فقه الصادق المجلد 7

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الصلاة

اشارة

البابُ الثاني: في أفعال الصَّلاة:

وهي واجبةٌ ومندوبة.

فهاهنا فصول:

الأوّل: الواجباتُ ثمانية: الأوّل: النيّة.

الباب الثاني في أفعال الصلاة

اشارة

(الباب الثاني: في أفعال الصَّلاة: وهي واجبة ومندوبة)

الفصل الأوّل: الواجباتُ ثمانية

اشارة

أقول: (فهاهنا فصولٌ : الأوّل: الواجباتُ ثمانية).

وفي «العروة»(1): (إنّها أحد عَشَر: النيّة، وتكبيرة الإحرام، والركوع، والسّجود، والقراءة، والذكر، والتشهّد، والسلام، والترتيب، والموالاة).

وهو لا يخلو عن الإشكال، إذ لو كان المراد عَدّ واجبات الصَّلاة مطلقاً، كان المتعيّن عَدّ الطمأنينة وغيرها أيضاً، وإنْ كان المراد عَدّ الواجبات العَرَضيّة دون الواجب في الواجبات، تعيّن عدم عَدّ الذِّكْر والترتيب والموالات.

وعليه فالأولى ما ذكره المصنّف رحمه الله من أنّها ثمانية:

الأوّل: النيّة
اشارة

(الأوّل: النيّة) وهي الإرادة المحرِّكة للعضلات نحو الفعل، أعمّ من كونها إرادة إجماليّة أو تفصيليّة، متوقّفة على إخطار صورة الفعل وإحضارها في الذهن بعنوانه المأخوذ متعلِّقاً للأمر، وتفسيرها بما ذكرناه هو المحكيّ عن المتكلّمين والفقهاء،

ص: 5


1- العروة الوثقى: ج 2/433 (ط. مؤسّسة النشر الإسلامي - جماعة المدرّسين).

حيث إنّ المتكلّمين عرّفوها(1) بأنّها: (إرادة من الفاعل للفعل)، وعرّفها الفقهاء(2)بأنّها: (إرادة إيجاد الفعل المطلوب شرعاً).

ثمّ إنّ اعتبار النيّة في الصَّلاة من الضروريّات، فضلاً عن انعقاد الإجماع عليه، فإنّه لا شبهة في أنّ الصَّلاة واجبة، كما لا شبهة في اعتبارها في الواجبات لا سيّما العباديّة منها؛ إذ الفعل الصادر لا عن الاختيار لا يتّصف بالحُسن والقُبح، ولا يتعلّق به الأمر، فانطباق الواجب على المأتي به يتوقّف على أن يكون الفعل اختياريّاً صادراً عن الإرادة، وحيث إنّ بطلان الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً ممّا لا خلاف فيه، بل في «الجواهر»(1): (إجماعاً منّا محصّلاً ومنقولاً، مستفيضاً أو متواتراً)، والثمرات المتوهّم ترتّبها على تحقيق كونها جزءً أو شرطاً مخدوشة، فلا وجه لإطالة البحث في هذه الجهة، مع أنّه ليس في أدلّة الطرفين ما يُعتمد عليه.

أقول: ولكن الأقوى كونها شرطاً؛ لأنّ أفعال الصَّلاة بما أنّها واجبة، يعتبر في صحّتها ووقوعها امتثالاً لأمرها، صدروها عن النيّة، وأمّا زائداً على ذلك بحيث تكون النيّة من حيث هي مأخوذة في الصَّلاة، لتكون جزءً ، فلا دليل عليه، فيُدفع بالأصل.

وما ذكره بعض الأعاظم (2) : من إنّها ليست جزءً من موضوع الأمر، ولا شرطاً له؛ لأنّها ليست اختياريّة، ويمتنع تعلّق الأمر بما لا يكون اختياريّاً سواءٌ أكان لعدم اختياريّة جزئه، أم لعدم اختياريّة شرطه وقيده.3.

ص: 6


1- جواهر الكلام: ج 9/154.
2- السيّد الحكيم قدس سره في المستمسك: ج 6/3.

دمقارنةً لتكبيرة الإحرام.

ضعيفٌ : لما حقّقناه في رسالتنا «الجبر والاختيار»(1) من أنّ الإرادة اختياريّة؛ غاية الأمر الأفعال الخارجيّة، تتّصف بالاختيار لأجل سبقها بالإرادة وصدورها عنها، وهي اختياريّة بنفسها، فراجع ما ذكرناه.

***

اشتراط تقارن التكبيرة

ثمّ إنّه بناءً على أنّ النيّة عبارةٌ عن الإرادة ولو كانت إجماليّة، يعتبر كونها (مقارنةً لتكبيرة الإحرام) كما هو المشهور بين المتقدّمين، على ما نُسب إليهم(2).

وأمّا بناءً على تفسيرها بالإرادة التفصيليّة، فلا يكون وقتها محدوداً بأوّل التكبيرة، بل تكفي الإرادة المتقدّمة، إذ لا يعتبر في الواجبات سوى صدور الفعل عن الإرادة، وهو لا يتوقّف على مقارنة الإرادة لأوّل جزءٍ من الفعل، بل يكفي صدوره عنها، سواءٌ أكانت متّصلة به أو منفصلة عنه، ولكن بقيت في النفس بنحو الإجمال، بأنْ لم تذهل عنها بالمرّة، فحال الصَّلاة من حيث النيّة، كحال سائر الأفعال الاختياريّة كالمشي والقيام ونحوهما.

***

ص: 7


1- طبعت هذه الرسالة مؤخّراً في قم (منشورات لسان الصدق)، راجع جواب المؤلّف والعلماء على أدلّة المُجْبِرة لما ذهبوا إليه.
2- نسبه المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 11/396 (ط. ج).

ويجبُ نيّة القُربة.

نيّة القُربة

(و) يزيد عليها بأنّه (يجبُ ) فيها (نيّة القُربة) عندنا كما عن «التذكرة»(1)، إذ كون الصَّلاة من العباديّات، ينبغي أن يعدّ من الضروريّات. كما أنّ اعتبار قصد القربة في العبادة ممّا لا شبهة فيه، وتشير إليه نصوص كثيرة، كخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن حَدّ العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤدِّياً؟ قال: حُسن النيّة بالطاعة»(2).

أقول: ثمّ إنّ الدّاعي القُربي منحصرٌ في الأمر والمحبوبيّة، وأمّا غيرهما من الدواعي التي توهم كونها من الدواعي القُربيّة، فلا تكون بأنفسها منها.

توضيح ذلك: إنّ ما يتوهّم أنْ يكون منها اُمور:

1 - حصول القُرب إليه تعالى.

2 - شُكر نعمه.

3 - تحصيل رضاه والفِرار من سَخطه.

4 - رجاء الثّواب ورفع العقاب.

5 - حصول المصلحة الكامنة في الفعل.

وشيءٌ منها بنفسه لا يكون موجباً للعباديّة، إذ القُرب إليه تعالى - سواءٌ أكان المراد منه القُرب الروحاني، أم القُرب المكاني الإدّعائي - لا يحصل إلّابإتيان

ص: 8


1- تذكرة الفقهاء: ج 3/102.
2- الكافي: ج 2/85 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/49 أبواب مقدّمة العبادات ب 6 ح 2 (94).

المطلوب الشرعي إمتثالاً لأمره تعالى .

كما أنّ نعمه لا تُشكر إلّابه، ورضاه لا يحصل إلّابذلك.

وأمّا رجاء ثوابه وتخليصه من النّار، فهما أيضاً يترتّبان على امتثال أمره تعالى ، فلو كان قصده ذلك على وجه المعاوضة، بلا توسيط قصد الأمر، لما كانت العبادة صحيحة.

والظاهر أنّ مراد المشهور من بطلان العبادة المأتي بها بداعي ما ذُكر هو ذلك، وعليه فيتمّ ما عن العلّامة رحمه الله في أجوبة المسائل «المهنّائيّة»(1): (اتّفقت العَدليّة على إنّ مَنْ فعل فعلاً لطلب الثواب أو لخوف العقاب لا يستحقّ بذلك ثواباً).

أقول: وممّا ذكرناه ظهر حال المصلحة الكامنة، إذ استيفاء المصلحة الكامنة في العبادة لا يمكن إلّابإتيانها امتثالاً لأمره تعالى، فلو أتى بالعبادة من دون قصد الأمر، ولو كان قاصداً حصول المصلحة، لما أمكن استيفائها لترتّبها على الفعل المأتي به امتثالاً لأمره تعالى .

وبالجملة: شيءٌ من الاُمور المذكورة لا يترتّب في العباديّات عليذات العمل، كي يُقصد به ذلك، فلا يحسن عَدّ شي منها في قبال قصد الأمر من الدواعي القُربيّة.

أقول: ثمّ بعدما ثبت أنّ العبادة لا تتحقّق إلّابإتيان الفعل بقصد الأمر أو المحبوبيّة، يتبيّن أنّه بما أنّ الاُمور الخمسة المذكورة آنفاً وغيرها من قبيل الدّاعي على الدّاعي، فتكون لغايات الإمتثال درجات:

1 - وهو أعلاها أنْ يكون الدّاعي والمحرّك لإتيان الفعل بقصد الأمر، أهليّة المطاع للعبادة، وهذه المرتبة لا تحصل إلّاللأوحدي، بل ليس لأحدٍ دعواها، سوى من ادّعاها بقوله عليه السلام: (إلهي ما عَبَدتُك خوفاً من نارك ولا طَمَعاً في جنّتك، بل0.

ص: 9


1- أجوبة المسائل المهنّائية: ص 90.

وَجدتُكَ أهلاً للعبادة فعبدتك)(1).

2 - أنْ يكون أقصى غرضه حصول القُرب إليه تعالى ، أو تحصيل رضاه، أو شكر نعمه التي لا تُحصى .

3 - أن يقصد به حصول الثواب ورفع العقاب، أو حصول المصلحة، أو زيادة النِعَم الدنيويّة، إلى غير ذلك.

وأخيراً: ظهر ممّا ذكرناه صحّة العبادة لأجل الفوائد الدنيويّة، كمَن صَلّى صلاةً لزيادة الرزق، إنْ كان المقصود بها زيادته بسبب العبادة.

***).

ص: 10


1- نسبه لأمير المؤمنين عليه السلام العلّامة في نهج الحقّ : ص 248، وعوالي اللآلي: ج 2/11 ح 18، وفيهما (ولا شوقاً لجنّتك)، والبحار: ج 41/14، وفيه: (ولا طمعاً في ثوابك).
مسائل:
اشارة

والتعيّين.

لزوم التعيّين

أقول: هاهنا مسائل ينبغي التعرّض لها:

المسألة الأُولى : (و) يجب (التعيّين) أي تعيين المأمور به، وامتيازه في الذّهن عمّا عداه، سواءٌ أكان ما عليه فعلاً متعدّداً، أم فعلاً واحداً، كما هو المشهور.

بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

إذ بما أنّ الأمر لا يدعو إلّاإلى ما تعلّق به، فإذا أُخذ في الواجب خصوصيّة، فمع عدم قصدها لا يمكن صدوره عن أمره.

وعليه، فاعتبار التعيين لا يختصّ بما إذا كان عليه فعلاً متعدّداً، بل يعتبر فيما إذا كان واحداً أيضاً.

نعم، فرقٌ بين الصورتين في أنّه يكتفي بالتعيين الإجمالي في صورة الاتّحاد، كأنْ يقصد بإتيانه ما اشتغل به ذمّته، ولا يكتفي بذلك في صورة التعدّد، كصورة اشتغال الذمّة بصلاة الظهر قضاءً والعصر أداء، لأنّهما مختلفتان بالحقيقة، وإنْ اتّحدتا بحسب الصورة، ولذا قد أُخذ عنوانيهما في المتعلّق، فلابدّ من تعيين الظهريّة والعصريّة ليتحقّق العنوان المأمور به.

ولو تعدّد المأمور به بتعدّد سببه، كما لو نذر صوم يوم إنْ شُفي ولده، ونَذَر صوم يومٍ آخر إنْ رُزِق مالاً، فهل يجب التعيين أم لا؟ وجهان:

ص: 11


1- كالعلّامة في التذكرة: ج 3/100، والسيّد العاملي في المدارك: ج 3/310.

اختار ثانيهما بعض الأعاظم(1) بدعوى أنّه لا مجال لذلك التعيين، لأنّ المفروض أنّ المنذور مجرّد صوم اليوم، والخصوصيّة المذكورة ليست منذورة ولا قيداً للمنذور.

أقول: لكن الأقوى هو الأوّل، إذ لو صام بدون التعيين، فبما أنّه قابلٌ لوقوعه امتثالاً لكلّ من الأمرين، ووقوعه امتثالاً لهما لا يمكن، ولأحدهما دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجّح، فلا محالة لا يقع امتثالاً لشيء منهما، بل يقع باطلاً، فيعتبر التعيين بأن يقصد الصوم الواجب لشفاء الولد أو لرزق المال، فتدبّر جيّداً.

***2.

ص: 12


1- السيّد الحكيم قدس سره في المستمسك: ج 6/12.

والوجوب أو النّدب، والأداء أو القضاء.

لا يجبُ قصد الوجوب أو الندب

المسألة الثانية: (و) لا يجبُ قصد (الوجوب أو الندب) كما عن جماعةٍ (1)، لما حقّقناه في محلّه(2) من أنّ الوجوب والندب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، بل هما من لواحق الطلب، إذ لو أمر المولى بشيء ولم يُرخّص في تركه، حكم العقل بلزوم إتيانه، ويصبح الأمر لزوميّاً، ولو رَخَّص في تركه، كان استحبابيّاً، وعليه فلا يعتبر قصد الوجوب أو الندب، لأنّ المعتبر إتيان المأمور به بداعي أمره وتشخيصه عمّا عداه، لا تشخيص أنّ الأمر ممّا يحكم العقل بلزوم إتيان متعلّقه وعدمه.

نعم، لو كان الوجوب والندب داخلين في حقيقة الأمر، كان لاعتبار قصد أحدهما وجهٌ .

وبالجملة: فما عن المشهور من اعتباره ضعيفٌ .

لا يجب قصد الأداء أو القضاء

المسألة الثالثة: (و) لا يجب قصد (الأداء أو القضاء) كما نصَّ عليه جماعة(3).

وعن المشهور(4): اعتباره، بل عن «التذكرة»(5): الإجماع عليه.

واستدلّ له:

ص: 13


1- منهم كاشف الغطاء في كشف الغطاء: ج 1/54، والنراقي في المستند: ج 5/11، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/161، والهمداني في مصباح الفقيه: ج 11/391.
2- زبدة الاُصول، ج 1/390 بحث: (دلالة صيغة الأمر على الوجوب).
3- كالسبزواري في الذخيرة: ج 2/264، والسيّد العاملي في المدارك: ج 3/311، والمحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 8/15، والنراقي في المستند: ج 5/14.
4- نسبه إلى المشهور الشهيد الثاني في الروضة: ج 1/589-590، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/164.
5- تذكرة الفقهاء: ج 3/101.

1 - بأنّ الفعل مشتركٌ ، فلا يتخصّص لأحدهما لا بالنيّة.

2 - وبأنّ إيقاع الصَّلاة الموقّتة في وقتها من القيود المعتبرة فيها، فلابدّ من قصده، لما تقدّم من أنّ الأمر إنّما يدعو إلى ما تعلّق به في الأداء، وأمّا في القضاء فمتعلّق الأمر إنّما هو الصَّلاة بضميمة شيءٍ آخر، وهو كونها تداركاً لما فات، فلابدَّ من قصده.

أقول: ويرد على كلا الوجهين:

إنّهما وإنْ كانا تامّين، إلّاأنّ شيئاً منهما لا يدلّ على اعتبار شيءٍ زائداً على اعتبار التعيين، وعليه فلو فرضنا إمكان التعيّين بغير قصد الأداء أو القضاء في موردٍ، فلا دليل على اعتبار قصد أحدهما، فتأمّل.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرناه حال القصر والإتمام، فإنّه بما أنّ كلّاً منهما - أي الصَّلاة - ركعتان بشرط لا، وأربع ركعات من القيود المعتبرة في المتعلّق، تعيّن قصد أحدهما. والعَجبُ من المشهور حيث إنّه نُسب إليهم(1) اعتبار لزوم قصد الأداء أو القضاء، وعدم لزوم قصد القصر أو الإتمام، مع أنّ دليل الاعتبار في المسألتين واحد.

***5.

ص: 14


1- حكاه صاحب الجواهر عن كشف الالتباس، الجواهر: ج 9/165.

واستدامة حكمها إلى الفراغ.

اعتبار استمرار النيّة إلى آخر الصَّلاة
اشارة

المسألة الرابعة: بناءً على تفسير النيّة بما ذكرناه، يجبُ استدامتها حقيقةً إلى آخر الصَّلاة.

(و) أمّا بناءً على تفسيرها بالإرادة التفصيليّة، وجب (استدامة حُكمها إلى الفراغ).

والوجه في اعتبار الاستدامة واضحٌ ، لأنّ الصَّلاة ليست إلّامجموع الأجزاء، فما دلَّ على اعتبار النيّة فيها، يدلّ على اعتبارها في كلّ جزء.

قد يتوهّم: أنّه يدلّ على عدم الاعتبار ما في جملةٍ من النصوص الدالّة على أنّه لو تخيّل المصلّي في أثناء صلاة أنّه في غيرها، فأتى بالأجزاء الباقية بنيّة تلك الصَّلاة، وقعت من الأولى:

منها: مصحّح عبد اللّه بن المغيرة، عن «كتاب حريز» إنّه قال:

«إنّي نسيتُ أنّي في صلاة فريضة حتّى ركعت وأنا أنويها تطوّعاً؟

قال: فقال عليه السلام: هي التي قمتَ فيها، إذا كنتَ قمتَ وأنتَ تنوي فريضةً ، ثمّ دخلك الشكّ ، فأنتَ في الفريضة، وإنْ كنتَ دخلتَ في نافلةٍ تنويها فريضةً ، فأنت في النافلة، وإنْ كنتَ دخلتَ في فريضةٍ ثمّ ذكرتَ نافلةً كانت عليك، مضيتَ في الفريضة»(1).

ص: 15


1- الكافي: ج 3/363 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/6 أبواب النيّة ب 2 ح 1 (7200).

ومنها: خبر ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلٍ قام في صلاة فريضةٍ فصلّى ركعة وهو ينوي أنّها نافلة ؟

قال عليه السلام: هي التي قمت فيها ولها»(1).

ومنها: خبر معاوية، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ قام في الصَّلاة المكتوبة فسها، فظنّ أنّها نافلة، أو قام في النافلة فظنَّ أنّها مكتوبة ؟

قال عليه السلام: هي على ما افتتح الصَّلاة عليه»(2).

وفيه: إنّ هذه النصوص على ما هو الظاهر منها - بقرينة ذكر السَّهو في الأخير، ودخول الشكّ في الجواب في الأولين - مختصّة بصورة النسيان، ولا تشمل صورة العمد. ولعلّ الصحّة في تلك الصورة ممّا تقتضيه القاعدة، ولا تنافي مع اعتبار الاستمرار، إذ في صورة النسيان يكون المُصلّي عازماً على أن يتمّ ما شَرع فيه، ولكن من باب الخطأ في التطبيق ينوي خلاف ما شرع فيه.

وعليه، فما عن «الجواهر»(3) من شمول الأولين لصورة العمد، ضعيفٌ .

***5.

ص: 16


1- التهذيب: ج 2/343 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/7 أبواب النيّة ب 2 ح 3 (7202).
2- التهذيب: ج 2/343 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/6 أبواب النيّة ب 2 ح 2 (7201).
3- جواهر الكلام: ج 9/175.
نيّة القطع أو القاطع

ثمّ إنّ غاية ما دلَّ عليه الدليل، هي اعتبار الاستمرار حال الاشتغال بالأجزاء، وأمّا في الآنات المتخلّلة، فلا دليل على اعتباره، فلو نوى في أثناء الصَّلاة قَطْعها، ثمّ عاد عنها قبل أن يقع منه شيءٌ من أفعالها، بقي على نيّته الأُولى ، لا تبطل الصَّلاة كما عن جماعةٍ من المحقّقين، كالمحقّق في «الشرائع»(1) وغيره(2).

وعن جماعةٍ كالشيخ(3) والمصنّف رحمه الله في بعض كتبه(4)، والمحقّق الثاني(5) في جملةٍ من كتبه، وغيرهم(6) البطلان.

واستدلّ له:

1 - بأنّ النيّة الأولى إذا زالت وجُدِّدت لا تفيد، لاختلال شرطها، وهو المقارنة لأوّل العمل.

2 - وبأنّ للصَّلاة هيئة اتّصاليّة اعتبرها الشارع فيها، وينافيها قصد الخروج.

3 - وبأنّ الآنات من أجزاء الصَّلاة، فيجبُ النيّة فيها.

4 - وبالإجماع على اعتبار الاستدامة، وهي تنتفي بنيّة الخروج.

5 - وبأنّ ظاهر قوله عليه السلام: (لا عَمَل إلّابنيّة)(7)، نظير قوله عليه السلام (لا صلاة إلّا

ص: 17


1- شرائع الإسلام: ج 1/62.
2- كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 2/193، والكاشاني في مفاتيح الشرائع: ج 1/124.
3- المبسوط: ج 1/105.
4- كتحرير الأحكام: ج 1/37، ومختلف الشيعة: ج 2/156، ونهاية الإحكام: ج 1/449.
5- جامع المقاصد: ج 2/222.
6- كالشهيد في الدروس: ج 1/166، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة: ج 1/594.
7- الكافي: ج 1/70 ح 9، وسائل الشيعة: ج 6/5، أبواب النيّة ب 5 ح 1 (7196).

بطهور)(1) عدم جواز خلوّ آن من آنات الصَّلاة عن النيّة.

6 - وبأنّ البطلان ممّا تقتضيه قاعدة الاشتغال.

7 - وبأنّه إذا رجع إليها وأتمّ الصَّلاة كان من توزيع النيّة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الدليل إنّما دلَّ على اعتبار النيّة، ليكون العمل صادراً عنها، وأمّا مقارنتها له حتّى في النيّة المجدّدة للأبعاض، فلا دليل على اعتبارها.

وأمّا الثاني: فلأنّ نيّة الخروج مع عدم الإتيان بما هو مخرِجٌ عن الصَّلاة، لا توجب تحقّق الخروج، بل هو باقٍ على ما كان متلبّساً به.

ودعوى: أنّها تَبطل حينئذٍ لأجل أنّه يكون مصلّياً بلا قصد.

مندفعة: بعدم الدليل على اعتبار القصد ما دام يصدق عليه أنّه مصلّ ، والدليل إنّما دلَّ على اعتباره في أجزائها.

وأمّا الثالث: فلأنّ معقد الإجماع، هو اعتبار صدور جميع الأجزاء بداعي الأمر، وهذا غير اعتبار وجود النيّة في جميع الآنات.

وأمّا الرابع: فلعدم الدليل على كون الآنات من أجزائها.

وأمّا الخامس: فلعدم كون ظاهر الحديث ما ذُكر، واعتبار الطهارة في الآنات ليس لأجل قوله عليه السلام: (لا صلاة إلّابطهور)، بل إنّما لأجل ما دلَّ على قاطعيّة الحَدَث.

وأمّا السادس: فلأنّه لا دليل على المنع عن التوزيع بالمعنى المذكور، وإنّما الممنوع هو نيّة كلّ جزءٍ على نحو الاستقلال.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى عدم البطلان بنيّة الخروج.0.

ص: 18


1- الفقيه: ج 1/33 ح 67، وسائل الشيعة: أبواب الوضوء ب 1، 365 ح 960.

ومثله ما لو نوى فعل القاطع، إذ نيّته حينئذٍ مستلزمة لنيّة الخروج عن الصَّلاة، فما عن جماعةٍ (1) من القائلين بالبطلان في صورة نيّة الخروج من الصحّة في هذا المورد، في غير محلّه.

وأولى منهما في عدم البطلان، ما لو تردّد في القطع، أو فعل القاطع ثمّ عزم على ما نوى .

أقول: هذا كلّه فيما إذا لم يأتِ بشيءٍ من الأجزاء في حال التردّد أو العزم على العدم، وإلّا:

فإنْ أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئيّة، بطلت صلاته من جهة الزيادة.

وإنْ أتى به لا بعنوان الجزئيّة، ثمّ عاد إلى النيّة الأُولى :

فإنْ كان ممّا يوجبُ مطلق وجوده البطلان كالركوع بطلت أيضاً، وكذلك ما كان فعلاً كثيراً.

وإنْ لم يكن كذلك، فلا تبطل الصَّلاة. نعم لا يجوز الاقتصار عليه كما لا يخفى وجهه.

***0.

ص: 19


1- كالشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1/102، والمحقّق الحِلّي في الشرائع: ج 1/62، والعلّامة في التحرير: ج 1/237، الفاضل الأصبهاني في كشف اللّثام: ج 3/410.
الضمائم المنضمّة إلى قصد الطاعة
اشارة

حكم الضميمة المحرّمة في النيّة

المسألة الخامسة: الضمائم المنضمّة إلى قصد الطاعة:

1 - إمّا أنْ تكون من الاُمور المحرّمة.

2 - أو تكون من الاُمور الرّاجحة.

3 - أو تكون من الاُمور المباحة.

فها هنا مقامات ينبغي البحث عن حكمها، فنقول:

حكم الضميمة المحرّمة في النيّة
اشارة

المقام الأوّل: في الضمائم المحرّمة، والكلام فيها يقع في موردين:

الأوّل: في الرّياء.

الثاني: في غيره.

أمّا الأوّل: فلا شبهة في حُرمة قصد الرّياء بالعبادة، وبطلانها به، كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يُنقل الخلاف إلّاعن المرتضى(1).

وتشهد لهما: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة وحمران، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه اللّه تعالى والدّار الآخرة، وأدخل فيه رضى أحدٍ من الناس كان مشركاً»(2).

ومنها: خبر السكوني: «قال النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه عزّ و جلّ : اجعلوها في سجّين إنّه ليس إيّاي أراد به»(3).

ص: 20


1- الإنتصار: ص 100.
2- المحاسن: ج 1/121، وسائل الشيعة: ج 1/67 أبواب مقدّمة العبادات ب 11 ح 11 (148).
3- الكافي: ج 2/294 ح 7، وسائل الشيعة: ج 1/71، أبواب مقدّمة العبادات ب 12 ح 3 (156).

ومنها: صحيح علي بن جعفر: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يؤمَر برجالٍ إلى النّار.

إلى أنْ قال: فيقول لهم خازن النّار: يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا: كنّا نعمل لغير اللّه، فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممّن عملتم له»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: ودلالة هذه النصوص على الحرمة، كدلالة بعضها على البطلان لا تُنكر، وحيث أنّ من لوازم الحرمة البطلان كما حقّقناه في محلّه، فدعوى دلالتها بأجمعها على البطلان في محلّها.

أقسام الرّياء

ثمّ إنّ الرّياء في العمل على أنحاء:

أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرّد إرائة الناس.

وبطلان العبادة في هذه الصورة لا يحتاج إلى بيان.

الثاني: أنْ يكون داعيه إلى العمل القُربة والرّياء.

وبطلان عبادة المُرائي في هذه الصورة أيضاً هو الأقوى ، من غير فرقٍ :

بين ما لو كانا مستقلّين في الداعويّة.

وما لو كانا معاً ومنضمّاً داعياً.

وما لو كان أحدهما مستقلّاً والآخر تبعاً.

للنصوص المتقدّمة، إذ يصدق في جميع الصور الأربع حتّى فيما كان الرّياء تبعاً لإرادة الطاعة، أنّه أدخل في عمله رضى أحدٍ من الناس، فتكون مشمولة لصحيح حمران وزرارة.

ص: 21


1- ثواب الأعمال: ص 223، وسائل الشيعة: ج 1/70، أبواب مقدّمة العبادات ب 12 ح 1 (154).

الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الرّياء.

فلا ريب في بطلانه، وأمّا بطلان المركّب به، فلا شبهة فيه مع الاكتفاء به، وكان من الأجزاء الواجبة.

وأمّا إنْ تدراكه، ففيه وجوه وأقوال:

أقواها أنْ يُقال إنّه إنْ كان ذلك الجزء من الأقوال يبطل المركّب أيضاً؛ لأنّه إن قصد بما أتى به رياءً الجزئيّة، فيصدق أنّه زاد في صلاته، فيشمله ما دلَّ على أنّ (من زاد في صلاته فعليه الإعادة)(1).

وما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله(2): من عدم صدق الزيادة بتدارك الجزء الذي وقع باطلاً، بعد رفع اليد عنه، مع أنّه لا دليل على إبطال مطلق الزيادة، خصوصاً في مثل المقام الذي يكون الفعل الثاني مؤثّراً في حصول عنوان الزيادة.

ضعيف: إذ إتيان الجزء الفاسد بنفسه مصداق للزيادة، تداركه أم لا، والتدارك إنّما يوجب عدم الإخلال، لا عدم صدق الزيادة.

وأضعف منه دعوى: (3) إنّه لا يقال في الفرض زاد في صلاته، وإنّما يقال أفسد الجزء، إذ الجزء الفاسد غير مأمورٍ به، فلو أتى به بعنوان أنّه جزء للصَّلاة، صدق أنّه زاد فيها، وإنْ لم يقصد به الجزئيّة، ففي هذه الحالة وإنْ كان لا يصدق أنّه زاد في صلاته، لأنّ الصَّلاة من المركّبات الاعتباريّة، ولا يزيد شيءٌ فيها، إلّاإذا أتى به بعنوان أنّه منها، إلّاأنّه يوجبُ البطلان، لأجل كونه مصداقاً للكلام، وهو يكون مبطلاً للأخبار والإجماع، بناءً على ما هو الحقّ من شمول النصوص للأقوال المعتبرة).

ص: 22


1- مثل رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة)، الكافي: ج 3/355 ح 5، وسائل الشيعة: ج 8/231 أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ب 19 ح 2 (10509).
2- المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 11/412 و 415. (ط. ج).

في الصَّلاة، خلافاً لبعض المحقّقين(1).

أقول: وممّا ذكرناه ظهر أنّ الجزء الذي قصد به الرّياء إنْ كان من الأفعال فإنْ أتى به بما أنّه من أجزاء الصَّلاة، يوجب بطلان الصَّلاة، وإلّا فلا، إلّاالركوع والسّجود على ما هو الحقّ من أنّ زيادتهما مطلقاً توجب البطلان.

الرابع: أنْ يكون أصل العمل للّه، ولكن الرّياء قصد في اختيار خصوصيّاته، كإتيان الصَّلاة في المسجد، أو في أوّل الوقت، أو جماعةً ، أو غيرها من الخصوصيّات.

والظاهر بطلان الصَّلاة في هذه الصورة أيضاً، إذ الرّياء حينئذٍ إنّما يكون في الصَّلاة المقيّدة بتلك الخصوصيّة فتفسد لأجلها.

نعم، لو كان مقصود المرائي إظهار أنّه يحبّ الإقامة في المسجد مثلاً، ولكن صَلّى بداعي القُربة، صحّت صلاته لما حقّقناه في محلّه من جواز اجتماع الأمر والنهي في أمثال المورد، ممّا يكون المأمور به من مقولةٍ غير ما يكون المنهيّ عنه منها.

الخامس: أنْ يكون الرّياء في مقدّمات العمل، كالمشي إلى المسجد، والنهوض إلى القيام ونحوهما.

والظاهر صحّة الصَّلاة في هذه الصورة، لوقوع العمل للّه خالياً عن الرّياء.

ودعوى: كون العمل حينئذٍ مصداقاً لمن أدخل في عمله رضا غيره، فيكون مقتضى عموم النصوص البطلان.

ضعيفة: إذ إدخال رضا الغير في العمل إنّما يكون فيما إذا جعل رضاه غايةً للعمل كرضا اللّه تعالى ، فتدبّر.

فلو كان العمل للّه، لكن كان بحيث يسرّه أن يرى الناس إطاعته الواقعيّة، فالظاهر عدم كونه مصداقاً للمُرائي، ويكون عمله صحيحاً، كما تشهد له جملة).

ص: 23


1- المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 11/421. (ط. ج).

من النصوص:

منها: خبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسانٌ فيسرّه ذلك ؟

قال عليه السلام: لا بأس، ما مِنْ أحدٍ إلّاوهو يحبُّ أن يَظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك»(1). ونحوه غيره.

أمّا المورد الثاني: وهو ما إذا كانت الضميمة حراماً غير الرّياء:

فإنْ كان ذلك الشيء متّحداً مع العمل، أو مع جزءٍ منه كإيذاء الغير بالصَّلاة وتفسيقه بها، بطل، لأنّه حينئذٍ يكون حراماً، والمحرّم لا يصحّ التقرّب به.

وإنْ كان خارجاً عن العمل مقارناً له، صحّ ، إلّاإذا كان مترتّباً عليه على سبيل الغاية، بناءً على حرمة الفعل الذي قصد به التوصّل إلى الحرام، فإنّه حينئذٍ يكون العمل محرّماً فيبطل.

وكذلك يبطل إذا كان داعي القُربة غير مستقلٍّ في الداعويّة. وستعرف وجهه في المقام الثالث(2)، فانتظر.

الضميمة الرّاجحة

المقام الثاني: إذا كانت الضميمة من الاُمور الراجحة صَحَّ العمل، لأنّ إتيان العمل حينئذٍ يكون صادراً عن داعي الطاعة، فيسقط كلا الأمرين، وإنْ كانا معاً منضمّين محرِّكاً وداعياً عليه، إذ لا يعتبر في صحّة العبادة وسقوط أمرها سوى صدورها عن قصد الأمر.

ص: 24


1- الكافي: ج 2/297 ح 18، وسائل الشيعة: ج 1/75 أبواب مقدّمة العبادات ب 15 ح 1 (168).
2- يأتي في الصفحة التالية (الضميمة المباحة).

وأمّا اعتبار داعويّة كلّ أمرٍ مستقلّاً في سقوط الأمر وصحّة العبادة، فمّما لم يدلّ عليه دليل.

وتشير إلى ما ذكرناه الأخبار المتضمّنة لبيان كثيرٍ من الاُمور الراجحة، من فعل الوضوء والصَّلاة مع قصد التعليم، وإطالة الركوع للانتظار(1)، وغير ذلك من الموارد.

الضميمة المُباحة

المقام الثالث: في الضمائم المباحة، وقد قسّمها بعض المحقّقين رحمه الله(2) إلى قسمين:

الأوّل: ما له دَخْلٌ في أصل العمل.

الثاني: ما له دَخْلٌ في ترجيح الفرد.

واختار الصحّة في الثاني مطلقاً، وفي الأوّل فصَّل بين وارده بما ستعرف، ولكن بما أنّ الخصوصيّة ليس لها وجود منحازٌ في الخارج، فلا محالة يرجع ما له دخلٌ في اختيار الفرد، إلى ما يكون دخيلاً في أصل العمل، فتاتي فيه الصور الآتية، فيجري فيه ما ستعرف من الصحّة والفساد.

أقول: فالأولى أنْ يُقال في كلا القسمين إنّ ذلك الأمر المباح:

تارةً : يكون مستقلّاً وداعي القُربة تبعاً.

واُخرى: يكون تبعاً وداعي القربة مستقلّاً.

وثالثة: يكونان مستقلّين، ولكن لعدم قابليّة المحلّ يسقط كلّ واحدٍ منهما

ص: 25


1- الفقيه: ج 1/390، وسائل الشيعة: ج 8/394 أبواب صلاة الجماعة ب 50.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الطهارة: ج 2/97.

عن الاستقلال.

ورابعة: يكونان معاً منضمّين داعياً، و يكون كلّ واحدٍ منهما ناقصاً لايصلح للداعويّة.

أمّا الصورة الاُولى: فالظاهر أنّه لا خلاف في بطلانها، إذ الظاهر من الأدلّة وطريقة العقلاء، عدم كفاية الاستناد إلى داعي الطاعة في الجملة في صدق العبادة، بل يمكن أنْ يُقال إنّ الأثر الفعلي في الصورة المذكورة، مستندٌ إلى الأمر المباح فقط، إذ الدّاعي الضعيف إذا انضمّ إلى الدّاعي القويّ المستقلّ في التأثير في نفسه لا يكون مؤثّراً.

ومن ذلك تظهر الصحّة في الصورة الثانية.

وأمّا الصورة الثالثة: فعن الأكثر(1) الصحّة، وعن المصنّف رحمه الله(2) في بعض كتبه تبعاً لجماعةٍ (3)، وفخر الدين(4) والشهيدين(5) وغيرهم(6): البطلان.

واستدلّ للصحّة:

1 - بأنّ المعتبر في العبوديّة، وصول العبد إلى مرتبةٍ يوجب أمر المولى تحريك عضلاته نحو الفعل، وفي الصورة المزبورة وإنْ كان المؤثّر هو كليهما معاً، ولكن لا من باب عدم تأثير أمر المولى في نفسه، بل من باب عدم قابليّة المحلّ لأنْ يُستند إلى كلٍّ منهما، وهذا المقدار يكفي في صدق العبادة، ولا يعتبر تخليص الطاعة إنْ أمكن.9.

ص: 26


1- حكاه الشهيد في القواعد والفوائد: ج 1/79.
2- نهاية الإحكام: ج 1/33.
3- كما في روض الجنان: ص 30.
4- إيضاح الفوائد: ج 1/36.
5- الشهيد الأوّل في البيان: ص 44، والثاني في روض الجنان: ص 30.
6- كالكركي في جامع المقاصد: ج 1/203، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/99.

2 - وبأنّ المعلوم من طريقة العقلاء، الاكتفاء في صدق العبادة بكون أمر المولى قابلاً للاستقلال في المحرّكيّة.

أقول: لكن الأقوى البطلان، إذ يعتبر في العبادة استناد الفعل إلى داعي الطاعة وصدوره عنه، ولا يكفي صدور الفعل عن عبدٍ تابعٍ لإرادة المولى كما قيل، ويشهد له آية الإخلاص(1)، والإجماع على اعتباره في العبادة.

ودعوى: إنّه موهونٌ بذهاب الأكثر إلى الصحّة مع الضميمة.

مندفعة: بأنّ الظاهر إنّه من قبيل الإجماع على القاعدة، فلا ينافي الخلاف في بعض المصاديق، لكونه عن شُبهة، فتأمّل.

3 - وخبر ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : حَنِيفاً مُسْلِماً (2) خالصاً مُخلّصاً لا يشوبه شيء»(3).

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرناه أنّ الأقوى البطلان في الصورة الرابعة، بل الأظهر فيها البطلان حتّى بناءً على الصحّة في الصورة المتقدّمة، إذ لو لم نقل باعتبار استناد العمل إلى داعي الطاعة، ولكن لا ريب في اعتبار صلاحيّة الأمر للاستقلال في الداعويّة في صدق العبادة.

***).

ص: 27


1- سورة البيّنة: الآية 5.
2- سورة آل عمران: الآية 67.
3- المحاسن: ج 1/251، وسائل الشيعة: ج 1/60 أبواب مقدّمة العبادات ب 8 ح 7 (129).
العدول من صلاةٍ إلى اُخرى
اشارة

المسألة السادسة: لا يجوزُ العدول من صلاةٍ إلى اُخرى ، إلّاما ثبت فيه ذلك بدليلٍ خاص، إذ الصلوات حقائق مختلفة وإن اتّحد بعضها مع بعضٍ آخر بحسب الصورة كالظهر والعصر، كما يكشف عن ذلك ظهور أدلّتها في كون كلٍّ منها نوعاً من الصَّلاة، فالصَّلاة التي عَدَل عنها غير الصَّلاة المعدول إليها.

وعليه، فالأمر المتعلّق بإحدى الصلاتين، غير الأمر المتعلّق بالاُخرى ، والأمر الضمني المتعلّق بجزءٍ من إحدى الصلاتين، غير الأمر الضمني المتعلّق بجزءٍ ممّاثل له من الاُخرى، فالإتيان ببعض إحداهما بداعي أمره، لا يعدّ امتثالاً للأمر المتعلّق بالبعض المماثل له من الاُخرى، والنيّة اللّاحقة لا تُجدي في صيرورته كذلك، كما لا يخفى .

ودعوى: أنّه يستكشف من ما ورد في الموارد الخاصّة، أنّ كلّ فريضةٍ تصلح بالذّات لأن تُحتسب من سابقتها مع الإمكان، وحينئذٍ يتعدّى عن تلك الموارد إلى غيرها.

مندفعة: بأنّه يمكن أن تكون في تلك الموارد خصوصيّة، لأجلها تكون الفريضة صالحة لذلك، ومع احتمال ذلك وعدم الدليل على ما ذُكر لا وجه للتعدّي.

موارد جَواز العدول

نعم يجوزُ العدول في موارد خاصّة:

المورد الأوّل: إذا دخل في فريضة فذكر أنّ عليه فريضة سابقة عليها، كما إذا

ص: 28

دخل في العصر أو العشاء قبل الظهر والمغرب، عدل بنيّته إليها إذا لم يتجاوز محلّ العدول، بلا خلافٍ فيه، بل عن غير واحد(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيحة زرارة الطويلة، عن الإمام الباقر عليه السلام، وفيها:

«وإنْ ذكرت أنّك لم تُصلِّ الأُولى، وأنتَ في صلاه العصر، وقد صلّيت منها ركعتين، فأنوها الأُولى ثمّ صَلِّ الرّكعتين الباقيتين، وقُم فصلِّ العصر، وإنْ كنتَ قد ذكرت أنّكَ لم تُصلِّ العصر حتّى دخل وقت المغرب، ولم تخف فوتها، فصلِّ العصر ثمّ صَلِّ المغرب، وإنْ كنتَ قد صلّيت المغرب فقُم فَصلِّ العصر، وإنْ كنتَ قد صلّيت من المغرب ركعتين، ثمّ ذكرت العصر فأنوها العصر ثمّ قُم فأتمّها ركعتين، ثمّ تُسلِّم ثمّ تُصلّي المغرب، وإنْ كنتَ قد صلّيت العشاء الآخرة، ونسيت المغرب، فقُم وصَلِّ المغرب، وإنْ كنتَ ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في الثالثة، فأنوها المغرب ثمّ سَلِّم ثمّ قُم فَصلِّ العشاء الآخرة»(2).

ونحوها غيرها.

وأمّا خبر الحسن بن زياد الصيقل، عن سيِّدنا الصادق عليه السلام في حديثٍ :

«قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صَلّى ركعتين من العشاء، ثمّ ذكر؟ قال عليه السلام: فليتمّ صلاته، ثمّ ليقض المغرب»(3).

فلضعف سنده، وإعراض الأصحاب عنه، ومعارضته للروايات الصحيحة،).

ص: 29


1- كظاهر العلّامة في المنتهى: ج 1/224، والكركي في حاشية الإرشاد (مخطوط) ص 11، ونسبه إلى المشهور السيّد العاملي في المدارك: ج 3/103.
2- الكافي: ج 3/291 ح 1، وسائل الشيعة: ج 4/290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1 (5187).
3- التهذيب: ج 2/270 ح 112، وسائل الشيعة: ج 4/293 أبواب المواقيت ب 63 ح 5 (5191).

لابدَّ من طرحه أو تأويله.

أقول: نُسب إلى المشهور(1) إنّه إنْ قدّم العصر أو العشاء على سابقتها سهواً في الوقت المختصّ لها بطلت، ولكن الأقوى تبعاً لجماعةٍ من المحقّقين(2) الصحّة لإطلاق الأدلّة.

واستدلّ للمشهور: بأنّ موضوع الأدلّة المتقدّمة هي الصَّلاة الصحيحة من جميع الجهات، عدا جهة الترتيب، فإذا كانت باطلة لفقد شرط الوقت، لا تكون مشمولة لها، فلا وجه للتمسّك بالإطلاق.

وفيه: إنّ هذا يصحّ بناءً على الاختصاص بالمعنى المنسوب إلى المشهور، وأمّا بناءً على الاختصاص بالمعنى المختار، وهو كون الوقت مختصّاً بالاُولى لدى المزاحمة، لا عدم صلاحيّة الوقت لفعل الثانية، ولو في بعض الفروض النادرة - وقد تقدّم تحقيق ذلك فراجع(3) - لا يتمّ ، إذ في الفرض تكون الثانية صحيحة من جميع الجهات، حتّى من حيث الوقت فتكون مشمولة للأدلّة.

وأمّا ما ذكره بعضهم وجهاً للصحّة، من أنّه يكشف عن نيّة العدول، كون ما بيده الصَّلاة السابقة من أوّل الأمر، فلا فوات للوقت على كلا القولين، فهو خلاف ظاهر الأدلّة كما لا يخفى .

ولو تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء، فذكر أنّ عليه المغرب بطلت، ولا يجوز العدول؛ لأنّه يستلزم الزيادة المبطلة، وليس له المضيّ في اللّاحقة وإتمامها، ثمّ الإتيان بالسابقة كما قيل، لأنّه يستلزم تقديم ركعة9.

ص: 30


1- نسبه صاحب الجواهر في الجواهر: ج 7/318.
2- كالشيخ في الخلاف: ج 1/386، والمحقّق الأردبيلي: ج 2/56، والعاملي مدارك الأحكام: ج 3/115.
3- فقه الصادق: ج 6/29.

من العشاء على المغرب عمداً وهو لا يجوز، إذ دليل الترتيب إنّما يدلّ على لزوم تقديم السابقة على جميع أبعاض اللّاحقة.

أمّا حديث (لا تُعاد)(1) فإنّه حتّى بناءً على شموله لصورة الذِّكر في الأثناء، لا يمكن التعويل عليه في المقام والحكم بالصحّة لأجله، لأنّه لا يدلّ على سقوط شرطيّة الترتيب حتّى في حال العمد، فلا دليل على جواز تقديم الركعة الأخيرة من العشاء على المغرب، ولا يختصّ الحديث بأمثال المورد حتّى يقال بأنّ شموله للركعات السابقة يستلزم جوازه صوناً عن اللّغوية، وسيأتي في بحث خلل الصَّلاة توضيح ذلك إن شاء اللّه تعالى .

هذا كلّه فيما إذا تذكّر في الأثناء.

ولو تذكّر بعد الفراغ من الثانية أنّه لم يأتِ بالاُولى، فالمشهور على أنّه إنْ أتى بها في الوقت المختصّ بطلت، وإنْ أتى بها في الوقت المشترك صحّت.

أقول: لكن الأظهر في العصر المُقدّمة على الظهر صحّتها، واحتسابها ظهراً لو كان به قائلٌ ، لقوله عليه السلام في صحيح زرارة المتقدّمة:

«إذا نسيتَ الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنتَ في الصَّلاة، أو بعد فراغك فأنوها الأُولى ، ثمّ صَلِّ العصر، فإنّما هي أربعٌ مكان أربع»(2).

ومضمر الحلبي، قال: «سألته عن رجلٍ نسي أن يُصلّي الأُولى حتّى صَلّى العصر؟ قال عليه السلام: فليجعل صلاته التي صَلّى الأُولى ، ثم ليستأنف العصر»(3).

وعليه، فالأحوط الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، وقد عرفت آنفاً).

ص: 31


1- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).
2- الكافي: ج 3/291 ح 1، وسائل الشيعة: ج 4/290 ح 5187.
3- التهذيب: ج 2/269 ح 111، وسائل الشيعة: ج 4/292 أبواب المواقيت ب 63 ح 4 (5190).

أنّه على المختار في المراد من الاختصاص، لا فرق بين وقوع الثانية في الوقت المشترك أو المختصّ .

المورد الثاني: من موارد جواز العدول، إذا دخل في الحاضرة، فذكر أنّ عليه فائتة، فإنّه يجوز له أن يعدل إلى الفائتة بلا خلافٍ .

ويشهد له: صحيح زرارة الطويل، وفيه مضافاً إلى ما تقدّم ذكره من قوله عليه السلام:

(وإنْ كنتَ قد صلّيت من المغرب... إلى آخره) قوله عليه السلام: «فإنْ كنتَ قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر، فصلِّ العشاء الآخرة، وإنْ كنتَ ذكرتها وأنتَ في الركعة الأُولى أو الثانية من الغداة، فأنوها العشاء، ثمّ قُم فصلِّ الغداة»(1).

ونحوه خبر عبد الرحمن البصري عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام(2).

المورد الثالث: إذا دخل في فريضة فائتة، فذكر أنّ عليه فريضة سابقة عليها، فالمشهور على أنّه يعدل بنيّته إلى السابقة، بل بلا خلافٍ فيه.

واستدلّ له:

1 - بالإجماع.

2 - وبإلغاء خصوصيّة مورد النصوص، والتعدّي إلى غيره.

3 - وباستفادة حكم المورد ممّا تضمّن العدول من الحاضرة إلى الفائتة، لأنّ القضاء على ما يظهر من أدلّته ليس إلّاإيجاد ما وَجَب في الوقت في خارجه، فيجري عليه حكمه.

أمّا الإجماع: فهو مضافاً إلى عدم حجيّة المنقول منه، لا يكون حجّة في أمثال).

ص: 32


1- الكافي: ج 3/291 ح 1، وسائل الشيعة: ج 4/292 أبواب المواقيت ب 63 ح 1 (5187).
2- الكافي: ج 3/293 ح 5، وسائل الشيعة: ج 4/291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2 (5188).

المورد، والتعدّي عن مورد النصوص قد عرفت ما فيه.

وأمّا كون القضاء عين الأداء: فإنّما يقتضي جوا العدول الذي هو من أحكام الأداء، لو كان مقتضى إطلاق دليله ثبوت جميع الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة الثابتة للأداء له، وهو كما ترى ، إذ أدلّة القضاء إنّما تدلّ على لزوم ممّاثلة الصَّلاة المقضيّة للصَّلاة الّتي وجب الإتيان بها في الوقت، فيجبُ أن يُراعي فيها جميع ما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط.

وأمّا الأحكام الثابتة لها: فهذه الأدلّة لا تدلّ على ثبوتها للمقضيّة.

وكون الأمر بالقضاء كاشفاً عن كون الأمر الأوّل بنحو تعدّد المطلوب، لو تمّ لا يقتضي ذلك، لاحتمال أنْ يكون المطلوب الواحد مختلف الحكم باختلاف وقوعه في وقتين.

ولا يجوز التمسّك باستصحاب جواز العدول الثابت له حال أدائها، لأنّه من الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول بحجيّته(1).

أقول: ويترتّب على ما ذكرناه؛ عدم جواز ترامي العدول، فيما لو ذَكر بعد أن عدل من فائتةٍ إلى سابقتها، أنّ عليه أيضاً فريضة سابقة على المعدول إليها.

وعليه، فما عن الشهيدين(2) من جوازه في الفرض، ضعيفٌ .

نعم، يجوز ذلك فيما لو عَدَل من حاضرةٍ إلى سابقة عليها، كما لو عدل من العصر إلى الظهر، فذكر أنّ عليه الصبح، إذ ما دلَّ على جواز العدول من الحاضرة إلى الفائتة، لا يختصّ بالحاضرة التي قَصَدها من أوّل الأمر.0.

ص: 33


1- زبدة الاُصول، ج 5/432 بحث: (الاستصحاب التعليقي).
2- الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 136 (ط. ق)، والشهيد الثاني في المسالك: ج 1/150.

المورد الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة، إذا نَسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها، وتجاوز عن النصف، وسيأتي الكلام فيه في القراءة(1) إنْ شاء اللّه تعالى .

المورد الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة، لمن دخل فيها، واُقيمت الجماعة، والكلام فيه موكولٌ إلى محلّه من مبحث الجماعة(2).

المورد السادس: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواضع التخيير.

المورد السابع: العدول من التمام إلى القصر، إذا قصد الإقامة، وشرع فيها ثم بدا له وبنى على عدم الإقامة، أو تردّد فيها.

المورد الثامن: العدول من القصر إلى التمام، لمن قصد في أثناء الفريضة إقامة عشرة أيّام، وسيأتي الكلام في هذه الموارد في صلاة المسافر(3) إن شاء اللّه تعالى .

***3.

ص: 34


1- فقه الصادق: ج 7/139.
2- فقه الصادق: ج 8/526.
3- فقه الصادق: ج 9/303.
الثاني: تكبيرة الإحرام
اشارة

الثاني: في تكبيرة الإحرام.

في تكبيرة الإحرام

(الثاني) من أفعال الصَّلاة: (تكبيرة الإحرام).

وتُسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً؛ لأنّها مفتاح الصَّلاة، وبها افتتاحها كما في جملةٍ (1) من النصوص.

وجزئيّتها للصَّلاة، وكونها واجبة ممّا لا ريب فيه ولا خلاف، نعم حُكي عن بعض المخالفين(2) القول بخروجها من الصَّلاة، وعليه فيتحقّق الدخول في الصَّلاة بمجرّد الشروع فيها، كما لا يخفى ، كما أنّه لا خلاف في أنّ حرمة المنافيات إنّما تكون بعد إتمام التكبيرة.

وأُورد عليه: بأنّ مقتضى إطلاق ما دلَّ على حرمة المنافيات في الصَّلاة ثبوت حرمتها من أوّل التكبيرة.

وقد تفصّى عن ذلك شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله(3) بأنّ الفراغ من التكبيرة كاشفٌ عن كونها جزءاً من الأوّل، جمعاً بين المقدّمات الثلاث، أعني حصول التحريم بمجموع التكبير، وتحريم المنافيات في الصَّلاة، وكون جزء الجزء جزءاً، فلو أتى بالمنافي في وسط التكبيرة، لا يكون ما أتى به جزء الصَّلاة، فلم يأتِ بالمنافي في الصَّلاة.

ص: 35


1- كما في خبر ناصح المؤذّن، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: (إنّي اُصلّي في البيت وأخرج إليهم، قال عليه السلام: إجعلها نافلة ولا تكبّر معهم في الصَّلاة، فإن مفتاح الصَّلاة التكبير)، التهذيب: ج 3/270، ح 95، وسائل الشيعة: ج 8/304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 7 (10734).
2- المجموع: ج 3/290.
3- كتاب الصَّلاة: ج 1/283.

وهي ركنٌ .

أقول: ليس هذا التفصّي أولى من أن يقال إنّ إطلاق ما دلَّ على حرمة المنافيات وضعاً وتكليفاً يقيّد بما دلَّ على عدم حرمتها قبل تماميّة التكبيرة.

تكبيرة الإحرام من الأركان

(وهي ركنٌ ) تبطل الصَّلاة بالإخلال بها عمداً وسهواً بلا خلاف، بل إجماعاً كما عن غير واحد(1).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن الرّجل ينسى تكبيرة الافتتاح ؟ قال عليه السلام: يُعيد»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «في الذي يذكر أنّه لم يُكبِّر في أوّل صلاته ؟ فقال عليه السلام: إذا استيقين أنّه لم يُكبِّر فليعد، ولكن كيف يستيقن»(3).

ومنها: موثّق عمّار: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ سها خلف الإمام، فلم يفتتح الصَّلاة ؟ قال عليه السلام: يعيدُ الصَّلاة، ولا صلاة بغير افتتاح»(4).

ونحوها غيرها.

ص: 36


1- كالشهيد في الذكرى: ج 3/254 (ط. ج)، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/235، والسيّد العاملي في المدارك: ج 3/319، والفاضل الاصبهاني في كشف اللّثام: ج 3/417.
2- الكافي: ج 3/347 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/12 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1 (7218).
3- التهذيب: ج 2/143 ح 16، وسائل الشيعة: ج 6/13 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 2 (7219).
4- التهذيب: ج 2/353 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 7 (7224).

وبإزائها طائفتان من النصوص:

الطائفة الأُولى : ما تدلّ على أنّه لا تبطل الصَّلاة، إذا كان من نيّته أن يكبِّر، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلٍ نسي أن يُكبِّر حتّى دخل في الصَّلاة ؟ فقال: أليس كان من نيّته أن يُكبِّر؟ قلت: نعم. قال عليه السلام: فليمض في صلاته»(1).

أقول: ومقتضى الجمع العرفي بين هذا الصحيح، والنصوص السابقة، وإنْ كان حملها على الاستحباب، إذ تخصيصها به مستلزمٌ لحملها على الفرد النادر، ولكن لمخالفته للإجماع، وإعراض الأصحاب عنه، لابدَّ من طرحه، أو حمله على التقيّة، أو حمله على إرادة التكبير في آخر الإقامة من التكبير فيه.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على أنّه لو دخل في الركوع، يمضي في صلاته، وإلّا فيُعيد، كموثّقة أبي بصير، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ قام في الصَّلاة، فنسي أن يُكبِّر، فبدأ بالقراءة ؟

قال: إنْ ذكرها وهو قائمٌ قبل أن يركع فليكبِّر، وإنْ ركع فليمضِ في صلاته»(2). ونحوه غيره.

ولا يخفى أنّه لا مجال للاعتماد عليها، وتقييد النصوص السابقة بها، وإنْ كان هو ممّا يقتضيه الجمع، لإعراض الأصحاب عنها.

كما لا وجه للجمع بحمل هذه النصوص على صورة الشكّ ، كما عن الشيخ رحمه الله، فإنّه جمعٌ تبرّعي لا شاهد له.).

ص: 37


1- التهذيب: ج 2/144 ح 23، وسائل الشيعة: ج 6/15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9 (7226).
2- التهذيب: ج 2/145 ح 26، وسائل الشيعة: ج 6/15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10 (7227).

وكذا النيّة.

فتحصّل: أنّ الأقوى أنّ تركها عمداً وسهواً مخلٌّ ، وفي كون زيادتها أيضاً كذلك وجهان، أقواهما العدم، ونُسِبَ إلى المشهور(1) أنّ زيادتها أيضاً عمداً وسهواً توجب البطلان.

واستدلّ له:

1 - بالإجماع على أنّها ركنٌ ، والرّكن مايبطل زيادته عمداً وسهواً كنقيصته.

2 - وبعموم ما دلَّ على مبطليّة الزيادة في الصَّلاة.

3 - وبأنّها فعل منهيٌّ عنه، فيكون مبطلاً للصَّلاة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ تفسير (الرّكن) بما ذُكر غير ثابت، وعن جماعةٍ منهم المحقّق رحمه الله(2) تفسيره بما يوجب الإخلال به عمداً وسهواً البطلان، ولعلّ قول المصنّف رحمه الله في المقام (وكذا النيّة) إشارةٌ إلى ذلك، إذ لا يتصوّر الزيادة في النيّة، بناءً على تفسيرها بما اخترناه، وأمّا بناءً على تفسيرها بالإرادة التفصيليّة، فزيادتها غير قادحة، بل لعلّها راجحة كما قيل(3)، فالمراد بكونها ركناً هو ما ذكرناه.

وأمّا الثاني: فلأنّ العموم المزبور مختصٌّ بالزيادة العمديّة، لحكومة حديث (لا تُعاد) عليه.).

ص: 38


1- نسبه للمشهور المحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/31.
2- المعتبر: ج 2/206.
3- نسب هذا التفسير لمشهور المتأخّرين المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 1/98 ق 1 (ط. ق).

وأمّا الثالث: فإنْ رجع إلى ما قبله ففيه ما عرفت، وإلّا فيرد عليه إنّه لم يدلّ دليلٌ على مبطليّة كلّ فعلٍ منهيّ عنه، مع أنّ كونها فعلاً منهيّاً عنه ممنوع.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم مبطليّة زيادتها سهواً، نعم في العمد تكون الزيادة قادحة، لعموم ما دلَّ على قدح الزيادة في الصَّلاة.

***

ص: 39

وصورتها اللّهُ أكبر.

صورة تكبيرة الإحرام

(وصُورتها اللّهُ أكبر) وعليه علماؤنا كما عن «المنتهى»(1):

1 - لأنّه: المتعارف من التكبير.

2 - ولمرسل «الفقية»:

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتمّ الناس صلاةً وأوجزهم، كان إذا دخل في صلاته، قال: اللّهُ أكبر، بسم اللّه الرحمن الرحيم»(2).

ويجبُ التأسّي به ومتابعته، لقوله صلى الله عليه و آله: «صَلّوا كما رأيتموني اُصلّي»(3).

ودعوى:(4) إنّه بما أنّ المشار إليه يكون فرداً خارجيّاً، ومن المعلوم أنّ جميع الخصوصيّات لا تكون دخيلة في الصَّلاة، فلا محالة يكون مجملاً، فلا يصحّ الاستدلال به.

مندفعة: بأنّه وإنْ كان مجملاً، إلّاأنّه يشمل مثل هذا الفعل المعلوم كونه من أفعال الصَّلاة الواجبة، وكان بناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الإتيان به بهذه الصورة، كما لا يخفى وجهه.

ص: 40


1- منتهى المطلب: ج 5/28.
2- الفقيه: ج 1/306 ح 920، وسائل الشيعة: ج 6/11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11 (7215).
3- كما ورد في صحيح البخاري: ج 1/162، سنن الدارقطني: ج 1/272، سنن البيهقي: ج 2/345 وغيرهم.
4- صاحب الدعوى هو السيّد الحكيم قدس سره في المستمسك: ج 6/58.

3 - ولما في خبر «المجالس»: «وأمّا قوله واللّه أكبر... لاتفتتح الصَّلاة إلّابها»(1).

وبهما يقيّد إطلاق ما ورد في التكبير لو كان مسوقاً للبيان من هذه الجهة، مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً.

ويرفع اليد عن أصالة البراءة عن تعيّن الصورة المذكورة الجارية في المقام، بناءً على ما هو الحقّ من جريانها في موارد الدوران بين التعيين والتخيير.

أقول: وما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله(2) وجهاً لعدم جريانها في المقام، بأنّ المأمور به هو تكبيرة الافتتاح، وبها يدخل في حريم الصَّلاة، ويُعلم أنّ الصورة المذكورة يتحقّق منها هذا المطلوب، وتحقّقه من غيرها مشكوك فيه، فيجب الاقتصار عليها ليقطع بفراغ الذمّة بعد العلم باشتغالها، إنّما يرجع إلى ما ذكر وجهاً، لكون المرجع في الدّوران بين التعيّين والتخيّير هو الاحتياط، وقد أشبعنا الكلام في الجواب عنه في أبحاثنا الاُصوليّة(3).

وعليه، فالعمدة حينئذٍ في تعيّن الصورة الخاصّة، ما ذكرناه.

***9.

ص: 41


1- أمالي الصدوق ص 187، وسائل الشيعة: ج 6/12 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 12 (7216).
2- هو السيّد الحكيم قدس سره في المستمسك: ج 6/58.
3- راجع زبدة الاُصول، ج 2/379.

ولا يكفي التَّرجُمة مع القدرة، ويجبُ التعلّم.

(و) به يظهر أنّه (لا يكفي الترجمة مع القدرة، ويجب التعلّم) إنْ لم يتمكّن من التلفّظ بها، بتمرين اللّسان على النطق بها صحيحةً بلا خلاف؛ لأنّه مقدّمةً للإتيان بها الواجب عليه.

هذا إذا تمكّن من التعلّم في الوقت.

وإنْ قدر عليه قبل الوقت، وعلم بأنّه لا يتمكّن منه في الوقت، وجب التعلّم أيضاً، بناءً على ما هو الحقّ من وجوب المقدّمات التي يترتّب على تركها فوت الواجب المتأخّر في ظرفه، ولم يكن القدرة في ظرفه شرطاً للوجوب.

***

العاجز عن النطق بالتكبيرة صحيحاً

وإنْ ضاق الوقت، أو عجز عن تعلّم التكبيرة قبل فوات الوقت:

فتارةً : يقدرُ على الإتيان بها ملحونةً .

واُخرى: لا يقدر عليها حتّى كذلك.

أمّا الأوّل: وهو القادر على ذلك، فالأظهر وجوبه، كما هو المشهور، بل عن صاحب «الجواهر»(1) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

1 - بقاعدة الميسور.

2 - وبما دلَّ على أنّ (كلّ ما غَلَب اللّه عليه فهو أولى بالعُذر).

ص: 42


1- جواهر الكلام: ج 9/209-210.

3 - وبقوله عليه السلام في خبر عمّار: «لا صلاة بغير افتتاح»(1)، بتقريب إنّه بعد القطع بأنّ العاجز مكلّفٌ بالصَّلاة، والمفروض عدم تحقّقها بغير افتتاح، فلابدّ وأنْ يكون متعلّق أمره هو الذي يقدر عليه، وإلّا لزم عدم التكليف بالصَّلاة، أو التكليف بالمُحال.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا قاعدة الميسور فإنّه لم يدلّ دليلٌ على ثبوتها في الميسور من ما يعتبر في المركّب.

والأخيران لا يدلّان على وجوب الملحون تعييناً، وإنّما يدلّان على عدم وجوب الصحيح، كما لا يخفى .

فالعمدة في ذلك، فحوى ما ورد(2) في الفأفاء(3) والتمتام(4) والألثغ(5) والأليغ(6).

وأمّا الثاني: فهو الذي لم يكن قادراً عليه:

فهل يجب عليه الإحرام بترجمتها من غير العربيّة، أو يسقط عنه ؟ وجهان:).

ص: 43


1- التهذيب: ج 2/353 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8 (7224).
2- استدلّ على وجوب التعلّم لهؤلاء، أو كراهة الصَّلاة جماعة، أو عدم صحّتها بإمامتهم، بما دلَّ على وجوب التعلّم والقراءة على الوجه المخصوص، نعم ربما يستدلّ بل بعضهم كصاحب الحدائق استدلّ برواية الحميري في قرب الإسناد: ص 23 وفيها: (إنّك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يُراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القرآءة في الصَّلاة والتشهّد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يُراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح.. الخ).
3- وهو الذي لا يستطيع أن يؤدِّي الفاء، وقيل الذي يكرّر الفاء، فالأوّل لا تصحّ إمامته، والثاني تصحّ كما عليه العلّامة في التحرير: ج 1/319-329 مسألة 1082.
4- الذي لا يؤدّي التاء، وقيل الذي يكرّر التاء. والفرق بينهما كسابقه (نفس المصدر).
5- الذي يجعل الرّاء عيناً، وفي شرح نهج البلاغة: ج 14/186 الألثغ: يبدل السين ثاء، وقال الشيخ في المبسوط: ج 1/153: وهو الذي يبدِّل مكان حرف.
6- الذي لا يأتي بالحروف على البيان والصحّة كما في المبسوط (المصدر السابق).

نُسب(1) الأوّل إلى علمائنا، واستدلّ له بعض الأكابر(2) بإطلاق ما دلَّ على (أنّ مفتاح الصَّلاة التكبير)(3) بدعوى أنّه وإنْ قُيّد ب "اللّه أكبر" إلّاأنّ التقييد مختصٌّ بحال القدرة، لأنّ العمدة فيه الإجماع، فيبقى الإطلاق بحاله في العجز.

وفيه: ما عرفت من أنّ دليل التقييد لا يختصٌّ بالإجماع، بل مرسل «الفقيه» وخبر «المجالس»(4) يدلّان عليه.

وأضعف منه: ما ذكره بعض المحقّقين(5) من الاستدلال له بخبر عمّار: (لا صلاة بغير افتتاح)(6) بتقريب إنّ حقيقة الصَّلاة لا تتحقّق من دون ذلك، والعاجز عن التكبيرة بعد فرض عدم سقوط الصَّلاة عنه، واستحالة التكليف بالمحال، يعلم بأنّه مكلّفٌ بالافتتاح بشيءٍ آخر، والمتيقّن منه الترجمة.

إذ يرد عليه: إنّ هذا الخبر كسائر النصوص ليس له إطلاقٌ ، لعدم كونه مسوقاً للبيان من هذه الجهة، وعلى فرض ثبوته، فهو مقيّدٌ ب "اللّهُ أكبر"، ومع عدم التمكّن منه لا محالة يكون التكليف به ساقطاً.

مع أنّ المراد ب (افتتاح) في الخبر، هو "اللّهُ أكبر" كما يشهد له ما تضمّن من النصوص من أنّ به افتتاحها.

وعليه، فما احتمله صاحب «المدارك» رحمه الله(7) من سقوط التكبير عمّن من شأنه هذا، هو الأظهر بحسب القواعد، لولا الإجماع على خلافه.0.

ص: 44


1- نسبه السيّد العاملي في المدارك: ج 3/320.
2- السيّد الحكيم قدس سره في المستمسك: ج 6/67.
3- هو خبر ناصح المؤذّن، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديثٍ قال: «فإنّ مفتاح الصَّلاة التكبير».
4- تقدّم تخريجهما تحت العنوان السابق.
5- المحقّق الهمداني قدس سره في مصباح الفقيه: ج 11/442 (ط. ج).
6- التهذيب: ج 2/353 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8 (7224).
7- مدارك الأحكام: ج 3/320.

والأخرس يُشير بها مع عقد قلبه.

تكبيرة الأخرس

(والأخرس) يأتي بالتكبيرة على قدر الإمكان، لما تقدّم في العاجز عن تعلّم التكبيرة قبل فوات الوقت.

وأمّا قول جعفر بن محمّد عليه السلام في موثّق مسعدة: «وكذلك الأخرس في القراءة في الصَّلاة والتشهّد، وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العَجَم، والمُحرم لا يُراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح»(1) فلا يدلّ على وجوب الناقص عليه، وإنّما يدلّ على عدم وجوب التامّ ، فلاحظ.

وإنْ عجز عن النطق أصلاً (يشيرُ بها مع عقد قلبه).

وعن غير واحدٍ(2): تقييد الإشارة بالإصبع.

وعن بعضهم(3) ذلك مع إضافة تحريك اللّسان.

والدليل لهذا الحكم - بعد فرض أنّ الواجب في الافتتاح، ليس هو معنى التكبير، وهو إظهار كبريائه تعالى ، بل هو الصيغة الخاصّة - خبر السكوني المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: «تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصَّلاة، تحريك لسانه وإشارته بإصبعه»(4).

ص: 45


1- قرب الإسناد: ص 23، وسائل الشيعة: ج 6/136 أبواب تكبيرة الإحرام ب 59 ح 2 (7552).
2- كما عن الشيخ في المبسوط: ج 1/103، والمحقّق في المعتبر: ج 2/154، والشهيد في البيان: ص 80.
3- كالعلّامة في التذكرة: ج 3/117، والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ج 3/315 (ط. ج).
4- الكافي: ج 3/315 ح 17، وسائل الشيعة: ج 6/136 أبواب تكبيرة الإحرام ب 59 ح 1 (7551).

وشرطها القيام مع القدرة.

بناءً على أنّه لا خصوصيّة لموارده الثلاثة، وإنّما هو في مقام بيان إعطاء الضابط كما هو الظاهر، وعليه فيعتبر تحريك اللّسان مع الإشارة بالإصبع.

وأمّا عقد القلب: فالدليل على اعتباره، هو الدليل على اعتبار لحاظ المعنى في الناطق، وعدم ذكره في الخبر، إنّما هو لأجل كونه في مقام بيان ما يكون بدلاً عن اللّفظ، فالأخرس كغيره لابدَّ له من القصد إلى الصورة المعهودة للتكبيرة، سواءٌ عقل معناها أم لا، وعوضاً عن اللّفظ يشير بإصبعه مع تحريك لسانه.

(وشرطها القيام مع القدرة) فلو كبّر قاعداً أو منحنياً ولو ببعض التكبيرة، بطلت صلاته بلا خلافٍ ، إلّاعن الشيخ في «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2).

وعن غير واحدٍ(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى ما دلَّ على اعتباره في الصَّلاة، الظاهر في وجوبه في كلّ جزءٍ منها - موثّق عمّار: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ وجب عليه الصَّلاة...

إلى أنْ قال عليه السلام: وكذلك إنْ وجب عليه الصَّلاة، من قيامٍ فنسي حتّى افتتح الصَّلاة وهو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، ويقوم فيقتتح الصَّلاة وهو قائم، ولايعتدّ بافتتاحه»(4).4.

ص: 46


1- المبسوط: ج 1/105.
2- الخلاف: ج 1/340.
3- حكى الإجماع عن إرشاد الجعفريّة السيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 3/322. السيّد الحكيم في المستمسك: ج 6/61.
4- التهذيب: ج 2/353 ح 54، وسائل الشيعة: ج 5/504 ح 7274.

ويستحبُّ رفع اليدين بها.

رَفعُ اليدين حال التكبيرة

(ويستحبُّ رفع اليدين بها) بلا خلافٍ .

وعن السيّد الرَّضي رحمه الله(1): وجوبه في جميع التكبيرات.

وعن الإسكافي(2): موافقته في خصوص تكبيرة الإحرام.

واستدلّ له:

1 - بصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا أقمتَ (3) الصَّلاة فكبّرت، فارفع يديك، ولا تجاوز بكفّيك اُذنيك، أي حيال خدّيك»(4).

2 - وصحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ اِنْحَرْ (5)، قال عليه السلام: هو رفع يديك حذاء وجهك»(6).

ونحوهما غيرهما(7).

وفيه: إنّه لابدّ من حمل هذه الأخبار على الاستحباب:

بقرينة ما في النصوص من التعليلات، الظاهرة في الاستحباب.

ص: 47


1- الإنتصار: ص 147.
2- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الذكرى: ج 3/374 (ط. ج).
3- في المصدر: «إذا قمت في».
4- الكافي: ج 3/309 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2 (7268).
5- سورة الكوثر: الآية 2.
6- التهذيب: ج 2/66 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 4 (7253).
7- لاحظ وسائل الشيعة: ج 6/26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9.

وصحيح علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام:

«على الإمام أنْ يرفع يده في الصَّلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصَّلاة»(1) فإنّ عدم وجوبه على غير الإمام، يستلزم عدم وجوبه على الإمام أيضاً، لعدم القول بالفصل بينهما.

ودعوى: احتمال إرادة الرفع حال القنوت من الرفع فيه.

مندفعة: بأنّ الظاهر منه إرادة الرفع فيما من شأنه أن يُرفع به اليد، وأظهر مصاديقه التكبيرة.

وليكن الرفع إلى حيال الوجه، كما نُسب إلى الأشهر(2)، ويشهد له صحيح زرارة، وصحيح ابن سنان المتقدّمان.

أو إلى أسفل منه، ويشهد له صحيح معاوية: «رأيتُ أبا عبد اللّه عليه السلام حين افتتح الصَّلاة، يرفع يديه أسفل من وجهه قليلاً أو إلى النحر»(3).

ويشهد له: المرسل عن الإمام عليّ عليه السلام: «في قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ اِنْحَرْ (4)أنّ معناه ارفع يديك إلى النحر في الصَّلاة»(5).).

ص: 48


1- مسائل علي بن جعفر: ص 257 ح 619، التهذيب: ج 2/287 ح 9، وسائل الشيعة: ج 6/27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7 (7256).
2- نسبه إلى المشهور المحقّق السبزواري في الذخيرة: ج 2/267، والميرزا القمّي في غنائم الأيّام: ج 2/466.
3- التهذيب: ج 2/65 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2 (7251).
4- سورة الكوثر: الآية 2.
5- مجمع البيان: ج 9/550، وسائل الشيعة: ج 6/30 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 15 (7264).

إلى شَحمتي الأُذنين.

أو (إلى شَحمتي الاُذنين).

وعن «المعتبر»(1) الاستدلال له برواية أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا افتتحت الصَّلاة فكبّرتَ فلا تجاوز اُذنيك»(2) فتأمّل.

ويعتبر عدم تجاوز الرفع عن الاُذنين، للنهي عنه في صحيح زرارة المتقدّم.

وكيفيّة الرفع: أن يبتدأ بالتكبير بابتداء الرفع، وينتهي بانتهائه كما هو المشهور، لقوله عليه السلام في رواية «العلل»: «إنّما يرفع اليدان بالتكبير»(3). ولا يبعُد استفادته من سائر النصوص المتضمّنة للأمر بالرفع (في التكبير) أو (عند كلّ تكبيرة) أو (إذا كبّرت)، حيث أنّ الظاهر منها اعتبار المقارنة العرفيّة، وهي إنّما تتحقّق بالكيفيّة المذكورة.

وأمّا ما عن بعض:(4) من تعيّن كون التكبيرة بعد الرفع قبل الإرسال، مستنداً إلى صحيح الحلبي: «إذا افتتحتَ الصَّلاة فارفع كفّيك ثمّ ابسطهما بسطاً ثمّ كبّر»(5)بدعوى أنّ (ثمّ ) تدلّ على التراخي.

فضعيفٌ : إذ الظاهر أنّه لم يرد من (ثمّ ) و (ف) في هذه النصوص الترتيب، وإلّا لزم التنافي بين الصحيح وصحيح زرارة المتقدّم، حيث رتّب رفع اليدين فيه).

ص: 49


1- المعتبر: ج 2/157.
2- التهذيب: ج 2/65 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/27 أبواب تكيبرة الإحرام ب 9 ح 5 (7254).
3- علل الشرائع: ج 1/264، وسائل الشيعة: ج 6/29 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11 (7260).
4- حكاه الشهيدالأوّل في الذكرى (ط. ج): ج 3/381، والمحدِّث البحراني قدس سره في الحدائق عن أبي الفتح الكراجكي.
5- الكافي: ج 3/310 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1 (7247).

على التكبير.

تنبيه: لا ريب في استحباب أن يُضيف إلى تكبيرة الإحرام ستّة تكبيرات اُخرى ليكون المجموع سبعاً.

أقول: وسيأتي الكلام فيه، وفي أنّه لو أتى بالسَّبع، يتخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء، أو يحرم بالجميع، أو يتعيّن اختيار الأُولى، أو اختيار الأخيرة في بحث (ما يستحبّ في الصَّلاة) عند ذكر المصنّف رحمه الله، وتعرّضه لهذه المسألة، فانتظر.

***

ص: 50

الثالث: القيام
اشارة

الثالث: القيام وهو ركنٌ مع القدرة.

في القيام

(الثالث) من أفعال الصَّلاة الواجبة هو: (القيام).

وتشهد له: - فضلاً عن الإجماع - جملة من النصوص:

منها: مصحّح أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في قول اللّه عزّ وجلّ : اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً (1)؟ قال عليه السلام: الصحيح يُصلّي قائماً، والمريض جالساً»(2).

ومنها: صحيح زرارة، قال: «قال أبوجعفر عليه السلام: وقم منتصباً، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: من لم يقم صُلبه فلا صلاة له»(3). ونحوهما غيرهما(4).

(وهو ركنٌ مع القدرة) في الجملة، فمن تركه عمداً أو سهواً بطلت صلاته، والمصنّف رحمه الله تبعاً لجماعة من الأساطين(5) أطلق أنّ القيام ركنٌ .

وعنه قدس سره في بعض كتبه(6)، التصريح بأنّه ركنٌ مطلقاً.

واستدلّ له: بالإجماع، وبإطلاق ما دلَّ على وجوبه.

أقول: وفيهما نظر:

ص: 51


1- سورة آل عمران: الآية 191.
2- الكافي: ج 3/411 ح 11، وسائل الشيعة: ج 5/481 أبواب القيام ب 1 ح 1 (7113).
3- الفقيه: ج 1/278 ح 856، وسائل الشيعة: ج 5/488 أبواب القيام ب 2 ح 1 (7135).
4- لاحظ ما روي في وسائل الشيعة: ج 5/481 ب 1 من أبواب القيام.
5- منهم المحقّق في المعتبر: ج 2/158، والمختصر النافع ص 30، والفاضل الآبي في كشف الرموز: ج 1/150، وابن فهد الحِلّي في المهذّب البارع: ج 1/354.
6- تذكرة الفقهاء: ج 3/91، وإرشاد الأذهان: ج 1/252، وتحرير الأحكام: ج 1/234.

أمّا الأوّل: فلأنّه لا خلاف في صحّة صلاة ناسي القراءة، مع أنّه يفوّت بعض القيام.

وأمّا الثاني: فلحكومة حديث (لا تُعاد)(1) عليه، وبه يقيّد بصورة العمد.

فالأولى أنْ يُقال: إنّ القيام حال التكبير ركن، وكذلك القيام المتّصل بالركوع، والقيام حال القراءة، وبعد الركوع واجبٌ ليس بركن.

أمّا الأوّل: فلما تقدّم في بحث التكبير(2).

وأمّا الثاني: فلإتّفاق الأصحاب على أنّ الركوع عن جلوس سهواً موجبٌ للبطلان، والنزاع في أنّ وجه البطلان فقد القيام المتّصل بالركوع، أو عدم الإتيان بالركوع عن قيام، لا تترتّب عليه ثمرة فقهيّة.

وأمّا الثالث: فلأنّ الإخلال به سهواً بتبع ترك القراءة أو مع الإتيان بها، لا يوجب البطلان، لحديث (لا تُعاد).

وأمّا وجوبه، فلإطلاق ما دلَّ على وجوب القيام في الصَّلاة(3)، ومنه يظهر وجه كون القيام بعد الركوع غير ركن.

ثمّ إنّه هل تكون زيادة القيام سهواً كنقيصته موجبة للبطلان في الجملة أم لا؟ وجهان:

أقواهما العدم، إذ زيادة القيام حال التكبير بتبع زيادته، قد عرفت إنّها لا توجب البطلان، ومستقلّاً لا تُعقل، وكذلك في حال القراءة على ما سيأتي في مبحث القراءة(4).1.

ص: 52


1- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).
2- راجع بحث التكبير من هذا المجلّد.
3- تقدّم طرف منها آنفاً.
4- فقه الصادق: ج 7/81.

وأمّا القيام المتّصل بالركوع: فقد استدلّ (1) على مبطليّة زيادته السهويّة:

1 - بالإجماع على أنّه ركن.

2 - وبعموم ما دلَّ على أنّ من زاد في صلاته فعليه الإعادة(2).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الإجماع على ركنيّته، فقد عرفت أنّه لا يدلّ على مبطليّة زيادته أيضاً، لعدم ثبوت كون معنى الرّكن ما يوجب زيادته عمداً وسهواً كنقيصته البطلان.

وأمّا العموم، فلحكومة حديث (لا تُعاد)(3) عليه، بناءً على شموله للزيادة.

فالأقوى عدم مبطليّة زيادته سهواً.

ما يعتبرُ في القيام
اشارة

أقول: ثمّ إنّه يعتبر في القيام اُمور:

إقامة الصُّلب

الأمر الأوّل: إقامة الصُّلب، ويعبّر عنها بالإنتصاب.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة: «وقم منتصباً فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال مَنْ لم يُقِم صُلبه فلا صلاة له»(4).

ونحوه صحيح أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام(5):

ص: 53


1- كما في كشف اللّثام: ج 3/397، ورياض المسائل: ج 3/368.
2- الكافي: ج 3/355 ح 5، وسائل الشيعة: ج 8/231 ح 10509، قوله عليه السلام: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة).
3- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).
4- الفقيه: ج 1/302 ح 916، وسائل الشيعة: ج 5/488 أبواب القيام ب 2 ح 1 (7135).
5- وسائل الشيعة: ج 5/489 أبواب القيام ب 2 ح 2 (7136).

والصُّلب هو العظم الذي يكون من الكاهل إلى آخر الذَنَب، وإقامته مستلزمة للانتصاب.

وعليه، فلا يخلّ بالإنتصاب إطراق الرأس، فلا يجبُ ترك ذلك، كما هو المشهور.

وأمّا مرسل حريز، عن أبي جعفر عليه السلام، قلت له: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ اِنْحَرْ ؟ قال عليه السلام: النحر الاعتدال في القيام، أن يُقيم صُلبه»(1).

فلو سُلّم كون المراد من (النحر) فيه العنق، فإنّه لضعفه في نفسه، وإعراض الأصحاب عنه، يتعيّن طرحه، مع أنّه قد فُسّر (النحر) بأعلى الصدر في اللّغة(2).

الإستقرار

الأمر الثاني: الإستقرار، بأنْ يكون واقفاً ساكناً بلا حراكٍ ، وهذا ممّا لا خلاف فيه، وعن جماعةٍ (3) دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ على اعتبار الوقوف: - مضافاً إلى الإجماع، وما قيل(4) من دخوله في مفهوم القيام - خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّه قال في الرّجل يُصلّي في موضعٍ ثمّ يريد أن يتقدّم ؟ قال عليه السلام: يكفّ عن القراءة في مشيه»(5).

وخبر سليمان بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصَّلاة»(6).

ص: 54


1- الكافي: ج 3/336 ح 9، وسائل الشيعة: ج 5/489 أبواب القيام ب 2 ح 3 (7137).
2- مجمع البحرين للطريحي: ج 4/281.
3- كما عن فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: ج 1/79، والبهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط) ص 97، وصاحب الجواهر: ج 9/260.
4- كما عن مفاتيح الشرائع: ج 1/121، ورياض المسائل: ج 3/369.
5- الكافي: ج 3/316 ح 24، وسائل الشيعة: ج 5/190 أبواب مكان المُصلّي ب 44 ح 3 (6302).
6- الكافي: ج 3/306 ح 21، وسائل الشيعة: ج 5/404 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 12 (6933).

وإرادة الاستحباب منه في الإقامة لدليلٍ آخر، لا تدلّ على عدم لزومه في الصَّلاة، مع أنّه قد عرفت لزومه فيها أيضاً.

ويدلّ على الثاني: - مضافاً إلى الإجماع، ودخوله في مفهوم القيام - خبر هارون ابن حمزة الغنوي، الذي رواه المشايخ الثلاثة:

«أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصَّلاة في السفينة ؟ فقال عليه السلام: إنْ كانت محمّلة ثقيلة، إذا قمتَ فيها لم تتحرّك فصلِّ قائماً، وإنْ كان خفيفة تَكَفَّأ فصلِّ قاعداً»(1).

لظهوره في تقديم الصَّلاة جالساً مستقرّاً على الصَّلاة قائماً متحرِّكاً، ولولا وجوبه لم يكن وجه لذلك.

ودعوى: أنّ الظاهر منه ترجيح الصَّلاة جالساً بلا انكفاء، على الصَّلاة قائماً مع الانكفاء، فيكون أجنبيّاً عمّا نحن فيه.

مندفعة: بأنّه لو سَلّمنا كون المراد من الانكفاء كونها توجب انقلاب من قام فيها، فلا وجه لحمله على التحرّك، إلّاأنّ مفهوم الجملة الاُولى يدلّ على عدم وجوب الصَّلاة قائماً في صورة التحرّك.

وحَمْل قوله عليه السلام: (لم تَتَحرّك) على أنّها لا تكفأ لا شاهد له، فتأمّل، هذا فضلاً عن أنّ حمل (تكفأ) على التحرّك بقرينة الشرطيّة الأُولى غير بعيد.

الإستقلال على المشهور

الأمر الثالث: الإستقلال على المشهور، واستدلّ له(2):

1 - بدخوله في مفهوم القيام.

2 - وبانصراف ما دلَّ على اعتبار القيام إليه.

ص: 55


1- الكافي: ج 3/442 ح 4، وسائل الشيعة: ج 5/504 أبواب القيام ب 14 ح 2 (7176).
2- استدلّ له فخر المحقّقين في الإيضاح: ج 1/99، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/203، والبهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط) ص 97، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة: ج 2/189.

3 - وبجملةٍ من النصوص، كصحيح ابن سنان، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«لا تمسك بخَمَرِكَ وأنتَ تُصلّي، ولا تستند إلى جدارٍ، إلّاأنْ تكون مريضاً»(1).

والخَمَر: هو ما وراءك من شَجَرٍ أو بناءٍ أو غيرهما(2)، ونحوه غيره.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلمنعه.

وأمّا الثاني: فلأنّ مثل هذا الانصراف لا يوجب تقييد الإطلاق، كما حُقّق في محلّه، مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً.

وأمّا الثالث: فلمعارضة هذه النصوص مع جملةٍ من النصوص الاُخر:

منها: صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: «أنّه سأله عن الرّجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يُصلّي، أو يضع يده وهو قائمٌ من غير مرضٍ ولا علّةٍ؟ فقال عليه السلام: لا بأس»(3).

ومنها: موثّق ابن بكير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن الرّجل يُصلّي متوكئاً على عصاءٍ أو على حائط؟ قال عليه السلام: لا بأس»(4).

ونحوهما غيرهما.

وحمل هذه النصوص على الاستناد غير التامّ الذي لا يوجب خروج قيامه عن الاستقلال، والنصوص الأول على صورة الاعتماد، جمعٌ تبرّعيٌ لا شاهد له، بل الجمع العرفي يقتضي حمل الأوّل على الكراهة.).

ص: 56


1- التهذيب: ج 3/176 ح 7، وسائل الشيعة: ج 5/500 أبواب القيام ب 10 ح 2 (7165).
2- لسان العرب مادّة (خمر): ج 4/256.
3- الفقيه: ج 1/364 ح 1045، وسائل الشيعة: ج 5/499 أبواب القيام ب 10 ح 1 (7164).
4- التهذيب: ج 2/327 ح 197، وسائل الشيعة: ج 5/500 أبواب القيام ب 10 ح 4 (7167).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ إعراض الأصحاب عن نصوص الجواز، يسقطها عن الحُجيّة، فتأمّل.

فما عن أبي الصّلاح(1) وجماعةٍ من المتأخّرين(2) من جواز الاعتماد على كراهةٍ ، غير موافقٍ للإحتياط.

عدم التفريج الفاحش بين الرِّجلين

الأمر الرابع: عدم التفريج الفاحش بين الرِّجلين.

وهذا في الجملة ممّا لا شبهة فيه ولا خلاف، إنّما الكلام في تحديد ذلك وقد حدّده جماعة(3) بمايوجب الخروج عن صدق القيام، والوجه في اعتباره حينئذٍ ما دلَّ على وجوب القيام(4).

وعن غير واحدٍ(5) التحديد بالشِّبر، لصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا قمتَ في الصَّلاة فلا تُلصق قَدَمك بالاُخرى ، دَع بينهما فصلاً إصبعاً أقلّ ذلك، إلى شبر أكثره»(6).

ولكن لأجل اتّفاق الأصحاب على استحباب عدم التفريج بهذا الحَدّ، يتعيّن حمله على الاستحباب، لو كان ظاهراً في الوجوب.

ص: 57


1- الكافي في الفقه ص 125.
2- قوّاه السيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 3/328، والمحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/62، والنراقي في مستند الشيعة: ج 5/41.
3- منهم الشهيد في الدروس: ج 1/169، والفاضل الشهيد الإصبهاني في كشف اللّثام: ج 3/398، والجواهري في الجواهر: ج 9/250، والسيّد اليزدي في العروة الوثقى (ط. ج): ج 2/477، والميرزا النائيني في كتاب الصَّلاة: ج 2/67.
4- تقدّم ما يدلّ عليه في أوّل مبحث القيام، ص 51.
5- كالصدوق في المقنع: ص 76، والمفيد في المقنعة: ص 104، والمحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/65.
6- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/511 أبواب القيام ب 17 ح 2 (7195).
القيام على رجلين

الأمر الخامس: القيام على رجلين كما عن جماعةٍ (1) التصريح به.

واستدلّ له:

1 - بانصراف نصوص القيام إليه.

2 - وبأنّه المعهود من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله، ويجب التأسّي به، لقوله صلى الله عليه و آله: «صَلّوا كما رأيتموني اُصلّي»(2).

3 - وبما عن «قرب الإسناد» عن ابن بُكير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعدما عظم وثقل كان يُصلّي وهو قائم، ورفع إحدى رجليه حتّى أنزل اللّه تعالى: طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى (3) فوضعها»(4).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الإنصراف فممنوع.

ودليل التأسّي مجملٌ ، إذ لا ريب في عدم وجوب التأسّي في جمع الخصوصيّات المحدّدة لصلاته صلى الله عليه و آله.

والخبر إنّما يدلّ على عدم اللّزوم، لا عدم المشروعيّة.

فإذاً المعتمد إطلاق نصوص القيام.

وممّا ذكرناه ظهر أنّه لا يجب الوقوف على القدمين، بل يجوز على الأصابع، إذ لا مدرك له سوى الانصراف وأنّه المعهود، وخبر أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام:

ص: 58


1- كالشهيد الأوّل في الذكرى : ص 181 (ط. ق)، والثاني في الروض: ص 250، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/202، والسيّد العاملي في المدارك: ج 3/328، والسبزواري في ذخيرة المعاد ص 261، والمحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 8/64، وصاحب الجواهر: ج 9/251.
2- البخاري: ج 1/162، سنن الدارقطني: ج 1/272، سنن البيهقي: ج 2/345.
3- سورة طه: الآية 1 و 2.
4- قرب الإسناد: ص 79، وسائل الشيعة: ج 5/491 أبواب القيام ب 3 ح 4 (7141).

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقوم على أطراف رجليه، فأنزل اللّه سبحانه: طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى (1)». وقد تقدّم ما في الجميع(2).

نعم، لا يجوز الوقوف على الأصابع إذا كان مستلزماً لترك الإستقرار، لما ثبت من وجوب الاستقرار.

وأمّا تسوية الرِّجلين في الاعتماد، فلا ينبغي الشكّ في عدم وجوبها، إذ لا مدرك له سوى بعض ما مرّ، فما عن جماعةٍ - كالشهيد رحمه الله(3) وصاحب «المدارك»(4)وغيرهما(5) - من وجوب الاعتماد عليهما، غير تامّ .

***8.

ص: 59


1- سورة طه: الآية 1 و 2.
2- الكافي: ج 2/95 ح 6، وسائل الشيعة: ج 5/490 أبواب القيام ب 3 ح 2 (7139).
3- الذكرى : ص 181 (ط. ق).
4- مدارك الأحكام: ج 3/328.
5- كالكركي في جامع المقاصد: ج 2/202، والشهيد الثاني في الروض ص 250، والفاضل الإصبهاني في كشف اللّثام: ج 3/398.
تنبيهات:
نسيان الإنتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار

تنبيهات:

التنبيه الأوّل: إذا ترك الانتصاب، أو الاستقرار، أو الاستقلال ناسياً، صحّت صلاته، من غير فرقٍ بين كون ذلك في القيام الرّكني وغيره، لحديث (لا تُعاد الصَّلاة)(1).

واستدلّ للبطلان(2) في القيام الركني؛ بأنّ كلّ واحدٍ من هذه الاُمور شرط في القيام، فإذا انتفى انتفى القيام، فإذا كان القيام ركناً بطلت الصَّلاة لفواته.

وفيه: إنّه كما يمكن أن تكون هذه الاُمور شروطاً للقيام، كذلك يمكن أن تكون شروطاً للصَّلاة، وعليه فلا موجب لتقييد نصوص القيام.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ تقيّد الصَّلاة بها، ولو لأجل كونها معتبرة في القيام معلومٌ ، وتقيّد القيام بها مشكوكٌ فيه، فالمرجع إلى إطلاق أدلّته، بل لا يبعد دعوى ظهور أدلّتها في اعتبارها في الصَّلاة، فلاحظ.

وعلى ما ذكرناه فانتفائها أو انتفاء واحدٍ منها، لا يوجب انتفاء القيام.

وأمّا ما أجاب به بعض المحقّقين(3): من أنّ موضوع الركنيّة إنّما هو ذات القيام، لا القيام المشروط، فلا يتمّ ما ذكر.

فغير تامّ : إذ لو كان كلّ واحدٍ من هذه الاُمور شرطاً للقيام، فلا محالة يكون المأمور به هو المشروط، لا ذات القيام، لتقيّد إطلاق نصوصه حينئذٍ بما دلَّ عليه.

ص: 60


1- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).
2- صاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/249.
3- هو السيّد الحكيم قدس سره في الستمسك: ج 6/108.

وعليه، فيتعيّن أنْ يكون الرّكن أيضاً هو المشروط، إذ غيره لا يكون من أجزاء الصَّلاة، فكيف يكون من أركانها؟ فالصحيح ما ذكرناه.

وقد استدلّ بعضهم(1) للبطلان: بدخول هذه الاُمور في مفهوم القيام، فمع انتفاء أحدها ينتفي القيام، فإذا كان ذلك في القيام الركني، فلا محالة تبطل الصَّلاة.

وفيه: ما عرفت من ضعف المبنى.

***7.

ص: 61


1- كما تقدّم عن الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 181 (ط. ق)، والشيخ الأنصاري في كتاب الصَّلاة: ج 1/227.

ولو عَجَز اعتَمد.

دوران الأمر بين القيام الاضطراري والجلوس

التنبيه الثاني: لو دار الأمر بين القيام الاضطراري والجلوس:

فهل يقدَّم الأوّل بأقسامه من كونه مع الاعتماد أو مع الانحناء أو مع التفريج الفاحش بين الرِّجلين، أو مع عدم الاستقرار؟

أو يُقدَّم الثاني مطلقاً؟

أو يفصّل بين القسمين الأوّلين، فالقيام يقدّم، وبين الأخيرين فالجلوس ؟ وجوه:

أقواها الأخير، (و) ذلك لأنّ المستفاد من صحيح ابن سنان المتقدّم في وجوب الاستقلال، أنّه (لو عجز) عن القيام مع الاستقلال (اعتَمد) على ما يتمكّن معه من القيام.

ودعوى: أنّه إنّما يدلّ على جواز القيام، ولا يدلّ على وجوبه.

مندفعة: بالإجماع على التلازم بين جوازه ووجوبه.

وكذلك يستفاد من صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام، يُصلّي فيها وهو جالسٌ يؤمي أو يسجد؟

قال عليه السلام: يقوم وإنْ حنى ظهره»(1).

ص: 62


1- التهذيب: ج 3/298 ح 14، وسائل الشيعة: ج 5/505 أبواب القيام ب 14 ح 5 (7179).

وأمّا القيام مع التفريج الفاحش بين الرِّجلين: فقد استدلّ (1) على تقديمه على الجلوس:

1 - بعدم معرفة الخلاف في تقديمه عليه.

2 - وبأنّه ميسورُ القيام، فيكون مقدّماً على الجلوس.

3 - وباستفادته من صحيح ابن يقطين المتقدّم(2).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلما مرَّ مراراً من عدم حجيّة قاعدة الميسور(3)، مضافاً إلى أنّه لم يدلّ دليلٌ عليتقديم ميسور القيام على الجلوس الواجب، على من لم يقدر على القيام.

وأمّا الثالث: فللفرق بين القيام مع الانحناء، والقيام مع التفريج الفاحش بين الرِّجلين، والصحيح إنّما يدلّ على تقديم الأوّل على الجلوس لا الثاني.

نعم، إطلاقه يشمل تقديمه مع انحناء الظهر بما يُخرجه عن صدق القيام، ومن هنا توهّم استفادة تقدّم الثاني على الجلوس، ولكنّه توهّمٌضعيفٌ ، للفرق بينهما، فتأمّل.

وأمّا القيام الفاقد للإستقرار: فالظاهر تقدّم الجلوس عليه، لخبر هارون المتقدّم(4) في وجوب الاستقرار.

واستدلّ لتقدّم القيام مع عدم الاستقرار على الجلوس:

1 - بعدم معرفة الخلاف في تقديمه.).

ص: 63


1- صاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/250.
2- التهذيب: ج 3/298 ح 14، وسائل الشيعة: ج 5/505 أبواب القيام ب 14 ح 5 (7179).
3- تقدّم الحديث عن القاعدة في زبدة الاُصول، ج 5/125-129.
4- الكافي: ج 3/442 ح 4، وسائل الشيعة: ج 5/504 أبواب القيام ب 14 ح 2 (7176).

2 - وبأنّه ميسور القيام.

3 - وباستفادته من صحيح ابن يقطين.

وفي الجميع ما عرفت، مضافاً إلى أنّه مع دلالة الخبر على تقديم الجلوس عليه، لا يبقى موردٌ لهذه الأدلّة.

ودعوى: اختصاص الخبر بما إذا كان القيام حَرَجيّاً، لاضطراب السفينة، فلا يدلّ على وجوب القعود بمجرّد عدم التمكّن من حفظ السكون، حتّى يلحق المورد الثاني به بالأولويّة.

مندفعة: بأنّ إطلاق مفهوم صدره، يدلّ على تقديم الجلوس على القيام مع عدم الاستقرار بجميع مراتبه، فلا وجه لدعوى الاختصاص بما إذا كان القيام حَرَجيّاً، ومورده وإنْ كان القيام مع عدم السكون، إلّاأنّه يثبت الحكم في القيام ماشياً بالأولويّة.

فما عن المفيد(1) وجماعة من الأكابر(2) من تقديم الصَّلاة ماشياً على الصَّلاة قاعداً، ضعيفٌ ، واستشهد لهم بخبر سليمان بن حفص المروزي، قال:

«قال الفقيه عليه السلام: المريض إنّما يُصلّي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أنْ يفرغ قائماً»(3).

وفيه: أنّ ظاهره تحديد العجز الموجب لجواز الجلوس، ولكن لا تعبّداً، بل لأنّ الظاهر التلازم بين القدرة على المشي بمقدار صلاته، والقدرة على الصَّلاة واقفاً، ولو).

ص: 64


1- المقنعة: ص 215.
2- كالعلّامة في التذكرة: ج 3/92، والشهيد الثاني في المسالك: ج 1/29، والسيّد الخوئي في مستند العروة الوثقى: ج 3/264.
3- التهذيب: ج 3/178 ح 15، وسائل الشيعة: ج 5/495 أبواب القيام 6 ح 4 (7154).

معتمداً على عصاء أو حائط ونحوه.

فلا يرد عليه ما أورده بعض الأعاظم(1) من معارضة الخبر حينئذٍ مع الأخبار الصحيحة المتضمّنة لنفي تحديد العجز، وإيكال معرفته إلى نفس المُصلّي.

مع أنّه لو سُلّم التعارض، فلا يوجب حمل الخبر على إرادة ترجيح الصَّلاة ماشياً على الصَّلاة قاعداً، مع عدم القرينة على إرادته منه، لا سيّما مع تطرّق احتمالات اُخر فيه.

وبالجملة: فالأقوى تقديم الصَّلاة قاعداً على الصَّلاة ماشياً.

دوران الأمر بين الاُمور المعتبرة في الصَّلاة

التنبيه الثالث: لو دار الأمر بين ترك أحد الأمرين المعتبرين في القيام، كما لو لم يتمكّن من الجمع بين الانتصاب والاستقلال:

فعن جماعةٍ من الأكابر:(2) أنّ اللّازم الأخذ بما هو أهمّ أو محتمل الأهميّة، وإلّا فالتخيير.

أقول: ذلك يبتني على ما بنوا عليه، من كون موارد التنافي بين الحكمين الضمنيّين، من موارد التزاحم، ولكن قد عرفت في مبحث القبلة(3) ضعف المبنى، وإنّها إنّما تكون من موارد التعارض، وذكرنا في محلّه أنّ مركز التنافي إنّما هو إطلاق دليل كلّ من المعتبرين في المركّب، وإنّه لو كان بينهما عمومٌ من وجه سقط الإطلاقان، والمرجع إلى الأصل.

ص: 65


1- السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 6/135.
2- حكاه السيّد قدس سره في مستمسك العروة الوثقى وردّه، ولم يتعرّض فيه الى التخيّر، راجع المستمسك: ج 6/134.
3- فقه الصادق: ج 6/155.

ففي الفرض يقع التعارض بين إطلاق دليل الانتصاب، وإطلاق دليل الاستقلال، فيتساقطان(1) والمرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب كلٍّ منهما بالخصوص، بناءً على ما هو الحقّ من جريانها عند دوران الأمر بين التعيّين والتخيّير، فيثبت التخيّير.

وممّا ذكرناه في ذلك المبحث، وأشرنا إليه في المقام، يظهر أنّ الحكم في عدّة من المسائل المعنونة في المقام في كلمات الأصحاب، هو التخيير:

منها: ما إذا دار الأمر بين مراعاة القيام، أو أحد الاُمور الاُخر المعتبرة في الصَّلاة، كالاستقبال، فما ذُكر في وجه وجوب مراعاة الثاني من أهميّة الاستقبال من القيام - كما يشير إليه حديث (لا تُعاد الصَّلاة)(2) حيث استثنى فيه فَقد الاستقبال، ولم يستثنى فيه فَقْد القيام، مثل ما قيل في الإشكال عليه - أجنبيٌ عن المقام.

ومنها: ما إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع:

فما أفتى به جماعةٌ من المحقّقين، منهم المحقّق النائيني رحمه الله(3) والاُستاذ(4) من وجوب القيام إلى أنْ يتجدّد العجز، في غير محلّه، لابتنائه على كون المورد من موارد التزاحم، وحيثُ أنّ من مرجّحات باب التزاحم، سبق الوجود، فلابدَّ من القيام في الركعة الأُولى ، ثمّ في الثانية، فهكذا إلى أن يتحقّق العجز.

ولكنّك قد عرفت ضعف المبنى.4.

ص: 66


1- قد مرَّ أن رأى المصنّف دام ظله هو أنّ المرجع إلى أخبار الترجيح والتخيير، وحيث لا مرجع لشيءٍ منهمافيحكم بالتخيير.
2- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).
3- كما قد يظهر منه في كتاب الصَّلاة للنائيني تقريرات الكاظمي: ج 2/70.
4- كتاب الصَّلاة من مستند العروة الوثقى: ج 3/262، منهاج الصالحين للسيد الخوئى: ج 1/161، مسألة 594.

وأضعف منه: ما ذكره بعض المحقّقين(1) في وجه لزوم تقديم الأوّل، وهو أنّه لقدرته على القيام في الركعة الأُولى ، يجبُ عليه للعمومات، فإذا طرأ العجز يعمل عمل العاجز.

