخفى إنّ هذا يتمّ لو كان بطلان اللّوازم مسلّماً عند الجميع، حتّى القائل بالذمّة، وإلّا لم يكن وجه للتمسّك به.

الوجه الثاني: النصوص المسوقة لبيان الفريضة في النُصُب المعبّرة بلفظة (في) الظاهرة في الظرفيّة، الدالّة على دخولها فيها، المساوق ذلك للعينيّة، كقولهم عليهم السلام: (فيما سَقَتِ السَّماءُ العُشر، وفيما سُقي بالدّوالي نصف العُشر).

وأورد عليه: بأنّ الظرفيّة المترائية فيها ليست حقيقيّة، بل إنّما هي ظرفيّة اعتباريّة، ولم يثبت كون لفظة (في) حقيقة فيها، بل غاية ما ثبت كونها حقيقة في الظرفيّة الحسيّة، وحينئذٍ فيدور الأمر بين الحمل على الظرفيّة الاعتباريّة أو السببيّة، ولا معيّن لإحداهما، مع أنّه يرد عليه أنّ ذلك لو تمّ ، فإنّما هو فيما لو كان الفريضة من جنس النصاب، وأمّا ما ليس كذلك، كما في قوله: (في خمسٍ من الإبل شاة).

وعليه، فالأظهر فيه السببيّة دون الظرفيّة.

ص: 85

وقد استدلّ للقول الثاني: بقوله عليه السلام: (في خَمسٍ من الإبل شاة)(1) ونحوه ممّا كانت الفريضة فيه ليست من جنس النصاب، فإنّ الظرفيّة غير متصوّرة فيها، فيتعيّن الحمل على السببيّة، وعليها تُحمل باقي الخطابات أيضاً، لأنّ الجميع من وادٍ واحد.

وفيه أوّلاً: إنّ السببيّة تُلائم مع ثبوت الحقّ في المال.

وثانياً: إنّ هذه لا تصلح للمقاومة، مع ما سبق التصريح في تعلّقها بالعين.

وثالثاً: إنّ اعتبار التسبيب معارضٌ بإمكان ارتكاب مجاز آخر، وهو تقدير مقدار قيمة شاةٍ ونحوه، ولا ترجيح للأوّل.

أقول: وربما يتمسّك له بأنّه لو وجبت في العين، لجاز إلزام المالك بالأداء منها، ولا يجوز له إبدالها بالقيمة، ولمُنع من التصرّف حتّى يخرج الفرض، وللزم عليه التقسيم، وكذا القرعة، واللّوازم كلّها باطلة اتّفاقاً، فكذلك الملزوم.

وفيه أوّلاً: سيأتي توجيه انطباقها على القول بالمِلْكيّة.

وثانياً: إنّ هذه اللّوازم لا تُنافي تعلّقها بالعين على وجه الاستيثاق الذي هو أحد الأقوال.

وعن الشهيد في «البيان»(2): احتمال التفصيل بين تعلّقها بالذمّة في نُصُب الإبل الخمسة فقط، وتعلّقها بالعين في غيرها.

واستدلّ له: بأنّه مقتضى ظواهر النصوص المتقدّمة، وما ورد في الإبل المحمول على السببيّة.

أقول: ويرد عليه وجهان من الوجوه الثلاثة التي أوردناها على الاستدلال7.

ص: 86


1- تهذيب الأحكام: ج 4/20 باب زكاة الإبل، وسائل الشيعة: ج 9/108 باب تقدير النصب من الإبل.
2- البيان الشهيد الأوّل: ص 187.

الأوّل للقول بتعلّقها بالذمّة.

قال الفاضل النراقي(1): يجب تعميم التعلّق بالذمّة إلى كلّ ما ليست الفريضة فيه من جنس النصاب، كالشاة من الإبل، وبنت المخاض من بنات اللّبون، والتبيع من المُسنّات، ونحو ذلك.

وأظنّ أنّمدركه والجواب عنه ظاهران ممّا قدّمناه. وعليه فالأظهر تعلّقها بالعين.

***

الزَّكاة متعلّقة بماليّة العين

أمّا الجهة الثانية: فإنّ البحث فيها عن أنّه هل هي متعلّقة بالعين بما لها من الماليّة، أم متعلّقة بها بما لها من الخصوصيّات الشخصيّة ؟

أقول: الظاهر هو الأوّل، لما دلّ على جواز أداء القيمة، وعدم وجوب الأداء من نفس العين، وإنْ لم يرض الفقير به، وأنّ ما يؤدّيه المالك من غير العين زكاة ليس إلّا، دون أن يكون دفعها باعتبار أنّ له ولاية التبديل، لاحظ النصوص الواردة في احتساب الدين من الزَّكاة، وفي أداء المقرِض زكاة القرض وغيرهما، وأنّه لا يكون ممنوعاً من التصرّف حتّى يُخرج الزَّكاة، ولا يلزم عليه التقسيم والقرعة، إذ لو كانت متعلّقة بذات العين بما لها من الخصوصيّات، لم تكن هذه الأحكام ثابتة، بل كان يجوز إلزام المالك بالأداء منها، ولم يجز له تبديلها بالقيمة، ولكان ممنوعاً من التصرّف فيها إلّابعد الإخراج، وكان يجب عليه التقسيم أو القرعة، فيستكشف من مجموع هذه الإحكام أنّها متعلّقة بالعين لا بخصوصها، بما لها من الماليّة، ويمكن أن

ص: 87


1- مستند الشيعة: ج 9/217.

يستظهر ذلك من الآية الشريفة: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً » (1) إذ الظاهر منها وجوب الزَّكاة في الأموال من حيث إنّها أموال.

في أنّ ثبوتها فيها بنحو الحقّية لا المِلْكيّة

وأمّا الجهة الثالثة: وهي أنّ ثبوت الزَّكاة في العين هل هو بنحو المِلْكيّة، أم بنحو الحقّية ؟

الظاهر من كلمات الأصحاب - كما عن «التذكرة»(2) - هو الأوّل، وعن «إيضاح» الفخر(3) نسبته إليهم.

وعن جمعٍ من الأساطين منهم المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4) اختيار الثاني، ويُشعر به كلام الشهيد الثاني في «المسالك»(5)، وتردّد فيه في محكيّ «البيان»(6).

واستدلّ للأوّل: بوجوه:

الوجه الأوّل: ظواهر النصوص المشتملة على لفظة (في) الظاهرة في الظرفيّة، مثل قوله عليه السلام: (في أربعين شاةٍ شاةٌ ) ونحو ذلك، فإنّ ظاهرها إرادة الجزء الحال في الجميع.

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم من عدم ظهورها في الظرفيّة - أنّه لو سُلّم ذلك،

ص: 88


1- سورة التوبة: الآية 103.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/38 (ط. ج).
3- إيضاح الفوائد: ج 1/177.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/64 (ط. ج).
5- مسالك الأفهام: ج 1/379.
6- البيان: ص 186.

يمكن أنْ يكون الظرف لغواً متعلّقاً بفعلٍ مقدّرٍ مثل يجب، فيكون مدخول كلمة (في) ظرفاً لذلك الفعل.

ويشهد لكون الظرف لغواً لا مستقرّاً متعلّقاً بكائن؛ التصريح بالفعل في جملةٍ من النصوص، كما في صحيح زرارة الوارد فيه:

«وجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الصدقة في كلّ شيءٍ أنبتت الأرض... الخ»(1).

وفي صحيح الفضلاء: «فرض اللّه عزّ وجلّ الزَّكاة مع الصَّلاة في الأموال»(2).

ونحوهما غيرهما.

وعليه، فلا تدلّ على ظرفيّة النصاب لنفس الزَّكاة، مع أنّه لو سُلّم ذلك، فحيثُ إنّه لا ريب في أنّ الظرف غير المظروف، فيكون ظاهرها كون الزَّكاة شيئاً موضوعاً على المال خارجاً عنه، فيتعيّن أن تكون حقّاً قائماً في العين، مع أنّه لو سُلّمت الظرفيّة، وأغمض عمّا ذكرناه، فهي غير ظاهرة في ظرفيّة الكلّ للجزء، بل يجوز أن تكون من ظرفيّة موضوع الحقّ للحقّ . مع أنّه لو أغمضنا عن جميع ذلك، بما أنّ في المقام طائفتين اُخريين من النصوص:

الطائفة الاُولى: ما تضمّن حرف الاستعلاء بدل حرف الظرفيّة:

1 - صحيح الفضلاء: «إنّما الصدقة على السّائمة المرسلة»(3).

2 - صحيح رفاعة: «إذا اجتمع مائتا درهم، فحالَ عليها الحول، فإنّ 4.

ص: 89


1- الكافي: ج 3/69 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/63 ح 11536.
2- الكافي: ج 3/509 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/55 ح 11506.
3- الكافي: ج 3/530 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/119 ح 11654.

عليها الزَّكاة»(1).

ونحوهماغيرهما، وظاهرهذه كون الزَّكاة شيئاً موضوعاً على المال خارجاًعنه.

الطائفة الثانية: ما تضمّن للحرفين معاً، كصحيح زرارة: «إنّما الصدقة على السّائمة المرسلة في مرجها، عامها الذي يقتنيها فيه الرّجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(2). ونحوه غيره.

فلابدّ من الجمع بين النصوص، وهو يقتضي البناء على كون الزَّكاة حقّاً متعلّقاً بالعين.

الوجه الثاني: ما تضمّن أمر أمير المؤمنين عليه السلام عامله بقسمة المال نصفين إلى أن يبقى ما فيه وفاءً لحقّ اللّه تعالى ، فإنّ القسمة من لوازم المِلْكيّة، مضافاً إلى أنّ مفهوم قوله عليه السلام: (فإنّ أكثره له) دالٌّ على أنّ أقلّه ليس له.

وفيه أوّلاً: قوله عليه السلام في ذيله: (حتّى يبقى ما فيه وفاءً لحقّ اللّه في ماله) ظاهرٌ في أنّ الزَّكاة حقّ وخارجٌ عن المال متعلّق به، لا أنّه جزءٌ منه، وهو يصلح لحمل قوله: (أكثره) له على أنّ الأكثر لا يكون متعلّقاً لحقّ اللّه، بل هو موضوعٌ لسلطنته المطلقة بخلاف الأقلّ ، وأمّا أمره بالتصديع والتنصيف إنّما هو لتعيين ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله.

وثانياً: أنّه لو سُلّم ظهوره في الملكيّة، لكن يعارضه خبر غياثٍ ، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام:5.

ص: 90


1- الكافي: ج 3/515 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/143 ح 11701.
2- الكافي: ج 3/530 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/119 ح 11655.

«كان عليٌّ صلوات اللّه عليه إذا بعث مصدّقه، قال له: إذا أتيتَ على ربّ المال فقل: تصدّق رَحِمك اللّه ممّا أعطاك اللّه، فإنْ وَلّى عنك فلا تراجعه»(1).

الظاهر في أنّ الزَّكاة ما أمر بالتصدّق به، لا أنّه تعالى أخرجها بالفعل عن ملك مالكها. والجمع يقتضي البناء على ما ذكرناه.

الوجه الثالث: النصوص المتضمّنة أنّ اللّه تعالى جَعَل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، كحسن عبد اللّه بن مسكان وغير واحدٍ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن اللّه جَعَل للفقراء في مال الأغنياء ما يكفيهم، ولولا ذلك لزادهم»(2).

وفيه: إنّه كما يحتمل أنْ يكون المراد بكلمة الموصول: (ما) العين لتدلّ على الملكيّة، كذلك يحتمل أنْ يكون المراد بها الحقّ ، لتدلّ على الحقّية، ولعلّ بعض تلك النصوص كصحيح ابن سنان، يكون أظهر في الثاني فراجع(3).

الوجه الرابع: ما يدلّ على العزل، وتقسيط الربح لو اتّجر بالزّكوي، كخبر أبي حمزة المتقدّم في الجهة الأُولى .

وفيه: الاستدلال به إن كان بلحاظ الأمر بالعزل، فيرد عليه أنّ العزل كما يكون لكون بعض المال مِلْكاً للغير، كذلك يكون من جهة كونه متعلّقاً لحقه، وإنْ كان بلحاظ تقسيط الربح، فيرد عليه أنّ الظاهر عدم بناء الأصحاب على العمل به، كيف وقد دلّت النصوص على صحّة بيع النصاب، وأنّه يبقى لزومه بالنسبة إلى مقدار الزَّكاة مراعى إلى أن يؤدّي البائع زكاتها من مالٍ آخر، كصحيح عبد الرحمن).

ص: 91


1- الكافي: ج 3/538 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/312 ح 12102.
2- الكافي: ج 3/497 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/13 ح 11395.
3- تقدّم في بحث: (لا زكاة في الدَّين).

المتقدّم، الدالّة على عدم استحقاقه للربح، مع أنّ الجمع بينه وبين ما دلّ على أنّها بنحو الحقّية، يقتضي البناء على كونه حكماً تعبّديّاً محضاً.

الوجه الخامس: موثّق أبي المعزا المتقدّم في الجهة الأُولى .

وفيه: إنّه قابلٌ للحمل على الشركة بمعنى يجتمع مع جعل الحقّ ، ولا أقلّ من تعيّن صرفه إلى ذلك لما تقدّم.

فتحصّل: أنّ الأظهر كون ثبوتها في العين على نحو الحقيّة لا المِلْكيّة.

أقول: ويؤيّد المختار، بل تشهد له اُمورٌ اُخر غير ما تقدّم:

منها: ما تقدّم من الفروع التي تمسّك بها القائل بالذمّة من جواز إخراج الزَّكاة من غير العين، وجواز تصرف المالك في النصاب بعد تعلّق الزَّكاة، وعدم لزوم التخيير والقرعة، فهذه الاُمور كلّها منافية للقول بالاستحقاق والشركة، ولذا لم يلتزم أحدٌ بشيءٍ منها في الشركة الحقيقيّة في غير المقام، فيستكشف منها أنّ تعلّقها ليس على وجه الاستحقاق، بل إنّما هو على وجه الاستيثاق.

ومنها: إنّ فرض تعلّقها بنحو الملكيّة يوجب عدم إمكان تصوّر ذلك في الزَّكاة المستحبّة، كزكاة ما عدا الغلّات الأربع من المكيلات، وزكاة الدين ونحوهما، مع أنّه لا ريب في اتّحاد سياق تعلّقها بالعين في الواجبة والمستحبّة، كما هو الظاهر من مورد اتّفاقهم على تقسيمها إلى الواجبة والمستحبّة، فإنّ الظاهر منه اتّحادهما من حيث الماهيّة، بل قد اشتمل بعض النصوص أيضاً على بيان ثبوت الزَّكاة في الواجب والمستحبّ معاً، كخبر أبي مريم وغيره، فلا مناص عن الالتزام بكون المراد من ثبوت الزَّكاة فيها، كونها متعلّقة لحقّ الفقير، الناشئ من إيجاب الشارع أو

ص: 92

ندبه التصدّق بشيء منها عليه، كغيرها من الحقوق الثابتة للفقراء في أموال الأغنياء المبيّنة في الأخبار.

ومنها: أنّ تعلّقها بها لو كان على وجه الملكيّة، كان نماء للفريضة تابعاً لها، وكان المالك ضامناً لمنافعها، سواءٌ استوفاها أم لا، كما هو الشأن في سائر الأموال المشتركة إذا غصبها أحد الشريكين، والتالي باطلٌ إجماعاً، وتشهد له كثيرٌ من النصوص:

1 - منها: ما ورد في بيان تكليف عامل الزكاة من كيفيّة أخذه الصدقات، الدالّ على أنّه ليس للعامل أن يطالب المالك أكثر من المفروضة في ماله(1)، مع أنّ العادة قاضية بأنّ العامل لم يصل إلى محلّ الصدقات في أوّل زمان حول الحول على ملك الجميع، فربما كان زمان وروده متأخّراً عن زمان تعلّق الوجوب بالنسبة إلى كثير منهم بشهرٍ أو شهرين أو أزيد، وبديهي أنّ الأنعام لا تخلو في يوم من نماء متّصلٍ أو منفصل، فلو كان النماء للفقراء كان على السّاعي مطالبته مع الفريضة.

2 - ومنها: صحيح عبد الرحمن المتقدّم، الدالّ على صحّة بيع الإبل والغنم التي لم يُزكّها صاحبها عامين، وإن بقى لزومها بالنسبة إلى مقدار الزَّكاة مراعى بأن يؤدّي زكاتها البائع من مال آخر، إذ عدم التعرّض في السؤال والجواب للنماء - مع أنّ الإبل والغنم في عامين لا تنفكّان عن النماء، والاقتصار على إخراج الزَّكاة - دليلُ عدم ضمان النماء. ومنها غير ذلك.

وأخيراً: بعدما ثبت أنّ تعلّقها بالعين، ليس على وجه الملكيّة، لا يبقى موردٌ للنزاع في الجهة الرابعة وهي أنّه هل يكون ذلك على وجه الإشاعة أو الكلّي في8.

ص: 93


1- الكافي: ج 3/536 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/129 ح 11678.

المعيّن، فالبحث في هذه الجهة يكون ملغاة.

كون الزَّكاة في العين من قبيل حقّ الجناية

وأمّا الجهة الخامسة: فالكلام فيها يقع في موردين:

الأوّل: في أنّه هل ينحصر الحق المتعلّق بالعين بحق الرهانة والجناية، لكي لا يكون هناك ثالث أم لا؟

الثاني: في تعيين أنّ الزَّكاة من أيّ قسمٍ من أقسام الحقوق ؟

أمّا المورد الأوّل: فقد يقال إنّ ظاهر كلمات الأصحاب في الموارد المتفرّقة، حصر الحقّ المتعلّق بالمال فيهما، كقولهم في مسألة تعلّق الدين بالتركة بأنّه تعلّقٌ رهني، حتّى لا يجوز للورثة التصرّف، كما هو المنسوب إلى المشهور، أو أرش جناية فيجوز.

قال الشيخ قدس سره(1): إنّ الحصر بينهما عقلي، والوجه فيه أنّ الحقّ إمّا يتعلّق ابتداءً بالذمّة ثمّ يتعلّق بالعين كالأوّل، أو لا بل يتعلّق بنفس العين من دون اعتبار تعلّقٍ بالذمّة كالثاني، وليس بين النفي والإثبات ما يصلح أنْ يكون مغايراً لهما بحسب الماهيّة.

ومنع الفخر(2) والمحقّق الثاني(3) الانحصار، ووافقهما غيرهما(4).

ص: 94


1- مستمسّك العروة: ج 9/186.
2- إيضاح الفوائد: ج 1/208.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/444.
4- البيان: ص 180، الحدائق الناضرة: ج 12/144.

وعن بعض الأساطين في مسألة الدين(1) التصريح بأنّ تعلّقه بالتركة تعلّقٌ مستقلّ لا يدخل في أحد التعلّقين، ضرورة خروجه عن موضوعهما، فلا يشمله دليلهما، وهو الأظهر، إذ ما ذُكر في وجه الانحصار لا يقتضي نفي الثالث، لأنّ ما يتعلّق بالعين ربما يكون تعليقيّاً كحقّ الجناية، فإنّ استقراره على رقبة العبد الجاني، معلّقٌ على عدم فدية المولى ، وربما يكون تنجيزيّاً كما في منذور الصدقة، أعني من نَذَر أن يتصدّق بمال.

وأمّا المورد الثاني: فالدليل والأصل يقتضيان عدم كونه تنجيزيّاً:

أمّا الأوّل: فهو ما دلّ على جواز تبديل المالك.

وأمّا الثاني: فلأنّ أصل البراءة يوافق المشروط، لو دار الأمر بينه وبين التنجيز، فيدور الأمر بين كونه من قبيل حقّ الرهانة أو حقّ الجناية، والأظهر هو الأخير، لما دلّ من النصوص والفتاوى على عدم ضمان الزَّكاة بتلف النصاب، إذ لو كانت في الذمّة لا موجب لبراءة الذمّة عنها بمجرّد تلف النصاب، كما أنّ تلف الرّهن لا يوجب براءة ذمّة الراهن من الدين.

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ تعلّق الزَّكاة بالعين إنّما يكون من قبيل تعلّق حقّ الجناية، كما هو محتمل عبارة الشهيد رحمه الله(2)، والظاهر أنّه إلى ما ذكرناه يرجع ما أفاده الشيخ الأعظم(3) في المقام حيث قال: (ويمكن أن يقال إنّ معنى تعلّق الزَّكاة بالعين، هو أنّ اللّه تعالى أوجبَ على المكلّف إخراج الجزء المعيّن من المال، فيكون5.

ص: 95


1- بلغة الفقيه: ج 4/268.
2- البيان: ص 187.
3- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 205.

شيء من العين حقّاً للفقراء، بمعنى استحقاقهم أن يدفع إليهم، وعدم جواز التصرّف فيه بوجهٍ آخر، لا بمعنى مِلْكهم له بمجرّد حلول الحول، إلّاأنّ الشارع قد أذن للمالك في إخراج هذا الحقّ من غير العين، وحينئذٍ فإنْ أخرجه من غيرها، فله ذلك، وإنْ لم يخرجه من العين، ولا من غيرها، فللساعي بيع العين، لأنّ الحقّ قد ثبت، فالثابت في العين حقّ للفقراء لا مِلْك لهم، فلو لم يخرجه المالك من المال، ولا من غيره، أخرجه الساعي من المال لا من غيره، إذ لا تسلّط له على غيره، فإنّ حقّ الفقراء في النصاب). انتهى.

***

ص: 96

وأمّا الضمان فشرطه اثنان: الإسلام، وإمكان الأداء، فالكافرُ يسقطُ عنه بعد إسلامه، ومن لم يتمكّن من إخراجها مع الوجوب إذا تلفت لم يضمنها.

شرط الضمان

(وأمّا الضمان فشرطه اثنان: الإسلام، وإمكان الأداء، فالكافر يسقط عنه بعد إسلامه، ومن لم يتمكّن من إخراجها مع الوجوب إذا تلفت لم يضمنها).

أقول: ها هنا فروع:

الفرع الأوّل: إنّ المسلم يكون ضامناً إذا أخّر أداء الزَّكاة بعد وجوبه عليه، وتمكّنه منه.

الفرع الثاني: أنّه مع عدم إمكان الأداء لا يكون ضامناً. وقد تقدّم الكلام فيهما في مسألة جواز التأخير.

الفرع الثالث: أنّ الكافر إذا أسلم سقط عنه الزَّكاة، والكلام فيه يقع في جهات:

الأُولى : في أنّه هل يكون الكافر مكلّفاً بأداء الزَّكاة، وتكون ثابتة في ماله أم لا؟

الثانية: في أنّه هل تصحّ منه إذا أدّاها أم لا؟

الثالثة: في أنّه إنْ أسلم هل تسقط الزَّكاة أم لا؟

الرابعة: في أنّه إذا تلفت هل هو ضامنٌ لها أم لا؟

وجوب الزَّكاة على الكافر

أمّا الجهة الأُولى : فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، كونه مكلّفاً بأدائها، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه، وحيث إنّ هذه المسألة من جزئيّات المسألة

ص: 97

المعروفة من أنّهم مكلّفين بالفروع كتكليفهم بالأُصول، فالأولى صرف الكلام إلى البحث في تلك المسألة.

فأقول: الظاهر أنّه لا خلاف بيننا إلّاما عن شرذمّةٍ من الإخباريين(1) أنّهم مكلّفون بها، وعن «المنتهى»(2) دعوى نفي الخلاف فيه، وعن غير واحدٍ(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: الكتاب، والسُنّة.

أمّا الكتاب: فآياتٍ منه وهي بين طائفتين:

الأُولى : عمومات الخطابات التكليفيّة، وإطلاقات آيات الأحكام - مثل قوله تعالى : «وَ لِلّهِ عَلَى اَلنّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (4) ونحو ذلك - فإنّها عامّة تعمّ الكافرين والمشركين.

الثانية: خصوص ما ورد في حقّ الكفّار والمشركين، كقوله تعالى: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ » (5)، وقوله تعالى: «قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ اَلْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ اَلْمِسْكِينَ » (6)، وقوله تعالى: «فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّى» (7).

أقول: وأورد عليها بإيرادات:

الإيراد الأوّل: أنّ ذلك تكليفٌ بما لا يُطاق، إذ تكليف الجاهل بما هو جاهل به1.

ص: 98


1- المُحدِّث الكاشاني في الوافي: ج 2/28، الحدائق الناضرة: ج 3/39.
2- منتهى المطلب: ج 2/188 وكذلك: ج 4/12 (ط. ج).
3- المبسوط: ج 1/143، مجمع الفائدة: ج 5/258، ذخيرة المعاد: ج 2/388.
4- سورة آل عمران: الآية 97.
5- سورة فصّلت: الآية 6 و 7.
6- سورة المدّثر: الآية 43 و 44.
7- سورة القيامة: الآية 31.

تصوّراً أو تصديقاً عين التكليف بما لا يُطاق.

الإيراد الثاني: أنّ جملةً من آيات الأحكام مختصّة بالمؤمنين، كقوله تعالى : «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1)، وما ورد بعنوان «يا أَيُّهَا اَلنّاسُ » * وهو الأقلّ ، لكن يُحمل عليها حملاً للمطلق على المقيّد، والعام على الخاص، ويتمّ في الباقي بعدم القول بالفصل.

الإيراد الثالث: أنّ جملةً من النصوص تدلّ على توقّف التكليف على الإقرار، والتصديق بالشهادتين:

1 - صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قلت له: أخبرني عن معرفة الإمام منكم، واجبة على جميع الخلق ؟

فقال: إنّ اللّه بعث محمّداً صلى الله عليه و آله إلى النّاس أجمعين، رسولاً وحجّةً للّه على خلقه في أرضه، فمن آمن باللّه و بمحمّدٍ رسول اللّه وصدّقه، فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن باللّه ورسوله ولم يتبعه، ولم يصدّقه ويعرف حقّهما، فكيف يجبُ عليه معرفة الإمام، وهو لا يؤمن باللّه ورسوله ويعرف حقّهما»(2).

فإنّه إذا لم تجب معرفة الإمام قبل معرفة الإيمان باللّه وبرسوله، فبطريق الأولى لا تكون سائر التكاليف ثابتة في حقّه.

2 - وخبر أبان بن تغلب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في تفسير قوله تعالى :

«وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ » (3) قال عليه السلام: أترى أنّ اللّه عزّ وجلّ طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به، حيث يقول: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ »7.

ص: 99


1- سورة المائدة: الآية 1.
2- الكافي: ج 1/180 باب معرفة الإمام.
3- سورة فصّلت: الآية 6 و 7.

الآية، إنّما دَعى اللّه للإيمان به فإذا آمنوا باللّه وبرسوله افترض عليهم الفرض»(1).

3 - وما في «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين عليه السلام: «فكان أوّل ما قيّدهم به الإقرار بالوحدانيّة والربوبيّة، والشهادة أن لا إله إلّااللّه، فلمّا أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيّه صلى الله عليه و آله بنبوّته، والشهادة بالرسالة، فلمّا ألقاه لذلك فرض عليهم الصَّلاة ثمّ الصوم ثمّ الحجّ ».

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا يتمّ بالنسبة إلى من احتمل وجود النبيّ صلى الله عليه و آله وأنّ له أحكاماً، مع أنّه:

إنْ اُريد به أنّ الجهل بالأحكام مانعٌ عن فعليّتها وتوجّهها، فهو مضافاً إلى أنّه غير مختصّ بالكافر، ويجري في المسلم، فاسدٌ، كيف وقد ادّعى الشيخ الأعظم(2)تواتر الأخبار على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل، وقد أثبتنا في الاُصول عدم معقوليّة اختصاصها بالعالم.

وإنْ اُريد به أنّ الجهل بالأُصول مانعٌ عن التكليف بالفروع، فهو يحتاج إلى دليل.

وأمّا الثاني: فلأنّه ليس المقام مقام حمل المطلق على المقيّد، لعدم التنافي بينهما، كما هو واضح.

وأمّا الثالث: فلأنّ صحيح زرارة مورده الاُصول، وخبر الواحد لا يجدي فيها.

ودعوى : كونه لبيان كيفيّة التقديم والتأخير، وهذه الجهة ليست من الاُصول، كما ترى ، ضرورة أنّه لا يترتّب عليها أثرٌ عملي كما لا يخفى .3.

ص: 100


1- تفسير علي بن إبراهيم: ص 321 ذيل الآية الكريمة.
2- فرائد الاُصول: ج 1/113.

والأخيرين ضعيفان سنداً.

أقول: وأجاب عنها جدّنا العلّامة رحمه الله(1) بأنّ سياق الأخبار المذكورة إنّما هو لبيان الترتيب بلحاظ الأمر بالمعروف، من حيث تقديم الأهمّ فالأهمّ ، قال: (ولو لم يكن هذا الاحتمال أظهر، فلا أقلّ من التساوي، فيطرأ الإجمال)، انتهى .

وحَمَلها الفاضل النراقي(2) على إرادة الترتيب في المطلوب لا الطلب.

واُجيب عنها بأجوبة اُخر، لكن الإغماض عنها أولى .

وبالجملة: بما ذكرناه ظهرت دلالة الأخبار المتضمّنة لبيان الأحكام على تكليفهم بالفروع.

قال المصنّف رحمه الله(3): الاستدلال له بأنّ الكفر لا يصلح للمانعيّة، حيث أنّ الكافر متمكّنٌ من الإتيان بالإيمان أو لا حتّى يصير متمكّناً من الفروع، وهذا بظاهره غير تامّ ، إذ مجرّد عدم المنع لا يكفي لإثبات المطلوب.

ولكن الظاهر أنّ مراده أنّ المقتضى ثابت بمقتضى ظواهر الآيات والأخبار، والمانع مفقود لهذا الوجه العقلي، فيثبت المطلوب.

فتحصّل: أنّه لا مورد للترديد في تكليفهم بالفروع، ويشهد لكونهم مكلّفين بالزكاة - مضافاً إلى ذلك - خصوص الآية الشريفة: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ » (4) وما ورد من تقبيل النبيّ صلى الله عليه و آله خيبر، وأنّه جعل عليهم في حصصهم سوى قبالة الأرض، العُشر ونصف العشر(5).7.

ص: 101


1- وهو السيّد محمّد صادق الروحاني قدس سره جدّ المؤلّف، في (كتاب الزَّكاة) (مخطوط).
2- كما يظهر من عوائد الأيّام: ص 285.
3- منتهى المطلب: ج 2/188 (ط. ج).
4- سورة فصّلت: الآية 6 و 7، راجع تفسير علي بن إبراهيم: ج 2/262 ذيل الآية.
5- الكافي: ج 5/267 ح 2، وسائل الشيعة: ج 19/40 ح 24107.
عدم صحّة الزَّكاة منه إذا أدّاها

وأمّا الجهة الثانية: فالظاهر أنّه لا خلاف في عدم صحّة أدائها منه، لما عرفت من أنّها من العبادات، وقد تسالموا على اشتراطها بالإيمان.

أقول: قد استدلّوا لعدم صحّة عبادة الكافر بوجهين آخرين:

الوجه الأوّل: ما عن المحقّق في «المعتبر»(1) وغيره(2): من أنّها مشروطة بنيّة القربة، وهي لا تصحّ من الكافر.

لكن لمّا كان ذلك قابلاً للمناقشة من جهة أنّ الكافرِ المعتقدِ باللّه يتمشّى منه قصد القربة - نعم من لا يعتقد به لا يتمكّن من ذلك - قيّده المحقّق الأردبيلي(3) رحمه الله بقوله: (بحيث يمكن ترتّب أثرها)، يعني أنّ المراد من قصد القربة القصد الذي يكون بحيث يمكن ترتّب أثرها وهو الثواب عليها، وهو لا يمكن في الكافر مع خلوده في النار.

وفيه: الثابت لزوم اعتبار قصد التقرّب، وأمّا اعتبار حصول القُرب، وترتّب الثواب عليه فلم يدلّ عليه دليل.

الوجه الثاني: ما دلّ من الآيات كقوله تعالى : «وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا» (4) وغيره، والنصوص المستفيضة الدالّة على عدم قبول العبادة من غير الموالي للأئمّة عليهم السلام، وأنّ الولاية شرط قبول الأعمال(5).

ص: 102


1- المعتبر: ج 2/490.
2- شرائع الإسلام: ج 1/129.
3- مجمع الفائدة: ج 3/236.
4- سورة التوبة: الآية 54.
5- الكافي: ج 1/183 ح 8، وسائل الشيعة: ج 1/118 ح 297.

وفيه: إنّ الكلام إنّما هو في الصحّة لا في القبول، والفرق بينهما واضح، فالعمدة ما ذكرناه.

أقول: بقي في المقام أمران:

أحدهما: إنّه ربما يُستشكل في ثبوت الوجوب على الكافر، مع عدم الصحّة، بأنّه إن اُريد وجوب أدائها حال الكفر، فهو تكليفٌ بما لا يصحّ ، وإنْ اُريد بعد الإسلام، فهو منافٍ لبنائهم على سقوطها بالإسلام.

وفيه: هذا الإشكال إنّما يختصّ بالحكم التكليفي، ولا يرد على وجوبها الوضعي، إذ يترتّب على تعلّقها بالمال في حال الكفر جواز انتزاعها منه، كما ستعرف في الأمر الثاني، فتأمّل.

وأمّا وجوبها التكليفي فالمراد به كون الكافر معاقباً على ترك أدائها إلّاإذا أسلم، ولكن لا يكون مكلّفاً بتكليف فعلي متوجّه إليه حال الكفر، وقد أوضحناه في مبحث قضاء الصلوات من هذا الشرح، فراجع(1).

ثانيهما: أنّه هل للإمام عليه السلام أو نائبه أخذ الزَّكاة منه قهراً، إذ الحاكم الشرعي لولايته على الفقراء له استيفاء أموالهم، واستنقاذ حقوقهم، كما عن «المسالك»(2)وغيرها(3) أم لا؟

أظهرهما الثاني، إذ بعد فرض كون المعتبر في أداء الزَّكاة قصد القربة، غير المتمشى من الكافر، لا دليل على جواز إجباره بالأداء أو الأخذ منه، والدليل الدالّ على صحّة الإجبار مختصٌّ بالمسلم المتمكّن من إتيان ذلك في غير حالة الإجبار، ولا يشمل الكافر الذي لا يتمكّن في غير حالة الإجبار.3.

ص: 103


1- فقه الصادق: ج 8/422.
2- مسالك الأفهام: ج 1/363.
3- غنائم الأيّام: ج 4/53.
الإسلام يُسقط الزَّكاة الواجبة

وأمّا الجهة الثالثة: ويدور البحث فيها عن أنّه هل تسقط الزَّكاة الواجبة بالإسلام، أم لا؟

فالمشهور بين الأصحاب مسقطيّة الإسلام، واستدلّ لها بما رواه في «مجمع البحرين»:

«الإسلام يجبُّماقبله، والتوبة تجبُّ ما قبلهامن الكفر والمعاصى والذنوب»(1).

وفيه: الظاهر منه - لا سيّما بعد ملاحظة ذيله - أنّ الإسلام يجبُّ الكفر ويقطعه، لا أنّه يجبُّ ما ثبت في حال الكفر.

فالأولى الاستدلال له بما عن «مناقب ابن شهر آشوب» فقد روى :

«في من طلّق زوجته في الشرك تطليقة، وفي الإسلام تطليقة ؟ قال عليّ عليه السلام:

هَدَم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة»(2).

والإيراد عليه: بالإرسال في غير محلّه، بعد كونه مشهوراً بين الأصحاب.

وأورد على الاستدلال به في المقام: إنّه فرقٌ بين الزَّكاة وغيرها من العبادات، إذ هي إنّما تكون من حقوق النّاس، كما وقع في الأخبار التصريح به، والحقوق الماليّة للغير، الثابتة على الكافر، قد يتأمّل أو يمنع عن كونها مشمولة للحديث.

أقول: والجواب عنه يتوقّف على بيان مقدّمة، وهي:

إنّ الأُمور الصالحة للجُبّ على أنحاء:

ص: 104


1- مجمع البحرين: ج 1/337 كتاب الباء باب ما أوله الجيم في لغة جيب.
2- مناقب آل أبي طالب: ج 2/186، وبحار الأنوار: ج 40/230.

أحدها: ما يكون من حقوق اللّه المختصّة به، كالعبادات البدنيّة وقضائها.

ثانيها: ما يكون من الحقوق المختصّة بالعباد، كالدِّيون والغرامات ونحوها.

ثالثها: ما يكون مشتركاً، كالكفّارات والزَّكاة والخمس ونحوها.

أمّا القسم الأوّل: فلا ريب في كونه مشمولاً لحديث الجُبّ ، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الحكم بالجُبّ في القسم الثاني، لأنّ هذه الأُمور ثابتة عليه لا بشرع الإسلام وثبوتها، ولا دخل له بما يأتي من قبل الإسلام، حتّى يوجب جُبّها، بل هي ثابتة على كلّ تقدير، فلا وجه لسقوطها بالإسلام، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه، و يؤيّده أنّ الحديث واردٌ مورد الامتنان، ولا منَّة في إسقاط حقّ الغير من دون جبران.

وأمّا القسم الثالث: فالظاهر شمول الحديث له، لأنّ ثبوته من جهة الإسلام فيصحّ جبّه.

فرع: المرتدّ هل يجب عليه أداء الزَّكاة الواجبة عليه حال رِدّته بعد عوده إلى الإسلام أم لا؟

أم يفصّل بين المرتدّ الملّي فيجب، والفطري فلا يجب ؟ وجوه:

يشهد للأوّل: عموم أدلّة الزَّكاة.

واستدلّ للثاني: بأنّه كافرٌ فيشمله ما دلّ على سقوطها عن الكافر بإسلامه.

وفيه: الظاهر من الحديث أنّ الهادم إسلامُ من كان كافراً قبله بقول مطلق، ولا يشمل من كان مسلماً ثمّ كفر.

واستدلّ للثالث: بأنّ المرتدّ الفطري لا يقبل إسلامه، فهو غير متمكّن من الأداء، فلا يكون مأموراً به.

ص: 105

وفيه: ما حقّقناه في بحث مطهّريّة الإسلام من هذا الشرح من قبول إسلام المرتدّ الفطري.

وعليه، فالأظهر عدم سقوطها عنه مطلقاً.

وأمّا المخالف: فقد دلّت النصوص على عدم السقوط عنه، فراجعها(1).

لا يضمن الكافر إذا تلفت

وأمّا الجهة الرابعة: وهي أنّه إذا تلفت هل يكون ضامناً لها أم لا؟ صرّح كثيرٌ من الأصحاب(2) بالثاني، والظاهر أنّه من جهة عدم تمكّنه من الأداء، وقد مرّ أنّ التمكّن من الأداء شرط الضمان، ولكنّه يتمّ في صورة التلف، ومحلّ الكلام ما يعمّ صورة الإتلاف، وقد اتّفقت كلماتهم على أنّ إتلاف المسلم يوجب الضمان مطلقاً، من دون اعتبار الشرط المزبور.

وعليه، فالأظهر بحسب الأدلّة هو الضمان في هذه الصورة، ولكن بعد فرض سقوطه بالإسلام تقلّ فائدة هذا البحث، فالإغماض عن الإطالة أولى .

***

ص: 106


1- وسائل الشيعة: ج 1/30 و 39.
2- المبسوط: ج 1/191، السرائر: ج 1/432، تذكرة الفقهاء: ج 5/40 (ط. ج).

البابُ الثّاني: فيما تجبُ فيه الزَّكاة:

اشارة

البابُ الثّاني: فيما تجبُ فيه الزَّكاة:

وهي تسعة أصناف لا غير.

الأجناس التي تتعلّق بها الزَّكاة

الباب الثاني: فيما تجبُ فيه الزَّكاة:

(وهي تسعة أصناف، لا غير)، أمّا وجوبها في التسعة فلا خلاف فيه فتوىً ونصّاً، بل هو من ضروريّات الفقه، إنْ لم يكن من ضروريّات الدين، وأمّا عدم وجوبها في غيرها، فهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، ولم ينقل الخلاف فيه إلّا عن يونس(1) وابن الجُنيد(2).

أقول: وتشهد للمشهور أخبار متضافرة:

منها: صحيح الفضلاء، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «فرض اللّه الزَّكاة مع الصَّلاة في الأموال، وسنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تسعة، أشياء وعفى عمّا سواهنّ : في الذهب والفضّة والإبل والبقر والغنم والحِنطة، والشعير والّتمر والزَّبيب، وعَفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمّا سوى ذلك»(3).

ومنها: صحيح ابن سنان(4) المتقدّم في أوّل الكتاب.

ومنها: موثّق زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن صدقات الأموال ؟ فقال عليه السلام:

ص: 107


1- الكافي: ج 3/509 ح 2.
2- حكى ذلك عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/195.
3- الكافي: ج 3/509 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/55 ح 11506.
4- الكافي: ج 3/497 ح 1.

في تسعة أشياء، ليس في غيرها شيء: في الذهب والفضّة والحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب والإبل والبقر والغنم السّائمة، وهي الراعية»(1). ونحوها غيرها.

وبإزاء هذه الأخبار، نصوصٌ تدلّ على ثبوتها في غيرها:

منها: صحيح محمّد بن مسلم - أو حسنه -: «عن الحرث ما يُزكّى منه ؟ فقال:

البرُّ والشعير والذَّرة والدّخن والأرّز والسّلت والعدس والسِّمسم، كلّ هذا يزكّى وأشباهه»(2).

ومنها: عن زرارة في الصحيح مثله، وقال: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزَّكاة، وقال: جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الصدقة في كلّ شيء أنبتت الأرض، إلّاما كان في الخضر والبقول، وكلّ شيء يفسد من يومه»(3).

ومنها: موثّق أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: هل في الأرّز شيء؟ فقال: نعم، ثمّ قال: إنّ المدينة لم تكن يومئذٍ أرض أرّز، فيقال فيه، ولكنّه قد جعل فيه، وكيف لا يكون فيه، وعامّة خراج العراق منه»(4). ونحوها غيرها.

وقد نُسب إلى المشهور(5): أنّ الجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على الاستحباب.

وفيه: إنّ هذا الجمع لا يتمّ في جميعها، إذ العرف يرى التهافت بين قوله عليه السلام في بعض نصوص النفي: (ليس في شيء ممّا أنبتت الأرض من الأرّز والذَّرة3.

ص: 108


1- تهذيب الأحكام: ج 4/2 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/57 ح 11511.
2- الكافي: ج 3/510 ح 1 / وسائل الشيعة: ج 9/62 ح 11524.
3- الكافي: ج 3/510 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/63 ح 11526.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/65 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/64 ح 11531.
5- جامع المدارك: ج 2/13.

وينضّمها ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: النِّعم.

تجب الزَّكاة في النِّعم الثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم بشروط أربعة، النصاب.

والحمّص والعَدَس وسائر الحبوب والفواكه شيءٌ غير هذه الأربعة)، وقولهم عليهم السلام في النصوص المثبتة: (الصدقة في كلّ شيء أنبتت الأرض) وغير ذلك من التعابير، ولا يرون أحدهما قرينةً على الآخر.

وعن يونس: حمل الأخبار الحاصرة في التسعة على صدر الإسلام، وما دلّ على ثبوتها في الجميع على ما بعد ذلك.

وفيه: إنّ جُلّ الأخبار الحاصرة آبية عن هذا الجمع، كما لا يخفى .

وعليه، فالأظهر أنّهما متعارضتان، والترجيح مع الأولى .

زكاة الأنعام

(وينضّمها ثلاثة فصول):

(الفصل الأوّل: في النِّعم) وقد عرفت أنّه (تجبُ الزَّكاة في النعم الثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم).

أقول: يقع الكلام في مقامات:

المقام الأوّل: في الشرائط.

والأظهر أنّه تجب الزَّكاة فيها (بشروط أربعة).

الشرط الأوّل: (النصاب):

لا خلاف في اعتباره، بل عليه إجماع المسلمين(1).

ص: 109


1- منتهى المطلب: ج 1/507 (ط. ق)، المعتبر: ج 2/546، مدارك الأحكام: ج 5/167.

والسّوم.

(و) الشرط الثاني: (السَّوم):

إجماعاً، حكاه جماعة(1)، ويشهد له جملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة: «ليس على ما يعلف شيءٌ إنّما الصدقة على السّائمة المرسلة في مرجها، عامها الذي يقتنيها فيه الرّجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(2).

ومنها: صحيح الفضلاء في زكاة الإبل: «وليس على العوامل شيءٌ ، إنّما ذلك على السّائمة الراعية»(3).

ومنها: في زكاة البقر: «ولا على العوامل شيءٌ ، وإنّما الصدقة على السّائمة الراعية»(4). ونحوها غيرها.

وهل السّوم شرط أو العلف مانعٌ؟ فيه خلاف، وتظهر الثمرة في فروع:

منها: ما إذا كان الزكوي واسطة بين الأمرين كالسِّخال، فإنّها ليست بسائمة ولا معلوفة، فعلى القول بالشرطيّة لا تجبُ فيها الزَّكاة، لفقد الشرط، وعلى القول بالمانعيّة تجب لعدم المانع.

ومنها: ما إذا كان عدد النصاب ديناً في الذمّة، بناءً على القول بتعلّق الزَّكاة بما في الذمّة وجوباً أو استحباباً، فإنْ قلنا بمانعيّة المعلوفة ثبت الحكم فيها لعدمها، وإنْ قلنا بشرطيّة السّوم، لا يثبت، لأنّ ما في الذمّة لا يكون سائماً.4.

ص: 110


1- المعتبر: ج 2/505، تذكرة الفقهاء: ج 5/46 (ط. ج)، مدارك الأحكام: ج 5/67.
2- الكافي: ج 3/530 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/119 ح 11655.
3- الكافي: ج 3/531 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/118 ح 11653.
4- وسائل الشيعة: ج 9/119 ح 11654.

والحول،

ومنها: غير ذلك من الفروع.

أقول: الأظهر شرطيّة السّوم، لظهور قوله عليه السلام: (إنّما الصدقة في السّائمة الراعية) في ذلك، ولا يعارضه قوله عليه السلام: (ليس على ما يعلف شيءٌ ) لتعقّبه أيضاً بقوله: (إنّما الصدقة على السّائمة الراعية) لأنّ هذا يوهن ظهور صدره في مانعيّة التعليف.

وأمّا القول بالمانعيّة من جهة استفادة المناط من الأخبار، وأنّ الملحوظ اعتبار الرفق بالمالك من حيث صرف المؤونة، وتحمّل مخارج الأنعام، ولازم ذلك القول بمانعيّة التعليف.

فمردودٌ، بأنّ هذا هو حكمة هذا الحكم، والكلام إنّما هو فيما جعله الشارع برعاية هذه الحكمة الملائمة مع كل من القولين.

وأمّا الكلام في كيفيّة اعتباره بالنسبة إلى تمام الحول أو أكثره، والكلام في بيان معنى السّوم، والمراد منه، فموكولان إلى المحلّ الذي يتعرّض المصنّف رحمه الله لهما.

(و) الشرط الثالث: (الحول):

وهو معتبرٌ في الأنعام والنقدين ممّا تجب فيه الزَّكاة، وفي مال التجارة، والخيل ممّا تستحبّ فيه، بلا خلافٍ في ذلك نصّاً وفتوى، بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه، والنصوص الدالّة عليه متظافرة، لاحظ صحيح الفضلاء، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام:0.

ص: 111


1- المعتبر: ج 2/507 (وعليه فتوى العلماء)، منتهى المطلب: ج 1/486 (ط. ق)، تذكرة الفقهاء: ج 5/49 (ط. ج)، مدارك الأحكام: ج 5/70.

وأن لا تكون عوامل.

«ليس على العوامل من الإبل والبقر شيء - إلى أن قال - وكلّ ما لم يَحلّ عليه الحول عند ربّه، فلا شيء عليه، فإذا حالَ عليه الحول وجب عليه»(1). ونحوه غيره.

وأمّا الكلام في حدّه فسيأتي عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

(و) الشرط الرابع: (أن لا تكون عوامل) إجماعاً.

وتشهد له جملةٌ من النصوص، وقد تقدّم بعضها في الشرطين السابقين، ولا يعارضها مضمر إسحاق بن عمّار: «عن الإبل تكون للجمّال أو تكون في بعض الأمصار، أتجري الزَّكاة كما تجري على السّائمة في البريّة ؟ فقال عليه السلام: نعم»(2)، ونحوه غيره.

وجه عدم المعارضة، قابليّتها للحمل على الاستحباب، وعلى فرض عدم القابليّة يتعيّن طرحها.

أقول: وظاهر المتن وغيره كون العمل مانعاً، وقد يظهر من بعضٍ جريان الخلاف المتقدّم في السّوم من حيث إنّه شرط أو العلف مانع هنا.

وأورد عليه: بأنّ عدم العمل لا يصلح أنْ يكون شرطاً لعدم كونه أمراً وجوديّاً.

ولكن يمكن الانتصارله، بأنّمراده أنّه هل يكون العمل مانعاً، أو الإرسال شرطاً؟

لكن الأظهر هو الأوّل، كما هو ظاهر النصوص.

وحيث يكون قياس العوامل كونها جمع عاملة، فقد تُوهّم اختصاص هذا الشرط بالنسبة إلى الاُنثى من الإبل والبقر وغيرهما، دون الذكور.9.

ص: 112


1- الكافي: ج 3/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/121 ح 11661.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/41 ح 17، وسائل الشيعة: ج 9/120 ح 11659.

وفيه: الظاهر اتّفاق الأصحاب على عدم الفرق بينهما، فيمكن منع اطّراد القياس مطلقاً حتّى في اللّغة، أو يعمّ الحكم من جهة عدم القول بالفصل، وعدم التصريح به إنّما هو لوضوحه وعدم الخلاف، أو يقال ثبوت هذا الحكم في الذكور بالأولويّة، فإنّه إذا كانت الإناث مشروطة بهذا الشرط الموجب للتخفيف على المالك، مع كونها مبدءاً للنماء، ومعرضاً للانتفاعات من حيث الحَمل واللّبن وغيرهما، فالذكور أولى بمراعاة التخفيف.

والكلام في كيفيّة اعتباره في تمام الحول سيأتي، فانتظر.

عدم اعتبار الأُنوثة

وظاهر المتن وغيره وصريح جمعٍ آخرين، عدم اعتبار شيء آخر غير ما ذكر، وعن سلّار اعتبار الأُنوثة، وقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ قوله عليه السلام: (في خَمسٍ من الإبل شاة)(1) يشهد به باعتبار تذكير العدد.

والجواب عنه: ما نقله المحقّق الهمداني رحمه الله(2) عن ابن هشام أنّه قال: (ويعتبر التذكير والتأنيث مع اسمي الجنس والجمع بحسب حالهما، باعتبار عود الضمير عليهما تذكيراً وتأنيثاً، فيعطي العدد عكس ما يستحقّه ضميرهما، فإن كان ضميرهما مذكراً أنث العدد، وإنْ كان مؤنثاً ذكر، فتقول في اسم الجنس: ثلاثة من الغنم عندي، بالتاء في ثلاثة، لأنّك تقول: غنم كثير، بالتذكير للضمير المستتر في كثير، وثلاث من البط بترك التاء لأنّك تقول بط كثيرة بالتأنيث للضمير المستتر

ص: 113


1- تهذيب الأحكام: ج 4/20 باب زكاة الإبل، وسائل الشيعة: ج 9/108 باب تقدير النصب من الإبل.
2- مصباح الفقيه: ج 3/34.

في كثيرة، وتقول: ثلاثة من البقر، بالتاء، أو ثلاثٌ بتركها، لأنّ ضمير البقر يجوز فيه التذكير و التأنيث باعتبارين، وذلك لأنّ في البقر لغتين التذكير والتأنيث، قال اللّه تعالى : «إِنَّ اَلْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا» (1) بتذكير الضمير، وقُرأ تشابهت). انتهى .

وبه يظهر الجواب عن الوجه الثاني، وهو قوله عليه السلام في الأخبار: (فإذا زادت واحدة)، حيث وصف مفردها بالواحدة.

الوجه الثالث: قوله عليه السلام في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج: (في خَمس قلائص شاةٌ ) الحديث، فإنّ القلوص لا يُطلق إلّاعلى الإناث.

وفيه أوّلاً: أنّه لا مفهوم له كي يدلّ على عدم ثبوتها في غير الإناث، ليقيّد به الإطلاقات.

وثانياً: إنّ تخصيص القلائص بالذِّكر إنّما يكون للجري مجرى الغالب، من عدم إبقاء الجمال معطّلة مرسلة في مرجها عامها.

ويشهد له: تعليله عليه السلام في صحيح ابن عُمير لعدم الأخذ من الذكور شيئاً بقوله:

(لأنّه ظَهر يُحمل عليها)، فإنّه كالصريح في أنّه لا فرق بين الذكور والإناث، وأنّ مناط عدم الأخذ كونها عوامل.

أقول: واستدلّ له ببعض وجوهٍ ضعيفة اُخرى، فإنّه لوضوح فساده أغمضنا عن ذكره.

وعليه، فالأظهر عدم اعتبارهذا الشرط، لاتّفاق الأصحاب وإطلاقات الأخبار.

***0.

ص: 114


1- سورة البقرة: الآية 70.

فنصاب الإبل اثنا عَشَر:

خمسٌ وفيها شاة، ثمّ عَشر وفيها شاتان، ثمّ خمس عشرة وفيها ثلاث شياه، ثمّ عشرون وفيها أربع شياه، ثمّ خمسٌ وعشرون وفيها خمس شياه، ثمّ ستّ وعشرون وفيها بنت مخاض، ثمّ ستٌّ وثلاثون وفيها بنت لبون، ثمّ ستٌّ وأربعون وفيها حُقّة، ثمّ إحدى وستّون وفيها جَذَعة، ثمّ ستٌّ وسبعون وفيها بنتُ لبون، ثمّ إحدى وتسعون وفيها حُقّتان، ثمّ مائة وواحدة ففي كلّ خمسين حُقّة، وفي كلّ أربعين بنت لبون بالغاً ما بلغ).

نُصُب الإبل

أقول: بعد وضوح الشرائط إجمالاً، يقع الكلام في تفصيل كلّ واحدٍ منها.

الكلام في الشرط الأوّل: يقع في موارد:

الأوّل: في نُصُب الإبل.

الثاني: في نُصُب البقر.

الثالث: في نُصُب الغَنم.

أمّا المورد الأوّل: (فنصاب الإبل اثنا عَشَر:

خمسٌ وفيها شاة، ثمّ عَشر وفيها شاتان، ثمّ خمس عشرة وفيها ثلاث شياه، ثمّ عشرون وفيها أربع شياه، ثمّ خمسٌ وعشرون وفيها خمس شياه، ثمّ ستّ وعشرون وفيها بنت مخاض، ثمّ ستٌّ وثلاثون وفيها بنت لبون، ثمّ ستٌّ وأربعون وفيها حُقّة، ثمّ إحدى وستّون وفيها جَذَعة، ثمّ ستٌّ وسبعون وفيها بنتُ لبون، ثمّ إحدى وتسعون وفيها حُقّتان، ثمّ مائة وواحدة ففي كلّ خمسين حُقّة، وفي كلّ أربعين بنت لبون بالغاً ما بلغ) على المشهور في الجميع.

ص: 115

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاضٍ إلى خمس وثلاثين، فإنْ لم يكن عنده ابنة مخاض فابنُ لبون ذَكَر، فإنْ زادت على خمس وثلاثين بواحدة، ففيها بنتُ لبونٍ إلى خمس وأربعين، فإنْ زادت واحدة ففيها حُقّة، وإنّما سمّيت حُقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها إلى ستّين، فإنْ زادت واحدة ففيها جَذَعة إلى خمس وسبعين، فإنْ زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإنْ زادت واحدة فحُقّتان إلى عشرين ومائة، فإنْ زادت على العشرين والمائة واحدة، ففي كلّ خمسين حُقّة، وفي كلّ أربعين ابنة لبون»(1) ونحوه غيره.

أقول: وقد وقع الخلاف في مواضع:

منها: ما عن ابن أبي عقيل(2)، من إسقاط النصاب السادس، وإيجاب بنت المخاض في خمس وعشرين إلى ستّ وثلاثين، وهو قول الجمهور، ومدركه حَسَن الفضلاء عن الإمامين الصادقين عليهما السلام:

«قالا في صدقة الإبل: في كلّ خمسٍ شاة إلى أن تبلغ خمساً وعشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثمّ ليس فيها شيءٌ حتّى تبلغ خمساً وثلاثين، الحديث»(3).4.

ص: 116


1- وسائل الشيعة: ج 9/108 ح 11639.
2- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/169.
3- الكافي: ج 3/531 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/111 ح 11644.

وردّه الشيخ في «التهذيب»(1) تارةً بالإضمار، فكأنّه أراد (وزادت واحدة)، وإنّما لم يذكر في اللّفظ، لعلمه بفهم المخاطب، واُخرى بحمله على التقيّة.

وعن «المعتبر»(2)، المناقشة في الجواب الأوّل، بأنّ الإضمار بعيدٌ في التأويل.

وعن «التذكرة»(3)، والانتصار للشيخ (بأنّ هذا التأويل ممّا يجب المصير إليه، وإنْ كان بعيداً، استناداً إلى قرينة داخليّة مستفادة من نفس الرواية، فإنّ الرواية المزبورة مشتملة على جميع النُصُب، مع عدم ذكر الواحدة فيها أيضاً إضمارها واجبٌ في جميع هذه الأعداد، نظراً إلى اتّفاق العلماء كافّة عليها، فينبغي إضمارها هنا).

أقول: ويؤيّد الإضمار ما في «الوسائل» عن الصدوق في «معاني الأخبار» عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عيسى روايته عن بعض النسخ الصحيحة: (فإذا بَلَغَت خمساً وعشرين،... فإنْ زادت واحدة ففيها بنت مخاض)(4)، وهكذا من حيث زيادة الواحدة إلى آخر النُصُب.

وقد حُقّق في محلّه أنّه إنْ دار الأمر بين الزيادة والنقيصة، فإنّ الأصل يقتضي البناء على وجود الزيادة، وعليه فيتعيّن العمل بما رواه الصدوق، وهو يدلّ على المشهور أيضاً.9.

ص: 117


1- تهذيب الأحكام: ج 4/23 ذيل الحديث 4.
2- المعتبر: ج 2/500.
3- قد يظهر ذلك من تذكرة الفقهاء: ج 5/58 (ط. ج) (نصب الإبل) في تعليقه على ما روي عن الصادقين عليهما السلام.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/23 ح 1604، وسائل الشيعة: ج 9/108 ح 11639.

ومنها: ما عن ابن الجُنيد - على ما في «مختلف» المصنّف(1) رحمه الله - وهو: أنّه إذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض اُنثى ، فإنْ لم تكن في الإبل فابن لبون ذَكَر، فإنْ لم يكن فخمس شياه.

وعن «الانتصار»(2): أنّ ابن الجُنيد عَوّل في هذا المذهب على بعض الأخبار المرويّة عن أئمّتنا، وحيث إنّ ذلك الخبر لم يصل إلينا، ولم يفتِ أحدٌ من الأصحاب بمضمونه فلا يعتمد عليه.

ومنها: ما عن الصدوقين(3) رحمه الله: وهو الخلاف في النصاب العاشر، وأنّه ليس فيها بعد بلوغها إحدى وستّين شيءٌ إلى ثمانين، فإنْ زادت واحدة ففيها اُنثى ، ولا مستند لهما سوى ما في «فقه الرِّضا».

وقد مرّ غير مرّة أنّه ليس بحجّة، فضلاً عن صلاحيّته لمعارضة ما سبق.

ومنها: ما عن «الإنتصار»(4) من الخلاف في النصاب الأخير، بجعله مائة وثلاثين وفيها حُقّة وابنتا لبون، واستدلّ لمذهبه بالإجماع، وهو مع ضعفه في نفسه، موهونٌ بما عنه في «الناصريّات»(5) من دعوى الإجماع على خلافه.

ومثله ما عن «الخلاف»(6)، و «السرائر»(7)، وغيرهما(8).3.

ص: 118


1- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/169.
2- الانتصار: ص 215.
3- كما هو ظاهر المقنع: ص 158، وقد نصّ على ذلك في الهداية: ص 172.
4- الانتصار: ص 215.
5- الناصريّات: ص 277.
6- الخلاف: ج 2/7-8.
7- السرائر: ج 1/449.
8- مختلف الشيعة: ج 3/172-173.

كيفيّة الحساب بالأربعين والخمسين

ومنها: ما وقع الخلاف بالنسبة إلى النصاب الكلّي، من جهة أنّ التخيير بين العَدّ بالخمسين وبالأربعين هل يكون مستمرّاً مطلقاً، فله أن يعدّ المائة والواحدة والعشرين بالخمسين فيدفع حُقّتين، وأن يعدّ المائة والخمسين بالأربعين فيدفع ثلاث بنت لبون ؟

أم لا يتخيّر إلّاإذا أمكن العَدُّ بكلٍّ من العددين، كالمائتين المنقسمة إلى خمس أربعينات وأربع خمسينات ؟

ففي المثال الأوّل يتعيّن الحساب بالأربعين، وفي الثاني بالخمسين، وفي المائة والثلاثين بكلّ منهما، فيدفع حُقّة وابني لبون، لانقسامها إلى خمسين وأربعين.

ونسب الشهيد في «فوائد القواعد»(1) الأوّل إلى ظاهر الأصحاب، الصريح في الاشتهار، ولكن صرّح الشيخ الأعظم(2) بأنّ نسبة هذا القول إلى ظاهر الأصحاب غير مقرونة بالصواب، وقد نقل عبارات كثير من الأصحاب من المتقدّمين والمتأخّرين المصرّحة بالإجماع والاتّفاق على القول الثاني.

وعن بعض الأساطين(3): اختيار قولٍ ثالث، وهو وجوب مراعاة المطابق منهما، بل لو لم يحصل إلّابهما لوحظا معاً، ويتخيّر مع عدم المطابقة بشيء، ولا يجبُ حينئذٍ مراعاة الأقلّ عفواً، وكذا يتخيّر مع المطابقة لكلّ منهما أو لهما، حتّى أنّ له

ص: 119


1- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 12/49، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 11/200 (وفي الهامش: فوائد القواعد: الزَّكاة ص 246).
2- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 132.
3- جواهر الكلام: ج 15/81.

حساب البعض بأحدهما، والباقي بالآخر.

أقول: واستدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: الأصل، فإنّ المرجع عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو التخيير، ولكنّه المرجع عند فقد الدليل.

الوجه الثاني: إطلاق قولهما عليهما السلام في صحيح الفضلاء: (فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة، ففي كلّ خمسٍ حُقّة، وفي كلّ أربعين ابنة لبون)، أوكذا صحيح زرارة.

تقريب الاستدلال بهما: إنّ مقتضى الجمود على ظاهر اللّفظ، بمقتضى العطف بلفظة (ولو) هو الجمع في كلّ نصابٍ ، بأن يدفع في النصاب المذكور حُقّتين، باعتبار الخمسين، وثلاث بنت لبون أيضاً باعتبار الأربعين، ولمّا كان الجمع بينهما باطلاً بالإجماع، فلابدّ إمّا من جعل الواو بمعنى (أو) ليثبت التخيير، أو تقدير لفظٍ بعده حتّى يدلّ عليه، مثل: (وأنتَ مخيّرٌ بينهما)، على حسب ما تقتضيه دلالة الاقتضاء.

أقول: ويمكن تقريب استفادة التخيير منهما بوجهٍ آخر، وهو ما أفاده جدّنا العلّامة رحمه الله من (أنّ القائلين بالتعيين يلتزمون بالتخيير في مورد تطابق السببين، كما في مائتين، وحينئذٍ يُسئل عنهم الدليل عليه في ذلك المورد، وكيفيّة استفادته من ظواهر الأخبار:

فإنْ كان الوجه فيه استفادة التبادل منها، واعتبار الاهمال في أحد السببين أو كليهما، دون الإطلاق والعموم، فلا ريب في أنّ هذا الاعتبار سار في جميع الموارد، ولا اختصاص له بخصوص مورد التطابق.

وإنْ كان الوجه فيه قضيّة إطلاق سببيّة كلّ من السببين، وتزاحمهما في ذلك

ص: 120

المورد، ولأجله يَحكم العقل بالتخيير دفعاً للتزاحم، فلا شبهة في أنّ هذا التزاحم بمقتضى إطلاق السببين، يلزم في جميع الموارد، ولا وجه للاختصاص.

وتوهّم: أنّ إطلاق (الخمسين) يختصُّ بما يعدّه الخمسون فقط، وكذلك إطلاق (الأربعين)، فينحصر مورد التزاحم بصورة التطابق.

مدفوع: بأنّ هذا التخصيص خارجٌ عن ظواهر الأخبار، ولم ينهض عليه شيءٌ ممّا يصلح للاعتماد عليه، مع أنّ المقصود إتمام المطلوب، نظراً إلى ظواهر الأخبار، وصحّة دلالتها بأنفسها، بلا تكلّف خارجي). انتهى، وهو حَسَنٌ .

الوجه الثالث: أنّه لو لم نقل بالتخيير، لزم تخصيص المورد في الصِّحاح المتقدّمة، فإنّها في المائة والإحدى والعشرين مصرّحة بالتخيير، وعلى القول بالتعيين لابدّ فيها من تعيّن العَدّ بالأربعين فقط، ولم تكن مورداً للعَدّ بالخمسين، ولا ريب في أنّ إخراج المورد مستهجنٌ .

وأجاب عنه جمعٌ من المحقّقين(1): بأنّ ذكر الأربعين والخمسين في النصوص، لم يكن حكماً لخصوص المائة والإحدى والعشرين، بل هو حكمٌ مطلق النصاب الكلّي بعد انقضاء النُّصب الشخصيّة، فكأنّه قال: (إذا خَرَجتِ العَدَدُ من النصب الشخصيّة، فحكمه أنّ في كلّ أربعين بنت لبون، وفي كلّ خمسين حُقّة)، فهذا حكمٌ لكلّي النصاب الكلّي، ولابدّ من العمل فيه على حسب ما تقتضيه القاعدة.

وفيه: إنّ هذا لو سلّمنا تماميّته في جملةٍ منها، غير المصرّحة بزيادة الواحدة، كما6.

ص: 121


1- مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/66.

في صحيح عبد الرحمن: (فإذا كَثُرتِ الإبل الحديث)(1)، لم يتمّ في ما تضمّن زيادة الواحدة على المائة والعشرين، كما في الصحيحين المتقدّمين، إذ لو لم يكن هذا العدد بنفسه مورداً لهذا الحكم، لما كان وجهٌ للتصريح بزيادة الواحدة، فلازم ذلك اعتبارهما في خصوص هذه المرتبة أيضاً، فتدبّر فإنّه جديرٌ به.

الوجه الرابع: الاقتصار على الخمسين في صحيحي أبي بصير وعبد الرحمن(2)، إذ الاقتصار على ذكر (الخمسين) ظاهرٌ في صحّة اعتبارها في جميع أفراد النصاب الكُلّي.

وأجابوا عنه(3): - مضافاً إلى ما تقدّم - بأنّه يحتمل معنيين:

أحدهما: أنّه يكفي في كلّ خمسينٍ حُقّة، وهذا مَبنى الاستدلال.

ثانيهما: أنّه يجبُ في كلّ خمسينٍ حُقّة، فيختصُّ بكلّ ما يعدّه الخمسون أو يكون الخمسون أقلّ عفواً، لعدم التعيّن في غيرهما، ولا دليل على تعيين الأوّل.

وفيه: إنّ ظهور الكلام في جواز الاعتبار بها في جميع أفراده، يعيّن الحمل على الأوّل.

أقول: قد استدلّ للقول الثاني بوجوه:

الوجه الأوّل: الأصل، وهو أصالة الاشتغال وقاعدته، فإنّها تقتضي اليقين في صورة الانطباق، وكذا إذا كان أحدهما أقلّ عفواً.

وفيه: ما تقدّم من أنّ الأصل عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو البراءة.9.

ص: 122


1- الكافي: ج 3/532 ذيل الحديث 2، وسائل الشيعة: ج 9/110 ح 11642.
2- وسائل الشيعة: ج 2/109 ح 11640.
3- مستند الشيعة: ج 9/106، كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري ص 139.

وقد يُجابُ عنه: بأنّه لو بنينا على أصالة التعيين في غير المقام، لتعيين البناء على جريان أصالة البراءة في المقام، من جهة أنّ ظاهر الجُلّ في غير الأنعام، والأكثر فيها، جواز تبديل العين بالقيمة، وأنّ المالك مخيّرٌ بين دفع البدل والمبدل، ولا شبهة في أنّه عند أداء القيمة يحصل الشكّ بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين، كما في مسألة الدين، ومقتضى الأصل فيه البراءة اتّفاقاً.

وفيه: التردّد في القيمة إنّما هو من جهة التردّد في العين، لكونها بدلاً عنها، والمحكّم في مثل ذلك هو اعتبار ما يقتضيه الأصل في المبدل، فتدبّر.

الوجه الثاني: الإجماعات المنقولة في كلمات غير واحدٍمن الأعلام، كالسيّد(1)، والشيخ(2)، والحِلّي(3)، والعلّامة(4) وغيرهم.

وفيه: أنّه لاحتمال استناد الُمجمِعين إلى ظواهر الأخبار المتقدّمة، وعدم ثبوت إجماعٍ تعبّدي - لو ثبت أصله - لا يُعتمد عليها.

الوجه الثالث: تصريح بعض الحاكين للإجماع، بأنّه المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام.

وفيه أوّلاً: أنّه يحتمل أنْ يكون مراده النصوص المتقدّمة.

وثانياً: أنّه لإرساله لا يُعتمد عليه.

وثالثاً: أنّه لو ثبت كون مراده غير تلك النصوص، واُغمض عن المناقشة فيه).

ص: 123


1- الانتصار: ص 215.
2- الخلاف: ج 2/7، المبسوط: ج 1/192.
3- السرائر: ج 1/449.
4- مختلف الشيعة: ج 3/171، تذكرة الفقهاء: ج 5/59 (ط. ج).

بالإرسال، فإنّه لعدم نقل نصّ الخبر، واحتمال أنْ يكون نصّه بنحوٍ لا يستفاد منه ذلك، لا وجه للاستناد إليه.

الوجه الرابع: اتّفاقهم على وجوب العَدّ بأقلّ النصابين عفواً في نصاب البقر، مع أنّ الرواية الواردة فيه أيضاً في أنّ : (في كلّ ثلاثين تَبيعٌ ، وفي كلّ أربعين مُسّنة)(1)، فيُستكشف من ذلك اعتباره هنا أيضاً.

وفيه: إنّ النصاب هناك ليس كليّاً، بل الخبر المشتملُ على بيان نُصُبها مبيّنٌ لكلّ حَدّ منها بالخصوص فَرْضاً خاصاً كما سيأتي، فأينَ هذا من مفروض المقام، مع أنّ الملازمة ممنوعة ؟!

الوجه الخامس: أنّه على القول بالتخيير، يلزم كون زيادة العدد موجبة لنقصان الفريضة، إذ لو كان العدد مائتين وخمسين، فالفريضة خمس حُقّق، ولو زاد عليها عشراً جاز بمقتضى التخيير أربع حُقق وبنت لبون، والعفو عن الباقي، فصارت الزيادة موجبة لنقصان حَقّ الفقراء، وهذه قرينة عقليّة على بطلانه.

وفيه أوّلاً: إنّ الصغرى ممنوعة، إذ في العَدَد الأوّل لا يتعيّن خمس حُقق على القول بالتخيير، بل يتخيّر بينها وبين أربع حُقق وبنتُ لبون، فالفريضة فيها تكون مساوية معها في العدد الثاني.

وثانياً: إنّ العقل لا مسرح له في الموازين الشرعيّة، وكفاك شاهداً على ذلك أقضيّة أبان في حكم الأصابع.

الوجه السادس: ما عن الشيخ الأعظم رحمه الله(2) من أنّ ظاهر المراد من الخمسين4.

ص: 124


1- الكافي: ج 3/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/114 باب تقدير النصب في البقر.
2- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 134.

والأربعين في قولهم: (ففي كلّ خمسين حُقّة، وفي كُلّ أربعين ابنةُ لبون)(1) أنّ كل قطعة أفرزت من الإبل، إذا كانت خمسين ففيها حُقّة، وإذا كانت أربعين ففيها بنت لبون، فلو كان العدد مائة وثلاثين، فمقتضى الجملة المذكورة، وجوب دفع بنتي لبون في ثمانين منها، ويبقى خمسون ففيها حُقّة، ولو عَزَل مائة وجعل لها حُقّتان وأسقط الثلاثون عفواً، لزم طرح قوله: (في كلّ أربعين بنتُ لبون) من غير تخصيص، إذ لو عمل به لم يكن الثلاثون عفواً، بل كان جزءً من النصاب، وكذا لو كانت مائة وإحدى وعشرين، فإنّ مقتضى الجملة المذكورة وجوب ثلاث بنت لبون فيها، ولا يلزم من ذلك طرح قوله عليه السلام: (في كلّ خَمسين حُقّة) إذ بعد ملاحظة أنّ العدد ثلاثة مصاديق للأربعين، لا يبقى ما يفرز محلّاً للخمسين بخلاف العكس.

وفيه: إنّ طرح دليل إنّما يلزم لو حصل موضوعٌ تامٌّ له، ومع ذلك لم يعمل به، كما لو فرض العدد مائة وأربعين، وبُني على العَدّ بالخمسين فقط، بقي بعد عَدّ خمسين أربعون، فلو لم يدفع عنها بنت لبونٍ ، لزم طرح قوله عليه السلام: (في كلّ أربعين بنت لبون)، لا في مثل المائة والثلاثين، إذ الزائد على عدّ خمسين ثلاثون، وهي ليست موضوعاً لبنت لبون، ومجرّد أنّه لو عَدّ بالأربعين لا يلزم العفو إلّابالنسبة إلى عشرة، لا يكفي في لزوم الطرح لو عدّ بالخمسين.

الوجه السابع: ما عن المحقّق والشهيد الثانيين(2)، وغيرهما(3) وهو: أنّ الجملة المذكورة تدلّ على أنّ في كلّ خمسين حُقّة، وفي كلّ أربعين بنت لبون، فيشمل عموم).

ص: 125


1- تهذيب الأحكام: ج 4/20 باب زكاة الإبل، وسائل الشيعة: ج 9/108 ح 11639.
2- شرح اللّمعة: ج 2/18، مسالك الأفهام: ج 1/365، جامع المقاصد: ج 3/15.
3- مدارك الأحكام: ج 5/58، الحدائق الناضرة: ج 12/49، رياض المسائل: ج 5/60 (ط. ج).

الأوّل كلّ ما يُطابق الخمسين دون الأربعين، فلابدّ من عَدّه بها، والعموم الثاني يشملُ كلّ ما يطابق الأربعين دون الخمسين، فيجبُ عَدّه بها، وكذا بالنسبة إلى أوفق السببين من جهة قلّة العفو والأكثر استيعاباً.

وفيه: إنّه بعد دلالة الدليل على العفو عمّا زاد على المعدود بأي العددين عُدّ، فإنّ عموم كلٍّ من الجملتين يشمل ما يطابق الاُخرى ، كما لا يخفى .

