فقه الصادق المجلد 3

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

تتمة الباب الثالث في الغسل

اشارة

وَيُحرم عليها دخولُ المَساجدِ إلّااجتيازاً.

تتمة الفصل الثاني في الحيض

فصل في أحكام الحائض
اشارة

أقول: يدور البحث في هذا الفصل عمّا يتعلّق بأحكام الحائض، وهي عدّة اُمور:

أحدها: (يحرم عليها دخول المساجد إلّااجتيازاً):

أمّا المستثنى منه: فلا خلاف فيه - وإن إختلفت كلماتهم في التعبير عنه، والدليل عليه ما تقدّم في الجنابة - وكذا وضع شيء فيها، وإن لم يستلزم الدخول، لما تقدّم في الجنابة، لاتّحاد الدليل في البابين، وكذا الحال في الدخول بقصد أخذ شيء منها إذا لم يصدق عليه الاجتياز.

وأمّا المستثنى: فالمشهور بين الأصحاب جواز الدخول اجتيازاً، بل عن المحقّق في «المعتبر»(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: صحيح زرارة ومحمّد(2) المتقدّم في ذلك المبحث: «الحائض والجُنُب لا يدخلان المسجد إلّامجتازين»، ونحوه غيره(3).

فما عن «المقنع»(4) و «الفقيه»(5) وغيرهما من إطلاق حرمة الدخول ضعيفٌ .

ص: 5


1- المعتبر: ج 1/221.
2- وسائل الشيعة: ج 2/207 ب 15 من أبواب الجنابة، ح 1940 (17) نقلاً عن العلل.
3- وسائل الشيعة: ج 2/207 ب 15 من أبواب الجنابة، ح 1940 (17) نقلاً عن العلل.
4- لا يوجد في باب الحيض والاستحاضة في نسختنا من المقنع تعرّض لدخول المساجد، نعم تعرّض لذكره في باب الجنابة وقال: (لا بأس أن تمرّ في سائر المساجد وأنتَ جنب، ولا تجلس فيها) وما عدا السائر هو المسجدين ص 28، ولما كان بينهما اشتراك في هذه الأحكام غالباً فيكون ذكره الحكم في باب الجنابة كافياً.
5- من لا يحضره الفقيه: ج 1/89 نقل عن رسالة أبيه ما يتعلّق بذلك، ولكن في الموضع المذكور من هذه النسخة استثنى اجتيازها من التحريم ونقل عن الطبعة القديمة الإطلاق.

نعم، يُكره ذلك كما هو المشهور، بل عن الشيخ في «الخلاف»(1) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: ما عن «كشف اللّثام» مرسلاً عن الإمام الباقر عليه السلام: «إنّا نأمر نساءنا الحُيّض أن يتوضّأن - إلى أنْ قال - ولا يقرَبنّ مسجداً ولا يقرأنّ قرآناً».

وضعفه لإرساله منجبرٌ بعمل الأصحاب(2).

وإلحاق المشاهد المشرّفة بالمساجد، يتوقّف على ثبوت الحكم في الجُنُب، وثبوت مشاركة الحيض للجنابة في الأحكام.

***).

ص: 6


1- الخلاف: ج 1/517.
2- كشف اللّثام: ج 1/104 (ط ج).

عدا المسجدين.

وكيف كان، فهذا الحكم مختصٌّ بما (عدا المسجدين).

وأمّا المسجدان: ففيه قولان:

1 - حرمة دخولها فيهما مطلقاً، كما هو المشهور(1).

2 - وعن جماعةٍ من القدماء(2) والمتأخّرين(3): جواز الاجتياز منهما كسائر المساجد.

ويشهد للأوّل: حسن ابن مسلم(4)، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث:

«الجُنُب والحائض... ويدخلان المسجد مجتازين، ولا يقعدان فيه، ولا يقربان المسجدين الحرمين».

أقول: والكلام في جملةٍ من الفروع المتعلّقة بالمقام، مثل لزوم التيمّم عليها لو حاضت فيهما، وحرمة إدخال الحائض في المسجد، وإستيجارها على دخوله، وغير ذلك من الفروع، هو الكلام فيها في الجُنُب، لاتّحاد الدليل في البابين، فلا نعيدها.

***7.

ص: 7


1- وفي مستمسك العروة ما يدلّ على ما هو أكثر من الشهرة: ج 3/46.
2- كإبن إدريس في سرائره: ج 1/57 حيث نفى وجوب الغسل إلّاللصلاة والطواف.
3- كالسيّد الخوئي في كتاب الطهارة من شرح العروة: ج 6/426.
4- التهذيب: ج 1/371 ح 25، وسائل الشيعة: ج 2/209 ب 15 من أبواب الجنابة ح 1947.

وقراءة العزائم، ومسّ كتابة القرآن.

(و) الثاني ممّا يحرم عليها: (قراءة) سُور (العزائم):

لما تقدّم في الجُنُب، وعرفتَ أنّ الأظهر عموم الحرمة للسورة، ولا تختصّ بآيات السجدة، فراجع.(1)

(و) الثالث: (مَسّ كتابة القرآن).

بلا خلافٍ فيه إلّاعن ظاهر الكتاب.

وعن جماعةٍ (2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: خبرا حريز(3) وأبي بصير(4) المتقدّمان في فصل غايات الوضوء،(5)فإنّه يجب التعدّي عنه إلى الُمحْدِث بالحَدَث الأكبر بالأولويّة القطعيّة، كما تقدّم في الجُنُب.

***

ص: 8


1- فقه الصادق: ج 2/195.
2- كالعلّامة في تحرير الأحكام: ج 1/105، وظاهر تذكرة الفقهاء: ج 1/238 مسألة 69 من أحكام الجنابة، ادّعى الإجماع، وفي أحكام الحيض ص 261 عطف عليها.
3- وسائل الشيعة: ج 1/383-384 ح 1013، وفيه: (لا تمسّ الكتابة ومسّ الورق..).
4- وسائل الشيعة: ج 1/383 ح 1012، وفيه: قال: (لا بأس بالقراءة ولا يمسّ الكتاب).
5- فقه الصادق: ج 1/324.

ويَحرُمُ على زَوجها وطؤها.

يَحرمُ وطء الحائض

(و) الرابع: (يَحرُم على زوجها وطؤها):
اشارة

بلا خلافٍ فيه.

وعن جماعة(1): دعوى إجماع العلماء أو علماء الإسلام عليه(2).

بل المحكيّ عن جماعةٍ (3): كونه من ضروريّات الإسلام.

وتشهد له: الآية الشريفة(4)، والنصوص المتواترة(5)، والإجماع.

وكذلك يحرم عليها تمكينه من ذلك، بلا خلافٍ ، وعن «الغنية»(6): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: خبر محمّد بن مسلم(7)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن الرجل يُطلّق امرأته متى تبيِن منه ؟ قال عليه السلام: حتّى يطلع الدّم من الحيضة الثالثة تملك نفسها. قلت: فلها أن تتزوّج في تلك الحال ؟ قال عليه السلام: نعم، ولكن لا تُمكِّن من نفسها حتّى تطهر من الدّم».

***

ص: 9


1- كالعلّامة في المختلف: ج 1/346. وفي التحرير أيضاً.
2- روض الجنان ص 76، وجامع المدارك: ج 1/350.
3- نقله النراقي في مستند الشيعة: ج 1/478، وقال به الشهيد في روض الجنان ص 76.
4- سورة البقرة: الآية 222.
5- وسائل الشيعة: ج 2/317 ب 24 من أبواب الحيض ح 1999-1.
6- غنية النزوع ص 39.
7- الكافي: ج 6/88 ح 11، وسائل الشيعة: ج 22 ص 210 ب 16 من أبواب العدد ح 28410.
فروع:
عدم الفرق في الحرمة بين الدائمة و المنقطعة و...

الفرع الأوّل: لا فرق في الحرمة:

1 - بين الزوجة الدائمة والمتعة، والحُرّة والأمَة، لإطلاق الأدلّة.

2 - كما لا فرق بين أن يكون الحيض قطعيّاً وجدانيّاً، أو كان بالرجوع إلى التمييز وغيره، ممّا جُعل طريقاً إليه شرعاً؛ إذ لازم جعل الحجيّة ذلك.

3 - وكذلك ما لو ثبت بأصلٍ من الاُصول كالاستصحاب كما هو واضح، لأنّه تترتّب عليه جميع الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب.

4 - بل التحيّض بالعدد أيضاً كذلك، لوجهين:

ألف: أنّ الظاهر من أدلّته أنّها باختيار العدد المعيّن، تكون في تلك المدّة في حكم الشارع حائضاً، فترتّب عليها جميع أحكامها.

ب: أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة لزوم ترتيب جميع أحكام الحائض في جميع مدّة استمرار الدّم، للعلم الإجمالي بكونها حائضاً في بعضٍ من تلك المدّة. وغاية ما تدلّ عليه أدلّة التحيّض بالعدد - على فرض تسليم عدم دلالتها على أنّها حائض في تلك المدّة تعبّداً - عدم وجوب ترتيب آثار الحائض في غير مدّة اختيار العدد، لا إلغاء العلم الإجمالي عن التأثير بالمرّة، فتدبّر.