إذ يرد عليه: إنّ وجوب جميع الأجزاء في ضمن وجوب الكُلّ ، إنّما يتحقّق قبل الشروع، فقبل الشروع يقع التعارض:

بين ما دلَّ على لزوم القيام في الركعة الأُولى، الشامل لهذا الفرض بإطلاقه، إذ المستفاد من النصوص اعتبار القيام في كلّ ركعة، بل في كلّ جزءٍ منها، عدا ما استثنى، مع قطع النظر عن سائر الركعات والأجزاء.

وبين ما دلَّ على اعتباره في الركعة المترتّبة عليها، الشامل بإطلاقه لهذا المورد أيضاً.

فيتساقطان والمرجع هو الأصل.

لكن كما عرفت يقتضي الأمر في المقام التخيير.

ومنها: ما إذا دار الأمر بين القيام في أوّل الركعة أو آخرها.

نعم، لو دار الأمر بين مراعاة القيام المتّصل بالركوع، أو القيام في حال القراءة، لزم مراعاة الأوّل، لما تضمّن الأمر بقيام الجالس في آخر السّورة، فتأمّل.

وبالجملة: الحكم في جميع هذه الموارد هو التخيير، وما ذُكر في المقام من النقض والإبرام في كلّ مسألةٍ من هذه المسائل، أجنبيٌ عمّا هو محلّ البحث، فلا وجه لإطالة الكلام في ذكر ما قيل في كلّ مسألةٍ ، والإيراد عليه.

***9.

ص: 67


1- العلّامة في نهاية الإحكام: ج 1/439، والمحقّق النراقي في المستند: ج 1/329.

فإن تعذّر صَلّى قاعداً.

بدليّة الجلوس عن القيام

(فإنْ تعذّر) القيام، ولو في بعض الصَّلاة مطلقاً، حتّى الفاقد للاستقلال أو الانتصاب (صَلّى قاعداً) لا مضطجعاً، ولا مُستَلقياً بلا خلافٍ .

بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: مصحّح أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام: «في تفسير قوله تعالى : اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ (2)؟ قال عليه السلام: الصحيحُ يُصلّي قائماً وقعوداً، والمريض يُصلّي جالساً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ الذي يكون أضعف من المريض الذي يُصلّي جالساً»(3).

ومنها: صحيح حمّاد بن عيسى: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أهل العراق يسألون أبي عن الصَّلاة في السفينة ؟ فيقول: إن استطعتُم أن تخرجوا إلى الجدد فافعلوا، فإنْ لم تقدروا فصلّوا قياماً، فإنْ لم تقدروا فصلّوا قعوداً»(4).

ومنها: المرسل المرويّ عن «الفقيه»، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يُصلّي المريض قائماً، فإنْ لم يقدر على ذلك صَلّى جالساً».(5)

ص: 68


1- منهم المحقّق في المعتبر: ج 2/159، والعلّامة في التذكرة: ج 3/91، والفاضل الإصبهاني في كشف اللّثام: ج 400/3، وصاحب الجواهر فيها: ج 9/257، والشيخ الأنصاري في كتاب الصَّلاة ج 1/234.
2- سورة آل عمران: الآية 191.
3- الكافي: ج 3/411 ح 11، وسائل الشيعة: ج 5/481 أبواب القيام ب 1 ح 1 (7113).
4- قرب الإسناد: ص 11، وسائل الشيعة: ج 5/507 أبواب القيام ب 14 ح 12 (7186).
5- الفقيه: ج 1/361 ح 1033، وسائل الشيعة: ج 5/484 أبواب القيام ب 1 ح 13 (7125).

ومنها: صحيح الحلبي، في حديثٍ : «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصَّلاة في السفينة ؟ قال: إنْ أمكنه القيام فليصلِّ قائماً وإلّا فليقعد ثمّ يُصلّي»(1).

ونحوها غيرها.

أقول: ثمّ إنّ المراد ب (التعذّر عن القيام) المسوّغ للصَّلاة جالساً، عدم كونه ميسوراً له عرفاً، لا تعذّره عقلاً، فيجوز الجلوس في مقام معالجة الأمراض بلا خلاف. وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل أو المرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطبّاء فيقولون: نداويك شهراً أو أربعين يوماً مستلقياً، كذلك يُصلّي ؟ فرخّص في ذلك، وقال: فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (2)»(3).

ومنها: خبر الوليد بن صبيح، قال: «حممتُ بالمدينة يوماً في شهر رمضان، فبعث إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام بقصعةٍ فيها خلٌّ وزَيت، وقال عليه السلام: افطر وصَلِّ وأنتَ قاعد»(4). ونحوهما غيرهما.

وأمّا تشخيص التعذّر العرفي: فمعرفته موكولةٌ إلى نفس المكلّف، كما تشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح جميل: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام ما حَدّ المريض الذي يُصلّي قاعداً؟ فقال عليه السلام: إنّ الرّجل ليوعك ويحرج، ولكنّه أعلم بنفسه، إذا قوى فليقم»(5).

ومنها: موثّق زرارة: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن حَدّ المرض الذي يفطر فيه الصائم، ويدَع الصَّلاة من قيام ؟ فقال عليه السلام: بَلِ اَلْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، هو).

ص: 69


1- الفقيه: ج 1/456 ح 1320، وسائل الشيعة: ج 5/504 أبواب القيام ب 14 ح 1 (7175).
2- سورة البقرة: الآية 173.
3- الكافي: ج 3/410 ح 4، وسائل الشيعة: ج 5/496 أبواب القيام ب 7 ح 1 (7155).
4- الكافي: ج 4/118 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/482 أبواب القيام ب 1 ح 3 (7115).
5- الكافي: ج 3/410 ح 3، وسائل الشيعة: ج 5/495 أبواب القيام ب 6 ح 3 (7153).

أعلم بما يُطيقه»(1).

ونحوهما غيرهما.

وعن المفيد رحمه الله(2): تحديده بأنْ لا يتمكّن من المشي بقدر زمان صلاته، واستشهد له: بخبر سليمان بن حفص المروزي المتقدّم، في ترجيح الصَّلاة قاعداً على الصَّلاة ماشياً.

ولكن تقدّم أنّه لا يعارض هذه النصوص، فراجع(3).

تنبيه: الظاهر اعتبار الاُمور المعتبرة في القيام، من الانتصاب والاستقلال والاستقرار في الجلوس، لإطلاق أدلّتها، الشامل للجلوس، مثل:

قوله صلى الله عليه و آله: «من لم يُقم صُلبه فلا صلاة له»(4)، الدالّ على وجوب الانتصاب.

وقوله عليه السلام في صحيح ابن سنان: «لا تستند إلى جدارٍ»(5) وأنت تُصلّي، الدالّ على اعتبار الاستقلال.

وقوله عليه السلام: «وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصَّلاة»(6)، الدالّ على لزوم الاستقرار.

مضافاً إلى إطلاق معاقد الإجماعات على وجوبه.

فما عن صاحب «الجواهر»(7) من الإشكال في الحكم، لإختصاص القيام بالدليل دون الجلوس، في غير محلّه.4.

ص: 70


1- الفقيه: ج 2/132 ح 1941، وسائل الشيعة: ج 5/495 أبواب القيام ب 6 ح 2 (7152).
2- المقنعة: ص 215.
3- صفحة 65 فى هذا المجلّد.
4- الفقيه ج 1/302 ح 916، وسائل الشيعة: ج 5/488 أبواب القيام ب 2 ح 1 (7135).
5- التهذيب: ج 3/176 ح 7، وسائل الشيعة: ج 5/500 أبواب القيام ب 10 ح 2 (7165).
6- الكافي: ج 3/306 ح 21، وسائل الشيعة: ج 5/404 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 12 (6933).
7- جواهر الكلام: ج 9/264.

ولو عَجَز صَلّى مضطجعاً

صلاة المُضطَجع

(ولو عَجَز) عن القعود (صَلّى مضطجعاً) بلا خلافٍ فيه.

وعن «المعتبر»(1) و «المنتهى»(2) و «كشف اللّثام»(3): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: مصحّح أبي حمزة المتقدّم.

ومنها: مضمر سماعة: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ؟ قال عليه السلام:

فليصلِّ وهو مضطجع، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد»(4).

ومنها: خبر حمّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «المريض إذا لم يقدر أن يُصلّي قاعداً، يوجّه كما يوجّه الرّجل في لحده، وينام على جانبه الأيمن، ثمّ يؤمي بالصَّلاة، فإنْ لم يقدر على جانبه الأيمن، فكيف ما قدر، فإنّه جائز، ويستقبل بوجهه القبلة، ثمّ يؤمى بالصَّلاة إيماءً »(5).

ومنها: مرسل «الفقيه»: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: المريض يُصلّي قائماً، فإنْ لم يستطع صَلّى جالساً، فإنْ لم يستطع صَلّى على جنبه الأيمن، فإنْ لم يستطع صَلّى على جنبه الأيسر، فإنْ لم يستطع استلقى وأومأ إيماءً وجَعل وجهه نحو القبلة، وجَعل سجوده أخفض من ركوعه»(6).

ص: 71


1- المعتبر: ج 2/160.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/265.
3- كشف اللّثام: ج 3/402.
4- التهذيب: ج 3/306 ح 22، وسائل الشيعة: ج 5/482 أبواب القيام ب 1 ح 5 (7117).
5- رواه المحقّق قدس سره عن حمّاد في المعتبر: ج 2/161، والمستدرك: ج 4/166 أبواب القيام ح 4 (7272).
6- الفقيه: ج 1/362 ح 1037، وسائل الشيعة: ج 5/485 أبواب القيام ب 1 ح 14 (7127).

ونحوها غيرها(1).

وظاهر هذه النصوص تعيّن الصَّلاة مضطجعاً، وبها يقيّد إطلاق ما تضمّن أنّ المريض إذا لم يقدر على أن يُصلّي قاعداً، صَلّى كيف ما قدر.

وأمّا النصوص المتضمّنة أنّه يُصلّي مستلقياً كخبر محمّد بن إبراهيم، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«يُصلّي المريض قائماً... فإنْ لم يقدر على ذلك صَلّى قاعداً، فإنْ لم يقدر صَلّى مستلقياً»(2)، ونحوه غيره.

فإنْ أمكن تقييدها بالنصوص المتقدّمة، وإلّا فلابدَّ من طرحها، أو حملها على التقيّة، كما لا يخفى وجهه.

فرع: ثمّ إنّ القائلين بتعيّن الاضطجاع اختلفوا في أنّه:

هل هو مخيّرٌ بين الجانبين، وعند تعذّر الاضطجاع على الجانبين يستلقي ؟

أو أنّه يتعيّن الاضطجاع على الجانب الأيمن، وإذا عجز عنه اضطجع على الجانب الأيسر، وإذا عجز عنه استلقى ؟

أو أنّه إذا عجز عن الاضطجاع على الجانب الأيمن استلقى، وإنْ عجز عنه اضطجع على الجانب الأيسر؟

أو أنّه إذا عجز عنه تخيّر بين الاستلقاء والاضطجاع على الجانب الأيسر؟

وعن «الجمل»(3) و «الوسيلة»(4) و «الإرشاد»(5) وغيرها كظاهرالمتن هو الأوّل.2.

ص: 72


1- لاحظ وسائل الشيعة: ج 5/481 أبواب القيام ب 1.
2- الفقيه: ج 1/361 ح 1033، وسائل الشيعة: ج 5/484 أبواب القيام ب 1 ح 13 (7125).
3- جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى قدس سره): ج 3/49.
4- الوسيلة: ص 114.
5- إرشاد الأذهان: ج 1/252.

والمنسوب إلى المشهور(1) هو الثاني، وهو الأقوى ، لمرسل الفقيه المتقدّم.

ودعوى: ضعف سنده لإرساله مندفعة، بأنّ مرسلات «الفقيه» بحكم الصحاح، لشهادة الصدوق بصحّة ما فيه، مع أنّ عمل الأصحاب يوجب جبر ضعف سنده لو كان.

وبه يقيّد إطلاق:

ما دلَّ على التخيير بين الجانبين، كموثّق سماعة المتقدّم.

وإطلاق ما دلَّ على التخيير بين الاضطجاع على الجانب الأيسر والاستلقاء عند تعذّر الاضطجاع على الجانب الأيمن، كموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«المريض إذا لم يقدر أن يُصلّي قاعداً كيفَ قدر صَلّى، إمّا أنْ يوجّه فيؤمي إيماءً ، وقال عليه السلام يوجّه كما يوجّه الرّجل في لحده، وينام على جَنبه الأيمن ثمّ يؤمي بالصَّلاة إيماءً ، فإنْ لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيفَ ما قدر فإنّه له جائز، وليستقبل بوجهه جانب القبلة، ثمّ يؤمي بالصَّلاة إيماءً »(2).

وخبر حمّاد المتقدّم.

نعم، يعارضه المرسل المرويّ عن «دعائم الإسلام»، وفيه: «فإنْ لم يستطع أن يُصلّي على جنبه الأيمن، صَلّى مستلقياً»(3).

إلّا أنّه لضعف سنده لابدَّ من طرحه.

***).

ص: 73


1- نسبه للأعظم الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 3/402.
2- التهذيب: ج 3/175 ح 5، وسائل الشيعة: ج 5/483 أبواب القيام ب 1 ح 10 (7122).
3- دعائم الإسلام: ج 1/198، المستدرك: ج 4/116 أبواب القيام ب 1 ح 5 (4273).

بالإيماء.

الإيماء للرّكوع والسّجود
اشارة

ويجبُ الإتيان بالركوع والسّجود إنْ أمكن بلا خلافٍ ؛ لإطلاق أدلّتهما، وما في الأخبار من الأمر (بالإيماء) منزّلٌ على الغالب في موردها من عدم إمكانه، ومع عدم إمكانه يتعيّن للمضطجع أنْ يكون ركوعه وسجوده بالإيماء بلا خلافٍ .

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: ما تقدّم.

ومنها: خبر إبراهيم الكرخي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ شيخٌ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه، ولا يمكنه الركوع والسّجود؟

فقال عليه السلام: ليومِ برأسه إيماءً ، وإنْ كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإنْ لم يمكنه ذلك فليومِ برأسه»(1).

ومنها: صحيح الحلبي - أو حسنه - عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسّجود؟ قال عليه السلام: يؤمي برأسه إيماءً »(2).

ونحوهما غيرهما.

أقول: والمتبادر من الإيماء فيها، هو الإيماء بالرأس، كما صرّح به عليه السلام في صحيح الحلبي وخبر إبراهيم وغيرهما، فلا يشمل تغميض العينين.

ص: 74


1- الفقيه: ج 1/365 ح 1052، وسائل الشيعة: ج 5/484 أبواب القيام ب 1 ح 11 (7123).
2- الكافي: ج 3/410 ح 5، وسائل الشيعة: ج 5/481 أبواب القيام ب 1 ح 2 (7114).

وأمّا مرسل «الفقيه» عن الإمام الصادق عليه السلام: «يُصلّي المريض قائماً، فإنْ لم يقدر على ذلك صَلّى جالساً، فإنْ لم يقدر أن يُصلّي جالساً صَلّى مستلقياً، يكبِّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثمّ سبَّح، فإذا سبَّح فتح عينيه، فيكون فتحُ عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثمّ سبَّح، فإذا سبَّح فتح عينيه، فيكون فتحُ عينيه رفع رأسه من السّجود، ثمّ يتشهّد وينصرف»(1).

ونحوه في ذلك مرسل محمّد بن إبراهيم(2)، وخبر عبد السلام الوارد في الصَّلاة فوق الكعبة(3)، لكن بما أنّ موردهما المستلقي، لا يُعتمد عليهما في المضطجع.

ودعوى: عدم الفصل بينهما، لا دليل عليها.

وبذلك ظهر أنّ ما نُسب إلى المشهور(4) من أنّه مع تعذّر الإيماء بالرأس فبالعينين بتغميضهما، لم يدلّ عليه دليل.9.

ص: 75


1- الفقيه: ج 1/361 ح 1033، وسائل الشيعة: ج 5/484 أبواب القيام ب 1 ح 13 (7125).
2- تقدّم في المبحث السابق، الفقيه: ج 361/1 ح 1033، وسائل الشيعة: ج 5/484 أبواب القيام ب 1 ح 13 (7125).
3- الكافي: ج 3/392 ح 21، وسائل الشيعة: ج 4/340 أبواب القبلة ب 19 ح 2 (5339).
4- نسبه للمشهور المحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 8/79.

ولو عَجَز صَلّى مستلقياً مومياً.

وأمّا المُستَلقي: فعن المشهور تعيّن الإيماء عليه مع الإمكان، كما صرّح بذلك المصنّف بقوله: (ولو عجز صَلّى مستقلياً مومياً)، ومع عدمه فالتغميض.

وعن «القواعد»(1)، و «النهاية»(2)، و «المبسوط»(3)، و «الغُنية»(4)، و «السرائر»(5) وغيرها(6): انحصار البدل في المستلقي بالتغميض.

وقيل:(7) بالتخيير بينهما.

وتشهد للأوّل: النصوص الآمرة بالإيماء، كمرسل «الفقيه» عن النبيّ صلى الله عليه و آله المتقدّم في صدر المسألة.

ولا تعارضها نصوص التغميض؛ لأخصيّتها منها، لشمولها لصورتي إمكان الإيماء وعدمه، واختصاص نصوص الإيماء بصورة الإمكان، فتخصّص نصوص التغميض بها.

ودعوى: اختصاص نصوص التغميض أيضاً بصورة إمكانه، فتكون من هذه الجهة أخصّ من نصوص الإيماء، فيكون التعارض بالعموم من وجه.

مندفعة: بأنّ المستلقي إذا لم يمكنه تغميض العينين، فلا محالة لا يقدر على الإيماء3.

ص: 76


1- قواعد الأحكام: ج 1/268.
2- نهاية الإحكام: ج 1/441.
3- المبسوط: ج 1/100.
4- غنية النزوع: ص 91.
5- السرائر: ج 1/349.
6- كابن حمزة في الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ص 114، وابن سعيد في الجامع للشرائع: ص 79، وأبو المجد الحلبي في إشارة السبق: ص 94.
7- السيّد الحكيم في المستمسك: ج 6/123.

بالرأس، لأنّه في حَدّ ذاته يشقّ عليه صدور الإيماء منه، فإذا فُرض أنّه لمزيد الضعف لا يقدر على التغميض، فلا محالة لا يمكنه الإيماء بالرأس.

وعليه، فالجمع بين النصوص، بالحمل على التخيير غير صحيح.

ومثله القول بانحصار البدل بالتغميض، بدعوى الاقتصار في النصوص على ذكره، إذ قد عرفت تضمّن جملةٍ من النصوص للإيماء.

فتحصّل: أنّ الأقوى ما نُسب إلى المشهور(1) من تعيّن الإيماء عليه مع الإمكان، ومع تعذّره فالتغميض.

أقول: بقي الكلام في أمرين:
جعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه

الأمر الأوّل: نُسِب إلى الأصحاب(2) إنّه متى أومأ للركوع والسّجود، فليجعل إيماءَ سجوده أخفض منه لركوعه، ويشهد له:

1 - مرسل «الفقيه» عن النبيّ صلى الله عليه و آله المتقدّم.

2 - والعلوي المرويّ عن «الفقيه»: «دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رجلٍ من الأنصار، وقد شبكته الرِّيح، فقال: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كيف اُصلّي ؟

فقال صلى الله عليه و آله: إنْ استطعتم أن تُجلِسوه فاجلسوه، وإلّا فوجّهوه إلى القبلة، ومُروه فليؤمى إيماءً ، ويجعل السّجود أخفض من الركوع»(3).

3 - وخبر يعقوب بن شعيب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في الصَّلاة في السفر ماشياً؟ قال عليه السلام: أومي إيماءً واجعل السّجود أخفض من الركوع»(4).

ونحوها غيرها.

ص: 77


1- نسبه للمشهور السيّد الطباطبائي قدس سره في رياض المسائل: ج 3/376.
2- نسبه للأصحاب الشيخ صاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/269.
3- الفقيه: ج 1/362 ح 1038، وسائل الشيعة: ج 5/485 أبواب القيام ب 1 ح 16 (7128).
4- التهذيب: ج 3/229 ح 97، وسائل الشيعة: ج 4/335 أبواب القبلة ب 16 ح 3 (5321).

وعن جماعةٍ من الأصحاب كالمحقّق والشهيد الثانيين(1)، وسلاّر(2)وغيرهم(3): يجبُ زيادة غمض العين للسجود على غمضها للركوع في التغميض، واستدلّ له:

1 - بأنّ المراد من الإيماء في النصوص، ما يشمل التغميض، ومقتضى إطلاق الأمر بجعله للسجود أخفض، وجوبه فيه أيضاً.

2 - وبأنّه ليحصل الفرق بين الركوع والسّجود.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت آنفاً من أنّ الإيماء لا يعمّ التغميض، لا سيّما النصوص المتضمّنة للأخفضيّة، لعدم قابليّة الغمض للزيادة إلّافي المدّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ الفرق يحصل بالقصد أيضاً.

الواجبُ هو الإيماء المجرّد

الأمر الثاني: هل يجبُ لمن أومأ للسجود وضعُ شيءٍ ممّا يصحّ السّجود عليه على جبهته أم لا؟

أو يتخيّر بين الوضع والإيماء؟

وجوهٌ وأقوال، بل عن بعضٍ (4) تعيّن الوضع.

ص: 78


1- المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/210، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة: ج 1/587.
2- المراسم: ص 77.
3- كابن حمزة في الوسيلة: ص 114، وابن سعيد في الجامع للشرائع: ص 79.
4- مثل الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 142 و 181 (ط. ق)، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/209، والشهيد الثاني في الروضة: ج 1/587، والسيّد الطباطبائي في الرياض: ج 3/376.

واستدلّ له:

1 - بمرسل «الفقيه»: «سُئل عن المريض لا يستطيع الجلوس، أيُصلّي وهو مضطجعٌ ، ويضع على جبهته شيئاً إذا سجد؟

قال عليه السلام: نعم، لم يكلّف اللّه إلّاطاقته»(1).

2 - وموثّق سماعة: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ؟

قال عليه السلام: فليصلِّ وهو مضطجع، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد، فإنّه يُجزي عنه، ولن يكلّف اللّه ما لا طاقة له به»(2).

وفيه: إنّهما لا يدلّان على عدم لزوم الإيماء، فلا وجه مع الأمر به في النصوص القول بعدم وجوبه، بل قوله عليه السلام في الموثّق: (وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد)، ظاهرٌ في وجوب الإيماء أيضاً.

واستدلّ للقول الثالث: بأنّ نصوص الإيماء ظاهرةٌ في بدليّته مجرّداً عن الوضع تعييناً، والخبرين ظاهران في بدليّة الوضع تعييناً، فيجمع برفع اليد عن ظهورهما في التعيين، ويُحملان على التخيير:

1 - بشهادة صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «سُئل عن المريض كيف يسجد؟

فقال: على خُمرةٍ أو على مروحةٍ ، أو على مسواك يرفعه إليه، هو أفضل من الإيماء»(3).

2 - وخبر الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن المريض إذا لم يستطع).

ص: 79


1- الفقيه: ج 1/361 ح 1034، وسائل الشيعة: ج 5/485 أبواب القيام ب 1 ح 14 (7126).
2- التهذيب: ج 3/306 ح 22، وسائل الشيعة: ج 5/482 أبواب القيام ب 1 ح 5 (7117).
3- الفقيه: ج 1/362 ح 1039، وسائل الشيعة: ج 5/364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 (6802).

القيام والسّجود؟ قال عليه السلام: يُومي برأسه إيماءً ، وأنْ يضع جبهته على الأرض أحبَّ إليّ »(1).

وفيه: إنّ ظهور كلّ من الطائفتين في الوجوب التعييني لا يُنكر، إلّاأنّه لا منافاة بينهما كي يُرفع اليد عن ظهورهما في التعيين، وليس لهما مفهوم كي يدلّ كلّ منهما على عدم وجوب غير ما تضمّنه.

وخبر الحلبي إنّما يدلّ على أفضليّة وضع الجبهة على الأرض مع الإيماء عن الإيماء المجرّد، لا أفضليّة وضع الجبهة عليها عن الإيماء، فلاحظ.

وصحيح زرارة إنّما يدلّ على أفضليّة السّجود على الأرض، المتوقّف صدقه على الإيماء عن الإيماء المجرّد، لا أفضليّة وضع شيءٍ من الأرض على الجبهة عن الإيماء، فتدبّر.

ولظهور الخبرين على ما عرفت في استحباب وضع شيءٍ من ما يصحّ السّجود عليه، تُرفع اليد عمّا ظاهره وجوب ذلك، كموثّق سماعة المتقدّم، ويُحمل على الاستحباب.

وعليه، فما عن الشهيدين(2) والكَرَكي(3) والمقداد(4) من وجوب تقريب ما يصحّ السّجود عليه إلى جبهته لا دليل عليه.

ودعوى: أنّ ملاقاة الجبهة له واجبة، ولم يدلّ دليلٌ على سقوطها لتعذّر غيرها.

مندفعة: بأنّ الواجب وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه، لا وضعه عليها.5.

ص: 80


1- الكافي: ج 3/410 ح 5، وسائل الشيعة: ج 5/481 أبواب القيام ب 1 ح 2 (7114).
2- الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 142 و 181 (ط. ق)، والشهيد الثاني في الروضة: ج 1/587.
3- المحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/209.
4- حكاه عنه السيّد في مستمسك العروة الوثقى: ج 6/125.

ودعوى صاحب «المنتهى»(1): من قيام الإجماع على أنّه لو عَجز عن السّجود، رفع ما يسجد عليه، ولم يجز الإيماء إلّامع عدمهما، أو عدم التمكّن.

محمولٌ على ما إذا تمكّن من الانحناء الكثير، غير البالغ مقدار الواجب، وأمّا مورد الإيماء بالرأس فغير داخلٍ تحت معقد الإجماع، لوضوح الخلاف فيه.

فتحصّل: أنّ الأقوى كفاية الإيماء المجرّد.

وتؤيّد ما اخترناه: النصوص المتضمّنة للأمر بالإيماء، الواردة في الأبواب المتفرّقة من النافلة والفريضة، للماشي والراكب والعاري وغيرها، حيث لم ترد في هذه النصوص برغم كثرتها إشارةٌ إلى لزوم وضع شيءٍ على جبهته.

هل يجوز للعاجز البدار

مسألة: العاجز عن القيام:

تارةً : يعلم بأنّه لا يتمكّن عنه إلى آخر الوقت.

واُخرى: يعلم بأنّه يتمكّن منه.

وثالثة: يشكّ في ذلك.

1 - فإنْ علم بعدم التمكّن، جاز له البدار بإتيان الصَّلاة مع البدل الاضطراري، ولا يخفى وجهه.

2 - وإنْ علم بأنّه يقدر عليه في آخر الوقت، لا يجوز له ذلك، ويتعيّن عليه التأخير، لإطلاق أدلّة القيام.

ودعوى: أنّه يصدق عليه في أوّل الوقت العاجز عن القيام، فيشمله أدلّة

ص: 81


1- منتهى المطلب: ج 1/265 (ط. ق).

البدل الاضطراري.

مندفعة: بأنّ العاجز في أوّل الوقت، كالعاجز في مكان خاص، غير مشمولٍ للنصوص، لعدم كونه بالخصوص ظرفاً للواجب.

والظاهر أنّ الموضوع في النصوص هو العاجز عن القيام في الصَّلاة المأمور بها، لا العاجز عنه في فردٍ منها، فلاحظ.

3 - وإنْ شكّ في تمكّنه منه في آخر الوقت، فهل يجوز له البدار أم لا؟ وجهان:

أقواهما الأوّل، بناءً على جريان الاستصحاب في الأمر الاستقبالي، وترتّب الأثر عليه بالفعل، كما هو الحقّ ، فإنّه عليه يجري استصحاب عدم التمكّن إلى آخر الوقت، ويترتّب عليه جواز البدار.

نعم، بناءً على ذلك يكون الجواز حكماً ظاهريّاً، فلو أتى بالصَّلاة ثمّ تجدّدت القدرة في آخر الوقت، مع اتّساع الوقت للاستئناف، يتعيّن عليه ذلك، لأنّه حينئذٍ يكشف عن عدم مشروعيّة ما أتى به.

أقول: وممّا ذكرناه ظهر أمران:

الأوّل: أنّه لو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء، فإنْ كان الوقت يسع للإستيناف وجب له ذلك، وإلّا انتقل إليه وأتمّ صلاته.

الثاني: حكم العاجز عن حالة غير القيام من جلوسٍ أو اضطجاع، فإنّه لا يصحّ له الإتيان بما دونها إذا علم بتمكّنه منها في آخر الوقت، وفي ضيق الوقت لو شرع فيها، ووجد في الأثناء خفّة، انتقل إلى الحالة المستطاعة، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لم يُنقل الخلاف عن أحدٍ منّا.

***

ص: 82

الرابع: القراءة
اشارة

الرابع: القراءة.

ويجبُ الحَمد،

في القراءة

(الرابعُ ) من أفعال الصَّلاة: (القراءة) إجماعاً.

(ويجبُ ) قراءة سورة (الحمد) في صلاة الصبح، والرّكعتين الأوليين من سائر الصلوات بلا خلافٍ .

بل عن «الخلاف»(1)، و «الوسيلة»(2)، و «الغُنية»(3)، و «التذكرة»(4) وغيرها(5):

دعوى الإجماع عليه.

وتشهد به: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ؟

قال عليه السلام: لا صلاة له إلّاأنْ يقرأ بها في جهرٍ أو إخفاتٍ »(6).

ومنها: خبر أبي بصير: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ نَسي أُمّ القرآن ؟

ص: 83


1- الخلاف: ج 1/342.
2- الوسيلة: ص 93.
3- غنية النزوع: ص 77.
4- تذكرة الفقهاء: ج 4/134.
5- كالفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 4/5، والمحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 8/91، والميرزا القمّي في غنائم الأيّام: ج 2/279، والمحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 5/70.
6- الكافي: ج 3/317 ح 28، وسائل الشيعة: ج 6/37 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 1 (7280).

قال عليه السلام: إنْ كان لم يركع فليعد أُمّ القرآن»(1).

ونحوهما غيرهما.

أقول: وفي هذه النصوص وإنْ لم يعيّن مورد الحمد، إلّاأنّه يشهد لكون مورده ما ذُكر:

1 - التسالم عليه لدى المتشرّعة، على حسب ما وصل إليهم من صاحب الشرع قولاً وفعلاً.

2 - وما عن الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الإمام الرضا عليه السلام، أنّه قال: «إنّما جُعل القراءة في الرّكعتين الأولتين، والتسبيح في الأخيرتين، للفرق بين ما فرضه اللّه من عنده، وبين ما فرضه رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).

فإنّهما يدلّان على المختار بضميمة ما دلَّ على (وجوب الفاتحة في كلّ قراءةٍ ) مثل ما رواه الصدوق، عن الفضل، عن الإمام الرضا عليه السلام في حديثٍ متضمّن لبيان حِكمة أفعال الصَّلاة: «إنّما بدىء بالحمد (في كلّ قراءةٍ ) دون سائر السّور، لأنّه ليس شيءٌ من القرآن والكلام جُمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جُمع في سورة الحمد»(3).).

ص: 84


1- الكافي: ج 3/347 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/88 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 28 ح 1 (7419).
2- الفقيه: ج 1/308 ح 923، وسائل الشيعة: ج 6/38 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 4 (7283).
3- الفقيه: ج 1/310 ح 926، وسائل الشيعة: ج 6/38 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 3 (7282).
وجوب السّورة في الثنائية والأوليين من غيرها
اشارة

والسّورة في الثنائية والأوليين من غيرها.

(و) المشهور بين الأصحاب، أنّه يجبُ قراءة (السُّورة) الكاملة (في الثنائيّة والأوليين من غيرها) بعد الحمد.

وعن جماعة من القدماء والمتأخّرين، الميل إلى عدم الوجوب، أو تقويته كالإسكافي(1)، وسلّار الديلمي(2)، وابن أبي عقيل(3)، والمحقّق في «المعتبر»(4)، والمصنّف رحمه الله في «المنتهى»(5)، وصاحب «المدارك»(6)، والسبزواري(7)، وغيرهم(8).

وعن بعضٍ (9): عدم وجوب سورةٍ كاملة، وجواز التبعيض.

أقول: وتحقيق القول في المقام، يقتضي التكلّم في مقامات:

الأوّل: في وجوب السّورة ولو بعضها في حال الاختيار، وعدم الاستعجال.

الثاني: في أنّه هل تجب سورة كاملة، أم يجوز التبعيض ؟

الثالث: في حكمها في حال الضرورة والاستعجال في الفرائض والنوافل.

ص: 85


1- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 2/142.
2- المراسم: ص 69.
3- حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز: ج 1/153.
4- المعتبر: ج 2/173، إلّاأنّه حكى الشيخ الأنصاري في كتاب الصَّلاة: ج 1/315. رجوع المحقّق والعلّامة 0 عنه فيما تأخّر من كتبهما.
5- منتهى المطلب: ج 1/272.
6- مدارك الأحكام: ج 3/347.
7- ذخيرة المعاد: ج 2/268.
8- منهم الفاضل المقداد في التنقيح: ج 1/198، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: ج 1/131.
9- الشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1/107، والقول به خرقٌ للإجماع المركّب كما عن السيّد الخوئي قدس سره في مستند العروة الوثقى: ج 3/298.
أدلّة وجوبُ السّورة

أمّا المقام الأوّل: فقد استدلّ للوجوب بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يقرأ الرّجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الرّكعتين الأوليين، إذا ما أعجلت به حاجة، أو تخوّف شيئاً»(1).

فإنّه بمفهوم الشرط يدلّ على ثبوت البأس في تركها في صورة عدم الاستعجال والخوف، ومن الواضح أنّ البأس إنّما يكون في ترك الواجب دون المستحبّ .

وفيه: إنّ مقتضاه جواز ترك السّورة إذا أعجلت المُصلّي حاجةً ، والحاجة بما أنّها أعمّ من الضرورة، فالرخصة في الترك في تلك الحالة تنافي الوجوب، فتأمّل.

ومنها: صحيح منصور، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورةٍ ولا بأكثر»(2).

وفيه: إنّ ظاهره النهي عن القِران والتبعيض، ولا ينافي استحبابها.

ومنها: حسن عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «يجوزُ للمريض أنْ يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ويجوزُ للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل والنهار»(3).

وفيه: إنّ دلالته على الوجوب متوقّفة عليحجيّة مفهوم الوصف، ولا نقول بها.

ص: 86


1- التهذيب: ج 2/71 ح 29، وسائل الشيعة: ج 6/40 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 2 ح 2 (7287).
2- الكافي: ج 3/314 ح 12، وسائل الشيعة: ج 6 ك 43 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 4 ح 2 (7295).
3- الكافي: ج 3/314 ح 9، وسائل الشيعة: ج 6/40 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 2 ح 5 (7290).

ومنها: خبر يحيى بن عمران الهمداني، قال:

«كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام: جُعِلتُ فداك ما تقول في رجلٍ ابتدأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب، فلما صار إلى غير أُمّ الكتاب من السّورة تركها، فقال العبّاسي: ليس بذلك بأس ؟

فكتب عليه السلام بخطّه: يُعيدها مرّتين على رغم أنفه، يعني العبّاسي»(1).

وفيه: إنّ الخبر إنّما يدلّ على جزئيّة البسملة للسّورة، لا وجوب السّورة.

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب ؟ قال عليه السلام نعم.

قلت: فإذا قرأتُ الفاتحة أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم مع السّورة ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

وفيه: إنّه لا شُبهة في ظهوره في وجوب قراءة البسملة في المقامين، إلّاأنّه لا يستلزم وجوب السّورة.

وبعبارة اُخرى : إنّه يدلّ على جزئيّة البسملة للسورة لا وجوبها الشرعي.

ومنها: صحيح محمّد بن إسماعيل، قال: «سألته عليه السلام: قلتُ أكونُ في طريق مكّة، فننزل للصَّلاة في مواضع فيها الأعراب، أنُصلّي المكتوبة على الأرض، فنقرأ أُمّ الكتاب وحدها، أم نُصلّي على الرّاحلة، فنقرأ فاتحة الكتاب والسّورة ؟ قال عليه السلام: إذا خِفتَ فصلِّ على الرّاحلة المكتوبة وغيرها، وإذا قرأتَ الحمد والسّورة أحبّ إليّ ، ولا أرى بالذي فعلتَ بأساً»(3).

بدعوى: أنّه لو لا وجوب السّورة، لما جاز لأجلها ترك الواجب من القيام).

ص: 87


1- الكافي: ج 3/313 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/58 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 11 ح 6 (7341).
2- الكافي: ج 3/312 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/58 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 11 ح 5 (7340).
3- الكافي: ج 3/457 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/43 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 4 ح 1 (7294).

وغيره، وأنّ الظاهر اعتقاد السائل وجوبها، وقد قرّره الإمام عليه.

وفيه: أنّ الظاهر كون الأمر بالصَّلاة على الرّاحلة فيه، لأجل ثبوت الخوف في النزول، كما يشهد له قوله: (فننزل في مواضع... إلى آخره)، وعليه فقوله عليه السلام في ذيله: (وإذا قرأتَ الحَمد والسّورة أحبّ إليّ ... إلى آخره)، على خلاف المدّعى أدلّ ، لظهوره في عدم وجوب السّورة في الصَّلاة على الراحلة، فيكون ذلك ردعاً عمّا اعتقده السائل من وجوبها.

ومنها: خبر الفضل بن شاذان(1) المتقدّم في صدر المبحث.

وفيه: إنّه في مقام بيان حِكمة تقديم الحمد على سائر السور، فلا يدلّ على وجوب السّورة أو استحبابها.

ومنها: صحيح محمّد، عن أحدهما عليه السلام قال: «سألته عن الرّجل يقرأ السّورتين في الركعة ؟ فقال عليه السلام: لا، لكلّ ركعةٍ سورة»(2).

وفيه: أنّ ظاهره إنّ المشروع في كلّ ركعةٍ سورة واحدة لا أزيد، فلا يدلّ على وجوبها.

ومنها: صحيح معاوية: «مَن غَلَط في سورةٍ فليقرأ قُل هو اللّه أحد، ثمّليركع»(3).

وفيه - مضافاً إلى معارضته بصحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجلٌ قرأ سورةً في ركعة فغلط، أيدعُ المكان الذي غلط فيه، ويمضي في قراءته، أو يدَع تلك السّورة ويتحوّل منها إلى غيرها؟

فقال عليه السلام: كلّ ذلك لا بأس به، وإنْ قرأ آيةً واحدة فشاء أن يركع بها ركع»(4) -).

ص: 88


1- الفقيه: ج 1/310 ح 926، وسائل الشيعة: ج 6/38 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 3 (7282).
2- الاستبصار: ج 1/314 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/44 أبواب القراة في الصَّلاة ب 4 ح 3 (7296).
3- التهذيب: ج 2/295 ح 43، وسائل الشيعة: ج 6/110 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 43 ح 1 (7475).
4- التهذيب: ج 2/293 ح 37، وسائل الشيعة: ج 6/45 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 4 ح 7 (7300).

أنّ ظاهره وجوب قراءة سورة التوحيد في الفرض، ولم يقل به أحدٌ، فلابدَّ من صرفه عن ظاهره، وحمله على الاستحباب، أو الإجزاء عن السّورة التي غلط فيها.

ومنها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام الوارد في المأموم المسبوق: «قرأ في كلّ ركعةٍ ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه باُمّ الكتاب وسورة، فإنْ لم يُدرك سورةً تامّة، أجزأته أُمّ الكتاب»(1).

وهو وإنْ ورد في المأموم، إلّاأنّه لعدم القول بالفصل بينه وبين سائر المصلّين، يثبت في غيره.

وفيه: إنّ ظاهره إرادة بيان عدم سقوط السّورة عن المأموم المسبوق، إلّافيما لم يُدرك سورة تامّة، وأمّا كون ثبوتها بنحو الوجوب أو الاستحباب فهو ساكتٌ عنه.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ؟

قال عليه السلام: لا صلاة له إلّاأنْ يقرأ بها في جهر أو إخفات.

قلت: أيّهما أحبُّ إليك، إذا كان خائفاً أو مستعجلاً يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب ؟ قال عليه السلام: فاتحة الكتاب»(2).

فإنّ هذا السؤال لا يكون إلّامع اعتقاد السائل وجوب السّورة، وقد قرّره الإمام عليه السلام على ذلك.

وفيه: إنّه يمكن أنْ يكون سؤال الراوي لإحتماله أنْ يكون وجوب الحمد مختصّاً بحال عدم الخوف والاستعجال، ولأجله سأل عن الإتيان به أو بالسورة في صورة الخوف والاستعجال.).

ص: 89


1- الفقيه: ج 1/393 ح 1163، وسائل الشيعة: ج 8/388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4 (10977).
2- الكافي: ج 3/317 ح 28، وسائل الشيعة: ج 6/37 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 1 (7280).

وعن «المنتهى»(1) الاستدلال له بأنّه قد تواتر النقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه صَلّى بالسورة بعد الحمد، وداوم عليها، وهو بنفسه مشعرٌ بالوجوب، فضلاً عن قوله عليه السلام:

(صلّوا كما رأيتموني اُصلّي)(2).

وفيه: إنّ مداومة النبيّ صلى الله عليه و آله عليها بنفسها لا تدلّ على الوجوب، لأنّه صلى الله عليه و آله كان مداوماً على كثيرٍ من المستحبّات، والنبويّ قد عرفت في بعض المباحث السابقة أنّه مجملٌ ، فراجع.

واستدلّ أيضاً:

1 - بالأخبار الدالّة على تحريم العدول من سورتي الجَحْد والتوحيد إلى ما عدا سورتي الجمعة والمنافقين يوم الجمعة، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا افتتحتَ صلاتك بقُل هو اللّه أحد وأنتَ تُريد أنْ يقرأ بغيرها فامضِ فيها ولا ترجع»(3)، ونحوه غيره.

وفيه: إنّها تدلّ على حرمة العدول لا وجوب السّورة، فلاحظ.

2 - وبالنصوص الواردة في بيان كيفيّة صلاة الآيات وكميّتها(4)، حيث إنّه لم يتعرّض فيها لوجوب السّورة مع وجوبها فيها، وليس إلّامن جهة الإحالة على علم السائل بوجوبها كالفاتحة.

وفيه: إنّ وجوبها فيها إنّما استفيد من دليلٍ آخر، فلعلّ عدم تعرّضه عليه السلام له من جهة الإحالة على ذلك الدليل، ومنه يظهر سقوط الاستدلال له بما ورد في صلاة7.

ص: 90


1- منتهى المطلب: ج 1/272 (ط. ق).
2- البخاري: ج 1/162، سنن الدارقطني: ج 1/272، سنن البيهقي: ج 2/345.
3- التهذيب: ج 3/242 ح 32، وسائل الشيعة: ج 6/153 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 69 ح 2 (7597).
4- وسائل الشيعة: ج 7/492 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 7.

العيدين، مع وجوب السّورة فيهما(1).

فتحصّل: إنّ شيئاً من ما استدلّ به على وجوب السّورة في الصَّلاة لا يدلّ عليه.

ولو تنزّلنا عن ذلك، وسَلّمنا دلالة ما تقدّم على الوجوب، فلأجل معارضته بما هو صريحٌ في جواز الترك، كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها، وتُجزي في الفريضة»(2).

وصحيح علي بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة»(3)، يتعيّن حمله على الاستحباب.

والجمع بحمل الصحيحين على حال الاستعجال أو الخوف، لا شاهد له. نعم لو تمّت دلالة صحيح الحلبي المتقدّم في أدلّة وجوب السّورة عليه، لاختصاصه بحال الاستعجال والخوف يكون شاهداً للجمع المزبور.

وحملهما على التقيّة، مع إمكان الجمع بينهما وبين النصوص المتقدّمة.

غير سديد، إذ مجرّد موافقة الخبر مع العامّة، لا يوجب حمله على التقيّة، ولكن مع ذلك كلّه الإفتاء بعدم الوجوب، مع ذهاب أكثر المحقّقين والأساطين، ومن يُعتمد عليه إلى الوجوب مشكلٌ جدّاً، والاحتياط طريق النجاة.

***).

ص: 91


1- وسائل الشيعة: ج 7/433 أبواب صلاة العيد ب 10.
2- في التهذيب: ج 2/71 ح 28: (إنّ فاتحة الكتاب وحدها تجزي في الفريضة)، وفي وسائل الشيعة: ج 6/40 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 2 ح 3 (7288): (إنّ فاتحة الكتاب تجزي وحدها في الفريضة).
3- التهذيب: ج 2/71 ح 27، وسائل الشيعة: ج 6/39 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 2 ح 1 (7286).
عدم وجوب السّورة الكاملة في الصَّلاة

وأمّا المقام الثاني: فمقتضى نصوصٍ كثيرة، جواز التبعيض:

منها: صحيح عمر بن يزيد: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: يقرأ الرّجل السّورة الواحدة في الرّكعتين من الفريضة ؟ فقال لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات»(1).

ومنها: صحيح أبان بن عثمان، عمّن أخبره، عن أحدهما عليه السلام، قال:

«سألته هل تُقسّم السّورة في الرّكعتين ؟ فقال عليه السلام: نعم، اقسمها كيف شئت»(2).

ومنها: صحيح سعد بن سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «سألته عن رجلٍ قرأ في ركعةٍ الحمد ونصف سورة، هل يُجزيه في الثانية أنْ لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السّورة ؟

قال عليه السلام: يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السّورة»(3).

ومنها: صحيح زرارة المتقدّم في أدلّة وجوب السّورة.

ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة وفيها جملةٌ من الصحاح.

أقول: وقد أُورد عليها بإيرادات:

1 - معارضتها مع صحيح منصور المتقدّم، الدالّ بظاهره على عدم جواز التبعيض، وهو يقدّم لمخالفته للعامّة.

وفيه: إنّ الجمع بينها وبين الصحيح، يقتضي حمله على الكراهة، ومعه لا

ص: 92


1- التهذيب: ج 2/71 ح 30، وسائل الشيعة: ج 6/47 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 6 ح 3 (7306).
2- التهذيب: ج 2/73 ح 39، وسائل الشيعة: ج 6/44 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 4 ح 5 (7298).
3- الاستبصار: ج 1/316 ح 11، وسائل الشيعة: ج 6/45 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 4 ح 6 (7299).

تعارض بينهما، فلا وجه للرجوع إلى مرجّحات باب التعارض.

ومنه يظهر دفع الإيراد الثاني، وهو إنّه تعارضها النصوص المتقدّمة الدالّة على وجوب السّورة الكاملة، مضافاً إلى ما تقدّم من عدم الدليل عليه.

2 - إنّ صحيح الحلبي المتقدّم الدالّ على وجوب السّورة في غير حال الاستعجال والخوف، لأجل أخصيّته يقدّم على هذه النصوص، فتُحمل هذه على حال الاستعجال والخوف.

وفيه: إنّ مفاده على فرض تماميّة دلالته على عدم جواز الاقتصار على الحمد، في غير حال الضرورة، لا ينافي هذه النصوص، لأنّه لا يدلّ على وجوب سورة كاملة.

3 - معارضتها مع صحيحه الآخر المتقدّم، الدالّ على لزوم المُضيّ في سورة التوحيد لو شرع فيها.

وفيه: إنّ مفاده أنّ من أراد الإتيان بسورة كاملة، ففي سورةٍ غير التوحيد يجوز العدول، وأمّا فيها فليس له ذلك، بل لابدَّ وأن يتمّها، وليس له دلالة على وجوب السّورة الكاملة أو استحبابها.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ الأمر بالمضيّ متوجّهٌ إلى من يريد الرجوع أو المضيّ ، فلا يدلّ على وجوب المضيّ مطلقاً، مع أنّ ظهوره في الوجوب لو ثبت، يُحمل على الاستحباب، بقرينة الروايات الصريحة في جواز التبعيض.

4 - إعراض المشهور عنها.

وفيه: إنّ عدم إفتائهم بالجواز، يمكن أنْ يكون لبعض ماسبق، لا للإعراض عنها.

5 - موافقتها لجمهور أهل الخلاف، فيتعيّن حملها على التقيّة.

ص: 93

وفيه: إنّ موافقة العامّة إنّما تكون من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى، بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحُجّة عن اللّاحُجّة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: إنّه على فرض تسليم وجوب شيءٍ في القراءة زائداً على الحمد، لا دليل على وجوب سورةٍ كاملة، بل مقتضى النصوص جواز التبعيض، كما عن بعض الأساطين الإفتاء به(1)، وطريق الاحتياط معلوم.

***).

ص: 94


1- يظهر ذلك من الشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1/107 فإنّه بعد نسبة وجوب قراءة سورة كاملة إلى ظاهر المذهب، قال: (وإنّ بعض السّورة أو أكثرها يجوز مع الاختيار، غير أنّه إذا قرأ بعض السّورة، أو قرن بين سورتين بعد الحمد، لا يحكم ببطلان الصَّلاة، ويجوز كلّ ذلك في حال الضرورة).
موارد سقوط السُّورة

أمّا المقام الثالث: فلا تجبُ قراءة السّورة في حال المرض والاستعجال والخوف، ونحوها من أفراد الضرورة، بلا خلافٍ ، وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له في الأوّل: حسن ابن سنان المتقدّم.

وفي الثاني: صحيح الحلبي المتقدّم، وخبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يكون مستعجلاً، يجزيه أنْ يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال عليه السلام: لا بأس»(2).

ونحوهما غيرهما.

وفي الثالث: صحيح الحلبي المتقدّم، فراجع(3).

ثمّ إنّه هل يكون ضيق الوقت عن أداء الصَّلاة بتمامها مع السّورة في الوقت، موجباً لسقوطها أم لا؟ وجهان:

المشهور بين الأصحاب هو الأوّل، بل عن «البحار»(4) دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

1 - بالأصل، لعدم الإطلاق لما دلَّ على وجوب السّورة في الصَّلاة.

2 - وبفحوى ما دلَّ عليه في المستعجل، فإنْ إدراك الصَّلاة في الوقت غرضٌ مطلوبٌ للعقلاء والمتديّنين.

ص: 95


1- كما عن المحقّق في المعتبر: ج 2/172، والمصنّف - العلّامة قدس سره - في المنتهى: ج 1/272 (ط. ق)، والفاضل الإصبهاني في كشف اللّثام: ج 4/36.
2- قرب الإسناد: ص 96، وسائل الشيعة: ج 6/41 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 2 ح 6 (7291).
3- صفحة 86 من هذا المجلّد.
4- بحار الأنوار: ج 82/12.

3 - وبفحوى ما دلَّ عليه في المأموم المسبوق، إذا لم يمهله الإمام.

4 - وبالإجماع.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه علي فرض تسليم دلالة النصوص المتقدّمة علي وجوب السّورة، فإنّ دعوى عدم الإطلاق لشيءٍ منها فاسدة، لاحظ صحيحي الحلبي ومنصور(1).

وأمّا الثاني: فلأنّ كون إدراك مجموع الصَّلاة في الوقت غرضاً مطلوباً وحاجة، تتوقّف على سقوط السّورة، وإلّا فبما أنّ كونه حاجةً فرع الأمر به، وهو ممتنعٌ مع جزئيّة السّورة، فلا مصلحة في الفعل ولا وجوب ولا حاجة إلى فعل الصَّلاة.

وعليه، فلا يمكن أنْ يكون إدراك الصَّلاة وجهاً لسقوط السّورة، وإلّا لزم الدور، فتدبّر.

و أمّا الثالث: فلأنّ سقوطه عن المأموم، إنّما يكون لدرك فضيلة الائتمام، و أمّا في المقام فلم يثبت كون إدراك الصَّلاة فاقدة للسورة، حاجةً وغرضه مطلوباً كما عرفت.

وأمّا الرابع: فمضافاً إلى عدم حجيّة المنقول منه، يمكن أنْ يكون إفتاء الأصحاب لبعض ما سبق.

أقول: وحقّ القول في المقام يبتني على ما حقّقناه في مبحث القبلة(2)، من أنّ موارد التنافي بين الأوامر الضمنيّة إنّما تكون من موارد التعارض، وإنّ مركز التنافي إطلاق أدلّتها، إذ عليه في المقام يقع التعارض بين إطلاق ما دلَّ عليوجوب السّورة، وإطلاق ما دلَّ على لزوم إيقاع تمام الصَّلاة في الوقت، فيتعارضان ويتساقطان، والمرجع إلى الأصل، وهو يقتضى التخيير، كما تقدّم، وقضيّة ما ذكرناه كون تركها لدى الضيق رخصة لا عزيمة.5.

ص: 96


1- تقدّمتا في أوّل مبحث (أدلّة وجوب السّورة)، ج 7/86.
2- فقه الصادق: ج 6/155.

ولا يجزي الترجمة، ويجب التعلّم لمن لا يحسن مع المكنة.

(ولا يجزي) المُصلّي عن الفاتحة (الترجمة) أي ترجمتها بالعربيّة وغيرها من اللّغات إجماعاً، لعدم تحقّق الامتثال.

***

حُكم من لا يُحسِنُ القراءة

(ويجبُ التعلّم لو لم يُحسِن مع المكنة) ولو قبل أن يدخل الوقت إنْ علم بأنّه لا يتمكّن منه بعده، أو الائتمام، أو متابعة الغير في القراءة.

وعن ظاهر الأصحاب: وجوب التعلّم تعييناً، واستدلّ له:

1 - بأنّ وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلّم تحصيلاً للواجب.

2 - وبأنّ ظاهر نصوص كثيرة وجوب التعلّم وجوبا نفسيّاً تعيينيّاً.

3 - وبالإجماع المنقول عن «المعتبر»(1) و «المنتهى»(2).

4 - وبأنّ الائتمام أو متابعة الغير يتوقّف على فعلٍ خارج عن تحت القدرة، فلا يمكن التخيير بينه وبين التعلّم.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الإتيان بالواجب، لا يتوقّف على التعلّم فقط، إذ الواجب يحصل بالائتمام أو المتابعة أيضاً، فالواجب هو القدر المشترك بين الثلاثة المذكورة.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظاهر من النصوص، كون وجوب التعلّم طريقيّاً، كما يشهد

ص: 97


1- المعتبر: ج 2/169.
2- منتهى المطلب: ج 1/274.

به الخبر الوارد في تفسير قوله تعالى : فَلِلّهِ اَلْحُجَّةُ اَلْبالِغَةُ (1)، فمع فرض القدرة على الإتيان بصلاةٍ صحيحة من غير تعلّمها، لا وجه لوجوبه.

وأمّا الثالث: - فمضافاً إلى عدم حجيّة المنقول منه - يمكن أنْ يكون المراد وجوبه الغيري، ويكون إطلاق ذلك في كلامهم، كإطلاق وجوب أصل القراءة في الصَّلاة، فلا ينافي عدم وجوبه تعييناً مع التمكّن من الائتمام أو المتابعة.

وأمّا الرابع: فلأنّ التكليف بالمتابعة أو الائتمام، إنّما يكون بعد تحقّق ما هو خارج عن تحت قدرته.

هذا فيما إذا تمكّن من التعلّم في الوقت.

وإنْ قدر عليه قبل الوقت، مع العلم بعدم التمكّن منه فيه، فالوجه في وجوبه حينئذٍ ما ذكرناه في الاُصول(2)، من وجوب ما يترتّب على تركه فوت الواجب في ظرفه إذا لم تكن القدرة في ظرفه شرطاً للوجوب.

***).

ص: 98


1- سورة الأنعام: الآية 149.
2- زبدة الاُصول: ج 2/127، بحث: (حكم التعلّم).

وَمَع العجز يُصلّي بما يَحسُن.

حكم من لا يُحسِن القراءة، ولا يتمكّن من التعلّم

ثمّ إنّه لا خلاف في الجملة (و) لا إشكال في أنّه (مع العجز) عن التعلّم، (يُصلّي بما يحسن) أي يقرأ ما تيسّر منها، وتصحّ صلاته.

وتحقيق القول في المقام: إنّ من لا يُحسن القراءة التامّة:

إمّا أنْ يُحسن الفاتحة وحدها تامّة.

أو لا يُحسنها أيضاً.

وعلى الثاني:

تارةً : يتمكّن من قراءتها ملحونة.

واُخرى : لا يقدر إلّاعلى بعضها.

وثالثة: لا يحسن شيئاً منها.

وعلى جميع التقادير:

تارةً : يكون ذلك عن تقصيرٍ.

واُخرى : يكون عن غيره.

أمّا الأوّل: وهو من تمكّن من قراءة الفاتحة تامّة، ولم يكن عدم تمكّنه من السّورة - على فرض وجوبها - عن تقصير، فيُجزي في حقّه الحمد وحدها، وتصحّ صلاته؛ لأنّه مقتضى الجمع بين قوله عليه السلام: (الصَّلاة لا تَدَعُ بحال)(1)، وأصالة البراءة

ص: 99


1- أصله ما ورد في رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حكم الحائض المرويّ في الكافي: ج 3/99 ح 4، ووسائل الشيعة: ج 2/373 أبواب الإستحاضة ب 1 ح 5 (2394): (ولا تدعُ الصَّلاة على حال).

عن وجوب التعويض عن المجهول، لعدم تماميّة شيءٍ من ما استدلّ به عليه - كما سيمرّ عليك - واستحالة التكليف بما لا يطاق، ولكن ذلك فيما إذا لم يتمكّن من الائتمام بناءً على كون الائتمام مسقطاً لها، لا يعتبر عدم التمكّن منه، إذ معنى ذلك اشتراط وجوب القراءة بعدم الائتمام، وعليه، فلا مقتضي لوجوبه.

وأمّا إذا كان عدم تمكّنه من السّورة عن تقصير، فيُشكل الحكم بصحّة صلاته لأنّه كان قادراً على إتيان الصَّلاة تامّة الأجزاء والشرائط، فإجزاء الناقصة في حقّه يحتاجُ إلى دليل مفقود.

وقوله عليه السلام: (الصَّلاة لا تسقُطُ بحال)(1) معناه إنّ المكلّف تجبُ عليه الصَّلاة في جميع حالاته بحسب وسعه، لا أنّه يجبُ عليه الصَّلاة الناقصة، بعد إنْ كان مكلّفاً بالتامّة، وصيّر إيجادها ممتنعاً في حقّه، ومعلوم أنّ القادر على السّورة مكلّفٌ بالصَّلاة معها على فرض وجوبها.

وأمّا الثاني: وهو من تمكّن من قراءتها مع السّورة ملحونةً :

فإنْ كان عدم تمكّنه من الإتيان بالقراءة تامّة عن تقصيرٍ، فحكمه حكم سابقه.

وأمّا إنْ لم يكن عن تقصيرٍ:

فإنْ لم يتمكّن من الائتمام أو المتابعة يأتِ بما تيسّر، ويجزي عنه بلا خلافٍ :

1 - لخبر مسعدة بن صدقة، قال:

«سمعتُجعفربن محمّد عليه السلام يقول: إنّك قد تريمن المُحرم من العجم لا يُراد منه).

ص: 100


1- تقدّم التعليق عليها، وذكرنا أنّ الظاهر أنّ أوّل من ذكر هذا الحديث بهذا اللّفظ صاحب الجواهر (الجواهر: ج 429/7)، ويشبهه تعبير الشيخ (في مصباح المتهجّد ص 4): ولا يسقط عن هؤلاء الصَّلاة بحال، وهو مستفادٌ ممّا رواه زرارة - في الحائض - مضمراً: (أنّها لا تدع الصَّلاة على حال)، لاحظ الكافي: ج 3/99 ح 4، وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في وسائل الشيعة: ج 2/373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 (2394).

ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس فى القراءة والصَّلاة والتشهّد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم المُحرم، لا يُراد منه ما يُراد من العاقل المتكلّم الفصيح»(1).

2 - وخبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «إنّ الرّجل الأعجمي من اُمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته، فترفعه الملائكة على عربيّته»(2).

ومقتضى إطلاق الخبرين الاجتزاء بها، ولو مع التمكّن من الائتمام أو المتابعة.

ودعوى: أنّ الائتمام أو المتابعة بدلٌ اختياري، وهذه القراءة بدلٌ اضطراري، ولا يُنتقل إلى الاضطراري مع التمكّن من الاختياري.

مندفعة: بأنّ مقتضى الخبرين كون القراءة الناقصة في حقّ العاجز عن القراءة التامّة بمنزلتها في حقّ القادر، فكما أنّه مخيّر بين القراءة والائتمام، كذلك العاجز عنها.

فإنْ قلت: إنّ لازم ذلك عدم وجوب التعلّم، لأنّ عدم التعلّم يجعله موضوعاً لوجوب القراءة الناقصة، التي هي مثل التامّة من دون تفاوت.

قلت: إنّ من الجائز كون وفاء الناقصة بالمصلحة، وكونها مثل التامّة في صورة عدم إمكان التعلّم.

وأمّا الثالث: وهو من لم يتمكّن إلّامن إتيان بعض سورة الحمد، الصادق عليه القرآن، فإنّه يجب عليه الإتيان بما تيسّر مع عدم التمكّن من الائتمام، بناءً على كونه بدلاً أو المتابعة بلا خلافٍ .

بل عن «المعتبر»(3)، و «الذكرى»(4) وغيرهما: دعوى الإجماع عليه، وإنْ كان).

ص: 101


1- قرب الإسناد: ص 23، وسائل الشيعة: ج 6/150 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 67 ح 2 (7592).
2- الكافي: ج 2/619 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/221 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 30 ح 4 (7782).
3- المعتبر: ج 2/169.
4- الذكرى : ص 187 (ط. ق).

ما استدلّ به لا يخلو عن إشكال.

أقول: وهل يجب عليه التعويض عن الجزء المجهول، كما عن جماعةٍ (1) اختياره، بل نُسب إلى المشهور(2)؟

أم لا، كما عن «المعتبر»(3)، و «المنتهى»(4)، و «التحرير»(5)؟

وعلى فرض لزومه، هل يتعيّن الإتيان بغير ما يعلمه بقدر البقيّة كما عن «الروض»(6) نسبته إلى المشهور، أم لا؟ وجوه:

قد استدلّ للزوم التعويض:

1 - بعموم فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ اَلْقُرْآنِ (7).

2 - وبقوله عليه السلام: «لا صلاة إلّابفاتحة الكتاب»(8)، خرج عنه الصَّلاة المشتملة على بدلها.

3 - وبخبر الفضل المتقدّم(9)، الظاهر في أنّ في قراءة القرآن في الصَّلاة مصلحة، وقراءة الفاتحة ذات مصلحة اُخرى ، فتعذّر استيفاءإحداهما لايوجبُ ترك الاُخرى .

4 - وبأنّ ما دلَّ على البدليّة عند تعذّر جميع الفاتحة، دلَّ على البدليّة عن كلّ جزءٍ منها.4.

ص: 102


1- كالسيّد بحر العلوم في منظومته الدرّة النجفيّة: ص 139، وابن فهد في الموجز الحاوي: ص 77، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/250، والميرزا القمّي في غنائم الأيّام: ج 2/505.
2- نسبه إلى المشهور الشهيد الثاني في الروض: ص 262.
3- المعتبر: ج 2/170.
4- منتهى المطلب: ج 1/274.
5- تحرير الأحكام: ج 1/244.
6- الروض: ص 262.
7- سورة المزمّل: الآية 20.
8- عوالي اللآلي: ج 1/196، المستدرك: ج 4/158 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 5 (4365).
9- تقدّم في أوّل مبحث القراءة، ص 84.

5 - وبأصالة الاحتياط.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلعدم ظهوره في إرادته في الصَّلاة، مع أنّه لا ريب في عدم وجوب قراءة ما تيسّر فيها، ولا في غيرها، ولهذه القرينة يتعيّن حمل الأمر على الاستحباب، وعليه فلا وجه لحمله على الصَّلاة.

وأمّا الثاني: فلأنّه إنّما يدلّ على لزوم قراءة الفاتحة، وبدليّة غيرها عنها تحتاج إلى دليل آخر، وعليه فإنْ كانت جزئيّتها باقية في حال العجز، لزم سقوط الصَّلاة، وإلّا فيجب الإتيان بغيرها من الأجزاء والشرائط، وحيثُ أنّ مقتضى قوله عليه السلام:

«الصَّلاة لا تدعُ بحال»(1) عدم سقوط الصَّلاة بمجرّد العجز عن قراءة الفاتحة، فلا محالة تكون غير معتبرة فيها، ولزوم شيء آخر عوضاً عنها يحتاج إلى دليل مفقود.

وأمّا الثالث: فلأنّه إنّما يدلّ على لزوم القراءة في الصَّلاة، وهي تتحقّق بإتيان بعض الفاتحة.

وأمّا الرابع: فلأنّه يدلّ على بدليّة غير الفاتحة عنها عند تعذّرها، لا تعذّر بعضها، فثبوتها في هذه الحال يحتاج إلى دليل مفقود.

وأمّا الخامس: فلما حقّقناه في محلّه(2) من أنّ المرجع في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين هو البراءة.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم لزوم التعويض.

هذا كلّه إذا لم يكن العجز عن القراءة عن تقصير، وإلّا فحكمه حكم سابقيه في).

ص: 103


1- أصله ما ورد في رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حكم الحائض المرويّ في الكافي: ج 3/99 ح 4، ووسائل الشيعة: 2 ص 373 أبواب الإستحاضة ب 1 ح 5 (2394): (ولا تدعُ الصَّلاة على حال).
2- زبدة الاُصول، ج 5/64 بحث: (دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين).

عدم الاجتزاء بالصَّلاة مع القراءة الناقصة، وعليه فيجبُ عليه الإتيان بالصَّلاة معها في الوقت، والإتيان بها مع القراءة التامّة في خارجه، للعلم الإجمالي بوجوب إحداهما، فتأمّل.

وأمّا الرابع: وهو من لا يَحُسُن شيئاً من القراءة، فيقرأ من سائر القرآن، كما هو المشهور بين الأصحاب، ويشهد له:

1 - النبويّ : «إذا قمتَ إلى الصَّلاة، فإنْ كان معك قرآنٌ فاقرأ به، وإلّا فاحمِد اللّه وهلّله وكبّره»(1).

وضعف سنده منجبرٌ بنقل الأصحاب له في كتبهم على وجه الاعتماد(2).

2 - وصحيح ابن سنان، عن الصادق عليه السلام: «إنّ اللّه فرض من الصَّلاة الركوع والسّجود، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام لايحسن أنْ يقرأ القرآن، أجزأه أنْ يُكبِّر ويُسبِّح ويُصلّي»(3).

وحمل (القرآن) فيهما عن خصوص الفاتحة خلاف الظاهر، فهما يدلّان على أنّ الاجتزاء بالذِّكر إنّما يكون عند عدم التمكّن من قراءة القرآن، وإلّا فهي تقدّم عليه.

3 - وخبر الفضل المتقدّم(4) الدالّ على أنّ ماهيّة القراءة مطلوبة في الصَّلاة، لحكمة عدم هجر القرآن، وخصوصيّة الفاتحة لحكمةٍ اُخرى ، ومع عدم إمكان استيفاء الملاك الثاني، لا وجه لعدم استيفاء الأوّل.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى هذه النصوص، كفاية ما يسمّى قراءة، ولزوم المساواة4.

ص: 104


1- سنن أبي داود: ج 1/198، سنن الترمذي: ج 1/186، سنن البيهقي: ج 2/380.
2- منهم المحقّق في المعتبر: ج 2/170، والعلّامة في المنتهى: ج 1/274 (ط. ق).
3- التهذيب: ج 2/147 ح 33، وسائل الشيعة: ج 6/42 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 3 ح 1 (7292).
4- تقدّم في أوّل مبحث القراءة، ص 84.

في الحروف كما عن المشهور، أو في عدد الآيات ممّا لم يدلّ عليه دليل، والأصل يقتضي عدمه.

واستدلّ له:

1 - بأدلّة وجوب التعويض عن الفائت، المستلزم لوجوب المساواة هنا بالأولويّة القطعيّة، إذ لو لم يكتف بثلاث آياتٍ من الفاتحة، فكيف بها من غيرها.

2 - وبعموم: (لا صلاة إلّابفاتحة الكتاب)(1) خرج منه الصَّلاة المشتملة على ما يساويها.

3 - وبأنّ المنساق إلى الذهن من الأمر بالقراءة بدلاً عن الفاتحة لدى الجهل بها، إنّما هو لزوم الإتيان بها بمقدارٍ لا ينقص عن مقدار الفاتحة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما تقدّم من عدم الدليل على لزوم التعويض.

وأمّا الثاني: فقد عرفت ما فيه آنفاً.

وأمّا الثالث: فلأنّ في أدلّة القراءة ليس ما يدلّ على بدليّتها عن الفاتحة، مع أنّ لزوم تساوي البدل والمبدّل في الصفات كالكميّة ممّا لم يدلّ عليه دليل.).

ص: 105


1- عوالي اللآلي: ج 1/196، المستدرك: ج 4/158 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 5 (4365).

وإنْ لم يُحسِن شيئاً كبَّر اللّه وهلّله.

(وإنْ لم يحسن شيئاً) من القرآن (كَبّر اللّه وهلّله) كما في المتن.

وعن المشهور: زيادة التسبيح.

وعن «نهاية الأحكام»(1) و «الذكرى»(2): زيادة التحميد.

وعن «مجمع البرهان»(3): نقص التهليل.

وعن الشيخ في «الخلاف»(4): الاقتصار على التحميد.

وعن الشهيد(5): الاقتصار على الذِّكر.

وعن جماعةٍ كالإسكافي(6)، والجُعفي(7)، واستوجهه الشهيد رحمه الله(6)، وتبعه المحقّق

والشهيد الثانيان(7): الالتزام بتعيّن التسبيحات الأربع.

أقول: وعبائر النصوص أيضاً مختلفة:

ففي صحيح ابن سنان: «أجزأه أن يكبّر ويُسبّح ويُصلّي»(8).

ويحتمل أنْ يكون المراد من (يكبِّر) فيه تكبيرة الإحرام، فمفاده كفاية التسبيح.ً.

ص: 106


1- نهاية الاحكام: ج 1/474.
2- الذكرى : ص 187 (ط. ق).
3- مجمع الفائدة والبرهان: ج 2/216.
4- الخلاف: ج 1/343.
5- اللّمعة الدمشقيّة: ص 34. (6و7) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ص 187 (ط. ق).
6- الذكرى : ص 187 (ط. ق).
7- الشهيد الثاني في روض الجنان: ص 263، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/251.
8- تقدّم تخريجه آنفاً.

وفي النبويّ المتقدّم: «وإلّا فأحمِد اللّه وهلّله وكَبّره».

وفي النبويّ الآخر: «إنّ رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: إنّي لا استطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فماذا أصنع ؟ فقال له: قل: سبحان اللّه والحمد للّه»(1).

وفي آخر: «قُل: سبحان اللّهِ والحمدُ للّهِ ولا إله إلّااللّه واللّه أكبر»(2).

والعمل به أحوط، جمعاً بين النصوص والفتاوى، وإنْ كان الأقوى كفاية مطلق الذِّكر، كما يشهد به اختلاف الأخبار والفتاوى.

ثمّ إنّه نُسب إلى المشهور(3): لزوم أنْ يكون الذِّكر بقدر القراءة، واستدلّ له بالوجوه المذكورة، لوجوب المساواة فيمن يُحسِن قراءة غير الفاتحة من القرآن، لكن قد عرفت ما فيها.

وعليه، فالأقوى عدم الوجوب للأصل وإطلاق أدلّة الذِّكر.

***3.

ص: 107


1- نقله الشيخ الطوسي في الخلاف: ج 1/345.
2- سنن أبي داود: ج 1/192 ح 832، سنن البيهقي: ج 2/381، بتفاوت.
3- نسبه لمشهور المتأخّرين المحدِّث البحراني قدس سره في الحدائق: ج 8/112، وللمشهور السيّد الطباطبائي قدس سره في الرياض: ج 3/383.

والأخرس يُحرّك لسانه، ويَعقد بها قلبه.

قراءة الأخرس

(والأخرس يحرّك لسانه) بلا خلافٍ ، ويشير بإصبعه كماصرّح به غير واحدٍ(1)، ويشهد لهما خبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصَّلاة، تحريك لسانه، وإشارته بإصبعه»(2).

(ويَعقد بها قلبه) بأن يقصد بحركة اللّسان، كونها حركةً للقراءة، أي الألفاظ المحكيّة بها لا معناها، والوجه في اعتباره، عدم تأتي قصد امتثال الأمر المتوجّه إليه إلّا به، لأنّ الحركة بنفسها تصلح لغير القراءة.

واعتبار تطبيق الحركة على حروف القراءة جُزءً فجزء، بحيث يكون صوته بمنزلة كلامٍ غير متمايزة الحروف في حقّ من سمع ألفاظ القراءة وأتقنها، بل تكلّم بها مدة، ممّا لم يدلّ عليه دليل، وكون ذلك قراءته لا يقتضيه كما لا يخفى .

كما إنّ الإشكال في وجوب ما ذكرناه للأخرس، الذي لم يعرف إنّ في الوجود كلاماً ولفظاً، في غير محلّه، إذ دعوى عدم إمكان ذلك فيه، مندفعة بتمكّنه من القصد إلى مايفعله الناطق إجمالاً، فوجوب عقد قلبه، بمعنى آيات القراءة لا وجه له.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ حكم الأخرس بأقسامه واحدٌ، وهو أن يحرّك لسانه، ويُشير بإصبعه، مع عقد قلبه للألفاظ المحكيّة بالقراءة.

وممّا ذكرناه ظهر ما في كلام الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه الله، فلاحظه(3).

ص: 108


1- كالشهيد الأوّل في الذكرى : ص 188، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 263، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/254.
2- الكافي: ج 3/315 ح 17، وسائل الشيعة: ج 6/136 أبواب تكبيرة الإحرام ب 59 ح 1 (7551).
3- لاحظ كتاب الصَّلاة للشيخ الأنصاري رحمه الله: ج 1/586.

ويتخيّر في الثالثة والرابعة بينها وبين التسبيح أربعاً.

ما يجبُ في الرّكعات الأخيرة

(ويتخيّر) المُصلّي (في الثالثة والرابعة بينها) أي بين قراءة الحمد وحدها (وبين التسبيح أربعاً) بلا خلافٍ كما عن «السرائر»(1) و «البحار»(2).

بل إجماعاً كما عن «المنتهى»(3)، و «الذكرى»(4)، و «الروض»(5)، و «الخلاف»(6)، و «المهذّب»(7)، و «جامع المقاصد»(8) وغيرها(9).

والأخباربه قريبة من المتواتر، بل هي متواترة كماعن «المعتبر»(10) و «المنتهى»(11):

منها: موثّق ابن حنظلة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن الرّكعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟

فقال عليه السلام: إنْ شئتَ فاقرأ فاتحة الكتاب، وإنْ شئتَ فاذكر اللّه فهو فيه سواء.

ص: 109


1- السرائر: ج 1/222.
2- بحار الأنوار: ج 85/88.
3- منتهى المطلب: ج 1/275 (ط. ق).
4- الذكرى : ص 188 (ط. ق).
5- روض الجنان: ص 261.
6- الخلاف: ج 1/338.
7- المهذّب البارع: ج 1/371.
8- جامع المقاصد: ج 2/256.
9- كالمختلف: ج 2/145، ومدارك الأحكام: ج 3/344، ومفاتيح الشرائع: ج 1/130.
10- المعتبر: ج 2/166.
11- منتهى المطلب: ج 1/275 (ط. ق).

قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل ؟ فقال: هما واللّه سواء، إنْ شئتَ سبَّحت وإنْ شئتَ قرأت»(1)، ونحوه غيره.

وأمّا ما في التوقيع المرويّ عن «الاحتجاج» عن الحميري، عن صاحب الزمان عليه السلام:

«أنّه كتب إليه يسأله عن الرّكعتين الأخيرتين، وقد كَثُرت فيهما الروايات، فبعضٌ يروي أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعضٌ يروي أنّ التسبيح أفضل، فالفضل لأيّهما لنستعمله ؟

فأجاب عليه السلام: قد نسَخت قراءة أُمّ الكتاب في هاتين الرّكعتين التسبيح، والذي نَسَخ التسبيح قول العالم: «كلّ صلاةٍ لا قراءة فيها فهي خَداج، إلّاللعليل أو مَنْ يكثر عليه السّهو، فيتخوّف بطلان الصَّلاة عليه»(2).

فلابدَّ وأن يُحمل على الأفضليّة، بل لعلّها الظاهرة منه، كما يشهد به أنّ السؤال وقع عنها بعد المفروغيّة عن أصل الجواز، فيكون الجواب أيضاً مسوقاً لبيان ذلك، أو حمله على غير تلك، لئلّا ينافي ما سبق.

كما أنّ ما عن ظاهر الصدوقين(3) وابن أبي عقيل(4) من تعيّن التسبيح، للنّهي عن القراءة في بعض النصوص الآتية، وللأمر بالتسبيح.

مصادمة للإجماع، وللقطعيّ من النصوص كما في «الجواهر»(5)، فلابدّ من حمل0.

ص: 110


1- التهذيب: ج 2/98 ح 137، وسائل الشيعة: ج 6/108 أبواب القراءة في الصَّلاة 42 ح 3 (7469).
2- الإحتجاج: ج 2/491، وسائل الشيعة: ج 6/127 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 14 (7522).
3- الفقيه: ج 1/209، الهداية: ص 135، وحكاه الشيخ عن والد الصدوق في المختلف: ج 2/148.
4- حكاه الشيخ عن ابن أبي عقيل العماني في المختلف: ج 2/148.
5- جواهر الكلام: ج 9/320.

الأمر على الرخصة، والنهي على إرادة أفضليّة التسبيح، وستعرف ما يقتضيه الجمع بين هذه النصوص وبين ما ينافيها.

أقول: ثمّ إنّ المشهور ثبوت التخيير لناسي القراءة في الأولتين.

وعن الشيخين(1): تعيّن القراءة له.

وعن «الخلاف»(2): (فإنْ نسي القراءة في الأوليتين قرأ في الأخيرتين).

واستدلّ له:

1 - بصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قلتُ له: الرّجل نَسي القراءة في الأولتين، وذكرها في الأخيرتين ؟

فقال عليه السلام: يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأُولتين، ولا شيء عليه»(3).

وفيه: إنّه خارجٌ عن محلّ الكلام، إذ الظاهر منه رجحان القضاء بعد التسليم، نعم بناءً على ما في بعض الكتب(4)، من زيادة (في الأخيرتين) بعد قوله عليه السلام: (في الأُولتين) يكون للاستدلال به وجهٌ ، وإنْ كان يردُ عليه أنّ الظاهر منه حينئذٍ قضاء ما في الأُولتين في الأخيرتين، من غير إخلالٍ بما هو وظيفتهما، وعليه فلعدم القائل به منا يحمل على التقيّة، مع أنّ الزيادة المذكورة لم تثبت.

2 - وبما دلَّ على أنّه: «لا صلاة إلّابفاتحة الكتاب»(5).).

ص: 111


1- حكاه الفاضل المقداد عن الشيخين في التنقيح الرائع: ج 1/205.
2- الخلاف: ج 1/341 المسألة 93.
3- الفقيه: ج 1/344 ح 1003 بتفاوت، وسائل الشيعة: ج 6/94 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 30 ح 6 (7433).
4- كما في الفقيه: ج 1/344 ح 1003، وما شهد بوجدانه في كتب الأخبار المحدِّث البحراني رحمه الله في الحدائق: 421.
5- عوالي اللآلي: ج 1/196، المستدرك: ج 4/158 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 1 ح 5 (4365).

وفيه: إنّه لا يدلّ على لزوم الإتيان بها في أيّ موضع من الصَّلاة شاء، بل مفاده نفي الصَّلاة عند تركها في موضعها المقرّر لها شرعاً، فيكون أجنبيّاً عن ما نحن فيه.

3 - وبخبر الحسين بن حمّاد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأُولى؟ قال عليه السلام: إقرأ في الثانية.

قلت له: أسهو في الثانية ؟ قال عليه السلام: إقرأ في الثالثة.

قلت: أسهو في صلاتي كلّها؟ قال عليه السلام: إذا حفظت الركوع والسّجود فقد تمّت صلاتك»(1).

وفيه: - مضافاً إلى ضعفه في نفسه، وإعراض الأصحاب عنه - أنّه معارضٌ بصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت: الرّجل يَسهو عن القراءة في الرّكعتين الأولتين، فيذكر في الرّكعتين الأخيرتين إنّه لم يقرأ؟

قال: أتمَّ الركوع والسّجود؟

قلت: نعم. قال عليه السلام: إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها»(2).

وموثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «إنْ نَسي أنْ يقرأ في الأُولى والثانية، أجزأه تسبيح الركوع والسّجود»(3).

ولا يمكن الجمع بينهما وبين الخبر، بحمل الخبر على الفضل والاستحباب؛ لظهور الصحيح في أنّ النسيان لا يوجب تغيّر ما هو وظيفة الأخيرتين، فالخبر معارضٌ بالصحيح والموثّق، والترجيح معهما لوجوه لا تخفى .).

ص: 112


1- الفقيه: ج 1/344 ح 1004، وسائل الشيعة: ج 6/93 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 30 ح 3 (7430).
2- التهذيب: ج 2/146 ح 29، وسائل الشيعة: ج 6/92 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 3 ح 1 (7428).
3- التهذيب: ج 2/146 ح 30، وسائل الشيعة: ج 6/90 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 29 ح 3 (7425).
القراءة أفضل أو التسبيح

ثمّ إنّ للأصحاب في ترجيح التسبيح على القراءة خلافٌمنشأه اختلاف الأخبار:

المستفاد من ظاهر الصدوقين(1)، وابن أبي عقيل(2)، والحِلّي(3)، وجماعة من المتأخّرين ترجيحه عليها مطلقاً(4).

أمّاالحلبي(5)، والشهيد(6)، وصاحب «المدارك»(7) فقد رجّحوا القراءة عليه مطلقاً.

وبعضهم قال إنّه للإمام والتسوية في غيره كما في «الشرائع»(8) وعن غيرها(9).

ونُسب إلى المشهور أنّ القراءة للإمام أفضل.

وعن «المنتهى» التسبيح للمأموم والقراءة للإمام، والتساوي للمنفرد(10).

ويشهد لأفضليّة التسبيح:

1 - صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قمتَ في الرّكعتين الأخيرتين، لا تقرأ فيهما، فقل: الحمدُ للّه وسبحان اللّه واللّه أكبر»(11).

ص: 113


1- الهداية: ص 135، وعن والد الصدوق في المختلف: ج 2/148.
2- حكاه العلّامة في المختلف: ج 2/148.
3- السرائر: ج 1/230.
4- كالمحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/388، والمحقّق السبزواري في الذخيرة: ص 271، والسيّد الطباطبائي في الرياض: ج 3/398، وصاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/324.
5- الكافي في الفقه: ص 144.
6- الشهيد في اللّمعة الدمشقيّة: ص 33.
7- مدارك الأحكام: ج 3/345.
8- شرائع الإسلام: ج 1/82.
9- كالعلّامة في قواعد الأحكام: ج 1/273، والشهيد في البيان: ص 160، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ج 2/208، ونسبه الشهيد الثاني إلى المشهور في الفوائد العليّة كما عن الجواهر: ج 9/322.
10- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/275.
11- التهذيب: ج 2/99 ح 140، وسائل الشيعة: ج 6/124 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 7 (7515).

2 - وخبر ابن عمران: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام: لأيّ علّة صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة ؟

قال عليه السلام: إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة، لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا كان في الأخيرتين، ذكر ما رأى من عظمة اللّه عزّ وجلّ فدهش، فقال: سُبحان اللّه والحَمدُ للّه ولا إله إلّااللّه واللّهُ أكبر، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة»(1).

3 - وصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّه قال: عشرة ركعات - إلى أنْ قال - فزاد النبيّ صلى الله عليه و آله سبع ركعات ليس فيهنّ قراءة»(2). ونحوها غيرها.

إلّا أنّه تعارضها طائفتان من النصوص:

إحداهما: ما هو صريح في المساواة، وعدم أفضليّة إحداهما على الاُخرى ، كموثّق ابن حنظلة المتقدّم(3).

ثانيتهما: ما دلَّ على أفضليّة القراءة مطلقاً:

1 - كالتوقيع المرويّ عن الحميري، المتقدّم في أوّل المبحث.

2 - وخبر محمّد بن حكيم: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام: أيّما أفضل القراءة في الرّكعتين الأخيرتين أو التسبيح ؟ فقال عليه السلام: القراءة أفضل»(4).

وقريبٌ منهما غيرهما.

أقول: إنّ الجمع بين هذه الطوائف، يقتضي حمل نصوص أفضليّة التسبيح على المأموم، ونصوص أفضليّة القراءة على الإمام، ونصوص المساواة على المنفرد، بشهادة جملةٍ من النصوص:).

ص: 114


1- الفقيه: ج 1/309 ح 924، وسائل الشيعة: ج 6/123 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 3 (7511).
2- الكافي: ج 3/272 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/109 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 6 (7472).
3- التهذيب: ج 2/98 ح 137، وسائل الشيعة: ج 6/108 أبواب القراءة في الصَّلاة باب 42 ح 3 (7469).
4- التهذيب: ج 2/98 ح 138، وسائل الشيعة: ج 6/125 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 10 (7518).

منها: صحيح معاوية بن عمّار: «سألتُ أبا عبد اللّه عن القراءة خلف الإمام في الرّكعتين الأخيرتين ؟ فقال عليه السلام: الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، ومَنْ خَلفه يسبّح، فإذا كنتَ وحدك فاقرأ فيهما وإنْ شئتَ فسبّح»(1).

2 - وصحيح منصور، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كنتَ إماماً فاقرأ في الرّكعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وإنْ كنتَ وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل»(2).

وقريبٌ منهما صحيحتا زرارة(3) وجميل(4).

وظاهرها وإنْ كان تعيّن الفاتحة على الإمام، إلّاأنّها تُحمل على الفضل؛ للروايات الصريحة في عدم التعيّن، كصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام إنّه قال:

«لا تقرأنّ في الرّكعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئاً، إماماً كنتَ أو غير إمام.

قلت: فما أقول فيهما؟

قال عليه السلام: إنْ كنتَ إماماً فقل: سبحان اللّه والحَمدُ للّه ولا إله إلّااللّه واللّه أكبر ثلاث مرّات، ثمّ تُكبّر وتركع»(5).

المحمول على نفي وجوبها الثابت في الأوليين، أو نفي كونها من حيث إنّها قراءة معتبرة فيهما، وإنْ جاز الإتيان بها من حيث إنّها ذكرٌ ودعاء، كما يشهد به صحيح ابن زرارة:).

ص: 115


1- الكافي: ج 3/319 ح 1، الفقيه: ج 1/378 ح 1103، وسائل الشيعة: ج 6/108 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 3 (7468).
2- التهذيب: ج 2/99 ح 139، وسائل الشيعة: ج 6/126 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 11 (7519).
3- الفقيه: ج 1/392 ح 1161، وسائل الشيعة: ج 8/355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3 (10886).
4- التهذيب: ج 2/295 ح 42، وسائل الشيعة: ج 6/108 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 4 (7470).
5- الفقيه: ج 1/392 ح 1159، وسائل الشيعة: ج 6/122 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 1 (7509).

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّكعتين الأخيرتين من الظهر؟

قال: تسبّح وتستغفر، وإنْ شئتَ فاتحة الكتاب فإنّها تحميدٌ ودعاء»(1).

كما أنّ ظهورها في تعيّن التسبيح لابدَّ وأن تُرفع اليد عنه، للأخبار المتضمّنة لأفضليّة التسبيح، الدالّة على جواز تركه والإتيان بالقراءة.

أقول: والإشكال في الجمع المزبور، بظهور بعض النصوص في أفضليّة التسبيح حتّى للإمام:

منها: خبر رجاء بن أبي ضحّاك: «أنّه صَحب الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو، فكان يسبِّح في الأخراوين...»(2).

ومنها: صحيح محمّد بن قيس - أو موثّقه - عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صَلّى يقرأ في الأولتين من صلاته الظهر سرّاً، ويسبّح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء... إلى آخره»(3).

وتشير إليه النصوص الدالّة على أنّ المجعول في الأخيرتين هو التسبيح، في غير محلّه.

إذ خبر رجاء ضعيف السّند جدّاً، والموثّق حكايةُ عملٍ مجملٍ ، لإحتمال أنْ يكون المراد وقت ما يُصلّي وحده، أو خلف من يقرأ خلفه، والنصوص الدالّة على أنّ المجعول فيهما التسبيح، محمولة على أنّه مجعولٌ ابتداءً كما عرفت آنفاً.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى أنّ الأفضل للإمام القراءة، وللمأموم التسبيح، وللمنفرد هما سواء.).

ص: 116


1- التهذيب: ج 2/98 ح 136، وسائل الشيعة: ج 6/107 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 1 (7467).
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/182، وسائل الشيعة: ج 6/110 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 8 (7474).
3- التهذيب: ج 2/97 ح 130، وسائل الشيعة: ج 6/125 أبواب القراءة في الصَّلاة ب ب 51 ح 9 (7517).

وصَوُرته: سُبحان اللّه والحَمدُ للّهِ ولا إله إلّااللّه واللّه أكبر.

إجزاء المرّة من التسبيحات

ثمّ إنّه لأصحابنا في تعيين الذِّكر الواجب في الأخيرتين، كمّاً (و) كيفاً أقوال:

فعن الشيخين(1)، والفاضلين(2)، والشهيدين(3)، وغيرهم(4): أنّ (صورته سُبحان اللّه، والحَمدُ للّهِ ، ولا إله إلّااللّه، واللّه أكبر)، ويُجزي ذلك مرّة واحدة.

بل عن «المقاصد العليّة»(5) إنّه الأشهر.

بل حُكي(6) الإجماع عليه في بعض الطبقات.

ويشهد له: صحيح زرارة، وفيه: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: ما يُجزي من القول في الرّكعتين الأخيرتين ؟ قال: أن تقول: سبحان اللّه والحَمدُ للّهِ ولا إله إلّااللّه واللّه أكبر، وتكبّر وتركع»(7).

وظهوره في الاكتفاء بالمرّة - خصوصاً بضميمة تعرّضه عليه السلام لبيان تكبير الركوع مع عدم السؤال عنه - لا يُنكر، بل لا يَبعُد صراحته في ذلك.

والإيراد عليه:(8) بأنّ في طريقه محمّد بن إسماعيل، وهو مشتركٌ بين جماعةٍ

ص: 117


1- المفيد في المقنعة: ص 113، والشيخ الطوسي في النهاية: ص 76.
2- المحقّق في الشرائع: ج 1/66، والعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 1/275.
3- الشهيدالأوّل في الذكرى : ص 188 (ط. ق)، والألفيّة والنفليّة: ص 85، والشهيدالثاني في روض الجنان: ص 261.
4- كالكركي في جامع المقاصد: ج 2/206، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع: ج 1/205.
5- المقاصد العليّة: ص 144.
6- حكاه صاحب الجواهر عن كتاب المصابيح الطباطبائيّة، الجواهر: ج 10/34.
7- الكافي: ج 3/319 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/109 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 5 (7471).
8- الظاهر أنّ الإيراد للسيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 3/380.

منهم الضعيف، ولا قرينة على تعيينه.

في غير محلّه: - إذ مضافاً إلى أنّ الكليني رحمه الله رواه مقتصراً عليه(1)، والشيخ ذَكره في كتابيه في صدر الأخبار الواردة في الباب(2)، ووَصَفه جماعةٌ من الأساطين منهم المصنّف(3) والشهيد(4) والمحقّق الثاني(5) بالصحّة، بل عن المصنّف في «المنتهى»(6): (إنّه وصحيح الحلبي أصحّ ما بلغنا في هذا الباب) - أنّ محمّد بن إسماعيل هذا يُعرَف بالبندقي وهو نيسابوريٌ ، وهو من مشايخ الإجازة، وروى عنه الكليني رحمه الله ما يزيد على خمسمائة حديث على ما عن «الفوائد النجفيّة»(7)، وهذا كاشفٌ عن جلالة قدره، بل عدالته.

هذا مضافاً إلى ما في «المدارك»(8) من أنّ الظاهر أنّ كتب الفضل رحمه الله كانت موجودة بعينها في زمن الكليني، وأنّ محمّد بن إسماعيل هذا ذُكر لمجرّد اتّصال السند، فالصحيح من حيث السند والدلالة ممّا لا مجال للخدشة فيه.

وعن صريح «النهاية»(9)، و «الاقتصاد»(10)، و «مختصرالمصباح»(11)،2.

ص: 118


1- الكافي: ج 3/319 ح 2.
2- التهذيب: ج 2/98، كتاب الصَّلاة ب 8 ح 135، الاستبصار: ج 1/321 أبواب كيفيّة الصَّلاة ب 180 ح 1.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/275.
4- الذكرى : ص 188.
5- جامع المقاصد: ج 2/256.
6- بل في مختلف الشيعة: ج 2/147-148 (الاختلاف في قدر التسبيح).
7- للشيخ سليمان الماحوزي البحراني قدس سره، وذكر السيّد الخوئي قدس سره فيما استدل به على وثاقته أنّه (روى عنه زهاءستمائة مورد في الكافي) راجع: معجم رجال الحديث: ج 16/98 تحت الرقم (10264).
8- مدارك الأحكام: ج 3/380.
9- النهاية: ص 76.
10- الإقتصاد: ص 261.
11- حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 4/32.

و «التلخيص»(1)، و «البيان»(2)، وظاهر «الشرائع»(3)، و «الذكرى»(4): لزوم تكرار الذِّكر المذكور ثلاثاً.

وفي «المدارك»(5): لم نقف له على مستندٌ.

واستدلّ له:

1 - بتوقّف اليقين بالبراءة من يقين الشُّغل على الإتيان به.

2 - وبأصالة تقارب البدل والمبدل عنه، الحاصل في الفرض.

3 - وبفتوى مَنْ عُلم مِنْ حالهم عدم ذكر ذلك منهم إلّابنصّ .

4 - وبما رواه ابن إدريس في آخر «السرائر»(6) نقلاً عن كتاب حريز، عن زرارة، عن الباقر عليه السلام: «إذا كنتَ إماماً أو وحدك فقل: سُبحان اللّه والحَمدُ للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ثلاث مرّات، ثمّ تكبّر وتركع».

5 - وبخبر رجاء المتقدّم.

أقول: وفي الجميع نظر:

إذ أصالة الاحتياط - مضافاً إلى أنّه لا يُرجع إليها في أمثال المورد - لكونه من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين، والمرجع فيه أصالة البراءة - أنّه لا مورد لها، بعد دلالة الدليل على إجزاء المرّة.

وأصالة تقارب البدل والمبدل منه لا أصل لها.

وفتوى الأساطين يمكن أن تكون لبعض ما ذُكر.5.

ص: 119


1- تلخيص المرام (من سلسلة الينابيع الفقهيّة): ص 563.
2- البيان: ص 83.
3- شرائع الإسلام: ج 1/66.
4- الذكرى : ص 188 (ط. ق).
5- مدارك الأحكام: ج 3/379.
6- السرائر: ج 3/585.

وخبر زرارة رواه ابن إدريس في «المستطرفات» بإسقاط التكبير، ورواه في «الفقيه»(1) مثله، إلّاأنّه زاد فيه بعد التسبيحات، تكملة تسع تسبيحات، و (أو وحدك) بعد قوله عليه السلام: (إنْ كنتَ إماماً).

ونَسب العلّامة رحمه الله(2) القول بالتسع إلى حريز، وذكر الخبر شاهداً له.

أقول: وعلى هذا، فالمتعيّن البناء على السقوط:

إمّا للوثوق بروايته.

أو لأنّ الأصل فيما دار الأمر بين الثبوت والسقوط يقتضيه.

والجمع بينه حينئذٍ وبين صحيح زرارة، يقتضي التخيير بين الأربع والتسع.

ولو سَلّمنا ثبوت التكبير، فالمتعيّن حمله حينئذٍ على الاستحباب، أو الوجوب التخييري، للجمع بينه وبين صحيح زرارة المتقدّم.

وأمّا خبر رجاء فقد مرَّ أنّه ضعيف السند.

وأيضاً: ممّا ذكرناه ظهر مستند من قال بوجوب تسع تسبيحات، كحريز، والصدوقين(3)، وابن أبي عقيل(4)، وأبي الصّلاح(5)، وما يمكن أن يورد عليه.

وعن الشيخ في بعض كتبه(6)، والسيّد في جُمله(7) ومصباحه(8)، و «الغُنية»(9)7.

ص: 120


1- الفقيه: ج 1/392 ح 1159، وسائل الشيعة: ج 6/122 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 1 (7509).
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/275.
3- عن والد الصدوق في المقنع: ص 113، وذهب إليه الصدوق في الفقيه: ج 1/392 ح 1159.
4- حكاه عنه في المختلف: ج 2/148.
5- الكافي في الفقه: ص 117.
6- كمصباح المتهجّد: ص 44، والمبسوط: ج 1/106، والجمل والعقود: ص 69، وعمل يوم وليلة (ضمن الرسائل العشر) ص 142.
7- جمل العلم والعمل (الرسائل العشر): ج 3/33.
8- حكاه المحقّق عن مصباح السيّد في المعتبر: ج 2/189.
9- غنية النزوع: ص 77.

وغيرها(1): لزوم عشر تسبيحات، بإثبات التكبير في الأخيرة وإسقاطه في الأوليين، واستدلّ له بصحيح زرارة المرويّ من «المستطرفات» و «الفقيه»، بدعوى أنّ المراد من (تكبّر) غير تكبير الركوع.

وفيه: إنّه خلاف الظاهر، فلاحظ.

وعن الحلبي(2): القول بكفاية ثلاث تسبيحات، بإسقاط التكبير، ولم أرَ له مستنداً.

وعن بعضٍ (3): الاكتفاء بثلاث تسبيحات بإسقاط التهليل، ويشهد له صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قمتَ في الرّكعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل:

الحمدُ للّه وسُبحان اللّه واللّه أكبر»(4).

ولكن لعدم القائل ممّن يعتمد عليه به، لا يكون الاعتماد عليه موافقاًللاحتياط.

وعن ابن سعيد(5): الإكتفاء بسبحان اللّه ثلاثاً، لخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أدنى ما يُجزي من القول في الرّكعتين الأخيرتين، ثلاث تسبحات أن تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه»(6).

وفيه: إنّ الخبر ضعيفُ السند؛ لأنّ في طريقه محمّد بن علي الهَمْداني وهو).

ص: 121


1- كالشيخ علي بن محمّد القمّي في جامع الخلاف والوفاق ص 68، وسلار الديلمي في المراسم ص 77، والقاضي في شرح الجمل ص 93.
2- حكاه عنه في المنتهى (ط. ق): ج 1/275، والموجود في كتاب «الكافي في الفقه» لأبي الصّلاح الحلبي: (وعلى جهة التخيير في الرّكعتين الأخرتين من الرباعيّات وثالثة المغرب بين الحمد وحدها وبين ثلاث تسبيحات سبحان اللّه والحمدُ للّه ولا إله إلّااللّه).
3- نسب إلى الإسكافي في المختلف: ج 2/148.
4- التهذيب: ج 2/99 ح 140، وسائل الشيعة: ج 6/124 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 51 ح 7 (7515).
5- الجامع للشرائع: ص 80.
6- الفقيه: ج 1/392 ح 1160، وسائل الشيعة: ج 6/109 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 7 (7473).

مشتركٌ بين ابن سمينة الضعيف جدّاً وغيره.

وعن ابن طاووس(1) والمجلسي(2): الاجتزاء بمطلق الذِّكر، واستدلّ له:

1 - بموثّق ابن حنظلة المتقدّم في أوّل المبحث.

2 - وبصحيح عُبيد: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّكعتين الأخيرتين من الظهر؟

قال عليه السلام: تُسبّح وتَحمد اللّه وتستغفر لذنبك، فإنْ شئتَ فاتحة الكتاب فإنّها تحميدٌ ودعاء»(3).

3 - وبصحيح زرارة في المأموم المسبوق: «وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنّما هو تسبيحٌ وتكبير وتهليل ودعاء، ليس فيهما قراءة»(4)، بجعل الواو بمعنى (أو).

أقول: وفي الجميع نظر:

إذ الذِّكر في الموثّق الذي ذُكر في آخره التسبيح لا إطلاق له، لإحتمال أنْ يكون المراد التسبيحة الكبرى المعروفة، كما هو متعارف فيما لا يحسن تكراره في كلّ خطابٍ ، وله صورة معروفة.

وأمّا صحيح عبيد: فهو لا يدلّ على كفاية مطلق الذِّكر، وإنّما يدلّ على لزوم التحميد والتسبيح، وحيثُ أنّ كلّ من قال بوجوبهما، فقد أوجب التهليل والتكبير عدا من لا يُعبأ بخلافه، فهو يؤيّد القول بالأربع، كما أنّ حمل الواو على معنى (أو) لا شاهد له.

ومنه يظهر الإشكال في صحيح زرارة.).

ص: 122


1- نسبه لابن طاووس الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 189 (ط. ق).
2- بحار الأنوار: ج 82/89.
3- التهذيب: ج 2/98 ح 136، وسائل الشيعة: ج 6/107 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 42 ح 1 (7467).
4- التهذيب: ج 3/45 ح 70، وسائل الشيعة: ج 8/388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4 (10977).

وممّا ذكرناه يظهر ضعف الأقوال الاُخر، مثل التخيير بين جميع ما في أخبار الباب(1) وغيره(2)، فلا حاجة إلى تطويل الكلام في ذلك.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو التخيير بين الأربع والتسع، والأُولى أحوط، والأولى تكرار التسبيحات الأربع ثلاثاً، فتدبّر، وأولى منه إضافة الاستغفار إليها؛ لصحيح عُبيد المتقدّم، والظاهر أنّ المراد منه مطلق الدّعاء، لا خصوص الاستغفار، كما يشير إليه صحيح زرارة الوارد في المأموم المسبوق.

وعن جماعةٍ (3): وجوب الدّعاء للصحيحين.

وفيه: إنّه يتعيّن حملهما على الاستحباب، لصحيحي زرارة المتقدّمين النافيين لوجوب غير التسبيحات.

***0.

ص: 123


1- كما ذهب إليه المحقّق في المعتبر: ج 2/190، والسيّد العاملي في المدارك: ج 3/381، والسبزواري في الذخيرة: ص 270، والمحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/416.
2- مثل: (التخيير بين ما ورد في خصوص الصحاح، والتخيير بين ما في صحيحي زرارة، والتخيير بين الأربع والتسع والعشر والإثنتي عشرة، والتخيير بين العشر والإثنتي عشرة). مستمسك العروة الوثقى: ج 6/259، وانظر مفتاح الكرامة (ط. ق): ج 2/375.
3- نقل صاحب الجواهر والسيّد الحكيم حكاية الوجوب عن البهائي وصاحب المعالم وولده رحمهم الله. الجواهر: ج 10/41، والمستمسك: ج 6/260.
مسائل:
الخَلل في القِراءة
اشارة

مسائل:

المسألة الأُولى : يجبُ قراءة الحمد والسّورة بناءً على وجوبها بتمامهما، ولا يجوزُ الإخلال بشيءٍ من الكلمات والحروف، أو تبديل حرفٍ بحرف، حتّى الصاد بالسين إنْ كان ممنوعاً في المحاورة إجماعاً كما عن «كشف اللّثام»(1) وغيره(2)؛ لأنّ (الحمد) مثلاً اسمٌ لمجموع السّورة المعيّنة المنتفية بانتفاء جزءٍ منها.

وكذلك لا يجوز الإخلال بحركة بناءٍ أو إعراب أو سكونٍ لازم، سواء أوجب الإخلال تغيّر المعنى أم لم يوجبه، لخروج اللّفظ بفقدان الصورة أيضاً عن كونه قرآناً، إذ لا ريب في أنّه كما تكون للقرآن مادّة مخصوصة، كذلك تكون له صورة خاصّة، فهي أيضاً ممّا له دخلٌ في قوام المسمّى، ولكن على وجهٍ لا ينافيه اختلاف الحركة والسكون الناشئ من الوقف أو الوصل.

أقسام المَدّ

وأمّا المَدّ: فهو على أقسام:

القسم الأوّل: ما إذا كان بعد أحد حروف المَدّ، وهي:

الواو المضموم ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها همزة، وكان في كلمة واحدة، ويسمّى بالمَدّ المتّصل، مثل: جاء، وسوء، وجِىء.

ص: 124


1- كشف اللِّثام: ج 4/8.
2- كما عن المعتبر: ج 2/216، والمنتهى (ط. ق): ج 1/273، والذخيرة: ص 273.

والظاهر عدم لزومه، لعدم الشاهد عليه من اللّغة، وعدم التعرّض له في علمي النحو والصرف.

وقد استدلّ للزومه:

1 - بمرفوع ابن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّ ابن مسعود كان يُقرئ رجلاً فقرأ الرّجل إِنَّمَا اَلصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ اَلْمَساكِينِ مرسلةً ، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فقال: كيف أقرأها يا أبا عبد الرحمن ؟

فقال: أقرأنيها إِنَّمَا اَلصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ اَلْمَساكِينِ (1) فمدّها»(2).