أقول: وفي المقام وجوهٌ اُخر ضعفها ظاهر، فلا نتعرّض لها، وبما ذكرناه ظهر ضعف القول الثالث، وعليه فالأقوى هو الأوّل وهو التخيير مطلقاً.

الخيار للمالك

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: في أنّ التخيير في المقام هل هو للمالك أو للساعي ؟

وجهان، أوجههما الأوّل، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عن «التذكرة»(1)و «المنتهى»(2) نسبته إلى العلماء، إذ الساعي إنّما يستحقّ ما يكون المالك مكلّفاً بإعطائه، فإذا كان تكليفه تخييرياً، فله أن يدفع إلى السّاعي ما شاء، وليس للسّاعي إلّا أن يقول: ادفع إليَّ ما أمركَ اللّه به وهو أحدهما، مضافاً إلى ما يظهر من الإخبار المرويّة في آداب المتصدّق.

الأمر الثاني: في النصاب السادس، إذا لم يكن عنده بنتُ مخاضٍ ، يُجزى عنها

ص: 126


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/62 (ط. ج).
2- منتهى المطلب: ج 1/481.

ابن لبونٍ بلا خلاف، ويشهد له صحيحاً زرارة وأبي بصير المتقدّمان(1).

وهل يجزى عنها اختياراً كما نُسب إلى المشهور، وقوّاه صاحب «الجواهر»؟

أم لا، كماهو ظاهر كلّمن عَلّق إجزاءه علي عدم وجدان بنت المخاض ؟ وجهان:

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ علوّ السّن يقوم مقام الاُنوثة.

2 - وبأنّ المنسبق إلى الذهن عدم إرادة الشرط حقيقة من النص، وإلّا لزم عدم الاكتفاء به، إذا لم تكن موجودة عنده حال الوجوب، ووجدت بعده، بناءً على أنّ الشرط عدم كونها عنده حال الوجوب.

أقول: وفيهما نظر:

إما الأوّل: فلعدم الدليل على قيامه مقامها.

وأمّا الثاني: فلمنع الانسياق، والتعليل المذكور يرد عليه أنّه لو قلنا بالإجزاء في الفرض، فإنّما هو من جهة أنّ ابن لبون يدلّ عن بنت المخاض، فمع وجود المبدل منه، يكون هو أولى بالإجزاء من بدله.

وعليه، فالأظهر هو الثاني، كما هو ظاهر النصوص.

الأمر الثالث: هل الواحدة الزائدة على المائة والعشرين، بعد القطع باعتبارها في تحقّق النصاب، تكون شرطاً في وجوب الفريضة، أو جزءً من موردها؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بظهور قوله عليه السلام: (في كلّ أربعين ابنة لبون)(2) فإنّه ظاهر في أنّ مورد الحق إنّما هو ثلاث أربعينات، فالواحدة خارجة منها.ل.

ص: 127


1- الكافي: ج 3/531 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/108 ح 11639.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/20 باب زكاة الإبل، وسائل الشيعة: ج 9/108 باب تقدير النصب من الإبل.

وفيه: إنّ هذه الجملة مسوقة لبيان ما لابدّ وأنْ يخرج، من غير تعلّق غرض ببيان تمام المورد.

وبعبارة اُخرى: إنّها مسوقة لبيان الضابط في كيفيّة الإخراج، وتعيين المخرَج، لا تعيين محلّ المخرج، فلا يقدح ترك التعرّض للمورد الحقيقي له.

أقول: والأظهر هو الأوّل، فإنّ اعتبار النصاب بزيادة الواحدة، ظاهر في كون المجموع مورداً للفريضة، لاسيّما بناءً على ما حقّقناه في الاُصول من رجوع القضيّة الشرطيّة المسوقة لبيان الأحكام إلى القضيّة الحقيقيّة، وأنّ الشرائط المأخوذة فيها تكون قيوداً للموضوع، فقوله عليه السلام: (فإن زادت على المائة والعشرين واحدة) في قوّة أن يقول: في المائة والإحدى والعشرين، ولا ريب في ظهوره فيما ذكرناه.

وقد فرّعوا على هذا النزاع احتساب جزءٍ منه على الفقير، لو تلفت الواحدة بعد الحلول من دون تفريطٍ، على القول بالجزئيّة، وعدم احتسابه على القول بالشرطيّة، وهذا يبتني على ما هو ظاهر المشهور من أنّ تلف ما فوق النصاب من مراتب العفو، لا يوجب نقصاً في الفريضة، وسيأتي تحقيق القول في المبنى إنْ شاء اللّه تعالى.

***

ص: 128

وأمّا البقر: فلها نصابان:

أحدهما: ثلاثون، وفيه تبيعٌ أو تبيعة.

والثاني: أربعون، وفيه مسنّة.

نصاب البقر

(وأمّا البقر: فلها نصابان:

أحدهما: ثلاثون، وفيه تبيعٌ أو تبيعة.

والثاني: أربعون وفيه مسنّة) على المشهور.

ويشهد لذلك: صحيح الفضلاء، عن الصادقين عليهما السلام، قالا:

«في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي، وليس في أقلّ من ذلك شيء، وفي أربعين بقرة مسنّة، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شيءٌ حتّى تبلغ الأربعين، فإذا بلغت أربعين، ففيها بقرة مسنّة، وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شيء، فإذا بلغت ستّين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنّة إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كلّ أربعين مسنّة، ثمّ ترجع البقر على أسنانها، وليس على النيّف شيءٌ ، ولا على المكسور شيءٌ ، الحديث»(1).

لا يقال: إنّ ظاهر هذا الصحيح تعيّن التبيع في النصاب الأوّل، فأجزاء التبيعة

ص: 129


1- الكافي: ج 3/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/114 ح 11647.

يحتاج إلى دليلٍ آخر، فما أفاده ابن عقيل(1) والصدوقان(2) والمفيد(3) من عدم الإجزاء هو الأظهر.

فإنّه يُقال: إنّه يتعيّن البناء على التخيير للنصوص الاُخر:

1 - ما رواه المحقّق من طريق الأصحاب خبر الفضلاء عنهما، قالا:

«في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، الحديث»(4).

2 - خبر الأعمش المرويّ في «الخصال»: «وتجبُ الزَّكاة على البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية»(5).

ونحوهما غيرهما، وهي بضميمة فتوى الأصحاب، وادّعائهم دلالة الأحاديث على ذلك، تكفي لإثبات المطلوب.

أقول: ظاهر النصوص تعيّن المسنّة في النصاب الثاني، كما هو المشهور بين الأصحاب.

وقيل: يجزي المسنّ ، وعن «تذكرة الفقهاء»(6) الاجتزاء به إذا لم يكن عنده الا ذكوراً، وعلّله بأنّ الزَّكاة مواساة، فلا يكلّف غير ما عنده.

وفيه: إنّ إطلاق النص يقتضي تعيّن المسنّة في الفرض المزبور، والعلّة التي ذكرها للإجتزاء بالمسنّ لاتصلح مدركاً للحكم الشرعي، بعدعدم وضوح المناطات.

وقد نُسب إلى الأصحاب(7): أنّ التَبيع هو ما دخل في السَّنة الثانية، والمسنّة ما2.

ص: 130


1- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/178.
2- حكى العلّامة الحِلّي عن والد الصدوق في مختلف الشيعة: ج 3/178 / المقنع: ص 50.
3- المقنعة: ص 237.
4- الكافي: ج 3/534 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/114 ح 11647.
5- وسائل الشيعة: ج 9/64 ح 11532، الخصال: ج 2/605.
6- تذكرة الفقهاء: ج 1/209.
7- حكيت هذه النسبة في مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/72.

دخلت في السَّنة الثالثة.

وقد استدلّ للأوّل: بتوصيف التبيع في الصحيح المتقدّم بالحَولي، وبصحيح ابن حمران، عن الصادق عليه السلام: «التبيع ما دَخَل في الثانية».

واستدلّ للثاني: بما عن «المبسوط» من الرواية عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «المسنّة هي التثنية فصاعداً».

أقول: الأدلّة المذكورة وإنْ كانت قابلة للمناقشة، لكن يكفي في ثبوت الحكم تسالم الأصحاب عليه، كما لا يخفى .

ثمّ إنّ ظاهر الصحيح المتقدّم تعيّن العَدّ بالمطابق من العددين أو الأكثر استيعاباً، بل لو لم يحصل إلّابهما وجب ملاحظتهما معاً، ففي الستين يتعيّن بالثلاثين، وفي الثمانين بالأربعين، وفي السبعين بهما معاً.

نعم، يتخيّر لو كان الاستيعاب حاصلاً بكلٍّ منهما كالمائة و العشرين، فيتخيّر بين العد بثلاث أربعينات، وبين العَدّ بأربع ثلاثينات تبيعات، والاقتصار على المسنّات الثلاث في الصحيح المتقدّم، محمولٌ على إرادة أحد فردي التخيير بقرينة قوله عليه السلام في صدر الصحيح: (في البقر في كلّ ثلاثين بقرةٍ تبيعٌ )، فإنّه بقرينة لفظ (كلّ ) ظاهر في بيان النصاب الكلّي.

وبذلك يظهر أنّ ما أفاده الشيخ الأعظم(1) رحمه الله تبعاً لسيّد «المدارك»(2)، والشهيد الثاني في «المسالك»(3) من إرجاع النصابين إلى نصابٍ واحدٍ كلّي هو الصحيح.

***6.

ص: 131


1- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 140.
2- مدارك الأحكام: ج 5/58.
3- مسالك الأفهام: ج 1/366.

وأمّا الغنم: ففيها خمسة نصب:

أربعون وفيها شاة، ثمّ مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان، ثمّ مائتان وواحدة ففيها ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه، ثمّ أربعمائة ففي كلّ مائةٍ شاةٌ بالغاً ما بلغ.

نُصُب الغَنَم

(وأمّا الغنم: ففيها خمسة نصب:

أربعون وفيها شاة، ثمّ مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان، ثمّ مائتان وواحدة ففيها ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه، ثمّ أربعمائة ففي كلّ مائةٍ شاةٌ بالغاً ما بلغ) وهذا هو الأشهر(1).

ويشهد له: صحيح الفضلاء: «في كلّ أربعين شاةٍ شاة، وليس فيما دون الأربعين شيء، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاةٌ واحدة، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان، وليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاةٌ واحدة ففيها ثلاث شياه، ثمّ ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة شاة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتّى تبلغ أربعمائة، فإذا تمّت أربعمائة، كان على كلّ مائة شاة وسقط الأمر الأوّل»(2).

ص: 132


1- شرائع الإسلام: ج 1/108، مسالك الأفهام: ج 1/365.
2- وسائل الشيعة: ج 9/116 ح 11649.

أقول: ثمّ إنّه في المسألة خلافات ضعيفة، لا جدوى للتعرّض لها، وعمدة الخلاف بين الأصحاب إنّما هو في النصاب الرابع، إذ المحكيّ عن جمع من الأساطين كالمفيد(1) والمرتضى(2) وابن بابويه(3) وابن أبي عقيل(4) وسَلّار(5) وابني حمزة(6)وإدريس(7)، أنّ الواجب في الثلاثمائة وواحدة ثلاث شياه، وأنّه لا يتغيّر الفرض من مائتين وواحدة حتّى تبلغ أربعمائة، ففي الحقيقة هؤلاء يسقطون النصاب الرابع ويرون أنّ النصاب الرابع هو النصاب الكلّي، ومحلّه ثلاثمائة وواحدة، في قبال القول الآخر الذي هو الأشهر، وهو ما عرفت.

ومنشأ الخلاف إنّما هو اختلاف الخبرين الّذين يكون أحدهما مستنداً لجمعٍ ، والآخر مستنداً لجمع آخر، وهما: صحيح الفضلاء المتقدّم، وصحيح محمّد ابن قيس، عن الصادق عليه السلام:

«ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائةٍ شاة»(8).

أقول: وقد ذكروا في ترجيح صحيح الفضلاء وجوهاً:0.

ص: 133


1- المقنعة: ص 238.
2- رسائل المرتضى: ج 3/77.
3- المقنع: ص 50.
4- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/179.
5- المراسم العلويّة: ص 131.
6- الوسيلة: ص 126.
7- السرائر: ص 449.
8- تهذيب الأحكام: ج 4/25 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/116 ح 11650.

الوجه الأوّل: إنّ خبر ابن قيس ساكتٌ عن النصاب الرابع، بل هو بعد بيان النصاب الثالث المغيّا ببلوغ العدد ثلاثمائة، لم يبين النصاب الذي بعده، والكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بثبوت وصف الكثرة، وفرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شيء، فلايتناوله الحكم، وصحيح الفضلاء متضمّن لبيانه فيؤخذ به.

وفيه: إنّ خبر ابن قيس أيضاً مسوقٌ للبيان، ويكون ظاهراً في أنّ مورد النصاب الكلّي ثلاثمائة فما زاد، والشاهد به أمران:

أحدهما: تعقيب المغيّى بقوله: (فإذا كَثُرت)، فإنّ حرف الفاء ظاهرٌ في الاتّصال والعطف بلا مهلة، فيصير معناه أنّه بعد التجاوز عن ثلاثمائة، يكون الحكم على الوجه الكلّي من اعتبار كلّ مائةٍ شاة.

الثاني: أنّه لو لم يكن مسوقاً لبيان النصاب الرابع، أعني ثلاثمائة وواحدة، وحُمل على النصاب الكلّي في أربعمائة وما فوقها من دون تعرّض لبيان حكم الرابع، مع فرض ثبوته واقعاً، لزم الطفرة المستهجنة في مقام بيان الحكم.

الوجه الثاني: ما أفاده جدّنا العلّامة رحمه الله(1) من أنّ صحيح الفضلاء نصٌّ في تعيين النصاب الرابع، وصحيح ابن قيس ظاهرٌ في نفيه، ولا مناص عن تقديم النص على الظاهر، بمقتضى القاعدة المقرّرة في محلّها.

وفيه: إنّه لم يدلّ دليلٌ على تقديم النص على الظاهر، بل تقديمه عليه إنّما يكون من جهة أنّ العرف يرى الأوّل قرينةً على الثاني، فإذا فرضنا أنّه في مورد رأي العرف أنّهما متعارضان كما في المقام، فلا وجه لتقديمه عليه.

الوجه الثالث: أنّه يتعيّن طرح خبرابن قيس لأشهريّة معارضه، وموافقته للعامّة.).

ص: 134


1- وهو السيّد محمّد صادق الروحاني قدس سره جدّ المؤلّف، في (كتاب الزَّكاة) (مخطوط).

وما لا يتعلّق به الزَّكاة، وهو ما بين النصابين، يُسمّى في الإبل شَنْقاً، وفي البقر وَقْصاً، وفي الغنم عَفْواً.

أسماء العفو

(وما لا يتعلّق به الزَّكاة وهو ما بين النصابين) بلا خلافٍ ، كما هو ظاهر النصوص المزبورة، لاحظ قوله عليه السلام في صحيح الفضلاء عند ذكر فريضة كلّ نصاب:

(ثمّ ليس فيها شيءٌ حتّى تبلغ النصاب الآخر)، وأيضاً قوله عليه السلام: (وليس على النيّف شيءٌ ، ولا على الكسور شيء)، إلى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام، فما يظهر منه كون الزائد على كلّ نصابٍ إلى النصاب الآخر داخلاً في مورد الفريضة، لابدَّ من حمله على ما لا ينافي صراحة هذه الجملات.

وما بين النصابين يُسمّى : (في الإبل شَنْقاً، وفي البقر وَقْصاً، وفي الغنم عَفواً) والمراد بالجميع ما لا تتعلّق به الفريضة، ممّا قبل النصاب، وما بين النصابين كما صرّح به أهل الفنّ (1).

***

ص: 135


1- شرائع الإسلام: ج 1/109 قوله: (وقد جرت العادة بتسمية ما لا به الفريضة من الإبل... الخ).

وأمّا السَّوم: وهو شرطٌ في الجميع طول الحَول.

اشتراط السَّوم طول الحَول

أقول: (وأمّا السَّوم وهو شرطٌ في الجميع) كما تقدّم، إنّما الكلام حينئذٍ يدور في مقامين:

الأوّل: في كيفيّة اعتباره بالنسبة إلى تمام الحول أو أكثره، وإليه أشار المصنّف رحمه الله بقوله (طول الحول).

ثانيهما: في بيان معنى السَّوم والمراد منه.

أمّا المقام الأوّل: ففيه أقوال:

القول الأوّل: اعتباره في تمام الحول، بحيث لو عَلفها في زمانٍ يسير، يستأنف الحول باستئناف السّوم، وهذا ظاهر المصنّف رحمه الله هنا، واختاره في محكيّ «القواعد»(1)، و «نهاية الاحكام»(2)، و «الموجز»(3)، وإيضاح «النافع»(4) وغيرها.

القول الثاني: ما عن أبي علي(5) والشيخ في «الخلاف»(6) و «المبسوط»(7) من اعتبار الأغلب، بأن تكون في أغلب أيّام الحول سائمة، ومع التساوي يسقط وجوب الزَّكاة.

القول الثالث: اعتبار صدق الاسم عرفاً، وهو ظاهر المصنّف رحمه الله في محكيّ

ص: 136


1- قواعد الاحكام: ج 1/334.
2- نهاية الاحكام: ج 2/317.
3- حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (ط. ج): ج 11/134-135.
4- إيضاح الفوائد: ج 1/174.
5- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 3/166، ومفتاح الكرامة: ج 11/138.
6- الخلاف: ج 2/53.
7- المبسوط: ج 1/169.

«التذكرة»(1) و «التحرير»(2)، واختاره المحقّق الأردبيلي(3) وصاحب «المدارك»(4)وجمعٌ من المتأخّرين(5).

وعن «الحدائق»(6): الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين.

واستدلّ للأوّل: بأنّ المستفاد من أدلّة اعتبار السّوم وشرطيّته، مع أدلّة اشتراط الحول، هو اعتباره في تمام الحول على وجه الاستيعاب، نظير سائر الشرائط المعتبرة كالمِلْكيّة والنِّصاب.

وفيه أوّلاً: أنّه لا يعتبر السّوم تمام الحول، كيف وهو ينام ويشرب ويسكن، بل يعتبر أنْ تكون سائمة في تمام الحول، كما هو ظاهر الأخبار المعلّقة للحكم على السّائمة دون السّوم، ومن المعلوم أنّه لا يعتبر في صدق السّائمة التلبّس بالسّوم، إذ الغنم مثلاً إذا سامت إلى حَدّ صدق عليها عرفاً أنّها سائمة، فكما يصدق عليها في حال السّوم أنّها سائمة، كذلك تكون في حال النوم والمرض والشرب أيضاً سائمة، كذلك يصدق عليها هذا العنوان، حال اشتغالها بالاعتلاف، ما لم يبلغ الاعتلاف حَدّاً يضرّ بصدق هذا العنوان، والحَدّ الموجب لصدق السّائمة موكولٌ إلى العرف.

وبالجملة: الظاهر من السّائمة طول الحول، هو كون الحيوان متّصفاً بهذا الوصف بحسب ما جَرَت به العادة على السّوم، وهذا ممّا لا ينافيه الإمساك عن السّوم، ولا التلبّس بضدّه من مثل النوم والشرب وغيرهما، ولا العلف اليسير لعارض.9.

ص: 137


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/205 (ط. ق).
2- تحرير الأحكام: ج 1/363 (ط. ج).
3- مجمع الفائدة: ج 4/54.
4- مدارك الأحكام: ج 5/68.
5- جامع المقاصد: ج 3/11، شرح اللّمعة: ج 2/22، ذخيرة المعاد: ج 3/432.
6- الحدائق الناضرة: ج 12/79.

وثانياً: إنّه لو سُلّم كون الشرط هو السّوم في تمام الحول، لا السّائمة في الحول، فإنّ المتبادر منه هو السّوم في تمام الحول بحسب العادة غير المنافي للنوم والشرب والعلف اليسير في بعض أوقات الحول.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ الظاهر كون الشرط هو السَّوم الحولي بنحو النسبة، ولا ريب أنّ اعتبار هذا على وجه الإضافة، يستلزم تحقّقه ولو مع تخلّل يومٍ ، نظير قولهم (مسيرة يوم) الذي يشمل تخلّل السَّكنات الحاصلة للمسافر في أثناء السير لأجل الاستراحة والأكل وقضاء سائر حوائجه، بل وكذا الحال في سائر النسب الإضافيّة الدائرة في المحاورات على اختلاف اعتباراتها.

وبالجملة: بعد جريان العادة باعتلاف السّائمة بالعلف اليسير في بعض أيّام السنة لعارضٍ ، فإنّه إذا عُلّق الحكم على هذا العنوان، مع عدم التنبيه على اعتبار عدم العلف اليسير، يكون الظاهر منه عدم مضريّته.

فتحصّل ممّا ذكرناه مدرك القول الثالث.

وقد استدلّ للثاني:

1 - بأنّ عنوان السّوم لا يزول بالعلف اليسير.

2 - وبأنّه لو اعتبر السّوم في جميع الحول لما وجبت إلّافي الأقلّ .

3 - وبأنّ الاعتبار ى شقّي الغلّات هو الأغلب، فكذا السّوم.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ العلف اليسير وإنْ كان لا يضرّ بصدق الاسم، لكنّه لايقتضي اعتبار الأغلب، إذ غيره قد لا يكون يسيراً.

ويرد على الثاني: منع الملازمة، ومنع بطلان اللّازم.

ويرد على الثالث: أنّه قياسٌ لا نقول به.

وعليه، فالأظهر هو القول الثالث، كما ظهر من مطاوي ما ذكرناه تحقيق الصدق العرفي، فراجع وتدبّر.

ص: 138

فلو اعتلفت أثناء الحَول من نفسها، أو أعلفها مالكها، استأنف الحَول بعد العود إلى السَّوم.

وأمّا المقام الثاني: فهو الذي أشار إليه المصنّف رحمه الله بقوله: (فلو اعتلفت أثناء الحول من نفسها أو أعلفها مالكها استأنف الحول بعد العود إلى السَّوم)، وظاهر هذه العبارة - كصريح محكيّ «التذكرة»(1)، والشهيدين(2) - إلحاق ما أعلفها الغير بغير إذن مالكها بالسّائمة.

واستدلّ له: بعدم المؤونة على المالك، من غير فرقٍ بين كون ذلك من مال المالك أو من غيره:

أمّا في الثاني، فواضح، وأمّا في الأوّل، فلثبوت الضمان.

ولكن يرد عليه: أنّه لا يعتمد على مثل هذه العلّة المستنبطة في تقييد المطلقات، فالمدار على صدق السّائمة، ويضرّ به الاعتلاف سواءٌ أكان من مال المالك أو من مال غيره، وسواءٌ أكان المعلف هو المالك أو غيره، مع إذنه أو بدونه، كان هناك معلف أو اعتلفت هي بنفسها.

كما أنّ السّائمة يجب فيها الزَّكاة، سواءٌ توقّف السّوم على صرف مال لمصانعة ظالمٍ أو استيجار راع ونحوه، أم لا.

ولكن مع ذلك كلّه قد يُشكل في بعض الفروض، كما لو اشترى أو استأجر أرضاً ذات كلأ، فرعى غنمه فيها، ولا يبعد دعوى صدق السّائمة عليها. فتدبّر.

***2.

ص: 139


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/205 (ط. ق).
2- الدروس: ج 1/233، شرح اللّمعة: ج 2/22.

وأمّا الحَول: فهو شرطٌ في الجميع، وهو اثنا عشر شهراً، وبدخول الثاني عشر تجبُ الزَّكاة.

كفاية الدخول في الشهر الثاني عشر

(وأمّا: الحول فهو شرطٌ في الجميع) كما تقدّم (وهو اثنا عشر شهراً، وبدخول الثاني عشر تجب الزَّكاة) بلا خلافٍ (1)، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في محكيّ «الجواهر»(2)، وعن غير واحد(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: مصحّح زرارة ومحمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث:

«إذا دَخَل الشهر الثاني عشر، فقد حال عليه الحول، ووجبت عليه فيها الزَّكاة»(4).

ولا تعارضه نصوص(5) الحول، الظاهرة في اعتبار مُضيّ اثني عشر شهراً تامّاً، لكونه مفسِّراً لها، ومبيِّناً للمراد من حول الحول.

أقول: الكلام في المقام في أنّ هذا الوجوب هل هو وجوبٌ مستقرٌّ، أو يكون متزلزلاً إلى أن يكمل الثاني عشر، فإنْ بقى المال على الشرائط كشف عن استقرار الوجوب بالأوّل، وإنْ اختلّت كلّاً أو بعضاً انكشف عدم كونها واجبة ؟

ص: 140


1- الحدائق الناضرة: ج 12/73.
2- جواهر الكلام: ج 15/97.
3- المعتبر: ج 2/507، تذكرة الفقهاء: ج 1/205.
4- الكافي: ج 3/525 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/163 ح 11749.
5- وسائل الشيعة: ج 9/107.

ظاهر المشهور، وصريح كثيرٍ منهم الأوّل، وعن الشهيدين(1)، والمحقّق الكركي(2)، والميسي(3) وغيرهم الميل إلى الثاني.

وأورد سيّد «المدارك» على جدّه(4): (بأنّ هذا النزاع من مخترعاته وليس في كلام الأصحاب منه أثر).

وردَّ عليه جدّنا العلّامة رحمه الله انتصاراً للشهيد رحمه الله بما حاصله:

إنّ حقيقة الخلاف إنّما تكون ثابتة في كلمات جمعٍ من الأعلام، لكن تعبيرهم ليس بعنوان التزلزل والاستقرار، بل بعنوانٍ آخر ملازمٍ له، وهو أنّ الثاني عشر من الحول الأوّل أو الثاني، فإنّ التزلزل مستلزمٌ للأوّل، والاستقرار للثاني، فعلى هذا يكون مجرّد التعبير بالاستقرار والتزلزل من مبدعات صاحب «المسالك»(5)، وأمّا حقيقة الخلاف فهي واقعة بينهم بعنوانٍ مرادف، كما هو الظاهر من «المسالك».

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ للقول بالتزلزل بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن «المسالك»(6) من أنّ دليل الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر منحصرٌ بالإجماع، لأنّ خبر زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّم ضعيف السند بإبراهيم بن هاشم، وظاهر بقيّة النصوص اعتبار الحول الكامل بتمام الثاني عشر، والمتيقّن من الإجماع هو هذا النحو من الوجوب.1.

ص: 141


1- البيان: ص 171، مسالك الأفهام: ج 1/370، شرح اللّمعة: ج 2/23.
2- جامع المقاصد: ج 3/10.
3- حكاه صاحب الجواهر في: ج 15/98.
4- قد يظهر ذلك في المدارك: ج 5/175. (5و6) مسالك الأفهام: ج 1/371.

وفيه: إنّ الخبر صحيحٌ ، لما حُقّق في محلّه من تصحيح خبر ابن هاشم.

الوجه الثاني: ما ذكره الُمحدِّث الكاشاني رحمه الله(1) من إنكار دلالة الخبر على أصل الوجوب، بل على حرمة الفرار من التكليف بالزّكاة بعد استقرارها في المال ببلوغ هذا الحَدّ، قال: (لعلّ المراد بوجوب الزَّكاة وحول الحول برؤية هلال الثاني عشر، الوجوب والحول لمُريد الفرار، بمعنى أنّه لا يجوز الفرار حين استقرار الزَّكاة في المال بذلك، كيف والحول معناه معروفٌ ، والأخبار بإطلاقه مستفيضة، ولو حَمَلناه على استقرار الزَّكاة، فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين، بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه، وإنّما يستقيم بوجه من التكليف) انتهى .

أقول: إنّ قوله عليه السلام في الصحيح: (إذا دخل الشهر الثاني عَشَر فقد حال عليه الحول) يعدّ حاكماً على النصوص، ومبيّناً للمراد منها، وقوله عليه السلام بعده: (ووجبت عليه فيها الزَّكاة) ظاهرٌ في الوجوب، وحمله على إرادة حرمة التفويت، وإتلاف متعلّق الزَّكاة خلاف الظاهر، كما أنّ حمله على إرادة خصوص تعلّق التكليف بالزكاة دون سائر الشرائط المعتبرة في تمام الحول، فيثبت به الوجوب مراعى بعدم اختلال سائر الشرائط إلى تمام السنة، خلاف ظاهر الجملة الأُولى .

الوجه الثالث: أنّه لو فرضنا صدور قوله عليه السلام، الظاهر في وجوب الزَّكاة بدخول الشهر الثاني عشر، مع ما دلّ على اعتبار الحول، واشتراطه الظاهر في تمام السنة في مجلسٍ واحد، بأن قال الإمام عليه السلام يشترط في وجوب الزَّكاة حول الحول،).

ص: 142


1- حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 12/75، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 11/119، قوله: (لوحملناه على استقرار الزَّكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه).

ثمّ قال وبدخول الشهر الثاني عشر تجب الزَّكاة، فإنّه لا ريب في أنّ العرف يفهم منهما أنّ مُضيّ تمام الثاني عشر يكون من باب الشرط المتأخّر، وبذلك يجمعون بين الجملتين، نظير جمعهم بين ما دلّ على اعتبار القدرة على إتيان تمام أجزاء الصَّلاة في وجوبها، وما دلّ على وجوبها بدخول الوقت، فإنّهم يجمعون بينهما بارادة كونها من قبيل الشرط المتأخّر.

أقول: يرد عليه ما أفاده جدّنا العلّامة رحمه الله من أنّ الصحيح مشتملٌ على جملتين، وهذا يتمُّ إذا لوحظ مجرّد الحكم بوجوب الزَّكاة بدخول الثاني عشر، مع أدلّة اعتبار الحول، ولكن إذا لوحظ هذه الأدلّة مع قوله عليه السلام فيه: (إذا دخل الشهر الثاني الثاني عشر فقد حال عليه الحول)، لما تمّ هذا الجمع، وحيث أنّ الجملة المتضمّنة للوجوب متفرّعة على هذه، فلا يتمّ هذا الوجه.

الوجه الرابع: إنّ لفظ (الحول) وكذا (العام) و (السنة) المتكرّر ذكرها عند بيان شرائط الزَّكاة عرفاً ولغةً وشرعاً عبارة عن تمام السنة، فقوله عليه السلام في الصحيح المزبور: (إذا دخل الشهر الثاني عشر، فقد حال الحول) مبنيٌ على التوسعة بتنزيل التلبّس بالجزء منزلة التلبّس التامّ ، والمتبادر من هذا التنزيل إرادته من حيث شرطيّته لتنجّز التكليف بالزكاة، لا في جميع الآثار، فلا ينافيه اعتبار بقاء المال جامعاً لشرائط النصاب إلى تمام الحول في أصل تحقّق التكليف.

وفيه: أنّ مقتضى إطلاق دليل الحاكم، المبيّن للمراد من الحَول، هو التنزيل بلحاظ جميع الآثار.

الوجه الخامس: إنّ قوله عليه السلام في صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدّم، في أوّل كتاب

ص: 143

الزَّكاة، الوارد في تفسير قوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها» (1): «ثمّ لم يتعرّض لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا وأفطروا، فأمر مناديه فَنَادى في المسلمين: زَكّوا أموالكم تُقبل صلاتكم»(2)، يدلّ على اعتبار تمام الإثنى عشر، إذ النداء الأوّل كان في رمضان.

وبه يظهر أنّه لا يصحّ الجواب عنه بما اُجيب عن سائر أخبار اشتراط الحول، لأنّه لما ذكرناه صريحٌ في اعتبار مُضيّ تمام الثاني عشر.

والحقّ في الجواب أن يُقال: إنّه إنْ أمكن حمله على إرادة احتساب الثاني عشر من العام الأوّل لا الثاني، كما عن بعض الأساطين(3) فهو، وإلّا فيقع التعارض بينه وبين الصحيح المتقدّم، والترجيح معه لوجوهٍ لا تخفى .

الوجه السادس: أنّه لو حُمل الصحيح على إرادة الوجوب المستقرّ، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فان المطلقات الواردة عن المعصومين عليهم السلام إلى زمان الصادق عليه السلام كلّها تدلّ على اشتراط تمام الحول، ولم يعهد من أحد القول بالوجوب بدخول الشهر الثاني عشر في تلك المدّة، فلو كان الوجوب في الصحيح للإستقرار، وكان بياناً لتلك المطلقات، لزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وفيه أوّلاً: النقض بسائر المطلقات والمقيّدات، فإنّ أكثر المقيّدات للمطلقات الصادرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة بعده صادرة عن الصادقين عليهما السلام.

وثانياً: بالحلّ ، وهو أنّ الممنوع تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأمّا صدور5.

ص: 144


1- سورة التوبة: الآية 103.
2- الكافي: ج 3/497 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/9 ح 11387.
3- مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/95.

الأحكام على وجه التدريج، على حسب ما تقتضيه المصلحة العامّة، باختلاف الأزمان والأشخاص فغير منكر، بل ينبغي أن يعتمد عليه في توجيه الأحكام الصادرة تدريجاً في أزمنة الأئمّة المتأخّرين عليهم السلام.

وثالثاً: إنّ هذا المحذور يرد على كلّ حال، وإنْ حُمل على الوجوب التزلزلي كما لا يخفى .

أقول: وفي المقام وجوهٌ ضعيفة اُخر، لوضوح ضعفها أغمضنا عن ذكرها.

وقد ظهر ممّا ذكرناه مدرك القول بالاستقرار، وأنّه الأظهر.

الشهر الثاني عشر يُحسب من العام الثاني

ثمّ إنّه بناءً على ما ثبت من استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر، يقع الكلام في أنّ الشهر الثاني عشر هل هو محسوبٌ من الحول الأوّل، بمعنى أنّه يبتدأ الحول الثاني من بعد تمامه ؟

أم هو محسوبٌ من الحول الثاني ؟

وقد ذكر غير واحدٍ(1) أنّه على القول بالاستقرار يتعيّن البناء على احتسابه من الحول الثاني، لكن المحقّق الأردبيلي رحمه الله(2) مع قوله بالاستقرار، بنى على احتسابه من الأوّل، واستدلّ له بأمرين:

الأمر الأوّل: أنّه يُجمع بين ما دلّ على اشتراط الحول ووجوب الزَّكاة بدخول الثاني عشر، وما دلّ على أنّه تجب الزَّكاة في كلّ سنة، المستفاد منه بمساعدة مقام

ص: 145


1- إيضاح الفوائد: ج 1/173، مدارك الأحكام: ج 5/72.
2- مجمع الفائدة: ج 4/32.

التحديد وجوبها في كلّ سنة مرّة، بأنّ المراد من الأوّل كفاية الدخول في الشهر الأخير، في تحقّق الوجوب واستقراره، ومن الثاني كون تمام السنة ظرفاً للحكم، بمعنى أنّه ليس له ما عدا حكمٌ واحد في تمام السنة وجوبٌ آخر، فيكون الثاني عشر عفواً.

الأمر الثاني: خبر خالد بن الحجّاج الكرخي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الزَّكاة ؟ فقال: انظر شهراً من السنة فإنوِ أن تؤدّي زكاتك فيه، فإذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نضّ - يعني ما حصل في يدك من مالك - فزكّه، وإذا حال الحَول من الشهر الذي زكّيت فيه، فاستقبل بمثل ما صنعت، ليس عليك أكثر منه»(1).

فإنّ ظاهره أنّ ابتداء الحول بعد ذلك الشهر، وعليه فالأظهر أنّه محسوبٌ من العام الأوّل بالمعنى المتقدّم.

***2.

ص: 146


1- الكافي: ج 3/522 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/166 ح 11752.

وَلو ثَلُم النِّصاب قَبل الحَول سَقَط الوجوب.

لو اختلّ بعض الشروط أثناء الحول

فروع:

الفرع الأوّل: (ولو ثَلُم النِّصاب قبل الحَول، سَقَط الوجوب).

وبعبارة اُخرى: لو نقص النصاب في أثناء الحول، بطل الحول فيه اتّفاقاً، ولم يُنقل الخلاف فيه.

الفرع الثاني: لوعاوضها بجنسها أومثلها، هل يبطل الحول كماهو أشهر القولين(1)؟

أم لا يبطل، كما عن الشيخ في «المبسوط»(2) وفخر المحقّقين(3)؟ وجهان.

استدلّ للثاني: بما عن فخر المحقّقين(4) من استناد الشيخ إلى الرواية، ثمّ استند إلى صدق الاسم، وظاهرهما التعدّد.

ولقد أجاد جدّنا رحمه الله حيث قال: (إنّ الشيخ في «المبسوط» لم يستند إلى دليلٍ أصلاً، وعنه في «الخلاف»(3) الاستناد إلى العمومات، ومرجعه إلى التمسّك بصدق الاسم، ولقد أجاد في «التذكرة»(4) حيث جعلهما واحداً).

وكيف كان، فقد رموه بقوسٍ واحد، بأنّ كلّاً منهما لم يحلّ عليه الحول، مع

ص: 147


1- شرائع الإسلام: ج 1/110، إرشاد الأذهان: ج 1/280.
2- المبسوط: ج 1/206. (3و4) اختاره في شرح الإرشاد.
3- الخلاف: ج 2/95.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/180 (ط. ج).

ولو قَصَد الفرار.

أنّه شرطٌ في الوجوب، وغاية ما اُفيد في الانتصار لهذا الوجه أنّ الموصول في قوله عليه السلام: (ما حال عليه الحول يجبُ فيه الزَّكاة) مبهمٌ ، ويحتمل أنْ يكون المراد به النصاب، فمفاده أنّ كلّ نصابٍ حال عليه الحول، يجب فيه الزَّكاة، وهذا يصدقُ في المثال المفروض كونه مالكاً لأربعين شاة في تمام الحول، بعد فرض النصاب طارئاً لنفس الجنس.

ولكن يرد عليه: أنّ النصاب المطلق، مع عدم تعلّقه بشيءٍ ليس موضوع الحكم، بل مع عروضه بمحلٍّ فيكون المراد المال المعدود بعدد خاص، فيتوجّه الإيراد المتقدّم.

وعليه، فالأظهر هو بطلان الحول.

الفرع الثالث: ما أشار إليه بقوله: (ولو قَصَد الفرار)، أي يبطل الحول وإنْ كان التعويض بقصد الفرار، وهذا هو المشهور مطلقاً كما عن «التذكرة»(1)، أو بين خصوص المتأخّرين(2)، لكن المشهور بين المتقدّمين(3) عدم البطلان.

ومنشأ الاختلاف: اختلاف النصوص، فإنّ طائفة منها ظاهرة في الوجوب وعدم البطلان:

منها: موثّق معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:7.

ص: 148


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/181 (ط. ج).
2- الحدائق الناضرة: ج 12/96.
3- الانتصار: ص 219، الخلاف: ج 2/77.

«في الرّجل يجعل لأهله الحُليّ فراراً من الزَّكاة ؟ إلى أن قال: إنْ كان فرَّ به من الزَّكاة فعليه الزَّكاة، وإنْ كان إنّما فعله ليتجمّل به، فليس عليه زكاة»(1).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عنه عليه السلام: «عن الحُليّ فيها زكاة ؟ قال عليه السلام: لا، إلّاما فرَّ به من الزَّكاة»(2).

وطائفة اُخرى بإزائها ظاهرة في عدم الوجوب والبطلان:

منها: الخبر الحسن المرويّ عن عمر بن يزيد(3)، وصحيح زرارة(4) وغيرهما من النصوص الكثيرة.

أقول: وقد جمعوا بينهما:

تارةً : بحمل الأولى على الاستحباب.

واُخرى : بحملها على السنة الأُولى ، والثانية على السنين المتأخّرة.

وثالثة: بحملها على ما بعد حول الحول، لا في أثنائه، بشهادة موثّق زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلت له: إنّ أباك عليه السلام قال: مَن فَرَّ بها من الزَّكاة، فعليه أن يؤدّيها؟ فقال عليه السلام: صَدَق أبي إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، وما لم يجب عليه، فلا شيء عليه منه»(5).

ورابعة: بحملها على التقيّة.

أقول: ولا بأس ببعضها، وعليه فالأظهر البطلان.5.

ص: 149


1- تهذيب الأحكام: ج 4/9 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/162 ح 11746.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/9 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/162 ح 11747.
3- الكافي: ج 3/559 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/159 ح 11741.
4- الكافي: ج 3/525 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/163 ح 11749.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/10 ح 15، وسائل الشيعة: ج 9/161 ح 11745.

لو تجدّد المِلْكُ في أثناء حول أحد النُّصُب

الفرع الرابع: إنّه إذا حَدَث الملك في أثناء حول أحد النُّصُب، مع كونه من جنسه، فهل له حولٌ أم لا؟

أقول: تحقيق القول في المقام هو أنّ الصور المتصوّرة متعدّدة:

منها: أن يكون ما ملكه نصاباً مستقلّاً على كلّ حال، كما لو ولدت خمسٌ من الإبل في أثناء حولها خمساً، أو ملكها كذلك من غير الانتاج، فالظاهر عدم الخلاف بيننا في اعتبار الحول بالنسبة إلى كلٍّ من النصابين بنفسه من دون اعتبار انضمامه مع الآخر، ويشهد له - مضافاً إلى الإجماع والقاعدة وعموم الأخبار - خصوص النصوص التي استدلّ بها صاحب «المستند»(1)، فإنّها صريحة الدلالة على المقام.

ومنها: أن لا يكون المتجدّد نصاباً مستقلّاً على كلّ حال، ولا مكمّلاً لنصابٍ ، بل يكون نصاباً في بعض الأحوال، كما إذا ولدت له أربعون من الغنم أربعين، إذ الأربعين بعد الأربعين ليست نصاباً، ولا مكمّلة لنصابٍ آخر، لعدم كون الثمانين نصاباً، نعم هي نصابٌ في حال الانفراد، ولذلك حُكي عن المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(2) وعن ثاني الشهيدين(3) وغيرهما(4) أنّه لا يجب عليه إلّاشاة واحدة، والزيادة تعدّ عفواً.

ص: 150


1- مستند الشيعة: ج 9/86.
2- منتهى المطلب: ج 1/490 (ط. ق).
3- شرح اللّمعة: ج 2/25، مسالك الأفهام: ج 1/372.
4- مدارك الأحكام: ج 5/77، ذخيرة المعاد: ج 3/432، الحدائق الناضرة: ج 12/77.

وعن «المعتبر»(1): احتمال وجوب شاة اُخرى ، عند تمام حول الأربعين الثانية، واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّها نصابٌ كاملٌ ، وجبت الزَّكاة فيها مع الانفراد، وكذلك في صورة الانضمام.

وفيه: أنّ الأربعين إنّما تكون نصاباً في صورة الانفراد، وليست كذلك في صورة الانضمام، فالقياس مع الفارق.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام: «في كلّ أربعين شاةٍ شاةٌ ».

وفيه: إنّه قد خُصّص هذا العموم بصورة الانفراد، لما دلّ على أنّه ليس في الغنم شيء بعد الأربعين حتّى تبلغ مائة وإحدى وعشرين.

ودعوى: اختصاص المخصّص بالزيادة على النصاب الأوّل، المقارنة معه في ابتداء الملك، دون المتجدّد في الأثناء.

مندفعة: بأنّ قوله عليه السلام: (حتّى تبلغ) لو لم يكن ظاهراً في المتجدّد فلا أقلّ من الإطلاق.

ومنها: أنْ تكون الزيادة المتجدّدة في الأثناء مكمّلة للنصاب الثاني، وتكميل النصاب إنّما يكون على أقسام.

1 - أنْ تكون الزيادة مكمّلة فقط، كما لو كان عنده ثلاثون بقرة، فولدت له إحدى عشرة.

2 - أنْ تكون مكمّلة مع كونها نصاباً في مرتبتها، كما لو كان عنده عشرون من الإبل، فولدت له سبعاً، إذ السّبع مكمّلة للنصاب السادس، الموجب لوجوب بنت0.

ص: 151


1- المعتبر: ج 2/510.

مخاض، مع أنّها مشتملة على نصابٍ مستقلّ في مرتبة التكميل، نظراً لاشتمالها على الخمسة، وهي نصابٌ مستقلٌّ بعد العشرين لتعلّق الشاة بها.

3 - أنْ تكون مكمّلة ولا تكون مشتملة على نصابٍ مستقلّ في مرتبة التكميل، ولكن تعدّ نصاباً في بعض الموارد، كما لو كان عنده ثمانون من الغنم، فولدت له اثنين وأربعين، إذ الزيادة مكمّلة للنصاب، ولا تكون نصاباً في مرتبة التكميل، لكنّها نصاب في حال الإنفراد.

أمّا القسم الأوّل: ففيه وجوه وأقوال:

القول الأوّل: سقوط اعتبار النصاب الأوّل، وصيرورة الجميع نصاباً، ويعتبر الحول من حين حدوث الزيادة.

القول الثاني: وجوب زكاة كلّ منهما عند انتهاء حوله، فيخرج عند انتهاء حول الأوّل تبيعاً، وعند انتهاء الثاني مُسنّة.

القول الثالث: أنّه لا يبتدأ حول الزائد حتّى ينتهى الحول الأوّل، ثمّ يستأنف حولٌ واحدٌ للجميع، وهذا هو المنسوب إلى المشهور.

القول الرابع: وجوب فريضة النصاب الأوّل بحلول حوله، ووجوب جزء من فريضة النصاب الثاني عند حلول حوله أيضاً، فإذا تَمّ الحول الثاني للنصاب الأوّل أكمل فريضة النصاب الثاني، وهكذا مثلاً في المثال يجبُ عليه تبيعٌ عند حلول الحَول على الثلاثين، وربعُ مسنّة عند حلول الحول للزيادة، وثلاثة أرباع مُسنّة عند حلول الحول الثاني على الثلاثين، وهكذا، وهذا ما اختاره المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(1).3.

ص: 152


1- قواعد الأحكام: ج 1/333.

وقد استدلّ للأوّل: بوجهين:

أحدهما: أنّ إطلاق حكم النصاب الأوّل لا يشمل المقام، لانصرافه إلى غيره ممّا لم يضمّ إليه النصاب المتأخّر.

وفيه: أنّ الانصراف ممنوعٌ ، مع أنّه يمكن معارضته بدعوى انصراف إطلاق النصاب المتجدّد أيضاً إلى غير هذه الصورة.

الوجه الثاني: أنّ النصاب المتدرّج في نصابٍ آخر، يكون ملغى من حيث الأثر، وعليه فإذا كان عنده في ابتداء الحول ثلاثون بقرة، وهي سببٌ لوجوب تَبيعٍ بشرط بقائها بشرائط التأثير، حتّى يحول عليها الحول، فإذا بلغت في أثناء الحول أربعين، صارت جزءً لنصاب فريضتها مسنّة، وأمّا الذي كان مقتضياً لإيجاب تبيعٍ ، لم يبق على اقتضائه بعد صيرورته جزءً من نصابٍ آخر، فلا مناص عن البناء على سقوط حول الأوّل.

وفيه: إنّ غاية ما ثبت بالدليل في مقابل الأدلّة المقتضية لتأثير كلّ من النُصُب، ولو عند الاجتماع، أنّ المال لا يُزكّى مرّتين، وأنّه إذا كان أحد النُصُب داخلاً في الآخر، يرفع اليد عن الأقلّ ، ويكون المؤثّر الفعلي هو الأكثر، وتجب فريضتها خاصّة، التي هي فريضة المجموع، ويحصل بأدائها الخروج عن عهدة الحقّ المتعلّق بالجميع.

وعليه، فإذا لم يكن ذلك النصاب جامعاً لشرائط التأثير، لا يصلح أنْ يكون مانعاً عن تأثير النصاب الأقلّ في إيجاب فريضة، فعند حول حول الثلاثين، بما أنّها غير داخلة تحت نصاب آخَر جامعٍ للشرائط الّتي من جملتها حول الحول، لا مانع عن وجوب فريضتها.

ص: 153

واستدلّ للثاني: بأنّ إطلاق كلٍّ من النصابين يقتضي ذلك، وما دلّ على أنّه:

(لاثنيا في الصدقة) مختصٌّ بما إذا اجتمع النصابان بدواً لا استدامةً .

وفيه: أنّه لا إجمال فيما دلّ على أنّه: (لا ثنيا في الصدقة)، ولا يكون مختصّاً بما ذكر، كما لا خلاف في عمومه، ولذا لم يثبت وجود قائل بهذا القول.

واستدلّ للقول الثالث: بظهور أدلّة النصاب المتأخّر في غير المفروض، وبوجوب إخراج زكاة الأوّل عند تمام حوله، لوجود المقتضي، وهو اندراجه في الأدلّة وانتفاء المانع، ومتى وجب إخراج زكاته منفرداً، امتنع اعتباره منضمّاً إلى غيره في ذلك الحول للأصل، وقوله عليه السلام: «لاثنيا في الصدقة»، وقول الإمام الباقر عليه السلام: «لا يُزكّى المال من وجهين في عامٍ واحد».

أقول: أمّا الوجه الأوّل: فيمكن دفعه بمعارضته بادّعاء ظهور أدلّة النصاب الأوّل أيضاً في غير المفروض.

وأمّا الوجه الثاني: فهو جيّدٌ، لكن أورد عليه بأنّ الفرار عن تثينة الصدقة، كما يمكن بما ذُكر، يمكن بإهمال النصاب الأوّل، فيثبت به القول الأوّل.

ولكن قد عرفت الجواب عن ذلك عند ذكر أدلّة القول الأوّل، فراجع.

واستدلّ للقول الرابع: بأنّه لا يصحّ الجمع بين ما يدلّ على وجوب التبيع في رأس حول الثلاثين، ووجوب المُسنّة في رأس حول الأربعين، بعد تعارضهما من جهة ما دلّ على عدم تعدّد الزَّكاة في عام واحد في مال واحد، إلّابهذا الوجه.

أقول: ولا يخفى أنّ هذا الوجه يتمّ بناءً على ثبوت أحد الأمرين:

أحدهما: ما أفاده الشيخ الأعظم رحمه الله(1) بقوله: (إنّ هذا الجمع حسن لو استفيد).

ص: 154


1- كتاب الطهارة - الشيخ الأنصاري -: ج 2/484 (ط. ق).

من أدلّة الفريضة في النصاب، كون حول الحول على كلّ جزءٍ من النصاب، سبباً لوجوب حصّة من الفريضة، ولو لم يكن مثلها في مثله)، وهو كما أفاده رحمه الله بعيدٌ عن مدلول اللّفظ، بل الظاهر توقّف الوجوب في كلّ جزءٍ على مصاحبة الوجوب في غيره توقّف معيّة لا توقّف دور، كما في «الإيضاح»(1).

ثانيهما: كون الأصل في تعارض حقوق النّاس، هو الجمع بينهما مهما أمكن، كما ادّعاه بعض الأساطين(2)، فيتعدّى منه إلى مطلق الحقوق إذا وقع التعارض بين أسبابها، والمقام من مصاديقها.

ولكن لا يخفى أنّ مثل هذا الأصل غير ثابت، بل الثابت خلافه كما ادّعاه الشيخ الأعظم(3) رحمه الله.

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ مااختاره المشهور هو الأظهربحسب الأدلّة.

هذا كلّه في القسم الأوّل.

وأمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان المِلْك الجديد نصاباً مستقلّاً في حدّ نفسه، ومكمّلاً للنصاب اللّاحق:

فعن «الجواهر»(4): أنَّ مقتضى إطلاق الأصحاب، أنّ لها حولاً بانفرادها، وألحقه السيّد في «العروة الوثقى»(5) بالقسم الأوّل.

أقول: الأظهر إلحاقه بالصورة الأُولى، لما تقدّم في أدلّة تلك الصورة، ولا مانع).

ص: 155


1- إيضاح الفوائد: ج 1/174.
2- المكاسب: ج 5/408 (ط. ج).
3- كتاب الطهارة الشيخ الأنصاري: ج 2/484 (ط. ق).
4- جواهر الكلام: ج 15/107.
5- العروة الوثقى: ج 4/48 (ط. ج).

عنه سوى تخيّل شمول دليل النصاب السادس من لزوم بنت مخاضٍ في ستّ وعشرين، فإنّ مقتضى عمومه اعتباره بعد انقضاء حول الملك الأوّل، وجعل المجموع نصاباً واحداً كما اخترناه تبعاً للمشهور وفي القسم الأوّل، ولكنّه لا يصلح للمنع، إذ الزيادة هنا مؤثّرة في فريضتها في بقيّة حول المِلْك الأوّل، وليست مهملة كما كانت كذلك في ذلك القسم، فعند انقضاء حول الملك الأوّل ليس هناك عددٌ منطبق على النصاب الثاني من دون مزاحم، إذ الزيادة المكمّلة المؤثّرة في فريضتها لا تصلح أنْ تكون جزء المؤثّر له، وهذا بخلاف القسم الأوّل، إذ الزيادة هناك من جهة عدم انطباق شيءٍ من النُصُب عليها، لم تكن مؤثّرة في شيءٍ ، بل تكون عفواً، فعند تماميّة حول الملك الأوّل يتحقّق النصاب الثاني، فيترتّب عليه أثره.

وعليه، فالأظهر أنّ للمِلْك الجديد حولاً بانفراده في هذا القسم.

وأمّا القسم الثالث: وهو ما لو كان المِلْك الجديد مكمّلاً للنصاب اللّاحق، برغم كونه نصاباً في حال الانفراد.

أقول: الأظهر إلحاقه بالقسم الأوّل الذي يكون الجديد مكمّلاً فقط، لما عرفت في الصورة الثانية من أنّ كون عددٍ نصاباً في حال الانفراد دون حال الضميمة، لا يوجب تغيير الحكم، ويكون بنفسه عفواً، فإذا تَمَّ حول الملك الأوّل، وانطبق على المجموع النصاب اللّاحق، لحقه حكمه.

تتميم: قال جدّنا العلّامة رحمه الله(1): (واعلم أنّ الفاضل النراقي رحمه الله قد ذكر لأصل ولو كان بعده لم يَسقُط.).

ص: 156


1- وهو السيّد محمّد صادق الروحاني قدس سره جدّ المؤلّف، في (كتاب الزَّكاة) (مخطوط).

كلّي مسألة تجدّد الملك في أثناء الحول، جملةً من(1) الأخبار، وشطراً من الآثار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام، وتمسّك بها في بعض الفروض الخلافيّة، والإنصاف أنّ أكثرها غير نافعة للمقام، ولا دالّة على المرام، أقواها رواية أبي بصير(2)، وهي مضافاً إلى اختصاصها بمسألة القرض والدين، ظاهرها الاختصاص بالفرض غير الخلافي، أعني ما إذا كان المتجدّد في الأثناء نصاباً مستقلّاً غير مكمّلٍ ، كخمسٍ من الإبل بعد الخمس، كيف ولو أُخذ بظاهر عمومه، للزم الحكم بلزوم الزَّكاة لكلّ زيادةٍ في الأثناء مطلقاً، حتّى فيما كان الاتّفاق على خلافه، فلذا إمّا يصرف إلى الأوّل، أو يُحكم بالإجمال، فلا تنفع لمورد الخلاف) انتهى .

حكم تلف بعض النِّصاب بعد الحول

الفرع الخامس: ما أشار إليه بقوله: (ولو كان بعده لم يَسقُط) أي إذا كان التلف من النصاب بعد الحول لم يسقط عن التالف الزّكاة.

وملخّص القول في المقام: إنّه لو حال الحول، وتلف من النصاب شيءٌ :

1 - فإنْ كان ذلك بتفريط المالك، ولو بتأخير الأداء، مع عدم المسوّغ للتأخير، يكون ضامناً.

2 - وإنْ لم يكن ذلك عن تفريطٍ، بل أخّر في الأداء لعدم المستحقّ ، أو لعدم

ص: 157


1- وسائل الشيعة: ج 9/137.
2- الكافي: ج 3/523 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/98 ح 11618.

التمكّن من الدفع إليه، سقط من الفريضة بنسبة التالف، بلا خلافٍ ولا إشكال في ذلك كلّه.

3 - ولو تلف النصاب كلّه بلا تفريطٍ، سقط الكُلّ ، ويشهد له - مضافاً إلى ما عرفت - الخبر المرسل عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الرّجل يكون له إبلٌ أو بقرٌ أو غنم، أو متاع، فيحول عليها الحول، فتموت الإبل والبقر والغنم، ويحترق المتاع ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء»(1).

وقد تقدّم في مسألة وقت وجوب إخراج الزَّكاة، اُموراً تنفع المقام، فراجع.(2)

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ النصوص المذكورة في تلك المسألة مختصّة بتلف الزَّكاة لا النصاب، وعليه فثبوت الضمان بناءً على القول بجواز التأخير الذي لا يكون منطبقاً على قواعد باب الضمان، إذ مع إذن الشارع الأقدس في التأخير، لا تكون اليد يد ضمانٍ ، ويحتاج إلى دليل آخر مفقود، والمسألة محتاجة إلى التأمّل، والاحتياط سبيل النجاة.

***د.

ص: 158


1- الكافي: ج 3/531 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/127 ح 11675.
2- صفحة 61 من هذا المجلّد.

مسائل: الأولى: الشاة المأخوذة في الزَّكاة، أقلّها الجَذع من الضَّان، أو الثني من المَعْز.

أقلّ الشاة الجذع والثنيّ

(مسائل: الأُولى: الشاة المأخوذة في الزَّكاة أقلّها الجَذَع من الضّأن، أو الثنيّ من المَعْز) كما عن المشهور(1)، بل عن «الغُنية»(2) و «الخلاف»(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - ما في «المعتبر»، عن سويد بن غفلة، قال: «أتانا مصدّق رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال: نهينا أن نأخذ المراضع، واُمرنا أن نأخذ الجَذَعة والثنية»(4).

2 - والمرسل المرويّ في «غوالي اللّئالي» عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «أنّه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضّأن، والثنيّ من المَعْز»(5) والظاهر اتّحادهما.

أقول: وأورد عليه بإيرادات:

1 - ضعف السند.

2 - أنّ الأمر فيه غير معلوم، ولعلّه أحد الصحابة.

ص: 159


1- كشف الرموز: ج 1/238، تبصرة المتعلّمين ص 68، شرح اللّمعة: ج 2/27، غنائم الأيّام: ج 4/76.
2- غنية النزوع: ص 123.
3- الخلاف: ج 2/24.
4- سنن النسائي: ج 5/30، وسنن أبي داود: ج 2/147، ولكن ليس في الثاني الجملة الثانية، وإنّما ذكر مضمونها في خبر مسلم بن شعبة المرويّ في سنن أبي داود: ج 2/138.
5- عوالي اللآلي: ج 2/230 ح 10.

وفيه: الظاهر من الحديث أنّ قائل القول الثاني هو المصدّق، فيكون ظاهراً في كون الآمر هو النبيّ صلى الله عليه و آله، وأنّ (نُهينا، واُمرنا) يكونان مبنيين للفاعل لا المفعول.

3 - إنّه متضمّن لقضيّة شخصيّة، فلا عموم له.

وفيه: الثابت أنّه لا خصوصيّة للمورد.

4 - أنّه ظاهر في تعيّنهما، ولم يفتِ الأصحاب بذلك، بل قالوا إنّهما أقلّ الُمجزي.

وفيه: أنّه ظاهر في التعيّن من ناحية الأقلّ ، لقوله: (نُهينا أنْ نأخذ المراضع).

5 - أنّه لو كان هذا الخبر مستند المشهور، لكانوا معتبرين الاُنوثة، مع أنّ بناءهم على عدم اعتبارها، فضلاً عن أنّه ليس في الرواية دلالة على إرادته في الغنم، فلعلّ موردها البقر والإبل.

وفيه: إنّ الخبر مرويٌّ عن موضعٍ من «التذكرة»(1) حيث أرسل عن سُويد بن غفلة أنّه قال: «أتانا مصدّق رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: اُمرنا أنْ نأخذ الجَذَع من الضأن والثنيّ من المَعز».

فتحصّل: أنّه لا قصور فيه من حيث السند والدلالة.

أقول: ثمّ إنّ المشهور بين الفقهاء(2) أنّ المراد ب (الجَذع) ما كَمُل له سبعة أشهر، و (الثنيّ من المعز) ما كَمُلت له سنة، بل عن محشيّ «الروضة»(3) أنّه لا يُعرف قولاً غيره.

ويُجزي الذَّكر والاُنثى ، وبنتُ المَخاض، والتَبيع هو الذي كَمُل حولاً، وبنتُ ).

ص: 160


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/107 (ط. ج).
2- المبسوط: ج 1/199، السرائر: ج 1/448، ذخيرة المعاد: ج 3/436.
3- حكاه صاحب الجواهر: ج 15/131 بقوله: (بل عن محشي الروضة لا يعرف قولاً غيره).

اللّبون، والمُسنّة ما كَمُل حولين، والحُقّة ما كَمُلت ثلاثاً ودخلت في الرّابعة، والجَذَعة ما دخلت في الخامسة.

وعن المصنّف رحمه الله(1): إنّما يُجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابّين، وإذا كانا هرمين لم يُجذع حتّى يستكمل ثمانية أشهر.

كما أنّ المنسوب إليه(2): أنّ الثنيّ من المَعز، ما دخل في الثالثة.

وعن جمعٍ من أهل اللّغة(1): أنّ الجذع ولدُ الشاة في السنة الثانية، وأنّ الثنيّ ما دَخَل في السنة الثالثة.

وهناك أقوالٌ اُخر، وحيثُ أنّه لا دليل يصلح أن يُستند إليه في تعيين شيء من تلك المعاني، فالإفتاء مشكلٌ ، ولكن بما أنّ الأقلّ هو ما اختاره الفقهاء، فبعد الرجوع إلى الأصل يكون عليه الفتوى كما لا يخفى .

وأمّا ما عن بعضهم(2) من تفسير الجذع بما له ستّة أشهر، فمّما لا يُلتفت إليه في مقابل قول جُلّ الفقهاء واللّغويين.

(ويجزي الذكر والاُنثى ) لإطلاق الأدلّة (وبنتُ المَخاض، والتَبيع هو الذي كَمُل حولاً، وبنتُ اللّبون، والمُسنّة ما كَمُل حولين، والحُقّة ما كَمُلت ثلاثاً ودخلت في الرّابعة، والجَذَعة ما دخلت في الخامسة) على المشهور في الجميع، وقد تقدّم الكلام فيما هو مورد الخلاف من هؤلاء، فراجع(3).د.

ص: 161


1- الصحاح: ج 3/1194، لسان العرب: ج 8/44.
2- منتهى المطلب: ج 1/740 (ط. ق)، تحرير الأحكام: ج 1/105 (ط. ق).
3- صفحة 109 و مابعدها من هذا المجلّد.

الثانية: لا تُؤخذُ المَريضةُ ، ولا الهَرِمة، ولا الوالدةُ ، ولا ذات العِوار.

لا تؤخذ المريضة في الزَّكاة

المسألة الثانية: لا خلاف ظاهراً في أنّه (لا تُؤخذ المريضة) في الفريضة مطلقاً، (ولا الهِرَمة) وهي البالغة أقصى الكِبر، (ولا الوالدة) وهي القريبة العهد بالولادة، ( ولا ذاتُ العوار).

ويشهد له:

1 - صحيح محمّد بن قيس، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ولا تؤخذ هَرِمة، ولا ذَاتُ عوارٍ إلّاأن يشاء المصدّق»(1).

2 - وصحيح أبي بصير الوارد في زكاة الإبل المتقدّم: «ولا تُؤخذ هرمة، ولا ذاتُ عوارٍ إلّاأن يشاء المصدّق، ويعدّ صغيرها وكبيرها»(2).

وهما وإنْ اختصّا بالهرمة وذات العوار، إلّاأنّ الظاهر استفادة حكم المريضة منهما، إمّا لكون المرض من أفراد العيب أو بالفحوى .

3 - وموثّق سماعة: «لا تُؤخذ أكولة، والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم، ولا والدة، ولا الكبش الفحل»(3).

وهذا يدلّ على حكم الوالدة، ويمكن استفادة حكمها من ما دلّ على حكم المريضة، لكونها نفساء فهي مريضة، ولذا لا يقام الحَدّ على النفساء.

ص: 162


1- الاستبصار: ج 2/23 ح 62.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/20 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/125 ح 11671.
3- الكافي: ج 3/535 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/125 ح 11670.

ولا تُعدُّ الأكولة.

ودعوى: أنّ الصحيح الأوّل واردٌ في نصاب الغنم، والثاني في نصاب الإبل، فلا يستفاد منهما حكم الأنعام الثلاثة بأجمعها.

مندفعة: بأنّه بعد وضوح المناط، وعدم القول بالفصل، لا سبيل إلى هذه الدعوى.

وقد يتوهّم: دلالة الصحيحين على جواز أخذها للمصدّق مطلقاً، لما فيهما من التعليق على مشيئته.

وفيه: إنّهما لا يدلّان على جواز مشيئته مطلقاً، فيقتصر على ما إذا رأى الساعي المصلحة في أخذها، كما إذا كان ذاتُ العوار أغلى من غيرها وأسمن، أو أرادها لنفسه بدلاً عن حقّه، مع أنّه يمكن ضبط (المصدَّق) بالفتح، ليكون دفعها حينئذٍ من باب دفع القيمة.

ولا يخفى أنّ المنع من أخذها إنّما هو فيما إذا كان في النصاب غيرها، وأمّا لو كان كلّه كذلك، فلا خلاف بين الأصحاب في جواز الأخذ، وسيأتي تمام الكلام فيه.

(و) قد صرّح جمعٌ من الأصحاب(1) بأنّه (لا تُعدُّ الأكولة) وهي السمينة المعدّة للأكل، ولا ينافي هذا التفسير ما في موثّق سماعة من تفسيرها بالكبيرة، إذ الظاهر أنّ المراد بالكبيرة في الخبر هو هذا، بقرينة تفسيرها بذلك في اللّغة.5.

ص: 163


1- المبسوط: ج 1/199، السرائر: ج 1/437، شرائع الإسلام: ج 1/113، تبصرة المتعلّمين ص 68، منتهى المطلب: ج 1/485.

ولا فَحل الضَّراب. ولو كانتْ إبله مِراضاً اُخذ منه.

(ولا فَحلُ الضَّراب) من النصاب، ولكن المنسوب إلى المشهور عدّهما منه.

واستدلّ للأوّل: بصحيح عبد الرحمن: «ليس في الأكيلة، ولا في الرّبى التي تربي اثنين، ولا شاة لبن، ولا فحل الغنم صدقة»(1).

أقول: وأورد عليه بإيرادات:

منها: أنّه غير صريح في ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها، عدم أخذها في الصدقة، لا عدم تعلّق الزَّكاة بها، ويعيّن ذلك اتّفاق الأصحاب ظاهراً على عَدّ شاة اللّبن والربي.

وفيه: أنّه وإنْ لم يكن صريحاً في المدّعي، إلّاأنّه ظاهر فيه، ولا يعتبر في الدليل الصراحة، وأمّا الاتّفاق المزبور، فهو غير ثابتٍ ، وعلى فرض ثبوته والعمل به في مقابل الخبر، فإنّما هو في مورد الاتّفاق، لا في غير ذلك المورد.

ومنها: أنّ المذكورات في الخبر تكون غالباً غير مرسلة مرجها عامها، فتكون واردة مورد الغالب، من عدم تحقّق شرط الزَّكاة، أي السّوم محضاً.

وفيه: إنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الأفراد الغالبة وغيرها.

ومنها: دعوى الانصراف إلى غير السّائمة، وهي كما ترى .

وعليه، فالأظهر أنّهما لا تعدّان من النصاب.

(ولو كانتْ إبله) أو غيرها من الأنعام كلّها (مِراضاً) أو هرمات، أو ذوات عِوار، (أُخذ منها) بلا خلافٍ ، وعن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(2) نسبته إلى علمائنا،).

ص: 164


1- الكافي: ج 3/535 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/124 ح 11669.
2- منتهى المطلب: ج 1/485 (ط. ق).

الثالثة: من وَجَب عليه بنتُ مخاضٍ وعنده بنتُ لبون، دَفَعها وأخذ شاتين أو عشرين درهماً، ولو كان بالعكس دَفَع بنتُ مخاضٍ ومعها شاتين أو عشرين درهماً، وكذا الحُقّة والجَذَعة.

ويشهد له النصوص(1) الواردة في آداب المصدّق، وما دلّ على النهي عن أخذ الهرمة وذات العوار، مختصٌّ بما إذا لم تكن كلّها كذلك، للانصراف.

الإبدال

المسألة الثالثة: في الإبدال:

يقول رحمه الله: (من وَجَب عليه بنت مخاضٍ ، وعنده بنتُ لبونٍ ، دفعها وأخذ شاتين، أو عشرين درهماً، ولو كان بالعكس دفع بنت مخاضٍ ومعها شاتين أو عشرين درهماً، وكذا الحُقّة والجَذَعة) بلا خلافٍ ، وفي «التذكرة»(2): دعوى الإجماع على الجميع.

والضابط الكلّي: أنّ من وَجَب عليه سِنٌّ وليست عنده، وعنده أعلى منها بمرتبة، كان له دفعها واستعادة الجبر بينهما، وهو شاتان أو عشرون درهماً، وإنْ كانت ما عنده أخفض بسنّ ، دفع معها شاتين أو عشرين درهماً.

ويشهد له: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث زكاة الإبل: «وكلّ مَنْ وجبت عليه جَذَعة، ولم تكن عنده، وكانت عنده حُقّة، دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن وَجَبت عليه حُقّة ولم تكن عنده، وكانت عنده ابنة مخاضٍ ، دفعها وأخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومن وَجَبت عليه حُقّة ولم تكن

ص: 165


1- الكافي: ج 3/536 باب أدب المصدّق، وسائل الشيعة: ج 9/129 باب ما يستحبّ للمصدّق.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/66.

عنده، وكانت عنده ابنة لبون، دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده، وكانت عنده حُقّة، دفعها وأعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومن وجبت عليه ابنة لبون، ولم تكن عنده، وكانت عنده ابنة مخاضٍ ، دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهماً، ومن وجبت عليه ابنة مخاضٍ ، ولم تكن عنده، وكانت عنده ابنة لبونٍ ، دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهماً، ومن وَجَبت عليه ابنة مخاضٍ ، ولم تكن عنده، وكان عنده ابن لبونٍ ، ذكر فإنّه يُقبل منه ابن لبون، وليس يدفع معه شيئاً»(1) ونحوه غيره.

وعن الصدوقين(2) والجُعفي(3) أنّ التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللّبون شاة، ولا مستند لهم سوى الرضوي(4)، وعرفت مراراً أنّه ليس بحجّة، وعلى فرض حجيّته لا يصلح لمعارضة ماتقدّم.

وعن المصنّف رحمه الله في بعض كتبه(5)، والشهيدين(6) وغيرهم(7) القول بجواز الاكتفاء بشاة وعشرة دراهم.

وفيه: أنّه إنْ اُريد بذلك دفع القيمة، فهو خروج عن الفرض، مع أنّه لا وجه للتخصيص، وإنْ اُريد به الدفع على وجه الفريضة، فهو ممّا لا شاهد له، فلابدّ من الاقتصار على ما يدلّ عليه النصوص، وهو ما عرفت.6.

ص: 166


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/23 ح 1604، وسائل الشيعة: ج 9/127 ح 11676.
2- حكاه العلّامة الحِلّي عن والد الصدوق في مختلف الشيعة: ج 3/175، والصدوق في المقنع: ص 158.
3- حكاه عن الجُعفي وعلي بن بابويه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 11/280.
4- فقه الرّضا: ص 197 باب الزَّكاة.
5- تذكرة الفقهاء: ج 1/208 (ط. ق).
6- الدروس: ج 1/235، مسالك الأفهام: ج 1/375.
7- غنائم الأيّام: ج 4/73، مصباح الفقيه: ج 3/36.

وابن اللَّبُون يُساوي بنتُ المخاض.

الرابعة: لا يجبُ إخراجُ العين، بل يجوزُ دَفع القيمة.

أقول: وبما ذكرناه يظهر أمران:

الأمر الأوّل: أنّه لو تفاوتت الأسنان بأزيد ودرجة واحدة، لم يتضاعف التقدير الشرعي، ورجع في التقاص إلى القيمة السوقيّة، كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن نصّاً وفتوى.

الأمر الثاني: أنّ الخيار في دفع الأعلى وأخذ الجبر أو الأدنى وإعطائه إلى المالك لا إلى الساعي، لأنّه موظّف بأخذ ما عيّنه الشارع.

(وابن اللّبون يُساوي بنتُ المخاض) بمعنى أنّه عند دفعه بدلاً عنها لايؤخذ الجبر بلا خلافٍ ، ويشهد له الصحيح المتقدّم.

وأمّا الكلام في أنّه هل يكون جواز دفعه بدلاً عنها مختصّاً بصورة الاضطرار أم يجوز في حال الاختيار أيضاً، فقد تقدّم مفصّلاً، فراجع.(2)

تبديل المالك الفريضة بالقيمة

المسألة (الرابعة: لا يجبُ إخراج العين، بل يجوز دَفعُ القيمة) هذا الحكم في غير الأنعام ممّا لا خلاف فيه، بل عن «المعتبر»(3) و «التذكرة»(4) وغيرهما(5) دعوى الإجماع عليه، ويشهد له:

ص: 167


1- شرائع الإسلام: ج 1/111، مدارك الأحكام: ج 5/85، مستند الشيعة: ج 9/124.
2- صفحة 127 من هذا المجلّد.
3- المعتبر: ج 2/516.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/359 (ط. ج).
5- الحدائق الناضرة: ج 12/72، رياض المسائل: ج 5/77 (ط. ج).

1 - صحيح البرقي: «كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: هل يجوز أن أخرج عمّا يَجبُ في الحرث من الحِنطة أو الشعير، وما يجب على الذهب، دراهم قيمة ما يسوى، أم لايجوز إلّاأن يُخرج من كلّ شيء ما فيه ؟ فأجاب عليه السلام: أيّما تيسّر يُخرّج»(1).

2 - وصحيح علي بن جعفر: «عن الرّجل يعطي عن زكاته عن الدّراهم دنانير، وعن الدنانير دراهم بالقيمة، أيحلّ ذلك ؟ قال عليه السلام: لا بأس به»(2).

ونحوهما غيرهما.

وأمّا في الأنعام: فالمشهور بين الأصحاب جوازه أيضاً، بل عن «الخلاف»(3)و «الغُنية»(4) وغيرهما(5) دعوى الإجماع عليه.

وعن المفيد(6) والإسكافي(7) عدم الجواز فيها، ومال إليه المحقّق في محكيّ «المعتبر»(8)، ووافقهم في التقوية أو الميل جمعٌ من المتأخّرين، كصاحبي «المدارك»(9)و «الذخيرة»(10) وغيرهما(11).2.

ص: 168


1- الكافي: ج 3/559 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/167 ح 11753.
2- الكافي: ج 3/559 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/167 ح 11754.
3- الخلاف: ج 2/50.
4- غنية النزوع: ص 126.
5- منتهى المطلب: ج 1/504 (ط. ق).
6- المقنعة: ص 253.
7- حكاه العلّامة العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/229.
8- المعتبر: ج 2/517.
9- مدارك الأحكام: ج 5/91.
10- ذخيرة المعاد: ج 3/447.
11- الحدائق الناضرة: ج 12/72.