وأمّا في مدّة الإستظهار بناءً على وجوبه، فبالنسبة إلى المدّة التي يجب فيها الإستظهار تعييناً، لا ينبغي التوقّف في الحرمة، للتصريح بذلك في بعض نصوص الإستظهار، كموثّق البصري(1)، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المستحاضة أبطأها زوجها، وهل تطوف بالبيت ؟ قال عليه السلام: تقعد أيّام

ص: 10


1- التهذيب: ج 5/400 ح 36، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397. يرويه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الإمام الصادق عليه السلام وفيه أيطأها بدل أبطأها.

قرئها التي كانت تحيض فيها، فإنْ كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به، وإنْ كان فيه خلافٌ ، فلتحتط بيوم أو بيومين ولتغسل».

وأمّا مدّة التخيير: فعلى فرض عدم اختيارها التحيّض، وعدم إمتناعها من التمكين، لا إشكال في الجواز.

وأمّا على فرض اختيارها ذلك، والإمتناع من التمكين، فهل يحرم على زوجها وطؤها أم لا؟

وجهان: أقواهما الحرمة؛ إذ المستفاد من نصوص الإستظهار أنّ من اختارت التحيّض في تلك المدّة، تكون في حكم الحائض، فإنّ قوله في موثّق إسحاق(1):

«استظهرت بيوم ثمّ هي مستحاضة» يدلّ على أنّ من استمرّ دمها في غير أيّام عادتها، لها حالتان: في إحداهما محكومة بكونهامستحاضة دون الاُخرى، ومعنى ذلك كونها حائضاً في تلك الحالة. فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.

وقد استدلّ للحرمة بوجهين آخرين:

أحدهما: استصحاب المنع.

الثاني: كون اختيارها التحيّض كاختيار المضطربة عدد أيّامها من كلّ شهر.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ترخيص الشارع في عدم ترتيب آثار الحيض، كاشفٌ عن إهمال الشارع المقدّس لهذا الاستصحاب، مع أنّه:

1 - إنْ اُريد به استصحاب الحكم كما هو الظاهر.

يرد عليه: أنّه لعدم إحراز موضوعه وهي الحائض لا يجري.

2 - وإنْ اُريد به استصحاب بقاء الحيض.9.

ص: 11


1- وسائل الشيعة: ج 2/301 ب 13 من أبواب الحيض ح 2189.

يرد عليه: ما تقدّم من إلغاء الشارع لهذا الأصل في هذا الباب مطلقاً.

وأمّا الثاني: فلأنّ الفرق بين البابين واضح، فإنّ المضطربة التي تختار العدد، قد عرفت أنّ القواعد تقتضي ثبوت حرمة وطؤها في تلك المدّة، وهذا بخلاف المقام، فإنّ المرأة في مدّة الإستظهار - مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة والقاعدة التي هي أصالة الإباحة - تقتضي جواز وطؤها، فقياس أحد البابين بالآخر قياسٌ مع الفارق.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يكون المراد ما ذكرناه، من أنّه يستفاد من نصوص الإستظهار كون من اختارت الحيض في حكم الحائض شرعاً.

وبالجملة: وكيف كان، فقد ظهر أنّ الأقوى حرمة وطؤها لو اختارت التحيّض.

***

ص: 12

الإستمتاع بما بين السُرّة والرُّكبة

الفرع الثاني: لا إشكال ولا خلاف في جواز الإستمتاع بما فوق السُّرة ودون الرُّكبة، وعن جماعةٍ (1) الإجماع عليه.

وعن غير واحدٍ(2): دعوى الإجماع عليه من علماء الإسلام، وتشهد له النصوص التي سيمرّ بعضها.

وأمّا خبر عبد الرحمن(3)، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرجل ما يحلّ له من الطامث ؟ قال عليه السلام: لا شيء له حتّى تطهر».

فيجبُ طرحه أو تأويله لما عرفت.

أقول: وأمّا الإستمتاع بغير الوطء في الدُّبر بما بين السرّة والرُّكبة:

فالمشهور بين الأصحاب جوازه على كراهةٍ .

وعن السيّد(4) في «شرح الرسالة»: المنع عنه، وعن الأردبيلي(5) الميل إليه.

واستدلّ له: بعدّة أدلّة:

1 - بالنهي عن القُرب في الكتاب(6).

2 - والأمر باعتزالهن في المحيض، بدعوى أنّ المراد منه وقت الحيض لا موضع الدّم.

ص: 13


1- كالسيّد العاملي في المدارك: ج 1/351، والشيخ البهائي في الحبل المتين ص 50.
2- كالشيخ الطوسي في الخلاف: ج 1/226، فظاهره نفي الخلاف فيه بين المسلمين، وكذا المحقّق في المعتبر: ج 1/224.
3- التهذيب: ج 1/155 ح 16، وسائل الشيعة: ج 2/320 ب 24 من أبواب الحيض ح 2247.
4- نقله عنه المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد: ج 1/72.
5- نقله عنه السيّد الخوئي في شرحه للعروة الوثقى : ج 6/445، وقبله صاحب الجواهر: ج 3/229.
6- سورة البقرة: الآية 222.

ومقتضاهما وإنْ كان حرمة الاستمتاع مطلقاً، إلّاأنّه يقيّد إطلاقهما بما دلّ على الجواز(1) بما فوق السُّرة ودون الرُّكبة.

3 - وبموثّق أبي بصير(2)، قال: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الحائض ما يَحِلُّ لزوجها منها؟ قال عليه السلام: تتّزر بإزار إلى الركبتين، وتخرج ساقها، وله ما فوق الإزار».

4 - وصحيح الحلبي(3): «إنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض، وما يَحلُّ لزوجها منها؟ قال تتّرز بإزار إلى الركبتين، وتخرج سُرّتها، ثمّ له ما فوق الإزار».

ونحوهما خبر حجّاج الخَشّاب(4).

وفيه: إنّ النهي عن القرب لا يدلّ على المنع في المقام، إذ بعدما لا ريب فيه من عدم إرادة المعنى الحقيقي من القرب، وإلّا لزم تخصيص الأكثر، يدور الأمر:

بين إرادة خصوص الجماع في الفرج منه.

وبين إرادة مطلق الإستمتاع.

فعلى فرض تسليم عدم ظهوره في الأوّل - مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً - لا محالة يكون مجملاً، والمتيقّن هو خصوص الجماع.

هذا مضافاً إلى خبر عيسى بن عبد اللّه(5)، قال: «قال: أبو عبد اللّه عليه السلام: المرأة تحيض، يحرم على زوجها أن يأتيها، لقوله تعالى: (وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (6)فيستقيم للرّجل أن يأتي إمرأته وهي حائض فيما دون الفرج».2.

ص: 14


1- كروايات الباب 26 من أبواب الحيض وسائل الشيعة: ج 2/323.
2- نفس المصدر ح 2258. نقلاً عن التهذيب: ج 1/155.
3- نفس المصدر ح 2257. نقلاً عن التهذيب: ج 1/154.
4- نفس المصدر ح 2259. نقلاً عن التهذيب: ج 1/155.
5- وسائل الشيعة: ج 2/322 ب 25 من أبواب الحيض ح 2256 نقلاً عن تفسير العيّاشي.
6- سورة البقرة: آية 222.

وأمّا آية الاعتزال:(1) فلأجل احتمال أن يكون المراد من (المحيض) موضع الدّم، لا سبيل إلى الاستدلال بها.

وأمّا النصوص: فهي وإن كانت ظاهرة في المنع.

ودعوى: أنّها لا تدلّ على المنع من الإستمتاع بما فوق الإزار، إلّاعلى القول بمفهوم الوصف.

مندفعة: بأنّها من جهة ورودها في مقام بيان جميع ما يحلّ له منها - كما يشهد له السؤال - تدلّ على المنع منه بمقتضى مفهوم التحديد.

إلّا أنّه يتعيّن حملها على الكراهة، للنصوص الكثيرة الصريحة في الجواز:

منها: موثّق هِشام بن سالم(2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج، وهي حائض ؟ قال عليه السلام: لا بأس إذا إجتنب ذلك الموضع».

ومنها: حَسَن عبد الملك بن عمرو(3)، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال عليه السلام: كلّ شيء ما عدا القُبل منها بعينه».

ومنها: موثّق عبد اللّه بن بُكير(4)، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا حاضت المرأة، فليأتها زوجها حيثُ شاء، ما اتّقى موضع الدّم».

ومنها: صحيح عمر بن يزيد(5)، قال: «قلتُ للصادق عليه السلام: ما للرّجل من الحائض ؟ قال عليه السلام: ما بين إليتيها ولا يوقب».5.

ص: 15


1- سورة البقرة: الآية 222.
2- التهذيب: ج 1/154 ح 10، وسائل الشيعة: ج 2/322 ب 25 من أبواب الحيض ح 2253.
3- الكافي: ج 5/538 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/321 ب 25 من أبواب الحيض ح 2248.
4- التهذيب: ج 1/154 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/322 ب 25 من أبواب الحيض ح 2252.
5- التهذيب: ج 1/155 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/322 ب 25 من أبواب الحيض ح 2255.

ونحوها غيرها(1).

وأمّا الوطءُ في الدُّبر: فالمشهور بين الأصحاب جوازه، وعن السيّد(2) المنع عنه، ومالَ إليه المقدّس الأردبيلي(3).

واستدلّ له: بعدّة أدلّة:

1 - بالأدلّة التي استدلّ بها على المنع عن الإستمتاع بما دون السُّرة وفوق الرُّكبة. وقد عرفت ما فيها.

2 - وبإطلاق صحيح ابن يزيد المتقدّم.