2 - وبأنّه الثابت عن النبيّ صلى الله عليه و آله بالطرق المتواترة.

أقول: وفيها نظر:

أمّا المرفوع فعلى فرض صحّة سنده، فهو حكاية فعلٍ مجملٍ لا يمكن استفادة الحكم الكلّي منه، كما إنّ التواتر ممنوع.

ودعوى: أنّه بما أنّ اللّازم قراءة ما نزل على النبيّ صلى الله عليه و آله، ويحتمل أنْ يكون نزولها مع المدّ، فمقتضى القاعدة رعايته.

مندفعة: بأنّ اللّازم هو قراءة القرآن بمادته وصورته الّتي لها دخلٌ في صدق القرآنيّة.

وبعبارة اُخرى: الإتيان بنحوٍ يصدق عليه القرآن، ولا ريب في أنّ ما لم يدلّ على دخله في المسمّى دليلٌ من القواعد العربيّة والروايات، لا يضرّ الإخلال به، ولا يوجبُ عدم صدق القرآن عليه، وإنْ شئتَ فاختبر ذلك من حال مَنْ قرأ شعر5.

ص: 125


1- سورة التوبة: الآية 60.
2- رواه الطبراني في المعجم الكبير: ج 9/138، والهيثمي في مجمع الزوائد: ج 7/155.

إمرئ القيس على وفق ما تقتضيه القواعد العربيّة، ولكنّه لم يقرأه مع جميع المحسّنات التي أنشأ إمرء القيس معها، فإنّه لا ريب في أنّ من سلبه عنه يعدّ كاذباً في سلبه.

وعلى هذا فلا اعتبار بكلّ ما لا يكون دخيلاً فيه بمقتضى القواعد العربيّة، ولم يدلّ دليلٌ على اعتباره مقتضى القاعدة.

القسم الثاني: ما إذا كان أحد حروف المدّ مع الهمزة في كلمتين، ويسمّى بالمنفصل، فعدم لزومه واضح، بل سُمّي عندهم أيضاً بالجائز.

القسم الثالث: ما إذا كان بعد أحد حروف المدّ سكونٌ لازم، ويكون الحرف السّاكن مُدغَماً في حرفٍ آخر، مثل (الضالين)، ويُسمّى لازماً مشدّداً. ويجب هذا المدّ بمقدارٍ يتوقّف أداء الكلمة على وضعها الأولى عليه، وأمّا الزائد عليه فلم يدلّ عليه دليل.

القسم الرابع: ما إذا كان بعد أحد حروف المدّ سكونٌ لازم، وكان السّاكن غير مدغم، كما في فواتح السّور من (ص) و (ق) ونحوهما. وحكمه ظهر ممّا ذكرناه في سابقه.

كما أنّه ظهر ممّا ذكرناه، عدم لزوم الإمالة والترقيق ونحوهما ممّا التزم به القُرّاء.

الإدغام الواجب

وأمّا الإدغام: فهو على قسمين:

إدغامٌ واجبٌ ، وإدغامٌ غير واجب. وللأوّل موارد:

منها: ما إذا اجتمع مِثْلان ساكنان في كلمة واحدة.

ص: 126

فقد صَرّح غير واحدٍ(1) بوجوبه، وعن «فوائدالشرائع»(2) لا نعرف فيه خلافاً.

ويشهد له: أنّه يلزم فوات الموالاة بفكّه.

ومنها: ما إذا كان الأوّل ساكناً، والثاني متحرِّكاً، ولم يكن الأوّل حرف مدٍّ أصلي:

فعن «الشافية» وشرحها للرّضي(3) وجوبه، وادّعى أنّ عليه الإجماع(4).

والظاهر أنّ الإدغام حينئذٍ من ضروريّات النطق.

ومنها: إدغام لام التعريف، واللّام مع الألف في أربعة عشر حرفاً، وهي: التاء والثاء، والدّال والذّال، والرّاء والزّاء، والسّين والشّين، والصّاد والضّاد، والطّاء، والظّاء، واللّام، والنون. وقد صرّح غير واحدٍ بوجوبه(5).

وعن «المنتهى»(6) و «التذكرة»(7): دعوى الإجماع عليه.

ومنها: إدغام التنوين والنّون السّاكنة إذا وقع بعدهما أحد حروف (يرملون)، كما عن ابن الحاجب والرَّضي(8) التصريح بوجوبه، بل لا خلاف فيه بين القُرّاء، كما أنّهم أوجبوا إظهارهما إذا وقع بعدهما أحد حروف الحلق، والإخفاء في البواقي.0.

ص: 127


1- كالشهيد الأوّل في البيان: ص 82، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/245، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 1/203.
2- فوائد الشرائع (مخطوط): ص 27، حكاه عنه صاحب الجواهر: ج 9/287.
3- شرح شافية ابن الحاجب: ج 3/249.
4- حكاه صاحب الجواهر عن الأصحاب، الجواهر: ج 9/290.
5- كالشيخ كاشف الغطاء في تعليقته على العروة الوثقى: ج 2/516، والشيخ الأنصاري في كتاب الصَّلاة: ج 1/365، والمحقّق الهمداني في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/273 ق 1.
6- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/273.
7- تذكرة الفقهاء: ج 3/140.
8- شرح شافية ابن الحاجب للرَّضي رحمه الله: ج 3/267 و 280.

ومنها: ما إذا اجتمع متقاربان، وكان كلٌّ منهما ساكناً، أو كان الأوّل كذلك، فإنّه حُكي(1) الإتّفاق على لزومه، نحو: إِذْ ظَلَمُوا و قَدْ تَبَيَّنَ ، و قُلْ رَبِّي .

ومنها: ما إذا كان المِثْلان متحرِّكين، وكانا في آخر الكلمة، ولم يكن الأوّل منهما مُدغماً فيه، فإنّه لا خلاف ظاهراً في وجوب الإدغام فيه في الفعل أو في الاسم المشابه للفعل غالباً.

القسم الثاني: وهو الإدغام غير الواجب بالإتّفاق، وهو ما إذا كان المتماثلان أو المتقاربان متحرّكين، ولم يكونا في آخر الكلمة، نحو: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ .

أقول: لا يخفى أنّ وجوب الإدغام في بعض الموارد المتقدّمة، لا يخلو عن نظر، فالضابط ما ذكرناه في المدّ فراجع(2).

ومنه يظهر حال التشديد، وحذف همزة الوصل، وإنْ نصّ على لزوم الثاني أهل العربيّة كابن الحاجب(3) وغيره(4).

وأمّا إثبات همزة القطع، فلا إشكال في وجوبه، وإلّا لزم الإخلال بالحرف، وقد عرفت عدم جوازه.

***5.

ص: 128


1- حكاه صاحب الجواهر: ج 9/289.
2- صفحة 126 من هذا المجلّد.
3- شافية ابن الحاجب ضمن شرح الرّضي رحمه الله: ج 2/265.
4- كالرَّضي في شرح الشافية: ج 2/265، وابن مالك في ألفيّته، وابن عقيل في شرحها: ج 2/545.
الوقف بالحركة، والوصل بالسّكون

أقول: بقى في المقام أمران:

الأمر الأوّل: حكم الوقف بالحركة والوصل بالسّكون.

فعن المجلسي رحمه الله(1): اتّفاق القُرّاء وأهل العربيّة على عدم جواز الأوّل.

واختار بعضٌ (2) جوازه، لعدم الدليل على البطلان، مع إتيان الكلمة على حسب ما يقتضيه وضعها الأفرادي والتركيبي، واتّفاق القُرّاء لا يفيد، لأنّ مخالفتهم لا توجب الإخلال بالكلام، ولا دليل على وجوب قراءة القُرآن على النهج العربي، فمخالفة أهل العربيّة لا تضرّ.

وفيه: ما عرفت من أنّ الصورة مقوّمة للقرآن كالمادّة، ويخرج اللّفظ بفقدانها عن كونه قرآناً.

وعليه، فالأقوى عدم جوازه، لتصريح أهل العربيّة بعدم الجواز.

فما عن «المستند»(3)، والشيخ الأعظم(4) من جوازه ضعيفٌ .

وعن الشهيد الثاني(5) وكاشف الغطاء(6): جاز الوصل بالسكون، لأنّه ليس مخالفاً لقانون اللّغة.

ص: 129


1- أي المجلسي الأوّل رحمه الله، بحار الأنوار: ج 82/8.
2- هو المحقّق النراقي في المستند: ج 5/78، وتبعه الشيخ الأنصاري في كتاب الصَّلاة: ج 1/425.
3- مستند الشيعة: ج 5/78.
4- كتاب الصَّلاة: ج 1/425.
5- روض الجنان: ص 244 و 268.
6- كشف الغطاء: ج 1/237.

أقول: لا ريب في أنّ مقتضى القواعد العربيّة عدم جوازه، سواءٌ أكانت حركة آخر الكلمة دخيلةً في وضعها، كضمّ تاء (أَنْعَمْتَ )، أو كان دخول الحركة لمقتضٍ آخر، كحركة (الدِّينِ ) كما يشهد له استثنائهم خصوص حال الوقف.

ودعوى: إنّه لم يُعلم من الواضع في القسم الثاني، أنّه ألزم الناس أنْ لا يتكلّموا بهذه الألفاظ مجرّدة عن الحركة، إلّافي حال الوقف، بل القدر المسلم إنّه عند وجود الدّاعي إلى إيجاد الكلمة محرّكةً يجب مراعاة الحركة المخصوصة.

مندفعة: بأنّ الظاهر من كلماتهم وجوب التحريك في الوصل، وهذا الإتّفاق كاشفٌ عن أنّ الواضع جعل الرفع للفاعل مثلاً إلّافي حال الوقف، ففي حال الوصل لو قرأ ساكناً لزم الإخلال بالهيئة المقوّمة للقرآن، وهو ممنوعٌ .

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم جواز الوقف بالحركة، والوصل بالسّكون.

***

ص: 130

القراءات السّبع

الأمر الثاني: لا ينبغي الشكّ في جواز القراءة بإحدى القراءات السّبع، والقُرّاء السبعة هم: نافع، وابنُ كثير، وابن عامر، وابو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي.

ونُسب إلى المشهور(1): وجوب القراءة بأحدها، واستدلّ له:

1 - باتّفاق المسلمين على جواز القراءة بها، وغيرها مختلفٌ فيه، فمقتضى قاعدة الاحتياط الإتيان بإحداها.

2 - وبتواترها عن النبيّ صلى الله عليه و آله، أو تواتر جواز القراءة بها عنه صلى الله عليه و آله.

3 - وبجملةٍ من النصوص:

منها: مرسل محمّد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«قلت له: جُعِلتُ فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نُحسِن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم ؟

فقال عليه السلام: لا، اقرأوا كما تعلّمتم، فسيجيءُ مَن يعلّمكم»(2).

ومنها: خبر سالم بن أبي سلمة، قال: «قرأ رجلٌ على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: كُفَّ عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم قَرأ كتابَ اللّه على حَدّه، وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السلام»(3).

ص: 131


1- نسبه العاملي في مفتاح الكرامة (ط. ق): ج 2/390 إلى أكثر علمائنا.
2- الكافي: ج 2/619 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/163 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 74 ح 2 (7631).
3- الكافي: ج 2/633 ح 23، وسائل الشيعة: ج 6/162 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 74 ح 1 (7630).

ومنها: خبر سفيان بن السَّمط: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن تنزيل القرآن، فقال:

اقرءُوا كما عُلِّمتُمْ »(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّ مقتضى القاعده كفاية القراءة على النهج العربي، فراجع ما ذكرناه في المَدّ(2).

وأمّا الثاني: فعن جماعةٍ من الأساطين(3) إنكار التواتر عن النبيّ صلى الله عليه و آله، وتشهد به جملة من النصوص:

منها: صحيح الفضيل: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ النّاس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ؟

فقال عليه السلام: كذبوا أعداء اللّه، ولكنّه نزل على حرفٍ واحد من عند الواحد»(4).

ونحوه غيره.

وعليه، فلابدَّ من حمل ما دلَّ على نزول القرآن على سبعة أحرف، على التقيّة أو غيرها لئلّا ينافي ذلك.

وأمّا تواتر جواز القراءة بها عنه صلى الله عليه و آله، فيدفعه قراءة المسلمين في أوّل الإسلام، لتأخّر أزمنة القُرّاء السبعة، فلا محالة الناس كانوا يقرأون قبل هؤلاء بغير قراءاتهم.

وأمّا النصوص: فلأنّ الظاهر منها المنع من قراءة الزيادات المرويّة عنهم، ولا3.

ص: 132


1- الكافي: ج 2/631 ح 15، وسائل الشيعة: ج 6/163 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 74 ح 3 (7632).
2- صفحة 125 من هذا المجلّد.
3- منهم الشيخ في التبيان: ج 1/7، والسيّد ابن طاووس في سعد السعود: ص 283، والسيّد نجم الدين الرّضي في موضعين من شرح الكافية كما عن السيّد نعمة اللّه الجزائري في نور البراهين: ج 1/531، والخوانساري والبهائي كما عن السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 2/392، والميرزا القمّي في القوانين ص 403، والشيخ الآخوند في كفاية الاُصول: ص 285، والسيّد الخوئي في البيان: ص 151، وغيرهم.
4- الكافي: ج 2/630 ح 13، تفسير نور الثقلين: ج 1/168 ح 573.

تدلّ على ترجيح قراءةٍ على اُخرى.

نعم، هي تدلّ على جواز القراءة بما يُعلم مخالفته للقرآن المنزل.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى جواز القراءة على النهج العربي، وإنْ كانت مخالفةً للقراءات السبع.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يَرجع الاختلاف إلى الاختلاف في المؤدّى، فإنّ القاعدة تقتضي عدم جواز قراءة ما خالف القرآن المُنزل كما عرفت، ولكن يخرج عنها بالإجماع على جواز القراءة بما يتداوله القُرّاء، المعتضد بالسيرة القطعيّة في زمانهم على القراءة به، المؤيّد بالنصوص المتقدّمة.

وأخيراً: منه يظهر أنّ ما ورد في صحيح داود والمُعلّى بن خنيس، قالا:

«كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال عليه السلام: إنْ كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضالّ »(1).

لابدَّ وأن يُحمل على بعض الوجوه غير المنافية لما سبق.

***).

ص: 133


1- الكافي: ج 2/634 ح 27، وسائل الشيعة: ج 6/163 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 74 ح 4 (7633).
جُزئيّة البَسملة من كلّ سورة
اشارة

المسألة الثانية: البسمله آيةٌ من الفاتحة وغيرها، تجب قراءتها معها ومع السّورة الّتي بعدها، بناءً على وجوب السّورة.

أمّا الأوّل(1): فهو قولُ علمائنا أجمع، وأكثر أهل العلم، كما في «المدارك»(2)، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن السَّبع المثاني والقرآن العظيم، هي الفاتحة ؟ قال: نعم.

قلت: بسم اللّه الرحمن الرحيم من السَّبع ؟ قال: نعم هي أفضلهنّ »(3).

ونحوه غيره.

نعم، بعض النصوص تدلّ على جواز تركها، كصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن الرّجل يكون إماماً، فيستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ؟ فقال: لا بأس ولا يضرّه»(4).

لكنّه لابدَّ وأن يُحمل على التقيّة، لمعارضته مع النصوص المتقدّمة المعتضدة بحكاية الإجماعات القطعيّة على خلافه، ويؤيّده فرض السائل المُصلّي إماماً كما لا يخفى .

ص: 134


1- أي كونها من الفاتحة يجب قراءتها.
2- مدارك الأحكام: ج 3/339.
3- التهذيب: ج 2/289 ح 13، وسائل الشيعة: ج 6/57 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 11 ح 2 (7337).
4- التهذيب: ج 2/68 ح 15، وسائل الشيعة: ج 6/62 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 12 ح 5 (7352).

وأمّا الثاني: فعليه الإجماع، كما عن جماعةٍ من الأساطين حكايته(1)، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار: «قلتُ لأبي عبد اللّه: إذا قمتُ إلى الصَّلاة أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ؟ قال: نعم.

قلت: إذا قرأتُ فاتحة الكتاب أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ؟ قال: نعم»(2).

ومنها: خبر صفوان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما أنزل اللّه من السماء كتاباً إلّا وفاتحته بسم اللّه الرحمن الرحيم، وإنّما كان يُعرف انقضاء السّورة بنزول بسم اللّه الرحمن الرحيم ابتداءً للاُخرى »(3). ونحوهما غيرهما.

وعليه، فما في بعض النصوص من جواز تركها من السّورة، كصحيح الحلبيين، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم يريدُ يقرأ فاتحة الكتاب ؟ قال:

نعم إنْ شاء سرّاً وإنْ شاء جهراً.

فقال: أفيقرها مع السّورة الاُخرى؟ قال: لا»(4)، ونحوه غيره.

لا ينافي جزئيّتها منها، بل يؤيّد ما اخترناه من عدم وجوب السّورة الكاملة، وجواز التبعيض.

وعليه فلا وجه لحمل هذه النصوص على التقيّة، كما ذكره جماعة(5).6.

ص: 135


1- كما عن الخلاف: ج 1/330 مسألة 82، وابن إدريس في السرائر: ج 1/221، ونهاية الإحكام: ج 1/462، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 265، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة: ج 2/229.
2- الكافي: ج 3/312 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/58 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 11 ح 5 (7340).
3- المستدرك: ج 4/165 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 8 ح 3 (4387)، وبتفاوت في وسائل الشيعة: ج 6/60 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 11 ح 12 (7347).
4- التهذيب: ج 2/68 ح 17، وسائل الشيعة: ج 6/61 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 12 ح 3 (7349).
5- كالعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 1/271، والسبزواري في الذخيرة: ص 269، والمحقّق الهمداني في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/304 ق 1، والسيّد الحكيم في المستمسك: ج 6/206.
تعيين البسملة للسُّورة

ثمّ إنّه بعدما عرفت جزئيّتها من كلّ سورةٍ ، فاعلم أنّه يجبُ تعيين السّورة قبل الشروع فيها، ويظهر وجهه بعد بيان مقدّمتين:

المقدّمة الأُولى : إنّ قراءة السّورة كقراءة القصيدة ونحوها، عبارةٌ عن الإتيان بالألفاظ المطابقة لألفاظها، مع اللّحاظ الاستعمالي للمقروء، ومع عدمه لا تصدق القراءة والحكاية، ولا يصحّ أنْ يُقال: قرأت السّورة أو القصيدة المعدومة، لكون ما أتى به مثلها لا عينها، وهذا بخلاف ما لو أتى بها مع اللّحاظ الاستعمالي، فإنّ اللّحاظ يوجب نحواً من الاتّحاد بينهما، فيصحّ أنْ يُقال قرأتها، فتدبّر.

المقدّمة الثانية: إنّ سور القرآن حِصصٌ من كُلّي اللّفظ المُنزَلة على النبيّ صلى الله عليه و آله، وكانت مع كلّ واحدةٍ منها حِصّة من كلّي البسملة.

إذا عرفت هاتين المقدّمتين، يظهر لك أنّه لو لم يعيّن السُّورة قبل الشروع فيها، فلا يصدق على البسملة التي أتى بها قراءه بسملةٍ من البسملات التي تكون كلّ واحدةٍ منها جزءٌ من سورة خاصّة، فلو قرأ بعدها سائر آيات التوحيد، لا يصدق أنّه قرأ سورة التوحيد بتمامها.

ودعوى: أنّ المأمور به إنّما هو الإتيان بسورةٍ على الإطلاق، فاللّازم هو إيجاد ما يصدق عليه ذلك، وحيثُ أنّه لو أتى بالبسملة بقصد سورة لا بعينها، فإنّه وإنْ لم يصدق عليها جزئيّة سورة خاصّة، لكن لا شبهة في صدق قراءة القرآن عليها، ويكون المقروء طبيعة البسملة، الصّادقة على كلٍّ من مصاديقها، فيصحّ أن يجعلها جزءً من أيّ سورةٍ شاء، بانضمام الباقي إليها، لأنّه بعد الإنضمام يصدق أنّه قرأ مجموع هذه الآيات الّتي هي تمام السّورة، أمّا الجزء الأوّل فقد قرأه على سبيل

ص: 136

الإجمال، وماعداه تفصيلاً، ولا يكون المأمور به إتيان سورة معيّنة، حتّى يُقال إنّه لم يقع الجزءُ الأوّل على الوجه الذي تعلّق به الطلب، أي بعنوان جزئيّته لهذه السّورة.

مندفعة: بأنّ المأمور به وإنْ كان طبيعي السّورة، إلّاأنّه من حيث كونه مرآتاً للمصاديق، وهي السّور المعيّنة المشخّصة في الخارج، فالأمر بالطبيعي أمرٌ بإيجاد سورة معيّنة، ولكن التعيين يكون باختيار المكلّف، كما لو أمر المولى بإكرام أحد الشخصين، فإنّ امتثاله إنّما يكون بإكرام أحدهما المعيّن، فإذا كان المأمور به إتيان سورةٍ معيّنة مشخّصة في الخارج، والمفروض أنّ البسملة المأتيّ بها على سبيل الإجمال والإبهام، لا تكون حكايةً عن البسملة المعيّنة. وانضمام بقيّة السّورة المشخّصة إليها لا يجعلها حكايةً عنها، ولا يصدق أنّه قرأ مجموع الآيات الّتي هي تمام السّورة، فلا تكون السّورة المأتي بها منطبقةً على المأمور بها، لعدم وقوع الجزء الأوّل منها على الوجه الذي تعلّق به الطلب.

وإنْ قلت: مَنْ قَرأ البسملة بقصد سورةٍ لا بعينها، بما أنّها لا تكون خارجةً عن القرآن، فلابدَّ من أحد أمرين:

إمّا القول بأنّها جزءُ سورةٍ معيّنة.

وإمّا القول بكونها جزءً للسورة التي يقرأها بعد ذلك.

وحيثُ لا سبيل إلى الأوّل، فيتعيّن الثاني.

قلت: دعوى عدم خروج المقروء عن القرآن ضعيفة، إذ ما هو جزء كلّ سورةٍ شخصٌ من البسملة، وحكاية الجامع ليس حكايةً لذلك الشخص، فالمقروء هو ما يُماثل القرآن لا أنّه منه.

فتحصّل: أنّ الأقوى لزوم تعيين السّورة قبل الشروع فيها، وعليه فلو عين البسملة لسورةٍ ، ثمّ أراد أنْ يقرأ غيرها، وجب عليه إعادة البسملة، لأنّ ما أتى به

ص: 137

غير ما يكون جزءً للسورة الثانية.

وعن «البحار»(1): عدم لزوم إعادتها، واستدلّ له بوجوهٍ ضعيفة جدّاً:

كالنقض بالكتابة، وبأنّه يلزم اعتبار النيّة في الألفاظ المشتركة، وغيرها.

فلو عيّن البسملة لإحدى السورتين من التوحيد والجَحد، ولم يدر أنّها لأيّتهما، لا يجوز قراءة غيرهما، بناءً على عدم جواز العدول عنهما إلى غيرهما، لأنّه بإتيان البسملة يكون قد شرع في إحداهما، فلا يجوز العدول، وحينئذٍ إنْ قلنا بجواز العدول من إحداهما إلى الاُخرى ، فيكتفي بقراءة إحداهما مع إعادة البسملة لها، فإنْ كانت البسملة المعيّنة الثانية هي التي عيّنها أوّلاً، فلا يضرّ؛ لأنّه كرّر البسملة، وإنْ كانت غيرها، فقد عَدَل من إحداهما إلى الاُخرى .

وأمّا على القول بعدم جوازه، أو عدم شموله للقراءة المأتي بها بعنوان القُربة، فيأتي بالسورتين معاً من دون إعادة البسملة، ويقصد بإحداهما الجزئيّة، وبالاُخرى القُربة المطلقة، للعلم بتعيّن قراءة السّورة التي عيّنها، والمردّدة بينهما.

وعليه، فلو قرأ البسملة وشكّ في أنّه هل عيّنها لسورةٍ خاصّة أم لا؟

فإنْ كان ذلك في أثناء السّورة، بنى على التعيين، لقاعدة التجاوز.

وإنْ كان قبل الإتيان بالباقي، وجب إعادة البسملة لأيّ سورةٍ أراد، للشكّ في الإتيان ببسملتها، فمقتضى قاعدة الاشتغال، والشكّ في المحلّ ، لزوم إعادتها.

أقول: وفي المقام فروعٌ اُخر، ولأجل ظهور حكمها ممّا ذكرناه، أغمضنا عن ذكرها.

***9.

ص: 138


1- بحار الأنوار: ج 82/19.
العدول مِنْ سورةٍ إلى اُخرى
اشارة

المسألة الثالثة: يجوز العدول من سورة إلى اُخرى اختياراً، ما لم يبلغ النصف، إلّا من سورتين، هما الجحد والتوحيد، فإنّه لا يجوز ذلك إلّافي يوم الجمعة إلى الجمعة والمنافقين.

فهاهنا فروع:
يجوز العدول من كلّ سورةٍ إلي غيرها في الجملة

الفرع الأوّل: يجوز العدول من كلّ سورةٍ إلي غيرها في الجملة، بلا خلافٍ ظاهر، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يقوم في الصَّلاة يريد أنْ يقرأ سورةً ، فيقرأ قُل هو اللّه أحد، وقُل يا أيّها الكافرون ؟

فقال عليه السلام: يرجع من كلّ سورةٍ إلّامن قُل هو اللّهُ أحد، وقُل ياأيّهاالكافرون»(1).

ومنها: صحيح الحلبي: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلٌ قرأ في الغداة سورة قُل هو اللّه أحد؟

قال عليه السلام: لا بأس، ومن افتتح سورةً ثمّ بدا له أنْ يرجع في سورةٍ غيرها، فلا بأس إلّامن قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ ، ولا يرجع منها إلى غيرها، وكذلك قُلْ يا أَيُّهَا اَلْكافِرُونَ »(2)، ونحوهما غيرهما.

وما عن بعضٍ :(3) من التردّد في الحكم، محتجّاً بأنّ العدول إبطالٌ للعمل، وهو

ص: 139


1- الكافي: ج 3/317 ح 25، وسائل الشيعة: ج 6/99 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 35 ح 1 (7447).
2- التهذيب: ج 2/190 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/99 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 35 ح 2 (7448).
3- المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/279، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 270.

حرامٌ ، وبأنّه يلزم القِران بين السورتين وهو منهيٌّ عنه.

ضعيفٌ : لأنّ ما ذُكر اجتهادٌ في مقابل النص، فلا يُعتنى به.

لا يجوزُ العدول من سورتي الجحد والتوحيد إلى غيرهما

الفرع الثاني: لا يجوزُ العدول من سورتي الجحد والتوحيد إلى غيرهما من السّور، كما هو المشهور، ويشهد له صحيحاً الحلبي والسّكوني المتقدّمان.

وعن «المعتبر»(1): الكراهة.

وعن «المنتهى»(2)، و «الذخيرة»(3): التوقّف في الحكم.

واستدلّ للجواز:

1 - بقوله تعالي : فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ اَلْقُرْآنِ (4).

2 - وبما دلَّ على جواز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين، مع استحباب قرائتهما، بدعوى أنّه لو وجب الإتمام، لما جاز العدول للإتيان بالمستحبّ .

أقول: وفيهما نظر:

إذ الآية الشريفة مضافاً إلى أنّه لا إطلاق لها، مخصّصةٌ بالصحيحين المعتضدين بالشهرة.

وأمّا الثاني: فيرد عليه أنّه لا ملازمة بين جواز العدول إليهما، وعدم وجوب إتمامها في صورة عدم العدول، ولا يخفى أنّ مقتضى إطلاق نصوص المنع، عدم جواز العدول من إحداهما إلى الاُخرى .

ص: 140


1- المعتبر: ج 2/191.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/280.
3- ذخيرة المعاد: ص 280.
4- سورة المزّمل: الآية 20.
العدول من الجَحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين

الفرع الثالث: يجوزُ العدول من الجَحد والتوحيد، إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة، كما هو المشهور، وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا افتتحتَ صلاتك بقُل هو اللّه أحد، وأنتَ تُريد أنْ يقرأ غيرها، فامض فيها ولا ترجع، إلّاأنْ يكون يوم الجمعة، فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين»(1).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «في الرّجل يريدُ أنْ يقرأ سورة الجمعة في الجمعة، فيقرأ قل هو اللّه أحد؟ قال عليه السلام: يرجع إليسورة الجمعة»(2).

ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «وسألته عن القراءة في الجمعة، بما يقرأ؟ قال عليه السلام: بسورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون، وإنْ أخذتَ في غيرهما، وإنْ كان قُل هو اللّه أحد فاقطعها من أوّلها، وارجع إليهما»(3).

ونحوها غيرها.

أقول: ومورد هذه النصوص وإنْ كان سورة التوحيد، إلّاأنّه لعدم القول بالفصل بينها وبين سورة الجحد، يثبت الحكم فيها أيضاً.

بل يمكن أنْ يُقال: إنّ قوله عليه السلام في خبر علي بن جعفر: (وإنْ أخذتَ في غيرهما وإنْ كان قُل هو اللّه أحد... إلى آخره) الظاهر في أنّ سورة التوحيد أولى من غيرها بعدم العدول، يدلّ على جواز العدول عنها أيضاً إليهما بالأولويّة.

ص: 141


1- التهذيب: ج 3/242 ح 32، وسائل الشيعة: ج 6/153 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 69 ح 2 (7597).
2- التهذيب: ج 3/241 ح 31، وسائل الشيعة: ج 6/152 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 69 ح 1 (7596).
3- قرب الإسناد: ص 97، وسائل الشيعة: ج 6/153 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 69 ح 4 (7599).

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الفتاوى، عدم اختصاص الحكم بصورة نسيان المكلّف حين الشروع فيهما، ويشهد له إطلاق خبر علي بن جعفر المتقدّم، والصحيحان وإنْ كان موردهما صورة النسيان، ولا يشملان صورة العمد، إلّاأنّهما لا يوجبان تقييد خبر ابن جعفر، فما عن المحقّق والشهيد الثانيين(1) من اختصاص الحكم بالنّاسي، لإختصاص الصحيحين به، ضعيفٌ .

ودعوى بعض المحقّقين رحمهم الله(2): في وجه شمول الحكم للعامد بأنّ عمومات تحريم العدول قد خُصّصت، وخَرج منها الفرد الخاص من العدول، ولو في حالٍ ، وبقاء دلالتها في حالٍ آخر يحتاج إلى عموم حالي، وإذ ليس فليس.

فغير سديد: - إذ العام بما أنّه من الأفعال لا من «الجواهر»، ومعلومٌ أنّ كلّ فعلٍ صادر في كلّ حالٍ ، مغايرٌ لما صَدر في حال آخر، فالعدول من السورتين إلى الجمعة والمنافقين في صورة النسيان، فردٌ من العام مغايرٌ للعدول منهما إليهما في صورة العمد، ومقتضى عموم دليل المنع، عدم الجواز في كلّ منهما، لكنّه خرج العدول في حال النسيان، فيبقي العدول في حال العمد تحت العام، وعليه فالعمدة ما ذكرناه.

أقول: ثمّ إنّ الظاهر أنّ محلّ جواز العدول يختصّ بصلاة الجمعة والظهر، ولا يعمّ العصر، فضلاً عن صلاه الصبح، كما عن الشهيدين(3) والمحقّق الثاني(4)التصريح به.9.

ص: 142


1- المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/280، والشهيدالثاني في روض الجنان: ص 270.
2- كالمحقّق الهمداني في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/324 ق 1.
3- الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 195 (ط. ق)، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 270.
4- جامع المقاصد: ج 2/279.

وعن «الفقيه»(1)، و «المبسوط»(2)، و «السرائر»(3): إنّ ذلك في ظهر الجمعة.

وعن «الحدائق»(4): إنّ ذلك في الجمعة لا ظهرها.

وعن «التذكرة»(5)، و «الروض»(6) وغيرهما(7): ثبوت الحكم في الجمعة والظهر والعصر.

وعن الجُعفي(8): ثبوته في الجمعة والصبح والعشاء ليلتها.

ويرد على الأخير: أنّ قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: (ولا ترجع إلّاأنْ يكون يوم الجمعة... إلى آخره) يدلّ على اختصاص الحكم بيوم الجمعة ولا يعمّ العشاء، كما أنّ عدم توظيف الجمعة والمنافقين في الصبح، يوجب انصراف الأدلّة عنها.

وعلى الأوّل: إنّه لا موجب لتقييد إطلاق صحيح الحلبي الشامل للعصر، إذ خبر ابن جعفر وإنْ اختصّ بصلاة الجمعة، إلّاأنّه لعدم التنافي بينه وبين الصحيح، لا يوجب تقييد إطلاقه.

ودعوى: انصراف الإطلاق إلى صلاة الجمعة، ممنوعة.

ومن ذلك يظهر ضعف القول الثاني والثالث، وأنّ الأقوى هو الرابع، وهو ثبوت الحكم في الجمعة والظهر والعصر، فتدبّر.0.

ص: 143


1- الفقيه: ج 1/414، ذيل حديث 1225.
2- المبسوط: ج 1/107.
3- السرائر: ج 1/297.
4- الحدائق الناظرة: ج 8/220-221.
5- تذكرة الفقهاء: ج 3/150.
6- روض الجنان: ص 270.
7- كما هو عن جامع المقاصد: ج 2/27، والمحكيّ عن ظاهر الموجز في مفتاح الكرامة (ط. ق): ج 2/409، وكشف اللّثام: ج 4/65.
8- حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ص 190.
لا يجوز العدول بعد الثُّلثين

الفرع الرابع: لا يجوز العدول في موارد جوازه إذا بلغ المصلّي في قراءته إلى نصف السورة كما هو المشهور، بل بلا خلافٍ فيه في الجملة.

وعن كاشف الغطاء(1): بقاء التخيير إلى الثّلثين.

واستدلّ للأوّل:

1 - بمقطوعة البزنطي، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الرّجل يريد أنْ يقرأ سورةً ، فيقرأ في اُخرى؟ قال عليه السلام: يرجعُ إلى التي يريد وإنْ بلغ النصف»(2).

بدعوى أنّ الظاهر منه أنّ النصف هو أقصى محلٍّ يجوز فيه العدول من سورةٍ إلى اُخرى .

2 - وبما في «فقه الرضوي» عن العالم عليه السلام: «فإنْ ذكرتها من قبل أنْ يقرأ نصف سورةٍ ، فارجع إلى سورة الجمعة، وإنْ لم تذكرها إلّابعدما قرأت نصف سورةٍ ، فامضِ في صلاتك»(3).

3 - وبما عن «دعائم الإسلام»، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال:

«من بدأ بالقراءة في الصَّلاة بسورةٍ ، ثمّ رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها، فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السّورة الآخر»(4)، كما في نسخة «المستند»(5)، و (الاُخرى)

ص: 144


1- كشف الغطاء: ج 1/64 و 235.
2- رواها الشهيد في الذكرى : ص 195، وسائل الشيعة: ج 6/101 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 36 ح 3 (7452).
3- فقه الرضا: ص 128، المستدرك: ج 4/223 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 53 ح 1 (4550).
4- دعائم الإسلام: ص 161، المستدرك: ج 4/200 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 27 ح 1 (4487).
5- مستند الشيعة: ج 5/112.

كما في غيرها(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا خبر البزنطي: فلا يدلّ على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف، إذ غاية ما تدلّ عليه (إنْ ) الوصيلة، كون بعد النصف هو الفرد الخفيّ من موارد جواز العدول.

وأمّا الرضوي: فهو ضعيفُ السّند، بل لم يثبت لنا كون كتاب «فقه الرضا» من كتب الروايات.

وأمّا خبر «الدعائم»: فلا يدلّ على ذلك إلّابناءً على كون ضبط الخبر (في نصف السّورة الآخر)، وإلّا فإنْ كانت بلفظة (الاُخرى ) بدل (الآخر) كان أجنبيّاً عن المقام، بل مفاده حينئذٍ جواز العدول إذا لم يؤخذ من وسط السّورة التي يعدل إليها، وحيث لم يثبت الأوّل، فلا يصحّ الاستدلال به.

ولو سُلّم تماميّة ما ذُكر سنداً ودلالةً ، فهو معارض بما دلَّ على الجواز، كخبر «قُرب الإسناد» عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عن الرّجل إذا أراد سورةً فقرأ غيرها، هل يصلح له أنْ يقرأ نصفها، ثمّ يرجع إلى السّورة التي أراد؟

قال عليه السلام: نعم، ما لم يكن قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ و قُلْ يا أَيُّهَا اَلْكافِرُونَ ».

فتحصّل: أنّه لا دليل على عدم جواز العدول إذا بلغ النصف، فالمرجع حينئذٍ إلى عموم ما دلَّ على الجواز.

نعم، هناك خبرٌ يدلّ على عدم جواز العدول بعد الثُّلثين، وهو موثّق عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الرّجل يريد أنْ يقرأ السّورة، فيقرأ غيرها؟ قال عليه السلام: له أن يرجع ما بينه2.

ص: 145


1- كما في الحدائق: ج 8/211، والجواهر: ج 10/52.

وبين أنْ يقرأ ثلثيها»(1).

ودعوى: أنّه لإعراض الأصحاب عنه لا يُعتمد عليه.

مندفعة: بأنّ عدم عملهم به يمكن أنْ يكون لاعتقادهم دلالة بعض ما تقدّم، على عدم جواز العدول بعد النصف، وتقديمه على الموثّق، لا للإعراض عنه.

فالأقوى ما اختاره كاشف الغطاء رحمه الله من بقاء التخيير إلى الثّلثين.

أقول: وبذلك ظهر ضعف ما قوّاه صاحب «الحدائق» قدس سره(2) من جواز العدول مطلقاً، أخذاً بإطلاق أغلب الأخبار.

إذ يرد عليه: إنّه لابدّ من تقييد الإطلاق بالموثّق. نعم بناءً على سقوطه عن الحجيّة بالإعراض، يتمّ ما ذكره قدس سره.

ولا يرد عليه ما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله(3): من أنّه لو كان الموثّق مخالفاً للإجماع، فيقيّد الإطلاق بالإجماع، إذ الإجماع على فرض تحقّقه لا حجيّة له، إذ من الممكن أنْيكون مدرك المُجمِعين النصوص المتقدّمة، وعليه فليس إجماعاً تعبّديّاً.

فرع: ثمّ إنّه بناءً علي عدم جواز العدول بعد الثّلثين أو النصف على الخلاف السابق:

فهل يجوز العدول من الجَحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين مطلقاً كما عن «المبسوط»(4)، و «النهاية»(5)، و «التحرير»(6)، و «الإرشاد»(7)، و «التذكرة»(8)،0.

ص: 146


1- التهذيب: ج 2/293 ح 36، وسائل الشيعة: ج 6/101 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 36 ح 2 (7451).
2- الحدائق: ج 8/213.
3- المحقّق الهمداني رحمه الله في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/323 ق 1.
4- المبسوط: ج 1/107.
5- النهاية: ص 77.
6- تحرير الأحكام: ج 1/249.
7- إرشاد الأذهان: ج 1/254.
8- تذكرة الفقهاء: ج 3/150.

و «المنتهى»(1)، وغيرها(2)؟

أم لا يجوز بعد الثلثين أو النصف، كما عن «السرائر»(3)، و «الدروس»(4)، و «جامع المقاصد»(5)، و «الرّوض»(6)، وغيرها(7)؟ وجهان:

أقواهما الثاني، إذ نصوص الجواز إنّما تدلّ على دخول سورتي الجَحد والتوحيد في يوم الجمعة في موارد جواز العدول، والنصوص المتضمّنة للحَدّ إنّما تدلّ على محدوديّة جواز العدول في موارده، وعليه فتكون حاكمة على نصوص الجواز، ولا أقلّ من أظهريّتها، فيقدّم عليها.

ويؤيّده: أنّ النصوص المتضمّنة للحَدّ، تدلّ على عدم جواز العدول من غير سورتي الجَحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين بعد النصف أو الثّلثين، فيتعدّى إليهما للأولويّة.

وأخيراً: ظهر ممّا ذكرناه ما في كلام بعض المحقّقين رحمهم الله(8) في المقام، من أنّ الدليل المتضمّن للحَدّ خُصّص بأمرين:

أحدهما: ما دلَّ على حرمة العدول من سورتي الجحد والتوحيد.

والثاني: ما دلَّ على استحباب الرجوع إلى سورتي الجمعة والمنافقين مطلقاً،).

ص: 147


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/280.
2- كالفقيه ص 414، والجامع للشرائع ص 81، والموجز الحاوي، حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة (ط. ق): ج 2/409، والحدائق: ج 8/213، والسيّد العاملي في المدارك: ج 4/88.
3- السرائر: ج 1/297.
4- الدروس: ج 1/173.
5- جامع المقاصد: ج 2/280.
6- روض الجنان: ص 270.
7- كمجمع الفائدة والبرهان: ج 2/247، وظاهر الذخيرة: ص 280، وكشف اللّثام: ج 4/64.
8- المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 2/325 ق 1 (ط. ق).

حتّى لو كان ما بيده هو التوحيد والجحد، فالقراءة يوم الجمعة خارجة عنه.

إذ يرد عليه: أنّ النسبة بين الدليل المتضمّن للحَدّ، وما دلَّ على استحباب العدول من أي سورة إلى الجمعة والمنافقين عمومٌ من وجه، ولأجل حكومة الأوّل على الثاني أو أظهريّته يقدّم عليه، فلا وجه لتقييده بالثاني، فتدبّر.

العدول في مورد الضرورة

الفرع الخامس: يجوزُ مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف أو الثّلثين - على الخلاف في تحديد الجواز - حتّى في سورتي الجحد والتوحيد، كما صرّح به صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) وغيره(2).

واستدلّ له: بانسباق غير ذلك من نصوص المنع، فيرجع إلى الأصل، وهو يقتضى الجواز.

أقول: حقّ القول في المقام إنّه:

إمّا أنْ يكون تحريم العدول نفسيّاً.

أو يكون من باب الإرشاد إلى المضيّ ، فيكون المضيّ واجباً.

أو يكون وضعيّاً.

وعلى الأخير:

إمّا أنْ يكون العدول إلى سورةٍ اُخرى من الموانع.

أو تكون السّورة التي بيده جزءً معيّناً.

ص: 148


1- جواهر الكلام: ج 10/68.
2- مثل المحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/281، والسبزواري في الذخيرة: ص 281.

فعلى الأوّل: يكون المورد من موارد دوران الأمر بين المحذورين، إذ العدول حرام، وإتيان سورةٍ كاملة واجبٌ ، والحكم فيها هو التخيير.

ودعوى: انسباق غير ذلك من نصوص المنع ممنوعة.

كما أنّ دعوى: أنّ الضرورة كما تُبيح ترك السّورة، كذلك تُبيح الاقتصار على بعضها.

مندفعة: بأنّها يمكن أن تبيح العدول أيضاً.

وعلى الثاني: يتعيّن العدول لعدم المزاحم، إذ المُضيّ لعدم إمكانه لا يكون واجباً، فلا مزاحم لوجوب الإتيان بسورة كاملة.

وعلى الثالث: يكون المورد من موارد التنافي بين الأوامر والنواهي الضمنيّة، التي عرفت غير مرّة أنّها من موارد التعارض.

فإطلاق دليل وجوب السّورة، يعارض إطلاق دليل المنع عن العدول، فيتساقطان والمرجع هو الأصل، وهو يقتضي التخيير.

وعلى الرابع: يتعيّن عليه الاقتصار، لأنّ السّورة التي تكون جزءً للصَّلاة منحصرة فيما شَرع فيه، وغيرها ليس جزءً ، فلا وجه للعدول.

وبذلك يظهر ضعف الأقوال الاُخر، فلاحظ.

نذر قراءة سورة معيّنة

إذا نذرَ المكلّف أن يقرأ سورة خاصّة في صلاته، فنسي وقرأ غيرها:

فهل يجوز له العدول لو التفت في الأثناء، وكان ما شرع فيه سورتي الجحد والتوحيد، أو كان غيرهما، وكان بعد بلوغ الثّلثين أم لا؟ وجهان.

ص: 149

أقول: لا ريب في أنّ النذر لا يوجب انحصار السّورة الّتي تعدّ جزءً من الصَّلاة في السّورة المنذورة، فما شرع فيه نسياناً يكون جزءً للصَّلاة ومأموراً به بناءً على صحّة الترتّب، وعليه فموضوع حرمة العدول متحقّق، وحيثُ أنّ المعتبر في انعقاد النذر رجحان متعلّقه في ظرفه، وهو مفقودٌ في الفرض لحرمة العدول، فيكون باطلاً.

ودعوى:(1) أنّه كما يعتبر في صحّة النذر رجحان المنذور في وقته، كذلك يعتبر في حرمة العدول مشروعيّة السّورة التي شرع فيها، وعليه فلابدّ إمّا من البناء على بطلان النذر، أو البناء على عدم حرمة العدول، بدعوى إنّ صحّة النذر توجبُ رفع مشروعيّة الإتمام وإمكانه، فيجوز لذلك العدول، ولا ريب في أنّ الثاني أرجح، لتقدّم النذر.

مندفعة: بما عرف آنفاً من أنّ النذر لا يوجب عدم مشروعيّة غير السّورة المنذورة، فعلى فرض صحّة النذر، لا يكون إتمام السّورة التي شَرَع فيها غَيرُ مشروعٍ ، كي لا يكون العدول حراماً لذلك، فهو لا يكون رافعاً لإمكان العدول، ولكن إذا كان العدول حراماً - كما هو كذلك لإطلاق أدلّته - كانت قراءة السّورة المنذورة في الفرض مرجوحة، وإذا كانت قراءتهامرجوحة يصبح النذر باطلاً، فتدبّر.

وعليه، فالأقوى عدم جواز العدول في الفرض.

***6.

ص: 150


1- للسيّد الحكيم في المستسمك: ج 6/196.
القراءة من المصحف

المسألة الرابعة: يجوزُ القراءة من المصحف للقادر الحافظ وغيره، كما عن «التذكرة»(1)، و «نهاية الأحكام»(2)، و «الشرائع»، وغيرها(3).

وعن الشهيدين(4)، والمحقّق الثاني(5)، وغيرهم(6): المنع.

واستدلّ له:

1 - بأنّه المعهود من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله فيجبُ التأسّي.

2 - وبالانصراف.

3 - وبأنّه من قرأ من المصحف، تكون صلاته في معرض البطلان بذهاب المصحف من يده أو عروض ما يمنعه أو نحوهما.

4 - وبأنّ القراءة من المصحف مكروهة، فلا يمكن اتّصافها بالوجوب.

5 - وبخبر عبد اللّه بن أوفى: «إنّ رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن، فماذا أصنع ؟

فقال صلى الله عليه و آله له: قُل سُبحان اللّه والحَمدُ للّه»(7). ممّا يدلّ على عدم جواز القراءة منه، إذ لوجاز القراءة من المصحف لأمره صلى الله عليه و آله بها.

ص: 151


1- تذكرة الفقهاء: ج 3/151.
2- نهاية الاحكام: ج 1/479.
3- كما هو عن مجمع الفائدة والبرهان: ج 212/2، وزبدة البيان: ص 98، والذخيرة: ص 272، والجواهر: ج 9/311.
4- الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 187 (ط. ق)، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 263.
5- جامع المقاصد: ج 2/252.
6- كما هو عن الشيخ في المبسوط: ج 1/109، وابن العلّامة في الإيضاح: ج 1/108.
7- نقله الشيخ الطوسي في الخلاف: ج 1/345، وبتفاوت في سنن أبي داود: ج 1/192 ح 832.

6 - وبخبر علي بن جعفر، عن أخيه: «سألته عن الرّجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه، يقرأ ويُصلّي ؟ قال عليه السلام: لا يُعتدّ بتلك الصَّلاة»(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

إذ يرد على الأوّل: إنّ فعله صلى الله عليه و آله لا يدلّ على اللّزوم، ودليل وجوب التأسّي قد عرفت أنّه مجملٌ .

والثاني: ممنوعٌ .

ومعرضيّة الصَّلاة للبطلان في صورة القراءة من المصحف أيضاً ممنوعة، وعلى فرضها لا توجب البطلان.

وكراهة القراءة من المصحف، لا تنافي الوجوب، لكونها كراهة في العبادة.

ومورد خبر أوفى العامّي المحض، وإلّا لوجب قراءته من المصحف، لتقدّمها على التسبيح إجماعاً.

وأمّا خبر عليّ بن جعفر: فهو وإنْ كان ظاهراً في المنع، إلّاأنّه لابدَّ من رفع اليد عنه، وحمله على الكراهة، للجمع بينه وبين المصحّح الذي رواه أبان، عن الحسن بن زياد الصيقل، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في الرّجل يُصلّي وهو ينظرُ في المصحف، يقرأ فيه، يضع السّراج قريباً منه ؟

فقال عليه السلام: لا بأس بذلك»(2).

***).

ص: 152


1- مسائل علي بن جعفر ص 238، قرب الإسناد: ص 90، وسائل الشيعة: ج 6/107 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 41 ح 2 (7466).
2- التهذيب: ج 2/294 ح 40، وسائل الشيعة: ج 6/107 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 41 ح 1 (7465).
اتّحاد الفيل ولإيلاف

المسألة الخامسة: الأظهر اتّحاد سورتي الفيل ولإيلاف قريش، وكذا سورتي والضُّحى وألم نَشرح، فلا تُجزى في الصَّلاة إحداها، بناءً على وجوب سورة كاملة كما هو المشهور.

وعن «السرائر»(1)، و «التحرير»(2)، و «نهاية الأحكام»(3)، و «التذكرة»(4)وغيرها(5): نسبته إلى علمائنا.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: الخبر المرسل الذي نقله صاحب «الشرائع»: «روى أصحابنا أنّ الضُّحى وألم نَشرح سورة واحدة، وكذا الفيل ولإيلاف»(6).

ومنها: المرسل المرويّ عن «مجمع البيان»: «روى أصحابنا أنّ الضُّحى وألم نشرح سورة واحدة، لتعلّق إحداهما بالاُخرى ، ولم يفصّلوا بينهما ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وجمعوا بينهما في الركعة الواحدة في الفريضة، وكذلك القول في أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ * و لِإِيلافِ »(7).

ص: 153


1- السرائر: ج 1/220.
2- تحرير الأحكام: ج 1/246.
3- نهاية الإحكام: ج 1/468.
4- تذكرة الفقهاء: ج 3/149.
5- كما في المهذّب البارع: ج 1/370 (وسورة واحدة عند آل محمّد صلى الله عليه و آله) كما في الاستبصار ج 1/317 (وأنّ علماءنا يذهبون إلى كونها سورة واحدة) كما في الإنتصار: ص 147.
6- شرائع الإسلام: ج 1/66.
7- تفسير مجمع البيان: ج 10/387.

ومنها: المرسل المحكيّ عن «الهداية»، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«وموسّعٌ عليك أيّ سورة في فرائضك إلّاأربع، وهي: والضُّحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ في ركعة لأنّهما جميعاً سورة واحدة، ولإيلاف و أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ * في ركعة لأنّهما جميعاً سورة واحدة، ولا ينفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة»(1).

ومنها: ما عن كتاب القراءة لأحمد بن محمّد بن سيّار، عن البرقي، عن القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الضُّحى وألم نشرح سورةٌ واحدة»(2).

ونحوه المسند عن شجرة أخي بشر النبال(3).

وضعف سند هذه النصوص منجبرٌ بعمل الأصحاب، ويؤيّده صحيح زيد الشَّحام: «صَلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الفجر، فقرأ الضُّحى وألم نشرح في ركعة»(4).

أقول: أمّا إطلاق السّورة على كلّ واحدةٍ منها في خبر المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة، إلّاالضُّحى وألم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف»(5)، فإنّما يكون باعتبار تعدّدها صورة لا حقيقة، لأنّه الذي يقتضيه الجمع بينه وبين النصوص المتقدّمة.

وأمّا صحيح الشّحام الآخر: «صَلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ في الأُولى الضُّحى، وفي الثانية ألم نشرح»(6).).

ص: 154


1- الهداية: ص 135.
2- المستدرك: ج 4/163 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 7 ح 1 (4382).
3- المستدرك: ج 4/163 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 7 ح 2 (4383).
4- الاستبصار: ج 1/317 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/54 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 10 ح 1 (7326).
5- المعتبر: ج 2/188، مجمع البيان: 5/544، وسائل الشيعة: ج 6/55 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 10 ح 5 (7330).
6- التهذيب: ج 2/72 ح 33، وسائل الشيعة: ج 6/54 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 10 ح 3 (7328).

وخبر داود الرِّقي، المنقول عن «الخرائج والجرائح»، قال: «فلمّا طلع الفجر قام - يعني الصادق عليه السلام - فأذّن وأقام وأقامني عن يمينه وقرأ في أوّل ركعة بالحمد والضُّحى، وفي الثانية بالحمد وقُل هو اللّه أحد ثمّ قَنَت»(1).

فمضافاً إلى ضعف سند الثاني، هما لا ينافيان ما تقدّم، بل يؤيّدان ما اخترناه من جواز التبعيض، وعدم وجوب السّورة الكاملة.

وبما ذكرناه ظهر ضعف ما عن المحقّق في «المعتبر»(2) وجماعة ممّن تأخّر عنه(3)من إنّه لقائلٍ أن يقول لا نُسلّم إنّهما سورة واحدة، وإنْ لزم قراءتهما في ركعة واحدة.

فرع: الأقوى عدم الفصل بينهما بالبسمله، كما هو المنسوب(4) إلى الأكثر.

وعن «التهذيب»(5): عندنا لا يفصّل بينهما بالبسملة.

ويشهد له: - مضافاً إلى الأصل، إذ بعد ثبوت كونهما سورة واحدة، الشكّ في وجوب البسملة بينهما موردٌ لجريان أصالة البراءة - المرسل المحكيّ عن «مجمع البيان»(6) المتقدّم.

وعليه، فما عن جماعةٍ (7) من لزوم قراءتها بينهما ضعيف.4.

ص: 155


1- الخرائج والجرائح: ج 2/629، وسائل الشيعة: ج 6/56 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 10 ح 10 (7335).
2- المعتبر: ج 2/188.
3- كالشهيد الثاني في روض الجنان ص 269، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/262، والسبزواري في الذخيرة ص 279، والسيِّد العاملي في المدارك: ج 3/378، والنراقي في المستند: ج 5/128.
4- نسبه إلى الأكثر المحدِّث المجلسي في بحار الأنوار: 82/46.
5- لم نقف على العبارة في الكتاب، والموجود: (وعندنا أنّه لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلّافي ركعة)، التهذيب: ج 2/72 ذيل ح 264.
6- تفسير مجمع البيان: ج 10/387.
7- منهم الحِلّي في السرائر: ج 1/221، والعلّامة في التحرير: ج 1/246، والشهيد الثاني في الروضة: ج 1/269، والأردبيلي في مجمع الفائدة: ج 2/244.

والاستدلال له بأصالة الاحتياط، للشكّ في قراءة السّورة بتركها، وبثبوتها في المصاحف أضعف.

أمّا أصالة الاحتياط، فقد عرفت أنّ المورد موردٌ لأصالة البراءة.

وأمّا ثبوتها في المصاحف، فهو أعمّ من الجزئيّة، إذ إثباتها فيها لعلّه يكون ناشئاً عن اعتقاد أنّ كلّ واحدة منها سورة مستقلّة، مع أنّ المحكيّ (1) عن مصحف أُبيّ سقوطها.

***).

ص: 156


1- حكاه الطبرسي في مجمع البيان: ج 10/449، وسائل الشيعة: ج 6/55 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 10 ح 7 (7332).

ويجبُ الجَهر في الصّبح، وأولتي المغرب، وأولتي العشاء، والإخفات في البواقي.

الجَهرُ بالقراءة على الرِّجال
اشارة

المسألة السادسة: (ويجبُ ) على الرِّجال (الجَهرُ في الصّبح وأولتي المغرب، وأولتي العشاء، والإخفات في البواقي) إلّاظهر يوم الجمعة.

أقول: هاهنا فروع:

يجبُ الجهر على الرِّجال في الصبح والمغرب والعشاء

الفرع الأوّل: يجبُ الجهر على الرِّجال في الصبح والمغرب والعشاء، والإخفات في الظهرين في غير الجمعة، كما هو المشهور.

وعن الشيخ(1): دعوى الإجماع عليه.

وعن المرتضى رحمه الله(2) وابن الجُنيد(3): استحباب ذلك.

ويشهدُ لوجوب الجهر والإخفات في مورديهما:

1 - صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: في رجلٍ جَهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ؟

فقال عليه السلام: أيّ ذلك فعل متعمّداً، فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فإنْ فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري، فلا شيء عليه، وقد تمّت صلاته»(4).

ص: 157


1- الخلاف: ج 1/371، مسألة 130.
2- حكاه المحقّق في المعتبر: ج 2/176.
3- حكاه المحقّق في المعتبر: ج 2/176.
4- الفقيه: ج 1/344 ح 1003، وسائل الشيعة: ج 6/86 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 26 ح 1 (7412).

وجه الشهادة: ظهور النقص بالضادّ المعجّمة في البطلان، وكذلك الأمر بالإعادة.

واحتمال أنْ يكون النقص بالمهملة لا يضرّ، إذ مقتضى النقص حقيقةً بطلان الصَّلاة، لا سيّما مع تعقيبه بالأمر بالإعادة، مع أنّ في «الجواهر»(1): (إنّ الموجود في كتب الفروع والاُصول بالمعجمة).

2 - وصحيحه الاخر عنه عليه السلام: «قلتُ له: رجلٌ جَهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه ؟

فقال عليه السلام: أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شيء عليه»(2).

فإنّه بالمفهوم يدلّ على عدم جواز ذلك في صورة العمد.

واستدلّ لعدم الوجوب:

1 - بصحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يُصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أنْ لا يجهر؟ قال عليه السلام: إنْ شاء جَهر، وإنْ شاء لم يفعل»(3).

ولأجله يُحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب.

وفيه أوّلاً: إنّه لإعراض الأصحاب عنه لا يُعتمد عليه.

وثانياً: إنّ الصحيح الأوّل لا يصحّ حمله على الاستحباب، لما فيه من التأكيد، لاسيما بملاحظة أنّ السؤال إنّما يكون عن الوجوب بعد فرض الرجحان.).

ص: 158


1- جواهر الكلام: ج 9/365.
2- التهذيب: ج 2/147 ح 35، وسائل الشيعة: ج 6/86 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 26 ح 2 (7413).
3- التهذيب: ج 2/162 ح 94، وسائل الشيعة: ج 6/85 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 25 ح 6 (7411).

2 - وبالآية الشريفة: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ اِبْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (1).

وفيه: إنّها فُسِّرت بتفاسير، منها أنّ المراد من الجهر المنهيّ عنه، الجهر العالي الزائد عن المتعارف، ومن الإخفات أنْ لا يُسمع نفسه(2).

ويشهد لكون مورد الجهر والإخفات اللّازمين ما ذكرناه - مضافاً إلى أنّه المتعارف من أوّل مشروعيّة الصَّلاة إلى زماننا - جملة من النصوص:

منها: خبر يحيى بن أكثم: «أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن صلاة الفجر، لِمَ يُجهَر فيها بالقراءة، وهي صلاة النهار، وإنّما يُجهر في صلاة اللّيل ؟

فقال عليه السلام: لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يَغلس بها»(3).

ومنها: خبر الفضل بن شاذان، عن الإمام الرضا عليه السلام: في ذكر العلّة التي من أجلها جُعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض: «أنّ الصلوات التي يُجهر فيها إنّما هي في أوقات مُظلمة، فوجب أن يُجهر فيها...

إلى أنْ قال: واللّتان لا يُجهر فيهما إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة»(4).

لا يجبُ الجَهر والإخفات في غير القراءة في الرّكعتين الأولتين
اشارة

الفرع الثاني: لا يجبُ الجَهر والإخفات في غير القراءة في الرّكعتين الأولتين، أمّا فيما عدا ما هو وظيفة الأخيرتين من القراءة أو التسبيح، فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، وعليه الإجماع وسيرة المسلمين.

ص: 159


1- سورة الإسراء: الآية 110.
2- ذهب له المحقّق في المعتبر: ج 2/178 وغيره، وتشهد له رواية سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ قال: (المخافة دون سمعك، والجهر أن ترفع صوتك شديداً)، الكافي: ج 3/315 ح 21، وسائل الشيعة: ج 6/96 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 33 ح 2 (7440).
3- الفقيه: ج 1/309 ح 925، وسائل الشيعة: ج 6/84 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 25 ح 3 (7408).
4- الفقيه: ج 1/310، ذيل ح 926، وسائل الشيعة: ج 6/82 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 25 ح 1 (7406).

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام:

«سألته عن الرّجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهّد، والقول في الركوع والسّجود والقنوت ؟

قال عليه السلام: إنْ شاء جهر وإنْ شاء لم يجهر»(1).

ونحوه صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى عليه السلام(2).

والظاهر كما فهمه الأصحاب أنّ ذكر هذه الأشياء في الصحيحين، إنّما هو من باب التمثيل، فيكون الحكم شاملاً لما يماثلها كالتكبير والتسليم.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ الجمع بينهما وبين ما دلَّ على أنّ صلاة اللّيل جهريّة، وصلاة النهار إخفاتيّة، يقتضى حملهما على غير القراءة، واختصاصه بها.

***).

ص: 160


1- التهذيب: ج 2/313 ح 128، وسائل الشيعة: ج 6/290 أبواب القنوت ب 20 ح 2 (8000).
2- التهذيب: ج 2/102 ح 153، وسائل الشيعة: ج 6/290 أبواب القنوت ب 20 ح 1 (7999).
الإخفات في الرّكعتين الأخيرتين

وأمّا فيما هو وظيفة الأخيرتين، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة وجوب الإخفات فيه، وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

وعن «التذكرة»(2)، وظاهر «نهاية الأحكام»(3)، و «التحرير»(4)، و «الموجز»(5)، و «المدارك»(6)، و «البحار»(7) وغيرها(8): القول بالتخيير في التسبيحات.

وعن جماعةٍ : التوقّف في الحكم.

ويشهد للوجوب في القراءة: مواظبة النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام والمسلمين عليه، الكاشفة عن كونها من ما ينبغي الإخفات فيه، فيشملها صحيحاً زرارة، الدالّان على لزوم الإخفات فيما ينبغي الإخفات فيه.

واستدلّ له في التسبيحات:

1 - بأنّ مقتضى خبر ابن حنظلة، الدالّ على التسوية بينها وبين القراءة، ثبوت وجوب الإخفات فيها أيضاً.

2 - وباستمرار سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام عليه.

3 - وبصحيح ابن يقطين: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرّكعتين اللّتين يصمت فيهما الإمام، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمامٌ يُقتَدى به ؟

ص: 161


1- الشيخ في الخلاف: ج 1/371، وابن زُهرة في الغنية ص 78، والحِلّي في السرائر: ج 1/218.
2- تذكرة الفقهاء: ج 3/145.
3- نهاية الإحكام: ج 1/469.
4- تحرير الأحكام: ج 1/247.
5- الموجز الحاوي: ص 78.
6- مدارك الأحكام: ج 3/358.
7- بحار الأنوار: ج 82/71.
8- كما هو عن كفاية الأحكام: ص 18، والحدائق الناضرة: ج 8/437.

فقال عليه السلام: إنْ قرأ فلا بأس، وإنْ صمت فلا بأس»(1).

بدعوى إرادة الإخفات من (الصمت)، وأنّ المراد من الرّكعتين، الأخيرتان، فيستفاد منه أنّ الإخفات فيهما كان متعارفاً بين المسلمين ومفروغاً عنه وجوبه.

4 - وبما دلَّ على أنّ صلاة النهار إخفاتيّة. فمقتضى إطلاقه وجوب الإخفات في تسبيحها، فيلحق به تسبيح غيرها لعدم الفصل.

أقول: وفي الجميع نظر:

إذ دخوله في التسوية الدالّ عليها خبر ابن حنظلة ممنوعٌ .

واستمرار سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله لا يدلّ على الوجوب.

ودليل التأسّي قد عرفت أنّه مجملٌ .

والمراد من الرّكعتين في الصحيح الأولتان، بقرينة تخيير المأموم بين القراءة وتركها.

وما دلَّ على أنّ صلاة النهار إخفاتيّة، قد عرفت أنّه محمولٌ على القراءة.

وبالجملة: فالأولى الاستدلال له بما سَبق في القراءة، من التمسّك بصيح زرارة، الدالّ على لزوم الإخفات في كلّ موردٍ ينبغي الإخفات فيه.

ودعوى: اختصاصه بالقراءة، لما في صحيحه الآخر من التخصيص بها، ولأنّه مقتضى الجمع بينه وبين صحيح ابن يقطين المتقدّم، المشتمل على استثناء التشهّد وذكر الركوع والسّجود والقنوت.

مندفعة: بأنّ التخصيص بما في صحيحه الآخر إنّما يكون في كلام السائل، فلا يوجب تقييد كلام الإمام عليه السلام، ولا تنافي بينه وبين صحيح ابن يقطين كي يُجمع بماذكر.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى لزوم الإخفات فيما هو وظيفة الأخيرتين.

***).

ص: 162


1- التهذيب: ج 2/296 ح 48، وسائل الشيعة: ج 8/358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13 (10896).
الجَهرُ في ظهر يوم الجمعة

الفرع الثالث: يستحبُّ الجَهر في صلاة الجمعة، وظهر يوم الجمعة.

أمّا في الأولى: فعن جماعةٍ من الأكابر(1) حكاية الإجماع عليه، وتشهد له جملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «والقراءة فيها بالجهر»(2).

ومنها: صحيح العزرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سَبَقك بركعةٍ فأضف إليها ركعة اُخرى وأجهر فيها»(3).

ونحوهما غيرهما المحمولة على الاستحباب، بقرينة الإجماع المحكيّ .

بل يمكن أنْ يُقال: إنّ الأمر به فيها لوروده مورد توهّم الحظر، لا يدلّ على الوجوب.

وأمّا في الثانية: فهو المشهور، ويشهد له:

1 - صحيح عمران الحلبي، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يُصلّي الجمعة أربع ركعات، أيجهر فيها بالقراءة ؟

قال عليه السلام: نعم»(4)، ونحوه مصحّح الحلبي(5).

ص: 163


1- منهم المحقّق في المعتبر: ج 2/304، والعلّامة في التذكرة: ج 4/99، ونهاية الإحكام: ج 2/49، والشهيد في الذكرى : ص 193 (ط. ق)، والبيان: ص 84، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 2/268.
2- الفقيه: ج 1/409 ح 1219، وسائل الشيعة: ج 6/160 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 2 (7621).
3- التهذيب: ج 3/244 ح 41، وسائل الشيعة: ج 6/161 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ج 5 (7624).
4- الفقيه: ج 1/418 ح 1113، وسائل الشيعة: ج 6/160 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 1 (7620).
5- الكافي: ج 3/425 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/160 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 3 (7622).

2 - وصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام قال لنا: صَلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعةً بغير خطبة، واجهروا بالقراءة.

فقلت: إنّه يُنكر علينا الجهر بها في السفر؟ فقال: اجهروا»(1).

3 - وخبر محمّد بن مروان: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة ظهر يوم الجمعة، كيف نُصلّيها في السفر؟ فقال عليه السلام: تُصلّيها في السفر ركعتين، والقراءة فيهما جهر»(2).

أقول: وهذه النصوص محمولة على الاستحباب، بقرينة جملةٍ من النصوص الاُخر:

منها: صحيح جميل: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر؟

قال عليه السلام: تصنعون كما تصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(3).

ونحوه صحيح ابن مسلم(4).

بل دعوى عدم ظهور النصوص في الوجوب في أنفسها غير بعيدة، لأنّ الأمر به فيها لوروده مورد توهّم المنع، كما يشير إليه صحيح محمّد بن مسلم، الظاهر في أنّ الجهر كان أمراً منكراً لدى المسلمين، لا يكون ظاهراً في الوجوب، فيحمل النهي في الخبرين على نفي الوجوب.

ودعوى: إنّ الجمع المزبور ليس جمعاً عرفيّاً.

مندفعة: بأنّه بعد رعاية القرائن الداخليّة في مقام الجمع، يظهر كونه عرفيّاً.

وإنْ أبيتَ عن ذلك فيتعيّن الأخذ بالنصوص الأول، لعمل الأصحاب بها،).

ص: 164


1- الاستبصار: ج 1/416، وسائل الشيعة: ج 6/161 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 6 (7625).
2- التهذيب: ج 3/15 ح 52، وسائل الشيعة: ج 6/161 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 7 (7626).
3- التهذيب: ج 3/15 ح 53، وسائل الشيعة: ج 6/161 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 8 (7627).
4- التهذيب: ج 3/15 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/162 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 9 (7628).

ومخالفتها للعامّة، فيُحمل الخبران على التقيّة، كما عن الشيخ رحمه الله(1)، ولكن ذلك لايستلزم القول بالوجوب لما عرفت من عدم ظهور النصوص فيه، فالقول بالوجوب ضعيف.

كما أنّ القول بالمنع - كما عن ابن إدريس(2) - ترجيحاً لنصوصه، لاعتضادها بإطلاقات الإخفات، ضعيفٌ لما عرفت من أنّ الترجيح لنصوص الجواز.

وعن السيّد رحمه الله(3): التفصيل بين الإمام فيجهر، وغيره فلا، واستدلّ له بخبر علي ابن جعفر: «عمّن يُصلّي العيدين وحده والجمعة، هل يُجهر فيهما؟ قال عليه السلام: لا يجهر إلّا الإمام»(4).

وفيه: - مضافاً إلى ضعف سنده في نفسه، وعدم عمل الأصحاب به - إنّه معارض بمصحّح الحلبي، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعاً، أجهر بالقراءة ؟ قال عليه السلام: نعم»(5).

ويتعيّن الأخذ به لوجوهٍ لا تخفى .

***

لا جَهر على النِّساء في الصّلوات الجَهريّة

الفرع الرابع: لا يجبُ الجهر على النساء في الصلوات الجهريّة إجماعاً، حكاه جماعة(6).

ويشهد له:

ص: 165


1- التهذيب: ج 3/15 ذيل ح 54، والاستبصار: ج 1/417 ذيل ح 6.
2- السرائر: ج 1/298.
3- في مصباح المتهجّد، وحكاه عنه في السرائر: ج 1/298.
4- قرب الإسناد: ص 98، وسائل الشيعة: ج 6/162 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 10 (7629).
5- الكافي: ج 3/425 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/160 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 3 (7622).
6- منهم المحقّق في المعتبر: ج 2/178، والعلّامة في التذكرة: ج 3/154، والشهيد في الذكرى : ص 190 (ط. ق).

1 - مضافاً إلى الأصل، إذ ما دلَّ على لزوم الجهر مختصٌّ بالرِّجال، ولا يشمل النساء، وليس المورد من موارد التمسّك بقاعدة الاشتراك، لأنّ في المرأة خصوصيّة مقتضية لعدم مطلوبيّة الجهر منها.

2 - خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال:

«سألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة ؟

قال عليه السلام: لا، إلّاأن تكون امرأة تؤمّ النساء، فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»(1).

المنجبر ضعف سنده بعمل الأصحاب.

3 - واستدلّ له أيضاً بأنّ صوتها عورة يحرم إسماعه للأجنبي.

وفيه: مضافاً إلى أنّ لازم هذا الوجه - إنْ تمّ - حرمة الجهر لا عدم وجوبه، ما تقدّم في مبحث الأذان والإقامة من منع ذلك، فراجع(2).

نعم، على فرض تماميّة هذا الوجه، الأظهر ما عن «الذكرى»(3)، قال: (ولو جَهرَتْ وسَمعها الأجنبي فالأقربُ الفساد)، إذ النهي عن الإسماع، نهيٌ عن الجهر بالقراءة، لكونه مصداقاً له، وحيث أنّ الجهر والإخفات يعدّان من الأعراض الانتزاعيّة الّتي لا وجود لها سوى وجود معروضاتها، فالنهي عن الإجهاربالقراءة، نهيٌ عن الحصّة الخاصّة من القراءة فتبطل، إذ النهي عن العبادة يوجبُ الفساد، وفساد القراءة يوجبُ فساد الصَّلاة المشتملة عليها. أمّا لو قصد بها الجزئيّة، فلصدق الزيادة عليها، وأمّا إنْ لم يقصد بها الجزئيّة، فلما دلَّ على مبطليّة الكلام العمدي الخارج عنه الذكر والدّعاء والقرآن غير المحرّمة.).

ص: 166


1- قرب الإسناد: ص 100، وسائل الشيعة: ج 6/95 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 31 ح 2 (7436).
2- فقه الصادق: ج 6/400.
3- ذكرى الشيعة: ص 190 (ط. ق).

وعليه، فما عن «الحدائق»(1) من الإشكال عليه بأنّه لا وجه للفساد، لكون النهي عن أمرٍ خارج ضعيفٌ .

وأمّا في الإخفاتيّة، فالظاهر وجوب الإخفات عليهن، لقاعدة الاشتراك.

***

حكم الجهر في موضع الإخفات

الفرع الخامس: إنْ جَهَر المُصلّي في موضع الإخفات، أو أخفتَ في موضع الجهر ناسياً أو جاهلاً ولو بالحكم، صحّت صلاته، بلا خلافٍ فيه في الجملة.

ويشهد له: صحيح زرارة المتقدّم في أوّل المسألة، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق فيه بين الجاهل بوجوبهما أو الجاهل بمحلّهما، كمَن تخيّل أنّ الصبح إخفاتيّة والظهر جهريّة، لصدق عنوان (لا يدري وإنْ كان ناسياً) في المقامين.

فما عن «الجواهر»(2) من إنّ شمول الدليل للثاني محلّ نظر أو منعٍ غير ظاهر الوجه.

كما أنّ مقتضى إطلاق النصّ ، عدم الفرق بين الجاهل المتنبّه للسؤال وغيره.

ودعوى انصراف الصحيح إلى الثاني ممنوعة.

أقول: لو تذكّر الناسي أو الجاهل قبل الركوع، لا يجب عليه إعادة القراءة، لإطلاق الصحيح، وعموم حديث (لا تُعاد)(3) بناءً على ما هو الحقّ من عمومه لصورة الجهل، وكذا لو تذكّر في الأثناء، لإطلاق النص.

ودعوى: اختصاصه بالتذكّر بعد الفراغ من الصَّلاة، بقرينة قوله عليه السلام: (وقد

ص: 167


1- الحدائق الناضرة: ج 8/141.
2- جواهر الكلام: ج 10/25.
3- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).

تَمّت صلاته).

مندفعة: بأنّ الظاهر منه إرادة المقدار الواقع منها، ولا سيّما بملاحظة مقابلته بقوله عليه السلام: (وعليه الإعادة)، فلاحظ.

ثمّ إنّه قد يُشكل في تعقّل هذا الحكم في الجاهل المقصّر، من جهة أنّ اعتبار الوصفين: إمّا أنْ يكون منوطاً بالعلم أو لا يكون ؟

فعلى الأوّل: لا وجه لاستحقاق العقوبة على المخالفة، لعدم كونها مخالفة للواقع، مع أنّ عليه الإجماع.

وعلى الثاني:

فإمّا أن يقبل الشارع الصَّلاة الفاقدة لأحدهما بعد وجودها بدلاً عن الواجد ممّا يوجب سقوط الواجب، فلا وجه أيضاً لاستحقاق العقوبة.

وإمّا أنْ لا يقبلها، فيلزم بطلان الصَّلاة الفاقدة له.

وبالجملة: لا يجتمع استحقاق العقوبة، المتوقّف على مخالفة الواقع، مع الصحّة المتوقّفة على موافقته.

أقول: وقد اُجيب عن هذا الإشكال بوجوهٍ ، أحسنها منع استحقاق العقاب، والالتزام بأنّه في حال الجهل يكون الحكم الواقعي هو التخيير بين الجهر والإخفات، فيُجزى الإتيان بكلّ منهما، فلا موجب للعقاب عند الإتيان بأحدهما.

ودعوى: الإجماع عليه، مندفعة بعدم التعرّض له في كلمات جماعة من الأصحاب، مع أنّ المسألة عقليّة لا يكون الإجماع فيها حجّة، مضافاً إلى معلوميّة مدرك المجمعين.

***

ص: 168

التمييز بين الجهر والإخفات

الفرع السادس: قد اختلفت عبارات القوم في التمييز بين الجهر والإخفات:

فالمصرّح به في كلمات جماعةٍ منهم(1): إنّ أقلّ الجهر أن يُسمِع غيره القريب منه، والإخفات أنْ يكون بحيث يَسمع نفسه لو كان سَميعاً.

بل عن «المنتهى»(2) إنّه لا خلاف فيه.

وعن «المعتبر»(3) إنّه إجماع العلماء.

وعن «تفسير التبيان»(4): نسبته إلى الأصحاب.

وعن ابن إدريس الحلّي(5): إنّ حَدّ الإخفات أعلاه أن تَسمع اُذناك القراءة، وليس له حَدٌّ أدنى ، وإنْ لم تسمع اُذناه القراءة، فلا صلاة له، وإنْ سمعه مَنْ عن يمينه أو يساره صار جهراً.

وعن «تفسير الراوندي»(6): إنّ أقلّ الجهر أنْ يَسمع من يليك، وأكثر الإخفات أن تسمع نفسك، وعلى هذا فلا يتصادقان في المورد.

وعن جماعةٍ آخرين(7): إنّ أعلى الإخفات أدنى الجهر، ولازمه التصادق بينهما مورداً.

أقول: ولكن كل ذلك مخالفٌ للعرف واللّغة، بل الإخفات بحيثُ لا يسمع الغير

ص: 169


1- منهم العلّامة في التحرير: ج 1/246، والشهيد في ذكرى الشيعة ص 190 (ط. ق)، والشهيد الثاني في الروض ص 265.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/277.
3- المعتبر: ج 2/177.
4- التبيان: ج 6/534.
5- السرائر: ج 1/223.
6- فقه القرآن: ج 1/104.
7- كالموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر): ص 77 و 293.

عَسرٌ جدّاً.

وعن «كشف اللّثام»(1): عسى أنْ لا يكون مقدوراً.

وبالجملة: فالصحيح ما ذكره المحقّق رحمه الله(2) وجماعة من المتأخّرين عنه(3)، من أنّ (مناط الجهر ظهور جوهر الصوت ويلزمه سماع الغير، ومناط الإخفات عدم ظهوره مقيّداً بعدم سماع البعيد).

وحيثُ إنّه لم يرد عن الشارع تحديدٌ لهما، فمقتضى القاعدة الرجوع فيهما إلى العرف، ومع ذلك الأحوط مراعاة أدنى الإخفات.

نعم، ليس له الاكتفاء بمثل الهمهمة، إذ يعتبر في صدق القراءة أنْ يكون بحيث يسمعه نفسه إنْ كان سميعاً بلا خلافٍ ، بل عن «المعتبر»(4) و «المنتهى»(5) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - حسن زرارة: «لا يُكتَبُ من القراءة والدّعاء إلّاما سمع نفسه»(6).

2 - ويقتضيه قوله تعالى: وَ لا تُخافِتْ بِها (7) المفسّر في موثّق سماعة: (بما دون السمع)(8). ونحوه خبر إسحاق بن عمّار(9).).

ص: 170


1- كشف اللّثام: ج 1/220.
2- المعتبر: ج 2/177.
3- منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة: ج 2/226، والمحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/140، والمحقّق الهمداني في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/301 ق 1.
4- المعتبر: ج 2/177.
5- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/277.
6- الكافي: ج 3/313 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1 (7439).
7- سورة الإسراء: الآية 110.
8- الكافي: ج 3/315 ح 21، وسائل الشيعة: ج 6/96 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 33 ح 2 (7440).
9- تفسير القمّي: ج 2/30، وسائل الشيعة: ج 6/98 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 33 ح 6 (7444).

ودعوى: معارضتها بصحيح الحلبي: «هل يقرأ الرّجل وثوبه على فيه ؟ قال:

لا بأس بذلك إذا سمع اُذنيه الهمهمة»(1).

وصحيح علي بن جعفر: «عن الرّجل يصلح أنْ يقرأ في صلاته، ويُحرّك لسانه بالقراءة في لهواته، من غير أن يسمع نفسه ؟ قال: لا بأس»(2).

مندفعة: بأنّه لابدَّ من حمل الثاني منهما على ما إذا كان مصلّياً خلف المخالف، للأدلّة الدالّة على أنّه يُجزى من القراءة خلفه مثل حديث النفس.

وأمّا الأوّل، فهو لا ينافي ما تقدّم، إذ الهمهمة كما عن «القاموس»(3): (الصوت الخَفي)، وبقرينة النصوص المتقدّمة، يُحمل الصحيح على خصوص الكلام الخفي الذي يسمعه نفسه وغيره إذا كان قريباً، فتدبّر.

كما أنّه يعتبر في الجهر أنْ لا يخرج عن المعتاد بأن يصبح صياحاً وصراخاً بلا خلافٍ .

وعن بعضهم(4): دعوى الإجماع عليه، وتشهد له الآية الشريفة: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ (5) بضميمة موثّق سماعة(6)، المتضمّن لتفسير الجهر المنهيّ عنه برفع الصوت شديداً.

***ً.

ص: 171


1- الكافي: ج 3/15 ح 315، وسائل الشيعة: ج 6/97 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 33 ح 4 (7442)
2- التهذيب: ج 2/97 ح 133، وسائل الشيعة: ج 6/97 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 33 ح 5 (7443).
3- القاموس المحيط: ج 4/192، وفيه: (الهمهمة: الكلام الخفيّ ).
4- الفاضل الجواد الكاظمي في مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: ج 1/302، وحكاه عنه صاحب الجواهر: ج 382/9.
5- سورة الإسراء: الآية 110.
6- تقدّم تخريجه آنفاً.

ولا يجوزُ قراءة العَزائم في الفرائض.

قراءة العزيمة في الفريضة
اشارة

المسألة السابعة: (ولا يجوزُ قراءة) إحدى سور (العزائم في الفرائض) على المشهور، بل عن «الانتصار»(1)، و «الخلاف»(2)، و «الغُنية»(3) وغيرها(4) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - خبر زرارة، عن أحدهما عليه السلام، قال: «لا تقرأ في المكتوبة بشيءٍ من العزائم، فإنّ السّجود زيادة في المكتوبة»(5).

وقد أورد عليه في «المدارك»(6): بأنّ في الطريق القاسم بن عروة، وهو مجهول، وعبد اللّه بن بُكير وهو فطحي.

وفيه: إنّ ابن بُكير موثّق، ومن أصحاب الإجماع، وأمّا القاسم فهو وإنْ اختلفت كلمات الأصحاب فيه، إلّاأنّ الأظهر كونه حسناً، لكونه إماميّاً مدحه جماعة، هذا مضافاً إلى أنّ ضعف سنده - لو كان - يُجبر بالشهرة العظيمة.

2 - وموثّق سماعة: «مَنْ قرأ اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (7) فإذا خَتَمها فليسجد...

ص: 172


1- الإنتصار: ص 146.
2- الخلاف: ج 1/426، مسألة 174.
3- غنية النزوع: ص 78.
4- كنهاية الإحكام: ج 1/466، ومجمع الفائدة: ج 2/232، وحكاه السيّد العاملي عن كشف الالتباس وإرشاد الجعفريّة وشرح جمل السيّد للقاضي في مفتاح الكرامة (ط. ق): ج 1/356.
5- الكافي: ج 3/318 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/105 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 40 ح 1 (7460).
6- مدارك الأحكام: ج 3/352.
7- سورة العلق: الآية 1.

إلى أنْ قال: ولا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوّع»(1).

فإنْ قلت: مقتضى الجمع بينهما وبين حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّه سُئل عن الرّجل يقرأ السّجدة في آخر السّورة ؟

قال عليه السلام: يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب، ثمّ يركع ويسجد»(2) ونحوه غيره حملهما على الكراهة.

قلت: إنّهما أخصّ من هذه النصوص، لاختصاصهما بالفريضة، فتقيّد بهما نصوص الجواز، فتختصّ بالنافلة.

وأمّا خبر علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يقرأ في الفريضة سورة النجم، أيركع بها أو يسجد، ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟

قال عليه السلام: يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع، وذلك زيادة في الفريضة، ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة»(3).

فدلالته على الجواز وإنْ كانت لا تُنكر، لظهور السؤال في المفروغيّة عن الجواز، وقوله عليه السلام: (ولا يَعود) لا يدلّ على الحرمة، كي يكون رادعاً عمّا اعتقده السائل، لأنّ الظاهر منه كون النهي عن العود من جهة الزيادة، وحيثُ أنّ الظاهر من قوله: (يسجد...) عدم قادحيّتها، فلابدّ من حمل النهي على الكراهة، وحمله على صورة السهو أو غيره منافٍ لقوله عليه السلام: (لا يعود)، ومقتضى الجمع بينه وبين نصوص المنع، حملها على الكراهة، لا أنّه لإعراض الأصحاب عنه لا يعتمد عليه.

ومنه يظهر ما في خبره الآخر، عن أخيه عليه السلام، قال:).

ص: 173


1- التهذيب: ج 2/292 ح 30، وسائل الشيعة: ج 6/105 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 40 ح 2 (7461).
2- الكافي: ج 3/318 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/102 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 37 ح 1 (7454).
3- قرب الإسناد: ص 93، وسائل الشيعة: ج 6/106 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 40 ح 4 (7463).

«سألته عن إمامٍ يقرأ السّجدة، فأحدث قبل أن يسجد، كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: يقدّم غيره فيسجد ويسجدون، وينصرف هو، وقد تمّت صلاتهم»(1).

وبالجملة: فالمعتمد نصوص المنع، وعليه فالنهي المذكور مع قطع النظر عن التعليل بأنّ السّجود زيادة في المكتوبة، يكون ظاهراً في الإرشاد إلى المانعيّة، وأمّا بالنظر إليه فالظاهر منه الإرشاد إلى حُكم العقل بحرمة التسبيب إلى مزاحمة الواجبين المضيّقين، الموجبة لسقوط أحدهما، وهما:

وجوب إتمام الصَّلاة والمضيّ فيها.

ووجوب السّجود للعزيمة فوراً، لأنّه بمنزلة ترك الساقط اختياراً، فتكون قراءتها حراماً، فلو أتى بها تبطل الصَّلاة ولو لم يسجد، أمّا إذا قصد بها الجزئيّة فلصدق الزيادة، وأمّا إنْ لم يقصد بها الجزئيّة، فلأنّ الكلام المحرّم وإنْ كان معدوداً من الأذكار في حدّ نفسه ومن أجزاء الصَّلاة، لكنّه يوجب بطلان الصَّلاة، كما حُقّق في محلّه.

استماع آية السَّجدة في الصَّلاة

أقول: وتتفرّع على ذلك اُمور:

الأمر الأوّل: إنّ كلّ ما يوجب وجوب السّجود ويكون اختياريّاً، كالاستماع والسماع الاختياري، يكون حراماً، لكونه موجباً لسقوط أحد الواجبين، وقد عرفت أنّه بمنزلة ترك الساقط، ولكن شيئاً منه غير القراءة بنفسه لا يوجب بطلان الصَّلاة، بل يكون حاله حال النظر إلى الأجنبيّة.

ص: 174


1- قرب الإسناد: ص 94، التهذيب: ج 2/293 ح 34، وسائل الشيعة: ج 6/106 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 40 ح 5 (7464).

ودعوى: أنّ الأمر بالسجود بعد الاستماع، يوجب فساد الصَّلاة، لكونه أمراً بالإبطال، ولا يعقل معه بقاء الأمر بالمُضيّ في صلاته الّذي هو لازم عدم البطلان.

مندفعة أوّلاً: بأنّه لا يظهر من النصوص، كون السّجود أهمّ من المُضيّ في الصلاة، ليكون هو المأمور به، دونه فيكون الإبطال مأموراً به؛ لما عرفت من أنّ التعليل إنّما يدلّ على أنّ حرمة القراءة إنّما تكون لأجل كونها سبباً لمزاحمة الواجبين المضيّقين، ولا يدلّ على تقديم أحدهما على الآخر. بل الظاهر من النصوص الآمرة بالإيماء في الصَّلاة في الفروع الآتية، أهميّة الصَّلاة، فلا أمر بالسجدة بعد الاستماع مثلاً.

ومنه يظهر الوجه في فتوى جماعةٍ من الأساطين - كالشهيد الثاني(1)وغيره(2) - من تحريم الاستماع لآية السّجدة، وعدم وجوب السّجدة في الصَّلاة.

وثانياً: إنّه لو سُلّم أهميّة فوريّة السّجدة، والأمر بها، لكنّها لا توجب عدم الأمر بالمُضيّ في الصَّلاة ولو على سبيل الترتّب، فلو لم يسجد ومضى في صلاته، صَحّت صلاته، فتدبّر.

قراءة العزيمة سهواً

الأمر الثاني: لو قرأ المُصلّي إحدى سور العزائم ساهياً:

1 - فإمّا أن يتذكّر بعد الدخول في الركوع.

2 - أو يتذكّر بعد قراءة آية السّجدة.

3 - أو يتذكّر قبل قراءتها.

ص: 175


1- الروضة البهيّة: ج 1/607.
2- كالعلّامة في نهاية الإحكام: ج 1/467.

فإنْ تذكّر بعد الدخول في الركوع، فلا شبهة في صحّة صلاته، لحديث (لا تُعاد الصَّلاة)(1).

وإنْ تذكّر قبل تلاوة الآية:

فبناءً على جواز التبعيض، له الاكتفاء بما قرأ، وتصحّ صلاته.

وأمّا بناءً على عدمه، فعلى القول بعدم كون الإتيان ببعض السّورة بقصد الجزئيّة مبطلاً - كما هو الظاهر من نصوص العدول - فلا تبطل صلاته، ولكن لابدَّ له من الرجوع إلى سورةٍ اُخرى ، ويتمّ صلاته، ويشير إليه موثّق عمّار الآتي.

وإنْ تذكّر بعد قراءتها: فإنْ ترتّب محذورٌ آخر على قراءة سورة اُخرى ، صحّت صلاته بلا إشكال، لحديث (لا تُعاد)، وإلّا ففي وجوب سورةٍ اُخرى وجهان، أقواهما العدم، لما عرفت من إنّ سورة العزيمة من حيثُ هي لا توجب البطلان، بل البطلان إنّما يكون من جهة كونها حراماً، المختصّة حرمتها بغير حال السهو والنسيان.

قال الشهيد في «البيان»(2): تعيّن العدول، وقوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله(3)، واستدلّ له بإطلاق ما دلَّ على النهي عن العزيمة، الموجب لتقييد وجوب السّورة بغيرها من السور.

وفيه: ما تقدّم من أنّ النهي عنها لأجل تعليله بأنّ (السّجود زيادة في المكتوبة) لا يكون إرشاداً إلى عدم الجزئيّة، بل يعدّ إرشاداً إلى حكم العقل بالحرمة، المختصّة بغير حال النسيان.0.

ص: 176


1- الفقيه: ج 1/279 ح 857، وسائل الشيعة: ج 4/312 أبواب القبلة ب 9 ح 1 (5241).
2- البيان: ص 85.
3- الجواهر: ج 9/350.

أقول: ثمّ إنّ المنسوب إلى غير واحدٍ من الأصحاب(1) أنّه يؤمى بدل السّجود عند قراءة آية السّجدة ساهياً.

وعن «كشف الغطاء»(2): إنّه يسجد في الأثناء.

وعن جماعةٍ من المحقّقين(3): إنّه يؤخّر السّجود إلى ما بعد الفراغ.

وقيل(4): يجمع بين الإيماء في الأثناء، والسّجود بعد الفراغ.

والأقوى هو الأوّل لخبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنْ صلّيت مع قومٍ فقرأ الإمام اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (5) أو شيئاً من العزائم، وفرغ من قرائته، ولم يسجد فأومِ إيماءً »(6). ونحوه مضمر سماعة(7).

وخبر عليّ بن جعفر: «عن الرّجل يكون في صلاةٍ في جماعة، فيقرأ إنسان السّجدة، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: يؤمى برأسه.

قال: وسألته عن الرّجل يكون في صلاةٍ فيقرأ آخر السّجدة ؟

فقال عليه السلام: يسجدُ إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع، ثمّ يقوم فيتمّ صلاته، إلّاأنْ يكون في فريضةٍ فيؤمئ برأسه إيماءً »(8).

أقول: وهذه النصوص وإنْ اختصّت بالسمع، إلّاأنّه يتعدّى إلى غيره ما عدا).

ص: 177


1- نسبه لغير واحد السيّد الحكيم في المستمسك: ج 6/169، منهم العلّامة في التذكرة: ج 3/220، المحقّق النراقي في المستند: ج 5/104.
2- كشف الغطاء: ص 236.
3- منهم العلّامة في قواعد الأحكام: ج 1/274، والفاضل الاصبهاني في كشف اللّثام: ج 4/42، ويظهر من صاحب الجواهر أنّه المعروف، الجواهر: ج 9/348.
4- حكاه المحقّق عن ابن الجنيد في المعتبر: ج 2/175، وذهب له الشهيد الثاني في المسالك: ج 1/206.
5- سورة العلق: الآية 1.
6- الكافي: ج 3/318 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/103 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 38 ح 1 (7457).
7- التهذيب: ج 2/292 ح 30، وسائل الشيعة: ج 6/102 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 38 ح 2 (7455).
8- مسائل علي بن جعفر عليه السلام: ص 172، وسائل الشيعة: ج 6/243 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 43 ح 3 (7846).

القراءة العمديّة الّتي عرفت حكمها، إذ يستفاد من هذه الأخبار أنّ من جملة موارد الاضطرار التي يجب فيها الإيماء بدلاً عن السّجود، مورد السماع، لأجل أنّ وجوب السّجود فوري، وإتمام الصَّلاة أهمّ ، فيتعدّى عنه إلى ما يماثله.

وعن العلّامة الطباطبائي(1) الإشكال فيه، بأنّ مقتضى بدليّة الإيماء للسجود، كونه بحكمه في إبطال زيادته.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ في مبدله نقول بالإبطال، لأجل النصّ تعبّداً، وحيثُ أنّه مختصٌّ به فلا يتعدّى عنه - إنّه مع دلالة النصوص على جوازه وعدم إبطاله، لايُعتنى بمثل هذه الوجوه، مع أنّ احتمال كون الحكمة في تشريعه هو الفرار عن محذور زيادة السّجدة قوي، فكيف يوجب الوقوع فيه ؟!

وممّا ذكرناه ظهر ضعف الأقوال الاُخر.

المُحرّم قراءة آية السَّجدة

الأمر الثالث: إنّ المحرّم إنّما هو قراءة آية السّجدة، لأنّها الموجبة لمزاحمة الواجبين، وحينئذٍ لو قرأ ما عداها من آيات السّورة:

فبناءً على جواز التبعيض، له الاكتفاء بما قرأ ويتمّ صلاته.

وأمّا بناءً على عدمه فيتعيّن عليه العدول إلى سورةٍ اُخرى ، والإتيان ببعض السّورة بقصد الجزئيّة، ولا يكون مبطلاً كما هو الظاهر من نصوص العدول.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرّجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ؟

ص: 178


1- الدرّة النجفيّة: ص 135.

فقال عليه السلام: إذا بلغ موضع السّجدة فلا يقرأها، فإنْ أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السّجدة»(1).

الأمر الرابع: لو تعذّر عليه السّجدة لمرضٍ أو تقيّة ونحوها، فالظاهر جواز قراءتها اختياراً، ويجتزى بها عن السّورة الواجبة، إذ النهي بما أنّه عُلّل بأنّ (السّجود زيادة في المكتوبة) فيختصّ بما إذا كانت القراءة موجبة للسجدة، ومع عدم النهي لا مانع من الاجتزاء بها، فتدبّر.

ودعوى: أنّه عند تعذّر السّجود يجبُ الإيماء بدلاً عنه، فهو بحكم مبدله، قد عرفت ما فيها.

كما أنّ دعوى: أنّ ما دلَّ على وجوب قراءة سورة كاملة، قد تخصّص بالأخبار الناهية عن قراءتها.

ضعيفة، لأنّ القراءة في الفرض غير داخلة في المُخصّص، بل هي داخلة تحت العام.

وما ذكره بعض المحقّقين(2): من أنّ كونها محرّمة أو غير محرّمة من أحوال الفرد المخرَج، ولا يتعدّد به أفراد العام، فلا يبقى للأدلّة الدالّة على قراءة سورة كاملة بعد ورود التخصيص عليها بالأخبار الناهية عن قراءة العزيمة، دلالةٌ على إرادتها من تلك الأدلّة في غير حال حرمتها.

ضعيفٌ : إذ العام بما أنّه من الأفعال لا من الجواهر، ومن المعلوم أنّ كلّ فعلٍ صادر في كلّ حال، مغايرٌ لما صدر في حال آخر، فالعزيمة المحرّمة فردٌ من العام مغاير1.

ص: 179


1- التهذيب: ج 2/293 ح 33، وسائل الشيعة: ج 6/105 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 40 ح 3 (7462).
2- المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/292 ق 1.

للعزيمة غير المحرّمة، ومقتضى العموم إجزاء كلّ منهما، لكنّه خرجت العزيمة المحرّمة بخصوصها، فتبقى غير المحرّمة تحت العام.

أقول: ثمّ إنّ المعروف بين الأصحاب اختصاص المنع بالفريضة، فيجوز قراءتها في النافلة، وعن «الخلاف»(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى ما عرفت من اختصاص أدلّته بها، وبعض نصوص الجواز المحمول على النافلة - موثّق سماعة المتقدّم، قال:

«من قرأ اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فإذا ختمها فليسجد - إلى أنْ قال - ولا تقرأ في فريضةٍ ، اقرأ في التطوّع».

فيسجد بعد قراءتها وهو في الصَّلاة، ثمّ يتمّها بلا خلاف، ولا يلزم زيادة في الصَّلاة، لأنّ النص المانع عن السّجدة، الدالّ على أنّها زيادة، مختصّ بالفريضة، مضافاً إلى دلالة الموثّق عليه.

نعم، لو كانت السّجدة في آخر السّورة، جاز له الركوع، وتأخير السّجدة، لخبر وهب بن وهب، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام، قال:

«إذا كان آخر السّورة السّجدة أجزأك أن تركع بها»(2).

ولو سجد ثمّ قام للركوع، يستحبّ أنْ يقرأ الفاتحة، ليركع عن قراءة، لحسن الحلبي المتقدّم.

***).

ص: 180


1- الخلاف: ج 1/430.
2- التهذيب: ج 2/292 ح 29، وسائل الشيعة: ج 6/102 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 44 ح 2 (7456).

ولا ما يفوتُ الوقت بقراءته.

لا يجوزُ قراءة ما يفوت الوقت بقراءته

المسألة الثامنة: (ولا) يجوز قراءة (ما يفوتُ الوقت بقراءته) من السّور الطوال، بلا خلافٍ ظاهر.

وعن «الحدائق»(1) نسبته إلى الأصحاب.

وعن «الرياض»(2): نفي الخلاف فيه إلّاعن بعض المتأخّرين.

واستدلّ له:

1 - بأنّه يلزم من قراءته فوت الصَّلاة، وتركها عمداً، وهو حرام.

2 - وبخبر سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا تقرأ في الفجر شيئاً من ال حم»(3).

بدعوى أنّ الظاهر كون النهي لفوت الوقت.

3 - وبخبره الآخر، عن عامر بن عبد اللّه، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

مَنْ قرأ شيئاً من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت»(4).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يتوقّف على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه، وهو خلاف التحقيق.

ص: 181


1- الحدائق الناضرة: ج 8/125.
2- رياض المسائل: ج 3/395.
3- التهذيب: ج 3/276 ح 123، وسائل الشيعة: ج 6/111 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 44 ح 2 (7479).
4- التهذيب: ج 2/295 ح 45، وسائل الشيعة: ج 6/111 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 44 ح 1 (7478).

وأمّا الخبران: فلأنّ ظاهرهما - بقرينة إفضاء متعلّق النهي إلى ترك الواجب - هو التحريم المقدّمي العرضي، فلا يكون تحريماً حقيقيّاً.

قال المحقّق الهمداني: المشهور بطلان(1) الصَّلاة بقراءته، واستدلّ له:

1 - بالخبرين المتقدّمين، بدعوى أنّ ظاهرهما إمّا الإرشاد إلى المانعيّة أو الحرمة، وعلى كلا الفرضين يستفاد البطلان منهما:

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فلأنّ الكلام المحرّم، ولو كان ذاتاً من أجزاء الصَّلاة، موجبٌ للبطلان.

وكلاهما ممنوعان لما تقدّم من ظهورهما في التحريم المقدّمي، وبأنّه مكلّفٌ بالسورة القصيرة، فلو أتى بها أيضاً، لزم القِران المُبطل، وإلّا لزم نقص الجزء المبطل.

وفيه: إنّ التكليف الفعلي وإنْ اختصّ بالقصيرة، ولكن حيث أنّ الطويلة يكون فيها الملاك، فلو أتى بها بداعي الملاك، واقتصر عليها، لم تلزم النقيصة.

2 - وبأنّ السّورة الطويلة ليست جزءً ، لعدم إمكان التكليف بفعلٍ لا يسعه الوقت، فالإتيان بها زيادة عمديّة توجب البطلان.

وفيه: إنّ عدم كونها جزء للمأمور به، لا يوجب صدق الزيادة المبطلة عليها، بعد فرض ثبوت الملاك فيها، وأتى بها لا بداعي الأمر، بل بداعي الملاك.

أقول: وربما يفصّل بين ما لو كانت السّورة الطويلة موجبة لفوات الوقت، قبل إدراك ركعة من الصَّلاة أو بعده، فتبطل في الأوّل، لأنّها لا تقع أداءً - لعدم إدراك ركعة منها في الوقت - ولا قضاءً لعدم الأمر بالقضاء حين الشروع فيها، وهذا بخلاف ما لو أدرك ركعةً منها، فإنّها تقع أداءً ، كما عرفت في مبحث المواقيت(2).ت.

ص: 182


1- نسبه إلى المشهور المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 2/295 ق 1.
2- راجع «فقه الصادق» ج 6/93: (قاعدة من أدرك) المسألة الرابعة من المواقيت.

وفيه أوّلاً: إنّ التفصيل في غير محلّه، لما عرفت في ذلك المبحث من أنّ شمول قاعدة من أدرك مشروطٌ بأنْ يكون عدم إدراك تمام الصَّلاة في الوقت بغير الاختيار، فلا تشمل المقام.

وثانياً: إنّه لا وجه للحكم بعدم الصحّة في كلا الموردين، لو أتى بالصَّلاة معها بقصد المحبوبيّة والملاك، لا بدّاعى الأمر، إذ المستفاد من أدلّة القضاء والأداء وحدة ملاكهما، غاية الأمر إيقاع الصَّلاة في الوقت ذو ملاكٍ آخر، فلو أتى بها بداعي الملاك صحّت، بل تصحّ لو نَوى الجامع بين الأمر الأدائي والأمر القضائي، فتأمّل.

فرع: لو قرأها ساهياً أو زاعماً سعة الوقت، أو غافلاً عن طولها:

فإنْ تذكّر بعد الفراغ من السّورة، أتمّ صلاته، وإنْ لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت، ولكن لا يقصد الأمر الأدائي فيما إذا لم يُدرك ركعةً من الوقت لعدمه، بل يأتي بها بقصد الملاك، أو الجامع بين الأمرين الأدائي والقضائي.

نعم، فيما إذا أدرك ركعةً في الوقت، عليه أنْ يتمّ صلاته بقصد الأمر الأدائي لقاعدة من أدرك.

وإنْ تذكّر في الأثناء:

فإنْ كان في سعة الوقت، جاز له الإقتصار على ما قرأ، بناءً على جواز التبعيض، ووجب العدول إلى سورة اُخرى بناءً على عدمه.

وإنْ لم يكن ذلك في سعة الوقت، وجب عليه الاقتصار على ما قرأ، بناءً على جواز التبعيض، وتخيّر بين الإقتصار عليه، والعدول إلى سورة اُخرى ، بناءً على عدمه، لما تقدّم من التخيير بين الإتيان بالسورة وعدمه في ضيق الوقت، فراجع.

***

ص: 183

ولا قراءة سورتين بعد الحَمد.

في القِران بين سورتين أو أزيد

(و) المسألة التاسعة: نُسب إلى المشهور بين القدماء(1) أنّه (لا) يجوز (قراءة سورتين) أو أزيد (بعد الحمد) في ركعة واحدة.

وعن الصدوق(2): إنّه من دين الإماميّة.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح منصور بن حازم: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورةٍ ولا بأكثر»(3).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«سألته عن الرّجل يقرأ السورتين في الركعة ؟ قال عليه السلام: لا، لكلّسورةٍركعة»(4).

ومنها: موثّق زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرّجل يقرن بين السّورتين في الركعة ؟ فقال: إنّ لكلّ سورة حقّاً فاعطها حقّها من الركوع والسّجود.

قلت: فيقطع السّورة ؟ فقال: لا بأس»(5). ونحوها غيرها.