ويشهد للأوّل: خبر يونس بن يعقوب، المرويّ في «قُرب الإسناد»، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزَّكاة، فأشتري لهم منها ثيابا وطعاماً، وأرى أنّ ذلك خيرٌ لهم ؟ فقال عليه السلام: لا بأس»(1).

فإنّ مقتضى ترك الاستفصال، ثبوت هذا الحكم في جميع الأقسام.

أقول: وأورد عليه تارةً بضعف السند، واُخرى بقصور الدلالة، فإنّه إنّما يدلّ على الاشتراء بعد الإعطاء.

ولكن يدفع الأوّل: أنّه لا منشأ لدعوى الضعف، سوى وجود محمّد بن الوليد في السند، وهو مشتركٌ بين الثقة والضعيف، والظاهر أنّ المراد به البَجَلي الثقة، لروايته عن يونس.

ويدفع الثاني: أنّ الظاهر منه الشراء من الزَّكاة قبل دفعها إليهم لا بعد الدفع والأخذ منهم، وقوله: (فأشتري لهم) تفسيرٌ لقوله: (أعطيهم) ويكون المراد أنّ الإعطاء إنّما يكون بهذه الكيفيّة، أي الإعطاء بعد الاشتراء.

ويمكن أنْ يستشهد له:

1 - بما دلّ على جواز احتساب الدين الذي له على الفقير ممّا عليه من الزَّكاة، الشامل بإطلاقه لجميع الأقسام، ويؤيّده - إنْ لم يكن دليلاً عليه - صحيح البرقي المتقدّم، فإنّ السؤال فيه وإنْ وقع عن الحرث والذهب، ولكن سوقه من جهة قوله:

(إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه) يشهد بأنّهما ذكرا من باب التمثيل، فيستفاد من قوله عليه السلام: (أيّما تيسّر) عموم الجواز في الجميع.

2 - وما ورد في آداب السّاعي من الإرفاق بالمالك، وأنّه: «إذا أخرجها4.

ص: 169


1- وسائل الشيعة: ج 9/168 ح 11756، قرب الإسناد: ص 24.

فليقسّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإنّ صاحبها فهو أحقّ به»، إذ المستفاد منه أنّه إذا كانت القيمة السوقيّة معلومة، ودفعها المالك إلى الساعي، ليس له الامتناع عن قبولها.

3 - وما ذكره المصنّف رحمه الله(1) من أنّ المقصود بالزكاة، سَدُّ الخُلة ودفع الحاجة، وهذا حاصلٌ بدفع القيمة، بل هو قد يكون أنفع.

4 - والفحوى ، فإنّه إذا جاز دفع القيمة في المثليّات، ففي القيميّات أولى .

إلى غير ذلك من المؤيّدات.

فتحصّل: أنّ الأظهر جواز دفع القيمة مطلقاً.

وينبغي التنبيه على اُمور.

الأمر الأوّل: أنّه بناءً على جواز دفع القيمة، هل يتعيّن دفع الدّراهم أو الدنانير كما عن «الكافي»(2)، واختاره جمعٌ من الأعلام(3)؟

أم يجوز الدفع من غير النقدين أيضاً؟ وجهان:

يشهد للثاني: خبر «قُرب الإسناد» المتقدّم.

واستدلّ للأوّل: بخبر سعيد بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قلت:

أيشتري الرّجل من الزَّكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسّمه ؟ قال عليه السلام: لايعطيهم إلّاالدّراهم كما أمر اللّه تعالى ».

وفيه أوّلاً: إنّه ضعيف السند.5.

ص: 170


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/197 (ط. ج).
2- الكافي للكليني: ج 3/559 ح 2، وفي وسائل الشيعة: ج 9/167 ح 11754.
3- رياض المسائل: ج 1/269 (ط. ق)، كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 2/485.

وثانياً: إنّه لا يعمل به في مورده، وهو زكاة الدّراهم فضلاً عن غيره.

الأمر الثاني: لا فرق في جواز دفع القيمة، بين كون المدفوع إليه الإمام أو نائبه أو أحد الفقراء، لاتّحاد المدرك، فالتفصيل كما عن بعضٍ في غير محلّه.

الأمر الثالث: المدار في وقت القيمة، على وقت الأداء، سواءٌ أكانت العين موجودة أم تالفة:

أمّا في الأوّل: فلأنّه المتيقّن ممّا دلّ على جواز دفع القيمة، بعد كون ذلك خلاف الأصل، إذ الزَّكاة متعلّقة بالعين لا الذمّة، وهو دفع قيمة العين وقت الإخراج لا مطلقاً.

وأمّا ما أفاده المصنّف رحمه الله: في محكيّ «التذكرة»(1) من أنّه إنّما تعتبر القيمة وقت الإخراج، إنْ لم تقوّم الزَّكاة على نفسه، ولو قوّمها وضمن القيمة، ثمّ زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج، فالوجه وجوب ما ضمنه خاصّة دون الزائد أو الناقص.

فيرد عليه: أنّه لا دليل على مشروعيّة الضمان بالتقويم، لعدم شهادة النصوص بها، ولا دليل غيرها.

وأمّا في الثاني: فلما حقّقناه في محلّه من أنّ القيمة التي يجب دفعها في باب الضمان غير المعاوضي، قيمة وقت الأداء، راجع حاشيتنا على مكاسب الشيخ الأعظم رحمه الله(2).

***ا.

ص: 171


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/198 (ط. ج).
2- تعرّض المصنّف لأنواع الضمان مفصّلاً في كتابه منهاج الفقاهة: ج 3/252 و مابعدها.

الفَصلُ الثّاني: في زكاة الذَّهب والفِضّة:

تجبُ الزَّكاة فيهما بشروط الحول.

زكاة النقدين

(الفَصلُ الثاني: في زكاة الذّهب والفضّة:

(تجبُ الزَّكاة فيهما) إجماعاً(1)، بل هو من الضروريات، ولكنّه مشروطٌ (بشروطٍ) مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة:

الشرط الأوّل: (الحول): بأنْ يكون النصاب موجوداً فيه أجمع، بلا خلافٍ فيه، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: مصحّح زرارة: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: رجلٌ كان عنده مائتا درهم غير درهمٍ أحد عشر شهراً، ثمّ أصاب درهماً بعد ذلك في الشهر الثاني عشر، وكَمُلت عنده مائتا درهم، أعليه زكاتها؟

قال عليه السلام: لا، حتّى يحول عليه الحول، وهي مائتا درهم، فإنْ كانت مائة وخمسين درهماً، فأصاب خمسين بعد أن مضى شهرٌ فلا زكاة عليه، حتّى يحول على المائتين الحول.

قلت له عليه السلام: فإنْكانت عنده مائتا درهمٍ غير درهم، فمضي عليها أيّام، فقبل أنْ ينقضي الشهر ثمّ أصاب درهماً فأتى على الدّراهم مع الدرهم حولٌ ، أعليه زكاة ؟

قال عليه السلام: نعم، وإنْ لم يمض عليها جميعاً الحول فلا شيء»(2). ونحوه غيره.

ص: 172


1- المعتبر: ج 2/522، منتهى المطلب: ج 1/491 قوله: (وهي واجبة بالنص والإجماع)، تذكرة الفقهاء: ج 5/118 (ط. ج).
2- الكافي: ج 3/525 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/152 ح 11721.

وقد مَضى النِّصاب، وكونهما مضروبين بسكّة المعاملة.

(وقد مضى) أنّ مُضيّ الحول إنّمايكون بالدخول في الشهرالثاني عشر، فراجع.(1)

الشرط الثاني: (النصاب) بلا خلافٍ فيه(2)، وعن بعض أنّه ضروري، وتشهد له النصوص الآتي بعضها.

الشرط الثالث: (كونهما مضروبين بسكّة المعاملة) بلا خلافٍ فيه، وعن غير واحدٍ(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - صحيح علي بن يقطين - أو حسنه بإبراهيم بن هاشم - عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال:

«قلتُ له: أنّه يجتمع عندي الشيء الكثير قيمته، فيبقى نحواً من سنة أنزكّيه ؟

فقال عليه السلام: لا كلّ ما لم يَحلّ عليه الحول، فليس فيه عليك زكاة، وكلّ ما لم يكن ركازاً، فليس عليك فيه شيء.

قلت: وما الركاز؟ قال عليه السلام: الصامت المنقوش، ثمّ قال عليه السلام: إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة، شيءٌ من الزَّكاة»(4).

والصامت هو الذهب والفضّة كما عن «القاموس»(5).

2 - وموثّق جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهما السلام، أنّهما قالا:

«ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدّراهم والدنانير»(6).8.

ص: 173


1- صفحة 61 من هذا المجلّد.
2- رياض المسائل: ج 5/84 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 15/168.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/118 (ط. ج)، رياض المسائل: ج 5/85 (ط. ج).
4- الكافي: ج 3/518 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/154 ح 11725.
5- القاموس المحيط: ج 1/152.
6- الكافي: ج 3/518 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/156 ح 11728.

فأصل الاشتراط ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في فروع:

الفروع الأوّل: إذا ضربت سكّة للمعاملة، ولكن لم يتعامل بها أصلاً:

فعن المشهور أنّه لا تجب الزَّكاة فيها، لأصالة البراءة، وعدم تحقّق شرط الوجوب وهو المعاملة.

وفيه: أنّ الميزان صدق الدرهم أو الدينار، والظاهر صدقهما بمجرّد الصلاحيّة والقابليّة لأن يتعامل بهما.

وإنْ شئتَ قلت: إنّه لا يعتبر وقوع المعاملة على كلّ فردٍ من أفراد المسكوك قطعاً، ووقوعها فيه بحسب النوع باعتبار وقوعها في بعض الأفراد ممّا لم يدلّ عليه دليل.

وعليه، فالأظهر هو الاكتفاء بالشأنيّة والصلاحيّة.

الفرع الثاني: إنْ خرج النقد عن رواج المعاملة، بعدما كان ممّا يُتعامل به سابقاً:

فهل تجبُ الزَّكاة فيه، كما عن جماعةٍ التصريح به(1)، وعن بعض(2) نفي الخلاف عنه، إذ المدار على صدق الدرهم أو الدينار، وهذا ممّا لا يختلف فيه الحال بين بقائهما على ما كانا عليه من المعاملة بهما، وبين هَجْرهما وسقوط سكّتهما عن الاعتبار؟

أو لا تجب، لما في خبر علي بن يقطين، من تعليل عدم وجوب الزَّكاة في السَّبائك بقوله عليه السلام: (ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت) فلذلك لا تجب الزَّكاة، إذ الظاهر أنّ المراد بالمنفعة الغرض المقصود من اقتناء الدّراهم والدنانير، فإنّ مقتضى عموم2.

ص: 174


1- الدروس: ج 1/236، شرح اللّمعة: ج 2/29.
2- مجمع الفائدة: ج 4/86، رياض المسائل: ج 5/85 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 9/152.

العلّة عدم وجوب الزَّكاة في المهجورة ؟

وجهان أقواهما بحسب الدليل الثاني، ولكن مخالفة القوم مشكلة، والاحتياط سبيل النجاة.

الفرع الثالث: إذا صار النقدان ممسوحين، بحيث انعدم النقش:

فهل تجب الزَّكاة فيهما مطلقاً؟

أم لا تجب كما عن جماعةٍ (1)؟

أم يفصّل بين رواج المعاملة بهما فتجب، وبين عدمه فلا تجب ؟ وجوه.

أقول: أمّا في صورة هجر المعاملة، فلا ينبغي التوقّف في عدم الوجوب، لما تقدّم في الفرع السابق، ولعدم صدق الدرهم والدينار عليهما، إلّابناءً على كون المشتقّ حقيقة في الأعمّ .

وأمّا في صورة المعاملة بهما، فإنْ اُحرز عدم صدق الدّراهم والدينار عليهما فلا كلام في عدم الوجوب، وإلّا وجبت سواءٌ أحرز الصدق أو شكّ فيه.

قد يقال: بالوجوب أمّا في الأوّل فللإطلاق، وأمّا في الثاني فلذلك بضميمة الاستصحاب، أي استصحاب بقاء العنوانين.

ولكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ في الصحيح قُيّد ما تجب فيه الزَّكاة بالمنقوش، وحمله على إرادة ما اُعدّ للمعاملة معه، ليس بأولى من إبقائه على ظاهره، وتقييد إطلاقه بالنصوص الاُخر الدالّة على اعتبار صدق الدرهم والدينار.

وعليه، فالأظهر عدم الوجوب مطلقاً.

***1.

ص: 175


1- شرح اللّمعة: ج 2/30، مستند الشيعة: ج 9/151.

ونصابُ الذّهب: عِشرون ديناراً، ففيه نصفُ دينار.

نُصُب النقدين

(ونِصابُ الذّهب: عشرونَ ديناراً، ففيه نصفُ دينار) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة(1)، وعن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(2).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحسين بن بشّار، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «في الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار، فإنْ نقص فلا زكاة فيه»(3).

ومنها: موثّق علي بن عُقبة، وعدّة من الأصحاب، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام أنّهما قالا: «ليس فيها دون العشرين مثقالاً من الذهب شيء، فإذا كَمُلت عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين، فإذا كَمُلت أربعة وعشرين ففيهما ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(4).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وبإزاء هذه النصوص موثّق الفضلاء، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام، قالا:

«في الذهب في كلّ أربعين مثقالاً - مثقال إلى أن قالا - وليس في أقلّ من ثمّ أربعة دنانير، ففيها قيراطان، وهكذا دائماً، ولا يجب فيما نقص عن عشرين ولا

ص: 176


1- الحدائق الناضرة: ج 12/85، غنائم الأيّام: ج 4/88.
2- منتهى المطلب: ج 1/492 (ط. ق)، مجمع الفائدة: ج 4/88.
3- وسائل الشيعة: ج 9/138 ح 11687، دعائم الإسلام: ج 1/248.
4- الكافي: ج 3/515 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/138 ح 11689.

عن أربعة شيء.

أربعين مثقالاً شيء»(1). ونحوه صحيح زرارة(2)، وقد عمل بمضمونهما ابنا بابويه(3)وجماعة(4)، وقد حمل الأصحاب هذين الخبرين على محامل، وهي وإنْ كانت بعيدة ، إلّاأنّه لا بأس بها بعد تعيّن طرحهما من جهة عدم عمل المشهور بهما.

وعليه، فالأظهر أنّ النصاب الأوّل عشرون ديناراً، وفيها نصف دينار.

(ثمّ أربعة دنانير وفيها قيراطان، وهكذا دائماً) إجماعاً، كما عن غير واحدٍ نقله(5). وتشهد لذلك كلّه جملةٌ من النصوص المتقدّم بعضها.

(ولا يجبُ فيما نقص عن عشرين ولا عن أربعة شيء) وهذا كلّه ممّا لا ينبغي التوقّف فيه.

وفي «العروة»: فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد من كلّ أربعين واحداً، فقد أدّى ما عليه، وفي بعض الأوقات زاد ما عليه بقليل).

أقول: لا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.5.

ص: 177


1- تهذيب الأحكام: ج 4/11 ح 17، وسائل الشيعة: ج 9/141 ح 11697.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/92 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/141 ح 11698.
3- فقه الرّضا: ص 197، المقنع: ص 161.
4- الخلاف: ج 2/84 قوله: (وذهب إليه قومٌ من أصحابنا)، المعتبر: ج 2/523 قوله: (جماعة من أصحاب الحديث).
5- المعتبر: ج 2/525، كشف الرموز: ج 1/245، منتهى المطلب: ج 1/493 (ط. ق)، مجمع الفائدة: ج 4/95.

ونِصابُ الفضّة: مئتا درهم، ففيها خَمسة دراهم، ثمّ أربعون ففيها درهم، ولا شيء فيما نَقَصَ عن مائتين ولا عن أربعين.

(ونصابُ الفضّة مئتا درهم ففيها خَمسةُ دراهم، ثمّ أربعون ففيها درهم، ولا شيء فيما نقص عن مائتين ولا عن أربعين) بلا خلافٍ في شيء من ذلك.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحسين بن بشّار: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام: في كم وَضَع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الزَّكاة ؟ فقال عليه السلام: في كلّ مائتي دراهم خمسة دراهم، وإنْ نقصت فلا زكاة فيها»(1).

ومنها: موثّق الفضلاء، عن السيّدين الصادقين عليهما السلام، قالا:

«في الوَرِق في كلّ مائتين خمسة دراهم، ولا في أقلّ من مائتي درهم شيء، وليس في النيّف شيء حتّى يتمّ أربعون، فيكون فيه واحد»(2). ونحوهما غيرهما.

هذا كلّه ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام في المقام وقع في موارد.

وزن الدينار والدرهم

المورد الأوّل: لا كلام في أنّ الدينار يساوي المثقال الشرعي كما صرّح به غير واحدٍ(3)، وتشهد به ملاحظة نصوص الباب المعبّرة تارةًبالدينار، واُخريبالمثقال.

ص: 178


1- الكافي: ج 3/516 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/143 ح 11702.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/11 ص 17، وسائل الشيعة: ج 9/144 ح 11706.
3- كشف الغطاء: ج 2/347، رياض المسائل: ج 5/92 (ط. ج)، مصباح الفقيه: ج 3/52، العروة الوثقى : ج 54/4 (ط. ج).

والمثقال الشرعي: عشرون قيراطاً على المشهور، بل حُكي الاتّفاق عليه(1).

وأمّا القيراط: فعن «المجمع»(2) أنّه ثلاث حبّات من الشعير، فيكون الدينار بحسب الشعير عبارة عن ستّين حبّة.

وعن «المصباح»(3): أنّ الدينار وزان إحدى وسبعين شعيرة تقريباً، بناءً على أنّ الدانق ثمان حبّات وخُمس حَبّة، وإنْ قيل الدانق ثمان حَبّات، فالدينار ثمان وستّون وأربعة أسباع حَبّة.

وعن «المستند»(4): أنّ الدينار سبعون حَبّة تقريباً، على ما حصّله بالوجدان بعد التدقيق.

أقول: والاختلاف بين هذه التحديدات واضح، وقد صرّحوا بأنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي، بل نفى المجلسي رحمه الله(5) عنه الشكّ في «رسالته في الأوزان»، ووالده في «حلية المتّقين»(6).

والمثقال الصيرفي على ما صرّحوا به يساوي ثلاثة وتسعين حَبّة من حَبّات الشعير، وعليه يصير المثقال الشرعي مساوياً لتسعة وستّين وثلاثين من حبّة الشعير، وهذا لا يلائم شيئاً ممّا تقدّم.ي.

ص: 179


1- فسّر غير واحد من الأعلام المثقال بعشروين قيراطاً كما في المتن، ويمكن استظهاره من كلماتهم و تعبيراتهم، ففي العناوين الفقهيّة للمراغي: ج 202/1 قال: (وليس المراد في الفقه من المثقال إلّاالشرعى وهو عشرون قيراطاً).
2- مجمع البحرين: ج 1/316.
3- المصباح المنير: ج 3/263، باب الدالّ مع النون وما يثلثهما.
4- مستند الشيعة: ج 9/147.
5- بحار الأنوار: ج 77/350. بتصرّف، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة: ج 11/294.
6- حلية المتّقين: باب البحث عن المثقال الشرعي.

وأيضاً: حُكي عن بعض أهل الفنّ (1) أنّ المثقال الشرعي يساوي ثمان عشرة حُمّصة، والحُمّصة تساوي أربع حَبّات الشعير.

وفيه: وهذا أيضاً لا ينطبق على ما تقدّم.

والجمعُ بحمل الاختلاف، على اختلاف الشعيرات من حيث الخِفّة والثقل لا دليل عليه، فعلى هذا حصول العلم بوزن الدينار بحسب وزن الحَبّات أمرٌ مشكل، ومقتضي الاُصول الأخذ بالأكثر.

وأمّا الدرهم: فهو سبعة أعشار المثقال الشرعي، بلا خلاف فيه بينهم، فكلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة.

وعن ظاهر «الخلاف»(2) دعوى إجماع الاُمّة عليه.

وعن «رسالة المجلسي رحمه الله»: أنّه ممّا لا شكّ فيه، وممّا اتّفقت العامّة والخاصّة عليه.

أقول: يأتي فيه الاختلاف المتقدّم في الدينار، وفيه إشكالٌ من جهة اُخرى ، وهي أنّه قال في محكيّ «الذكرى»(3): (إنّ الدرهم البغلي منسوبٌ إلى رأس البغل، ضَرَبه الثاني في ولايته بسكّة كسرويّة، ووزنه ثمانية دوانيق، والبغليّة كانت تُسمّى قبل الإسلام بالكسرويّة، فحَدَث لها هذا الاسم في الإسلام، والوزن بحاله، وجرت في المعاملة مع الطبريّة وهي أربعة دوانيق، فلمّا كان زمن عبد الملك جَمَع بينهما واتّخذ الدّرهم منهما، واستقرّ أمر الإسلام على ستّة دوانيق).6.

ص: 180


1- الخلاف: ج 2/79-80 مسألة 95 قوله: (كلّ درهم ستّة دوانيق وكلّ عشرة سبعة مثاقيل. فيكون الدرهم سبعة أعشار المثقال).
2- الخلاف: ج 2/80.
3- الذكرى: ص 16.

وعن محكيّ «البيان»(1): (والمعتبر في الدينار بزنة المثقال، وهو ما اختلف في الإسلام ولا قبله، وفي الدّرهم استقرّ عليه في زمن بني اُميّة بإشارة زين العابدين عليه السلام بضمّ البغلي والطبري، وقسّمهما نصفين وصار الدرهم ستّة دوانيق).

وجه الإشكال: أنّه إذا كان استقرار الدرهم على ستّة دوانيق في زمان عبد الملك، ولم يكن قبله كذلك، فلم يُحمل الدّرهم في النصوص المرويّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله والوصي عليه السلام على ذلك ؟!

ويؤيّد الإشكال: خبر الخثعمي الحاكي كتابة المنصور إلى عامله بالمدينة أن يسأل أهلها عن الخمسة في الزَّكاة من المائتين، كيف صارت وزن سبعة(2)، وقد تقصّوا عن هذا الإشكال باُمور أحسنها ما أفاده المصنّف رحمه الله في محكيّ «التحرير»(3)من أنّ حدوث ذلك كان في زمان النبيّ صلى الله عليه و آله، ويؤيّده ما عن «المجمع»(4) من أنّ درهم أهل مكّة ستّة دوانيق، ويؤيّده أيضاً أنّ النصوص المرويّة عن الأئمّة عليهم السلام بعد زمان عبد الملك متضمّنة لذلك أيضاً، بلا تنبيه على تفاوت وزن الدرهم، فلا ينبغي التوقّف في اتّحاد الدرهم الذي قُدّرت به المقادير في النصوص، مع الدرهم الذي هو ستّة دوانيق.

لو اختلفت الموازين

المورد الثاني: إذا اختلفت الموازين، فبلغ بعضها حَدّ النصاب دون بعضها الآخر:

فإنْ كان الاختلاف فاحشاً، لا خلاف بينهم في عدم الأخذ بالأقلّ ، وعدم

ص: 181


1- البيان: ص 185.
2- الكافي: ج 3/507 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/149 ح 11717.
3- تحرير الأحكام: ج 1/371.
4- مجمع البحرين: ج 2/29.

وجوب الزَّكاة.

وإنْ كان الاختلاف يسيراً، وكان بما جرت به العادة:

1 - فعن غير واحدٍ كالمحقّق في «المعتبر»(1) وغيره(2) في غيره وجوب الزَّكاة، وأنّ المدار على الأقلّ ، وأنّ النقص ممّا يتسامح فيه.

2 - وعن جماعة منهم الشيخ في «الخلاف»(3)، والمصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4)عدم الوجوب.

واستدلّ للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: حصول الظنّ فعلاً، ولو نوعاً ببلوغ النصاب، من جهة انطباقه على الأقلّ ، والظنّ في مثل المقام حجّة، لانسداد باب العلم فيه غالباً.

وفيه: منع حصول الظنّ أوّلاً، ومنع حجيّته ثانياً، لعدم المحذور في إجراء أصالة البراءة عن الوجوب في الأقلّ .

الوجه الثاني: أنّه مقتضي حمل فعل المسلم على الصحّة، إذ لو فرضنا أنّ الميزان هو الوزن الزائد، لزم فساد فعل من يعامل بالناقص.

وفيه أوّلاً: أنّ مثبتات أصالة الصحّة ليست بحجّة، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في رسالتنا عن القواعد الثلاث.

وثانياً: أنّه يعارض هذا الأصل، الأصل الجاري في الأخذو الشراء، فإنّه إذاكان2.

ص: 182


1- المعتبر: ج 2/524.
2- منتهى المطلب: ج 1/493، مستند الشيعة: ج 9/149.
3- الخلاف: ج 2/75.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/122.

الميزانُ على الناقص، لزم فساد أخذه بالتقريب المتقدّم، فيتعارضان ويتساقطان.

الوجه الثالث: ما عن «المسالك»(1) من اغتفار مثل ذلك في المعاملة.

وفيه: إنّ ذلك عندهم مبنيٌّ على المسامحة، ومن المعلوم عدم اعتبار المسامحات العرفيّة في تطبيق المفاهيم على المصاديق.

الوجه الرابع: صدق بلوغ النصاب بهذا الميزان، وهو كافٍ في وجوب الزَّكاة.

وفيه: إنّ الدرهم والدينار، وسائر اسماء المقادير، أسامٍ لاُصولٍ مضبوطة محدودة في الواقع بحدودٍ غير قابلة للزيادة والنقيصة، وموازين البلاد طرق إلى معرفتها، فما كان منها يعتمد عليه عند العرف والعقلاء لاطمئنانهم بإصابته يعتمد عليه، وإلّا فلا، فمع الاختلاف لا وجه للاعتماد على الأقلّ .

الوجه الخامس: ما أفاده جدّنا العلّامة رحمه الله بقوله: (إنّ متعلّق الحكم بمقتضى جمود ظاهر اللّفظ، وإنْ كان نفس ذلك الدينار المعيّن بالوزن الشخصي الواقعي، لكن لذلك الوزن الشخصي أمارات وطُرُق عند العرف، وهي المثاقيل المتداولة عندهم، فبمساعدة المقام يُصرف إطلاق الحكم إلى تلك الأمارات، نظراً إلى تعذّر الوصول إلى ذلك الشخصي غالباً - إلى أنْ قال - فيتّجه التمسّك بالإطلاق).

وفيه: إنّه لو كان ذلك الأمر الواقعي المأخوذ موضوعاً ممّا لا قدر متيقّن له، صحَّ ما أفاده، ولكن بما أنّ له فرداً متيقّناً وهو الأكثر، لعدم أخذه بشرط لا، فلا يتمّ ذلك كما لا يخفى .

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الثاني للأصل.1.

ص: 183


1- مسالك الأفهام: ج 1/384 هامش رقم 1.

ولا السَّبائك ولا الحُليّ ، وإنْ قَصَد الفرار قبل الحول وبعده تجب.

عدم وجوب الزَّكاة في السَّبائك والحُلّي

المورد الثالث: (ولا) تجبُ الزَّكاة (في السَّبائك ولا الحُليّ ، وإنْ قصد الفرار قبل الحول وبعده، تجب).

أقول: هاهنا فروع:

منها: أنّه لا تجب الزَّكاة في السَّبائك - وهي جمع السبيكة، وهي قطعة من الذهب فقط، أو الفضّة، أو الأعمّ منهما - بلا خلافٍ ، ويشهد له عدم صدق الدرهم والدينار عليها، مضافاً إلى النصوص الخاصّة.

ومنها: أنّه لا تجب الزَّكاة في الحُليّ ، محلّلاً كان كالسُّوار للمرأة، وحُلية السيف للرّجل، أو محرّماً كالخلخال للرّجل، والمنطقة للمرأة، وكالأواني المتّخذة من الذهب والفضّة بلا خلاف.

وعن «تذكرة» المصنّف(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملة من النصوص:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الحُليّ فيه زكاة ؟ قال عليه السلام: لا»(2).

2 - وحسن رفاعة: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام، وسأله بعضهم عن الحُليّ فيه

ص: 184


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/129 (ط. ج).
2- الكافي: ج 3/517 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/156 ح 11731.

زكاة ؟ فقال عليه السلام: لا ولو بلغ مائة ألف»(1). ونحوهما غيرهما.

ومنها: أنّه إذا عمل النقدين كذلك فراراً قبل حول الحول، فهل تجب الزَّكاة كما عن الصدوقين(2)، وابني زُهرة(3) وحمزة(4)، والحلبي(5) وغيرهم(6)، أم لا كما عن المشهور(7)؟

وجهان، منشأهما اختلاف النصوص، وقد تقدّم الكلام في ذلك في زكاة الأنعام، فراجع(8).

ومنها: أنّه إذا عملهما كذلك بعد حول الحول، وجبت الزَّكاة إجماعاً، ولم تسقط عنه لعموم أدلّتها، ولا يعارضها ما دلّ على عدم وجوب الزَّكاة في الحُليّ والسَّبائك، إذ هو يدلّ على عدم الوجوب لا سقوطه بعد تحقّقه.

***9.

ص: 185


1- الكافي: ج 3/518 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/157 ح 11732.
2- فقه الرضا: ص 199، المقنع: ص 163.
3- غنية النزوع: ص 128.
4- الوسيلة: ص 127.
5- كما يظهر من الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ص 164 (زكاة المال).
6- كالسيّد المرتضى في رسائله: ج 3/75، قوله: (إلّا أن يكون ذلك فراراً من الزَّكاة فتلزمه)، والقاضي ابن البرّاج أوجب الزَّكاة لو كان سبكها فراراً كما في المهذّب: ج 1/168.
7- ممّن قال بالسقوط العلّامة في التذكرة: ج 5/183 (ط. ج)، وفي المختلف: ج 3/188 نسبه إلى أكثر علمائنا، واستجوده السيّد العاملي في المدارك: ج 5/118.
8- تقدّم في بداية مبحث زكاة الأنعام من هذا المجلّد، صفحة 109.

ثبوت الزكاة في الدّراهم والدنانير المغشوشة

أقول: بقى في المقام مسائل لا بدَّ من التعرّض لها.

المسألة الأُولى: تتعلّق الزَّكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة، إذا بلغ خالصهما النصاب، بلا خلافٍ ظاهر، وليس المستند الأدلّة العامّة حتّى يستشكل فيه، بأنّها تدلّ على وجوبها في الذهب والفضّة المسكوكين دراهم ودنانير، ومن المعلوم أنّ المسكوك في الفرض ليس بدرهمٍ ولا دينار، ووجودهما في المسكوك منهما ومن غيرهما، لا يكفي في ثبوت الحكم، وشمول الأدلّة، بل المستند خبر زيد الصائغ، قال:

«قلتُ لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّي كنتُ في قريةٍ من قرى خراسان يُقال لها بخارى ، فرأيت فيها دراهم تُعمل ثلث فضّة وثلث مساوٍ ثلث رصاصاً، وكانت تجوز عندهم، وكنت أعملها وأنفقها؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم.

فقلت: أرأيتَ إنْ حال عليها الحول، وهي عندي، وفيها ما تجبُ عليَّ فيه الزَّكاة، اُزكّيها؟ قال عليه السلام: نعم، إنّما هو مالك.

قلت: فإنْ أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها، فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول اُزكّيها؟ قال عليه السلام: إنْ كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجبُ عليك فيه الزَّكاة، فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة (من فضّة) ودَع ما سوى ذلك من الخبيث.

قلت: وإنْ كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة، إلّاأنّي أعلم أنّ فيها ماتجب فيه الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: فاسبكها حتّى تخلص الفضّة ويحترق الخبيث، ثُمّ تزكّي

ص: 186

ما خَلُص من الفضّة لسنة واحدة»(1).

وضعفه منجبرٌ بالعمل، فلا إشكال في الحكم.

الدّراهم المغشوشة بغير الذهب

المسألة الثانية: إذا كان عنده دراهم مغشوشة بغير الذهب:

فتارةً : يعرف قدر ما فيها من الفضّة فلا كلام.

واُخرى : لا يعرف، وحينئذٍ:

فتارةً : يشكّ في بلوغ الصافي من الفضّة حَدّ النصاب.

واُخرى : يعلم بتحقّق النصاب، وتعلّق الزَّكاة، لكن يشكّ في المقدار.

أمّا في الصورة الثانية: فإنْ أخرج عن جملتها من الجياد احتياطاً، جاز، للعلم بالبراءة، وإنْ ماكس ألزم تصفيتها جميعاً، أو ما يعلم منه الحال في الجميع، ليعرف قدر الواجب، كما نُسب إلى الأكثر(2)، بل عن المحقّق الأردبيلي(3) الإجماع عليه، ويشهد له خبر زيد الصائغ المتقدّم.

وأمّا في الصورة الأُولى: فالأظهر عدم الوجوب، بل عن «المسالك»(4) لا قائل بالوجوب، ويشهد له الأصل.

ودعوى: أنّ هذه التكاليف غير مشروطة بالعلم بها، بل هي مطلقة بالنسبة إلى حصول العلم بها، فهو يكون واجباً باعتبار كونه مقدّمة للواجب المطلق، فلابدّ في

ص: 187


1- الكافي: ج 3/517 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/153 ح 11723.
2- جواهر الكلام: ج 15/197.
3- مجمع الفائدة: ج 4/100.
4- مسالك الأفهام: ج 1/387 هامش رقم 1.

المقام من التصفية حتّى يحصل العلم.

مندفعة: بأنّها وإنْ لم تكن مشروطة بالعلم، إلّاأنّ تنجّز وجوب هذه المقدّمة، كتنجّز وجوب سائر المقدّمات، متوقّفٌ على تنجّز تلك التكاليف، فإذا جرى الأصل فيها، وحُكم بعدم التنجّز، فلا سبيل إلى دعوى تنجّز وجوب المقدّمة. وتمام الكلام في محلّه.

فإنْ قلت: إنّه في مثل هذه الموارد التي يحصل كثيراً ما من الرجوع إلى الاُصول النافية للتكليف من غير فحص الوقوع في مخالفة التكليف يجب الفحص.

قلت: إنّه لم يدلّ دليلٌ على ذلك ليقيد به إطلاق أدلّة الاُصول.

لا يقال: إنّ خبر زيد المتقدّم يدلّ على الوجوب.

فإنّه يُقال: إنّه مختصّ بالصورة الثانية، والتعدّي يحتاج إلى دليلٍ مفقود، فالأظهر عدم الوجوب.

الدّراهم المغشوشة بالذَّهب

المسألة الثالثة: إذاكانت الدراهم مغشوشة بالذهب، أو الدنانير مغشوشة بالفضّة:

1 - فإنْ علم بقصر كلّ من الجنسين عن النصاب، لم يُجبر بالجنس الآخر بلا خلافٍ فيه، وعن بعض دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل عنده مائة درهم، وتسعة وتسعون درهماً، وتسعة وثلاثون ديناراً، أيزكّيها؟

فقال عليه السلام: لا، ليس عليه شيء من الزَّكاة في الدّراهم، ولا في الدنانير حتّى تتمّ ».

ص: 188

الحديث(1) ونحوه غيره.

وموردها وإنْ كان غير صورة الغِشّ ، إلّاأنّ الجواب عامٌ ، مضافاً إلى عدم القول بالفصل، مع أنّه يكفي في هذا عموم الأدلّة الدالّة على اعتبار بلوغ النصاب في كلّ جزء، وان شكّ في ذلك لم يجب عليه شيء للأصل.

2 - وإنْ علم بلوغ أحدهما أو كليهما حَدّ النصاب، وجبت في البالغ منهما أو فيهما - لما تقدّم في المسألة الأُولى .

فإنْ علم الحال فهو، وإلّا فإنْ علم بلوغ أحدهما مردّداً حَدّ النصاب:

فإنْ أراد إخراج الفريضة، وجب الجمع، قضاءً للعلم الإجمالي.

وإنْ أراد إخراج القيمة، له الإكتفاء بإخراج الأقلّ ، وإجراء البراءة عن الزائد، كما هو الشأن في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

وعدم كون القيمة بنفسها أوّلاً وبالذات متعلّقة للتكليف، لا ينافي اعمال قواعد ذلك الباب لو أراد إخراجها.

ونظير ذلك ما إذا علم بأنّه أتلف مال الغير، المردّد بين ماتكون قيمته توماناً، أو ما يكون قيمته تومانين، فالذمّة وإنْ اشتغلت بالتالف إلى حين الأداء وهو مردّدٌ بين المتباينين، إلّاأنّه إذا أراد دفع القيمة له إجراء الأصل بالنسبة إلى التومان الثاني، مع أنّ القيمة ليست أوّلاً وبالذات متعلّقة للتكليف.

وإنْ علم بلوغ كليهما حَدّ النصاب، مع أكثريّة أحدهما مردّداً:

فإنْ أراد إخراج الفريضة، وجب إخراج الأكثر من كلّ منهما، أو التصفية وتعيين مقدار كلّ منهما.8.

ص: 189


1- تهذيب الأحكام: ج 4/92 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/141 ح 11698.

وإنْ أراد إخراج القيمة، فمقتضى القاعدة وإنْ هو جواز إخراج المتيقّن، إلّاأنّه يدلّ على لزوم التصفية إنْ لم يخرج من كلّ منهما الأكثر، خبر زيد الصائغ المتقدّم.

وبالجملة: وبما ذكرناه يظهر حكم بقيّة الصور والفروض المتصوّرة في المقام.

النفقة المتروكة للأهل

المسألة الرابعة: إذا ترك نفقةً لأهله ممّا تتعلّق به الزَّكاة، وبقى إلى آخر السنة بمقدار النصاب، لم تجب عليه إذا كان غائباً، وتجبُ لو كان حاضراً، كما هو المشهور شهرة عظيمة(1)، بل لم يُنقل الخلاف إلّاعن ابن إدريس رحمه الله(2).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

1 - موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يخلّف ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين، عليه زكاة ؟ قال: إنْ كان شاهداً فعليها زكاة، وإنْ كان غائباً فليس فيها شيء»(3).

2 - مرسل ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام: «في رجلٍ وضع لعياله ألف درهم نفقةً ، فحال عليها الحول ؟ قال عليه السلام: إنْ كان مقيماً زكّاه، وإنْ كان غائباً لم يُزكّه»(4).

3 - ونحوهما موثّق إسحاق(5).

ص: 190


1- مسالك الأفهام: ج 1/389، جواهر الكلام: ج 15/202، مصباح الفقيه: ج 3/57.
2- السرائر: ج 1/447.
3- الكافي: ج 3/544 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/173 ح 11769.
4- الكافي: ج 3/544 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/173 ح 11768.
5- الكافي: ج 3/544 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/172 ح 11767.

ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في الغائب بين تمكّنه من التصرّف فيما خَلّف بنفسه، أو تمكّن وكيله منه، وبين عدم التمكّن.

4 - ويمكن أن يستشهد له - مضافاً إلى ذلك - بأنّ من دفع المال إلى الغير لينفقه في نفقته، وغاب عنه، خرج عرفاً عن مصداق كونه عنده، المعتبر في تعلّق الزَّكاة، ولكن برغم ذلك الالتزام بالسقوط مع تمكّنه من التصرّف فيما خَلّف غير خالٍ عن الإشكال، إذ عدم الصدق عنده في هذا المورد، قد عرفت ما فيه في مسألة عدم وجوب الزَّكاة في المال الغائب، والنسبة بين هذه النصوص وبين موثّق زرارة - المتقدّم في تلك المسألة بقوله: (فإنْ كان يَدَعه متعمّداً، وهو يقدر على أخذه، فعليه الزَّكاة)(1) الدالّ على وجوب الزَّكاة مع التمكّن من التصرّف - عمومٌ من وجه، وحيثُ أنّ دلالة كل منهما على حكم المجمع بالإطلاق، فيتساقطان، والمرجع هو عموم أدلّة الزَّكاة. والاحتياط سبيل النجاة.

***9.

ص: 191


1- تهذيب الأحكام: ج 4/31 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/95 ح 11609.

الفصلُ الثالث: في زَكاة الغلّات:

تجبُ الزّكاة في أربعة أجناس منها، وهي: الحِنطة والشعير والتّمر والزَّبيب، ولا تجبُ فيما عداها، وإنّما تجبُ فيها بشرطين:

الأوّل: النصاب، وهو في كلّ واحدٍ منها خمسة أوسق، وكلّ وسق ستّون صاعاً.

الفصل الثالث في زكاة الغَلّات

اشارة

(الفصل الثالث: في زكاة الغلّات):

يقول رحمه الله:

(تجبُ الزَّكاة في أربعة أجناس منها، وهي: الحِنطة والشعير والتّمر والزّبيب، ولا تجبُ فيما عداها) كما تقدّم في أوّل هذا الباب، (وإنّما تجبُ فيها بشرطين):

الشرط الأوّل: (النصاب) بلا خلافٍ ولا إشكال، والنصوص الدالّة عليه متواترة، (وهو في كلّ واحدٍ منها خَمسة أوسق، وكلّ وَسَق ستّون صاعاً) بلا خلافٍ فيهما فتوىً ونصّاً:

1 - ففي صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«ما أنبتت الأرض من الحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب، ما بلغ خمسة أوساق، والوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العُشر، وما كان منها يُسقى بالرشاء والدّوالي والنواضح، ففيه نصف العُشر، وما سقت السَّماء أو السّيح أو كان بَعْلاً ففيه العُشر تامّاً، وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيءٌ ، وليس فيما

ص: 192

كلّ صاعٍ أربعة أمداد، كلّ مُدٍّ رِطلان وربع بالعراقي.

أنبتت الأرض شيءٌ إلّافي هذه الأربعة أشياء»(1).

2 - وفي صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس فيما دون خمسة أوساق شيء، والوسق ستّون صاعاً»(2). ونحوهما غيرهما.

وأمّا ما ورد في بعض النصوص من اعتبار الوسق هو النصاب كالمرسل عن ابن سنان(2)، وصحيح الحلبي(4)، أو وسقان كما في خبر أبي بصير(3) وما في بعضها الآخر من أنّه لا نصاب لها، فلإعراض الأصحاب عنها، وعدم عملهم بها، مضافاً إلى معارضتها مع النصوص المستفيضة المعمول بها، لابدّ من طرحها، أو حملها على الاستحباب، أو غيره كما هو واضح.

(كُلّ صاعٍ أربعة أمداد، كُلّ مُدٍّ رِطلان ورُبع بالعراقي) فيكون كلّ صاعٍ تسعة أرطال بالعراقي، وستّة بالمدني كماهو المشهور شهرة عظيمة(4)، وعن «الخلاف»(5)دعوى إجماع الفرقة المحقّة على كون الصّاع تسعة أرطال بالعراقي.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني، إلى أبي الحسن عليه السلام:9.

ص: 193


1- تهذيب الأحكام: ج 4/13 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/176 ح 11776. (2و4) تهذيب الأحكام: ج 4/14 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/177 ح 11777.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/18 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/181 ح 11789.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/17 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/181 ح 11788.
4- منتهى المطلب: ج 1/497 (ط. ق)، تذكرة الفقهاء: ج 5/388 (ط. ج)، البيان: ص 211.
5- الخلاف: ج 2/156 المسألة 199.

«جُعلتُ فداك، إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع، بعضهم يقول الفطرة بصاع المدني، وبعضهم يقول بصاع العراقي ؟

قال: فكتب إليّ : الصّاع بستة أرطال بالمدني، وتسعة أرطال بالعراقي.

قال: وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة»(1).

ومنها: خبر إبراهيم بن محمّد: «إنّ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام كتب إليه، في حديثٍ : الفطرة عليك وعلى النّاس - إلى أنْ قال - تدفعه وزناً ستّة أرطال برطل المدينة، والرطل مائة وخمسة وسبعون درهماً، تكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً»(2).

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمُدٍّ ويغتسل بصاع، والصّاع ستّة أرطال» (يعني أرطال المدينة، تكون تسعة أرطال بالعراقي)»(3).

والظاهر إنّ قوله (يعني) من كلام الشيخ رحمه الله.

ومنها: صحيح ابن سنان، الوارد في الفطرة، حيث قال فيه: «صاعٍ من تمر أو صاعٍ من شعير، والصّاع أربعة أمداد»(4).

ونحوها غيرها من النصوص الواردة في المقام وفي الفطرة.

قال البزنطي: - وهو من قدماء أصحابنا - إنّ الصّاع خمسة أمداد، وأنّ المُدّ7.

ص: 194


1- الكافي: ج 4/172 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/340 ح 12179.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/342 ح 12182.
3- تهذيب الأحكام: ج 1/137 ح 70، وسائل الشيعة: ج 1/481 ح 1275.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/81 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/336 ح 12167.

رِطل وربع، واستدلّ له بموثّق سماعة: «عن الماء الذي يُجزي للغُسل ؟ قال: اغتَسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بصاع وتوضّأ بمُدٍّ، وكان الصّاع على عهده خمسة أمداد، وكان المَدّ قَدَر رطلٍ وثلث أواق»(1).

وفيه: - مضافاً إلى ضعف المستند للإعراض، ومعارضته بما تقدّم - أنّه مجمل لعدم تبيّن المراد من الأواق.

والرطل العراقي: مائة وثلاثون درهماً، كما هو المشهور شهرة عظيمة(2)، وتشهد له مكاتبة جعفر ورواية إبراهيم المتقدّمتان، إذ لو كان الصّاع ألفاً ومائة وسبعين درهماً، كان تسعه وهو الرطل العراقي مائة وثلاثين درهماً.

وعن المصنّف رحمه الله في بعض كتبه(3): أنّه مائة وثمانية وعشرون درهماً، وأربعة أسباع، ولم يُعرف مستنده.

وناقشه المجلسي رحمه الله(4) بقوله: (وكأنّه كان عند وصوله إلى هذا الموضع ناظراً في كتب العامّة فيه، ذاهلاً عن مخالفة نفسه في المواضع الاُخر ومخالفة الأخبار وأقوال سائر الأصحاب)!.

والدرهم نصفُ مثقالٍ شرعي وخُمسه، فكلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، فيكون الصّاع ثمانمائة وتسعة عشر مثقالاً شرعيّاً، وحيث أنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي، فيكون الصّاع ستّمائة وأربعة عشر مثقالاً صيرفيّاً ورُبع8.

ص: 195


1- تهذيب الأحكام: ج 1/136 ح 67، وسائل الشيعة: ج 1/482 ح 1278.
2- المبسوط: ج 1/6، المعتبر: ج 1/47، منتهى المطلب: ج 1/37 (ط. ق)، شرح اللّمعة: ج 1/255 / مدارك الأحكام: ج 1/47، الحدائق الناضرة: ج 12/113، رياض المسائل: ج 5/102 (ط. ج).
3- تحرير الأحكام: ج 1/374 (ط. ج).
4- رسالة المجلسي: ص 137-138.

مثقال صيرفي.

وبهذا الحساب يعرف النصاب وزناً بجميع الأوزان.

تذييل: وقد اُشكل على ما ذكرناه من حَدّ النصاب، وتعيين مقداره بالصاع والوزن معاً من جهتين:

الأُولى: أنّ الجنس الواحد قد يبلغ النصاب بأحد التقديرين دون الآخر، فيتوجّه الإشكال في الحكم بالوجوب.

ثانيتهما: أنّ الأجناس الأربعة الزكويّة، تختلف من حيث الخِفّة والثقل، فصاعٍ بعضٍ منها ينقصُ عن صاعٍ من الآخر بحسب الوزن، بل ربما يختلف جنس واحد باعتبار تغيّر الحالات كالحنطة ودقيقها، فتقدير صاعٍ من كلّ منها، لا يطابق للوزن المزبور، بل فيها غاية الاختلاف، فتقدير الصّاع في الأجناس الأربعة بالوزن المزبور، على وجهٍ ينطبق على الجميع، غير صحيح.

أقول: وقد ذكروا في دفع الإشكال وجوهاً، أكثرها بيّنة الفساد، وأحسنها ما أفاده جدّنا العلّامة رحمه الله(1) قال: (ورُبما يترائى في بادئ الرأي، كون المدار على الصّاع والكيل، دون الوزن، وأنّ الاعتبار إنّما هو بالحجم دون الخِفّة والثقل، نظراً إلى أنّ المستفاد من الأخبار كون المدار في الحجاز في زمان النبيّ صلى الله عليه و آله على ذلك، كما هو المعمول به عندهم الآن أيضاً في كثير من الأشياء، وادّعاء أنّ الأصل هو الوزن، كما صرّح به شيخنا تبعاً لمن تقدّم، ممّا لم ينهض عليه دليل، فعلى هذا لابدَّ من توهين ما اشتمل على التحديد بالوزن سنداً أو دلالة.).

ص: 196


1- وهو السيّد محمّد صادق الروحاني قدس سره جدّ المؤلّف، في (كتاب الزَّكاة) (مخطوط).

لكنّه بعيدٌ من ظواهر كلمات الأصحاب، بل الأقوى بملاحظة ظهور إعراضهم عن اعتبار خصوص الكيل، مع كثرة الأخبار الدالّة عليه، تحكيم أخبار الوزن مع قوّة دلالتها وأضبطيّتها، مضافاً إلى عدم إمكان معرفة الصّاع في مثل هذا الزمان، ورفع اليد عن أخبار الوزن مع وضوح دلالتها أصعب عن صرف ظواهر أخبار الصّاع، كما لا يخفى على المتدرّب). انتهى .

أقول: ثمّ الأظهر - كما صرّح به الأصحاب(1) - أنّ هذا التحديد على التحقيق دون التقريب:

1 - للأصل.

2 - ولصحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام: «وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيء»(2).

3 - ولصحيح زرارة وبُكَير عنه عليه السلام: «فإنْ كان من كلّ صنفٍ خمسة أوساق غير شيء، وإنْ قَلّ ، فليس فيه شيء، وإنْ نقص البرّ والشعير والّتمر والزَّبيب، أو نقص من خمسة أوساق صاعٍ أو بعض صاع فليس فيه شيء»(3).

والمسامحات العرفيّة في هذه المقامات غير معتبرة، تضرب بها على الجدار كما تقدّم، فلو نقص من النصاب ولو بيسير، وبما يغتفر لدى العرف في معاملاتهم غالباً لم تجب الزَّكاة.

هذا كلّه في مقدار النصاب.9.

ص: 197


1- جواهر الكلام: ج 15/173 و 211، مصباح الفقيه: ج 3/51.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/13 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/176 ح 11776.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/19 ح 17، وسائل الشيعة: ج 9/177 ح 11779.

فيجب العُشْر إنْ سَقي سيحاً أو بَعَلاً أو عَذياً، وإنْ سقي بالقِرَب والدَّوالي والنَّواضح ففيه نصفُ العُشر.

مقدار الزَّكاة

وأمّا مقدار الزَّكاة فيجب العُشْر إنْ سَقي سيحاً أو بَعَلاً أو عَذياً، وإنْ سقي بالقِرَب والدَّوالي والنَّواضح ففيه نصفُ العُشر) بلا خلافٍ فيه على الظاهر(1)، بل عن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة وبكير، عن الإمام الباقر قال في الزَّكاة: «ما كان يعالج بالرَّشاء والدّوالي والنَّضح، ففيه نصف العُشر، وإنْ كان يُسقى من غير علاجٍ بنهرٍ أو عينٍ أو بعلٍ أو سماءٍ ، ففيه العُشر كاملاً»(3) ونحوه غيره.

وهذا الحكم من الأحكام الواضحة، فلا يحتاج إلى التطويل، إنّما الكلام في تنقيح الموضوع، وقبل بيانه لابدَّ من تأسيس الأصل ليكون هو المرجع عندالشكّ .

أمّا الأصل العملي: فيوافق نصف العُشر من جهة أصالة براءة الذمّة عمّا زاد على نصف العُشر.

وأمّا الأصل اللّفظي: فعن «المستند»(4) أنّ المرجع إلى إطلاق أدلّة العُشر أو

ص: 198


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/150 (ط. ج)، الحدائق الناضرة: ج 12/122.
2- المعتبر: ج 2/539 قوله: (وعلى ذلك اتّفاق علماء الإسلام)، منتهى المطلب: ج 1/498 (ط. ق)، رياض المسائل: ج 5/111 (ط. ج).
3- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/184 ح 11794.
4- كما قد يظهر من مستند الشيعة: ج 9/178.

عمومها في موارد الشكّ ، وهو يبتني على وجود هذا النحو من العموم أو الإطلاق، وعلى كون المورد من موارد التمسّك بالعام.

أمّا الأوّل: فالظاهر وجوده، وهو قول الباقر عليه السلام في صحيح زرارة: «ما أنبتت الأرض من الحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب، ما بلغ خَمسة أوساق، والوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العُشر الحديث»(1).

وأمّا الثاني: فالظاهر عدم كونه مرجعاً:

لا لما قيل من إنّه تمسّكٌ بالعام في الشبهة المصداقيّة، ليرد عليه أنّ محلّ الكلام موارد الشكّ من جهة عدم تبيّن موضوع الحكم وإجمال مفهوم المخصّص.

ولا لما قيل من أنّ المخصّص المجمل، إذا كان متّصلاً، يسري إجماله إلى العام، فلا يجوز التمسّك به، ليرد عليه أنّ ما اتّصل بهذا العام ليس مجملاً، حيث إنّه قال عليه السلام بعد ذلك:

(وما كان يُسقى بالرَّشاء والدَّوالي والنّواضح ففيه نصف العُشر)، وإنّما الإجمال لو كان فإنّما هو في الضابط الكلّي، المستفاد من سائر النصوص.

بل لأنّ هذا العام نوعٌ في نفس هذا الخبر إلى نوعين وقسم إلى قسمين، فإنّه عليه السلام بعدما نقلناه من المخصّص، قال: (وما سَقَت السّماء أو السيح، أو كان بعلاً، ففيه العُشر) تامّاً وفي مثل ذلك لا يجوز التمسّك بالعام، فإنّ هذا النحو من التنويع والتخصيص، يكشف عن إرادة نوعٍ خاص من العام، ولا يبقي للعام ظهورٌ في العموم، فلا يصحّ التمسّك به في موارد الشكّ ، فتدبّر.

أقول: إذا عرفت هذا فاعلم، أنّ الضابط المستفاد من النصوص هو ما تضمّنه الصحيحان:6.

ص: 199


1- تهذيب الأحكام: ج 4/13 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/176 ح 11776.

ثمّ كلّ ما زادَ، زادَ بالحساب وإنْ قَلَّ .

أحدهما: صحيح زرارة وبكير، عن الباقر عليه السلام المتقدّم: (ما كان يعالج بالرّشاء والدّوالي والنّضح ففيه نصف العُشر، وإنْ كان يسقى من غير علاجٍ بنهر أو عينٍ أو بعلٍ أو سماءٍ ففيه العُشر كاملاً).

وقريبٌ منه الآخر.

والمستفاد منهما: أنّ ما يُسقى بعلاجٍ موضوعٌ لنصف العُشر، وما يُسقى بغير علاجٍ موضوعٌ للعُشر، وهذا العنوان العام وإنْ لم يؤخذ في سائر النصوص، وإنّما ذُكرت الأمثلة الخاصّة فيها، إلّاأنّها لا تنافي هذين الصحيحين، ولا تصلح قرينة لحمل إطلاق عنوان العام على الغالب، كي يكون المدار على الأمثلة المذكورة، وعلى ذلك فالضابط ما يُعالج وما لا يُعالج، فما يسقى بعلاجٍ من الأسباب المستحدثة موضوعٌ لنصف العُشر.

هذا ما يستفاد من الأخبار، وأمّا كلمات الأصحاب فالضابط التي ذكر فيها هو احتياج إيصال الماء إلى الأرض إلى آلةٍ من دولابٍ ونحوه وعدمه، وهذا ينطبق على ما يستفاد من الأخبار.

(ثمّ إنّ ) النصاب الذي حَدّدناه، إنّما هو من ناحية أدنى الحَدّ، وإلّا ف (كلّ ما زاد) تجبُ فيه الزَّكاة (زاد بالحساب وإنْ قَلّ ) أي فيما يُسقى بعلاجٍ نصف العُشر. وفيما يُسقى بغير علاجٍ العُشر، بلا خلافٍ في ذلك، ويشهد له إطلاق النصوص الدالّة على أنّ فيما أنبتت الأرض من الغلّات الأربع إذا بلغ خمسة أوساق الزَّكاة(1).

***ع.

ص: 200


1- تهذيب الأحكام: ج 4/13 باب زكاة الحِنطة والشعير والتّمر والزَّبيب / وسائل الشيعة: ج 9/175 باب وجوب زكاة الغلّات الأربع.

بعد إخراج المؤن كلّها من بذرٍ وغيره.

وجوب الزَّكاة بعد إخراج المؤن

تجب الزَّكاة (بعد إخراج المؤن كلّها، من بذرٍ وغيره) على ما نُسب إلى الأكثر(1)، بل عن جماعةٍ (2) دعوى كونه المشهور شهرة عظيمة، خلافاً لما عن الشيخ في «الخلاف»(3) وموضع من «المبسوط»(4)، ويحيى بن سعيد(5)، وتبعهما جمعٌ من محقّقي المتأخّرين منهم الشهيد الثاني(6) في «فوائد القواعد»، وسبطه في «المدارك»(7)، ونجله في شرح «الاستبصار»، وصاحب «الذخيرة»(8).

واستدلّوا للأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: الأصل.

وفيه: أنّ مقتضي إطلاقات أدلّة العُشر ونصفه، وجوب الزَّكاة في البالغ حَدّ النصاب قبل إخراج المؤونة، ولا وجه للرجوع إلى الأصل في مقابل الإطلاقات.

الوجه الثاني: الإجماع.

ص: 201


1- رياض المسائل: ج 5/112 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 15/228.
2- مختلف الشيعة: ج 3/191، شرح اللّمعة: ج 2/35.
3- الخلاف: ج 2/67 المسألة 78.
4- المبسوط: ج 1/217.
5- الجامع للشرايع: ص 134.
6- حكاه عنه صاحب مدارك الأحكام: ج 5/142.
7- مدارك الأحكام: ج 5/142.
8- ذخيرة المعاد: ج 3/442-443.

وفيه أوّلاً: أنّه غير ثابتٍ .

وثانياً: أنّه لمعلوميّة المدرك لا يُعتمد عليه.

الوجه الثالث: قاعدة نفي الضرر.

وفيه: أنّه لا مجال للرجوع إليها في مثل الحكم الذي هو ضرري في نفسه.

الوجه الرابع: قاعدة نفي العُسر والحَرَج.

وفيه: منع ذلك صغرويّاً.

الوجه الخامس: ما ورد في بعض نسخ «فقه الرضا» من قوله: (وليس في الحِنطة والشعير شيءٌ إلى أنْ يبلغ خمسة أوسق - إلى أنْ قال - فإذا بلغ ذلك وحصل بقدر خراج السلطان ومؤونة العمارة والقرية أُخرج منه العُشر)(1).

وفيه: إنّ كتاب (فقه الرِّضا) ليس بحجّة، مضافاً إلى اختلاف نسخه في المقام، مع إجمال متنه.

الوجه السادس: قوله تعالى: «وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ اَلْعَفْوَ» (2)، وقوله تعالى: «خُذِ اَلْعَفْوَ» (3)، والعفو هو الزائد عن المؤونة.

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر من الآيتين أخذ الزائد، لا أخذ عُشره أو نصف عُشره، فلا ربط لهما بالمقام.

وثانياً: أنّ محلّ البحث مؤونة الزرع، لا مؤونة المالك، لعدم استثنائها قطعاً.

الوجه السابع: أنّ النصاب مشتركٌ بين المالك والفقراء، فلا يختصّ أحدهما9.

ص: 202


1- فقه الرّضا: ص 197.
2- سورة البقرة: الآية 219.
3- سورة الأعراف: الآية 199.

بالخسارة عليه، كغيره من الأموال المشتركة، فإذا ثبت ذلك في المؤن المتأخّرة، ثبت في المتقدّمة بعدم القول بالفصل.

وفيه أوّلاً: ما تقدّم من أنّ تعلّق الزَّكاة بالمال ليس على وجه الشركة.

وثانياً: أنّ الإجماع المركّب، أي القول بعدم الفصل، غير ثابت، بل بما أنّ إخراج المؤونة إنّما يكون حينئذٍ من جهة اقتضاء الأمانة بقائها ذلك، لا مورد للقول بعدم الفصل، إذ استثناء ذلك ليس لأجل كونها مؤونة، بل من جهة اُخرى منطبقة عليها، غير ثابتة في غيرها. فتدبّر فإنّه دقيق.

الوجه الثامن: قول أبي جعفر عليه السلام في حَسَن الفضلاء، في تفسير قوله تعالى:

«وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ » (1) : «وهذا من الصدقة، يعطي المسكين القبضة بعد القبضة، ومن الجذإذ الحفنة حتّى يفرغ، ولا يترك، ويعطي للحارث أجراً معلوماً، ويترك من النخل مِعافارة واُمّ جعرور، ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إيّاه»(2).

وقريب منه ما في حسن محمّد بن مسلم.

وهما وإنْ اختصّا بمؤونة الحارس، إلّاأنّه يتمّ في الجميع، لما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(3) من عدم القائل بالفرق بين مؤونة الحارس وغيرها، مضافاً إلى عموم التعليل.

وأورد عليه: بأنّه لا يظهر من الرواية، كون المتروك للحارس إنّما هو المؤونة).

ص: 203


1- سورة الأنعام: الآية 141.
2- الكافي: ج 3/565 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/191 ح 11811.
3- منتهى المطلب: ج 1/500 (ط. ق).

ومن باب الاُجرة، بل من الجائز أنْ يكون ذلك حقّاً استحبابيّاً، أو وجوبيّاً غير اُجرته، بل قد يدّعي أنّه الظاهر، وإلّا لاقتضى أن يقول عليه السلام: (ويترك للمالك المقدار المساوي لما عيّنه للحارس، قليلاً كان أو كثيراً، من عين الغلّة أو من غيرها) كما لا يخفى، ولذلك رواها الكليني في «الكافي» في باب حقّ الحصاد والجذاذ(1).

مع أنّ غاية ما يستفاد من الخبرين، ترك هذا القدر للحارس، لا أنّه لا يُزكّي ذلك، فيمكن أن يكون المراد أنّه كما يُخرج الحصاد أو العُشر كذلك للحارس أيضاً، من غير تعرّض لإخراج العُشر منه وعدمه، بل لا دلالة ولا اشعار في الرواية الأُولى إلى كون الترك لعدم إخراج العُشر أصلاً.

وهذان الإيرادان ذكرهما صاحب «المستند»(2) وتبعه غيره.

أقول: ولكن يمكن دفعهما بأنّ الخبر الثاني ظاهرٌ في الاستثناء، وعدم تعلّق الزَّكاة، فإنّ قوله عليه السلام: (يترك مِعافارة واُمّ جعرور) لا يزكّيان ظاهرُ الدلالة على نفي الزَّكاة عنهما، وبقرينة السياق يكون هذا هو المراد من قوله: (يترك للحارس)، مضافاً إلى ظهور قوله عليه السلام في الخبر الأوّل: (يترك للحارس قدراً معلوماً) في الاستثناء، من جهة أنّه لو لم يكن المقصود ذلك، لما كان للتصريح به فائدة، لمعلوميّة لزوم أداء اُجرته المعيّنة.

فالحقّ أن يورد عليه: باختصاص الخبرين بالمؤونة اللّاحقة، وفي التعدّي عنها0.

ص: 204


1- الكافي: ج 3/565 ح 2.
2- مستند الشيعة: ج 9/200.

إلى السابقة كلامٌ قد تقدّم في سابقه.

الوجه التاسع: قوله عليه السلام في حسن أبي بصير ومحمّد، عن أبي جعفر عليه السلام:

«وليس على جميع ما أخرج اللّه منها العُشر، إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(1).

أقول: وتقريب الاستدلال به من وجهين:

أحدهما: ما عن الشيخ رحمه الله(2) من أنّ ظاهر الخبر إخراج العُشر بعد المقاسمة، ولما كانت المقاسمة مع السلطان كسائر الشركاء بعد إخراج المؤونة، على ما هو مقتضى عادة النّاس، فلا جَرَم يكون إخراج العُشر بعد إخراج الموءن أيضاً على حسب استمرار العادة.

وفيه: إنّه لم يثبت كون العادة جارية على إخراج المؤونة قبل مقاسمة السلطان.

ثانيهما: ما عن المحقّق القُمّي رحمه الله(3) من أنّ الظاهر من قوله: (يَحصلُ في يدك ما يصيرُ مملوكاً له، ويعود إليه، وما يقابل المؤونة ليس ممّا حَصَل في يده ضرورة) ظهوره في حصوله في يده، بحيث لم يكن خارجاً عنه.

وفيه: الظاهر من الخبر ما وصل إليه بعد المقاسمة، وهو يصدق على المجموع من دون إخراج الموءن.

وقد استدلّ لهذا القول بوجوه اُخر واضحة المناقشة لا حاجة إلى ذكرها.

وقد استدلّ للقول الثاني بوجوه:0.

ص: 205


1- الكافي: ج 3/513 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/188 ح 11803.
2- الاستبصار: ج 2/25.
3- غنائم الأيّام: ج 4/100.

الوجه الأوّل: إطلاق نصوص العُشر ونصف العُشر.

وأورد عليه: بعدم كون تلك النصوص في مقام البيان من جهة الشرائط، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لرفع اعتبار ما شُكّ في اعتباره.

وفيه: إنّ تلك النصوص على طوائف:

منها: ما تضمّن مقدار الواجب، بلا تعرّضٍ لشيءٍ آخر.

ومنها: ما دلّ على اعتبار العُشر أو وجوب الزَّكاة بعد ذكر النصاب.

ومنها: قوله عليه السلام في الحَسَن المتقدّم: (إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك).

والإشكال المذكور لو تَمّ في الأُولى ، لا يتمّ في الأخيرتين، لا سيّما الثانية منهما، كما لا يخفى على من راجعها.

أقول: وقد استدلّ لهذا القول بوجوهٍ اُخر ضعيفة، فإنّ منها جملة روايات، ضعيفة سنداً وقاصرة دلالة، ومنها بعض استحسانات لا تصلح مدركاً للحكم الشرعي، ومنها غير ذلك ممّا هو بين الفساد، فالعمدة هي إطلاق الأدلّة.

فالمتحصّل إلى هنا: - استثناء المؤن المتأخّرة دون السابقة، ولكن لما ادّعى المنصف رحمه الله(1) الإجماع على عدم الفرق - وهذه المسألة ممّا تعمّ بها البلوى، وقد اشتهر بين أصحاب الأئمّة - خلافاً للعامّة - استثنائها مطلقاً، الكاشف ذلك عن تلقيهم إيّاه عن الأئمّة عليهم السلام - كان البناء على الاستثناء مطلقاً قويّاً جدّاً، ويؤيّده ما تقدّم من الوجوه التي ضعفناها.).

ص: 206


1- منتهى المطلب: ج 1/500 (ط. ق).
اعتبار النصاب بعد إخراج المؤونة أو قبله

أقول: بقي في المقام أمران:

الأمر الأوّل: أنّه بناءً على استثناء المؤونة:

هل يكون اعتبار النصاب قبل إخراجها، فما نقص عن النصاب باستثنائها يُزكّى، وإن قلّ إذا كان المجموع نصاباً؟

أم بعد المؤونة، فلا زكاة فيما نقص عن النصاب باستثنائها؟

أم يفصّل بين ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث، فيعتبر النصاب بعده، وما تأخّر عنه كالحصاد فيعتبر قبله ؟

وجوه، المنسوب إلى المشهور هو الثاني(1)، وقد استدلّ له بوجوهٍ ضعيفةٍ تقدّم بعضها، وأمتن ما قيل في وجهه، هو ما أفاده الشيخ الأعظم رحمه الله(2) وتبعه غيره، وحاصله: إنّ قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «ما أنبتتِ الأرضُ من الحِنطة والشعير والّتمر والزّبيب، ما بلغ خمسة أوساق، والوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العُشر»(3)، بعد ملاحظة دليل الاستثناء:

يحتمل أن يُراد به أنّ ما بلغ هذا المقدار بعد المؤونة ففيه العُشر.

ويحتمل أن يُراد به أنّ ما بلغ هذا المقدار ففيه العُشر بعد وضع المؤونة.

والاحتمال الأوّل أظهر، لظهور قوله: (ففيه العُشر) في كون العُشر في مجموعه،

ص: 207


1- مستمسّك العروة الوثقى: ج 7/166.
2- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 234.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/13 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/176 ح 11776.

بأن يكون الواجب عُشر المجموع، أعني ثلاثين صاعاً، لا أنّ الثابت فيه عُشر ما بقي بعد المؤونة.

وأورد عليه المحقّق الهمداني(1) رحمه الله: بأنّ هذا ليس أولى من العكس، بجعل مادلّ على استثناء المؤونة مقيّداً لإطلاق (فيه العُشر) بما بعد وضع المؤونة، إبقاءً لظاهر ما دلّ على اعتبار النصاب على ظاهره من الإطلاق، حيث أنّ ظاهره أنّه إذا بلغ مجموع ما أنبتت الأرض خمسة أوسق فالزكاة في الباقي منه بعد إخراج المؤن، فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر، فالاحتمالان متكافئان، والمرجع حينئذٍ الاُصول العمليّة، وهي براءة الذمّة عن وجوب الزَّكاة، فيما نقص عن خمسة أوسق بعد إخراج المؤونة عنه.

أقول يرد عليهما: إنّ المتعيّن هو إبقاء إطلاق دليل سببيّة النصاب على حاله، ورفع اليد عن إطلاق قوله: (ففيه العُشر)، وذلك لعدم حجيّته على كلّ حال، أمّا لو جعل القيد قيداً له فواضح، وأمّا لو قُيّد الإطلاق الأوّل فلعدم بقاء الموضوع له، فعدم حجيّته معلوم، إمّا للتخصيص أو للتخصّص، فيتعيّن إبقاء الإطلاق الأوّل على حاله، فيعتبر النصاب قبل المؤونة.

ودعوى: أنّه مستلزمٌ للتقييد، إذ قد لا يبقي من النصاب شيءٌ بعد وضع المؤونة، وهو منافٍ لإطلاق الحكم بأنّ ما بلغ النصاب ففيه الزَّكاة.

مندفعة: بأنّ إطلاقه منزّلٌ على الغالب، من عدم استيعاب المؤونة للجميع، فمقتضى القاعدة هو القول الأوّل، ولكن من الحسن المتقدّم الدالّ على استثناء اُجرة7.

ص: 208


1- مصباح الاُصول: ج 3/67.

الحارس، يمكن استفادة كون استثناء المؤونة قبل اعتبار النصاب، لأنّ قوله عليه السلام:

(ويُترك معافارة واُمّ جعرور ولا يزكّيان)(1) يدلّ على نفي الزَّكاة عنهما، وعدم اعتبارهما من النصاب، وبقرينة السياق، وظهور اتّحاد المراد من (يترك) يكون المراد من تركهما للحارس نفي الزَّكاة، وعدم اعتباره من النصاب.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ غاية ما يستفاد منه أنّ الأجر المعيّن للحارس لا يزكّى، ولا دلالة فيه على اعتبار النصاب بعده، فالأظهر أنّه يعتبر النصاب قبل إخراج المؤونة.

وقد استدلّ للقول الأخير:

1 - بما تقدّم في كلام المشهور بالنسبة إلى المؤن السابقة.

2 - وبقاعدة الشركة بالنسبة إلى المؤن اللّاحقة، بناءً على أنّ أصل استثناء المؤن اللّاحقة كان لأجل تلك القاعدة، وأنّ ما دلّ على استثناؤها مطلقاً منزّلٌ على السابقة، وقد تقدّم ما في كلا شقي هذا الوجه، فراجع(2).

ما المراد من المؤونة المستثناة

الأمر الثاني: في بيان المراد من المؤونة المستثناة.

فقد يقال: إنّ المرجع فيها العرف، كما هو الشأن في سائر المفاهيم العرفيّة.

وفيه: إنّه لم يُؤخذ هذا العنوان في الدليل المستند لهذا الاستثناء، فلا وجه للرجوع إلى العرف في تشخيصه.

وهناك أقوالٌ اُخر، ولأجل عدم وضوح مستندها أغمضنا عن ذكرها.

ص: 209


1- الكافي: ج 3/514 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/176 ح 11774.
2- صفحة 201 من هذا المجلّد.

أقول: وأحسنُ ما قيل في المقام ما عن الشهيد الثاني رحمه الله في «المسالك»(1)و «الروضة»(2) من أنّ المراد بالمؤونة ما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرّر كلّ سنة عادةً ، وإنْ كان قبل عامه، كاُجرة الفِلاحة، والحَرث، والسَّقي، واُجرة الأرض وإنْ كانت غصباً ولم ينو إعطاء مالكها أجرها، ومؤونة الأجير، وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتّى ثياب المالك ونحوها إلى آخر ما ذكره.

ويظهر من بعض الأساطين، والشيخ الأعظم رحمه الله(3) دخول ما لا يتكرّر أيضاً فيها.

ويمكن الجمع بين كلماتهم، بأنْ يكون مراد الشهيد بما يتكرّر، الإحتراز عن مثل حفر الآبار وكري الأنهار ونحوها ممّا يعدّ عرفاً من أسباب عمّارة الأرض، فالمستنبط من الأدلّة وكلمات القوم، أنّ المراد بالمؤونة المستثناة ما يخسره على الزّرع، بمعنى أنّه لو لم يحصل من الزرع شيءٌ ، لما كان في مقابل ما أنفقه عليه شيءٌ ، بل لا يكون في مقابله إلّاالزرع كاُجرة الحارس، ولو كان في مقابله مع انتفاء الزرع عينٌ من الأعيان، أو شيءٌ له ماليّة كالأرض التي اشتراها للزرع، والأنهار الكبار الّتي حفرها الّتي تعدّ بها الأراضي من المحياة في مقابل الميتة غير المقابلة للزرع ونحوهما، فلا يعدّ من مؤونة الزرع.

وبالجملة: فالضابط هو ما ينفقه على نفس هذه الزراعة، من مثل البذر واُجرة الحرث ونحوهما، ممّا لا يبقي بإزائه مالٌ بعد استيفاء الحاصل.5.

ص: 210


1- مسالك الأفهام: ج 1/393.
2- شرح اللّمعة: ج 2/36.
3- كتاب الزَّكاة للشيخ الأنصاري: ص 235.

ولو شكّ في مورد أنّه من المؤونة أم لا:

فإنْ قلنا بوجود إطلاق لأدلّة الزَّكاة، وجبت الزَّكاة فيه، لأنّ دليل الاستثناء لا إطلاق له، فلابدّ فيه من الاقتصار على المتيقّن، والأخذ في مورد الشكّ بإطلاق دليل الزَّكاة.

وأمّا إنْ التزمنا بأنّه ليس في الأدلّة ما له إطلاقٌ أو عمومٌ يدلّ على ثبوت الزَّكاة فيما يقابل المؤونة، لم تجب الزَّكاة حينئذٍ، لأصالة البراءة.

وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل.

***

ص: 211

تجب الزَّكاة بعد حصّة السلطان

مسألة: لا خلاف كما عن «الخلاف»(1) و «المنتهى»(2) و «المعتبر»(3)والرياض(4): أنّ الزَّكاة إنّما تجبُ بعد إخراج حُصّة السلطان في الجملة.