وفيه: إنّه من جهة التنصيص على الجواز في غير موضع الدّم والقُبل في النصوص المتقدّمة، يُحمل قوله عليه السلام فيه: (لا يُوقب) على الوطء في القُبل.

3 - وبدخول الدُّبر في الفرج المستثنى في النصوص.

وفيه: ما في سابقه.

وبالجملة: الأقوى هو الجواز على القول بجوازه في الطاهرة، كما هو المختار والمشهور.

***9.

ص: 16


1- نفس الباب من المصدر المتقدّم.
2- نقله عنه المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد: ج 1/72.
3- نقله عنه السيّد الخوئي في شرحه للعروة الوثقى : ج 6/445، وقبله صاحب الجواهر: ج 3/229.
حكم وطي الحائض لو اشتبه الحال

الفرع الثالث: لو شكّ الزوج في حيض زوجته:

فإنْ علم الحالة السابقة، بنى عليها للإستصحاب، وإلّا فيرجع إلى أصالة البراءة عن حرمة الوطء، هذا إذا لم تخبره بذلك، وإلّا وجب تصديقها بلا إشكال عندهم، ولا خلاف كما في «الجواهر»(1).

واستدلّ له: بالآية الشريفة (وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اَللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (2)، للملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول لو أظهرت، وإلّا لزم لغويّة حُرمة الكتمان.

وفيه: - مضافاً إلى اختصاص الآية الشريفة بما إذا ادّعت الحمل - إنّ الكتمان إنّما هو في مقابل إبقاء الواضح والظاهر على حاله، لا ما يقابل الإيضاح والإظهار، فالآية أجنبيّة عمّا نحن فيه، لأنّ الكلام في المقام في قبول إظهار ما هو خفي في نفسه، مع أنّ فائدة عدم الكتمان ظهور الواقع ووضوحه بالإخبار، لحصول الوثوق من قولها غالباً، مضافاً إلى ما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله بقوله: (مع أنّه يكفي وجهاً لحرمة الكتمان، نفوذ قولها في حقّها بالنسبة إلى ما يترتّب على الكتمان من مصلحتها الّتي تكتمه لأجلها، وإن لم يجب على الزوج تصديقها). انتهى.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال له بأنّ الحيض ممّا لا يُعلم إلّامِنْ قبلها، وإنّه ممّا يتعسّر إقامة البيّنة عليه غالباً.

وعليه، فالأولى الاستدلال له:

ص: 17


1- جواهر الكلام: ج 3/227.
2- سورة البقرة: الآية 228.

1 - بما رواه الشيخ في الصحيح، عن زرارة(1)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«العدّة والحيض إلى النساء»، ورواه الكليني(2) مع زيادة (إذا ادّعت صُدّقت).

2 - وبما دلّ على حجيّة قول ذي اليد من السيرة وغيرها، أمّا السيرة فلقيامها على قبول إخبار الشخص عمّا في نفسه، وأمّا غيرها فللأولويّة.

أقول: ثمّ إنّ ظاهر الخبرين عدم الفرق بين الإخبار بالحيض أو الطهر؛ إذ الظاهر من الرجوع في الحيض إليهنّ ، هو الرجوع إليهنّ في الوجود والعدم. كما أنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الإتّهام للزوجة وعدمه.

وعن «تذكرة» المصنّف(3) و «جامع المقاصد»(4) و «الروض»(5): تقييد القبول بعدم الاتّهام.

واستدلّ له المحقّق الهمداني رحمه الله(6): بانصراف الخبرين(7) عن مثل الفرض، لأنّ كونها متهمة في دعواها الحيض فرضٌ نادر.

وفيه: ما عرفت في هذا الشرح مراراً من أنّ قلّة الوجود لا توجب الإنصراف المقيّد للإطلاق.

أقول: إنّ المراد من المتّهمة:

1 - إن كان مَن ادّعت أمراً بعيداً عن المتعارف جدّاً، فيدلّ على عدم قبول).

ص: 18


1- التهذيب: ج 1/398 ح 66، وسائل الشيعة: ج 2/358 ب 47 من أبواب الحيض ح 2358.
2- الكافي: ج 6/101 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/358 ب 47 من أبواب الحيض ح 2357.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/268.
4- جامع المقاصد: ج 1/320.
5- روض الجنان ص 77.
6- مصباح الفقيه: ج 1/287 ق 1.
7- أي خبر الشيخ والكليني المتقدّمين عن زرارة بأنّ العدّة والحيض للنساء، بإضافة: (إذا إدّعت صُدِّقت).

إخبارها، ما رواه السكوني(1)، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«في إمرأةٍ إدّعت أنّها حاضت في شهرٍ واحد ثلاث حيض ؟ فقال عليه السلام: كلِّفوا نسوةً من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت، فإنْ شهِدنَ صُدِّقت، وإلّا فهي كاذبة».

وقريبٌ منه مرسل الصدوق(2).

2 - وأمّا إن كان المراد منها المرأة المعروفة بتضييع حقّ زوجها، أو المعروفة بكونها كاذبة في دعواها، فلا دليل على عدم قبول قولها؛ إذ الخبرين لا يشملاها، فما لم يحصل الاطمئنان بكذبها، يتعيّن الرجوع إلى إطلاق الصحيحين(3).

اللّهُمَّ إلّاأنْ يكون الحكم في المتهمة بالمعنى الأوّل من جهة الإتهام، وهو ليس ببعيد، كما يشهد له المتفاهم العرفي، وعلى كلّ حال طريق الاحتياط معلومٌ .

***ة.

ص: 19


1- التهذيب: ج 1/398 ح 65، وسائل الشيعة: ج 2/358 ب 47 من أبواب الحيض ح 2359.
2- الفقيه: ج 1/100 ح 207. وأشار إليه في وسائل الشيعة ذيل الحديث السابق.
3- المتقدّمين عن الشيخ والكليني عن زرارة.
في حكم الدّم الخارج عن غير الفرج

الفرع الرابع: لو خرج دمها من غير الفرج، فهل يجب الإجتناب عنه أم لا؟ وجهان:

من إطلاق قوله عليه السلام في مرسل ابن بكير(1): «ما إتقى موضع الدّم».

ومن اختصاص النصوص بالفرج.

أقول: ولكن الأظهر هو الثاني، إذ الظاهر من (موضع الدّم) هو الفرج، وإنّما عبَّر به لكونه مرآةً إليه.

مع أنّه لو سُلّم إطلاقه يتعيّن تقييده بما دلَّ على حليّة ما عدا القُبُل، فما عن «نجاة العباد»(2) من التوقّف فيه، ضعيفٌ .

ثم هل يجوز الوطء في الفرج الخالي عن الدّم أم لا؟ وجهان:

أقواهما الثاني؛ لإطلاق ما دلّ على حرمة وطء الحائض.

وانصرافه عنها لقلّة وجودها، ليس انصرافاً صالحاً لتقييد الإطلاق، كما عرفت مراراً.

***

ص: 20


1- التهذيب: ج 1/154 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/322 ب 25 من أبواب الحيض ح 2252.
2- حكاه عن نجاة العباد السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/320.
جواز الوطء قبل الغُسل بعد انقطاع الدّم

الفرع الخامس: يجوز وطئها قبل الغُسل بعد الطهر من الحيض، كما هو المشهور، وعن غير واحدٍ كالشهيد(1) والشيخ(2) وإبن زُهرة(3) وغيرهم: دعوى الإجماع عليه في الجملة.

ويشهد له: عدّة أدلّة:

1 - عموم ما دلّ على جواز وطء الزوجة والمملوكة؛ إذ الخارج عنه هو الوطء وقت الحيض.

واستصحاب عدم الجواز، وبقاء المنع لا يجري؛ إذ مضافاً إلى تبدّل الموضوع - لأنّ الحرمة منوطة بأيّام الحيض - قد ذكرنا في هذا الشرح مراراً أنّه لا يجري الاستصحاب في الأحكام الكليّة، لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل.

2 - وقوله تعالى: (وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا اَلنِّساءَ فِي اَلْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ...) الخ(4)، بناءً على قراءة (يطهرن) بالتخفيف كما عن القُرّاء السبعة، إذ الظاهر من الطهر هو ما يقابل الحيض كما تشهد به موارد استعماله في الأخبار.

ص: 21


1- ذهب الشهيد الأوّل إلى أنّه الأشهر في الذكرى: ص 34، وعلى الأصحّ في الدروس: ج 1/101، ويُكره على الأظهر في اللُّمعة: ص 19، وفي الروض: ص 78 إلى أنّ الكراهة أشهر القولين.
2- المبسوط: ج 4/211.
3- غنية النزوع: ص 39.
4- سورة البقرة: الآية 222.

3 - ويعضده ظهور قوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا اَلنِّساءَ فِي اَلْمَحِيضِ ) (1) في اختصاص الحرمة بحال الحيض، نظراً إلى ظهور العطف في التفسير والتأكيد، وتعليل الأمر بالإعتزال بكونه أذى، أي مؤذياً لقذارته، كما عن أهل التفسير المستفاد من تفريعه عليه.

ودعوى الحقيقة الشرعيّة في لفظة (يَطْهُرن) كما ترى .

فإنْ قلت: إنّه تعارض هذه القراءة (يطهرن) بالتشديد لظهور التطهير، في الغُسل.