وفيه: إنّه لابدَّ من صرفها عن ظاهرها، وحملها على الكراهة، جمعاً بينها وبين ما دلَّ على الجواز، كصحيح علي بن يقطين، قال:

«سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن القِران بين السورتين في النافلة والمكتوبة قال:

ص: 184


1- نسبه لمشهورهم الشيخ صاحب الجواهر في الجواهر: ج 9/354.
2- الأمالي للصدوق: ج 93/741.
3- الكافي: ج 3/314 ح 12، وسائل الشيعة: ج 6/43 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 4 ح 2 (7295).
4- التهذيب: ج 2/70 ح 22، وسائل الشيعة: ج 6/50 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 8 ح 1 (7312).
5- التهذيب: ج 2/73 ح 36، وسائل الشيعة: ج 6/50 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 8 ح 3 (7314).

لا بأس»(1).

ويشهد لهذا الجمع ما رواه ابن إدريس، عن زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا تقرن بين السّورتين في الفريضة، فإنّ ذلك أفضل»(2).

وعليه، فالأقوى هو الجواز مع الكراهة، كما عن جماعةٍ كثيرة(3)، بل نُسب إلى جمهور المتأخّرين(4).

أقول: وقد أورد على القول بالكراهة بعدم معقوليّته، إذ القائل بالكراهة يلتزم بوقوع الثانية عبادة، والمفروض أنّ تركها أرجح، إذ لا معنى لكراهتها فى المقام، حيث لا بدل لها إلّاذلك، فكيف يجتمع هذا المعنى مع العباديّة المتوقّفة على الرجحان ؟

والحقّ في الجواب عنه: ما أفاده العلّامة الأنصاري رحمه الله(5) من أنّ النهي التنزيهي في أمثال المقام، من العبادات الّتي لا بدل لها، إرشادٌ إلى وجود مصلحةٍ في الترك أرجح من مصلحة موجودة في الفعل، لأجل كون الترك سبباً لعنوانٍ راجح في نفسه، فكلٍّ من الفعل والترك مستحبٌّ في نفسه، لكن مصلحة الترك أرجح، فليس النهي لأجل كون الفعل مرجوحاً لمفسدةٍ فيه لينافي مع عباديّته.

وأشكل عليه العلّامة النائيني رحمه الله(6) بما حاصله: إنّه لو كان كلٍّ من الفعل والترك مشتملاً على المصلحة، فلا يعقل تعلّق الأمر بكليهما، لأنّه من طلب3.

ص: 185


1- التهذيب: ج 2/296 ح 48، وسائل الشيعة: ج 6/52 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 8 ح 9 (7320).
2- السرائر: ج 3/586.
3- منهم الشيخ في الاستبصار: ج 1/317 ذيل ح 3، والحِلّي في السرائر: ج 1/220، والمحقّق في المعتبر: ج 174/2، والشهيد في البيان: ص 158، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 264، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/248.
4- نسبه لجمهور المتأخّرين المحدِّث المجلسي في بحار الأنوار: ج 82/13، والمحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 8/145.
5- كتاب الصَّلاة: ج 1/374.
6- أجود التقريرات: ج 1/364-365 (ط. ق) وفي الطبعة الجديدة: ج 2/173.

النقيضين، ولا بأحدهما على سبيل التخيير، لأنّه طلب الحاصل، بل يكون من باب تزاحم الملاكين، فإنْ كان أحدهما أقوى يكون الحكم الفعلي على طبقه، وإلّا فلا يؤثّر شيء منهما في جعل الحكم.

وفيه: إنّ ما ذُكر يتمّ فيما إذا كانت المصلحة مترتّبة على مطلق وجود الفعل، وأمّا إذا كانت مترتّبة على حِصّة خاصّة منه، كما في موارد العبادات المكروهة، إذ المصلحة مترتّبة على الفعل العبادي، فلا محالة يكون من باب تزاحم المستحبّين، لأنّ المكلّف قادرٌ على تركهما والإتيان بالفعل بلا قصد القُربة، وعلى هذا لو كان في الترك مصلحة أهمّ من ما يكون في الفعل، فإنّ للمولى أنْ ينهى عن الفعل إرشاداً إلى ما في الترك من مصلحة أهمّ ، وحيث إنّ هذا النهي لم ينشأ عن المنقصة والحزازة في الفعل، فلا ينافي مع كون الفعل عباديّاً، وتمام الكلام موكولٌ إلى محلّه(1).

أقول: ثمّ إنّه بناءً على كون النهي عن القِران إلزاميّاً، يتعيّن القول بالبطلان؛ لأنّ ظاهره إمّا أنْ يكون مانعيّة القِران، أو اشتراط الاتّحاد، أو الحرمة النفسيّة، وعلى جميع التقادير يدلّ على البطلان:

أمّا على الأولين فواضحٌ .

وأمّا على الأخير، فلما حقّقناه في محلّه(2) من أنّ الكلام المحرّم موجبٌ لبطلان الصَّلاة، ولو كان ذاتاً من أجزائها، والظاهر تحقّق القران بقراءة أكثر من سورة واحدة ولو بمقدار آية، ولا يتوقّف على قراءة سورتين كاملتين لصحيح منصور المتقدّم.

فرع: ثمّ إنّ موضوع القِران هل هو قراءة السّورة الثانية بقصد الجزئيّة، أم يكون أعمّ من ذلك ؟ وجهان:).

ص: 186


1- راجع زبدة الاُصول: ج 3/19 (العبادات المكروهة).
2- وقد مرَّ الكلام عن ذلك في غير موضع هنا، منها ما في ص 181 مبحث العنوان: (لايجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته).

أقول: إنّ قراءة السّورة الثانية تتصوّر على وجوه:

1 - أنْ يقرأ بقصد الجزئيّة، بزعم تحقّق الامتثال بالمجموع.

2 - أنْ يقرأ الزائد بقصد القرآنية.

3 - أنْ يقرأ لأجل احتمال فساد ما قرأه، ويكون قراءة الزائد لأجل إحراز الصحّة الواقعيّة.

4 - أنْ يقرأ أوّلاً بعض السّورة، ثمّ يبدو له أن يرجع إلى سورةٍ اُخرى لتكون هي الجزء، ويرفع اليد عمّا قرأه.

أمّا القسم الأوّل: فهو القدر المتيقّن من الأخبار.

وأمّا الثاني: فلا شبهة في عدم شمول الأخبار له، كما لا يخفى على من تدبّر فيها.

وأمّا الرابع: فمضافاً إلى خروجه عن الأخبار، تدلّ على جوازه روايات كثيرة، وقد تقدّم الكلام فيه.

وأمّا الثالث: فالظاهر أيضاً عدم شمول الأخبار له، إذ مَنْ يقرأ سورة اُخرى احتياطاً لا يقصد ان يكونا معاً جزءً للصَّلاة، بل يقصد أنّه إنْ لم يقع الأُولى جزء فلتكن الثانية جزء.

أقول: ثمّ إنّه لا خلاف في اختصاص الحكم منعاً أو كراهة بالفريضة، ويشهد له موثّق زرارة، قال أبوجعفر عليه السلام: «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس»(1)، ويؤيّده تشريعه في نوافل مخصوصة، راجع كتب العبادات.

***).

ص: 187


1- الكافي: ج 3/314 ح 10، وسائل الشيعة: ج 6/50 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 8 ح 2 (7313).

ويستحبُّ الجَهر بالبسملة في الإخفات.

يستحبُّ الجهر بالبسملة

(ويستحبُّ ) فيها اُمور:

الأمرالأوّل: (الجهر بالبسملة) في مواضع يتعيّن (في) - ها (الإخفات) على المشهور.

وعن «الخلاف»(1): دعوى الإجماع عليه.

وعن القاضي(2) والصدوق(3): وجوبه مطلقاً.

وعن الحِلّي(4): تخصيص الحكم بالأولتين.

وعن الإسكافي(5): تخصيص الحكم بالإمام.

ومستند الحكم جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح صفوان الجمّال: «صلّيتُ خلف أبي عبد اللّه عليه السلام فكان إذا كانت صلاة لايجهر فيها، جَهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وكان يجهر في السورتين جميعاً»(6).

ومنها: ما عن «العيون» بسنده الحسن كالصحيح إلى الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام: «إنّه كتب إلى المامون: والإجهار ببسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سُنّة»(7).

ص: 188


1- الخلاف: ج 1/331، مسألة 83.
2- المهذّب: ج 1/97.
3- الفقيه: ج 1/308 ذيل ح 922.
4- السرائر: ج 1/218.
5- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 2/155.
6- الكافي: ج 3/315 ح 20، وسائل الشيعة: ج 6/74 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 21 ح 1 (7384).
7- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/123، وسائل الشيعة: ج 6/76 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 21 ح 6 (7389).

ومنها: ما في جملةٍ من النصوص، من عَدّه من علامات المؤمن(1)، ونحوهاغيرها.

أقول: وظاهر بعض النصوص استحبابه مطلقاً للإمام وغيره، واختصاص بعضها بالإمام لا يوجبُ تقييد المطلق منها، كما أنّ مقتضى إطلاق مثل خبر الفضل عموم الحكم للأوليين والأخيرتين، إذا اختار فيما الحمد، واختصاص بعض النصوص بالإخفاتيّة التي تتعيّن فيها القراءة، لو كان لا يوجبُ تقييد إطلاق النصوص الخالية عن القيد، وبه يرفع اليد عن قاعدة الاحتياط.

واستدلّ للقول بوجوبه:

1 - بخبرالأعمش، عن جعفر عليه السلام: «والإ جهار ببسم اللّه الرحمن الرحيم واجب»(2).

2 - وخبر سُليم، عن عليّ عليه السلام في خطبةٍ طويلة: «وألزمتَ النّاس الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم»(3).

3 - و بأنّهم عليهم السلام كانوا يداومون عليه، فلوكان مستحبّاً لأخلّوابه فى بعض الأحيان.

وأورد على الأوّل: بأنّ الظاهر منه مطلق الثبوت، ولا ظهور له في الوجوب الاصطلاحي.

وفيه: إنّ الوجوب إنّما ينتزع من الأمر بشيء وعدم الترخيص في تركه، وحيثُ أنّ دلالة الخبر على الأمر به لا تُنكر، فلابدّ من حمله على الوجوب، ما لم يثبت جواز تركه.

وأورد على الثاني: بعدم تعرّضه للصَّلاة.).

ص: 189


1- التهذيب: ج 6/52 ح 37، وسائل الشيعة: ج 14/478 أبواب المزار، باب 56 ح 1 (19643).
2- الخصال: ج 2/603، وسائل الشيعة: ج 6/75 أبواب القراءة في الصَّلاة، باب 21 ح 5 (7388).
3- الكافي: ج 8/58 ح 21، وسائل الشيعة: ج 1/457 أبواب الوضوء ب 38 ح 3 (1209).

وفيه: أنّه لو لم يكن مختصّاً بها، فلا أقلّ من كونها القدر المتيقّن من إطلاقه.

فالصحيح في الجواب عنهما: أنّهما ضعيفان سنداً، مضافاً إلى إعراض الأصحاب عنهما، مع أنّ صحيح الحلبيين عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أنّهماسألاه عمّن يقرأبسم اللّه الرحمن الرحيم حين يُريد أنْ يقرأ فاتحة الكتاب ؟

قال عليه السلام: نعم، إنْ شاء سرّاً وإنْ شاء جَهراً.

قلت: أفيقرأها مع السّورة الاُخرى ؟ فقال عليه السلام لا»(1). يدلّ على الجواز، فيجمع بينه وبينهما بحملهما على الاستحباب.

وما في ذيل الصحيح من الترخيص في ترك البسملة في السّورة، لا يوجب حمل صدره أيضاً على التقيّة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه يستحبّ الجهر بالبسملة في مواضع يتعيّن فيها الإخفات مطلقاً، نعم لا يستحبّ بل لا يجوز الجهر بها للمأموم الواجب عليه الإخفات بالقراءة، لإنصراف النصوص عنه، فيرجع إلى ما دلَّ على لزوم أن يخفت بالقراءة خلف الإمام، ويؤيّده سقوط الجهر في موارد وجوب القراءة، فتأمّل.

الأمر الثاني: الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأُولى ، على المشهور.

وعن «الذكرى»(2)، و «كشف اللّثام»(3)، و «الخلاف»(4): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال بعد ذكر دعاء التوجه بعد6.

ص: 190


1- التهذيب: ج 2/68 ح 17، وسائل الشيعة: ج 6/61 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 12 ح 3 (7349).
2- ذكرى الشيعة: ص 191 (ط. ق).
3- كشف اللّثام: ج 4/52.
4- الخلاف: ج 1/325، مسألة 76.

تكبيرة الإحرام:

«ثمّ تعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم، ثمّ اقرأ فاتحة الكتاب»(1)، ونحوه غيره.

والأمر في هذه النصوص يُحمل على الاستحباب، بقرينة الإجماع عليه على ما حكاه جماعة.

ومنها: مرسل «الفقية»: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتمّ النّاس صلاةً وأوجزهم، كان إذا دخل في صلاته، قال: اللّهُ أكبر بسم اللّه الرحمن الرحيم»(2).

ومنها: خبر فرات، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قرأتَ بسم اللّه الرحمن الرحمن الرحيم، فلا تبالي أنْ لا تستعيذ»(3).

أقول: ثمّ إنّه نُسب إلى الأكثر(4) أنّه ينبغي الإخفات بالاستعاذة.

وعن «الخلاف»(5): دعوى الإجماع عليه.

وعن «التذكرة»(6) و «إرشاد الجعفريّة»(7): أنّ عليه عمل الأئمّة عليهم السلام.

وعليه فيُحمل خبر حنّان: «صلّيتُ خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب فتعوّذ بإجهار أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، وأعوذ باللّه أن يحضرون»(8) على الجواز.

وأمّا صيغتها: فالمشهور بين الأصحاب هي: (أعوذُ باللّه مِنَ الشيطان الرجيم).).

ص: 191


1- الكافي: ج 3/310 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/133 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 57 ح 1 (7542).
2- الفقيه: ج 1/306 ح 920، وسائل الشيعة: ج 6/135 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 58 ح 2 (7550).
3- الكافي: ج 3/313 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/135 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 58 ح 1 (7549).
4- نسبه إلى الأكثر الشهيد في الذكرى : ص 191.
5- الخلاف: ج 1/327، مسألة 79.
6- تذكرة الفقهاء: ج 3/127.
7- حكاه عن إرشاد الجعفريّة صاحب الجواهر: ج 9/420.
8- التهذيب: ج 2/289 ح 14، وسائل الشيعة: ج 6/134 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 57 ح 4 (7546).

وعن الشهيد(1): هذه الصيغة موضع وفاق، وتضمّنها النبويّ .

أقول: قد وردت الاستفادة في النصوص بكيفيّات مختلفة، والجمع بينها يقتضى الحكم بحصول الامتثال بجميعها، بل وبغيرها ممّا تتحقّق به الاستعاذة باللّه من الشيطان الرجيم، وإنْ كان الأحوط اختيار إحدى تلك الصيغ.

***2.

ص: 192


1- الظاهر أنّه الشهيد الثاني في شرح النفليّة كما حكاه المحدِّث البحراني في الحدائق: ج 8/162.

وقراءة الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهريها.

يستحبُّ قراءة بعض السّور في بعض الصلوات

الأمر الثالث: لا خلاف في استحباب قراءة بعض السّور الخاصّة، في بعض الصَّلوات، ولكن اختلفوا في تعيين ذلك البعض.

ففي «الشرائع»(1): (ومنه أي من - المستحبّات - أن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسّور القصار كالقدر والجَحْد، وفي العشاء بالأعلى والطارق وما شاكلهما، وفي الصبح بالمزمّل والمدثّر وما ماثلهما)، وهو المنسوب إلى المشهور(2).

أقول: ولكن المتعيّن العمل بما في صحيح ابن مسلم:

«قلت لأبي عبد اللّه: القراءة في الصَّلاة شيءٌ موقّت ؟

قال: لا، إلّاالجمعة، تقرأ بالجمعة والمنافقين.

فقلت له: فأيّ السّور نقرأ في الصَّلاة ؟

قال عليه السلام: أمّا الظهر والعشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء، وأمّا الغداة فأطول، فأمّا الظهر والعشاء الآخرة ف سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى و وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحاها ونحوهما، وأمّا العصر والمغرب ف إِذا جاءَ نَصْرُ اَللّهِ و أَلْهاكُمُ اَلتَّكاثُرُ ونحوهما، وأمّا الغداة ف عَمَّ يَتَساءَلُونَ و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ اَلْغاشِيَةِ و لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ اَلْقِيامَةِ و هَلْ أَتى عَلَى اَلْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ »(3).

ص: 193


1- شرائع الإسلام: ج 1/65.
2- نسبه للمشهور السيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 3/362.
3- التهذيب: ج 2/95 ح 122، وسائل الشيعة: ج 6/117 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 48 ح 2 (7495).

وقريبٌ منه صحيح عيسى القمّي، أو حسنه(1).

وما تضمّناه هو المحكيّ عن جماعةٍ من الأساطين كالمحقّق(2)، والشهيد(3)، وغيرهما(4).

هذا في غير الجمعة وليلتها.

(و) أمّا فيهما، فيستحبُّ (قراءة الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهريها).

أمّا الجمعة والظهر: فقد قيل(5) بوجوب السورتين فيهما، واستدلّ له:

1 - بمصحّح الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعاً، أجهر بالقراءة ؟ فقال عليه السلام: نعم.

وقال: اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة»(6).

2 - وصحيح ابن مسلم المتقدّم.

3 - وصحيح منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ليس في القراءة شيءٌ موقّت إلّا الجمعة يقرة بالجمعة والمنافقين»(7).

4 - وصحيح عمر بن يزيد - أو حسنه - قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «مَنْ صَلّى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصَّلاة في سفرٍ أو حضر»(8).

ونحوها غيرها.).

ص: 194


1- التهذيب: ج 2/95 ح 123، وسائل الشيعة: ج 6/116 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 48 ح 1 (7494).
2- المعتبر: ج 2/182.
3- الذكرى : ص 192.
4- كالبيان: ص 84، وجامع المقاصد: ج 2/272، وروض الجنان: ص 268.
5- قاله الصدوق رحمه الله في المقنع: ص 147.
6- الكافي: ج 3/425 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/160 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 73 ح 2 (7622).
7- الكافي: ج 3/425 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/154 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 70 ح 1 (7600).
8- الكافي: ج 3/426 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/159 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 72 ح 1 (7618).

وفيه: برغم أنّه لا مجال لإنكار ظهور هذه النصوص في الوجوب، إلّاأنّه لابدَّ من صرفهاعن ظاهرها، وحملهاعلى الاستحباب، بقرينة ماهو صريح في الجواز:

كصحيح علي بن يقطين، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّداً؟ قال عليه السلام: لا بأس»(1).

وخبره الآخر، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الجمعة في السّفر، ما أقرأ فيهما؟ قال عليه السلام: اقرأ فيهم بقل هو اللّه أحد»(2). ونحوهما غيرهما.

ويشهد لهذا الجمع: - مضافاً إلى أنّه جمعٌ عرفي - مرفوع حَريز وربعي، عن أبي جعفر عليه السلام: إذا كان ليلة الجمعة يستحبّ أنْ يقرأ في العُتمَة سورة الجمعة و إِذا جاءَكَ اَلْمُنافِقُونَ (3)، وفي صلاة الصبح مثل ذلك، وفي صلاة الجمعة مثل ذلك، وفي صلاة العصر مثل ذلك»(4).

فإنْ قلت: إنّ جملة نصوص المقام صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول في صلاة الجمعة: لا بأس بأن تقرأ فيهما بغير الجمعة والمنافقين، إذا كنت مستعجلاً»(5)، وهو أخصّ من كلتا الطائفتين، وبمنطوقه يقيّد ما دلَّ على الوجوب بغير صورة الاستعجال، وبمفهومه يقيّد ما دلَّ على عدم الوجوب بصورة الاستعجال.

قلت: إنّ صحيح ابن يقطين يأبى عن هذا الحمل، لأنّ السؤال فيه إنّما يكون عن ترك الجمعة متعمّداً، أي من غير عُذر، فلايصحّ حمل الجواب على غير هذاالمورد، مع).

ص: 195


1- التهذيب: ج 3/7 ح 19، وسائل الشيعة: ج 6/157 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 71 ح 1 (7611).
2- الفقيه: ج 1/415 ح 1226، وسائل الشيعة: ج 6/157 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 71 ح 2 (7612).
3- سورة المنافقون: الآية 1.
4- التهذيب: ج 3/7 ح 18، وسائل الشيعة: ج 6/119 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 3 (7499).
5- الفقيه: ج 1/416 ح 1227، وسائل الشيعة: ج 6/157 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 71 ح 3 (7613).

أنّه لعدم القائل بهذا التفصيل لايُعتمد عليه، مع اختصاصه بصلاة الجمعة، فتأمّل.

وأمّا عصر يوم الجمعة: فيشهد لاستحبابها فيها مرفوع حَريز المتقدّم، وصحيح زراة، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «إقرأ بسورة الجمعة والمنافقين، فإنْ قراءتهما سُنّة يوم الجمعة في الغداة والعصر»(1).

وأمّا صبيحة يوم الجمعة: فيستحب قراءة الجمعة والتوحيد، وتدلّ عليه روايات:

منها: خبر حسين بن أبي حمزة، قال:

«قلت: بما أقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة ؟ فقال عليه السلام: اقرأ في الأولى بسورة الجمعة، وفي الثانية ب قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ (2)»(3).

أقول: ويظهر من جملةٍ من الأخبار كمرفوعة حريز المتقدّمة، استحباب المنافقين في الثانية، ويظهر من خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى ، قال: «رأيتُ أبي يُصلّي ليلة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين، وفي الفجر بسورة الجمعة و سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى (4)»(5). استحباب قراءة سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ في الثانية.

والكلّ حَسنٌ لعدم المنافاة بينها.

وأمّا المغرب والعشاء ليلة الجمعة: فيستحبّ فيهما الجمعة والأعلى ، وتشهد له روايات:

منها: خبر منصور بن حازم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «الواجب على كلّ مؤمنٍ إذا كان لنا شيعة، أنْ يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة و سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى ،).

ص: 196


1- علل الشرائع: ج 2/355، وسائل الشيعة: ج 6/120 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 6 (7502).
2- سورة الإخلاص: الآية 1.
3- الكافي: ج 3/425 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/121 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 10 (7506).
4- سورة الأعلى: الآية 1.
5- قرب الإسناد: ص 98، وسائل الشيعة: ج 6/121 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 9 (7505).

وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين» الحديث(1).

وقريب منه خبر أبي بصير(2)، وخبر البزنطي(3).

وبعض الروايات يدلّ على استحباب المنافقين في ثانية العشاء، كمرفوعة حَريز المتقدّمة، كما أنّ بعض الأخبار يدلّ على استحباب التوحيد في ثانية المغرب، كخبر الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ الحديث»(4).

والكلّ حَسنٌ كما تقدّم.

***).

ص: 197


1- ثواب الأعمال: ص 118، وسائل الشيعة: ج 6/120 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 8 (7504).
2- التهذيب: ج 3/6 ح 14، وسائل الشيعة: ج 6/118 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 2 (7498).
3- قرب الإسناد: ص 158، وسائل الشيعة: ج 6/156 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 70 ح 11 (7610).
4- التهذيب: ج 3/5 ح 13، وسائل الشيعة: ج 6/119 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 49 ح 4 (7500).

ويُحرَم قول (آمين) آخر الحمد وتبطل الصلاة.

تنبيهان حول القراءة

الأوّل: المشهور بين الأصحاب أنّه (يحرم قول آمين آخر الحمد)، بل عن جماعةٍ من الأساطين(1) دعوى الإجماع عليه، بل (و) على أنّه (تبطل) الصَّلاة.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: حسن جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت خَلف إمامٍ فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها، فقل أنتَ : اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ ولا تقل آمين»(2).

ومنها: صحيح معاوية بن وهب: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أقول آمين إذا قال الإمام: غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ اَلضّالِّينَ ؟ قال: هم اليهود والنصارى»(3).

ومنها: خبر ابن مسكان، عن محمّد الحلبي: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: أقولُ إذا فرغتُ من فاتحة الكتاب آمين ؟ قال: لا»(4).

وظاهر النهي في أمثال المقام، وإنْ كان هو المانعيّة أو القاطعيّة لا الحرمة النفسيّة، إلّاأنّه يكفي للحكم بمبطليّتها حرمتها النفسيّة أيضاً، بناءً على ما هو الحقّ من أنّ الكلام المحرّم مبطلٌ للصَّلاة مطلقاً، فلا ينبغي الإشكال في كونها مبطلة.

ص: 198


1- كالسيّد في الإنتصار: ص 144، والشيخ في الخلاف: ج 1/334 مسألة 84، وابن زُهرة في الغنية ص 81، والعلّامة في المنتهى (ط. ق): ج 1/281.
2- الكافي: ج 3/313 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/67 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 17 ح 1 (7362).
3- التهذيب: ج 2/75 ح 46، وسائل الشيعة: ج 6/67 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 17 ح 2 (7363).
4- التهذيب: ج 2/74 ح 44، وسائل الشيعة: ج 6/67 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 17 ح 3 (7364).

وأمّا صحيح جميل: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول الناس في الصَّلاة جماعةً حين تقرأ فاتحة الكتاب آمين ؟ قال: ما أحسنها وأخفِض الصوت بها»(1).

فمضافاً إلى أنّه يحتمل أنْ يكون بصيغة المتكلّم، وكلمة (ما) نافية، و (أخفض الصوت بها) بصيغة الماضي من كلام السائل، فلا ينافي النصوص المتقدّمة إنّه لإعراض الأصحاب عنه لا يعتمد عليه.

فتحصّل: أنّ الأقوى مبطليّتها للصَّلاة، وأمّا حرمتها فتتوقّف على حرمة ما يقطع به الصَّلاة.

ثمّ إنّ مورد النصوص وكثيرٍ من الفتاوى، إنّما هو بعد الفاتحة، كما هو المتعارف عند العامّة، ففي غير ذلك لا دليل على حرمتها ومبطليّتها، ومقتضى القاعدة العدم، لأنّها دعاءٌ عامٌ في طلب استجابة جميع ما يدّعى به كقولك: اللّهُمَّ استجب، وليست اسماً للدّعاء.

وعليه، فما عن جماعةٍ من الأكابر(2) من أنّها مبطلة مطلقاً، لكونها من كلام الآدميّين ضعيفٌ .

التنبيه الثاني: المعوّذتان من القرآن يجوز قراءتهما في الصَّلاة.

ويدلّ عليه: مضافاً إلى الإجماع، خبر صفوان(3)، وخبر صابر(4) الدالّان على أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قرأهما في صلاته، وخبر منصور بن حازم، قال:).

ص: 199


1- الاستبصار: ج 1/318 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/68 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 17 ح 5 (7366).
2- منهم السيّد في الإنتصار: ص 145، والشيخ في الخلاف: ص 334 مسألة 84، والعلّامة في تحرير الأحكام: ج 1/249، وابن شهرآشوب في متشابه القرآن: ج 2/170.
3- الكافي: ج 3/314 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/114 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 47 ح 1 (7488).
4- الكافي: ج 3/317 ح 26، وسائل الشيعة: ج 6/115 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 47 ح 2 (7489).

«أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام أن أقرأ المعوّذتين في المكتوبة»(1).

وعليه، فما في «الفقه الرضوي»(2) من التصريح بما ذهب إليه ابن مسعود، من عدم كونهما من القرآن، وعدم جواز قراءتهما في الفرائض، لا يُلتفت إليه.

***3.

ص: 200


1- التهذيب: ج 2/96 ح 124، وسائل الشيعة: ج 6/115 أبواب القراءة في الصَّلاة ب 47 ح 3 (7490).
2- فقه الرضا عليه السلام: ص 113.
الخامس: الرّكوع
اشارة

الخامس: الرّكوع.

ويجبُ في كلّ ركعةٍ مرّة، إلّافي الكسُوفِ والآيات، وهو ركنٌ .

كتاب الصَّلاة الرّكوع

(الخامس) من أفعال الصَّلاة: (الرّكوع).

(ويجبُ ) بالضَّرورة (في كلّ ركعةٍ ) بل هو من مقوّمها (مرّةً ) واحدة (إلّا في الكسوف والآيات) فإنّه يجبُ في كلّ ركعةٍ منها خمس ركوعات، على ما سيأتي في محلّه.

(وهو ركنٌ ) في الصَّلاة، تبطل بالإخلال به عمداً وسهواً، للإجماع(1)والروايات، بل تبطل بزيادته عمداً وسهواً:

أمّا عمداً: فلأدلّة بطلان الصَّلاة بالزيادة.

وأمّا سهواً فللإجماع(2)، ولحديث (لا تُعاد) وتفصيل الكلام في ذلك يأتي في محلّه إنْ شاء اللّه تعالى .

ص: 201


1- الدروس: ج 1/176 قوله: (الركوع ووجوبه وركنيّته إجماعي)، تذكرة الفقهاء: ج 1/118 قوله: (وهو ركنٌ إجماعاً)، جامع المقاصد: ج 2/283 قوله: (وهو ركنٌ بغير خلاف)، الحدائق الناضرة: ج 8/234.
2- تذكرة الفقهاء: ج 3/165، الحدائق الناضرة: ج 8/234.

ويجبُ أن يَنحني بقدر أن يصل كفّاه إلى رُكبتيه.

واجبات الركوع
اشارة

أقول: (ويجبُ ) فيه اُمور:

أنْ ينحني بقدر أن يصل كَفّاه إلى رُكبتيه
اشارة

الأمر الأوّل: (أنْ ينحني بقدر أن يصل كَفّاه إلى رُكبتيه).

أمّا وجوب الإنحناء: فلا ريب فيه، لأنّه عبارة عن الرّكوع.

وأمّا التحديد: فهو المشهور(1)، واستدلّ له:

1 - بصحيح حمّاد، المتضمّن لفعل إمامنا الصادق عليه السلام، تعليماً لحمّاد، وفيه:

«ثمّ رَكَع ومَلأ كفّيه مِنْ ركبتيه - الى أنْ قال - يا حمّاد هكذا صَلِّ »(2).

2 - وبما رواه الجمهور، عن أنس، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إذا ركعتَ فضع كفّيكَ على رُكبتيك»(3).

3 - وبصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديثٍ : «تمكِّن راحتيك من ركبتيك الحديث»(4).

ونحوه ما في صحيحه الآخر عنه عليه السلام(5).

أقول: ولكن لابدّ من حمل هذه النصوص على الاستحباب، بقرينة قول الإمام الباقر عليه السلام في صحيح زرارة: «وَبلّغ بأطراف أصابعك عين الرّكبة»(6).

ص: 202


1- قال المحقّق الحِلّي في المعتبر: ج 2/193 (وأمّا التحديد المذكور فهو قول العلماء كافّة).
2- تهذيب الأحكام: ج 2/81 ح 69، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.
3- رواه أحمد في مسنده عن ابن عبّاس: ج 1/287، الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 2/130، ومثله الطبراني في المجمع الصغير: ج 2/32، ورواه في كنز العمّال: ج 7/448 ح 19724. وكذلك في وسائل الشيعة: ج 6/329 ح 8103 مع اختلاف في ضبط بعض الألفاظ، قال: (فإذا ركعت فألقم ركبتيك كفّيك).
4- تهذيب الأحكام: ج 2/83 ح 76، وسائل الشيعة: ج 5/461 ح 7079.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/77 ح 57، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.
6- تهذيب الأحكام: ج 2/83 ح 76.

وقوله في صحيحه الآخر: «فإنْ وصلتَ أطراف أصابعك في ركوعك إلى رُكبتيك أجزأك ذلك، وأحبّ إليَّ أن تُمكِّن كفّيك من رُكبتيك، فتجعل أصابعك في عين الرّكبة وتفرج بينهما»(1).

ونحوها صحيح(2) معاوية بن عمّار، ومحمّد بن مسلم، والحلبي المرويّ عن «المنتهى»(3) و «المعتبر»(4)، فإنّها صريحة في الاكتفاء بأن ينحني بقدر أن يصل أطراف الأصابع التي منها الوسطى إلى الرّكبة، والظاهر من أطراف الأصابع فيها العموم المجموعي لا الأفرادي، كي يعتبر وصول أطراف جميع الأصابع حتّى الإبهام والخنصر اليها، فيكفي وصول الواحد، ولو كان هو الوسطى إليها.

وما احتمله في «جامع المقاصد»(5) من عنوان (حمل أطراف الأصابع) على الأطراف التي تلي الكفّ ، فوصول مجموعها إلى الرّكبة يستلزم وصول الرّاحة إليها، فلا تنافي بين الطائفتين، خلاف الظاهر منها، فلاحظ.

وقد أُورد على هذه النصوص بإيرادات:

1 - إنّها مخالفة لفتوى الأصحاب، فلإعراض الأصحاب عنها لا يُعتمد عليها.

وفيه: إنّ الأصحاب لم يتّفقوا في حَدّ الإنحناء على شيءٍ واحد، بل جملةٌ من الأساطين كالعلّامة في «المنتهى»(6)، وصاحب «المسالك»(7) وغيرهما ذهبوا إلى3.

ص: 203


1- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/334 ح 8115، تهذيب الأحكام: ج 2/83.
2- وسائل الشيعة: ج 6/335 ح 8116.
3- منتهى المطلب: ج 1/285 (ط. ق).
4- المعتبر: ج 2/193.
5- جامع المقاصد: ج 2/284.
6- منتهى المطلب: ج 1/285 (ط. ق).
7- مسالك الأفهام: ج 1/213.

كفاية وصول اليد وأطراف الأصابع إليها، واختار المحقّق في «المعتبر»(1) وغيره كفاية وصول الكفّ إليها، فالإعراض غير ثابت.

2 - أنّه يحتمل أنْ يكون المراد منها إنّ وصول أطراف الأصابع إليها يُجزي عن وضع اليدين على الرّكبتين، فهي أجنبيّة عن تحديد مقدار الإنحناء، فلا تصلح لصرف ظهور النصوص الأوّل.

وفيه: إنّ الظاهر منها إجزاء وصول أطراف الأصابع اليها في الخروج عن عُهدة التكليف بالركوع، لا عن التكليف بوضع اليدين حاله، فتكون ظاهرة في تحديد مقدار الإنحناء.

3 - إنّها معارضة بموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ناسي القنوت:

«قال عليه السلام: وإنْ ذَكره وقد أهوى الى الرّكوع، قبل أنْ يضع يديه على الرّكبتين، فليرجع قائماً، وليقنت ثمّ يركع، وإنْ وضع يده على الرّكبتين فليمضِ في صلاته»(2).

إذ الظاهر منه أنّه يرجع ما لم يركع، وإنْ ركع فلا يرجع، فيدلّ على عدم تحقّق الرّكوع ما لم ينحن بمقدارٍ يبلغ يداه إلى الرّكبتين.

وفيه أوّلاً: إنّ وضع اليدين غير وضع الرّاحتين، ودعوى إرادة وضعهما على النحو المتعارف المعهود في صلاة الذي لا ينفكّ غالباً عن بلوغ الراحتين ممنوعة، إذ الغلبة والتعارف لا توجبان انصراف المطلق إلى الغالب والمتعارف.

وثانياً: إنّه ليس في مقام العمل بهذه النصوص، وحمل الطائفة الاُولى على الاستحباب، ويؤيّده ما ادّعي من الإجماع(3) على عدم اعتبار الوضع الفعلي، مع أنّ ).

ص: 204


1- المعتبر: ج 2/193.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/131 ح 275، وسائل الشيعة: ج 6/286 ح 7984.
3- قال المحقّق في المعتبر: ج 2/193: (وأمّا التحديد المذكور فهو قول العلماء كافّة)، جامع المقاصد: ج 2/283 قوله: (بحيث لو أراد وضع يديه لأمكنه ذلك بالإجماع).

الظاهر منها وجوبه.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى قاعدة المشاركة، عدم الفرق بين الرِّجال والنساء في حَدّ الإنحناء، إلّاالأظهر تبعاً لجملةٍ من الأساطين، من عدم اعتبار الحَدّ المزبور في ركوعهن، لصحيح زرارة: «فإذا رَكعتْ وَضَعتْ يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تُطأطأ كثيراً فترفع عجيزتها»(1)، الظاهر بقرينة التعليل في أنّه يكفي لركوع المرأة، وصول يديها إلى فوق ركبتيها، فلا يعتنى إلى ما قيل من إنّه لا منافاة بين استحباب وضع اليدين فوق الرّكبتين، وكون انحنائها مساوياً لإنحناء الرَّجل.

فروع:
غير مستوي الخلقة يرجعُ إلى المستوي

الفرع الأوّل: غير مستوي الخلقة - كقصير اليدين - يرجعُ إلى المستوي كما هو المشهور(2)، لأنّ الظاهر من النصوص أنّ بلوغ اليدين لوحظ طريقاً إلى الحَدّ الخاص من الإنحناء، وحيثُ إنّها لم يقدر النصوص بالأقلّ أو الأكثر أو المتوسّط، فينزّل على الفرد المتعارف، وهو مستوي الخِلقة على ما هو الشأن في جميع التحديدات الشرعيّة، كما في تحديد الوجه في باب الوضوء ونظائره.

فما عن الأردبيلي رحمه الله(3) من أنّه لا يبعد القول بالإنحناء حتّى يصل اليدين إلى الرّكبتين مطلقاً، لظاهر الخبر، مع عدم المنافي، وعدم التعذّر، ضعيفٌ .

ص: 205


1- التهذيب: ج 2/94 ح 118، الكافي: ج 3/335 ح 2، وسائل الشيعة: ج 5/463 ح 7080.
2- جامع المقاصد: ج 2/287 قوله: (وطويل اليدين ينحني كالمستوي وكذا قصيرهما ومقطوعهما حملاً لألفاظالنصوص على الغالب، ولأنّه الراجح)، الذكرى : ص 199، نسبه في الجواهر: ج 1/75 إلى عدم الخلاف سوى ما في مجمع البرهان، ونسبه السيّد في المستمسك الى المشهور أيضاً: ج 6/297.
3- مجمع الفائدة: ج 2/252.

ولو عَجَز أتى بالممكن، وإلّا أومأ.

أقول: ثمّ إنّه بما أنّ المستوي أيضاً متفاوت:

فهل يكون لكلٍّ حكمُ نفسه بالنسبة إلى يديه وركبتيه، كما اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله(1)؟

أو أنّه يرجع إلى الأكثر إنحناءً أو الأقلّ أو المتوسّط؟ وجوه:

أقواها الأخير، إذ ظاهر نصوص التحديد، أنّ الحَدّ هو مرتبة خاصّة من الإنحناء للجميع، وحيثُ لم يقيّد بالأقلّ أو الأكثر فتُحمل على إرادة المتوسّط، لأنّه المنصرف إليه.

ومنه يظهر ضعف الأقوال الاُخر.

ولو عَجَز من الإنحناء أتى بالممكن

الفرع الثاني: (ولو عَجَز) من الإنحناء على الوجه المذكور:

فتارةً : يتمكّن من الإنحناء جالساً.

واُخرى : لا يتمكّن منه أيضاً.

فإنْ لم يتمكّن:

فالمشهور(2) على أنّه (أتى بالممكن وإلّا أومأ).

وعن «المعتبر»(3): إنّه قول علمائنا كافّة، واستدلّ له بالإجماع وبقاعدة الميسور.

أقول: وفيهما نظر:

ص: 206


1- جواهر الكلام: ج 10/76.
2- أرسله غير واحد إرسال المُسلَّمات، وحكاه المحقّق في «المعتبر» عن العلماء كافّة كما سيأتي، وفي ذخيرة المعاد: ج 1/273 ق 2: الظاهر أنّه لا خلاف فيه.
3- المعتبر: ج 2/193.

أمّا الإجماع: فلأنّ المنقول منه، لا سيّما في مثل هذه المسألة المعلوم مدرك المجمعين، لا يكون حجّة.

وأمّا القاعدة: فلما عرفت في هذا الكتاب غير مرّة من أنّ النصوص التي استدلّ بها عليها - مضافاً - لا تدلّ على عدم سقوط الميسور من الأجزاء بالمعسور منها، وعلى هذا فالمتعيّن العمل بما دلّ على بدليّة الإيماء عن الرّكوع عند عدم القدرة على الإتيان به.

وأمّا إنْ تمكّن منه جالساً:

فهل يتعيّن عليه الإتيان به جالساً كما اختاره بعض ؟

أوالإيماءقائماً، كمانُسب إلى المشهور(1)، بل عن «المنتهى»(2) دعوى الإجماع عليه ؟

أو يتخيّر بينهما؟ وجوه:

استدلّ للأوّل: بأنّ الصَّلاة معه أقرب إلى التامّة من الصَّلاة مع الإيماء، وبأنّه لقدرته على الرّكوع جالساً غير مشمولٍ لما دلّ على بدليّة الإيماء عن الرّكوع.

واستدلّ للثاني: برجحان القيام الركني على الرّكوع.

أقول: الأقوى هو التخيير بينهما، لما تقدّم منّا مراراً من أنّ مورد التنافي بين الأوامر الضمنيّة، إنّما يكون من موارد التعارض لا التزاحم، ومقتضى القاعدة(3)فيه سقوط إطلاق دليل كلٍّ منهما، لو كان كما في المقام، ففي المقام إطلاق دليل).

ص: 207


1- الخلاف: ج 1/417 قوله: (دليلنا أنّه لا خلاف إذا صلّى مَنْ هذه صفته - أي العجز عن الرّكوع - قائماً في أنّ صلاته ماضية، وليس على قول من إنّه إذا صلّى جالساً تصحّ صلاته دليل).
2- منتهى المطلب: ج 1/265 (ط. ق) قوله: (يُصلّي قائماً ويؤمى للرّكوع، وعليه علماؤنا).
3- قد عرفت مراراً أنّ المرجع في تعارض العامّين من وجه أخبار الترجيح والتخيير، وحيث لا مرجّح لشيءمنهما فيحكم بالتخيير (منه دام ظلّه).

وجوب الرّكوع، يعارض إطلاق دليل القيام الركني، فيتساقطان والمرجع أصالة البراءة عن تعيّن كلّ منهما على ما عرفت، فيحكم بالتخيير.

ومن ذلك يظهر ضعف القولين الآخرين.

أقول: ومن ما ذكرناه ظهر أنّه لو عجز عن الإنحناء أصلاً، أومأ وهو قائمٌ ، تمكّن من الرّكوع جالساً أم لم يتمكّن، غاية الأمر في صورة التمكّن منه يتخيّر بينه وبين الرّكوع جالساً.

ركوع الجالس

الفرع الثالث: المعروف بين الأصحاب في كيفيّة ركوع الجالس وجهان، كما عن «الذكرى»(1)، و «جامع المقاصد»(2)، و «الروض»(3) وغيرها:

أحدهما: أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المُنتَصب كالراكع بالنسبة الى القائم المنتَصب.

ثانيهما: أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده، كنسبة ركوع القائم إلى سجوده، باعتبار أكمل أفراد الرّكوع وأدناه، فإنّ أكمل أفراد ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره، مع مدِّ عنقه بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده، وأدناه انحنائه إلى أن تصل كفّاه إلى رُكبتيه، فيحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه من الأرض، ولا يبلغ محاذاة موضع سجوده. فإذا رُوعيت هذه النسبة في حال

ص: 208


1- الذكرى : ص 180.
2- جامع المقاصد: ج 2/204.
3- روض الجنان للشهيد الثاني: ص 251.

الجلوس، كان أكمل أفراد ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته مسجده، وأدناه محاذاة وجهه ما قدّام ركبتيه.

قال صاحب «الجواهر»(1)؛ - بعد نقل ذلك عن غير واحد من الأصحاب - (والوجهان متقاربان) ثمّ اختار الإناطة إلى العُرف، لأنّه لم يقدّر لركوع الجالس قدراً معيّناً ولا هيئة عرفيّة ينصرف إليها الذّهن عند إطلاق الأمر به من جلوس.

أقول: مع ملاحظة أنّ للرّكوع قائماً حَدّاً شرعيّاً تعبّديّاً، وليس هو بلوغ الكفّين أو أصابع الرّكبتين من حيث هو، بل من حيث تحقّق مرتبة خاصّة من الإنحناء به، فهي الحَدّ الشرعي للرّكوع، يكون المنساق إلى الذهن من إطلاق الأمر به جالساً، اعتبار المرتبة الخاصّة من الإنحناء المعتبرة في ركوعه القائم فيه.

وعليه، فلا وجه للإحالة إلى العُرف، بل يعتبر أن ينحني ظهره حال الجلوس بمقدار ما كان ينحني حال القيام.

وعليه، فالصحيح هو التحديد بالوجه الثاني، وإنْ كان الظاهر رجوع الأوّل إليه أيضاً، فلاحظ.

وأخيراً: المحكيّ عن الشهيدين(2) والمحقّق الثاني(3) لزوم رفع الفخذين، واستدلّ له:

1 - بأنّه كان واجباً عليه ذلك حال القيام، حيثُ لا دليل على اختصاصه به، فالأصل بقاؤه.5.

ص: 209


1- جواهر الكلام: ج 9/262-263.
2- الدروس: ج 1/168، الذكرى: ص 180، روض الجنان: ص 251.
3- جامع المقاصد: ج 2/205.

2 - وبلزوم تحقّق المشابهة المزبورة.

وهما كما ترى ، إذ وجوبه في القيام ليس إلّامن جهة تحقّق الهيئة الخاصّة به وعدمه بدونه، وحيث أنّها تتحقّق في حال الجلوس ولو لم يرفع الفخذين، فلا وجه لاعتباره.

***

ص: 210

وأن يطمئنّ بقدر التسبيح.

اعتبار الطمأنينة

(و) الثاني من واجبات الرّكوع: (أن يطمئنّ بقدر التسبيح) بلا خلافٍ ، وعن «المعتبر»(1)، و «المنتهى»(2)، و «الخلاف»(3) وغيرها دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - خبر بكر بن محمّد الأزدي، المرويّ عن «قُربُ الإسناد» عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ركع فليتمكّن»(4).

2 - ومرسل «الذكرى»(5) عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «ثمّ اركع حتّى تطمئن راكعاً».

وأمّا صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالسٌ في المسجد، إذ دخل رجلٌ فقام يُصلّي فلم يتمّ ركوعه وسجوده. فقال صلى الله عليه و آله: نقرٌ كنقر الغُراب، لئِن مات هذا وهكذا صلاته، ليموتنّ على غير ديني»(6)، وقريبٌ منه خبر عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(7)، فلا يدلّان على ذلك، إذ ظاهرهما لزوم بقائه راكعاً بمقدار الذّكر، ولو كان غير مستقرّ.

وعليه، فالعمدة في دليله الخبران، ولكن غاية ما يدلّان عليه اعتباره فيه في

ص: 211


1- المعتبر: ج 2/194.
2- منتهى المطلب: ج 1/348.
3- الخلاف: ج 1/282.
4- قرب الإسناد: ص 18، وسائل الشيعة: ج 4/35 ح 4446.
5- الذكرى : ص 197.
6- تهذيب الأحكام: ج 2/239 ح 17، الكافي: ج 3/268 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/298 ح 8017.
7- المحاسن: ج 1/82، وسائل الشيعة: ج 4/36 ح 4448.

الجملة، لا بقدر التسبيح.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّ ظاهر قوله صلى الله عليه و آله في المرسل: «ثمّ اركع حتّى تطمئن راكعاً، ثمّ ارفع رأسك» لزوم التمكّن من أوّل الرّكوع إلى حين رفع الرأس، فتأمّل.

أقول: ولو أخلَّ سهواً حتّى بالمقدار الذي يتحقّق به الرّكوع عن استقرار، فبطلان الصَّلاة وعدمه، يبتنيان على أن تكون الطمأنينة شرطاً للرّكوع أو الصَّلوات:

فعلى الأوّل: تبطل، لاستلزام الإخلال بها فوت الرّكوع.

وعلى الثاني: لا تبطل، لقوله عليه السلام: «لا تُعاد الصَّلاة إلّامن خمس»(1).

ولو شكّ في ذلك، يمكن أن يقال دخلها في الصَّلاة معلومٌ على أيّ تقدير، ويشكّ في شرطيّتها للرّكوع، فالأصل يقتضي عدمها، وبذلك يدخل في عموم (لا تُعاد)، ويُحكم بعدم البطلان.

ولو كان مريضاً لا يتمكّن من الطمأنينة، سقطت عنه، وعليه أن يركع بلا طمأنينة بلا خلافٍ ، لاختصاص ما يدلّ على اعتباره بحال التمكّن.

فرع: ولو دار الأمر بين الرّكوع قائماً بلا طمأنينة، أو جالساً:

فعن المشهور(2) تقديم الأوّل، والأقوى هو التخيير، وذلك لما تقدّم مراراً من أنّ موارد اضطرار المكلّف إلى ترك أحد الشيئين المعتبرين في الصَّلاة، وعدم التمكّن من إتيانها معاً، يكون من موارد التعارض لا التزاحم.

وقد مرّ أيضاً مقتضى القاعدة في هذا التعارض، أنّه لو كان لكلّ من دليليهما إطلاق، فلا محالة يسقط كلّ (3) من الإطلاقين، فيرجع إلى الأصل، وترفع).

ص: 212


1- تهذيب الأحكام: ج 2/152 ح 55، وسائل الشيعة: ج 6/91 ح 7427.
2- جامع المدارك: ج 1/364، مصباح الفقيه: ج 2/270 ق 1 آقا رضا الهمداني.
3- وحيث أنّ الأوجه هو الرجوع إلى أخبار الترجيح، وهي تقتضي تقديم الأوّل، لكونه أشهر، فما أفاده المشهورأقوى (منه دام ظلّه).

خصوصيّة كلّ من الأمرين بأصالة البراءة، فيثبت التخيير، ففي المقام يسقط إطلاق دليل اعتبار الطمأنينة، وإطلاق دليل وجوب الرّكوع قائماً للتعارض بينهما بالعموم من وجه، والمرجع حينئذٍ إلى الأصل فيثبت التخيير، وإنْ كان الأحوط اختيار الأوّل، كما لا يخفى وجهه.

***

ص: 213

وأنْ يُسبّح مرّةً واحدة.

اعتبار الذّكر في الرّكوع

(و) الثالث من الواجبات: الذّكر إجماعاً(1)، حكاه جماعة كثيرة، لكن اختلفوا في تعيينه:

فعن الأكثر أو المشهور(2) تعيّن (أن يُسبِّح مرّةً واحدة).

بل عن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه.

وعن «المبسوط»(3)، وأكثر كتب المصنّف رحمه الله(4)، وأكثر المتأخّرين(5)، بل المشهور بينهم: كفاية مطلق الذّكر(6).

استدلّ للأوّل: بجملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الباقر عليه السلام، قال:

«قلت له: ما يُجزي من القول في الرّكوع والسّجود؟ قال ثلاث تسبيحات في ترسّل، وواحدة تامّة تُجزي»(7).

ص: 214


1- مدارك الأحكام: ج 3/389 قال: (أجمع الأصحاب على وجوب الذّكر في الرّكوع)، جامع المقاصد: ج 2/285 قوله: (يجب الذّكر في الرّكوع بإجماعنا).
2- جامع المقاصد: ج 2/285 قوله: (يجب الذّكر في الرّكوع بإجماعنا، وأكثر الأصحاب قالوا بتعيين التسبيح، واختاره الشيخ في الخلاف).
3- المبسوط: ج 1/111. قال: (تجزي تسبيحة واحدة).
4- تذكرة الفقهاء: ج 3/169 (ط. ج)، ومختلف الشيعة: ج 2/164-165، منتهى المطلب: ج 1/282.
5- مدارك الأحكام: ج 3/389، قوله: (أجمع الأصحاب على وجوب الذّكر في الرّكوع).
6- كما في السرائر: ج 1/224 قوله: (لا خلاف بينهم في أنّ التسبيح لا يتعيّن، بل ذكر اللّه تعالى ، ولا خلاف في أنّ مَن قال سبحان اللّه فقد ذكر اللّه تعالى ).
7- تهذيب الأحكام: ج 2/76 ح 51، وسائل الشيعة: ج 6/299 ح 8019.

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: «أخفّ ما يكون من التسبيح في الصَّلاة ؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسّلاً، تقول سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه»(1).

والظاهر منه أنّ تعيّن وجوب التسبيح كان أمراً مفروغاً عنه لديهم، ونحوهما غيرهما من الروايات الظاهرة في تعيّن التسبيح.

أقول: لكن لابدّ من رفع اليد عن هذا الظهور، لأجل ما يدلّ على كفاية مطلق الذكر بدلاً عن التسبيح:

منها: صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: يُجزي أن أقول مكان التسبيح في الرّكوع والسّجود لا إله إلّااللّه والحمد للّه واللّه أكبر؟ قال نعم كلّ هذا ذكر»(2).

ومنها: صحيح هشام بن سالم، المرويّ عن «التهذيب»:

«أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام يُجزي عنّي أن أقول مكان التسبيح في الرّكوع والسّجود لا إله إلّااللّه والحمد للّه واللّه أكبر؟ قال: نعم كلّ هذا ذكر اللّه»(3).

وعن «الكافي»(4) نحوه بإسقاط لفظ (الحمد للّه).

وهذان الصحيحان صريحان في عدم تعيّن التسبيح، وكفاية مطلق الذّكر، فلأجلهما تُحمل النصوص المتقدّمة على الأفضليّة، أو على كون التسبيح هو الذّكر الموظّف في أصل الشرع، أو بيان أحد الأفراد.2.

ص: 215


1- تهذيب الأحكام: ج 2/77 ح 56، وسائل الشيعة: ج 6/303 ح 8028.
2- وسائل الشيعة: ج 6/307 ح 8041، عوالى اللآلى: ج 3/92.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/302 ح 73.
4- الكافي: ج 3/321 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/307 ح 8042.

صورتها سبحان ربّي العظيم وبحمده.

فتحصّل: أنّ مقتضى الجمع بين الروايات، كفاية مطلق الذّكر.

ودعوى: عدم حجيّة النصوص الدالّة على عدم لزوم التسبيح تعييناً لإعراض القدماء عنها.

مندفعة: بإفتاء الشيخ(1) بمضمونها، والاستناد إليها، ودعوى الحِلّي(2) نفي الخلاف فيه.

فرع: ثمّ إنّه على تقدير تعيّن التسبيح:

فهل يجزي مطلقه كما عن «الغُنية»(3)؟

أو يتعيّن التسبيحة الكبرى ، كما عن «نهاية الأحكام»(4) وهو الظاهر من كلام المصنّف في المقام، حيث قال: (صورتها سُبحان رَبّي العَظيم وبحمده)؟

أو يتخيّر بينها وبين ثلاث صغريات، كما هو المشهور بين القائلين بتعيّن التسبيح أو بتعيّن ثلاث كبريات ؟

وجوهٌ وأقوال أقواها الثالث، لأنّه مقتضى الجمع:

بين ما دلّ على أنّ أدنى ما يُجزي ثلاث تسبيحات في تَرَسُّل، كصحيح معاوية:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخفّ ما يكون من التسبيح في الصَّلاة ؟).

ص: 216


1- المبسوط: ج 1/111.
2- السرائر: ج 1/224 قوله: (لا خلاف بينهم في أنّ التسبيح لا يتعيّن، بل ذكر اللّه تعالى.. الخ).
3- غنية النزوع: ص 79.
4- نهاية الاحكام: ج 1/482، (وهل يتعيّن التسبيح ؟ الأقوى المنع لقول الصادق عليه السلام... الى أنْ قال: نعم نُسب تعيّن التسبيحة الكبرى إلى بعض علمائنا وإلى آخرين مرّة أو ثلاث مرّات سبحان اللّه).

قال عليه السلام ثلاث تسبيحات مُتَرسلاً تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه»(1).

ونحوه غيره(2).

وبين ما دلّ على كفاية الواحدة الكبرى، كصحيح هشام، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن القول في الرّكوع والسّجود؟ قال عليه السلام: تقول في الرّكوع سُبحان رَبّي العظيم»(3). ونحوه غيره.

هذا مضافاً الى صحيح زرارة المتقدّم، الصريح في التخيير بينهما.

وأمّا ما في صحيحي ابن يقطين من التصريح بكفاية تسبيحة واحدة، فلا ينافي المختار، لإمكان حملها على إرادة الكبرى، ولذلك كلّه يُحمل خبر الحضرمي:

«قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: أيُّ شيءٍ حَدّ الرّكوع والسّجود؟ قال عليه السلام: تقول سُبحان رَبّي العَظيم وبحمده ثلاثاً في الرّكوع، وسُبحان رَبّي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السّجود، فمن نَقَص واحدة نَقَص ثُلث صلاته، ومن نَقَص اثنتين نَقَص ثُلثي صلاته، ومَنْ لم يُسبِّح فلا صلاة له»(4).

على الاستحباب، ويُحمل نقص الصَّلاة فيه على نقص الفضيلة، ونفي الصَّلاة على نفيها.

وأمّا بناءً على المختار من كفاية مطلق الذّكر:

فهل يُجتزى به مطلقاً ولو بمسمّاه ؟

أو لابدّ وأنْ يكون بقدر ثلاث تسبيحات صُغريات ؟2.

ص: 217


1- تهذيب الأحكام: ج 2/77 ح 56، وسائل الشيعة: ج 6/303 ح 8028.
2- وسائل الشيعة: ج 6/302 باب 5 من أبواب الرّكوع، فيه عدَّة روايات في ذلك.
3- الاستبصار: ج 1/324، وسائل الشيعة: ج 6/300 ح 8022.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/80 ح 68، وسائل الشيعة: ج 6/300 ح 8022.

قولان، أقواهما الثاني، إذ مضافاً إلى أنّ ما دلّ على كفاية مطلق الذّكر، لا إطلاق له كي يتمسّك به لإثبات كفايته على الإطلاق، أنّه لو سُلّم إطلاقه، لابدّ من تقييده بحسن مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لا يُجزي الرّجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ »(1).

وفي خبره الاخر عنه عليه السلام أيضاً: «يُجزيك عن القول في الرّكوع والسّجود ثلاث تسبيحات مترسّلاً أو قدرهنّ »(2).

فتحصّل ممّا ذكرناه: إنّ أقلّ ما يُجزي للمختار تسبيحة تامّة، وصورتها:

(سُبحان رَبّي العظيم وبحمده)، أو يقول: (سُبحان اللّه ثلاثاً)، أو بقدر ذلك من سائر الأذكار.

وما يظهر من بعض النصوص المتقدّمة، من عدم جزئيّة لفظة (وبحمده) للتسبيحة التامّة، لا يوجب الالتزام بأنّها مستحبّة، كما عن «المعتبر»(3)و «كنزالعرفان»(4).

بل لا بدَّ وان يحمل على المسامحة والتخفيف في العبارة، لأنّها مذكورة في اثنتي عشرة رواية أكثرها صحاح.

نعم، يُجزي في حال الضرورة والمرض، واحدة صغرى ، كما هو المشهور(5)، بل).

ص: 218


1- تهذيب الأحكام: ج 2/79 ح 65، وسائل الشيعة: ج 6/303 ح 8030.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/77 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/302 ح 8027.
3- المعتبر: ج 2/195.
4- حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 7/307 (ط. ج).
5- حكاه في منتهى المطلب: ج 1/282-283 (ط. ق) عن العلماء بقوله: (اتّفق الموجبون للتسبيح من علمائناعلى أنّ الواجب... ومع الضرورة يجزي الواحدة مع الصغرى ).

عن «المعتبر»(1) نسبته الى الأصحاب، ويشهد له صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قلت: أدنى ما يُجزي المريض من التسبيح ؟ قال: تسبيحة واحدة»(2).

فإنّ المناسب للمرض إرادة الصغرى ، ولا أقلّ من الإطلاق، ولا دليل يقيّد ذلك بالكبرى ، لاختصاص المقيّد بحال الاختيار.

وأصرّح منه في الدلالة على المدّعى، قول الإمام الصادق عليه السلام في ذيل المرسل المحكيّ عن «الهداية»(3) بعد أنْ قال:

«فإنْ قلتَ : سُبحان اللّه، سبحان اللّه، سبحان اللّه أجزأك، وتسبيحة واحدة تُجزي للمعتلّ والمريض والمستعجل.

***7.

ص: 219


1- المعتبر: ج 2/195-196.
2- الكافي: ج 3/329 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/301 ح 8025.
3- الهداية للصدوق: 136-137.

وأنْ ينتصب قائماً.

الانتصاب بعد الرّكوع

(و) الرابع من الواجبات: (أن ينتصب قائماً).

بلا خلافٍ فيه، بل عن «المعتبر»(1) و «المنتهى»(2) و «جامع المقاصد»(3)وغيرها دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - ما في صحيح حمّاد: «ثمّ استوى قائماً، فلمّا استمكنَ من القيام، قال: سَمع اللّه لمَن حَمِده»(4).

2 - وخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا رفعتَ رأسك من الرّكوع، فأقم صُلبك حتّى ترجع مفاصلك»(5).

3 - وما تضمّن كيفيّة صلاة النبيّ صلى الله عليه و آله ليلة المعراج، وفيه إنّ اللّه تعالى أوحى إليه بعد الرّكوع: «أنْ اِرفع رأسك»(6) من الرّكوع ونحوها غيرها.

نعم، لو كان معذوراً عن رفع الرأس لمرضٍ أو غيره، سقط عنه ذلك بلا خلافٍ ، كما أنّه لو نَسي فهوى للسّجود، قبل انتصابه، صحّت صلاته، لعموم

ص: 220


1- المعتبر: ج 2/196.
2- منتهى المطلب: ج 1/283.
3- جامع المقاصد: ج 2/288 قوله: (إجماعاً منّا).
4- الكافي: ج 3/312 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/460 ح 7077.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/325 ح 188، وسائل الشيعة: ج 6/321 ح 8083.
6- الكافي: ج 3/482 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/465 ح 7086.

حديث (لا تُعاد الصَّلاة).

لكن عن الشيخ في «الخلاف»(1) بطلانها، لعموم نفي الصَّلاة بدونه في الخبر.

وفيه: إنّ حديث (لا تُعاد) حاكمٌ عليه، وعلى سائر العمومات المُثبتة لما يعتبر في الصَّلاة.

أقول: لو هوى للسّجود قبل الإنتصاب نسياناً، والتفت قبل وضع الجبهة على الأرض:

فعن غير واحدٍ منهم المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2)، وشيخنا المرتضى رحمه الله(3)، وصاحب «الجواهر»(4) وغيرهم(5): إنّه يجبُ عليه تداركه، وهو الأقوى، لأنّه لم يتجاوز محلّه، فالأمر به باقٍ ، لابدَّ من امتثاله.

ودعوى: أنّ المأمور به إنّما هو رفع الرأس من الرّكوع حتّى يعتدل قائماً، وليس وجوبه مقدّميّاً للقيام الحاصل عقيبه، كي يمكن تداركه بعد هويّه للسّجود، وخروجه عن حَدّ الراكع، وحيثُ إنّه لخروجه عنه لا يمكن تدارك المأمور به، لمُضيّ محلّه فلا محالة يكون ساقطاً.

مندفعة أولاً: بأنّه لم يدخل في السّجود، إذا رجع إلى الرّكوع، ورَفْعُ رأسه منه بما أنّ رجوعه عودٌ إلى الحالة الاُولى ، لا ركوعٍ آخر، فلا يكون محلّه ماضياً، فيجبُ الرجوع مقدّمةً لامتثال الأمر المتعلّق برفع الرأس منه.9.

ص: 221


1- الخلاف: ج 2/351 قوله: (لاعتباره أنّه ركن).
2- تذكرة الفقهاء: ج 3/184 (ط. ج).
3- في (أحكام الخلل في الصلاة) للشيخ الأنصاري: ص 77 وقد أشار إلى ذلك أيضاً: ص 23.
4- جواهر الكلام: ج 10/88.
5- وهو اختيار ابن فهد الحِلّي في الموجز الحاوي (الرسائل العشر) فيما يعتبر في الرّكوع: ص 79.

وثانياً: إنّه لو سُلّم مُضيّ محلّ رفع الرأس بالهويّ ، إلّاأنّه يجب الرجوع لامتثال الأمر المتعلّق بالقيام عقيبه، الثابت بقوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدّم: «إذا رفعتَ رأسك من الرّكوع فأقِمْ صُلبك».

وقوله عليه السلام: «ثُمّ ارفَع رأسك حتّى تعتدل قائماً».

فما عن «المبسوط»(1)، و «الذكرى»(2) من عدم الوجوب، معلّلاً بأنّه حَكَم بسقوطه وخروج محلّه، ضعيفٌ .

أقول: وممّا ذكرناه ظهر أنّه لو انحنى بقصد الرّكوع، فنسي فهوى للسّجود - سواءٌ أكان النسيان قبل وصوله إلى حَدّ الوكوع أو بعده، وسواءٌ أكان التذكّر قبل تجاوز أقصى الحَدّ أو بعده - فإنّه في جميع هذه الصور يجب عليه الرجوع لتدارك ما نقص منه.

ودعوى: عدم وجوب العود، لأنّ الرّكوع قد تحقّق، والناقص إنّما هو الذّكر والطمأنينة، وتركهما يغتفر بالقاعدة الثانويّة المستفادة من حديث (لا تُعاد الصَّلاة إلّا من خمسة).

مندفعة: بأنّ شمول حديث (لا تُعاد) متوقّفٌ على أن يلزم من تدارك ما نقص زيادةً في الصَّلاة، فلا يشمل مثل المقام ممّا لا يلزم زيادة فيها.

وبعبارة اُخرى: المستفاد من الحديث اغتفار الترك غير المستند الى العمد، وفي المقام بعد الالتفات وإمكان التدارك، لو ترك كان تركه ذلك مستنداً إلى العمد، فلا يكون مشمولاً للحديث، فلابدَّ وأن يعود للتدارك.0.

ص: 222


1- المبسوط: ج 1/112.
2- الذكرى : ص 200.

مطمئناً.

هذا كلّه فيما إذا لم يدخل في السّجود، وأمّا لو دخل فيه فسيأتي الكلام فيه في محلّه مفصّلاً.

وأخيراً: ظاهر النصوص عدم الفرق في اعتبار رفع الرأس من الرّكوع، بين الفريضة والنافلة، فما عن «نهاية الأحكام»(1) من أنّه لو ترك الاعتدال في الرفع من الرّكوع أو السّجود في صلاة النافلة عمداً، لم تبطل صلاته ضعيفٌ ، وقد استدلّ له بأنّه ليس ركناً في الفريضة، فكذا في النافلة.

وفيه: إنّ عدم كونه ركناً لا يصحّح جواز الإخلال به عمداً، وإلّا لجاز الإخلال بالفاتحة والتشهّد وأمثالهما، مع أنّه لا يلتزم به أحدٌ.

***

الواجب الخامس: أنْ يكون في قيامه بعد الرفع (مطمئناً).

والمراد منه أن يعتدل قائماً، ويسكن فيه ولو يسيراً، إجماعاً(2) محصّلاً ومنقولاً.

وقد استدلّ له:

1 - بخبر أبي بصير: «إذا رفعتَ رأسك من الرّكوع فأقِم صُلبك»(3).

2 - والنبويّ : «ثمّ ارفع رأسكَ حتّى تعتدل قائماً»، بدعوى أنّ المتبادر من هذه2.

ص: 223


1- نهاية الاحكام: ج 1/483، قوله: (ولو ترك الاعتدال عن الرّكوع والسّجود في صلاة النفل عمداً، لم تبطل صلاته).
2- الخلاف: ج 1/301.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/78 ح 58، وسائل الشيعة: ج 6/321 ح 8082.

العبائر الاستقرار في حال الإعتدال وإقامة الصُّلب.

وفيه: إنّ إقامة الصُّلب والاعتدال، يلائمان مع الحركة أيضاً، فالعمدة فيه الإجماع.

هذا تمام الكلام في واجبات الرّكوع.

***

ص: 224

ويستحبُّ التَكبيرُ له.

مستحبات الركوع

التكبير للرّكوع

(يستحبُّ ) في الركوع اُمور:

الأمر الأوّل: (التكبير له) كما هو المشهور شهرةً عظيمة(1)، وظاهر «التذكرة»(2)الإجماع عليه، وقيل(3) يجب.

ومستند الحكم: الروايات الآمرة بالتكبير له، كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا أردت أن تركع، فقُل وأنتَ منتصبٌ : اللّهُ أكبر»(4).

وفي صحيحته الاُخرى المرويّة عن «الكافي»: «إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبّر»(5). ونحوهما غيرهما.

وظاهر هذه الروايات الوجوب، كما ذهب إليه العُمّاني(6)، والديلمي(7)، وهو الظاهر من المرتضى رحمه الله(8)، ونُسب إلى ابن أبي عقيل(9).

ص: 225


1- المعتبر: ج 2/198 قوله: (ويستحبّ التكبير وقال به أكثر أهل العلم)، وقال العلّامة في المختلف: ج 2/170: (والمشهور عند علمائنا الاستحباب).
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/119.
3- كما حكاه الشهيد في الذكرى : ج 3/375 (ط. ج) عن ابن أبي عقيل وسلّار.
4- الكافي: ج 3/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.
5- الكافي: ج 3/320 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/296 ح 8009.
6- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الذكرى: ج 3/375 (ط. ج).
7- وهو الفقيه الشيخ أبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي، صاحب كتاب «المراسم العلويّة»، حيث قال فيه ص 69: (وفي أصحابنا من ألحق به [بواجبات الصَّلاة] تكبيرات الرّكوع والسّجود والقيام والقعود والجلوس في التشهّدين، والتسليم وهو الأصحّ في نفسي، وما عدا ذلك فمسنون).
8- الانتصار: ص 147 قوله: (ممّا انفردت به الإماميّة القول بوجوب رفع اليدين في كلّ تكبيرات الصَّلاة).
9- كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 2/170.

إلّا أنّ المشهور(1) رفعوا اليد عن هذا الظهور:

1 - لأجل اشتمال الروايات الآمرة بالتكبير على كثير من المستحبّات.

2 - ولقوله للمُسىء: «ثمّ اقرأ ما تيسّر من القرآن ثمّ اركع»(2).

3 - ولقوله عليه السلام في موثّقة أبي بصير، بعدما سأله عن أدنى ما يُجزي من التكبير:

«تكبيرة واحدة»(3).

4 - ولصحيح زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إذا كنتَ كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة، ثمّ نسيت التكبير كلّه، أو لم تكبّر، أجزأك التكبير الأوّل... الخ»(4).

فإنّ الرخصة في تقديمها وتركها عمداً في موضعها، تدلّ على عدم وجوبها.

5 - ولخبر الفضل، عن الإمام الرضا عليه السلام المُعلّل رفع اليدين في جميع التكبير، قال عليه السلام: «فلمّا أنْ كان في الإستفتاح الذي هو الفرض، رفع اليدين أحبّ أن يؤدّوا السُنّة على جهة ما يؤدّى الفرض»(5).

أقول: وفي الجميع نظر:

لأنّ اشتمال الروايات الآمرة به على كثيرٍ من المستحبّات، لا تكون قرينةً على صرف الأمر عن ظاهره، وقد تقدّم وجهه.

والنبويّ ضعيفُ السند لا يعتمد عليه.

وأمّا موثّقة أبي بصير، فالظاهر أنّ السؤال فيها إنّما يكون عن أدنى ما يُجزي4.

ص: 226


1- المعتبر: ج 2/198، البيان للشهيد الأوّل: ص 87.
2- صحيح البخاري: 1/192-193، صحيح مسلم: 1/298-397، سنن أبي داود: 1/226/856، سنن الترمذي: 2/103-104/303، سنن النسائي: 2/124، سنن البيهقي: 2/372.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/66 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/10 ح 7209.
4- وسائل الشيعة: ج 6/19 ح 7236.
5- وسائل الشيعة: ج 6/29 ح 7260، علل الشرائع: ج 1/264.

من التكبيرة في افتتاح الصَّلاة، لا في مجموعها حتّى يشمل مثل تكبير الرّكوع.

وأمّا صحيحة زرارة، فهي مرويّة عن «التهذيب»(1) بالعطف بالواو، فلا يصحّ الاعتماد عليها.

وخبر الفضل ليس في مقام تمييز الواجب عن المستحبّ ، كي يستدلّ به على عدم وجوب غير ما يُستفتح به.

فتحصّل: أنّ شيئاً ممّا استدلّ به على صرف ظاهر الأخبار لا يتمّ ، فالأقوى بحسب الأدلّة الوجوب، إلّاأنّ الإفتاء به مشكلٌ ، لأجل التزام الأعاظم قديماً وحديثاً بالاستحباب.

أقول: ثمّ إنّ المشهور(2) التزموا باعتبار القيام حال التكبير.

وعن الشيخ(3) والشهيد(4): جواز أن يهوي بالتكبير.

ويشهد للمشهور: صحيح زرارة المتقدّم، وفي صحيح حمّاد: «وَضَع يديه حيال وجهه وقال اللّهُ أكبر، وهو قائمٌ ثمّ ركع».

واستدلّ لما اختاره الشيخ(5): بالمطلقات الدالّة على مشروعيّة التكبير، غير المحمولة على المقيّد، لعدم حمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات.

وفيه: ما تقدّم في مبحث الإقامة(6) من أنّه إذا كان دليل المقيّد إلزاميّاً ولو إرشاديّاً، فلا محيص عن حمل المطلق عليه، وحيثُ أنّ الأمر بالقيام حال التكبير إرشادٌ إلى شرطيّته، فتُحمل على المقيّد في المقام.4.

ص: 227


1- تهذيب الأحكام: ج 2/77 ح 57.
2- تذكرة الفقهاء: ج 2/121 قوله: (يستحبّ التكبير قائماً فإذا فرغ منه أهوى إلى السّجود عند علمائنا).
3- المبسوط: ج 1/107.
4- الدروس: ج 1/187 قوله: (يستحبّ التكبير للرّكوع قائماً وفي الخلاف يجوز هاوياً).
5- كما يظهر من استدلال السيّد الخوئي قدس سره في كتاب الصَّلاة: ج 3/166-167.
6- فقه الصادق: ج 6/404.

ورَفُع اليدين به، ووَضعُ يديه على رُكبَتيه مفرّجاتِ الأصابع، ورَدّهما إلى خلفه، وتَسويةُ ظهره ومَدّ عُنقه.

مستحبّات الرّكوع

(و) الأمر الثاني: (رفع اليدين به) أيّ بالتكبير، لصحيحي زرارة المتقدّمين، وقد تقدّم الكلام فيه في مبحث التكبيرة(1).

(و) الأمر الثالث: (وَضعُ يديه على رُكبتيه، مفرّجات الأصابع).

أمّا وضع اليدين على الرّكبتين: فقد تقدّم الكلام فيه عند ذكر شرائط الرّكوع.

وأمّا استحباب تفريج الأصابع: فيشهد له صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، وفيه: «وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك»(2) المحمول على الاستحباب، بقرينة خبر علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام: «سألته عن تفريج الأصابع أسُنّةٌ هو؟ قال عليه السلام: مَنْ شاء فَعَل ومَنْ شاء تَرَك»(3).

(و) الأمر الرابع: (رَدّهما) أيّ الرّكبتين (إلى خلفه).

(و) الأمر الخامس: (تسوية ظهره).

(و) الأمر السادس: (مَدّ عُنقه) موازياً لظهره.

ويشهد لاستحباب هذه الاُمور الثلاثة ما في صحيح حمّاد:

«ورَدَّ رُكبتيه إلى خَلفه حتّى استوى ظَهره، حتّى لو صُبّت عليه قطرة ماء أو4.

ص: 228


1- فقه الصادق: ج 7/47.
2- الكافي: ج 3/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.
3- وسائل الشيعة: ج 6/329 ح 8104، مسائل علي بن جعفر ص 130، قرب الإسناد: ص 94.

دهن لم تزل، لإستواء ظهره، ورَدّ ركبتيه إلى خلفه ونَصب عُنُقه»(1).

وتدلّ عليه أيضاً: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:

«وبَلّغ بأطراف أصابعك عين الرّكبة، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، وأقم صلبك، ومَدّ عنقك...»(2).

***8.

ص: 229


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/300 ح 915، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.
2- الكافي: ج 3/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.

والدُّعاء، وزيادة التسبيح.

(و) الأمر السابع: (الدُّعاء) فيه بالمأثور، وهو ما في صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «ثمّ اركع وقُل: اللّهُمَّ لكَ رَكعتُ ، ولكَ أسلمتُ ، وبكَ آمنتُ ، وعليكَ توكّلتُ ، وأنتَ رَبّي، خَشَع لك قلبي وسَمْعي وَبَصَري وشَعْري وبَشَري ولَحْمِي ودَمي ومُخّي وعَصَبي وعِظامي، وما أقلّته قدماي، غير مستنكفٍ ولا مستحسرٍ، سبحان ربّي العظيم وبحمده، ثلاث مرّات في ترتيل»(1).

(و) الأمر الثامن: (زيادة التسبيح) بأن يُسبّح بالتسبيحة الكبرى ثلاثاً، كما يشهد له صحيحا زرارة وحمّاد، أو خمساً.

ويدلّ على استحبابه بالخصوص، ما عن «الفقه الرضوي» بعد الأمر بالتسبيحة الكبرى ثلاث مرّات: «وإنْ شئتَ خَمسُ مرّاتٍ ، أو سبعاً»(2).

ويشهد له أيضاً: ما في خبر هشام: «الفريضة من ذلك تسبيحة، والسُنّة ثلاث، والفضل في سبع أو أزيد»(3).

وتدلّ عليه الروايات الكثيرة، الدالّة على استحباب تطويل الرّكوع، وصحيح أبان بن تغلب، قال: «دخلتُ على أبي عبد اللّه عليه السلام وهو يُصلّي، فعدّدت له في الرّكوع والسّجود ستّين تسبيحة»(4).3.

ص: 230


1- الكافي: ج 3/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.
2- فقه الرضا عليه السلام: ص 106، مستدرك وسائل الشيعة: ج 4/423 ح 5062.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/80 ح 68، الاستبصار: ج 1/322 ح 1204، وسائل الشيعة: ج 6/299 ح 8018.
4- الكافي: ج 3/329 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/304 ح 8033.

وأنْ يقولَ بعد رَفع رأسه: سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِده.

(و) الأمر التاسع: يستحبُّ (أن يقول) المُصلّي إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً (بعد رفع رأسه: سَمِع اللّهُ لِمَنْ حَمده) كما هو المشهور(1)، لقوله عليه السلام: في صحيحة زرارة: «ثمّ قُل: سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمده، وأنتَ منتصبٌ قائم»(2).

وفي خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كان يقول بعد رَفع رأسه: سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمده»(3)، ونحوهما صحيح حمّاد المتقدّم.

أقول: لكن دعوى اختصاصها بالإمام والمنفرد غير بعيدة:

أمّا اختصاص الأخيرين فواضح، وأمّا الأوّل فبقرينة ما في ذيله من الأمر باجهار الصوت، إذ ينبغي للمأموم خفض الصّوت، كما يدلّ عليه:

1 - قوله عليه السلام في خبر أبي بصير: «ولا ينبغي لِمَنْ خَلف الإمام أن يُسمعه شيئاً ممّا يقول»(4).

2 - وصحيحة جميل الآتية.

3 - بل صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قال الإمام: سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمده، قال خلفه: ربّنا لك الحَمد، وإنْ كان وحده إماماً أو غيره، قال: سَمِع اللّهُ لِمَن حَمده، الحمدُ للّه ربّ العالمين»(5)، بمفهومه يدلّ على عدم مشروعيّة هذه7.

ص: 231


1- الخلاف: ج 1/346 قوله: (وبه قال جميع العلماء).
2- الكافي: ج 3/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.
3- وسائل الشيعة: ج 6/322 ح 8086.
4- وسائل الشيعة: ج 6/401 ح 8282.
5- وسائل الشيعة: ج 6/322 ح 8087.

الجملة للمأموم.

فما قوّاه بعض المتأخّرين من اختصاصها بالإمام والمنفرد، هو القوي بحسب الأدلّة.

وأمّا المأموم: فيستحبّ له التحميد: مخيّراً:

بين (رَبّنا لكَ الحَمد)، ويدلّ على استحباب هذه الصيغة صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة آنفاً.

وبين (الحمدُ للّهِ رَبّ العالمين)، ويدلّ على استحباب هذه، ما في الصحيح عن جميل بن درّاج، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام، قلت: ما يقول الرّجل خلف الإمام، إذا قال: سَمِع اللّهُ لِمَنْ حَمده ؟

قال: يقول: الحمدُ للّهِ رَبّ العالمين، ويَخفِض من الصوت»(1).

فإنّ الجمع بين الصحيحتين، يقتضي القول باستحباب التحميد مخيّراً بين الصيغتين.

وما رواه الكليني بإسناده عن المُفضّل: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: جُعِلْتُ فداك علّمني دعاءً جامعاً؟

فقال لي: أحمِد اللّهَ ، فإنّه لا يبقى أحدٌ يُصلّي إلّادعا لك، يقول: سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حمده»(2).

لا يدلّ على استحباب السَمْعلة لكلّ أحدٍ، كي يتمسّك بإطلاقه لإثبات مشروعيّتها للمأموم، كما عن «البحار»، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة كما لا يخفى .5.

ص: 232


1- الكافي: ج 3/320 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/322 ح 8084.
2- وسائل الشيعة: ج 6/322 ح 8085.

ولا يخفى أنّه لو دلّ الدليل على استحبابها له أيضاً، فلا وجه لدعوى التخيير بينهما وبين التحميد، كما ذكره بعض المحقّقين(1) بدعوى كونها من قبيل المستحبّات المتزاحمة حينئذٍ، إذ لا تنافي بينهما بل يحكم باستحبابهما معاً.

الأمر العاشر: التحميد بعد السَمْعَلة، وأقلّه (الحَمدُ للّهِ رَبّ العالمين)، ويشهدُ له صحيح ابن مسلم المتقدّم.

الأمر الحادي عشر: الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وآله عليهم السلام في الرّكوع، على ما عليه السيرة.

ويدلّ عليه: ما عن الصدوق في «ثواب الأعمال»، عن محمّد بن يحيى ، قال:

«قال أبو جعفر عليه السلام: مَنْ قال في ركوعه وسجوده وقيامه: اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، كُتِب له بمثل الرّكوع والسّجود والقيام»(2).

وفي «الكافي»، عن أبي حمزة، عن أبيه مثله، إلّاأنّه قال: «صَلّى اللّه على محمّدٍ وآله كُتب له»(3).

ونحوهما صحيح ابن سنان(4)، وخبر أبي بصير(5).

***8.

ص: 233


1- قد ظهر ذلك من المحقّق الهمداني في غير مورد من «مصباح الفقيه» حيث تحدّث عن المستحبّات المتزاحمة، منها ما في: ج 1/239 ق 1 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 6/326 ح 8099، ثواب الأعمال ص 34.
3- الكافي: ج 3/324 ح 13، وسائل الشيعة: ج 6/326 ح 8099.
4- الكافي: ج 3/322 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/326 ح 8097.
5- وسائل الشيعة: ج 6/326 ح 8098.

ويُكره أن يركع ويَداه تحت ثيابه.

مكروهات الرّكوع

خاتمة:

(ويُكره) في الرّكوع اُمور:

الأمر الأوّل: أن يطأطأ رأسه بحيث لا يُساوي ظهره، لخبر عليّ بن عقبة، قال:

«رآني أبو الحسن بالمدينة وأنا اُصلّي وأنكس برأسي، وأتمدّد في ركوعي، فأرسل إليَّ : لا تفعل»(1)، ونحوه غيره.

الأمر الثاني: قراءة القرآن فيه، لخبر السّكوني، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«سبعة لا يقرؤون القران: الرّاكع، والسّاجد، وفي الكنيف، وفي الحمّام، والجُنُب، والنُّفساء، والحائض»(2)، ونحوه غيره.

الأمر الثالث: (أن يركع ويَداه تحتَ ثيابه)، وإنْ لم يكن تحتها ثوبٌ آخر، بلا خلافٍ ، وعن غير واحدٍ(3) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: خبر عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الرّجل يُصلّي فيُدخِل يده في ثوبه ؟ قال عليه السلام: إنْ كان عليه ثوبٌ آخر؛ إزار أو سراويل فلا بأس، وإنْ لم يكن فلا يجوز له ذلك»(4).

ص: 234


1- الكافي: ج 3/321 ح 9، وسائل الشيعة: ج 6/325 ح 8094.
2- وسائل الشيعة: ج 6/246 ح 7854، الخصال: ج 2/357.
3- المعتبر: ج 2/205، منتهى المطلب: ج 1/286، جامع المقاصد: ج 2/295، الحدائق الناضرة: ج 8/272، جواهر الكلام: ج 10/119.
4- الكافي: ج 3/395 ح 10، وسائل الشيعة: ج 4/432 ح 5630.

وظاهره الحرمة، إلّاأنّه يُرفع اليد عن هذا الظهور، ويُحمل على الكراهة للإجماع، كما حُكي على عدم الحرمة.

وقد استدلّ للجواز: وعدم الحرمة، بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يُصلّي ولا يخرج يديه من ثوبه ؟ قال: إنْ أخرج يديه حسن، وإنْ لم يخرج فلا بأس»(1).

وفيه: إنّها أعمّ من رواية عمّار، فتقيّد بها.

كما أنّ الاستدلال على الجواز، بما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن علي بن فضّال، عن رجلٍ ، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ النّاس يقولون: إنّ الرّجل إذا صَلّى وإزاره محلولة، ويداه داخلتان في القميص، إنّما يُصلّي عرياناً؟ قال:

لابأس»(2)، غير تامّ ، لأنّه أيضاً أعمّ من خبر عمّار، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله عليه السلام: (لا بأس) نفي البأس عن قول النّاس بعدم الجواز، فلاحظ.

ولا يخفى أنّ مفاد خبر عمّار الكراهة في جميع حالات الصَّلاة، لا خصوص الرّكوع، ولذلك لا وجه لتخصيص الحكم به.

***8.

ص: 235


1- الاستبصار: ج 1/391 ح 1، وسائل الشيعة: ج 4/431 ح 5627.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/326 ح 191، وسائل الشيعة: ج 4/432 ح 5628.
السّادس: السّجود
اشارة

السّادس: السّجود.

ويجبُ في كلّ ركعةٍ سَجدتان، وهما ركنٌ .

في السّجود(1)

(السادس) من أفعال الصَّلاة: (السّجود).

(ويجبُ في كلّ ركعةٍ سجدتان) بالإجماع(2)، بل بضرورة من الدِّين، (وهما) معاً، لا كلّ واحدةٍ منهما (ركنٌ ) في الصَّلاة، تبطل بالإخلال بهما في كلّ ركعةٍ عمداً وسهواً وبزيادتهما، ولا تبطل بالإخلال بإحداهما سهواً، كما سيأتي تفصيل ذلك في محلّه.

أقول: وفي المقام إشكالٌ معروف، وهو إنّ الرّكن ما يوجبُ زيادته ونقيصته البطلان، وفي ما نحن فيه:

إنْ كان الرّكن مجموعُ السّجدتين، فاللّازم بطلان الصَّلاة بنقص واحدة منهما سهواً، لانتفاء المجموع بانتفاء البعض، مع أنّه لا يوجب البطلان.

وإنْ كان الرّكن صِرْف الوجود المتحقّق بواحدة منهما، فاللّازم بطلان الصَّلاة بزيادة سجدةٍ واحدة، وهذا ما لم يلتزم به أحدٌ.

وللأصحاب في التفصّي عن هذا الإشكال أجوبة غير تامّة، وحيثُ لا يترتّب على تحقيق القول فيه ثمرة عمليّة، فالصّفح عن ذكرها أولى، ولكن الذي يَخطُر بالبال

ص: 236


1- وهو لغة: الإنحناء وشرعاً وضع الجبهة على الأرض وشبهها، وهو واجب بالنصّ والإجماع (نهاية الاحكام: ج 1/487).
2- منتهى المطلب: ج 1/286.

في الجواب عنه هو أنّ الرّكن ما يوجب نقيصته البطلان، وأمّا مبطليّة زيادته، فهي ليست مأخوذه في مفهوم الرّكن، وقد تقدّم الكلام في ذلك في مبحث التكبيرة(1)، نعم هي ملازمة له غالباً.

وعليه فنقول في المقام: إنّ موضوع الركنيّة هو ماهيّة السّجدة الّتي عَبّر عنها بالسجود في حديث (لا تُعاد) وغيره، وكونها في ضمن الثنتين واجبٌ آخر لا ركن.

أمّا قول المصنّف رحمه الله تبعاً للأساطين(2) أنّهما معاً ركنٌ ، فالمراد منه أنّهما ليستا ركنين، بل الرّكن واحدة، فإثباته لهما إنّما يكون في مقابل سلبه عن كلّ واحدةٍ منهما.

***0.

ص: 237


1- فقه الصادق: ج 7/38.
2- أمثال: المحقّق الكركي في جامع المقاصد: ج 2/269، والشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/180، مدارك الأحكام: ج 3/400.
واجبات السّجود
اشارة

ويجب في كلّ سجدة السّجود على سبعة أعضاء: الجَبهة، اليدين، والرّكبتين، وإبهامي الرجلين.

يجبُ السّجود على سبعة أعضاء
اشارة

(وَيَجبُ في كلّ سجدةٍ ) اُمور:

الأمر الأوّل: (السّجود على سبعة أعضاء: الجَبهة، اليدين، والرُّكبتين وإبهامي الرِّجلين) بلا خلافٍ .

وعن غير واحدٍ من الأساطين(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - خبر عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد عليه السلام: «يسجد ابن آدم على سَبعة أعظم: يديه، ورجليه، وركبتيه، وجبهته»(2).

2 - وصحيح زرارة، قال أبو جعفر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: السّجود على سَبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والرُّكبتين، وإبهامي الرجلين... الخ»(3).

وعن الصدوق(4) بإسناده عن زرارة نحوه، إلّاأنّه قال: (والكفّين)، بدل (اليدين).

3 - وصحيح حمّاد، الوارد في كيفيّة صلاة الإمام الصادق عليه السلام التعليميّة:

ص: 238


1- الخلاف: ج 1/355، مدارك الأحكام: ج 3/403.
2- وسائل الشيعة: ج 6/345 ح 8140، قرب الإسناد: ص 12.
3- وسائل الشيعة: ج 6/343 ح 8134.
4- كما في الخصال: ص 349 ح 23، المقنع: ص 88، الهداية: ص 137، باب (الأعظُم التي يقع عليها السّجود).

«وَسَجَد على ثمانية أعظم: الكفّين، والرُّكبتين، وأنامل إبهامي الرِّجلين، والجَبهة والأنف»(1)، ونحوها غيرها.

وعن السيّد(2)، والحِلّي(3)، والإسكافي(4): اعتبار السّجود على مفصل الزّندين من الكفّين، ولم يُعرَف مستنده، كما صرّح بذلك جملةٌ من الأساطين(5).

وعن جماعة من القدماء(6) التعبير ب (أصابع الرجلين) أو (أطرافها)، عوض (الإبهامين)، واستدلّ لهم بالنصوص المعبّرة بالرجلين أو بأطراف الأصابع.

وفيه: إنّها مطلقة، تقيّد بالنصوص الدالّة على أنّ المعتبر وضع الإبهامين.

حَدّ الجَبهة وما يجب وضعه منها

ثمّ إنّ الجبهة عبارةٌ عمّا بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والحاجبين طولاً، وما بين الجَبينين عرضاً، كما صرّح به غير واحدٍ من الفقهاء(7) واللّغويّين(8).

وعن «كشف الغطاء»(9): (إنّها السَّطح الُمحاط من الجانبين بالجبين، ومن الأعلى بقصاص الشعر، من المنبت المُعتاد، ومن الأسفل بطرف الأنف الأعلى

ص: 239


1- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.
2- رسائل المرتضى: ج 3/32.
3- السرائر: ج 1/255.
4- حكاه الشهيد في ذكرى الشيعة: ج 3/392 (ط. ج)، جواهر الكلام: ج 1/139.
5- تذكرة الفقهاء: ج 3/185 قوله: (يجب على الأعضاء... عند علمائنا أجمع إلّاالمرتضى فإنّه قال عوض الكفّين مفصل الكفّين عند الزّندين).
6- نهاية الاحكام: ج 1/488، مستند الشيعة: ج 5/238.
7- كتاب الصَّلاة للشيخ الأنصاري: ج 2/54.
8- لسان العرب: ج 13/85، القاموس المحيط: ج 4/208.
9- كشف الغطاء: ج 1/82.

والحاجبين، ولا استقامة للخطوط فيما عدا الجانبين). ونحوه عن غيره.

والجَبين: على ما ذكره في «المصباح»(1) ناحية الجبهة، من محاذاة النزعة إلى الصُّدغ.

وعن «مجمع البحرين»:(2) الجَبين فوق الصُّدغ.

أقول: ولكن يظهر من بعض النصوص، كصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«الجبهة كلّها ما بين قِصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السّجود، فأيّما سَقَط من ذلك إلى الأرض، أجزأك مقدار الدّرهم، أو مقدار طرف الأنملة»(3)، ونحوه غيره، أوسعيّة الجبهة من ذلك، إذ الظاهر منها أنّ الجبهة هي السطح المحاط من الأعلى بقصاص الشعر، ومن الأسفل بطرف الأنف الأعلى، ومن الجانبين بما بين منتهى الحاجبين مصعداً إلى قصاص الشعر.

لكن لا يمكن الالتزام بذلك، لأنّه - مضافاً إلى عدم مساعدة العرف له - لازم ذلك جواز السّجود على طرفي الحاجب المائلين إلى الصُّدغ، ولا أظنّ أن يلتزم أحدٌ بذلك، مع أنّ هذه النصوص ليست في مقام بيان حَدّ الجبهة، بل تكون في مقام بيان عدم لزوم الإستيعاب.

وذكر بعضهم(4): أنّ المتبادر إلى الذهن من العبارات المذكوره في الروايات - ولو بواسطة معروفيّة الجَبهة لدى العرف - ليس إلّاإرادة السطح بينهما، لا طرفيه المائلين إلى الصُّدغ، الواقعين بين منتهى الحاجبين والقصاص، فإنّهما خارجان عن1.

ص: 240


1- المصباح المنير: ج 1/90.
2- مجمع البحرين: ج 1/342.
3- الكافي: ج 3/333 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/356 ح 8174.
4- مصباح الفقيه: ج 2/340 ق 1.

حَدّ الجَبهة، فعلى هذا تنطبق على التفسير القاموس وغيره.

أقول: ثمّ إنّه يكفي فيها صدق السّجود على مسمّاها، ولا يعتبر الاستيعاب، وهو المشهور، للروايات المتقدّمة وغيرها، الصريحة في ذلك، ولا تنافيها صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام، قال: «سألته عن المرأة تطول قصّتها، فإذا سَجَدت وقع بعضُ جبهتها على الأرض، وبعضٌ يغطّيه الشَّعر، هل يجوز ذلك ؟ قال: لا حتّى تضع جبهتها على الأرض»(1)، لأنّه مضافاً إلى احتمال أنْ يكون مفادها أنّ المرأة التي هذه صفتها، لا تطمئنّ بوضع جبهتها على الأرض، إلّاأنْ ترفع الحاجب، غاية الأمر أنّها تكون ظاهرة في لزوم الاستيعاب، فترفع اليد عن هذا الظهور، ويُحمل على عدم لزوم الاستيعاب، وكفاية المسمّى ، وهذا مضافاً إلى أنّه جمعٌ عرفي، يشهد له الخبر الذي رواه بُريد عن أبي جعفر عليه السلام: «الجبهة الى الأنف، أيُّ ذلك أصبتَ به الأرض في السجود أجزأكَ ، والسّجود عليه كلّه أفضل»(2).

وعليه، فما عن الحِلّي(3) من وجوب الاستيعاب ضعيفٌ .

ثمّ لا يخفى إنّه لا وجه لاعتبار أنْ لا ينقص في الجَبهة عن الدرهم، بعد تصريحه عليه السلام، في صحيح زرارة المتقدّم، بكفاية أقلّ من ذلك، كما لا يعارضه ما في خبر «دعائم الإسلام»(4) من اعتباره، لقصوره عن المكافأة سنداً، مع أنّه لو تمّ ).

ص: 241


1- تهذيب الأحكام: ج 2/313 ح 132، وسائل الشيعة: ج 5/363 ح 6800.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/298 ح 55، وسائل الشيعة: ج 6/356 ح 8172.
3- تذكرة الفقهاء: ج 3/187 (ط. ج)، نهاية الاحكام: ج 1/488، وفي الموردين صرّح بأفضليّة الاستيعاب بعد تصريحه بعدم الوجوب، وفي الرسائل السعديّة ص 110 لم يتعرّض للاستيعاب، ولكنّه أطلق في وضع الجبهة مقابل طرف الأنف، الذي اعتبره غير صحيح، وفي منتهى المطلب: ج 1/287 ط. ق (في السّجود) صرّح بكفاية المسمّى، فراجع.
4- دعائم الإسلام: ج 1/163-164، وفيه: (وأقلّ ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قَدَر الدرهم).

سنده، تعيّن حمله على الاستحباب، بقرينة صحيح زرارة المتقدّم.

وعليه، فما نسب إلى كثيرٍ من الأصحاب(1) من اعتبار أنْ لا يكون أقلّ منه ضعيفٌ .

حدود سائر ما يجبُ وضعه

وأمّا اليدان: فالمراد منهما باطنهما من الزّندين إلى رؤوس الأصابع كما هو المشهور(2)، لأنّه المتبادر من الأمر بالسجود على اليد.

وما في بعض النّصوص من التعبير ب (الكفّين) بدل (اليدين) لا يوجبُ حمل النصوص بأجمعها على إرادة الراحة، لشيوع استعمال الكفّ فيما دون الزّندين إلى رؤوس الأصابع، حتّى قيل إنّه المتبادر منه.

ولو تنزّلنا عن ذلك، فلا أقلّ من كونه مُجملاً، فيؤخذ بما يكون مبيّناً، وهو اليد، ويُحمل المجمل عليه، فتدبّر.

أقول: لكن يظهر من الخبر المرويّ عن «تفسير العيّاشي» - عن أبي جعفر عليه السلام، الوارد في قطع يد السارق، بعد ماحكم عليه السلام فيه بلزوم القطع من اُصول الأصابع، علّله بأنّ (المساجد للّه، وما كان للّه لا يُقطع)(3) - أنّ خصوص الراحة من المساجد، ولا تكون الأصابع داخلة فيها.

إلّا أنّه لا يعتمد عليه لقصور السند، ولإحتمال أنْ يكون المراد أنّ ما كان للّه لا يُقطع من أصله، بحيث لا يبقى منه شيءٌ ، فلا ينافي دخول الأصابع في المساجد.

ص: 242


1- نهاية الاحكام: ج 1/488، تذكرة الفقهاء: ج 1/120.
2- نهاية الاحكام: ج 1/488، مستند الشيعة: ج 5/237.
3- المستدرك: ج 4/454 ح 5143-1، تفسير العيّاشي: ج 1/319 ح 109.

ثمّ إنّ الظاهر لزوم الاستيعاب العرفي، لأنّه المتبادر من الأمر بوضع اليدين على الأرض، ويشير إليه خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا سجدت فابسط كفّيك على الأرض»(1).

وما نُسب إلى المشهور(2) من الاكتفاء بالمُسمّى، بل عن غير واحدٍ(3) نفي الخلاف فيه، لا ينافي ذلك، إذ الظاهر أنّ مرادهم أنّ خروج جزءٍ قليل لا يكون منافياً للاستيعاب المعتبر، فمقتضى إطلاق الأدلّة لزوم الاستيعاب، والإجتزاء بالبعض محتاجٌ إلى دليلٍ مفقود.

فما عن «المنتهى»(4) من أنّ الحمل على بعض الجبهة، يحتاجُ إلى دليلٍ ، لورود النّص في خصوص الجَبهة، والتعدّي بالإجتزاء بالبعض يحتاج إلى دليل، هو الصحيح.

وأمّا الإبهامان: فعن المحقّق(5) والشهيد(6) الثانيين، وصاحب «المدارك»(7)وغيرهم(8) الإجتزاء بوضع شيءٍ منهما، ولو كان باطنهما أو ظاهرهما.0.

ص: 243


1- تهذيب الأحكام: ج 2/83 ح 75، وسائل الشيعة: ج 6/375 ح 8220.
2- مستند الشيعة: ج 5/239 قوله: (المعروف من الأصحاب أنّه يكفي فيما عدا الجبهة من هذه الأعضاء مايصدق عليه الاسم ولا يجب الاستيعاب).
3- في «الحدائق» اعتبره المشهور أيضاً: ج 8/280، وفي كتاب الصَّلاة للشيخ عبد الكريم الحائري ص 244 اعتبره المشهور، ونقل دعوى الإجماع على ذلك عن بعض.
4- منتهى المطلب: ج 1/290، قوله: (هل يجب استيعاب جميع الكفّ بالسجود؟ عندي فيه تردّد، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل.. الخ).
5- جامع المقاصد: ج 2/300-301، قوله: (والوجه تعيّن الإبهامين إلّامع تعذّر السّجود عليهما لعدمهما).
6- روض الجنان: ص 276 قوله: (وإبهامي الرجلين لايتعيّن رؤوسهما، وإنْ كان أحوط).
7- مدارك الأحكام: ج 3/404.
8- منتهى المطلب: ج 1/290.

وعن المفيد(1)، والشيخ(2)، والكليني، وغيرهم(3): تعيّن وضع الطرف من كلّ منهما دون الظاهر والباطن.

واستدلّ له: بما في صحيح حمّاد، من أنّه عليه السلام سَجد على أنامل إبهامي الرجلين، بدعوى أنّ الأنمله طرف الأصبع(4).

وفيه: - مضافاً إلى ما قيل من إنّ الأنمله هي العُقدة - أنّ الصحيح لا يدلّ على تعيين الأنامل، كي يقيّد به إطلاق ما دلّ على لزوم السّجود على الإبهامين.

ودعوى: انصراف الأمر بالسجود على الإبهامين إلى الأنامل، كما ترى .

وعليه، فالأقوى الإجتزاء بكلٍّ من ظاهر الإبهام وباطنه وطرفه.

وأمّا الركبتان: فلا يجبُ الاستيعاب فيهما، بلا خلافٍ ولا إشكال، لعدم إمكانه.

ثمّ إنّ الظاهر عدم صدق السّجود بوضع الجبهة على الأرض، إلّامع الاعتماد عليها، فلا يكفي مجرّد المماسّة. بل دعوى لزوم الاعتماد على الأعضاء السبعة غير بعيدة، إذ لا يتحقّق السّجود على شيءٍ إلّامع الاعتماد عليه.

***7.

ص: 244


1- أحكام النساء ص 27، قوله: (وأطراف أصابع الرجلين)، ولكنّه يظهر منه غير ذلك في بحث تحنيط الميّت ص 61 حيث قال: (وظاهر أصابع الرجلين لأنّهما تمام المساجد)، فإنّه ذكر ظاهر الأصابع دون الأطراف معلّلاً بأنّها من المساجد.
2- المبسوط: ج 1/112، قوله: (وإن وضع بعض كفّيه أو ركبتيه أو بعض أصابع رجليه أجزء، والكمال أن يضع العضو بكامله).
3- كما في الكافي لأبي الصّلاح الحلبي ص 119، السادس: (يلزم على سبع، إلى قوله: وأطراف الأصابع).
4- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.

عدم علوّ موضع السّجود على القيام بأزيد من لبنة.

مساواة موضع الجبهة للموقف
اشارة

(و) الأمر الثاني: (عدم عُلوّ موضع السّجود على القيام بأزيد من لبنةٍ ) على المشهور(1).

بل عن «المعتبر»(2) و «التذكرة»(3) وغيرهما(4) دعوى الإجماع عليه، وإنْ قدّره في «المعتبر» بالمقدار المعتدّ به لا باللّبنة.

ويشهد له: خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن السّجود على الأرض المرتفعة ؟ فقال عليه السلام: إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قَدَر لبنةٍ فلا بأس»(5).

وأورد عليه بإيرادات:

1 - ضعف السند، لأنّ في طريقه الهندي، وهو مشتركٌ بين جماعةٍ لم يثبت توثيق جميعهم.

وفيه: إنّ الظاهر كونه الهيثم بن مسروق، لرواية محمّد بن علي بن محبوب عنه،

ص: 245


1- جامع المقاصد: ج 2/298.
2- المعتبر: ج 2/207.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/121 قوله: (لا يجوز أنْ يكون موضع السّجود أعلى من موقف المصلّى بالمعتدّ اختياراً عند علمائنا).
4- إنّ أغلب من تعرّض لدعوى الإجماع هو ناقل لكلام المعتبر من قوله: (وعليه علماؤنا).
5- تهذيب الأحكام: ج 2/313 ح 127، وسائل الشيعة: ج 6/358 ح 8179.

وهو ممدوحٌ في الرِّجال، وله كتاب يروي عنه جماعة من الأجلّاء، هذا مضافاً إلى أنّ اعتماد الأصحاب عليه يوجب جبر ضعفه لو كان.

2 - إنّ الخبر روي بنحوٍ آخر، وفيه: (يديك) باليائين المثناتين من تحت بدل (بدنك) بالباء الموحّدة والنون.