ويشهد له:

1 - صحيح أبي بصير ومحمّد، عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟

فقال عليه السلام: كلّ أرضٍ دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، وليس على جميع ما أخرج اللّه منها العُشر، إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(5).

2 - وخبر صفوان البزنطي: «وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العُشر ونصف العُشر في حصصهم»(6). ونحوهما غيرهما.

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: في أنّ هذه الحصّة التي تكون للسلطان:

هل يختصّ بما يأخذه السلطان باسم المقاسمة - الذي يكون خروجه على

ص: 212


1- الخلاف: ج 2/67.
2- منتهى المطلب: ج 1/500 (ط. ق).
3- المعتبر: ج 2/541.
4- رياض المسائل: ج 5/111.
5- الكافي: ج 3/513 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/188 ح 11803.
6- الكافي: ج 3/512 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/188 ح 11804.

القاعدة أيضاً - لأنّ الحصّة التي يأخذها السلطان باسم المقاسمة، تكون كالحصّة من المزارعة التي يستحقّها مالك الأرض، ولا تدخل تلك في ملك المتقبّل، فلا زكاة فيها؟

أم يعمّ ما يأخذه باسم الخراج، الذي هو لدى التحقيق عبارة عن اُجرة الأرض المتعلّقة بذمّة المستأجر، ويكون حاصل نمائها جميعه للمتقبّل على ماصرّح به جماعة ؟ وجهان:

استدلّ للثاني: بشمول النصوص له.

وأورد عليه: بأنّ مورد النصوص، الحصّة المختصّة بالمقاسمة.

أقول: هذا الإيراد وإنْ كان يتمّ في الصحيح، إذ لا وجه لتوهّم العموم فيه، سوى أنّ عموم الموصول في قوله عليه السلام: (الذي قاطعك عليه) شاملٌ للحصّة والخراج، فيكون قوله عليه السلام: (بعد مقاسمته أيضاً عاماً لهما) لمساعدة السياق عليه، لظهور اتّحاد المراد منهما، وهو فاسد، لظهور قوله عليه السلام: (ممّا أخرج اللّه منهما الذي قاطعك عليه) في خصوص الحصّة من الأجناس التي يخرجها اللّه من الأرض، فلا ظهور له في مطلق ما يُجعل عليها.

مع أنّه لو سُلّم عموم الموصول، يمكن منع اتّحاد المراد، إذ صدر الخبر مسوقٌ لبيان حكمٍ وله موضوع خاص، وذيله مسوقٌ لبيان حكم آخر له موضوع خاص، فلا وجه لاعتبار الاتّحاد.

مع أنّه لو اُغمض عن ذلك أيضاً، يدور الأمر بين التصرّف في الموصول بحمله على خصوص الحصّة، وبين التصرّف في المقاسمة بحملها على إرادة الأعمّ منها ومن الخراج، ولا أولويّة لأحدهما على الآخر، إلّاأنّ خبر صفوان والبزنطي عامٌ ، إذ

ص: 213

حصر العُشر ونصفه في خصوص حصصهم، بعد استثناء قبالة الأرض على وجه الإطلاق، الشاملة للحصّة والنقد، ظاهرٌ في انتفائه عنهما.

ودعوى: أنّ استثناء القبالة يقتضي أنْ تكون من جنس المستثنى منه، فتخصّ بالحصّة والمقاسمة.

مندفعة: بأنّه لا ظهور له في ذلك، إذ هو عليه السلام بحسب الظاهر بصدد بيان أنّ القبالة كانت هي الحصّة أو النقد، لا يكفي إخراجها عن الزَّكاة، وأنّه سوى هذا الحقّ حقٌّ آخر، والحقّ الآخر هو الذي يكون في حصصهم.

ودعوى: ظهوره في الحصّة من جهة التعبير بحصصهم.

مندفعة: بأنّ هذا التعبير إنّما يكون من جهة أنّ كلّ متقبّل يجبُ عليه الزَّكاة في حصّته إذا بلغت النصاب، ولا يلاحظ المجموع.

فإنْ قلت: إنّ في سند هذا الخبر عليّبن أحمد بن أشيم، وهو غير ظاهر الحال.

قلت: إنّ رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه، تدلّ على وثاقته.

وبالجملة: الإنصاف أنّ هذا الخبر يصلح مستنداً للقول بالتعميم، وتؤيّده فتاوى القوم.

المورد الثاني: الظاهر اختصاص هذا الحكم بالأراضي الخراجيّة، الّتي هي ملك للمسلمين، ويكون أمر التصرّف فيها إلى الإمام عليه السلام، أو المأذون من قبله - سواءٌ أكان الآخذ للخراج السلطان العادل أوغيره ممّن يكون مستولياً على البلاد، ويكون وضع سلطنته ومملكته على أخذ الخراج بعنوانه الشرعي - فما يؤخذ من غير تلك الأراضي، أو منها مع كون الآخذ غير من ذُكر، لا يكون مشمولاً للنصوص.

ص: 214

نعم، هو من أفراد المؤونة، فيكون مستثناً من الزَّكاة، ولكن يعتبر النصاب قبل إخراجه، كما هو الشأن في سائر أفراد المؤونة.

هذا فيما إذا كان الظلم عامّاً، وإمّا إذا كان شخصيّاً، فصدق مؤونة الزرع عليه مشكوكٌ فيه، وعليه فإنْ أخذ من نفس الغلّة، يكون ذلك من قبيل غصب العين الزكويّة الذي لا ضمان فيه للزكاة، وإنْ أخذ من غيرها فالأحوط الضمان، فتدبّر فإنّ صدق المؤونة عليه أشبه، والاحتياط سبيل النجاة.

المورد الثالث: لا إشكال عندنا في أنّ ما يأخذه السلطان باسم الخراج والمقاسمة، لا يُجزي عن الزَّكاة.

وعن «الغُنية»(1) و «التذكرة»(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: الخبران المتقدّمان، وبإزائهما نصوصٌ تدلّ عليجوازالاحتساب، وأنّه لا يجب الزَّكاة بعده كصحيح رفاعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن الرّجل يرث الأرض أو يشتريها، فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه فيها عُشرٌ؟ قال عليه السلام: لا»(3) ونحوه غيره.

ولكن لإعراض الأصحاب عنها، لابدّ من طرحها أو حملها على التقيّة، أو حملها على ما لا ينافي النصوص المتقدّمة.

المورد الرابع: أنّ ما يأخذه المخالف باسم الزَّكاة، هل يجزي عن الزَّكاة أم لا؟ فيه4.

ص: 215


1- يظهر ذلك من غنية النزوع: ص 125-126 حيث أوجب إخراجها إلى الإمام أو من نصبه... ومع التعذّر لمستحقّها من الفقراء ولم يستثني من عدم الاجزاء ما يأخذه السلطان.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/154 (ط. ج) فروع من مسالة 89، حيث أوجب الزَّكاة بعد حصّة السلطان ولم يعتبرها زكاة.
3- الكافي: ج 3/543 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/193 ح 11814.

قولان ذهب إلى كلٍّ جماعة، ومنشأهما اختلاف النصوص:

فمنها: ما يدلّ على جواز الاحتساب:

1 - صحيح يعقوب بن شُعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن العشور التي تؤخذ من الرّجل، أيحتسب بها من زكاته ؟ قال: نعم إنْ شاء»(1).

2 - وصحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سمعه يقول: «إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه عمّا يأخذ السلطان، فرّق لهم، وإنّه ليعلم أنّ الزَّكاة لا تَحلّ إلّا لأهلها، فأمرهم أن يحتسبوا به، فجال فكري واللّه لهم فقلت له: يا أبة إنّهم إنْ سمعوا إذاً لم يُزكّ أحدٌ، فقال: يا بُني حقٌّ أحبَّ اللّه من يظهره»(2). ونحوهما غيرهما.

ومنها: ما يدلّ على عدم جواز الاحتساب:

صحيح زيد الشحّام، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جُعِلتُ فداك إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا ويأخذون منّا الصدقة، فنعطيهم إيّاها، أتُجزي عنّا؟

فقال: لا، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم - أو قال ظَلَموكم - أموالكم وإنّما الصدقة لأهلها»(3).

وقد جمع الشيخ(4) رحمه الله بينهما بحمل الثانية على الاستحباب.

وفيه: إنّ ذلك يتمّ لو كان من الجمع العرفي، وضابطه فرض المتعارضين صادرين في مجلس واحد، من متكلِّمٍ واحد، ومع ذلك يرى العرف أحدهما قرينةً على الاخر، وفي المقام إذا جمعنا قوله عليه السلام: (نعم) في جواب: (أيُحتسب) وقوله عليه السلام:9.

ص: 216


1- الكافي: ج 3/543 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/251 ح 11952.
2- الكافي: ج 3/543 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/252 ح 11955.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/40 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/253 ح 11957.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/39.

(لا) في جواب (أيُجزي) لا سيّما مع تذييله بقوله: (إنّما هؤلاء قومٌ ظلموكم... الخ)، لاريب في أنّ العرف يراهما متهافتين ولا يرى الأوّل قرينةً على الثاني، ولذلك لا يمكن عدّ جمعه جمعاً عرفيّاً.

وعن «الحدائق»(1): حملها على ما إذا تمكّن من عدم الإعطاء، ومع ذلك أعطاها، واستظهره من سياق الصحيح.

ولعلّ منشأ استظهاره قوله: (فنعطيهم)، وهو كما ترى ، فهما متعارضتان، لا يمكن الجمع بينهما، والترجيح يكون مع الثانية لأشهريّتها فتوى، ويعضدها عموم ما دلّ على وجوب الزَّكاة على المخالف إذا استبصر، معلّلاً بأنّه وضعها في غير موضعها، وإنّ موضعها أهل الولاية.

أقول: ثمّ إنّه قد يتوهّم الإجزاء في صورة الإجبار من جهة الإكراه.

ولكنّه فاسدٌ، لأنّ أدلّة نفي الإكراه إنّما ترفع الحكم، ولا تصلح لإثبات الإجزاء.

نعم، لا يجب عليه إعطاء زكاة ما أخذه السلطان، من جهة أنّ هذا من قبيل التلف الذي لايوجب الضمان.

***9.

ص: 217


1- الحدائق الناضرة: ج 12/129.

ولو سَقي بهما اعتبر بالأغلب، ولو تساويا قُسّط.

مقدار زكاة ما يُسقى بالسّماء والدّوالي

مسألة: (ولو سَقي بهما) أي بالسَّماء والدّوالي (اعتُبر بالأغلب) بلا نقل خلاف، وظاهر «التذكرة»(1) دعوى الإجماع عليه.

(ولو تساويا قُسّط) وأخذ من نصفه العُشر، ومن نصفه نصفُ العشر إجماعاً كما عن جماعةٍ (2).

ويشهد للحكمين حسن معاوية بن شريح، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«فيما سقت السّماء والأنهار، أو كان بعلاً فالعُشر، وأمّا ما سقت السواقي والدّوالي فنصف العُشر.

فقلت له: فالأرض تكون عندنا تُسقى بالدّوالي، ثمّ يزيد الماء وتُسقى سيحاً؟

فقال عليه السلام: إنّ ذا ليكون عندكم كذلك ؟ قلت: نعم، قال عليه السلام: النصف والنصف، نصفٌ بنصف العُشر، ونصفٌ بالعُشر.

فقلت: الأرض تُسقى بالدّوالي، ثمّ يزيد الماء، فتُسقى السقية والسقيتين سيحاً؟

قال عليه السلام: وكم تُسقي السقية والسقيتين سيحاً؟ قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة، وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر أو سبعة أشهر. قال عليه السلام:

نصف العُشر»(3).

ص: 218


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/151 (ط. ج).
2- منتهى المطلب: ج 1/498، مجمع الفائدة: ج 4/117.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/16 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/187 ح 11802.

أقول: وهل يكفي في الأكثريّة المعتبرة في المقام مطلقها؟

أم المدار على الأكثريّة العرفيّة، بأن تكون الزيادة في أحدهما بمقدارٍ يُعتنى بها عند العرف ؟

أم تعتبر الأكثريّة الملحقة للنادر بالمعدوم، بأنْ يكون غير الأكثر بمقدارٍ لا يُعتدّ به عرفاً؟ وجوه:

نُسب كلٍّ من الأولين إلى المشهور، وعن «الجواهر»(1)، و «نجاة العباد»(2)اختيار الأخير، وتبعهما جمعٌ من الأساطين، منهم سيِّد «العروة»(3).

والمنسوب إلى القوم أنّهم حملوا صدر الحسن على صورة التساوي، وذيله على صورة الاختلاف، وعليه فيدلّ الخبر على أنّ الحكم عند الاختلاف مطلقاً يكون للأغلب.

ولكن يرد على ذلك: أنّ في السؤال لم يُفرض التساوي، بل ظاهره السؤال عن حكم صورة الاشتراك مطلقاً، فجوابه عليه السلام يكون عامّاً لجميع الصور، ويؤيّده أنّ فرض إحراز التساوي فرضٌ نادر.

وما احتمله الشيخ الأعظم:(4) من أنّ قوله عليه السلام: (النصف والنصف) مبتدأ، وقوله عليه السلام: (نصف بنصف العُشر... الخ) خبرٌ له، فيكون معناه: أنّ النصف المُستقى بالدّوالي، والنصف المُستقي سيحاً، أوّلهما بنصف العُشر، والثاني بالعُشر، فيختصّ الجواب بالتساوي.9.

ص: 219


1- جواهر الكلام: ج 15/239.
2- حكاه عن نجاة العباد السيّد الحكيم في مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/151 مسألة 14.
3- العروة الوثقى: ج 4/69 (ط. ج).
4- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 239.

خلاف الظاهر جدّاً كما لا يخفى ، فلا ينبغي التوقّف في العموم، وقد خرج عن تحت هذا العموم مورد السؤال الثاني، وهو على ما يظهر منه ما إذا كانت الكثرة بحدٍّ توجب عَدّ النادر بالنسبة إليها كالمعدوم، إذ السَّقية والسقيتان بالنسبة إلى ستّة أشهر كالمعدوم، وبقيت الصور الاُخر تحت العموم، سواءٌ أكانا متساويين أم لا، ويؤيّده أنّه لو حُمل الصدر على صورة التساوي، والذيل عليما استظهرناه، لما كان للحكم في غير المتساوي ما لم يبلغ إليها دليلٌ من الأخبار.

قال صاحب «الجواهر»(1) رحمه الله: إنّه يمكن أن يكون المراد بالأكثر في الفتاوي أيضاً هذا النحو من الكثرة، ومن التساوي فيها ما عداها.

ولكنّه يرد عليه: ما أفاده جدّنا العلّامة رحمه الله من أنّهم في مسألة السّائمة والمعلوفة قد أوردا على الشيخ رحمه الله - حيث زعم كون الحكم فيهما تابعاً للأغلب - بأنّه قاس تلك المسألة على مسألة السقي، فلو كان مرادهم بالأكثر هذا المعنى، لما كان للإيراد وقع أصلاً، فإنّهم معترفون هناك بكفاية الصدق العرفي دون الأغلب، وهنا بكفاية الغلبة، ومن هنا ينشأ إشكالٌ ، وهو أنّ هذا القول لشذوذه ومخالفة الأصحاب له يكون موهوناً.

ولكن يمكن دفعه: بأنّه لو اُغمض عن الخبر، كان الحكم أيضاً ذلك، إذ إطلاق ما دلّ على أنّ (ما سقت السَّماء ففيه العُشر، وما سُقي بالدّوالي ففيه نصف العُشر) لا يشمل صور الاشتراك أصلاً، فلابدّ فيها من الرجوع إلى أصالة البراءة فيما عدا المتيقّن من مورد الإجماع، على ثبوت الزَّكاة ومقدارها، ومقتضاها ينطبق على ما ذكرناه، كما لا يخفى .9.

ص: 220


1- جواهر الكلام: ج 15/239.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الأخير.

وعلى القول بكون المدار في الحكمين المذكورين، هو ما ذهب إليه المشهور من الأكثريّة والمساواة:

هل المعيار في الأكثريّة هو الأكثريّة زماناً، كما عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1) والشهيد الثاني في «المسالك»(2)؟

أو عدداً، كما عن جماعة آخرين، منهم السيّد في «المدارك»(3)، وشيخه في «مجمع البرهان»(4)، بل نُسب إلى ظاهر الأكثر(5)؟

أو نمواً ونفعاً، كما عن المصنّف رحمه الله، وفي «القواعد»(6)، و «التذكرة»(7)، وأوّل الشهيدين(8)، والكركي(9)، والشهيد الثاني في حاشية «الإرشاد»(10)، بل عن حواشي «القواعد»(11) أنّه الأشهر؟ وجوه.

وعن صاحب «المستند»(12) زيادة قولين آخرين:9.

ص: 221


1- منتهى المطلب: ج 1/498 (ط. ق).
2- مسالك الأفهام: ج 1/395.
3- مدارك الأحكام: ج 5/149.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 4/118.
5- جواهر الكلام: ج 15/240.
6- قواعد الأحكام: ج 1/32.
7- تذكرة الفقهاء: ج 5/153 (ط. ج).
8- البيان (ط. ق): ص 181، قوله: (ويحتمل اعتبار الأنفع بحسب ظنّ الجزاء، ولا ينظر إلى العدد والزمان.. الخ).
9- جامع المقاصد: ج 3/23.
10- راجع: شرح اللّمعة: ج 2/34.
11- راجع: مسالك الأفهام: ج 1/395، وجعلها أحد المحتملات التي عليها جماعة من الأصحاب إلّاأنّه استوجه في الأخير اعتبار الزمان.
12- مستند الشيعة: ج 9/179.

أحدهما: اعتبار العدد بشرط التساوي في النفع وإلّا فبالنفع.

ثانيهما: اعتبار الزمان بالشرط المزبور.

لكن المعروف من الأقوال هي الثلاثة المتقدّمة.

أقول: ظاهر النَّص من جهة قوله عليه السلام: (وكم تُسقي السَّقية والسقيتين... الخ) هو الأوّل.

ودعوى: أنّه يمكن أن يكون استفصاله عليه السلام عن زمان تحقّق السَّقية والسقيتين جارياً مجرى العادة، من كون أكثريّة الزمان علامة أكثريّة العدد، فاستفصاله حقيقةً تؤول إلى الاستفصال عن عدد السقيات بالأولى ، فيكون دليلاً على القول الثاني.

مندفعة: بأنّه خلاف الظاهر، لا يُصار إليه بلا قرينة.

ودعوى: أنّ المنساق من قول القائل: (ما سُقي بالسَّيح ففيه كذا، وما سُقي بالدوالي ففيه كذا)، إرادة السَّقي الذي يتقوّم به حياة الزرع ونموّه، وإلّا فربَّ سقيٍ لا فائدة فيه للزرع، بل قد يكون مُضرّاً، فأراد عليه السلام من الاستفصال هذا المعنى، فيكون ذلك دليلاً على القول الثالث.

مندفعة: بأنّه وإنْ كان بحسب الاعتبار كذلك، إلّاأنّه ليس بنحوٍ يوجب ظهور الخبر فيه، ورفع اليد عمّا هو ظاهر فيه بنفسه.

وبالجملة: فالأظهر هو القول الأوّل.

***

ص: 222

الثاني: أن ينمو في مِلْكه، فلو انتقل إليه بالبيع أو الهبة أو غيرهما، لم تجب الزَّكاة، إنْ كان نقلها بعد بدوّ الصَّلاح، وإنْ كان قبله وجبت، وتتعلّق الزَّكاة بالغلّات إذا اشتدّت، وفي الثمار إذا بدا صلاحها.

اعتبار التملّك بالزراعة

الشرط (الثاني: أن ينمو في مِلْكه، فلو انتقل إليه بالبيع أو الهبة أو غيرهما، لم تجب الزَّكاة، إنْ كان نقلها بعد بدوّ الصَّلاح، وإنْ كان قبله وَجَبتْ ) بلا خلافٍ فيه، وعليه إجماع الاُمّة(1)، وان اختلفت تعابيرهم عن هذا الشرط، ولا يهمّنا التعرّض لها بعد معلوميّة المراد.

والدليل على اعتبار ذلك: - مضافاً إلى الإجماع - أنّ المستفاد من الأدلّة، اعتبار الملكيّة حين تعلّق الزَّكاة بالعين، أي وقت بلوغها الحَدّ الذي تتعلّق بها الزَّكاة، إذ لو لم تكن في ذلك الحين مملوكة، لما توجّه إليه التكليف بالزكاة، وبعدما صارت مِلْكاً له، لا دليل على وجوبها عليه.

وقت تعلّق الزَّكاة بالغلّات

(وتتعلّق الزَّكاة بالغلّات) إنْ كانت غلّةً (إذا اشتدّت، وفي الثمار إذا بدا صلاحها)، أي عند إصفرارهاو إحمرارها، على المشهور، علي مانَسب إليهم المصنّف رحمه الله في محكيّ «المختلف»(2)، وغيره في غيره(3).

ص: 223


1- منتهى المطلب: ج 1/497 (ط. ق)، تذكرة الفقهاء: ج 5/149 مسألة 86 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 214/15.
2- مختلف الشيعة: ج 3/185.
3- إيضاح الفوائد: ج 1/175.

وعن «التنقيح»(1): (لم نعلم قائلاً بخلاف ذلك إلى زمان المحقّق).

وعن المحقّق(2): (إنّ الحَدّ الذي تتعلّق به الزَّكاة من الأجناس الأربعة، أن يُسمّى حنطة أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً).

وعن المصنّف رحمه الله(3): حكايته عن بعض أصحابنا.

وعن منتهاه(4): حكايته عن والده.

وعن «مفتاح الكرامة»(5): وقد يفوح ذلك من «المقنع» و «الهداية» وكتاب «الأشراف» و «المقنعة» و «الغُنية» و «الإشارة» وغيرها، وأفتى به صريحاً جمعٌ من متأخّري المتأخّرين(6).

أقول: والظاهر أنّ محلّ الخلاف إنّما هو الّتمر والزَّبيب، إذ في الحِنطة والشعير يصدق الاسم مع الإشتداد، ولذا حَكى عن «إيضاح النافع»(7) أنّ المحقّق يوافق المشهور في الحبوب.

والمعروف في مورد الخلاف، اختلافهم على قولين كما عرفت، ويظهر من بعضٍ تفصيلٌ في خصوص العنب، فاختار تعلّق الوجوب به في حال العنبيّة، لا من حين انعقاد الحصرم، فهو فيه موافقٌ لكلٍّ مِن القولين من وجه، ومخالفٌ لهما كذلك.

وقد استدلّ للمشهور بوجوه:).

ص: 224


1- حكاه عنه في مفتاح الكرامة: ج 11/144، وفي هامشه: التنقيح الرائع: ج 1/311.
2- شرائع الإسلام: ج 1/116.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/147 (ط. ج).
4- منتهى المطلب: ج 1/499 (ط. ق).
5- مفتاح الكرامة: ج 11/145 (ط. ج).
6- العروة الوثقى: ج 4/67 (ط. ج).
7- المختصر النافع كتاب الزَّكاة: ص 57، قوله: (ويتعلّق به الزَّكاة عند التسمية حنطة أو شعيراً.. الخ).

منها: النصوص الكثيرة الدالّة على وجوب الزَّكاة في تسعة أشياء، منها الحِنطة والشعير والّتمر والزّبيب، ودلالتها على حكم الحِنطة والشعير واضحة، وقد مرّ أنّه لا خلاف فيهما حقيقة.

وأمّا التّمر والزَّبيب: فعن المصنّف(1) تقريب دلالتها على الحكم فيهما بأنّ البُسر يسمّى بالتمر، لأنّ أهل اللّغة صرّحوا بذلك، كما صرّحوا بأنّ الرطب نوعٌ من الّتمر، وهذا الدليل وإنْ اختصّ بالتمر، إلّاأنّه يتمّ القول في العنب بعدم القول بالفصل.

وفيه أوّلاً: إنّ جمعاً من اللّغويين صرّحوا بخلاف ذلك، بل قال صاحب «المصباح»(2): (إجماع أهل اللّغة على أنّ الّتمر اسمٌ لليابس من تمر النخل، كالزبيب من ثمر الكَرْم).

وثانياً: أنّ ذلك لو تمّ بحسب اللّغة، لم يتمّ بحسب العرف العام، فإنّ ظاهرهم عدم تسمية البُسر تمراً.

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(3): الاعتراف بعدم تسمية البُسر تمراً في العرف، والعرف العام مقدّم على اللّغة عند جمهور المحقّقين.

ومنها: قوله عليه السلام في صحيح سليمان بن خالد: «ليس في النَّخل صَدَقة حتّى تبلغ خمسة أوساق، والعنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيباً»(4).8.

ص: 225


1- مختلف الشيعة: ج 3/186.
2- المصباح المنير: ج 1/480، قوله: في باب (ت م ر): التَّمْرُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ كَالزَّبِيبِ مِنْ الْعِنَبِ وَهُوَ الْيَابِسُبِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ لاَِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى النخل.
3- مختلف الشيعة: ج 8/167.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/18 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/177 ح 11778.

ونحوه خبر الحلبي(1).

أقول: تقريب الإستدلال بهما من وجهين:

الأوّل: أنّ المقدّر فيهما بدلالة الاقتضاء، ثمرة النخل، وهي تعمّ البُسر.

الثاني: أنّ ذيلهما يدلّ على ثبوت الزَّكاة في العنب، إذا بلغ خمسة أوسق، لو قدّر زبيباً، فيتمّ فيما عداه بعدم القول بالفصل.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ تلك الجملة من الخبرين مسوقة لبيان شرطيّة النصاب دون زمان الوجوب، فلا إطلاق لها من هذه الجهة، مع أنّ المقدّر يُحتمل أن يكون نفس الّتمر.

ودعوى: أنّه لو كان المراد منه الّتمر وحده، لا ما قبله، لما كان وجهٌ للعدول عن الّتمر إلى النخل، لأنّه لا يسوغ إلّاللأخصريّة أو الأظهريّة أو حكمة اُخرى هي بالمراعات أحرى ، ولا شيء من ذلك بموجود في المقام.

مندفعة: بأنّه يمكن أنْ تكون النكتة في العدول، التنبيه على اعتبار حصول النماء في الملك في ثبوت الزَّكاة لا مطلق تملكه.

ويرد على الثاني: أنّ قوله عليه السلام: (خمسة أوساق زبيباً) كما يحتمل أن يكون المراد به كونه كذلك بالقوّة، بأنْ يكون بمقدارٍ لو جَفّ لكان خمسة أوساق، كذلك يحتمل أن يكون المراد كونه كذلك بالفعل، أي خمسة أوساق من الزَّبيب، والثاني وإنْ كان خلاف الظاهر، من جهة أخذ لفظ (العنب) في الموضوع، لزوال وصف العنبيّة عند اتّصافه بصفة الزبيبيّة، إلّاأنّ الأوّل أيضاً خلاف الظاهر، من جهة ظهور الكلام في الفعليّة دون الشأنيّة، وحيثُ لا مرجّح لأحدهما، فلا محالة يصير مجملاً، ومعلومٌ 7.

ص: 226


1- تهذيب الأحكام: ج 4/14 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/177 ح 11777.

أنّه على الثاني لا يدلّ على المدّعى، مع أنّه جُعل الموضوع فيه العنب لا الحصرم كما هو المُدّعى.

ومنها: أنّ مقتضى العمومات، وجوب الزَّكاة فيما سَقَته السَّماء مطلقاً، وما دلّ على حصرها في الأجناس المعلومة، مسوقٌ لبيان الأجناس التي تتعلّق الزَّكاة بها في مقابل غيرها، فهي تدلّ على وجوبها في الأجناس الأربعة بجميع حالاتها.

وفيه: إنّ تلك النصوص واردة في مقام بيان مقدار الفريضة دون الأجناس التي تتعلّق بها، مع أنّه لو سُلّم كونها في مقام بيانها، لا شبهة في عدم كونها مسوقة لبيان حالات الأجناس، فلا إطلاق لها من هذه الجهة.

ومنها: نصوص(1) الخُرص على المالك، إذ الخُرص على ما صرّح به الأصحاب إنّما يكون في حال البُسريّة والعِنَبيّة.

وفيه أوّلاً: يمكن أن يكون مختصّاً بما كان تمراً على النخل.

وثانياً: أنّ الغرض من الخُرص، إنّما هو إسقاط قول المالك لو ادّعى في حال الّتمريّة النقصان أو التلف أو نحوهما، لا تحديد زمان الوجوب، مع أنّه لم يثبت أنّ تخريص مبعوث النبيّ صلى الله عليه و آله كان مبتنياً على خُرص تمام الثمرة، لجوز أن يكون قد قام بخرص المقدار المتعارف بقائه إلى أنْ يصير تمراً، وقد ورد عنه صلى الله عليه و آله أنّه كان إذا بعث الخارص، قال:

«خفّفوا على النّاس فإنّ المال مال العرية والواطئة والأكلة».

ومنها: صحيح سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:ع.

ص: 227


1- تهذيب الأحكام: ج 4/13 باب زكاة الحِنطة والشعير والتّمر والزَّبيب. وسائل الشيعة: ج 9/175 باب وجوب زكاة الغلّات الأربع.

«عن الزَّكاة في الحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب، متى تجبُ على صاحبها؟ قال عليه السلام: إذا ما صَرم وإذا خَرص»(1).

وقد صرّح الأصحاب(2) بأنّ زمان الخرص من حين بدوّ الصَّلاح.

وفيه أوّلاً: أنّه لا ظهور للخبر في وروده في مقام بيان وقت تعلّق الزَّكاة، ويمكن وروده في مقام بيان وقت الإخراج.

وثانياً: أنّه عَطَف الخُرص على الصَّرم بالواو، وظاهره كون وقتهما جميعاً وقت الوجوب، وأقرب المحامل بعد عدم إرادة ذلك أن يُحمل على إرادة أنّ وقت الوجوب، هو وقت الصرم إن صرم، وإلّا يخرص على صاحبه، فتجب عليه الزَّكاة حينئذٍ، فلابدّ من أن يكون وقت الخرص هو الوقت المناسب للصرم.

ومنها: صحيحه الآخر: «عن العنب هل عليه زكاة، أو إنّما تجبُ عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال عليه السلام: نعم إذا خرصه أخرج زكاته»(3).

وفيه أوّلاً: إنّ ظاهره المفروغيّة عن عدم وجوب الزَّكاة قبل أنْ يصير عنباً، وهو خلاف المشهور.

وثانياً: الوارد في بعض النسخ (الواو) بدل (أو) ليكون السؤال عن استحباب إخراج الزَّكاة قبل زمان وجوبها، ويكون الجواب ظاهراً في ذلك.

وثالثاً: أنّه بعدما لا كلام في عدم العمل بظاهره، وهو تعليق الحكم على الخرص، يحتمل أن يكون ذلك كنايةً عن العنب الذي يبقيه، ولا يكون معدّاً للأكل،8.

ص: 228


1- الكافي: ج 3/523 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/194 ح 11817.
2- المعتبر: ج 2/535، منتهى المطلب: ج 1/500 (ط. ق)، تذكرة الفقهاء: ج 5/163 (ط. ج)، مدارك الأحكام: ج 5/160.
3- الكافي: ج 3/514 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/195 ح 11818.

فإنّ بعض أقسامه مُعَدٌّ للأكل وبعضها الآخر للبقاء للتجفيف وتبديله زبيباً، فهو كناية عن الثاني، فلا دلالة فيه على تعلّقه بعنوان العنب.

ورابعا: أنّه يحتمل أن يكون الحُرص (بالحاء المهملة) من حَرَص المرعى إذا لم يترك منه شيئاً، ويكون ذلك كنايةً عن صرمه زبيباً.

ومنها: خبر أبي بصير: «لا يكون في الحَبّ ولا في النخل ولا في العنب زكاة، حتّى تبلغ وسقين، والوسق ستّون صاعاً».

وفيه أوّلاً: أنّه ممّا لم يعمل به أحدٌ من جهة اعتباره النصاب وَسَقين.

وثانياً: إنّ الخبر غير متعرّض إلّالبيان النصاب، فلا إطلاق له من الجهة الاُخرى كي يُتمسّك به.

وثالثاً: يدلّ على وجوبها في العنب دون الحصرم.

ومنها: أنّه لو كانت الزَّكاة مقصورة على الّتمر والزَّبيب، لأدّى ذلك إلى ضياع الزَّكاة، لإمكان احتيالهم بجعل العنب والرطب دبساً وخلّاً.

وهو كما ترى .

فتحصّل: أنّ شيئاً ممّا استدلّ به على المشهور لا يدلّ عليه.

وقد جعل سيّد «العروة»(1) تبعاً لأبي عليّ ، وصاحب «المدارك»(2) المعيار في صدق العنب، والظاهر أنّ مدركهم صحيحاً سعد وسليمان بن خالد المتقدّمان، وقد عرفت ما فيهما.

وعليه، فالأظهر أنّ المدار على صدق اسماء المذكورات من الحِنطة1.

ص: 229


1- العروة الوثقى: ج 4/147.
2- مدارك الأحكام: ج 5/161.

ووقتُ الإخراج عند التصفية، وجَذّ الثمرة.

والشعير والّتمر والزَّبيب، للنصوص الحاصرة للزكاة فيما أنبتَتِ الأرض من الحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب.

وما ذكرناه من الخلاف إنّما هو في وقت تعلّق وجوب الزَّكاة، وأمّا المناط في اعتبار النصاب، فلا كلام بينهم في أنّه اليابس من المذكورات، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب، لكن ينقص عنه بعد اليبس والجفاف، فلا زكاة.

وعن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1) و «التذكرة»(2) دعوى الإجماع عليه، ويشهد له في خصوص العنب صحيح سليمان بن خالد المتقدّم: (والعنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيباً)(3). فراجع ما ذكرناه فيه،(4) ويتمّ في غيره بعدم الفصل.

***

وقت الإخراج

(ووقت الإخراج) في الغَلّة (عند التصفية، و) في الّتمر والزَّبيب عند (جَذّ الثمرة) بلا خلافٍ فيه، وعن غير واحدٍ(5) دعوى الإجماع عليه.

أقول: وهذا ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام في أنّه بعد فرض كون مقتضى الأصل فوريّة وجوب الإخراج في غير موارد الأعذار العرفيّة، كما تقدّم في مبحث وقت وجوب إخراج الزَّكاة، فما الوجه في جواز التأخير في المقام ؟

ص: 230


1- منتهى المطلب: ج 1/497 (ط. ق).
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/148 (ط. ج).
3- تهذيب الأحكام: ج 4/18 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/177 ح 11778.
4- صفحة 225 من هذا المجلّد.
5- منتهى المطلب: ج 1/499 (ط. ق)، رياض المسائل: ج 5/108 (ط. ج).

لا يقال: إنّ التأخير إنّما يلزم على المشهور، وأمّا على القول بأنّ التعلّق إنّما يكون في وقت التسمية، فلا يلزم ذلك.

فإنّه يقال: إنّ التسمية في الزرع تتحقّق قبل الحصاد، فضلاً عن التصفية، وفي النخل أيضاً قد تتحقّق قبل الاجتذاذ.

ويمكن أن يُستدلّ له:

1 - مضافاً إلى الإجماع، وتسالم القوم عليه.

2 - بأنّ المنساق إلى الذهن من أدلّة الزَّكاة، وجوب صرف الحصّة المعيّنة للفقير في حاصل الزراعات، وثمرة النخل والكرم، عند وصول أوان تقسيمها بين الشركاء عادة، ومن المعلوم أنّ جفاف الّتمر والزَّبيب إنّما يكون تدريجيّاً، فما لم يستكمل الجميع، ولم يبلغ أوان جمع الحاصل، يجوز تأخير إخراج الزَّكاة.

وبالجملة: الظاهر من أدلّتها أنّ حال الفقير حال سائر الشركاء، فكما أنّ التقسيم بينهم إنّما يكون في ذلك الوقت، كذلك لزوم إخراج الزَّكاة أيضاً يكون في ذلك الحين.

3 - وبخبر أبي مريم، عن الإمام الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ » (1)، قال: تُعطي المسكين يوم حصادك الضغث، ثمّ إذا وقع في البيدر، ثمّ إذا وقع في الصّاع العُشر ونصف العُشر»(2).

إذ الظاهر من قوله: (إذا وقع في الصَّاع) الكناية عن بلوغ أوان القسمة، الذي هو بعد التصفية، وتجفيف الثمرة.1.

ص: 231


1- سورة الأنعام: الآية 141.
2- الكافي: ج 3/565 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/196 ح 11821.

فإذا اجتمعتْ أجناس مختلفة، ينقصُ كلّ جنسٍ عن النصاب لم يُضمّ بعضه إلى بعض.

أقول: ثمّ إنّه بناءً على جواز التأخير، يقع الكلام في حَدّه:

والظاهر من معقد الإجماع والخبر إنّما هو التصفية والجَذّ، ومقتضى الوجه الذي ذكرناه كونه وقت التصفية - وإنْ لم يصف - فلو أخّرها عن وقتها المعتاد لا لعُذرٍ، اتّجه الالتزام بتحقّق الضمان كما صرّح به جمع(1)، (فإذا اجتمعت أجناسٌ مختلفة، ينقص كلّ جنسٍ عن النصاب، لم يضمّ بعضه إلى بعض) كما تقدّم الكلام فيه.

في بيع النصاب أو بعضه

أقول: هاهنا مسائل لابدَّ من التعرّض لها:

المسألة الأُولى: في التصرّف في النصاب أو بعضه:

لا إشكال في جواز التصرّفات غير المنافية للحقّ ، بناءً على ما هو الحقّ من أنّ تعلّقها بالعين، إنّما يكون من قبيل تعلّق حقّ الجناية، كما لا إشكال في أنّ التصرّف المتلف للعين يكون منافياً للحقّ ، وأمّا التصرّف المخرج لها عن الملك:

1 - فإمّا أنْ يكون تصرّفاً في جميع النصاب.

2 - أو يكون تصرّفاً في بعضه.

أمّا الأوّل: فالظاهر جوازه، إذ مقتضى إطلاق النصوص أنّ هذا الحقّ متعلّق

ص: 232


1- مصباح الفقيه للمحقّق الهمداني: ج 3/62 (ط. ق).

بالعين مطلقاً، لا بما أنّه ملك للمالك، لأنّ ذلك تقييدٌ زائد يحتاج إلى دليل، وعليه فالبيع مثلاً ليس تصرّفاً في موضوع الحقّ ، لبقاء موضوعه ولو في غير ملك المالك، فيكون البيع صحيحاً، والمستحقّ يتبع العين أينما انتقلت، فإذا أخذ الزَّكاة من العين يتبع المشتري بها البائع، وعلى هذا يحمل ما في صحيح عبدالرحمن البصري:

«رجلٌ لم يُزكّ إبله أو شاءه عامين، فباعها على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال عليه السلام: نعم تُؤخذ منه زكاتها، ويتبع بها البائع»(1) لا على فساد البيع في مقدار الزَّكاة.

ويمكن أنْ يقال بصحّة البيع وانتقال الحقّ إلى الثمن بناءً على ما عرفت من أنّها متعلّقة بالعين، لا بما لها من الخصوصيّات الشخصيّة، بل بما لها من الماليّة، فتأمّل فإنّ الصحيح يردّ هذا الاحتمال.

نعم، لا إشكال في أنّه إذا أدّى المالك زكاتها من مالٍ آخر، تسقط عن العين، للتصريح بذلك في صحيح البصري.

وأمّا الثاني: فقد يتوهّم أنّ ظاهر قولهم عليهم السلام: (عليه الزَّكاة إنّ هذا الحقّ مستوعبٌ لجميع المال) فحكم التصرّف في بعض النصاب حكم التصرّف في جميعه، ولكن المستفاد من النصوص بعد ضَمّ بعضها ببعض، وضمّ مناسبة الحكم والموضوع إليها، أنّ الحقّ قائمٌ بمقداره من المال لا أزيد، مضافاً إلى أنّ المتيقّن ذلك، ولا دليل على أزيد منه، وظهور ما ذكر في ذلك ممنوع، فيجوزُ التصرّف في بعضه بجميع أنحاء التصرّفات، بلا مانع ورادع.4.

ص: 233


1- الكافي: ج 3/531 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/127 ح 11674.

وأمّا خبر أبي حمزة: «فإنْ اتّجرت بها، فأنتَ لها ضامنٌ ، ولها الربح، وإنْ نويتَ في حال ما عزلتها مِنْ غير أنْ تشغلها في تجارةٍ ، فليس عليك شيءٌ ، فإنْ لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك، فلها بقسطها من الربح، ولا وضيعة عليها».

فقد مرّ ما فيه في مبحث الزَّكاة متعلّقة بالعين فراجع(1).

***د.

ص: 234


1- راجع صفحة 253 من هذا المجلّد.
جواز عزل الزَّكاة

المسألة الثانية: يجوز للمالك عزل الزَّكاة، بلا خلافٍ فيه في الجملة، وتشهد له جملة من النصوص:

1 - صحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا أخرج الرّجل الزَّكاة من ماله، ثمّ سمّاها لقومٍ ، فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شيء عليه»(1).

2 - وصحيح ابن سنان: «في الرّجل يُخرج زكاته فيقسِّم بعضها ويُبقي بعضاً يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر؟ قال عليه السلام: لا باس»(2).

ونحوهما غيرهما.

أقول: إنّما الكلام في موردين:

المورد الأوّل: أنّه هل يجوز عزلها من مالٍ آخر أم لا؟

الأظهر هو الأوّل، لأنّ ذلك ممّا يقتضيه الجمع بين النصوص المتقدّمة، وبين ما دلّ من النصوص على جواز دفع القيمة، فإنّ المستفاد من الطائفتين أنّ ما يدفع زكاة من العين أو القيمة يجوز عزله.

المورد الثاني: أنّه هل يختصّ جواز العزل بصورة عدم المستحقّ ، كما عن ظاهر «الشرائع»(3)؟

أم يعمّ صورة وجوده أيضاً، كما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(4)،

ص: 235


1- الكافي: ج 3/553 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/286 ح 12035.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/45 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/308 ح 12091.
3- شرائع الإسلام: ج 1/125.
4- منتهى المطلب: ج 1/511 (ط. ق).

و «التذكرة»(1) وغيره(2)؟

وجهان، أقواهما الثاني، لصحيح ابن سنان المتقدّم، وموثّق يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «زكاتي تَحلّ عَليّ في شهرٍ، أيصلحُ لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة ؟ فقال عليه السلام: إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشيءٍ ، ثمّ أعطها كيف شئت.

قال: قلت: فإنْ أنا كتبتها وأثبتّتها يستقيمُ لي ؟ قال عليه السلام: نعم لا يضرّك»(3).

ثمّ إنّه لو تلفت والحال هذه هل يكون ضامناً لها أم لا؟ فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلاً في مبحث وقت وجوب إخراج الزَّكاة(4).

***1.

ص: 236


1- يظهر ذلك من تذكرة الفقهاء: ج 5/292 مسألة 206 (ط. ج).
2- اعتبر الشيخ الأنصاري في كتاب الزَّكاة: 369 أنّ جواز العزل حتّى مع وجود المستحقّ هو ظاهر إطلاق الأخبار.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/45 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/307 ح 12088.
4- كما مرَّ آنفاً فى صفحة 61.
يجوز للساعي خرص ثمر النخل والكرم

المسألة الثالثة: لا خلاف في جواز الخُرص في الجملة، بل عن غير واحدٍ(1)دعوى الإجماع عليه، وتشهد له نصوص:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق: «في قول اللّه تعالى «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا...» (2) الآية، قال عليه السلام: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا أمر بالنخل أن يُزكّى، يجيء قومٌ بألوان من الّتمر، وهو من أردى الّتمر يؤدّونه من زكاتهم تمراً يُقال له الجعرور والمعافارة، قليلة اللّحاء عظيمة النوى ، وكان بعضهم يجيءُ بها عن الّتمر الجيّد، فقال صلى الله عليه و آله: لا تخرصوا هاتين الّتمرتين، ولا تجيئوا منها بشيء، وفي ذلك نزل:

«وَ لا تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ » (3) والإغماض أن يأخذ هاتين الّتمرتين»(4). ونحوه غيره.

أقول: إنّما الكلام في موارد:

المورد الأوّل: في أنّه هل الخُرص معاملة خاصّة ؟ أم هو عبارة عن تخمين مقدار الزَّكاة، وفائدته جواز الاعتماد عليه بلا حاجة إلى الكيل والوزن ؟

وجهان، أظهرهما الثاني، لعدم الدليل على الأوّل، ومادّة الخُرص مناسبة للثاني، نعم لو جيء بصيغة الصلح لا كلام.

المورد الثاني: أنّ وقته إنّما هو بعد تعلّق الوجوب، لظهور النَّص في أنّ المراد منه خرص الزَّكاة الواجبة، وفي صحيح سعد المتقدّم: (إذا خَرَصه أخرج زكاته)، وما دلّ

ص: 237


1- الخلاف: ج 1/327، المعتبر: ج 2/535، منتهى المطلب: ج 1/500 (ط. ق).
2- سورة البقرة: الآية 267.
3- سورة البقرة: الآية 267.
4- الكافي: ج 4/48 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/205 ح 11848.

على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصاً للنخل حين يطيب، ليس ظاهراً في أنّ الخرص كان حين بدوّ الصلاح، كي ينافي ما تقدّم بناءً على المختار من تعلّق الوجوب بالتسمية، كما لا يخفى .

المورد الثالث: هل يجوز خُرص الزّرع، كما هو المنسوب إلى المشهور(1)، أم لا كما عن «المعتبر»(2) و «المنتهى»(3) و «التحرير»(4) وغيرهما(5)؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني:

1 - بأنّه يجب الاقتصار في ما خالف القواعد على مورد النص.

2 - وبأنّه قد يُخفى لاستتاره، فلا يمكن خُرصه.

3 - وبأنّ الحاجة في النخل والكرم تامّة، لاحتياج أهلها إلى تناولها، بخلاف الفريك فإنّ الحاجة إليه قليلة.

وأُورد عليها: بأنّ مقتضى إطلاق صحيح سعد المتقدّم:

«عن الزَّكاة في الحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب، متى تجبُ على صاحبها؟

قال عليه السلام: إذا ما صَرُم وإذا خَرُص ثبوته في الزرع أيضاً».

ومعه لا يعتنى إلى الوجوه المشار إليها.

ولكن يمكن دفعه: بأنّه لا إطلاق له من هذه الجهة.

وبعبارة اُخرى: لا يدلّ على ثبوت الخُرص في جميع المذكورات، ولعلّه مختصٌّ 0.

ص: 238


1- الخلاف: ج 2/60، جامع المقاصد: ج 3/24، حكاه صاحب جواهر الكلام بقوله: (بل عن التلخيص أنّه المشهور).
2- المعتبر: ج 2/537.
3- منتهى المطلب: ج 1/501 (ط. ق).
4- تحرير الأحكام: ج 1/378 (ط. ج).
5- مستند الشيعة: ج 9/210.

ببعضها.

نعم، لو لم يكن مقروناً بقوله: (إذا ما صَرُم) كان للاستدلال به مجالٌ ، ولكن بما أنّه مقرونٌ به، والصَّرم يكون في الجميع، وليس الخبر في مقام البيان من هذه الجهة، فلا يصحّ التمسّك به على القول بثبوته في جميع المذكورات.

وعليه، فالأظهر عدم الثبوت، اقتصاراً فيماخالف القواعدعلى المقدارالمتيقّن.

المورد الرابع: هل يختصُّ جواز الخرص بالسَّاعي مِن قِبل الحاكم الشرعي ؟ أم يجوز من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة ؟ أو بغيره من عدل أو عدلين كما عن الفاضلين(1) والشهيد(2) وغيرهم(3)؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني:

1 - بمعلوميّة عدم خصوصيّة خُرص السّاعي.

2 - وبإطلاق قوله عليه السلام في صحيح(4) سعد المتقدّم: (إذا ما صَرُم وإذا خَرُص).

3 - وبإطلاق قوله عليه السلام في صحيحه(5) الآخر: (إذا خَرَصه أخرج زكاته).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ العلم بعدم الخصوصيّة غَير حاصل.

وعلى الخبرين: أنّ إطلاقهما واردٌ في مقام بيان حكمٍ آخر.

وعليه، فيتعيّن الاقتصار على المتيقّن، وهو خُرص السّاعي.

***8.

ص: 239


1- المعتبر: ج 2/538، منتهى المطلب: ج 1/501 (ط. ق).
2- الدروس: ج 1/237.
3- مجمع الفائدة: ج 4/121، جواهر الكلام: ج 15/257.
4- الكافي: ج 3/523 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/194 ح 11817.
5- الكافي: ج 3/514 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/195 ح 11818.

الفصل الرابع: فيما يستحبّ فيه الزَّكاة.

تستحبّ الزَّكاة في مال التجارة.

ما يستحبّ فيه الزَّكاة

(الفصل الرابع: فيما يستحبّ فيه الزَّكاة) وهو اُمور:

أحدها: مال التجارة، والبحثُ فيه يقع في مواضع:

الأوّل: في حكمه.

الثاني: في موضوعه.

الثالث: في شرائطه.

الرابع: في الأحكام المترتّبة عليه.

أمّا الموضع الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّه (تستحبُّ الزَّكاة في مال التجارة).

وعن ابن بابويه في «الفقيه»(2): الوجوب.

وعن ابن أبي عقيل(3): نسبته إلى طائفة من الأصحاب.

واستظهر بعضٌ (4) من كلام الشيخ(5)، وظاهر «الحدائق»(6) نفي الاستحباب

ص: 240


1- مختلف الشيعة: ج 3/191، الحدائق الناضرة: ج 12/23 و 148، رياض المسائل: ج 5/55 (ط. ج)، غنائم الأيّام: ج 4/57، مستند الشيعة: ج 9/241.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/11.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/191.
4- مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/59.
5- الخلاف: ج 2/91 المسألة 106.
6- الحدائق الناضرة: ج 12/149.

أيضاً، واستظهره من الُمحدِّث الكاشاني رحمه الله(1).

أقول: ومنشأ الاختلاف وجود طائفتين من النصوص:

الطائفة الأُولى: ما تدلّ على عدم الوجوب:

منها: صحيح زرارة، قال: «كنتُ قاعداً عند أبي جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام، فقال: يا زرارة إنّ أباذر وعثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال عثمان: كلّ مالٍ من ذهبٍ أو فضّة يُدار به، ويُعمل به، ويتّجر به ففيه زكاة إذا حال عليه الحول.

فقال أبوذرّ: أمّا ما يتّجر به أو دير وعمل به، فليس فيه زكاة، إنّما الزَّكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً، فإذا حالَ عليه الحول ففيه الزَّكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال: القولُ ما قال أبو ذرّ.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام لأبيه: ما تريدُ إلّاأن يخرج مثل هذا، فيكف النّاس أن يعطوا فقرائهم ومساكينهم ؟

فقال أبوه عليه السلام: إليك عنّي لا أجد منها بُدّاً»(2).

ومنها: موثّق ابن بكير وعبيد، وجماعةٌ من أصحابنا، قالوا:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ليس في المال المضطرب زكاة، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبة جُعِلتُ فداك، أهلكتَ فقراء أصحابك! فقال: أي بُنيّ حقّ أراد اللّه أن يُخرجه فَخَرج»(3).

ونحوهما غيرهما، مضافاًإلي مفهوم الأخبار الحاصرة وجوب الزَّكاة في التسعة.9.

ص: 241


1- حكاه في مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/59.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/70 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/74 ح 11555.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/70 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/75 ح 11559.

الطائفة الثانية: ما ظاهرها الوجوب:

منها: حسن محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ اشترى متاعاً وكسد عليه، وقد زَكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يُزكّيه ؟ فقال: إنْ كان أمسك متاعه، يبتغي به رأس ماله، فليس عليه زكاة، فإنْ كان حبسه بعدما يجد رأس ماله، فعليه الزَّكاة بعدما أمسكه بعد رأس المال»(1).

ومنها: صحيح إسماعيل بن عبد الخالق، قال: «سأله سعيد الأعرج وأنا حاضرٌ أسمع، فقال: إنّا نكبسُ الزّيت والسَّمن نطلب به التجارة، فربما مكث عندنا السنة والسنتين، هل عليه زكاة ؟

قال: فقال عليه السلام: إنْ كنت تربحُ فيه شيئاً، أو تجدُ رأس مالك، فعليك زكاته، وإنْ كنت إنّما تربّصُ به لأنّك لا تجد إلّاوضيعةً ، فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهباً أو فضّة، فإذا صار ذهباً أو فضّة فزكّه للسنة التي اتّجرت فيها»(2).

ونحوهما غيرهما، مضافاً إلى المستفيضة المتقدّمة في أوّل الكتاب الواردة في مال اليتيم والمجنون.

والأصحاب رحمهم الله جَمَعوا بين الطائفتين بحمل الثانية على الاستحباب، والقائلون بالوجوب أخذوا بظاهرها، والنافون للإستحباب حملوها على التقيَّة.

أقول: أمّا الحمل على التقيّة، فيأباه أمران:

الأوّل: ما تقدّم في التجارة بمال اليتيم، من اشتمال نصوصه على ما يخالف العامّة، وهو نفي الوجوب عن أصل المال، وثبوته عند التجارة.4.

ص: 242


1- تهذيب الأحكام: ج 4/68 ح 2 / وسائل الشيعة: ج 9/71 ح 11546.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/69 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/70 ح 11544.

الثاني: أنّ بيان مثل هذا الحكم، مع عدم السؤال، وعدم وجودُ ملجيء آخر من جهة أنّ زكاة مال التجارة ممّا لا يُعلم بتحقّق شرائطه غالباً إلّامالكه، لا محالة يكون في مقام إظهار الواقع لا التقيّة، فلا مناص عن الأخذ بنصوص الثبوت، وحيث أنّ الطائفة الأُولى كالنص في عدم الوجوب، فالجمع يقتضي البناء على الاستحباب، فتأمّل فإنّ في ذلك مجالاً للكلام.

موضوعه

وأمّا الموضع الثاني: ففي «الشرائع»(1) وغيرها(2): هو المال الذي مَلِك بعقد معاوضة، وقَصَد به الاكتساب عند التملّك.

وحق القول فيه: إنّ القيود التي وقع الكلام في اعتبارها في موضوع هذا الحكم اُمور:

الأمر الأوّل: أنّه هل يعتبر أن يكون انتقال المال إليه بعقدِ المعاوضة ؟ أم يكفي الانتقال إليه بمثل الهبة أو الصلح المجّاني أو الإرث ؟

وجهان، المشهور بين الأصحاب هو الأوّل، ومال صاحب «الجواهر» رحمه الله(3)إلى الثاني إذا كان مع نيّة التجارة به، وكان هو كذلك عند المنتقل إليه، واختاره جمعٌ (4).

أقول: إنّ المنساق إلى الذّهن من مال التجارة، هو المال الذي استعمل في عمليّة

ص: 243


1- شرائع الإسلام: ج 1/118.
2- منتهى المطلب: ج 1/506 (ط. ج)، تذكرة الفقهاء: ج 5/205، الدروس: ج 1/238.
3- جواهر الكلام: ج 15/261.
4- مجمع الفائدة: ج 4/132، العروة الوثقى: ج 4/90 (ط. ج).

التجارة، بأن قام التاجر بتبديله بمال آخر بقصد الاكتساب، كيف وهل ينكر أحدٌ ظهور مال الإجارة في المال بعد تحقّق الإجارة، فكذلك مال التجارة، وإنْ أبيتَ عن ذلك، فلا إشكال في أنّ الموضوع المأخوذ في نصوص الباب، وهو المال الذي عَمِلْتَ به أو اتّجر به، أو ما شابه هذه التعابير ذلك، فلا يصدق مال التجارة على المال المنتقل إليه بعقد هبةٍ أو ميراث وإنْ كان من نيّته التجارة به، من غير فرقٍ في ذلك بين كونه كذلك عند المنتقل عنه وعدمه.

وقد استدلّ للثاني: أي للقول بكفاية النيّة:

1 - بخبر شُعيب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كلّ شيءٍ جَرّ عليك المال فزكّه، وكلّ شيء ورثته أو وُهِب لك فاستقبل به»(1).

2 - وبخبر خالد بن الحجّاج، عنه عليه السلام: «عن الزَّكاة ؟ فقال: ما كان من تجارةٍ في يدك فيها فضلٌ ، ليس يمنعك من بيعها إلّالتزداد فضلاً عن فضلك فزكّه، وما كان من تجارةٍ في يدك فيها نقصان، فذلك شيء آخر»(2).

3 - وبخبر محمّد بن مسلم: «كلّ ما عملت به فعليك فيه الزَّكاة، إذا حال عليه الحول، قال يونس: تفسيره أنّ كلّ ما عَمِل به للتجارة، من حيوانٍ وغيره فعليه فيه الزَّكاة»(3).

4 - وبموثّق سماعة، عنه عليه السلام: «ليس على الرقيق زكاة، إلّارقيقٍ يبتغي به التجارة، فإنّه من المال الذي يُزكّى»(4).9.

ص: 244


1- الكافي: ج 3/527 ج 1، وسائل الشيعة: ج 9/171 ح 11763.
2- الكافي: ج 3/529 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/71 ح 11548.
3- الكافي: ج 3/528 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/72 ح 11551.
4- الكافي: ج 3/530 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/79 ح 11569.

5 - وبالنبويّ : «أَمَرنا صلى الله عليه و آله أن نُخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع، إذ بالنيّة يصير مُعِدّاً للبيع»(1).

6 - وبصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبةٍ ، بل بارث مع نيّة التجارة به، إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه.

7 - وبأنّ رأس المال الموجود في النصوص، لا يعتبر فيه كونه من مالك العين، إذ المراد به ثمن المتاع في نفسه، وإنْ كان من الواهب والمورث.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ المراد بالخبر بعدما لم يكن مطلق الجَرّ، هو تحقّق المعاملة، وحصول المعاوضة.

وأمّا الثاني: فلأنّ العمل ظاهرٌ في المعاوضة.

وأمّا الثالث: فلأنّ قوله: (لتزداد فضلاً) ظاهرٌ في زيادة السِّعر على رأس ماله الذي عاوض عليه.

وأمّا الرابع: فلأنّه ظاهرٌ في إرادة العبد الذي اُريد بتملّكه الإتّجار، لا الخدمة، فضلاً عن أنّه لا إطلاق له من حيث العقد الإيجابي، لكونه مسوقاً لبيان العقد السلبي.

وأمّا الخامس: فلأنّه ضعيف السّند.

وأمّا السادس: فلمنع صدق التجارة بمجرّد النيّة كما عرفت.

وأمّا السابع: فلأنّ الظاهر من رأس المال، ما كان للمالك لا ثمن المتاع في نفسه، مع أنّه لو كان المراد منه ذلك، لزم التعارض في التطبيق إذا كان رأس ماله عند7.

ص: 245


1- سنن البيهقي: ج 4/147.

المنتقل إليه، غير رأس ماله عند المنتقل منه.

فتحصّل: أنّ الأظهر اعتبار كون المال هو المال المتّجر به، بمعنى أنّه لا يكفي النيّة في ذلك.

الأمر الثاني: هل يعتبر قصد الاسترباح بالمعاوضة، كما هو المشهور، بل عن «المدارك»(1) نسبته إلى علمائنا، وعن «المعتبر»(2) أنّه موضع وفاق، أم لا يعتبر ذلك، كما عن «الجواهر»(3)، وفي «العروة»(4) وغيرهما(5)؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني بوجوه:

1 - إطلاق الأدلّة.

وفيه: الموضوع في الأدلّة، هو المال الذي اتّجر به، أو عمل به، أو نحو ذلك، وهذه العناوين لا تصدق مع قصد الاقتناء، ويتوقّف صدقها على قصد الاسترباح، والاستنماء.

2 - صدق التجارة عليه عرفاً بذلك، وهو كما ترى .

3 - أنّه كما تقدح نيّة الاقتناء في التجارة اتّفاقاً، تقدح نيّة التجارة في الاقتناء أيضاً.

وفيه: إنّ موضوع الزَّكاة ليس هو ما لم يتّخذه للقنية، كي يجدي قدح نيّة التجارة في القنية، في إثبات المدّعى، كما لايخفى .0.

ص: 246


1- مدارك الأحكام: ج 5/165.
2- المعتبر: ج 2/549.
3- جواهر الكلام: ج 15/260.
4- العروة الوثقى: ج 4/90 (ط. ج).
5- مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/199-200.

4 - إنّ بعض النصوص لم يشتمل على التجارة، ولا على ما يؤدّى مؤدّاها، كموثّق سماعة: «عن الرّجل يكون عنده المتاع موضوعاً، فيمكث عنده السنة والسنتين وأكثر من ذلك ؟ قال عليه السلام: ليس عليه زكاة حتّى يبيعه، إلّاأن يكون قد أعطى به رأس ماله، فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وَجَبت فيه الزَّكاة»(1). ونحوه غيره.

ولكن يرد عليه: أنّ الظاهر من (رأس المال) ما بُدّل بمالٍ آخر بقصد الاسترباح، كما لا يخفى .

وبه يظهر ضعف الاستشهاد بعموم حسن محمّد بن مسلم المتقدّم وغيره، لاشتمالها على رأس المال.

وعليه، فالأظهر اعتبار عدم كون قصده القنية.

الأمر الثالث: هل يعتبر أن يكون ما يتّجر به من الأعيان، كما عن «المقنعة»(2)وغيرها(3)؟ أم يكفي أن يكون من المنافع كماعن «المسالك»(2) التصريح به ؟ وجهان:

يشهد للثاني: عموم قوله عليه السلام في خبر ابن مسلم المتقدّم: «كلّ ما عملت به، فعليك فيه الزَّكاة إذا حال عليه الحول».

واستدلّ للأوّل: باشتمال جملةٍ من النصوص على المتاع أو نحوه غير الشامل للمنافع.

وفيه: إنّه لا مفهوم لها، كي يوجب تخصيص العموم المزبور، وعليه، فالأظهر هو العموم.3.

ص: 247


1- الكافي: ج 3/528 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/72 ح 11549. (2و3) حكاه صاحب الجواهر في: ج 15/263.
2- مسالك الأفهام: ج 1/403.

بشرط الحول، وأن يطلب برأس المال أو بزيادة في الحول كلّه، وبلوغ قيمته النصاب.

في الشرائط

وأمّا الموضع الثالث: فالمعروف بين الأصحاب أنّ استحباب الزَّكاة في هذا المورد مشروطٌ بشروط، ذكرها المصنّف رحمه الله بقوله: (بشرط الحول، وأنْ يطلب برأس المال، أو بزيادةٍ في الحول كلّه، وبلوغ قيمته النصاب)، وأضاف إليها بعضهم غيرها.

أقول: وتحقيق القول - في المقام إنّ ما ذكره شرطاً - في اُمور:

الشرط الأوّل: بلوغه حَدّ نصاب أحد النقدين، بلا خلافٍ أجده فيه، بل عن ظاهر «التذكرة»(1) وغيرها(2) الإجماع عليه، بل عن صريح «نهاية الاحكام»(3)ذلك، بل في «المعتبر»(4)، ومحكيّ «المنتهى»(5)، و «كشف الالتباس»(6) وغيرها أنّه قول علماء الإسلام، وكذا في «الجواهر»(7)، وفي «الحدائق»(8) هو مجمعٌ عليه بين الخاصّة والعامّة.

وقد استدلّ له بوجوه:

ص: 248


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/208 (ط. ج).
2- مجمع الفائدة: ج 4/134.
3- نهاية الاحكام: ج 2/364.
4- المعتبر: ج 2/544.
5- منتهى المطلب: ج 1/507 (ط. ق).
6- حكاه عنه صاحب الجواهر في: ج 15/265.
7- جواهر الكلام: ج 15/265.
8- الحدائق الناضرة: ج 12/146.

منها: الأصل.

وفيه: إنّه لا مجال للرجوع إليه مع إطلاق النصوص.

منها: أنّ خلوّ النصوص عن اعتبار النصاب، مع معهوديّته في النقدين، يكون دالّاً على اعتبار نصابهما.

وفيه: أنّ خلوّها كما يلائم مع ذلك، يلائم مع عدم الاعتبار رأساً، فلابدّ من متابعة ظواهر النصوص.

ومنها: الروايات الدالّة على شرعيّة هذه الزَّكاة، حيث أنّها زكاة المال المتحرّك في التجارة، المحفوظة ماليّته في ضمن أبداله، الذي يكون في الغالب من جنس النقدين، فلا ينسبق إلى الذهن إلّاإرادة زكاة الدينار والدرهم المستعمل في التجارة.

وفيه: منع الانسباق المذكور.

ومنها: صحيح محمّدبن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الذّهب كم فيه من الزَّكاة ؟ قال: إذا بلغ قيمته مائتي درهم»(1). بناءً على أنّ المراد الذّهب المتّجر به.

وفيه: أنّ الظاهر السؤال عن الزَّكاة الثابتة في الذهب بما هو ذهب، لا بما هو متّجرٌ به.

ومنها: إطلاق ما دلّ على أنّه لا زكاة في الذهب إذا لم يبلغ عشرين ديناراً، ولا في الفضّة إذا لم تبلغ مائتي درهم، الشامل للزكاة الواجبة والمستحبّة، ويتمّ الحكم في غيرهما بعدم القول بالفصل.

وفيه: ما تقدّم في سابقه.

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال:6.

ص: 249


1- الكافي: ج 3/516 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/137 ح 11686.

«قلت له: تسعون ومائة درهم، وتسعة عشر ديناراً، أعليها في الزَّكاة شيء؟

فقال عليه السلام: إذا اجتمع الذهب والفضّة، فبلغ ذلك مائتي درهم، ففيها الزَّكاة، لأنّ عين المال الدّراهم، وكلّ ما خلا الدّراهم من ذهبٍ أو متاعٍ فهو عَرَضٌ مردود ذلك إلى الدّراهم في الزَّكاة والديات»(1).

وفيه: إنّ صدر الخبر غير معمولٍ به، وذيله من قبيل الكبرى الكلية المنطبقة على صدره، فتأمّل.

فإذاً العمدة في المقام هو الإجماع، ولابأس بذكر هذه الوجوه مؤيّدة للمطلب.

وبه يظهر أنّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضاً، إذ لم يعرف فيه تأمّلٌ إلّامن الشهيد الثاني في «فوائد القواعد»(2)، وردّه سبطه في محكيّ «المدارك»(3) بأنّ الدليل على اعتبار الثاني هو الدليل على اعتبار الأوّل.

الشرط الثاني: مُضيّ الحول من حين التكسّب.

ولا خلاف في هذا الشرط، ويشهد له صحيح محمّد بن مسلم: «عن الرّجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال عليه السلام: إذا حال عليه الحول فليزكّها»(4).

ونحوه غيره.

الشرط الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول.

والظاهر أنّه لا خلاف يُعرف في اعتباره، ودليله دليل اعتبار مُضيّ الحول، إذ الظاهر منه اعتبار حول الحول على المال بما له من الخصوصيّات المعتبرة فيه، وقد6.

ص: 250


1- الكافي: ج 3/516 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/139 ح 11691.
2- حكاه عنه صاحب مدارك الأحكام: ج 5/168.
3- مدارك الأحكام: ج 5/168.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/68 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/71 ح 11546.

عرفت أنّ منها قصد الاسترباح.

الشرط الرابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول، يعني بقاء عين السَّلعة المعاوض عليها بقصد الاسترباح.

نُسب اعتبار ذلك إلى الشيخين(1)، والمحقّق(2)، و «المدارك»(3)، و «الذخيرة»(4)وغيرهما(5)، ولا يهمّنا إطالة الكلام في صحّة النسبة وعدمها، إنّما المهمّ البحث عن الدليل، فقد استدلّ له:

1 - بأنّه مالٌ تثبت فيه الزَّكاة، فيعتبر بقاؤه كغيره.

2 - وبأنّه مع التبدّل تكون الثانية غير الأُولى ، فلا تجبُ فيها الزَّكاة، لأنّه لا زكاةٍ في مالٍ حتّى يحول عليه الحول.

أقول: إنّ نصوص الباب إنّما تتضمّن ثبوت الزَّكاة في المال الذي يتّجر به أو يعمل به أو نحو ذلك، ومعلومٌ أنّ المراد بما يتّجر به ليس خصوص السلعة التي عوض عليها، فإنّ التاجر يدفعها إلى طرفه، ويأخذ بدلها، بل المراد به تلك بلحاظ ماليّتها السارية فيها وفي أبدالها، فالموضوع هو المال المتقلّب في التجارة، لا خصوص ما اشتراه للتجارة.

وما في بعض النصوص الواردة في المتاع الذي يمكث عند صاحبه: (أنّه إنْ طلب برأس ماله أو بزيادةٍ ففيه الزَّكاة) لا ينافي ذلك، إذ لا مفهوم له كي يدلّ على 6.

ص: 251


1- الخلاف: ج 2/96، النهاية: ص 176، الشيخ الطوسي في الخلاف: ج 2/102.
2- المعتبر: ج 2/550.
3- مدارك الأحكام: ج 5/169.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/449.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/146.

عدم ثبوتها في غير مورد السؤال.

وبالجملة: فالأظهر ما هو المشهور من عدم اعتبار الحول في نفس السّلعة، نعم هو معتبرٌ في المال الذي يتّجر به باعتبار ماليّته.

الشرط الخامس: أن يطلب برأس المال أو زيادة طول الحول، أي لا ينقص قيمته السوقيّة، بلا خلافٍ في ذلك، بل عن «المعتبر»(1) و «المنتهى»(2) وغيرهما(3)دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ اشترى متاعاً وكسد عليه متاعه، وقد زكّى ماله قبل أن يشترى المتاع، متى يُزكّيه ؟

فقال: إنْ كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله، فليس عليه زكاة، وإنْ كان حَبَسه بعدما يجد رأس ماله، فعليه الزَّكاة بعدما أمسكه بعد رأس المال»(4).

ونحوه غيره.

وعليه، فلو كان رأس ماله مائة دينار فنقصت قيمته السوقيّة ولو حَبّة من قيراط، لم تستحبّ الزَّكاة، نعم إذا مضى وهو على النقيصة أحوالٌ ، زكّاه لسنة واحدة استحباباً، لما رواه الشيخ بإسناده عن العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: المتاع لا اُصيب به رأس المال، عَليَّ فيه الزَّكاة ؟ قال: لا. قلت: أمسكه6.

ص: 252


1- المعتبر: ج 2/550.
2- منتهى المطلب: ج 1/508 (ط. ق).
3- شرح اللّمعة: ج 2/36، مجمع الفائدة: ج 4/132.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/68 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/71 ح 11546.

سنتين، ثمّ اُبيعه، مإذا عَليّ؟ قال: سنة واحدة»(1). ونحوه غيره.

الزَّكاة في المقام أيضاً متعلّقة بالعين

وأمّا الموضع الرابع: فتنقيح القول فيه بالبحث في مسائل:

المسألة الأُولى: المشهور - كما عن جماعةٍ (2) - أنّ الزَّكاة في المقام تتعلّق بالقيمة لا بالعين، بل عن «المفاتيح»(3) نسبته إلى أصحابنا.

وقد استدلّ له:

1 - بأنّ النصاب معتبرٌ بالقيمة.

2 - وبمنافاة الاستحباب لملك العين.

3 - وبأنّ موضوع الزَّكاة مالُ التجارة من حيث أنّه مالٌ ، بلا دخلٍ للخصوصيّات فيها، فالموضوع نفس الماليّة.

4 - وباستصحاب خلوّ العين عن الحقّ .

5 - وبقوله عليه السلام في موثّق إسحاق: «كلّ ماعدا الأجناس، فهو مردودٌ إلى الدّراهم والدنانير»(4).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه أعمٌّ من المدّعى.

وأمّا الثاني: فلأنّه إنْ كان منافياً لملك العين، كان منافياً لملك القيمة أيضاً.

ص: 253


1- تهذيب الأحكام: ج 4/69 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/72 ح 11552.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/150، جواهر الكلام: ج 15/272، مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/204.
3- حكاه عنه صاحب الجواهر في: ج 15/272.
4- الخلاف: ج 2/96.

وأمّا الثالث: فلأنّ مقتضاه تعلّقها بالعين، بما لها من الماليّة، لا بما هو خارج عن العين، وقد مرّ أنّ الأمر في جميع موارد الزَّكاة كذلك، فراجع(1).

وأمّا الرابع: فلأنّه معارضٌ باستصحاب مِلْك القيمة.

وأمّا الخامس: فلإجماله.

والحقّ أنّها متعلّقة بالعين، كما في الزَّكاة الواجبة، لأنّ مساق أدلّتها مساق أدلّة الزَّكاة الواجبة، لاحظ قوله عليه السلام: «كلّ مالٍ عَمِلْت به إذا حال عليه الحول ففيه الزَّكاة». ونحوه غيره.

إذا كان مال التجارة من النُّصُب الزَّكويّة

المسألة الثانية: إذا كان مال التجارة من النُّصُب الزَّكويّة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين ديناراً، أو نحو ذلك، واجتمعت شرائط كلتيهما، لا تجتمع الزّكاتان، بلا خلافٍ ، بل عن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - النبويّ : «لا ثنيا في الصدقة»(3).

2 - ومصحّح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ دفع إلى رجل مالاً قرضاً، على مَن زكاته، على المقرض أو على المقترض ؟ قال عليه السلام: لا، بل زكاتها إنْ كانت موضوعة عنده حولاً على المقترض. قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال عليه السلام: لا

ص: 254


1- صفحة 81 من هذا المجلّد.
2- المعتبر: ج 549/2، تذكرة الفقهاء: ج 223/5 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 253/9، جواهرالكلام: ج 279/15.
3- النهاية لابن الأثير مادّة: ثنى وثنى على وزن إلى.

يُزكّى المال من وجهين في عام واحد»(1).

وعلى هذا، فهل تكون الزَّكاة المستحبّة ساقطة، كما هو المشهور شهرة عظيمة(2) أم الواجبة ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل: بأنّ الواجب مقدّمٌ على الندب.

وأورد عليهم صاحب «الجواهر»(3) بما حاصله: إنّ هذا البرهان يتمُّ في المتزاحمين، ولا يكون تامّاً في المتعارضين، والمقام من قبيل الثاني.

وهو جيّدٌ، فإنّ تقدّم دليل الحكم الإلزامي، على دليل الحكم غير الإلزامي، إنّما يتمّ في موارد:

الأوّل: في المتزاحمين.

الثاني: فيما إذا كان دليل الحكم غير الإلزامي مشروطاً بأنْ لا يلزم من موافقته مخالفة الحكم الإلزامي.

الثالث: ما إذا كان الحكم غير الإلزامي مترتّباً على الشيء بعنوانه الأوّلي، والحكم الإلزامي متعلّقاً به بعنوانه الثانوي.

وأمّا في غير هذه الموارد، فلا وجه لدعوى تقدّم دليل الحكم الإلزامي، إلّا دعوى أحد اُمورٍ ثلاثة على سبيل منع الخلوّ:

الأمر الأوّل: عدم ثبوت الإطلاق لدليل الحكم غير الإلزامي، بنحوٍ يشمل مورد الحكم الإلزامي.

الأمر الثاني: انصرافه عن هذا المورد.9.