قلت: إنّ المستفاد من إرجاع الأئمّة عليهم السلام أصحابهم إلى القرآن، واستفادة الأحكام من ظاهره في زمانٍ كان المتداول بين الناس قراءة القرآن بإحدى القراءات السبع، جواز العمل بالقراءة المتعارفة بين الناس، غير الخارجة عن القراءات السبع، فإذا اتّفق القُرّاء السبعة على قراءةٍ ، جاز العمل بها، وحيث أنّ السبعة قرأوا بالتخفيف، فيجوز الاستدلال بتلك القراءة بخلاف قراءة التشديد الشاذّة، فإنّه على فرض جواز القراءة به - بما أنّه لم يثبت تواترها عن النبيّ صلى الله عليه و آله، ولم يدلّ دليلٌ على جواز العمل بكلّ ما ثبت جواز القراءة به - لا سبيل إلى الاستدلال بها كي تُعارض القراءة بالتخفيف.

أقول: ومنه يظهر ضعف ما عن «المعتبر»(2) من حمل الأمر في قراءة التشديد على الكراهة، وإنْ كان ما ذكره رحمه الله تامّاً على فرض جواز العمل بكلّ واحدة من القراءات، وبذلك يرتفع التعارض.5.

ص: 22


1- سورة البقرة: الآية 222.
2- المعتبر: ج 1/235.

وأمّا ما أورده الشيخ الأعظم رحمه الله(1): بعد تسليم جواز العمل بكلّ منهما، من أنّ الحمل المزبور مستلزمٌ لاستعمال اللّفظ في معنيين، لأنّ تعدّد القراءة في (يَطْهُرْنَ ) لا يوجب تعدّد الاستعمال في (لا تَقْرَبُوهُنَّ ) .

فممنوعٌ : لما حقّقناه في محلّه من أنّ الحرمة والكراهة كالوجوب والاستحباب خارجتان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، وإنّما تنتزعان من الترخيص في الفعل وعدمه.

هذا فضلاً عن أنّ القول بتعدّد الاستعمال في (يَطْهُرْنَ ) مع وحدة الاستعمال في (لا تَقْرَبُوهُنَّ ) بعيدٌ.

مع أنّه يكفي في دفع المعارضة احتمال التعدّد، كما لا يخفى .

فإنْ قلت: إنّه بناءً على قراءة التخفيف، يتعارض الصدر والذيل، وهو قوله تعالى: (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (2) وحمل (التطهّر) على الطهر بدعوى أنْ تفعل يجئ بمعنى فعل كتَطعم وتَبسُّم كما عن «جامع المقاصد»(3)، ولكونه كناية عنه، كما يُجعل الأذان كناية عن الوقت لعلّيته وتفرعه عليه، ليس بأولى من حمل (الطهر) على الحالة الحاصلة عقيب الغُسل، كما أنّ حمل الأمر على الإباحة بالمعنى الأخصّ المقابل للحرمة والكراهة خلاف ظاهر الكلام، لأنّ الظاهر أنّ قوله تعالى: (فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) سيق لبيان مفهوم (حَتّى يَطْهُرْنَ ) .

قلت: إنّه من جهة كونه مسوقاً لبيان مفهوم (حَتّى يَطْهُرْنَ ) ، خصوصاً بملاحظة التفريع، ليس له مفهوم، فدلالته على توقّف الحليّة على الغُسل إن كانت3.

ص: 23


1- كتاب الطهارة: ص 237 (ط ق). و: ج 3/401 (ط ج).
2- سورة البقرة: الآية 222.
3- جامع المقاصد: ج 1/333.

فإنّما هي لظهور المقام في كونه تمام المفهوم، ورفع اليد عن هذا الظهور لا يبعد أن يكون أولى من التصرّف في (يَطْهُرْنَ ) ، وبذلك يظهر أنّ التعارض ليس بين المفهومين، بل إنّما يكون بين المنطوقين.

أقول: هذا غاية ما يمكن أنْ يُقال في تقريب دلالة الآية على جواز الوطء قبل الغُسل، ولكن في النفس مع ذلك شيئاً، لأنّ دلالة ما دلّ على الإرجاع إلى الكتاب على جواز الاستدلال بما لم يثبت تواتره عن النبيّ صلى الله عليه و آله، واختلفت القراءة فيه محلّ تأمّل بل نظرٌ، لعدم الإطلاق له من هذه الجهة، مع أنّه من الممكن أن تكون القضيّة الشرطيّة مسوقة لبيان أمرٍ زائد عمّا يستفاد من مفهوم الغاية، وهو اعتبار الإغتسال في الجواز، وبها يقيّد إطلاق مفهومها، بل لعلّ هذا الاحتمال أقرب.

4 - ويشهد للجواز جملةٌ من النصوص:

منها: موثّق علي بن يقطين(1)، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سألته عن الحائض ترى الطهر، أيقع فيها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال عليه السلام: لا بأس وبعد الغُسل أحبّ إليَّ ».

ومنها: موثّق ابن بكير(2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا إنقطع الدّم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء».

ونحوهما مرسل إبن المغيرة(3)، عن علي بن يقطين، عنه عليه السلام. وبها يخرج عن ظاهر الآية الشريفة على فرض دلالتها على المنع.

ولا يعارضها موثّق سعيد بن يسار(4)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:6.

ص: 24


1- الاستبصار: ج 1/136 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/325 ب 27 من أبواب الحيض ح 2264.
2- التهذيب: ج 1/166 ح 48، وسائل الشيعة: ج 2/325 ب 27 من أبواب الحيض ح 2262.
3- التهذيب: ج 1/167 ح 52، وسائل الشيعة: ج 2/325 ب 27 من أبواب الحيض ح 2263.
4- التهذيب: ج 1/167 ح 51، وسائل الشيعة: ج 2/326 ب 27 من أبواب الحيض ح 2266.

«قلت له: المرأة يحرم عليها الصّلاة، ثمّ تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تَغتسل ؟ قال عليه السلام: لا حتّى تغتسل»، ونحوه موثّق أبي بصير(1).

إذ الجمع بينهما وبين النصوص المتقدّمة يقتضي حملها على الكراهة، ويشير إليه - مضافاً إلى كونه جمعاً عرفيّاً - ذيل موثّق ابن يقطين(2).

وعليه، فما عن الصدوق في «الفقيه»(3) و «الهداية»(4) و «المقنع»(5) من المنع قبل الغُسل ضعيف.

وعن «مختلف» المصنّف رحمه الله(6): القول بالمنع، بقوله: «إلّا أنْ يكون قد غلبته الشهوة فيأمرها بغَسل فرجها ويطأها).

واستدلّ له: بصحيح ابن مسلم(7)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في المرأة ينقطع عنها الدّم دمّ الحيض في آخر أيّامها، قال عليه السلام: إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغتسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تَغتَسل».

وموثّق إسحاق بن عمّار(8)، قال: «سألتُ أبا إبراهيم عليه السلام: عن رجل يكون معه أهله في السفر، فلا يجد الماء، يأتي أهله ؟ فقال عليه السلام: ما أحبُّ أن يفعل ذلك إلّاأنْ 5.

ص: 25


1- التهذيب: ج 1/166 ح 50، وسائل الشيعة: ج 2/326 ب 27 من أبواب الحيض ح 2265.
2- الاستبصار: ج 1/136 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2 ب 27 من أبواب الحيض ح 2264. لقوله: (بعد الغُسل أحبُّ إليَّ ).
3- من لايحضره الفقيه: ج 1/95. لكنّه أجاز للشبق إتيانها قبل الغسل بعد غَسل فرجها.
4- الهداية ص 264. واستثنى حالة كون الرجل مستعجلاً فجوّزه بعد غَسل الموضع.
5- المقنع ص 322. لكنّه أجاز للشبق إتيانها قبل الغُسل بعد غَسل فرجها.
6- مختلف الشيعة: ج 1/350.
7- الكافي: ج 5/539 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/324 ب 27 من أبواب الحيض ح 2260.
8- التهذيب: ج 1/166 ح 50، وسائل الشيعة: ج 2/326 ب 27 من أبواب الحيض ح 2265.

يكون شبقاً أو يخاف على نفسه».

بدعوى أنّهما يوجبان تقييد الطائفتين المتقدّمتين، بحمل الاُولى على صورة الشَّبق والخوف على نفسه، والثانية على غيرها.

أقول: وكلاهما ممنوعان:

أمّا موثّق إسحاق: فغير ظاهر فيما نحن فيه، بل الظاهر وروده في مقام بيان حكم من يعلم بعدم تمكّنه من غُسل الجنابة ويريد إجناب نفسه.

وأمّا الصحيح: فهو لا يصلح للجمع المذكور، حتّى ولو سُلّم كون لفظة (إذا) شرطيّة، مع أنّه محلّ تأمّل، لبُعد حمل الأخبار المجوّزة، لاسيّما بملاحظة ما في موثّق ابن بكير(1) (إنْ شاء) على صورة غَلَبة الشهوة، مضافاً إلى ندرة القائل بالتفصيل، مع أنّ تعليق الجواز على إصابة الشَّبق إنّما يناسب الكراهة.

وبالجملة: بعد التدبّر في النصوص، يظهر عدم صحّة الحمل المزبور، بل الأولى الحمل على إنتفاء الكراهة أو خفتها مع الشَّبق.

فتحصّل: أنّ الأقوى جواز الوطء قبل الغُسل وإنْ كان مكروهاً.