وفيه: إنّ استدلال الأعاظم(1) به كاشفٌ عن كون النسخة الأصليّة بالباء والنون، ويؤيّده ما في «الكافي»، قال: (وفي حديثٍ آخر في السّجود على الأرض المرتفعة، قال عليه السلام: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قَدَر لبنة فلابأس»(2)، المظنون كونه المستند المذكور.

3 - إنّ مفهومه ثبوت البأس بالزائد على اللّبنة، وهو أعمٌّ من المنع.

وفيه: إنّه لوقوعه في جواب السؤال عن جواز السّجود على الأرض المرتفعة، لا ينبغي التأمّل في ظهوره في المنع.

أقول: واستدلّ صاحب «المدارك» رحمه الله(3) على المنع من السّجود على مطلق المرتفع، بصحيح ابن سنان: «إنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن موضع جبهة الساجد، أيكون أرفع من مقامه ؟ قال عليه السلام: لا، ولكن ليكن مستوياً»(4).

وفيه: إنّه بقرينة حسنه المتقدّم، يُحمل على إرادة المساواة العرفيّة، الّتي لا يقدح فيها ارتفاع يسير، وقوله عليه السلام في الجواب: (لا)، يُحمل على المنع عن الارتفاع الذي يَعتدّ به في العرف، فالجمع بينهما يقتضي البناء على المنع، إذا كان الارتفاع أزيد من5.

ص: 246


1- منتهى المطلب: ج 1/288، روض الجنان: ص 276، جامع المقاصد: ج 2/288.
2- الكافي: ج 3/333 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/359 ح 8181.
3- مدارك الأحكام: ج 3/407.
4- الكافي: ج 3/333 ح 4 (ولكن قال: يكون أرفع من قيامه)، وسائل الشيعة: ج 6/357 ح 8175.

اللّبنة، والجواز إذا كان بقدرها أو أقلّ .

وبذلك ظهر أنّ خبري الحسين بن حمّاد، وصحيح معاوية، لو سُلّم ظهورهما في المنع عن السّجود على مطلق المرتفع، يتعيّن حملها على الزائد على اللّبنة.

وأيضاً: صرّح جماعة كالشهيدين(1) والمحقّق الثاني(2) وغيرهم(3) باعتبار عدم كون موضع الجبهة أخفض من الموقف بأكثر من لبنة.

واستدلّ له:

1 - بموثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن المريض أيحلّ له أن يقوم على فراشه، ويسجد على الأرض ؟

فقال عليه السلام: إذا كان الفراش غليظاً قدَر آجرة أو أقلّ ، استقام له أن يقوم عليه، ويسجد على الأرض، وإنْ كان أكثر من ذلك فلا»(4).

2 - وبقوله عليه السلام في صحيح ابن سنان المتقدّم: «ولكن ليكن مستوياً».

أقول: ولكن الظاهر من الصحيح إرادة ما يقابل الارتفاع، لا الاستواء حقيقةً ، فالعمدة فيه الموثّق، والخدشة فيه بعدم ظهور نفي الإستقامة في المنع، في غير محلّها، إذ الظاهر منه بقرينة السؤال هو ذلك.

ودعوى: إنّه لعدم عمل القدماء(5) به، لإقتصارهم على التعرّض للارتفاع، بل).

ص: 247


1- الشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/158 والبيان: ص 87، الشهيدالثاني في روض الجنان: ص 276.
2- جامع المقاصد: ج 2/299.
3- كالمحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 2/344 ق 1 (ط. ق).
4- الكافي: ج 3/411 ح 13، وسائل الشيعة: ج 6/358 ح 8180.
5- مستند الشيعة: ج 5/273 قوله: (وظاهر كلام المتقدّمين عدم لحوق الانخفاض بالارتفاع، فيجوز بأيّ قدَر، وعن التذكرة الإجماع وهو الحقّ والأصل).

عن «التذكرة»(1): (لو كان مساوياً أو أخفض، جاز إجماعاً الاعتماد عليه).

مندفعة: بأنّه مضافاً إلى أنّه يمكن إرادة المثال من الارتفاع في عبارات الأصحاب، ويكون المراد التفاوت بين الموقف والمسجد، أنّه يحتمل أنْ يكون عدم إفتائهم بالمنع في صورة الانخفاض، لأجل اعتقادهم عدم ظهور نفي الاستقامة في المنع، الذي عرفت ما فيه، لا للإعراض عنه، وبه يقيّد ما بإطلاقه يدلّ على الجواز كخبر محمّد بن عبد اللّه، عن الإمام الرضا عليه السلام:

«إنّه سأله عمّن يُصلّي وحده، فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ؟

فقال عليه السلام: إذا كان وحده فلا بأس»(2).

وأمّا ما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله(3): من أنّ ما في الخبر من التفصيل بين المنفرد وغيره، ممّا لم يُنقل القول به عن واحدٍ، فالأولى ردّ علمه إلى أهله.

فغير سديدٍ - إذ مضافاً إلى أنّ الشرطيّة تكون مسوقه لبيان تحقّق الموضوع، وليس لها مفهوم - يرد عليه أنّه يمكن أن يكون التقييد بالوحدة لأجل التنبيه على اعتبار أنْ لا يكون مسجد المأموم أخفض من مسجد الإمام.

ومن جميع ما ذكرناه، ظهر ضعف ما عن الأردبيلي(4) وجماعة من المتأخّرين عنه(5) من الجواز مطلقاً.3.

ص: 248


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/121 (ط. ق)، وفي (ط. ج): ج 3/189 مسألة 258.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/282 ح 155، وسائل الشيعة: ج 6/358 ح 8178.
3- وهو المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2 القسم الأوّل / 345 (السّجود على المرتفع).
4- مجمع الفائدة: ج 3/282.
5- مستند الشيعة: ج 5/273.
المراد من الموقف

ثمّ إنّه صرّح غير واحدٍ(1) بأنّ موضوع المساواة الجَبهة والموقف.

وعن بعضهم(2): التعبير عن الموقف بموضع القيام.

وعن «كشف الغطاء»(3): المراد من الموقف موضع القيام للصَّلاة، فلا يصحّ مع فرض العلوّ حاله والانتقال إلى المساوي عند السّجود.

وفي «الجواهر»(4): إنّ المراد منه المحلّ الذي لو أراد الوقوف عن ذلك السّجود بلا انتقالٍ وقف عليه من غير فرقٍ بين كونه موضع الإبهامين أم لا؟

وعن غير واحدٍ(5): إنّ المراد منه موضع الإبهامين لا غير، فلو أدخل مشط قدميه في محلّ منخفضٍ بطلت صلاته.

مختارنا: إنّ المراد منه موضع الرُّكبتين والإبهامين، إذ المراد من (موضع البدن) في خبر ابن سنان المتقدّم، موضع البدن حال الجلوس لا حال القيام، ولا حال السّجود، كي يَشمل موضع اليدين، وذلك لأنّ الظاهر منه كونه في مقام تحديد الإنحناء المعتبر في السّجدة، وحيثُ أنّ تساوي موضع اليدين مع موضع الجبهة وعدمه، كتساوي موضع القيام مع موضع الجبهة وعدمه، لا يوجبان اختلافاً في الإنحناء الخاص، فلا يعتبر عدم ارتفاع الموضعين.

ص: 249


1- الدروس: ج 1/157، جامع المقاصد: ج 2/308.
2- النهاية: ص 83.
3- كشف الغطاء: ج 1/241 (بتصرّف).
4- جواهر الكلام: ج 10/158.
5- الذكرى : ص 201.

هذا مضافاً إلى التصريح في مرسل الكليني ب (الرجلين، مع أنّ مقابلة موضع البدن بموضع الجبهة تأبى عن إرادة موضعه حال السّجود، كما لا يخفى . وإرادة موضعه حال القيام خلاف المقطوع به من الفتوى، فيتعيّن إرادة موضعه حال الجلوس، فلو كان في حال القيام في موضعٍ ، وفي حال السّجود صَعَد على محلٍّ مستوٍ مرتفعٍ عن موضع القيام بأزيد من لبنةٍ صَحّت صلاته.

أقول: ثمّ إنّ الظاهر عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد بعضها مع بعض، كما هو المنسوب إلى المشهور(1)، لعدم الدليل عليه، والأصل يقتضي عدمه، وخبر ابن سنان سواء اُريد من (موضع البدن) فيه موضع الرّكبتين والإبهامين، أم اُريد المساجد الستّة، إنّما يدلّ على اعتبار مساواة الجبهة له، لا مساواة بعض المساجد لبعضه.

حكم السّجود على المرتفع

ولو وضع جَبهته على موضعٍ مرتفع أزيد من المقدار المغتفر:

فإمّا أنْ يكون الارتفاع بمقدارٍ لا يصدق معه السّجود عرفاً.

أو يكون بمقدارٍ يصدق ذلك.

فعلى الأوّل:

فإنْ وضع عليه بقصد الجزئيّة، وكان ذلك عمديّاً، بطلت صلاته، لإطلاق قوله عليه السلام: «مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2).

وإنْ كان سهويّاً، صحّت لعموم حديث (لا تُعاد)(3)، وحينئذٍ جاز رفعها

ص: 250


1- الذكرى : ص 160 (ط. ق) وفي الجديدة: ج 3/148، جواهر الكلام: ج 10/155.
2- الكافي: ج 3/355 ح 52، وسائل الشيعة: ج 8/231 ح 10509.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/152 ح 55، وسائل الشيعة: ج 6/91 ح 7427.

ووضعها ثانياً كما يجوز جَرّها.

ودعوى: أنّ المنصرف إلى الذهن من السّجود المأمور به، خصوص الوضع المتّصل بالهوي، فلا يجوز الجَرّ، ضعيفة.

ومن ذلك ظهر حكم ما لو لم يكن الوضع بقصد الجزئيّة، فإنّه لا تبطل الصَّلاة به، عمديّاً كان الوضع أم سهويّاً، وفي كلتا الصورتين جاز رفع الجبهة ووضعها ثانياً، كما يجوز جَرّها.

وعلى الثاني:

فإنْ كان اعتبار عدم عُلوّ موضع الجبهة عن موضع البدن بأزيد من اللّبنة قيداً للسجدة، بمعنى عدم تحقّق السّجدة المأمور بها الّتي هي جزءٌ للصَّلاة ما لم ينحن إلى هذا الحَدّ، فحكمه حكم الصورة الاُولى ، بلا فرق بينهما، فإنْ رفع الجبهة وَوَضْعُها ثانياً لا يوجب زيادة سجدة شرعيّة، وإنْ كان يصدق زيادة سجدة عرفيّة، إذ دعوى كون المساواة شرطاً في مفهوم السّجود عرفاً ضعيفةٌ جدّاً، كما لا يخفى ، إلّاأنّ أدلّة مبطليّة زيادة السّجدة لا تشمل ما لا يكون سجدةً بنظر الشارع.

وأمّا إنْ كانت المساواة من قيود الصَّلاة حين السّجدة، فمقتضى القاعدة عدم جواز الرفع، وتعيّن الجَرّ، لأنّه يلزم منه زيادة عمداً، وهذا بخلاف ما لو جَرّ رأسه، فإنّه ليس فيه تبديلُ سجدةٍ بأُخرى، بل تبدّل حالٍ بحال.

وما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله(1): (من الالتزام بجواز الرفع، حتّى بناءً على كون المساواة قيداً للصَّلاة، بدعوى إنّ الفعل الأوّل حال وقوعه لا يتّصف بالزيادة، ولكنّه ليس بمسقطٍ لطلبه، لعدم موافقته له، فهو باقٍ على عهدة التكليف به، فإذا أتى5.

ص: 251


1- الحدائق الناضرة: ج 8/288، مستند الشيعة: ج 5/275.

به ثانياً بقصد امتثال أمره، صحّ الثاني، وصدق على الأوّل وقوعه زائداً، وما دلّ على مبطليّة الزيادة، لا يتناول مثل هذه الزيادة). انتهى.

مندفع أوّلاً: بالنقض بما لو سَجَد سجدة صحيحة شرعيّة، ولم يأت بالذِّكر، فإنّ لازم ما ذُكر جواز رفع الرأس، والإتيان بسجدةٍ اُخرى معه، فتدبّر.

وثانياً: بالحَلّ ، وهو إنّه لو رفع رأسه وسَجَد ثانياً، تتّصف الثانية بالزيادة، فيلزم زيادة السّجدة، ويأتي لذلك مزيد توضيحٍ في مبحث الخلل(1) إنْ شاء اللّه تعالى ، ولكن بما أنّ الظاهر من دليل السّجود على الأرض المرتفعة، كونه في مقام تحديد الإنحناء المعتبر في السّجود شرعاً كما عرفت، فيكون ظاهراً في كون عدم العلوّ من قيود السّجدة لا الصَّلاة، وعليه، فمقتضى القاعدة جواز الرفع مطلقاً.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - خبر الحسين بن حمّاد: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام:

أسجدُ فتقع جبهتي على الموضع المرتفع ؟ فقال عليه السلام: ارفع رأسك ثمّ ضعه»(2).

ولا يعارضه صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا وضعتَ جبهتك على نبكةٍ (3) فلا ترفعها ولكن جُرّها»(4).

وصحيح ابن مسكان، عن الحسين بن حمّاد، قال له عليه السلام:

«أضع وجهي للسّجود، فيقع وجهي على حَجَرٍ أو على موضعٍ مرتفع، أُحوّل وجهي إلى مكان مستو؟4.

ص: 252


1- فقه الصادق: ج 8/130.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/302 ح 75، وسائل الشيعة: ج 6/354 ح 8167.
3- النبكة: الأرض التي فيها صعود ونزول.
4- الكافي: ج 3/333 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/353 ح 8164.

فقال عليه السلام: نعم، جُرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه»(1).

لأنّ الجمع بينهما وبين الخبر، يقتضي حمل الأمر بالجَرّ فيهما على الاستحباب.

هذا مضافاً إلى أنّه يحتمل في الصحيح الأوّل أنْ يكون لعدم إمكان الاعتماد على الجبهة، وفي الثاني أنْ يكون لأجل إرادة مكانٍ مستوي والذي هو الأفضل، وعليه فهما أجنبيّان عن ما نحن فيه.

وما في «المدارك»(2) من أنّه لا يُعمل بخبر الحسين، لأنّ في سنده ضعفاً، في غير محلّه، لإنجباره بعمل الأصحاب.

***8.

ص: 253


1- تهذيب الأحكام: ج 2/312 ح 125، وسائل الشيعة: ج 6/353 ح 8165.
2- مدارك الأحكام: ج 3/408.

ولو تَعذّر السّجود أومأ، أو رفع شيئاً وسَجَد عليه. وأن يطمئن بقدر التسبيح.

(ولو تَعذّر السّجود أومأ)، وعن جماعة(1) منهم المصنّف رحمه الله (أو رَفَع شيئاً وسَجد عليه)، وقد تم الكلام في ذلك مفصّلاً في مبحث القيام(2)، فراجع.

أنْ يطمئن بقدر التسبيح

(و) والأمر الثالث: (أنْ يطمئن بقدر التسبيح) إجماعاً حكاه جماعة(3).

واستدلّ له:

1 - بصحيح علي بن يقطين المتقدّم في ذكر الرّكوع: «ويُجزيك واحدة إذا أمكنتْ جَبهتك من الأرض».

2 - وصحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يسجدُ على الحَصى ، فلا يُمكِّن جبهته من الأرض ؟ فقال عليه السلام: يُحرِّك جبهته حتّى يتمكّن، فينحِّي الحَصى عن جبهته ولا يرفع رأسه»(4).

3 - وصحيح الهُذَليّ المرويّ عن «أربعين» الشهيد، عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «فإذا سجدتَ فمكِّن جبهتك من الأرض، ولا تنقر كنقرة الديك»(5).

وفيه: إنّ تمكين الجبهة من الأرض غير الاطمئنان بوضعها، بل الظاهر منه الاعتماد عليها، مضافاً إلى أنّه إنّما تدلّ هذه النصوص على لزوم تمكين الجبهة لا سائر أجزاء بدن المُصلّي، فإذاً العمدة فيه هو الإجماع عليه، فلو تعذّرت الطمأنينة سقطت، ولا يسقط الذّكر لإطلاق دليله المقتصر في تقييده بالطمأنينة على القدر المتيقّن، الذي انعقد الإجماع عليه، وهو صورة التمكّن.

ص: 254


1- المبسوط: ج 1/110، تذكرة الفقهاء: ج 1/110، الرسائل العشر لابن فهد الحِلّي ص 81.
2- فقه الصادق: ج 7/68.
3- الخلاف: ج 1/359.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/312 ح 126، وسائل الشيعة: ج 6/353 ح 8166.
5- وسائل الشيعة: ج 5/472 ح 7094.

وأن يُسبِّح مرّةً واحدة، صورتها: سُبحانَ رَبّي الأعلى وبِحَمده.

الذّكر

الأمر الرابع: الذّكر.

والأقوى كفاية مطلقه، (و) أقلّ ما يُجزي للمختار (أن يُسبّح) تسبيحةً تامّة (مرّة واحدة، صورتها: سُبحان رَبّي الأعلى وبِحَمده).

أو يقول: سبُحان اللّه ثلاثاً، أو بقدر ذلك من سائر الأذكار.

أقول: والكلامُ فيه خلافاً واستدلالاً، ومختارنا هو الكلام في الرّكوع، إلّاأنّه في التسبيحة الكبرى يبدّل: (العظيم) ب (الأعلى) كما صُرّح به في جملةٍمن النصوص.

رفع الرأس منه

الأمر الخامس: رفع الرأس منه، بلا خلافٍ ، بل عن «الوسيلة»(1)، و «الغُنية»(2)، و «المنتهى»(3) وغيرها دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً الى توقّف صدق السّجدة الثانية، وإيجاد سائر أفعال الصَّلاة عليه - صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«وإذا رفعتَ رأسكَ من الرّكوع فأقم صُلبك حتّى ترجع مفاصلك، وإذا سجدتَ فاقعُد مثل ذلك»(4).

وفي صحيح حمّاد: «رفع رأسه من السّجود، فلمّا استويجالساًقال: اللّه أكبر»(5).

وفي النبويّ : «ثمّ اسجُدحتّيتطمئن ساجداً، ثمّ ارفَع رأسكَ حتّيتستوي قائماً»(6).

ص: 255


1- الوسيلة: ص 93.
2- غنية النزوع: ص 119.
3- منتهى المطلب: ج 1/288.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/325 ح 188، ولكن فيه (افعل مثل ذلك)، وسائل الشيعة: ج 5/465 ح 7085.
5- الكافي: ج 3/311 ح 8، الفقيه: ج 1/300 ح 915، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077، ورواه الشيخ أيضاً في التهذيب والاستبصار.
6- سنن ابن ماجة: ج 1/336-337 ح 1060، وبمعناه ما في سنن النسائي: ج 2/193 باب الاعتدال في الرّكوع، والسنن الكبرى للبيهقي: ج 2/122 باب (فرض الطمأنينة في الرّكوع والقيام منه والسّجود.. الخ)، وفيه بدل: (تستوي قائماً): (تعتدل قائماً).

وأنْ يَجْلُس بينهما مطمئنّاً. وأنْ يضعَ جَبهته على ما يصحّ السّجود عليه.

أنْ يجلس بينهما مُطمئنّاً

(و) الأمر السادس: (أنْ يجلس بينهما مُطمئنّاً)، إجماعاً حكاه جماعة(1).

ويشهد له:

1 - ما في صحيح حمّاد المتقدّم.

2 - وخبر إسحاق بن عمّار الحاكي لأوّل صلاة صلّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، عن الإمام الكاظم عليه السلام: «ثمّ قال له: يا محمّد اسجُد لربّك، فخَرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساجداً، فقال له: قُل «سُبحان ربّي الأعلى وبِحَمده»، ففعل ذلك ثلاثاً، فقال: استوِ جالساً يامحمّد ففعل»(2).

وأمّا خبر أبي بصير المتقدّم، فلا يدلّ عليه، لأنّ رجوع المفاصل غير الطمأنينة، وليس لازماً لها.

أنْ يَضعَ جَبهته على ما يصحّ السّجود عليه
اشارة

(و) الأمر السابع: (أنْ يَضعَ جَبهته على ما يصحّ السّجود عليه) من الأرض، أو ما نبت منها، وقد تقدّم الكلام فيه في بحث المكان، فراجع(3).

كما أنّه قد تقدّم هناك اعتبار طهارة محلّ وضع الجبهة، وكون ما يَسجدُ عليه ممّا تستقرّ الجَبهة عليه، فلا نُعيد.

***

ص: 256


1- غنية النزوع: ص 79، منتهى المطلب: ج 1/288، الحدائق الناضرة: ج 8/290.
2- الكافي باب النوادر: ج 3/483-486 ح 1 مع زيادة، علل الشرائع: ج 2/334، وسائل الشيعة: ج 5/468 ح 7087.
3- فقه الصادق: ج 6/326.
فروع:
وضع الجبهة على ما لا يَصحّ السّجود عليه

فروع:

الفرع الأوّل: لو وضع المصلّي جَبهته على ما لا يَصحّ السّجود عليه، يجبُ عليه الجَرّ، ولا يجوز رفعها، كما نصّ عليه غير واحدٍ من الأساطين(1).

وعن صاحب «الحدائق»(2): جواز الرفع، ونَسَبه الى الأصحاب.

ومستندُ الحكم: ما ذكره في مسألة السّجود على المرتفع، وهو أنّ وضع الجبهة على موضعٍ خاص:

إنْ كان من قيود السّجود المأمور بها، فمقتضى القاعدة جواز الرفع.

وإنْ كان من قيود الصَّلاة في حال السّجدة كالذِّكر، فلا يجوز.

وحيثُ أنّ الظاهر من الأدلّة، أنّ اعتبار كون المسجد أرضاً أو نباتها من قيود المسجد، الذي هو قوام السّجود، فمقتضى القاعدة جواز الرفع، لأنّه لا يلزم منه زيادة السّجود الصلاتي، الّتي هي موضوع البطلان، فما اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله(3) وقوّاه العلّامة الطباطبائي في منظومته(4) هو الأقوى .

أقول: ثمّ إنّه بناءً على المنع من الرفع، لو لم يتمكّن من الجَرّ، فهل يجوز الرفع أم لا؟

ص: 257


1- مستند الشيعة: ج 5/275.
2- الحدائق الناضرة: ج 8/287.
3- الحدائق الناضرة: ج 8/287.
4- حكاه عنه في الجواهر: ج 10/163، قوله: (ولقد أجاد العلّامة الطباطبائي بقوله: وليس بالزائد ما به يتمّ فرض ونفل في الصَّلاة فاستقم).

وجهان، اختار ثانيهما جملة من الأساطين كصاحب «الجواهر»(1)، والشيخ الأعظم قدس سره(2).

واستدلّ له في «الجواهر» (3) : بأنّه يستلزم زيادة السّجدة العمديّة، لعدم اندراج السّجود في الفرض في السّجدة السهويّة، لحصول القصد في كلٍّ منهما، إلّا أنّه سهى عمّا يجب حالها، أو يشترط في صحّتها، وإلّا لوجب التدارك مع السّهو عن الطمأنينة، ووضع أحد المساجد ونحوهما ممّا يعتبر في صحّة السّجود.

وفيه: إنّه لو كان وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه واجباً حال السّجدة، كان ما ذُكر تامّاً، لكنّه خلاف ظاهر الأدلّة.

وأمّا إنْ كان شرطاً في صحّة السّجود فلا يتمّ ، إذ السّجود الأوّل وقع غير مطابق للمأمور به، فلا يسقط أمره، ويجبُ تداركه بفعل السّجود ثانياً، وحيثُ إنّه كان الأوّل عن سهوٍ، فلا يقدح في صحّة الصَّلاة.

واستدلّ له الشيخ رحمه الله (4) : بأنّه إنْ كان شرطاً مطلقاً، فاللّازم الحكم ببطلان الصَّلاة في الفرض، لأنّه أخلَّ بشرط مطلق هو كالركن، ويلزم من تداركه زيادة سجدةٍ ، فهو كناسي الرّكوع إلى أن يسجد.

وإنْ لم يكن شرطاً مطلقاً، فحيثُ إنّه يلزم من تداركه زيادة سجدة، ولا دليل على وجوب تدارك الشرط معه، فلا يجوز الرفع.

وفيه: ما عرفت من أنّ السّجود الأوّل، لكونه غير مطابقٍ للمأمور به، يعدّ زيادةً في الصَّلاة، من غير فرقٍ بين أن يسجد ثانياً أو لم يسجد.3.

ص: 258


1- جواهر الكلام: ج 10/162.
2- كتاب الصَّلاة: ج 2/53.
3- جواهر الكلام: ج 10/162.
4- كتاب الصَّلاة: ج 2/53.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى وجوب الرفع في الفرض، ويؤيّده التوقيع المرويّ عن كتاب «الغيبة» و «احتجاج» الطبرسي، قالا:

«كتب محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدّسة، يسأل عن المُصلّي يكون في صلاة اللّيل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسّجادة، ويضع جبهته على مسحٍ أو نطع، فإذا رفع رأسه وَجَد السجّادة، هل يعتدّ بهذه السّجدة أم لا يعتدّ بها؟

فوقَّع عليه السلام: ما لم يستوِ جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة»(1).

***9.

ص: 259


1- الغيبة للطوسي: ص 378، الاحتجاج: ج 2/483، وسائل الشيعة: ج 6/354 ح 8169.
حكم الطين اللّاصق بالجَبهة

الفرع الثاني: لو لصق الطين بالجَبهة، وبعبارة اُخرى لو لم ينفصل ما يصحّ السّجود عليه عن الجَبهة.

فهل تصحّ صلاته كما عن «المنتهى»(1)، و «التحرير»(2)، و «الذكرى»(3)، بل قال الشيخ الأعظم رحمه الله(4): يظهر من اقتصار نسبة الخلاف الى «المبسوط»(5)، وفي «البيان»(6) و «الذكرى»(7) عدم الخلاف عن غيره، أم لا؟ وجهان:

استدلّ للثاني(8):

1 - بعدم صدق اسم تعدّد وضع الجبهة، المتوقّف عليه صدق السَّجدتين.

والظاهر أنّ مراد المستدلّ إنّه لا تتحقّق السّجدة إلّامع وضع الجبهة على المسجد، المنفصل عنها.

2 - وبأنّ المتبادر من الأمر بالسجود على ما يصحّ السّجود عليه، وضع جبهته المنفصلة عنه عليه.

ص: 260


1- منتهى المطلب: ج 1/251.
2- تحرير الأحكام: ج 1/34.
3- الذكرى : ص 159.
4- كتاب الصَّلاة: ج 2/41.
5- حكاه الشهيد عن ظاهر المبسوط كما في البيان: ص 88، ولم يتعرّض الشيخ لخصوص ذلك، ولكنّه قال في المبسوط: ج 1/112: (ولا يجوز السّجود على كور العمامة ولا على شيء هو لابسه، ولا على شيء من جوارحه مثل كفّه إلّاعند الضرورة).
6- البيان للشهيد الأوّل: ص 88.
7- الذكرى : ص 159.
8- وهو أحد الوجوه التي ذكرها السيّد الحكيم في المستمسك: ج 6/364.

3 - وبما عن الشيخ، بإسناده عن علي بن بجيل إنّه قال:

«رأيتُ جعفر بن محمّد عليه السلام كلّما سجدَ فرفع رأسه، أخذ الحَصى من جبهته فوضعه على الأرض»(1).

أقول: وفي الجميع نظر، إذ مجرّد التصاق الجَبهة بشيءٍ لا يكفي في صدق اسم الوضع، بل يعتبر فيه الاعتماد عليه، فلو رفع رأسه من السّجود، وكان المسجَد ملتصقاً بالجَبهة، لا تكون جبهته في هذه الحال موضوعة، فلو سَجَد ثانياً واعتمد عليه، صدق عليه اسم الوضع ثانياً، فصِدْق تعدّد الوضع المتوقّف عليه صِدق السَّجدتين، لا يتوقّف على انفصال الجبهة عن المسجَد.

أمّا التبادر فممنوعٌ ، وأمّا الخبر فلا يدلّ على اللّزوم، لكونه حكاية فعلٍ مجمل.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الصحّة، وعدم لزوم إزالة الطين الملتَصِق بالجَبهة للسّجود ثانياً.

***6.

ص: 261


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/271 ح 839، وسائل الشيعة: ج 6/373 ح 8216.
في حكم الجَبهة المندملة

الفرع الثالث: من كان بجبهته دمّلٌ أو غيره:

1 - إنْ أمكن سجوده على الموضع السليم، ولو بحفر حفيرةٍ ، وجبَ بلا خلافٍ .

ويشهد له: - مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على السّجود على الجَبهة - خبر مصادف:

«خرج بي دمّلٌ ، فكنتُ أسجد على جانبٍ ، فرأى أبو عبد اللّه عليه السلام أثره، فقال عليه السلام: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيعُ أن أسجد من أجل الدُّمل، فإنّما أسجد منحرفاً. فقال عليه السلام لي:

لا تفعل ذلك، ولكن احفر حفيرةً ، واجعَل الدُّمل في الحفيرة، حتّى تقع جبهتك على الأرض»(1).

2 - وإنْ لم يمكن ذلك، فإنْ تعذّر وضع أحد الجبينين أيضاً، سجد على ذقنه بلا خلافٍ .

بل عن «الخلاف»(2) وغيره(3) دعوى الإجماع عليه صريحاً وظاهراً.

ويشهد له:

1 - موثّق إسحاق بن عمّار، المرويّ عن «تفسير القمّي» عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قلت له: «رجلٌ بين عينيه قرحة، لا يستطيع أن يسجد؟

قال عليه السلام: يسجد ما بين طرف شعره، فإنْ لم يقدر، سَجَد على حاجبه الأيمن، فإنْ لم يقدر فَعَلى حاجبه الأيسر، فإنْ لم يقدر فعلى ذقنه.

ص: 262


1- الكافي: ج 3/333 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/359 ح 8182.
2- الخلاف: ج 1/419.
3- مجمع الفائدة: ج 2/265 (ذكره الأصحاب)، مدارك الأحكام: ج 3/417 (فهو قول علمائنا).

قلت: على ذقنه ؟ قال عليه السلام: نعم، أَما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جَلّ : يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (1).

2 - وخبر علي بن محمّد، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عمّن بجبهته عِلّة لا يقدر على السّجود عليها؟ قال عليه السلام: يضع ذقنه على الأرض، إنّ اللّه تعالى يقول: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (2).

وأمّا إنْ أمكن وضع أحد الجبينين، فالمشهور بين الأصحاب(3) تعيّن السّجود على أحدهما، بل عن جماعةٍ (4) نفي الخلاف عنه.

واستدلّ عليه:

1 - بأنّ الجبهة تشمل الجبينين، فما دلّ على أنّ السّجود عليها، يدلّ على تعيّن السّجود على أحدهما في المقام، إذ الدليل الدالّ على التقييد بما عداهما، يختصّ بحال الاختيار.

2 - وبما دلّ على الاكتفاء في السّجود بما بين قصاص الشعر إلى الحاجبين.

3 - وبموثّق إسحاق المتقدّم، بناءً على أنّ المراد من الحاجب هو الجبين.

وما دلّ على الاكتفاء بالسجود بما بين قَصّاص الشعر إلى الحاجبين، مسوقٌ لبيان التحديد الطولي.ن.

ص: 263


1- وسائل الشيعة: ج 6/360 ح 8184، تفسير القمّي: ج 2/30.
2- الكافي: ج 3/334 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/360 ح 8183.
3- مدارك الأحكام: ج 3/417، قوله: (قول علمائنا وأكثر العامّة).
4- حكاه المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 2/265 بقوله: (سجد على أحد الجبينين ذكره الأصحاب، بل يفهم عدم الخلاف في تقديمه على الذقن...) انتهى. إلّاأنّه استظهر قدس سره التخيير بين أحد الجبينين والسّجود على الذقن.

وإرادة الجَبين من الحاجب غير ظاهرة، بل الظاهر من الموثّق - لا سيّما بقرينة السؤال - إنّه عند تعذّر السّجدة على ما بين العينين، الّتي هي الأولى، يسجد على ما بين الحاجب والقصاص، الذي يكون داخلاً في الجبهة، وعليه فيحمل ما فيه الترتيب على الاستحباب.

فتحصّل: أنّ العمدة فيه الإجماعات المحكيّة، المعتضدة بعدم نقل الخلاف عن أحدٍ، وبها يقيّد إطلاق خبر علي بن محمّد المتقدّم، فتأمّل.

***

ص: 264

ويُستحبُّ التكبير له.

مستحبّات السّجود
اشارة

(يستحبّ ) فيه اُمور:

التكبير له

الأمر الأوّل: (التكبير له) أيّ للأخذ فيه، كما هو المشهور(1).

وتشهد له جملةٌ من النصوص: كصحيح زرارة أو حسنه عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إذا أردت أن تركع وتسجد، فارفع يديك وكبّر ثمّ اركع واسجد»(2).

وهو شاملٌ للسجدة الثانية كالأولى، ونحوه غيره.

والكلام في وجوبه ورفع اليد حاله، هو الكلام في تكبير الرّكوع، فراجع ما ذكرناه(3).

وهل يعتبر فيه أن يكبّر حال الانتصاب من الرّكوع قائماً أو قاعداً كما هو المشهور(4)، أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل:

1 - بصحيح حمّاد: «ثمّ كَبَّر عليه السلام وهو قائمٌ ورفع يديه حيال وجهه ثمّ سجد»(5).

وفيه: مضافاً إلى أنّه لا يصلح لتقييد المطلقات، كصحيح زرارة الوارد فيه قوله عليه السلام: «ثمّ ترفع يديك بالتكبير، وتَخرُّ ساجداً»(6).

ص: 265


1- مستند الشيعة: ج 5/280.
2- الكافي: ج 3/320 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/269 ح 8009.
3- صفحة 225 فى هذا المجلّد.
4- المعتبر: ج 2/210، منتهى المطلب: ج 1/288، مستند الشيعة: ج 5/281.
5- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.
6- الكافي: ج 3/319 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.

وعند رَفع الرأس منه.

2 - وصحيحه الآخر: «إذا أردت أن تسجدَ فارفع يديك بالتكبير، وخَرّ ساجداً»(1).

لكن يعارضه خبر المُعلّى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سمعتُه يقول: كان عَليٌّ بن الحسين عليهما السلام إذا هوى ساجداً انكبَّ وهو يُكبِّر»(2)، والجمع بينه وبين الصحيح يقتضي الحكم بالتخيير.

وأورد عليه: بإعراض الأصحاب عنه.

وفيه: إنّه يمكن أن يكون عدم عملهم به، لاعتقادهم عدم إمكان الجمع بينه وبين الصحيح، حيثُ أنّ الصحيح أرجح، فيقدّم لا للإعراض عنه.

التكبير عند رَفع الرأس منه

(و) الأمر الثاني: التكبير (عند رَفع الرأس منه).

ويشهد لاستحبابه عند رفع الرأس من السّجدة الاُولى؛ صحيح حمّاد: «ثمّ رَفَع رأسه من السّجود، فلمّا استوى جالساً، قال اللّه أكبر»(3).

وليس ظاهره اعتبار كونه بعد الجلوس مستوياً كي يوجب تقييد صحيح زرارة: «إذا أردت أن تركع وتسجد، فارفع يديك وكَبّر ثمّ اركع واسجد»(4).

كما يشهد لاستحبابه بعد الرفع من الثانية:

1 - ما في التوقيع المرويّ عن «الإحتجاج» و «الغيبة» للشيخ، قال عليه السلام: «فإنّه رُوي إذا رفع رأسه من السّجدة الثانية وكبّر، ثمّ جلس ثمّ قام»(5).

ص: 266


1- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/352 ح 6770.
2- الكافي: ج 3/336 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/383 ح 8246.
3- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.
4- الكافي: ج 3/320 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/296 ح 8009.
5- الاحتجاج: ج 2/483، الغيبة للطوسي ص 378، وسائل الشيعة: ج 6/362 ح 8192.

والسَّبقَ بيديه إلى الأرض.

2 - ومرسل «المصباح»(1): «رُوي أنّه إذا كَبّر للدّخول في فعلٍ من أفعال الصَّلاة، ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه، وللخروج عنه بعد الانفصال عنه».

السَّبق بيديه إلى الأرض

(و) الأمر الثالث: (السَّبق بيديه إلى الأرض) عند الهُويّ إلى السّجود.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «رأيتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يضعُ يديه قبل رُكبتيه إذا سجد»(2).

ومنها: صحيح زرارة، قال عليه السلام: «فإذا أردت أن تسجد، فارفع يديكَ بالتكبير، وخَرّ ساجداً، وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل رُكبتيك»(3).

ونحوهما غيرهما.

وظاهرها وإنْ كان الوجوب، إلّاأنّها تُحمل على الاستحباب، بقرينة موثّق أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس إذا صَلّى الرّجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه»(4)، وقريبٌ منه صحيح عبد الرحمن(5).

وعليه، فما عن الصدوق في «الأمالي»(6) من وجوبه ضعيفٌ .

ص: 267


1- حكاه المحقّق في المعتبر: ج 2/214 عن علم الهدى في المصباح.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/78 ح 59، وسائل الشيعة: ج 6/337 ح 8117.
3- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/461 ح 7079.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/78 ح 62، وسائل الشيعة: ج 6/338 ح 8121.
5- التهذيب: ج 2/300 ح 67، وسائل الشيعة: ج 6/337 ح 8119 قوله: (سألته عن الرّجل إذا ركع ثمّ رفع رأسه، أيبدأ فيضع يديه على الأرض أو ركبتيه ؟ قال: لا يضرّه بأيّ ذلك بدأ هو مقبول).
6- الأمالي للصدوق ص 643 المجلس 93، قوله: (ولا يجوز التكفير... ولا وضع الرّكبتين على الأرض في السّجود قبل اليدين).

والإرغام بالأنف.

الإرغام بالأنف

(و) الأمر الرابع: (الإرغام بالأنف) كما هو المشهور.

وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

وعن ظاهر الصدوق في «الفقيه»(2) و «الهداية»(3) القول بوجوبه، وهو الأقوى بحسب الروايات:

منها: موثّق عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: «قال عليّ عليه السلام: لا تُجزي صلاةٌ لا يصيبُ الأنف ما يصيب الجَبين»(4).

ومنها: مصحّح عبد اللّه بن المُغيرة، قال: «أخبرَني مَنْ سَمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

لا صلاة لمِن لم يُصِبْ أنفه ما يُصيب جبينه»(5).

وقيل: يتعيّن حملها على الاستحباب لوجوه:

1 - ما دلّ على أنّه سُنّة:

منها: صحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: السّجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والرّكبتين، والإبهامين من الرجلين، وترغم بأنفك

ص: 268


1- المعتبر: ج 2/212 قوله: (أمّا استحباب الإرغام فعليه علماؤنا).
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/300 باب وصف الصَّلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ح 915.
3- الهداية للشيخ الصدوق: ص 137.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/298 ح 58، وسائل الشيعة: ج 6/344 ح 8136.
5- الكافي: ج 3/333 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/345 ح 8139.

إرغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسُنّة من النبيّ صلى الله عليه و آله»(1).

ومنها: صحيح حمّاد، قال عليه السلام: «ووضع الأنف على الأرض سُنّة»(2).

2 - مادلّ على أنّ السّجودعلى سبعة أعظم: كصحيح زرارة المتقدّم، ونحوه غيره.

3 - خبرمحمّدبن مصادف: «إنّما السّجود على الجبهة، وليس على الأنف سجود»(3).

4 - الإجماع المحكيّ عن «الخلاف»(4)، و «الغُنية»(5)، و «المعتبر»(6)، و «التذكرة»(7)، وغيرها(8).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ السُنّة تُطلق على معنيين:

أحدهما: المندوب.

والثاني: ما كان فرضاً من النبيّ صلى الله عليه و آله في مقابل ماكان فرضاً في الكتاب.

ولو لم ندّع ظهورها في الثاني - لا سيّما عند المقابلة بالفرض، والتقييد ب (مِنَ النبيّ صلى الله عليه و آله) - فلا أقلّ من الإجمال، فلا تصلح النصوص المتضمّنة للسُنّة، لصرف ما يكون ظاهراً في الوجوب.ن.

ص: 269


1- تهذيب الأحكام: ج 2/299 ح 60، وسائل الشيعة: ج 6/343 ح 8134.
2- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/459 ح 7077.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/298 ح 56، وسائل الشيعة: ج 6/343 ح 8133.
4- الخلاف: ج 1/355.
5- غنية النزوع: ص 84 قوله: (والإرغام بالأنف في السّجود ولو بقول الإجماع).
6- المعتبر: ج 2/212، (وأمّا استحباب الإرغام فعليه علماؤنا).
7- تذكرة الفقهاء: ج 1/121. (ط. ق)
8- وقد أرسل استحباب ذلك غير واحد من الفقهاء إرسال المُسلَّمات، كالشهيد في مجمل كتبه، وكثير من المتأخّرين.

وأمّا الثاني: فلأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه النصوص، عدم كونه جزءً للسّجود، وهذا لا ينافي كونه واجباً آخراً وجزءً للصَّلاة.

ودعوى: إنّه على ذلك يكون الفرق بينه وبين السبعة المذكورة من جهتين:

إحداهما: إنّها مأخوذة في السّجدة دونه.

الثانية: إنّها من قبل اللّه تعالى ، وهو من قبل النبيّ صلى الله عليه و آله، مع أنّ الظاهر من النصوص المصرّحة بأنّه سُنّة من النبيّ صلى الله عليه و آله، عدم التفاوت بينه وبين سائر المساجد، إلّامن جهة أنّها فرض اللّه تعالى ، وهذا سُنّةٌ من النبيّ صلى الله عليه و آله.

مندفعة: بأنّ هذه النصوص بما أنّه لا مفهوم لها، وليست في مقام الحصر، فلا تدلّ على عدم الفرق بين الإرغام وسائر المساجد من غير الجهة المتضمّنة لها.

أمّا الثالث: فقد ظهر حكمه بما ذكرناه، مضافاً إلى احتمال إرادة عدم كون الإرغام ركناً في السّجود كالجَبهة، فيكون كسائر المساجد.

وأمّا الإجماع: فيمكن أنْ يكون لبعض ما سبق.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما ذهب إليه الصدوق، إلّاأنّ مخالفة الأعاظم والمحقّقين مشكلة، وطريقُ الاحتياط معلوم.

أقول: ولا يخفى أنّ العناوين المذكورة في النصوص، وإنْ هي مختلفة، ففي بعضها (الإرغام)، وفي آخر (السّجود على الأنف) وفي ثالثٍ (إصابة الأنف ما يُصيب الجبين)، إلّاأنّ الظاهر أنّ المراد واحد، لاجتماع الثلاثة في صحيح حمّاد.

في معنى الإرغام: ثمّ إنّ إرغام الأنف معناه وضعه على الرّغام وهو التراب، إلّا أنّ المحكيّ عن جماعةٍ من الفقهاء(1) التصريح بكفاية وضع الأنف على مطلق ما يصحّ السّجود عليه، وهو الأظهر:9.

ص: 270


1- مجمع الفائدة: ج 2/119 و 264 قوله: (وضع الأنف على ما يصحّ السّجود عليه)، مستند الشيعة: ج 5/289.

1 - لإطلاق موثّق عمّار، والمرسل المتقدّمين.

2 - ولما دلَّ على أنّ السّجود على الخُمرة مستحبٌّ .

3 - وما تضمّن مواظبتهم على استعمالها، وهي سجّادة صغيرة معمولة من السَّعف.

4 - كما أنّ المتبادر من الموثّق والمرسل اعتبار المماثلة بين ما يُسجَد عليه وما يصيبه الأنف، ممّا يصحّ السّجود عليه، فلاحظ.

ومقتضى إطلاق الأنف، عدم الفرق بين الطرف الأعلى والطرف الأسفل، كما هو المشهور(1).

وعن السيّد(2) والحِلّي(3) التخصيص بالأوّل، واستدلّ له بخبر عبد اللّه بن الفضل، عن أبيه: «إنّه دخل على الإمام الكاظم عليه السلام وكان يقرض اللّحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة السّجود»(4).

والعرنين: طرف الأنف الأعلى .

وفيه: إنّه لا يدلّ على تعيينه، كما لا يخفى .

وعن ابن الجُنيد(5): التخصيص بالثاني، واستدلّ بانصراف المطلقات إليه.

وفيه: إنّ انصرافها بدويٌ منشأه غلبة الوجود، فلا يعبأ به.).

ص: 271


1- ذخيرة المعاد: ج 2/287، الحدائق الناضرة: ج 8/298، مستند الشيعة: ج 5/291.
2- رسائل المرتضى: ج 3/32 قوله: (والإرغام بطرف الأنف ممّا يلي الحاجبين).
3- السرائر لابن إدريس: ج 1/225، (أحكام السّجود وواجباته) قوله: (والإرغام بطرف الأنف ممّا يلي الحاجبين).
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1/76، وسائل الشيعة: ج 6/377 ح 8227.
5- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة: ج 3/397 (ط. ج) قوله: وقال ابن الجُنيد: (يماس الأرض بطرف الأنف وحدبته إذا أمكن للرجل والمرأة).

والدُّعاء والتسبيح الزائد، والطمأنينة عقيب رفعه من الثانية.

الدُّعاء

(و) والأمر الخامس: (الدُّعاء) في السّجود.

ويشهد له:

1 - خبر عبد اللّه بن هلال، المرويّ عن «الكافي»: (شكوتُ إلى أبي عبد اللّه عليه السلام تفرّق أموالنا، وما دخل علينا.

فقال عليه السلام: عليك بالدُّعاء وأنتَ ساجد، فإنّ أقرب ما يكون العبدُ إلى اللّه تعالى هو ساجدٌ.

قلت: فادعو في الفريضة واُسمّي حاجتي ؟ فقال عليه السلام: نعم، قد فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

2 - وخبر زيد الشّحام، عن أبي جعفر عليه السلام: «اُدعُ في طلب الرزق في المكتوبة وأنتَ ساجد: يا خَير المسؤولين، ويا خير المُعطين، اُرزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذُو الفضل العظيم»(2).

التسبيح الزائد

(و) الأمر السادس: (التسبيح الزائد) على التسبيحة الُمجزية، على حسب ما عرفته في الرّكوع.

جِلْسة الإستراحة

(و) الأمر السابع: (الطُمأنينة عقيب رفعه من) السَّجدة (الثانية)، أيّ الجلوس عقيبها مطمئنّاً، ويُسمّى ذلك بجِلْسة الإستراحة، والمشهور بين

ص: 272


1- الكافي: ج 3/324 ح 11، وسائل الشيعة: ج 6/371 ح 8211.
2- الكافي: ج 2/551 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/372 ح 8212.

الأصحاب(1) استحبابها.

وعن السيّد(2) وظاهر جماعةٍ من القدماء كالصدوق(3) والإسكافي(4) وابن أبي عقيل(5): القول بوجوبها، ومالَ إليه كاشف اللّثام(6)، وقوّاه صاحب «الحدائق» رحمه الله(7)، لظاهر الأمر الوارد في موثّقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا رفعتَ رأسك من السّجدة الثانية من الرّكعة الاُولى، حين تُريد أن تقوم فاستوِ جالساً ثمّ قُم»(8).

وهي عمدة ما استدلّ به على الوجوب.

أقول: وأمّا الروايات الاُخر:

1 - الآمرة بالجلوس، المُعلّلة بأنّ من يفعل خلاف ذلك فهو من أهل الجفاء، كما في رواية الشيخ عن الأصبغ(9).

2 - أو بأنّه وقارُ المؤمن الخاشع لربّه، كما في الخبر عن زيد النرسي(10).8.

ص: 273


1- ذخيرة المعاد: ج 2/287 قوله: (واستحباب هذه الجلسة مذهب أكثر الأصحاب).
2- الانتصار: ص 150، فقد عبّر عن إيجاب السّجدة بأنّه مظنّ انفراد الإماميّة، ثمّ قال: (والحُجّة بعد إجماع الطائفة طريقة براءة الذمّة).
3- المقنع: ص 99.
4- نقل الشهيد في ذكرى الشيعة: ج 3/400 قول ابن الجُنيد بقوله: (وقال ابن الجُنيد: إذا رفع رأسه من السّجدة الثانية في الرّكعة الاُولى والثالثة حتّى تماس إلياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيراً ثمّ يقوم جاز ذلك)، وحكاه عنه في جواهر الكلام: ج 10/183.
5- نقل الشهيد في ذكرى الشيعة: ج 3/400 قول ابن أبي عقيل بقوله: (إذا أراد النهوض ألزم إلييه الأرض ثمّ نهض معتمداً على يديه)، وحكاه عنه في جواهر الكلام: ج 10/183.
6- كشف اللّثام: ج 1/230.
7- الحدائق الناضرة: ج 8/305.
8- تهذيب الأحكام: ج 2/82 ح 71، وسائل الشيعة: ج 6/346 ح 8144.
9- تهذيب الأحكام: ج 2/314 ح 133، وسائل الشيعة: ج 6/347 ح 8146.
10- المستدرك: ج 4/456 ح 5148.

3 - أو أنّه من توقير الصَّلاة.

4 - أو أنّ ذلك من فعلهم عليهم السلام، كما في خبر الأصبغ وأبي بصير(1).

5 - أو من فعل عَليٍّ عليه السلام.

فلاتدلّ على الوجوب، لو لم نقل بظهورها لأجل هذه التعليلات في الاستحباب.

وأمّا الموثّقة فهي معارضة بما رواه الشيخ عن زرارة، قال:

«رأيتُ أبا جعفر وأبا عبد اللّه عليهما السلام إذا رفعا رؤوسهما من السّجدة الثانية، نهضا ولم يجلسا»(2)، ومقتضى الجمع العرفي بينهما، حمل الأمر في الموثّقة على الاستحباب.

فإنْ قلت: إنّ الظاهر من خبر زرارة، بناؤهما على ذلك دائماً، وهو ينافي - مع مرجوحيّته الّتي لا ريب فيها صراحة الروايات المتعدّدة، بأنّ بناءهم على الجلوس قبل القيام، وعدّهم عليهم السلام التارك له من أهل الجفاء.

قلت: هذا لا يوجبُ الخدشة في سند الرواية ودلالتها، بل يصرف عن ظاهرها، وتُحمل على رؤية زرارة فعلهما في وقتٍ من الأوقات.

نعم، يمكن أن يورد عليه؛ بأنّ فعلهما عليهما السلام لعلّه كان في مورد التقيّة، فلا يدلّ على الجواز في غير موردها، فتأمّل.

ويمكن أن يستدلّ على الاستحباب: بما رواه الشيخ رحمه الله في «التهذيب»، عن رحيم، قال: «قلتُ لأبي الحسن الرضا عليه السلام: جُعِلْتُ فداك أراك إذا صلّيت فرفعتَ رأسك من السّجود في الرّكعة الاُولى والثالثة، فتستوي جالساً، ثمّ تقوم فنصنع كما تصنع ؟3.

ص: 274


1- تهذيب الأحكام: ج 2/314 ح 133، وسائل الشيعة: ج 6/347 ح 8146.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/83 ح 73، وسائل الشيعة: ج 6/346 ح 8143.

قال عليه السلام: لا تنظروا إلى ما أصنع أنا، اصنعوا ما تؤمرون»(1).

وهو يدلّ على عدم الوجوب، لأنّه يظهر منه أنّ بناء أصحابه عليه السلام لم يكن على الفعل، بل كانوا يتركونها، وهو عليه السلام قرّرهم على ذلك، وقال لا تنظروا إلى فعلنا، فإنّه أعمٌّ من الوجوب، اصنعوا ما تؤمرون، بمعنى أنّ فعلكم يكون على النحو الذي أمرتم به، فإنْ كان الأمر وجوبيّاً لا تتركوه ودأوموا على الفعل، وإنْ كان استحبابيّاً فانتم مخيّرون في الفعل والترك.

وعن «المنتهى»(2): إنّ المراد منه، لا تفعلوا ما تشاهدون على سبيل الوجوب، ولكن اصنعوا ما تؤمرون به، والأمر للوجوب.

أقول: وكيف كان، فهو يدلّ على أنّ جِلْسة الاستراحة كانت عند الراوي مستحبّة، فلمّا رأى التزامه عليه السلام بالفعل، توهّم وجوبها، فردعه عليه السلام عن توهّمه، وقرّر ما كان يراه من عدم الوجوب.

وبهذا البيان الذي ذكرناه يندفع ما عن جماعةٍ من المحقّقين رحمه الله(3) من حمل الرواية على التقيّة، بدعوى أنّه لا شُبهة في مرجوحيّة ترك الجلوس، فلم يكن أمرهم به وإلزامهم في هذا الخبر بموافقة ذلك الأمر، إلّالأجل التقيّة، فبقرينة هذه الرواية تُرفع اليد عن ظهور الموثّقة في الوجوب، وتُحمل على الاستحباب.

***4.

ص: 275


1- تهذيب الأحكام: ج 2/82 ح 72، وسائل الشيعة: ج 6/347 ح 8147.
2- منتهى المطلب: ج 1/291 (ط. ق).
3- الحدائق الناضرة: ج 8/304.

والدُّعاء بينهما، والقيام معتمداً على يديه سابقاً برفع رُكبتيه.

الدُّعاء بينهما

(و) الأمر الثامن: (الدُّعاء بينهما) بالمأثور، وهو ما في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإذا رفعتَ رأسك فقل بين السَّجدتين: اللّهُمَّ اغفر لي وارحمني وأجرني، وادفع عنّي، فإنّي لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقير، تبارك اللّه ربّ العالمين»(1).

الاستغفار بين السَّجدتين

الأمر التاسع: الاستغفار بين السَّجدتين، لما ورد في صحيح حمّاد المتقدّم:

«ثمّ رفع رأسه من السّجود، فلمّا استوى جالساً، قال: اللّه أكبر، وقال استغفر اللّه ربّي وأتوب إليه، ثمّ كبّر».

القيام معتمداً على يديه

(و) الأمر العاشر: (القيام معتمداً على يديه) لصحيح أبي بكر الحضرمي: «إذا قمتَ من الرّكعة، فاعتمد على كفّيك»(2).

أن يقوم سابقاً برفع ركبتيه

الأمر الحادي عشر: أن يقوم (سابقاً برفع ركبتيه) قبل يديه.

ويشهد له: - مضافاً الى الإجماع المحكيّ عن جماعةٍ (3) جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن مسلم، قال: «رأيتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه»(4) ونحوه غيره.

أن يصلّي على النبيّ وآله في السَّجدتين

الأمر الثاني عشر: أن يصلّي على النبيّ وآله في السَّجدتين، كما عرفته في الرّكوع.

أن يدعو بالمأثور حال النهوض إلى القيام

الأمر الثالث عشر: أن يدعو بالمأثور حال النهوض إلى القيام، ويدلّ عليه:

1 - صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمتَ من السّجود، قلتَ : اللّهُمَّ

ص: 276


1- الكافي: ج 3/321 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/339 ح 8124.
2- الكافي: ج 3/338 ح 10، وسائل الشيعة: ج 6/362 ح 8189.
3- منتهى المطلب: ج 1/291 (ط. ق).
4- تهذيب الأحكام: ج 2/78 ح 59، وسائل الشيعة: ج 6/337 ح 8117.

بحولكَ وقوّتك أقومُ وأقعد وأركعُ وأسجد»(1).

2 - صحيحه عنه عليه السلام: «اللّهُمَّ ربّي بحولك وقوّتك أقوم وأقعد، وإنْ شئتَ قلت:

وأركع وأسجد»(2).

3 - وفي خبر سعد الجلّاب، عنه عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يبرأ من القَدَريّة في كلّ ركعةٍ ، يقول: بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد»(3).

ونحوه ما في خبري الحَضْرميّ (4)، وأبي بصير(5)، وصحيح ابن مسلم(6).

التورّك في الجلوس بين السَّجدتين

الأمر الرابع عشر: التورّك في الجلوس بين السَّجدتين، وهو أنْ يجلس على فَخِذه الأيسر، جاعلاً ظهر القدم اليمنى في باطن اليسرى ، بلا خلافٍ ، وعن «التذكرة» دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: مافي صحيح حمّاد: «ثمّ قَعَد عليه السلام على فَخِذه الأيسر، قد وضع قدمه الأيمن على باطن قدمه الأيسر، وقال... الخ»(7) وقريبٌ منه خبر أبي بصير.

***

ص: 277


1- وسائل الشيعة: ج 6/362 ح 8190.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/86 ح 88، وسائل الشيعة: ج 6/361 ح 8185.
3- وسائل الشيعة: ج 6/362 ح 8191.
4- الكافي: ج 3/338 ح 10، وسائل الشيعة: ج 6/362 ح 8189.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/325 ح 188، وسائل الشيعة: ج 5/465 ح 7085.
6- الكافي: ج 3/338 ح 11، وسائل الشيعة: ج 6/361 ح 8187.
7- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/461 ح 7078.

ويُكره الإقعاء.

مكروهات السّجود
اشارة

(ويُكره) فيه اُمورٌ:

المكروه الأوّل: (الإقعاء) في الجلوس بين السَّجدتين، كما هو المشهور(1).

ويشهد له:

1 - موثّق أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تقع بين السَّجدتين إقعاءً »(2).

2 - ومضمر معاوية وابن مسلم، والحلبي المرويّ عن «الخلاف» أنّه عليه السلام قال:

«لا تقع الصلاة بين السَّجدتين كإقعاء الكلب»(3). ونحوهما غيرهما.

وظاهرها وإنْ كان المنع، إلّاأنّها تُحمل على الكراهة، جمعاً بينها وبين الخبر الصحيح الذي رواه زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام، إنّه قال:

«لا بأس بالإقعاء بين السَّجدتين، ولا ينبغي الإقعاء في التشهّد، إنّما التشهّد في الجلوس، وليس المُقعِي بجالس»(4).

ومصحّح ابن أبي عُمير، عن عمرو بن جميع، قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«لا بأس بالإقعاء في الصَّلاة بين السَّجدتين، وبين الرّكعة الاُولى والثانية، وبين الرّكعة الثالثة والرابعة، وإذا أجلسكَ الإمامُ في موضعٍ يجبُ أن تقوم فيه تتجافى ،

ص: 278


1- الخلاف: ج 1/360، تذكرة الفقهاء: ج 1/122 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 6/348 ح 8148.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/83 ح 74، وسائل الشيعة: ج 6/348 ح 8149.
4- وسائل الشيعة: ج 6/391 ح 8259.

ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين إلّامن علّةٍ ، لأنّ المُقْعِي ليس بجالس، إنّما جلس بعضه على بعضٍ ، والإقعاء أنْ يضع الرّجل إلييه على عقبيه في تشهّديه، فأمّا الأكل مقعياً، فلا بأس به، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أكل مُقعياً»(1).

وظاهر هذين الخبرين، المنع عن الإقعاء في التشهّد، كما عن الصدوق(2)والشيخ(3) الالتزام به، إذ - مضافاً إلى أنّه لا وجه لحمل النهي فيهما على الكراهة - يأبى عنه التفصيل ما بين السَّجدتين والتشهّد، بنفي البأس في الأوّل والنهي في الثاني، مع كراهة الإقعاء في الأوّل، ولأجل ذلك لو سُلّم ظهور (لا ينبغي) في الكراهة في نفسه، يتعيّن حمله على المنع، مع أنّ للمنع عن ظهوره فيها مجالاً واسعاً.

أقول: ولكن الظاهر تعيّن حمل النهي فيهما أيضاً على الكراهة، والتفصيل بين الموردين على شدّة الكراهة في الثاني، وخِفّتها في الأوّل، لظهور التعليل في صحيح زرارة: «وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك، ولا تكن قاعداً على الأرض، فيكون إنّما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء، في الكراهة».

معنى الإقعاء

والإقعاء على ما نُسِب إلى الفقهاء في «المعتبر»(4)، و «المنتهى»(5)، و «التذكرة»(6)

ص: 279


1- وسائل الشيعة: ج 6/349 ح 8153، معاني الأخبار: ص 300 ح 1.
2- المقنع ص 99، من لا يحضره الفقيه: ج 1/314.
3- الخلاف: ج 1/260.
4- المعتبر: ج 2/218.
5- منتهى المطلب: ج 1/291 (ط. ق).
6- تذكرة الفقهاء: ج 1/122 (ط. ق).

و «تاج العروس»(1) وغيرها(2)، هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض، ويجلس على عَقبيه.

وفسّره اللّغويون(3): بأن يَجلس على إليتيه، وينصب ساقيه، ويتساندإليظهره.

والظاهر أنّ المنهي عنه هو المعنى الأوّل دون الثاني، وذلك لوجوه:

1 - اتّفاق الفقهاء عليه على ما حُكي.

2 - ما ورد في ذيل مصحّح ابن أبي عُمير المتقدّم من تفسيره به.

3 - التعليل في صحيح زرارة وغيره بأنّ المُقْعِي ليس بجالسٍ ، وإنّما قعد بعضه على بعض.

4 - مرسل حريز: «لا تَقْعِ على قدميك»، إذ الإقعاء على القدمين يناسب هذا المعنى دون الثاني.

5 - أنّ الظاهر ورود هذه النصوص ردّاً على العامّة، حيث إنّهم يرون استحبابه بهذا المعنى.

أقول: ولا يخفى أنّ بعض هذه الوجوه، وإنْ كان في نفسه لا يدلّ على تعيّن إرادة هذا المعنى منه، إلّاأنّ ملاحظة مجموعها توجب الاطمئنان بإرادته منها دون المعنى الثاني، وما تضمّن تشبيهه بإقعاء الكلب لا يكون ظاهراً في المعنى اللّغوي، إذ المعنى المنسوب إلى الفقهاء أشبه به من المعنى المذكور، إذ الكلبُ يفترش ساقيه وفَخِذيه كما عن «الجواهر»(4).3.

ص: 280


1- تاج العروس: ج 6/554.
2- حكاه الشهيد في ذكرى الشيعة: ج 3/269 (ط. ج) عن بعض الأصحاب/ وحكاه غير واحد عن المعتبر كالشهيد الثاني وصاحب المدارك وغيرهما.
3- القاموس: ص 307.
4- جواهر الكلام: ج 10/193.

وعليه، فما اختاره في «المستند»(1) من كراهة الإقعاء بالمعنى الثاني أيضاً، واستدلّ له بما تضمّن تشبيهه بإقعاء الكلب، ضعيفٌ .

المكروه الثاني: نفخ موضع السّجود، كما نُسِب إلى المشهور، بل عن «المنتهى»(2) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له جملةٌ من النصوص: كصحيح ابن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«قلتُ له: الرَّجل ينفخ في الصَّلاة موضع جبهته ؟ قال عليه السلام لا»(3). ونحوه غيره المحمول كلّها على الكراهة، للإجماع على عدم المنع عنه، ولما في صحيح ليث: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يُصلّي فينفخ في موضع جبهته ؟ فقال عليه السلام: ليس به بأس، إنّما يكره ذلك أن يؤذي من إلى جانبه»(4).

وظاهره عدم الكراهة من جهة الصَّلاة، واختصاصها بما إذا كان إلى جانبه من يؤذيه ذلك، وبه يخصّص إطلاق ما تضمّن النهي عنه فيها، فتأمّل.

المكروه الثالث: عدم رفع اليدين من الأرض بين السَّجدتين، لما عن جامع البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يسجد، ثمّ لا يرفع يديه من الأرض، بل يسجد الثانية، هل يصلح له ذلك ؟

قال عليه السلام: ذلك نقصٌ في صلاته»(5). المحمول على الكراهة للإجماع على عدم المنع.

المكروه الرابع: قراءة القران في السّجود لخبر السكوني: «سبعةٌ لا يقرأون7.

ص: 281


1- مستند الشيعة: ج 5/303.
2- منتهى المطلب: ج 1/291. (ط. ق)
3- الكافي: ج 3/334 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/350 ح 8155.
4- وسائل الشيعة: ج 6/351 ح 8160.
5- وسائل الشيعة: ج 6/383 ح 8247.

القران: الراكع، والساجد... الخ»(1).

وخبر القاسم بن سلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «إنّي قد نهيتُ عن القراءة في الرّكوع والسّجود، فأمّا الرّكوع فعظّموا اللّه تعالى فيه، وأمّا السّجود فأكثروا فيه الدُّعاء»(2).

ونحوهما غيرهما.

***4.

ص: 282


1- وسائل الشيعة: ج 6/246 ح 7854.
2- وسائل الشيعة: ج 6/309 ح 8044.
سجودُ العَزيمة
اشارة

خاتمة: يجبُ السّجود على مَنْ قرأ إحدى آياته الأربع، في السّور الأربع الّتي تُسمّى بالعزائم بلا خلافٍ .

بل عن جماعةٍ كثيرة، كالشيخ(1)، والمصنّف رحمه الله(2)، والشهيد(3)، وغيرهم(4)دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: يقرأ الرّجل السّجدة وهو على غير وضوء؟

قال عليه السلام: يسجد إذا كانت من العزائم»(5).

ومنها: صحيح ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرّجل يُعلَّم السّورة من العزائم، فتعادُ عليه مراراً في المقعد الواحد؟

قال عليه السلام: عليه أن يسجد كلّما سَمِعها، وعلى الّذي يُعلّمه أيضاً أن يسجد»(6).

ونحوهما غيرهما.

وكذا يجبُ على المستمِع لها بلا خلافٍ (7)، ويشهد له صحيح ابن مسلم المتقدّم،

ص: 283


1- الخلاف: ج 1/431.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/123. (ط. ق)
3- الذكرى : ص 214.
4- زبدة البيان: ص 132.
5- وسائل الشيعة: ج 6/241 ح 7839.
6- تهذيب الأحكام: ج 2/293 ح 35، وسائل الشيعة: ج 6/245 ح 7850.
7- مختلف الشيعة: ج 2/168.

وغيره كما سيمرّ عليك.

أقول: وما يظهر من بعض النصوص:

1 - من عدم وجوب السجدة على المستمع إمّا مطلقاً، كموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يُصلّي مع قومٍ لا يقتدي بهم، فيُصلّي لنفسه، وربما قرأوا آيةً من العزائم، فلا يسجدون فيها كيف يصنع ؟ قال عليه السلام: لا يسجد»(1).

2 - أو في بعض الأوقات، كموثّقه الآخر، عنه عليه السلام:

«في الرّجل يسمعُ السّجدة في الساعة الّتي لا تستقيم الصَّلاة فيها قبل الغروب الشّمس وبعد صلاة الفجر؟ فقال عليه السلام: لا يسجد»(2).

لا يعتمد عليه، لعدم القائل بمضمونه، فيتعيّن حمل هذه النصوص على التقيّة أو غيرها، كي لا تنافي ما سبق.

وبالجملة: وجوبه على القارئ والمستمع ممّا لا خلاف فيه ولا كلام.

إنّما الخلاف في وجوبه على السّامع:

1 - فعن الأكثر(3): وجوبه عليه.

2 - وعن جماعةٍ منهم المحقّق(4)، والمصنّف(5): العدم.

واستدلّ للأوّل: بإطلاق جملةٍ من النصوص، كخبر أبي بصير، عن أبي).

ص: 284


1- تهذيب الأحكام: ج 2/293 ح 33، وسائل الشيعة: ج 6/103 ح 7458.
2- وسائل الشيعة: ج 6/243 ح 7845.
3- مختلف الشيعة: ج 2/168 قوله: (ابن الجُنيد وابن إدريس ونقله أصحابنا).
4- شرائع الإسلام: ج 1/69.
5- منتهى المطلب: ج 1/302. (ط. ق) قوله: (فعندي فيه تردّد وأحوطه الوجوب).

عبداللّه عليه السلام: «إذا قُرئ شيءٌ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، وإنْ كنتَ على غير وضوء»(1).

وصحيح ابن مسلم المتقدّم، ونحوهما غيرهما.

وفيه: إنّه يتعيّن صرفها عن ظاهرها في خصوص السّامع؛ لصحيح ابن سنان، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ سَمع سجدةً تُقرأ؟

قال عليه السلام: لا يسجد، إلّاأنْ يكون مُنصتاً لقراءته، مستمعاً لها، أو تُصلّي بصلاته، فأمّا أنْ يكون يُصلّي في ناحيةٍ اُخرى ، وأنتَ تُصلّي في ناحية اُخرى ، فلا تسجد لما سمعت»(2).

وقد أورد عليه الشهيد(3) بأمرين:

الأوّل: ضعف السند، لأنّ في الطريق محمّد بن عيسى عن يونس، وقال ابن الوليد - شيخ ابن بابويه - لا يعتمد على ما تفرّد به محمّد بن عيسى عن يونس.

الثاني: إنّه يتضمّن وجوب السّجدة إذا صَلّى بصلاة التالي بها، وهو غير مستقيمٍ عندنا، إذ لا يُقرأ في الفريضة على الأصحّ ، ولا يجوز الاقتداء في صلاة النافلة.

أقول: وفي كليهما نظر:

أمّا الخدشة في السّند: فيدفعها:

أوّلاً: تصريح الصدوق بأنّ الأصحاب يُنكرون قول ابن الوليد، ويقولون مَنْ 4.

ص: 285


1- الكافي: ج 3/318 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/240 ح 7835.
2- الكافي: ج 3/318 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/242 ح 7844.
3- الذكرى : ص 214.

مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى ؟!.

وثانياً: إنّ الخدشة في الصحيحة المعمول بها بين الأصحاب لا يُلتفت إليها.

وأمّا المناقشة في دلالته: فمندفعة بأنّ تضمّن الخبر لما لا نقول به، لا يُنافي حجيّته في غيره.

ومنه يظهر اندفاع ما أُورد عليه بأنّ ظاهره التفصيل بين المأموم السامع وغيره، ولم يقل به أحدٌ.

ثمّ إنّ الصحيح لوروده مورد توهّم الوجوب، لا يستفاد منه إلّاعدم وجوبه على السّامع، فالجمع بينه وبين النصوص المتقدّمة، الظاهرة في الوجوب، يقتضي حملها على الاستحباب.

وبالجملة: وممّا ذكرناه ظهر أنّه لا وجه لتقييد إطلاق النصوص، كي يترتّب عليه عدم الدليل على استحبابه للسامع، فيتمسّك بالاتّفاق له.

***

ص: 286

أحكام سجود التلاوة
اشارة

فروع:

لا يجبُ السّجود بقراءة بعض الآية أو استماعه

الفرع الأوّل: لا يجبُ السّجود بقراءة بعض الآية أو استماعه، ولو لفظ السّجدة منها، لعدم الدليل عليه. فالمرجع إلى الأصل، وهو يقتضي العدم.

ودعوى:(1) أنّ الأمر عُلّق على سماع السّجدة أو قراءتها، والمتبادر منها لفظ (السّجدة) لا تمام الآية.

مندفعة: بأنّ السّجدة في الأخبار إشارة إلى الآيات المعهودة الّتي قد يُعبّر عنها بالعزائم، وقد يُعبّر بالسّجدة.

ويدلّ على ما ذكرناه ما ورد في بعض الأخبار من قوله عليه السلام:

«فإنْ كانت - أيّ السّجدة - في آخر السّورة فليسجد، ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب»(2).

مع أنّ لفظ (السّجدة) ليس في شيءٍ من العزائم في آخر السّورة، كما هو واضح، فلا يجب السّجود الا بقراءة تمام الآية أو استماعها، مضافاً إلى أنّه لا إطلاق للنصوص كي يُتمسّك به، لورودها في مقام بيان حكمٍ آخر.

لو تحقّق الموجب فسجد، ثمّ تحقّق فردٌ آخر تجبُ سجدةً اُخرى

الفرع الثاني: لو تحقّق الموجب فسجد، ثمّ تحقّق فردٌ آخر تجبُ سجدةً اُخرى ، لأنّه مضافاً إلى أنّه مقتضى لزوم السّجدة عقيب هذه الموجبات، يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

ص: 287


1- الحدائق الناضرة: ج 8/335.
2- الكافي: ج 3/318 ح 5، وسائل الشيعة: ج 6/102 ح 7454.

«سألته عن الرّجل يعلم السّورة من العزائم، فيعاد عليه مراراً في المقعد الواحد؟

قال عليه السلام: عليه أن يسجد كلّما سمعها، وعلى الذي يعلّمه أيضاً أن يسجد»(1).

بحثٌ : هل تتعدد السّجدة بتعدّد الموجب، إذا أخَّر المستمع أو القارئ السّجدة، ولم يسجد بعد الموجب الأوّل عصياناً أو نسياناً أم لا؟ وجهان:

مقتضى القاعدة هو الأوّل، لما حقّقناه في محلّه من أصالة عدم تداخل الأسباب.

وما أورده صاحب «الحدائق» على هذا الأصل(2) من إنّ النصوص الكثيرة الدالّة على أنّه (إذا اجتمَعتْ عليك حقوق أجزأكَ منها حقٌّ واحد) تُبطل هذا الأصل في غير محلّه، إذ مضافاً إلى أنّ تلك النصوص إنّما وردت في موردٍ خاص، فالتعدّي عنه يحتاج إلى دليل مفقود، إنّها إنّما تدلّ على الإجزاء بفعل واحد بعد اجتماع حقوق متعدّدة، وإنّه لا يجب امتثال كلّ منها بإيجاد فردٍ مغاير لما يتحقّق به امتثال الآخر، الذي يعبّر عنه بتداخل المسبّبات، لا عدم تأثير الأسباب إلّاأثراً واحداً، فعلى فرض التعدّي إنّها تُبطل أصالة عدم تداخل المسبّبات، ولكن بما أنّ المختار عدم تداخل(3) الأسباب والمسبّبات، فمقتضى القاعدة في المقام تكرار السّجود مع تكرار القراءة أو السماع، ويشير إليه صحيح ابن مسلم المتقدّم، فتأمّل.

وجوب السّجدة فوري

الفرع الثالث: المشهور بين الأصحاب أنّ وجوب السّجدة فوري، بل عن غير واحدٍ(4) دعوى الإجماع عليه.

ص: 288


1- تهذيب الأحكام: ج 2/293 ح 35، وسائل الشيعة: ج 6/245 ح 7850.
2- الحدائق الناضرة: ج 8/341.
3- قد بنينا أخيراً على أصالة التداخل، ممّا يعني كفاية السّجدة الواحدة في هذا الفرض. (منه دام ظلّه).
4- جامع المقاصد: ج 2/313.

ويشهد له:

1 - ما تضمّن الأمر بالإيماء لو سَمع السّجدة في الصَّلاة.

2 - وما دلّ على أنّ علّة المنع عن قراءة العزائم في الفريضة، أنّها تستلزم زيادة السّجود فيها.

ولو تركها نسياناً أو عصياناً لا تسقط إجماعاً(1)، ويشهد له استصحاب الوجوب، وصحيح ابن مسلم، قال عليه السلام: «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم»(2)، وهو وإنْ كان مورده النسيان، إلّاأنّه يستفاد منه حكم صورة الترك عصياناً أيضاً، إذ المستفاد منه أنّ الفوريّة مطلوبة بالاستقلال، وليست من قيود المطلوب.

من سمع السّجدة في الصَّلاة أومأ للسّجود

الفرع الرابع: من سمع السّجدة في الصَّلاة أومأ للسّجود، لخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الرّجل يكون في صلاةٍ فيقرأ آخر السَّجدة ؟

قال عليه السلام: يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم، إلّاأن تكون في فريضة فيؤمي برأسه إيماءً »(3).

وقد تقدّم تفصيل القول في ذلك في مبحث القراءة، في مسألة قراءة العزائم، فراجع(4).

ما يعتبر في سجود التّلاوة

الفرع الخامس: تعتبر في هذا السّجود اُمورٌ:

الأمر الأوّل: النيّة، لأنّه عبادة، فيدلّ على اعتبارها فيه ما دلّ على اعتبارها

ص: 289


1- مدارك الأحكام: ج 3/421.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/292 ح 32، وسائل الشيعة: ج 6/104 ح 7459.
3- وسائل الشيعة: ج 6/243 ح 7847.
4- صفحة 172 فى هذا المجلّد.

فيها، كما عرفت في مبحث النيّة(1).

الأمر الثاني: إباحة المكان كسجدة الصَّلاة لوحدة المناط، وهو امتناع الأمر والنهي فيما كان التركيب بين المأمور به والمنهي عنه اتّحاديّاً.

الأمر الثالث: وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه، لإطلاق قوله عليه السلام في صحيح هشام: «السّجود لا يجوزُ إلّاعلى الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلّاما اُكل أو لُبس»(2)، ونحوه غيره.

ودعوى: معهوديّة السّجود في الصَّلاة، وملحوظيّة خصوصيّة المسجد فيه في الشريعة صارفة للمطلقات إلى إرادته في سجود الصَّلاة، ممنوعة.

الأمر الرابع: عدم عُلوّ المسجد بما يزيد من لَبِنة لإطلاق ما دلّ عليه.

أقول: وفي وجوب الذّكر فيه وجهان: أقواهما الأوّل، ويشهد له:

1 - موثّق عمّار: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: ليس فيها تكبيرٌ إذا سجدتَ ، ولا إذا قمتَ ، ولكن إذا سجدتَ قلت ما تقولُ في السّجود»(3).

2 - والمرسل المرويّ عن «دعائم الإسلام»: «ويدعو في سجوده بما تيسّر من الدُّعاء»(4).

وظاهرهما وجوب مطلق الذّكر، وعدم وجوب ذكرٍ مخصوص، فيُجمَع بينهما وبين ما تضمّن الأمر بأذكار خاصّةٍ ، بحمله على الاستحباب.5.

ص: 290


1- فقه الصادق: ج 7/8.
2- الفقيه: ج 1/272 ح 843، وسائل الشيعة: ج 5/343 ح 6740.
3- وسائل الشيعة: ج 6/246 ح 7853.
4- المستدرك: ج 4/318 ح (4777) 2، دعائم الإسلام: ج 1/215.

وبما ذكرناه يظهر ضعف ما ذكره بعض المحقّقين(1) من أنّ الأمر في جميع نصوص الباب يدور بين الحمل على الوجوب المقطوع بعدمه، والحمل على الوجوب التخييري البعيد جدّاً عن سياق كلّ واحد، فيتعيّن الحمل على الاستحباب.

ودعوى: إنّه للإجماع(2) على عدم وجوب الذّكر، يُحمل الخبران أيضاًعلى الأفضليّة.

مندفعة: بأنّ جماعة من أصحابنا، لم يتعرّضوا في كتبهم للذِّكر والدُّعاء، كالنهاية و «التهذيب» و «الاستبصار» و «المبسوط» وغيرها، وجماعة منهم وقع في كلامهم الأمر به.

أقول: ولا يعتبر فيه ما يعتبر في سجود الصَّلاة، غير ما مرّ للأصل، وصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يقرأ السّجدة وهو على ظهر دابّته ؟

قال عليه السلام: يسجد حيث توجّهت به، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يُصلّي على ناقته وهو مستقبل المدينة، يقول اللّه عزّ وجلّ : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّهِ »(3).

وإنْ كان يُشعِر باعتبار الاستقبال فيه، بقرينة التعليل، إلّاأنّه لا يستفاد منه بعد التأمّل أزيد من الرجحان، إذ يكفي في صحّة التعليل ذلك، فلاحظ.

كما أنّ جملةً من النصوص وإنْ كان ظاهرها اعتبار الطهارة من حَدَث الحيض، كصحيح عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدةً إذا سمعت السّجدة ؟ قال عليه السلام: تقرأ ولا تسجد»(4).1.

ص: 291


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 6/426.
2- مستند الشيعة: ج 5/322.
3- وسائل الشيعة: ج 6/248 ح 7857، علل الشرائع: ج 2/358.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/292 ح 28، وسائل الشيعة: ج 2/341 ح 2311.

وفي «الاستبصار»: «لا تقرأ ولا تسجد»(1)، ونحوه غيره.

إلّا أنّه يتعيّن حملها على الرّخصة في الترك، أو طرحها، لصراحة طائفة من النصوص في عدم اعتبارها، كخبر أبي بصير المرويّ في «الكافي» و «التهذيب»: «إذا قُرئ شيءٌ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، وإنْ كنتَ على غير وضوءٍ ، وإنْ كنتَ جُنُباً، وإنْ كانتِ المرأة لا تُصلّي»(2).

وفي موثّقه الآخر: «والحائض تسجدُ إذا سمعت السّجدة»(3).

فإنّه إنْ أمكن الجمع بحملهما على الاستحباب فهو المتعيّن، وإلّا فحيث أنّ الترجيح - وهو الأشهريّة ومخالفة العامّة - للخبرين، فيقدّمان على تلك النصوص.

ثمّ إنّ الظاهر من جملةٍ من النصوص، وجوب التكبير حين رفع الرأس من سجدتها، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قرأتَ شيئاً من العزائم الّتي يُسجد فيها، فلا تكبّر قبل سجودك، ولكن تُكبّر حين ترفع رأسك»(4). ونحوه غيره.

إلّا أنّه يتعيّن حملها على الاستحباب، جمعاً بينهما وبين موثّق عمّار:

«إنّه سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل إذا قرأ العزائم، كيف يصنع ؟

قال عليه السلام: ليس فيها تكبيرٌ إذا سجدتَ ، ولا إذا قُمتَ ، ولكن إذا سجدتَ قلت ما تقول في السّجود»(5).

***3.

ص: 292


1- الاستبصار: ج 1/320 ح 2.
2- الكافي: ج 3/318 ح 2، التهذيب: ج 2/291 ح 27، وسائل الشيعة: ج 6/240 ح 7835.
3- الكافي: ج 3/318 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/103 ح 7457.
4- الكافي: ج 3/317 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/239 ح 7834.
5- وسائل الشيعة: ج 6/246 ح 7853.
السابع: التشهّد
اشارة

السابع: التشهّد:

ويجبُ في كلّ ثنائيّةٍ مرّة، وفي الثلاثيّة والرباعيّة مرّتان.

في التشهّد

الواجب (السّابع) من واجبات الصَّلاة: (التشهّد).

وهو (يجبُ في كلّ ثنائيّةٍ مرّة) بعد رفع الرأس من السّجدة الثانية من الرّكعة الثانية، (وفي الثلاثية والرباعيّة مرّتان) الاُولى كما ذُكر، والثانية بعد رفع الرأس من الرّكعة الأخيرة بلا خلافٍ .

بل عن جماعةٍ كثيرة(1): دعوى الإجماع عليه.

بل عن «الأمالي»(2): إنّه من دين الإماميّة.

وتشهد له: مضافاً إلى فعل النبيّ صلى الله عليه و آله في بيان الواجب، وأمره به، رواياتٌ كثيرة ستجيء في غضون هذا الباب، كذا في «المدارك»(3).

ودعوى: إنّه يظهر من جملةٍ من النصوص، عدم كونه من واجبات الصَّلاة، وكونه مستحبّاً:

منها: موثّق عبيد بن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يُحدث بعدما يرفع رأسه من السّجود الأخير؟

ص: 293


1- المعتبر: ج 2/221 قوله: (وهو مذهب علمائنا أجمع)، مدارك الأحكام: ج 3/425.
2- الأمالي للصدوق: ص 738 حيث تحدّث عن التشهّد في ضمن حديثه عن المعتقدات والعبادات التي هي من دين الإماميّة (مجلس: 13 شعبان 368).
3- مدارك الأحكام: ج 3/425.

فقال عليه السلام: تمّت صلاته وإنّما التشهّد سُنّة في الصَّلاة، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد»(1). ونحوه غيره.

مندفعة: بأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه النصوص، عدم قادحيّة الحَدَث في الصورة المفروضة، وهي صورة الاضطرار، لا عدم وجوبه، وسيأتي إنْ شاء اللّه تعالى في المبطلات التعرّض لهذه المسألة، فانتظر.

***5.

ص: 294


1- تهذيب الأحكام: ج 2/318 ح 156، وسائل الشيعة: ج 6/411 ح 8305.

ويجبُ فيه الجلوس بقدره والشّهادتان.

واجبات التشهّد

(ويجبُ فيه) اُمور:

الأمر الأوّل: (الجلوس بقدره) أي ما دام متشاغلاً بالتشهّد إجماعاً، كما في «المدارك»(1).

وتشهد له: أخبارٌ مستفيضه:

منها: صحيح محمّد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام التشهّد في الصَّلاة ؟ قال: مرّتين.

قلت: كيف مرّتين ؟ قال عليه السلام: إذا استويتَ جالساً، فقُل: أشهد أن لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله ثمّ تنصرف»(2). ونحوه غيره.

الأمر الثاني: الطمأنينة فيه، للإجماع المحكيّ عن «جامع المقاصد»(3)و «المفاتيح»(4) وغيرهما(5).

(و) الأمر الثالث: (الشهادتان) بلا خلافٍ ، بل عن «الغُنية»(6) و «التذكرة»(7)

ص: 295


1- مدارك الأحكام: ج 3/425.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/101 ح 147، وسائل الشيعة: ج 6/397 ح 8275.
3- جامع المقاصد: ج 2/320.
4- حكاه عنه السيِّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 7/312، وفي هامشه: (مفتاح الشرائع: ج 1/139).
5- ككشف اللّثام: ج 4/73. ونفى عنه الخلاف في المدارك: ج 3/389.
6- غنية النزوع: ص 80.
7- تذكرة الفقهاء: ج 1/125 (ط. ق)

و «مجمع البرهان»(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص، كخبر سورة بن كلب المرويّ في «الكافي»:

«سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التشهّد؟ فقال عليه السلام: الشهادتان»(2)وصحيح محمّد المتقدّم، وغيرهما.

وعن «المقنع»(3): (أقلّ ما يجزي في التشهّد أن تقول الشهادتين، أو بسم اللّه وباللّه، ثمّ تُسلِّم»، واستدلّ له بصحيح الفضلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ طويل حاكٍ لصلاة النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج: «فألهمني اللّه تعالى أن قلتُ بسم اللّه وباللّه ولا إله إلّا اللّه، والأسماء الحسنى كلّها للّه، فقال: يا محمّد صَلِّ عليك وعلى أهل بيتك»(4).

وفيه: - مضافاً إلى أنّه لا يطابق الدّعوى، لإعراض الأصحاب عنه - لا مجال للاعتماد عليه، ومنه يظهر ما في خبر بكر بن حبيب: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن التشهّد، فقال: لو كان كما يقولون واجباً على النّاس هلكوا، إنّما كان القوم يقولون أيسرَ ما يعلمون، إذا حَمَدتَ اللّه أجزأ عنك»(5). ونحوه خبره الآخر(6).

وخبر حبيب الخَثْعمي(7)، مع احتمال ورودها لنفي وجوب التحيّات والأذكار والأدعية المقترنة بالشهادتين.

وعن الجُعفي: الاجتزاء بشهادة واحدة، واستدلّ له بصحيح زرارة، قال:9.

ص: 296


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 2/274.
2- الكافي: ج 3/337 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/398 ح 8277.
3- المقنع: ص 96.
4- وسائل الشيعة: ج 5/468 ح 7086، علل الشرائع: ج 2/216.
5- الكافي: ج 3/337 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/399 ح 8280.
6- الكافي: ج 3/337 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/399 ح 8278.
7- وسائل الشيعة: ج 6/399 ح 8279.

والصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله.

«قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: ما يُجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأولتين ؟ قال عليه السلام: أن تقول أشهدُ أن لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، الحديث»(1).

ولكنّه لعدم العمل به يُطرح، أو يُحمل على التقيّة، مع عدم مطابقته لدعواه.

(و) الأمر الرابع: (الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله) في التشهّدين.

ويدلّ عليه: مضافاً إلى الإجماعات المنقولة المستفيضة(2)، بل الإجماع المحصّل:

1 - ما عن الشيخ بإسناده عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز، عن أبي بصير وزرارة جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:

«مِنْ تمام الصَّوم إعطاء الزّكاة، كما أنّ الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله من تمام الصَّلاة، ومَنْ صام ولم يؤدّها فلا صوم له، إذا تركها متعمّداً، ومَنْ صلّى ولم يُصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله وترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له، إنّ اللّه تعالى بدأ بها، فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى »(3).

ومقتضى التشبيه كون الحكم في المشبه به مفروغاً عنه مسلّماً.

وحمل الحكم في المشبّه على المبالغة، بواسطة الروايات الدالّة على عدم بطلان الصوم بعدم إعطاء الزكاة، لا يوجب وهناً في دلالته على المدّعى.

وعليه، فما عن جملةٍ من المحقّقين(4)، من أنّه على خلاف المطلوب أدلّ ، لأنّ مقتضى التشبيه عدم بطلان الصَّلاة بتركها، ضعيفٌ .8.

ص: 297


1- الاستبصار: ج 1/341 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/396 ح 8272.
2- غنية النزوع: ص 80، منتهى المطلب: ج 1/293 (ط. ق).
3- الاستبصار: ج 1/343 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/407 ح 8298.
4- مدارك الأحكام: ج 3/428.

وآله عليهم السلام.

ونحوه صحيح أبي بصير، عن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام، ولكنّهما إنّما يدلّان على وجوبها في الصَّلاة، لا وجوبها في كلٍّ من التشهّدين.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال: إنّهما بضميمة الإجماع على أنّها لو كانت واجبة في الصَّلاة، فموردها التشهّد، يدلّان على المطلوب.

2 - وموثّق عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «التشهّد في الركعتين الأوّليتين:

الحمدُ للّه، أشهد أن لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمّداً عبده ورسوله، اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، وتقبّل شفاعته وارفع درجته»(1).

واشتماله على التحميد والدُّعاء الأخير المستحبّين، بقرينة الأدلّة الاُخر، لا يوجب حمل الأمر بها أيضاً على الاستحباب، كما أنّ كونه في التشهّد الأوّل لا يضرّ بالاستدلال، لعدم الفصل بينه وبين التشهّد الثاني.

أقول: وبإزاء هذه النصوص، روايات اُخرى تدلّ على عدم الوجوب:

منها: صحيح محمّدبن مسلم المتقدّم في وجوب الجلوس في التشهّد، ونحوه غيره.

والجمع بين الطائفتين، وإنْ كان يقتضي حمل النصوص الأُول على الاستحباب، إلّا أنّ عدم عمل الأصحاب بالثانية مانعٌ عن الاعتماد عليها، فلابدّ من تأويلها أو طرحها.

الأمر الخامس: إضافة (آله عليهم السلام) إلى النبيّ صلى الله عليه و آله.

ويشهد له: مضافاً الى الإجماع المحكيّ عن «الناصريّات»(2)، و «المبسوط»(3)،5.

ص: 298


1- تهذيب الأحكام: ج 2/92 ح 112، وسائل الشيعة: ج 6/393 ح 8264.
2- الناصريّات: ص 228.
3- المبسوط: ج 1/115.

و «الخلاف»(1) وغيرها:

1 - موثّق الأحول المتقدّم.

2 - وما دلّ على عدم الإجتزاء بالصّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله، ما لم ينضمّ إليه الصَّلاة على آله.

بل يظهر من بعض تلك النصوص أنّ الاكتفاء بالصّلاة عليه، يوجب البُعد عن رحمة اللّه:

منها: خبر أبان بن تغلب، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: مَنْ صَلّى عَليَّ ولم يُصلِّ على آلي، لم يجد ريح الجنّة، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام»(2).

ومنها: صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذاتَ يومٍ لأمير المؤمنين عليه السلام: ألا اُبشّرك ؟ قال: بلى.

إلى أنْ قال صلى الله عليه و آله: وإذا صَلّى عَليَّ ولم يَتْبَع بالصّلاة على أهل بيتي، كان بينها وبين السماوات سبعون حجاباً، ويقول اللّه تبارك وتعالى: لا لبّيكَ ولا سَعديك، ياملائكتي لا تُصعدوا دعاءه إنْ لم يلحق بالنبيّ عترته، فلا يزال محجوباً حتّى يلحق بي أهل بيتي»(3). ونحوهما غيرهما.

***0.

ص: 299


1- الخلاف: ج 1/373.
2- وسائل الشيعة: ج 7/203 ح 9117، الأمالي للصدوق ص 200.
3- وسائل الشيعة: ج 7/204 ح 9120، الأمالي للصدوق ص 580.

وأقلّه: أشهدُ أن لا إله إلّااللّه، وأشهدُ أنّ محمّداً رسول اللّه.

كيفيّة الشهادتين

(وأقلّه) أي أقلّ ما يُجزي من الشهادتين: (أشهدُ أن لا إله إلّااللّه، وأشهدُ أنّ محمّداً رسول اللّه) كما هو المنسوب(1) إلى المشهور أو الأشهر.

وعن جماعةٍ (2): يجبُ ضَمّ (وحده لا شريك له) في الاُولى، وتبديل (رسول اللّه) ب (عبده ورسوله) في الثانية.

بل عن ظاهر «المعتبر»(3)، و «الروض»(4): إنّه المشهور.

وعن «المقنعة»(5): عدم تعيّن الجملة الاُولى في الاُولى ، وتعيّن الثانية في الثانية.

والأقوى هو القول الثاني، لصحيح محمّد من مسلم المتقدّم في وجوب الجلوس، وموثّق عبد الملك المتقدّم في وجوب الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله.

واستدلّ للأوّل:

1 - بخبر الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجلٍ صلّى الظهر والعصر، فأحدث حين جلس في الرابعة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان قال: (أشهَدُ أن لا إله إلّااللّه وأشهدُ أنّ محمّداً رسول اللّه) فلا يُعد، وإنْ كان لم يتشهّد قبل أنْ يُحدث فليُعِد»(6).

ص: 300


1- روض الجنان: ص 117.
2- عبّر عنه بالمشهور في كشف اللّثام: ج 4/121 (ط. ج): ج 1/232 (ط. ق)، وحكاه الشيخ الأنصاري في كتابه الصَّلاة عن غير واحد: ج 2/68 (ط. ج).
3- المعتبر: ج 2/222.
4- روض الجنان: ص 277.
5- المقنعة: ص 143.
6- تهذيب الأحكام: ج 1/205 ح 70، وسائل الشيعة: ج 7/234 ح 9206.

اللّهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآل محمّد.

2 - وبإطلاق ما دلّ على الاكتفاء بالشهادتين، كخبر سورة:

«سألتُ أبا جعفرٍ عليه السلام عن أدنى ما يُجزي من التشهّد؟ قال: الشهادتان»(1).

ونحوه غيره.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فمضافاً إلى أنّ المحكيّ عن بعض نسخه سقوط كلمة (أشهدُ) الثانية، إنّه متضمّنٌ لما لا نقول به، وهو صحّة الصَّلاة مع الحَدَث بعد الشهادتين قبل التسليم، والصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، وبطلانها مع الحَدَث بعد السَّجدتين قبل الشهادتين، أو في أثنائهما، إذ هذا التفصيل مخالفٌ للإجماع.

هذا، مع أنّه لكونه مسوقاً لبيان عدم البطلان مع الحَدَث بعد الشهادتين، لا يأبى عن حمله على أنّ المراد التلفّظ بمضمون هاتين الجملتين بالعبارة المتعارفة لديهم.

وأمّا الثاني: - فمضافاً إلى أنّ تلك النصوص إنّما هي في مقام بيان عدم وجوب ما زاد على الشهادتين، فلا إطلاق لها من هذه الجهة - أنّه لو ثبت الإطلاق تعيّن تقييده بصحيح ابن مسلم، وموثّق الأحول المتقدّمين.

وممّا ذكرناه ظهر ضعف القول الأخير.

ثمّ إنّ المشهور بين الأصحاب - على ما نُسب إليهم(2) - وجوب الصَّلاة بالصيغة المذكورة في المتن، وهي (اللّهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآل محمّد).

وعن صريح بعض وظاهر كثير: الإجتزاء بكلّ ما يصدق عليه الصَّلاة على).

ص: 301


1- الكافي: ج 3/337 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/398 ح 8277.
2- منتهى المطلب: ج 1/204 قوله: (المجزي... اللّهُمَّ صَلِّ على محمّد وآل محمّد وما زاد فهو مستحبّ بلاخلاف).

النبيّ وآله، ولو بمثل صَلّى اللّه عليه وآله.

أقول: والأوّل أقوى :

1 - لموثّق عبد الملك المتقدّم في وجوب الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله، وقد عرفت أنّ اشتماله على بعض المستحبّات، لا ينافي دلالته على وجوبها.

2 - وللنبويّ : «إذا تشهّد أحدكم في الصَّلاة، فليقل: اللّهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآل محمّد».

واستدلّ للثاني:

1 - بإطلاق ما دلَّ على وجوب الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله.

2 - وبأنّ الموجود في حديث الفضلاء، الحاكي لصلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المعراج: «صَلّى اللّه عَليَّ وعلى أهلُ بيتي».

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: لو سُلّم الإطلاق، لابدَّ من تقييده بما تقدّم، مع أنّ للمنع عن الإطلاق مجالاً واسعاً، إذ النصوص المتضمّنة للأمر بها واردة في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق لها.

وأمّا الثاني: فلأنّه لم يُذكر قبل الصَّلاة على النبيّ فيه التشهّد، فراجع(1).

***

فروع:

الفرع الأوّل: المشهور(2) استحباب الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وآله عليهم السلام عند ذكر اسمه الشريف للمتكلِّم والسامع.

ص: 302


1- صفحة 296 فى هذا المجلّد.
2- زبدة البيان: ص 86، الحدائق الناضرة: ج 8/464.

وعن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1) دعوى الإجماع عليه.

وذهب جماعة(2) إلى وجوبها.

واستدلّ له: بجملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا أذّنت فافصح بالألف والهاء، وصَلِّ على النبيّ كلّما ذكرته، أو ذكره ذاكرٌ في الأذان وغيره»(3).

ومنها: خبر محمّد بن هارون المرويّ في «الكافي»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا صَلّى أحدُكم ولم يذكر النبيّ صلى الله عليه و آله في صلاته، يسلك بصلاته غير سبيل الجنّة.

قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصلِّ عَليَّ فدخل النار فأبعده اللّه.

وقال صلى الله عليه و آله: من ذُكِرتُ عنده فنسي الصّلاة عَليَّ خُطئ به طريق الجنّة»(4).

ومنها: خبر محمّد بن محمّد المفيد في «المقنعة»، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ :

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: قال لي جبرئيل عليه السلام: مَن ذُكرتَ عنده فلم يُصلِّ عليكَ فأبعده اللّه، فقلت آمين»(5). ونحوها غيرها.

وفيه: إنّه يتعيّن حمل هذه النصوص على الاستحباب، إذ دعوى الإجماع عليه مستفيضة، مع أنّها لو كانت واجبة، لإشتهر وجوبها لعموم البلوى بها.

مضافاً إلى خُلوّ الأدعية المأثورة، والقصص المنقولة عن المعصومين عليهم السلام عنها، وعدم تعليمها للمؤذّنين. ولا يخفى إنّ هذه النصوص وإنْ اختصّت بالصّلاة عليه،8.

ص: 303


1- منتهى المطلب: ج 1/293.
2- زبدة البيان: ص 86 نقلاً عن الكشّاف.
3- الكافي: ج 3/303 ح 7، وسائل الشيعة: ج 5/451 ح 7059.
4- الكافي: ج 2/495 ح 19، وسائل الشيعة: ج 6/408 ح 8299.
5- وسائل الشيعة: ج 7/206 ح 9123، المقنعة: ص 308.

ولكن ضَمّ الصَّلاة على الآل إليها إنّما يكون لما دلَّ على أنّ الصَّلاة عليه صلى الله عليه و آله في كلّ موردٍ تكون موضوعاً لحكمٍ ، يكون المراد منها الصَّلاة عليه وعلى آله كما عرفت.

الفرع الثاني: الأظهر عدم اختصاص الحكم بذكر اسمه المختصّ به صلى الله عليه و آله، بل يعمّ ذكره صلى الله عليه و آله بكنيته أو لقبه، أو الضمير الراجع إليه، كما عن المحدّث الكاشاني(1)التصريح به، لعموم قوله صلى الله عليه و آله: (مَنْ ذُكِرتُ عنده).

ودعوى: انصرافه إلى ما إذا كان الذّكر بذكر اسمه المختصّ به، أو الصفات والكنى والألقاب المختصّة به، ممنوعة.

فما عن شيخنا البهائي(2)، والمحقّق النائيني قدس سره من القول بالاختصاص، ضعيفٌ .

الفرع الثالث: الأقوى لزوم تكرار الصَّلاة بتكرار الذّكر، سواءٌ صَلّى بعد كلّ ذكر أم لم يُصلِّ ، لماتقدّم في وجه وجوب تكرار سجدة التلاوة عندتكرار موجبة، فراجع(3).

فما عن المحقّق النائيني من اختصاص التكرار بما إذا كُرّر الذّكر مع تَخلّل الصَّلاة، غير تامّ .

الفرع الرابع: مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى، شمول الحكم لحال الصَّلاة كغيره.

الفرع الخامس: يُمتثل هذا الأمر بالصّلاة عليه وآله، بأيّة صيغةٍ كانت للإطلاق.

***د.

ص: 304


1- نقله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 7/472 عن خلاصة الأذكار للكاشاني.
2- الحبل المتين: ص 200، وقد فصّل في ذلك في مفتاح الفلاح: ص 28.
3- صفحة 287 فى هذا المجلّد.

يستحبُّ أنْ يجلس فيه متورّكاً.

مستحبّات التشهّد

(يستحبّ ) فيه اُمور:

منها: (أن يجلس فيه متورّكاً) بلا خلافٍ ، بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - صحيح حمّاد: «ثمّ قَعَد على فَخِذه الأيسر، قد وَضَع قدمه الأيمن على باطن قدمه الأيسر»(2).

2 - وصحيح زرارة: «وإذا قَعَدت في تشهّدك، فألصق رُكبَتَيك بالأرض، وفرّج بينهما شيئاً، وليكن ظاهر قدمِك اليسرى على الأرض، وظاهر قدمِك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وإليتاكَ على الأرض، وأطراف إبهامك اليمنى على الأرض»(3). ونحوهما غيرهما.

ومنها: أن يقول قبل التشهّد: (الحَمدُ للّه)، كما في موثّق عبد الملك المتقدّم، أو يقول: (بسم اللّه وباللّه والحَمدُ للّه، وخَيرُ الأسماء للّه) كما في موثّق أبي بصير(4)المتضمّن لجملةٍ من المستحبّات.

ص: 305


1- منتهى المطلب: ج 1/294. (ط. ق).
2- الكافي: ج 3/311 ح 8، وسائل الشيعة: ج 5/460 ح 7077.
3- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/461 ح 7079.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/99 ح 141، وسائل الشيعة: ج 6/393 ح 8265.

وأنْ يدعو بعد الواجب.

(و) منها: (أن يدعو بَعد الواجب) بأن يقول: (تقبّل شَفَاعته وارفع دَرَجته) في التشهّد الأوّل كما في موثّق عبد الملك(1).

ومنها: أن يقول بعد التشهّد الأوّل حين القيام عنه: (بِحَول اللّه وَقوّته أقومُ وأقعد) كما في صحيح محمّد بن مسلم(2).

***9.

ص: 306


1- تهذيب الأحكام: ج 2/92 ح 112، وسائل الشيعة: ج 6/393 ح 8264.
2- الكافي: ج 3/338 ح 10، وسائل الشيعة: ج 6/413 ح 8309.
حكم من لا يُحسِنُ التشهّد

مسألة: من لا يُحسِنُ التشهّد:

إمّا أنْ يقدر على التعلّم أو لا:

وعلى الثاني: فإمّا أن يقدر على الإتيان بالملحون أم لا:

وعلى الثاني: فإمّا أن يقدر على الترجمة أو لا:

وعلى الثاني: فإمّا أن يقدر على الذّكر أو لا:

أمّا الأوّل: فيجبُ عليه التعلّم تحصيلاً للواجب.

وأمّا الثاني: فيجبُ عليه الإتيان بما يقدرُ عليه من الملحون، بلا خلافٍ .

ويشهد له خبر مَسعَدة: «سمعتُ جعفر بن محمّدٍ عليهما السلام يقول:

«إنّك قد ترى من المُحرم من العجم لا يرادُ منه ما يُراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصَّلاة والتشهّد، وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمُحرم لا يُراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح»(1).

وأمّا الثالث: فهل يجبُ عليه الترجمة، كما صرّح به جماعة(2)، أم لا كما هو ظاهر آخرين كالمحقّق في «الشرائع»(3) وغيره(4)؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل:

ص: 307


1- وسائل الشيعة: ج 6/136 ح 7552، قرب الإسناد: ص 23.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/126 (ط. ق).
3- شرائع الإسلام: ج 1/70.
4- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء: ج 3/234 (ط. ج)، والشهيد الأوّل في الدروس: ج 1/182 درس 44، وكشف اللّثام: ج 4/126 (ط. ج).

1 - بإطلاق ما دلَّ على وجوب التشهّد في الصَّلاة، إذ ما دلَّ على تقييده بالخصوص مختصٌّ بحال القدرة.

2 - وبأنّه يقتضيه قاعدة الميسور.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على التقييد، الشامل لحال العجز، المقدّم على إطلاق ما دلّ على وجوبه في الصَّلاة، هو إنّ المطلوب في حال العجز، ليس مطلق الشهادة بالتوحيد والرسالة، واستحالة التكليف بما لا يُطاق، لا تقتضي وجوب الترجمة، بل لازمها سقوط التكليف به رأساً.