ص: 255


1- الكافي: ج 3/520 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/100 ح 11625.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/151، مستند الشيعة: ج 9/255.
3- جواهر الكلام: ج 15/279.

الأمرالثالث: ظهوره في تقييدما تضمّنه من الحكم بعدم المخالفة للحكم الإلزامي.

أقول: والجميع كما ترى :

أمّا دعوى أنّ مقتضيات الأحكام غير الإلزاميّة لا تصلح لمزاحمة مقتضيات الأحكام الإلزاميّة، فمندفعة بأنّ هذا أجنبيٌ عن المقام، إذ هو يكون فيما إذا ثبت المقتضيان، وهو في المقام معلومُ العدم، فيتعيّن الرجوع إلى قواعد التعارض، وهي في موارد التعارض بين العامين من وجه، إنْ كان دلالة كلّ منهما لحكم المورد بالإطلاق، تقتضي التساقط والرجوع إلى الأصل العملي وهو البراءة، إلّاأنّ الظاهر تسالم الأصحاب على عدم سقوط الزَّكاة في الفرض رأساً، وعليه فيتعيّن البناء على عدم سقوط الزَّكاة الواجبة، كما هو المعروف، بينهم واللّه العالم.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ الأصحاب تسالموا على سقوط زكاة التجارة عند اجتماعها مع الماليّة، فلا مقيّد لإطلاق دليل زكاة المال.

زكاة التجارة في باب المضاربة

المسألة الثالثة: إذا ظهر في مال المضاربة الربح، كانت زكاة الأصل على ربّ المال، مع بلوغه النصاب، بلا كلامٍ في ذلك لإنفراده بملكه.

وأمّا زكاة الربح: فالكلام فيها:

تارةً : يقع في حصّة المالك من الربح.

واُخرى : في حصّة العامل.

أمّا حصّة المالك: فقد يتوهّم عدم ثبوت الزَّكاة فيها، من جهة أنّ الربح من حيث هو ليس مندرجاً في موضوع أدلّة زكاة التجارة، لأنّه لا يصدق عليه (مالٌ

ص: 256

اتّجر به) أو (عمل به) أو غير ذلك من العناوين المأخوذة في الموضوع في الأدلّة.

ولكن يرد عليه: أنّ المراد من (مال التجارة) هو المال الذي وردت التجارة عليه، وهو رأس المال، وإنّما يصدق هذا العنوان على المتاع لبدليّته عنه، وعليه فالربح أيضاً يصدق عليه هذا العنوان بهذه العناية، فلا إشكال في شمول أدلّة زكاة التجارة له، فإذا لم يكن رأس المال بالغاً حَدّ النصاب لا بضميمة الربح، ضُمّ إليه الربح، ويكون مبدأ الحول حين ظهور الربح، وأمّا لو كان رأس المال بالغاً حَدّ النصاب الأوّل، فيكفي في ثبوت الزَّكاة في الربح بلوغه النصاب الثاني، ولو بضميمة مقدار العفو من رأس المال، فهل يكفي مُضيّ حول الأصل، أم يعتبر مُضيّ الحول من حين ظهوره ؟ وجهان، بل قولان:

فقد استدلّ للأوّل: بأنّه إنّما تتعلّق الزَّكاة بالربح من جهة كونه جزءاً من الجملة التي دير رأس المال إليها، فهو لا يكون ملحوظاً مستقلّاً، بل تبعاً للأصل، فيتبعه في الحول أيضاً.

وفيه: إنّه إنْ لم يلاحظ باستقلاله، لم يكن وجه للحاظه نصاباً ثانياً، وإنْ لوحظ كذلك، لابدّ من لحاظ الشرائط بأجمعها بالإضافة إليه نفسه، ولا فرق بين مُضيّ الحول وسائر الشرائط.

وعليه، فالأظهر هو القول الثاني.

وأمّا حصّة العامل: فالمنسوب إلى المشهور(1) ثبوت الزَّكاة فيها إذا بلغت النصاب، وعن المحقّق الكركي(2) عدم ثبوت الزَّكاة فيها وتبعه غيره(3).0.

ص: 257


1- مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/208.
2- جامع المقاصد: ج 3/27.
3- إيضاح الفوائد: ص 188، مدارك الأحكام: ج 5/181، مجمع الفائدة: ج 4/140.

واستدلّ للثاني بوجوه:

1 - أنّها من قبيل اُجرة المثل، وعلى فرض كونها من قبيل الحصّة، إنّما يملكها العامل بعد القسمة.

وفيه: إنّ هذا خلاف المشهور، فإنّ المشهور أنّها من قبيل الحصّة، وأنّها تُملك بالظهور.

2 - أنّها وقاية لرأس المال، فلا تكون مِلْكاً طلقاً.

وفيه: إنّ كونهاوقاية معناه كونهافي معرض الزوال والانتفاء، لا كونها غير طلق.

3 - أنّه لايجوز له التصرّف فيها ما لم تقسّم، فليس فيها الزَّكاة لفقد هذا الشرط، أي التمكّن من التصرّف.

وفيه: إنّ المنع عن التصرّف الناشئ من الشركة، لا يقدحُ في ثبوت الزَّكاة، لأنّه يتمكّن من التصرّف بالتمكّن من القسمة مهما أراد.

4 - إنّ حصّة العامل لا تكون مندرجة في موضوع أدلّة زكاة التجارة، لعدم كونها مالاً اتّجر به، أو عمل به، بل هي بنفسها ربح التجارة المتعلّقة بمال الغير، وقد ملكه العامل بعقد المضاربة لا بالتجارة.

وفيه: ما تقدّم من أنّ الموضوع هو مال التجارة، أعمٌّ من العين والمنفعة، وعمل العامل من قبيل الثاني، فالمضاربة قسمٌ من التجارة على العمل.

5 - موثّق سماعة الآتي: «عن رجلٍ يربح في السَّنة خمسمائة وستّمائة وسبعمائة، هي نفقته، وأصل المال مضاربة ؟ قال عليه السلام: ليس عليه في الربح زكاة».

وفيه: إنّ ظاهر قوله عليه السلام: (نفقته) عدم دوران الحول عليها، كما لايخفى .

فتحصّل: أنّ الأظهر ثبوت الزَّكاة فيها.

ص: 258

ويقوّم بالنقدين.

يقوّم المتاع بالنقدين

المسألة الرابعة: (ويقوّم) المتاع لمعرفة مقدار ماليّته (بالَّنقدين) لأنّهما هما الأصل الممحَّض في الماليّة، وبملاحظتهما يُعرف مقدار ماليّة الأشياء في باب الغرامات وغيره.

وإذا كانت السَّلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر، فهل تتعلّق الزَّكاة بها أم لا؟ أم يكون العبرة بخصوص الدّراهم ؟ أم بالنقد الغالب ؟

وجوه، نُسب إلى المشهور(1) اختيار الأوّل، ويشهد له: حصول النصاب الذي هو الشرط في ثبوتها.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ عمومات أدلّة زكاة مال التجارة، تقتضي ثبوتها، وإنْ لم تبلغ النصاب، وقد خَرَج عن ذلك ما نقص عن مائتي درهم وعشرين ديناراً، وأمّا مانقص عن أحدهما دون الآخر، فهو مشكوك الخروج، ويكون باقياً تحتها، ولكن هذا يتوقّف على ثبوت العموم لها من هذه الجهة، وإلّا فالمتيقّن ثبوت الزَّكاة فيما بلغ النصاب بهما معاً، وما نقص عن أحدهما مشكوكٌ ثبوتها فيه، والمرجع أصالة البراءة.

وأمّا موثّق إسحاق المتقدّم: (وكلّ ما خلا الدّرهم من ذهبٍ أو متاعٍ فهو عَرَضٌ مردودٌ ذلك إلى الدّراهم في الزَّكاة والديات)، الذي هو مستند الوجه الثالث، فلعدم عمل الأصحاب به، لابدّ من طرحه.

ص: 259


1- مصباح الفقيه: ج 3/79.

ويستحبُّ في الخيل بشرط الحَول والسَّوم والأُنوثة.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ نصاب الدّراهم بمقتضى العادة هو الأدنى ، فيكون القول باعتباره بالخصوص موافقاً مع ماهو المشهور، وعليه فالقول الأوّل لو لم يكن أظهر، لا ريب في أنّه أحوط.

هذا فيما إذا كان رأس ماله من غير النقدين.

وأمّا لو كان من أحدهما، فهناك قولٌ آخر مشهور بين المتأخّرين(1)، وهو أنّ الاعتبار بما اشترى به، نظراً إلى أنّ المتبادر إلى الذهن من دليل وجوب الزَّكاة في مال التجارة، إرادة زكاة ذلك المال المحفوظ ماليّته في تقلّباته، وهذا وإنْ كان قويّاً، إلّا أنّ الأوّل أحوط.

استحباب الزَّكاة في الخيل

الثاني من الموارد التي يستحبّ الزَّكاة فيها: ما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله:

(ويستحبّ في الخيل بشرط الحَول والسَّوم والاُنوثة) بلا خلافٍ في شيء من ذلك، ويشهد له:

1 - صحيح زرارة: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: هل في البغال شيء؟ فقال عليه السلام: لا.

فقلت: فكيف صار على الخيل، ولم يصر على البغال ؟ فقال عليه السلام: لأنّ البغال لاتلقح، والخيل الإناث ينتجن، وليس على الخيل الذكور شيء، قلت: فما في الحمير؟ قال عليه السلام: ليس فيها شيء»(2).

ص: 260


1- مصباح الاُصول: ج 3/79.
2- الكافي: ج 3/530 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/78 ح 11566.

فيُخرج عن العتيق ديناران، وعن البَرذُون دينارٌ واحد.

ويستحبّ فيما يُخرَج من الأرض عدا الأجناس الأربعة من الحبوبات، بشرط حصول شرائط الوجوب في الغلّات، ويُخرج كما يخرج منها.

2 - وصحيح زرارة ومحمّد عنهما عليهما السلام، قالا: «وضع أميرالمؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرسٍ في كلّ عامٍ دينارين، وجعل على البراذين ديناراً»(1).

أقول: وهما مضافاً إلى عدم ظهورهما في أنفسهما في الوجوب، محمولان على الاستحباب، للإجماع، ولخبر زرارة، عن أحدهما عليه السلام: «ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل والبقر والغنم»(2).

ونحوه غيره من النصوص الحاصرة للزكاة الواجبة فيما عداها، ودلالتها على اعتبار الشروط المشار إليها واضحة.

(فيخرج عن العتيق) وهو ما كان أبواه عربيّين (ديناران، وعن البَرذُون) وهو خلافه (دينارٌ واحد) لصحيح الفاضلين المتقدّم آنفاً.

(و) الثالث: (يستحبُّ فيما يخرج من الأرض، عدا الأجناس الأربعة من الحبوبات، بشرط حصول شرائط الوجوب في الغلّات، ويخرج كما يخرج منها) وقد تقدّم الكلام في ذلك في مبحث ما تجب فيه الزَّكاة، فراجع.(3)

***د.

ص: 261


1- الكافي: ج 3/530 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/77 ح 11564.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/41 ح 16، وسائل الشيعة: ج 9/80 ح 11571.
3- راجع صفحة 107 من هذا المجلّد.

الباب الثالث: في مستحقّ الزكاة

اشارة

الباب الثالث: في مستحقّ الزكاة، وهم ثمانية أصناف:

الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين.

في أصناف المستحقّين

(البابُ الثالث: في المستحقّ للزكاة، وهم ثمانية أصناف) بالنَّص والإجماع في محكيّ «المنتهى»(1) تارةً ، ولا خلاف فيه بين المسلمين اُخرى(2)، وبإجماع المسلمين في «التذكرة»(3)، بل الإجماع ظاهر «الغُنية»(4) أيضاً أو صريحها، كذا في «الجواهر»(5)، وقريبٌ منه ما عن غيرها(6)، ولكن في «الشرائع»(7) عدّها سبعة.

أقول: ومنشأ الخلاف الاختلاف في اتّحاد الفقير والمسكين وتغايرهما، وستعرف الحقّ فيه.

الصنف (الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين):

وقد اختلف الأصحاب في ترادف هذين اللّفظين وتغايرهما على أقوال، وربما يرتقي مجموعها إلى ثلاثة عشر، اُصولها سبعة:

1 - ما عن جمعٍ منهم المحقّق(8) رحمه الله وهو الترادف والاتّحاد من حيث المفهوم.

ص: 262


1- منتهى المطلب: ج 1/517 (ط. ق).
2- كما حكاه العلّامة في منتهى المطلب: ج 1/517 (ط. ق).
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/237 (ط. ج).
4- غنية النزوع: ص 123-124.
5- جواهر الكلام: ج 15/296.
6- مستند الشيعة: ج 9/258، مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/211.
7- شرائع الإسلام: ج 1/120.
8- شرائع الإسلام: ج 1/120.

2 - ماعن ظاهربعض الأساطين(1) من الاتّحادمن حيث المصداق دون المفهوم.

3 - ما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(2) من أنّ التغاير من حيث العموم والخصوص، وكون الفقير أعمّ .

4 - ما احتمله بعضٌ (3) وهو أعميّة المسكين من الفقير.

5 - أنّهما في الآية الشريفة ونظائرها ممّا اجتمعت فيه الكلمتان متغايران، ولدى انفراد كلٍّ منهما عن الآخر متساويان في الصدق.

6 - أنّهما متغايران، والفقير أسوءُ حالاً من المسكين.

7 - تغايرهما مع أسوئيّة المسكين(4).

أقول: ثمّ إنّ القائلين بالتغاير على أحد الوجهين، اختلفوا فيما يتحقّق به التغاير.

فقيل: إنّ الفقير هو المتعفّف الذي لا يسأل، والمسكين هو الذي يسأل، وهو المحكيّ عن ابن عبّاس(5) وجماعة(6).

وقيل: بالعكس، كما عن الشيخ أبي عليّ الطبرسي(7).

وقيل: الفقير هو المزمن المحتاج، والمسكين هو الصحيح المحتاج، وهو الذي4.

ص: 263


1- يظهر ذلك من الجواهر: ج 15/298-299.
2- منتهى المطلب: ج 1/517 (ط. ق).
3- وهو ظاهر الشيخ في بعض كتبه كالاقتصاد: ص 282، والمبسوط: ج 1/246، بقوله: (إنّ الفقير هو الذي لا شيء له ولا معه، والمسكين هو الذي له بُلغة من العيش لا يكفيه)، إلّاأنّه في النهاية قال بخلاف ذلك.
4- الدروس: ج 1/240، مدارك الأحكام: ج 5/191.
5- غوالي اللآلي: ج 2/70 و 182.
6- مجمع البيان: ج 5/74، وحكاه صاحب مدارك الأحكام في: ج 5/188.
7- حكاه عنه في مجمع البيان: ج 5/74.

اختاره الصدوق على ما نُسب إليه(1).

وعن بعض المفسّرين(2): الفقراءُ المهاجرون، والمساكين غير المهاجرين.

هذه هي أقوال المسألة، والمشهور بين الأصحاب تغايرهما عند الاجتماع، وأسوئيّة المسكين عن الفقير، وترادفهما عند الانفراد.

أقول: الأظهر هو تغايرهما وأسوئيّة المسكين من الفقير حالاً، وذلك:

1 - لصحيح أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قول اللّه تعالى : «إِنَّمَا اَلصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ اَلْمَساكِينِ » (3)؟ قال عليه السلام: الفقير الذي لا يسأل النّاس، والمسكين أجهد منه، والبائس أجهدهم»(4).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «أنّه سأله عن الفقير والمسكين ؟ فقال عليه السلام: الفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي هو أجهد منه، الذي يسأل»(5).

ودعوى: أنّهما واردان لتفسير المسكين والفقير في آية الزَّكاة(6).

مندفعة: بعدم القرينة على ذلك لا سيّما في الصحيح الثاني.

وقد استدلّ للأقوال الاُخر بوجوهٍ ، ضعفها واضح، مع أنّ هذا الخلاف لاتترتّب عليه ثمرة في المقام، بناءً على عدم وجوب البسط على أصناف المستحقّين، كما ستعرف، فالأولى صرف عنان الكلام إلى بيان الحَدّ المسوّغ لتناول الزَّكاة في هذين الصنفين، فإنّه المهمّ في المقام.0.

ص: 264


1- حكاه عنه في ذخيرة المعاد: ج 3/451.
2- مجمع البيان: ج 5/74.
3- سورة التوبة: الآية 60.
4- الكافي: ج 3/501 ح 16، وسائل الشيعة: ج 9/210 ح 11858.
5- الكافي: ج 3/502 ح 18، وسائل الشيعة: ج 9/210 ح 11857.
6- سورة التوبة: الآية 60.

حَدّ الفقر والمسكنة المسوّغ لتناول الزَّكاة

أقول: الظاهر أنّه لا خلاف عندهم في أنّه متى تحقّق عدم الغنى، استحقّ صاحبه الزَّكاة، كما أنّه لا كلام في أنّه متى تحقّق الغنى أو ما في حكمه تحرم الزَّكاة، وإنّما وقع الخلاف بين الأصحاب فيما يتحقّق به عدم الغنى من جهات:

الجهة الأُولى : من حيث أنّ المدار في عدم الغنى على عدم تملّك مؤونة السنة، أو على عدم تملّك أحد النصب الزكويّة، فالمشهور بين الأصحاب(1) هو الأوّل، وعن الشيخ في «الخلاف»(2) اختيار الثاني، ونُسب(3) ذلك إلى المفيد(4) والسيّد(5)، وعليه فمن ملك خمسة أوسق من الشعير، لا تفي بمؤونة سنته، لايجوز له تناول الزَّكاة.

وعن «المفاتيح»(6) اختيار قولٍ ثالث، وهو أنّ الفقير مَنْ لم يقدر على كفايته، وكفاية من يلزمه من عياله عادةً على الدّوام، بربح مالٍ أو غلّةٍ أو صنعةٍ ، حاكياً له عن «المبسوط».

أقول: الأظهر هو الأوّل، ويشهد له:

ص: 265


1- شرح اللّمعة: ج 2/49، مجمع الفائدة: ج 4/151، رياض المسائل: ج 5/140 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 304/15.
2- الخلاف: ج 4/239، الخلاف: ج 2/146.
3- جواهر الكلام: ج 15/306 قوله: (عن بعضٍ أنّه على هامش «المبسوط» أنّ القائل به هو المفيد والسيّد، فإنْ صحّت النسبة فلعلّه في غير ما حضرني من كتبهما، لكنّه في الناصريّة ادّعى الإجماع على خلاف هذا القول، وفي المقنعة روى خبر يونس بن عمّار الظاهر في مذهب المشهور إنْ لم يكن صريح).
4- المقنعة: ص 248.
5- الناصريّات: ص 288 المسألة 125.
6- حكاه عنه صاحب جواهر الكلام: ج 15/307.

1 - صحيح أبي بصير، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يأخذ الزَّكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره.

قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجبُ عليه الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: زكاته صدقة على عياله، ولا يأخذها إلّاأن يكون إذا اعتمد على السبعمائة، أنفذها في أقلّ من سنة، فهذا يأخذها ولا تَحلّ الزَّكاة لمن كان محترفاً، وعنده ما تجب فيه الزَّكاة أن يأخذ الزَّكاة»(1).

2 - وصحيح عليّ بن إسماعيل، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن السائل عنده قوت يومٍ أله أن يسأل ؟ قال عليه السلام: يأخذ وعنده قوت شهر مايكفيه لسنة من الزَّكاة، لأنّها إنّما هو من سنة إلى سنة»(2).

إذ الظاهر من العلّة أنّ الزَّكاة إنّما شُرّعت لئلّا يبقى محتاجٌ خلال السنة، وأنّ المدار فيها فترة السنة كما لا يخفى .

3 - ومرسل يونس بن عمّار، قال: «سمعتُ الصادق عليه السلام يقول: تحرم الزَّكاة على من عنده قوتُ السنة، وتجبُ الفطرة على من عنده قوت السنة»(3).

ولا يخفى أنّ الوصف له مفهومٌ إذا كان الكلام في مقام التحديد.

وتشهد له أيضاً النصوص الآتية، فإنّ الظاهر من إطلاق الكفاية والقوت فيها أنّها بلحاظ فترة السنة.

واستدلّ للقول الثاني: بجملةٍ من النصوص:8.

ص: 266


1- الكافي: ج 3/560 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/231 ح 11905.
2- وسائل الشيعة: ج 9/233 ح 11911، علل الشرائع: ج 2/371.
3- وسائل الشيعة: ج 9/234 ح 11914، المقنعة: ص 248.

منها: النبويّ المرويّ مضمونه في نصوصنا أيضاً، قال صلى الله عليه و آله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «إنّك تأتي قوماً أهلُ كتابٍ ، فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلّااللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فاعلمهم أنّ اللّه تعالى قد فرض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم»(1).

وتقريبُ دلالته على هذا القول: أنّه جعل الغنيّ مَنْ تجبُ عليه الزَّكاة، ومقتضاه أنّ من لا تجب عليه الزَّكاة ليس بغنيّ فيكون فقيراً.

وفيه: ما عن «تذكرة» المصنّف(2) رحمه الله من أنّه مسوقٌ لبيان الحكم دون المصرف، فلا دلالة له على المطلوب، مع أنّ غاية ما هناك استعمال الغني في المالك للنصاب، وهو أعمٌّ من الحقيقة، وليس وارداً لبيان تفسير الغني والفقير كي يصحّ الاستدلال به.

ومنها: صحيح زرارة: «لا تحلُّ لمن كان عنده أربعون درهماً يحول عليها الحول أن يأخذها، وإنْ أخذها أخذها حراماً»(3).

أقول: وعن المحقّق الأردبيلي(4) رحمه الله الاستدلال به.

وفيه: إنّ أربعين درهماً ليست من النصب، لأنّ النصاب الأوّل مائتا درهم، فلا ينطبق على الدعوى، فلابدّ إمّا من الحمل على النصاب الثاني، أو على صورة عدم الحاجة بحيث تزيد على نفقته، والثاني أظهر بقرينة قوله عليه السلام: (يحول عليها الحول).

ومنها: ما في ذيل صحيح أبي بصير المتقدّم: «ولا تحلّ الزَّكاة لمن كان0.

ص: 267


1- سنن البيهقي: ج 4/96.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/240 (ط. ج).
3- تهذيب الأحكام: ج 4/51 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/240 ح 11927.
4- مجمع الفائدة: ج 4/150.

وهُم الّذين لا يَمْلِكون قوت سنةٍ لهم ولعيالهم.

محترفاً وعنده ما تجبُ فيه الزَّكاة يأخذ الزَّكاة»(1).

وفيه: أنّه يدلّ على تحريم الأخذ لذي الحرفة، مع وجود النصاب عنده، والظاهر أنّ المراد بالحرفة هو التكسّب والتجارة، والمراد من (ما تجبُ فيه) هو رأس ماله، بأنْ يكون رأس ماله الذي يكتسب به بمقدار نصاب أحد النقدين، وعليه فهو أجنبيٌ عن المقام.

واستدلّ للقول الثالث: بأنْ من لم يكن له حرفة أو ممرُّ معيشة وافٍ بمؤونته عادةً على سبيل الاستمرار، لا يعدّ في العرف غنيّاً، وإنْ كان بالفعل مالكاً لما يفي بمؤونة سنةٍ أو سنتين.

وفيه: مضافاً إلى أنّ هذا الشخص يعدّ في العرف غنيّاً، أنّه لا يقاوم النصوص المتقدّمة.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّ الفقراء (و) المساكين (هم الذين لا يملكون قوت سنةٍ لهم ولعيالهم).

رأس المال لا يمنع عن أخذ الزَّكاة

الجهة الثانية: ويدور البحث فيها عن أنّ قوت السنة هل يعتبر من جميع ما يملكه من الأصل والنماء، أو من خصوص النماء؟

ص: 268


1- الكافي: ج 3/560 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/231 ح 11905.

وجهان، وقد نَسب المقدّس الأردبيلي(1) الأوّل إلى الأصحاب، لكنّه تأمّل فيه، وعن بعض المتأخّرين(2) نسبته إلى المشهور.

ولكن المستشعر من «المدارك»(3) و «الذخيرة»(4) كون الثاني مقتضى إطلاق كلام المحقّق في «الشرائع»، وعامّة المتأخّرين.

استدلّ للقول الثاني:

1 - بإطلاق النصوص الدالّة على أنّ حَدّ الفقر الذي يجوز معه أخذ الزَّكاة، أن لا يملك مؤونة السنة له ولعياله، المطلقة من حيث كون ذلك من النماء أو من رأس المال: كصحيح علي بن إسماعيل(5)، ومرسل يونس(6) المتقدّمين، وصحيح أبي بصير المتقدّم(7).

قال المقدّس الأردبيلي(8) بعد نقله: (وهذا مع اعتبار سنده صريحٌ في اشتراط الكفاية سنة، وأنّه لا يجوز لصاحب السبعمائة إلّامع عدم كفايتها له سنة، وأنّه لو كفت لم يأخذ، وإنْ لم يقدر على أنْ يعيش بربحه).

2 - وبخبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قد تحلّ الزَّكاة لصاحب السبعمائة، وتحرم على صاحب الخمسين درهماً.2.

ص: 269


1- مجمع الفائدة: ج 4/153.
2- مستند الشيعة: ج 9/262.
3- مدارك الأحكام: ج 5/194.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/452.
5- وسائل الشيعة: ج 9/233 ح 11911، علل الشرائع: ج 2/371.
6- وسائل الشيعة: ج 9/234 ح 11914، المقنعة: ص 248.
7- الكافي: ج 3/560 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/231 ح 11905.
8- مجمع الفائدة: ج 4/152.

فقلت له: وكيفَ يكون هذا؟ فقال: إذا كان صاحب السّبعمائة له عيالٌ كثير، فلو قسّمها بينهم لم يكفه، فليعفُ عنها نفسه وليأخذها لعياله، وأمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده، وهو محترفٌ يعمل بها، وهو يُصيب منها ما يكفيه».

قال الأردبيلي(1): (وفي قوله: «فلو قسّمها... الخ»(2) دلالة على أنّه لو كفي لم يأخذ، ولو لم يبق منها ولم يربح مايكفيه).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يتعيّن تقييد إطلاق هذه النصوص بطائفة اُخرى من النصوص، صريحة في أنّ العبرة بالربح والفائدة والنماء، دون رأس المال، كصحيح معاوية بن وهب، المرويّ عن الصادق عليه السلام:

«عن الرّجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم، وله عيالٌ ، وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أيكسب فيأكلها، ولا يأخذ الزَّكاة، أو يأخذ الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: لا بل ينظر إلى فضلها، فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله، ويأخذ البقيّة من الزَّكاة، ويتصرّف بهذه لا ينفقها»(3).

ونحوه خبر هارون وغيره.

ودعوى: أنّه يجوز أن يكون المراد أخذ الزَّكاة لنفس الأشخاص الذين لم يسعهم ذلك، إنْ كانوا بأنفسهم فقراء، لا لنفسه وصَرْفها في نفقتهم، كي ينافيه3.

ص: 270


1- مجمع الفائدة: ج 4/153.
2- الكافي: ج 3/561 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/239 ح 11924.
3- الكافي: ج 3/561 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/238 ح 11923.

كونه غنيّاً.

مندفعة: بأنّ ظاهر قوله: (ويأخذ البقيّة) هو أخذها لنفسه وصَرْفها في نفقتهم، كما لا يخفى .

ودعوى: أنّ هذه النصوص أعمٌّ من الأُولى من جهة اُخرى ، وهي كفاية رأس المال لكفاية السنة، فتتعارضان فيما إذا كان رأس المال كافياً لقوت السنة، فلا وجه لتقديم الثانية.

مندفعة: بأنّ صحيح معاوية مختصٌّ بمورد الكفاية، حيث نصّ الراوي بأكلها، وعدم أخذ الزَّكاة، فلو لم تكن تكفيه، لما كان لعدم الأخذ وجه، فهذه أخصّ من الأُولى .

وأمّا الأخيران: فلأنّ الظاهر منهما أنّ السّبعمائة ليست برأس المال للتجارة، بقرينة المقابلة للمحترف، فالأظهر أنّ رأس المال يكون مستثنيممّا يحصل به الكفاية.

وينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: استثناء رأس المال إنّما هو بالنسبة إلى من يستنمي بماله فعلاً كما عن «التذكرة» وغيرها، وأمّا إذا لم يكن كذلك، وكان عنده مال يكفي لسنته، وإنْ كان نماؤه على تقدير الاسترباح غير وافٍ بذلك، فالظاهر أنّه لا يجوز له أخذ الزَّكاة، فالعبرة بالاستنماء الفعلي مع عدم كفاية النماء، لا عدمها شأناً، والنصوص المتقدّمة ظاهرة الدلالة على ذلك.

الأمر الثاني: إذا كان رأس المال كثيراً كافياً لسنين عديدة، ولكن نمائه لم يكن

ص: 271

وافياً بجميع مصارفه، فعن بعض الأساطين(1) والشيخ الأعظم(2) رحمه الله عدم جواز أخذه الزَّكاة.

وقد أفاد جدّنا العلّامة(3) رحمه الله في وجه ذلك: أنّ الأخبار الصادرة لبيان الحكم المذكور، ليست مشتملة على بيان موضوعٍ كلّي، كي يتّجه الأخذ بمقتضى العموم، ويحكم باطّراد الحكم، بل المصرّح به فيها خصوص من كان له ثمانمائة أو سبعمائة أو أربعمائة أو ثلاثمائة درهم وما دون ذلك، وهذه المقدّرات وإنْ كانت من باب التمثيل دون التحديد، لكن غاية ما يستفاد منها إسراء الحكم صعوداً ونزولاً إلى ما يقرب منها لا مطلقاً، وهو جيّدٌ، ويؤيّده صدق (الغني) عليه سيّما إذا كان رأس المال كافياً لصاحبه ما دام العمر، بحيث لا يحتمل أن يكون التصرّف فيه بالإخراجات العادية موجباً لأنْ يصبح المالك محتاجاً إلى الغير.

الأمر الثالث: قد مرّ أنّ الميزان في كفاية الربح وعدمها، هو الفعليّة دون الشأنيّة، فكما أنّه إذا لم يكن ربحُ ماله كافياً لمؤونته غالباً، واتّفق في بعض السنين لبعض العوارض الكفاية، لا يجوز له أخذ الزَّكاة في تلك السنة، فكذلك إذا كان ربح ماله كافياً لمؤونته غالباً، واتّفق في بعض السنين لبعض العوارض عدم الكفاية، يجوز له الأخذ في تلك السنة.

وعليه، فما عن بعض الأساطين(4) من عدم الجواز ضعيفٌ .ً.

ص: 272


1- ذخيرة المعاد: ج 3/453، الحدائق الناضرة: ج 12/157.
2- كتاب الزَّكاة: ص 266.
3- وهو السيّد محمّد صادق الروحاني قدس سره جدّ المؤلّف، في (كتاب الزَّكاة) (مخطوط).
4- كتاب الزَّكاة الشيخ الأنصاري: ص 268 وحكاه عن صاحب مستند الشيعة أيضاً.

ويكون عاجزاً عن تحصيل الكفاية بالصنعة.

من كان ذا صنعةٍ أو كسب تحصل له منهما المؤونة

الجهة الثالثة: الظاهر عدم الخلاف في أنّه من كان ذا صنعة أو كسب تحصل له منهما المؤونة، لا يجوز له أخذ الزَّكاة، عدا ما عن «الخلاف»(1) حيث حكى عن بعض أصحابنا جواز الدفع للمكتسب من غير اشتراط القصور في كسبه، وهو مع شذوذه محجوجٌ بالأخبار المتقدّم بعضها، والآتي بعضها الآخر.

أقول: إنّما الكلام (و) الإشكال في أنّه هل يعتبر في جواز الأخذ أن (يكون عاجزاً عن تحصيل الكفاية بالصنعة)، فلا يجوز للقادر على الاكتساب الأخذ، وإنْ كان غير مشتغل به فعلاً، كما في المتن، والمحكيّ عن «المقنعة»(2) و «الغُنية»(3)و «السرائر»(4) وغيرها، بل هو المنسوب إلى المشهور(5)، بل قيل(6) إنّه ممّا لا خلاف فيه، أم لا يعتبر ذلك فيجوزُ له الأخذ كما عن «النهاية»(7) و «التحرير»(8)و «الدروس»(9) و «البيان»(10)؟

ص: 273


1- الخلاف: ج 4/230.
2- المقنعة: ص 241.
3- غنية النزوع: ص 124.
4- السرائر: ج 1/459.
5- مدارك الأحكام: ج 5/196.
6- حكاه صاحب جواهر الكلام في: ج 15/213 عن صاحب مفتاح الكرامة.
7- النهاية: ص 187.
8- تحرير الأحكام: ج 1/403 (ط. ج).
9- الدروس: ج 1/240.
10- البيان: ص 193.

يشهد للأوّل:

1 - مصحّح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «سمعته يقول: إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترفٍ ، ولا لذي مرّة سويّ قوي، فتنزّهوا عنها»(1).

وماعن «الجواهر»(2): من أنّه ظاهرٌفي الجواز، بقرينة قوله عليه السلام: (فتنزّهواعنها).

يرد عليه: أنّ ظهوره في الكراهة غير ثابت، لا سيّما مع ظهور (لا تحلّ ) في عدم الجواز.

2 - وصحيحه عنه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لا تَحلّ الصَّدقة لغني ولا لذي مرّةٍ سويّ ، ولا لمحترفٍ ، ولا لقويّ .

قلنا: ما معنى هذا؟ قال عليه السلام: لا يحلّ له أن يأخذها وهو يقدر أن يكفّ نفسه عنها»(3).

ونحوهما غيرهما.

مضافاً إلى عدم صدق الفقير على هذا الشخص بل هو غنيٌّ عرفاً.

وقد استدلّ للثاني:

1 - بصحيح معاوية بن وهب، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: يروون عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ الصّدقة لا تَحلّ لغنيّ ، ولا لذي مرّةٍ سويّ؟ فقال: لا تصلح لغنيّ »(4).

إذ الاقتصار على ذكر الغني ظاهرٌ في الاقتصار في المنع عليه.

2 - وبما عن «الفقيه» من قوله: «وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه7.

ص: 274


1- الكافي: ج 3/560 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/231 ح 11906.
2- جواهر الكلام: ج 15/314.
3- معاني الأخبار: ص 262، وسائل الشيعة: ج 9/233 ح 11912.
4- الكافي: ج 3/562 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/231 ح 11907.

قال: قد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لاتَحلّ الصّدقة لغنيٍّ ، ولم يقل ولا لذي مَرّةٍسويّ »(1).

3 - وبما عساه يظهر من بعض من الإجماع على جواز إعطاء ذي الصنعة إذا أعرض عنها.

4 - وبالسيرة على الإعطاء.

5 - وبإطلاق الأدلّة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الاقتصار على ذكر الغنيّ ، يمكن أن يكون لعدم الاحتياج إلى ذكر: (ولا لذي... الخ) لدخوله فيه، إذ الغنيّ قد يكون غنيّاً بالفعل وقد يكون بالقوّة، مع أنّ الصحيح يدلّ على أنّ ما صدر عن النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما هو الجزء الأوّل، ولم يصدر الثاني عنه، ولا يدلّ على عدم كونه في الواقع كذلك، كي ينافي مع ماتقدّم.

وبذلك يظهر ما في الثاني، مضافاً إلى أنّه يحتمل قويّاً أن يكون ما رواه الصدوق بعينه صحيح معاوية، وما ورد: (ولم يقل... الخ) من كلام الصدوق.

وأمّا الثالث: فلعدم ثبوت الإجماع، بل ظاهر جماعةٍ من الأعاظم مخالفته.

وأمّا الرابع: فلأنّ السيرة ممنوعة، فضلاً عن أنّ هذه السيرة التي هي سيرة المتشرّعة إنّما تكون حجّة إذا أحرز اتّصالها إلى زمان المعصوم، وهو غَيرُ ثابتٍ على فرض ثبوت أصلها.

وأمّا الخامس: فإنّ إطلاق الأدلّة يقيّد بما سبق.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّ من كان ذا صنعةٍ أو كسبٍ تحصل منهما له المؤونة، لا يجوز له أخذ الزَّكاة.3.

ص: 275


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3/177 ح 3671، وسائل الشيعة: ج 9/233 ح 11913.

فروع:

الفرع الأوّل: صرّح غير واحدٍ(1) بأنّ المعتبر في القدرة على الاكتساب والصَّنعة، كونهما لائقين بحاله غير منافين لشأنه، فلا يكلّف الرفيع ببيع الحطب والحشيش والحرث والكنس ونحوها، وهو كذلك، فإنّه المستفاد من نصوص استثناء العبد والخادم، بأنّه يقيه الحَرّ والبرد ويصون وجهه ووجه عياله.

ويؤيّده: ما دلّ على كراهة إعلام المؤمن المرتفع بكون المدفوع زكاة، معلّلاً بقوله عليه السلام: (لا تذلّ المؤمن)، ولا شبهة في أنّ منع الرفيع من الزَّكاة، وإلجائه إلى ما لا يليق بحاله من المكاسب أشدّ إذلالاً.

وأمّا أدلّة نفي الحرج والعُسر، فلا يصحّ الاستدلال بها في المقام، لأنّها في مقام بيان نفي تشريع الحكم الحرجي، ولا تصلح لإثبات الحكم الذي يلزم من عدمه الحرج والعُسر، كما حُقّق في محلّه.

الفرع الثاني: لو لم يكن له صنعة فعلاً، ولكنّه قادرٌ على تعلّمها، فهل يجوز له ترك التعلّم، وأخذ الزَّكاة، كما صرّح به الشيخ الأعظم(2) رحمه الله، لصدق عدم كونه قادراً على ما يكفّ به نفسه، إذ المتبادر منه القوّة القريبة، وإلّا فقلّما يخلو فقيرٌ من القوّة البعيدة للتكسّب ؟

أم لا يجوز إلّاما دام كونه مشغولاً بالمقدّمات، ولم تحصل له الملكة ؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، لصدق الفقير عليه فعلاً.

نعم، إذا كان التعلّم سهلاً بنحو يصدق عرفاً كونه قادراً بالفعل على التعيّش،

ص: 276


1- مسالك الأفهام: ج 1/410، المهذّب البارع: ج 1/530، مصباح الفقيه: ج 3/88.
2- كتاب الزَّكاة: ص 272.

بلا حاجة إلى الزَّكاة، لم يجز له الأخذ، ولا يخفى وجهه.

الفرع الثالث: لو ترك المحترف حرفته، فاحتاج في زمانٍ لا يقدر عليها، كما لو ترك العمل في الشتاء، واحتاج في الصيف، أو ترك العمل في النهار، واحتاج في اللّيل، فهل يجوز له أخذ الزَّكاة ؟

أم لا يجوز له ذلك، كما عن «المستند»(1)، والشيخ الأعظم(2) رحمه الله ؟

أم يفصّل بين كون ذلك منه عمديّاً، فلا يجوز، وبين عدم كونه كذلك فيجوز؟

أم لا يجوز إعطاؤه إيّاه من سهم الفقراء، وإنّما يُعطى من سهم سبيل اللّه، كما اختاره جدّنا العلّامة رحمه الله ؟

وجوه، أقواها الأوّل لصدق الفقير عليه في آن حاجته.

واستدلّ للثاني: بصدق المحترف عليه، وبالإجماع.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ صحيح معاوية(3) يدلّ على أنّ نفي الجواز منوط بكونه غنيّاً، لا بكونه ذي مرّة، وكذلك خبر هارون(4)، وقد فُسّر المحترف وذو مرّة في خبر زرارة ب (من يقدر على كفّ نفسه عنها)(5).

وعليه، فالمعيار هذا العنوان، لا صدق المحترف وعدمه.

ويرد على الثاني: أنّه غير ثابتٍ .

واستدلّ للثالث: بأنّ الممتنع بالاختيار لا يُنافي الاختيار.

وفيه: إنّ ذلك إنّما هو بالنسبة إلى العقاب لا غيره، ومدرك القول الأخير معلوم.2.

ص: 277


1- مستند الشيعة: ج 9/267.
2- كتاب الزَّكاة: ص 270.
3- الكافي: ج 3/562 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/231 ح 11907.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/51 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/239 ح 11926.
5- وسائل الشيعة: ج 9/240 ح 11926، معاني الأخبار ص 262.

المشتغل بطلب العلم يأخذ الزَّكاة

الفرع الرابع: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه:

فتارةً : يكون ذلك ممّا يجب تعلّمه.

واُخرى : يكون ممّا يستحبّ .

وثالثة: يكون ممّا لا يجب ولا يستحبّ .

وأمّا في الصورة الأُولى: فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم في جواز الأخذ وترك التكسّب، إذ الوجوب يوجبُ صدق كونه غير قادرٍ على أنْ يكفّ نفسه عنها، لأنّ المراد من القدرة أعمّ من التكوينيّة والتشريعيّة.

أقول: ولكن قد يناقش في تحقّق الصغرى ، فيما إذا كان التكسّب لأجل حفظ نفسه، فإنّ وجوب تحصيل العلم عليه في مثل ذلك ممنوعٌ ، لتوقّفه على جواز أخذ الزَّكاة بترك التكسّب، وهو يتوقّف على وجوبه، وإلّا فالواجب عليه التكسّب لحفظ نفسه، فلا دليل على وجوب تحصيل العلم في مثل الفرض، حتّى يتّجه له أخذ الزَّكاة مقدّمةً له، لاستلزامه الدور.

وإنْ أبيتَ عن ذلك نقول: يدور الأمر بين وجوب التكسّب لحفظ النفس، وتحصيل العلم الواجب، فيتزاحم الواجبان، والأوّل هو الأهمّ .

نعم، لو ثبتت أهميّة الثاني، اتّجه جواز الأخذ، وكذا لو كان وجوب التكسّب لأجل النفقة على عياله، فإنّ مراعاة أهمّ الواجبين هنا لازمة.

ويمكن دفعه: بأنّ وجوب حفظ النفس، لا يقتضي وجوب التكسّب لعدم انحصار الحفظ به، إذ لو كان طلب العلم موجباً لانتفاء القدرة، جاز أخذ الزَّكاة،

ص: 278

فتحفظ بها بلا حاجةٍ إلى التكسّب.

وأمّا الصورة الثانية: فعن صريح «الذخيرة»(1) وظاهر محكيّ «نهاية الاحكام»(2) و «المهذّب البارع»(3) عدم جواز الأخذ. ونُسب ذلك إلى ظاهر حواشي «القواعد»(4) أيضاً.

وعن ظاهر «المنتهى»(5)، و «التحرير»(6)، و «الدروس»(7)، و «البيان»(8)، و «المسالك»(9)، و «المدارك»(10)، و «الروضة»(11)، وغيرها(12) الجواز.

واستدلّ للثاني: بأنّ الأمر به استحباباً، يستلزم طلب ترك الحِرفة، وهو يستلزم جواز أخذ الزَّكاة.

وفيه: أنّه إنْ اُريد بذلك أنّ الأمر الاستحبابي يوجبُ صدق العاجز عن التكسّب عليه، فهو ممنوعٌ .

وإنْ اُريد أنّه مع عدم صدقه يجوز، فيرد عليه أنّه بعدما لم يكن ما دلّ على حُرمة أخذ الزَّكاة للمحترف والمكتسب مشروطاً بشرطٍ، فإنّ الالتزام بجوازه).

ص: 279


1- ذخيرة المعاد: ج 3/461.
2- نهاية الاحكام: ج 2/384.
3- المهذّب البارع: ج 1/530.
4- حكاه عنه صاحب مستند الشيعة: ج 9/268.
5- منتهى المطلب: ج 1/519.
6- تحرير الأحكام: ج 1/403 (ط. ج).
7- الدروس: ج 1/240.
8- البيان: ص 193.
9- مسالك الأفهام: ج 1/410.
10- مدارك الأحكام: ج 5/197.
11- شرح اللّمعة: ج 2/45.
12- مجمع الفائدة: ج 4/156، العروة الوثقى: ج 4/105 (ط. ج).

هنا، يتوقّف عليتقديم الحكم غيراللّزومي على اللّزومي عندالتزاحم، وهو كماترى .

مع أنّ الأمر به استحباباً، لا يستلزم طلب ترك الحرفة، كما حُقّق في مبحث الضدّ من الاُصول(1).

وبالجملة: فالأظهر عدم جواز الأخذ، لصدق عناوين الغني والمحترف والقادر على ما يكفّ به نفسه، ولا دليل على التخصيص، هذا بالإضافة إلى سهم الفقراء، وأمّا إعطائها إيّاه من سهم سبيل اللّه، فالظاهر أنّه لا إشكال فيه بناءً على ما سيأتي من أنّ موضوعه كلّ قربةٍ ، فإنّه لا شبهة في كونه من طرق القربة. وسيأتي تمام الكلام في ذلك.

أقول: وبما ذكرناه ظهر حكم الصورة الثالثة، وأنّه لا يجوز الأخذ، كما لايخفى على من لاحظ ما ذكرناه.

***5.

ص: 280


1- زبدة الاصول: ج 2/235.

المقدار الذي يُعطى للفقير من الزَّكاة

أقول: هاهنا مسائل يقتضي التعرّض لها، وهي:

المسألة الأُولى : في المقدار الذي يعطى للفقير من الزَّكاة.

المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمة(1) أنّه يعطى إيّاه من مقدار مؤونة سنته دفعةً ، بل يجوز جعله غنيّاً عرفيّاً، بل عن «المنتهى»:(2) (يجوز أن يُعطى الفقير ما يُغنيه، وما يزيد على غناه، وهو قول علمائنا أجمع).

وقيل(3): إنّه لا يُعطي إيّاه أزيد من مقدار مؤونة سنةٍ .

وعن جمعٍ منهم الشهيد في «البيان»(4): أنّه يُعطى ذو الكسب ما يتمّم كفايته، وغيره يُعطى بمقدار يجعله غنيّاً بل أزيد.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بالإجماع.

2 - وبإطلاق أدلّة الزَّكاة الأوّليّة.

3 - وبجملة من النصوص الخاصّة: كموثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«سُئل كم يُعطى الرّجل من الزَّكاة ؟ قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا أعطيتَ فاغنه»(5).

ص: 281


1- غنية النزوع: ص 125، مدارك الأحكام: ج 5/282، رياض المسائل: ج 5/199 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 331/9.
2- منتهى المطلب: ج 1/528 (ط. ق).
3- شرح اللّمعة: ج 2/45.
4- البيان: ص 311.
5- الكافي: ج 4/548 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/259 ح 11973.

ونحوه صحيح سعيد بن غزوان(1)، وموثّقا إسحاق(2) وغيرها.

4 - وخبر بشر بن بشّار: «قلت للرّجل - يعني أبا الحسن عليه السلام -: ما حَدّ المؤمن الذي يُعطى الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: يُعطي المؤمن ثلاثة آلاف، ثمّ قال عليه السلام: وعشرة آلاف، ويعطي الفاجر بقَدَرٍ، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه تعالى ، والفاجر في معصية اللّه تعالى »(3).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لم يثبت كونه إجماعاً تعبّديّاً، كيف وقد استدلّ المفتون بذلك بالنصوص المشار إليها.

ويرد على الثاني: أنّ الأدلّة لا إطلاق لها من هذه الجهة، لعدم ورودها في مقام بيان المقدار الُمخرج، مع أنّه لو سُلّم الإطلاق، تعيّن تقييده بما سيأتي من النصوص.

ويرد على الثالث: أنّ نصوص الإغناء غَيرُ ظاهرة في ذلك:

1 - إمّا لما عن «كشف اللّثام» من أنّ الإغناء حاصلٌ بإعطاء مقدار سنةٍ واحدة، والزائد زائدٌ على الإغناء.

ودعوى: أنّ المنساق من الإغناء المأمور به في تلك الأخبار، هو الإغناء العرفي، ولا أقلّ من كونه المنصرف إليه.

مندفعة: بعدم القرينة على التخصيص بالعرفي، وقد عرفت اتّفاقهم على أنّ الزَّكاة تكون لغير الغني، وهو من لا يملك قوت سنة.7.

ص: 282


1- الكافي: ج 4/548 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/259 ح 11974.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/63-\64 ح 6-7، وسائل الشيعة: ج 9/259-260 ح 11972-11976.
3- علل الشرائع: ج 2/372 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/260 ح 11977.

2 - أو لما احتمله الشيخ الأعظم(1) رحمه الله من أنْ يكون المراد إغنائه بالدفع الواحد، حتّى لا يقع المؤمن في ذُلّ الطلب ثانياً خلال السنة.

أمّا خبر بشير: فضعيف بالإرسال.

وأمّا خبر أبي بصير: الدالّ على أنّه يعطي ما يتصدّق به، ويحجّ ، فهو غير ظاهر في سهم الفقراء.

وعليه، لا دليل على جواز الإعطاء أزيد من الكفاية.

أقول: ويشهد لعدم الجواز طائفتان من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما ورد في الفقير، كصحيح علي بن إسماعيل الدغشي المرويّ في «العلل»، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن السائل، وعنده قوت يوم، أيحلّ له أن يسأل، وإنْ اُعطي شيئاً من قبل أن يسأل يَحلّ له أن يقبله ؟ قال عليه السلام: يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزَّكاة، لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة»(2).

ونحوه خبر عبد الرحمن بن الحجّاج(3).

الطائفة الثانية: ما ورد في من له رأس مالٍ ، يقصر ربحه عن مؤونة سنة:

كصحيح معاوية بن وهب المتقدّم، المصرّح في ذيله بأنّ : (المحترف إذا لم يكفه الفضل، يأخذ البقيّة من الزَّكاة)(4).

والإيراد عليه: كما عن «المدارك»(5) بأنّه لا يدلّ على عدم جواز أخذ الزائد.8.

ص: 283


1- كتاب الزَّكاة ص 273.
2- وسائل الشيعة: ج 9/233 ح 11911، علل الشرائع: ج 2/371.
3- وسائل الشيعة: ج 9/260 ح 11978، معاني الأخبار ص 152.
4- وسائل الشيعة: ج 9/240 ح 11926، معاني الأخبار ص 262.
5- مدارك الأحكام: ج 5/198.

مندفع: بأنّه يدلّ عليه لوردوه مورد التحديد وبيان المقدار.

وأيضاً: الإيراد عليه بأنّ من الجائز أنْ تكون العبارة هكذا: (ويأخذ للبقيّة من الزَّكاة) ليكون في مقام بيان المصرف، لا المقدار، كما عن الشيخ الأعظم(1) رحمه الله.

مندفعٌ : بأنّه مخالفٌ لظاهر جُلّ النسخ.

ونحوه موثّق سماعة(2)، وخبر هارون(3) المتقدّمان.

وبالجملة: فالأظهر بحسب الأدلّة، عدم جواز أخذ الزائد على مؤونة السنة مطلقاً، سيّما لذي الكسب القاصر، ولكن المانع عن الإفتاء ذهاب المشهور كما عرفت إلى الجواز، والاحتياط سبيل النجاة.

***2.

ص: 284


1- كتاب الزَّكاة: ص 268.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/48 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/239 ح 11925.
3- وسائل الشيعة: ج 9/240 ح 11926، معاني الأخبار ص 262.

ويُعطى صاحبُ دار السُّكنى، وعبد الخِدمة، وَفَرس الركوب.

ما لا يمنعُ وجوده من أخذ الزَّكاة

المسألة الثانية: (ويُعطى) الزَّكاة (صاحبُ دار السّكنى، وعَبد الخِدمة، وفرس الركوب) بلا خلافٍ فيه، بل الظاهر أنّ ذكر الثلاثة من باب التمثيل لكلّ ما يحتاج إليه من اثاث البيت، وكتب العلم وغير ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه، ولا يخرج صاحبه بملكه عن حَدّ الفقر.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عمر بن اُذينة، عن غير واحدٍ، عن الصادقين عليهما السلام: «أنّهما سُئلا عن الرّجل له دار و خادم أو عبد، أيقبل الزَّكاة ؟ قالا: نعم، إنّ الدار والخادم ليسا بمال»(1).

ومنها: خبر إسماعيل بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: «دخلتُ أنا وأبو بصير على أبي عبداللّه عليه السلام: فقال له أبو بصير - إلى أنْ قال - قال: جُعِلتُ فداك له دارٌ تسوى أربعة الآف درهم، وله جارية، وله غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدّرهمين إلى الأربعة، سوى علف الجمل، وله عيالٌ ، ألهُ أنْ يأخذ الزَّكاة ؟ قال: نعم. قال: وله هذه العَروض ؟

فقال: يا أبا محمّد فتأمرني أن آمره ببيع داره وهي عزّه، ومسقط رأسه، أو ببيع

ص: 285


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/33 ح 1627، وسائل الشيعة: ج 9/235 ح 11917.

خادمه الذي يقيه الحَرّ والبرد، ويصون وجهه ووجه عياله، أو آمره أن يبيع غلامه وجَمَله وهو معيشته وقُوْتَه، بل يأخذ الزَّكاة، فهي له حلال، ولا يبيع داره ولا غلامه ولا جَمَله»(1).

فلو كان فاقداً للمذكورات مع الحاجة، أخذ الزَّكاة لشرائها، كما عن سيّد «المدارك»(2)، وفي «العروة»(3): لأنّها من النفقة.

وهل يجوز ذلك مع ارتفاع الحاجة بغير الشراء أيضاً، كما لو قَدَر على الاستئجار مثلاً أم لا؟

وجهان، لا يبعدُ البناء على الثاني، لأنّ من يكون واجداً لما يفي بمؤونة سنته، واُجرة ما يحتاج إليه من المسكن والخادم ونحوهما، ولم يكن الاستئجار منافياً لعزّه وشرفه، لا يعدّ فقيراً، بل هو غنيٌّ .

ولو كان عنده من المذكورات، وبعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله، وكان الزائد مقدار مؤونة سنته، فهل يجوز له أخذ الزَّكاة أم لا؟

وجهان، والأوجه منهما التفصيل بين ما إذا كان الزائد بحكم مالٍ مستقلّ خارجٍ عن محلّ سكناه، فلا يجوز، وبين غيره فيجوز، ولا يخفى وجهه.

***2.

ص: 286


1- الكافي: ج 3/562 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/236 ح 11918.
2- مدارك الأحكام: ج 5/201.
3- العروة الوثقى: ج 4/101-102.

احتساب الزَّكاة على المَدين

المسألة الثالثة: لو كان له دينٌ على الفقير، جاز احتسابه زكاةً ، بلا خلاف فيه في الجملة(1).

ويشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن الحجّاج، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «عن دين لي على قومٍ قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدَعه فاحتسب به عليهم من الزَّكاة ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

ومنها: صحيح ابن أبي عمير، عن هيثم الصيرفي وغيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«القرض الواحد بثمانية عشر، وإنْ مات احتسب بها من الزَّكاة»(3).

ونحوهما غيرهما.

أقول: ولا فرق في ذلك بين كون المَدين حيّاً أو ميّتاً، لورود جملة من النصوص في الأوّل، وجملة منها في الثاني.

ولو كان للميّت تركةٌ تفي بدَينَه، فهل يجوز الاحتساب، كما عن «المختلف»(4)، وظاهر «المنتهى»(5)، و «نهاية» الشيخ(6) رحمه الله والحِلّي(7)، والمحقّق في «الشرائع»(8)،

ص: 287


1- الحدائق الناضرة: ج 12/195.
2- وسائل الشيعة: ج 9/295 ح 12058.
3- وسائل الشيعة: ج 9/301 ح 12071، ثواب الأعمال ص 138.
4- مختلف الشيعة: ج 3/212.
5- منتهى المطلب: ج 1/513 (ط. ق).
6- النهاية: ص 188.
7- السرائر: ج 1/462.
8- شرائع الإسلام: ج 1/122.

والشهيد(1)؟

أم لا يجوز، كما عن «المبسوط»(2)، و «الوسيلة»(3)، و «التذكرة»(4)، و «التحرير»(5)، و «الدروس»(6)، و «البيان»(7)، و «المدارك»(8)، وغيرها(9)؟ وجهان.

يشهد للثاني: حسن زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ حلّت عليه الزَّكاة، ومات أبوه، وعليه دَينٌ ، أيؤدّي زكاته في دَين أبيه، وللابن مالٌ كثير؟ فقال عليه السلام: إنْ كان أبوه أورثه مالاً، ثمّ ظهر عليه دَينٌ لم يعلم به يومئذٍ، فيقضيه عنه، قضاه عنه من جميع الميراث، ولم يقضه من زكاته، وإنْ لم يكن أورثه مالاً، لم يكن أحدٌ أحقّ بزكاته من دَين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه»(10).

وبه يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة.

أقول: ثمّ إنّ المحكيّ عن «المسالك» و «الروضة» أنّ ذلك فيما إذا أمكن الاستيفاء من التركة، وإلّا كما لو امتنع الورثة أو غيرهم، فيجوز الاحتساب، ولا وجه له في مقابل إطلاق حسن زرارة، إلّادعوى الانصراف إلى صورة إقدام الورثة على الوفاء، وهي كما ترى .9.

ص: 288


1- البيان: ص 195 (ط. ق) في: مَن يستحقّ الزَّكاة.
2- المبسوط: ج 1/252.
3- الوسيلة: ص 130.
4- تذكرة الفقهاء: ج 5/307 (ط. ج).
5- تحرير الأحكام: ج 1/408 (ط. ج).
6- الدروس: ج 1/241.
7- البيان: ص 195.
8- مدارك الأحكام: ج 5/227.
9- شرح اللّمعة: ج 2/48، مجمع الفائدة: ج 4/164، مستند الشيعة: ج 9/345.
10- الكافي: ج 3/553 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/250 ح 11949.

عدم وجوب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة

المسألة الرابعة: لا يجبُ إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، كما هو المشهور(1)، وعن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: حسن أبي بصير، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرّجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزَّكاة، فأعطيه من الزَّكاة، ولا اُسمّي له أنّها من الزَّكاة ؟ فقال عليه السلام: إعطه ولا تُسمّ له، ولا تذلّ المؤمن»(3).

وحيث أنّ مورده المستحيي من أخذ الزَّكاة، وأنّه لا يأخذ إذا علم أنّها زكاة، فيجوز الدفع، وإنْ كان مقروناً بما يتخيّل الفقير أنّها ليست بزكاة.

ولو نَصب الدافع قرينة على أنّها ليست زكاة، بحيث يكون اعتقاد المستحيي من أخذ الزَّكاة مستنداً إلى ما نَصَبه الدافع من القول أو الفعل، فالمعروف أنّه ملحقٌ بذلك، وهو كذلك، فإنّ مورد الخبر وإنْ كان عدم الإعلام، إلّاأنّه لا فرق فيما هو المناط في باب الوضعيّات المتقوّمة بالقصود بين الإعلام وعدمه، فإذا كان قصد الخلاف غير مُضرٍّ، لم يكن فرق بين الصورتين. مع أنّ العمومات التي يستفاد منها أنّ الفقراء مورد صرف الزَّكاة بنفسها كافية، مضافاً إلى إطلاق قوله عليه السلام: في موثّق سماعة: (فإذا هي وصلت إلى الفقير، فهي بمنزلة ماله، يصنع بها ما شاء)(4).

أقول: وتؤيّده طوائف من النصوص:

ص: 289


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/287 (ط. ج).
2- مستند الشيعة: ج 9/336، مستمسّك العروة الوثقى : ج 9/232.
3- الكافي: ج 3/563 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/314 ح 12107.
4- الكافي: ج 3/556 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/289 ح 12042.

منها: ما دلّ على أنّها بمنزلة الدين، وأنّ الفرق بينهما إنّما هو من جهة لزوم نيّة التعيين والتقرّب من ناحية الدافع(1).

ومنها: ما ورد من أنّه يجوز احتساب الزَّكاة على المدين، سواءٌ أكان حيّاً أو ميّتاً(2).

ومنها: ما دلّ على جواز إعطاء الأيتام، والشراء لهم بقيمتها ما يحتاجون إليه، من غير توقّفٍ على قبض أوليائهم بعنوان أنّها زكاة(3).

فالمتحصّل من مجموع الأدلّة: أنّ نيّة القابض عند الأخذ أنّ المأخوذ ليس بزَّكاة، لا تنافي كونها زكاة.

نعم، ورد في مصحّح ابن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرّجل يكون محتاجاً، فيبعث إليه بالصدقة، فلا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض، أفنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه، وهي منّا صدقة ؟ فقال عليه السلام: لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، وإنْ لم يقبلها على وجه الزَّكاة، فلا تعطها إيّاه، وما ينبغي له أن يستحيي ممّا فرض اللّه عَزّ وجلّ ، إنّما هي فريضة اللّه، فلا يستحيي منها»(4).

لكنّه لا ينافي ما تقدّم، فإنّ قوله عليه السلام: (لا) جوابٌ عن إعطائها على وجه غير الزَّكاة، بحيث يكون العنوان المغاير مقصوداً للدافع.

وأمّا قوله: (فإنْ لم يقبلها على وجه الزَّكاة... الخ) فهو أيضاً قابلٌ للحمل على إرادة النهي عن إعطائها على غير وجه الزَّكاة.4.

ص: 290


1- الكافي: ج 3/547 باب قضاء الزَّكاة عن الميّت. وسائل الشيعة: ج 9/255 باب 21.
2- الكافي: ج 3/548 باب أن يعطى عيال المؤمن من الزَّكاة. وسائل الشيعة: ج 9/295 باب 46.
3- الكافي: ج 3/548 باب أن يعطى عيال المؤمن من الزَّكاة وإنْ كانوا صغاراً. وسائل الشيعة: ج 9/226 باب 6.
4- الكافي: ج 3/564 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/313 ح 12104.

وأمّا قوله عليه السلام: (وما ينبغي له... الخ) فهو بظاهره غير معمول به، إذ لا ريب في حُسن الحياء من مذلّة الفقر، فيُحمل على إرادة الكراهة النفسيّة من الزَّكاة.

وإنْ أبيتَ عن ذلك، فخبر ابن مسلم محمولٌ - لو لم يكن ظاهراً فيه - على صورة قصد القابض عنواناً آخر غير الزَّكاة، وحسن أبي بصير يختصّ بصورة عدم قصد الخلاف، فيكون المتحصّل أنّه لا يجوز مالم يقصد القابض عنواناً آخر غير الزَّكاة، فلو قصد الزَّكاة أو لم يقصدها، بل قصد مجرّد التملّك صَحّ ذلك، وهذا هو الأظهر.

***

ص: 291

مدّعي الفقر يُعطى الزَّكاة

المسألة الخامسة: لو ادّعى طالب الزّكاة الفقر:

فإنْ عُرف صدقه أو كذبه، عُومل بما عرف منه.

ولو جُهل الأمران، فمع سبق الفقر يُعطى من غير يمين، ومع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة:

فإنْ كان عادلاً أو ثقة في النقل اُعطي، من غير يمين أيضاً بناءً على المختار من أنّ خبر الواحد حجّة في الموضوعات أيضاً.

وإنْ لم يثبت ذلك، فالمشهور بين الأصحاب جواز الإعطاء بمجرّد دعوى الفقر، من دون حاجة إلى بيّنةٍ أو يمين، بل عن المصنّف في كتبه الثلاثة(1) أنّه موضع وفاق.

واستدلّ لذلك بوجوه:

الوجه الأوّل: ما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(2) من أنّه ادّعى ما يوافق الأصل، وهو عدم المال.

وفيه: مضافاً إلى عدم اطّراده، أنّ هذا إنّما يُجدي في مقام الترافع لا في حجيّة قوله في غير ذلك الباب، كما هو واضح، بل في ذلك الباب غاية ما يقتضيه هذا الوجه، أنّ وظيفة اليمين لا البيّنة.

الوجه الثاني: ما نُقل عنه قدس سره وهو: (أنّ الأصل عدالة المسلم، فيُعدّ قوله مقبولاً).

ص: 292


1- منتهى المطلب: ج 1/526، تذكرة الفقهاء: ج 5/244 (ط. ج)، مختلف الشيعة: ج 3/222.
2- منتهى المطلب: ج 1/526.

وفيه: إنّه بعد فرض كون العدالة صفة واقعيّة، وعدم كون ظهور الإسلام مع عدم تبيّن الفسق طريقاً إليها، أصالة العدالة ممنوعة.

الوجه الثالث: أصالة الصحّة في دعوى المسلم.

وفيه: ما حقّقناه في «رسالة القواعد الثلاث» من قصور أدلّة أصالة الصحّة عن الشمول لمثل ذلك.

الوجه الرابع: ما عن معتبر المحقّق(1) رحمه الله وحاصله أنّ دعواه الفقر دعوى لا معارض لها، فتكون مقبولة.

وفيه: أنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان المال في يده، وأمّا إذا كان في يد الغير، وهو مامور بإيصاله إلى أهله، فسماع دعواه مع عدم ثبوت موضوع الحكم بها يحتاج إلى دليل آخر.

الوجه الخامس: ما أفاده المحقّق الهمداني(2) رحمه الله وهو أنّ إخبار الشخص بفقره كإخباره بسائر حالاته من الصحّة والمرض يكون معتبراً عرفاً وشرعاً، وإلّا فلا طريق لمعرفة حاجة المحتاجين في الغالب سوى إخبارهم، فلو لم تقبل دعوى الفقر من أهله، لتعذّر عليه غالباً إقامة البيّنة عليه أو إثباته بطريق آخر، إذ الاطّلاع على فقر الغير، من غير استكشافه من ظاهر حال مدّعيه أو مقاله في الغالب من قبيل علم الغيب.

وفيه: أنّ الفقر والغنى من الصفات الظاهرة في الغالب، وإقامة البيّنة عليهما سهلة، ولذا يُكلّف مدّعي الإعسار بالإثبات، إذا علم له أصل مالٍ .1.

ص: 293


1- المعتبر: ج 2/568.
2- مصباح الفقيه: ج 3/91.

الوجه السادس: السيرة القطعيّة على العمل بقوله، وقد استند إليها بعض المعاصرين(1).

وفيه: أنّ ثبوتها مع عدم كونه ثقة، وعدم حصول الاطمئنان بواسطة القرائن، غير مسلّم.

الوجه السابع: ما عن «الحدائق»(2): من أنّ مورد أدلّة وجوب البيّنة واليمين هي الدعاوى، لأنّه المنساق من قوله عليه السلام: (البيّنة للمدّعي واليمين على من أنكر).

وفيه: أنّ الاستدلال ليس بتلك الأدلّة، كي يرد عليه ذلك، بل إنّما هو بأنّ موضوع الحكم هو الفقير، فلابدّ من ثبوت ذلك في ترتّب الحكم، ومجرّد الدعوى لا تكون مثبتة.

الوجه الثامن: ما استند إليه الشيخ الأعظم(3) رحمه الله وهو أنّ تكليفه بإقامة البيّنة حَرَجٌ عليه.

وفيه: إنّ إثبات الفقر ليس في الغالب حرجيّاً، ولو فرض في مورد كذلك، لا تصلح أدلّة نفي الحرج لإثبات قبول قوله بلا مثبت، لأنّها نافية للحكم، ولا تصلح للإثبات، كما مرّ غير مرّة.

الوجه التاسع: ما يستفاد ممّا وَرَدَ في أنّ مَن نَذَر للكعبة أو أهدى إليها، من أنّه يباع ويؤخذ ثمنه، وينادى على الحِجْر الأهل من منقطع نفدت نفقته أو قطع عليه فيأت فلان بن فلان فيعطى الأوّل فالأوّل حتّى ينفد الثمن.6.

ص: 294


1- مستمسك العروة الوثقى : ج 9/230.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/165.
3- كتاب الزَّكاة: ص 276.

وفيه: إنّ نصوصه واردة في مقام بيان المصرف، مع أنّ حجيّة إخباره في موردٍ لا تلازم حجيّته في جميع الموارد.

الوجه العاشر: خبر عبد الرحمن العزرمي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما السلام وهما جالسان على الصَّفا، فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلّافي دَينٍ موجع، أو غُرم مفظعٍ ، أو فقرٍ مُدقع، ففيك شيءٌ من هذا؟ قال نعم، فأعطياه»(1).

وفيه أوّلاً: أنّها قضيّة في واقعة، فلعلّه حَصَل لهما العلم من قول السائل.

وثانياً: أنّ مورده الصدقة المندوبة الّتي لا يترتّب على عدم كونه فقيراً شيءٌ ، بخلاف الزَّكاة التي هي واجبة، لا تسقط إلّابإعطائها الفقير.

وبه يظهر حال مصحّح عامر بن جذاعة، قال: «جاء رجلٌ إلى أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: يا أبا عبد اللّه قَرضٌ إلى ميسرة. فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: إلى غَلّة تُدرك ؟ قال: لا واللّه، قال: فإلى تجارةٍ تؤوب ؟ قال: لا واللّه، قال عليه السلام: فإلى عُقدة تُباع ؟ قال:

لا واللّه، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فأنتَ ممّن جعل اللّه له في أموالنا حقّاً، ثمّ دعا بكيسٍ فيه دراهم. الحديث»(2).

وهناك وجوه ضعيفة اُخر واضحٌ فسادها.

فتحصّل: أنّه لا دليل على قبول قوله: (إنْ لم يكن ثقة، ولم يحصل الوثوق من إخباره).6.

ص: 295


1- الكافي: ج 4/47 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11861.
2- الكافي: ج 3/501 ح 14، وسائل الشيعة: ج 9/45 ح 11486.

فالأظهر عدم حجيّته.

أقول: ثمّ إنّ المحكيّ عن الشيخ(1) رحمه الله: تصديقه باليمين.

ولكن يرد عليه: إنّ مورد اليمين هو ما يتوقّف قطع الخصومة عليه، ولذلك لا يمين في الحدود.

ودعوى: أنّه يمكن أن يكون نظر الشيخ رحمه الله إلى النصوص الدالّة على أنّ من حَلف لكم باللّه فصدّقوه.

مندفعة: بأنّه لو ثبت حجيّة خبر الحالف مطلقاً، لزم تأسيس فقهٍ جديد، بل الظاهر اختصاص تلك النصوص أيضاً بمقام المخاصمة، لظهورها في الحلف الذي يكون مستحقّاً له. فراجع وتأمّل.

***4.

ص: 296


1- حكاه عنه صاحب الجواهر في: ج 15/324.

إذا تبيّن كون قابض الزَّكاة غنيّاً

المسألة السادسة: إذا دفعها على أنّه فقيرٌ فبانَ غنيّاً:

1 - فإنْ كانت العين باقية ارتجعها، سواءٌ أكان القابض عالماً بأنّها زكاة أم جاهلاً به.

أمّا إذا كان عالماً فواضح، وأمّا إنْ كان جاهلاً به، فلأنّها لا تصير مِلْكاً له.

وإنْ صرفها إليه على وجه الصِلة والهديّة، لفرض أنّه قاصدٌ لعنوان الزَّكاة، وإظهار خلاف ما نواه، وإنْ كان يوجب عدم عقاب القابض على تصرّفه فيها، إلّا أنّه لا يوجب صيرورتها مِلْكاً له، إذ العقود تابعة للقصود.

فما عن المحقّق(1) من القطع بعدم جواز الارتجاع، معلّلاً بأنّ الظاهر كونها صدقة - أي مندوبة - غير تامّ ، إذ الظاهر إنّما يستند إليه مع عدم انكشاف الواقع، والكلام إنّما هو فيما لو انكشف.

كما أنّ ما عن المصنّف(2) رحمه الله من تعليل عدم الجواز، بأنّ الدفع محتملٌ للوجوب والتطوّع، لا يمكن المساعدة عليه.

2 - وإنْ كانت العين تالفة:

فإنْ كان القابض عالماً بكونها زكاة ضمنها، لعموم على اليد، من غير فرقٍ بين أن يكون عالماً بحرمة الزَّكاة عليه أم جاهلاً بها، إذ الجهل بالحكم الشرعي لا يوجب رفع الضمان.

ص: 297


1- المعتبر: ج 2/569.
2- منتهى المطلب: ج 1/257 (ط. ق).

وإنْ كان جاهلاً بأنّها زكاة، لم يضمنها لكونه مغروراً.

وإنْ تعذّر ارتجاعها أو تلفت بلا ضمان أو معه، ولم يتمكّن الدافع من أخذ العوض:

فإنْ كان الدافع هو الإمام أو المجتهد أو المأذون منه، لم يكن عليه ضمان، كما هو المشهور شهرة عظيمة، لأنّ يده يد أمانيّة، وهو من المحسنين، فلا يتعقّبه ضمان، ما لم يكن هناك تعدٍّ وتفريط.

وبعبارة اُخرى: إذا كان الدافع عاملاً بوظيفته، يكون دفعه المال مرخّصاً فيه من قبل الشارع الأقدس، الذي يكون ترخيصه أقوى من إذن المالك، ومعه لا مجال للبناء على ضمانه.

وأمّا إنْ كان الدافع هو المالك: ففي المسألة أقوال:

1 - ما عن جمعٍ (1) وهو عدم الضمان.

2 - ماعن المفيد(2)، والحلبي(3)، وصاحب «الجواهر»(4)، والشيخ الأعظم(5) رحمه الله، والمحقّق الهمداني:(6) وهو الضمان، وعدم الإجزاء.

3 - ما هو المنسوب إلى المشهور، وهو التفصيل(7) بين ما إذا اجتهد فأعطى فلا5.

ص: 298


1- المبسوط: ج 1/261، الإرشاد: ج 1/288.
2- المقنعة: ص 259.
3- الكافي في الفقه: ص 173.
4- جواهر الكلام: ج 15/327-328.
5- كتاب الزَّكاة: ص 288.
6- مصباح الفقيه: ج 3/93.
7- المعتبر: ج 2/526، منتهى المطلب: ج 1/527 (ط. ق)، تذكرة الفقهاء: ج 5/349، البيان: ص 198، مجمع الفائدة: ج 4/195.

ضمان، وبين ما إذا أعطى اعتماداً على مجرّد دعوى الفقراء وأصالة عدم المال فيضمن.

4 - التفصيل بين ما لو كانت معزولة فلا يضمن، وبين ما إذا لم تكن كذلك، فعليه الضمان.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بقاعدة الإجزاء.

2 - وبأنّ الموضوع الظاهري موضوعٌ للحكم الواقعي، فالفقير الثابت فقره مصرف الزَّكاة، وإنْ لم يكن فقيراً في الواقع.

3 - وبصحيح عبيد، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«قلت له: فإنّه لم يعلم أهلها، فادفعها إلى من ليس هو لها بأهل، وقد كان طلب واجتهد، ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع ؟

قال عليه السلام: ليس عليه أن يؤدّيها مرّةً اُخرى »(1).

وقريب منه صحيح زرارة(2).

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأوّل: فلما حُقّق في محلّه من أنّ امتثال الأمر الظاهري لا يكون مُجزياً عن الواقع.

وأمّاالثاني: فلأنّظاهرالأدلّة، كون الموضوع هو الواجدللصفات الخاصّة واقعاً.

وأمّا الثالث: فلأنّ ظاهر صدر الخبرين من حيث توصيف الرّجل فيهما6.

ص: 299


1- الكافي: ج 3/546 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/214 ح 11865.
2- الكافي: ج 3/546 في ذيل الحديث 2. وسائل الشيعة: ج 9/214 ح 11866.

بالعارف، هو الدفع إلى غير العارف، فهما غير مربوطين بالمقام.