***2.

ص: 26


1- التهذيب: ج 1/166 ح 48، وسائل الشيعة: ج 2/325 ب 27 من أبواب الحيض ح 2262.
اشتراط غَسل الفرج

المحكيّ عن المحقّق(1) والمصنّف(2) والشهيدين(3)، عدم وجوب غَسل الفرج قبل الوطء، بل عن «الروض»(4): نسبته إلى الأكثر، وعن «شرح المفاتيح»(5)نسبته إلى المشهور.

وعن «مفتاح الكرامة»(6): نسبة الوجوب إلى أكثر كتب القدماء والمتأخّرين.

وعن «الجامع»(7): اشتراط الجواز به وبالوضوء.

وعن «التبيان»(8) ومجمع «البيان»(9): إشتراطه بأحدهما تخييراً.

واستدلّ للأوّل: بالأصل، لكنّه يتوقّف على عدم دلالة ما اُستدلّ به للأقوال الاُخر عليها.

واستدلّ الثاني، أوّلاً: بالأمر بأمرها بغَسل الفرج فى صحيح ابن مسلم المتقدّم(10).

وثانياً: بخبر أبي عبيدة(11)، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر، وليس معها من الماء ما يكفيها لغُسلها، وقد حضرت الصّلاة ؟

ص: 27


1- المعتبر: ج 1 /
2- مختلف الشيعة: ج 1/350.
3- البيان للشهيد الأوّل: ص 20.
4- روض الجنان: ص 81. إلّاأنّه نسبَ استحباب غسله إلى أكثر من جوّز الجماع قبل الاغتسال.
5- مصابيح الظلام: ص 40 س 13.
6- مفتاح الكرامة: ج 3/302.
7- الجامع للشرائع ص 43.
8- التبيان: ج 2/221-222 ذيل الآية 222 من سورة البقرة.
9- مجمع البيان: ج 2/87 ذيل الآية 222 من سورة البقرة.
10- الكافي: ج 5/539 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/324 ب 27 من أبواب الحيض ح 2260.
11- الكافي: ج 3/82 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/312 ب 27 من أبواب الحيض ح 2222.

قال عليه السلام: إذا كان معها بقدر ما تَغسل به فرجها فلتغسله، ثمّ تتيمّم وتُصلّي. قلت:

فيأتيها زوجها في تلك الحال ؟ قال عليه السلام: نعم إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلابأس».

واُجيب عن الأوّل: بما تقدّم من أنّ الصحيح إنّما يدلّ على جواز الوطء من غير كراهة مع غَسل الفرج والشَّبق، فمفهوم ذلك هو عدم الإباحة مع إنتفاء أحدهما، وذلك لا يلازم الحرمة مع عدم غَسل الفرج، وتعليق الجواز بالمعنى الأعمّ عليه.

وعن الثاني: بأنّه إنّما يدلّ على ثبوت البأس مع عدم التيمّم، أو عدم غَسل الفرج، وحيث إنّ البأس المنفيّ معهما اُريد به مطلق المرجوحيّة، بناءً على عدم توقّف الجواز على الغُسل كما هو الأظهر على ما عرفت، فمفهومه ثبوت المرجوحيّة، وعدم الجواز بالمعنى الأخصّ مع إنتفاء أحد الأمرين، وهو أعمّ من الحرمة، فلا دليل على إشتراطه في الجواز.

أقول: ولكن الحقّ عدم صحّة شيء منهما:

أمّا ما اُورد على الصحيح: فلأنّ مفهومه ثبوت المرجوحيّة مع إنتفاء أحد الأمرين، وإذا ثبتت تلك، ولم يرد من الشارع ترخيصٌ في فعل ما تعلّقت به، لا مناص عن البناء على الحرمة، كما سنشير إلى وجهه.

وأمّا ما أورد على الخبر الثاني: فلما ذكرناه مراراً من أنّ الحرمة والكراهة خارجتان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه، وإنّما تُنتزعان بعد الزجر عن الفعل من الترخيص فيه وعدمه، فإنّه إذا دلّ الدليل على الزجر عن فعلين، أو فعلٍ واحدٍ في حالتين، وثبت بدليل آخر جواز أحدهما أو في إحدى الحالتين، فإنّه لا موجب للالتزام بعدم حرمة الفعل الآخر، أو ذلك الفعل في الحالة الاُخرى، ففي المقام مقتضي الخبرين حُرمة الوطء قبل التيمّم وغَسل الفرج، وإنّما ثبت الجواز قبل التيمّم بدليلٍ خارج، فمقتضى القاعدة الالتزام بالحُرمة قبل غَسل الفرج.

ص: 28

وأمّا ما عن بعضٍ : من حَمل الأمر بغَسل الفرج على الاستحباب، لخلوّ النصوص عنه، ولأنّ ذلك أهون من حمل المطلقات الواردة في مقام البيان، خصوصاً مع تصريح السائل في خبر ابن المغيرة بعدم مسّها للماء.

فغير تامّ : إذ رفع اليد عن ظهور الأمر لخلوّ النصوص الاُخر عنه، غيرُ ظاهر الوجه، والمطلقات لا تصلح أن تكون صارفة للظهور، لتقدّم ظهور المقيّد على ظهور المطلق، كما واضح.

وبالجملة: الأقوى هو الاشتراط، وأمّا شرطيّة الوضوء فقد اعترف غير واحدٍ منهم الشيخ الأعظم(1) بعدم العثور على الدليل عليها.

***).

ص: 29


1- كتاب الطهارة: ج 3/404 / وقبله صاحب الرياض: ج 1/397 (ط. ق).
يشرع الغَسل لو وجب التمكين

وكيف كان، فإذا وجب عليها المضاجعة كما لو طلب منها الزوج، فهل يكون الغَسل مشروعاً لمجرّد ذلك، ويكون هو من غاياته، أم لا؟ وجهان:

استدلّ للثاني: سيّد مشايخنا قدس سره: بأنّ ظاهر ما دلَّ على توقّف الإباحة أو الجواز على الغسل عدم تحقّقهما بدونه.

وأمّا شرعيّته لإباحته أو جوازه، فلا دلالة فيه عليها، بل الظاهر منه أنّ المتوقّف عليه هو الغُسل الرافع لحَدَث الحيض، وأن وجه الحرمة أو الكراهة بقاء الحَدَث، فالمتوقّف عليه الغُسل الرافع له لا غَسلٌ خاص فائدته الإباحة أو الجواز، وذلك لإنصراف قوله: (حتّى تغتسل) إليه.

وقد يستدلّ له: بأنّ المتوقّف على الغَسل جواز الوطء لانفس الوطء، فلا يكون الأمر بالوضوء غيريّاً، بل يكون عقليّاً من باب لزوم الجمع بين غرضي الشارع، فإذا وجب الوطء بطلب الزوج، لم يكن ذلك الوجوب كافياً في تشريع الغَسل لعدم كونه مقدّمةً له، بل هو مقدّمة للجواز، والجواز ليس من فعل المكلّف، والوجوب الغيري إنّما يتعلّق بما هو مقدّمة لفعل المكلّف إذا وجب.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يتمّ لو لم يكن التسليم مطلوباً، وإلّا فيسري منه الأمر إليه، ولا ينافي ذلك ظهور الأدلّة في توقّف الجواز على الغُسل الرافع لحَدَث الحيض، فإنّه إذا تعلّق الأمر به من الأمر بالتسليم، فلا محالة يكون الغَسل رافعاً للحَدَث.

وأمّا الثاني: فلأنّ مطلق وجود الوطء وإن لم يتوقّف على الغَسل، إلّاأنّ وجود

ص: 30

الوطء الذي لا مفسدة فيه ولا مبغوضيّة، يكون متوقّفاً عليه، فكما أنّ قراءة سور العزائم لا تتوقّف عليه، بل وجودها الكامل يتوقّف على الغُسل، وتكون إحدى غاياته، فكذلك في المقام.

***

ص: 31

الوطء مع التيمّم

ثمّ إنّه لو فُقد الماء وتيمّمت، فهل يُباح الوطء، أو تزول الكراهة، كما عن «المنتهى »(1) و «الذكرى»(2) و «جامع المقاصد»(3) وغيرها؟

أم لا، كما عن «نهاية» المصنّف(4) رحمه الله ؟ وجهان:

استدلّ للأوّل، أوّلاً: بعموم البدليّة.

وثانياً: بخبر أبي عبيدة، عن الإمام الصادق عليه السلام: في الحائض ترى الطهر في السفر، وليس معها من الماء ما يكفيها لغُسلها وقد حضرت الصّلاة ؟

قال عليه السلام: إذا كان معها بقَدر ما تَغسل به فرجها فتغسله، ثمّ تتيمّم وتُصلّي. قلت:

فيأتيها زوجها في تلك الحال ؟ قال عليه السلام: نعم إذا غَسَلت فرجها وتيمّمت فلا بأس»(5).

وثالثاً: خبر عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا تيمّمت من الحيض هل تحلّ لزوجها؟ قال عليه السلام: نعم»(6).