وأمّا الثاني: فلما عرفت في هذا الكتاب مراراً من عدم الدليل على القاعدة.

فتحصّل: أنّ الأقوى سقوطه في الفرض.

وأمّا الرابع: فعن جماعةٍ ، منهم الشهيد رحمه الله(1) وجوب التحميد عليه بقدره، واستدلّ له:

1 - بخبر حبيب الخثعمي، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا جلس الرّجل للتشهّد فحمد اللّه تعالى ، أجزأه»(2).

2 - وخبر بكر بن حبيب، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن التشهّد؟ فقال عليه السلام: لو كان كما يقولون واجباً على النّاس هلكوا، إنّما كان القوم يقولون أيسرَ ما يعملون، إذا حَمَدتَ اللّه تعالى أجزأ عنك»(3).

وفيه: إنّ الظاهر منها أجزاء التحميد عن التحيّات والأذكار المقترنة بالتشهّد.0.

ص: 308


1- الذكرى : ص 204.
2- وسائل الشيعة: ج 6/399 ح 8279.
3- الكافي: ج 3/337 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/399 ح 8280.

3 - وبفحوى صحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ اللّه فرض من الصَّلاة الرّكوع والسّجود، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام لا يُحسِن أن يقرأ القرآن، أجزأه أن يُكبّر ويُسبِّح ويُصلّي»(1) بدعوى أنّه إذا وجب الذّكر بدلاً عن القراءة الّتي هي حكاية محضة، وجبَ بدلاً عن التشهّد بالأولويّة.

وفيه: إنّ هذا استحسانٌ لا يمكن جعله مدركاً للحكم، فالأقوى السقوط لأصالة البراءة.

وأمّا الخامس: فعدم وجوب شيءٍ عليه لا يحتاج إلى بيان.

وأخيراً: هل يجب الجلوس بقدر التشهّد في موارد سقوطه، كما صرّح به جماعة(2) أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بأنّ الجلوس أحد الواجبين، فلا وجه لسقوطه بسقوط الآخر.

وفيه: أنّ الظاهر من أدلّته أنّ وجوبه قيدٌ للتشهّد، فلا محالة يسقط بسقوطه، لاسيّما مع عدم حجيّة قاعدة الميسور.

***2.

ص: 309


1- تهذيب الأحكام: ج 2/147 ح 33، وسائل الشيعة: ج 6/42 ح 7292.
2- المعتبر: ج 2/222.
الثامن: التسليم
اشارة

الثامن: التسليم وفي وجوبه خلاف.

في التسليم

الثامن: من أفعال الصَّلاة: (التسليم).

(وفي وجوبه خلافٌ ) والأظهر الوجوب وفاقاً لكثيرٍ من الفقهاء القدماء والمتأخّرين(1).

وفي «الجواهر»(2): بل لعلّه هو الذي استقرّ عليه المذهب في عصرنا وما راهقه.

وقد ذهب جماعةٌ كثيرة، منهم المصنّف رحمه الله في «القواعد»(3) إلى الاستحباب، ومستند القولين الأخبار.

استدلّ القائلون بالوجوب: بطوائف من الأخبار:

الطائفة الاُولى: روايات التحليل:

1 - كخبر القدّاح المرويّ في «الكافي» مسنداً عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قال

ص: 310


1- حكاه في جواهر الكلام: ج 10/278 عن المتقدّمين والمتأخّرين، بقوله: (وفاقاً للصدوق والحسن والجُعفي والمرتضى وابني حمزة وزهرة وسلّار والتقي ويحيى بن سعيد وأبي صالح وأبي سعيد من علمائنا الحلبيين، والقطب الراوندي وابن المتوج وابن طاووس والفاضل في المنتهى، بل عن ولده أنّه الذي استقرَّ عليه رأيه، والآبي والشهيد والمقداد وابن فهد والصيمري والبهائي والحرّ العاملي والكاشاني والمحدّث البحراني والفاضل الإصبهاني والمحقّق البهبهاني والعلّامة الطباطبائي وشيخنا المعتبر الأوحد الشيخ جعفر على ما حكي عن البعض، بل لعلّه هو الذي استقرّ عليه المذهب في عصرنا وما راهقه، كما أنّه في المحكيّ عن الروض نسبته إلى أكثر المتأخّرين، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإماميّة).
2- جواهر الكلام: ج 10/278.
3- قواعد الأحكام: ج 1/279.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله: افتتاح الصَّلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(1).

2 - وفي «الفقيه»(2) و «الهداية»(3) و «الكافي»(4) مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«افتتاح الصَّلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(5).

3 - وفي «العلل»(6)، و «العيون»(7) بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الإمام الرضا عليه السلام: «إنّما جُعل التسليم تحليل الصَّلاة، ولم يُجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر، لأنّه لمّا كان الدخول في الصَّلاة تحريم الكلام... الخ»(8).

4 - وفي «العلل»(9) بسنده عن المفضّل بن عُمر، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن العلّة التي من أجلها وجبَ التسليم في الصَّلاة ؟ قال: لأنّه تحليل الصَّلاة، الحديث»(10).

5 - وفي «العيون» بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام، في كتابه إلى المأمون: «ولا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل: السَّلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، لأنّ تحليل الصَّلاة التسليم، فإذا قلتَ هذا فقد سَلّمت»(11).1.

ص: 311


1- الكافي: ج 3/69 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/415 ح 8310.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/33 ح 68.
3- الهداية للصدوق: ص 133.
4- الكافي: ج 3/69 ح 2.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 1/33 ح 68، وسائل الشيعة: ج 6/417 ح 7317.
6- علل الشرائع: ج 1/262.
7- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/107 باب 34 (العلل الذي ذكر الفضل بن شاذان).
8- وسائل الشيعة: ج 6/417 ح 7319.
9- علل الشرائع: ج 2/359 ح 1.
10- وسائل الشيعة: ج 6/417 ح 7320.
11- وسائل الشيعة: ج 6/410 ح 8303، عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/123 ح 1.

6 - وفي «الخصال» عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد عليه السلام مثله، ولكن بإبدال (لا يجوز أن تقول) إلى (يقال)(1).

7 - ورواية عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن معنى التسليم في الصَّلاة ؟ قال: التسليم علامة الأمن، وتحليل الصَّلاة»(2).

8 - والمرسل المرويّ عن علي بن الحسين عليه السلام: «قيل له: ما تحريمها؟ قال:

التكبير. وقيل: ما تحليلها؟ قال: التسليم»(3).

أقول: لا يمكن الخدشة في سند هذه الروايات لإستفاضتها، واستدلال الأعاظم كالسيّد(4) وابن زُهرة(5) وأمثالهما بها، وكونها مرويّة في «الكافي» و «التهذيب» إلى غير ذلك ممّا يوجب الاطمئنان بصدور هذا المضمون عنهم عليهم السلام.

وتقريب الاستدلال بها على المدّعى:

إنّها إنّما تدلّ على انحصار التحليل بالتسليم، لكونها مسوقة لبيان إمكان وقوع التحليل بأيّ شيء.

ولوقوع التسليم جواباً في المرسل الأخير.

ولأنّ المصدر المضاف يفيد السريان والإطلاق، ولا يكون مهملاً ليصحّ أنْ يكون خبره أخصّ من وجه منه، نحو (زيدٌ قائم)، بل لابدَّ وأن يكون خبره مساوياً أو أعمّ .0.

ص: 312


1- الخصال: ج 2/306 ح 9.
2- وسائل الشيعة: ج 6/418 ح 8322، معاني الأخبار: ص 175.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 4/122 ح 4263-2، المناقب: ج 4/130.
4- الناصريّات: ص 211.
5- غنية النزوع: ص 80.

مضافاً إلى أنّ بعض الأخبار المتقدّمة صريحٌ في الحصر، كما لا يخفى .

بل تَقابل التسليم مع التكبير يفيد الحصر، حيث إنّ التحريم منحصرٌ بالتكبير، ولازم التقابل انحصار التحليل به.

وقد يوجّه الحصر بأنّ تقديم الخبر يفيدُ الحصر، وهو مبنيٌّ على أنْ لا يكون إضافة المصدر إلى المعمول إضافة محضة، وهو خلاف ما ذهب إليه المحقّقون من أهل العربيّة.

وكيف كان، فظهور الأخبار في الحصر لا يُنكر، فيستفاد منها وجوب التسليم وجزئيّته.

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى الحصر حرمة المنافيات قبله، وتوقّف جوازها وعدم بطلان الصَّلاة بها على الإتيان به، فيجبُ حفظاً للصلاة عن الفساد.

وأمّا دلالتها على الجزئيّة للصَّلاة، فلأنّها مقتضى الجمع بين هذه الأخبار، والأخبار الدالّة على حرمة المنافيات إذا وقعت في أثناء الصَّلاة، مضافاً إلى أنّ ظاهر كون التكبير تحريماً، والتسليم تحليلاً، أنّهما جزءان للصَّلاة.

الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على أنّ آخر الصَّلاة التسليم:

منها: ما رواه الكليني رحمه الله بسنده عن أبي بصير، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في رجلٍ صَلّى الصبح، فلما جَلَس في الركعتين قبل أنْ يتشهّد رَعُف، قال:

فليخرج وليغسل أنفه، ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإنّ آخر الصَّلاة التسليم»(1).

ونحوه غيره.

وظاهرها جزئيّته لها، وأنّه معتبر في ماهيّتها التي ورد الأمر بها، فتدلّ الرواية3.

ص: 313


1- تهذيب الأحكام: ج 2/320 ح 163، وسائل الشيعة: ج 6/416 ح 8313.

على أنّه جزءٌ وجوبي لها، مضافاً إلى أنّ الأمر بالرجوع والإتمام في خبر أبي بصير، أمرٌ وجوبي لوقوع الرعاف قبل التشهّد، فتعليله بأنّ آخر الصَّلاة التسليم، يدلّ على وجوب الإتيان به، وإلّا لما صحَّ جعله علّة.

الطائفة الثالثة: الأخبار(1) الآمرة به، الواردة فيمن يُصلّي خلف الإمام، والإمام يطيل تشهّده، وفي باب الخلل وغيرهما من الموارد.

الطائفة الرابعة: وقد يستدلّ على وجوب التسليم: بالروايات الدالّة على فساد صلاة المسافر بالإتمام، معلّلاً بأنّه زيادة في الصَّلاة(2)، بتقريب إنّه لو لم يكن التسليم واجباً، لم يقدح الإتيان بالركعتين بعد التشهّد، لأنّ ما وقع بعد الصَّلاة لا يضرّ بها قطعاً.

وفيه: إنّه لا يعتبر في صدق الزيادة في الصَّلاة كون التسليم جزءً وجوبيّاً، وعدم كون التشهّد آخر الأجزاء الواجبة، بل تَصْدق ما لو أتى بالزائد بعد الصَّلاة بقصد لحوقه بالمأتي به كالزيادة في الطواف، وعدم بطلان الصَّلاة بالإتيان بالزائد بعد التسليم،، إنّما هو لأجل الأخبار.

أدلّة عدم وجوب التسليم

واستدلّ القائلون(3) بالنّدب:

1 - بصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يُصلّي خلف الإمام، فيطول الإمام بالتشهّد، فيأخذ الرّجل البول، أو يتخوّف

ص: 314


1- وسائل الشيعة: ج 8/413 الباب 64.
2- وسائل الشيعة: ج 8/508 ح 11304.
3- قواعد الأحكام: ج 1/279، إيضاح الفوائد: ج 1/115، جامع المقاصد: ج 2/323.

على شيء يفوت، أو يعرض له وَجَعٌ ، كيف يصنع ؟ قال: يتشهّد هو وينصرف ويَدَع الإمام»(1).

وفيه أوّلاً: إنّ هذه الرواية مرويّة في «الفقيه» وفي موضعٍ آخر من «التهذيب» بضبط آخر وهو إنّه قال: (يُسلِّم وينصرف) فحينئذ تكون أدلّ على خلاف مطلوبهم.

وثانياً: إنّ الخصم لا يقول بجواز الانصراف بعد الشهادتين، فكما يقيّده بالصّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله يصحّ تقييده بالسّلام أيضاً.

2 - وبصحيح الفضلاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا فرغ من الشهادتين، فقد مضت صلاته، فإنْ كان مستعجلاً في أمرٍ يخاف أن يفوته، فسَلّم وانصرف أجزأه»(2).

وفيه: إنّ ذيل الصحيحة من أقوى ما يدلّ على وجوب التسليم، فإنّه يدلّ على وجوبه حتّى في حال الاستعجال، فيتعيّن حمل قوله عليه السلام: (مَضَت صلاته) على ما لا ينافي وجوب التسليم، كإرادة المُضيّ باعتبار عدم وجوب التحيّات.

3 - وبصحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:

«إذا استويتَ جالساً، فقل: أشهدُ أن لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله ثمّ تنصرف»(3).

وفيه: - مضافاً إلى خلوّه عن ذكر الصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله - إنّ المراد من الانصراف فيه هو التسليم، بقرينة جملةٍ من النصوص:5.

ص: 315


1- تهذيب الأحكام: ج 2/349 ح 34، وسائل الشيعة: ج 8/413 ح 11047.
2- وسائل الشيعة: ج 6/397 ح 8273.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/101 ح 147، وسائل الشيعة: ج 6/397 ح 8275.

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قلت: السّلامُ علينا وعلى عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(1).

ومنها: صحيح ابن مسلم المتقدّم: «إذا انصرفتَ من الصَّلاة، فانصرف عن يمينك»(2).

ونحوهما غيرهما، للأمر به.

وبذلك يظهر جوابٌ آخر عن الاستدلال له بصحيح عليّ بن جعفر المتقدّم.

4 - وبموثّق يونس بن يعقوب: «قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: صلّيتُ بقومٍ صلاة، فقعدتُ للتشهّد، ثمّ قمت فنسيت أن اُسلِّم عليهم. فقالوا: ما سَلّمت علينا؟ فقال: ألم تُسلّم وأنتَ جالس ؟ قلت بلى، قال: فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلهم بوجهك، وقلت: السَّلام عليكم»(3).

وفيه: إنّه مختصٌّ بحال النسيان، وعدم وجوبه في تلك الحال لا يلازم عدم وجوبه مطلقاً، لعدم كونه جزءً رُكنيّاً، مع أنّ الظاهر منه نسيان السَّلام الأخير، فلا يدلّ على عدم وجوب الجامع بينه وبين السَّلام الثاني، كما لا يخفى .

5 - وبالنصوص الدالّة على عدم بطلان الصَّلاة بوقوع الحَدَث والالتفات قبل التسليم:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يُصلّي ثمّ يجلس، فيُحدِث قبل أنْ يُسلِّم ؟ قال عليه السلام: تمّت صلاته»(4).1.

ص: 316


1- الكافي: ج 3/337 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/426 ح 8346.
2- الكافي: ج 3/338 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/422 ح 8335.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/348 ح 30، وسائل الشيعة: ج 6/425 ح 8344.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/320 ح 162، وسائل الشيعة: ج 6/424 ح 8341.

ومنها: حسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا التفتَ في صلاةٍ مكتوبة من غير فراغٍ ، فأعِد الصَّلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، وإنْ كنتَ قد تشهّدت فلا تُعِد»(1)ونحوهما غيرهما.

وفيه: إنّ هذا الحكم لا يختصّ بخصوص السَّلام، بل ثابتٌ في التشهّد أيضاً، بمقتضى الأخبار الاُخر، والفرق إنّما هو وجوب قضائه بعد الصَّلاة، وأمّا من حيث عدم بطلان الصَّلاة بوقوع الحَدَث، فهما مشتركان.

أقول: وهذه الروايات لا تنافي وجوب التسليم والتشهّد، لاختصاصها بحال الاضطرار والسَّهو، وفي هذين الموردين حتّى ولو لم تكن الروايات الخاصّة موجودة، لكنا ملتزمين أيضاً بعدم بطلان الصَّلاة، وذلك لأنّ مقتضى حديث (لا تُعاد) أنّ نقصان الصَّلاة من حيث التشهّد والتسليم إنْ لم يكن عمديّاً غير موجبٍ للبطلان، بل الصَّلاة محكومة بالصحّة، وما نحن فيه كذلك، لأنّ المتروك لا يمكن تداركه، فتركه غير مستندٍ إلى العمد، فلا يوجب انفصاله عن الصَّلاة بطلانها.

فإنْ قيل: إنّ لازم المستثنى في حديث (لا تُعاد) هو لزوم إعادة الصَّلاة من ناحية الخمسة، الّتي منها الطهور، وبطلان الصَّلاة فيما نحن فيه ليس من هذه الجهة بل لوقوع الحَدَث في وسط الصَّلاة.

وبعبارة اُخرى: شمول المستثنى منه للتشهّد والتسليم، متوقّفٌ على عدم إمكان اتّصالها بالصّلاة، وخروج المصلّي عن الصَّلاة، وهما متوقّفان على وقوع المبطل كما لا يخفى، فوقوع المبطل متقدّمٌ رتبة على شمول المستثنى منه لهما بمرتبتين، ففي المرتبة السابقة على الحكم بأنّه لا تُعاد الصَّلاة من التشهّد والتسليم التي هي مرتبة2.

ص: 317


1- الكافي: ج 3/365 ح 10، وسائل الشيعة: ج 7/244 ح 9232.

موضوع هذا الحكم، يحكم ببطلان الصَّلاة من جهة وقوع الحَدَث في وسط الصَّلاة.

وبالجملة: رتبة وقوع المبطل متقدّمة على الخروج من الصَّلاة، ففي تلك المرتبة يكون الحَدَث واقعاً في وسط الصَّلاة، لا بعد الفراغ والخروج منها، فتكون محكومة بالبطلان.

أجبنا عنه: بأنّ الحَدَث وأمثاله قواطع للصَّلاة، لا أنّ أعدامها مأخوذة فيها، بمعنى أنّها توجب عدم اتّصال الأجزاء اللّاحقة بالسابقة، فإنْ كان عدم اتّصالها ونقصان الصَّلاة منها موجباً للبطلان، بطلت الصَّلاة، وإلّا فلا.

فعلى هذا، مقتضى المستثنى عدم اتّصال التشهّد والسَّلام بالأجزاء السابقة، وهذا لا يوجب البطلان، إذ بمقتضى المستثنى منه يسقط اعتبار اتّصالهما بها، ولا تبطل بنقصانهما.

ولو تنزّلنا عن ذلك، وسَلّمنا أنّها مبطلة لها في أنفسها، فلا يوجب الحَدَث في المقام البطلان، إذ موضوع البطلان وقوعه في أثناء الصَّلاة، فلابدّ من تحقّق الموضوع خارجاً ليترتّب عليه الحكم، وفي المقام الخروج عن الصَّلاة الذي هو موضوع عدم الإعادة والمبطل، يتحقّقان في الخارج في زمانٍ واحد، ففي زمان تحقّق الحَدَث يتحقّق الخروج عن الصَّلاة، وفي نفس ذلك الزمان يُحكم بعدم الإعادة، وسقوط جزئيّة التشهّد والسَّلام بنحو الاتّصال، فلا وجه للحكم بالبطلان. وكون رتبة الحكم بعدم الإعادة متأخّر، لا يكفي في الحكم بالبطلان بل لابدّ من التأخّر الزماني.

فتحصّل ممّا ذكرناه: إنّ مقتضى القاعدة في ما لو وقع الحَدَث سهواً أو اضطراراً قبل التشهّد أو السَّلام، هو الحكم بصحّة الصَّلاة ومضيّها حتّى بناءً على القول

ص: 318

بوجوبهما وجزئيّتهما، فالروايات الخاصّة إنّما تكون موافقة للأصل، فلا تدلّ على عدم وجوب السَّلام، كما لا تدلّ على عدم وجوب التشهّد.

أقول: وممّا حقّقناه ظهر ما في كلام المحقّق الهمداني رحمه الله(1) من حمل الروايات على التقيّة، أو ارتكاب التأويل فيها، بدعوى أنّه لا يمكن الالتزام بمضمونها.

كما أنّه ظهر من ما ذكرناه، عدم تماميّة ما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله(2) من أنّ مقتضى الجمع بين الروايات الدالّة على عدم بطلان الصَّلاة بوقوع الحَدَث قبل السَّلام، وما يدلّ على وجوب التسليم، كونه واجباً خارجاً عن أجزاء الصَّلاة، لا واجباً نفسيّاً مستقلّاً، بل واجباً غيريّاً، ويكون جزء المركّب المأمور به، لا جزء الصَّلاة، فيكون المأمور به مركّباً من الصَّلاة، وما هو خارج عنها، فلو تركه عمداً لم يأت بالمأمور به، وقبله لا يجوز ارتكاب المحرّمات عمداً وسهواً، بالنسبة إلى بعضها، وأمّا ارتكاب بعضها سهواً، فليس بمبطل من جهة الأدلّة.

ثمّ قال: إنّه بذلك يحصل الائتلاف بين ما يدلّ على وجوب التسليم وكونه محلّلاً، وما يدلّ على أنّ الحَدَث بعد التشهّد ليس مبطلاً للصَّلاة، وما يدلّ على أنّه فرغ من التشهّد تمّت الصَّلاة ومضت.

ولا يخفى ما فيه على من تدبّر في ما ذكرناه.

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: جزئيّة السَّلام للصَّلاة ووجوبه، وعدم تماميّة شيئاً ممّا استدلّ به على عدم الوجوب.

***5.

ص: 319


1- مصباح الفقيه: ج 3/378 ق 1.
2- الحدائق الناضرة: ج 9/305.

وصورته: السَّلام عَلينا وعَلى عباد اللّه الصالحين، أو السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

صورة التسليم

(وصورته) أي التسليم الذي يتحقّق به الانصراف عن الصَّلاة، هي: (السَّلام عَلينا وعَلى عباد اللّه الصّالحين، أو السَّلام عليكم ورَحَمة اللّه وبركاته).

وأمّا السَّلام على النبيّ صلى الله عليه و آله، فالمشهور عدم وجوبه(1).

وعن الجُعفي في «الفاخر»(2)، و «كنز العرفان»(3): وجوبه.

واستدلّ له:

1 - بقوله تعالى : يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (4).

2 - بانضمام الإجماع على عدم وجوبه في غير حال الصَّلاة.

وفيه: مضافاً إلى احتمال إرادة الانقياد من التسليم فيها، أنّ عدم وجوبه في غير حال الصَّلاة، لا يدلّ على وجوبه في حالها، لإمكان إرادة الندب من الأمر به.

مع أنّه لو سُلّم ظهورها في الوجوب، تعيّن حملها على الاستحباب بقرينة ما دلّ على عدم وجوبه في الصَّلاة، كما سيمرّ عليك.

3 - وبالأمر به في خبر أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

ص: 320


1- الحدائق الناضرة: ج 8/486.
2- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 206.
3- حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 7/538-539.
4- سورة الأحزاب: الآية 56.

«تسلّم واحدة ولا تلتفت، قل: السَّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، والسَّلام عليكم»(1).

4 - وخبر أبي بصير المتقدّم(2).

وفيه: إنّه محمولٌ على الاستحباب، للإجماع على عدم وجوبه، ولما دلّ على عدم وجوب التسليم إلّاما يتحقّق به الانصراف، كصحيح الفضلاء المتقدّم وغيره.

وأمّا الصيغتان المتقدّمتان: وهما: (السَّلام علينا وعَلى عباد اللّه الصالحين)، و (السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته)، فالمنسوب إلى المشهور(3) أنّ الواجب إحداهما على التخيير.

وعن «المنتهى»(4): نفي الخلاف في عدم وجوب الإتيان بهما.

ونُسِب إلى جماعةٍ كثيرة(5): تعيّن الثانية.

وعن ابن سعيد(6): تعيّن الاُولى.

وعن ابن طاووس(7): إنّه يخرج من الصَّلاة بالأولى، ومع ذلك يجبُ الإتيان بالثانية.

أقول: والأوّل أقوى ، وتشهد لمحلّلية الاُولى جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كلّما ذكرتَ اللّه عَزّ وجلّ به8.

ص: 321


1- تهذيب الأحكام: ج 3/276 ح 123، وسائل الشيعة: ج 6/427 ح 8348.
2- وسائل الشيعة: ج 6/427 ح 8350.
3- الحدائق الناضرة: ج 8/485.
4- منتهى المطلب: ج 1/296 (ط. ق)
5- تهذيب الأحكام: ج 2/320 ح 163، وسائل الشيعة: ج 6/416 ح 8313.
6- الجامع للشرائع: ص 84.
7- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 208.

والنبيّ صلى الله عليه و آله فهو من الصَّلاة، وإنْ قلت: السَّلام علينا وعَلى عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(1).

ومنها: خبر أبي كهمس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهّد، فقلت وأنا جالس:

السَّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، إنصراف هو؟

قال عليه السلام: لا، ولكن إذا قلت: السَّلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، فهو الانصراف»(2).

ونحوهما غيرهما.

فالقول بتعيّن الثانية للمحلّلية ضعيف.

ويشهد لمحلّلية الثانية: خبر أبي بكر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلت له: إنّي اُصلّي بقوم. فقال: تُسلِّم واحدة ولا تلتفت، قُل: السَّلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السَّلام عليكم»(3).

وما عن «جامع البزنطي» عن ابن أبي يعفور، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة ؟ قال عليه السلام: يقول: السَّلام عليكم»(4).

مضافاً الى إطلاقات التسليم، التي لو لم يكن المراد منها خصوص هذه الصيغة، فلا أقلّ من كونها مشمولة لها، فالقول بتعيّن الاُولى للمحلّلية ضعيف.

وبالجملة: وممّا ذكرناه في وجه محلّلية كلّ واحدةٍ منهما، ظهر أنّ القول بلزوم3.

ص: 322


1- الكافي: ج 3/337 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/426 ح 8346.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/316 ح 148، وسائل الشيعة: ج 6/426 ح 8347.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/276 ح 123، وسائل الشيعة: ج 6/427 ح 8348.
4- وسائل الشيعة: ج 6/421 ح 8333.

الجمع بينهما أيضاً ضعيف.

أقول: بقي الكلام فيما اختاره السيّد ابن طاووس(1) وبعض المتأخّرين(2) من حصول الانصراف بالأُولى ، ووجوب الإتيان بالثانية، فقد استدلّ له:

1 - بما رواه ابن اُذينة وغيره عن الإمام الصادق عليه السلام في وصف صلاة النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج: «إنّه لمّا صَلّى أمره اللّه أن يقول للملائكة: السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته»(3).

2 - وبصحيح ابن مسلم المتقدّم في أدلّة وجوب التسليم: «إذا فرغ من الشهادتين، فَقَد مضت صلاته، وإنْ كان مستعجلاً في أمرٍ يخاف أن يفوته، فَسَلّم وانصرفَ أجزأه»(4).

3 - وبما ورد في نسيان التشهّد، الذي تضمّن الأمر بالتسليم، بعد تماميّة الصَّلاة، الظاهر في إرادة الثانية، كصحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «وإنْ لم يذكر حتّى يركع، فليتمّ الصَّلاة، حتّى إذا فرغ فليُسلّم وليسجد سجدتي السَّهو»(5).

وفيه: - مضافاً إلى أنّه لم يذكر في خبر المعراج الاُولى، فإنّ وجوب الثانية في هذا الفرض لا يلازم وجوبها مطلقاً، وظاهر صحيح ابن مسلم أنّ المراد من التسليم6.

ص: 323


1- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة (ط. ج): ج 3/431.
2- حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 7/497 (ط. ج)، بقوله: (وفي الحبل المتين والمفاتيح أنّه واجب خارج عن الصَّلاة. والشهيد في «قواعده» مالَ إليه أو قال به. وبه قطع الحُرّ العاملي. وإليه يميل كلام «البشرى» فيما نقل عنه، قال: لا مانع من أن يكون الخروج «بالسلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين» وأن يجب «السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته» بعده للحديث الذي رواه ابن اُذينة).
3- الكافي: ج 3/486 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/468 ح 7086.
4- وسائل الشيعة: ج 6/397 ح 8273 وص 416 ح 8314.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/158 ح 76، وسائل الشيعة: ج 6/402 ح 8286.

والانصراف فيه شيءٌ واحد، لا أنّ المراد من التسليم الصيغة الاُولى، ومن الانصراف الثانية - أنّه إنْ اُريد:

1 - إنّه وإنْ تحقّق الإنصراف بالأُولى للروايات، إلّاأنّه لا يحلّ المنافيات إلّا بعد الثانية.

فيدفعه: أنّ الأخبار الدالّة على تحقّق الانصراف بالأُولى ظاهرة في أنّه لا شيء عليه بعده، ويمضي في حاجته.

مضافاً إلى أنّ قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر الأعمش: «لا يقال في التشهّد الأوّل السَّلام علينا...

إلى أنْ قال: لأنّ تحليل الصَّلاة هو التسليم، فإذا قلت هذا، فقد سلّمت»(1).

وتعليل الإمام الرضا عليه السلام في ما كتبه إلى المأمون، للمنع عن الاُولى في التشهّد الأوّل بأنّ : «تحليل الصَّلاة التسليم، فإذا قلتَ هذا فقد سَلّمت»(2).

صريحان في أنّ تحقّق الخروج بالصيغة الاُولى ، إنّما هو لكونها مصداقاً للتحليل.

وبالجملة: فالقول بتحقّق الانصراف بالأُولى ، وكون الثانية تحليلاً، كما عن صاحب «الحدائق» ضعيفٌ .

2 - وإنْ اُريد حصول الانصراف بالأُولى ، وكونها تحليلاً، ومع ذلك يجب الإتيان بالثانية.

فيدفعه: أنّ ظاهر خبر الفضل بن شاذان(3) - المشتمل على أنّ علّة وجوب التسليم في الصَّلاة، أنّه تحليل الصَّلاة - وغير ذلك من الروايات الظاهرة في أنّ 3.

ص: 324


1- وسائل الشيعة: ج 7/286 ح 9360. (2و3) وسائل الشيعة: ج 6/410 ح 8303، عيون أخبار الرضا: ج 2/123.

الشارع لم يوجب تسليماً، غير ما جعله تحليلاً للصَّلاة، عدم وجوب التسليم الثاني، مع فرض حصول التحليل بالأوّل.

وبالجملة: فالقول بوجوب الصيغة الثانية بعد الاُولى ضعيفٌ .

فمقتضى الجمع بين الأخبار ما اخترناه من أنّ كلّاً منهما واجبٌ تخييري.

***

ص: 325

مسائل باب التسليم
يستحبّ إذا اختار الاُولى ، الإتيان بالثانية

المسألة الاُولى: يستحبّ إذا اختار الاُولى ، الإتيان بالثانية، لما تضمّن الأمر بها، المحمول على الاستحباب، بقرينة ما تقدّم، مضافاً إلى ورود الجمع بينهما بهذه الكيفيّة في جملةٍ من النصوص.

ثمّ إنّه هل تكون الثانية حينئذٍ من الأجزاء المستحبّة ؟

أو تكون من المستحبّات المستقلّة عقيب الصَّلاة ؟

وعلى فرض كونها من الأجزاء، هل تكون جزء المحلّل، بمعنى أنّ المجموع يقع محلّلاً؟

أو جزءً للصَّلاة مع فرض كون الاُولى محلّلة ؟ وجوه.

تدفع القول بأنّها جزءً للصَّلاة مع كون الاُولى محلّلة، الأخبار الواردة في الاُولى الدالّة على أنّه تنقطع الصَّلاة بالإتيان بها، وهو ينافي بقاء جزءٍ آخر منها.

كما أنّ القول بكون الثانية جزء المحلّل، يدفعه أنّ ظاهر الأخبار حصول التحليل بالأولى، ومعه لا يبقى محلّ لتأثير الثانية في الحليّة، اللّهُمَّ إلّاأنْ يلتزم بأنّها من مكمّلات الاُولى ، إلّاأنّه تدفعه أيضاً بعض الأخبار الآمرة بها، بعد الحكم بحصول الانقطاع بالأُولى ، كخبر أبي بصير، فلا يمكن الالتزام بجزئيّتها للصَّلاة، فتكون من الاُمور الخارجة عنها؛ المستحبّة بعدها.

وأمّا لو اختار الثانية، فإستحباب الإتيان بالأُولى محلّ تأمّل، إذ لم يدلّ عليه دليل.

يكفي في الصيغة الثانية: السَّلام عليكم

المسألة الثانية: يكفي في الصيغة الثانية: (السَّلام عليكم)، كما نُسِب إلى الأكثر(1)، لرواية الحضرمي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

ص: 326


1- الحدائق الناضرة: ج 8/485.

«قلت له: إنّي اُصلّي بقومٍ؟ فقال: تُسلّم واحدة ولا تلتفت، قُل: السَّلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السَّلام عليكم»(1).

وخبر عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة ؟ قال: يقول: السَّلام عليكم»(2).

أقول: واستدلّ على لزوم إضافة (ورحمة اللّه) أو مع زيادة (وبركاته):

1 - بصحيحة عليّ بن جعفر الحاكية لصلاة الإمام الكاظم عليه السلام(3).

2 - وخبر ابن اُذينة، الحاكي لصلاة النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج.

وفيه: إنّه لا يستفاد منهما سوى الرّجحان، لأعميّة الفعل من الوجوب.

وأمّا ما في ذيل خبر «دعائم الإسلام»: (تقول: السَّلامُ عليكم ورحمة اللّه، السَّلام عليكم ورحمة اللّه»(4)، فلا يعتمد عليه لضعف سنده.

ودعوى:(5) أنّ الاقتصار على (السَّلامُ عَلَيكُم) في النصوص يكون للاكتفاء بذكر البعض عن ذكر الكلّ ، مندفعة بأنّها خالية عن الشاهد.

لا يعتبر نيّة الخروج

المسألة الثالثة: لا يعتبر في السَّلام المُخْرِج نيّة الخروج من الصَّلاة، ولا عدم قصد عدم الخروج، لإطلاق الأدلّة، ولأنّ ظاهر جملةٍ من النصوص أنّ الخروج والتحليل من أحكام السَّلام بما هو، مثل ما ورد في كتاب الإمام الرضا عليه السلام

ص: 327


1- تهذيب الأحكام: ج 3/276 ح 123، وسائل الشيعة: ج 6/427 ح 8348.
2- وسائل الشيعة: ج 6/421 ح 8333.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/317 ح 153، وسائل الشيعة: ج 6/419 ح 8324.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 5/25 ح 5275-2، دعائم الإسلام: ج 1/165.
5- المعتبر: ج 2/236، الحدائق الناضرة: ج 8/485.

إلى المأمون:

«ولا يجوزُ أن تقول في التشهّد الأوّل: السّلامُ علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، لأنّ تحليل الصَّلاة التسليم، فإذا قلتَ هذا فقد سَلّمت»(1). ونحوه غيره.

وما قيل: في وجه اعتبار قصد الخروج، بأنّه مناقضٌ للصَّلاة، لأنّه كلام آدمي، فلو لم يقترن به ما يصرفه إلى التحليل، كان مناقضاً لها، كما عن «الذكرى».

مندفع: بأنّه لو وقع في الأثناء، يكون مناقضاً لها مطلقاً، وأمّا لو وقع في محلّه، فهو تحليلٌ بحكم الشارع ولو لم يقصد الخروج.

أقول: ثمّ إنّه يختلف الحكم في عدّة فروع، باعتبار قصد الخروج وعدم اعتباره:

منها: ما لو قصد بالثانية الخروج:

فبناءً على المختار يخرج عن الصَّلاة بالأُولى ، وأمّا الثانية:

فإنْ قَصَد أمرها، إلّاأنّه جهلا بالحكم قصد بها الخروج، فقد امتثل أمرها، ويكون قصده لغواً.

وإنْ لم يقصد أمرها، بأن يقصد خصوص الصيغة الّتي جُعِلت مُخْرِجةً عن الصَّلاة بعد الاُولى ، فحيثُ أنّ ما قصده لا واقع له، وما له واقع لم يقصده، فلا تقع امتثالاً لأمرها.

أمّا بناءً على اعتبار قصد الخروج:

1 - فبناءً على تعيّن الاُولى للخروج، تبطل الصَّلاة في الفرض، لزيادة الاُولى ، لأنّه لم يأت بها مع ما يعتبر فيها وهو قصد الخروج، فتقع زائدة، وزيادة الثانية أيضاً كما لا يخفى .3.

ص: 328


1- وسائل الشيعة: ج 6/410 ح 8303.

2 - وأمّا بناءً على تعيّن الثانية للخروج، فتصحّ الصَّلاة، لأنّ ما يعتبر فيه قصد الخروج قد قُصِد، وما لم يُقصَد الخروج به - وهو الاُولى - لم يكن فيه معتبراً ذلك.

3 - وأمّا بناءً على التخيير، ومشروعيّة الاُخرى ، فالصلاة صحيحة كما هو واضح.

أمّا بناءً على عدم مشروعيّة الاُخرى ، فتبطل من جهة الزيادة، كما لايخفى وجهة.

وإنْ قصد الخروج بالأولى ، وأتى بالثانية أيضاً:

فعلى المختار تصحّ الصَّلاة، لأنّ قصد الخروج ليس بمضرّ.

وأمّا بناءً على لزوم قصد الخروج، فبناءً على تعيّن الاُولى للخروج أو التخيير، فصحّة الصَّلاة واضحة.

وأمّا بناءً على تعيّن الثانية للخروج، فالصلاة باطلة لزيادة الاُولى، إنْ كان قصده الخروج بالأولى مضرّاً بقصد امتثال أمرها، وإلّا فتصحّ الصَّلاة كما تقدّم.

وممّا ذكرناه ظهر حكم ما لو نوى الخروج بهما، أو لم ينو الخروج بشيٍ منهما، فلا نطيل الكلام في بيان حكمهما.

***

ص: 329

ويستحبّ أن يسلّم المنفرد إلى القبلة ويؤمي بمؤخّر عينيه إلى يمينه.

مستحبّات التَّسليم

المسألة الرابعة: (ويستحبُّ أن يُسلِّم المنفرد) تسليمةً واحدة (إلى القبلة، ويؤمي بمؤخّر عينيه إلى يمينه).

أمّا استحباب تسليمة واحدة إلى القبلة، فهو المشهور بين الأصحاب(1)، ويدلّ عليه، قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيحة عبد الحيمد بن عواض:

«إنْ كنت تؤمُّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإنْ كنتَ مع إمامٍ فتسليمتين، وإنْ كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»(2).

أقول: وأمّا صحيحة علي بن جعفر، قال: «رأيتُ إخوتي موسى وإسحاق ومحمّد بني جعفر يُسلِّمون في الصَّلاة عن اليمين وعن الشمال: السَّلامُ عليكم ورحمة اللّه، والسَّلام عليكم ورحمة اللّه»(3).

فيمكن حملها على رؤيته لهم في حال كونهم مأمومين لا منفردين، فتأمّل.

ولكن قد ينافيه خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا كُنتَ وحدك، فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك»(4).

كما ويمكن الجمع بينهما بحملهما على التخيير، وعلى فرض التعارض تقدّم صحيحة عبد الحميد لأصحيّة سندها وأشهريّتها.

ص: 330


1- غنية النزوع: ص 81، الخلاف: ج 1/377-378.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/92 ح 113، وسائل الشيعة: ج 6/419 ح 8325.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/317 ح 153، وسائل الشيعة: ج 6/419 ح 8324.
4- وسائل الشيعة: ج 6/421 ح 8334.

والإمام بصفحة وجهه، والمأموم عن يمينه ويساره إنْ كان على يساره أحد.

وعليه، فاستحباب تسليمة واحدة للمنفرد، مستقبل القبلة، بحسب الأدلّة لاينبغي التشكيك فيه.

وأمّا استحباب أن يؤمي بمؤخّر عينيه إلى يمينه، فتشهد له الشهرة بين العلماء، ولعلّها تكفي في إثبات الاستحباب.

(والإمام) يُسلّم تسليمة واحدة، ويؤمي (بصفحة وجهه) لصحيحة عبد الحميد المتقدّمة.

وما ورد في عدّة من الروايات(1) من (أنّ الإمام يُسلّم تسليمة واحدة مستقبل القبلة) لا ينافيها، إذ تُحمل الصحيحة على الالتفات اليسير غير المنافي لصدق الاستفبال.

(و) أمّا (المأموم) فيُسلِّم واحدة، و (يؤمي) بصفحة وجهه (عن يمينه ويساره إنْ كان على يساره أحد) لطائفة من الأخبار مثل مارواه الكليني في الصحيح، عن أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا كنتَ في صفٍ فسلّم تسليمةً عن يمينك، وتسليمةً عن يسارك، لأنّ عن يسارك من يُسلّم عليك»(2).

وما في بعض الروايات من أنّه يُسلّم تسليمتين(3) بلا تقييدٍ، يُحمل على صورة كون أحدٍ على اليسار، لعدم الإطلاق له من هذه الجهة، مضافاً إلى الروايات5.

ص: 331


1- وسائل الشيعة: ج 6/419 ح 8323.
2- الكافي: ج 3/338 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/419 ح 8323.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/92 ح 113، وسائل الشيعة: ج 6/419 ح 8325.

المصرّحة بأنّه إنْ لم يكن على يساره أحدٌ، عليه أن يُسلِّم واحدة عن يمينه.

وأمّا ما في بعض الروايات الاُخر من أنّ وظيفته ليست إلّاتسليمة واحدة، كقوله عليه السلام في صحيحة زرارة وغيره: «يُسلّم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره»(1)، فيُحمل على نفي تأكّد الاستحباب، أو يُحمل على غير المأموم، أي المنفرد.

أقول: ثمّ إنّ هذه الأحكام مختصّة بالتسليمة الأخيرة، كما هو المشهور بين الأصحاب(2)، ولا يخفى وجهه على من أمعن النظر في روايات الباب.

***5.

ص: 332


1- تهذيب الأحكام: ج 2/93 ح 116، وسائل الشيعة: ج 6/420 ح 8327.
2- السرائر: ج 1/231، مختلف الشيعة: ج 3/91، الذكرى : ص 205 / رسائل الكركي: ج 1/113، مدارك الأحكام: ج 3/438، الحدائق الناضرة: ج 8/495.

الفصل الثاني: في مندوبات الصَّلاة

اشارة

الفصل الثاني: في مندوبات الصَّلاة.

وهي خمسة: الأوّل: التوجّه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية.

مندوبات الصَّلاة

(الفصل الثاني: في مندوبات الصَّلاة) زيادةً على ما سمعته في المواضع المخصوصة (وهي) كثيرة، ذكر المصنّف رحمه الله منها (خمسة:

الأوّل: التوجّه بسبع تكبيرات بينهما ثلاثة أدعية
اشارة

الأوّل: التوجّه بسبع تكبيرات بينهما ثلاثة أدعية).

بأن يُكبّر ثلاثاً ثمّ يدعو، ثمّ يكبّر اثنين ثمّ يدعو، ثمّ يكبر اثنين ثمّ يدعو، لقول الإمام الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي:

«إذا افتتحتَ الصَّلاة فارفع يديك ثمّ ابسطهما، ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات، ثمّ قُل:

اللّهُمَّ أنتَ المَلِكُ الحقّ لا إله إلّاأنتَ ، سُبحانك إنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّاأنتَ ، ثمّ كبّر تكبيرتين، ثمّ قُل: لبّيكَ وسَعديك، والخَير في يديك، والشَّر ليس إليك، المهديُّ مَن هَدَيت، لا مَلْجأ منك إلّاإليك، سُبحانك وحَنانيك، تباركتَ وتعاليتْ ، سُبحانك ربّ البيت، ثمّ كبّر تكبيرتين، ثمّ تقول: وجّهتُ وجهي للّذي فطر السماوات والأرض، عالمُ الغيب والشهادة، حنيفاً مُسلماً، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي للّه ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين»(1).

ص: 333


1- الكافي: ج 3/310 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/24 ح 7247.

وفي الخبر المرويّ في «شرح النفليّة»(1): «تقول عقيب السادسة يا محسنُ قد أتاكَ المُسيء... الخ»(2).

أقول: ولا يخفى أنّ الإتيان بالتكبيرات السَّبع على النهج المزبور، إنّما هو مستحبّ ، ولايجب أزيد من تكبيرة واحدة للإحرام، كما هو صريح الروايات الكثيرة:

منها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «أدنى ما يُجزي من التكبيرة في التوجّه إلى الصَّلاة، تكبيرة واحدة، ثلاث تكبيرات وخمس، وسبع أفضل»(3).

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا افتتحتَ وكبّر إنْ شئت فواحدة، وإنْ شئتَ ثلاثاً، وإنْ شئتَ خمساً، وإنْ شئتَ سبعاً، كلّ ذلك مجزٍ عنك»(4).

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن زيد الشّحام، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الافتتاح ؟ فقال: تكبيرة تُجزيك، قلت فالسَّبع ؟ قال ذلك الفضل»(5).

وهذه الروايات تدلّ على عدم وجوب أزيد من تكبيرة واحدة، وأفضليّة السّبع، وإنّ منها تكبيرة الإحرام، وهذا لا كلام فيه، إنّما الكلام يقع في موردين:

ما به الإفتتاح من التكبيرات

المورد الأوّل: في أنّ الافتتاح هل يحصل بمجموع ما يختاره من التكبيرات، أو

ص: 334


1- كما حكاه في شرح اللّمعة: ج 1/629-630.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 4/143 ح 4337-6.
3- وسائل الشيعة: ج 6/23 ح 7246، الخصال: ج 2/347 ح 19.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/66 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/34 ح 7276.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/266 ح 10، وسائل الشيعة: ج 6/9 ح 7206.

أنّ الذي تُفتتح به الصَّلاة تكبيرة واحدة، والبقيّة خارجة عن الواجب المطلوبة بطلب ندبي ؟

أقول: لا ينبغي التأمّل في أنّ ظاهر عدّة من روايات الباب، أنّ الإفتتاح يحصل بمجموع ما يختاره - كما أفتى به والد المجلسي رحمه الله(1) - لاحظ صحيحة زيد الشّحام المتقدّمة، ورواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«الإمام تُجزيه تكبيرة واحدة، وتُجزيك ثلاثاً مترسّلاً إذا كنت وحدك»(2).

وخبر أبي بصير المتقدّم، وغير ذلك من الروايات.

إلّا أنّه ينبغي رفع اليد عن هذا الظهور، لا لما قيل من عدم تصوّر التخيير بين الأقلّ والأكثر، خصوصاً إذا كان الأقلّ وجوده منحازاً في الخارج عمّا يلحقه من الأجزاء الاُخر كما في المقام.

فإنّه يندفع بأنّ التخيير بين الأقلّ والأكثر ممكن بأخذ الأقلّ بشرط لا، كما حقّقناه في الاُصول(3).

بل الوجه في رفع اليد عن ظهور الأخبار، عدم معروفيّة هذا القول بين الأصحاب، بل المعروف خلافه، ولا يُبعد دعوى شهادة بعض الأخبار لما ذهب إليه الأصحاب، كصحيحة الحلبي:

«فإذا كنتَ إماماً يُجزيك أن تُكبّر واحدة، تجهر فيها وتُسِرّ ستّاً»(4).

لإشعارها أو دلالتها على أنّ ما يُجهر به هو بالخصوص تكبيرة الافتتاح دون ما عداها.3.

ص: 335


1- حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الصَّلاة: ص 293.
2- وسائل الشيعة: ج 6/10 ح 7207.
3- زبدة الاُصول: ج 5/65.
4- وسائل الشيعة: ج 6/33 ح 7273.

وعليه، فما ذهب إليه المشهور(1) - ومنهم المصنّف رحمه الله - من أنّ واحدة منها تكبيرة الإحرام هو المتّبع.

هل يتعيّن أن يَجعل الأُولى افتتاحاً أو الأخيرة

المورد الثاني: في أنّه على المشهور:

هل يتعيّن أن يَجعل الأُولى افتتاحاً، كما عن جماعة من المتأخّرين(2)؟

أو الأخيرة، كما هو ظاهر جماعةٍ من القدماء(3)؟

أو يتخيّر في السبع أيّتها شاء جَعَلها تكبيرة الإفتتاح(4)؟ وجوه:

قد استدلّ للأوّل: بروايتين واردتين في سبب زيادة سِتّ تكبيرات:

الاُولى: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في الصّلاة وإلى جانبه الحسين بن عليّ ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين عليه السلام بالتكبير، ثمّ كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحرالحسين التكبير، فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُكبِّر ويعالج الحسين حتّى كمل سبع تكبيرات، فأحار الحسين التكبير في السابعة. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فصارت سُنّة»(5).

والاُخرى : وهي صحيحة زرارة: «فافتتح رسول اللّه صلى الله عليه و آله الصَّلاة فكبّر الحسين عليه السلام، فلمّا سَمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله تكبيره عاد فكبّر، فكبّر الحسين عليه السلام حتّى كبّر

ص: 336


1- كتاب الصَّلاة للشيخ الأنصاري (ط. ق) ص 188، قوله: (في أنّ أحدهما تكبيرة الإحرام على المشهور المعروف).
2- الحدائق الناضرة: ج 8/21، مستمسك العروة الوثقى: ج 6/71، قال في الحدائق: (الظاهر عندي من التأمّل في أخبار المسألة أنّها الأولى خاصّة، وممّن تفطّن إلى ذلك من محقّقي متأخّري المتأخّرين شيخنا البهائي في حواشي الرسالة الاثني عشريّة والمحدّث الكاشاني في الوافي والسيّد الفاضل المحدّث السيّد نعمة اللّه الجزائري، بل صرّح بتعيين الأُولى لذلك).
3- نهاية الاحكام: ج 1/408، الذكرى : ص 179، جامع المقاصد: ج 2/239، قالوا: (الأفضل جعلها الأخيرة).
4- المبسوط: ج 1/104، قوله: (وتكبيرة الإحرام هي التي ينوي بها الدخول في الصَّلاة، سواء قصد بالأولى وبالأخيرة أو بالوسطى أو غيرها، فإنْ نوى بالأولى تكبيرة الإحرام، كان ما عداها واقعاً في الصَّلاة، وإنْ نوى بالأخيرة ذلك كان ما عداها واقعاً خارج الصَّلاة، والأفضل أن ينوي بالأخيرة).
5- تهذيب الأحكام: ج 2/67 ح 11، وسائل الشيعة: ج 6/20 ح 7238.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله سَبع تكبيرات، وكبّر الحسين عليه السلام، فَجَرَت السُنّة بذلك»(1).

وتقريب الاستدلال بهما: إنّ ما كبّره صلى الله عليه و آله أوّلاً هو تكبيرة الإحرام، والتكبيرات الاُخرى إنّما صدرت لتمرين الحسين عليه السلام على التكلّم.

وفيه: إنّ افتتاح الصَّلاة بالأُولى إنّما كان قبل تشريع السَّبع، وأمّا بعدما شُرّع فهل يتعيّن جعلها تكبيرة الإحرام فهو أوّل الكلام.

أقول: وقد استدلّ بعض المحقّقين(2) على تعيّن الاُولى بما حاصله:

إنّ مقتضى الإطلاق، بعد الإجماع على حصول الافتتاح بواحدة منها، عدم اعتبار خصوصيّة زائدة عن طبيعة التكبيرة المأتي بها للافتتاح، فلابدّ وأن يحصل الافتتاح بالأُولى، لأنّه ما دام لم يوجد المسمّى في الخارج، وجب إيجاد المسمّى ، فمتى وُجِد سقط الوجوب، فيتّصف بعده سائر الأفراد بالاستحباب، إذ الأمر الوجوبي والاستحبابي لا يتنجّزان معاً إذا كان متعلّقهما طبيعة واحدة بلحاظ أفرادها المتعدّدة، فلا محالة ما يوجد في الخارج أوّلاً يتّصف بالوجوب، وما زاد عليه بالاستحباب.

وفيه: إنّه إذا تعلّق أمرٌ وجوبي واستحبابي بطبيعة واحدة، فكما يكون إيجاد المسمّى بإيجاد فردٍ منها واجباً، كذلك إيجادها بإيجاد فردٍ آخر منها مستحبّ ، فما يقع في الخارج أوّلاً كما يصلح لأن يكون مصداقاً لما هو واجبٌ ، كذلك يصلُح لأنْ يكون مصداقاً لما هو مستحبّ ، فحيث لا يمكن صيرورة فردٍ واحدٍ امتثالاً لهما معاً، ووقوعه امتثالاً لأحدهما دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجّح، فلا محالة في أنّ وقوعه8.

ص: 337


1- وسائل الشيعة: ج 6/21 ح 7241.
2- الحدائق الناضرة: ج 8/28.

امتثالاً لأحدهما يحتاج إلى القصد والتعيين، كما هو الحال في كلّ فعلٍ يكون قابلاً لأن يقع امتثالاً لأمرين، كالركعتين القابلتين للوقوع مصداقاً لفريضة الصبح ونافلتها، ولذا ترى تسالم الفقهاء على لزوم تمييز تكبيرة الإحرام بالقصد، وليس الوجه في ذلك مغايرة تكبيرة الإحرام لغيرها من التكبيرات السبع، ولها خصوصيّة زائدة، كما عن بعض المحقّقين رحمه الله(1) فإنّه يكفي في دفعه الإطلاقات، بل الوجه فيه ما ذكرناه، فتعيّن الاُولى للافتتاح لا وجه له.

وقد استدلّ لتعيّن الأخيرة للافتتاح:

1 - برواية أبي بصير المتقدّمة، وفيها بعد ذكر الدُّعاء بعد التكبيرات الثلاث، بقوله: (اللّهُمَّ أنتَ المَلِكُ الحقّ ... الخ)، والدُّعاء عقيب الاثنتين، بقوله: (لبّيك وسعديك... الخ)، وعقيب السادسة: (يا محسن قد أتاك المُسيء... الخ)، قال عليه السلام: «ثُمّ تكبّر للإحرام».

2 - وبما في «الفقه الرضوي»: (واعلم أنّ السابعة هي الفريضة، وهي تكبيرة للافتتاح، وبها تحريم الصَّلاة)(2).

ودلالتهما على ما ادّعي من كون الأخيرة تكبيرة الإحرأم لا تُنكر، إلّاأنّه لا يُعتمد عليهما، لضعف سنديهما، اللّهُمَّ إلّاأنْ يُقال بانجباره بعمل القدماء من الأصحاب(3) بهما، بل وقد ادّعي الإجماع على تعيّنها في «الغُنية»(4)، فتأمّل.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ شيئاً ممّا استدلّ به على تعيّن الاُولى أو الأخيرة3.

ص: 338


1- مصباح الفقيه: ج 2/247 ق 1.
2- فقه الرضا: ص 105.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/113، الذكرى : ص 179، روض الجنان: ص 260.
4- غنية النزوع: ص 77 و 83.

للافتتاح لا يتمّ ، فالأقوى هو التخيير في جعل أيّتها شاء تكبيرة الافتتاح، بل لا يبعدُ القول بالإكتفاء بالقصد الإجمالي بواحدةٍ من السّبع، وإنْ كان الأحوط جعلها الأخيرة، كما لا يخفى وجهه.

تنبيه: مقتضى إطلاق كثيرٍ من النصوص والفتاوى، عدم اختصاص استحباب الاستفتاح بسبع تكبيرات بالفرائض، بل يعمّ النوافل أيضاً.

***

ص: 339

الثاني: القنوت
اشارة

الثاني: القنوت.

في القنوت

(الثاني: القنوت) وهو الدُّعاء المشتمل للثناء على اللّه تعالى بالتسبيح والتهليل في الموضع المخصوص.

ولا شُبهة ولا خلاف في مشروعيّته، بل في «الجواهر»(1): (لا خلاف بين المسلمين في مشروعيّته في الصَّلاة في الجملة).

ولكن الأصحاب اختلفوا في أنّه مستحبٌّ أو واجب ؟

والمشهور أو الأشهر هو الأوّل، بل المحكيّ عن «المعتبر»(2)، و «المنتهى»(3):

دعوى الإجماع عليه.

وعن ابن أبي عقيل(4): وجوبه في الفرائض الجهريّة.

وعن الصدوق(5): الوجوب في جميع الصّلوات، ومالَ إليه في «الحبل المتين»(6).

واستدلّ لوجوبه: بجملةٍ من النصوص المتضمّنة للأمر به، والنافية للصَّلاة بدونه، مثل ما رواه في «الكافي» بإسناده عن الحارث بن المغيرة، قال:

ص: 340


1- جواهر الكلام: ج 10/352.
2- المعتبر: ج 2/238.
3- منتهى المطلب: ج 1/288.
4- حكاه عنه الشهيد في البيان: ص 96، بقوله: (وأوجبه ابن أبي عقيل مطلقاً)، الذكرى : ص 183 (ط. ق)، فقه ابن أبي عقيل العماني ص 212.
5- المقنع: ص 115.
6- الحبل المتين ص 236.

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: اُقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الرّكوع»(1).

وموثّق زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «القنوت في كلّ الصّلوات»(2).

ونحوهما غيرهما.

وفيه: إنّه يتعيّن حمل هذه النصوص على الاستحباب:

1 - بقرينة صحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «قال أبو جعفر عليه السلام في القنوت: إنْ شئتَ فاقنت، وإنْ شئتَ فلا تَقنُت.

قال أبو الحسن عليه السلام: وإذا كان التقيّة فلا تقنت، وأنا أتقلّد هذا»(3).

ورواية الصحيح بطريق آخر: (القنوت في الفجر.... الخ) لا تضرّ بالاستدلال، لاحتمال تعدّد الحديث، مع أنّه أيضاً بضميمة عدم الفصل بين الفجر وغيرها، يدلّ على المطلوب.

2 - والنصوص الآتي بعضها الدالّة على أنّه لا قنوت في غير الجهريّة.

3 - ويؤيّد عدم الوجوب، صحيح وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«القنوت في الجمعة والعشاء والعُتَمة والوِتر والغَداة، فَمَن تركَ القنوت رغبةً عنه فلا صلاة له»(4).

إذا الظاهر من تعليق نفي الصَّلاة على تركه رغبةً عنه، أنّه لابأس بتركه من حيث هو.5.

ص: 341


1- الكافي: ج 3/339 ح 4، وسائل الشيعة: ج 6/263 ح 7909.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/90 ح 104، وسائل الشيعة: ج 6/261 ح 7901.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/91 ح 108، وسائل الشيعة: ج 6/269 ح 7931.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/90 ح 103، وسائل الشيعة: ج 6/265 ح 7915.

4 - وبالآية الشريفة وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1).

وفيه: إنّ المراد من (القنوت) فيها ليس القنوت المصطلح، كما يظهر لمن تدبّر فيها، وفي الروايات الواردة في تفسيرها.

وأمّا القائلون بوجوبه في الجهريّة، فقد استدلّوا له بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح وهب المتقدّم.

ومنها: صحيح سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «سألته عن القنوت، هل يُقنت في الصّلوات كلّها أم فيما يُجهر فيه بالقراءة ؟ قال: ليس القنوت إلّافي الغداة والجمعة والوِتر والمَغرب»(2).

ونحوهما غيرهما.

وفيه: إنّ هذه النصوص محمولة على الاستحباب:

1 - لصحيح البزنطي المتقدّم، الدالّ على عدم وجوبه في الفجر.

2 - وخبر عبد الملك: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: قنوتُ الجمعة في الرّكعة الاُولى قبل الرّكوع، وفي الثانية بعد الرّكوع ؟

قال عليه السلام لي: لا قبلُ ولا بعد»(3).

لعدم احتمال الفصل بين الفجر والجمعة وغيرهما.

3 - ولموثّق يونس، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت في أيّ الصلوات أقنتُ؟ قال عليه السلام: لا تقنت إلّافي الفجر»(4).0.

ص: 342


1- سورة البقرة: الآية 238.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/91 ح 106، وسائل الشيعة: ج 6/265 ح 7919.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/17 ح 60، وسائل الشيعة: ج 6/272 ح 7941.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/91 ح 107، وسائل الشيعة: ج 6/265 ح 7920.

فتحصّل: أنّ الأقوى استحبابه في جميع الصّلوات.

أقول: وعن جماعةٍ من المحقّقين(1) كالمصنّف رحمه الله(2) والشيخ(3) والشهيدين(4)وغيرهم(5): إنّه يتأكّد في الجهريّة.

واستدلّ له: بالنصوص المتقدّم بعضها المتضمّنة للأمر به، وثبوته في خصوص الجهريّة المحمولة على تأكّد الاستحباب، بقرينة ما دلّ على استحبابه في جميع الصَّلوات، وعدم وجوبه فيها.

وفيه: إنّ عدّة من النصوص تدلّ على أنّ التخصيص بالجهريّة إنّما يكون لأجل التقيّة، كموثّق أبي بصير، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت ؟ فقال: فيما يُجهر فيه بالقراءة.

قال: فقلت له: إنّي سألتُ أباك عن ذلك، فقال لي في الخَمس كلّها؟

فقال: رَحِم اللّه أبي، إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحقّ ، ثمّ أتوني شكّاكاً فأفتيتهم بالتقيّة»(6). ونحوه غيره.

***0.

ص: 343


1- جامع المقاصد: ج 2/334.
2- قواعد الأحكام: ج 1/280، قوله: (ويستحبّ «القنوت» في كلّ ثانية قبل الرّكوع بعد القراءة، والناسي يقضيه بعد الرّكوع، وآكده في الغداة والمغرب، وأدون منه الجهريّة، ثمّ الفريضة مطلقاً).
3- الاستبصار: ج 1/340.
4- الشهيد الأوّل في الذكرى : ص 183.
5- جامع المقاصد: ج 2/334، جواهر الفقه ص 256، مصباح الفقيه: ج 2/387 ق 1.
6- تهذيب الأحكام: ج 2/91 ح 109، وسائل الشيعة: ج 6/263 ح 7910.

وهو في كلّ ثنائيّة قبل الرّكوع وبعد القراءة.

محلّ القنوت

(وهو في كلّ ) صلاةٍ مرّة واحدة، في الرّكعة (ثنائيّة قبل الرّكوع وبعد القراءة) كما هو المشهور(1).

بل عن «الخلاف»(2) و «الغُنية»(3) و «التذكرة»(4) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «القنوت في كلّ صلاةٍ في الرّكعة الثانية قبل الرّكوع»(5).

ومنها: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما أعرفُ قنوتاً إلّا قبل الرّكوع»(6). ونحوهما غيرهما.

وعن المحقّق(7) والشهيد الثاني(8): التخيير بين قبل الرّكوع وبعده.

واستدلّ له بما رواه معمّر بن يحيى ، عن أبي جعفر عليه السلام: «القنوت قبل الرّكوع،

ص: 344


1- ذخيرة المعاد: ج 2/293.
2- الخلاف: ج 1/382.
3- غنية النزوع: ص 87.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/71.
5- الكافي: ج 3/340 ح 7، وسائل الشيعة: ج 6/266 ح 7923.
6- الكافي: ج 3/340 ح 13، وسائل الشيعة: ج 6/268 ح 7928.
7- المعتبر: ج 2/243، قوله: (ومحلّه الأفضل قبل الرّكوع وهو مذهب علمائنا).
8- شرح اللّمعة: ج 1/632.

وإنْ شئت بعده»(1).

وفيه: إنّه معارضٌ بالروايات المتقدّمة، الدالّة على أنّ مورده قبل الرّكوع، وهي تقدّم لوجوهٍ لا تخفى ، ويُحمل الخبر على التقيّة، كما عن الشيخ قدس سره(2).

ودعوى: أنّ الجمع بين النصوص الأول والخبر، يقتضي حملها على الأفضليّة، ومعه لا وجه لحمله على التقيّة.

مندفعة: بأنّ الجمع المزبور بالنسبة إلى صحيح معاوية بعيدٌ جدّاً، فلاحظ.

ما يُعتبر في القنوت

أقول: ويعتبر فيه اُمور:

الأمر الأوّل: رفع اليدين، بل عن «كشف اللّثام»(3) دخوله في مفهوم القنوت.

ويشهد له:

1 - خبر محمّد بن سليمان، قال: «كتبتُ إلى الفقيه أسأله عن القنوت ؟ فكتب: إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، وقل ثلاث مرّات: بسم اللّه الرحمن الرحيم»(4).

فإنّ تعليق جواز تركه على الضرورة الشديدة، يدلّ على اعتباره فيه.

2 - وموثّق عمّار: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخافُ أن أقنتَ وخلفي مخالفون ؟

ص: 345


1- تهذيب الأحكام: ج 2/92 ح 111، وسائل الشيعة: ج 6/267 ح 7926.
2- المبسوط: ج 1/113، قوله: (ومحلّها قبل الرّكوع بعد الفراغ من القراءة لا ينبغي تركه مع الاختيار، إلّافي حال الضرورة أو التقيّة).
3- كشف اللّثام: ج 1/236.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/315 ح 142، وسائل الشيعة: ج 6/274 ح 7948.

فقال: رفعك يديك يُجزي، يعني رفعهما كأنّك تركع»(1).

فإنّ الاجتزاء في مقام التقيَّة، يناسب كونه من مقوّمات القنوت.

أقول: والأولى أنْ يكون الرفع به تلقاء وجهه، مبسوطتين، يستقبل ببطونهما السّماء، كما هو المتعارف لدى المتشرّعة، ويشهد له مضافاً إلى السيرة القطعيّة، ما رواه في «الذكرى» عن ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ترفع يديك حيال وجهك، وإنْ شئتَ تحت ثوبك، وتتلقّى ببطونهما السّماء»(2).

الأمر الثاني: يعتبر فيه الإتيان بشيءٍ من الذّكر والدُّعاء والمناجاة، ولا يعتبر فيه ذِكرٌ مخصوص، ويشهد لهما صحيح إسماعيل بن الفضل، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت، وما يُقال فيه ؟ قال عليه السلام: ما قضى اللّه على لسانك، ولا أعلم فيه شيئاً موقّتاً»(3). ونحوه غيره.

أقول: والأولى أنْ لا يكون أقلّ من ثلاث تسبيحات، لخبر ابن أبي سمّاك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وفيه: «يُجزي من القنوت ثلاث تسبيحات»(4).

وأولى منه أنْ لا يكون أقلّ من خمس تسبيحات، لما في خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن أدنى القنوت ؟ قال خمس تسبيحات»(5).

وأولى منه أن يقرأ الأدعية الواردة عن المعصومين عليهم السلام، والأفضل كلمات الفَرَج.5.

ص: 346


1- تهذيب الأحكام: ج 2/316 ح 144، وسائل الشيعة: ج 6/282 ح 7973.
2- الذكرى / 3/288، تهذيب الاحكام / 2/131 ح 272، وسائل الشيعة: ج 6/282 ح 7972.
3- الكافي: ج 3/340 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/277 ح 7956.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/92 ح 110، وسائل الشيعة: ج 6/274 ح 7947.
5- الكافي: ج 3/340 ح 11، وسائل الشيعة: ج 6/273 ح 7945.
حكم القنوت بغير العربيّة

ولا يخفى أنّه اختلف الأصحاب في جواز القنوت بغير العربيّة، وتحقّق وظيفة القنوت بها:

فعن جماعةٍ من القدماء(1) الجواز، بل عن «جامع المقاصد»(2): لا نعلم قائلاً بالمنع سوى سعد بن عبد اللّه.

وقيل(3): بالمنع.

واستدلّ للجواز:

1 - بما دلّ على جواز الدُّعاء بكلّ ما يُناجي العبد به الرّب.

2 - وما ورد من أنّ كلّ ما يُذكر به اللّه تعالى والنبيّ صلى الله عليه و آله فهو من الصَّلاة:

منها: المرسل المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «كلّما كلّمت به في صلاة الفريضة فلا بأس»(4).

ومنها: صحيح الحلبي: «كلّما ذَكَرت اللّه عَزّ وجَلّ به والنبيّ صلى الله عليه و آله فهو من الصَّلاة»(5) ونحوهما غيرهما.

ص: 347


1- قال الصدوق في من لا يحضر الفقيه: ج 1/316 في ذيل الحديث 935: (وذكر شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن سعد بن عبد اللّه إنّه كان يقول: لا يجوز الدُّعاء في القنوت بالفارسيّة، وكان محمّد بن الحسن الصفّار يقول: إنّه يجوز، والذي أقول به إنّه يجوز).
2- جامع المقاصد: ج 2/322.
3- تحرير الأحكام: ج 2/181، قوله: (مسألة: نقل شيخنا أبو جعفر بن بابويه رحمه الله عن شيخه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن سعد بن عبد اللّه رضى الله عنه أنّه كان يقول: لا يجوز الدُّعاء في القنوت بالفارسيّة). ثمّ نقل أقوال بعض المجوّزين، والروايات التي يستدلّ بها على الجواز، وقال: (والذي اختاره ابن بابويه هو الحقّ عندي).
4- الكافي: ج 3/302 ح 5، وسائل الشيعة: ج 7/264 ح 9290.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/316 ح 149، وسائل الشيعة: ج 7/263 ح 9289.

3 - وبما دلّ على نفي التوقيت في القنوت(1).

4 - وبأصالة البراءة من المانعيّة في جوازه بها، بعد عدم شمول ما دلّ على قادحيّة الكلام عمداً لذلك.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّلان: فلأنّه بقرينة كون الأقوال الصَّلاتيّة عربيّة، تكون تلك النصوص منصرفة الى خصوص العربيّة، ولا تشمل غيرها.

وأمّا الأصل: فلأنّه يكون الدُّعاء بغير العربيّة، بعد انصراف الدُّعاء في النصوص الى العربي داخلاً في الكلام الذي دلّ الدليل على قادحيّته.

فتحصّل: أنّ الأقوى المنع.

الأمر الثالث: القيام بلا خلافٍ ، ويشهدُ له موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء، وإنْ ذكره وقد أهوى إلى الرّكوع قبل أنْ يضع يديه على الرّكبتين، فليرجع قائماً وليقنت ثمّ ليركع»(2).

***4.

ص: 348


1- الكافي: ج 3/450 ح 31، وسائل الشيعة: ج 6/277 ح 7957.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/131 ح 275، وسائل الشيعة: ج 6/286 ح 7984.

وَيَقضِيَهُ لو نَسي بعد الرّكوع.

مسألة: (ويقضيه) أي ويقضي القنوت (لو نَسيه بعد الرّكوع) إنْ تذكّر بعد الدخول فيه، بلا خلافٍ (1).

وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم، قالا: «سألنا أبا جعفر عليه السلام عن الرّجل ينسى القنوت حتّى يركع ؟ قال عليه السلام: يقنتُ بَعد الرّكوع، فإنْ لم يذكر فلا شيء عليه»(2). ونحوه موثّق عبيد(3).

ولا يعارضهما صحيح معاوية، قال: «سألته عن الرّجل يَنسى القنوت حتّى يركع، أيقنت ؟ قال عليه السلام: لا»(4)، لتعيّن حمله على نفي الوجوب، أو تأكّد الاستحباب، أو شيءٍ آخر ممّا لا ينافي ما سبق، أو يُطرح، ولا يخفى وجهه.

وإنْ تذكّر قبل الوصول إلى حَدّ الرّكوع رَجَع إلى القيام، وأتى به لموثّق عمّار المتقدّم.

وإنْ تذكّر بعد الدخول في السّجود، أو بعد الصَّلاة، قضاه بعد الصَّلاة:

1 - لصحيح أبي بصير: «سمعته يذكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام، قال في الرّجل إذا سهى في القنوت: قنتَ بعدما ينصرف وهو جالس»(5).

2 - وصحيح زرارة: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: رجلٌ نَسي القنوت، فَذَكَر وهو في بعض الطريق ؟ فقال عليه السلام: ليستقبل القبلة ثمّ ليقله»(6).6.

ص: 349


1- رياض المسائل: ج 1/176 و 490.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/160 ح 86، وسائل الشيعة: ج 6/287 ح 7989.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/160 ح 88، وسائل الشيعة: ج 6/288 ح 7991.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/161 ح 91، وسائل الشيعة: ج 6/288 ح 7992.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/160 ح 89، وسائل الشيعة: ج 6/287 ح 7987.
6- الكافي: ج 3/340 ح 10، وسائل الشيعة: ج 6/286 ح 7986.
الثالث: نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده

الثالث: نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده، وفي حال قنوته إلى باطن كفّيه، وفي ركوعه إلى بين رجليه،

مندوبات الصلاة

(الثالث) من مندوبات الصَّلاة: أنْ يكون (نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده) لصحيح زرارة أو حسنه، عن الباقر عليه السلام:

«إذا استقبلتَ القبلةَ بوجهك، فلا تُقلّب وجهك...

إلى أنْ قال عليه السلام: واخشع ببصرك، ولا ترفعه إلى السّماء، وليكن حِذاء وجهك في موضع سجودك»(1).

ونحوه صحيحه الآخر.

(وفي حال قنوته إلى باطن كفّيه) والدليل عليه: ما دلّ على كراهة النظر إلى غير موضع السّجود، كخبر غياث، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، عن عليّ عليه السلام: «لا تُجاوز بطَرْفك في الصَّلاة موضع سجودك»(2). فتأمّل.

وما دلّ على كراهة التغميض، كخبر مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى أن يغمض الرّجل عينيه في الصَّلاة»(3)، فإنّ مقتضى الجمع بين هذين الدليلين استحباب ذلك.

(وفي ركوعه إلى بين رجليه)، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة:

«فإذا ركعتَ ... وليكن نظرك إلى ما بين قَدَميك»(4).

ص: 350


1- الكافي: ج 3/300 ح 6، وسائل الشيعة: ج 5/510 ح 7191.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/326 ح 190، وسائل الشيعة: ج 5/510 ح 7192.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/314 ح 136، وسائل الشيعة: ج 7/249 ح 9245.
4- وسائل الشيعة: ج 6/295 ح 8008.

وفي سجوده إلى طرف أنفه، وفي حال جلوسه إلى حِجره.

الرابع: وضع اليدين قائماً على فَخِذيه بحذاء رُكبتيه، وقانتاً تِلْقاءَ وجهه، وراكعاً على رُكبتيه. وساجداً بحذاء اُذنيه،

(وفي حال سجوده إلى طرف أنفه).

ويدلّ عليه: ما عن «الفقه الرضوي»(1) إنّه قال: (ويكون بَصرُك في وقت سجودك إلى أنفك، وبين السَّجدتين في حِجرك، وكذلك في وقت التشهّد).

وضعف سنده منجبرٌ بعمل الأصحاب به، مضافاً إلى كفايته في أمثال المقام، فتأمّل.

وأخيراً: ظهر ممّا ذكرنا أنّه يستحبّ أنْ يكون نظره (في حال جلوسه إلى حِجره).

الرابع: وضع اليدين قائماً على فَخِذيه بحذاء رُكبتيه

(الرابع) من مستحبّات الصَّلاة: (وضع اليدين قائماً على فَخِذيه بحذاء رُكبتيه).

ويدلّ عليه: قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «إذا قُمتَ للصَّلاة... وأرسل يديك، ولا تشبّك أصابعك، وليكونا على فَخِذيك قبالة رُكبتيك»(2).

(وقانتاً تِلْقاء وجهه) كما تقدّم تحقيقه في القنوت.

(وراكعاً على رُكبتيه) كما تقدّم تحقيقه في الرّكوع.

(وساجداً بحذاء اُذُنيه) لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «ولا تلزق كفّيك

ص: 351


1- فقه الرضا عليه السلام: ص 105.
2- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/461 ح 7079.

وجالساً على فخذيه.

الخامس: التعقيب، وأقلّه تسبيح الزهراء عليها السلام.

برُكبتيك، ولا تُدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك، ولا تجعلهما بين يدي رُكبتيك، ولكن تحرّفهما عن ذلك شيئاً...»(1).

(وجالساً على فَخِذيه) لما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله: (إنّه كان إذا قعد يدعو، يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويَده اليسرى على فخذه اليسرى )(2) فتأمّل.

الخامس: التعقيب

(الخامس) من مندوبات الصَّلاة: (التعقيب).

وقد أجمع العلماء(3) على استحبابه، وتدلّ عليه روايات كثيرة (وأقلّه) أي ما لا ينبغي تركه لتأكّد استحبابه (تسبيح الزهراء عليها السلام).

أقول: والظاهر من كلمات الأصحاب(4) أنّ أفضليّته مفروغٌ عنها لديهم، والأخبار الدالّة عليها كثيرة، كخبر صالح بن عقبة، عن جعفر عليه السلام، أنّه قال:

«ما عُبِدَ اللّه بشيءٍ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام، ولو كان شيءٌ أفضل منه لنحله رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليها السلام»(5).

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على أفضليّته.

ص: 352


1- الكافي: ج 3/334 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/461 ح 7079.
2- التذكرة: ج 1/128.
3- منتهى المطلب: ج 1/301، تذكرة الفقهاء: ج 3/264.
4- شرائع الإسلام: ج 1/71.
5- الكافي: ج 3/343 ح 14، وسائل الشيعة: ج 6/443 ح 8396.

ولا حَصْر لأكثره، ويستحبُّ أن يأتي فيه بالمنقول.

(ولا حَصر لأكثره) بل يستحبُّ الدُّعاء لأمر الدُّنيا والآخرة بما أمكن، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام في خبر مسعدة، المرويّ في «قرب الإسناد»، قال: «إذا قضيتَ الصَّلاة بعد أنْ تُسلّم، وأنتَ جالس، فانصب في الدُّعاء من أمر الدُّنيا والآخرة»(1).

وغير ذلك من الروايات الواردة بهذا المضمون.

(ويستحبُّ أن يأتي فيه بالمنقول)، وهو في غاية الكثرة، كما يظهر لمن راجع الكتب المعدّة لذلك.

***5.

ص: 353


1- وسائل الشيعة: ج 6/431 ح 8358، قرب الإسناد: ص 5.

الفصل الثالث: في قواطع الصَّلاة

اشارة

الفصل الثالث: في قواطع الصَّلاة.

ويُبطلها كلّ نواقِض الطّهارة وإنْ كان سهواً.

القواطع
البحث عن نواقض الطّهارة

(الفصل الثالث: في قواطع الصّلاة).

وينقضها اُمور:

الأمر الأوّل: (يبطلها كلّ نواقض الطهارة وإنْ كان سهواً) بلا خلافٍ فيه في حال العمد.

بل عن «المعتبر»(1)، و «التذكرة»(2)، و «الروض»(3) وغيرها(4) دعوى الإجماع عليه.

وعليه، فالنصوص(5) الورادة في عدم قادحيّة الحَدَث تُحمل على التقيَّة، لإعراض الأصحاب عنها.

إلّا أنّه وقع الخلاف في الحَدَث الواقع بعد السّجدة الأخيرة:

فالمشهور إنّه يُبطل الصَّلاة.

وعن الصدوق(6) والمجلسي(7) عدم مبطليّته.

ص: 354


1- المعتبر: ج 2/250.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/130.
3- روض البيان: ص 330.
4- كشف اللّثام: ج 4/155.
5- راجع وسائل الشيعة: ج 7/233، الباب الأوّل (من أبواب قواطع الصَّلاة وما يجوز فيها).
6- حكاه عن أمالي الصدوق صاحب الجواهر: ج 11/2، وأيضاً البحار (الحاشية التالية).
7- بحار الأنوار: ج 81/282 (في الحَدَث الواقع في أثناء الصَّلاة والقهقهة والنوم).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة أو حسنه، عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرّجل يُحدث بعد أنْ يرفع رأسه من السّجدة الأخيرة، وقبل أنْ يتشهّد؟

قال: ينصرف ويتوضّأ، فإنْ شاء رجع إلى المسجد، وإنْ شاءَ ففي بيته، وإنْ شاءَ حيث شاء قَعَد فيتشهّدثمّ يُسلِّم، وإنْ كان الحَدَث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»(1).

ومنها: موثّقة عبيد بن زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرّجل يُحدِث بعدما يرفع رأسه من السّجود الأخير؟ قال: تمّت صلاته، إنّما التشهّد سُنّة في الصَّلاة، فليتوضّأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد»(2).

وغيرهما من الروايات الواردة بهذا المضمون.

أقول: وهذه الروايات لو تمّت دلالتها على أنّ الحَدَث بعد السّجدة الأخيرة ولو كان عمديّاً لا يُبطل الصَّلاة، فبما إنّها أخصّ من ما يدلّ على مبطليّة الحَدَث فتُقدّم، ولأجلها يُحمل الأمر بالإعادة في خبر ابن الجهم على الاستحباب، فينحصر الجواب بإعراض الأصحاب عنها، وموافقتها للتقيّة.

ولكن يمكن دعوى اختصاصها بصورة عدم كون الحَدَث عمديّاً، إمّا لظهورها فيها، أو لحملها عليها، للإجماع على مبطليّة الحَدَث إذا كان عمديّاً ولو بعد السَّجدة الأخيرة، فتنطبق الروايات على القاعدة التي ذكرناها في التسليم، من عدم مبطليّة الحَدَث الواقع بعد السّجدة الأخيرة إنْ لم يكن عمديّاً، فلا وجه حينئذٍ لحملها على التقيّة أو القول بردّ علمها إلى أهلها.5.

ص: 355


1- تهذيب الأحكام: ج 2/318 ح 157 / وسائل الشيعة: ج 6/410 ح 8304.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/318 ح 156، وسائل الشيعة: ج 6/411 ح 8305.

وأمّا إذا كان الحَدَث الواقع في أثناء الصَّلاة قبل السَّجدتين الأخيرتين، في غير حال العمد، فلا خلاف في مبطليّته للصَّلاة، إذا كان الناقض ممّا يوجبُ الغُسل، وأمّا ما يوجب الوضوء ففيه خلاف:

والمشهور(1) إنّه كالعمد مبطلٌ للصَّلاة، وقع سهواً أو بغير اختياره.

وعن السيّد(2) والشيخ(3): إنّه لو أحدث بما يوجبُ الوضوء سهواً، تطهّر وبنى على ما مضى من صلاته.

وعن غير واحدٍ(4): أنّ المراد من السَّهو في كلامهما غير الاختيار، لا السَّهو عن كونه في الصَّلاة مع اختياريّة الحَدَث.

وكيف كان، فالأقوى ما هو المشهور، وهو مبطليّته في غير حال العمد والاختيار مطلقاً، وتدلّ عليه روايات:

منها: موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سُئل عن الرّجل يكون في صلاته، فيخرج منه حَبّ القرع، كيف يصنع ؟

قال: إنْ كان خَرَج نظيفاً من العَذَرة، فليس عليه شيءٌ ، ولم ينقض وضوءه، وإنْ خرج متلطّخاً بالعَذَرة، فعليه أن يُعيد الوضوء، وإنْ كان في صلاته قطع الصَّلاة، وأعاد الوضوء والصَّلاة»(5).

ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام، قال:2.

ص: 356


1- منتهى المطلب: ج 1/306.
2- الناصريّات ص 232.
3- المبسوط: ج 1/117 و 118.
4- مستمسك العروة الوثقى: ج 6/572.
5- الاستبصار: ج 1/82 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/259 ح 672.

«سألته عن الرّجل يكون في الصَّلاة، فيعلم أنّ ريحاً قد خرجت، فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها؟

قال: يُعيد الوضوء والصَّلاة، ولا يعتدّ بشيءٍ ممّا صَلّى إذا علم ذلك يقيناً»(1).

ومنها: خبر الحسين بن حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا أحسَّ الرّجل أنّ بثوبه بللاً وهو يُصلّي، فليأخذ ذكره بطرف ثوبه، فليمسّه بفخذه، وإنْ كان بللاً يُعرف، فليتوضّأ وليعد الصَّلاة، وإنْ لم يكن بللاً، فذلك من الشيطان»(2).

ولعلّ اختصاص هذه النصوص بغير حال العمد، واضح.

واستدلّ للقول بعدم البطلان:

1 - بصحيحة الفضل بن يسار، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: أكون في الصَّلاة فأجد غَمْزاً في بطني أو أذىً أو ضرباناً؟

فقال: انصرف، ثمّ توضّأ وابنِ على ما مضى من صلاتك، ما لم تنقض الصَّلاة بالكلام متعمّداً، وإنْ تكلَّمت ناسياً فلا شيء عليك، فهو بمنزلة مَنْ تكلّم في الصَّلاة ناسياً.

قلت: فإنْ قَلَب وجهه عن القبلة ؟ قال: نعم، وإنْ قلبَ وجهه عن القبلة»(3).

إذ الظاهر أنّ المراد الانصراف لقضاء الحاجة.

2 - وخبر القمّاط: «سمعتُ رجلاً يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ وَجَد غَمْزاً في9.

ص: 357


1- وسائل الشيعة: ج 7/235 ح 9207.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/353 ح 53، وسائل الشيعة: ج 7/234 ح 9205.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/332 ح 226، وسائل الشيعة: ج 7/235 ح 9209.

بطنه أو أذىً أو عصراً من البول، وهو في صلاة المكتوبة، في الرّكعة الاُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ؟

فقال: إذا أصاب شيئاً من ذلك، فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك، فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الذي كان يُصلّي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خَرَج منه لحاجته، ما لم ينقض الصَّلاة بالكلام.

قال: قلت: وإنْ التفتَ يميناً وشمالاً أو ولّى عن القبلة ؟

قال: نعم، كلّ ذلك واسعٌ ، إنّما هو بمنزلة رجلٍ سهى فانصرف في ركعةٍ أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته، ثمّ ذكر سهو النبيّ صلى الله عليه و آله»(1).

وفيه: إنّ ظاهرهما عدم مبطليّة الحَدَث في حال العمد، فيتعيّن حملهما على التقيّة - ويؤيّده اشتمال الثاني على سهو النبيّ صلى الله عليه و آله - أو طرحهما. مع أنّه لو سُلّم ظهورهما في عدم مبطليّة الحَدَث في غير حال العمد، يكونان معارضين لما تقدّم، وهو يقدّم لوجوه غير خفيّة.

3 - وبما ورد في المتيمّم الذي يُصيب الماء أثناء صلاته، بعد أنْ صار مُحدِثاً؛ كصحيح زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال:

«سألته عن رجلٍ دخل في الصَّلاة وهو متيمّم، فصلّى ركعة، ثمّ أحدَثَ فأصاب الماء؟

قال عليه السلام: يخرج ويتوضّأ، ثمّ يبني على ما مضى من صلاته الّتي صلّيبالتيمّم»(2).0.

ص: 358


1- تهذيب الأحكام: ج 2/355 ح 56، وسائل الشيعة: ج 7/237 ح 9211.
2- تهذيب الأحكام: ج 1/204 ح 68، وسائل الشيعة: ج 7/236 ح 9210.

وقال المحقّق(1): (هذه الرواية متكرّرة في الكتب بأسانيد مختلفة، وأصلها محمّد ابن مسلم).

وفيه: إنّ الصحيح مختصٌّ بالمتيمّم، ومع احتمال اختصاصه به - كما ذهب إليه المفيد(2) والشيخ في «النهاية»(3) و «المبسوط»(4)، وابن أبي عقيل(5) - لا وجه للتعدّي عنه إلى المتوضّئ.

مع أنّه لو سُلّم التعدّي، يتعيّن طرحه، لمعارضته للنصوص المتقدّمة، وهي تقدّم لوجوهٍ لا تخفى .

4 - وبما دلّ على عدم مبطليّة الحَدَث الواقع بعد السّجدة.

وفيه: ما عرفت من أنّ عدم مبطليّة ما وقع بعد السَّجدة الأخيرة، في غير حال العمد، ممّا تقتضيه القاعدة، فلا وجه للتعدّي إلى ما قبل السَّجدتين.

فتحصّل: أنّ الأقوى كون الحَدَث مبطلٌ للصَّلاة مطلقاً.

***1.

ص: 359


1- المعتبر: ج 1/407.
2- المقنعة: ص 61.
3- النهاية: ص 48.
4- المبسوط: ج 1/118.
5- حكاه عنه العلّامة الحِلّي في مختلف الشيعة: ج 1/441.

وتَعمُّدِ الإلتفات إلى ما ورائه.

تعمّد الإلتفات عن القبلة
اشارة

(و) الثاني: من قواطع الصَّلاة: (تعمّد الالتفات إلى ما ورائه) بلا خلافٍ فيه في الجملة، وعن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

ودعوى: عدم معقوليّة جعل القاطعيّة والمانعيّة له، مع كون الاستقبال شرطاً، إذ جعل أحد الضدّين مانعاً مع كون الاخر شرطاً لغو، لأنّه في فرض وجود المانع حينئذٍ، يكون الشرط مفقوداً، فلا محالة يستند عدم المعلول إلى عدم الشرط، فلا يوجد موردٌ يستند عدم المعلول إلى وجود المانع.

مندفعة: بأنّ شرطيّة الاستقبال لا تقتضي بطلان الصَّلاة في صورة الانحراف عن القبلة في الآنات المتخلّلة، لما عرفت من أنّ ظاهر أدلّة اعتباره، اعتباره في حال الاشتغال بأفعال الصَّلاة، وهذا بخلاف جعل القاطعيّة للانحراف عن القبلة، فإنّها تقتضي بطلانها في صورة الانحراف في الآنات، فلا يلزم لغويّة جعل القاطعيّة له.

أقول: ثمّ إنّ الالتفات:

تارةً : يكون إلى ما بين المشرق والمغرب.

واُخرى : يكون إليهما.

وثالثة: يكون إلى الوراء.

وعلى التقادير الثلاثة:

ص: 360


1- غنية النزوع: ص 82، جواهر الكلام: ج 11/25.

تارةً : يكون بجميع البدن.

واُخرى : يكون بالوجه.

وعلى التقادير الستّة: إمّا عمدي أو سهوي.

الإلتفات بتمام البدن

أقول: الأقوى أنّ الالتفات بتمام البدن، إنْ كان عمديّاً يوجبُ البطلان مطلقاً، كما هو المشهور بين الأصحاب(1)، بل عن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «سألته عن الرّجل يلتفت في صلاته ؟ قال عليه السلام لا»(3).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعِدْ الصَّلاة»(4).

ومنها: صحيح زراة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الالتفات يقطع الصَّلاة إذا كان بكلّه»(5).

ولا يعارضها خبر عبدالملك: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الالتفات في الصَّلاة، أيقطع الصَّلاة ؟ فقال عليه السلام: لا، وما أحبُّ أن يُفعل»(6).

ص: 361


1- غنائم الأيّام: ج 3/256.
2- مجمع الفائدة: ج 3/59.
3- الكافي: ج 3/366 ح 12، وسائل الشيعة: ج 7/244 ح 9231.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 1/366 ح 1057، وسائل الشيعة: ج 7/245 ح 9236.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/199 ح 81، وسائل الشيعة: ج 7/244 ح 9233.
6- تهذيب الأحكام: ج 2/200 ح 85، وسائل الشيعة: ج 7/245 ح 9235.

لقصوره عن المكافئة، فلابدّ وأن يُطرح أو يُحمل على ما لا ينافيها.

وقيل: يختصّ القاطعيّة بما إذا كان إلى الخلف، واستدلّ له:

1 - بالخبر الذي رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يلتفت في صلاته، هل قطع ذلك صلاته ؟

قال: إذا كانت الفريضة، والتفت إلى خلفه، فقد قطع صلاته، فيُعيد ما صَلّى ، ولا يتعدّ به، وإنْ كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته»(1). ونحوه غيره.

وفيه: إنّ الظاهر من الشرطيّة في الخبرين، بقرينة ما في ذيلها من قوله عليه السلام:

(وإنْ كانت نافلةً ... الخ) كونها مسوقةً لبيان الفرق بين الفريضة والنافلة، لا لبيان الفرق بين الالتفات إلى الخلف وغيره، حتّى تدلّ على أنّه إنْ لم يكن الالتفات إلى الخلف، فلا تبطل الصَّلاة. فلاحظ.

2 - وبمصحّح الحلبي، عن مولانا الصادق عليه السلام: «إذا التفتَّ في صلاةٍ مكتوبةٍ من غير فراغٍ ، فأعِد الصَّلاة إذا كان الالتفات فاحشاً»(2).

ونحوه غيره، بدعوى أنّ مفهومه عدم قاطعيّة الالتفات اليسير، وهو ما إذا كان إلى ما بين النقطتين أو إليهما.

وفيه: يمكن أن يكون المراد من الالتفات الفاحش ما ذُكر، كما يمكن أن يكون الالتفات بمقاديم البدن، ويمكن أيضاً أن يكون الالتفات الموجب لخروج المُصلّي عن كونه مستقبلاً عرفاً، في مقابل الالتفات اليسير، غير الموجب لذلك، ومع تطرّق هذه الاحتمالات فيه، وعدم ظهوره في الأوّل، لو لم ندّع ظهوره في الأخير، لا وجه2.

ص: 362


1- وسائل الشيعة: ج 7/246 ذيل ح 9238.
2- الكافي: ج 3/365 ح 10، وسائل الشيعة: ج 7/244 ح 9232.

للاستدلال به.

في الالتفات السَّهوي: وأمّا إذا كان الالتفات بتمام البدن سهويّاً، فالمشهور بين الأصحاب(1):

أنّه إنْ كان إلى ما بين المشرق والمغرب، فلا شيء عليه.

وإنْ كان إليهما، أعاد في الوقت دون خارجه.

وإنْ كان إلى الخلف أعاد مطلقاً.

وعن غير واحدٍ: اختصاص المبطليّة بصورة العمد.

والذي أختاره هو لزوم الإعادة في جميع صور السّهو الثلاث:

1 - لإطلاق النصوص المتقدّمة، لا سيّما صحيح زرارة، فإنّها ظاهرة في أنّ الالتفات يكون من القواطع مطلقاً.

2 - ولخبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «إنّه سُئل عن رجلٍ دخل مع الإمام في صلاته، وقد سبقه الإمام بركعةٍ ، فلمّا فرغ الإمام خَرَج مع النّاس، ثمّ ذكر أنّه فاتته ركعة ؟

قال عليه السلام: يُعيد ركعةً واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يُحوّل وجهه، فإذا حوّل وجهه عن القبلة استقبل الصَّلاة استقبالاً»(2).

وظاهر هذه الرواية، مبطليّة الانحراف عن القبلة، ولو مع عدم الإتيان بشيءٍ من الأفعال في حال السَّهو والنسيان.

وقد استدلّ لما نُسب إلى المشهور: بأنّ مقتضى ما دلّ على أنّ (ما بين المشرق5.

ص: 363


1- جواهر الكلام: ج 11/36.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/184 ح 23، وسائل الشيعة: ج 8/209 ح 10445.

والمغرب قبلة)(1) الحاكم على المطلقات الواردة في هذا الباب، عدم لزوم الإعادة في الصورة الاُولى، كما أنّ مقتضى ما دلّ على التفصيل بين الوقت وخارجه، من النصوص الواردة في باب القبلة(2)، وجوب الإعادة في الأوّل، وعدم وجوب القضاء في الثاني في الصورة الثانية.

وفيه: ما تقدّم في تلك المسألة من اختصاص تلك النصوص بصورة التحرّي، وانصرافها عن صورة السَّهو والنسيان، فراجع(3).

واستدلّ للقول الأخير: بحديث رفع الخطاء والنسيان والسَّهو(4).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ خبر ابن مسلم لأخصيّته يقدّم عليه - ما ذكرناه في هذا الكتاب غير مرّة من أنّ حديث الرفع لا يرفع التكليف المتعلّق بالجزء أو الشرط أو المانع، لو نسي المكلّف فتَرَك الجزء أو الشرط، أو أوجد المانع في الفرد، لعدم تعلّق النسيان بما تعلّق به التكليف، إذ متعلّق التكليف ليس هو الفرد الذي شُرّع فيه بل هو الطبيعي.

فإنْ قلت: إنّ ما ذكرتَ يتمُّ في الأجزاء والشرائط، ولا يتمّ في الموانع، إذ يمكن أن يقال فيها إنّه لو نسي المكلّف، والتفتَ في الصَّلاة عن القبلة، فإنّ مقتضى حديث الرفع أنّ هذا الالتفات ليس بالتفاتٍ شرعاً، فلا يكون مبطلاً.

قلت: إنّ لسان حديث الرفع لو كان رفع ما تعلّق به النسيان بعنوانه الأوّلي، كان ذلك تامّاً، ولكن بما أنّ لسانه رفع الشيء بعنوانه الثانوي الطارئ كالنسيان،9.

ص: 364


1- الكافي: ج 3/215 ح 2، وسائل الشيعة: ج 4/314 ح 5246.
2- الاستبصار: ج 1/296، وسائل الشيعة: ج 4/315 ح 5251.
3- فقه الصادق: ج 6/128.
4- الخصال: ج 2/417، وسائل الشيعة: ج 15/369 ح 20769.

فلا مناص عن الالتزام بأنّ المرفوع هو الفعل المعنون بهذا العنوان في عالم التشريع، ومعنى ذلك هو رفع الحكم الثابت له بعنوانه الأوّلي وليس هو إلّاالتكليف الضمني، الذي يكون رفعه برفع الحكم المتعلّق بما يكون منشأ انتزاعه، وهو المركّب، فتكون النتيجة عدم كون المجموع متعلّقاً للتكليف، وحيثُ لا دليل على ثبوته في الأجزاء الباقية، كي يُجتزى بها، ولا يكون متعلّق التكليف - وهو الطبيعي - متعلّقاً للنسيان كي يرتفع التكليف رأساً، فلا مناص عن الحكم بلزوم الإعادة. وتمام الكلام في ذلك موكولٌ إلى محلّه.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر حكم الالتفات القهري، وأنّه يوجب البطلان مطلقاً، إلّا إذا كان الإكراه عليه، أو الاضطرار به مستوعباً للوقت، كما لا يخفى على مَن تدبّر فيما ذكرناه.

هذا كلّه إذا كان الالتفات بكلّ البدن.

الإلتفات بالوجه

وأمّا إنْ كان الالتفات بالوجه فقط:

فالمشهور بين الأصحاب:(1) أنّه إنْ كان إلى ما بين المشرق والمغرب، أو إليهما، فلا يجب عليه الإعادة، عمديّاً كان أو سهويّاً، نعم يُكره ذلك في صورة العمد.

وإنْ كان إلى الخلف، وجب الإعادة في الوقت، والقضاء خارجه.

أقول: ما ذهب اليه المشهور من أنّ الالتفات بالوجه إلى النقطتين، أو إلى ما بينهما، لا يكون قاطعاً هو الأقوى ، لعدم الدليل على قاطعيّته، بل الخبر الصحيح

ص: 365


1- ذخيرة المعاد: ج 2/353، جواهر الكلام: ج 11/31.

الذي رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «عن الرّجل يكون في صلاته، فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه ؟

قال: إنْ كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإنْ كان في مؤخّره فلايلتفت، فإنّه لا يصلح»(1) يدلّ على عدم قادحيّته.

وعن الفخر(2)، و «الألفيّة»(3): قادحيّته مطلقاً.

وعن «المدارك»(4) و «المفاتيح»(5): الميل إليه.

واستدلّ له:

1 - بإطلاق ما دلّ على اعتبار الاستقبال(6).

2 - وبإطلاق ما دلّ على أنّ الالتفات عن القبلة من القواطع(7).

3 - وبموثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة، فأعد الصَّلاة»(8) وفي معناه غيره.6.

ص: 366


1- تهذيب الأحكام: ج 2/233 ح 230، وسائل الشيعة: ج 7/245 ح 9234.
2- إيضاح الفوائد: ج 1/118.
3- الألفيّة والنفليّة للشهيد الأوّل: ص 65 قوله عند عَدّ النواقض: (استدبار القبلة مطلقاً، أو اليمين أو اليسار مع بقاء الوقت).
4- مدارك الأحكام: ج 3/462.
5- قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 8/59: (وفي المفاتيح، الالتفات الفاحش عمداً مبطل وفاقاً للمشهور، قيل: وكذا غير الفاحش، وأمّا سهواً فإن لم يبلغ اليمين واليسار لم يضرّه، وإن بلغ وأتى بشيءٍ من الأفعال أعاد في الوقت دون خارجه)، انتهى . (في الهامش: مفاتيح الشرائع: ج 1/173).
6- وسائل الشيعة: ج 4/295 الباب الأوّل من أبواب القبلة (باب: وجوب استقبال القبلة في الصَّلاة) ابتداءً من حديث رقم 5193 إلى ح 5198 وغيرهم أيضاً.
7- وسائل الشيعة: ج 4/312 الباب التاسع من أبواب القبلة (باب: بطلان الصَّلاة إلى غير القبلة..) وغيره من الأبواب لا سيّما باب 11 من نفس المصدر.
8- من لا يحضره الفقيه: ج 1/366 ح 1057، وسائل الشيعة: ج 7/245 ح 9236.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ المتبادر منه الاستقبال بمقاديم البدن، مع أنّه يدلّ على اعتبار الاستقبال في الأفعال الصَّلاتيّة، لا الأكوان المتخلّلة.

وأمّا الثاني: فلأنّه يقيّد بما دلّ على قدحه، إذا كان بكلّ البدن، كصحيح زرارة المتقدّم، مع أنّ تلك النصوص منصرفة إلى ما إذا كان الالتفات بتمام البدن.

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر أنّ المراد من (الوجه) فيه، هو المراد من الوجه في قوله تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ * (1)وهو مقاديم البدن.

فتحصّل: أنّه لا دليل على قاطعيّة الالتفات في الصورتين، وأمّا كراهته فالظاهر اتّفاق العلماء عليها، ولكن لا دليل عليها غيره.

وأمّا الالتفات بالوجه إلى الخلف: فالظاهر امتناع وقوعه، وعلى فرض إمكانه، فإنّ الأقوى جوازه للأصل.

واستدلّ للمنع:

1 - بخبر عليّبن جعفرالمتقدّم، وقد عرفت انصرافه إلى الالتفات بمقاديم البدن.

2 - وبقوله عليه السلام في صحيحه المتقدّم: «وإنْ كان في مؤخّره فلا يلتفت، فإنّه لايصلح» إلّاأنّه لما عرفت من امتناع الالتفات بالوجه إلى الخلف، يدلّ على قاطعيّة الالتفات إذا كان بمقاديم البدن لا بالوجه فقط.

وأظنّ أنّ المشهور التزموا بالمنع، لأجل أنّ الالتفات بالوجه إلى الخلف، لايمكن إلّامع الانحراف عن القبلة بمقاديم البدن، وعليه فيكون المنع في محلّه.

***0.

ص: 367


1- سورة البقرة: الآية 144، 149 و 150.

والكلام بحرفين فصاعداً.

تعمّد الكلام في الصَّلاة
اشارة

(و) الثالث من قواطع الصَّلاة: تعمد (الكلام).

بلا خلافٍ ، بل عن غير واحدٍ(1) دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يأخذه الرّعاف أو القي في الصَّلاة، كيف يصنع ؟

قال: ينفتل فيغسل أنفه ويعود في الصَّلاة، وإنْ تكلّم فليعد»(2).

ومنها: موثّق أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إنْ تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصَّلاة»(3). ونحوهما غيرهما.

وهذا ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في تشخيص الموضوع، فالظاهر تحقّقه:

(بحرفين) ولو مهملين (فصاعداً) كما هو المشهور(4)، بل عن «الحدائق»(5)دعوى الإجماع عليه.

ص: 368


1- الذكرى : ص 216.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/323 ح 179، وسائل الشيعة: ج 7/238 ح 9215.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1/366 ح 1057، وسائل الشيعة: ج 7/281 ح 9341.
4- الذكرى : ص 216.
5- الحدائق الناضرة: ج 9/17 و 18.

أو بحرفٍ واحدٍ إنْ كان مُفهِماً للمعنى ، كما عن الشهيد(1) وجماعة من المتأخّرين عنه(2).

ويشهد لتحقّقه بالأوّل: مضافاً إلى صدق الكلام بذلك عرفاً ولغةً ، ما دلّ على أنّ (من أنَّ في صلاته فقد تكلّم)(3)، حيث أنّ الظاهر منه أنّ المدار على الصدق مطلق الكلام.

والدليل على الثاني: أنّ كونه مُفهِماً للمعنى يقوم مقام الحرف الآخر، فيصدق عليه الكلام.

وعليه، فما عن «القواعد»(4) و «التذكرة»(5) و «النهاية»(6) و «الدروس»(7) من التردّد في مبطليّته ضعيفٌ .

وأمّا الحرف الواحد غير المفهم، فلا يكون مصداقاً للكلام بلا خلاف، ولا يكون مبطلاً إجماعاً(8).

مسائل:

المسألة الاُولى: لا إشكال ولا خلاف(9) في اختصاص مبطليّة الكلام بما ليس

ص: 369


1- الذكرى : ص 216.
2- رسائل الكركي: ج 3/301.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/330 ح 212، وسائل الشيعة: ج 7/281 ح 9344.
4- قواعد الأحكام: ج 1/280.
5- تذكرة الفقهاء: ج 3/279.
6- نهاية الاحكام: ج 1/515.
7- الدروس: ج 1/185.
8- الذكرى : ص 216، الحدائق الناضرة: ج 9/17.
9- تذكرة الفقهاء: ج 3/274 مسألة 319.

بدعاءٍ ولا قرآنٍ ولا ذِكر، فلا بأس بالذِّكر والدُّعاء وقراءة القرآن في جميع أحوال الصَّلاة، سواءٌ قصد بها التقرّب فقط، أو أتى بها لغرضٍ يترتّب عليها.

ويشهد للأوّل: صحيح علي بن مهزيار، عن مولانا الباقر عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يُناجي رَبّه عَزّ وجَلّ؟ قال عليه السلام: نعم»(1) ونحوه غيره.