ودعوى: الفحوى غير مسموعة، كيف وقد ادّعى الإجماع على الإجزاء إذا تبيّن الخطأ، عدا شرط الفقر.

مع أنّه من الجائز أن يكون السؤال عن الدفع إلى غير الأهل، عالماً بعدم كونه أهلاً، لعدم التمكّن من الأهل بعد الطلب والاجتهاد، كما فهمه سيّد «المدارك»(1)، فلا ربط لهما بالمقام.

مضافاً إلى أنّه لو سُلّم ورودهما في مقام بيان حكم الدفع إلى غير الأهل جهلاً، وعدم اختصاصهما بغير العارف، لابدّ من تقييد إطلاقهما بمرسل الحسين ابن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في رجلٍ يُعطي زكاة ماله رجلاً، وهو يرى أنّه مُعسر، فوجده موسراً؟ قال عليه السلام: لا يُجزى عنه»(2).

ودعوى: أنّ النسبة بينهما عمومٌ من وجه فيتعارضان في مورد الاشتباه في الأهليّة، من حيث الفقر مع الاجتهاد.

مندفعة: بأنّ المفروض في المرسل الاجتهاد أو نتيجته، لقوله: (وهو يرى أنّه معسر).

مع أنّه لو سُلّم كون النسبة عموماً من وجه، فلا محالة يتعارضان في مورد الاجتماع ويتساقطان، لفرض كون دلالة كلّ منهما بالإطلاق، فيرجع إلى القواعد المقتضية للضمان، كما ستعرف.9.

ص: 300


1- مدارك الأحكام: ج 5/206.
2- الكافي: ج 3/545 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/215 ح 11869.

فإنْ قلت: إنّ الخبر المذكور مرسلٌ لا يُعتمد عليه.

قلت: بعد كون الراوي ابن أبي عُمير، الذي قيل (إنّه لا يروي إلّاعن ثقة) لا إشكال فيه من حيث السند.

أقول: وبما ذكرناه ظهر ضعف القول الثالث، إذ لا مستند له سوى الصحيحين الذين عرفت ما فيهما.

وأمّا القول الرابع: فهو وإنْ كان بحسب القواعد متيناً، بناءً على تعيّن الزَّكاة بالعزل، لفرض عدم التفريط في إيصالها إلى أهلها، وجريه على القواعد الشرعيّة الظاهريّة، إلّاأن مقتضى إطلاق المرسل عدم الفرق بين الصورتين.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الضمان مطلقاً، ويؤيّده بل يشهد له عموم ما دلّ على أنّها كالدين، وأنّ وضع الزَّكاة في غير موضعها بمنزلة العدم.

وعليه، وبما ذكرناه ظهر أنّه لو دفع الزَّكاة إلى غنيّ ، جاهلاً بحرمتها عليه، أو متعمّداً، استرجعها مع البقاء، أو عوضها مع التلف، ومع عدم الإمكان تكون عليه الدفع مرّة اُخرى ، وكذلك الكلام في تخلّف بقيّة الصفات.

أقول: لكن قد ادُّعي الإجماع على عدم الضمان فيها، فإنْ ثبت الإجماع، وإلّا فالمتّجه هو الضمان.

نعم، في خصوص تخلّف شرط الإيمان، يمكن القول بعدم الضمان للصحيحين المتقدّمين، فتأمّل.

***

ص: 301

الثالث: العاملون، وهم السُّعاة للصَّدقات.

من المستحقّين للزّكاة العامل

الصنف (الثالث): (العاملون، وهم السُّعاة للصّدقات)، أي السّاعون في تحصيلها وتحصينها، بأخذها وضبطها وحسابها، وإيصالها إلى الإمام عليه السلام أو نائبه أو إلى الفقراء على حسب إذنه، بلا كلامٍ في شيء من ذلك كلّه.

إنّما الكلام في خصوص من واجبه القيام بقسمتها وتفريقها بين المستحقّين، فإنّ صاحب «الجواهر»(1) استشكل في كونه من مصاديق العامل، استناداً إلى المرسل المرويّ عن «تفسير علي بن إبراهيم»(2)، وهو كما ترى ، فالمعتمد هو إطلاق الآية الشريفة الشامل له.

أقول: وتمام الكلام عن هذا الأمر يتحقّق بالبحث في مواضع:

الموضع الأوّل: المشهور بين الأصحاب(3) أنّ الإمام أو نائبه مخيّرٌ بين أن يقرّر لهم جُعالةً مقدّرة، أو اُجرة عن مدّة مقدّرة، وبين أنْ لا يجعل لهم شيئاً من ذلك، فيعطيهم ما يراه.

أقول: لا إشكال في الأخير، إذ مضافاً إلى استفادته من الآية الشريفة(4)،

ص: 302


1- جواهر الكلام: ج 15/333.
2- تفسير القُمّي: ج 1/299.
3- شرائع الإسلام: ج 1/121، مدارك الأحكام: ج 5/213، جواهرالكلام: ج 15/337، مصباح الفقيه: ج 95/3.
4- سورة التوبة: الآية 60.

يشهد له صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: ما يُعطى المُصدّق ؟ قال: ما يرى الإمام، ولا يقدّر له شيء»(1).

وأمّا الجعل له بعنوان المعاوضة، فربما يستشكل فيه من وجوه:

الوجه الأوّل: إنّ ظاهر الآية الشريفة، ولا سيّما بقرينة السياق، كون استحقاق العامل منها بجعل الشارع فيعطى مجّاناً، لا بجعل الإمام بعنوان المعاوضة.

وفيه: الآية الشريفة إنّما تدلّ على أنّ العامل من المستحقّين للزكاة، وأمّا أنّه هل هو ممّن يستحقّ الزَّكاة مجّاناً أو أنّه احتراماً لعمله جَعله الشارع ذا حقٍّ في الزَّكاة، فالآية لا تدلّ عليه، وعلى الثاني لا مانع من جعله شيئاً معيّناً له بعنوان المعاوضة.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام في الصحيح: (ولا يقدّر له شيء).

وفيه: إنّ ظاهره عدم التقدير له في أصل الشرع، لا أنّه لا يجوز التقدير له لاحقاً.

الوجه الثالث: أنّ الأصحاب اتّفقوا على اعتبار شروطٍ خاصّة فيه، ولا ينبغي التأمّل في جواز استئجار من يفقد جميع هذه الشروط، إذا احتيج إلى عمله كالرّاعي والسائس والبيطار.

وفيه: أنّه لابدّ من ملاحظة أدلّة تلك الشروط، فإنْ كان مقتضاها اعتبارها فيه حتّى في صورة المعاوضة، لزم عليه تخصيص إطلاق أدلّة الإجارة والجعالة بها، وإلّا فلا محذور في الالتزام بعدم اعتبارها فيه، فالأظهر هو التخيير.9.

ص: 303


1- الكافي: ج 3/563 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11859.

الموضع الثاني: ذكر الأصحاب أنّه يعتبر في العامل شروط، وجمعٌ منهم أضافوا إليها شروطاً اُخر، ومجموع ما ذكروه هو: التكليف بالبلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة والحُريّة، وأن لا يكون هاشميّاً، وأن يكون عارفاً بالمسائل المتعلّقة بعمله، وأن يكون فقيهاً.

أقول: أمّا الثلاثة الأُولى فالعمدة فيها الإجماع، وإلّا فسائر الوجوه التي ذكروها بيِّنة الضعف.

وأمّا الحُريّة: فقد استدلّ لاعتبارها المحقّق(1) بأنّ العامل يستحقّ نصيباً من الزَّكاة، والعبد لا يملك، والمولى لم يعمل.

وأورد عليه صاحب «المدارك»(2): بأنّ عمل العبد كعمل المولى، وهو حسن سيّما لو بنينا على أنّ العبد يملك إذا كان بإذن سيّده.

والصحيح أنْ يستدلّ له: بإطلاق قوله عليه السلام في خبر إسحاق بن عمّار: (ولا يُعطى العبد من الزَّكاة شيئاً)(3).

وأمّا اعتبار أن لا يكون هاشميّاً: فيشهد له صحيح العيص بن القاسم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إنّ ناساً من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه عزّ وجلّ للعاملين عليها، فنحن أولى به.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا بني عبد المطّلب، إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا4.

ص: 304


1- المعتبر: ج 2/571.
2- مدارك الأحكام: ج 5/212.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3/232 ح 3855، وسائل الشيعة: ج 9/294 ح 12054.

لكم. الحديث»(1).

وأمّا اعتبار أن يكون عارفاً بالمسائل المتعلّقة بعمله: فقد استدلّ له بتوقّف العمل عليه.

ولكن يرد عليه: أنّه يمكن له الاحتياط، فإذاً لا دليل على اعتباره، كما لا دليل على اعتبار الفقاهة الذي ذكره جمعٌ (2)، والأصل يقتضي عدم اعتبارهما.

الموضع الثالث: المشهور بين الأصحاب(3) عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة، مع بسط يد نائبه عليه السلام في بعض الأقطار.

وعن «النهاية»(4): سقوطه، ولم يظهر وجهٌ له سوى تفسير العاملين بالسُّعاة من قِبل الإمام في بعض(5) النصوص، وبعض الكلمات، وهو كما ترى ، إذ التعبير بالإمام عليه السلام إنّما هو من باب كونه الوليّ الأصلي.

وإنْ شئتَ قلت: إنّه لا مفهوم لذلك النص كي يدلّ على أنّ غير هذا الشخص ليس بعاملٍ ، ليوجب تقييد إطلاق الآية الشريفة وسائر النصوص.

***2.

ص: 305


1- الكافي: ج 4/58 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/268 ح 11992.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/277 (ط. ج)، مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/244.
3- الدروس: ج 1/248، ذخيرة المعاد: ج 3/465.
4- النهاية: ص 185.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/49 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862.

الرابع: المؤلّفة قلوبهم، وهم الذين يُستمالون للجهاد، ولو كانوا كفّاراً.

المؤلّفة قلوبهم

الصنف (الرابع): (المؤلّفة قلوبهم).

وقد اختلفت كلمات الفقهاء في شرح المؤلّفة قلوبهم والمراد منها.

فالمحكيّ عن «المبسوط»(1)، و «الخلاف»(2)، وغيرهما(3): اختصاص المؤلّفة بالكفار، بل استظهر أنّه المشهور، بل عن «الخلاف»(4) دعوى الإجماع عليه.

(و) في المتن: (وهم الذين يُستمالون للجهاد، وإن كانوا كفّاراً) وافق في ذلك جمعاً، وتبعهم آخرون كالمفيد(5) وغيره(6)، فإنّهم ذهبوا إلى أنّهم مسلمون وكفّار.

وعن الإسكافي(7): اختصاصهم بالمنافقين.

وفي «الحدائق» رحمه الله(8): المؤلّفة قلوبهم قومٌ مسلمون، قد أقرّوا بالإسلام ودخلوا فيه، لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم، ولم يثبت ثبوتاً راسخاً، فأمر اللّه تعالى نبيّه بتآلفهم بالمال، لكي تقوى عزائمهم، وتشتدّ قلوبهم على البقاء على هذا الدِّين،

ص: 306


1- المبسوط: ج 1/249.
2- الخلاف: ج 4/233.
3- الاقتصاد: ص 282، مصباح المتهجّد: ص 857، غنية النزوع: ص 123، الوسيلة: ص 128.
4- الخلاف: ج 4/234.
5- المقنعة: ص 241.
6- السرائر: ج 1/457، مختلف الشيعة: ج 3/200.
7- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 3/200.
8- الحدائق الناضرة: ج 12/175.

فالتأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدِّين، والثبات عليه، لا لما زعموه من الجهاد.

وقد سبقه في ذلك المفيد رحمه الله في كتاب «الأشراف»(1)، قال فيه:

(هم الداخلون في الإيمان على وجهٍ يخاف عليهم معه مفارقته، ويزيل عنهم بذلك دواعي الارتياب).

والظاهر أنّ جماعة منهم الشهيدالأوّل في محكيّ حواشي «القواعد»(2)ملتزمون بذلك، ويمكن إرجاع كلام الإسكافي إليه.

أقول: وكيف كان، فالذي يستفاد من النصوص، هو هذا القول الأخير، ففي مصحّح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن قول اللّه تعالى : «اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ » ؟

قال عليه السلام: هم قومٌ وحّدوا اللّه عزّ وجلّ ، وخلعوا عبادة من يُعبد من دون اللّه عزّ وجلّ ، وشَهِدوا أنْ لا إله ألا اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهم في ذلك شكّاكون في بعض ماجاء به محمّد صلى الله عليه و آله، فأمر اللّه نبيّه أن يتآلفهم بالمال والعطاء، لكي يَحُسن إسلامهم، ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه، وأقرّوا به، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم حُنين تآلف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب، وعيينة بن حُصين الفزاري، وأشباههم من النّاس، فغضبت الأنصار(3). الحديث».

ونحوه خبره الآخر عنه عليه السلام(4)، ومرسلا القُمّي(1)، وابن بُكير)(2)، وبه يظهر المراد ممّا في خبر زرارة الثالث عنه عليه السلام:4.

ص: 307


1- تفسير القُمّي: ج 1/299، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862.
2- الكافي: ج 2/412 ح 4.

«المؤلّفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم»(1).

أقول: وأورد صاحب «الجواهر»(2) رحمه الله عليه بإيرادات:

1 - منافاته لإطلاق الآية.

وفيه: إنّ النصوص مفسّرة، لها وحاكمة عليها لا معارضة.

2 - أنّه طرحٌ لمعقد الإجماع.

وفيه: إنّ الأقوال في المسألة متعدّدة، وكلمات القوم في المقام مضطربة، وقد تقدّم التزام جمعٍ بهذا القول.

3 - ظهور بعض تلك النصوص في غير المسلم.

وفيه: إنّه ممنوع.

4 - إنّ في حاشية «الإرشاد» لولد الكركي(3) المرويّ : (إنّهم قومٌ كفّار).

وفيه: إنّه مرسلٌ لا يُعتمد عليه، وبه يظهر حال مابعده.

5 - وهو أنّه قد أرسل في «الدعائم»(4): (والمؤلّفة قومٌ يتألّفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعطيهم ليتألّفهم، ويكون ذلك في كلّ زمان إذا احتاج إلى ذلك الإمام)، مع أنّ غايته الإطلاق، فيقيّد بما سبق.

6 - إنّ هذا مخالفٌ للصحيح أو الحسن المروي عن زرارة ومحمّد:

«إنّهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السلام: أرأيتَ قول اللّه تعالى «إِنَّمَا اَلصَّدَقاتُ ... الخ» أكلّ هؤلاء يُعطى وإنْ كان لا يُعرف ؟0.

ص: 308


1- الكافي: ج 2/411 ح 3.
2- جواهر الكلام: ج 15/341.
3- حكاه عنه صاحب الجواهر في: ج 15/341.
4- دعائم الإسلام: ج 1/260.

فقال عليه السلام: إنّ الإمام يُعطي هؤلاء جميعاً، لأنّهم يقرّون له بالطاعة.

قال زرارة: قلت: فإنْ كانوا لا يعرفون ؟

فقال: يا زرارة لو كان يُعطي من يعرف دون من لا يعرف، لم يوجد لها موضع، وإنّما يُعطي من لا يعرف ليرغب في الدِّين، فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها وأصحابك إلّامن يُعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فاعطه دون النّاس.

ثمّ قال: سهم المؤلّفة وسهم الرقاب عام، والباقي خاص»(1).

وفيه: إنّ الجملات الأُولى من الخبر ظاهرة في المُسلم، وأمّا قوله: (سهم المؤلّفة عام) فمن الجائز أن يكون المراد العموم للمسلم غير العارف، وإنْ أبيتَ عن ذلك فهو مطلقٌ يقيّد بما سبق.

فتحصّل: أنّ سهم المؤلّفة إنّما هو لضعفاء الاعتقاد الذين دخلوا في الإسلام، ولم يثبت في قلوبهم، ويُخاف عليهم أن يعودوا أو يُعادوا إلى الكفر فيتألّفون بها للثبات على الإسلام، وأمّا التاليف للجهاد - سواءٌ أكان المؤلف مسلماً أم كافراً - فهو غير مربوط بهذا السهم، نعم يجوز إعطاء هؤلاء من باب كون ذلك تشييداً للدِّين.

وسيأتي تمام الكلام فيه.

***6.

ص: 309


1- الكافي: ج 3/496 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/209 ح 11856.

الخامس: في الرقاب: وهُم المُكاتَبون، والعبيد الّذين في الشدّة.

في الرقاب

الصنف (الخامس: في الرقاب).

وقد وقع الخلاف في بيان المراد منها:

فعن بعض:(1) أنّهم صنفٌ واحد، وهم المكاتبون.

وعن آخرين:(2) منهم ظاهر المصنّف رحمه الله في المتن، حيث قال: (وهم المكاتبون والعبيد الذين في الشدّة) أنّهم صنفان.

وعن الأشهر أو المشهور(3): هم ثلاثة: الصنفان المتقدّمان، ومطلق عتق العبد، مع عدم وجود المستحقّ للزكاة.

وعن بعض(4): إضافة قسمٍ رابع، وهو من وجب عليه كفّارة، ولم يجد، فإنّه يُعتق عنه.

وعن المفيد(5) والمصنّف(6) وولده(7) وغير واحدٍ من المتأخّرين(8): القولُ بعدم اختصاص الرقاب بمن ذُكِر، بل جواز صرف الزَّكاة في فكها ولو في غير تلك

ص: 310


1- المبسوط: ج 1/250، السرائر: ج 1/457، غنية النزوع: ص 124، منتهى المطلب: ج 1/250، مدارك الأحكام: ج 5/216.
2- الرسائل التسع للمحقّق الحِلّي: ص 349، الدروس: ج 1/241.
3- المعتبر: ج 2/575، منتهى المطلب: ج 1/520.
4- المعتبر: ج 2/574، تذكرة الفقهاء: ج 5/255 (ط. ج)، المهذّب البارع: ج 1/525.
5- المقنعة: ص 241.
6- إرشاد الأذهان: ج 1/286.
7- إيضاح الفوائد: ج 1/196.
8- مسالك الأفهام: ج 1/414، ذخيرة المعاد: ج 3/455، الحدائق الناضرة: ج 12/183.

الموارد.

يشهد للأخير: إطلاق الآية الشريفة(1).

وأمّا خبر أيّوب بن الحُرّ أخي أديم بن الحُرّ، المرويّ عن «العلل»، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزَّكاة فاعتقه ؟ قال: اشتره واعتقه.

قلت: فإنْ هو مات وترك مالاً؟ فقال: ميراثه لأهل الزَّكاة، لأنّه اشتُري بسهمهم»(2).

وخبر أبي محمّد الوابشي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزَّكاة، زكاة ماله ؟

قال عليه السلام: اشترى خير رقبةٍ ، لا بأس بذلك»(3).

فهما لا يدلّان على هذا القول، إذ ليس فيهما ما يشهد بأنّ الشراء يكون من سهم الرقاب، إذ يمكن أن يكون من سهم سبيل اللّه، بناءً على عمومه لذلك.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: على هذا تقلّ فائدة هذا البحث، بعدما تقرّر في محلّه من عدم وجوب البَسط على الأصناف، فإنّه بمقتضى هذين الخبرين وغيرهما، يجوز صرف الزَّكاة في فكّ الرقاب مطلقاً، وعلى فرض عدم دخول الجميع في هذا الموضوع الخاص، اندرج ما يُصرف في سهم سبيل اللّه، وهذا بضميمة عدم الموضوع لهذا الصنف في زماننا، يوجبان الإغماض عن إطالة البحث في المقام. واللّه العالم.

***1.

ص: 311


1- سورة التوبة: الآية 60.
2- وسائل الشيعة: ج 9/293 ح 12051، علل الشرائع: ج 2/372 ح 1.
3- الكافي: ج 3/552 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/251 ح 11951.

السَّادس: الغارِمون وهم المَدينُون.

المراد من الغارمين

الصنف (السادس): (الغارِمون).

بلا خلافٍ في ذلك، بل الكتاب والسُنّة والإجماع بقسميه(1) دالّة على ذلك.

(وهم) لغةً : (المدينون)، وكذلك شرعاً، غاية الأمر اعتبر فيهم قيوداً في المقام.

أقول: وتنقيح الكلام يتحقّق بالبحث في مواضع:

الموضع الأوّل: لا خلاف بينهم في أنّ من كان موسراً، وكان عنده ما يفي بديونه ومؤونته، لم يُقض عنه، ولا يكون مورداً لصرف هذا السهم.

واستدلّ له: مضافاً إلى الإجماع، بجملةٍ من النصوص:

1 - خبر محمّد بن سليمان: «في تفسير قوله تعالى: «وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » (2). قال عليه السلام: نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام عليه السلام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة اللّه تعالى ، فإنْ كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء على الإمام»(3).

2 - وما عن القُمّي في تفسيره مرسلاً عن العالم: «والغارمين قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسرافٍ ، فيجبُ على الإمام أن يقضي عنهم، ويفكّهم من مال الصدقات»(4).

ص: 312


1- غنية النزوع: ص 124، منتهى المطلب: ج 1/521، تذكرة الفقهاء: ج 5/257 (ط. ج)، مجمع الفائدة: ج 162/4.
2- سورة البقرة: الآية 280.
3- وسائل الشيعة: ج 18/336 ح 23796، تفسير العياشي: ج 1/155.
4- وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862، تفسير القُمّي: ج 1/299.

3 - وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن رجلٍ عارفٍ فاضلٍ توفّي، وترك ديناً لم يكن بمُفسدٍ ولا مُسْرفٍ ولا معروف بالمسألة، هل يُقضى عنه من الزَّكاة الألف والألفان ؟

قال عليه السلام: نعم»(1). ونحوها غيرها.

ولكن يرد عليه: أنّ هذه الأخبار ما بين مطلقٍ غير مختصّ بالعاجز عن الأداء، وماهو مورده العاجز، إلّاأنّه لا يدلّ على عدم كون غير هذا الشخص من الغارمين، كي يقيّد إطلاق الآية به، وبهذا يظهر اندفاع ما أورده صاحب «الحدائق»(2) على القوم بأنّهم كيف لم يستدلّوا على اعتبار هذا بهذه النصوص.

وربما يستدلّ له: بحسن زرارة: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ حَلّت عليه الزَّكاة، ومات أبوه، وعليه دَين، أيؤدّي زكاته في دين أبيه، وللإبن مالٌ كثير؟ فقال عليه السلام: إنْ كان أبوه أورثه مالاً، ثمّ ظهر عليه دينٌ لم يعلم به يومئذٍ، فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، ويقضيه من زكاته، وإنْ لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحدٌ أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه»(3).

وفيه: إنّه ليس في هذا الخبر الحسن ما يشهد بأنّ هذا إنّما يكون من سهم الغارمين.

وعليه، فالصحيح أنْ يستدلّ له: - مضافاً إلى الإجماع - بقوله صلى الله عليه و آله:

«لا تحلّ الصدقة لغني»(4).5.

ص: 313


1- الكافي: ج 3/549 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/295 ح 12057.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/189.
3- الكافي: ج 3/553 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/250 ح 11949.
4- سنن البيهقي: ج 7/15.

وبأنّه المستفاد من أدلّة الزَّكاة الموضوعة لسدّ خلّة الُمحتاجين، لا لصلة الأغنياء.

أقول: ثمّ إنّه قد اختلفت كلماتهم في بيان هذا الشرط:

فعن جماعةٍ (1): التصريح باعتبار العجز عن الأداء.

وعن آخرين(2): اعتبار الفقر.

ثمّ بعد ذلك وقعٌ نزاع في أنّه:

هل النسبة بين العنوانين عمومٌ من وجه - نظراً إلى أنّ الفقير في عرفهم مَنْ لا يملك مؤونة السنة، وإنْ كان متمكّناً من وفاء دينه، والعاجز عن الأداء ربما يكون له كسبٌ أو مالٌ يفي بمؤونته.

أو أنّ الفقر أخصّ من العجز عن أداء الدَّين، كما أفاده الشيخ الأعظم رحمه الله(3).

أقول: إنّ الفقير ليس خصوص من لا يملك قوت السنة، بل هو أعمّ منه، وممّن هو مالك له، ولكنّه غير متمكّن من أداء دَيْنه، إذ أدائه من جملة مؤونة السنة، بل قد يكون أهمّ بقيّة المؤن، وعليه فالفقير أعمٌّ من غير المتمكّن عن أداء الدَّين، إذ كل من لا يتمكّن من أداء دَينه فقيرٌ، وليس كلّ فقير غير متمكّن من الأداء، فلو لم يكن المديون عاجزاً عن أداء الدَّين، ولم يكن فقيراً، لا كلام في أنّه لا يستحقّ من هذا السهم، ولو كان عاجزاً عنه، ومالكاً لقوت السنة استحقّ منه على القولين، لكونه فقيراً وعاجزاً.

ولو كان فقيراً ولم يكن عاجزاً عن أداء الدَّين، بأنْ كان بالفعل مالكاً لمقدارٍ من3.

ص: 314


1- الحدائق الناضرة: ج 12/190، حكى الإجماع في مدارك الأحكام: ج 5/222.
2- نهاية الاحكام: ج 2/391، حكى الإجماع صاحب الجواهر في: ج 15/356.
3- كتاب الخمس: ص 303.

المال يفي بمؤونة سنته، إنْ لم يؤدِّ دَينه، ويتمكّن من أداء دَينه منه، لكن بعده لايفي بمؤونة سنته، فيمكن البناء على استحقاقه من هذا السهم، إذ المتيقّن من الدليل المقيّد لإطلاق الآية الشريفة، هو العاجز عن أداء دَيْنَه بالعجز العرفي، وهو من ليس عنده زائداً عمّا يحتاج إليه في نفقته اللّازمة عليه ما يصرفه في دَينه، فمثل هذا الشخص المفروض غير متمكّن من أداء دَيْنَه، فعلى هذا يكون العنوانان متساويين في خصوص المقام.

وعليه، فما عن الحِلّي(1) من عدم جواز أخذ الزَّكاة، ما لم يَصرِف ما عنده في وفاء دَينه، لا من سهم الغارمين، لعدم كونه عاجزاً عن أداء دينه - ولا من سهم الفقراء لعدم كونه فقيراً بالفعل.

ضعيفٌ ، بل يجوزُ تناولها من كلٍّ من السهمين.

وأمّا خبر سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل منّا يكون عنده الشيء يتبلّغ به، وعليه دَينٌ ، أيطعمه عياله حتّى يأتيه اللّه بميسرة، فيقضي دينه ؟ أو يستقرض على ظهره في جَدْب الزمان وشدّة المكاسب ؟ أو يقضي بما عنده دَينه ويقبل الصدقة ؟

قال عليه السلام: يقضي بما عنده، ويقبل الصدقة»(2).

فلا يدلّ على عدم جواز تناول الزَّكاة قبل أداء الدَّين، فإنّ الظاهر أنّ محطّ السؤال أنّ المال المحتاج إليه في نفقته، هل هو من مستثنيات الدَّين أم لا؟ وعلى الثاني فهل يصير بعد الأداء من المستحقّين للزكاة أم لا؟ ولا ربط له بالمقام ؟1.

ص: 315


1- حكاه عنه صاحب مصباح الفقيه: ج 3/98.
2- وسائل الشيعة: ج 9/297 ح 12061، مستطرفات السرائر: ج 3/591.

في غير معصية اللّه تعالى.

إنْ قلت: فعلى ما ذكرت بماذا يفترق هذا السّهم عن سهم الفقراء، وما وجه المقابلة بينهما؟

قلت: إنْ قلنا باختصاص سهم الفقراء بنحو التمليك، فالفرق واضحٌ ، إذ في سهم الفقراء يعتبر القبول، وهو غير معتبر في هذا السهم، بل يكون أداء الدين بنفسه من المصارف التي لا يتوقّف صرف الزَّكاة فيها على قبول الفقير، بل ولا على وجوده، كما إذا كان الغارم ميّتاً.

وإنْ قلنا بجواز صرفه في مصلحة الفقير، فالفرق حينئذٍ اختصاص هذا السهم بجهةٍ خاصّة، وسهم الفقراء يكون حينئذٍ مصرفه غير وفاء الدين بقرينة المقابلة.

الموضع الثاني: لا خلاف بينهم في اعتبار أن يكون الدَّين المتراكم على ذمّته (في غير معصية اللّه تعالى) بل عن «الخلاف»(1) و «التذكرة»(2) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: النصوص المتقدّمة في الموضع الأوّل، كخبر محمّد بن سليمان، ومرسل القُمّي وغيرهما، المنجبر ضعفها بالعمل.

ثمّ إنّه بناءً على ما تقدّم، يجوز إعطاء المدين في المعصية من سهم الفقراء إن عجز عن الوفاء، وما يظهر في بادي النظر من خبر سليمان من عدم جواز إعطائه من الزَّكاة مطلقاً، لا يعتمد عليه، لضعف سنده، ولاحتمال اختصاصه بسهم الغارمين، من غير فرقٍ فيما بنينا عليه بين أن يتوب وعدمه، بناءً على عدم اعتبار العدالة في الفقير.).

ص: 316


1- الخلاف: ج 4/236.
2- تذكرة الفقهاء: ج 5/257 (ط. ج).

الموضع الثالث: لو شكّ في أنّه صرفه في المعصية أم لا؟

فعن الأكثر(1)، بل المشهور: جواز الإعطاء.

وعن الشيخ في «النهاية»(2) وغيره في غيرها(3): عدم جواز الإعطاء.

والأوّل أظهر، إذ المستفاد من النصوص، بعد ضمّ بعضها إلى بعض اعتبار عدم المعصية، لا اعتبار الإنفاق في الطاعة.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ ما كان منها صحيح السّند، ظاهره ذلك، وما يكون ظاهره اعتبار الإنفاق في الطاعة لضعفه، لا يُعتمد عليه، وعليه فأصالة عدم صرف الدَّين في المعصية، وأصالة الصحّة في فعل المسلم، تُثبتان الموضوع، وتوجبان صحّة التمسّك بعموم أدلّة جواز صرف الزَّكاة في أداء الدَّين، فتدبّر.

وقد استدلّ للثاني:

تارةً : بأنّ الإنفاق في الطاعة شرطٌ، وهو لا يُحرز بالأصل.

وفيه: ما عرفت.

واُخرى : بأنّ الوارد في خبر محمّد بن سليمان المتقدّم:

«قلت: فما لهذا الرّجل الذي ائتمنه، وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة اللّه عزّ وجلّ ، أم في معصيته ؟ قال عليه السلام: يسعى له في ماله ويردّه عليه وهو صاغر»(4).

وفيه: أنّ السؤال ليس عن تكليف الدافع، بل عمّا يستحقّه صاحب الدَّين، فإنّه6.

ص: 317


1- ذخيرة المعاد: ج 3/464، جواهر الكلام: ج 15/361، مصباح الفقيه: ج 3/99.
2- النهاية: ص 184.
3- حكى ذلك عن الشهيد الأوّل في جواهر الكلام: ج 15/360 بقوله: (وربما مال إليه أوّل الشهيدين...)، راجع الدروس: ج 1/241.
4- الكافي: ج 5/93 ح 5، وسائل الشيعة: ج 18/336 ح 23796.

بعد سماعه الحكم من الإمام عليه السلام، تحيّر نظراً إلى أنّ الدائن غير الدخيل في معصية المديون العاجز عن أداء دَيْنِه، كيف يتنازل عن حقّه، فأجابه عليه السلام بأنّ على المديون السعي في ماله، وردّه إليه وهو صاغر، فما في كلامه من فرض عدم العلم إنّما هو إشارة إلى ما ذكرناه، ويكون مبالغة في عدم صدور فعل من الدائن يناسب حرمانه.

وعليه، فالأظهر جواز الإعطاء.

فروع حول أحكام الغارمين

أقول: بقى في المقام فروع ينبغي التعرّض لها، وهي:

الفرع الأوّل: إذا كان الدين مؤجّلاً، فهل يجوز أدائه من هذا السهم، قبل حلول أجله أم لا؟ وجهان:

من إطلاق النص والفتوى، ومن أنّ المؤجّل لا يعدّ من النفقات إلّابعد الحلول، فينصرف الدليل عنه.

والأوّل أظهر كما لايخفى .

الفرع الثاني: لو كان كسوباً متمكّناً من أداء دَينه من كسبه:

فعن «نهاية الاحكام»(1): احتمال الإعطاء بخلاف الفقير والمسكين، لأنّ حاجتهما تتحقّق يوماً فيوماً، والكسوب يحصل في كلّ يوم ما يكفيه، وحاجة الغارم حاصلة في الحال لثبوت الدَّين في ذمّته، وإنّما يقدر على ما يقضي به الدَّين على التدريج، واحتمال المنع تنزيلاً للقدرة على التكسّب منزلة القدرة على المال.

أقول: احتمال الجواز أقوى ، إذا كان يصدق الحاجة والعجز عن الأداء، كما إذا كان حالّاً غير مؤجّل، من غير فرقٍ بين المطالبة وعدمها.

ص: 318


1- نهاية الاحكام: ج 2/391.

ودعوى: انصراف الدليل إلى صورة وقوع المديون في ضيق المطالبة، كما يشير إليه التعبير بالفكّ في مرسل القُمّي(1).

مندفعة: بأنّه لا وجه له، والمراد بالفكّ في المرسل إفراغ الذمّة، واحتمال المنع أقوى إذا كان بنحوٍ لا يصدق ذلك، كما إذا كان دَينه بنحوٍ يصير حالّاً بالتدريج، وهو يقدر على أداء كلّ مقدار منه صار كذلك، ولا يخفى وجهه.

الفرع الثالث: قد طفحت كلمات الفقهاء بأنّه لو كان للمالك دَينٌ على الفقير، جاز أن يقاصّه به من الزَّكاة، وكذا لو كان الغارم ميّتاً، جاز أن يقضي عنه وأن يقاصّ به، والمراد بالمقاصة كما صرّح به الشهيدان(2) وغيرهما(3) أن يحتسب ماعنده من الزَّكاة للمديون، فتكون له ثمّ يأخذها وفاءً عمّا عليه من الدَّين.

وقد أورد على جواز المقاصّة سيّد «المدارك»(4): بأنّه كيف يحكم بذلك مع عدم قبول المديون، وعدم قبضه، وعدم ولاية الدائن عليه ؟

وفيه: إنّ هذا بحسب القواعد وإنْ كان تامّاً، إلّاأنّه لا مجال له بعد ورود النص المعتبر بذلك، ففي موثّق سماعة:

«عن الرّجل يكون له الدَّين على رجل فقير يريدُ أن يعطيه من الزَّكاة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان الفقير عنده وفاءً بما كان عليه من دَينٍ من عَرضٍ من دار، أو متاعٍ من متاع البيت، أو يعالج عملاً يتقلّب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دَينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزَّكاة، أو يحتسب بها،5.

ص: 319


1- وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862، تفسير القُمّي: ج 1/299.
2- البيان: ص 195، شرح اللّمعة: ج 2/48.
3- مجمع الفائدة: ج 4/200، الحدائق الناضرة: ج 12/196.
4- مدارك الأحكام: ج 5/225.

فإنْ لم يكن عند الفقير وفاءً ، ولا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته، ولا يقاصّه بشيءٍ من الزَّكاة»(1).

وما في الخبر من التفصيل، كالأمر بالإعطاء من زكاته لخصوص هذا الشخص البالغ فقره حَدّ اليأس عن قدرته على الأداء، محمولٌ على الاستحباب.

ولا فرق فيما ذكرناه بين الحَيّ والميّت كما تقدّم تفصيل الكلام في ذلك من هذه الجهة، ومن جهة أنّه يعتبر في احتساب الزَّكاة عن الميّت قصور تركته عن الوفاء به. فراجع(2).

الفرع الرابع: لو كان الدَّين على من تجب نفقته على من تجب الزَّكاة عليه، جاز أنْ يقضي عنه حيّاً وميّتاً، وأنْ يقاصّ به بلا خلاف.

ويشهد له: موثّق إسحاق عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ على أبيه دَين ولابنه مؤونة، أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه ؟ قال: نعم، ومن أحقّ من أبيه»(3).

ونحوه غيره.

وما في جملةٍ النصوص من المنع عن إعطاء الزَّكاة لأبيه واُمّه(4) وغيرهما، محمولٌ على إرادة إعطائهم للنفقة الواجبة، وقضاء الدَّين لا يلزمه اتّفاقاً، كما ادّعاه صاحب «الجواهر»(5).

السّابع: في سبيل اللّه، وهو كلّ مصلحةٍ أو قُربةٍ كالجهاد، والحجّ ، وبناء القناطر، والمسّاجد.4.

ص: 320


1- الكافي: ج 3/558 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/296 ح 12059.
2- صفحة 287 من هذا المجلّد.
3- الكافي: ج 3/553 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/250 ح 11950.
4- الكافي: ج 3/551 باب تفضيل القرابة في الزَّكاة ومن لا يجوز منهم. وسائل الشيعة: ج 9/240 باب أن لايجوز دفع الإنسان زكاته إلى من تجب عليه نفقته.
5- جواهر الكلام: ج 15/364.

سبيل اللّه جميع سُبُل الخير

الصنف (السابع: في سبيل اللّه، و).

هل (هو) الجهاد خاصّة، كما عن المفيد(1) و سلّار(2)، وصاحب «الإشارة»(3)والشيخ في «النهاية»(4)؟

أو جميع سُبُل الخير، إذا كانت من المصالح العامّة الدينيّة، كما عن بعض الأساطين(5)؟

أم جميع سُبُل الخير؟

وبعبارة اُخرى : (كلّ مصلحةٍ أو قُربةٍ كالجهاد والحَجّ وبناء القناطر والمسّاجد) كما هو المشهور(6)، بل عن «الخلاف»(7) و «الغُنية»(8) الإجماع عليه ؟ وجوه:

يشهد للأخير:

1 - إطلاق الآية الشريفة، إذ السبيل هو الطريق، فإذا اُضيف إلى اللّه سبحانه، كان عبارةً عن كلّ ما يكون وسيلةً إلى تحصيل رضا اللّه وثوابه.

ص: 321


1- المقنعة: ص 241.
2- المراسم العلويّة: ص 132.
3- إشارة السبق: ص 112.
4- النهاية: ص 184.
5- القائل هو السيّد البروجردي في تعليقته على العروة الوثقى: ج 4/121 (ط. ج).
6- الحدائق الناضرة: ج 12/199، رياض المسائل: ج 5/163، مستند الشيعة: ج 9/289.
7- الخلاف: ج 4/236.
8- غنية النزوع: ص 124.

2 - جملة من النصوص:

منها: ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن العالم عليه السلام، قال: «وَ فِي سَبِيلِ اَللّهِ » قومٌيخرجون إلى الجهاد، وليس عندهم مايحجّون به، أو في جميع سُبُل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات، حتّى يقووا على الحَجّ والجهاد»(1).

ومنها: صحيح علي بن يقطين: «قلتُ لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: يكون عندي المال من الزَّكاة، أفأحجُّ به موالي وأقاربي ؟ قال: نعم»(2).

ومنها: صحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الصَّرورة أيحجُّه الرّجل من الزَّكاة ؟ قال: نعم»(3). ونحوها غيرها.

وغير المرسل وإنْ اختصّ بالحَجّ ، إلّاأنّ الظاهر أنّه من باب المثال، إذ لا قائل بالفصل بينه وبين سائر سُبُل الخير.

وأمّا خبر الحسن بن راشد، عن أبي الحسن العسكرى عليه السلام: «عن رجلٍ أوصى بمالٍ في سبيل اللّه ؟ فقال: سبيل اللّه شيعتنا»(4).

فلا ينافي ماذكرناه، إذ الظاهر أنّه واردٌ في بيان أفضل المصاديق، لا انحصار سبيل اللّه فيما يُصرف إلى الشيعة، إذ لا شاهد في الخبر على الحصر.

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بالانصراف.4.

ص: 322


1- تهذيب الأحكام: ج 4/49 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/35 ح 1633، وسائل الشيعة: ج 9/290 ح 12045.
3- وسائل الشيعة: ج 9/291 ح 12048، مسائل علي بن جعفر ص 143.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/206 ح 5478، وسائل الشيعة: ج 19/338 ح 24724.

2 - وبخبر يونس بن يعقوب: «في من أوصى عند موته أن يُعطى شيءٌ في سبيل اللّه، وكان لا يَعرف هذا الأمر؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لو أنّ رجلاً أوصى إليَّ بوصيّةٍ أن أضع في يهوديّ أو نصراني لوضعته فيهما، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ » (1) فانظر إلى ما يخرج إلى هذا الوجه، يعني الثغور فابعثوا به إليه»(2).

ولكن يرد على الأوّل: أنّه ممنوعٌ ، مضافاً إلى النصوص المتقدّمة.

ويرد على الثاني أوّلاً: أنّه لا دلالة في الخبر على أنّ سبيل اللّه منحصرٌ بذلك الوجه، بل هو يلائم مع كونه أحد المصاديق.

وثانياً: أنّ المتّبع في باب الوصيّة عُرف المُوصي وقصده.

وثالثاً: أنّه لو سُلّم دلالته على ذلك، كان معارضاً مع ما يدلّ على أنّ الوصيّة في سبيل اللّه تُصرف في مطلق الشيعة، وما دلّ على أنّ سبيل اللّه مطلق سُبُل الخير، وأنّ أفضلها الحجّ .

وهل يشترط إلحاحه إلى الزَّكاة ليصرف هذا السهم، كما عن «المدارك»(3)وغيرها(4)، أم لا؟ وجهان:

يشهد للأوّل:).

ص: 323


1- سورة البقرة: الآية 181.
2- الكافي: ج 7/14 ح 4 / وسائل الشيعة ج 19 ص 341 ح 24727.
3- مدارك الأحكام: ج 5/230.
4- الحدائق الناضرة: ج 12/200، رياض المسائل: ج 5/163 (ط. ج).

1 - ما ورد من أنّ (الصَّدقة لا تَحلُّ لغنيّ )(1)، بتقريب أنّه يدلّ على أنّ الزَّكاة لا تُعطى بمن هو غني عنها في المصرف الذي تعطى لأجله، فلا يعطي الزَّكاة للمعاش لمن لا يحتاج إليها في معاشه، ولا لأداء الدَّين لمن لا يحتاج إليها فيه، ولا لسُبُل الخير لمن لا يحتاج إليها فيها.

وبهذا البيان يظهر عدم مراعاة النسبة بينه وبين إطلاق دليل في سبيل اللّه.

2 - وما ورد من أنّه يقسّم الزَّكاة على الأصناف، بقدر ما يستغنون(2)، إذ ظاهر ذلك عدم حصول الغنى قبله.

3 - وحَسَن(3) زرارة المتقدّم، المتضمّن لاعتبار العجز عن أداء الدَّين في إعطاء المديون، والمنع عن إعطاء القادر، إذ المنع من الإعطاء مطلقاً ظاهرٌ في إرادة عدم جواز الإعطاء، ولو من سهم سبيل اللّه.

4 - ومرسل القُمّي المتقدّم.

5 - وأضف إلى ذلك استمرار السيرة على النكير على من أعطى الزَّكاة لمن لا يحتاج إليها.

وما ذكرناه من اعتبار الحاجة إنّما هو في الدفع إلى من يريد بنفسه فعل الخير كالحَجّ ، فيعينه بدفعها إليه، وأمّا إذا كان مقصوده حصول الفعل في الخارج، من حيث أنّه سبيل من سُبُل الخير، كما إذا كان قصده ازدياد الحجّاج تعظيماً للدِّين والشعائر، ولم يكن للمباشر نفسه داعٍ إلى العمل، فالظاهر عدم اعتبار الحاجة، إذ9.

ص: 324


1- سنن البيهقي: ج 7/15.
2- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/266/11989.
3- الكافي: ج 3/553 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/250 ح 11949.

المصرف حينئذٍ هو ذلك العمل الخير لا الفاعل، فيكون من قبيل الصرف في التسبيلات العامّة كالمضايف والخانات والعمارات المعدّة لنزول الزوّار والحجّاج التي يجوز للأغنياء أيضاً الانتفاع بها.

وعليه، فما في «العروة»(1) من أنّ الأقوى جواز دفع هذا السّهم في كلّ قربة مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزَّكاة، بل مع تمكّنه أيضاً لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه، هو الصحيح، وإنْ كان البناء على الجواز حتّى مع وجود الدّاعي له، إنْ كان المصرف هو ذلك الفعل، وتلك الجهة الخاصّة لا الفاعل، كما أفتى به الشيخ الأعظم(2) قويّاً، ولا ينافي مع ما دلَّ على عدم حِلّية الزَّكاة للأغنياء، إذ المزكّي لا يصرف صدقته على الغَني، بل في تحصيل أمرٍ قُربي وسبيل الخير، ولكن الاحتياط سبيل النجاة.

أقول: وهل يعتبر في الفقير بأن لا يكون مالكاً لقوت سنته أم لا؟ وجهان، أقواهما الثاني، لعدم الدليل على اعتباره بعدما عرفت من معنى (لا تحلّ الصّدقة لغنيّ ) وما شابهه من النصوص.

وقد استدلّوا على اعتباره بوجوه، لو تمّت دلالتها لّدلت على اعتبار الحاجة إليها في ذلك العمل، لا على اعتبار الفقر، بمعنى عدم مالكيّة قوت السنة، ولعلّ مراد المشهور القائلين باعتبار الفقر، هو الفقر في ذلك السبيل، فيرجع كلامهم إلى ما ذكرناه، واللّه العالم.

***

الثامن: ابن السبيل: وهو المنقطع به في الغربة وإنْ كان غنيّاً في بلده.0.

ص: 325


1- العروة الوثقى: ج 4/121 (ط. ج).
2- كتاب الزَّكاة: ص 310.

ابن السبيل

الصنف (الثامن: ابن السبيل).

(وهو) على ما في المتن وغيره(1)(المُنقطع به) في سفره بذهابِ نقته أو نفادها، أو نحو ذلك (في الغُربة، وإنْ كان غنيّاً في بلده) بلا خلافٍ فيه في الجملة، ولا إشكال.

وفي مرسل القُمّي: «وابن السبيل أبناءُ الطريق، الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه تعالى ، فيقطع عليهم، ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات».

أقول: وتنقيح الكلام يتحقّق بالبحث في موارد:

المورد الأوّل: إنّ الموضوع هو ابن السبيل، الذي يتوقّف صدقه بحسب المتفاهم العرفي على السفر، ولكن لا يعتبر السفر الشرعي بل يكفي السفرالعرفي، فلا يقدح عدم قطع المسافة، ولا إقامة العشرة، ولا التردّد ثلاثين يوماً، ولا غير ذلك من موانع التقصير، فما قيل(2) من عدم جواز الإعطاء لغير المسافر الشرعي، دعوى بلا بيّنة.

المورد الثاني: نُسب إلى المشهور:(3) اشتراط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع شيء من أمواله مثلاً.

والضيف.

ص: 326


1- المهذّب: ج 1/169، غنية النزوع: ص 124.
2- غنائم الأيّام: ج 4/158.
3- رياض المسائل: ج 5/165 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 9/292.

وعن «المدارك»(1): اعتبار عجزه عن التصرّف في أمواله ببيعٍ ونحوه، دون الاستدانة.

وعن «المعتبر»(2): عدم اعتبار العجز عن شيءٍ منهما، وعن «المسالك»(3):

الميل إليه.

أقول: الأظهر هو الأوّل، إذا كانت الاستدانة أو البيع أمراً ميسوراً له، كأغلب التّجار المعروفين في البلاد النائية، وذلك لوجهين:

1 - عدم صدق ابن السبيل، المتقوّم عرفاً على الحاجة والاحتياج.

2 - ما دلّ على أنّه (لا تَحلّ الصدقة لغني)(4) بالتقريب المتقدّم، ويؤيّده المرسل، إذ الانقطاع كناية عن عدم التمكّن من السير.

وأمّا إذا كانت الاستدانة أو البيع أمراً غير ميسورٍ عرفاً، بأنْ كان حرجيّاً أو مخالفة لشأنه، فالأظهر أنّه يُعطى من الزَّكاة كما لا يخفى وجهه.

(و) المورد الثالث: ما صرّح به غير واحد(5) من أنّ (الضيف) أيضاً من المصارف، ولكن اختلفوا:

فمنهم: من أطلقه كما في المتن.

إذا كان سفرهما مباحاً.6.

ص: 327


1- مدارك الأحكام: ج 5/236.
2- المعتبر: ج 2/578.
3- مسالك الأفهام: ج 1/420.
4- سنن البيهقي: ج 7/15.
5- شرح اللّمعة: ج 2/50، مجمع الفائدة: ج 4/166.

ومنهم:(1) من قيّده بكونه محتاجاً إلى الضيافة.

والمفيد(2) قيّده بكونه محتاجاً إليها في السفر.

أقول: الضيف من حيثُ هو لا يصدق عليه ابن السبيل، ومعه لا وجه لجعله مصرفاً، وما في كلماتهم من نسبته إلى رواية، لا يكون ممّا يعتمد عليه في الإفتاء، وعليه فالأظهر عدم كونه مصرف هذا السهم.

المورد الرابع: لا خلاف ظاهراً في اشتراط أن لا يكون سفره في معصية، ويشهد له مرسل القُمّي(3) المتقدّم، المنجبر ضعفه بالعمل، وما فيه من اعتبار كون السفر في طاعة اللّه، يكون المراد به ما يقابل سفر المعصية، فيعمّ المباح أيضاً.

فما عن الإسكافي(4) من اعتبار كون السفر في طاعة اللّه غير تامّ ، كما أنّ استشكال صاحب «الحدائق» رحمه الله(5) فيه في غير محلّه.

وعليه، فما ذكره المصنّف رحمه الله بقوله (إذا كان سفرهما مباحاً) تامٌّ .

المورد الخامس: المنقول عن الإسكافي(6)، والشهيد في «الدروس»(7)2.

ص: 328


1- مختلف الشيعة: ج 3/204، جواهر الكلام: ج 15/374.
2- المقنعة: ص 241.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/49 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/211 ح 11862.
4- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/205.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/203.
6- حكاه عنه في المعتبر: ج 2/578.
7- الدروس: ج 1/242.

و «اللّمعة»(1) القول باندراج المريد للسفر الذي ليس له نفقة السفر في ابن السبيل.

ويرد عليهما: أنّ ذلك منافٍ لما يُفهم من مصطلح ابن السبيل بحسب المتفاهم العرفي، فإنّ صدقه يتوقّف على التلبّس بالسفر.

نعم، الميزان هو السفر العرفي دون الشرعي، فمن هو في محلّ إقامته ويريد العود إلى وطنه، إذا تمّت نفقته يكون من أفراد ابن السبيل، وما دلّ على قاطعيّة الإقامة للسفر، لا حكومة له على أدلّة ابن السبيل كما لا يخفى ، فلو تلبّس بالسّفر مَنْ ليس عنده مؤونة السّفر، اندرج بعد مسافرته في عنوان ابن السبيل، ويشمله إطلاق دليل ابن السبيل.

وما في المرسل من التعبير بذهاب المال يكون المراد به الحاجة في الرجوع، كما هو واضح.

المورد السادس: يُعطى ابن السبيل من الزَّكاة قَدَر الكفاية اللّائقة بحاله من النقدين، أو العروض، إلى أنْ يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محلٍّ يمكنه تحصيل مؤونة السبيل فيه، إذ الآية(2) الشريفة ظاهرة في أنّ المصرف هو هذه الجهة، أي جهة السبيل لا الشخص، نظير الغارمين والرقاب. وعليه فلو دفع إليه مقدارٌ، وفَضُل منه شيءٌ :

فهل يُعاد كما هو المشهور(3)؟

أم لا يرتجع، كما عن «الخلاف»(4)؟5.

ص: 329


1- شرح اللّمعة: ج 2/50.
2- سورة التوبة: الآية 60.
3- جواهر الكلام: ج 15/376، مصباح الفقيه: ج 3/104.
4- الخلاف: ج 4/235.

أم يفرّق بين النقدين والعروض، فيُعادالنقد دون العروض كماعن المصنّف رحمه الله ؟

وجوهٌ ، أقواها الأوّل، لما عرفت من ظهور الآية في أنّ المصرف هي الجهة، فلو زاد عليها شيءٌ لابدّ من إعادته.

واستدلّ للثاني: بأنّه يملكه بالقبض، فما يفضل منه بعد الوصول إلى بلده ليس إلّا كما يفضل في يد الفقير من مال الصدقة بعد صيرورته غنيّاً.

وفيه: إنّ ما يملكه الفقير غير مقدّرٍ بقدر خاص، بخلاف ما يملكه ابن السبيل، فإنّه يملك ما يوصله إلى بلده.

واستدلّ للثالث: بأنّ المزكّي إنّما يملك المستحقّ عين ما دفعه إليه، والمنافع تابعة، والواجب على المستحقّ ردّ ما زاد من العين، ولا زيادة في غير النقدين إلّافي المنافع، ولا أثر لها مع ملكيّة تمام العين.

وفيه: إنّه إذا كان المصرف هي الجهة، فلا محالة تكون ملكيّة ابن السبيل للعين ملكيّة متزلزلة، وهي تنفسخ بمجرّد الإستغناء.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ المستحقّ في الحقيقة نفس الجهة لا ذو الجهة.

***

ص: 330

ويعتبر في المستحقّين الإيمان.

أوصاف المستحقّين

(ويعتبر في المستحقّين) صفاتٌ :

الصفة الاُولى : (الإيمان) يعني الإسلام والولاية للأئمّة الإثني عشر عليهم السلام، فلا تُعطى الكافر بجميع أقسامه، ولا لمن يعتقد خلاف الحقّ مِنْ فِرق المسلمين، بلا خلافٍ فيه على الظاهر، وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الفضلاء، عن الإمامين الصادقين عليهما السلام: «أنّهما قالا في الرّجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة، والمرجئة، والعثمانيّة، والقَدريّة، ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويَحسُن رأيه، أيُعيد كلّ صلاةٍ صلّاها أو صومٍ أو زكاةٍ أو حَجّ ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك ؟

قال عليه السلام: ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزَّكاة، ولابدّ أن يؤدّيها لأنّه وضع الزَّكاة في غير موضعها، وإنّما موضعها أهل الولاية»(2).

ومنها: صحيح العِجْلي، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديث:

«كلّ عملٍ عمله وهو في حال نَصبه وضلالته، ثمّ مَنَّ اللّه عليه وعَرّفه الولاية، فإنّه يُؤجر عليه إلّاالزَّكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها

ص: 331


1- غنية النزوع: ص 130، المعتبر: ج 2/579، منتهى المطلب: ج 1/522.
2- الكافي: ج 3/545 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/216 ح 11871.

لأهل الولاية»(1).

ونحوهما غيرهما من النصوص المستفيضة.

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في مواضع:

الموضع الأوّل: لو شكّ في إسلام الفقير أو ولايته، لا يجوز الدفع إليه، وذلك لأصالة عدم الإيمان، لأنّه أمرٌ وجودي مسبوقٌ بالعدم.

ودعوى: أنّ ذلك العدم ليس كفراً، لكونه من قبيل عدم الملكة، والعدم عمّا من شأنه أن يكون مسلماً ليس له حالة سابقة حال الصغر.

مندفعة: بأنّ هذا لا يوجب تعدّد المشكوك فيه والمتيقّن، بل هما شيء واحد، غاية الأمر العدم حال كونه متيقّناً لم يكن ينطبق عليه الكفر، وفي حال كونه مشكوكاً فيه ينطبق عليه ذلك، وهذا لا يوجبُ تعدّد الموضوع كي لا يكون إبقائه استصحاباً.

ودعوى: أنّ الإسلام هو مقتضى الأصل الثانوي الثابت بحديث الفطرة(2).

مندفعة: بأنّه مضافاً إلى ضعفه، قد ادّعى صاحب «الجواهر»(3) رحمه الله في كتاب اللُّقطة إعراض الأصحاب عنه، فيُحمل على ما حمله عليه بعض الأصحاب(4) من أنّ كلّ مولودٍ لو بقى وصار مميّزاً يصبح مسلماً بالطبع، إلّاأن يمنع مانعٌ .

ودعوى: أنّ ذلك يتمّ في غير أرض المؤمنين، وأمّا فيها فهي أمارة للإيمان.1.

ص: 332


1- تهذيب الأحكام: ج 5/9 ح 23، وسائل الشيعة: ج 9/216 ح 11870.
2- اُصول الكافي ج 2 من طبعة طهران. (هامش الكتاب الأصلي ص 259).
3- جواهر الكلام: ج 38/161 قوله: (ودعوى أنّه مولود على الفطرة فيكون مسلماً واضحة المنع...).
4- حكاه صاحب الجواهر: ج 38/161.

مندفعة: بأنّ هذا يتمّ في الإسلام، لما حقّقناه في هذا الشرح من أماريّتها لكون من فيها مسلماً، ولم يثبت في الإيمان ذلك.

الموضع الثاني: لا إشكال في أنّ ذلك - أي اعتبار الإيمان - إنّما هو غير المؤلّفة قلوبهم، وأمّا هم فلا يعتبر فيهم الإيمان، بناءً على تفسير المؤلّفة بالكفّار، وأمّا بناءً على ما اخترناه، فحكمهم حكم سائر الأصناف.

وعن «المدارك»(1)، و «المسالك»(2): إلحاق بعض أفراد سبيل اللّه.

ولعلّهما أرادا الغازي، كما صرّح به صاحب «الوسيلة»(3).

وعن بعض مشائخ(4) الشيخ الأعظم رحمه الله: استثناء مطلق سبيل اللّه.

وعن «الغُنية»(5): إلحاق العاملين بالمؤلّفة.

والمنسوب إلى ظاهر جماعةٍ (6): اختصاص هذا الشرط بالفقراء والمساكين.

والتحقيق: أنّ مقتضى إطلاق النصوص - المتقدّم بعضها، المانعة عن صرف الزَّكاة إلى غير أهل الولاية - هو عدم جواز الصرف من شيءٍ من السهام في غير أهل الولاية، حتّى من سهم سبيل اللّه إذا كان صرفاً فيه، وأمّا لو كان صرفاً في الحقيقة في المصلحة، كما إذا قام المخالف بمصلحةٍ كالغزو ونحوه، فالظاهر جوازه، لخروج ذلك عن منصرف النصوص المانعة.7.

ص: 333


1- مدارك الأحكام: ج 5/241.
2- مسالك الأفهام: ج 1/421.
3- الوسيلة: ص 129.
4- جواهر الكلام: ج 15/377.
5- غنية النزوع: ص 124.
6- ذكر هذه النسبة الشيخ الأنصاري في كتاب الزَّكاة ص 317.

وبعبارة اُخرى: إذا كان الفعل مع مباشرة المخالف سبيلاً وقُربةً ، بأن لم يكن من العبادات، بل كان من الاُمور المحصّلة للغرض، من أي فاعلٍ صدر كالغزو، وأراد دافع الزَّكاة مجرّد وجود ذلك، جاز له الدفع من سهم سبيل اللّه، إذ الفعل حينئذٍ هو الذي صرف فيه الزَّكاة، نظير بناء القناطر والمساجد، والفاعل له بمنزلة الآلة، فلا تشمله الأخبار المانعة، لأنّها تمنع عن وضعها في المخالف، وفي الفرض إنّما توضع في تحصيل الفعل المذكور من الخارج.

وبهذا يظهر عدم منافاة ذلك للحصر الوارد في قوله: (إنّما موضعها أهل الولاية) لأنّ ذلك إنّما هو في غير ما يُصرف في المصالح، كما هو واضح.

الموضع الثالث: مع عدم وجود المؤمن وسبيل اللّه، تُحفظ الزَّكاة إلى حال التمكّن من أحدهما، ولا تُعطى المخالف، فضلاً عن الكافر على المشهور.

وفي «الجواهر»(1): بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى إطلاق أدلّة المنع - خصوص خبر إبراهيم الأوسي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال:

«سمعتُ أبي يقول: كنتُ عند أبي عليه السلام يوماً فأتاه رجلٌ فقال: إنّي رجلٌ من أهل الرّي، ولي زكاة، فإلى مَن أدفعها؟ فقال عليه السلام: إلينا.

فقال: أليس الصَّدقة محرّمة عليكم ؟

فقال عليه السلام: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا، فقد دفعتها إلينا.

فقال: إنّي لا أعرف لها أحد؟ فقال: انتظر بها سنة. قال: فإنْ لم أصب لها أحداً؟ قال عليه السلام: انتظر بها سنتين، حتّى بلغ أربع سنين، ثمّ قال له: إنْ لم تُصب لها أحداً1.

ص: 334


1- جواهر الكلام: ج 15/381.

فصُرّها صُرراً واطرحها في البحر، فإنّ اللّه تعالى حَرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا»(1).

والظاهر أنّ ما في ذيلها من الأمر بإلقائها في البحر، كناية عن أنّ إتلافها عند التعذّر من صرفها في الشيعة، أولى من إيصالها إلى المخالفين.

وأمّا خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصالح عليه السلام، قال:

«قلت له: الرّجل منّا يكون في أرضٍ منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله ؟ فقال عليه السلام: يضعها في اخوانه وأهل ولايته.

قلت: فإنْ لم يحضره منهم فيها أحدٌ؟ قال: يبعث بها إليهم.

قلت: فإنْ لم يجد من يَحملها إليهم ؟ قال عليه السلام: يدفعها إلى من لا ينصب.

قلت: فغيرهم ؟ قال عليه السلام: ما لغيرهم إلّاالحَجَر»(2).

فلضعف سنده كما عن «المعتبر»(3)، وشذوذه كما عن «المنتهى»(4) مطروحٌ أو محمولٌ على ما لا ينافي ما تقدّم.

الموضع الرابع: المشهور بين الأصحاب - على ما نُسب إليهم(5) -: عدم الفرق بين زكاة المال وزكاة الفطرة.

وعن جماعةٍ منهم الشيخ(6) وأتباعه(7)، والمحقّق في «الشرائع»(8): أنّه مع2.

ص: 335


1- تهذيب الأحكام: ج 4/52 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/223 ح 11887.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/46 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/223 ح 11886.
3- المعتبر: ج 2/580.
4- منتهى المطلب: ج 1/523.
5- رياض المسائل: ج 5/169 (ط. ج).
6- النهاية: ص 192، المبسوط: ج 1/242.
7- مدارك الأحكام: ج 5/239 عزاه إلى من تبعه.
8- شرائع الإسلام: ج 1/132.

عدم وجود المؤمن، يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف المستحقّ ، أي غير المعاند للحقّ من المخالفين.

ويشهد للأوّل: إطلاق الأخبار، ففي مصحّح إسماعيل بن سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام: «عن الزَّكاة هل توضع فيمن لا يعرف ؟ قال عليه السلام: لا، ولا زكاة الفطرة»(1).

ونحوه غيره.

أقول: وبإزاء هذه النصوص طائفتان من الأخبار:

الطائفة الأُولى : ما ظاهرها الجواز مطلقاً:

منها: صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «عن زكاة الفطرة أيصلح أن تُعطى الجيران والظؤورة ممّن لا يعرف ولا يَنصب ؟

فقال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً»(2).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام:

«عن صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني ؟

قال عليه السلام: نعم، الجيران أحقّ بها لمكان الشهرة»(3). ونحوهما غيرهما.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على الجواز عند عدم وجود المؤمن:

منها: موثّق الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كان جَدّي يعطي فطرته الضعفاء، ومن لا يجد ومن لا يتولّى .

فقال: وقال أبو عبد اللّه: هي لأهلها إلّاأن لا تجدهم، فإنْ لم تجدهم فلمن لا يَنصب، ولا تُنقل من أرضٍ إلى أرض.5.

ص: 336


1- الكافي: ج 3/547 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/221 ح 11880.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/180 ح 2077، وسائل الشيعة: ج 9/361 ح 12239.
3- الكافي: ج 4/174 ح 19، وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12235.

ويُعطى أولاد المؤمنين.

وقال: الإمام يضعها حيثُ يشاء، يصنع فيها ما يرى »(1). ونحوه غيره.

أمّا الأُولى : فمقتضى القاعدة وإنْ كان الجمع بينها، وبين ما تقدّم بالبناء على مرجوحيّة إعطائها إيّاهم، ولكن لعدم إفتاء أحدٍ بذلك، ولما في بعضها من أمارة التقيّة، وهو قوله عليه السلام في موثّق إسحاق: (لمكان الشهرة) إذ المراد به على الظاهر أنّ الأمر بالإعطاء إنّما هو للتحرّز عن أن يشهر بينهم كونه إماميّاً، يتعيّن حملها على الإعطاء في مورد التقيّة. واللّه العالم.

وأمّا الثانية: فالجمع العرفي يقتضي تقييد إطلاق ما تقدّم بها، وحيث أنّ الأصحاب لم يعرضوا عنها وأفتوا بمضمونها، فالأشبه بحسب القواعد هو البناء على ذلك، واللّه العالم.

وعليه فالقول الثاني أظهر.

سهم الفقراء يعطى لأطفال المؤمنين

(ويعطى) من الزَّكاة (أولاد المؤمنين) بلا خلافٍ فيه، وعن غير واحدٍ(2)دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: نصوصٌ كثيرة:

منها: مصحّح أبي بصير: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يموت ويترك العيال

ص: 337


1- تهذيب الأحكام: ج 4/88 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12236.
2- مختلف الشيعة: ج 3/210، مجمع الفائدة: ج 4/175، مدارك الأحكام: ج 5/240.

أيعطون من الزَّكاة ؟

قال عليه السلام: نعم، حتّى ينشأوا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون، إذا قطع ذلك عنهم، فقلت: إنّهم لا يعرفون.

فقال: يُحفظ فيهم ميّتهم، ويُحبّب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم، وإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم»(1).

ومنها: خبر يونس بن يعقوب، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزَّكاة، فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً، وأرى أنّ ذلك خيرٌ لهم ؟ قال: فقال عليه السلام: لابأس(2).

ونحوهما غيرهما، واختصاصها بأولاد المؤمنين ظاهر.

ثمّ إنّ إعطاء الزَّكاة للطفل يكون بأحد وجهين: وإمّا بالصرف عليهم مباشرة، أو بالتمليك.

ويشهد للأوّل: - مضافاً إلى عدم الدليل على لزوم التمليك، لا في سهم الفقراء، ولا في غيره، وإطلاق الأدلّة ينفيه - خبر يونس المتقدّم.

وأمّا الثاني: فلا كلام فيه، إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر الدفع إلى الوليّ ، أو إلى الطفل مع إذنه، ولو دفع إليه بدون إذنه لا يكفي، كما عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(3)، أم لا يعتبر ذلك بل يجوز الدفع إليه كما عن بعضٍ (4)؟ وجهان:).

ص: 338


1- الكافي: ج 3/548 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/226 ح 11896.
2- وسائل الشيعة: ج 9/227 ح 11898، قرب الإسناد: ص 24.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/280 (ط. ج).
4- مدارك الأحكام: ج 5/242، ذخيرة المعاد: ج 3/458، الحدائق الناضرة: ج 12/208، رياض المسائل ج 5/173 (ط. ج).

استدلّ السيّد رحمه الله(1) في حاشيته على «المكاسب» على أنّ قبض الصبيّ يترتّب عليه الأثر، ولا يعتبر فيه إذن الوليّ بوجوهٍ :

1 - أنّ السيرة في الصدقات عليه.

وفيه: المتيقّن منها إعطائها بإذن الوليّ .

2 - إطلاق نصوص الكفّارة الدالّة على جواز إعطائها بيد الصغير.

وفيه: أنّ تلك النصوص واردة في مقام بيان حكمٍ آخر، لا يصحّ الاستدلال بإطلاقها من هذه الجهة.

وبه يظهر ما في الوجه الثالث، وهو ما ورد في الزَّكاة، الدالّ على جواز إعطائها للصغير.

أقول: والحقّ أنّ قبض الصبيّ من حيث هو باستقلاله لا يترتّب عليه الأثر، ولا عبرة به، لما دلّ على عدم جواز أمر الصبيّ (2)، وأمّا قبضه مع إذن الوليّ ، فالظاهر كفايته؛ لأنّ ذلك قبضٌ منه، واستيلاءٌ على المال، إذ القبض الذي يترتّب عليه الأثر، عبارة عن الاستيلاء على المال المتحقّق في الفرض.

وما أفاده المصنّف رحمه الله من أنّ ذلك تضييع لمال الصبيّ ، فلا يجوز وإنْ أذن الوليّ ، غير تامّ لعدم كونه تضييعاً، بل إقباض للولي.

فتحصّل: أنّ الأظهر كفاية الدفع إليه، لكن مع إذن الوليّ لا بدونه.

ومورد النصوص ما لو كان الأب مؤمناً، فلو كان أبوه مخالفاً، أو كافراً، واُمّه مؤمنة، فإنّه لا دليل على جواز إعطائه.).

ص: 339


1- كما يظهر من مصباح الفقاهة: ج 2/540، (هل يصحّ قبض الصبيّ ).
2- تهذيب الأحكام: ج 10/37 ح 132، وسائل الشيعة: ج 18/410 (باب حَدّ ارتفاع الحجر عن الصغير).

ولو أعطى المخالف مثله أعاد مع الاستبصار.

وما عن «البيان»(1)، و «المسالك»(2)، وفي «العروة»(3) من إعطائها إيّاه نظراً إلى أنّه يلحق بأشرف الأبوين غير تامّ .

(ولو أعطى المخالف مثله، أعاد مع الاستبصار) بلا خلافٍ (4)، بل عن غير واحدٍ(5) دعوى الإجماع عليه.

ثمّ إنّ ظاهر التعليل أنّه لو أعطاها فقراء الشيعة، أو صرفها إلى جهةٍ من الجهات الّتي يجوز صرف الزَّكاة فيها، لم يجب عليه إعادتها.

ودعوى: أنّه يعارضه إطلاق الحكم المعلّل.

مندفعة: بحكومة العلّة عليه.

وعليه، فما هو ظاهر المتن وغيره، من عدم وجوب الإعادة حينئذٍ هو الأظهر.

***3.

ص: 340


1- البيان: ص 196.
2- مسالك الأفهام: ج 1/422.
3- العروة الوثقى: ج 4/125 (ط. ج).
4- ذخيرة المعاد: ج 3/458.
5- مدارك الأحكام: ج 5/242، غنائم الأيّام: ج 4/163، مستند الشيعة: ج 9/303.

وأنْ لا يكونوا واجبي النفقة عليه من الأبوين وإنْ عَلوا، و الأولاد وإنْ نزلوا، والزوجة والمملوك.

حكم دفع الزَّكاة لواجبي النفقة

الصفة الثانية: (أن لا يكونوا واجبي النفقة عليه من الأبوين وإنْ عَلوا، والأولاد وإنْ نزلوا، والزوجة والمملوك) إجماعاً، كما عن غير واحدٍ(1) إذا كان المنفق قادراً وباذلاً.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام: «خمسة لا يعطون من الزَّكاة شيئاً: الأب والاُمّ والوالد والمملوك والمرأة، إنّه عياله لازمون له»(2).

ومنها: مصحّح إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليه السلام:

«قلتُ : فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي، حتّى لا أحتسب الزَّكاة عليهم ؟

قال عليه السلام: أبوك واُمّك. قلت: أبي واُمّي ؟ قال عليه السلام: الوالدان والولد»(3) ونحوهما غيرهما.

وبإزائها مكاتبة عمران(4)، والمرسل عن محمّد بن جزك(5)، وهما يدلّان على

ص: 341


1- منتهى المطلب: ج 1/523، مدارك الأحكام: ج 5/245، غنائم الأيّام: ج 4/169، مستند الشيعة: ج 9/308، جواهر الكلام: ج 15/395.
2- الكافي: ج 3/553 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/240 ح 11928.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/56 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/241 ح 11929.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/56 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/243 ح 11934.
5- الكافي: ج 3/552 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/243 ح 11935.

جواز إعطائها للولد، ولذا اختار كاشف الغطاء(1) أنّ هذا الحكم في غير الزوجة والمملوك على الندب، جمعاً بين النصوص.

وفيه: لإعراض الأصحاب عنهما، لا يُعتمد عليهما، مضافاً إلى إرسال الثاني.

أقول: ثمّ إنّ تنقيح القول في المقام يتحقّق بالبحث في جهات:

الإشكال في تحقّق الفقر مع بذل النفقة

الجهة الأُولى : يجوز لمن تجب نفقته على غيره، أن يأخذ الزَّكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادراً على إنفاقه، أو كان قادراً ولكن لم يكن باذلاً، كما صرّح به غير واحدٍ(2)، بل ظاهر «المدارك»(3) دعوى الإجماع عليه، ويقتضيه إطلاق الأدلّة.

وأمّا إذا كان باذلاً:

فهل يجوز الأخذ كما عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(4)، والشهيد في «الدروس»(5) و «البيان»(6)، والمحقّق الثاني في «فوائد «الشرائع»(7)، والسيّد في «المدارك»(8)؟

ص: 342


1- كشف الغطاء: ج 2/355.
2- شرح اللّمعة: ج 2/45، الحدائق الناضرة: ج 12/211، رياض المسائل: ج 5/179.
3- مدارك الأحكام: ج 5/247.
4- منتهى المطلب: ج 1/519.
5- الدروس: ج 1/242.
6- البيان: ص 196-197.
7- حكاه صاحب مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/291.
8- مدارك الأحكام: ج 5/247.

أم لا يجوز كما عن «التذكرة»(1) و «مجمع البرهان»(2) و «شرح المفاتيح»(3)؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل: بوجهين:

أحدهما: صحيح ابن الحجّاج، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «عن الرّجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مؤونته، أيأخذ من الزَّكاة، فيوسّع به إنْ كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه ؟ فقال عليه السلام: لا بأس»(4).

وفيه: إنّه لا يخرجُ عن الفقر بالإنفاق، فكما يجبُ على القريب الإنفاق عليه لكونه فقيراً، كذلك يجوز لغيره دفع الزَّكاة إليه.

وبعبارة اُخرى: الفقر موضوعٌ لوجوب الإنفاق، وجواز دفع الزَّكاة، فكما لا ينتفى الفقر ببذل الزَّكاة، بحيثُ يخرج عن كونه موضوعاً لوجوب الإنفاق، كذلك لا ينتفي ببذل النفقة، بحيث يخرج عن موضوع الزَّكاة.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم رحمه الله(5): بأنّ موضوع وجوب الإنفاق هو عدم القدرة على مؤونة نفسه، وهذا حاصلٌ وإنْ تكفّله رجلٌ من باب الزَّكاة، وأمّا جواز دفع الزَّكاة فموضوعه الحاجة والفقر، ويرتفع بتملّكه على غيره المؤونة، ولو بالتكليف ببذلها، فموضوعُ الزَّكاة يرتفع بالإنفاق الواجب بخلاف العكس.

وفيه: إنّه كما لا يصدق الفقير على من تجب نفقته على غيره مع بذله، ولذا لا6.

ص: 343


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/265 (ط. ج).
2- مجمع الفائدة: ج 4/157.
3- حكاه صاحب مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/290.
4- الكافي: ج 3/561 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/238 ح 11922.
5- كتاب الزَّكاة: ص 336.

يصدق الفقير على أولاد الأغنياء من دون الثروة، كذلك لا يصدق على غير القادر على النفقة مع جواز دفع الزَّكاة إليه ودفعها في الخارج، فكلٌّ منهما يصلح لرفع موضوع الآخر.