وأورد على الأوّل: في «طهارة» الشيخ الأعظم(7) بقوله: (عموم البدليّة يُراد به

ص: 32


1- منتهى المطلب: ج 1/157 (ط. ق)، ومن الطبعة الجديدة: ج 3/148.
2- ذكرى الشيعة: ج 1/206، المطلب الأوّل في الوضوء والغسل، قوله: (وكذا في تيمّم الحائض لإباحة الوطء إن شرطنا الغسل).
3- جامع المقاصد: ج 1/335، قوله: (ولو فقدت الماء فهل تتيمّم للوطء بدلاً من الغسل وجوباً أو استحباباً؟ المروي عن الصادق عليه السلام نعم... الخ).
4- نهاية الاحكام: ج 1/215.
5- الكافي: ج 3/82 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/312 ب 27 من أبواب الحيض ح 2222.
6- التهذيب: ج 1/405 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/313 ب 13 من أبواب الحيض ح 2223.
7- كتاب الطهارة: ج 3/405.

البدليّة من حيث الأحكام المنوطة بالطهارة ورفع الحَدَث، لا بخصوص بعض الوضوءات والأغسال).

واُورد عليه بعض المحقّقين(1): (بأنّ عموم البدليّة إنّما يُجدي فيما عدا الجماع الذي يمتنع إجتماعه مع أثر التيمّم، فلا يعقل أن تكون الطهارة الحُكميّة الحاصلة منه مؤثّرة في إباحة الوطء المشروطة بوقوعه حال الطهارة عن حَدَث الحيض). إنتهى.

وعلى الثاني: بضعف الخبرين.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ حرمة الوطء أو كراهته من أحكام بقاء الحَدَث وعدمها، من ما يترتّب على رفع الحَدَث والطهارة.

ودعوى: كون زوالها من أحكام الغُسل من حيث هو.

بعيدة: عن ظاهر النصوص.

مع أنّ دعوى عدم شمول عموم البدليّة لذلك، غير تامّة، كما ستعرف في مبحث التيمّم.

وأمّا الثاني: فلأنّ انتقاض التيمّم الذي هو بدلٌ من غُسل الحيض بالحَدَث الآخر غير الحيض، محلّ تأمّل وإشكال، وسيأتي تنقيح القول فيه أيضاً في مبحث التيمّم.(2)

وأمّا الثالث: فلأنّ خبر عمّار موثّق وهو حجّة عندنا.

نعم، يعارضه موثّق البصري المروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن إمرأةٍ حاضتْ ثمّ طهرت في سفر، فلم تجد الماء يومين أو ثلاثة، هل2.

ص: 33


1- وهو المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه: ج 1 قسم 1 ص 282 (جواز وطء الحائض بعد الطهر وقبل الغسل).
2- فقه الصادق: ج 4/432.

لزوجها أن يقع عليها؟

قال عليه السلام: لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل»(1).

إذ النهي عنه في يومين، مستلزمٌ لعدم الاكتفاء بالتيمّم الصادر منها لصلاتها.

فدعوى: أنّ الموثّق لا يكون ظاهراً إلّافي المنع من مواقعتها ما دامت مُحْدِثة بحَدَث الحيض، والروايتان حاكمتان على مثل هذا الإطلاق كما ادّعاه المحقّق الهمداني رحمه الله(2).

غير تامّة: إلّابناءً على ناقضيّة كلّ حدث للتيمّم الذي هو بدلٌ عن غُسل الحيض، وهي محلّ تأمّلٍ وإشكال، كما سيمرّ عليك في محلّه إن شاء اللّه تعالى؛ إذ حمل الموثّق على مَن لم تتيمّم، ولم تُصلِّ في يومين بعيدٌ، وحمله على بيان حكم إقتضائي أبعد.

أقول: ومنه يظهر ضعف الجمع بتقييد الموثّق بهما.

وبالجملة: الحقّ أنّه بناءً على الكراهة، فإنّ الجمع بين النصوص يقتضي الالتزام بخفّة الكراهة مع التيمّم، وعدم ارتفاعها بالمرّة إلّابالغُسل، وبناءً على الحرمة يقتضي إرتفاعها به وبقاء الكراهة، فتدبّر.

***1.

ص: 34


1- التهذيب: ج 1/399 ح 67، وسائل الشيعة: ج 2/313 الباب 13 من أبواب الحيض ح 2224.
2- مصباح الفقيه: ج 1/282 ق 1.

ولو وطء عمداً عُزِّر.

حكم الرجل الواطي زوجته عمداً

الخامس ممّا يحرم على الحائض: الوطء عمداً.

(ولو وطء عمداً عُزِّر) حَسْماً لمادّة الفساد. وتشهد له النصوص(1) الآتي بعضها.

وعن غير واحدٍ(2): التصريح بعدم حدٍّ خاص للتعزير، ويناط بنظر الحاكم.

وعن الشيخ أبي عليّ (3) ولد الشيخ رحمه الله: تعزيره بثُمن حدّ الزاني في آخر حيضها، ولم نجد له مأخذاً كما اعترف به الشيخ الأعظم رحمه الله(4).

ولكن الذي يظهر من النصوص، هو رُبع حدّ الزاني في أوّل أيّام حيضها، وثُمنه في آخرها؛ فعن الكليني بسنده إلى الفضل الهاشمي(5)، قال:

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلٍ أتى أهله وهي حائض ؟

قال عليه السلام: يستغفر اللّه ولا يعود.

قلت: فعليه أدب ؟

قال: نعم خمسة وعشرون سوطاً؛ ربع حدّ الزاني وهو صاغر، لأنّه أتى أهله سِفاحاً».

ونحوه صحيح محمّد بن مسلم(6).

ص: 35


1- الآتية في الصفحة التالية.
2- كالشهيد الثاني في روض الجنان: ص 77.
3- حكى في المصدر السابق نقله عن أبي علي.
4- كتاب الطهارة: ج 3/382.
5- الكافي: ج 7/242 ح 13، وسائل الشيعة: ج 28/378 ب 13 ح 35008.
6- الكافي: ج 7/243 ح 20، وسائل الشيعة: ج 28/377 ب 13 ح 35007.

وعن القمّي في تفسيره(1)، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:

«من أتى أمرأةً في الفرج في أيّام حيضٍ ، فعليه أن يتصدّق بدينار، وعليه ربع حدّ الزاني خَمسة وعشرون جلدة، وإنْ أتاها في آخر أيّام حيضها، فعليه أن يتصدّق بنصف دينار، ويُضرب اثنتي عشرة جلدة ونصفاً».

***2.

ص: 36


1- نقله عنه في وسائل الشيعة: ج 2/328 ب 28 من أبواب الحيض ح 2272.

وكفَّر مستحبّاً.

كفّارة وطء الحائض

السادس ممّا يترتّب على الحائض: الكفّارة.
اشارة

فلو وطئها زوجها (كفّر) بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع، وتشهد له النصوص(1)التي سيمرّ عليك بعضها.

أقول: إنّما «الخلاف» في أنّه هل يكون التكفير واجباً كما عن الصدوقين(2)والشيخين(3) والسيّد(4) وبني حمزة(5) وزُهرة(6) وإدريس(7) وغيرهم(8)، بل هو المنسوب إلى المشهور بين القدماء؟

وعن الشيخ في «الخلاف»(9) والسيّد في «الانتصار»(10) دعوى الإجماع عليه.

أم (مستحبّاً)، كما اختارها المصنّف رحمه الله في المتن، وعن «نهاية» الشيخ(11)

ص: 37


1- الواردة في وسائل الشيعة: ج 2/329 الباب 28 من أبواب الحيض.
2- المقنع: ص 51 حيث أوجب التصدّق. وهكذا الهداية: ص 264.
3- المقنعة للشيخ المفيد: ص 55، المبسوط للشيخ الطوسي: ج 1/41.
4- الانتصار: ص 126.
5- الوسيلة: ص 58.
6- غنية النزوع: ص 39.
7- السرائر: ج 1/144.
8- مثل المراسم لسلّار: ص 43.
9- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1/225-226.
10- الانتصار: ص 126. حيث نسبَ الحكم للطائفة.
11- النهاية: ص 26.

و «المعتبر»(1) و «المختلف»(2) و «البيان»(3) و «جامع المقاصد»(4) و «الروض»(5)وجماعةٌ من متأخّري المتأخّرين(6)، بل نُسِب إلى أكثرهم(7)، بل المشهور بينهم ؟ وجهان:

تشهد للأوّل: جملة من النصوص:

منها: رواية داود بن فرقد(8)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في كفّارة الطمث:

«إنّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار. قلت: فإنْ لم يكن عنده ما يكفِّر؟ قال عليه السلام: فليتصدّق على مسكينٍ واحد، وإلّا استغفر اللّه ولا يعود، فإنّ الإستغفار توبةٌ وكفّارةٌ لمن لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة».

ومنها: صحيح ابن مسلم(9)، قال: «سألته عمّن أتى إمرأته وهي طامث ؟ قال عليه السلام: يتصدّق بدينار ويستغفر اللّه تعالى ».

ومنها: خبره الآخر(10) عن الإمام الباقر عليه السلام: «عن الرجل أتى المرأة وهي حائض ؟ قال عليه السلام: يجب عليه في استقبال الحيض دينار، وفي وسطه نصف دينار».7.

ص: 38


1- المعتبر: ج 1/231.
2- مختلف الشيعة: ج 1/348.
3- البيان: ص 20.
4- جامع المقاصد: ج 1/321.
5- روض الجنان: ص 77.
6- كالمحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد: ج 1/71.
7- مفتاح الكرامة: ج 3/258.
8- التهذيب: ج 1/164 ح 43، وسائل الشيعة: ج 2/327 ب 28 من أبواب الحيض ح 2267.
9- التهذيب: ج 1/163 ح 39، وسائل الشيعة: ج 2/327 ب 28 من أبواب الحيض ح 2269.
10- الكافي: ج 7/243 ح 20، وسائل الشيعة: ج 28/377 ب 13 من أبواب بقيّة الحدود، والتعزيرات ح 35007.