وللثاني: صحيح علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام، قال:

«سألته عن الرّجل يكون في صلاته وإلى جنبه رجلٌ راقدٌ، فيُريد أن يوقظه فيسبِّح ويرفع صوته، لا يريد إلّاليستيقظ الرّجل، هل يقطع ذلك صلاته، وما عليه ؟

قال: لا يقطع ذلك صلاته، ولا شيء عليه»(2).

وأيضاً: صحيحه الآخر وفيه: «سألته عن الرّجل يكون في صلاته فيستأذن إنسانٌ على الباب، فيسبِّح ويَرفعُ صوته، ويُسمِع جاريته فتأتيه، فيُريها بيده أنّ على الباب إنساناً، هل يقطع ذلك صلاته، وما عليه ؟ قال: لا بأس، لا يقطع بذلك صلاته»(3).

أقول: هذا في الجملة ممّا لا كلام فيه ولا إشكال، إنّما الكلام في أنّه هل يعتبر في استثناء تلك الاُمور أنْ لا تكون محرّمة أم لا؟

والجواب: المشهور بين الأصحاب(4) اعتبار ذلك، وهو الأقوى ، إذ مقتضى9.

ص: 370


1- تهذيب الأحكام: ج 2/326 ح 193، وسائل الشيعة: ج 6/289 ح 7995.
2- وسائل الشيعة: ج 7 / ص 257، ح 9267.
3- وسائل الشيعة: ج 7/256 ح 9264.
4- مستمسك العروة الوثقى: ج 6/549.

عموم ما دلّ على مبطليّة التكلّم، مبطليّة كلّ ما يصدق عليه الكلام، ولو كان دعاءً أو قرآناً أو ذِكراً، وإنّما خرجت عنه الثلاثة المزبورة إذا كانت غير محرّمة، لاختصاص دليل خروجها بهذه الصورة، فالمحرّمة منها داخلة في المستثنى، فلا محالة تكون باقية تحت المستثنى منه.

ودعوى: أنّ ما دلّ على خروجها على قسمين:

الأوّل: ما يكون لسانه جواز الذّكر أو الدُّعاء أو قراءة القرآن في الصَّلاة، كصحيح ابن مهزيار المتقدّم.

الثاني: ما يكون لسانه نفي الكلام عنها، كقوله عليه السلام: «كلّ ما ناجيت به ربّك في الصَّلاة فليس بكلام».

واختصاص القسم الأوّل بغير المحرّمة لا إشكال فيه.

وأمّا القسم الثاني فالظاهر شموله للمحرّمة وغيرها.

مندفعة: بأنّه لا إطلاق له من هذه الجهة، ليتمسّك به لإثبات عدم مبطليّة ما أتى به على وجهٍ محرّم.

وإنْ شئتَ قلتَ : إنّه منصرفٌ إلى ما يكون مباحاً.

ودعوى:(1) انصراف ما دلّ على قاطعيّة الكلام إلى كلام الآدميّين المغاير بالنّوع لأذكار الصَّلاة.

مندفعة: بأنّها دعوى لا شاهد لها، ولذا لو لم يكن دليلٌ على خروج الثلاثة المذكورة عن تحت العام، لحكمنا بمبطليّتها، والشاهد له عدم استدلال أحدٍ من العلماء على جوازها بالإنصراف، وإنّما يستدلّون عليه بالأدلّة المجوّزة.1.

ص: 371


1- كتاب الصَّلاة للسيّد الخوئي: ج 4/471.

وبالجملة: المستفاد من الأخبار مبطليّة الكلام مطلقاً، وإنّما خرج عنه القرآن والذّكر والدُّعاء السائغة، ويبقى غيرها تحت العام، فيُحكم بمبطليّته.

أقول: ثمّ إنّ ما ذكرناه من جواز قراءة القرآن أو الذّكر لغرضٍ يترتّب عليه، إنّما هو فيما إذا استُعمِل الذّكر أو القرآن في معناه، لكن يكون داعيه في الاستعمال ذلك الغرض.

وأمّا إذا استعمله فيما هو مقصوده، فالأقوى عدم جوازه، لخروجه عن اسم الذّكر والقرآن.

أمّا خروجه عن الأوّل فواضح، وأمّا عن الثاني فلأنّ القرآن اسمٌ للكلام المعهود المُعرِب عمّا أراده اللّه تعالى .

المسألة الثانية: لو تكلّم في الصَّلاة ساهياً، فالمشهور(1) عدم بطلان الصَّلاة به، بل عن «المنتهى»(2): (عليه علماؤنا).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن مولانا الباقر عليه السلام: «في الرّجل يسهو في الرّكعتين ويتكلّم، فقال: يتمّ ما بقي من صلاته، تكلّم أو لم يتكلّم، ولا شيء عليه»(3).

ونحوه غيره.

المسألة الثالثة: لو اُكره على التكلّم في الصَّلاة، أو اضطرّ إليه:8.

ص: 372


1- المشهور بل ما عليه الإجماع عن غير واحد أنّ التكلّم عن سهو، يوجب سجدتي السَّهو، ولا إعادة، وهذا يعني صحّة الصَّلاة، وفي الجواهر: ج 12/331 (أنّه المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً نقلاً وتحصيلاً... الخ).
2- منتهى المطلب: ج 1/417، وكذلك المحقّق في المعتبر: ج 2/253.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/191 ح 57، وسائل الشيعة: ج 8/200 ح 10418.

فهل تبطل الصَّلاة مطلقاً، أو لا تبطل كذلك ؟

أو يفصل بين ما لو كان الإكراه أو الاضطرار مستوعباً للوقت فلا تبطل، وبين ما لم يكن كذلك فتبطل ؟

وجوهٌ ، أقواها الأخير، لما حقّقناه في محلّه من أنّ حديث الرفع يشمل الاضطرار والإكراه المتعلّقين بإيجاد المانع، إذا كانا مستوعبين للوقت.

ومنه يظهر ضعف القول الثاني، إذ لا دليل عليه سوى حديث الرفع.

واستدلّ للقول الأوّل: بأنّ المستفاد من الأدلّة، لا سيّما بضميمة التفصيل بين التكلّم ناسياً وعامداً، أنّ التكلّم عمداً منافٍ بالذات للصَّلاة ولو كان بغير الاختيار، وإليه يرجع ما ذكره المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1) دليلاً عليه، بأنّ التكلّم منافٍ للصَّلاة، فيستوي فيه الاختيار وعدمه كالحَدَث.

وفيه: إنّ حديث الرفع حاكمٌ على عمومات أدلّة التكاليف وإطلاقاتها، فيقدّم على جميعها، ومنها ما دلّ على قاطعيّة التكلّم.

***).

ص: 373


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/131 (ط. ق).

والقهقهة.

القهقهة في الصَّلاة
اشارة

(و) الرابع: من قواطع الصَّلاة: (القهقهة).

بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل عن «التذكرة»(1)، و «المنتهى»(2) وغيرهما(3)دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «القهقهة لا تُنقض الوضوء وتُنقض الصَّلاة»(4).

ومنها: مضمر ابن أبي عمير المرويّ في «الكافي»، عن رهطٍ سمعوه يقول:

«إنّ التبسّم في الصَّلاة لا يُنقض الصَّلاة، ولا يُنقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة»(5).

وغير ذلك من الروايات.

ص: 374


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/132 (ط. ق) وفي الجديدة: ج 3/285، مسألة 325، قوله: (إجماعاً منّا وعليه أكثر العلماء).
2- منتهى المطلب: ج 1/310 (ط. ق) قوله: (وهو مذهب أهل العلم كافّة).
3- كابن زهرة في غُنية النزوع ص 82، ذكرى الشيعة: ج 4/12 (ط. ج) قوله: (يُحرم تعمّد القهقهة في الصَّلاة وتبطلها إجماعاً).
4- تهذيب الأحكام: ج 2/324 ح 180، وسائل الشيعة: ج 7/250 ح 9247.
5- تهذيب الأحكام: ج 1/12 ح 24، وسائل الشيعة: ج 7/250 ح 9249.

أقول: لفظ (القَهقهة) على ما فسّره أكثر اللّغويّين(1)، هو الترجيع في الضحك وشدّته، أو الإغراق والمبالغة فيه، ويناسبه لفظ القهقهة كما لا يخفى .

وقد فسّره بعضهم بالضّحك المشتمل على الصوت، وإنْلم يكن فيه ترجيعٌ وشدّة.

ومنهم من فسّره بالضحك، ظنّاً منه أنّ التبسّم ليس من أفراد الضحك.

وحيثُ لا يثبت بكلام بعض اللّغويّين المعنى الأعمّ ، لجواز أنْ يكون تفسيراً بالأعمّ ، كما يصدر كثيراً من اللّغويّين، فلا يعارض ذلك كلام من عداه ممّن صرّح بأنّها للأخصّ . وعلى هذا، فاستفادة قاطعيّة الضحك المشتمل على الصوت، إنْ لم يكن فيه ترجيعٌ وشدّة، من النصوص الدالّة على قاطعيّة القهقهة، في غاية الإشكال، فمقتضى الأصل عدم كونه قاطعاً للصَّلاة.

أقول: وقد استدلّ جماعةٌ من المحقّقين(2) على مبطليّة الضحك الذي فيه صوتٌ بلا ترجيع، بموثّق سماعة:

«سألته عن الضحك هل يقطع الصَّلاة ؟

قال عليه السلام: أمّا التبسّم فلا يقطع الصَّلاة، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصَّلاة»(3).

بدعوى أنّه ظاهرٌ في كونه في مقام بيان تمام أفراد الضحك، وعليه فإمّا أنْ يكون المراد من التبسّم ما يقابل القهقهة، سواءٌ أكان مع الصوت أو بدونه، أو يكون المراد بها ما يقابل التبسّم، وحيثُ أنّ استعمال القهقهة فيما عدا التبسّم أقرب إلى الحقيقة من استعماله فيما عداها، فيصبح هو المتعيّن.8.

ص: 375


1- قال في كتاب العين: ج 3/340: (قهقه: إذا مدَّ ورجع، وإذا خفَّف قيل قه الضَّاحك).
2- شرح اللّمعة: ج 1/566.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/324 ح 181، وسائل الشيعة: ج 7/250 ح 9248.

وفيه: إنّ كون الأوّل أقربُ إلى الحقيقة، لا يوجب ظهور القهقهة في الأعمّ ، كي يخرج عن الأصل.

فروع:

الفرع الأوّل: قد يظهر ممّا ذكرناه أنّه لو منع نفسه عن إظهار الضحك، وإنْ امتلأ جوفه ضحكاً بحيث اِحمرَّ وجهه وارتعش جسمه لا تبطل صلاته، لاختصاص القاطعيّة بخصوص القهقهة دون مجرّد الضحك.

الفرع الثاني: لو اضطرّ إلى القهقهة، سواءٌ أكان مختاراً في إيجاد مقدّماتها، أم لو يكن تبطل الصَّلاة بها؛ لأنّ الضحك قهراً من أوضح أفراد القهقهة، وهو القَدَر المتيقّن من أدلّة قاطعيّتها، ولأنّها غالباً تحدُث من التعجّب العارض للنفس، من غير أن يسبقه عزمٌ وإرادة، فالغالب أنّها تحدثُ قهراً، فلا يمكن تخصيص الأخبار بغير هذا الفرد.

ومن ذلك يظهر عدم صحّة التمسّك بحديث الرفع، للحكم بعدم قاطعيّة هذا الفرد من القهقهة، حتّى بناءً على عموم الحديث لأمثال المورد، لأنّ الأدلّة الدالّة على القاطعيّة تكون بحكم الأخصّ من الحديث، فيخصّص بها. وعليه، فما ذكره المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1) من قاطعيّة القهقهة حتّى القهري منها، ونَسَبه إلى العلماء أجمع هو القوي.

الفرع الثالث: القهقهة سهواً لا تُبطل الصَّلاة، وقد ادّعى المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2) وجماعةٌ من الأعاظم(1) الإجماع عليه، والوجه في ذلك حديث (لا تُعاد)، حيث إنّه يدلّ على أنّ الخلل الواقع في الصَّلاة سهواً لا يوجب

ص: 376


1- جامع المقاصد: ج 2/349. قوله: (أمّا الناسي فلا يأثم ولا تبطل صلاته إجماعاً).

الإعادة والبطلان.

ودعوى : المحقّق الهمداني رحمه الله(1) في وجه عدم القاطعيّة، من عدم الإطلاق لبعض النصوص، وانصراف ما له إطلاقٌ عن السَّهو، لأنّ الفرض حصولها في أثناء الصَّلاة من غير أن يلتفت المُصلّي حين تلبّسه بها إلى وقوعها في أثناء الصَّلاة - كما هو مدلول حصولها سهواً - فرضٌ نادر يمكن دعوى الانصراف عنه.

مدفوعة: بأنّ الانصراف الناشئ من غلبة الوجود، لا يكون مانعاً عن التمسّك بالإطلاق، لكونه بدويّاً زائلاً بأدنى التفات.

***2.

ص: 377


1- مصباح الفقيه: ج 2/410 ق 2.

والفعل الكثير الخارج عنها.

الفعل الماحي لصورة الصَّلاة

(و) الخامس: من قواطع الصَّلاة: (الفعل الكثير الخارج عنها).

أقول: لا خلاف في هذا الحكم بين الأصحاب(1)، بل عن «المعتبر»(2)و «المنتهى»(3) و «جامع المقاصد»(4) دعوى اتّفاق العلماء عليه.

ويشهد له:

1 - أنّ للصَّلاة عند المتشرّعة، بحسب ما ارتكز في أذهانهم، والذي تلقّوه من الشارع، هيئة اتّصاليّة يقطعها بعض الأفعال، ويوجب خروج المُصلّي عن كونه مُصلّياً.

2 - والإجماع.

3 - وجملة من النصوص الواردة في قاطعيّة بعض الأفعال:

منها: موثّق عمّار، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يكون في الصَّلاة فيقرأ، فيرى حيّة بحياله، يجوزُ أن يتناولها فيقتلها؟

فقال عليه السلام: إنْ كان بينه وبينها خطوة واحدة، فليَخْطُ وليقتلها وإلّا فلا»(5).

ص: 378


1- مصباح الفقيه: ج 2/410 ق 2.
2- المعتبر: ج 2/255.
3- منتهى المطلب: ح 1/310. قوله: (وهو قول أهل العلم كافّة).
4- جامع المقاصد: ج 2/350.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/331 ح 220، وسائل الشيعة: ج 7/273 ح 9320.

ومنها: صحيح حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إذا كنتَ في صلاة الفريضة فرأيتَ غُلاماً لك قد أبقَ ، أو غريماً لك عليه مالٌ ، أو حيّة تخافها على نفسك، فاقطع الصَّلاة، واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحيّة»(1).

فإنّه يستفاد من هذه النصوص، أنّ بعض الأفعال يوجب بطلان الصَّلاة، ويكون قاطعاً لها، والمتيقّن منها الفعل الماحي للصَّلاة.

أقول: وبما ذكرناه ظهر ضابط الفعل الكثير الذي حكموا بقاطعيّته، وهو ما يوجب الخروج عن كونه مُصلّياً، كما صرّح به غير واحدٍ كالحِلّي(2) والشهيدين(3)والمحقّق الثاني(4) وغيرهم.

ولو قطع العرف بكون فعل ماحياً للصَّلاة، فلا إشكال، أمّا لو شكّ في ذلك، فالمرجع إلى الاستصحاب، بناءً على ماهو الحقّ من أنّ للصَّلاة هيئة اتّصاليّة يعبّر عنها بالصورة الصَّلاتيّة، كما تشهد له - مضافاً إلى السيرة الارتكازيّة - النصوص المعبّرة عن عدّة أشياء بالقاطع.

ودعوى : عدم معقوليّة الهيئة الاتّصاليّة للمركّب، سواءٌ اُريد بها الجزء الصوري حقيقةً أو اعتباراً:

أمّا حقيقةً : فلأنّ الصَّلاة مركّبة من مقولات عَرَضيّة متباينة، والأعراض بسائط ليس لها صورة ومادّة، فضلاً عن أنْ يكون لمجموعها صورة.

وأمّا اعتباراً: فلأنّه مع تخلّل هذا المسمّى بالقاطع، لا يتحقّق العنوان0.

ص: 379


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/369 ح 1073، وسائل الشيعة: ج 7/276 ح 9330.
2- منتهى المطلب: ج 1/310 (ط. ق).
3- الذكرى: ص 215، شرح اللّمعة: ج 1/564.
4- جامع المقاصد: ج 2/350.

الاعتباري من رأس، لأنّه فُرِض انطباقه على المجموع، فلا واحد حتّى يقطعه.

مندفعة: بأنّ المراد من الهيئة الاتّصاليّة، هو الأمر الاعتباري الذي يتحقّق بمجرّد الشروع في الصَّلاة، ويكون باقياً إلى آخرها، ما لم يتخلّل بينها قاطعٌ ، لا ما ينطبق على المجموع، فتدبّر.

وأمّا بناءً على عدم ثبوتها للصَّلاة، فالمرجع إلى البراءة.

وأيضاً: يمكن أن يكون فعلٌ ماحياً لصورة الصَّلاة في حال العمد، دون السَّهو، فتختصّ قاطعيّته بحال العمد.

وأمّا إذا كان فعلٌ في حال السَّهو أيضاً ماحياً لصورة الصَّلاة، فتبطل؛ لأنّ الفرض عدم قابليّة الأجزاء اللّاحقة للانضمام إلى ما قبلها من الأجزاء، فبعد الالتفات ليس له الإتيان بالأجزاء الباقية.

ومن هذا البيان ظهر عدم كون المورد من موارد التمسّك بحديث (لا تُعاد). نعم لو التفت بعد تماميّة الصَّلاة، تصحّ الصَّلاة للحديث، فتأمّل.

***

ص: 380

والبُكاء لاُمور الدُّنيا.

في البكاء
اشارة

(و) السادس من القواطع: (البكاء لاُمور الدُّنيا) من ذهاب مالٍ ، أو فوت محبوب، وأمثال ذلك.

والدليل على ذلك: ما رواه الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن النعمان بن عبدالسَّلام، عن أبي حنيفة، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصَّلاة، أيقطع الصَّلاة ؟

فقال: إنْ بكى لذكر جنّةٍ أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصَّلاة، وإنْ ذكر ميّتاً له فصلاته فاسدة»(1).

وضعف سند الرواية منجبرٌ بعمل الأصحاب، حيث أنّ المشهور(2) بينهم هو القاطعيّة، بل في «التذكرة»(3) نسبتها إلى علمائنا.

فروع:

الفرع الأوّل: هل يختصّ الحكم بما كان مشتملاً على الصوت ؟ أم يعمّ مجرّد خروج الدمع ؟

وجهان أقواهما الأوّل، إذ البكاء بالمَدّ الذي هو المسؤول عنه، مختصٌّ بما له

ص: 381


1- تهذيب الأحكام: ج 2/317 ح 151، وسائل الشيعة: ج 7/247 ح 9243.
2- كفاية الأحكام: ص 24.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/132 (ط. ق).

صوتٌ ، كما صرّح به جماعة من اللّغويّين، وعليه فالجوابُ منزّل عليه. ولو شُكّ في وضعه للأعمّ ، أو شُكّ في أنّ اللّفظ الوراد في الرواية بالمَدّ أو القصر، يقتصر في الحكم على المتيقّن، وهو ما له صوتٌ كما هو واضح.

الفرع الثاني: من اضطرّ إلى البكاء أو اُكره عليه:

1 - إنْ لم يكن الاضطرار والإكراه في مجموع الوقت، تبطل صلاته، لإطلاق ما يدلّ على قاطعيّة البكاء للصَّلاة.

ودعوى: الحكم بالصحّة، لأجل حديث الرفع فاسدة، لعدم شمول حديث الرفع لأمثال المقام، لما تقدّم من اختصاصه بما إذا كان الاضطرار والإكراه مستوعبين للوقت المضروب للعمل، لأنّ المأمور به ليس هو الفرد، فلا يكون الاضطرار والإكراه بالبكاء اضطراراً وإكراها بالمأمور به حتّى يمكن رفع قاطعيّته بالحديث.

2 - وأمّا إنْ كانا مستوعبين للوقت، فالأقوى عدم مبطليّته لحديث الرفع.

الفرع الثالث: مَن بكى ناسياً، بأن لم يلتفت إلى كونه في الصَّلاة، لا تكون صلاته باطلة، لا لحديث الرفع، بل لحديث (لا تُعاد) الدالّ على أنّ الخلل الواقع في الصَّلاة سهواً، من غير ناحية الخمسة المذكورة فيه، لا يوجب الإعادة.

الفرع الرابع: المذكور في الرواية وإنْ كان من مصاديق فوت المحبوب، إلّاأنّه لا سبيل الى توهم الاختصاص به، وعدم شمولها لحصول المكروه، لأنّ الظاهر أنّه عليه السلام في مقام بيان أنّ البكاء لأمرٍ يرجع إلى اُمور الآخرة من أفضل الأعمال، ولما يرجع إلى أمرٍ دنيوي مبطلٌ للصَّلاة.

نعم، لا يبعد عدم شمولها لطلب سعة الرزق من اللّه تعالى ، كما لا يخفى .

***

ص: 382

والتكفير.

التكتّف والتكفير

(و) السابع: من قواطع الصَّلاة: (التكفير).

وهو وضع إحدى اليدين على الاُخرى ، ولا اختصاص له بوضع اليمنى على اليسرى ، وذلك لأنّ الظاهر من روايات الباب، النهي عن العمل الذي كان متعارفاً عند الفرس وأتباعهم في مقام التأدّب والخضوع للاُمراء والسلاطين، مضافاً إلى التصريح بالعموم في بعض الروايات.

وكيف كان، فالمشهور بين الأصحاب(1) مبطليّة التكفير، وعن جماعةٍ (2)دعوى الإجماع عليه، وهو الأقوى .

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة أو حسنه، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ولا تُكّفر فإنّما يفعل ذلك المجوس»(3).

ونحوه صحيح حريز، عن رجلٍ ، عنه عليه السلام(4).

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال:

«قلت له: الرّجل يضع يده في الصَّلاة و حكى اليمنى على اليسرى؟ قال: ذلك التكفير فلا تفعل»(5). ونحوها غيرها.

ص: 383


1- منتهى المطلب: ج 1/311، جامع المقاصد: ج 2/344.
2- الانتصار ص 141 و 142، تذكرة الفقهاء: ج 1/133.
3- الكافي: ج 3/299 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/266 ح 9296.
4- الكافي: ج 3/336 ح 9، وسائل الشيعة: ج 7/266 ح 9297.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/84 ح 78، وسائل الشيعة: ج 7/265 ح 9295.

أقول: وظاهر النهي في هذه الروايات، إرادة المنع الغيري الناشي عن مانعيّة الفعل، كما هي المتبادرة من النهي عن شيءٍ في المركّبات الاعتباريّة.

والذي ذُكر مانعاً لاستفادة القاطعيّة من هذه الروايات اُمور:

1 - ذِكْره في صحيحة زرارة في عِداد جملةٍ من المكروهات، ويُشعر ذلك بل يدلّ على أنّه مكروهٌ لا حرام ولا قاطع.

2 - خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال:

«قال علي بن الحسين عليه السلام: وَضْعُ الرّجل إحدى يديه على الاُخرى عملٌ ، وليس في الصَّلاة عمل»(1).

حيث إنّ ظاهر ذلك مبطليّة كلّ عمل خارجي، وحيثُ لا سبيل إلى الالتزام به، فلابدّ وأن يُحمل على الكراهة، أو على أنّ المراد العمل على أنّه من الصَّلاة لا مطلق العمل في أثنائها.

3 - التعليل له في بعض الروايات(2) بما يُذكر نظيره للمكروهات، وهو أنّه من أفعال المجوس، لأنّ كلّ فعلٍ من أفعالهم ليس بحرام.

4 - قول الإمام الكاظم عليه السلام في خبر علي بن جعفر، في مقام بيان حكم وضع إحدى اليدين على الاُخرى: «لا يُصلِحُ ذلك، فإنْ فَعل فلا يعود له»(3)، حيث إنّ نفي الصلاحيّة يُشعر بالكراهة، كما أنّ النهي عن العود، وعدم الأمر بالإعادة ممّا يدلّ عليها.

وفيه: ولكن شيئاً من ذلك لا يصلح لأن يكون قرينةً لصرف ظهور النهي الوارد في خبر محمّد بن مسلم:

لأنّ ذكره في عِداد المكروهات لا يدلّ على أنّه منها.9.

ص: 384


1- وسائل الشيعة: ج 7/266 ح 9298.
2- الكافي: ج 3/336 ح 9، وسائل الشيعة: ج 7/266 ح 9297.
3- وسائل الشيعة: ج 7/266 ح 9299.

وقوله عليه السلام: (إنّه عملٌ وليس في الصَّلاة عمل) لو سُلّم كون المراد منه العمل على أنّه من الصَّلاة، لا مفهوم له ليدلّ على عدم مبطليّة نفس العمل.

وتعليل النهي بأنّه من فعل المجوس، لا يدلّ على أنّه ليس بحرام.

وقوله عليه السلام (لا يصلح) غايته عدم الظهور في الحرمة، لا الظهور في عدمها.

وعدم الأمر بالإعادة لا يدلّ على عدم وجوبها.

فتحصّل: أنّ شيئاً من ما ذكر، لا يدلّ على عدم الحرمة، ليرفع به اليد عن ظهور النهي في الحرمة الغيريّة.

وأمّا خبر إسحاق بن عمّار المرويّ عن «تفسيرالعيّاشي» عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«قلتُ له: أيضع الرّجل يده على ذراعه [في الصَّلاة]؟ قال: لا بأس»(1).

فيرد عليه أوّلاً: إنّه مختصٌّ بالوضع على الذراع.

وثانياً: إنّه لإعراض المشهور عنه لا يُعتمد عليه.

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: إنّ القول بالكراهة ضعيفٌ ، وأضعفُ منه القول بالحرمة النفسيّة دون الإبطال، لما تقدّم من أنّ النهي عن الشيء في المركّب المأمور به، ظاهرٌ في مبطليّته ومانعيّته.

أقول: ثمّ إنّ الحكم لا يشمل وضع إحدى اليدين على الاُخرى لحكِّ موضعٍ أو دفع ألمٍ ، لعدم صدق التكتف والتكفير عليه، لما عرفت من أنّ الظاهر أنّ المنهيّ عنه العمل الذي كان متعارفاً عند الفرس في مقام الخضوع، فلا يعمّ مطلق الوضع.

وبما ذكرناه يظهر أنّه لا فرق في المبطليّة بين وضع اليد على الكفّ ، أو السّاعد، أو الذراع، فما عن «التذكرة»(2) من التردّد في مبطليّة وضع اليد على السّاعد، لإطلاق التكفير، وأصالة الإباحة، منظورٌ فيه، لأنّه بعد صدق التكفير عليه، لا3.

ص: 385


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 5/421 ح 6248-3.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/133.

وجه لأصالة الإباحة لعدم الرجوع إليها مع الدليل.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يكون مراده إطلاق التكفير بمعناه اللّغوي عليه، وعدم ثبوت كونه ممّا كان متعارفاً عند الفرس في مقام الخضوع، والأخبار إنّما تنهي عنه لا عن كلّ تكفيرٍ، فمقتضى أصالة الإباحة جوازه، فتأمّل.

وقد ذكر الفقهاء(1) في عِداد القواطع الأكل والشُّرب، مع أنّه لا دليل يدلّ على مبطليّتهما بمسمّاهما، بل الظاهر أنّهما يوجبان البطلان إذا انطبق عليهما الفعل الكثير، كما صرّح به في «الذكرى»(2).

والاستدلال على مبطليّتهما مطلقاً بالإجماع المنقول مخدوشٌ ، لعدم حجيّته، خصوصاً مع معروفيّة الخلاف، واحتمال استنادهم إلى صدق عنوان الفعل الكثير عليهما.

كما أنّ دعوى : معروفيّة إبطالهما للصَّلاة بين المتشرّعة، الكاشفة عن تلقيهم من صاحب الشرع يداً بيد.

مندفعة: بعدم تسليم معروفيّته في زمان الشارع، وهذه المعروفيّة في زماننا نشأت من فتوى الفقهاء في هذه الأعصار.

وعليه، فالأقوى عدم إبطالهما لها، إذا لم يكونا منافيين لبقائه عرفاً متشاغلاً بفعل الصَّلاة، فيعتبر الكثرة فيهما بأن يكونا بمقدارٍ يُسمّى فاعلهما في حال التلبّس بهما آكلاً وشارباً لا مُصلّياً، ولكن مع ذلك كلّه الإفتاء بجوازهما إذا كانا بمقدارٍ يطلق عليهما عرفاً اسم الأكل والشرب، وإنْ لم يكونا ماحيين لصورة الصَّلاة، ولم ينطبق عليهما فعل الكثير، يحتاج إلى الجرأة. فالاحتياط بالترك لا يُترك.

***5.

ص: 386


1- المبسوط: ج 1/118، الإثنا عشريّة للشيخ البهائي العاملي: ص 59، جامع المقاصد: ج 2/351: (أجمع الأصحاب على أنّ الأكل والشرب عمداً مبطل.. الخ)، الحدائق الناضرة: ج 9/54.
2- الذكرى : ص 215.

ويُكره الإلتفات يميناً وشمالاً، والتثأب، والتمطّي، والفَرقعة، والعَبَث.

مكروهات الصَّلاة

(ويُكره) فيها اُمور:

الأمر الأوّل: (الإلتفات يميناً وشمالاً) إنْ لم يخرج عن حَدّ الاستقبال المعتبر في الصَّلاة، وإلّا فتبطل كما تقدّم.

والدليل على كراهته خبر عبد الملك، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الالتفات في الصَّلاة، أيقطع الصَّلاة ؟ فقال: لا، وما أحبُّ أن يُفعل»(1).

ويُحمل على غير الفاحش، جمعاً بينه وبين الروايات الدالّة على مبطليّة الفاحش منه.

(و) الأمر الثاني: (التثأب).

(و) الأمر الثالث: (التمطّي).

(و) الأمر الرابع: (الفرقعة).

(و) الخامس: (العَبَث).

وتدلّ على كراهة هذه الاُمور جملةٌ من الروايات:

منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا قمتَ إلى الصَّلاة... ولا تَعبَث فيها بيدك، ولا برأسك، ولا بلحيتك، ولا تُحدِّث نفسك، ولا تتثأب، ولا تتمط، الحديث»(2). ونحوها غيرها(3).

ص: 387


1- تهذيب الأحكام: ج 2/200 ح 85، وسائل الشيعة: ج 7/245 ح 9235.
2- الكافي: ج 3/299 ح 1، وسائل الشيعة: ج 5/463 ح 7081.
3- وسائل الشيعة: ج 5/459 الباب 1 من أبواب أفعال الصَّلاة، فيه عدّة روايات على ذلك.

والإقعاء، والتمخّط، والبُصاق، ونفخ موضع السّجود، والتأوّه،

(و) الأمر السادس: (الإقعاء): وقد تقدّم تفصيل ذلك في بحث السّجود، فراجع(1).

والأمر السابع (و) الثامن: (التمخّط والبُصاق):

وتدلّ على كراهة الثاني رواية أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا قمتَ إلى الصَّلاة - الى أنْ قال - ولا تتمخّط ولا تبزق، الحديث»(2).

وأمّا الأوّل وإنْ لم يدلّ دليل عليه، إلّاأنّه يمكن استفادة كراهته ممّا يدلّ على كراهة البصاق بالأولويّة.

(و) الأمر التاسع: (نفخ موضع السّجود):

وتدلّ عليه روايات:

منها: ما في «الكافي» بإسناده عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قلتُ له: الرّجل ينفخ في الصَّلاة موضع جبهته ؟ فقال: لا»(3).

ومنها: الخبر المرويّ في «الفقيه»، قال: «ونهي أن ينفخ في طعامٍ أو شرابٍ ، أو ينفخ في موضع السّجود»(4).

ونحوهما غيرهما، المحمولة جميعاً على الكراهة، لما عرفت في مبحث السّجود(5).

(و) الأمر العاشر: (التأوّه) بحرفٍ واحد، ولا دليل على كراهته سوى فتوى الأعاظم(6)، وما ذُكر دليلاً عليها من كونه عَبَثاً أو قريباً من الكلام، واضحُ المنع.8.

ص: 388


1- صفحة 279 فى هذا المجلّد.
2- تهذيب الأحكام: ج 2/325 ح 188، وسائل الشيعة: ج 5/465 ح 7085.
3- الكافي: ج 3/334 ح 8، وسائل الشيعة: ج 6/350 ح 8155.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 4/8، وسائل الشيعة: ج 6/351 ح 8159.
5- فقه الصادق: ج 7/281.
6- منتهى المطلب: ج 1/312، الذكرى : ص 218، شرح اللّمعة: ج 1/654، مستند الشيعة: ج 7/58.

ومدافعة الأخبثين.

(و) الأمر الحادي عشر: (مدافعة الأخبثين) أي البول والغائط.

وتدلّ عليه روايات:

منها: رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: لا تُصلِّ وأنتَ تجد شيئاً من الأخبثين»(1).

ومنها: صحيحة هشام بن حكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المرويّة في «الوافي»: «لا صلاة لحاقنٍ ولا لحاقنة»(2).

ونقل عن «التهذيب» أنّه نقلها: (لا صلاةَ لحاقنٍ ولا لحاقنة).

وقد فسّرها صاحب «الوافي» بأنّ المراد من الحاقن حابسُ البول، وبالحاقب حابس الغائط(3).

وظاهر الروايتين وإنْ كان الحرمة، إلّاأنّه يحمل النهي فيهما على الكراهة، والنفي على نفي الصحّة، لأنّه مضافاً إلى عدم الخلاف في عدم الحرمة، تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يُصيبه الغمز في بطنه، وهو يستطيعُ أن يصبر عليه، أيُصلّي على تلك الحالة أو لا يصلّي ؟

قال: فقال: إنْ احتمل الصّبر، ولم يخف إعجالاً عن الصَّلاة، فليُصلِّوليصبر»(4).1.

ص: 389


1- تهذيب الأحكام: ج 2/326 ح 189، وسائل الشيعة: ج 7/252 ح 9253.
2- وسائل الشيعة: ج 7/251 ح 9252.
3- حكاه عنه السيّد الخوئي قدس سره في كتاب الصَّلاة: ج 1/436.
4- الكافي: ج 3/364 ح 3، وسائل الشيعة: ج 7/251 ح 9251.

ويُحرَمُ قطع الصَّلاة لغير ضرورة.

مسائل:
حرمة قطع الصَّلاة

مسائل:

المسألة الاُولى: (ويُحرم قطع الصَّلاة لغير ضرورةٍ ) بلا خلافٍ (1). وعن جماعةٍ (2)دعوى الإجماع عليه.

وقد استدلّ عليه باُمور:

1 - ما عن المصنّف رحمه الله(3) في بعض كتبه، أنّ الإتمام واجبٌ ، وهو ينافي القطع فيحرم.

2 - ما عنه أيضاً(4) قوله تعالى: وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (5).

3 - ما يدلّ على النهي عن الالتفات وغيره من المنافيات.

4 - ما يدلّ على أنّ (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)(6).

أقول: وفي الجميع نظر:

ص: 390


1- الحدائق الناضرة: ج 9/101.
2- الخلاف: ج 1/438، شرح اللّمعة: ج 1/789.
3- حكى في مختلف الشيعة: ج 2/56 وجوب الإتمام عن الشيخ بالنسبة إلى الصبي إذا بلغ أثناء الصَّلاة، ولم يتبنّى ذلك، ولكن في ص 288 في بحث صلاة الكسوف تبنّى وجوب الإتمام بقوله بعد ذكر المسألة: (لنا على وجوب الإتمام مع سعة الحاضرة، أنّه قد شرع في صلاةٍ واجبة، فيجب عليه إكمالها، ولا يجوز له إبطالها، لأنّ المقتضي لتحريم الإبطال موجود وهو قوله تعالى: وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ).
4- تذكرة الفقهاء: ج 3/299 مسألة 331 (ط. ج).
5- سورة محمّد: الآية 33.
6- الكافي: ج 3/69 ح 2، وسائل الشيعة: ج 6/415 ح 8310.

أمّا الأوّل: فلأنّ وجوب إتمام الصَّلاة أوّل الكلام، فكيف يستدلّ به على حرمة القطع.

وأمّا الثاني: فلأنّه لا يفهم منه العرف حرمة رفع اليد عن شيء من الأعمال من العبادات والمعاملات، مضافاً إلى أنّ حمل الآية على هذا المعنى يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن، بل الظاهر أنّ المراد منه النهي عن اتباع العمل بما يحبط أجره، فإنّ الإبطال - بمقتضى وضع باب الإفعال - حقيقته إحداث البطلان في العمل، وجعله باطلاً، فيكون نظيره قوله تعالى : لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ اَلْأَذى (1).

وتشهد له الروايات التي استدلّ بها الإمام عليه السلام فيها بهذه الآية الشريفة، للنهي عن إرسال النيران، لتُحرِق الشجرات المغروسة في الجنّة بقول القائل: (الحمد للّه ولا إله إلّااللّه) فتختصّ الآية حينئذٍ بالشرك، وبعض المعاصي الموجب لإحباط الأجر على قولٍ .

قال العلّامة الأنصاري رحمه الله(2): (ببالي إنّي سمعتُ أو وجدتُ ورود الرواية في تفسير الآية وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (3) بالشرك).

وأمّا الثالث فيرد عليه: أنّ المتبادر من هذه النواهي المانعيّة دون الحرمة.

وأمّا الرابع فيرد: أنّه يكفي في إطلاق التحريم والتحليل المنع الشرطي، ويشهد لإرادته من نصوص التحريم والتحليل في المقام، شمولها لما يجوز قطعة كالنافلة.

ودعوى: عدم صحّة الإطلاق لمجرّد المنع الشرطي، وإلّا لصحّ هذا الإطلاق في سائر المركّبات الشرعيّة، مثل الوضوء والغسل ونحوهما ممّا يكون له في الشرع3.

ص: 391


1- سورة البقرة: الآية 264.
2- فرائد الأُصول: ج 2/380.
3- سورة محمّد: الآية 33.

منافيات، مع أنّه لم يعهد في لسان الشرع هذا الإطلاق إلّافي باب الصَّلاة والإحرام، وهذا يدلّ على أنّ المراد الحرمة التكليفيّة.

مندفعة: بأنّ عدم إطلاقهما في الموارد الاُخر، لا يدلّ على عدم صحّة الإطلاق.

هذا مضافاً إلى ما في «الجواهر»(1) من احتمال إرادة الافتتاح والاختتام من التحريم والتحليل، ولا يخفى أنّ مَن أمعن النظر في روايات الباب يقوي في نظره هذا الاحتمال، واللّه العالم.

أقول: استدلّ بعض المحقّقين رحمه الله(2) على حرمة القطع، بالروايات المعلِّقة جواز القطع على بعض الاُمور، كالخوف من الحيّة ونحوه(3)، بدعوى أنّه يستفاد منها أنّ جواز القطع - أي عدم حرمته - ليس من آثار الصَّلاة من حيث ذاتها، وإلّا لكان التعليق على الأمر الخارج غلطاً، فمن استناده إلى الاُمور المذكورة يستفاد حرمة قطع الصّلاة مع قطع النظر عن الاُمور الخارجيّة.

وفيه: إنّ هذا الاستدلال يبتني على حجيّة مفهوم الوصف، وهذا التقريب عين التقريب لحجيّته.

وأمّا ما تضمّن الأمر بالإتمام، والنهي عن قطع الصَّلاة، كصحيح معاوية:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرعاف أينقضُ الوضوء؟

قال عليه السلام: لو أنّ رجلاً رعف في صلاته، وكان عنده ماءٌ أو من يشير إليه بماءٍ ، فيتناوله فمالَ برأسه فغسله، فليبنِ على صلاته ولا يقطعها»(4). ونحوه غيره، فظاهرٌ2.

ص: 392


1- جواهر الكلام: ج 8/123.
2- كجامع المقاصد: ج 2/358، قوله: (والنهي للتحريم ويجوز عند الضرورة).
3- الكافي: ج 3/367 ح 5، وسائل الشيعة: ج 7/273 ح 9317.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/327 ح 200، وسائل الشيعة: ج 7/241 ح 9222.

في الإرشاد إلى الصحّة.

فتحصّل: أنّه لا دليل على حرمة قطع الصَّلاة سوى الإجماع، إلّاأنّه لا ينبغي التوقّف فيها.

أقول: ثمّ إنّه لأجل انحصار الدليل بالإجماع، يقتصر على المتيقّن، وهو الفريضة، والأصليّة الواجبة عليه فعلاً اختياراً بلا ضرورة عرفيّة، وأمّا صلاة النافلة العارض لها الوجوب بنذرٍ وشبهه، والفريضة الأصليّة المعادة استحباباً، والصَّلاة المأتي بها نيابةً عن الغير، فالأقوى عدم حرمة قطعها، لعدم الدليل عليها، فيرجع إلى أصالة البراءة.

ثمّ إنّه يجوز القطع إذا خاف المُصلّي تلف مال، أو فوات غريم، أو تردّي طفل، أو ما شابه ذلك من مواقع الضرورة العرفيّة، دينيّةً كانت القضيّة أم دنيويّة، بل قد يجب إذا كان ما يخاف منه ممّا يجب حفظه، وبلغ الخوف إلى مرتبة الظنّ ، والوجوب في هذا المورد إنّما هو لأجل ما يدلّ على وجوب ذلك في غير الصَّلاة، ولاتكون الصَّلاة مانعةً عن تنجّز التكليف المضيّق المضادّ متعلّقه لها، لتقدّم المضيّق على الموسّع عند التزاحم، كما حقّق في محلّه.

وأمّا إذا كان الخوف دون ذلك، أو كان مايخاف منه ممّا لايجب شرعاً التحرّز من ضرره، فيجوز القطع، وذلك لأنّه مضافاً إلى ما عرفت من أنّه لا دليل على حرمة القطع سوى الإجماع، القاصر عن شمول مواقع الضرورة، تدلّ على الجواز عدّة من الروايات:

منها: مارواه الصدوق في الصحيح، عن حريز بن عبداللّه، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«إذا كنتَ في صلاة الفريضة فرايت غلاماً لك قد أبق، أو غريماً لك عليه مال،

ص: 393

أو حيّة تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصَّلاة، فاتبع غلامك أو غريمك واقتل الحيّة... الخ»(1).

ومنها: ما ورد في موثّقة سماعة، قلت: «فيكون في الصَّلاة الفريضة، فتغلب عليه دابّة، أو تفلّت دابّته، فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتاً؟

فقال: لا بأس بأن يقطع صلاته»(2).

إلى غير ذلك من الروايات.

قال الشهيد رحمه الله في «الذكرى»(3): (وحيث يتعيّن القطع لو استمرّ، بطلت صلاته، للنهي المفسد للعبادة).

وقد أورد عليه صاحب «الحدائق» رحمه الله:(4) بأنّه مبنيٌّ على استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضدّه، والظاهر منه في غير موضعٍ من كتابه المذكور عدم القول به.

وبعض المحقّقين رحمه الله(5) بعد تحسينه هذا الاعتراض، ذكر لفتوى الشهيد رحمه الله وجهاً آخر، وهو أنّ مقتضى صحيحة حريز، وجوب قطع الصَّلاة وإبطالها، لأنّ فيها قوله:

(فاقطع الصَّلاة، واتبع غلامك.. الخ) وهو يناقض المُضيّ ، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن نقيضه، وإنْ لم يقتضي النهي عن ضدّه الخاص.

وفيه: إنّ الأمر في تلك الصحيحة، لوروده في مقام توهّم الحظر، اُريد به بيان الرخصة لا الوجوب، فما أورده صاحب «الحدائق» على الشهيد رحمه الله وجيه.2.

ص: 394


1- الكافي: ج 3/367 ح 5، وسائل الشيعة: ج 7/277 ح 9330.
2- الكافي: ج 3/367 ح 3، وسائل الشيعة: ج 7/277 ح 9331.
3- الذكرى : ص 215.
4- الحدائق الناضرة: ج 9/103.
5- مصباح الفقيه: ج 2/427 ق 2.

وفي عَقْصِ الشَّعر للرّجل قولان.

حكم عَقْصِ الشعر

المسألة الثانية: (وفي عَقص الشَّعر للرّجل قولان):

1 - فعن الشيخ في جملةٍ من كتبه(1) القول بالحرمة، وبطلان الصَّلاة به.

وعن الشهيد في «الذكرى»(2): موافقته، وهو المنسوب إليظاهر عبارة المفيد(3).

2 - والمشهور بين الأصحاب(4) عدم حرمته، وعدم بطلان الصَّلاة به.

واستدلّ للأوّل:

1 - بخبر مصادف، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجلٍ صَلّى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر، قال: يُعيد صلاته»(5).

2 - وما ادّعاه الشيخ في «الخلاف»(6) من الإجماع على بطلان الصَّلاة به.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الثاني: فلأنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة، لا سيّما مع ذهاب المشهور

ص: 395


1- الخلاف: ج 1/510.
2- الذكرى : ص 217 (ط. ق).
3- حَكى غير واحد عن المفيد قوله بالحرمة تارةً وبالكراهة اُخرى ، وسبب اختلاف الحكاية عنه يرجع إلى استظهارهم من عباراته، وعبارته في المقنعة: ص 152 (ط. ج) هي: (ولا ينبغي للرّجل إذا كان له شعر أن يُصلّي وهو معقوص حتّى يحلّه، وقد رُخّص في ذلك للنساء).
4- البيان للشهيد الأوّل: ص 100، جامع المقاصد: ج 2/354.
5- تهذيب الأحكام: ج 2/232 ح 122، وسائل الشيعة: ج 4/424 ح 5601.
6- الخلاف: ج 1/510.

إلى خلافه.

وأمّا الأوّل: فلأنّ الخبر ضعيف السند، لضعف مصادف، هذا مضافاً إلى أنّ هذا الحكم - الذي يستبعده العقول، مع عموم الابتلاء به - لو كان لاشتهر، فلأقوى عدم إبطاله للصَّلاة، كما أنّ الأظهر كراهته واستحباب إعادة الصَّلاة الواقعة معه، لخبر «دعائم الإسلام»، عن عليّ عليه السلام أنّه قال:

«نهاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أربع: عن تقليب الحَصى في الصَّلاة، وأن اُصلّي وأنا عاقص رأسي من خلفي... الخ»(1).

فإنّ ظاهره الكراهة كما لا يخفى .

ومقتضى ذلك، وما تقدّم من عدم قابليّة خبر مصادف لإثبات المبطليّة، كون الأمر بإعادة الصَّلاة في خبر مصادف استحبابيّاً، ولكن الاحتياط مع ذلك ممّا لاينبغي تركه.

أقول: والظاهر أنّ المراد بعقص الشَّعر، على ما يستفاد من كلمات اللّغويّين(2)والأصحاب رحمهم الله(3) جمع الشعر في وسط الرأس، وضفره ولَيّه.

ثمّ إنّ هذا الحكم مختصٌّ بالرِّجال ولا يشمل النساء، لاختصاص دليله بهم، ودليل قاعدة المشاركة منحصرٌ في الإجماع القاصر عن إثبات المشاركة في أمثال المقام ممّا تحقّق الإجماع على عدمها.

***3.

ص: 396


1- دعائم الإسلام: ج 1/174، مستدرك وسائل الشيعة: ج 3/221 ح 3422-1.
2- تاج العروس: ج 3/352.
3- جامع المقاصد: ج 2/353، مدارك الأحكام: ج 3/468، جواهر الكلام: ج 11/83.

ويَجوزُ تَسميت العاطس.

تسميت العاطس

المسألة الثالثة: (ويجوزُ تَسْمِيتُ العاطس) بلا خلافٍ فيه(1).

ويدلّ عليه مايدلّ على جواز الدُّعاء في الصَّلاة، لأنّه دعاء، ومن ذلك يظهر استحبابه لأنّه بعد كونه سائغاً في الصَّلاة من حيث إنّه دعاء، فيشمله مايدلّ على استحباب تسميت العاطس.

استشكل المحقّق الهمداني رحمه الله:(2) بأنّ الدُّعاء الذي دلّت الأدلّة على جوازه في الصَّلاة، هو الدُّعاء الذي يتحقّق به المناجاة مع اللّه تعالى ، دون التكلّم مع المخلوقين، وحيث أنّه كلام مع المخلوقين، وغير مشمولٍ لما يدلّ على جواز الدُّعاء في الصَّلاة، فهو من مصاديق الكلام المُبطل، فلا وجه لجوازه، وعدم قاطعيّته للصَّلاة. والنسبة بين مايدلّ على استحبابه، وبين ما يدلّ على مبطليّة الكلام وإنْ كان عموماً من وجه، إلّاأنّه غير مجدٍ، لعدم المعارضة بينهما، كما لا معارضة بين إطلاق ما دلَّ على استحباب تشييع جنازة المؤمن وبين ما دلَّ على قاطعيّة الفعل الكثير.

ويرد عليه: أنّ بعض ما يدلّ على جواز الدُّعاء في الصَّلاة، وإنْ كان مختصّاً بما تتحقّق به المناجاة مع الرّب، إلّاأنّ بعضها يدلّ على جواز الدُّعاء مطلقاً، وإطلاقه يشمل الدُّعاء للغير، كخبر عبدالرحمن بن سيّابة، قال:

ص: 397


1- كشف اللّثام: ج 4/183.
2- مصباح الفقيه: ج 2/419 ق 2.

ورد السَّلام.

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدعو وأنا ساجد؟ فقال: نعم فادع للدُّنياوالآخرة، فإنّه ربّ الدُّنيا والآخرة»(1)، فهو وإنْ كان مختصّاً بحال السّجدة، إلّاأنّه لعدم الفصل يثبت الحكم في غير حال السّجدة أيضاً.

فالحقّ أنّ ما عليه الأصحاب من جواز تسميت العاطس واستحبابه، معلّلاً بأنّه دعاءٌ سائغٌ في نفسه في الصَّلاة، فيشمله مايدلّ على استحبابه، هو الأقوى .

حكم رَدّ السَّلام في الصَّلاة
اشارة

المسألة الرابعة: (و) يجوز (رَدّ السَّلام) في الصَّلاة بلا خلافٍ (2)، بل يعبّر الفقهاء(3) في كلماتهم عنه بقولهم (يجبُ )(4) إنّما هو لبيان عدم القاطعيّة، فليحقه حكمه الثابت له بالأدلّة، وهو الوجوب، وعليه فلا خلاف في وجوب رَدّ السَّلام.

والدليل عليه: الأخبار المستفيضه الدالّة على ذلك:

منها: موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يُسلَّم عليه وهو في الصَّلاة ؟ قال: يردّ: سلامٌ عليكم، ولا يقول: وعليكم السَّلام، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان قائماً يُصلّي فمرَّ به عمّار بن ياسر فسلَّم عليه عمّار فردَّ عليه النبيّ صلى الله عليه و آله هكذا»(5).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم: «سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرّجل يُسلِّم على

ص: 398


1- الكافي: ج 3/323 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/371 ح 8210.
2- المعتبر: ج 2/263 قوله: (وهذا هو مذهب الأصحاب).
3- مسالك الأفهام: ج 1/231.
4- مصباح الفقيه: ج 2/424 ق 2.
5- الكافي: ج 3/366 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/267 ح 9303.

القوم في الصَّلاة ؟ فقال إذا سَلّم عليك مسلمٌ وأنت في الصَّلاة فسلِّم عليه تقول:

السَّلام عليك، وأشرِ بإصبعك»(1).

ومنها: خبر عبد اللّه بن الحسن، المرويّ في «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى عليه السلام، قال: «سألته عن الرّجل يكون في الصَّلاة، فيسلِّم عليه الرّجل، هل يصلح له أن يرد؟

قال: نعم، يقول: السَّلام عليك، فيُشير بإصبعه»(2).

وما في هاتين الروايتين من الأمر بالإشارة بالإصبع، محمولٌ على الاستحباب، لعدم توقّف الردّ عليهما، واستبعاد كونها واجبة وجوباً مستقلّاً، وعدم التزام أحدٌ بلزومها.

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «دخلتُ على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصَّلاة، فقلتُ : السَّلام عليك، فقال: السَّلام عليك، فقلتُ : كيف أصبحتَ؟ فسكتَ ، فلمّا انصرف، قلتُ : أيردّ السَّلام وهو في الصَّلاة ؟ فقال: نعم مثل ماقيل له»(3).

ومنها: صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا سَلّم عليك الرّجل وأنتَ تُصلّي ؟ قال: تردّ عليه خَفياً كما قال»(4).

وعن الشهيد في «الذكرى»(5) إنّه قال: «روى البزنطي عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: إذا دخلتَ المسجد والنّاس يُصلّون فسَلّم عليهم، وإذا سَلَّم عليكَ فاردُد فإنّي أفعله، وإنّ عمّار بن ياسر مَرَّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يُصلّي، فقال: السَّلام عليك يا).

ص: 399


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/367 ح 1063، وسائل الشيعة: ج 7/268/9306.
2- قرب الإسناد: ص 96، وسائل الشيعة: ج 7/269 ح 9308.
3- تهذيب الأحكام: ج 2/329 ح 205، وسائل الشيعة: ج 7/267 ح 9302.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/332 ح 222، وسائل الشيعة: ج 7/268 ح 9304.
5- ذكرى الشيعة: ج 4/24 (ط. ج).

رسول اللّه ورحمة وبركاته، فَردَّ عليه السَّلام»(1). ونحوها غيرها.

نعم ورد في خبر مسعدة المرويّ في «الخصال» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام قال: «لا تُسلِّموا على اليهود - الى أنْ قال - ولا على المُصلّي، و ذلك لأنّ المصلّى لا يستطيع أن يردّ السَّلام»(2).

لكنّه لا ينبغي الالتفات إليه، لوجوهٍ عديدة لا تخفى .

وبالجملة: وجوب رَدّ السَّلام على المُصلّي لا ينبغي الشكّ فيه، إنّما الكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: ظاهر موثّقة سماعة تعيّن الردّ ب (سلامٌ عليكم) في الردّ، وظاهر صحيحة محمّد بن مسلم، وخبر عليّ بن جعفر تعيّن الردّ ب (السَّلام عليك)، فيتحقّق بينهما التنافي، ولكن الظاهر أنّ الصيغتين الواردتين فيهما تحملان على التمثيل، والمقصود الاحتراز عن تقديم الظرف المتعارف في مقام الجواب، كما يشهد له قوله عليه السلام في موثّقه: (ولا يقول وعليكم السَّلام).

فالذي يظهر من هذه الروايات الثلاث، بعد الجمع بينها، عدم جواز تقديم الظرف في رَدّ السَّلام، وجواز ماسوى ذلك من الصيغ الأربع الواردة في الأخبار، والمتعارفة عند النّاس، يعني (سلامٌ عليكم) و (سلامٌ عليك) و (السَّلام عليكم) و (السَّلامُ عليك).

المورد الثاني: أنّ ظاهر خبر محمّد بن مسلم، وصحيحة ابن حازم اعتبار المماثلة التامّة حتّى في الإفراد والجمع والتذكير والتأنيث، وتقديم الظرف وتأخيره، وظاهر الموثّقة وصحيحة محمّد بن مسلم، اعتبار عدم جواز تقديم الظرف مطلقاً، فيتحقّق بينهما التنافي فيما لو سَلَّم المسلم بغير الصيغ الأربع.9.

ص: 400


1- وسائل الشيعة: ج 7/271 ح 9311.
2- وسائل الشيعة: ج 7/270 ح 9309.

أقول: إنْ قلنا بعدم وجوب رَدّ السَّلام الواقع بغير الصيغ الأربع، وعدم الجواز في الصَّلاة، فارتفاع التنافي واضحٌ كما لا يخفى .

وأمّا بناءً على وجوبه مع تحقّق موضوع السَّلام عرفاً، ولو بصيغة (عليكم السَّلام)، فالتنافي وإنْ كان ظاهراً، إلّاأنّه لابدَّ من الجمع، لأنّه يمكن أن يقال بما إنّ السَّلام يقع غالباً بإحدى الصيغ الأربع، فيُحمل المِثْل على إرادة المماثلة من حيث كونه بعبارة السَّلام لا الجواب، وكون هذا الجمع عرفيّاً يظهر بعد ضمّ الروايات المتنافية بحسب بادي النظر بعضها الى بعض، وفرضها كلاماً واحداً صادراً من إمام واحد، الذي هو المعيار في كون الجمع عرفيّاً.

وقد يقال: بعدم أولويّة هذا الجمع، من أنْ يُجمع بينها بحمل ما يدلّ على تعيّن أنْ يكون الرَدّ بإحدى الصيغ الأربع، على إرادة الرَدّ بالمِثْل، وتنزيل إطلاقها على ما لو وقع السَّلام بخصوص الصيغة الواردة فيها.

ويدفع هذا القول النهي عن تقديم الظرف في الموثّقة، وحمله على الغالب، لمخالفته للصيغة التي يقع بها السَّلام غالباً بعيدٌ، فإنّه لا وجه حينئذٍ لتخصيصه بالذِّكر، إذ المخالفة كما تحصل بذلك تحصل بالتعريف والتنكير.

هذا مضافاً إلى أنّ حمل كلّ واحدٍ من الأخبار الثلاثة، الدالّة على تعيّن صيغةٍ خاصّة، على ما لو وقع السَّلام باللّفظ المماثل الوارد فيها، بعيدٌ جدّاً، مع أنّ قوله عليه السلام في ذيل الموثّقة: (فرَدَّ عليه النبيّ صلى الله عليه و آله هكذا) في أنّه صلى الله عليه و آله رَدّ سلام عمّار بصيغة (سلام عليكم)، مع أنّه كان قد سَلَّم بصيغة (السَّلام عليك) كما تدلّ عليه رواية البزنطي المتقدّمة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه يعتبر في رَدّ السَّلام في الصَّلاة أنْ يكون بإحدى الصيغ الأربع، ولا يجوز رَدّ السَّلام بتقديم الظرف حتّى ولو سَلَّم المُصلّي مع تقديم الظرف، ولا يعتبر شيءٌ أزيد من ذلك.

ص: 401

فروع:

الفرع الأوّل: لو سَلَّم أحدٌ على جماعةٍ منهم المُصلّي، فردّه غيره، فحيثُ إنّ وجوب رَدّ السَّلام كفائيٌ ، وسقوطه عند رَدّ بعضهم رخصة، كما يظهر من الروايات، فهل يجوز للمُصلّي الجواب أم لا؟

وجهان، أقواهما الثاني، لأنّه كلامٌ مبطل للصَّلاة، خرج الرَدّ الذي يكون واجباً، وبقي غيره تحت العام.

ومنه يظهر ضعف ما استدلّ به للأوّل، وهو إطلاق الأدلّة، كما ظهر حكم زيادة قوله: (ورحمة اللّه وبركاته).

الفرع الثاني: لو ترك رَدّ السَّلام، فحيثُ أنّ وجوبه فوريّ بلا خلافٍ ، وهو المتبادر من الأمر بالوجوب عقيب السَّلام، فلو سكت إلى أنْ فاتَ محلّ الرَدّ ثمّ شَرع في الصَّلاة، فلا إشكال في الصحّة، كما لا يخفى .

وأمّا إنْ مضى في صلاته، فالقول بالفساد مبنيٌّ على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه، أو على احتياج العبادة إلى الأمر مع عدم تصحيح الترتّب.

وكلا المبنيين فاسدان كماحقّقناه في محلّه، فمقتضى القاعدة الصحّة في الفرض أيضاً.

الفرع الثالث: لو كان المسلم صبيّاً مميّزاً، يجب رَدّ سلامه أيضاً، لإطلاق الأدلّة، كما أنّه لو كان الصبي داخلاً في جماعةٍ ، منهم المُصلّي فسلّم عليهم واحدٌ وردّه الصبيّ المميّز، سقط الردّ عن المُصلّي لإطلاق الأدلّة.

ودعوى: أنّ المتبادر من ما يدلّ على الاجتزاء بردٍّ واحد منهم، إرادة واحدٍ ممّن وجب عليه الردّ، فلا يشمل الصبي(1).

مندفعة: بأنّها دعوى بلا وجه، إذ الظاهر أنّ المراد منه واحدٌ من الجماعة الّتي سَلّم عليهم، ومنهم الصبي، ولا دخل لوجوب الردّ عليهم فيما يظهر من الأخبار.

ص: 402


1- مدارك لأحكام: ج 2/475.

والدُّعاء بالمُباح.

يجوز للمُصلّي الدُّعاء بالمباح

(و) المسألة الخامسة: يجوز للمُصلّي (الدُّعاء بالمباح).

وتدلّ عليه جملة من الروايات، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كلّما ذكرتَ اللّه عزّ وجلّ به والنبيّ صلى الله عليه و آله فهو من الصَّلاة»(1).

ومنها: خبر عبد الرحمن بن سيّابة، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدعو وأنا ساجد؟ فقال: نعم، فادع للدّنيا والآخرة، فإنّه ربّ الدُّنيا والآخرة»(2).

وغير ذلك من الروايات.

ولايجوز طلب شيءٍ محرّمٍ في الصَّلاة وغيرها، وقد ادّعى المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(3) الإجماع عليه، فيكون دعاءً محرّماً، فلو فعل ذلك في الصَّلاة بطلت لما تقدّم في قاطعيّة الكلام من مبطليّة الدُّعاء المحرّم للصَّلاة، فراجع(4).

***

ص: 403


1- وسائل الشيعة: ج 7/263 ح 9289.
2- الكافي: ج 3/323 ح 6، وسائل الشيعة: ج 6/371 ح 8210.
3- منتهى المطلب: ج 1/308.
4- صفحة 371 فى هذا المجلّد.

الباب الثالث: في بقيّة الصَّلوات

اشارة

الباب الثالث: في بقيّة الصَّلوات، وفيه فصول:

الأوّل: في صلاة الجمعة، وهي ركعتان عوض الظهر.

في صلاة الجمعة

(الباب الثالث: في بقيّة الصّلوات، وفيه فصول):

الفصل الأوّل: في صلاة الجمعة

اشارة

الفصل (الأوّل: في صلاة الجمعة: وهي ركعتان) كالصّبح، فيما عدا ما ستعرف (عوض الظهر) أي يسقط معهما الظهر، بل هي ظهرٌ بعينها في يوم الجمعة، كما تدلّ عليه أخبار مستفيضة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «قال: سألته عن اُناسٍ في قريةٍ ، هل يُصلّون الجمعة جماعة ؟

قال: نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب»(1).

وغير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ صلاة الظهر يوم الجمعة أربع ركعات، إذا لم يكن من يخطب بهم، وإلّا فركعتان.

***

ص: 404


1- تهذيب الأحكام: ج 3/238 ح 15، وسائل الشيعة: ج 7/306 ح 9423.

ووقتها من زَوال الشّمس.

وقت صلاة الجمعة

(ووقتها من زوال الشّمس) الذي هو أوّل صلاة الظهر، كما عرفته في محلّه، فلا تصحّ قبل الزّوال، بلا خلافٍ فيه عن أحد.

وعن الشيخ في «الخلاف»(1): إنّه اُسند القول بجواز أن يصلّي الجمعة عند قيام الشّمس الى المرتضى رحمه الله.

ويدلّ على ما اخترناه تبعاً للمشهور: ظاهر الكتاب والروايات المستفيضة:

منها: صحيحة ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «وقت صلاة الجمعة عند الزّوال»(2).

ومنها: خبر محمّد بن أبي عبد عمير، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصَّلاة يوم الجمعة ؟

فقال: نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالتِ الشّمس فصلّها»(3).

ومنها: رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، قال: «سألته عن الزّوال يوم الجمعة ما حَدّه ؟

قال: إذا قامت الشّمس صَلِّ الركعتين، فإذا زالت الشّمس فصَلِّ الفريضة»(4).

ونحوهما غيرهما.

ص: 405


1- الخلاف: ج 1/620.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/13 ح 43، وسائل الشيعة: ج 7/317 ح 9453.
3- الكافي: ج 3/420 ح 4، وسائل الشيعة: ج 7/319 ح 9464.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/12 ح 40، وسائل الشيعة: ج 7/326 ح 9487.

إلى أنْ يصير ظلّ كلّ شيء مثله.

وأمّا القول المنسوب إلى السيّد المرتضى رحمه الله(1)، فقد استدلّ له بصحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا صلاة نصف النهار إلّايوم الجمعة»(2).

وفيه أوّلاً: الظاهر أنّ المراد بنصف النهار أوّل الوقت حين تزول الشّمس.

وثانياً: إنّه لو سُلّم ظهورها فيما ادُّعي، فإنّه لابدّ من التصرّف فيها، وحملها على ما ذُكر للروايات المتقدّمة.

أقول: واستدلّ المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(3)، و «المنتهى»(4) عليه:

1 - بما رواه العامّة عن وكيع الأسلمي، قال: «شهدتُ الجمعة مع أبي بكرٍ فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار»(5).

وفيه: إنّ فعل أبي بكر - مضافاً إلى مخالفته لفعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله - ليس بحجّة.

2 - وبخبر سلمة بن أكوع، قال: «كنّا نُصلّي مع النبيّ صلى الله عليه و آله صلاة الجمعة ثمّ ننصرف، وليس للحيطان فيء»(6).

وفيه: إنّه لم يثبت من طرقنا.

قال المصنّف رحمه الله: ويمتدّ وقتها (إلى أنْ يصير ظِلّ كلّ شيء مثله) لدى الأكثر، بل عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(7) دعوى الإجماع عليه.8.

ص: 406


1- الناصريّات ص 200-201، المسألة الثامنة والسبعون.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/13 ح 44، وسائل الشيعة: ج 7/317 ح 9454.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/143.
4- منتهى المطلب: ج 1/318.
5- صحيح مسلم: ج 3/9، فتح الباري: ج 2/321، سنن الدارقطني: ج 2/13 ح 1607، عون المعبود 299.
6- صحيح مسلم: ج 3/9، صحيح البخاري: ج 5/65، سنن أبي داود: ج 1/244 ح 1085.
7- منتهى المطلب: ج 1/318.

وعن الشهيد في «الدروس»(1): القول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر. وعن السيّد ابن زُهرة(2) وأبي الصلاح(3)، القول بأنّ وقتها من الزّوال بمقدار ما يتّسع للأذان والخطبتين وصلاة الجمعة.

وحُكي عن الجُعفي(4): إنّ وقتها ساعةً من النهار أي الزّوال.

وعن المجلسيين(5): تحديد وقتها من الزّوال إلى أنْ يبلغ الظلّ الحادث قدمين.

أقول: ومنشأ الاختلاف تضارب الأخبار.

ويدلّ على القول المحكيّ عن ابن زُهرة وغيره، الروايات الدالّة على أنّ صلاة الجمعة من التكاليف المضيّقة:

منها: صحيحة زرارة، وفيها قوله عليه السلام: «فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقتٌ واحدٌ حين تزول، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام»(6)، ونحوها غيرها.

لكن هذه الروايات لا تنافي قول الجُعفي، إذ الخطبتان والأذان وصلاة الجمعة بآدابها المقرّرة في الشريعة، تحتاج عادةً إلى هذا المقدار من الزمان.

ويدلّ على قول الجُعفي: - مضافاً إلى ذلك - ما عن الشيخ في «المصباح»، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشّمس1.

ص: 407


1- الدروس: ج 1/188.
2- غنية النزوع: ص 91.
3- الكافي للحلبي ص 153.
4- كما حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة (ط. ج): ج 4/132 وفي الطبعة القديمة ص 235.
5- حكاه عنهما في المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 2/430 ق 2 قوله: (وعن المجلسيين تحديد وقتيها من الزّوال).
6- تهذيب الأحكام: ج 3/13 ح 46، وسائل الشيعة: ج 7/316 ح 9451.

إلى أنْ تمضي ساعة تحافظ عليها... الخ»(1).

واستدلّ على القول المحكيّ عن المجلسيّين: بالروايات الدالّة على أنّ وقت العصر في يوم الجمعة، وقت الظهر في سائر الأيّام، كصحيحة زرارة المتقدّمة، لأنّه يستفاد منها أنّ الوقت المجعول للنافلة في سائر الأيّام - وهو القدمان - جُعل في يوم الجمعة وقتاً لفريضتها، ولكن بما أنّ تحديد وقت النافلة بقدمين أو بذراع تحديدٌ تقريبي، فلا ينافي تقديره بساعة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما اختاره الجُعفي هو القويّ .

أقول: ولكن يظهر لمن تدبّر في الروايات الظاهرة في بادي النظر فيما قوّيناه، أنّ المراد من وقت الجمعة المحدود بالساعة، ليس وقتها الذي تفوت بفواته الصَّلاة، بل وقتها الذي ينبغي فعلها فيه، والشاهد على ذلك:

1 - خبر ابن أبي عُمير: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصَّلاة يوم الجمعة ؟

فقال: نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالت الشّمس فصلّها.

قال: قلت: إذا زالتِ الشّمس صلّيتُ ركعتين ثمّ صلّيتها؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

أمّا أنا فإذا زالتِ الشّمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة»(2).

فإنّ الظاهر أنّ المراد بصلاة يوم الجمعة في هذه الرواية، هي فريضة الظهر لا الجمعة خاصّة، لأنّه عليه السلام في تلك الفترة كان يُصلّي الظهر في يوم الجمعة، كما لايخفى .

2 - ورواية إسماعيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «سألته عن وقت الصَّلاة ؟

فجعل لكلّ صلاةٍ وقتين إلّاالجمعة في السفر والحضر، فإنّه قال: وقتها إذا4.

ص: 408


1- وسائل الشيعة: ج 7/320 ح 9467.
2- الكافي: ج 3/420 ح 4، وسائل الشيعة: ج 7/311 ح 9464.

زالت الشّمس»(1).

إذ الجمعة في السفر لا تكون إلّاظهراً، فهذا كاشفٌ عن أنّ المراد من الجمعة في مثل هذه الأخبار، أعمٌّ من الظهر، فعلى هذا دعوى كون المراد من الجمعة في سائر الأخبار الدالّة على تضيّق وقتها، خصوص الجمعة المصطلحة في غاية الإشكال، خصوصاً بضميمة أنّ إطلاق الجمعة على الأعمّ شائعٌ في الأخبار، وعلى هذا فحيثُ لا ريب في أنّ وقت الظهر في يوم الجمعة يمتدّ بامتداد وقتها في سائر الأيّام، وليس وقتها مضيّقاً بحيثُ يفوت بفوات الوقت المجعول في هذه الأخبار للجمعة، فلامحيص عن القول بأنّ المراد من تضيّق وقت الجمعة، تأكّد استحباب المبادرة إليها، نظير الرويات الدالّة على أنّ وقت المغرب مضيّق، وينقضي بذهاب الشفق.

وبالجملة: استفادة ضيق وقت الصَّلاة الجمعة من الروايات المتقدّمة، بحيث يفوت وقتها بالتأخير عن أدائه، مع أنّ المراد منها أعمّ من الظهر التي هي ليست كذلك جزماً مشكلة.

وعليه، فالقول المنسوب إلى الشهيد رحمه الله(2) هو القوي، لعموم ما دلّ على أنّ صلاتي الظهر والعصر لا تفوتان إلى مغيب الشّمس.

وأمّا القول المنسوب إلى المشهور:(3) فقد استدلّ له بالروايات الدالّة على أنّ لها وقتاً واحداً حين تزول الشّمس(4)، بتقريب أنّ هذه الروايات ظاهرة في أنّ وقت الجمعة أضيق من وقت الظهر في سائر الأيّام، فيدور الأمر:8.

ص: 409


1- وسائل الشيعة: ج 7/319 ح 9466.
2- الدروس: ج 1/188.
3- منتهى المطلب: ج 1/318.
4- الكافي: ج 3/420 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/315 باب 8.

بين أنْ يكون المراد من الوقت الواحد، أوّل الوقت.

أو يكون المراد الوقت الأوّل من وقتي الظهر، الذي هو من حين ما تزول الشّمس إلى أنْ يصبح ظِلّ كلّ شيء مثله.

والثاني أقوى ، لأنّه لا ريب في أنّ المراد من السعي إليها، الواجب على المكلّفين، ليس خصوص السعي، بل أعمٌّ منه ومن المقدّمات التي يتوقّف عليها فعل الصَّلاة كالطهارة، وهذا لا يجتمع مع الضيق الحقيقي، كما لا يخفى ، فهذا كاشف عن أنّ المراد من قوله عليه السلام: (حين تزول الشّمس) بيان أوّل الوقت لا حصره به، فلا تعرّض في هذه الأخبار لبيان آخره، فهو موكولٌ إلى ما هو معهودٌ في الشريعة من امتداد الوقت الأوّل إلى أنْ يصبح ظِلّ كلّ شيءٍ مثله.

فتأمّل في أطراف ما ذكرناه، يظهر لك ما هو الحقّ في المقام.

***

ص: 410

فروع صلاة الجمعة
لو خرج الوقت والمصلّي فيها

الفرع الأوّل: لو خرج الوقت والمصلّي فيها:

فهل يجب عليه إتمامها جمعةً ولو لم يُدرك ركعةً ، بل يكفي التلبّس بها في الوقت ولو بتكبيرة الإحرام ؟

أو يتمّها جمعةً بشرط إدراك الرّكعة ؟

أو تبطل مطلقاً ما لم يقع جميعها في الوقت ؟

وجوه، أقواها الثاني، وهو المنسوب إلى المشهور(1):

1 - لعموم: «مَنْ أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(2).

2 - وخصوص: «مَنْ أدرك ركعةً فقد أدرك الجمعة»(3).

فالجمعة كسائر الصَّلوات في ذلك، فالقول ببطلانها مطلقاً ضعيفٌ ، كالقول بالصحّة ولو بالتلبّس بالتكبير.

نعم، في خصوص من كان ذلك ابتداء الوجوب في حقّه - بحيث أصبح واجداً لشرائط الوجوب وهو غير مُدْرِك إلّاالرّكعة منها - كلامٌ قد تقدّم تحقيقه، فراجع.

وقد تعلّل الصحّة، ووجوب إتمام الجمعة ولو بالتلبّس بالتكبير، بأنّها استجمعت الشرائط وانعقدت، فيجبُ إتمامها للنهي عن إبطال العمل.

وفيه: إنّ من الشرائط، وفاء الوقت، وعدم قصوره عن أدائها، فجواز فعلها في

ص: 411


1- مسالك الأفهام: ج 1/235، الهامش.
2- وسائل الشيعة: ج 4/217 ح 4962.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/243 ح 39، وسائل الشيعة: ج 7/346 ح 9539.

خارج الوقت يحتاج إلى دليل مفقود.

ثمّ لا يخفى أنّه لا فرق فيما اخترناه:

بين ما لو دخل فيها بزعم الاتّساع، فانكشف بعد التلبّس بها خلافه.

وبين ما لو علم قبل الصَّلاة أنّ الوقت غير متّسعٍ ، وإنّما يدرك ركعةً منها في الوقت لعموم (مَنْ أدرك).

وعليه، فتفصيل المحقّق في «الشرائع»(1) بين الفرعين، حيث حكم في الأوّل بوجوب إتمامها جمعةً ، وفي الثاني بأنّه فاتت الجمعة، وعليه أن يُصلّي ظهراً غير تامّ .

وقد يوجّه كلام المحقّق رحمه الله كما عن بعض المحقّقين رحمه الله(2) بأنّ قاعدة (مَنْ أدرك) تكليفٌ عُذري مجعولة للمضطرّ، كغيرها من التكاليف العذريّة، والمتبادر من الأخبار التي يستفاد منها وجوب الظهر، عند عدم التمكّن من الجمعة، إرادة الجمعة الاختياريّة الواقعة في وقتها لا العذريّة، فيتّجه حينئذٍ التفكيك بين المسألتين، بالالتزام في هذا الفرع بفوت الجمعة، بخلاف المسألة السابقة، فإنّه حيثُ زعم سعة الوقت، ودخل في الجمعة دخولاً مشروعاً، لم يجز له إبطالها بعد أنْ وسّع الشارع وقتها.

وفيه أوّلاً: إنّه لو تمّ ما ذكر من المبني، لما كان التفصيل بين الفرعين متّجهاً، إذ من شَرع فيها بزعم سعة الوقت، ولم يكن الوقت متّسعاً واقعاً، لم يدرك الجمعة الاختياريّة، ولو كان مكلّفاً بالإتمام، فإنّما هو تكليفٌ عذري، فبناءً على أنْ يكون المستفاد من الأخبار وجوب الظهر، عند عدم التمكّن من الجمعة الاختياريّة، لابدّ1.

ص: 412


1- شرائع الإسلام: ج 1/73.
2- الحدائق الناضرة: ج 10/141.

من الحكم ببطلانها، فلا وجه للتفصيل بين المسألتين.

وثانياً: إنّ المبني غير تامّ ، إذ المستفاد من الأخبار أنّ مَنْ لم يُدرك الجمعة، وجب عليه الظهر، وإلّا فيجب الإتيان بها.

وعليه، فحيثُ أنّ مقتضى قاعدة (مَنْ أدرك) توسعة الوقت، وصدق إدراكها بإدراك ركعةً منها، فلا محالة تكون القاعدة حاكمة على تلك الأخبار، وموجبة لتوسعة موضوعها، فلا محالة تقدّم عليها.

وبالجملة: فالأقوى هو الصحّة في كلا الفرعين، فيما لو أدرك ركعةً منها في الوقت.

لو لم يكن شرائط الجمعة مجتمعة في أوّل الوقت

الفرع الثاني: لو لم يكن شرائط الجمعة مجتمعة في أوّل الوقت:

فإنْ علم بعدم اجتماعها حتّى يخرج الوقت، جاز له التعجيل بإتيان الظهر، ويجتزي بها للإجماع، والأخبار(1) الدالّة على أنّ من لم يتمكّن من الجمعة، مكلّف بإتيان الظهر.

وإنْ علم باجتماعها قبل خروج الوقت، لا يجوز له ذلك، لأنّ مشروعيّة الظهر مشروطة بعدم التمكّن من الجمعة في ذلك اليوم على ما يستفاد من الأخبار.

وأمّا إنْ شكّ في الاجتماع وعدمه، فهل يجوز له البدار، أم يجب عليه الصبر إلى أنْ يظهر الحال ؟

وجهان، بل قولان(2):

أقواهما الأوّل بناءً على ما هو الحقّ من جريان الاستصحاب في الاُمور

ص: 413


1- وسائل الشيعة: ج 7/345 باب 26.
2- جامع المقاصد: ج 2/369، مدارك الأحكام: ج 2/15، مستند الشيعة: ج 6/132.

الاستقباليّة، فإنّه عليه أن يستصحب عدم التمكّن من الجمعة إلى آخر الوقت، فيتنجّز التكليف بالظهر في حقّه، وعليه القيام بأداء الظهر.

نعم، يكون جواز البدار حينئذٍ ظاهريّاً، كما لا يخفى .

إدراك الإمام في الرّكعة الثانية

الفرع الثالث: لو صَلّى الإمام في الوقت الذي يسعها، ولكن المأموم لم يحضر الخطبة وأوّل الصَّلاة، بل أدرك الإمام ركعةً منها، وجب عليه أن يُصلّي الجمعة بلا خلافٍ فيه، وادّعى في «الجواهر»(1) الإجماع عليه بقسميه.

وتشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: صحيحة عبد الرحمن العزرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة، وقد سبقك بركعةٍ ، فأضف إليها ركعة اُخرى ، وأجهر بها، وإنْ أدركته وهو يتشهّد، فصلِّ أربعاً»(2). وغير ذلك من الروايات.

وأمّا صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «الجمعة لا تكون إلّالمن أدرك الخطبتين»(3)، الظاهرة في نفي الحقيقة، فحيثُ أنّها قابلة للحمل على إرادة نفي الكمال، فلا تصلح لمعارضة النصوص الصريحة في خلافها، مضافاً إلى ما فيها من احتمال التقيّة، لحكاية القول بمضمونها عن عمر بن الخطّاب، فعلى فرض المعارضة، تقدّم تلك الروايات.

أقول: ثمّ إنّه لا ريب في تحقّق إدراك الرّكعة بالدّخول في الصَّلاة قبل تكبير

ص: 414


1- جواهر الكلام: ج 11/147.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/244 ح 41، وسائل الشيعة: ج 7/346 ح 9538.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/243 ح 40، وسائل الشيعة: ج 7/346 ح 9540.

الرّكوع بلا خلافٍ فيه، وأمّا لو أدرك الإمام راكعاً في الثانية، ففيه خلافٌ :

والمشهور بين الأصحاب(1) تحقّق إدراك الرّكعة به.

وقيل(2): يعتبر إدراك تكبير الرّكوع.

وحُكي(3) عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4) أنّه اعتبر ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه، وكلامه في «التذكرة» منافٍ لذلك، وهو يصرّح بما اختاره المشهور.

واستدلّ للأوّل: بجملةٍ من الأخبار:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه قال: «إذا أدركت الإمام وقد ركع، فكبّرت وركعت قبل أنْ يرفع رأسه، فقد أدركت الرّكعة، وإنْ رفع الإمام رأسه قبل أنْ تركع، فقد فاتتك الرّكعة»(5).

وغير ذلك من الروايات الصريحة في ذلك.

وفيه: إنّ خبر الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أدركت الإمام قبل أنْ يركع الرّكعة الأخيرة، فقد أدركت الصَّلاة، إنْ كنتَ أدركته بعدما ركع فهي أربعٌ بمنزلة الظهر»(6)، الظاهر في اعتبار إدراك الإمام قبل الرّكوع في الجمعة، أخصّ من هذه النصوص، فتخصّص به.

ودعوى: إنّه لا يمكن تخصيص المطلقات الواردة في باب الجماعة، الصريحة في4.

ص: 415


1- مسالك الأفهام: ج 1/235، جواهر الكلام: ج 1/148.
2- النهاية: ص 114.
3- كما حكاه عنه السيّد في المدارك: ج 4/20 / وصاحب ذخيرة المعاد: ج 2/311.
4- تذكرة الفقهاء: ج 4/44 (ط. ج)، قوله: (المشهور أنّه يدرك الرّكعة بإدراك الإمام راكعاً وإن لم يدرك تكبيرة الرّكوع بل يدرك الرّكعة لو اجتمع مع الإمام في جزء منه).
5- الكافي: ج 3/382 ح 5، وسائل الشيعة: ج 8/382 ح 10963.
6- الكافي: ج 3/427 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/345 ح 9534.

كفاية إدراك الإمام راكعاً في صحّة الجماعة به.

مندفعة: بأنّها لا تكون نصّاً في الجمعة، كي لا يمكن تخصيصها به.

فإنْ قلت: إنّه يحتمل أنْ يكون المراد من قوله عليه السلام: (وقد رَكَع) إنّه قد رفع رأسه من الرّكوع، وعليه فلا يعارض تلك النصوص.

قلت: إنّ هذا الاحتمال ضعيف، لا يُعبأ به، لظهوره - لا سيّما بقرينة صدر الخبر في التلبّس بالركوع، مع أنّ قوله عليه السلام: (إذا أدركت الإمام قبل أنْ يركع... الخ) يدلّ بالمفهوم على أنّه إذا لم يدركه قبل الرّكوع، فلم يدرك الصَّلاة.

فتحصّل: أنّ الأقوى اعتبار إدراك الإمام قبل أنْ يركع.

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّ قوله عليه السلام في مكاتبة الحميري: «إذا لحق مع الإمام من تسبيح الرّكوع تسبيحة واحدة، اعتدّ بتلك الرّكعة»(1) لكونه أعمّ من خبر الحلبي فيخصّص به.

ولو أدرك الإمام ركعة منها في الوقت، فشرع فيها - بناءً على مشروعيّته كما هو الحقّ - ولم يُدْركه المأموم إلّافي الرّكعة الثانية، الواقعة في خارج وقتها الاختياري، فهل يشرع للمأموم الدخول معه فيها أم لا؟ وجهان، بل قولان.

قد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ الوقت الذي حدّده الشارع لها، إنّما هو بالنسبة الى نفس صلاة الجمعة التي تُقام في البلد، لا بالنسبة الى الصَّلاة الصادرة من آحاد المكلّفين، وبالنسبة اليهم لم يحدّد الشارع وقتاً لها إلّاالإدراك مع الإمام ركعة.

2 - وبقصور ما يدلّ على التوقيت عن الشمول للمأموم المسبوق، وبالنسبة6.

ص: 416


1- وسائل الشيعة: ج 8/383 ح 10966.

إليه مقتضى السيرة عدم مراعاة شيء سوى إدراكه للجماعة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه:

إنْ اُريد عدم شمول ما يدلّ على التوقيت للمأموم المسبوق، فهو كما ترى .

وإنْ اُريد إثبات نفي شرطيّة الوقت لصلاته، بإطلاق ما يدلّ على أنّ (من أدرك ركعةً من الجمعة، فقد أدرك الجمعة).

ففيه: إنّه ليس له إطلاقٌ مسوقٌ لبيان هذه الجهة، ليتمسّك به ويرفع شرطيّة الوقت لصلاة المأموم.

وأمّا الثاني: فلأنّ دعوى السيرة مع ندرة هذا الفرض عجيبة.

وبالجملة: فالأقوى عدم مشروعيّة الجمعة في الفرض على المأموم، لخروج وقتها بالنسبة اليه.

***

ص: 417

وشروطها: السّلطان العادل، أو من نصبه.

شروطها
اشتراط وجوب الجمعة بالسّلطان العادل
اشارة

(و) لا ريب في أنّ لوجوب الجمعة وصحّتها شروطاً:

أمّا (شروط) وجوب (ها) فهي اُمور:

الأمر الأوّل: (السّلطان العادل، أو من نصبه) لها، بلا خلافٍ محقّق بين قدماء أصحابنا، وقد تواتر نقل اجماعهم عليه من رؤساء المذهب:

قال الشيخ في «الخلاف»(1): (وأيضاً عليه إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في أنّ من شروط الجمعة الإمام، أو أمره).

وكذا المحقّق في «المعتبر»(2)، والعلّامة في بعض كتبه(3)، وغيرهم من علمائنا(4).

فما عن بعض المتأخّرين(5) من نسبة الخلاف فيه إلى كثيرٍ من القدماء خطأ ومجانبٌ للصّواب.

وذهب جماعةٌ من المتأخّرين تبعاً للشهيد الثاني(6)، إلى نفي الاشتراط، وأنّها واجبة عيناً في زمان الغيبة.

ص: 418


1- الخلاف: ج 1/626.
2- المعتبر: ج 2/279.
3- منتهى المطلب: ج 1/317.
4- جواهر الكلام: ج 11/153.
5- كما قد يظهر من كتاب الصَّلاة للسيّد الخوئي قدس سره ص 12.
6- رسائل الشهيد الثاني (ط. ق) ص 71 (وجوب صلاة الجمعة).

ثمّ إنّ القائلين بالاشتراط:

بين من يقول: بسقوط التكليف التعييني مع فقد الشرط، مع مشروعيّة إقامتها وهو الأشهر.

ومن يقول: بعدم مشروعيّة إقامتها مع فقده.

ثمّ إنّ من يقول بالاستحباب:

بين من اختار أنّها تجبُ عيناً بعد الانعقاد.

وبين من ذهب الى بقاء استحبابه بعده.

ومستند الحكم إنّما هو الروايات الواردة في الباب، وقبل الشروع فيها لا بأس بتأسيس الأصل، ليكون هو المرجع عند فقد الدليل.

فأقول: لو شُكّ في مشروعيّتها، ولم يدلّ دليلٌ على وجوبها عيناً أو وجوب الظهر كذلك، فإنْ لم يحتمل التخيّير، فمقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لزوم الإتيان بهما.

ودعوى : بعض المعاصرين من انحلال هذا العلم، بناءً على أنّ وجوب الظهر تعييناً - أمّا من حين الزّوال، أو من بعد مُضيّ وقت الجمعة على تقدير عدم الإتيان بها - معلومٌ ، ووجوب الجمعة مشكوك فيه، فيدفع بالأصل.

فاسدة: إذ العلم الإجمالي المزبور ينحلّ إلى علمين إجماليّين:

أحدهما: العلم بوجوب الظهر من حين الزّوال الى آخر وقت الجمعة، أو الجمعة كذلك.

وثانيهما: العلم بوجوب الظهر من بعد مُضيّ وقت الجمعة أو الجمعة.

والعلم الإجمالي الأوّل لا ينحلّ بما ذُكر كما لا يخفى .

ص: 419

وإنْ شئتَ قلتَ : إنّ العلم الإجمالي بوجوب إحداهما ما دام وقت الجمعة يكون باقياً لا يكون منحلّاً، ولكن مع ذلك يمكن أن يقال إنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الظهر تعييناً لكلّ أحدٍ، خرج عنه من تجب عليه الجمعة، أو تكون هي مشروعة له، فعلى هذا مقتضى أصالة عدم مشروعيّتها - مع عدم حضور الإمام عليه السلام - وجوب الظهر، يكون هذا الأصل حاكماً على قاعدة الإشتغال، كما لا يخفى، وإنْ احتمل التخيّير أيضاً، فحيث أنّ الأمر يدور بين التعيين والتخيير، والمختار أنّ المتّبع في هذا المورد أصالة التخيير، فيحكم في المقام بالتخيير، وأنّ كلّ واحدة منهما واجبة بالوجوب التخييري.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرناه حكم مالو علم مشروعيّتها، وشكّ في وجوبها تعييناً، فإنّ مقتضى الأصل عدمه.

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى ما هو المقصود، وهو مايستفاد من الآيات والأخبار في المقام، فنقول:

قد استدلّ لوجوب صلاة الجمعة عينيّاً بالكتاب والسُنّة:

أدلّة وجوبها العيني

أمّا الكتاب: فقوله تعالى: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اَللّهِ وَ ذَرُوا اَلْبَيْعَ (1)، وتقريب الاستدلال به واضح.

وفيه: إنّ الآية الشريفة ليست في مقام بيان وجوب الإنعقاد، بل في مقام بيان وجوب السّعي إليها بعده، فعلى هذا لو سَلّمنا أنّ المراد من (ذكر اللّه) ليس هو

ص: 420


1- سورة الجمعة: الآية 9.

النبيّ صلى الله عليه و آله - وإنْ ورد التفسير بذلك - بل هو الجمعة، إلّاأنّه لا ريب في عدم وجوب السعي إلى مطلق الصَّلاة الّتي يُنادى لها يوم الجمعة، فلا محالة تكون اللّام للعهد، وعليه فالأمر يدور بين:

أنْ يكون إشارة إلى الصَّلاة الخاصّة التي كان النبيّ صلى الله عليه و آله أو المنصوبون من قبله يقيمونها في عصر نزول الآية، وعليه فعدم دلالتها على الوجوب عند عدم حضور المعصوم السلطان أو نائبه واضحٌ .

وبين أنْ يكون إشارة إلى الجمعة التي انعقدت مشروعة، فتدلّ على وجوب السعي إليها بعد الانعقاد كذلك، كما هو خيرة جماعةٍ منهم سيّدنا الاُستاذ(1).

وعلى كلّ حال، لا تدلّ على وجوب الانعقاد، حيث أنّها مجملة، فلا تصحّ الاستدلال بها لوجوب السعي بعد الانعقاد.

وأمّا السُنّة: فطائفةٌ من الأخبار:

منها: صحيحة زرارة، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه السلام على مَن تجب الجمعة ؟

قال: على سبعة نفرٍ من المسلمين، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة، ولم يخافوا، أمَّهم بعضهم وخطبهم»(2).

وفيه: إنّ الاستدلال بها:

تارةً : قد يكون بلحاظ صدرها، فيرد عليه أنّ الظاهر كونه مسوقاً لبيان العدد الذي يشترط في الوجوب، وليس في مقام بيان عدد اشتراط شيء آخر، فاحتمال5.

ص: 421


1- كتاب الصَّلاة للسيّد الخوئي قدس سره: ج 1/16، قوله: (فكيف كان فيثبت بالآية المباركة وجوب صلاة الجمعة تعييناً... الخ).
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/411 ح 1220، وسائل الشيعة: ج 7/304 ح 9415.

اشتراط مشروعيّتها أو وجوبها عيناً يقمها الإمام أو نائبه لا يدفع بذلك.

مضافاً إلى أنّ قوله عليه السلام: (أحدهم الإمام) مشعرٌ بالاشتراط، لأنّ المراد منه في هذه الروايات على ما ستعرف إنّما هو المعصوم عليه السلام.

واُخرى: قد يكون الاستدلال بلحاظ ذيلها، فيرد عليه:

أوّلاً: عدم علمنا بأنّ قوله: (فإذا اجتمع... الخ) من كلام الإمام عليه السلام، بل نحتمل قويّاً أنْ يكون فتوى الصدوق رحمه الله ذكرها في ذيل الرواية، كما هو دأبه رحمه الله كما لا يخفى على من تتبّع في كتبه، وقد أصرّ على عدم كون ما ورد فيه قصد منه الإمام عليه السلام، بعض أعاظم العصر(1) الذي هو من المحقّقين والمتتبّعين، وادّعى إنّي مطمئنٌ بذلك.

وثانياً: إنّه يمكن أن يكون المراد (بأمّهم بعضهم) البعض المعهود عندهم لا مطلقة، ويكون المقصود منه دفع توهّم اعتبار كون السبعة، الذين يتعيّن بهم موضوع الوجوب، ما عدا الإمام، فلايمكن الاستدلال بها على عدم اشتراط مشروعيّتها بأن يقيمها السلطان العادل أو نائبه.

ومنها: صحيحته الاُخرى ، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«إنّما فرض اللّه عزّ وجلّ على النّاس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة، فرضها اللّه عزّ وجلّ في جماعة وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين»(2).2.

ص: 422


1- وهو الفقيه الكبير آية اللّه العظمى السيّد حسين البروجردي في كتابه المسمّى ب (البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر): ص 66-67 وقال أيضاً: إنّ من سبقه إلى هذا الاحتمال السيّد بحر العلوم، ثمّ قال: (بل في حواشي الفقيه المطبوع بالهند أنّ من قوله: (ولا جمعة لأقلّ ، إلى آخره)، لعلّه من كلام المؤلّف.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/21 ح 77، وسائل الشيعة: ج 7/295 ح 9382.

وفيه: إنّ هذه الرواية إنّما تكون مسوقة لبيان وجوبها على سبيل الإجمال، وإنّه يشترط فيها الجماعة، وليست في مقام بيان جميع ما يشترط فيها كي يتمسّك بإطلاقها لنفي اشتراط شيءٍ آخر فيها.

ومنها: صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً وثلاثين صلاة واجبة، على كلّ مسلم أن يشهدها إلّاخمسة... الخ»(1).

وفيه: إنّها إنّما تكون مسوقة لبيان أنّه على مَن تجب الحضور، وعلى مَن لاتجب، وليس في مقام بيان شرائطها، حتّى يدفع احتمال اشتراطها بأن يُقيمها الإمام بالإطلاق.

أقول: وبما ذكرناه ظهر ضعف الاستدلال على وجوبها:

1 - بالخبر الصحيح الذي رواه منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإنْ كانوا أقلّ من خمسة، فلا جمعة لهم، والجمعة واجبة على كلّ أحدٍ لا يُعذر النّاس فيها إلّاخمسة: المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي»(2).

2 - وبصحيح عمر بن يزيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة، فليصلّوا في جماعة»(3).

3 - وبقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته: «والجمعة واجبةٌ على كلّ مؤمن1.

ص: 423


1- الكافي: ج 3/418 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/299 ح 9395..
2- تهذيب الأحكام: ج 3/239 ح 18، وسائل الشيعة: ج 7/304 ح 9718.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/245 ح 46، وسائل الشيعة: ج 7/305 ح 9421.

إلّا على الصبي.. الخ»(1).

4 - وبالنبويّ : «الجمعة حقٌّ واجبٌ على كلّ مسلم إلّاأربعة»(2).

وغيرها ممّا يقرب هذا المضمون.

فإنّها مسوقة لبيان العدد الذي يعتبر في وجوبها، أو تنعقد به الجمعة، وأنّها لاتجب على طوائف، وليست في مقام بيان كلّ ما يشترط في وجوبها، فلا إطلاق لها ليتمسّك به ويدفع احتمال اشتراط الإمام أو نائبه.

ومنها: صحيح أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«من ترك الجمعة ثلاث جُمَع متوالية، طبع اللّه على قلبه»(3).

وفيه: إنّ استفادة وجوب الفعل من الدليل المتكفّل لبيان ترتّب العقاب على تركه، إنّما يكون فيما لم يدلّ دليلٌ آخر على وجوبه، وإلّا فلا يدلّ ذلك على الوجوب، والفرق بينهما واضح؛ لأنّ العقاب على ترك فعل المباح لا يصحّ ، فلا محالة يكون الإخبار عن ترتّبه على ترك فعل لا دليل على وجوبه، إخباراً عن وجوبه بالالتزام، وهذا بخلاف ما ثبت وجوبه بدليل آخر، فإنّ الإخبار عن ترتّب عقاب خاص على تركه لا محذور فيه.

وعليه، ففيما نحن فيه بما أنّ وجوب الجمعة على سبيل الإجمال، كان معلوماً وثابتاً بالأدلّة الاُخر في زمان صدور الخبر، فقوله عليه السلام: (طبع اللّه.. إلخ) لا يستفاد منه الوجوب، ولا يكون في مقام بيانه، كي يُتمسّك بإطلاقه لدفع مايحتمل6.

ص: 424


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/427 ح 1263، وسائل الشيعة: ج 7/297 ح 9387.
2- وسائل الشيعة: ج 7/301 ح 9405، سنن أبي داود: ج 1/240 ح 1067، السنن الكبرى للبيهقي: ج 3/172 باب من تجب عليه الجمعة، كنز العمّال: ج 7/722 ح 21093.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/238 ح 14، وسائل الشيعة: ج 7/299 ح 9396.

شرطيّته لوجوبها.

أقول: ومنه يظهر ضعف الاستشهاد له بقوله صلى الله عليه و آله في روايةٍ :

«مَنْ تَرك ثلاث جُمَع تهاوناً بها طبع اللّه على قلبه»(1).

وفي اُخرى : «مَنْ تَرك ثلاث جُمَع متعمّداً من غير عِلّةٍ طبع اللّه على قلبه بخاتم النفاق»(2).

مع أنّ مَنْ تركها لأجل عدم ثبوت وجوبها أو مشروعيّتها لا يصدق أنّه تركها متهاوناً أو متعمّداً من غير علّة.

ومنها: صحيحة الفضل بن عبد الملك، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا كان قومٌ في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإنْ كان لهم من يَخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر»(3).

وفيه: إنّ المراد ب (من يخطب) هو المنصوب من قِبل السلطان العادل، لا كلّ من يقدر على أن يخطب، وذلك لوجهين:

1 - إنْ كان من يتمكّن من إتيان الصَّلاة صحيحةً ، بحيث يجوز الاقتداء به، يكون متمكِّناً من الإتيان بأقلّ المُجزي من الخطبتين، فلو كان المراد ب (من يخطب) في الخبر، مَنْ يقدر عليه، كان التفصيل بين وجوده وعدمه، والأمر بالجمعة في الأوّل والجماعة في الثاني في غير محلّه.

2 - إنّه لو لم يكن وجوب الجمعة مشروطاً بأن يُقيمها شخص خاص، لكان معرفة الخطبة من المقدّمات الوجوديّة للواجب المطلق، فكان يجبُ على كلّ واحدٍ7.

ص: 425


1- وسائل الشيعة: ج 7/301 ح 9406.
2- وسائل الشيعة: ج 7/302 ح 9407.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/238 ح 16، وسائل الشيعة: ج 7/304 ح 9417.

منهم تحصيلها كفائيّاً، فلا يصحّ تعليق وجوبها على (من يخطب) كما لا يخفى .

وممّا ذكرناه في هذه الصحيحة، ظهر ضعف الاستشهاد له بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام، قال:

«سألته عن اُناسٍ في قرية، هل يُصلّون الجمعة جماعة ؟ قال: نعم، ويُصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب»(1).

ومنها: صحيحة زرارة، قال: «حثّنا أبو عبد اللّه عليه السلام على صلاة الجمعة، حتّى ظننتُ أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك ؟ فقال: لا، إنّما عنيت عندكم»(2).

وفيه: إنّ هذه الصحيحة من أقوى الأدلّة على عدم الوجوب لوجوه:

1 - إنّ الحَثّ على شيءٍ ظاهرٌ في استحبابه.

2 - إنّ ظاهر الصحيحة أنّ زرارة وسائر أصحاب الصادق عليه السلام كانوا تاركين لها، مع كونهم قادرين على إقامتها على وجهٍ لا يتوجّه إليهم الضرر من المخالفين، كما يكشف عنه حَثّ أبي عبد اللّه عليه السلام على الفعل، وهذا يكشف عن عدم وجوبها، وإلّا لم يكن ليخفى وجوبها على مثل زرارة الذي هو الراوي لجملة من النصوص التي تُوهم دلالتها على الوجوب.

3 - قوله: (حتّى ظننتُ ... الخ) لظهوره في أنّه كان المغروس في إذهان أصحاب الأئمّة، كون إقامتها من وظائف السلطان العادل.

أقول: ومن ما ذكرناه في هذه الرواية، ظهر عدم تماميّة الاستشهاد له بموثّقة ابن بكير، عن زرارة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر عليه السلام:3.

ص: 426


1- تهذيب الأحكام: ج 3/238 ح 15، وسائل الشيعة: ج 7/306 ح 9423.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/239 ح 17، وسائل الشيعة: ج 7/309 ح 9433.

«مثلك يهلك ولم يُصلِّ فريضة فرضها اللّه، قال: قلت: كيف أصنع ؟ قال: صلّوا جماعة - يعني صلاة الجمعة -»(1) فإنّ هذه الرواية أيضاً واضحة الدلالة على أنّ أصحاب الأئمّة عليه السلام كانوا يعتقدون أنّه لا جمعة إلّامع الإمام، فلاحظ.

وممّا ذكرناه في هذه الروايات، ظهر حال بقيّة الأخبار التي ذكروها عند تعداد أدلّتهم.

فتحصّل: أنّ شيئاً ممّا استدلّ بإطلاقه على عدم اشتراط وجوبها، بأن يقيمها من بيده اُمور المسلمين أو نائبه لا يدلّ عليه.

***4.

ص: 427


1- تهذيب الأحكام: ج 3/239 ح 20، وسائل الشيعة: ج 7/310 ح 9434.
أدلّة اشتراط السلطان العادل

ولو تنزّلنا عن المناقشات الآنفة في دلالة الأخبار، وسَلّمنا ثبوت الإطلاق، فيتعيّن تقييده بما يدلّ على الاشتراط، وهو أمران:

الأوّل: الإجماع المدّعى في كلمات كثيرٍ من الأعاظم(1).

ونوقش فيه: بأنّه مع وجود هذا الخلاف العظيم، كيف يبقى مجالٌ لدعواه.

وفيه: إنّه لو كان وجه حجيّة الإجماع قاعدة اللّطف، لكانت هذه المناقشة صحيحة، ولكن ليست هذه القاعدة ملاك حجيّته، بل هو استكشاف رأي المعصوم بطريق الحدس من فتوى أساطين الفنّ ، المتبحّرين في صنعتهم، وهذا يختلف باختلاف الموارد، ففيما نحن فيه بما أنّ الجمعة لو كانت واجبة مع عدم الإمام أو نائبه، لما كان يختفي على أحد من العوام، لكثرة الابتلاء بها، ولصار من ضروريّات الدِّين، فمن وجود الخلاف فيه، فضلاً عن اشتهار القول بعدم وجوبها أو عدم مشروعيّتها، يستكشف رأي المعصوم عليه السلام بالحَدس.

الثاني: طوائف من الأخبار:

منها: الروايات الدالّة على عدم وجوب السّعي إليها على من هو بعيدٌ عنها بفرسخين: كخبر الفضل، عن الإمام الرضا عليه السلام: «إنّما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر»(2).

وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «الجمعة واجبة على من إنْ صَلّى الغداة

ص: 428


1- قد مرَّ ذلك في بداية بحث: (اشتراط وجوب الجمعة بالسلطان العادل).
2- عيون الأخبار: ج 2/111، وسائل الشيعة: ج 7/308 ح 9430.

في أهله أدرك الجمعة»(1).

وغيرهما ممّا يقرب هذا المضمون.

وتقريب الاستدلال بها: إنّها تدلّ على سقوطها عمّن بَعُد عنها بفرسخين، فلو كانت الجمعة واجبة من غير اشتراط بأن يقيمها السلطان العادل أو نائبه، لكان الواجب عليهم الاجتماع، وإقامة الجمعة في مناطقهم.

ودعوى: إنّها في مقام بيان حكم عابري السبيل ونحوهم، فيكون عدم الوجوب لأجل عدم وجود عدّة أشخاص من المسلمين ينعقد بهم الجمعة.

مندفعة: بأنّ الظاهر إنّ هذه الروايات مسوقة لبيان حكم سكنة البراري والأمصار البعيدة عن المصر والقُرى التي تُقام فيه الجمعة كما لا يخفى على المتدبّر فيها.

ودعوى: تنزيلها على مورد عدم وجود من يصلح للإمامة، لعدم إحراز عدالته، أو عدم معرفته الخطبة.