أقول: وبذلك يظهر ما في الاستدلال المزبور، ولكن الذي يدفع الإشكال: أنّ أدلّة الإنفاق لا إطلاق لشيء منها، كي يستدلّ به على وجوبه عند الشكّ ، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة، فلابدّ من الإقتصار على المتيقّن، فلا دليل على وجوبه في الفرض، أي فرض بذل الزَّكاة وعدم المانع من التعيّش بها، فدليل الزَّكاة يصلحُ حاكماً على دليل وجوب الإنفاق ويوجب ارتفاعه.

نعم، لو بذل والحال هذه، لا يجوز له أخذ الزَّكاة، لانتفاء الفقر بذلك، اللّهُمَّ إلّا أنْ يمتنع عن قبول البذل والهبة، لأنّ له ذلك.

أقول: وبما ذكرناه تظهر اُمور:

الأوّل: لا فرق بين أن يكون لهذا الذي تجب نفقته على غيره عيالٌ غير واجبي النفقة على ذلك الغير وعدمه، إذ في الصورتين دليلُ الزَّكاة يقدّم على دليل الإنفاق.

كما أنّه في الصورتين لو بذله ما يكفيه وقبل ليس له قبول الزَّكاة، وله الامتناع عن قبول البذل في الصورتين ليقبل الزَّكاة.

الثاني: لا فرق في البذل بين أن يكون من من تجبُ نفقته عليه، وبين أن يكون من غيره، إذ في الفرضين له الامتناع عن قبول البذل فيأخذ الزَّكاة، وله قبوله فلا يأخذها.

الثالث: عدم الإشكال في ما استقرّ عليه العمل في هذه الاعصار من إعطاء

ص: 344

الحقوق والكفّارات وغيرها للعيال صغيرهم وكبيرهم، مع أنّ أكثر الصغار تجبُ نفقتهم على غيرهم.

لا يُقال: إنّه لابدّ من البناء علي عدم جواز أخذ الزَّكاة، للنصوص المتقدّم بعضها.

فإنّه يقال: إنّها مختصّة بإعطاء المُنفِق الزَّكاة، والتعدّي يحتاج إلى دليل آخر.

أقول: بقي في المقام فروع:

الفرع الأوّل: أنّ ماذكرناه إنّما هو في غير زوجة الموسر الباذل، وأمّا فيها فالظاهر أنّه لا خلاف في عدم الدفع إليها، وادّعى صاحب «الجواهر»(1) رحمه الله إمكان تحصيل الإجماع عليه.

والظاهر أنّ الفرق بينهما وبين غيرها من الأقرباء، عدم وجوب الإنفاق مع بذل الزَّكاة في سائر الأقرباء، ووجوبه مع بذلها فيها.

الفرع الثاني: يجوز دفع الزَّكاة إلى الزوجة المتمتّع بها، غير الواجب نفقتها على الزوج بالشرط أو نحوه.

وعن بعضٍ (2): المنع، لإطلاق بعض نصوص المنع.

وفيه: أنّ ما فيها من التعليل بلزوم النفقة، حاكمٌ على هذا الإطلاق.

الفرع الثالث: إذا كانت الزوجة ناشزة، وكانت نفقتها ساقطة، هل يجوز دفع الزَّكاة إليها أم لا؟

وجهان، وقد ادّعى صاحب «المعتبر»(3) قيام الإجماع على الثاني.

أقول: وهو الأظهر، لا لإطلاق النصوص لما مرّ من اشتمالها على التعليل بلزوم2.

ص: 345


1- جواهر الكلام: ج 15/395.
2- حكاه صاحب مستند الشيعة في: ج 9/316 بقوله: (وربما قيل بالمنع لإطلاق النص).
3- المعتبر: ج 2/582.

الإنفاق، المستلزم ذلك لعدم شمول ما تضمّنه من الحكم للغير مورد لزومها، بل لأنّها من جهة تمكّنها من تحصيل النفقة بترك النشوز، لا يصدق عليها الفقير، فلا يجوز لها أخذها.

الفرع الرابع: إذا عال بأحدٍ تبرّعاً، جاز له دفع زكاته له، فضلاً عن غيره، إجماعاً كما عن «المدارك»(1)، لإطلاق الأدلّة.

وأمّا خبر أبي خديجة: «لا تُعطِ الزَّكاة أحداً ممّن تعول»(2) فمحمولٌ على واجبي النفقة، لو لم يكن ظاهراً فيه.

الفرع الخامس: يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى زوجها، لإطلاق الأدلّة، وعن الصدوق(3) المنع عنه، ولم يظهر وجهه.

ثمّ على فرض الدفع، يجوز له أن يصرفها في نفقتها، بأن ينفقها عليها، وما عن الإسكافي(4) من المنع غيرُ ظاهر الوجه.

الجهة الثانية: إنّما لا يجوز إعطاء الزَّكاة لواجبي النفقة من سهم الفقراء لأجل الفقر، وأمّا من غيره من السهام، كسهم الغارمين إذا كان منهم، أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو في الرقاب إذا كان من أحد المذكورات، فالظاهر أنّه لا خلاف في جوازه.2.

ص: 346


1- حكى الإجماع صاحب مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/296.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/57 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/244 ح 11937.
3- المقنع: ص 166.
4- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/212.

وعن «الذخيرة»(1): أنّه مقطوع به بين الأصحاب.

ويشهد له:

1 - عموم الأدلّة.

2 - عدم شمول نصوص المنع له، كما أنّ ما فيها من العلّة غير شاملة له.

3 - وما دلّ على جواز قضاء دَين الأب من سهم الغارمين، واشتراء الأب من سهم الرِّقاب.

عدم جواز دفع الزَّكاة لواجبي النفقة عليه للتوسعة

الجهة الثالثة: هل يجوز إعطاء زكاته لواجبي النفقة له للتوسعة، كما عن المحقّق(2) والشهيد(3) الثانيين وغيرهما(4)، أم لا يجوز؟

أقول: الكلام يقع في موردين:

الأوّل: في التوسعة الموجبة لكون النفقة لائقة بحاله، كما إذا حصل في معيشته بحسب شأنه فتورٌ فيما لو لم يأخذ.

الثاني: في التوسعة الزائدة على النفقة اللّائقة.

أمّا المورد الأوّل: فقد استدلّ الشيخ الأعظم للجواز:(5)

1 - بإطلاق الأدلّة، بضميمة دعوى انصراف ما دلّ على المنع بصورة قيام

ص: 347


1- ذخيرة المعاد: ج 3/459.
2- جامع المقاصد: ج 3/30-31.
3- مسالك الأفهام: ج 1/423.
4- ذخيرة المعاد: ج 3/459، الحدائق الناضرة: ج 12/214، كشف الغطاء: ج 2/356.
5- كتاب الزَّكاة ص 337-338.

المنفق بالإنفاق اللّائق.

2 - وبموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يكون له ألف درهم، يعمل بها، وقد وجب عليه فيها الزَّكاة، ويكون فضله الذي يكسب بماله كفافُ عياله لطعامهم وكسوتهم، ولا يسعه لإدامهم، وإنّما هو ما يقوته في الطعام والكسوة ؟

قال عليه السلام: فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئاً قلَّ أو كثر، فيعطيه بعض من تَحلّ له الزَّكاة، وليعد بما بقى من الزَّكاة على عياله، فليشتر بذلك إدامهم وما يصلحهم من طعامهم»(1).

ونحوه صحيح صفوان عن إسحاق بن عمّار(2).

أمّا الوجه الأوّل فيرد عليه: أنّ الانصراف ممنوعٌ ، كيف وقد عُلّل بأنّهم عياله لازمون له لا بقيام المنفق بالإنفاق.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ المنع ليس بواسطة صيرورتهم أغنياء كي تصحّ الدعوى المزبورة، بل من جهة لزوم الإنفاق، فتدبّر.

ودعوى: اختصاصها بالدفع للقوت اللّازم، ولا تشمل الدفع للتوسعة من جهة التعليل.

ممنوعة: لأنّ ظاهر التعليل أنّ اللّزوم مانعٌ عن إعطائهم شيئاً من الزَّكاة ولو للتوسعة.

ويرد على الوجه الثاني: أنّ مورد الخبرين صورة عدم القدرة على الإنفاق اللّازم، وأنّه يدفع الزَّكاة لتتميمه لا للتوسعة، وهذا أجنبيٌ عن المقام، فإنّ محلّ 2.

ص: 348


1- الكافي: ج 3/562 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/242 ح 11933.
2- الكافي: ج 3/561 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/242 ح 11932.

الكلام هو الدفع للتوسعة، مع قدرته على الإنفاق اللّازم، مع أنّ موردهما زكاة مال التجارة، والتعدّي منها إلى الزَّكاة الواجبة غير ظاهر الوجه.

وعليه، فالأظهر عدم الجواز.

وأمّا المورد الثاني: أي الإعطاء للتوسعة الزائدة على النفقة اللّائقة، فعن ظاهر جماعةٍ (1) جوازه، واستدلّ له بوجهين:

الوجه الأوّل: صحيح ابن الحجّاج، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام:

«عن الرّجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مؤونته، أيأخذ من الزَّكاة، فيوسّع به إنْ كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه ؟

فقال عليه السلام: لا بأس»(2).

وفيه: إنّ مورده أخذ الزَّكاة من غير المنفق، مع عدم قيام المنفق بكلّ ما يحتاج إليه الذي عرفت جوازه، فلا ربط له بالمقام.

الوجه الثاني: خبر أبي بصير: «عن رجلٍ من أصحابنا له ثمانمائة درهم، وهو رجلٌ خفّاف، وله عيالٌ كثير، ألَهُ أن يأخذ من الزَّكاة...؟

إلى أنْ قال: فقلتُ : فعليه في ماله زكاةٌ تلزمه ؟ قال عليه السلام: بلى.

قلت: كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: يوسّع بها على عياله في طعامهم وكسوتهم، ويُبقي منها شيئاً يناله غيرهم»(3).

بدعوى أنّه من جهة ما في صدره من فرض زيادة الرّبح عن القوت، يكون8.

ص: 349


1- منتهى المطلب: ج 1/519، الحدائق الناضرة: ج 211/12، غنائم الأيّام: ج 4/171.
2- الكافي: ج 3/561 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/238 ح 11922.
3- الكافي: ج 3/560 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/232 ح 11908.

ظاهراً في التوسعة، وصريحه إعطاء المنفق.

وفيه: إنّ مورده زكاة مال التجارة، والتعدّي مع احتمال الفصل يحتاج إلى دليل.

وعليه، فالأظهر عدم جوازه أيضاً لإطلاق أدلّة المنع، فراجع.(1)

لو عَجَز من يجب النفقة عليه عن الإنفاق

الجهة الرابعة: إذا عجز من تجبُ النفقة عليه من الإنفاق:

فهل يجوز له دفع زكاته لواجبي نفقته ؟

أم لا يجوز له ذلك ؟

أم يفصّل بين العجز عن إعطاء تمامه فلا يجوز، وبين العجز عن إتمام ما يجب عليه فيجوز؟

وجوهٌ وأقوال، أظهرها الأوّل، لأنّ نصوص المنع من جهة ما فيها من التعليل، بأنّهم لازمون له، وأنّه يُجبر على نفقتهم، تختصّ بصورة وجوب الإنفاق، الساقط في الفرض لعدم القدرة، فلا مقيّد لإطلاق الأدلّة بعد صدق الفقير عليه.

واستدلّ للثاني: بإطلاق الأخبار، ومعاقد الإجماعات المانعة من دفع الزَّكاة إلى واجبي النفقة.

وفيه: إنّ النصوص من جهة ما فيها من التعليل، مختصّة بما إذا كان الإنفاق واجباً.

واستدلّ للثالث: - أي الجواز في صورة العجز عن الإتمام - بالنصوص الواردة في التوسعة، المتقدّمة في الجهة الثالثة، بدعوى شمولها للتتمّة، لأنّها أيضاً نوعٌ من

ص: 350


1- صفحة 265 من هذا المجلّد.

التوسعة.

أقول: قد مرّ أنّ جملة منها مختصّة بالتتمّة، ولا تكون شاملة للتوسعة، وهي وإنْ كان موردها العجز عن الإتمام، إلّاأنّها على الجواز في صورة العجز عن التمام بالفحوى.

وعليه، فالأظهر هو الجواز في الصورتين.

***

ص: 351

أن لا يكونوا هاشميّين، إذا كان المعطي مِنْ غيرهم وتمكّنوا من الخُمس، وتَحلّ للهاشميين المندوبة، ويجوزُ إعطاء مواليهم.

أخذ الهاشمي للزكاة

(و) الصفة الثالثة: (أن لا يكونوا هاشميّين، إذا كان المُعطي من غيرهم وتمكّنوا من الخُمس، وتَحلُّ للهاشميّين المندوبة، ويجوز إعطاء مواليهم).

أقول: هنا مسائل:

المسألة الأُولى: لا إشكال في تحريم زكاة غير الهاشمي على الهاشمي، وفي «التذكرة»(1) وعن غيرها(2) دعوى إجماع المسلمين عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تَحلّ الصدقة لولد العبّاس، ولا لنظرائهم من بني هاشم»(3).

ومنها: مصحّح الفضلاء، عن السيّدين الصادقين عليهما السلام، قالا:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إنّ الصدقة أوساخ أيدي النّاس، وأنّ اللّه تعالى قد حَرّم عَليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه، وأنّ الصدقة لا تَحلّ لبني عبدالمطّلب»(4).

ص: 352


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/268 (ط. ج).
2- نهاية الاحكام: ج 2/397، المهذّب البارع: ج 1/536، مجمع الفائدة: ج 4/179، مدارك الأحكام: ج 250/5، ذخيرة المعاد: ج 3/460.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/59 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/269 ح 11994.
4- الكافي: ج 4/58 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/268 ح 11993.

ونحوهما غيرهما.

وأمّا ما رواه الصدوق، عن أبي خديجة سالم بن مكرّم الجمّال، عن أبي عبداللّه صلى الله عليه و آله، قال: «اعطوا الزَّكاة من أرادها من بني هاشم، فإنّها تَحلّ لهم، وإنّما تَحرم على النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى الإمام الذي من بعده، وعلى الأئمّة عليهم السلام»(1).

فلعدم عمل القوم به، ومعارضته مع ما تقدّم، يتعيّن طرحه، أو حمله على صورة الاضطرار.

المسألة الثانية: المشهور بين الأصحاب(2): أنّه لا يحرم أخذ الصّدقة المفروضة عليبني المطّلب أخي هاشم، بل عن «الخلاف»(3) دعوى الإجماع عليه.

وعن المفيد في «الغريّة»(4): تحريم الزَّكاة عليهم أيضاً، وهو منقول عن ابن الجُنيد(5).

ويشهد للأوّل:

1 - عموم الآية الشريفة، خرج عنه من انتسب بهاشم وبقى الباقي.

2 - وقول الإمام الكاظم عليه السلام في مرسل حمّاد الطويل: «من كانت اُمّه من بني هاشم، وأبوه من سائر قريش، فإنّ الصدقات تَحلّ له»(4).

واستدلّ للثاني:

1 - بموثّق زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو كان العدل ما احتاج هاشميٌ ولا9.

ص: 353


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/37 ح 1637، وسائل الشيعة: ج 9/269 ح 11996.
2- المعتبر: ج 2/585، منتهى المطلب: ج 1/525، مجمع الفائدة: ج 4/185-188، ذخيرة المعاد: ج 461/3.
3- الخلاف: ج 4/240. (4و5) حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/212.
4- الكافي: ج 1/539 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/271 ح 11999.

مطّلبيٌ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم»(1).

2 - وبالنبوي، قال صلى الله عليه و آله: «أنا وبني المطّلب لم نُفرق في جاهليّة ولا إسلام، نحن وهم شيءٌ واحد»(2).

3 - وبأنّهم قرابة النبيّ صلى الله عليه و آله، فيدخلون في ذوي القُربى ، المستحقّين للخمس، فيحرم عليهم الزَّكاة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه من الجائز أن يكون المراد ب (المُطَّلب) في الموثّق من انتسب إلى عبد المطّلب، فإنّ النسبة إلى مثله قد تكون بالنسبة إلى الجزء الثاني حذراً من الالتباس، كما في منافي، بل عن المبرد(3) أنّه إنْ كان المضاف يُعرّف بالمضاف إليه، والمضاف إليه معروفٌ بنفسه، فالقياس حذفُ الأوّل، والنسبة إلى الثاني، والمقام من هذا القبيل كما اعترف به نجم الأئمّة رحمه الله(4).

لايُقال: إنّه على هذا يلزم عطف الشيء على مرادفه.

فإنّه يقال: لا محذور في ذلك، إذ العطف التفسيري شائعٌ ، قال اللّه تعالى : «لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً» (3)، ومعلومٌ أنّ عقب هاشم من عبد المطّلب.

وأمّا الثاني: فهو نبويٌّ ضعيف.

وأمّا الثالث: فلأنّ ذوي القُربيهم الأئمّة عليهم السلام، كماسيأتي في كتاب الخمس(4).ة.

ص: 354


1- تهذيب الأحكام: ج 4/59 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/276 ح 12012.
2- كنز العمّال: ج 7/140 الرقم 1237. (3و4) نقله صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/217.
3- سورة طه: الآية 107.
4- كتاب الخمس: ج 11 من هذه الطبعة.

وعليه، فالأظهر حلّية الصَّدقة لبني المُطّلب أخي هاشم.

المسألة الثالثة: صرّح جماعة(1) بأنّه لافرق بين سهم الفقراء وغيره من السهام، حتّى سهم العاملين وسبيل اللّه، في حرمتها على الهاشمي، إذا كانت الزَّكاة من غيره.

يشهد له: إطلاق الأدلّة، ففي صحيح العيص، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ ناساً من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السَّهم الذي جَعَل اللّه عزّوجلّ للعاملين عليها، فنحن أولى به.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا بني عبد المطّلب إنّ الصَّدقة لا تَحلّ لي ولا لكم، ولكنّي قد وُعِدتُ الشفاعة. الحديث»(2).

ولكن المنساق من النصوص - سيّما بواسطة ما فيها من التعليل بأنّها (أوساخ أيدي النّاس) - عدم الحرمة في سهم الرقاب والغارمين وسبيل اللّه، إذا صُرف في المصالح العامّة كالمدارس، وأراد الهاشمي التصرّف فيها:

أمّا الأولان: فلأنّ ذينك السهمين يُصرفان في فكّ الرقاب، وإفراغ الذمّة ولا يصرفان فيهم.

وأمّا الأخير: فلأنّ الزَّكاة تُصرف في الجهة لا في الشخص، وهو إنّما ينتفع بها، والنصوص لا تدلّ على المنع عنه.

المسألة الرابعة: لا خلاف على الظاهر في جواز أخذ الهاشمي الزَّكاة من الهاشمي. وتشهد له جملةٌ من النصوص:2.

ص: 355


1- مستند الشيعة: ج 9/271، جواهر الكلام: ج 15/335.
2- الكافي: ج 4/58 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/268 ح 11992.

منها: خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصدقة التي حَرُمت على بني هاشم ما هي ؟ قال: هي الزَّكاة.

قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

ومنها: موثّق زرارة، عنه عليه السلام، قال: «قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم ؟ فقال: نعم، صدقة الرسول تحلّ لجميع النّاس من بني هاشم وغيرهم، وصدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم، ولا تَحلّ لهم صدقات إنسانٍ غريب»(2).

ونحوهما غيرهما.

الهاشمي يأخذ الزَّكاة إذا لم يكفه الخمس

المسألة الخامسة: لا خلاف بين الأصحاب - على ما نقله غير واحدٍ - في جواز إعطائهم من الصَّدقة الواجبة عند قصور الخُمس عن كفايتهم، كذا في «الحدائق»(3).

وعن «المنتهى»(4): إنّ فتوى علمائنا أجمع على تناول الزَّكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم.

وعن «المعتبر»(5): قال علمائنا، إذا منع الهاشميون من الخُمس حلّت لهم الصدقة.

ص: 356


1- الكافي: ج 4/59 ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/274 ح 12007.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/61 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/275 ح 12008.
3- الحدائق الناضرة: ج 12/219.
4- منتهى المطلب: ج 1/526.
5- المعتبر: ج 2/586.

ونحوها كلمات غيرهم.

أقول: ومدرك الحكم موثّق زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّه لو كان العدلُ ما احتاج هاشميٌ ولا مطّلبيٌ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم.

ثمّ قال: إنّ الرّجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة، والصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم، إلّا أن لا يجد شيئاً ويكون ممّن يحلّ الميتة».

وأمّا باقي الوجوه: من قبيل:

1 - أدلّة التحريم لمثل الفرض، فيبقى عموم أدلّة الزَّكاة بحاله.

2 - وأنّ المتيقّن من الخروج عن خبر أبي خديجة المتقدّم الدالّ على جواز أخذ الهاشمي الزَّكاة، هو حال التمكّن من الخمس، فيبقى غيره.

3 - وأنّ الخمس عوضٌ عن الزَّكاة، فإذا سقط ما عوّضوا به، لم تحرم عليهم الصدقة، فواضحة الفساد:

أمّا الأوّل: فلأنّ أدلّة التحريم مطلقة.

وأمّا الثاني: فلما تقدّم من تعيّن طرح خبر أبي خديجة.

وأمّا الثالث: فلأنّ المعاوضة إنّما تكون في الحكم لا في غيره.

وظاهر الموثّق اعتبار الضرورة المبيحة لأكل الميتة، فلو لم يتمكّن من أخذ الخمس، ولكن تمكّن ممّا يجوز أخذه كزكاة مثله، والصدقات المندوبة، بل الواجبة على القول بجواز أخذها، ليس له أخذ الزَّكاة، بل ظاهره اعتبار شدّة الحاجة في جواز التناول، وهذا لا يلائم مع فتاوى القوم، فإنّها متضمّنة لجواز أخذها بمجرّد

ص: 357

عدم التمكّن من الخمس، بل ظاهر «الشرائع»(1) أنّ عدم تملّك قوت السنة يسوّغ أخذ الزَّكاة.

ودعوى: أنّ صدر الموثّق ظاهرٌ في كفاية قصور الخُمس وحده عنها، وظاهر ذيله مخالفٌ للإجماع، إذ لا يعتبر في جواز التناول هذه المرتبة من الاضطرار قطعاً وإجماعاً، فلابدّ من البناء على أنّ الكلام الوارد في مقام التحليل قد تمّ عند قوله:

(سعتهم)، وما بعده كلامٌ منفصلٌ غير موجبٍ لتقييد الصدر.

مندفعة: بأنّ منطوق صدره أنّه لو كان العدل لم يكن أحدٌ من الهاشميين محتاجاً، فمفهومه أنّه حيث لا عدل فيحتاج بعض الهاشميّين إلى الصدقة، وأمّا من هو، وهل هو من لا يتمكّن من أخذ الخمس خاصّة، أو المضطرّ، فهو لا يدلّ عليه، فلابدّ من الاقتصار على المتيقّن، وهو صورة الاضطرار.

ويمكن حمل كلمات القوم أيضاً على ذلك بأنْ يقال: إنّ ذكرهم الخُمس في كلماتهم، من باب المثال لكلّ ما يصحّ لهم أخذه، فالأظهر اعتبار الاضطرار.

هذا كلّه في حال التناول.

وأمّا المقدار المتناول: فعن الأكثر:(2) عدم التقدير بقدرٍ، بل يجوز أخذه بمقدارٍ يصبح غنيّاً.

وعن «الدروس»(3)، و «جامع المقاصد»(4): أنّه يأخذ بمقدار كفاية السنة.3.

ص: 358


1- شرائع الإسلام: ج 1/124.
2- المبسوط: ج 6/285، منتهى المطلب: ج 1/526.
3- الدروس: ج 1/243.
4- جامع المقاصد: ج 3/33.

وعن ابن فهد(1)، والمحقّق(2) والشهيد(3) الثانيين: أنّه يأخذ بقدر قوت يومٍ وليلة.

وعن كشف الرموز(4): أنّه يأخذ بمقدار الرَّمق.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الدليل المسوّغ للتناول ليس في مقام بيان هذه الجهة، فالمرجع فيها إلى ما دلّ بعمومه على جواز إغناء من يستحقّ الزَّكاة.

وفيه: أنّ ظاهر الموثّق ومعاقد الإجماعات، إنّما هو اشتراط الأخذ بقصور الخمس، فحينئذٍ لابدّ من ملاحظة القاصر، فإنْ أُحرز القصور في تمام السنة، جاز أخذ مؤونة السنة، وإنْ أحرز القصور يوماً وليلة، جاز أخذ مؤونتهما، وهكذا.

وبذلك يظهر ما هو المختار عندنا، فلا حاجة إلى نقل ما استدلّ به على سائر الأقوال.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ المتيقّن من النص والفتوى اشتراط الأخذ بالضرورة والاضطرار، فيجوز بمقدار ترتفع به الضرورة، فيتعيّن الاقتصار على مقدار قوت يوم وليلة، لأنّ ضابط التعيّش في العرف والشرع من حيث الأكل على ما يستفاد من باب النفقات، هو التقوّت يوماً فيوماً، ومن حيث الكسوة عند الحاجة إليها، نعم إذا علم أنّه لا يتمكّن من أخذها مؤونة سنته مرّة واحدة، وعلم بعدم تمكّنه من سائر ما يسوغ له أخذه، جاز له أخذ مقدار مؤونة السنة، كما لا يخفى .8.

ص: 359


1- المهذّب البارع: ج 1/536.
2- نقله عن الشيخ الأنصاري في كتاب الزَّكاة: ص 349 نقلاً عن حاشية الشرائع. جامع المقاصد: ج 3/34.
3- مسالك الأفهام: ج 1/424.
4- كشف الرموز: ج 1/257-258.

يَحلّ للهاشمي غير زكاة المال الواجبة

المسألة السادسة: يجوز للهاشمي أخذ الصدقة المندوبة من هاشمي وغيره، بلا خلافٍ أجده فيه بيننا، كما اعترف به غير واحدٍ، بل الإجماع بقسميه عليه، والمحكى منه صريحاً وظاهراً فوق الإستفاضة، كذا في «الجواهر»(1).

ويشهد له: مصحّح جعفر بن إبراهيم الهاشمي، عن الصادق عليه السلام:

«قلت له: أتحلّ الصدقة لبني هاشم ؟ فقال عليه السلام: إنّما تلك الصدقة الواجبة على النّاس لا تَحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس ؟ ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة، هذه المياه عامّتها صدقة»(2).

ونحوه غيره، وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على حرمة الصدقة على الهاشمي(3).

وأمّا ما اشتهر من حكاية منع سيّدتنا زينب واُمّ كلثوم عليهما السلام السبايا عن أخذ صدقات أهل الكوفة، معلّلتين بكونها صدقة، فيمكن حمله على الكراهة أو الحرمة، إذا كان الدفع على الوجه المهين نظراً إلى أنّ أهل الكوفة كانوا يدفعون إليهم الفداء المقصود بها دفع البليّة.

وأمّا ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة»: (أصِلَةٌ؟ أم زكاةٌ؟ أم صدقة ؟ فذلك محرّمٌ علينا أهل البيت)(4) الظاهر في تحريم الصدقة المقابلة للزكاة، فهو مختصّ بأهل البيت عليهم السلام ولا يشمل غيرهم من بني هاشم.

ص: 360


1- جواهر الكلام: ج 15/413.
2- الكافي: ج 4/59 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/272 ح 12002.
3- الكافي: ج 4/58 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/268 ح 11992.
4- نهج البلاغة: ص 346، مستدرك وسائل الشيعة: ج 7/120 ح 7801-8.

وأمّا خبر إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه الجعفري: «كنّا نمرّ ونحن صبيان، فنشرب من ماءٍ في المسجد من ماء الصدقة، فدعانا جعفر بن محمّد، فقال عليه السلام: يابُني لا تشربوا من هذا الماء، واشربوا من مائي»(1).

فلا يدلّ على الحرمة لعدم كون المخاطبين بالغين.

فرع: وهل يجوز له أخذ الصدقة الواجبة غير الزَّكاة، كما عن المصنّف في «القواعد»(2)، والمقداد في «التنقيح»(3)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(4)، والشهيد الثاني في «الروضة»(5) و «المسالك»(6)، وغيرهم(7) في غيرها؟

أم يكون المنع عامّاً لجميع أفراد الصدقة الواجبة، كما عن السيّد(8)، والشيخ(9)، والمحقّق(10)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(11)؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني:

1 - بإطلاق ما دلّ على حرمة الصدقة له.

2 - وبالإجماع.

3 - وبمصحّح الهاشمي المتقدّم.8.

ص: 361


1- وسائل الشيعة: ج 9/272 ح 12001، قرب الإسناد: ص 75.
2- قواعد الأحكام: ج 2/404.
3- حكاه عنه صاحب جواهر الكلام: ج 15/412.
4- جامع المقاصد: ج 9/131.
5- شرح اللّمعة: ج 2/52.
6- مسالك الأفهام: ج 1/425.
7- مدارك الأحكام: ج 5/256.
8- رسائل المرتضى: ج 3/79.
9- النهاية: ص 186، المبسوط: ج 1/259.
10- شرائع الإسلام: ج 1/124.
11- مختلف الشيعة: ج 3/218، تذكرة الفقهاء: ج 5/269 (ط. ج)، نهاية الاحكام: ج 2/398.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يتعيّن تقييده بخبر زيد الشحّام، عن سيّدنا الصادق عليه السلام: «عن الصدقة التي حَرمت عليهم ؟ فقال عليه السلام: هي الزَّكاة المفروضة، ولم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض»(1).

ونحوه خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي(2).

ودعوى: أنّهما ضعيفان سنداً، لأنّ في طريق الأوّل مفضّل بن صالح، وفي طريق الثاني قاسم بن محمّد.

مندفعة: بانجبار ضعف سنديهما بعمل من عرفت، مع أنّ بعض تلك النصوص متضمّنٌ للتعليل بأنّها (أوساخ النّاس) وذلك مختصٌّ بالزكاة.

وأمّا الثاني: فهو ممنوعٌ .

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر من الصدقة الواجبة الزَّكاة، لأنّها لكثرتها وكثرة الابتلاء بها تُرى كأنّها واجبة على جميع النّاس، بخلاف غيرها من الصدقات الواجبة كالكفّارة، ولا أقلّ من الإجمال، والمتيقّن منها الزَّكاة، ولكن مع ذلك في النفس شيئاً، فالاحتياط لايترك.

وعلى القول بحرمة الواجبة مطلقاً، فالظاهر خروج المنذورة والموصى بها، والصدقة بمجهول المالك، ونحوها، لعدم تعلّق الوجوب فيها بالصدقة، بل بعنوانٍ آخر، والصدقة بعنوانها موضوعٌ للأمر الاستحبابي، إذ الوجوب في المنذورة تعلّق بالوفاء بالنذر، وفي الموصى بها بالعمل بالوصيّة، وفي الصدقة بمجهول المالك بالنيابة عن المالك.7.

ص: 362


1- تهذيب الأحكام: ج 4/59 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/274 ح 12006.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/58 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/274 ح 12007.

المسألة السابعة: الظاهر أنّه لا خلاف في جواز إعطاء الصدقة لموالي بني هاشم، والمراد بهم على ما في «الذكرى » مَنْ أعتقه هاشمي.

وتشهد له:

1 - عموم الأدلّة.

2 - وصحيح سعيد بن عبد اللّه الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تحلّ الصدقة لموالي بني هاشم ؟ فقال: نعم»(1). ونحوه غيره.

وأمّا موثّق زرارة، عنه عليه السلام، في حديثٍ : «قال: مواليهم منهم، ولا تَحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم، ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم»(2).

فمحمولٌ على الكراهة جمعاً بينه وبين غيره.

فرع: من شُكّ في كونه هاشميّاً، يعطى الزَّكاة ما لم تكن هناك أمارة مثبتة لكونه هاشميّاً من البيّنة، وخبر الثقة، والشياع المفيد للاطمئنان، وإقرارٍ موجبٍ لمؤاخذته له بإقراره، لأصالة عدم الانتساب.

وفي طهارة الشيخ الأعظم(3): أنّها الأصل المعمول عليه لدى العلماء في جميع المقامات.

أقول: إنّما الإشكال في تعيين وجه عمل العقلاء والعلماء به، والظاهر أنّه هو الاستصحاب - اي استصحاب عدم انتساب هذا الشخص إلى هذه القبيلة - وقد أشبعتُ الكلام فيه في مبحث الحيض من هذا الشرح، فراجع.(4)

***4.

ص: 363


1- الكافي: ج 4/59 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/277 ح 12013.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/59 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/278 ح 12017.
3- كتاب الطهارة: ج 1/189 (ط. ق).
4- فقه الصادق: ج 2/274.

اعتبار العدالة

الصفة الرابعة: العدالة.

وقد اعتبرها المشايخ الثلاثة(1) وأتباعهم(2)، بل ربمانُسب(3) إلى المشهور بين القدماء شهرة عظيمة، بل عن ظاهرالسيّدين(4) أو صريحهما دعوى الإجماع عليه.

وعن الإسكافي(5)، والسيّد في «الانتصار»(6)، و «الجمل»(7)، والشيخ في «الاقتصاد»(8): اعتبار مجانبة الكبائر.

وفي «العروة»(9): يعتبر أنْ لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم، وإغراءً بالقبيح، فلا يجوز إعطائها لمن يصرفها في المعاصي، خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها.

وعن جمهور المتأخّرين أو عامّتهم(10): القول بعدم اعتبار شيء من ذلك، وهو

ص: 364


1- المقنعة: ص 252، الانتصار: ص 218، الشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1/247.
2- الكافي في الفقه: ص 172، الوسيلة: ص 129، السرائر: ج 1/459، المهذّب البارع: ج 1/169.
3- رياض المسائل: ج 5/174 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 15/388.
4- الانتصار: ص 218، غنية النزوع: ص 124.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 3/207.
6- الانتصار: ص 218.
7- رسائل المرتضى: ج 3/79.
8- الاقتصاد: ص 282.
9- العروة الوثقى: ج 4/129 (ط. ج).
10- مختلف الشيعة: ج 3/208، مدارك الأحكام: ج 5/244، ذخيرة المعاد: ج 3/458.

المحكيّ عن ابني بابويه(1) وسلّار(2).

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بالإجماع.

2 - وبالاحتياط.

3 - وبكلّ ظاهرٍ من سُنة(3) أو قرآنٍ (4) تضمّن المنع عن معونة الفُسّاق.

4 - وبأنّ الفاسق ليس بمؤمن لمقابلته بالمؤمن مفهوماً وحكماً، قال اللّه تعالى :

«أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ » (5) .

أقول: والجميع كما ترى:

أمّا الإجماع فغير متحقّق كما عرفت، ولا يكون تعبّديّاً على فرض تحقّقه.

والاحتياط: لا يكون لازماً في مقابل إطلاق الدليل وعمومه.

وما دلَّ على المنع عن معونة الظالم أو الفاسق: إنّما يدلّ على معونته في فسقه وظلمه، وإلّا فلا ريب في جواز معونته في فعل المباحات والمستحبّات.

والمؤمن الذي هو موضوع هذا الحكم هو المُعتقد بإمامة الأئمّة الاثنى عشر، وهذا يشمل الفاسق أيضاً.

والمراد بالفاسق في الآية الكافر، بقرينة الحكم بخلوده في النّار في الآية التي بعدها.8.

ص: 365


1- حكاه العلّامة الحِلّي عنهما في مختلف الشيعة: ج 3/208.
2- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/208 بقوله: (سلّار ذكر أربع شرائط أحدها الإيمان ولم يذكر العدالة) راجع المراسم العلويّة: ص 133.
3- وسائل الشيعة: ج 17/177 باب 42 تحريم معونة الظالمين.
4- سورة المائدة: الآية 2.
5- سورة السجدة: الآية 18.

واستدلّ للثاني: بخبر داود الصَّرمي، قال: «سألته عن شارب الخمر يُعطى من الزَّكاة شيئاً؟ قال عليه السلام: لا»(1) بدعوى عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من الكبائر.

وفيه: - مضافاً إلى ضعف سنده، لجهالة حال السائل، وإضماره، وعدم ثبوت الانجبار، واختصاصه بشارب الخمر، وعدم إحراز عدم الفصل - أنّه يدلّ على المنع عن إعطاء المُدمن في شربها، لا مطلق من شربها.

أقول: وقد استدلّ له بوجوه اُخر ضعيفة، لا يهمّنا التعرّض لها.

وأمّا القول الثالث: فقد استدلّ له:

1 - بما دلّ على حرمة الإعانة على الإثم(2).

2 - وبما دلّ على وجوب دفع المنكر.

ولكن يرد على الأوّل: أنّه لو سُلّم حرمة الإعانة على الإثم، فإنّ صدق الإعانة مع عدم كون الفعل من المقدّمات الفاعليّة لفعله محلّ إشكال كما حقّقناه ذلك كلّه في «حاشيتنا على المكاسب».

ويرد على الثاني: أنّ دفع المنكر لادليل على وجوبه، مع أنّ عدم الإعطاء لا يكون دفعاً له دائماً.

فتحصّل: أنّه لا شيء في مقابل إطلاق الأدلّة، وخصوص ما دلّ على جواز إعطائها للفاسق:

1 - المرسل الذي رواه في «العلل»، قال:2.

ص: 366


1- الكافي: ج 3/563 ح 15، وسائل الشيعة: ج 9/249 ح 11947.
2- سورة المائدة: الآية 2.

«قلت للرّجل - يعني أبا الحسن عليه السلام -: ما حَدّ المؤمن الذي يُعطى من الزَّكاة ؟

قال عليه السلام: يُعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثمّ قال: أو عشرة آلاف، ويُعطى الفاجر بقدَر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه، والفاجر في معصية اللّه»(1).

2 - وحسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: بعدما سأله إنسانٌ فقال: «إنّي كنتُ أنيل البهيمة من زكاة مالي حتّى سمعتك تقول فيهم، فأعطيهم أم أكفّ؟ قال عليه السلام: بل اعطهم، فإنّ اللّه حَرّم أهل هذا الأمر على النار»(2).

فالأظهر عدم اعتبار شيء من تلك الاُمور.

ويؤيّده: ما دلّ على أنّه لو لم يكن تقصير في أداء الزَّكاة، لما كان يبقى فقير واستغنى الجميع، ومن المعلوم أنّه لو كانت العدالة شرطاً لبقى أغلب المحتاجين - سيّما أبناء السبيل - على فقرهم واحتياجهم ومحرومين عن الزَّكاة، فالأظهر عدم اعتبارها.

نعم، الأحوط فيما إذا كان ترك الإعطاء ردعاً عن المعصية هو الترك، بل لايترك، وفي خصوص العاملين كلامٌ تقدّم.

***6.

ص: 367


1- وسائل الشيعة: ج 9/249 ح 11948، علل الشرائع: ج 2/372 ح 1.
2- وسائل الشيعة: ج 9/225 ح 11895، رجال الكشي: ص 151 ح 246.

ويجوزُ تخصيصُ واحدٍ بها أجمع.

عدم وجوب بسط الزَّكاة على الأصناف

فصل: في بقيّة أحكام الزَّكاة، وقد تقدّمت جملةٌ منها، (و) عمدة ما بقى منها مسألتان:

المسألة الأُولى : (يجوز تخصيص) صنفٍ (واحد)، بل شخصٍ واحد من بعض الأصناف (بها أجمع)، بلا خلافٍ أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في «الجواهر»(1).

وفي «الحدائق»(2): الحكم اتّفاقي نصّاً وفتوى.

ونحوهما كلمات غيرهما من الأصحاب(3).

أقول: ومستند هذا الحكم نصوصٌ مستفيضة أو متواترة، وفيها الصحيح والحسن وغيرهما:

منها: حسن عبد الكريم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحَضَر في أهل الحَضَر، ولا يقسّمها بينهم بالسويّة، وإنّما يقسّمها على قدر ما يحضرها منهم و مايرى، وليس عليه في ذلك شيءٌ مؤقّت موظّف، وإنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم»(4). ونحوه غيره.

ص: 368


1- جواهر الكلام: ج 15/428.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/224.
3- الخلاف: ج 4/266، تذكرة الفقهاء: ج 5/336 (ط. ج)، مستند الشيعة: ج 9/258 و 351.
4- الكافي: ج 3/554 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/265 ح 11987.

والمستحبّ تقسيطها على الأصناف، وأقلّ ما يُعطى الفقير ما يجبُ في النصاب الأوّل.

ومنها: ما تقدّم في شراء العبد، ووفاء دين الأب وغير ذلك، فكما أنّ الحكم من حيث الفتوى لا كلام فيه، كذلك لا خلاف فيه من حيث المدرك، ولأجل هذه النصوص والأخبار الدالّة على أنّه لو لم يكن تقصيرٌ في أداء الزَّكاة لاستغنى الجميع من أنّ ابن السبيل نادرٌ، وفكّ الرقاب أقلّ ، يُحمل اللّام في الآية الشريفة على إرادة المصرفيّة دون الملك.

(والمستحبّ تقسيطها على الأصناف) بلا خلافٍ ظاهر(1)، وقد صرّح غير واحدٍ(2) بعدم العثور على مدركٍ لهذا الحكم.

وقد استدلّ له: بتعميم النفع، وبمراعاة ظاهر الآية، وبأنّ فيه التخلّص عن الخلاف، وبحصول الإجزاء يقيناً، والكلّ كما ترى.

أقلّ ما يُعطى من الزَّكاة

المسألة الثانية: (وأقلّ ما يُعطى الفقير ما يجبُ في النصاب الأوّل) وهو خمسة دراهم، أو عشرة قراريط، كما عن الشيخين(3)، والصدوقين(4)، والمرتضى(5) وابن

ص: 369


1- ذخيرة المعاد: ج 3/465.
2- الحدائق الناضرة: ج 12/336.
3- المقنعة: ص 243، النهاية: ص 189، الاقتصاد: ص 283.
4- حكاه المحقّق الحِلّي في المعتبر: ج 2/590 بقوله: (قال الشيخان وابنا بابويه وأكثر الأصحاب لا يُعطى الفقير أقلّ ممّا يجب في النصاب الأوّل وهو خمسة دراهم).
5- الانتصار: ص 218.

زُهرة(1) والحَلبي(2) وغيرهم(3)، بل عن «الانتصار»(4) و «الغُنية»(5) الإجماع عليه.

أقول: وتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في جهات:

الأُولى: أنّ هذا الحكم هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب ؟

الثانية: في تعيين الحَدّ.

الثالثة: في أنّه هل يختصّ بالفضّة أو الذهب، أم يعمّهما ولا يكون ثابتاً في غيرهما؟ أم يعمّ الجميع ؟

الرابعة: في أنّه على فرض التعدّي إلى غير النقدين، هل هو بلحاظ القيمة في النقدين زادت أو نقصت عمّا يجبُ في النصاب الأوّل، أو الثاني من موضوع الزَّكاة، أو بلحاظ ما يجبُ في النصاب الأوّل أو الثاني منه، فلا يدفع إلى الفقير أقلّ من شاة من نصاب الإبل والغنم ؟

أمّا الجهة الأُولى : فظاهر جملة من العبارات الأوّل، بل لعلّه الأكثر، إلّاأنّ المصنّف رحمه الله قال في «التذكرة»(6): (وماقلناه على الاستحباب لا الوجوب إجماعاً).

أقول: والأظهر عدم الوجوب، والبناء على الاستحباب أو كراهة إعطاء الأقلّ ، لأنّ ذلك مقتضى الجمع بين النصوص الظاهرة في الوجوب كصحيح أبي ولّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول: لا يُعطى أحدٌ من الزَّكاة أقلّ من).

ص: 370


1- غنية النزوع: ص 125.
2- الكافي للحلبي ص 172.
3- شرائع الإسلام: ج 1/126، منتهى المطلب: ج 1/530.
4- الانتصار: ص 218.
5- غنية النزوع: ص 125.
6- تذكرة الفقهاء: ج 5/340 (ط. ج).

خمسة دراهم، وهو أقلّ ما فرض اللّه عزّ وجلّ من الزَّكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحداً من الزَّكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعداً»(1).

وخبر معاوية بن عمّار، وعبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا يجوز ان يدفع من الزَّكاة أقلّ من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزَّكاة»(2).

وبين النصوص الصريحة في عدم الوجوب: كصحيح محمّد بن أبي الصهبان، قال: «كتبتُ إلى الصادق(3) عليه السلام: هل يجوزُ لي ياسيدي أن أعطي الرّجل من إخواني من الزَّكاة الدرهمين والثلاثة الدّراهم، فقد اشتبه ذلك عَليّ؟ فكتب عليه السلام: ذلك جائز»(4).

وصحيح محمّد بن عبد الجبّار: «أنّ بعض أصحابنا كتبَ على يدي أحمد بن إسحاق إلى عليّ بن محمّد العسكرى عليه السلام: أعطي الرّجل من اخواني من الزَّكاة الدرهمين والثلاثة ؟ فكتب: افعل إنْ شاء اللّه تعالى »(5).

المعتضدة بما في حسن عبد الكريم الهاشمي وغيره، من نفي التوقيت.

ويؤيّد عدم الوجوب، ما في نصوص الوجوب من التعليل بأنّ ذلك أقلّ فرضاً، فإنّه يناسب مع الرجحان دون اللّزوم.

ودعوى: أنّ الطائفة الثانية تُحمل على التقيّة، لأنّ نفي التحديد مذهب العامّة.

ممنوعة: لأنّ الحمل على التقيّة إنّما هو فيما إذا تعارض الخبران بنحوٍ لم يمكن5.

ص: 371


1- تهذيب الأحكام: ج 4/62 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/257 ح 11966.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/62 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/257 ح 11968.
3- الظاهر أنّ مراده أحد العسكريين عليهما السلام؛ لأنّ الرّجل من أصحاب أبي الحسن الهادي عليه السلام.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/63 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/258 ح 11969.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 2/17 ح 1600، وسائل الشيعة: ج 9/256 ح 11965.

الجمع بينهما، ومع إمكانه لا وجه للحمل على التقيّة.

كما أنّ دعوى: أنّ المكاتبتين لا تنفيان التقدير الثاني.

مندفعة: بأنّ التقديرالثاني لا دليل عليه، كما ستعرف، فيكفي فيه نفيه الإطلاق.

أقول: ولكن الإنصاف أنّ كون ما ذكرناه من الجمع عرفيّاً ممّا ليس بذلك الوضوح، إذ لو جمعنا قوله عليه السلام: (لا يجوز أن يدفع... الخ) مع قوله عليه السلام: (ذلك جائز)، لقائل أنْ يقول إنّ العرف يراهما متنافيين، ولا يرى أحدهما قرينةً على الآخر، فلابدّ من إعمال قواعد التعارض، فإذا كان عدم الوجوب أشهر كما أفاده المصنّف رحمه الله تقدّم نصوصه، وإلّا فتقدّم نصوص الوجوب لمخالفتها للعامّة، والاحتياط سبيل النجاة.

وأمّا الجهة الثانية: فالأظهر أنّ حَدّه ما يجبُ في النصاب الأوّل، لصحيح أبي ولّاد، وخبر معاوية المتقدّمين.

وأمّا ما عن الإسكافي(1) وسلّار(2) وغيرهما(3) من أنّ أقلّه ما يجب في النصاب الثاني وهو قيراطان أو درهم، فلم أجد له دليلاً، كما صرّح بذلك صاحب «الجواهر» رحمه الله(4).

وأمّا الجهة الثالثة: فعن «المقنعة»(5) الاقتصار عليه في الفضّة، وعن ابن ولا حَدّ للكثرة.3.

ص: 372


1- حكاه عنه المحقّق الحِلّي في المعتبر: ج 2/590.
2- المراسم العلويّة: ص 133.
3- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/226 عن السيّد المرتضى في المسائل المصريّة. وحكاه صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/245 عن المسائل المصريّة. وحكاه صاحب الجواهر: ج 15/447 عن المسائل المصريّة أيضاً.
4- جواهر الكلام: ج 15/448.
5- المقنعة: ص 243.

بابويه(1) الاقتصار عليه في الذهب، وعن الأكثر(2) النص على عمومه لهما، وقيل(3)إنّه يتعدّى إلى غير النقدين.

أقول: النص مختصّ بالفضّة، لاحظ صحيح أبي ولّاد وخبر معاوية، والتعدّي يحتاج إلى إلغاء الخصوصيّة، وإلّا فمقتضى الإطلاق والأصل عدم التقدير في غيرها.

والإنصاف أنّ التعدّي غير ظاهر الوجه، سيّما بواسطة ما في الخبرين من التعليل، فإنّ أقلّ الفرض في الفضّة إنّما يكون هذا الحَدّ، لا في غيرها من الأجناس الزكويّة كالإبل مثلاً.

وأمّا الجهة الرابعة: فمبنى القولين إنّ خمسة دراهم هل هي محمولة على القيمة، أو على كونها مثالاً لما يجبُ في النصاب الأوّل ؟ ولا يبعد أرجحيّة الأوّل.

هذا كلّه في بيان الحَدّ من ناحية الأقلّ .

(و) أمّا من ناحية الأكثر: فالمشهور بين الأصحاب أنّه (لا حَدّ للكثرة)، وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً في الصنف الأوّل والثاني من أصناف المستحقّين، وعرفت أنّ جواز إعطائها أزيد من مؤونة السنة محلّ إشكال ومنع.

***0.

ص: 373


1- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 3/226.
2- المبسوط: ج 1/260، المعتبر: ج 2/590.
3- المراسم العلويّة: ص 143، غنية النزوع: ص 125، المهذّب البارع: ج 1/172، إشارة السبق ص 113، مستند الشيعة: ج 9/330.

الباب الرابع: في زكاة الفطرة

اشارة

الباب الرابع: في زكاة الفطرة.

في زكاة الفطرة

(الباب الرابع: في زكاة الفطرة).

والفطرة: قد فسّرت بمعاني مختلفة:

1 - إمّا بمعنى الخِلْقة، وهي الهيئة الحاصلة للمخلوق من خلقه كالجلسة، فزكاة الفطرة تعني زكاة البدن من جهة أنّها تحفظه عن الموت، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لوكيله:

«اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة أجمعهم، ولا تدع منهم أحداً، فإنّك إنْ تركت منهم إنساناً تخوّفت عليه الفوت. قلت: وما الفوت ؟ قال عليه السلام: الموت»(1).

2 - وإمّابمعنى الدين، أي زكاة الإسلام، من جهة أنّها من أركانه ومن شعائره.

3 - وإمّا بمعنى الإفطار، لكون وجوبها يوم الفطر، أو أنّ بها يُقبل الصوم، ففي صحيح أبي بصير زرارة: «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزَّكاة، كما أنّ الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله من تمام الصَّلاة، لأنّه مَنْ صام ولم يؤدِّ الزَّكاة، فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، ولا صلاة له إذا ترك الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله، إنّ اللّه تعالى قد بدأ بها قبل الصَّلاة، وقال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى(2)» »(3).

والمراد بالزكاة في هذا الخبر زكاة الفطرة، كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية.

ص: 374


1- الكافي: ج 4/174 ح 21، وسائل الشيعة: ج 9/328 ح 12143.
2- سورة الأعلى: الآية 14 و 15.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/183 ح 2085، وسائل الشيعة: ج 9/318 ح 12114.

وهي واجبة.

(وهي واجبة) بإجماع من المسلمين(1)، إلّامن أصحاب مالك، بل وجوبها من ضروريّات الدِّين، ويشهد به الثلاثة.

ثمّ إنّه حيث يكون وجوبها مشروطاً بشرائط، وما يخرج عنه مخصوص بأجناس مقدّرة بوزن خاص، وهي أيضاً مخصوصة بوقتٍ معيّن ومصرفها اشخاص خاصّة، فتنقيح البحث فيها يتحقّق في ضمن فصول:

***4.

ص: 375


1- جواهر الكلام: ج 15/484.

على المُكلّف الحُرّ الغنيّ ، وهو مالك قوت سنته.

الفصل الأوّل في شرائط وجوبها

قال قدس سره: وهي واجبة (على المُكلّف الحُرّ الغَنيّ ، وهو مالك قوت سنته)، فالشروط التي اعتبرها ثلاثة:

الشرط الأوّل: التكليف. فلا تجبُ على الصبيّ والمجنون.

والظاهر أنّه لا خلاف فيه(1)، بل عن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

1 - بحديث رفع القلم عن الصبيّ (3).

2 - وبما رواه المفيد عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«تجبُ الفطرة على كلّ من تجب عليه الزَّكاة»(4).

وحيث أنّه لا تثبت الزَّكاة على مال غير المكلّف، فكذلك الفطرة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما تقدّم في مبحث اعتبار البلوغ في ثبوت الزَّكاة(5)، من أنّ حديث الرفع لا يصلح لرفع الحقّ أو المال الثابت بدليله، فراجع.(6)

وأمّا الثاني: فلأنّه يتوقّف على ثبوت المفهوم له من جهة كونه في مقام التحديد، وهو غير ظاهر، مضافاً إلى ما تقدّم من ثبوت الزَّكاة على غير البالغ

ص: 376


1- جواهر الكلام: ج 15/485.
2- المعتبر: ج 2/593، منتهى المطلب: ج 1/531، مستند الشيعة: ج 9/379.
3- وسائل الشيعة: ج 1/42 باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالإنبات أو الاحتلام.
4- وسائل الشيعة: ج 9/325 ح 12136، المقنعة: ص 248.
5- راجع صفحة 13 من هذا المجلّد.
6- صفحة 10 من هذا المجلّد.

والمجنون في الغلّات والمواشي.

وبالجملة: فالحقّ أنْ يستدلّ له بالنسبة إلى البلوغ، بصحيح محمّد بن القاسم ابن الفضيل: «أنّه كتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الوصي يُزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ؟ فكتب عليه السلام: لا زكاة على يتيم»(1).

وبالنسبة إلى العقل بعدم القول بالفصل بينه وبين البلوغ، ومقتضى إطلاق الصحيح، سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً.

نعم، في خصوص المملوك يمكن القول بعدم السقوط، لما في ذيل الصحيح السابق: (أنّه كتب إليه عليه السلام عن المملوك يموتُ عنه مولاه، وهو عنه غائب في بلدة اُخرى ، وفي يده مالٌ لمولاه، وتحضر الفطرة أيُزكّي عن نفسه من مال مولاه، وقد صار لليتامى؟ قال عليه السلام: نعم».

إلّا أنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) ادّعى عدم العامل به، وعليه فلا يصلح أن يكون مدركاً للحكم.

وقد صرّح المعظم(3): بأنّ في حكم غير المكلّف، المُغمى عليه.

واستشكل فيه: سيّد «المدارك»(4) رحمه الله، بأنّ الحكم المذكور ثابت فيما إذا كان الإغماء مستوعباً لوقت الوجوب.

وأورد عليه صاحب «الجواهر»(5): بأنّه يكفى الأصل بعد ظهور الأدلّة في5.

ص: 377


1- الكافي: ج 4/172 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/326 ح 12137.
2- جواهر الكلام: ج 15/485.
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/368 (ط. ج)، البيان: ص 205، رياض المسائل: ج 5/22 (ط. ج)، غنائم الأيّام: ج 38/4.
4- مدارك الأحكام: ج 5/16 و 308.
5- جواهر الكلام: ج 15/485.

اعتبار حصول الشرائط عند الهلال.

أقول: غاية ما يمكن أنْ يقال في توجيه ما ذهب إليه المعظم بأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى أنّ المُغمى عليه ليس أهلاً للتكليف، بمعنى عدم تعلّق التكليف به ولو بالقوّة، كما يتعلّق بالنائم والساهي، ولذا لا خلاف بينهم على الظاهر في بطلان الوكالة إذا عرض الإغماء للوكيل أو الموكّل، وعلى هذا فالمُغمى عليه كالصبي والمجنون لا مقتضى للتكليف بالنسبة إليه، بخلاف النائم والناسي، وعليه فيكون المُغمى عليه ملحقاً بالمجنون والصبيّ في الأحكام.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّه لا دليل على اعتبار التكليف ولو بالقوّة في ثبوتها كي يتمّ ذلك، بل الدليل الواصل مختصٌّ بالصبيّ ، وإنّما ألحقنا به المجنون بواسطة عدم القول بالفصل.

وثانياً: أنّ ما ذكر وجهٌ اعتباري محض، لم يشهد به دليلٌ معتبر، ولعلّه لذلك استشكل صاحب «المدارك»(1) في الحكم.

وأمّا المورد الذي استثناه، فالظاهر أنّ الوجه فيه أنّ اجتماع شروط تنجّز التكليف من القدرة والالتفات وغيرهما ضروري الاعتبارفي جزءالوقت، فالإغماء المستوعب مانعٌ عن توجّه الخطاب، وبه يندفع إيراد صاحب «الجواهر» رحمه الله(2).

و لكن يرد عليه: أنّ هذا يتمّ بالنسبة إلى الحكم التكليفي دون الوضعي، فإلحاق المُغمى عليه بالصبيّ والمجنون لايخلو عن إشكال، إلّاإذا ثبت الإجماع التعبّدي، وهو محلّ تأمّل.5.

ص: 378


1- مدارك الأحكام: ج 5/16 و 308.
2- جواهر الكلام: ج 15/485.

الشرط الثاني: الحُريّة.

وعن جماعةٍ (1): دعوى الإجماع على اعتبارها:

وهو على القول بان العبد لا يملك واضح، فإنّه حينئذٍ فاقد للغنى الذي هو شرط.

وأمّا على القول بأنّه يملك، فحيثُ أنّه في غير المكاتب يُشترط إذن المولى في الإنفاق على نفسه من ماله، فهو في الحقيقة عيالٌ للمولى ، فيجبُ على مولاه نفقته.

وأمّا المكاتب: فقد ورد النص على أنّ زكاته على نفسه، ففي صحيح ابن جعفر:

«عن المكاتب، هل عليه فطرة شهر رمضان، أو عن من كاتبه وتجوز شهادته ؟ قال عليه السلام: الفطرة عليه، ولا تجوز شهادته»(2).

ولا يضرّ اشتماله على عدم قبول الشهادة، إذ لا مانع من التفكيك بين الجملات في الحجيّة، مع أنّ المحكيّ عن الصدوق(3) حمله على الإنكار.

وما دلّ على أنّ الرّجل يؤدّي زكاة الفطرة عن مكاتبه(4)، محمولٌ على صورة العيلولة ظاهراً.

الشرط الثالث: الغِنى .

أقول: والكلام فيه يقع في موردين:

تارةً : في أصل اعتباره.8.

ص: 379


1- الخلاف: ج 2/130، المعتبر: ج 2/593، منتهى المطلب: ج 1/532، مدارك الأحكام: ج 5/308، مستند الشيعة: ج 9/379.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/179 ح 2072، وسائل الشيعة: ج 9/365 ح 12249.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/179 ذيل الحديث 2072.
4- الكافي: ج 4/174 ح 20، وسائل الشيعة: ج 9/364 ح 12248.

واُخرى : في ما به يتحقّق الغنى.

أمّا المورد الأوّل: فالمشهور(1) اعتباره، ولم أرَ من خالفهم، وتشهد له النصوص الكثيرة:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن رجل يأخذ من الزَّكاة عليه صدقة الفطرة ؟ قال عليه السلام: لا»(2).

2 - وخبر إسحاق بن المبارك: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: على الرّجل المحتاج صدقة الفطرة ؟ قال عليه السلام: ليس عليه فطرة»(3). ونحوهما غيرهما.

ولا يعارضها مصحّح زرارة: «قلت: الفقير الذي يُتَصدّق عليه هل عليه صدقة الفطرة ؟ قال عليه السلام: نعم، يعطى ممّا يتصدّق به عليه»(4).

ونحوه غيره لتعيّن حمل هذه النصوص على الاستحباب، إنْ كان ذلك جمعاً عرفيّاً، وإلّا فالطرح.

وأمّا المورد الثاني: فالمشهور بين الأصحاب أنّه يتحقّق بملك قوت سنة له و لعياله له بالتفصيل المتقدّم في زكاة المال.

وعن الإسكافي(5): إنّه يتحقّق بملك مؤونته ومؤونة عياله ليومه وليلته.3.

ص: 380


1- المعتبر: ج 2/593، منتهى المطلب: ج 1/531، مدارك الأحكام: ج 5/311، مستند الشيعة: ج 9/381، جواهر الكلام: ج 15/488.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/73 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/321 ح 12121.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/72 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/321 ح 12123.
4- الكافي: ج 4/172 ح 11، وسائل الشيعة: ج 9/324 ح 12134.
5- حكاه العلّامة الحِلّي في المعتبر: ج 2/593.

وعن جماعةٍ منهم الشيخ(1) والحِلّي(2): أنّ الغِنى يتحقّق بملك نصابٍ من النُصُب الزكويّة.

وعن الشيخ(2): إلحاق قيمتها، وعن ظاهر الحِلّي(4): الإجماع على ما ادّعاه.

أقول: والأوّل أظهر وذلك لوجهين:

الأوّل: أنّ النصوص المتقدّم بعضها، تدلّ على التلازم بين جواز أخذ الزَّكاة، وعدم وجوب الفطرة، وقد تقدّم أنّه يجوز أخذها لمَن لا يملك قوت السنة.

الثاني: خبر يونس بن عمّار الذي رواه المفيد في محكيّ «المقنعة» عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تحرم الزَّكاة على من عنده قوت السنة، وتجبُ الفطرة على من عنده قوت السنة»(3).

واستدلّ للشيخ والحِلّي بما تقدّم في زكاة المال، من تحقّق الغِنى بذلك، بضميمة ما دلّ على مقابلة الغني للفقير في الزكاتين، كقوله عليه السلام: «اُمِرتُ أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأدفع إلى فقرائكم».

وفيه: ما تقدّم في ذلك المبحث من عدم تماميّة المبنى ، فراجع(4).

فرع: وهل يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزَّكاة، زائداً على مؤونة السنة، كما عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله(5)، والشهيد(6)، والمحقّق الثاني في حاشية8.

ص: 381


1- المبسوط: ج 1/239-240. (2و4) السرائر: ج 1/466.
2- الخلاف: ج 2/146.
3- وسائل الشيعة: ج 9/323 ح 12131، المقنعة: ص 248.
4- راجع أوّل مبحث الزَّكاة من هذا الجزء.
5- منتهى المطلب: ج 1/532.
6- الدروس: ج 1/248.

«الشرائع»(1)؟

أم لا يعتبر ذلك، كما عن جماعةٍ آخرين، منهم الشهيد الثاني(2)، بل هو المنسوب إلى إطلاق الفتوى ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّه لو وجبت مع عدمه انقلب فقيراً، فيلزم منه انتفاء موضوعه.

2 - وبأنّه لو وجبت حينئذٍ، لجاز أخذها لتحقّق شرط المستحقّ ، فيلزم أن يكون ممّن يأخذها وممّن حَلّت عليه، فقد ورد أنّه: «إذا حَلّت له لم تَحلّ عليه، ومَن حَلّت عليه لم تَحلّ له».

3 - وبأنّ حدوث الفقر مانعٌ عنها كوجوده.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الفقر المترتّب على الأداء المتأخّر عن الوجوب، كيف ينافي الغنى المأخوذ في المرتبة السابقة على الحكم، كي يصلح أن يكون موجباً لانتفاء الموضوع ؟!

وأمّا الثاني: فلأنّه يرد عليه أوّلاً: بالنقض بأنّه إنْ لم تجب عليه لم تَحلّ له لفرض غناه، وقد دلّ النصوص على وجوبها على من لا تَحلّ له الزَّكاة.

وثانياً: الحَلّ ، وهو أنّ المأخوذ في الموضوع الغنى، وعدم الحلّية مع قطع النظر عن هذا الحكم، وبه يظهر ما في الثالث.

وعليه، فالأظهر عدم الاعتبار لإطلاق النص.4.

ص: 382


1- حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الزَّكاة: ص 405.
2- مسالك الأفهام: ج 1/444.

وأيضاً: الكلام في وجوبها على الكافر وعدمه، وعلى فرض الوجوب هل يصحّ أدائها منه أم لا؟ وعلى فرض الإسلام هل تسقط منه أم لا؟ هو الكلام في زكاة المال، فراجع(1).

وأخيراً: يستحبّ للفقير إخراجها أيضاً، للنصوص المتقدّم بعضها، المحمولة على الاستحباب، وإنْ لم يكن عنده إلّاصاعٌ يتصدّق به على عياله، ثمّ يتصدّق به على الأجنبي، أو يرد إلى المصدّق الأوّل، أو يرد إلى بعضهم سواءٌ أكان هو المصدق الأوّل، أم غيره، لموثّق إسحاق بن عمّار، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّاما يؤدّى عن نفسه وحدها، أيعطيه غريباً، أو يأكل هو وعياله ؟

فقال: يعطى بعض عياله، ثمّ يُعطي الآخر عن نفسه، يتردّدونها، فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة»(2).

فرع: ولو كان فيهم الصغير والمجنون:

فهل يتولّى الوليّ الأخذ له والإعطاء نظراً إلى إطلاق النص ؟

أم ليس له الإعطاء عنه، نظراً إلى أنّه ليس النص في مقام البيان من هذه الجهة، وحيث أنّ إعطاء الوليّ خلافُ مصلحة المولّى عليه، فلا يجوز للأصل ؟

وجهان، أقواهما الأوّل، وذلك لأنّه بعد فرض غلبة وجود الصبيّ في العيال، دعوى عدم كون النص وارداً في مقام البيان من هذه الجهة غريبة.

***5.

ص: 383


1- راجع: البحث عن (الكافر تجب عليه الزَّكاة) في هذا الجزء.
2- الكافي: ج 4/172 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/325 ح 12135.

في كلّ سنةٍ عند هلال شوّال.

الفصل الثاني في وقت وجوبها

اشارة

أقول: والكلام فيه يقع في مواضع:

الموضع الأوّل: في مبدأ وقت الوجوب:

والمشهور بين المتأخّرين(1): أنّها إنّما تجب (في كلّ سنةٍ عند هلال شوّال)، وهو المحكيّ عن جماعةٍ من القدماء، منهم الشيخ في «الجُمل»(2)، و «الاقتصاد»(3)، وابنا حمزة(4)، وإدريس(5).

وعن الإسكافي(6) والمفيد(7) والسيّد(8)، والشيخ في «المبسوط»(9) و «الخلاف»(10)و «النهاية»(11)، والقاضي(12) والحلبي(13) وسلّار(14) وغيرهم(15): أنّ وقت الوجوب

ص: 384


1- المعتبر: ج 2/611، مجمع الفائدة: ج 4/262.
2- الرسائل العشر ص 209.
3- الاقتصاد: ص 284.
4- الوسيلة: ص 131.
5- السرائر: ج 1/469.
6- حكاه العلامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/295.
7- المقنعة: ص 249.
8- رسائل المرتضى: ج 3/80.
9- المبسوط: ج 1/242.
10- الخلاف: ج 1/335.
11- النهاية: ص 191.
12- الكافي في الفقه: ص 169.
13- المهذّب: ج 1/176.
14- المراسم العلويّة: ص 136.
15- جامع الخلاف والوفاق: ص 147، منتهى المطلب: ج 1/539، تذكرة الفقهاء: ج 5/391 (ط. ج).

طلوع الفجر يوم العيد.

وظاهر ابن زُهرة(1): الإجماع عليه، واختاره جمعٌ من المتأخّرين(2).

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن مولودٍ ولد ليلة الفطر عليه فطرة ؟ قال عليه السلام: لا قد خرج الشهر، وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة ؟ قال عليه السلام: لا»(3).

2 - ومصحّحه عنه عليه السلام: «في المولود يُولد ليلة الفطر، واليهودي والنصراني يُسلِم ليلة الفطر؟ قال عليه السلام: ليس عليهم فطرة، وليس الفطرة إلّاعلى مَن أدرك الشهر»(4).

وتقريب الاستدلال بهما: - على ما في «الحدائق»(5) - أنّهما إنّما يدلّان على أنّ وجوبها منوطٌ بمن يمضي عليه جزءٌ من شهر رمضان، ويهلّ عليه هلال شوّال مستكملاً لشرائط الوجوب، كالمولود يولد، والكافر يَسلم، والعبد يُشترى، والفقير يعود غنيّاً، والصغير يبلغ، والمعال يبقى في العيلولة، ولو لم يتجدّد شيء من هذه المذكورات إلّابعد الهلال، فإنّه لايتعلّق به الوجوب.

أقول: لا ريب في أنّهما إنّما يدلّان على أنّ إدراك الجزء الآخر من الشهر، مستكملاً لشرائط الوجوب دخيل في الوجوب، وأمّا أنّ مبدأ وقت الوجوب هل8.

ص: 385


1- غنية النزوع: ص 127.
2- الدروس: ج 1/250، مدارك الأحكام: ج 5/344
3- الكافي: ج 4/172 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/352 ح 12214.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/179 ح 2070، وسائل الشيعة: ج 9/352 ح 12213.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/298.

هو غروب ليلة الفطر، أو طلوع فجر يومه ؟ فهما ساكتان عنه:

أمّا الأوّل: فلعدم اشتماله على الوجوب فضلاً عن وقته.

وأمّا الثاني: فلعدم كونه في مقام بيان هذه الجهة.

فمن الممكن أن يكون إدراك الشهر سبباً لحدوث الوجوب بطلوع الفجر.

وقد استدلّ للثاني: بصحيح العيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الفطرة متى هي ؟ فقال عليه السلام: قبل الصَّلاة يوم الفطر.

قلت: فإنْ بقى منه شيءٌ بعد الصَّلاة ؟ قال عليه السلام: لا بأس، نحن نُعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه»(1).

أقول: وأورد عليه بإيرادات:

الإيراد الأوّل: ما أفاده الشيخ الأعظم رحمه الله(2) وهو أنّ دلالته مبنيّة على وجوب تقديمها على الصَّلاة، إذ لو استحبّ ، تعيّن حمل التوظيف المستفاد من الصحيح، على الاستحباب بالنسبة إلى يوم الفطر أيضاً.

وفيه: إنّ في الخبر قيدين:

أحدهما: متضمّنٌ لبيان التوظيف من حيث الزمان، وهو قوله: (يوم الفطر).

والثاني: التوظيف من حيث الزماني، وهو قوله: (قبل الصَّلاة).

وحمل أحدهما على الاستحباب لقرينةٍ خارجيّة، لا يلازم حمل الآخر عليه، وإنْ كان الكلام دالّاً عليهما بدلالة واحدة، لما حُقّق في محلّه من أنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، وإنّما هما ينتزعان9.

ص: 386


1- تهذيب الأحكام: ج 4/75 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/354 ح 12220.
2- كتاب الزَّكاة: ص 429.

من الترخيص في الترك وعدمه، فإذا ورد الترخيص في ترك أحدهما دون الآخر، يبنى على استحباب الأوّل ووجوب الثاني.

الإيراد الثاني: إنّ قوله: (قبل الصَّلاة) كما يعمّ عند طلوع الفجر بلا فصل، كذلك يعمّ قبله القريب منه، ولا قائل بالفرق.

وفيه: إنّ مورد الاستدلال قوله عليه السلام: (يوم الفطر)، لا قوله: (قبل الصَّلاة).

الإيراد الثالث: أنّه لابدّ من حمله على إرادة الأفضليّة جمعاً، بقرينة خبر الفضلاء: «يُعطى يوم الفطر أفضل، وهو في سعةٍ أن يخرجها في أوّل يوم من شهر رمضان».

وفيه: إنّ الخبر يدلّ على أفضليّة الإعطاء يوم العيد عن التعجيل به، وهذا غير مربوط بالمقام.

فالحقّ أن يورد عليه: بأنّ الصحيح إمّا ظاهرٌ في كونه في مقام بيان وقت الإخراج دون الوجوب، أو قابلٌ للحمل عليه، ولا مانع من اختلاف وقتيهما، وقد يستدلّ لهذا القول بخبر إبراهيم بن منصور:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الفطرة إنْ اُعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة، وإنْ كانت بعدما يخرج إلى العيد فهي صدقة»(1).

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم في سابقه - أنّه ليس في مقام بيان التوظيف من حيث المبدأ.

فتحصّل: أنّ شيئاً من نصوص الباب، ليس في مقام بيان الوجوب، إذ الطائفة الأُولى تدلّ على اعتبار اجتماع الشرائط في آخر جزءٍ من شهر رمضان، والطائفة7.

ص: 387


1- الكافي: ج 4/171 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/353 ح 12217.

وتتضيّق عند صَلاة العيد

الثانية تدلّ على أنّ مبدأ وقت الإخراج طلوع الفجر، فيتعيّن الرجوع في ذلك إلى الأصل، وهو يقتضي عدم الوجوب إلى طلوع الفجر، إلّاأنْ يتحقّق إجماع على أنّ المبدأ غروب ليلة الفطر، وقد ادّعاه جماعة، وجعلوا النزاع المزبور في وقت الإخراج.

آخر وقت وجوب الإخراج

الموضع الثاني: البحث عن آخر وقت وجوب الإخراج:

فعن السيّد(1)، والشيخين(2)، والصدوقين(3)، والديلمي(4)، والحلبي(5)، وجماعة من المتأخّرين(6): أنّه صلاة العيد.

واختاره المصنّف رحمه الله في المتن وقال: (وتتضيّق عند صلاة العيد).

وعن «التذكرة»(7): نسبته إلى علمائنا.

وعن الإسكافي(8): أنّ آخره زوال الشمس، وعن «المختلف»(9) استقرابه،

ص: 388


1- رسائل المرتضى: ج 3/80.
2- المقنعة: ص 249، الاقتصاد: ص 284.
3- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/298.
4- المراسم العلويّة: ص 136.
5- الكافي في الفقه: ص 169.
6- المهذّب: ج 1/176، الوسيلة: ص 131.
7- تذكرة الفقهاء: ج 5/395 (ط. ج).
8- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/298.
9- مختلف الشيعة: ج 3/299.

وعن «البيان»(1) و «الدروس»(2) اختياره.

وعن «المنتهى»(3): أنّ آخره آخر النهار، وقوّاه سيّد «المدارك»(4)، واستقربه الفاضل الخراساني(5).

أقول: أمّا النصوص فهي على طوائف:

منها: ما يدلّ على أنّ آخر وقته صلاة العيد، كخبر إبراهيم بن منصور المتقدّم، ونحوه خبر عليّ بن طاووس في «الإقبال»(6)، وخبر سالم بن مكرّم الجمّال(7).

ومنها: ما يدلّ على أنّ آخر الوقت صلاة العيد، في صورة عدم العزل، وأمّا مع العزل فيخرجها متى شاء، كموثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا عزلتها فلا يضرّك متى ما أعطيتها، قبل الصَّلاة أو بعد الصَّلاة»(8). ونحوه خبر المروزي(9).

ومنها: ما يدلّ على جواز تأخيرها عن الصَّلاة، ومقتضى إطلاقها جواز التأخير إلى غروب الشمس:

1 - صحيح العيص المتقدّم:4.