ومنها: موثّق أبي بصير(1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «مَن أتى حائضاً فعليه نصف دينار».

ومنها: صحيح الحلبي(2)، عنه عليه السلام: «في الرجل يقع على إمرأته وهي حائض ما عليه ؟ قال عليه السلام: يتصدّق على مسكين بقدر شبعه».

ومنها: مرسل القمّي المتقدّم(3)، ونحوها غيرها(4).

أقول: واُورد على الاستدلال بها باُمور:

1 - قصور دلالة بعضها كرواية دواد، فإنّ الكفّارة أعمّ من الواجبة.

2 - قصور سندها.

3 - إنّه يتعيّن حملها على الاستحباب، لما فيها من الاختلاف، بنحوٍ يصعبُ الجمع بينها.

4 - أنّها معارضة مع صحيح العيص(5)، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع المرأة وهي طامث ؟ قال عليه السلام: لا يلتمس فعل ذلك، قد نهى اللّه تعالى أن يقربها.

قلت: فإنْ فعل ذلك أعليه كفّارة ؟ قال عليه السلام: لا أعلم فيه شيئاً، يستغفر اللّه».

وموثّق زرارة(6)، عن أحدهما عليه السلام: «عن الحائض يأتيها زوجها؟ قال عليه السلام:

ليس عليه شيء، يستغفر اللّه ولا يعود».5.

ص: 39


1- التهذيب: ج 1/163 ح 40، وسائل الشيعة: ج 2/327 ب 28 من أبواب الحيض ح 2270.
2- التهذيب: ج 1/163 ح 41، وسائل الشيعة: ج 2/328 ب 28 من أبواب الحيض ح 2271.
3- نقله عنه في وسائل الشيعة: ج 2/328 ب 28 من أبواب الحيض ح 2272.
4- كبقيّة روايات، وسائل الشيعة: ج 2 الباب 28 من أبواب الحيض.
5- التهذيب: ج 1/165 ح 44، وسائل الشيعة: ج 2/329 ب 29 من أبواب الحيض ح 2274.
6- التهذيب: ج 1/165 ح 46، وسائل الشيعة: ج 2/329 ب 29 من أبواب الحيض ح 2275.

وموثّق ليث(1) قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقوع الرجل على إمرأته وهي طامث خطأً؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء وقد عَصى ربّه».

والجمع العرفي يقتضي حمل الطائفة الاُولى على الاستحباب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: - مضافاً إلى أنّ في باقي النصوص كفاية - إنّها أيضاً ظاهرة في الوجوب للأمر بالتصدّق فيها، مع عدم الترخيص في تركه.

وأمّا الثاني: فلأنّ بعضها موثّق وبعضها صحيح، مع أنّه لو سُلّم ضعف سندها فهو منجبرٌ بعمل قدماء الأصحاب، بل ومتأخّريهم، حيث إنّهم أيضاً عملوا بها بالحمل على الاستحباب.

وأمّا الثالث: فلأنّه يمكن الجمع العرفي في ما بينها، بتقييد صحيح الحلبي بصورة عدم التمكّن بقرينة خبر داود، وموثّق أبي بصير بما إذا كان الوطء في وسط الحيض، وصحيح ابن مسلم بما إذا كان في أوّله بقرينة خبر داود ونحوه خبره الآخر.

ودعوى: أنّه كيف يمكن أنْ يكون الواجب على الواطئ مراعاة هذا التفصيل، ومع ذلك يأمره الإمام عليه السلام عند الإستفهام عن حكمه بأنْ يتصدّق على مسكين بقدر شبعه ؟

مندفعة: بأنّ لازم ذلك عدم حمل المطلق على المقيّد في شيء من الموارد، لجريان عين هذا البرهان في الجميع، وقد تقدّم غير مرّةٍ أنّ ميزان كون الجمع عرفيّاً، جمع المتنافيين في كلام واحد، وفرض صدور الجميع عن شخص واحد في مجلس واحد، فإنْ لم ير أهل العرف التهافت بينهما، ورأوا قرينيّة أحدهما على الآخر، يكون6.

ص: 40


1- التهذيب: ج 1/165 ح 45، وسائل الشيعة: ج 2/329 ب 29 من أبواب الحيض ح 2276.

الجمع المزبور عرفيّاً، وإلّا فلا، وفي المقام إذا جمعنا جميع هذه النصوص في كلامٍ واحد، لا ريب أنّ أهل العرف يرون بعض نصوص الباب قرينةً على البعض الآخر، ويجمعون بينهما بما جمعناه.

وأمّا الرابع: فلأنّ الجمع بين الطائفتين وإنْ كان يقتضي ما ذُكر، إلّاأنّ إعراض القدماء عن الطائفة الثانية، وعدم إفتاء أحدٍ منهم بمضمونها، مع كونها بمرأى منهم ومنظر، فذلك يوجب ضعفها ووهنها وعدم صلاحية الإستناد إليها.

وأمّا محاولة صاحب «الجواهر»(1) من الجواب عنه: بأنّ خبر ليث(2) خارجٌ عن محلّ النزاع، لتقييده المواقعة بالخطأ، والخبرين الآخرين(3) مخالفان للإجماعات، التي هي بمنزلة الأخبار الصحيحة، والروايات المتقدّمة المعتبرة في أنفسها، وموافقان لفتوى الشافعي في الجديد(4)، ومالك(5) وأبي حنيفة(6) وأصحابه، وربيعة(5) واللّيث بن سعيد(6).

فغير سديدة: إذ الخطأ في خبر ليث اُريد به الخطيئة، لقوله (وقد عَصَى).

والإجماعات مع معلوميّة المدرك ليست بحجّة، فضلاً عن أن تكون بمنزلة الأخبار الصحيحة. وموافقة العامّة إنّما تكون إحدى المرجّحات فيما لا يمكن الجمع العرفيي.

ص: 41


1- جواهر الكلام: ج 1/232.
2- التهذيب: ج 1/165 ح 45، وسائل الشيعة: ج 2/329 ب 29 من أبواب الحيض ح 2276.
3- أي موثّق زرارة وصحيح العيص المتقدّمين.
4- نقله عنه محيى الدِّين بن النووي في كتابه المجموع في شرح المهذّب: ج 2/359، وأمّا فقه الشافعي القديم فهو وجوب التكفير بدينار في إقبال الدّم ونصفه في إدباره. (5و6) نقله عنه محيى الدين بن النووي في كتابه المجموع أيضاً: ج 2/360.
5- نقله عنه محيى الدين بن النووي في كتابه المجموع أيضاً: ج 2/361.
6- نقله عنه محيى الدين بن النووي في كتابه المجموع أيضاً: ج 2/361. وفي المصدر المذكور ورد (اللّيث بن سعد) وهو رأي الشعبي وسفيان الثوري.

بين المتعارضين.

كما أنّ ما عن بعضٍ من حمل نصوص النفي على نفي، غير الكفّارة، يأباه صريح صحيح العيص فلاحظه.

وبالجملة: فالصحيح ما ذكرناه، وعليه فالأظهر هو الوجوب.

***

ص: 42

فروع:
مقدار الكفّارة

أقول: هنا عدّة فروع ينبغي البحث عنها:

الفرع الأوّل: المشهور بين الأصحاب أنّ الكفّارة دينار في أوّل الحيض، ونصفه في وسطه، وربعه في آخره، إذا كانت الموطوءة زوجة، بل عن السيّد(1) والشيخ(2)وابن زُهرة(3) والمحقّق(4) والمصنّف رحمه الله(5): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: خبر داود المتقدّم، وكذا سائر ما تقدّم بعد الجمع المتقدّم.

وأمّا حسن الحَلبي: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع امرأته وهي حائض ؟ فقال عليه السلام: إن كان واقعها في استقبال الدّم، فليستغفر اللّه تعالى، ويتصدّق على سبعة نفرٍ من المؤمنين بقدر قوت كلّ نفرٍ منهم ليومه، ولا يَعُد»(6).

فلعدم العامل به يُطرح، أو يُحمل على ما حَمَله عليه في محكي «كشف اللّثام»(7)من كون قوت السّبعة قيمة الدينار.

وأمّا صحيحه(8) المتقدّم، فقد عرفت أنّه محمولٌ على صورة عدم التمكّن.

ومنه يظهر ضعف ما عن «المقنع»(9) من العمل به وجعل الدينار رواية.

ص: 43


1- الانتصار: المسألة 26 ص 126.
2- الخلاف: ج 1/225.
3- الغنية للسيّد ابن زهرة: ص 139.
4- المعتبر: ج 1/231. حيث نقل الإجماع عن الشيخ.
5- منتهى المطلب: ج 2/390 (ط. ج)، فروع: (الأوّل: الكفّارة في أوّله... وهو مذهب أكثر علمائنا القائلين بالوجوب والاستحباب).
6- الكافي: ج 7/462 ح 13، وسائل الشيعة: ج 22/391 ب 22 ح 28867.
7- كشف اللّثام: ج 2/111، إلّاأنّ هذا الحمل نقله عن الشيخ قدس سره في ذيل الحديث من التهذيب: ج 1/164.
8- التهذيب: ج 1/163 ح 41، وسائل الشيعة: ج 2/328 ب 28 من أبواب الحيض ح 2271.
9- المقنع: ص 51.