مندفعة: بأنّ الغالب وجود أئمّة الجماعة في تلك الأماكن، كما تشهد به بعض تلك الأخبار، كما أنّه قد عرفت أنّ الغالب تمكّن من يقرأ الصَّلاة الإتيان بأقلّ المُجزي من الخطبتين، مضافاً إلى أنّه على تقدير الوجوب العيني، يصير معرفة الخطبة من المقدّمات الوجوديّة فيجب تحصيلها.

أقول: وممّا ذكرناه ظهر فساد الاستدلال بهذه الروايات على القول بالوجوب العيني.

ومنه ظهر أيضاً أنّ من تلك الطوائف، الروايات الدالّة على عدم وجوبها على7.

ص: 429


1- تهذيب الأحكام: ج 3/240 ح 24، وسائل الشيعة: ج 7/307 ح 9427.

أهل القرية:

1 - رواية حفص، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال: «ليس على أهل القرى جمعة»(1).

2 - صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة التي ذكرناها في أعداد ما استدلّ به على الوجوب(2).

3 - وموثّقة ابن بكير، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن قومٍ في قرية ليس لهم من يجمع بهم، أيُصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعة ؟ قال: نعم إذا لم يخافوا»(3).

4 - وخبر طلحة، عن عليّ عليه السلام: «لا جمعة إلّافي مصرٍ تُقام فيه الحدود»(4).

ومنها: الروايات الدالّة على أنّ الصَّلاة ركعتين انما هي فيما إذا كانت مع الإمام، الصريحة في إرادة من بيده الأمر لا إمام الجماعة؛ كموثّقة سماعة، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصَّلاة يوم الجمعة ؟ فقال: أمّا مع الإمام فركعتان، وأمّا لمن صَلّى وحده فهي أربع ركعات، وإنْ صَلّوا جماعة»(5).

ونحوها موثّقته الاُخرى وغيرها.

ومنها: مايدلّ على أنّ إقامة الجمعة من مناصب وليّ أمر المسلمين:

1 - كالخبر المرويّ في «دعائم الإسلام» عن عليّ عليه السلام أنّه قال:

«لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلّاللإمام أو من يقيمه الإمام»(6).ث.

ص: 430


1- تهذيب الأحكام: ج 3/248 ح 61، وسائل الشيعة: ج 7/307 ح 9426.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/238 ح 15، وسائل الشيعة: ج 7/306 ح 9423.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/15 ح 55، وسائل الشيعة: ج 7/327 ح 9491.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/239 ح 21، وسائل الشيعة: ج 7/307 ح 9425.
5- الكافي: ج 3/421 ح 4، وسائل الشيعة: ج 7/314 ح 9445.
6- نقله المعلّق على من لا يحضره الفقيه: ج 1/413 في الهامش، بقوله: (في الأشعثيّات ص 42 مسنداً عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: لا يصلح الحكم.. الخ)، الحديث.

2 - والمرويّفي «الأشعثيّات» مرسلاً: «إنّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين»(1).

3 - وعن رسالة الفاضل ابن عصفور مرسلاً عنهم عليه السلام: «إنّ الجمعة لنا والجماعة لشيعتنا».(2)

4 - وروى عنهم عليهم السلام: «لنا الخمس و لنا الأنفال، و لنا الجمعة و لنا صفوة المال»(3).

5 - والنبويّ : «أربعٌ للولاة: الفيء، والحدود، والجمعة، والصدقات».(4)

6 - وفي آخر: «إنّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين».

7 - وعن «الجعفريّات» بإسناده إلى عليّ بن الحسين، عن أبيه عليهم السلام:

«إنّ عليّاً عليه السلام قال: لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلّابإمام»(1).

8 - وفي «الصحيفة السجّاديّة» في دعاء الجمعة وثاني العيدين:

«اللّهُمَّ أنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك، ومواضع اُمنائك، في الدّرجه الرفيعة، والتي اختصصتهم بها قد ابتزّوها، وأنتَ المقدّر لذلك.

إلى أنْ قال: حتّى عاد صفوتك وخلفائك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حُكمك مبدّلاً...

إلى أنْ قال: اللّهُمَّ إلعن أعداءهم من الأوّلين والآخرين، ومن رضي بفعالهم، وأشياعهم وأتباعهم»(2).

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ القول بالوجوب العيني ضعيفٌ غايته، وأنّه لا يتعيّن فعلها بدون السلطان العادل أو نائبه، لا قبل الاجتماع ولا بعده.1.

ص: 431


1- الجعفريّات: ص 43، (من يجب عليه الجمعة).
2- جمال الاسبوع: 427، مصباح المتهجّد: 371.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه أنّ أدلّة الوجوب لا إطلاق لها، وأنّه لو ثبت تعيّن تقييده بما دلّ على الاشتراط وعدم مشروعيّتها، وأنّها تكون حراماً بدون الإمام أو نائبه، كما هو مختار جماعة من القدماء والمتأخّرين، لعدم الدليل على المشروعيّة سوى ما دلّ على الوجوب.

وقد استدلّ للقول بالاستحباب:

1 - بصحيحة زرارة المتقدّمة، التي ورد فيها الحَثّ على فعلها، وصحيحته الاُخرى المتضمّنة لقوله عليه السلام: (فإذا اجتمع سبعة، ولم يخافوا أمَّهم بعضهم)؛ ورواية عبد الملك المتقدّمة.

2 - وبما دلّ على جواز إقامتها لأهل القرية التي فيها جمعٌ من المسلمين.

3 - وبالروايات الواردة في كيفيّة الجمعة وأحكامها في زمان قصور أيديهم الشريفة، كخبر عمر بن حنظلة: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: القنوت يوم الجمعة ؟ فقال عليه السلام: أنتَ رسولي إليهم في هذا، إذا صلّيتم في جماعةٍ ففي الرّكعة الاُولى ، وإذا صَلّيتم وحداناً ففي الرّكعة الثانية»(1).

ونحوه غيره، حيث أنّ الظاهر منها إرادة بيان ذلك للرواة وأصحابهم عليهم السلام، ليصلّوا حال التمكّن وعدم التقيّة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا صحيحة زرارة: فلأنّ حَثّه عليه السلام على فعلها يمكن أن يكون إذناً في إقامتها أو مقترناً معه.

وأمّا صحيحه الثاني: فلما تقدّم من عدم ثبوت كون قوله: «فإذا اجتمع... الخ»7.

ص: 432


1- الكافي: ج 3/427 ح 3، وسائل الشيعة: ج 6/271 ح 7937.

من كلامه عليه السلام، واحتمال إرادة البعض المعيّن من بعضهم، فراجع(1).

وأمّا خبر عبد الملك: فلأنّ قوله عليه السلام فيه: (صَلّوا جماعةً ) إذنٌ في إقامتها، فلا يدلّ على مشروعيّتها مع عدم الإذن.

وأمّا ما دلَّ على جواز إقامتها لأهل القرية: فلأنّه قيّد الجواز فيه بما إذا كان لهم من يَخطب لهم، وقد عرفت أنّ المراد منه المنصوب من قبل الإمام عليه السلام، لا كلّ من يقدر على أن يخطب، فلا يدلّ على مشروعيّة إقامتها بغير إمام منصوب.

وأمّا النصوص: الواردة في كيفيّة الجمعة وبعض أحكامها؛ فلأنّها لا تدلّ على عدم اشتراط المشروعيّة، بأن يقيمها السّلطان العادل أو نائبه، لورودها في مقام بيان حكم آخر، وإنْ كانت مشعرة بذلك.

وعليه، فالاحتياط بإتيان الظهر بعد الإتيان بها لا يُترك.

***د.

ص: 433


1- صفحة 422 فى هذا المجلّد.
ولاية الفقيه

ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّه وإنْ سُلّم كون إقامة الجمعة من مناصب الإمام عليه السلام، إلّاأنّ الأدلّة الدالّة على عموم ولاية الفقيه، وأنّه نائبُ الإمام عليه السلام تدلّ على التوسعة، وأنّ الشرط أعمٌّ من أنْ يُقيمها الإمام عليه السلام أو نائبه وهو الفقيه.

وبعبارة اُخرى: ما يدلّ على أنّ ما للإمام من المناصب يكون للفقيه في زمان الغيبة، يدلّ على أنّ للفقيه إقامة الجمعة.

أقول: شيءٌ ممّا توهم أنْ يكون دليلاً على النيابة بهذا المعنى، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في شأن العلماء، مثل ما عن الصفّار في «بصائر الدرجات»(1)، والمفيد في «الاختصاص»(2)، الواصفة للفقهاء والعلماء بأنّهم «ورثة الأنبياء»، وأنّ «الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر»(3)، وما في «الغوالي» عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «الفقهاء اُمناءُ الرّسل»(4)، وغيرهما ممّا يقرب هذا المضمون، لا تدلّ على أزيد من لزوم أخذ الأحكام منهم كما يظهر لمن تدبّر فيها.

وأمّا ما ورد في «التحرير»(5) من أنّه صلى الله عليه و آله قال: «عُلماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل قبلي»(6)، فلأجل التشبيه بسائر الأنبياء، لا نفس النبيّ صلى الله عليه و آله، يكون ظاهراً فيما هو ظاهر غيره ممّا تقدّم من الأخبار.

ص: 434


1- بصائر الدرجات: ص 10 و 11 ح 1 و 3.
2- الاختصاص: ص 4.
3- الكافي: ج 1/34 ح 1، وسائل الشيعة: ج 27/78 ح 33247.
4- الكافي: ج 1/46 ح 5، مستدرك وسائل الشيعة: ج 13/124 ح 14961، كنز العمّال: ج 10/173 ح 28953.
5- تحرير الأحكام: ج 1/38 (ط. ق).
6- مستدرك وسائل الشيعة: ج 17/320، عوالي اللآلي: ج 4/77.

وأمّا ما في «تحف العقول» عن علي بن الحسين عليهما السلام أنّه قال:

«مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه، الاُمناء علي حلاله وحرامه»(1).

فيرد على الاستدلال به أوّلاً: الظاهر أنّ المراد ب (العلماء) هم الأئمّة عليه السلام، فإنّهم العلماء باللّه، وأمّا الفقهاء فهم العلماء بالأحكام الشرعيّة.

وثانياً: إنّه بقرينة قوله عليه السلام: (الاُمناء على حلاله وحرامه)، يكون مختصّاً بالأحكام الشرعيّة، وظاهراً في أنّهم المرجع للأحكام.

وبذلك ظهر ضعف الاستشهاد بما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله بطرق عديدة أنّه قال:

«اللّهُمَّ ارحم خُلفائي. قيل: يارسول اللّه ومَنْ خُلفائك ؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسُنّتي»(2).

وأمّا قوله في مقبولة عمر بن حنظلة: «قد جَعَلته عليكم حاكماً»(3).

وفي مشهورة أبي خديجة: «جعلته عليكم قاضياً»(4).

فلا يفهم منهما إلّاأنّ له وظيفة الحكم، وفصل الخصومة، وغير ذلك ممّا يعدّ من شؤون القضاة، فلا يدلّان على قيامه مقام الإمام في إقامة الجمعة.

وأمّا التوقيع المرويّ عن صاحب الزمان عَجّل اللّه فرجه:

«وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه»(5)...

ص: 435


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 17/315، تحف العقول ص 237.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4/420، وسائل الشيعة: ج 27/91 ح 33295.
3- الكافي: ج 1/67 ح 10، وسائل الشيعة: ج 27/136 ح 33416.
4- عوالى اللآلي: ج 3/518، وسائل الشيعة: ج 27/139 ح 33421.
5- الاحتجاج: ج 2/469، وسائل الشيعة: ج 27/140 ح 33424..

قال العلّامة الأنصاري رحمه الله(1): إنّ دلالة التوقيع على عموم النيابة واضحة، فإنّ المراد من (الحوادث) ظاهراً مطلق الاُمور التي لابدّ من الرجوع فيها عقلاً أو عرفاً أو شرعاً إلى الرئيس، مثل النظر في أموال القاصرين وإقامة الجمعة، وأمّا تخصيصها بخصوص المسائل الشرعيّة فبعيدٌ من وجوه:

منها: أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إليه، ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة، لا الرجوع في حكمها إليه.

ومنها: التعليل بأنّهم (حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه)، فإنّه إنّما يناسب الاُمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر، وهذا منصب ولاة الإمام عليه السلام من قبل نفسه، لا أنّه واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه، وإلّا كان الأنسب أن يقول إنّهم حُجَج اللّه عليكم.

ومنها: إنّ وجوب الرجوع الى العلماء في المسائل الشرعيّة من البديهيّات، وليس ممّا يخفى على إسحاق بن يعقوب حتّى يكتبه في عِداد مسائل أُشكلت عليه.

أقول: في الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه فرقٌ واضح بين التعبير بإرجاع الشيء إلى شخصٍ ، وبين التعبير بالرجوع فيه إليه، فإنّ الظاهر من الأوّل إيكال نفسه إليه، ومن الثاني الرجوع في حكمه إليه، وفي التوقيع حيثُ يكون بالثاني، فلا محالة يكون ظاهراً في الرجوع إليهم في الأحكام الشرعيّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ العلماء بما أنّهم يتلقّون الأحكام من الأئمّة عليهم السلام، وهم من اللّه تعالى، فحجيّة قولهم تكون طوليّة، فلذا يصحّ القول بأنّهم حجّة من قِبل الأئمّة عليهم السلام5.

ص: 436


1- كتاب المكاسب: ج 3/555.

لا من قِبل اللّه تعالى في مقام بيان أنّهم مراجع للأحكام الشرعيّة.

وأمّا الثالث: فلأنّ دأب الرواة إنّما هو السؤال عن الاُمور حتّى ما كان من الواضحات، مضافاً إلى أنّ من المحتمل أنّ السؤال كان عن الخصوصيّات، كاشتراط الرجوع بأن يكون من يرجع إليه أعلم من غيره، فيكون جوابه عليه السلام دليلاً على عدم اشتراطه بشيء، ويؤيّده استدلال بعضٍ به على عدم وجوب تقليد الأعلم.

فتحصّل: أنّ هذا التوقيع الشريف لا يدلّ على أزيد من وجوب الرجوع الى الفقهاء في المسائل الشرعيّة، هذا مضافاً إلى أنّه لو سُلّم دلالة التوقيع على أنّه لابدَّ من الرجوع الى الفقيه في مطلق الاُمور التي يرجع فيها إلى الرئيس، فغاية ما يدلّ عليه إنّما هو وجوب إيكال المعروف المأذون فيه إليه لتقع خصوصيّاته عن نظره ورأيه، وأمّا مشروعيّة تصرّف خاصٍّ في النفس أو المال أو العِرض أو إيكال أفعال خاصّة إليه كإقامة الجمعة فالتوقيع لا يدلّ عليها.

وبالجملة: فانقدح من جميع ما ذكرناه أنّه لا دليل على أنّ الفقيه منصوبٌ من قِبل الإمام عليه السلام لما يَعمّ مثل إقامة الجمعة، كما يظهر أنّه على فرض مشروعيّة الجمعة في زمان الغيبة، فإنّه لا وجه للقول باختصاص جواز إقامتها بالفقيه، كما عن المحقّق الثاني رحمه الله(1)، وقد أشبعنا الكلام في ولاية الفقيه، ذيل البحث عن ولاية الحاكم الشرعي، فانتظر.

***5.

ص: 437


1- جامع المقاصد: ج 2/375.

والعَدَد: وهو خَمسة نفر أحدهم الإمام.

في اشتراط العدد

(و) الشرط الثاني: (العدد) بلا خلافٍ فيه، (و) إنّما الخلاف في المقدارالمعتبر:

فعن المشهور (هو خمسة نفر أحدهم الإمام).

وعن الصدوق(1) والشيخ(2) والقاضي(3) وغيرهم: إنّه سبعة.

أقول: ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار.

فمنها: ما يدلّ على انعقادها بخمسة؛ كصحيحة زرارة:

«لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهطٍ؛ الإمام وأربعة»(4). ونحوها غيرها.

ومنها: يدلّ على اعتبار السبعة، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «تجبُ الجمعة على سبعة نفرٍ من المسلمين، ولا تجبُ على أقلّ منهم... الخ»(5).

ومنها: ما يدلّ على الاكتفاء بأحد الأمرين؛ كخبر أبي العبّاس عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «أدنى ما يُجزي الجمعة سبعة أو خمسة أدناه»(6).

ص: 438


1- الهداية للصدوق: ص 145.
2- الاقتصاد: ص 267، والخلاف: ج 1/597، والرسائل العشر: ص 190.
3- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 1/100.
4- الكافي: ج 3/419 ح 4، وسائل الشيعة: ج 7/303 ح 9413.
5- تهذيب الأحكام: ج 3/20 ح 75، وسائل الشيعة: ج 7/305 ح 9420.
6- الكافي: ج 3/419 ح 5، وسائل الشيعة: ج 7/303 ح 9412.

وصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: «على مَن تجب الجمعة ؟ فقال:

تجبُ على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام»(1). ونحوهما غيرهما.

ومقتضى الجمع بين الأخبار كون السبعة شرطاً للوجوب، والخمسة للمشروعيّة، فتُحمل أخبار الخمسة على بيان المشروعيّة، وأخبار السبعة على الوجوب.

ودعوى: المحقّق اليزدي رحمه الله(2) - تبعاً لصاحب «الجواهر» رحمه الله(3) - من أنّ الأخبار المذكورة واردة في زمان قصور يد الإمام عليه السلام، فلا يصحّ الحمل المزبور على مذهب من لا يقول بالوجوب التعييني، في زمن قصور يد الإمام عليه السلام، فالمتعيّن حملها على مرتبتي الفضل.

ممنوعة: بأنّ هذه الأخبار إنّما وردت لبيان حكم وضعي، وهو الاشتراط، وأخبار السبعة تدلّ على اشتراط الوجوب بها، وعدم وجوبها في زمن قصور يد الإمام لفقدان شرطٍ آخر للوجوب، وهو أن يُقيمها السلطان العادل، ومشروعيّة إقامتها في هذا الحال لدليلٍ آخر لا تنافي ذلك، كما لا يخفى على المتدبّر.

***1.

ص: 439


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/411 ح 1220، وسائل الشيعة: ج 7/304 ح 9415.
2- كتاب الصَّلاة للحائري اليزدي ص 667 (ط. ق)، الفصل الثاني: (في شرائط الجمعة: الشرط الأوّل العدد).
3- جواهر الكلام: ج 11/201.

والخطبتان: وهما حَمدُ اللّه تعالى والصَّلاة على النبيّ وآله.

في اشتراط الخطبتين

(و) والشرط الثالث: (الخطبتان وهما) ليستا من الشرائط، بل هما كنفس الصَّلاة يجبُ إيجادهما عند تحقّق شرائط الوجوب، فهما من شرائط الصحّة، ولاتصحّ الجمعة بدونهما، بلا خلافٍ فيه عندنا(1)، وتدلّ عليه الروايات المستفيضة، فلا يُعبأ إلى ما عن بعض أهل الخلاف(2) من الاجتزاء بخطبة واحدة أو بلا خطبة.

ويجبُ في كلّ واحدةٍ منهما (حَمْدُ اللّه تعالى ) بلا خلافٍ ، بل عن «الخلاف»(3)دعوى الإجماع عليه.

وتدلّ عليه: أخبارٌ كموثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«ينبغي للإمام الذي يخطب بالنّاس يوم الجمعة، أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف، ويتردّى ببرد يمنيّة أو عَدَني، ويخطب بالنّاس وهو قائمٌ يحمد اللّه ويُثني عليه، ثمّ يُوصي بتقوى اللّه، ثمّ يقرأ سورةً من القرآن صغيرة، ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللّه ويُثني عليه، ويُصلّي على النبيّ وآله وعلى أئمّة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات... الخ»(4).

(و) عن الأكثر: إنّه يعتبر في كلٍّ منهما (الصَّلاة على النبيّ وآله).

ص: 440


1- الخلاف: ج 1/614.
2- حكى المحقّق في المعتبر: ج 2/283 عن أبي حنيفة، أنّه تجزي الخطبة الواحدة، وفي الخلاف: ج 1/614 حكى العلّامة عن الحسن البصري الجواز بغير خطبة.
3- الخلاف: ج 1/616، قوله: (أقلّ ما تكون الخطبة أن يحمد اللّه.. الخ).
4- الكافي: ج 3/421 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/341 ح 9526، ولم ينقل الحديث بكامله كما هو في الكافي والتهذيب.

والوعظ، وقِراءة سُورةٍ خفيفة من القرآن،

وعن «التذكرة»(1) و «الخلاف»(2): دعوى الإجماع عليه.

وعن المحقّق في «المعتبر»(3) و «النافع»(4)، والسيّد(5) والحِلّي(6): عدم وجوبها في الاُولى .

أقول: حيث أنّ ما يمكن الاستدلال به لاعتبارها سوى الإجماع المنقول، منحصرٌ بموثّقة سماعة، وهي تدلّ على وجوبها في الثانية فقط، فالقول المحكيّ عن السيّد والمحقّق والحِلّي هو الأقوى (7)، وطريق الاحتياط معلوم.

(و) يجبُ أيضاً لدى الأكثر(6) في كلٍّ منهما (الوعظ، وقراءة سُورةٍ خفيفة من القرآن) والذي يدلّ الدليل عليه إنّما هو وجوب الوعظ وقراءة السَّورة في الاُولى .

وأمّا وجوبها في الثانية، فلم يدلّ دليلٌ عليه، لأنّ عمدة الدليل هي الموثّقة المتقدّمة، وأمّا الروايات(7) الحاكية للخُطَب التي أنشأها الأئمّة عليهم السلام، فلا يستفاد منها الوجوب كما لا يخفى ، ومع ذلك لا يُترك الاحتياط بإتيانهما في كلّ منهما.8.

ص: 441


1- تذكرة الفقهاء: ج 4/65.
2- الخلاف: ج 1/616.
3- المعتبر: ج 2/284.
4- المختصر النافع: ص 35.
5- حكاه المحقّق في المعتبر: ج 2/283 عن السيّد علم الهدى في المصباح. (6و7) السرائر: ج 1/295، فإنّه أوجب بالخطبة الاُولى الشهادة، وفي الثانية الصَّلاة عليه صلى الله عليه و آله، بقوله: (فابتدأ بالخطبة الأُولى ، مُعلناً بالتحميد للّه تعالى ... وشاهداً لمحمّد نبيّه صلى الله عليه و آله بالرسالة... ثمّ يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد للّه، والاستغفار، والصَّلاة على النبيّ وعلى آله عليهم السلام، ويُثني عليهم بما هُمّ أهله).
6- كالمراسم العلويّة: ص 77، الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص 267، والرسائل العشر: ص 190، المبسوط: 147، غُنية النزوع: ص 91، السرائر: ج 1/292، المعتبر: ج 2/284، شرائع الإسلام: ج 1/74 وغيرهم.
7- وسائل الشيعة: ج 7/342 ح 9528.

والجماعة. وأنْ لا يكون هناك جمعةٌ اُخرى بينهما أقلّ من ثلاثة أميال.

الجماعة

(و) الشرط الرابع (الجماعة) فلا تصحّ فرادى بلا شبهة، بل كاد أن يكون من ضروريّات الدين، والنصوص الدالّة عليه مستفيضة.

نعم، وقع الخلاف في أنّه لو دخلوا في الصَّلاة فانفضّ العدد المعتبر، فهل تبطل الصَّلاة، أو أنّه يجب الإتمام جمعة أو ظهراً؟

الأقوى هو الأوّل، لأنّ ظاهر الأدلّة اشتراطها في جميع الصَّلاة، وارتكاب التأويل فيما دلَّ على أنّ اللّه فرضها في الجماعة على إرادتها في البعض في غاية البُعد.

والاستدلال لوجوب المُضيّ ، بما يدلّ على النهي عن إبطال العمل كما ترى .

كما أنّ الاستدلال له بقوله عليه السلام: «مَنْ أدرك ركعةً فليضف إليها اُخرى »(1)، ضعيفٌ ، إذ المتبادر منه إرادة بيان حكم المأموم المسبوق، فلا دخل له بما نحن فيه.

أنْ لا يكون هناك جمعةٌ اُخرى بينهما

(و) الشرط الخامس: (أنْ لا يكون هناك جمعةٌ اُخرى بينهما أقلّ من ثلاثة أميال) بلا خلافٍ على الظاهر فيه بيننا، وعن غير واحدٍ(2) دعوى الإجماع عليه.

وتدلّ عليه: حسنة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال، يعني لا تكون جمعة إلّافيما بينه وبين ثلاثة أميال، وليس تكون جمعة إلّابخطبة، قال: فإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال، فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء»(3).

ص: 442


1- تهذيب الأحكام: ج 3/160 ح 5، وسائل الشيعة: ج 7/347 ح 9541.
2- مدارك الأحكام: ج 2/43.
3- الكافي: ج 3/419 ح 7، وسائل الشيعة: ج 7/314 ح 9447.

وقريب منها موثّقته(1)، فعلى هذا لو اقترنت الجمعتان في أقلّ من الحَدّ المذكور بطلتا، لأنّ الحكم بصحّتهما معاً ينافي اشتراط الوحدة، وإحداهما دون الاُخرى ترجيحٌ بلا مرجّح.

ولو سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام، بطلت المتأخّرة(2) بلا خلافٍ ، وأمّا السابقة فقد حُكي الإجماع(3) على صحّتها.

قال المحقّق الهمداني رحمه الله(4): المتبادر من النص والإجماع إنّما هو اعتبار الفصل بين الجمعتين الصحيحتين، فالثانية غير صالحة للمانعيّة عن صحّة الاُولى .

وفيه: إنّه إنْ اُريد اعتبار الفصل بين الصحيحتين الصحيحتان من جميع الجهات، فهو غير معقول، وإنْ اُريد الصحيحتان من غير ناحية الاجتماع، فكما أنّ السابقة صحيحة كذلك اللّاحقة.

والأقوى ابتناء صحّة السابقة وفسادها، على أنّ المانع في كلّ صلاة جمع المكلّف إيّاها مع صلاةٍ اُخرى أو مجرّد اجتماعهما:

فعلى الأوّل: تصحّ ، لأنّ الجمع في الفرض مستندٌ إلى اللّاحقة.

وعلى الثاني: تبطل، لأنّ لكلّ منهما دخلاً في بقاء الاجتماع.

وظاهر النصوص هو الأوّل، فلاحظ.

***2.

ص: 443


1- تهذيب الأحكام: ج 3/23 ح 79، وسائل الشيعة: ج 7/315 ح 9448.
2- كما في شرائع الإسلام: ج 1/75، مدارك الأحكام: ج 4/45، جواهر الكلام: ج 11/248.
3- حكاه العلّامة في تذكرة الفقهاء: ج 4/57 (ط. ج) قوله: (أن تسبق إحداهما الأخرى وتعلم السابقة، فهي الصحيحة إن كان الإمام الراتب فيها إجماعاً).
4- مصباح الفقيه: ج 2/450 ق 2.

وتجبُ مع الشرائط على كلّ مكلّفٍ حُرّ ذكرٍ سليمٍ من المرض والعَمى والعَرَج، وأنْ لا يكون هماً ولا مسافراً. ولو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين، لم يجب الحضور.

من تجبُ عليه الجمعة

(وتجبُ ) الجمعة (مع الشرائط على كلّ مكلّفٍ حُرٍّ، ذكرٍ سَليمٍ من المَرَض والعَمى والعَرَج، وأنْ لايكون هَماً ولا مسافراً، ولو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين لم يجب الحضور) كما هو المشهور.

أقول: وتشهد لذلك كلّه جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّما فَرض اللّه عزّ وجلّ على النّاس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فَرَضها اللّه في جماعة وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر العبد والمرأة والمريض والأعمى ، ومَنْ كان على رأس فرسخين»(1). ونحوه غيره.

إنّما الكلام يقع في جهتين:

الجهة الاُولى : ليس في شيءٍ من النصوص التعرّض للعَرَج إلّاما عن «المصباح» مرسلاً، حيث روى أنّ العرج عُذر، ولكن لضعف سنده لا يعتمد عليه.

ودعوى: انجباره بالشهرة، مندفعة: بتصريح جماعة(2) بأنّه إذا لم يكن مُقعداً

ص: 444


1- الكافي: ج 3/419 ح 6، وسائل الشيعة: ج 7/295 ح 9382.
2- حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 8/472 عن: نهاية الاحكام والذكرى والدروس والبيان والموجزالحاوي وكشف الالتباس والجعفريّة، وشرحيها، وفوائد الشرائع، وتعليق النافع والميسية والمسالك، والروض، والروضة والمقاصد العلية والمدارك والذخيرة والشافية والرياض.

وجب عليه الحضور.

بل عن «التذكرة»(1) أنّ معقد الإجماع ما إذا بلغ حَدّ الاقعاد، وفي هذه الصورة عمومات أدلّة نفي الحرج تدلّ على عدم الوجوب، وعليه فلا طريق إلى إحراز استناد الأصحاب إلى المرسل كي يُنجبر به ضعفه.

ودعوى:(2) اندراجه في المرض كما ترى .

وعليه، فالأقوى عدم صحّة عدّه من جملة الأعذار المُسقطة للتكليف.

الجهة الثانية: مقتضى إطلاق النصوص، سقوط الجُمعة عمّن استثني في النصوص، وإنْ لم يكن السعي إليها حرجيّاً، فما عن غير واحدٍ(3) من اعتبار المشقّة العرفيّة في المريض والشيخ الكبير ضعيفٌ .

ودعوى: انصراف إطلاقات الأدلّة لمناسبة الحكم والموضوع إليها.

مندفعة: بأنّ غاية ما تقتضيه المناسبة، اعتبار الحَرَج النوعي في الشيخ والمريض، وإنْ لم يكن لبعض الأفراد حرجيّاً.

***2.

ص: 445


1- تذكرة الفقهاء: ج 6/153 (ط. ق).
2- ذخيرة المعاد: ج 2/300.
3- مصباح الفقيه: ج 2/451 ق 2.
مسائل:
لو تكلّف الحضور للجمعة من لا تجب عليه

مسائل:

المسألة الاُولى: من لا تجبُ عليه الجمعة، لو تكلَّف الحضور، فهل تجبُ عليه الجمعة(1) بعده، أم لا؟

وعلى الثاني: فهل تصحّ وتُجزي عن الظهر، أم لا؟

أقول: فيه وجوهٌ وأقوال؛ والمشهور بين الأصحاب هو الثاني(2)، بل عن «المدارك»(3): إنّه مقطوعٌ به بين الأصحاب، ولكن الأقوى هو الأخير، لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام في صحيح زرارة المتقدّم:

«منها صلاةٌ واحدة فرضها اللّه في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة».

أنّ الجمعة غير مشروعة في حقّ التسعة، لأنّ الرواية صريحة في وضع الجمعة وسقوطها عن التسعة، وظهور الوضع والسقوط في نفي المشروعيّة، غيرُ قابلٍ للإنكار.

ودعوى صاحب «الجواهر» رحمه الله(4): إنّ الإطلاقات غير منحصرة فيما يدلّ على

ص: 446


1- كما ذهب العلّامة في نهاية الاحكام: ج 2/12، والتذكرة: ج 1/144 (ط. ق).
2- مدارك الأحكام: ج 4/54: (الثاني: المشهور بين الأصحاب أنّ من لا يجب عليه السعي إلى الجمعة يجب عليه الصَّلاة مع الحضور، وممّن صرّح بذلك المفيد في المقنعة فقال: وهؤلاء الذين وضع اللّه عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها، وأن يصلّوها كغيرهم، ويلزمهم استماع الخطبة والصَّلاة ركعتين، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم).
3- مدارك الأحكام: ج 4/55.
4- جواهر الكلام: ج 11/269.

الوجوب المنافي للسقوط، بل فيها ما لا ينافيه.

مندفعة: بأنّ هذه الرواية وما شابهها حاكمة على جميع الإطلاقات، ومخصّصة للحكم الثابت للجمعة بغير المذكورين فيها.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ هذه الروايات تدلّ على عدم وجوبها على المذكورين فيها، فهم غير مندرجين في الإطلاقات الدالّة على الوجوب.

ودعوى:(1) أنّها لاتصلح أن تكون مخصّصة للروايات الكثيرة الواردة في الحَثّ عليها.

مندفعة: بأنّ تلك الروايات على طائفتين:

بعضها متكفّلٌ لبيان ترتّب الثواب على السعي إلى الجمعة والاجتماع إليها، وهو لا يكون في مقام التشريع حتّى يؤخذ بإطلاقه.

وبعضها وإنْ كان مسوقاً لبيان المشروعيّة في زمن قصور يد الإمام عليه السلام على كلامٍ مرّ، إلّاأنّ الظاهر أنّه يدلّ على المشروعيّة لمن تكون الجمعة واجبة عليه عند حضور السلطان العادل، فلا يشمل المذكورين في الصحيحة.

نعم، من كان بينه وبين الجمعة أزيد من الفرسخين - الذي لا يجبُ عليه الحضور كما تقدّم - لو حضر تجبُ عليه الجمعة، فإنّه بحضوره يتبدّل العنوان المأخوذ في الموضوع، كالمسافر الذي يصبح حاضراً.

أقول: وقد استدلّ لوجوب الجمعة على المذكورين إذا حضروا، برواية حفص ابن غياث، قال: «سمعتُ بعض مواليهم سأل ابن أبي ليلى عن الجمعة، هل تجب على2.

ص: 447


1- مصباح الفقيه: ج 2/453 ق 2.

العبد والمرأة والمسافر؟

فقال ابن أبي ليلى: لا.

فقال: ما تقول إنْ حضر واحدٌ منهم الجمعة مع الإمام فصلّاها معه، هل تُجزيه تلك الصَّلاة عن ظهر يومه ؟

فقال: نعم، فقال له الرّجل: فكيف يُجزى...

إلى أنْ قال: الجواب عن ذلك إنّ اللّه عزّ وجلّ فرضَ على جميع المؤمنين والمؤمنات، ورخّص المرأة والمسافر والعبد أنْ لا يأتوها، فلمّا حضروها سقطت الرخصة، ولزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم.

فقلتُ : عمّن هذا؟ فقال: عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام»(1).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على وجوبها على المرأة والعبد والمسافر إذا حضروا، وأنّ الساقط عنهم هو السعي إليها لا الجمعة من حيث هي.

وأُورد عليها(2): بأنّها ضعيفة السند لوجهين:

الأوّل: إنّ حفص عامّي المذهب.

الثاني: إنّها مرسلة عن بعضٍ غير معروف(3).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ حفص موثّق، وعن الشيخ في «العُدّة»(4): إنّه عملت الطائفة بما).

ص: 448


1- تهذيب الأحكام: ج 3/21 ح 78، وسائل الشيعة: ج 7/337 ح 9518.
2- مصباح الفقيه: ج 2/454 ق 2.
3- جامع المدارك: ج 1/532.
4- عدّة الاُصول: ج 1/380، قوله: (ولأجل ما قلته عملت الطائفة بما رواه حفص).

رواه حفص.

وأمّا الثاني: فلأنّ ابن غياث لا يروي عن بعض الموالي، بل يروي الخبر عن ابن أبي ليلى، وهو عن أبي عبد اللّه عليه السلام، فلاحظ.

ولكن يرد عليه: إنّ ما تضمّنته الرواية(1) من الوجوب على المرأة، مخالفٌ لما عليه اتّفاق فقهاء الأمصار(2) - على ما صرّح به الشيخ(3) - مع معارضتها فيها بخبر أبي همّام، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«إذا صَلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة، الجمعةَ ركعتين، فقد نَقَصت صلاتها»(4). فيتعيّن طرحها.

وأمّا خبر علي بن جعفر، المرويّ في «قرب الإسناد»: «أنّه سأل أخاه عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرّجل ؟

فقال: نعم»(5).

فهو معارضٌ بالروايات الكثيرة الواردة فيها أنّه ليس على النساء الجمعة ولا العيدان.9.

ص: 449


1- المعتبر: ج 2/293، قوله: (... وما تضمّنه من وجوب الجمعة على المرأة مع حضورها ففيه تردّد).
2- حكاه صاحب الحدائق: ج 10/157 عن المحقّق بقوله: (وقطع المحقّق في المعتبر بعدم الوجوب على المرأة حيث قال: إنّ وجوب الجمعة عليها مخالف لما عليه اتّفاق فقهاء الأمصار)، ومثله ما نقله السيّد العاملي في مدارك الأحكام: ج 4/55، ومثلهما في الحكاية عن المحقّق في المعتبر المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد ج 1/301 ق 2.
3- قال في الحدائق: ج 10/157: (ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية هو الوجوب على المرأة، واستدلّ عليه الشيخ برواية حفص، ونوّه في النهاية).
4- تهذيب الأحكام: ج 3/241 ح 26، وسائل الشيعة: ج 7/340 ح 9524.
5- وسائل الشيعة: ج 7/338 ح 9519.

ولو فاتَت وجبت الظهر.

والجمع بينه وبين تلك النصوص، بحمله على ما بعد السّعي جَمعٌ تبرّعي لا شاهد له، كما أنّ الجمع بحملها على نفي الوجوب، وحمل الخبر على المشروعيّة، فيثبت قول المشهور، ليس جمعاً عرفيّاً، كما لا يخفى .

أقول: وبما ذكرناه يظهر ضعف الاستشهاد له بخبر سماعة، عن الإمام الصادق، عن أبيه عليهما السلام: «أيّ مسافرٍ صَلّى الجمعة رغبةً فيها وحُبّاً لها أعطاه اللّه عزّ وجلّ أجر مائة جمعة للمُقيم»(1).

فإنّه لمعارضته بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّ المطلوب من المسافر الظهر دون الجمعة لابدّ من طرحه.

لو فاتت الجمعة وَجَبت الظهر

المسألة الثانية: (لو فاتت) الجمعة (وَجَبت الظهر) بلا خلافٍ فيه، بل إجماعاً كما صرّح به غير واحد(2).

واستدلّ به بحسنة الحلبي، قال: «سألتُ عمّن لم يُدرك الخطبة يوم الجمعة ؟ قال: يُصلّي ركعتين، فإنْ فاتته الصَّلاة فلم يُدركها فليُصلِّ أربعاً»(3).

وقريبٌ منها صحيحة عبد الرحمن(4).

وفيه: إنّ الخبرين إنّما وردا في المأموم غير المُدرِك مع الإمام، فيدلّان على أنّه لا جمعة بعد الجمعة، ولا يشملان ما لو فاتت بفوات وقتها، إلّاأنّه في هذه المسألة أيضاً لا يقضي الفائتة جمعة، بل عليه أن يُصلّي أربعاً للإجماع.

***

ص: 450


1- أمالي الصدوق: ج 11/5، وسائل الشيعة: ج 7/339 ح 9521.
2- مصباح الفقيه: ج 2/432 ق 2.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/160 ح 4، وسائل الشيعة: ج 7/345 ح 9536.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/244 ح 41، وسائل الشيعة: ج 7/346 ح 9538.

ويجبُ إيقاع الخطبتين بعد الزّوال.

ما يعتبر في الخُطبتين

المسألة الثالثة: فيما يعتبر في الخطبتين، (و) فيها فروع:

الفرع الأوّل: حُكي عن جماعةٍ كالسيّد(1)، وابن أبي عقيل(2)، وأبي الصّلاح(3)، بل عن «الذكرى»(4) نسبته إلى المعظم، وعن ظاهر «الغُنية»(5) الإجماع عليه، أنّه (يجبُ إيقاع الخطبتين بعد الزّوال).

أقول: ولكن الأقوى - تبعاً للشيخ في «المبسوط»(6) و «النهاية»(7)، والمحقّق في «المعتبر»(8)، و «الشرائع»(9)، وجماعة من المتأخّرين عنه(10) - أنّه يجوز إيقاعهما قبل زوال الشّمس حتّى إذا فرغ زالت، وتدلّ عليه صحيحة ابن سنان، عن أبي

ص: 451


1- الرسائل العشر: ج 3/41، اعتبر رحمه الله أنّ الخطبتين تقومان مقام الركعتين الموضوعتين، فيثبت بالملازمة أنّوقتهما بعد الزّوال، لكن العلّامة في المختلف: ج 2/212، نقل اختيار السيّد في المصباح أنّه لا تجوز الخطبة إلّابعد الزّوال.
2- حكاه عنه العلّامة في المختلف: ج 2/212-213 بقوله: (وقال ابن أبي عقيل: إذا زالت الشّمس صعد الإمام المنبر)، فتاوى ابن الجُنيد ص 60.
3- الكافي في الفقه: ص 151، قوله: (وخطبة في أوّل الوقت).
4- الذكرى : ص 236.
5- غنية النزوع: ص 91.
6- المبسوط: ج 1/151.
7- النهاية: ص 105.
8- المعتبر: ج 2/287.
9- شرائع الإسلام: ج 1/74.
10- مسالك الأفهام: ج 1/238، مصباح الفقيه: ج 2/446 ق 2.

عبداللّه عليه السلام، قال:

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُصلّي الجمعة حين تزول الشّمس قدر شِراك، ويخطب في الظِلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشّمس فانزل فصَلّ »(1).

ودعوى:(2) إجمالها لاحتمال أنْ يكون تأخير الصَّلاة عن الزّوال بقدر شِراك لتلبّسه بأداء الواجب من الخطبة.

مندفعة: بأنّ ظاهر الخبر وقوع تمام الخطبة في الظِلّ الأوّل قبل زوال الشّمس، فلاحظ.

وأيضاً دعوى:(3) احتمال إرادة الفيء الزائد على ظِلّ المقياس من الظِلّ الأوّل.

مندفعة: بأنّها مخالفة لظهور الخبر.

وتؤيّد المختار: الروايات الدالّة على توقيت الجمعة بالزّوال، المستلزم لجواز تقديم الخطبتين.

واستدلّ للأوّل:

1 - بقوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اَللّهِ (4)حيث أوجب السعي بعد النداء، فلا يجب قبله.

2 - وبما رواه محمّد بن مسلم في الحسن، قال: «سألته عن الجمعة ؟ فقال: إذان وإقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر ويخطب»(5).0.

ص: 452


1- تهذيب الأحكام: ج 3/12 ح 42، وسائل الشيعة: ج 7/332 ح 9507.
2- مصباح الفقيه: ج 2/447 ق 2.
3- مختلف الشيعة: ج 2/214.
4- سورة الجمعة: الآية 9.
5- الكافي: ج 3/424 ح 7، وسائل الشيعة: ج 7/343 ح 9530.

قبلها.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الاستدلال به يتوقّف على اُمورٍ لم يثبت شيء منها:

الأوّل: كون المراد بالنداء الأذان.

الثاني: عدم مشروعيّة الأذان في يوم الجمعة قبل الزّوال.

الثالث: كون المراد ب (ذكر اللّه) الخطبة أو الصَّلاة مع مقدّماتها.

وأمّا الثاني: فلأنّ قوله: (يخرج الإمام... الخ) جملة خبريّة، وهي لا تدلّ على الوجوب، مع أنّ عدم مشروعيّة الأذان قبل الزّوال في يوم الجمعة محلّ تأمّل، بل عن «الذخيرة»: الجزم بالمنع عنه.

مضافاً إلى أنّه لم يثبت أنْ يكون المراد بالأذان ما شرّع للصَّلاة، بل لعلّه اُريد منه مجرّد التنبيه والإعلام لجلب النّاس إلى استماع الخطبة.

هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو سُلّم تماميّة دلالته على ما استدلّ به له، فإنّه لمعارضته بصحيحة ابن سنان المتقدّمة، يتعيّن حمله على ما لا ينافيها، وهو إرادة الإعلام لجلب النّاس بالأذان أو غيرها كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الأقوى جواز تقديمهما على الزّوال.

الفرع الثاني: المشهور بين الأصحاب(1) لزوم إيقاع خُطبتي الجمعة (قبلها)، وعن الصدوق رحمه الله لزوم تقديم الصَّلاة عليهما.

وتشهد لما اختاره المشهور: النصوص المستفيضة، المشتملة لبيان الكيفيّة، كموثّق سماعة المتقدّم.).

ص: 453


1- كشف اللّثام: ص 250 (ط. ق).

وقيام الخطيب مع القدرة.

واستدلّ الصدوق: لما ذهب إليه:

1 - بأنّهما بدل الركعتين الأخيرتين، فيجب الإتيان بهما بعد الصَّلاة.

2 - وبالمرسل عن الإمام الصادق عليه السلام: «أوّل من قَدّم الخطبة يوم الجمعة على الصَّلاة عثمان»(1).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلأنّه لإرساله وإعراض المشهور عنه، لا يمكن الاعتماد عليه، مع معارضته بالمعتبرة المستفيضة المقدّمة عليه لوجوه، فلو بدأ بالصلاة وأخّر الخطبة لم تصحّ ، إلّا أنْ يُعيدها بعد الخطبتين اللّتين أتي بهما بقصد الخروج عن عهدة ماتعلّق بهما.

وهل البطلان مختصٌّ بالعامد، أو يعمّ الناسي ؟ قولان، أقواهما الأوّل، لعموم حديث (لا تُعاد الصَّلاة)(2).

ودعوى: انصرافه عن صلاة الجمعة، لم أعرف وجهها.

وأيضاً دعوى: إنّه لتضيّق وقت الجمعة، لا يمكن التمسّك بحديث (لا تُعاد)، إذ الإخلال بما اعتبر فيها، لا يوجبُ الإعادة قطعاً.

مندفعة: بأنّ (لا تُعاد) إرشادٌ إلى الصحّة، فاعتبار قابليّة الصَّلاة للإعادة غير مرتبطٍ بما هو مفاد الحديث.

(و) الفرع الثالث: يعتبر في الخطبة (قيام الخطيب مع القدرة) إجماعاً(3).).

ص: 454


1- تهذيب الأحكام: ج 3/287 ح 16، وسائل الشيعة: ج 7/332 ح 9509.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/339، وسائل الشيعة: ج 6/91 ح 7427.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/151 (ط. ق) قوله: (عند علمائنا أجمع)، مدارك الأحكام: ج 4/38 قوله: (هذا مذهب الأصحاب).

ويشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: موثّقة سماعة المتقدّمة، وفيها: «يخطب وهو قائم... ثمّ يجلس ثمّ يقوم فيحمد اللّه».

ومنها: خبر أبي بصير: «إنّه سُئل عن الجمعة، كيف يخطب الإمام ؟

قال عليه السلام: يخطب قائماً، إنّ اللّه يقول: وَ تَرَكُوكَ قائِماً »(1).

ومنها: صحيح معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ أوّل من خطب وهو جالس معاوية...

إلى أنْ قال: ثمّ قال الخطبة، وهو قائمٌ خطبتان يجلس بينهما»(2).

وأمّا مع العجز: فبالنسبة إلى زماننا لا ريب في عدم جواز أن يخطب الإمام جالساً، بل لغيره التصدّي كما لا يخفى وجهه، وإنْ لم يكون هناك غيره ممّن يجوز إمامته أو استخلافه للخطبة، فمقتضى القاعدة تعيّن الظهر عليه، وذلك لأنّ المستفاد من الأخبار، شرطيّة القيام للخطبة مطلقاً، ولازمه سقوط التكليف بالجمعة، لعدم القدرة على الإتيان بها جامعة للأجزاء والشرائط.

ولكن المشهور(3) ذهبوا إلى سقوط اعتباره، ولعلّ مستندهم:

1 - قاعدة الميسور.

2 - وانصراف ما دلّ على القيام إلى صورة القدرة، فتبقى إطلاقات الأمر بالخطبة بالنسبة إلى حال العجز سليمة عن المقيّد.2.

ص: 455


1- تفسير القمّي: ج 2/367، وسائل الشيعة: ج 7/334 ح 9513.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/20 ح 74، وسائل الشيعة: ج 7/334 ح 9511.
3- مصباح الفقيه: ج 2/448 ق 2.

ويستحبّ فيهما الطهارة.

أقول: وفي كليهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ التمسّك بقاعدة الميسور في الواجب الذي لا يقدر المكلّف على إتيان جميع أجزائه وشرائطه، لا يصحّ إذا كان ممّا له البدل كما في المقام، فإنّه لايدور الأمر فيه بين سقوط أصل التكليف والإتيان بالميسور، بل يتعيّن البدل عليه حينئذٍ.

ففي المقام بعد فرض عدم التمكّن من الإتيان بالجمعة، مع جميع أجزائها وشرائطها، يتعيّن عليه الظهر لا الإتيان بالجمعة الناقصّة، مضافاً إلى ما عرفت غير مرّة من عدم حجيّة قاعدة الميسور.

وأمّا الثاني: فلأنّ دعوى الانصراف في أمثال المقام، ممّا يكون الدليل متكفِّلاً لبيان الشرط والجزء، غير مسموعة كما هو واضح.

الفرع الرابع: (ويستحبّ فيهما) أي في الخطبتين (الطهارة).

وعن الشيخ في «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2) القول بالاشتراط.

واستدلّ له: بوجوه، أقواها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «و إنّما جُعِلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهى صلاة حتّي ينزل الإمام»(3).

ومقتضى تنزيلهمامنزلة الصَّلاة، ترتّب أحكامهاعليهما، ومنهاشرطيّة الطهارة.

وفيه: إنّ ظهور تنزيل شيءٍ منزلة آخر في كونه بلحاظ تمام الآثار ممّا لا ينكر، إلّا أنّ ذلك فيما لم يكن في الكلام قرينة صارفة عنه أو ما يصلح للقرينيّة، كما في1.

ص: 456


1- المبسوط: ج 1/147.
2- الخلاف: ج 1/618 المسألة 386.
3- وسائل الشيعة: ج 7/313 ح 9441.

وأن يكون الخطيبُ بليغاً، مواظباً على الصَّلاة، مرتدياً ببرُدٍ، معتمداً على شيء، والإصغاء إليهما.

المقام، فإنّ تفريع قوله: (فهى صلاة) على قصر الصَّلاة لأجل الخطبتين، موجبٌ لظهوره في إرادة أنّ الخطبة بذاتها جارية مجرى الصَّلاة، ومنزّلة منزلتها في أداء التكليف، وبهذه الملاحظة أطلق عليها اسم الصَّلاة، لا بملاحظة أحكامها.

فالأقوى عدم الاشتراط، وإنْ كان على هذا لا دليل على استحبابها أيضاً، إلّا أنّ الاحتياط حسن في كلّ حال.

(وأن يكون الخطيب بليغاً) فإنّ للكلام البليغ أثراً في النفوس، (مواظباً على الصَّلاة) في أوّل أوقاتها، ليكون له وَقْعٌ في النفوس، فتكون موعظته أوقع في القلوب.

(مرتدياً ببرُدٍ، معتمداً على شيء) لصحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة، فليصلّوا في جماعة، وليلبس البُرد والعمامة، وليتوكّأ على قوس أو عصا... الخ»(1).

وخبر سماعة، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ينبغي للإمام الذي يخطب بالنّاس يوم الجمعة، أن يلبس عمامة في الشِّتاء والصيف، ويتردي ببُردٍ يمنيّة أو عدني»(2).

(و) في وجوب (الإصغاء إليهما) قولان:

نُسِب إلى الأكثر(3) بل المشهور(4) الوجوب.).

ص: 457


1- تهذيب الأحكام: ج 3/245 ح 46، وسائل الشيعة: ج 7/313 ح 9442.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/243 ح 37، وسائل الشيعة: ج 7/341 ح 9526.
3- جامع المقاصد: ج 2/401، مستند الشيعة: ج 6/81.
4- الذكرى : ص 236 قوله: (المشهور أنّ السامع يجب عليه الإصغاء).

وقد استدلّ له:

1 - بما عن «دعائم الإسلام» مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام إنّه قال: «يستقبل النّاس الإمام بوجوههم ويصغون إليه»(1).

2 - وبما روي في قوله تعالى : وَ إِذا قُرِئَ اَلْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا (2) أنّه ورد في الخطبة.

3 - وبانتفاء فائدة الخطبة بدونه، خصوصاً الوعظ منها الذي لا قائل بالفصل بينه وبين غيره.

4 - وبفحوى النصوص(3) الآمرة بالصَّمت أثناء الخطبة، والناهية عن الكلام، فإنّها تدلّ على أنّ المقصود بهذا الاجتماع، إنّما هو الاتّعاظ والاستماع.

5 - وبأنّ المتبادر من الأمر بأن يخطب الإمام ويعِظَهم، إنّما هو إرادته على حسب ما جرت العادة في مثله من حيث الإسماع والإستماع.

أقول: وكلّ واحدٍ من هذه الأدلّة وإنْ كان للمناقشة فيه مجالٌ واسع، إلّاأنّ ملاحظة مجموعها توجبُ التوقّف في الحكم بعدم الوجوب.

***1.

ص: 458


1- دعائم الإسلام: ج 1/183، مستدرك وسائل الشيعة: ج 6/22 ح 6338-5.
2- سورة الأعراف: الآية 204.
3- الكافي: ج 3/421 ح 2، وسائل الشيعة: ج 7/330 ح 9501.

مسائل: الاُولى: الأذان الثاني بدعة.

الثانية: يحرم البيع بعد النّداء وينعقد.

مسائل حول صلاة الجمعة
الأذان الثاني بدعة

المسألة (الاُولى: الأذان الثاني) في يوم الجمعة، المسمّى في عُرفهم بالأذان الثالث (بُدعة):

1 - لعدم الدليل على مشروعيّته.

2 - ولخبر حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(1).

يحرم البيع بعد النّداء وينعقد

المسألة (الثانية: يُحرم البيع) يوم الجمعة (بعد النِّداء) إجماعاً(2)، وتدلّ عليه الآية الشريفة: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اَللّهِ وَ ذَرُوا اَلْبَيْعَ (3).

وظاهر الآية الشريفة تعلّق زجرٍ مولوي استقلالي به، لأجل كونه منافياً للسّعي الواجب.

ويؤيّده تعقيبها بقوله: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ .

فعلى هذا، لا وجه للتخطّي عن موردها، لإمكان أنْ يكون للبيع خصوصيّة مقتضية لتحريمه، فلا وجه للقول بتحريم سائر العقود، وتختصّ الحرمة بالبيع المنافي المفوِّت كما لا يخفى وجهه.

ص: 459


1- الكافي: ج 3/421 ح 5، وسائل الشيعة ج 7/400 ح 9687.
2- مدارك الأحكام: ج 4/76. قوله: (أجمع العلماء كافّة على تحريم البيع بعد النِّداء للجمعة).
3- سورة الجمعة: الآية 9.

الثالثة: لو أمكن الاجتماع حال الغيبة، استحبّتِ الجمعة.

الرابعة: يستحبّ التنفّل بعشرين ركعة.

(و) ولكنّه لو باع (ينعقد) البيع، ولا يكون فاسداً، لما حقّقناه في الاُصول من أنّ النهي التحريمي النفسي المتعلّق بالمعاملة، لا يوجب فسادها، سواءٌ تعلّق بالاعتبار القائم بالمتعاملين، أم تعلّق بإظهارهما ذلك بمظهر خارجي من لفظٍ أو غيره، لأنّ الزجر عن تحقّق المتعلّق، لا يدلّ على عدم إمضائه على تقدير التحقّق.

لو أمكن الاجتماع حال الغيبة استحبّت الجُمعة

المسألة (الثالثة: لو أمكن الاجتماع حال الغيبة استحبّت الجُمعة)، وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصّلاً في مسألة اشتراط السلطان العادل، فراجع(1).

في آداب الجمعة

المسألة (الرابعة): في آداب الجمعة:

1 - (يستحبّ التنفّل بعشرين ركعة) زيادةً عن كلّ يوم بأربع ركعات تعظيماً لذلك اليوم، كما ورد التعليل بذلك في بعض الروايات.

وتدلّ عليه أخبار مستفيضة، بل قد يظهر من بعضها استحباب التنفّل باثنتين وعشرين ركعة، والأقوال والأخبار مختلفة بالنسبة إلى أزمنة وقوعها:

فمنها: خبر أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، قال: «قال أبو الحسن عليه السلام: الصَّلاة النافلة يوم الجمعة ستّ ركعات بُكرةً ، وستُّ ركعات صَدر النهار، وركعتان إذا زالت الشّمس، ثمّ صَلِّ الفريضة، ثمّ صَلِّ بعدها ستّ ركعات»(2) وقريبٌ منه عدّة روايات اُخر.

ص: 460


1- في صفحة 418 في هذا المجلّد.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/10 ح 34، وسائل الشيعة: ج 7/325 ح 9484.

وحَلْق الرأس، وقَصّ الأظفار، وأخذ الشّارب، والمشي بسكينة ووقار، وتنظيف البدن، والتطيّب،

ومنها: خبر زُريق، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كان ربما يقدّم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار... الخ»(1).

إلى غير ذلك من الروايات المختلفة.

ولكن بما أنّ المقام يعدّ من موارد المسامحة فيها فلا حاجة لنا الى البحث عن كيفيّة الجمع بينها، وترجيح بعضها على بعض، والعمل بالكلّ حسن.

2 - (وحَلْق الرأس) والظاهر أنّه لا مستند له سوى قول بعض الأكابر(2)ولعلّه بضميمة كونه من الزينة المحبوبة يوم الجمعة، يكفي الحكم بالاستحباب.

3 - (وقَصّ الأظفار، وأخذ الشّارب) لصحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «أخْذُ الشّارب والأظفار من الجمعة إلى الجمعة أمانٌ من الجذام»(3).

وروى ابن سنان عنه عليه السلام، قال: «من أخذ من شاربه وقلَّم من أظفاره، وغَسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة، كان كمَن عتق نسمة»(4).

4 - (والمشي بسكينةٍ ووقار، وتنظيف البدن والتطيّب) وتسريح اللّحية، لرواية هشام، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة؛ يغتسل8.

ص: 461


1- الأمالي للطوسي 695-1482-25، وسائل الشيعة: ج 7/328 ح 9495.
2- المعتبر: ج 2/302، إرشاد الأذهان: ج 1/259، جامع المقاصد: ج 2/438.
3- وسائل الشيعة: ج 7/357، ح 9569.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/236 ح 5، وسائل الشيعة: ج 7/354 ح 9558.

والدُّعاء، والجَهر بالقراءة.

ويتطيّب ويُسرّح لحيته، ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيّأ للجمعة، وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار... الخ»(1).

5 - (والدُّعاء) أمام توجّهه إلى المسجد، بما رواه أبو حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «ادعُ في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيّأت للخروج بهذا الدُّعاء، تقول: اللّهُمَّ من تهيأ... الخ»(2).

خاتمة: في بيان حكم (الجهر بالقراءة) في صلاة الجمعة.

أقول: لا شبهة ولا خلاف في رجحانه، للأخبار المستفيضة:

منها: صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «ليقعد قعدةً بين الخطبتين، ويجهر بالقراءة»(3).

ومنها: صحيحة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة أي في الظهر، وإنّما يجهر إذا كانت خطبة»(4).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن صلاة الجمعة في السفر؟

قال: تصنعون كما تصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، وإنّما يجهر إذا كانت خطبة»(5).8.

ص: 462


1- الكافي: ج 3/417 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/395 ح 9677.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/142 ح 48.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/245 ح 46، وسائل الشيعة: ج 6/160 ح 7623.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/15 ح 53، وسائل الشيعة: ج 6/161 ح 7627.
5- تهذيب الأحكام: ج 3/15 ح 54، وسائل الشيعة: ج 6/162 ح 7628.

إلى غير ذلك من الروايات الصريحة في ذلك.

وظاهر هذه الأخبار إنّما هو وجوب الجهر فيها، وليس شيءٌ يدلّ على عدم الوجوب سوى الإجماعات المنقولة(1)، ولايبعد دعوى حجّيتها في أمثال المقام، ممّا تكون الروايات المستفيضة دالّة على شيء ولا تكون رواية معارضة لها، ومع ذلك فإنّ الأصحاب غير ملتزمين به، حيث يمكن من ذلك استكشاف رأي الإمام عليه السلام، كما لا يخفى .

هذا تمام الكلام في صلاة الجمعة، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً.

***3.

ص: 463


1- المعتبر: ج 2/304، الذكرى : ص 193.

الفصل الثاني: وهي واجبة جماعةً بشروط الجمعة.

الفصل الثاني في صلاة العيدين

اشارة

(وهي واجبة جماعةً بشروط الجمعة):

أمّا وجوبها في الجُملة: فممّا لا شبهة فيه، ويشهد له - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه - الكتاب والسُنّة:

أمّا الكتاب: فقوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (1) المفسّر في النصوص(2) بأنّ المراد من (الصَّلاة) فيه صلاة العيدين.

وقوله تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ اِنْحَرْ (3)، وفي «تفسير الصافي»(4) عن تفاسير العامّة أنّ المراد بالصلاة صلاة العيدين.

وأمّا السُنّة: فكثيرة كصحيحة جميل، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير في العيدين ؟ قال: سبع وخمس، وقال: صلاة العيدين فريضة»(5).

وعنه أيضاًفي الصحيح، قال: «صلاة العيدين فريضة، صلاة الكسوف فريضة»(6)

ص: 464


1- سورة الأعلى: الآية 14 و 15.
2- كما في مستدرك وسائل الشيعة: ج 6/121 ح 6586، عن دعائم الإسلام، قال في تفسير الآية: (يعني صلاة العيد في الجبّانة)، وتفسير القمّي: ج 2/416 قوله: وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى قال: صلاة الفطر والأضحى ، وغيرهما).
3- سورة الكوثر: الآية: 2.
4- التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 5/383 (سورة الكوثر).
5- تهذيب الأحكام: ج 3/127 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/435 ح 9784.
6- من لا يحضره الفقيه: ج 1/504، وسائل الشيعة: ج 7/419 ح 9739.

ونحوهما غيرهما.

أقول: وأمّا اشتراط لزومها بحضور السلطان العادل، فهو المشهور بين الأصحاب، وقد استدلّ له:

1 - بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّاها مع شرائط الجمعة، فيجب الوقوف بمثل صورة وقوفه صلى الله عليه و آله.

2 - وبما دلّ على اعتبار الإمام فيها، الظاهر في إمام الأصل، لا إمام الجماعة، كصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«مَنْ لم يُصلِّ مع الإمام في جماعةٍ يوم العيد، فلا صلاة له، ولا قضاء عليه»(1).

وصحيح ابن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «عن الصَّلاة يوم الفطر والأضحى؟ فقال: ليس صلاة إلّامع إمام»(2).

وموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا صلاة في العيدين إلّامع الإمام، فإنْ صلّيتَ وحدك فلا بأس»(3)، ونحوها غيرها.

بدعوى أنّ لفظ (الإمام) مضافاً الى ظهوره في نفسه في الإمام الأصل، بما أنّه في جملة من النصوص معرّف باللّام، فظهوره في إرادة المعصوم عليه السلام منه واضح، مع أنّ حمل (الإمام) في موثّق سماعة، على إمام الجماعة، ينافي قوله عليه السلام: (فإنْ صلّيت وحدك فلا بأس).

3 - وبقصور أدلّة وجوبها عن إثباته، مع عدم حضوره عليه السلام، لأنّها غير مسوقة إلّالبيان أصل المشروعيّة، فليس لها إطلاق من جهة اعتبار كونها مع الإمام كي يتمسّك به لنفي الاشتراط.7.

ص: 465


1- الكافي: ج 3/459 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/421 ح 9745.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/128 ح 7، وسائل الشيعة: ج 7/421 ح 9746.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1/506 ح 1455، وسائل الشيعة: ج 7/421 ح 9747.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ فعله صلى الله عليه و آله لا يدلّ على أزيد من أنّ كونها كذلك من أفراد المطلوب، ولا يدلّ على تعيّنه.

وقوله صلى الله عليه و آله: «صَلّوا كما رأيتموني اُصلّي»(1) مضافاً إلى عدم شموله لغير اليوميّة، قد عرفت أنّه مجمل.

وأمّا الثاني: فلأنّ ظهور الإمام في إمام الأصل في نفسه - لا سيّما مع اقترانه في بعضها بالجماعة مقابلتها بالمفرد - غير مُسلّم، وكونه معرّفاً باللّام في بعضها، لا يكون قرينةً لإرادته منه، لإمكان إرادة الجنس منه. وحمل (الإمام) على مطلق من يؤتمّ به في موثّق سماعة، لا ينافي قوله عليه السلام: (فإنْ صلّيت... الخ) إذ هو يمكن أن يكون قرينةً لحمل (لا) على نفي الكمال.

وأمّا الثالث: فالمنع، لعدم إطلاق أدلّة الوجوب، لاحظ صحيح جميل المتقدّم.

فالمتَّجه أنْ يستدلّ له بموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«قلت له: متى نذبح ؟ قال: إذا انصرف الإمام، قلت: فإذا كنتُ في أرضٍ ليس فيها إمام، فاُصلّي بهم جماعة ؟ قال: إذا استقلت الشّمس.

وقال: لا بأس بأن تُصلّي وحدك، ولا صلاة إلّامع إمام»(2).

إذ المراد من (الإمام) فيه الإمام بالحقّ ، لقول السائل: (إذا كنتُ في أرضٍ ليس فيها إمام) لوجود إمام الجماعة، كما يشهد له قوله: (فاُصلّي بهم جماعةً ).

وعليه، فالأقوى اعتبار حضور الإمام في وجوبها، ويؤيّده:

1 - صحيح ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قال النّاس لأمير المؤمنين عليه السلام:8.

ص: 466


1- سنن الدارمي: ج 1/286، صحيح البخاري: ج 1/155 وج 7/77 وج 8/133، السنن الكبرى للبيهقي: ج 2/345 وج 3/120، فتح الباري لابن حجر: ج 2/59 وج 2/137 و 144... وغيرهم.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/287 ح 17، وسائل الشيعة: ج 7/422 ح 9748.

ألا تخلّف رجلاً يُصلّي في العيدين ؟ فقال: لا اُخالف السُنّة»(1).

2 - وخبر عبد اللّه بن ذبيان، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «يا عبد اللّه ما من يؤمّ عبدٌ للمسلمين أضحى ولا فطر، إلّاو هو يجدّد اللّه لال محمّد عليه السلام فيه حزناً، قال:

قلت: ولِمَ؟ قال: إنّهم يرون حقّهم في أيدي غيرهم»(2).

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما اختاره جماعة منهم صاحب «الحدائق» رحمه الله(3) من وجوبها في زمان الغيبة أيضاً على الجامِع والمُنفرد ضعيفٌ .

وأمّا اعتبار الجماعة: فتدلّ عليه مضافاً الى صحيحي زرارة وابن مسلم المتقدّمين، رواية محمّد بن قيس، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، قال:

«إنّما الصَّلاة يوم العيد على من خَرَج إلى الجبّانة، ومَنْ لم يخرج فليس عليه صلاة»(4). ونحوها غيرها.

وأمّا شرطيّة العدد: فتدلّ عليها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه قال في صلاة العيدين: إذا كان القوم خمسة أو سبعة، فإنّهم يجمعون الصَّلاة كما يصنعون يوم الجمعة»(5).

وأمّا اعتبار سائر الشروط المعتبرة في وجوب الجمعة في وجوبها، فتشهد له جملةٌ من النصوص، وحيث أنّ شيئاً منها ممّا لا خلاف في اعتباره، فلا وجه لإطالة الكلام فيها.

هذا في شروط الوجوب.

***3.

ص: 467


1- تهذيب الأحكام: ج 3/137 ح 34، وسائل الشيعة: ج 7/451 ح 9838.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/289 ح 26، وسائل الشيعة: ج 7/475 ح 9898.
3- الحدائق الناضرة: ج 10/209.
4- الاستبصار: ج 1/445 ح 2، وسائل الشيعة: ج 7/423 ح 9751.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 1/522 ح 1486، وسائل الشيعة: ج 7/482 ح 9913.
شروط صحّة صلاة العيدين

وأمّا شروط صحّتها: فقد عرفت أنّه يعتبر في صحّة الجمعة الخطبتان، وقيام جماعة واحدة.

أمّا الخطبتان: فسيأتي الكلام فيهما.

أمّا وحدة الجماعة: فالمشهور بين الأصحاب اعتبارها.

وعن المصنّف في «التذكرة»(1) و «النهاية»(2) التوقّف فيه، وتبعه صاحب «المدارك» رحمه الله(3).

واستدلّ لاعتبارها:

1 - بأنّه لم يُنقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه صَلّى في زمانه صلاتين لعيدٍ واحد في بلدٍ واحد.

2 - وبما دلّ على أنّ عليّاً عليه السلام لم يُخلّف رجلاً ليُصلّي بالنّاس في العيدين، معلّلاً بأنّي لا اُخالف السُنّة، كصحيح ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «قال النّاس لأميرالمؤمنين عليه السلام: ألا تُخلّف رجلاً يصلّي العيدين ؟ فقال: لا اُخالف السُنّة»(4).

ونحوه غيره.

أقول: وفيهما نظر: إذ انعقاد جماعتين في زمان النبيّ صلى الله عليه و آله، لا يدلّ على عدم المشروعيّة واعتبار الوحدة.

ص: 468


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/157 (ط. ق).
2- نهاية الاحكام: ج 2/56.
3- مدارك الأحكام: ج 4/96.
4- تهذيب الأحكام: ج 3/137 ح 34، وسائل الشيعة: ج 7/451 ح 9838.

ومع فقدها تستحبّ جماعةً وفرادى .

وأمّا النصوص: فهي أجنبيّة عن المُدّعى، إذ الظاهر أنّ النّاس قالوا لعليّ عليه السلام:

«خَلف رجلاً نُصلّي العيدين في المسجد، كي يُصلّي معه كلّ من يصعب عليه الخروج إلى الصحراء» كما يُصرّح به خبر «الدعائم» عنه عليه السلام أنّه قيل [له: يا أمير المؤمنين]: لو أمرت مَن يُصلّي بضعفاء النّاس يوم العيد في المسجد؟ قال عليه السلام: أكره أن أسنّ سُنّةً لم يسُنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(1).

وعليه، فجوابه عليه السلام يدلّ على أنّ المسنون في صلاة العيدين هو الخروج إلى الصحراء.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبارها، ولو سُلّم دلالة النصوص على اعتبارها، فحيث أنّها مختصّة بزمان الحضور، فلا تدلّ على اعتبارها حتّى مع كون الصّلاتين مندوبتين.

(ومع فقدها) أي الشروط يسقط الوجوب، و (تُستحبّ جماعةً وفرادى ) كما هو المنسوب إلى الأكثر(2).

أقول: وتشهد لاستحباب الإتيان بها فرادى ، جملةٌ من الروايات:

منها: صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين، فليغتسل، وليتطيّب بما وجد، وليصلِّ وحده، كما يُصلّي في الجماعة»(3).4.

ص: 469


1- دعائم الإسلام: ج 1/185، مستدرك وسائل الشيعة: ج 6/133 ح 6627-2.
2- ذخيرة المعاد: ج 2/319، مستند الشيعة: ج 6/169.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1/507 ح 1459، وسائل الشيعة: ج 7/424 ح 9754.

ومنها: رواية منصور عنه عليه السلام، قال: «مَرض أبي يوم الأضحى ، فصلّى في بيته ركعتين، ثمّ ضَحى»(1).

إلى غير ذلك من الروايات الآمرة بفعلها وحده، المحمولة على الاستحباب، بقرينة غيرها من الروايات الدالّة على شرطيّة حضور الإمام والاجتماع للوجوب.

وأمّا الروايات النافية للصَّلاة بدون الإمام(2)، فمحمولة على نفي الوجوب، للنصوص المتقدّمة الصريحة في الجواز.

وأمّا استحباب الإتيان بها جماعة: فقد استدلّ له بوجوه:

1 - بعموم قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: «إذا كان القوم خمسة أو سبعة، فإنّهم يجمعون الصَّلاة، كما يصنعون يوم الجمعة»(3).

2 - وبقوله في خبر أبي قُرّة: «صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة».

3 - وبعمل جمهور الإماميّة(4)، وإجماع علمائهم عليه(5).

4 - وتقرير الإمام عليه السلام في موثّق سماعة المتقدّم.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الصحيحة واردة في مقام بيان اعتبار التعدّد، فلا إطلاق لها من هذه الجهة، وبذلك ظهرت المناقشه في قوله عليه السلام: «صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة».).

ص: 470


1- الاستبصار: ج 1/445 ح 6، وسائل الشيعة: ج 7/425 ح 9756.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/136 ح 28، وسائل الشيعة: ج 7/421 باب 2 من أبواب صلاة العيد.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1/522 ح 1486، وسائل الشيعة: ج 7/482 ح 9913.
4- مستند الشيعة: ج 2/263.
5- السرائر: ج 1/316، مصباح الفقيه: ج 2/467 ق 2، كتاب الصَّلاة للسيّد الخوئي قدس سره: ج 7/314، قوله: (.. مشروعيّة الجماعة فيها، مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد، بل قد استقرّ عليه عمل جمهور الإماميّة خلفاً عن سلف).

فإنّه لورود إطلاقه مورد حكم آخر، وهو بيان عدد ركعاتها على أيّ تقدير، لا يدلّ على شرعيّة الجماعة في حال الغيبة.

وأمّا عمل الجمهور: فهو مستندٌ إلى فتوى علمائهم.

وأمّا الإجماع: فمضافاً إلى عدم حجيّة المنقول منه، لا يكون حجّة في المقام، لإحتمال استنادهم إلى الوجوه التي عرفت ما فيها.

وأمّا الموثّق: فقوله عليه السلام: «لا بأس بان تُصلّي وحدك ولا صلاة إلّابالإمام»، يكفي في الردع عن أنْ يُصلّي بهم جماعة.

أقول: وقد استدلّ له بعض الأكابر(1) بالعمومات الواردة في الحَثّ على الصَّلاة جماعة.

ويرد عليه: إنّه سيأتي في محلّه أنّه لا إطلاق لها ليتمسّك به لاستحبابها، حتّى في أمثال المقام.

فتحصّل: أنّه لا دليل على استحبابها جماعة، فلا بدَّ من الرجوع إلى الأصل، وهو يقتضي العدم.

ويؤيّده صحيح ابن سنان المتقدّم، الآمر بأن يُصلّي وحده.

وعليه، فما عن المرتضى رحمه الله(2)، وأبي الصلاح(3)، وكثيرٌ من القدماء والمتأخّرين(4) من أنّها مع فقد الشرائط لا تستحبّ جماعةً ، هو الأقوى .

***).

ص: 471


1- مصباح الفقيه: ج 2/467 ق 2.
2- الناصريّات: ص 265.
3- الكافي للحلبي: ص 154.
4- كما حكاه في مصباح الفقيه: ج 2/466 ق 2 بقوله: (وعن ظاهر كثير من القدماء وجماعة من المتأخّرين.. يصلّي منفرداً ولا يشرع له الجماعة ندباً).

ووقتها بعد طلوع الشّمس الى الزّوال.

وقت صلاة العيدين

(ووقتها بعد طلوع الشّمس الى الزّوال) على المشهور(1)، بل في «التذكرة»(2)دعوى الإجماع عليه.

وتدلّ على أنّ أوّل وقتها طلوع الشّمس، صحيحة زرارة - أو حسنته - قال:

«قال أبو جعفر عليه السلام: ليس يوم الفطر ولا يوم الأضحى أذانٌ ولا إقامة، وأذانهما طلوع الشّمس، إذا طلعت خَرَجوا»(3).

والمتبادر من تنزيل الطلوع منزلة الأذان، إنّما هو التنزيل في كونه إعلاماً بدخول الوقت، ونحوها غيرها.

وعليه، فما نُسب إلى جماعة من القدماء من التصريح بأنّ وقتها انبساط الشّمس(4)، لابدّ من حمله على إرادة وقت الفضيلة، وإلّا فهو مردودٌ بالنصّ .

أقول: وتدلّ على انتهاء وقتها بالزّوال، صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان إنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً، أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشّمس، فإنْ شهدا بعد زوال

ص: 472


1- جواهر الكلام: ج 11/351.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/157 (ط. ق).
3- الكافي: ج 3/459 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/429 ح 9766.
4- كالنهاية للشيخ الطوسي: ص 134، قوله: (ووقت هذه الصَّلاة عند انبساط الشّمس)، روض الجنان للشهيد: ص 299، قوله: (ذهب بعض الأصحاب إلى أنّ وقتها انبساط الشّمس)، وحكاه المحقّق النراقي في مستند الشيعة: ج 6/179 عن النهاية والمبسوط والانتصار والكافي والغنية والوسيلة والإصباح والسرائر، حيث قالوا وقتها انبساط الشّمس وارتفاعها.

ولا تُقضى لو فاتت.

الشّمس، أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم، وأخّر الصَّلاة إلى الغد فصلّى بهم»(1).

وبها يقيّد إطلاق قوله عليه السلام في مرفوعة محمّد بن أحمد:

«إذا أصبح النّاس صياماً ولم يَروا الهلال، وجاء قومٌ عدول يشهدون على الرؤية، فليفطروا وليخرجوا من الغد... الخ»(2) بما إذا كان ذلك بعد الزّوال.

(ولا تُقضى لو فاتت) على ما هو المنسوب إلى أكثر الأصحاب(3).

واستدلّ له: بقول أبي جعفر عليه السلام، في صحيحة زرارة - أو حسنته -: «مَنْ لم يُصلِّ مع الإمام في جماعةٍ ، فلا صلاة له ولا قضاء عليه»(4).

وفيه: إنّ مفاده عدم وجوب الصَّلاة على من فاتته الصَّلاة في مورد وجوبها، ولو مع بقاء الوقت، وهذا لا ينافي استحبابها مادام بقاء الوقت وبعد خروجه.

وعن جماعةٍ (5): ثبوت القضاء، ويشهدله صحيح قيس، ومرفوع محمّدالمتقدّمان.

والمناقشة فيهما بإعراض المشهور عنهما، وموافقتهما للعامّة في غير محلّها، لأنّ كثيراً من الأصحاب أفتوا بمضمونهما، ومجرّد الموافقة للعامّة غير مقتضٍ للطرح،ء.

ص: 473


1- الكافي: ج 4/169 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/432 ح 9779.
2- الكافي: ج 4/169 ح 2، وسائل الشيعة: ج 7/433 ح 9780.
3- جامع المقاصد: ج 2/452. قوله: (ولا تُقضى لو فاتت عند أكثر أصحابنا)، وفي الخلاف: ج 1/673 ادّعى الإجماع بقوله: (إجماع الفرقة على أنّه إذا فاتت صلاة العيد لا تُقضى )، وفي روض الجنان: ص 299: (لم تُقض على المشهور).
4- الكافي: ج 3/459 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/421 ح 9745
5- حكي في الوسيلة لابن حمزة لزوم القضاء عن بعض، وما في الوسيلة: ص 81، وابن إدريس في السرائر: ج 1/318، قال باستحباب القضاء.

لأنّها من مرجّحات إحدى الحُجّتين على الاُخرى ، لا من مميّزات الحجّة عن غيرها.

نعم، الروايتان مختصّتان بما إذا لم يثبت العيد إلّابعد فوات وقت الصَّلاة، إلّا أنّه يثبت فيما لو ثبت قبل فوات الوقت، ولكن لم يؤتِ بها عمداً أو نسياناً بعدم القول بالفصل.

وبالجملة: فالأقوى تبعاً لجماعةٍ من الفقهاء والمتأخّرين(1) استحباب قضائها مطلقاً.

***ء.

ص: 474


1- السرائر: ج 1/318، قال باستحباب القضاء.

وهي ركعتان: يُقرأ في الاُولى الحَمد.

كيفيّة صلاة العيدين

أقول: يقع الكلام في بيان كيفيّتها:

(وهي ركعتان) إجماعاً، (يُقرأ في الاُولى الحمد) بعد أنْ يكبّر للإحرام، لأنّه لا صلاة بغير افتتاح.

ويشهد لوجوب الحمد، ما دلّ على أنّه (لا صلاة إلّابفاتحة الكتاب)(1)، مضافاً إلى دلالة بعض الأخبار التي سنتعرّض لها لاحقاً.

وأمّا السّورة: فهي واجبة بلا خلافٍ ؛ لصحيح إسماعيل الجُعفي، عن أبي جعفر عليه السلام: «في صلاة العيدين، قال يكبِّر واحدة يفتتح بها الصَّلاة، ثمّ يقرأ اُمّ الكتاب وسورة، ثمّ يُكبِّر خمساً يقنت بينهنّ ، ثمّ يكبّر واحدة ويركع بها، ثمّ يقوم فيقرأ اُمّ الكتاب وسورة، يقرأ في الاُولى : سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى ، وفي الثانية: وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحاها ، ثمّ يكبِّر أربعاً ويقنت بينهنّ ، ثمّ يركع بالخامسة»(2).

وما فيه من الأمر بسورة خاصّة يُحمل على الفضل، لقوله عليه السلام في صحيحة جميل، في جواب السؤال عمّا يقرأ فيهما: وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحاها و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ اَلْغاشِيَةِ وأشباههما»(3).

ص: 475


1- عوالى اللآلي: ج 1/196 ح 1، وسائل الشيعة: ج 6/37 ح 7280.
2- تهذيب الأحكام: ج 3/132 ح 20، وسائل الشيعة: ج 7/436 ح 9790.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/127 ح 2، وسائل الشيعة: ج 7/435 ح 9784.

والأعلى ، ثمّ يكبِّر خمساً، ويقنتُ بينها، ثمّ يُكبِّر السادسة للرّكوع، ويسجد سَجدتين، ثمّ يقوم فيقرأ الحمد والشّمس، ثمّ يُكبِّر أربعاً ويقنت بينهما، ثُمّ يُكبِّر الخامسة للرّكوع، ويسجد سَجدتين.

(و) بذلك يظهر أنّ الأفضل أن يقرأ في الاُولى (الأعلى، ثمّ يُكبِّر خمساً ويقنتُ بينها) أي عقيب كلّ تكبيرةٍ قنوتاً، والتعبير بكلمة (بينهما) إنّما هو لمتابعة النصوص.

(ثمّ يُكبِّر السادسة للرّكوع، ويسجد سجدتين، ثمّ يقومُ فيقرأ الحمد) وسورة، والأفضل أن تكون هي (والشّمس، ثمّ يُكبِّر أربعاً ثمّ يُكبّر الخامسة للرّكوع ويسجد سجدتين) كما يدلّ على جميع ذلك خبر إسماعيل المتقدّم، وغيره من الروايات، فيكون الزائد عن المعتاد من التكبيرة تسعاً، خمسٌ منها في الاُولى ، وأربعٌ في الثانية، وهي غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوعين، ومعهما يكون المجموع اثنتي عشر تكبيرة.

وقد استدلّ لعدم وجوبها: بصحيحة زرارة، قال:

«إنّ عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه السلام عن الصَّلاة في العيدين ؟

فقال: الصَّلاة فيهما سواء، يُكبِّر الإمام تكبيرة الصَّلاة قائماً، كما يصنع في الفريضة، ثمّ يزيد في الرّكعة الاُولى ثلاث تكبيرات، وفي الاُخرى ثلاثاً سوى تكبيرة الصَّلاة والرّكوع والسّجود، إنْ شاء ثلاثاً وإنْ شاء خمساً، وإنْ شاء سبعاً بعد أنْ يلحق ذلك إلى وتر»(1).

فإنّها صريحة في عدم وجوب التكبيرات بالنهج المذكور في الأخبار الآنفة،7.

ص: 476


1- تهذيب الأحكام: ج 3/134 ح 23، وسائل الشيعة: ج 7/438 ح 9797.

فترفع اليد عن ظهور تلك الأخبار في الوجوب، وتُحمل على الاستحباب.

وفيه: إنّ ظاهرها وجوب الثلاث ولا قائل به، مضافاً الى إعراض المشهور عنها، وموافقتها لمذهب العامّة، فيتعيّن الأخذ بظاهر الأخبار، وردّ علم الصحيح إلى أهله.

وعليه، فما عن المفيد رحمه الله في «المقنعة»(1) من أنّه من أخلَّ بالتكبيرات التسع لم يكن مأثوماً، ضعيفٌ .

وعن ابن الجُنيد(2) أنّه اختار أنّ التكبير في الاُولى قبل القراءة، وفي الثانية بعدها، واستدلّ له بجملة من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن الصادق عليه السلام: «التكبير في العيدين في الاُولى سبعٌ قبل القراءة، وفي الآخرة خمسٌ بعد القراءة»(3). ونحوه غيره.

وفيه: إنّها معارضة بالنصوص المتقدّمة، وهي تقدَّم لأنّها اشتهرت بين الأصحاب(4)، ومخالفة للعامّة.

***1.

ص: 477


1- المقنعة: ص 194 الباب 18 (صلاة العيدين)، وفي مصباح الفقيه: ج 2/470 ق 2.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 2/252.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/131 ح 16، وسائل الشيعة: ج 7/439 ح 9798.
4- جامع المقاصد: ج 2/441.

ويُستحبّ الإصحار بها والخروج حافياً بسكينةٍ ووقار، وأن يُطعم قبل خروجه في الفطر، وبعد عوده في الأضحى ممّا يُضحّي به.

مستحبّات صلاة العيدين

(ويستحبُّ ) في هذه الصَّلاة اُمور:

الأمر الأوّل: (الإصحار بها) بمعنى القيام بأدائها في الصحراء.

وتشهد لاستحبابه: مضافاً إلى الإجماع(1)، أخبارٌ كثيرة:

منها: صحيح عليّ بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«لا ينبغي أن يُصلّى صلاة العيد في مسجدٍ مسقّف، ولا في بيتٍ ، إنّما يُصلّى في الصحراء أو في مكانٍ بارز»(2). إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة.

الأمر الثاني (و) الثالث: (الخروج حافياً بسكينةٍ ووقار).

ويشهد لهما ولغيرهما من السُّنن والآداب حديث(3) خروج الرِّضا عليه السلام إلى صلاة العيد بطلبٍ من المأمون والمرويّ في «الكافي» وغيره.

(و) الأمر الرابع (أن يُطعم قبل خروجه في الفطر، وبعد عوده في الأضحى ممّا يُضحّي به) إجماعاً(4).

ص: 478


1- مختلف الشيعة: ج 2/271، تذكرة الفقهاء: ج 1/159، جامع المقاصد: ج 2/443.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/508 ح 1467، وسائل الشيعة: ج 7/449 ح 9831.
3- الكافي: ج 1/488 ح 7، وسائل الشيعة: ج 7/453 ح 9844.
4- مدارك الأحكام: ج 4/114.

والتكبير عقيب أربع صلوات أوّلها المغرب وآخرها العيد في الفطر.

بل في «المنتهى»(1): إنّه قول عامّة أهل العلم.

وتدلّ عليه روايات كثيرة:

منها: رواية جرّاح المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «أطعم يوم الفطر قبل أنْ تُصلّي، ولا تُطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام»(2) ونحوها غيرها.

(و) الأمر الخامس: (التكبير عقيب أربع صلوات أوّلها المغرب، وآخرها العيد في الفطر) كما هو المشهور(3).

وعن الصدوق(4): ضمّ الظهرين إليها.

وعن ابن الجُنيد(5): ضمّ النوافل أيضاً.

وحُكي عن السيّد(6): القول بالوجوب.

وتشهد لما اختاره المشهور: - مضافاً إلى نقل الإجماع عليه - الروايات الكثيرة:

منها: رواية سعيد النقّاش، المرويّة في «الكافي»:

«قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لي: أما إنّ في الفطر تكبيراً ولكنّه مسنون. قال:).

ص: 479


1- منتهى المطلب: ج 1/345 (ط. ق).
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2/173 ح 2054، وسائل الشيعة: ج 7/444 ح 9818.
3- مختلف الشيعة: ج 2/275.
4- المقنع: ص 150.
5- مختلف الشيعة: ج 2/275.
6- حكاه عنه في السرائر: ج 1/61 بقوله: (وإلى الوجوب ذهب السيّد المرتضى).

قلت: وأينَ هو؟ قال: في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وفي صلاة العيد...

قال: قلت: كيف أقول ؟ قال: تقول: اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّااللّه واللّه أكبر، اللّه أكبر وللّه الحمد، اللّه أكبرُ على ما هدانا، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : وَ لِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ يعني الصيام وَ لِتُكَبِّرُوا اَللّهَ عَلى ما هَداكُمْ »(1).

وهذه الرواية لأجل ما فيها من التصريح بوقوعها امتثالاً للأمر بالتكبير الوارد في الكتاب، تكون نصّاً في أنّ المراد من المسنون هو المستحبّ ، لا ما يثبت وجوبه بغير الكتاب.

واستدلّ للوجوب:

1 - بقوله تعالى : وَ لِتُكَبِّرُوا اَللّهَ عَلى ما هَداكُمْ (2).

2 - وبجملةٍ من النصوص:

منها: خبر الفضل بن شاذان، عن الرّضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون: «والتكبير في العيدين واجبٌ في الفطر في دَبْر خمس صلوات، ويبدأ في دَبْر الصَّلاة المغرب ليلة الفطر»(3). ونحوه غيره.

أقول: وفيهما نظر: إذ الآية الشريفة قد فُسِّرت في خبر سعيد المتقدّم باستحباب التكبير على النهج المزبور.0.

ص: 480


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2/167 ح 2034، وسائل الشيعة: ج 7/455 ح 9847.
2- سورة البقرة: الآية 181.
3- وسائل الشيعة: ج 7/456 ح 9850.

والوجوب في النصوص، لو سُلّم ظهوره في الوجوب المصطلح، يتعيّن حمله على تأكّد الاستحباب، لخبر سعيد الذي هو كالنصّ في الاستحباب.

ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين خبر الفضل، وما يدلّ على استحبابه عقيب صلاة العيد، هو استحباب التكبير عقيب الفرائض اليوميّة وصلاة العيد.

وعليه، فما اختاره الصدوق رحمه الله هو الأقوى .

وأمّا القول المنسوب إلى ابن الجُنيد فممّا لم يعرف مستنده.

ص: 481

وفي الأضحى عقيب خَمْسَ عَشَرة، أوّلها الظهر يوم العيد لمن كان بمنى، وفي غيرها عقيب عشرة.

(و) الأمر السادس: أن يكبّر (في الأضحى عقيبَ خَمس عَشَرة، أوّلها الظهر يوم العيد لمن كان بمنى) وآخرها الفجر من اليوم الثالث عشر، (وفي غيرها عقيب عَشَرة) أوّلها الظهر المزبور، وآخرها الفجر من اليوم الثاني عشر.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم - أو حسنته - قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : وَ اُذْكُرُوا اَللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ؟ قال: التكبير في أيّام التشريق من صلاة الظهر، من يوم النّحر إلى الصَّلاة الفجر من اليوم الثالث، وفي الأمصار عشر صلوات.. الخ»(1).

وغيرها من الروايات.

وظاهرها وإنْ كان وجوب التكبير، إلّاأنّه يرفع اليد عن هذا الظاهر بشهادة صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال:

«سألته عن التكبير أيّام التشريق واجبٌ هو؟ قال: يستحبّ ، فإنْ نسي فليس عليه شيء»(2).

وعليه، فما عن السيّد(3) والشيخ(4) وابن الجُنيد(5) من القول بالوجوب، ضعيفٌ .

***4.

ص: 482


1- الكافي: ج 4/516 ح 1، وسائل الشيعة: ج 7/457 ح 9852.
2- تهذيب الأحكام: ج 5/488 ح 391، وسائل الشيعة: ج 7/461 ح 9861.
3- الانتصار ص 172.
4- الخلاف: ج 1/667 المسألة 442.
5- مختلف الشيعة: ج 2/274.

مسائل: الأُولى : يُكره التنفّل قبلها وبعدها إلّافي مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله قبل خروجه.

فروع صلاة العيدين
يُكره التنفّل قبلها وبعدها

المسألة (الاُولى : يُكره التنفّل قبلها) أي قبل الصَّلاة (وبعدها) إلى الزّوال (إلّا في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله) فإنّه يستحبّ أن يُصلّي فيه ركعتين (قبل خروجه) إلى صلاة العيد، بلا خلافٍ يعتدّ به في شيءٍ من ذلك نصّاً وفتوىً ، كما في «الجواهر»(1)، بل في «الخلاف»(2) دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ على الكراهة: صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«صلاة العيدين مع الإمام سُنّة، وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلّا الزّوال».

وبسندٍ آخر نحوه لكن فيه زيادة: «فإنْ فاتك الوِتر في ليلتك، قضيته بعد الزّوال»(3).

وصحيحة زرارة المرويّة في «التهذيب»، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«لا تقض وِتر ليلتك إنْ كان فاتك حتّى تُصلّي الزّوال في يوم العيدين»(4).

وهاتان الروايتان من جهة دلالتهما على عدم قضاء الوتر، تكونان نصّين في إرادة مطلق النافلة، حتّى قضاء الرواتب، ولا يمكن حملهما على إرادة نفي شرعيّة

ص: 483


1- جواهر الكلام: ج 1/390.
2- الخلاف: ج 1/665.
3- تهذيب الأحكام: ج 3/129 ح 9، وسائل الشيعة: ج 7/419-420 ح 9740-9741.
4- تهذيب الأحكام: ج 2/274 ح 125، وسائل الشيعة: ج 7/430 ح 9770.

الثاني: قيل التكبيرُ الزائد واجبٌ ، وكذا القنوت.

صلاةٍ على سبيل التوظيف، وظاهرهما وإنْ كان الحرمة، إلّاأنّ شيوع وقوع التعبير بمثله بالنسبة إلى المكروهات، يمنع عن هذا الظهور، ولذا لم يستنتج الأصحاب منهما الحرمة.

وأمّا استثناء الركعتين في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله، فيدلّ عليه:

خبر محمّد بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تُصلّى في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في العيد قبل أنْ يخرج إلى المُصلّى، ليس ذلك إلّابالمدينة، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فعله»(1).

قيل التكبير الزائد واجبٌ

المسألة (الثانية: قيل التكبير الزائد واجبٌ ) وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً، وعرفت أنّه لو لم يكن أقوى فهو أحوط.

(وكذا القنوت) وهو المنسوب إلى المشهور(2)، بل عن «الانتصار»(3) دعوى الإجماع عليه، للأمر به في جملةٍ من النصوص، كصحيح الجُعفي المتقدّم ونحوه غيره.

وعن الشيخ(4)، والمحقّق(5)، وابن سعيد(6)، والفاضل(7) القول بالاستحباب.

واستدلّ له:

ص: 484


1- الكافي: ج 3/461 ح 11، وسائل الشيعة: ج 7/430 ح 9771.
2- جامع المقاصد: ج 2/456.
3- الانتصار: ص 171.
4- الخلاف: ج 1/379.
5- المختصر النافع: ص 38.
6- الجامع للشرائع ص 107 (في صلاة العيدين).
7- كشف الرموز: ج 1/184.

الثالثة: تجب الخُطبتان بعدها.

1 - بخلوّ عدّة من الروايات الواردة في بيان الكيفيّة عنه.

2 - وعدم ظهور ما تعرّض له فيه، لشهادةٍ سوقها بتعلّق الغرض ببيان ما هو أعمّ من الواجب والمندوب.

3 - وموثّقة سماعة: ينبغي أن يتضرّع بين كلّ تكبيرتين ويدعو اللّه. لأن ينبغي ظاهر في الاستحباب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا خلوّ بعض الروايات عنه: فلا يدلّ على عدم الوجوب، لأنّه لا مفهوم له.

وأمّا دعوى عدم ظهور الروايات المتعرّضة له، فهي مكابرة، إذ لا وجه لها سوى اشتمالها على ما ليس بواجب، وهو لا يوجب عدم ظهورها في وجوبه، خصوصاً والروايات المتعرّضة له خاصّة.

ولفظ (ينبغي) في موثّقة سماعة - بملاحظة اشتمالها على ما هو واجب قطعاً كتقديم الصَّلاة على الخطبة - غير ظاهر في الاستحباب.

وعليه، فالأقوى هو الوجوب.

تجب الخُطبتان بعدها

المسألة (الثالثة: تجب الخُطبتان بعدها) بلا خلافٍ فيه بيننا(1).

أمّا أصل وجوب الخطبتين، فلما يستفاد من الأخبار، لا سيّما النصوص المتعرّضة لبيان محلّها في العيدين، من أنّ هذه الصَّلاة وصلاة الجمعة من سنخٍ واحد من حيث الشرائط، فكما يشترط فيها الخطبتان، كذلك يشترط في هذه، وإلّا فالروايات المتعرّضة لهما لا تدلّ على وجوبهما في المقام، لورودها مورد حكم آخر.

ص: 485


1- جامع المقاصد: ج 2/441 قوله: (بإجماع العلماء).

الرابعة: يَحرُم السَّفر بعد طلوع الشّمس قبلها، ويُكره قبله.

وأمّا محلّهما: فالروايات الدالّة على أنّه بعد الصَّلاة مستفيضة، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام: «في صلاة العيدين، قال: الصَّلاة قبل الخطبتين»(1).

ونحوها غيرها.

يُحرم السَّفر بعد طلوع الشّمس قبلها

المسألة (الرابعة: يُحرم السَّفر بعد طلوع الشّمس قبلها) مع اجتماع شروط وجوبها، لتعيّن صلاة العيد عليه، فليس له إيجاد ما هو سببٌ لفوتها من غير ضرورة شرعيّة أو حاجة مبيحة لتركها. وأمّا في مثل زماننا، فحيثُ لا تكون واجبة، فلا يحرم السَّفر كما لا يخفى .

(يُكرَهُ قبله) بعد الفجر، كما هو المشهور(2).

وتدلّ عليه صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«إذا أردت الشخوص في يوم عيدٍ، فانفجر الصبح وأنتَ بالبلد فلا تخرج حتّى تشهد ذلك»(3) أي تشهد العيد.

وظاهرها وإنْ كان الحرمة، إلّاأنّها تُحمل على الكراهة، لدعوى اتّفاق الأصحاب(4) على عدم الحرمة.

ص: 486


1- تهذيب الأحكام: ج 3/287 ح 16، وسائل الشيعة: ج 7/441 ح 9803.
2- ذخيرة المعاد: ج 2/320، مستند الشيعة: ج 6/218.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1/510 ح 1476، وسائل الشيعة: ج 7/471 ح 9886.
4- تذكرة الفقهاء: ج 4/164، قوله: (ولا بأس به قبل الفجر إجماعاً)، والحدائق الناضرة: ج 10/300، قوله: (فإنّه لا خلاف كما ذكره في التذكرة في جواز السَّفر قبله).

واختصاصها بما إذا كانت العيد واجبة غير محتاج الى البيان.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بصلاة العيدين، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

***

تمَّ الجزء السابع من موسوعة «فقه الصادق» بقلم مؤلّفه الأحقر،

محمّد صادق الحسيني الروحاني عفى اللّه عنه،

ويتلوه الجزء الثامن إنْ شاء اللّه تعالى.

وما توفيقي إلّاباللّه، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

ص: 487

ص: 488

فهرس الموضوعات

نيّة القُربة... 8

لزوم التعيّين... 11

اعتبار استمرار النيّة إلى آخر الصَّلاة... 15

نيّة القطع أو القاطع... 17

حكم الضميمة المحرّمة في النيّة... 20

أقسام الرّياء... 21

الضميمة الرّاجحة... 24

الضميمة المُباحة... 25

العدول من صلاةٍ إلى اُخرى... 28

موارد جَواز العدول... 28

في تكبيرة الإحرام... 35

تكبيرة الإحرام من الأركان... 36

صورة تكبيرة الإحرام... 40

العاجز عن النطق بالتكبيرة صحيحاً... 42

تكبيرة الأخرس... 45

رَفعُ اليدين حال التكبيرة... 47

في القيام... 51

ما يعتبرُ في القيام... 53

نسيان الإنتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار... 60

دوران الأمر بين القيام الاضطراري والجلوس... 62

دوران الأمر بين الاُمور المعتبرة في الصَّلاة... 65

ص: 489

بدليّة الجلوس عن القيام... 68

صلاة المُضطَجع... 71

الإيماء للرّكوع والسّجود... 74

الواجبُ هو الإيماء المجرّد... 78

هل يجوز للعاجز البدار... 81

في القراءة... 83

أدلّة وجوبُ السّورة... 86

عدم وجوب السّورة الكاملة في الصَّلاة... 92

موارد سقوط السُّورة... 95

حُكم من لا يُحسِنُ القراءة... 97

حكم من لا يُحسِن القراءة، ولا يتمكّن من التعلّم... 99

قراءة الأخرس... 108

ما يجبُ في الرّكعات الأخيرة... 109

القراءة أفضل أو التسبيح... 113

إجزاء المرّة من التسبيحات... 117

الخَلل في القِراءة... 124

أقسام المَدّ... 124

الإدغام الواجب... 126

الوقف بالحركة، والوصل بالسّكون... 129

القراءات السّبع... 131

جُزئيّة البَسملة من كلّ سورة... 134

تعيين البسملة للسُّورة... 136

العدول مِنْ سورةٍ إلى اُخرى... 139

ص: 490

العدول من الجَحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين... 141

لا يجوز العدول بعد الثُّلثين... 144

العدول في مورد الضرورة... 148

نذر قراءة سورة معيّنة... 149

القراءة من المصحف... 151

اتّحاد الفيل ولإيلاف... 153

الجَهرُ بالقراءة على الرِّجال... 157

الإخفات في الرّكعتين الأخيرتين... 161

الجَهرُ في ظهر يوم الجمعة... 163

لا جَهر على النِّساء في الصّلوات الجَهريّة... 165

حكم الجهر في موضع الإخفات... 167

التمييز بين الجهر والإخفات... 169

قراءة العزيمة في الفريضة... 172

استماع آية السَّجدة في الصَّلاة... 174

قراءة العزيمة سهواً... 175

المُحرّم قراءة آية السَّجدة... 178

لا يجوزُ قراءة ما يفوت الوقت بقراءته... 181

في القِران بين سورتين أو أزيد... 184

يستحبُّ الجهر بالبسملة... 188

يستحبُّ قراءة بعض السّور في بعض الصلوات... 193

تنبيهان... 198

الرّكوع... 201

فروع... 205

ص: 491

ركوع الجالس... 208

اعتبار الطمأنينة... 211

اعتبار الذّكر في الرّكوع... 214

الانتصاب بعد الرّكوع... 220

التكبير للرّكوع... 225

مستحبّات الرّكوع... 228

مكروهات الرّكوع... 234

خاتمة... 234

في السّجود... 236

يجبُ السّجود على سبعة أعضاء... 238

حَدّ الجَبهة وما يجب وضعه منها... 239

حدود سائر ما يجبُ وضعه... 242

مساواة موضع الجبهة للموقف... 245

المراد من الموقف... 249

حكم السّجود على المرتفع... 250

وضع الجبهة على ما لا يَصحّ السّجود عليه... 257

حكم الطين اللّاصق بالجَبهة... 260

في حكم الجَبهة المندملة... 262

مستحبّات السّجود... 265

الإرغام بالأنف... 268

جِلْسة الإستراحة... 272

مكروهات السّجود... 278

معنى الإقعاء... 279

ص: 492

سجودُ العَزيمة... 283

أحكام سجود التلاوة... 287

ما يعتبر في سجود التّلاوة... 289

في التشهّد... 293

واجبات التشهّد... 295

كيفيّة الشهادتين... 300

مستحبّات التشهّد... 305

حكم من لا يُحسِنُ التشهّد... 307

في التسليم... 310

أدلّة عدم وجوب التسليم... 314

صورة التسليم... 320

مسائل باب التسليم... 326

لا يعتبر نيّة الخروج... 327

مستحبّات التَّسليم... 330

مندوبات الصَّلاة... 333

ما به الإفتتاح من التكبيرات... 334

في القنوت... 340

محلّ القنوت... 344

ما يُعتبر في القنوت... 345

حكم القنوت بغير العربيّة... 347

البحث عن نواقض الطّهارة... 354

تعمّد الإلتفات عن القبلة... 360

الإلتفات بتمام البدن... 361

ص: 493

الإلتفات بالوجه... 365

تعمّد الكلام في الصَّلاة... 368

القهقهة في الصَّلاة... 374

الفعل الماحي لصورة الصَّلاة... 378

في البكاء... 381

فروع... 381

التكتّف والتكفير... 383

مكروهات الصَّلاة... 387

حرمة قطع الصَّلاة... 390

حكم عَقْصِ الشعر... 395

تسميت العاطس... 397

حكم رَدّ السَّلام في الصَّلاة... 398

في صلاة الجمعة... 404

وقت صلاة الجمعة... 405

في خروج وقت الجمعة وهو فيها... 411

فروع... 411

إدراك الإمام في الرّكعة الثانية... 414

اشتراط وجوب الجمعة بالسّلطان العادل... 418

أدلّة وجوبها العيني... 420

أدلّة اشتراط السلطان العادل... 428

ولاية الفقيه... 434

في اشتراط العدد... 438

في اشتراط الخطبتين... 440

ص: 494

من تجبُ عليه الجمعة... 444

لو تكلّف الحضور للجمعة من لا تجب عليه... 446

ما يعتبر في الخُطبتين... 451

مسائل... 459

الفصل الثاني / في صلاة العيدين... 464

شروط صحّة صلاة العيدين... 468

وقت صلاة العيدين... 472

كيفيّة صلاة العيدين... 475

مستحبّات صلاة العيدين... 478

مسائل أربع... 482

فهرس الموضوعات... 488

ص: 495

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.