ص: 389


1- البيان: ص 210.
2- الدروس: ج 1/250.
3- منتهى المطلب: ج 1/541.
4- مدارك الأحكام: ج 5/349.
5- ذخيرة المعاد: ج 3/476. وحكاه عنه صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/301 بقوله: (واستقربه أيضاً الفاضل الخراساني في الذخيرة).
6- وسائل الشيعة: ج 9/355 ح 12222، الإقبال ص 283.
7- وسائل الشيعة: ج 9/355 ح 12223، تفسير العياشي: ج 1/43 ح 36.
8- من لا يحضره الفقيه: ج 2/181 ح 2080، وسائل الشيعة: ج 9/357 ح 12227.
9- تهذيب الأحكام: ج 4/87 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/356 ح 12224.

«فإنْ بقى منه شيء بعد الصَّلاة ؟ قال عليه السلام: لابأس».

وهذه الجملة منه تصلح صارفة لظهور صدره في الوجوب، وموجبة لحمله على الاستحباب.

2 - مصحّح ابن سنان: «وإعطاء الفطرة قبل الصَّلاة أفضل، وبعد الصَّلاة صدقة»(1).

والظاهر من الأفضليّة الاستحباب.

ومنها: ما يدلّ على أنّ آخر وقتها الزوال في صورة عدم العزل: كخبر الأحمسي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أدِّ الفطرة عن كلّ حُرٍّ ومملوك - إلى أنْ قال - قلت: أقَبل الصَّلاة أو بعدها؟ قال عليه السلام: إنْ أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، وإنْ أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة، ولا يُجزيك.

قلت: فاُصلّي الفجر وأعزلها، فتمكث يوماً أو بعض يوم آخر ثمّ أتصدّق بها؟ قال عليه السلام: لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصَّلاة»(2).

أقول: لا كلام في صورة العزل، وأمّا في صورة عدمه، فبعد طرح خبر الأحمسي لضعف سنده - من جهة إهمال الأحمسي والأنصاري الراوي عنه غير ظاهر التوثيق - يقع التعارض بين الطائفتين الأولتين الدالّتين على عدم جواز التأخير عن الصَّلاة، وبين الطائفة الثالثة الصريحة في جواز التأخير، والجمع العرفي يقتضي حمل الأولتين على الاستحباب والأفضليّة.4.

ص: 390


1- الكافي: ج 4/170 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/353 ح 12216.
2- وسائل الشيعة: ج 9/331 ح 12154، الإقبال ص 274.

ويجوزُ تقديمها في رمضان.

فالجمع بين النصوص يقتضي البناء على أنّ آخره آخر النهار، صلّى العيد أم لم يُصلِّ ، وإنْ كان الحكم في صورة عدم الصَّلاة أوضح، لعدم شمول نصوص التوقيت بها لهذه الصورة.

تقديم الفطرة على وقتها

(و) الموضع الثالث: (يجوز تقديمها في رمضان) كما عن الصدوقين(1)، والشيخ(2)، وغيرهم(3)، بل هو المنسوب(4) إلى المشهور، لصحيح الفضلاء، عن السيّدين الصادقين عليهما السلام أنّهما قالا:

«على الرّجل أن يُعطي عن كلّ مَنْ يعول، مِنْ حُرٍّ وعبدٍ، وصغيرٍ وكبير، يُعطي يوم الفطر قبل الصَّلاة، فهو أفضل، وهو في سعةٍ أنْ يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره»(5).

أقول: وأورد عليه بإيرادين:

الأوّل: أنّه قابلٌ للحمل على القرض.

وفيه: إنّه بواسطة تخصيص ذلك برمضان، وظهور الضمير في قوله: (يعطيها) في الرجوع إلى نفس الفطرة، وجعل الحكم من باب السعة والرخصة في مقابل الفضيلة، بعيدٌ جدّاً كما لا يخفى .

ص: 391


1- حكاه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/300.
2- المبسوط: ج 1/242، الخلاف: ج 2/198.
3- المراسم: ص 135، المهذّب: ج 1/176.
4- الدروس: ج 1/250.
5- الاستبصار: ج 2/45 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/354 ح 12219.

الثاني: أنّ في ذيله ما لم يلتزم به أحدٌ، وهو كفاية نصف الصّاع.

وفيه: إنّ التفكيك بين جملات الرواية في الحجيّة غير عزيز.

وعن الشيخين(1)، وأبي الصلاح(2)، وابن إدريس(3): عدم جواز التقديم إلّا على سبيل القرض، بل عن «المدارك»(4): نسبته إلى المشهور.

واستدلّ له:

1 - بأنّ اشتغال الذمّة بها إنّما هو بعد رمضان، فأدائها فيه أداءٌ لما لم يجب.

2 - وبالنصوص المتضمّنة أنّ لها وقتاً معلوماً، وهو من غروب ليلة الفطر، أو طلوع فجر يومه(5).

3 - وبما ورد في زكاة المال من المنع عن تعجيلها قبل حلول الحول، معلّلاً بقوله عليه السلام: «لا تُصلّى الأُولى قبل الزوال. وإنْ كان فريضة، إنّما تؤدّى إذا حَلّت»(6).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلا يقاوم النص.

والثاني: في مقام بيان الوقت الأصلي المضروب، غير المنافي للتقديم بعنوان التعجيل.

والثالث: يقيّد إطلاقه بصحيح الفضلاء.

وعليه، فالأظهر جواز التقديم.4.

ص: 392


1- المقنعة: ص 249، الاقتصاد: ص 285.
2- الكافي في الفقه: ص 173.
3- السرائر: ج 1/470.
4- مدارك الأحكام: ج 5/345.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/75 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/354 ح 12220.
6- هذا التعليل اُخذ من روايتين: رواية زرارة: (أيُزكّي الرّجل ماله إذا مضى ثُلث السنة ؟ قال: لا، أتُصلّي الاُولى قبل الزوال!). ورواية عمر بن يزيد، راجع وسائل الشيعة: ج 9/305 ح 12085، وج 9/305 ح 12084.

ولا تؤخّر عن العيد إلّالعُذرٍ، ولو فاتت قُضيت.

تأخير الفطرة عن وقتها

(و) الموضع الرابع: (لا تؤخّر) الفطرة (عن العيد إلّالعُذر) مسوّغ لمخالفة التكليف، لأدلّة التوقيت المتقدّمة، وهذا ثابتٌ لا نقاش فيه، إنّما الكلام فيما أفاده بقوله: (ولو فاتت قُضيت)، فقد وقع الخلاف في سقوطها بخروج الوقت:

فعن الشيخ(1)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(2)، والحِلّي(3)، وجماعةٌ من المتأخّرين(4): عدم سقوطها.

وعن الصدوق(5)، والمفيد(6)، والحلبي(7)، والقاضي(8)، وابن زُهرة(9)، والمحقّق(10)، وجمعٌ من المتأخّرين(11): السقوط.

أقول: واختلف الأولون على قولين:

ص: 393


1- الاقتصاد: ص 284.
2- منتهى المطلب: ج 1/541، تذكرة الفقهاء: ج 5/396 (ط. ج).
3- السرائر: ج 1/470.
4- المراسم العلويّة: ص 134، إيضاح الفوائد: ج 1/213، الدروس: ج 1/250، مجمع الفائدة: ج 4/266.
5- المقنع: ص 212.
6- المقنعة: ص 249.
7- الكافي في الفقه: ص 169.
8- المهذّب: ج 1/176.
9- غنية النزوع: ص 127.
10- شرائع الإسلام: ج 1/131.
11- الحدائق الناضرة: ج 12/310، كشف الغطاء: ج 2/358.

الأوّل: أنّه أداءٌ ، ذهب إليه الحِلّي(1).

الثاني: أنّه قضاءٌ ، اختاره غيره.

وقد استدلّ لعدم السقوط:

1 - بالاستصحاب، ولكن على ما حقّقناه في محلّه من عدم جريان الاستصحاب عند الشكّ في بقاء الحكم الكلّي الشرعي، لا مجري له، والمتعيّن هو الرجوع إلى البراءة، المقتضية لعدم الوجوب.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ ذلك إنّما هو في وجوب الأداء، وأمّا المال الذي في الذمّة، فلا مانع من استصحاب بقائه، لكنّه يتوقّف على استفادة ثبوتها في الذمّة مع قطع النظر عن التكليف بالإخراج، وهو يحتاج إلى عناية زائدة.

2 - وبأنّ المستفاد من العمومات، أنّ أداء الفطرة مطلوب مطلق، وما دلّ على التوقيت لا يقيّد ذلك، بل إنّما هو متضمّنٌ لبيان مطلوب آخر.

وفيه: إنّ ظاهر أدلّة التوقيت، أنّ المراد بالفطرة سؤالاً وجواباً، هي التي وجبت بالأخبار المطلقة، فكأنّها بيانٌ لوقت ذلك الواجب الذي تكون العمومات متضمّنة لبيان أصل وجوبه، وعليه فيتعيّن تقييد العمومات بها.

ويؤيّده: الاتّفاق على أنّه ليس في أدائها في الوقت امتثالان: أحدهما للمطلق، والآخر للمقيّد، وأنّه لا يتعدّد العقاب بترك أدائها.

3 - وبصحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجلٍ أخرج فطرته، فيعزلها حتّى يجد لها أهلاً؟ فقال عليه السلام: إذا أخرجها من ضمانه فقد برأ، وإلّا فهو ضامنٌ لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها»(2).5.

ص: 394


1- السرائر: ج 1/470.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/77 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/356 ح 12225.

ولو عَزَلها ثُمّ تلفت من غير تفريطٍ، فلا ضمان، ولا يجوزُ نقلها عن بلده مع وجود المستحقّ .

وفيه: الظاهر - ولا أقلّ من المحتمل - رجوع الضمير في (أخرجها من ضمانه) إلى زكاة الفطرة المعزولة، ومعنى إخراجها من ضمانه إخراجها إلى المستحقّ ، فقوله:

(وإلّا فهو ضامنٌ لها) معناه أنّه في عهدته إلى حين الأداء.

مع أنّه لو سُلّم كون الجملة الثانية في مقام بيان حكم صورة عدم العزل، فغاية ما يستفاد منه أنّه مع العزل يخرج عن الضمان، ومع عدمه ضامنٌ لها حتّى يؤدّيها في وقتها المضروب لها.

فتحصّل: أنّه لا دليل على عدم السقوط بعد خروج الوقت، وطريق الاحتياط معلوم.

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة المُشار إليها كونه أداءً لا قضاءً ، كما لا يخفى ، والأحوط عدم التعرّض للأداء أو القضاء.

عزل الفطرة ونقلها بعد العزل

الموضع الخامس: (ولو عَزَلها ثُمّ تلفت من غير تفريطٍ، فلا ضمان، ولا يجوز نقلها عن بلده مع وجود المستحقّ ).

أقول: هنا فروع:

الفرع الأوّل: لا خلاف في جواز عزلها في مالٍ مخصوص من الأجناس أو غيرها بقيمتها.

ص: 395

ويشهد له: صحيح زرارة(1)، وموثّق إسحاق(2) المتقدّمان وغيرهما، وفي مرسل ابن أبي عمير: «إذا عزلتها وأنتَ تطلبُ بها الموضع، أو تنتظر بها رجلاً، فلا بأس»(3).

الفرع الثاني: مقتضى القواعد وجوب أدائها فوراً بعد العزل وإنْ لم يخرج وقت الفطرة، إذ الوقت وقتُ أداء الفطرة، لا وقت أداء الأمانة، ولكن دلّت النصوص - منها صحيح العيص، وموثّق إسحاق المتقدّمان - على جواز التأخير ولو خرج الوقت، وأنّ فائدة العزل ذلك، ولازم ذلك عدم الضمان لو تلفت من غير تفريطٍ، على ما عرفت في زكاة المال، فراجع.(4)

الفرع الثالث: صرّح غير واحدٍ(5) بأنّه لا يجوز نقلها عن بلده، مع وجود المستحقّ فيه.

ويشهد له:

1 - موثّق الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «كان جَدّي صلى الله عليه و آله يُعطي فطرته الضعفة ومن لا يجد، ومن لا يتولّى.

وقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هي لأهلها إلّاأن لا تجدهم، فإنْ لم تجدهم فلمن لا يَنصِب، ولا تُنقل من أرضٍ إلى أرض»(6).

2 - ومكاتبة عليّ بن بلال، قال: «كتبتُ إليه: هل يجوزُ أن يكون الرّجل في6.

ص: 396


1- تهذيب الأحكام: ج 4/77 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/356 ح 12225.
2- الاستبصار: ج 2/45 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/354 ح 12219.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/77 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/357 ح 12228.
4- صفحة 386 من هذا المجلّد.
5- شرائع الإسلام: ج 1/131، المختصر النافع ص 62، إرشاد الأذهان: ج 1/291، مدارك الأحكام: ج 5، 353.
6- الاستبصار: ج 2/51 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12236.

بلدةٍ ورجلٌ آخر من اخوانه في بلدةٍ اُخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب عليه السلام: يقسّم الفطرة على مَن حضر، ولا يوجّه ذلك إلى بلدةٍ اُخرى ، وإنْ لم يجد موافقاً»(1).

ولكن الذي يوجب التوقّف في الإفتاء، بناء الأصحاب على عدم الفرق بين الفطرة وزكاة المال، فيدلّ على جواز نقلها ما دلّ على جواز نقل زكاة المال، والاحتياط لا بدَّ من رعايته في المقام.

وأمّا أنّه هل يكون ضامناً لو نقلها وتلفت أم لا؟ ففيه كلامٌ تقدّم في زكاة المال. فراجع(2).

***ء.

ص: 397


1- الاستبصار: ج 2/51 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12237.
2- راجع بحث (نقل الزَّكاة من بلدها) في هذا الجزء.

الفصل الثالث في جنس الزّكاة ومقدارها

اشارة

أقول: والكلام في هذا الفصل يقع في مقامين:

الأوّل: في الجنس الواجب إخراجه.

الثاني: في بيان مقدار ما يُخرج.

أمّا المقام الأوّل: فقد اختلفت فيه كلمات الأصحاب اختلافاً كثيراً:

فعن الصدوقين(1)، والعُمّاني(2): الاقتصار على الغلّات الأربع؛ أي الحِنطة والشعير والّتمر والزَّبيب.

وعن «المدارك»(3): إضافة الأقّط عليها.

وعن الإسكافي(4)، والحلبي(5)، والحِلّي(6): إضافة الذَّرة إليها.

وعن «الذخيرة»(7): إضافة الأرُّز والأقّط.

وعن الشيخ في «المبسوط»(8) و «الخلاف»(9): إضافة الأرّز والأقّط واللّبن،

ص: 398


1- حكاه عن الوالد العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/281، المقنع: ص 210.
2- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 3/281.
3- مدارك الأحكام: ج 5/333.
4- حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 3/282.
5- الكافي في الفقه: ص 169.
6- السرائر: ج 1/468.
7- ذخيرة المعاد: ج 3/470.
8- المبسوط: ج 1/241.
9- الخلاف: ج 2/150.

مدّعياً ثبوت الإجماع على إجزاء السبعة، وعدم الدليل على إجزاء غيرها.

وعن «الدروس»(1): أنّ ظاهر الأكثر الاقتصار على هذه السبعة.

وعن كثير(2): أنّه القوت الغالب، ونُسِب(3) إلى المشهور بين المتأخّرين، بل عن «المعتبر»(4) و «المنتهى»(5): دعوى الإجماع عليه.

وعن المفيد(6) والسيّد(7): أنّه فضلة أقوات أهل الأمصار، على اختلاف أقواتها في النوع.

أقول: وأمّا النصوص فهي على طوائف:

منها: ما اقتصر على الحِنطة والشعير: كصحيح عبد اللّه بن سنان: «صاعٌ من حنطة أو صاعٍ من شعير»(8).

ومنها: ما أضاف إليهما الأقّط: كخبر عبد اللّه بن المُغيرة: «يُعطى من الحِنطة صاع، ومن الشعير ومن الأقّط صاع»(9).

ومنها: ما أضاف إليهما الّتمر(10).

ومنها: ما أضاف إليهما الّتمر والزَّبيب: كصحيح الحلبي، عن الصادق عليه السلام، قال:0.

ص: 399


1- الدروس: ج 1/251.
2- النهاية: ص 190، المهذّب: ج 1/174، المراسم العلويّة: ص 135.
3- الحدائق الناضرة: ج 12/279.
4- المعتبر: ج 2/605.
5- منتهى المطلب: ج 1/536.
6- المقنعة: ص 250.
7- رسائل المرتضى: ج 3/80.
8- الاستبصار: ج 2/47 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/330 ح 12150.
9- تهذيب الأحكام: ج 4/80 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/333 ح 12158.
10- تهذيب الأحكام: ج 4/85 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/337 ح 12170.

«صدقة الفطرة - إلى أنْ قال - عن كلّ إنسانٍ صاعٍ من حِنطة أو شعير، أو صاعٍ من تمر، أو صاعٍ من زبيب لفقراء المسلمين»(1). ونحوه غيره.

ومنها: ما تضمّن ذِكر الحِنطة والَّتمر(2).

ومنها: ما تضمّن ذِكر الحِنطة والَّتمر والزّبيب(3).

ومنها: ما تضمّن ذِكر الشَّعير والَّتمر والزَّبيب: كصحيح معاوية(4).

ومنها: ما اشتمل على الشعير والّتمر والزّبيب والذَّرة(5).

ومنها: ما دلّ على كفاية السَّلت والسُّويق، كخبر محمّد بن مسلم(6).

ومنها: ما دلَّ على الإكتفاء باللَّبن، كمصحّح زرارة(7).

ولا تنافي بين هذه النصوص، لعدم وجود المفهوم في شيء منها، فمقتضى المجموع البناء على كفاية جميع ما تضمّنته - وهي الغلّات الأربع، والأقّط والذَّرة والسَّلت والسّويق واللّبن - وإنْ لم تكن قوتاً.

أقول: وفي المقام روايات اُخر تدلّ على أنّ الميزان هو القوت الغالب:

1 - مصحّح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الفطرة على كلّ قومٍ ممّا يغذون عيالهم من لبنٍ أو زبيبٍ أو غيره»(8). ونحوه مرسل يونس(9).8.

ص: 400


1- تهذيب الأحكام: ج 4/75 ح 18، وسائل الشيعة: ج 9/336 ح 12166.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/81 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/336 ح 12166.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/82 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/238 ح 12172.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/83 ح 13، وسائل الشيعة: ج 9/335 ح 12163.
5- تهذيب الأحكام: ج 4/82 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/335 ح 12165.
6- تهذيب الأحكام: ج 4/81 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/337 ح 12168.
7- ذكر اللّبن في أصناف زكاة الفطرة الشيخ المفيد في كتاب الأشراف: ص 40، والطوسي في مصباح المتهجّد: ص 665، وابن حمزة الطوسي في الوسيلة: ص 130، وغيرهم.
8- تهذيب الأحكام: ج 4/78 ح 2، وسائل الشيعة: ج 9/343 ح 12185.
9- تهذيب الأحكام: ج 4/78 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/344 ح 12188.

2 - ومكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام: «إنّ الفطرة صاعٌ من قوت بلدك على أهل مكّة، واليمن، والطائف، وأطراف الشام، واليمامة، والبحرين، والعراقين، وفارس، والأهواز، وكرمان تمرٌ، وعلى أهل أوساط الشام زبيبٌ ، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها بُرٌّ أو شعير، وعلى أهل طبرستان الأرّز، وعلى أهل خراسان البُرّ إلّاأهل مرو والرّي فعليهم الزَّبيب، وعلى أهل مصر البُرّ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غَلُب قوتهم، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقّط»(1).

والكلام يقع أوّلاً: فيما يستفاد من هذه النصوص.

وثانياً: في الجمع بينها وبين النصوص الأوّل.

أمّا الجهة الأُولى : فالمستفاد من المصحّح، الإكتفاء بما هو قوتٌ في الجملة غالباً، وإنْ لم يقتصر عليه في القوت، بل وكان الغالب في القوت غيره، وذلك من جهة قوله (مِنْ لبنٍ أو زبيبٍ ) لعدم كونهما ممّا يُقتصر عليه في القوت، بل ولا ممّا غَلُب، وعليه يُحمل المرسل، ولا تعارضه المكاتبة، لعدم العمل بما فيها من التفصيل، بل تعيّن الّتمر لما ذكر من الاقطار خلاف الضرورة.

ثمّ إنّ ظاهر مرسل يونس الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً، فعليه أنْ يؤدّي من ذلك القوت - اعتبار كونه قوتاً للمُخرِج - وظاهر المكاتبة اعتبار كون الشيء قوتاً بالبلد، والمصحّح قابلٌ للحمل على كلّ منهما، بل لا يبعد ظهوره في الثاني، والجمعُ بينهما يقتضي البناء على كفاية كلّ منهما.6.

ص: 401


1- تهذيب الأحكام: ج 4/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/343 ح 12126.

وأمّا الجهة الثانية: فمقتضى إطلاق النصوص المتقدّمة، كفاية الإخراج عن الأجناس التي تضمّنتها، وإنْ لم تكن قوتاً للمُخرِج، ومقتضى هذه النصوص أنّ العبرة بالقوت، سواءٌ أكان من تلك الأجناس أو من غيرها، والنسبة عمومٌ من وجه، وحيث أنّ تلك النصوص لا تدلّ على الحصر، وتعيّن كون المخرج منها، فهي لا تنافي هذه النصوص.

وأمّا هذه فبما أنّها تدلّ على اعتبار كونها قوتاً، فيوجب تقييد إطلاق تلك، فتكون النتيجة أنّ الميزان هو القوت الغالب، سواءٌ أكان من الأجناس المتقدّمة أم غيرها. فتدبّر.

أقول: والظاهر عدم كفاية الدقيق والخُبز، وذلك:

1 - لأنّ الظاهر من القوت أصل الجنس هكذا قيل.

2 - ولأنّ المذكور في النصوص هي الاُصول، ولو كانت الفروع كافية، كانت أولى بالذِّكر.

3 - ولما في مصحّح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سألته تُعطى الفطرة دقيقاً مكان الحِنطة ؟ قال عليه السلام: لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحِنطة والدقيق»(1).

إذ ظاهره كون الدقيق من باب القيمة، وإلّا لم يَجُز دفع ما نقص وزناً عن الصّاع إجماعاً.

***4.

ص: 402


1- تهذيب الأحكام: ج 4/332 ح 109، وسائل الشيعة: ج 9/347 ح 12194.

وقدرها: تسعة أرطال بالعراقي: من الحِنطة والشعير والتّمر والزّبيب والأرّز والأقّط.

المقدار الواجب إخراجه

المقام الثاني: يدور البحث فيه عن المقدار الواجب إخراجه.

أقول: (و) الكلام فيه يقع أوّلاً: في الأقوات غير اللّبن.

وثانياً: في اللّبن.

أمّا الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب(1) أنّ (قدرها تسعة أرطال بالعراقي) التي هي صاعٌ (من الحِنطة والشعير والتّمر والزّبيب والأرّز والأقّط) وغير ذلك ممّا يخرج فطرة.

وفي «الجواهر»(2): الإجماع بقسميه عليه.

وتشهد له: نصوصٌ مستفيضة، إنْ لم تكن متواترة، وفيها الصحاح(3)، وقد تقدّمت جملةٌ منها، لا ضرورة إلى إعادتها، ولا التطويل بنقل غيرها.

نعم، بإزائها نصوصٌ تدلّ على كفاية نصف الصّاع(4)، وقد حَمَلها الشيخ رحمه الله على التقيَّة، واستحسنه غيره، وهو حسنٌ .

ص: 403


1- مدارك الأحكام: ج 5/339.
2- جواهر الكلام: ج 15/522.
3- الكافي: ج 4/171 باب الفطرة ح 5، وسائل الشيعة: ج 9/332، الباب 6: أنّ الواجب في الفطرة على كلّ إنسان صاع.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/81 ح 7، وسائل الشيعة: ج 9/337 ح 12167.

ومن اللّبن أربعة أرطال بالمدني.

وتشهد له النصوص المتضمّنة أنّ السُنّة كانت جارية بصاعٍ إلى زمان عثمان، وفي ذلك الزمان، وبعده في زمان معاوية، جُعل نصف صاع من الحِنطة، بإزاء صاعٍ من تمر(1) وتابعهما النّاس على ذلك، فنصوص النصف خرجت وفاقاً لهم.

(و) أمّا الثاني: فالمحكيّ عن «المبسوط»(2)، و «المصباح»(3)، ومختصره(4)،

و «الاقتصاد»(3)، و «الجُمل»(4)، و «النهاية»(5)، و «التهذيب»(6)، و «الاستبصار»(7)، و «النافع»(8)، و «التذكرة»(9) وغيرها(10)، وفي «الشرائع»(11) والمتن: أنّه يتصدّق (مِن اللّبن أربعة أرطال).

وهم اختلفوا في تفسيرها:

ففسَّرها قومٌ كالشيخ في جملةٍمن كتبه(12)، وابن حمزة(13)، وابن إدريس(14)،9.

ص: 404


1- تهذيب الأحكام: ج 4/82 ح 12 و 13، وسائل الشيعة: ج 9/334 ح 12160 و 12163.
2- المبسوط: ج 1/241. (3و4) حكاه في مستند الشيعة: ج 9/418.
3- الاقتصاد: ص 285.
4- الرسائل العشر: ص 209.
5- النهاية: ص 191.
6- تهذيب الأحكام: ج 4/84 ذيل الحديث 18.
7- الاستبصار: ج 2/49 ذيل الحديث 3.
8- المختصر النافع: ص 61.
9- تذكرة الفقهاء: ج 5/389 (ط. ج).
10- إرشاد الأذهان: ج 1/291، تبصرة المتعلّمين: ص 73.
11- شرائع الإسلام: ج 1/131.
12- المبسوط: ج 1/241، النهاية: ص 191، الرسائل العشر: ص 209.
13- الوسيلة: ص 131.
14- السرائر: ج 1/469.

والمصنّف في المتن (بالمدنيّ ) فتكون ستّة أرطال بالعراقي.

وعن جماعةٍ (1) منهم تفسيرها بالعراقي.

وقد استدلّ لكون المقدار الواجب إخراجه من اللّبن أربعة أرطال، بمرفوع إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة ؟ قال عليه السلام: يتصدّق بأربعة أرطال من لبن»(2).

بدعوى أنّ ضعف سنده منجبرٌ بعمل من عرفت.

وفيه أوّلاً: إنّه مختصّ بمن لا يتمكّن من الفطرة، فلا يكون مربوطاً بالمقام.

وثانياً: إنّه يعارضه العموم الآبي عن التخصيص، كخبر جعفر بن معروف:

«كتبتُ إلى أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة، وسألناه أن يكتب ذلك إلى مولانا - يعني علي بن محمّد الهادي عليه السلام - فكتب: إنّ ذلك قد خرج لعليّ بن مهزيار أنّه يُخرج من كلّ شيء الّتمر والبُرّ وغيره صاع، وليس عندنا بعد جوابه علينا في ذلك اختلاف»(3).

المعتضد بما ورد في خصوص الأقّط، الذي يكون اللّبن أولى منه بالتقدير المذكور، الدالّ على لزوم الصّاع.

أقول: واستدلّ لكون الأرطال الأربعة الكافية فيه، إنّما هي أربعة بالمدني، بمكاتبة محمّد بن الريّان: «كتبتُ إلى الرّجل أسأله عن الفطرة وزكاتها كم تؤدّى ؟ فكتب: أربعة أرطال بالمدني»(4).3.

ص: 405


1- كما في إيضاح الفوائد: ج 1/214.
2- الكافي: ج 4/173 ح 15، وسائل الشيعة: ج 9/341 ح 12181.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/81 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/333 ح 12159.
4- تهذيب الأحكام: ج 4/84 ح 18، وسائل الشيعة: ج 9/342 ح 12183.

وفيه: أنّها غير مختصّة باللّبن، بل هي تدلّ على كفاية أربعة أرطال في مطلق الأجناس، فتعارض مع نصوص الصّاع، والترجيح معها، والجمع بينها بحمل المكاتبة على اللّبن تبرّعيٌ لا شاهد له.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّ المقدار الواجب إخراجه من اللّبن أيضاً هو الصّاع.

***

ص: 406

وأفضلها التّمر، ثُمّ الزَّبيب، ثُمَّ ما يَغلِبُ على قوت السَّنة.

الأفضل إخراج التّمر ثمّ الزَّبيب

هاهنا مسائل:

المسألة الاُولى: (وأفضلها) أي أفضل الأجناس (التَّمر) كما عن الأكثر(1).

وتشهد له: نصوصٌ كثيرة:

منها: خبر الشّحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لأنْ أعطي صاعاً من تمرٍ أحبُّ إليَّ من أنْ أعطي صاعاً من ذهب في الفطرة»(1).

ومنها: صحيح هشام عنه عليه السلام: «الّتمر في الفطرة أفضل من غيره، لأنّه أسرع منفعة، وذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه»(2). ونحوهما غيرهما.

(ثُمَّ الزَّبيب) كما عن الأكثر(4)، ويشهد له التعليل في صحيح هشام، وهو وإنْ اقتضى مساواته مع الّتمر، إلّاأنّ اختصاصه بما سمعت من النصوص كافٍ في زيادة فضيلته.

(ثُمّ ما يَغلِبُ على قُوتِ السَّنة) لنفسه، كما عن الأكثر، لمكاتبة الهَمداني، إلى العسكرى عليه السلام المتقدّمة(3).

ص: 407


1- تهذيب الأحكام: ج 4/85 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/350 ح 12209.
2- الكافي: ج 4/171 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/31 ح 12211.
3- تهذيب الأحكام: ج 4/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/343 ح 12186.

ويجوز إخراج القيمة.

هذا إذا لم يكن هناك مرجّحٌ من كون غيرها أصلح بحال الفقير، وأنفع له، وإلّا فهو الأفضل، للتعليل في صحيح هشام المتقدّم.

لا يُجزي الصّاع المُلفق

المسألة الثانية: لا يجزي الصّاع الملفّق من جنسين، بأنْ يُخرج نصف صاعٍ من الحِنطة، ونصفاً آخر من الشعير مثلاً كما في «الجواهر»(1) وغيرها(2)، لخروجه عن كلٍّ من الاُصول، وقد دلّت النصوص على اعتبار كونها صاعاً من أحد تلك الاُصول.

ودعوى: أنّه بناءً على أنّ الميزان هو القُوتِ الغالب، المستلزم لحمل أخبار التنصيص على الحِنطة والشَّعير، على أنّها من باب أظهر الأفراد، ولابدّ من البناء على الإجزاء.

مندفعة: بأنّ الظاهر من أخبار القوت، بضميمة أخبار الصّاع، أنّها صاعٌ من كلّ جنسٍ من الأجناس الّتي تكون قوتاً، فإعطاء صاعٍ من الجنسين، لا يكون مشمولاً لها، فالأظهر عدم الإجزاء.

الاجتزاء بالقيمة

المسألة الثالثة: (ويجوزُ إخراج القيمة) مع التمكّن من الأجناس، بلا خلافٍ أجده فيه، ودعوى الإجماع(3) عليه مستفيضة كالنصوص، فهذا ممّا لا كلام فيه، إنّما

ص: 408


1- جواهر الكلام: ج 15/523.
2- العروة الوثقى: ج 4/221 (ط. ج).
3- تذكرة الفقهاء: ج 5/386 (ط. ج)، الحدائق الناضرة: ج 12/288.

الكلام في أنّه:

هل يتعيّن أنْ تكون القيمة من الأثمان، أي الدّراهم والدنانير وما بحكمهما؟

أم لا فرق بينها وبين غيرها من الأجناس الاُخر؟

وقد استدلّ للثاني:

1 - بإطلاق موثّق إسحاق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس بالقيمة في الفطرة»(1).

2 - وبما دلَّ على جواز إعطاء القيمة من غير النقدين في زكاة المال(2)، بناءً على عدم الفرق بينها وبين المقام.

3 - وبأنّه المستفاد من التعليل في بعض نصوص الباب، المقيّدة بالدرهم بأنّه أنفع.

وأورد على الأوّل: بانصرافه إلى النقدين.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم(3) رحمه الله: بأنّ الظاهر منه أنّه لا بأس بإخراج الشيء بقيمة الاُصول، فيكون ظاهراً في غير الدّراهم والدنانير.

وفيه: أنّ الظاهر منه أنّه لا بأس بإخراج القيمة نفسها.

ويرد على الثاني: أنّ عدم الفرق بين البابين حتّى في هذه الأحكام غير ثابتٍ ، وفساد الثالث واضح.

وعليه، لا دليل تطمئن النفس به، يدلّ على كفاية القيمة من غير الأثمان،7.

ص: 409


1- تهذيب الأحكام: ج 4/78 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/348 ح 12198.
2- الكافي: ج 3/559 باب الرّجل يعطي عن زكاته العوض. وسائل الشيعة: ج 9/167 باب 14 جواز إخراج القيمة عن زكاة الدنانير والدّراهم وغيرهما.
3- كتاب الزَّكاة: ص 427.

فالأحوط عدم الاكتفاء به، ويؤيّده أنّ نصوص الباب مع كثرتها مقيّدة بالدرهم، فراجعها.

أقول: لم يرد من الشارع الأقدس تقديرٌ لعوض الواجب، بل الثابت في النصوص إطلاق الإجتزاء بالقيمة، ومقتضاه كما في غير المقام الرجوع إلى القيمة السوقيّة، كما هو المشهور بين الأصحاب.

ونُسب في «الشرائع»(1) التقدير بدرهم إلى قوم، وبثلثي درهم إلى قومٍ آخرين(2)، وعلّق عليه صاحب «الجواهر»(1) بقوله: (بل لم نعرف قائله ولا مستنده)، ثمّ نقل(2) عن «المقنعة»(3) أنّه:

«سُئل عن الصادق عليه السلام عن مقدار القيمة، فقال: درهم في الغلاء والرّخص، وروي: أنّ أقلّ القيمة في الرّخص ثُلثا درهم»(4).

وعن «الاستبصار» رواية خبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا بأس أن يعطيه قيمتها درهماً»(5).

ولكن يرد على مرسلي المفيد: أنّهما ضعيفان سنداً، لم يعمل راويهما بهما.

ويرد على خبر إسحاق: أنّ من المحتمل أن يكون المراد من (الدرهم) الجنس، بل هو الظاهر، واللّه العالم.0.

ص: 410


1- جواهر الكلام: ج 15/526 (بل لم نعرف قائله ولا مستنده).
2- جواهر الكلام: ج 15/526.
3- المقنعة: ص 251.
4- وسائل الشيعة: ج 9/349 ذيل الحديث 12203. المقنعة: ص 251.
5- الاستبصار: ج 2/50 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/348 ح 12200.

مع أنّه لو أغمضنا عن ذلك كلّه، يعارضها خبر سليمان بن جعفر المروزي، قال: «سمعته يقول: إنْ لم تجد من تضع الفطرة فيه، فاعزلها تلك الساعة قبل الصَّلاة، والصدقة بصاعٍ من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم»(1).

والمدار قيمة وقت الإخراج، لا وقت الوجوب، لما تقدّم في زكاة المال، كما أنّه ظهر ممّا ذكرناه هناك أنّ المعتبر قيمة بلد الإخراج، ويشهد له أيضاً خبر المروزي المتقدّم.

***6.

ص: 411


1- تهذيب الأحكام: ج 4/87 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/347 ح 12196.

ويجبُ أن يُخرجها عن نفسه، وعمَّن يعوله من مسلمٍ وكافر، حُرٍّ وعبد، وصغيرٍ وكبير، وإنْ كان متبرّعاً بالعيلولة.

الفصل الرابع فيمن تجب عليه الفطرة

اشارة

(و) مع اجتماع الشرائط (يجبُ أن يُخرجها عن نفسه، وعن) جميع (مَن يعوله، من مسلمٍ وكافرٍ، حُرٍّ وعبد، وصغيرٍ وكبير، وإنْ كان متبرّعاً بالعيلولة) بلا خلاف.

وعن غير واحدٍ(1): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: نصوصٌ كثيرة:

منها: صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن صدقة الفطرة ؟ فقال:

على كلّ من يعول الرجل، على الحُرّ والعبد، والصغير والكبير...»(2).

ومنها: مصحّحه عنه عليه السلام: «كلّ من ضَممت إلى عيالك مِنْ حُرٍّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عمّا يجب على الرّجل في أهله من صدقة الفطرة ؟ قال عليه السلام: تصدّق عن جميع من تعول من حُرٍّ أو عبد، أو صغيرٍ أو كبير»(4).

ص: 412


1- منتهى المطلب: ج 1/533، مدارك الأحكام: ج 5/315، جواهر الكلام: ج 15/494.
2- تهذيب الأحكام: ج 4/81 ح 8، وسائل الشيعة: ج 9/336 ذيل الحديث 12167.
3- الكافي: ج 4/170 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/329 ح 12146.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2/182 ح 2081، وسائل الشيعة: ج 9/329 ح 12144.

ومنها: صحيح عمر بن يزيد: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يكون عنده الضيف من اخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة ؟ فقال عليه السلام: نعم الفطرة واجبة على كلّ من يعول، من ذكرٍ أو اُنثى ، صغيرٍ أو كبير، حُرّ أو مملوك»(1)، ونحوها غيرها(2).

أقول: وموضوع الحكم ليس هو خصوص العيال، كي يدّعى اختصاصه بمن يعوله مدّة، وينفق عليه في تلك المدّة، بل الموضوع أن يكون ممّن يعوله ولو في وقتٍ ، أي ممّن تحمل معاشه، ففي الخبر تفسير من يعول بمن ينفق عليه صاع من تمر، فالعيال ومن ضُمّ إليهم يجبُ إخراجها عنهم، كما صرّح بذلك في مصحّح ابن سنان المتقدّم.

وأمّا صحيح ابن الحجّاج: «عن رجلٍ يُنفق على رجل ليس من عياله، إلّاأنّه يتكلّف له نفقته وكسوته، أتكون عليه فطرته ؟ قال عليه السلام: لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه.

وقال عليه السلام: العيال: الولدُ، والمملوكُ ، والزوجة، واُمّ الولد»(3).

فلا ينافي ما ذكرناه، إذ توهّم التنافي:

إنْ كان من ناحية ما في ذيله من حصر العيال في الأربعة.

يردّه: أنّه لا ظهور له في الحصر، بل الظاهر منه بيان المصاديق الظاهرة.1.

ص: 413


1- الكافي: ج 4/173 ح 16، وسائل الشيعة: ج 9/327 ح 12140.
2- راجع وسائل الشيعة: ج 9/327 باب 5 من أبواب زكاة الفطرة (باب وجوب إخراج الفطرة عن نفسه وجميع من يعوله من صغير وكبير وغنيّ وفقير وحُرّ ومملوك وذكرٍ واُنثى ومسلم وكافر وضيف) ابتداءً من حديث 12139.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2/181 ح 2079، وسائل الشيعة: ج 9/328 ح 12141.

وإنْ كان من ناحية قوله: (ينفق على رجلٍ ليس من عياله) الصريح في أعميّة الإنفاق عن العيلولة.

فيردّه: أنّ الإنفاق على شخص ربما يكون مع كون المُنفِق عليه تابعاً للمنفق ومن متعلقيه في شؤون معاشه، وربما يكون بدون ذلك، كما لو أعطى الإنسان مالاً إلى شخص بمقدار نفقته - بعنوان الهبة أو غيرها - وفي الأوّل يصدق أنّه (ممّن يعوله) أو (ضُمّ إلى عياله)، وفي الثاني لا يصدق، والصحيح إنّما يدلّ على عدم الوجوب في المورد الثاني، ولهذا لا تجب فطرة طلّاب الحوزة العلميّة وعيالاتهم على الرئيس المتصدّي لأمرهم والإنفاق عليهم. واللّه العالم

عن حكم الضيف

أقول: وتمام الكلام يتحقّق بالبحث في مواضع:

الموضع الأوّل: في الضيف، فقد اختلفت كلماتهم فيه:

فعن الشيخ(1) والسيّد(2): اعتبار الضيافة طول الشهر.

وعن المفيد(3): الإكتفاء بالنصف الأخير.

وعن جماعةٍ (4): الإجتزاء بالعشر الأواخر.

وعن بعضهم(5): الإجتزاء باللّيلتين الأخيرتين.

ص: 414


1- الخلاف: ج 2/133.
2- الانتصار: ص 228.
3- المقنعة: ص 265.
4- المعتبر: ج 2/604.
5- السرائر: ج 1/466، مختلف الشيعة: ج 3/280.

وعن المصنّف(1) رحمه الله: الإجتزاء باللّيلة الأخيرة.

وعن جماعةٍ منهم الشهيد الثاني(2) رحمه الله: الإجتزاء بصدق الضيف في جزءٍ من الزمان قبل الهلال.

وعن بعضٍ (3): اعتبار صدق العيلولة.

أقول: إنّ الضيف لا يكون ضيفاً إلّامع كونه ممّن يعوله بالمعنى المتقدّم لهذا العنوان، ولا يعتبر فيه صدق كونه من عياله، وحيثُ عرفت أنّ موضوع الحكم هو من يعوله، فيظهر لك أنّه لا يعتبر فيه سوى صدق الضيف، وما في صحيح عُمر بن يزيد، من قوله عليه السلام: «نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول»(4).

ويؤيّد ذلك بل يشهد به، فإنّه عليه السلام في مقام الجواب، لم يكتفِ ببيان حكم الضيف خاصّة، بل أشار إلى وجهه، وهو دخوله فيمن يعوله.

فالمتحصّل من النصوص: أنّ الضيف إنْ كان ممّن يعيش بنفقته تجب الصدقة عنه، وإلّا فلا.

والظاهر عدم الفرق في الضيف بين أن ينزل بنفسه، أو يكون مع سبق الدعوة للعشاء أو الإفطار على المائدة والوليمة.

ودعوى: أنّ الثاني ليس له التابعيّة للمُنفِق بخلاف الأوّل، فلا يصدق أنّه ممّن يعوله، كما ترى .

وأضعف منها دعوى أنّ الدّاعي إنّما يتعهّد بخصوص طعامه وشرابه، دون بقيّة0.

ص: 415


1- تذكرة الفقهاء: ج 5/380 (ط. ج).
2- شرح اللّمعة: ج 2/58.
3- ذخيرة المعاد: ج 3/472.
4- الكافي: ج 4/173 ح 16، وسائل الشيعة: ج 9/327 ح 12140.

الجهات، بخلاف الضيف النازل.

أقول: ويعتبر في وجوب الفطرة عن الضيف، نزوله قبل غروب الشمس ليلة الفطر، فلو نزل بعده لا تجبُ الزَّكاة عنه، لما عرفت من دلالة النصوص على اعتبار اجتماع الشرائط في آخر جزءٍ من نهار اليوم الأخير من رمضان، لاحظ الخبر الصحيح الذي رواه معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن مولودٍ ولد ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال عليه السلام: لا، قد خرج الشهر»(1).

وما رواه في محكيّ «الفقية» عنه عليه السلام: «في المولود يولد ليلة الفطر، واليهودي والنصراني يَسلم ليلة الفطر؟ قال عليه السلام: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلّاعلى من أدرك الشهر»(2).

حكم فطرة الزوجة

الموضع الثاني: في فطرة الزوجة.

وهي إمّا تكون واجبة النفقة، أو لا تجب نفقتها لنشوزٍ أو نحوه:

فإنْ كانت واجبة النفقة، فمع العيلولة لا كلام في كون فطرتها على الزوج، كما أنّه إذا عالها غيره، كانت فطرتها عليه.

وأمّا إذا لم يعلها أحدٌ، فالمشهور بين الأصحاب أنّ فطرتها على زوجها.

واستدلّ له:

1 - بإطلاق بعض النصوص، كموثّق إسحاق: «عن الفطرة ؟ قال عليه السلام: الواجب

ص: 416


1- الكافي: ج 4/172 ح 12، وسائل الشيعة: ج 9/352 ح 12214.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/179 ح 2070، وسائل الشيعة: ج 9/352 ح 12213.

عليك أن تُعطي عن نفسك وأبيك واُمّك وولدك وامرأتك وخادمك»(1).

بدعوى أنّه يدلّ على أنّ فطرة واجبي النفقة، على من وجبت النفقة عليه، وأنّ وجوب النفقة كالعيلولة سببٌ لكون الفطرة على غيره.

وبه يظهر أنّ هذا لا ينافي النصوص الدالّة على أنّ العيلولة هي الضابط والميزان في هذا الباب، فإنّ تلك النصوص لا مفهوم لها تدلّ به على عدم الثبوت مع عدم العيلولة.

2 - وصحيح ابن الحجّاج المتقدّم: «العيال الولد والمملوك والزوجة واُمّ الولد »(2).

3 - وبأنّ الفطرة بما أنّها زكاة البدن، ويخاف بتركها الموت، فهي من المؤن التي يجبُ على المُنفِق تحمّلها عن واجبي النفقة.

ولكن يرد على الموثّق: أنّه لو أُخذ بإطلاقه، وبُني على وجوب فطرة الزوجة على الزوج، مع عدم العيلولة، لزم البناء على أنّ فطرة الوالد على الولد، وكذلك العكس، مع كونها على أنفسهما، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فيتعيّن حمل الموثّق على إرادة صورة العيلولة.

ويرد على الصحيح: أنّه من جهة ذكر الأربعة تمييزاً للعيال عن غيرهم، مع كون الجميع ينفق عليهم، يبرز أنّه ليس في مقام التعبّد بأنّ هؤلاء عيال مطلقاً، فعدم دلالته لهذا القول واضح.

وأمّا الأخير فيرد عليه: أنّه إنْ فرض توجّه الوجوب إليها، لا صارف له عنها1.

ص: 417


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/181 ح 2080، وسائل الشيعة: ج 9/328 ح 12142.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/181 ح 2079، وسائل الشيعة: ج 9/328 ح 12141.

إليه، ومع فرض عدم توجّهه إليها، لا وجوب حتّى تكون من المؤونة.

وبالجملة: فالأظهر أنّها كسائر واجبي النفقة، لا تجبُ فطرتها على الزوج، مع عدم العيلولة.

وبه يظهر حكم ما إذا لم تجب نفقتها، فإنّها إنْ كانت من عياله وجبت فطرتها عليه كغيرها، وإلّا فلا.

فما عن الحِلّي(1) من الوجوب عليه، مع عدم العيلولة، ضعيفٌ ، والإجماع الذي ادّعاه على ذلك، دفعه المحقّق في محكيّ «المعتبر»(1) بقوله: (ما عرفنا أحداً من فقهاء الإسلام - فضلاً عن الإماميّة - أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي، بل ليس تجبُ فطرة إلّاعمّن تجب مؤونته، أو تبرّع بها عليه).

مَن وجبت فطرته على غيره

الموضع الثالث: من وجبت فطرته على غيره، سقطت عنه بلا خلافٍ ظاهر، إلّا عن الحِلّي(3) من وجوب الفطرة على الضيف والمضيف، وردّ بعموم قوله: (لا ثنيا في صدقة).

أقول: الأولى دفعه بنفس الأدلّة الدالّة على أنّ فطرة الضيف على المضيف، فإنّها ظاهرة في وحدة الفطرة، وأنّ المضيف يتحمّلها عن الضيف، وبما ذكرناه ظهر مدرك هذا الحكم.

ولو لم يُخرجها من وجبت عليه عصياناً أو نسياناً، فهل يجب عليه أن يخرجها

ص: 418


1- المعتبر: ج 2/601.

عن نفسه، كما عن ظاهر «الإرشاد»(1)، واحتمله في محكيّ «المسالك»(2)، أم لا؟ وجهان.

قد استدلّ للأوّل: بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ المستفاد من الأدلّة، أنّ المُعيل مكلّف بدفع الفطرة الثابتة على المعال عنه، فالمكلّف به إفراغ ذمّة المعال.

وفيه: إنّ هذا خلاف ظاهر الأدلّة، فإنّها تتضمّن وجوب الفطرة عن العيال على المعيل، والظاهر من ذلك توجّه التكليف إليه ابتداءً .

الوجه الثاني: أنّ الجمع بين ما دلّ على لزوم فطرة كلّ أحدٍ على نفسه، وبين ما دلّ على أنّ لكلّ إنسانٍ فطرة واحدة، يقتضي الالتزام بكون الوجوب عليهما من قبيل الوجوب الكفائي الذي يكون الواجب فيه واحداً، والواجب عليه متعدّداً، وعليه فإذا لم يُخرجها المعيل، وجب إخراجها على العيال تعييناً.

وفيه: الجمع بين تلك الطوائف، يقتضي البناء على تقييد إطلاق الأُولى بالطائفة الثانية، التي هي أخصّ منها، فالأظهر عدم وجوبها على العيال.

ولو كان المعيل فقيراً والمُعال غنيّاً، فهل تجبُ على المعال إخراجها عن نفسه أم لا؟ وجهان:

الأقوى هو الأوّل، تبعاً لجماعة منهم الحِلّي(3)، والمحقّق(4)، والشيخ الأعظم(5)،3.

ص: 419


1- إرشاد الأذهان: ج 1/291.
2- مسالك الأفهام: ج 1/447.
3- السرائر: ج 1/468.
4- المعتبر: ج 2/287.
5- كتاب الزَّكاة: ص 413.

لأنّ عموم ما دلّ على أنّ وجوب الفطرة على كلّ أحدٍ، إنّما خُصّص بما إذا وجبت فطرة العيال على المعيل، وأمّا إذا لم تجب عليه، فالعموم المُشار إليه هو المحكّم.

فما عن الشيخ رحمه الله(1) من سقوطها عن الزوجة الموسرة، وإنْ كان الزوج مُعسراً، وقوّاه الفخر(2) رحمه الله مستنداً إلي عدم الدليل على الثبوت، والأصل يقتضي عدمه.

غير تامٍّ ، لما عرفت من وجود الدليل..

اللّهُمَّ إلّا أنْيقال: إنّ العمومات في الزوجة خُصّصت بمادلّ على أنّفطرتها على الزوج، فإنّه يدلّ على خروج الزوجة عن عمومات وجوب الفطرة بأصل الشرع.

ولكن يدفعه: أنّ المخصّص إنّما هو ما تضمّن أنّ فطرة الزوجة واجبة على الزوج، ففي صورة عدم وجوبهاعليه، يكون المتّبع العمومات، لعدم شمول المخصّص لها، وحينئذٍ لو تكلّف المعيل الفقير بالإخراج، فهل تسقط عن العيال أم لا؟

وجهان مبنيّان على استحبابها على الفقير، وإنْ كان العيالُ أغنياء وعدمه، إذ على الأوّل تسقط، لأنّه (لاثنيا في الصدقة)، وعلى الثاني لا تسقط لقاعدة الاشتغال بعد عدم الدليل على السقوط، وحيث أنّ الاستحباب غَير ثابت.

فالأظهر عدم السقوط.

***1.

ص: 420


1- المبسوط: ج 1/241.
2- إيضاح الفوائد: ج 1/211.

ويجب فيها النيّة.

الفصل الخامس مصرف زكاة الفطرة

اشارة

وقبل التعرّض له لابأس بالتعرّض لفرعٍ ذكره المصنّف رحمه الله في المقام، بقوله:

(ويجبُ فيها النيّة).

أقول: إنّ اعتبار النيّة بمعنى القصد الموجب لصيرورة الفعل اختياريّاً واضح، إذ الفعل غير الاختياري لا يكون متعلّقاً للتكليف، فسقوط التكليف به خلاف ظاهر الأدلّة.

وأمّا النيَّة بمعنى قصد القربة، فقد استدلّ لاعتبارها بما استدلّ به على أنّ الأصل في الواجبات كونها عباديّة من الآيات والرويات وغيرهما، وقد حُقّق في محلّه عدم دلالتها عليه، بل الأصل كونها توصّليّة.

فالصحيح أنْ يستدلّ له بالإجماع على كونها من العبادات، واعتبار قصد القُربة فيها واضح.

وأمّا الكلام في أنّها شرطٌ أو جزء، وأنّ الدّاعي القربي منحصرٌ في الأمر والمحبوبيّة أم لا؟ وبيان مراتب غايات الامتثال، فقد تقدّم في بحث النيّة من هذا الشرح مفصّلاً.

أقول: إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الكلام في هذا الفصل يقع في مواضع:

ص: 421

وإيصالها إلى مستحقّ زكاة المال.

(و) الموضع الأوّل: أنّ المشهور بين الأصحاب(1) أنّه يتعيّن (إيصالها إلى مستحقّ زكاة المال)، فيعتبر فيه الإيمان:

1 - لإطلاق ما دلّ على أنّ (الزَّكاة لأهل الولاية)(2).

2 - ولما رواه إسماعيل بن سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام: «عن الزَّكاة، هل توضع فيمن لا يُعرف ؟ قال: لا، ولا زكاة الفطرة»(3).

وعن الشيخ(4) وأتباعه(5): أنّه يجوز إعطائها للمستضعفين من أهل الخلاف، عند عدم وجود المؤمنين.

ويشهد له: موثّق الفضيل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كان جدّي صلى الله عليه و آله يُعطي فطرته الضعفاء، ومن لايجد ومن لا يتولّى، وقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هي لأهلها، إلّاأن لا تجدهم، فإنْ لم تجدهم فلمن لا يَنصب، ولا تُنقل من أرضٍ إلى أرض الحديث»(6). ونحوه غيره.

وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم جواز إعطائها لغير المؤمن، فيختصّ بما إذا6.

ص: 422


1- مجمع الفائدة: ج 4/269.
2- الكافي: ج 3/545 باب الزَّكاة لا تعطى لأهل غير الولاية، وسائل الشيعة: ج 9/221 باب 5 باب اشتراط الإيمان والولاية في مستحقّ الزَّكاة.
3- الكافي: ج 3/547 ح 6، وسائل الشيعة: ج 9/221 ح 11880.
4- المبسوط: ج 1/242.
5- حكاه صاحب مدارك الأحكام: ج 5/239.
6- الاستبصار: ج 2/51 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12236.

كان المؤمن موجوداً في بلده، بل مقتضى إطلاق نصوص القيد، جواز إعطائها لغير الناصب من المخالف، وإنْ لم يكن مستضعفاً.

الموضع الثاني: المشهور بين الأصحاب أنّ مصرفها مصرف زكاة المال، بل عن «المدارك»(1) أنّه مقطوع به في كلامهم، وعن الاصبهاني(2) الإجماع عليه.

وعن «المعتبر»(3) و «المنتهى»(4): اختصاص مصرفها فيما عدا العاملين والمؤلّفة قلوبهم.

والظاهر أنّ ذلك منهما لبنائهما على أنّه لا سهم لهما في زمان الغيبة، فهما غير مخالفين للقوم.

وعن المفيد(5): اختصاصها بالمساكين، لكن لايساعده محكيّ عبارة «المقنعة».

وعليه، فالظاهر أنّه لا خلاف في المسألة.

ويشهد للمشهور: قوله تعالى : «إِنَّمَا اَلصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... الخ»(6) سيّما بملاحظة الصحيح(7) الوارد فيه قوله عليه السلام: «نزلت الزَّكاة وليس للناس أموالٌ ، وإنّما كانت الفطرة».

ولكن يظهر من جملةٍ من النصوص اختصاصها بالفقراء، كصحيح الحلبي: «إنّ زكاة الفطرة لفقراء المسلمين»(8). ونحوه غيره.9.

ص: 423


1- مدارك الأحكام: ج 5/353.
2- حكاه عنه صاحب جواهر الكلام: ج 15/538.
3- المعتبر: ج 2/614.
4- منتهى المطلب: ج 1/541.
5- المقنعة: ص 252.
6- سورة التوبة: الآية 60.
7- الكافي: ج 4/171 ح 3، وسائل الشيعة: ج 9/317 ح 12110.
8- وسائل الشيعة: ج 9/357 ح 12229.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ ما عدا صحيح الحلبي من النصوص، لورودها في مقام بيان وصف المستحقّ الذي يجوز إعطائها إيّاه، لا تدلّ على الحصر، كما لا يخفى على من راجعها، وأمّا صحيح الحلبي فهو أيضاً قابلٌ للحمل على ذلك، لو لم يكن ظاهراً فيه.

وعليه، فالأظهر أنّ مصرفها مصرف زكاة الفطرة، والأحوط الاقتصار على الفقراء والمساكين.

حرمة فطرة غير الهاشمي على الهاشمي

الموضع الثالث: المشهور بين الأصحاب أنّه تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وفي «الحدائق»:(1) (من غير خلافٍ يُعرف)، وقد ادّعى الإجماع عليه(2).

ويشهد له: إطلاق ما دلّ على حرمة الزَّكاة، أو الزَّكاة المفروضة، أو الصدقة الواجبة عليه إذا كانت من غير الهاشمي(1).

أقول: إنّما الكلام في أنّه إذا كان المعيل هاشميّاً دون المعال أو انعكس:

1 - فهل المدار على المعيل ليجوز دفع فطرة المعال الهاشمي في الأوّل دون الثاني كما في «الجواهر»(4)؟

2 - أو على المعال، فلا يجوز الدفع في الأوّل، ويجوز في الثاني، كما في «الحدائق»(5)؟

ص: 424


1- الكافي: ج 4/58 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/268 ح 11992.

3 - أم يكفي في الجواز كون أحدهماغير هاشمي، فيجوزالدفع في الصورتين ؟

4 - أم يعتبر في جواز الدفع كون كليهما هاشميين ؟ وجوهٌ :

قد استدلّ للأوّل: بأنّ المخاطب بهذا الخطاب ومن اشتغلت ذمّته بذلك هو المعيل، إذ المعال كالمال تجبُ الصدقة عنه، ويرجع نفع الصدقة إليه، والظاهر من صَدَقة الهاشمي وكذا غير الهاشمي، الصدقة الواجبة عليه التي اشتغلت ذمّته بها، لا صدقة من وجبت عنه. فتدبّر فالمدار على المعيل.

واستدلّ في «الحدائق»(1) للثاني: بأنّ الزَّكاة إنّما تُضاف إلى المعال، وإنّما تجبُ على المعيل دفع زكاة العيال، والظاهر من الأدلّة أنّ الزَّكاة المضافة إلى غير الهاشمي لا تَحلّ للهاشمي.

ثم استشهد لدعواه الأُولى ، ببعض النصوص المتضمّنة لانتساب الفطرة إلى العيال، ثمّ تنظّر في المسألة بما إذا دفع المُقرِض زكاة المال عن المقترض بشرط، ثُمّ أيّده بالتعليل بأنّ الزَّكاة أوساخ أيدي النّاس، فإنّ هذه العلّة تناسب كون المدار على المعال لأنّه فداء عنه.

أقول: لا إشكال في أنّ الزَّكاة تُنسب إلى المعال، وتكون فداءً عنه، إلّا أنّ الظاهر من الأدلّة، أنّ الصدقة المضافة إلى غير الهاشمي بنفسها لا من جهة عود نفعها إليه تحرم على الهاشمي، وهذا إنّما يكون في الصدقة الواجبة عليه، وأمّا التي يعود نفعها إليه، فهي ليست منتسبة إليه بنفسها، بل ثمرتها تكون له.7.

ص: 425


1- الحدائق الناضرة: ج 12/217.

والأفضلُ صَرفهما إلى الإمامُ .

واستدلّ للثالث: بأنّ الزَّكاة تُنسب إلى كلٍّ منهما من جهة كونها واجبة عليهما بنحو الواجب الكفائي.

وفيه: ما عرفت من ضعف المبنى.

وأمّا الرابع: فالظاهر أنّه لا منشأ له سوى الاحتياط.

فتحصّل: أنّ الأظهر أنّ المدار على المُعيل.

دفع الزَّكاة إلى الفقيه

الموضع الرابع: يجوزُ للمالك أن يتولّى دفع الزَّكاة مباشرةً أو توكيلاً، وعن «المنتهى»(1) أنّه لا خلاف فيه بين العلماء.

وتشهد له: جملة من النصوص المتقدّمة، المتضمّنة لإيصال المالك إيّاها إلى المستحقّين من أهل بلده، المؤيّدة بما تقدّم في زكاة المال.

(والأفضل صرفهما) أي صرف زكاة المال وزكاة الفطرة (إلى الإمام عليه السلام):

أمّا زكاة المال: فلما تقدّم.

وأمّا الفطرة: فيشهدُ لأفضليّة صرفها إلى الإمام، قوله عليه السلام في موثّق الفضيل:

«الإمام يضعها حيثُ يشاء، ويصنع فيها ما رأى »(2).

وخبر أبي عليّ بن راشد: «عن الفطرة لمن هي ؟ قال عليه السلام: للإمام، قال: قلت:

ص: 426


1- منتهى المطلب: ج 1/542.
2- الاستبصار: ج 2/51 ح 4، وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12236.

ومع غيبته إلى المأمون من فقهاء الإماميّة.

ولا يعطى الفقير أقلّ من صاع.

فأخبِرُ أصحابي ؟ قال عليه السلام: نعم، مَن أردت أنْ تظهره منهم. وقال عليه السلام: لا بأس بأن تُعطي وتحمل ثمن ذلك وَرِقاً»(1).

ولعلّ المراد بذيله، التخيير بين الإعطاء بنفسه، وبين حمل الثمن للإمام، هذا في صورة عدم المطالبة، وأمّا لو طالب فالأظهر وجوب الدفع إليه لما تقدّم في زكاة المال.

(ومع غيبته) الأفضل صرفها (إلى المأمون من فُقهاء الإماميّة) كما صرّح به غير واحدٍ(2)، واستدلّ لاستحباب ذلك ابتداءً ، ووجوبه مع المطالبة بما استدلّ به على استحباب صرف زكاة المال ابتداءً ، ووجوبه مع الطلب، فالبحث في تلك المسألة يُغنينا عن البحث في المقام.

وأمّا الاستدلال للاستحباب في المقام بموثّق الفضيل، وخبر أبي عليّ المتقدّمين، فغريبٌ لظهورهما في أمام الأصل.

أقلّ ما يدفع إلى الفقير

الموضع الخامس: (ولا يُعطى الفقير أقلّ من صاع) كما هو المشهور بين الأصحاب(3)، وعن «المختلف»(4) نسبته إلى علمائنا.

ص: 427


1- الكافي: ج 4/174 ح 23، وسائل الشيعة: ج 9/346 ح 12191.
2- المقنعة: ص 252، الكافي في الفقه: ص 172، المهذّب: ص 171.
3- الحدائق الناضرة: ج 12/341.
4- مختلف الشيعة: ج 3/310.

ويشهد له:

1 - مرسل الحسين بن سعيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تُعط أحداً أقلّ من رأس»(1).

2 - ومرسل الفقيه: «لا بأس بأن تدفع عن نفسك وعمّن تعول إلى واحدٍ، ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً إلى نفسين»(2).

بناءً على أنّ «ولا يجوز... الخ» جزءً من الخبر، كما فهمه صاحب «الوسائل»(3)لا من كلامه كما فهمه صاحب «الوافي»(4)، واستظهره في «الحدائق»(5). وضعفُ سنديهما منجبرٌ بالعمل.

وعن جماعةٍ منهم المحقّق(6) والشهيدان(7): جواز أن يدفع إليه أقلّ من صاع.

واستدلّ لهم:

1 - بإطلاق الأدلّة بعد تضعيف مستند المشهور بالإرسال.

2 - وبصحيح صفوان، عن إسحاق بن المبارك، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن صدقة الفطرة ؟ قلت: أجعَلُها فضّة وأُعطيها رجلاً واحداً أو اثنين ؟ قال عليه السلام:

يفرّقها أحبُّ إلي. قلت: أعطي الرّجل الواحد ثلاثة أصوع وأربعة أصوع ؟ قال عليه السلام: نعم»(8).1.

ص: 428


1- تهذيب الأحكام: ج 4/89 ح 9، وسائل الشيعة: ج 9/362 ح 12242.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/178 ح 2069، وسائل الشيعة: ج 9/363 ح 12244.
3- وسائل الشيعة: ج 9/363 ح 12244.
4- حكاه عنه صاحب الحدائق الناضرة: ج 12/314، وحكاه عنه صاحب جواهر الكلام: ج 15/541.
5- الحدائق الناضرة: ج 12/314.
6- المعتبر: ج 2/616.
7- الشهيد الأوّل في اللّمعة الدمشقيّة: ص 44، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 1/453 وشرح اللّمعة: ج 61/2.
8- تهذيب الأحكام: ج 4/89 ح 10، وسائل الشيعة: ج 9/362 ح 12241.

ولا حدَّ لأكثره،

3 - وبالنصوص المتضمّنة لقسمة النبيّ صلى الله عليه و آله صدقات أهل الحَضَر والبادية المتضمّنة: «إنّه ليس في ذلك شيءٌ موقّت»(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلماعرفت من انجبار الضعف بالعمل، وصلاحيّته لتقييد الإطلاقات.

وأمّا الثاني: فلأنّه مطلق، إذ لم يصرّح فيه بأنّ ما يفرّق صدقة واحدة، بل قابل للحمل على المتعدّد، ويؤيّده قوله: (أحبّ إلي) إذ لاريب في عدم أحبّية تفريق صاعٍ واحد، إذ من أفتى بالجواز ملتزمٌ بأفضليّة إعطاء صاع واحدٍ لفقيرٍ واحدٍ.

وأمّا الثالث: فلأنّ تلك النصوص أيضاً مطلقة.

وعليه، فالأظهر أنّه لا يدفع إلى الفقير أقلّ من صاع.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المرسلين، ثبوت هذا الحكم في صورة اجتماع جماعةٍ لا يسعهم ذلك، إلّاأنّه صرّح غير واحدٍ(2) بالجواز في هذه الصورة، وعلّلوه بأنّ فيه تعميماً للنفع، وبأنّ في منع البعض أذيّة المؤمن، فجاز التشريك بينهم حينئذٍ، وهما كما ترى لا يصلحان لرفع اليد عن إطلاق الدليل.

(ولا حَدّ لأكثره) فيجوز أن يُعطي فقيراً واحداً أزيد من صاع، بل إلى حَدّ الغنى بلا خلاف، وتشهد له جملة من النصوص، وقد تقدّمت جملةٍ منها، وقد تقدّم(3) أنّ الغنيّ هو من يملك مؤونة سنته، وقد مرّ في أصناف المستحقّين للزكاة ما يظهر منه الإشكال والمنع من إعطائه أزيد من مؤونة السنة. فراجع.(4)د.

ص: 429


1- الكافي: ج 5/23 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/265 ح 11987.
2- المعتبر: ج 2/616، مدارك الأحكام: ج 5/355، ذخيرة المعاد: ج 3/477، جواهر الكلام: ج 15/542.
3- صفحة 265 من هذا المجلّد.
4- صفحة 262 من هذا المجلّد.

ويُستحبُّ اختصاص القِرابة بها، ثُمّ الجيران، ويستحبُّ للفقير إخراجها.

الموضع السادس: (ويُستحبُّ اختصاص القِرابة بها) كغيرها من الصدقات، لقوله صلى الله عليه و آله: «لا صدقة وذو رحمٍ محتاج»(1).

وقوله عليه السلام في جواب مَن سأله: أيّ الصدقة أفضل ؟ قال: «على ذي الرَّحم الكاشح»(2).

ونحوهما غيرهما.

(ثُمّ الجيران)، لقوله عليه السلام: «جيران الصَّدقة أحقّ بها»(3).

ولعلّ وجه تقديم القرابة على الجيران ما ذكره بعضهم(4) من أنّ علاقة القرابة أقوى من علاقة الجَوار. فتأمّل.

وينبغي ترجيح أهل الفضل في الدِّين والعلم، لقول أبي جعفر عليه السلام: «اعطهم على الهجرة في الدِّين والفقه والعقل»(5).

(ويُستحبُّ للفقير إخراجها) وقد تقدّم في الفصل الأوّل تنقيح القول في ذلك.2.

ص: 430


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/68 ح 1740، وسائل الشيعة: ج 9/412 ح 12357.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/68 ح 1739، وسائل الشيعة: ج 9/411 ح 12354.
3- الكافي: ج 4/174 ح 19 الرواية: الجيران أحقّ بها. وسائل الشيعة: ج 9/360 ح 12235.
4- مستمسّك العروة الوثقى: ج 9/440.
5- الكافي: ج 3/549 ح 1، وسائل الشيعة: ج 9/262 ح 11982.

وقد فرغنا من تأليف كتاب الزَّكاة في اليوم السادس عشر من شهر رمضان من السنة التاسعة والسبعين بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة النبويّة المباركة، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً.

***

ص: 431

ص: 432

فهرس الموضوعات

كتابُ الزَّكاة... 7

شرائط الوجوب... 9

اعتبار ابتداء الحول من حين البلوغ وعدمه... 13

اعتبار العقل في وجوب الزَّكاة... 16

الحُريّة من شرائط وجوب الزَّكاة... 18

الملكيّة شرطٌ لوجوب الزَّكاة... 18

فروع في اشتراط الحريّة والملكيّة... 19

اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزَّكاة... 22

اعتبار التمكّن من التصرّف لا يختصّ بالنقدين... 27

إذا اتّجر الوليّ بمال الطفل أخرج زكاته... 31

لا زكاة في المال الغائب... 37

لا زكاة في الدّين... 44

زكاة القرض على المقترض... 48

لا زكاة في المغصوب... 54

لا زكاة في المرهون... 58

لا زكاة في الوقف... 60

فصل / وقت وجوب إخراج الزَّكاة... 61

تقديم الزَّكاة قبل وقت الوجوب... 67

ص: 433

نقل الزَّكاة من بلدها... 72

اعتبار نيّة القُربة في الزَّكاة... 77

التوكيل في أداء الزَّكاة... 78

عدم وجوب نقل الزَّكاة إلى الفقيه... 79

الزَّكاة متعلّقة بالعين... 81

الزَّكاة متعلّقة بماليّة العين... 87

في أنّ ثبوتها فيها بنحو الحقّية لا المِلْكيّة... 88

كون الزَّكاة في العين من قبيل حقّ الجناية... 94

شرط الضمان... 97

وجوب الزَّكاة على الكافر... 97

عدم صحّة الزَّكاة منه إذا أدّاها... 102

الإسلام يُسقط الزَّكاة الواجبة... 104

لا يضمن الكافر إذا تلفت... 106

الأجناس التي تتعلّق بها الزَّكاة... 107

زكاة الأنعام... 109

عدم اعتبار الأُنوثة... 113

نُصُب الإبل... 115

كيفيّة الحساب بالأربعين والخمسين... 119

الخيار للمالك... 126

نصاب البقر... 129

نُصُب الغَنَم... 132

ص: 434

أسماء العفو... 135

اشتراط السَّوم طول الحَول... 136

كفاية الدخول في الشهر الثاني عشر... 140

الشهر الثاني عشر يُحسب من العام الثاني... 145

لو اختلّ بعض الشروط أثناء الحول... 147

لو تجدّد المِلْكُ في أثناء حول أحد النُّصُب... 150

حكم تلف بعض النِّصاب بعد الحول... 157

أقلّ الشاة الجذع والثنيّ ... 159

لا تؤخذ المريضة في الزَّكاة... 162

الإبدال... 165

تبديل المالك الفريضة بالقيمة... 167

زكاة النقدين... 172

نُصُب النقدين... 176

وزن الدينار والدرهم... 178

لو اختلفت الموازين... 181

عدم وجوب الزَّكاة في السَّبائك والحُلّي... 184

ثبوت الزكاة في الدّراهم والدنانير المغشوشة... 186

الدّراهم المغشوشة بغير الذهب... 187

الدّراهم المغشوشة بالذَّهب... 188

النفقة المتروكة للأهل... 190

الفصل الثالث... 192

ص: 435

في زكاة الغَلّات... 192

مقدار الزَّكاة... 198

وجوب الزَّكاة بعد إخراج المؤن... 201

اعتبار النصاب بعد إخراج المؤونة أو قبله... 207

ما المراد من المؤونة المستثناة... 209

تجب الزَّكاة بعد حصّة السلطان... 212

مقدار زكاة ما يُسقى بالسّماء والدّوالي... 218

اعتبار التملّك بالزراعة... 223

وقت تعلّق الزَّكاة بالغلّات... 223

وقت الإخراج... 230

في بيع النصاب أو بعضه... 232

جواز عزل الزَّكاة... 235

يجوز للساعي خرص ثمر النخل والكرم... 237

ما يستحبّ فيه الزَّكاة... 240

موضوعه... 243

في الشرائط... 248

الزَّكاة في المقام أيضاً متعلّقة بالعين... 253

إذا كان مال التجارة من النُّصُب الزَّكويّة... 254

زكاة التجارة في باب المضاربة... 256

يقوّم المتاع بالنقدين... 259

استحباب الزَّكاة في الخيل... 260

ص: 436

في أصناف المستحقّين... 262

حَدّ الفقر والمسكنة المسوّغ لتناول الزَّكاة... 265

رأس المال لا يمنع عن أخذ الزَّكاة... 268

من كان ذا صنعةٍ أو كسب تحصل له منهما المؤونة... 273

فروع... 276

المشتغل بطلب العلم يأخذ الزَّكاة... 278

المقدار الذي يُعطى للفقير من الزَّكاة... 281

ما لا يمنعُ وجوده من أخذ الزَّكاة... 285

احتساب الزَّكاة على المَدين... 287

عدم وجوب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة... 289

مدّعي الفقر يُعطى الزَّكاة... 292

إذا تبيّن كون قابض الزَّكاة غنيّاً... 297

من المستحقّين للزّكاة العامل... 302

المؤلّفة قلوبهم... 306

في الرقاب... 310

المراد من الغارمين... 312

فروع حول أحكام الغارمين... 318

سبيل اللّه جميع سُبُل الخير... 321

ابن السبيل... 326

أوصاف المستحقّين... 331

سهم الفقراء يعطى لأطفال المؤمنين... 337

ص: 437

حكم دفع الزَّكاة لواجبي النفقة... 341

الإشكال في تحقّق الفقر مع بذل النفقة... 342

عدم جواز دفع الزَّكاة لواجبي النفقة عليه للتوسعة... 347

لو عَجَز من يجب النفقة عليه عن الإنفاق... 350

أخذ الهاشمي للزكاة... 352

الهاشمي يأخذ الزَّكاة إذا لم يكفه الخمس... 356

يَحلّ للهاشمي غير زكاة المال الواجبة... 360

اعتبار العدالة... 364

عدم وجوب بسط الزَّكاة على الأصناف... 368

أقلّ ما يُعطى من الزَّكاة... 369

في زكاة الفطرة... 374

الفصل الأوّل / في شرائط وجوبها... 376

الفصل الثاني / في وقت وجوبها... 384

آخر وقت وجوب الإخراج... 388

تقديم الفطرة على وقتها... 391

تأخير الفطرة عن وقتها... 393

عزل الفطرة ونقلها بعد العزل... 395

الفصل الثالث / في جنس الزّكاة ومقدارها... 398

المقدار الواجب إخراجه... 403

الأفضل إخراج التّمر ثمّ الزَّبيب... 407

لا يُجزي الصّاع المُلفق... 408

ص: 438

الاجتزاء بالقيمة... 408

الفصل الرابع / فيمن تجب عليه الفطرة... 412

عن حكم الضيف... 414

حكم فطرة الزوجة... 416

مَن وجبت فطرته على غيره... 418

الفصل الخامس / مصرف زكاة الفطرة... 421

حرمة فطرة غير الهاشمي على الهاشمي... 424

دفع الزَّكاة إلى الفقيه... 426

أقلّ ما يدفع إلى الفقير... 427

فهرس الموضوعات... 433

ص: 439

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.