أقول: ثمّ إنّ المتبادر من النصوص والفتاوي: أنّ لكلّ حيض أوّلاً ووسطاً وآخراً بالنسبة إلى أيّامها:

فالأوّل لذات الثلاثة يومٌ واحد، ولذات الأربعة يومٌ وثلث وهكذا.

فما عن «المراسم»(1): من أنّ الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة، وعليه فلا وسط ولا آخر لمن إعتادت ما دون الخمسة إلى السبعة.

وما عن قُطب الدين الراوندي(2): من جعل العِبرة بالعَشَرة لا بالعادة، إلّاأنّه ثَلّثها تثليثاً حقيقيّاً.

فإنّهما ضعيفان.

في عمومية الحكم للأجنبية
اشارة

الفرع الثاني: هل يختصّ الحكم بوطء زوجته، أم يعمّ الأجنبيّة ؟

وجهان: أقواهما الثاني، لإطلاق النصوص.

ودعوى: عدم الإطلاق لها فيها؛ لأنّ بعض النصوص وإنْ لم يكن له إطلاقٌ كخبر داود، لوروده في مقام بيان مقدار الكفّارة.

ممنوعة: لأنّ خبر ابن مسلم المتقدّم عن الإمام الباقر عليه السلام له إطلاقٌ ، لوروده في مقام بيان حكم من أتى المرأة وهي حائض، وهو وإن تضمّن حكم الوطء في أوّل الحيض ووسطه، ولا تعرّض له لما في آخره، إلّاأنّه يثبت فيه أيضاً حكمه لها بعدم الفصل، وبضميمة سائر النصوص، مع أنّه لو سُلّم اختصاص النصّ بالزوجة، فإنّه يمكن الالتزام بثبوته للأجنبيّة بالأولويّة.

ودعوى: انصراف النصوص إلى الحليلة.

مندفعة: بعدم المَنشأ لهذا الانصراف بنحوٍ يصلح أن يكون مقيّداً للإطلاق.

ص: 44


1- المراسم العلويّة لسلّار: ص 42.
2- فقه القرآن للقطب الراوندي: ج 1/54.

فما عن «جامع المقاصد»(1) و «الروض»(2) والمصنّف(3) والشهيد(4) من عموم الحكم للأجنبيّة هو الأقوى.

كفّارة وطء الأمَة

أقول: وبما ذكرنا من ثبوت الإطلاق يظهر شمول الأدلّة لوطء الأمَة.

ولكن عن «الفقيه»(5) و «الانتصار»(6) و «النهاية»(6) و «السرائر»(7)، بل المعروف بين الأصحاب كما في «الجواهر»(8): إنّه يتصدّق في وطء جاريته بثلاثة أمداد على ثلاثة مساكين.

بل عن «الانتصار»(10): دعوى الإجماع عليه.

فالكلام يقع في موردين:

الأوّل: في إنتفاء الكفّارة بدينار.

الثاني: في ثبوت الكفّارة المذكورة له.

أمّا المورد الأوّل: فيشهد له - مضافاً إلى الإجماع - حَسن عبد الملك، عن

ص: 45


1- جامع المقاصد: ج 1/321.
2- روض الجنان: ص 78.
3- منتهى المطلب: ج 2/392.
4- الذكرى: ص 35.
5- الفقيه: ج 1/96 ح 200 قال: (وروي أنّه - الى أن قال - ومن جامع أمَتهُ وهي حائض تصدَّق بثلاثة أمداد من طعام، هذا إذا أتاها في الفرج). (6و10) الانتصار: ص 364.
6- النهاية: ص 571.
7- السرائر: ج 3/76.
8- الجواهر: ج 3/233.

عبدالكريم بن عَمرو، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أتى جاريته وهي طامث ؟ قال عليه السلام: يستغفر اللّه تعالى ربه، قال عبد الملك: فإنّ الناس يقولون عليه نصف دينار أو دينار؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فليتصدّق على عشرة مساكين»(1).

واحتمال كون المراد توزيع الدينار على عشرة مساكين، خلاف الظاهر لا يُعبأ به.

وأمّا المورد الثاني: فقد استدلّ له بالرضوي(2): «وإنْ جامعتَ أمَتَك وهي حائض، فعليك أن تتصدّق بثلاثة أمداد».

بدعوى أنّ ضعف سنده منجبرٌ بعمل الأصحاب.

وفيه: إنّ مجرّد الموافقة لا ينهض في جبره، كيف وقد قال صاحب «الروض»(3): (المستند رواية لا تنهض بصحّة المدّعى)، فإنّه ظاهرٌ في أنّ المستند غيره.

وأمّا الحسن(4) فظاهره التصدّق بعشرة أمداد لعشرة مساكين، وحيث لا قائل بوجوبه، فيتعيّن حمله على الاستحباب.

كما أنّه لا بأس بالإلتزام باستحباب التصدّق بثلاثة أمداد، لما سبق بضميمة قاعدة التسامح، فأفضل الفردين ما تضمّنه الحَسَن.

أمّا استدلال السيّد(5): على وجوب التصدّق بقوله تعالى: (وَ اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (6) وغيره من الآيات الآمرة بالطاعة، بدعوى أنّ الصدقة بِرٌّ وقربةٌ وطاعة اللّه تعالى، وظاهر الأمر الإيجاب، وإنّما خرج عن ظاهر هذه الآيات ما7.

ص: 46


1- التهذيب: ج 1/164 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/327 ب 28 من أبواب الحيض ح 2268.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 2/21 الباب 23 ح 1297.
3- روض الجنان: ص 78.
4- أي حسن عبد الملك المتقدِّم آنفاً.
5- الانتصار: ص 364-365.
6- سورة الحجّ : الآية 77.

خرج بدليلٍ ، ولا دليل على الخروج هنا.

فغيرُ سديدٍ: إذ لا ريب في أنّها للاستحباب، لما فيها من القرائن الداخليّة والخارجيّة، وطريق الاحتياط غير محتاج إلى البيان.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الحَسَن، شمول هذا الحكم للأمَة المزوّجة والمحلّلة إذا وطئها مالكها، لصدق قوله (أتى جاريته) على وطئهما، وأمّا المبعّضة والمشتركة، فلا يشملها الحسن، فتكونان باقيتين تحت عموم ما دلّ على أنّ كفّارة وطء الطامث الدينار ونصفه وربعه، على ما عرفت من ثبوت الإطلاق له، فهما ملحقتان بالزوجة.

لا كفّارة على المرأة

الفرع الثالث: لا كفّارة على المرأة بلا خلافٍ ظاهر، بل عن «الروض»(1)وظاهر «المنتهى »(2): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: الأصل، بعد اختصاص النصوص بالواطي.

شرائط وجوب الكفّارة

الفرع الرابع: يشترط في وجوب الكفّارة البلوغ، لا لحديث (رُفع القَلمُ (3) عن الصبيّ والمجنون) لما ذكرناه في محلّه من عدم شموله لباب الغرامات والكفّارات، بل لأنّ الظاهر من النصوص - بقرينة تسمية التصدّق كفّارة في بعض النصوص(4)، والأمر بالإستغفار(5)، وعدم العود في جملةٍ منها مع الكفّارة، والأمر به خاصّة عند

ص: 47


1- الروض: ص 77.
2- منتهى المطلب: ج 2/394.
3- وسائل الشيعة: ج 29/90 الباب 36 ح 35225.
4- وسائل الشيعة: ج 2/327 الباب 28 من أبواب الحيض، ح 2267.
5- نفس المصدر ح 2268-2269.

عدم التمكّن من الكفّارة في جملةٍ اُخرى(1) منها - اختصاص الكفّارة بصورة المعصية.

أقول: وبذلك يظهر وجه اعتبار العقل والعمد والعلم بكونها حائضاً.

وأمّا الاستدلال له في الأخيرين بحديث الرفع(2)، فهو فاسدٌ، لاختصاص الحديث بما إذا كان في رفع الحكم منّةٌ على الاُمّة، ولا امتنان في رفع الحكم المزبور على الاُمة، وإنْ كان منّةً على الواطي خاصّة.

وأمّا الجاهل بالحكم: أي بالحرمة، فإنْ كان قاصراً، فلا كفّارة عليه لعدم المعصية، وإلّا فعليه الكفّارة، لإطلاق الأدلّة.

فما عن ظاهر الشيخ في «الخلاف»(3)، والمحقّق في «الشرائع»(4)، والمصنّف في جملةٍ من كتبه(5)، والشهيد في «الذكرى»(6): من عدم ثبوت الكفّارة إذا كان جاهلاً بالحكم، متينٌ إذا كان جهله عن عُذرٍ، وإلّا فغير تامّ .

وأمّا العالم بالحرمة: الجاهل بوجوب الكفّارة، فمقتضى إطلاق الأدلّة ثبوت الكفّارة عليه لتحقّق المعصية.

حكم الوطء في الدبر

الفرع الخامس: من أتى الحائض في دُبُرها، فهل يجب عليه الكفّارة أم لا؟ وجهان، مبنيّان على حرمة وطئها في الدُّبر، وعدمه:

ص: 48


1- وسائل الشيعة: ج 2/327، الباب 28 من أبواب الحيض، ح 2267.
2- وسائل الشيعة: ج 29/90 الباب 36 ح 35225.
3- الخلاف: ج 1/225.
4- شرائع الإسلام: ج 1/25.
5- كما في منتهى المطلب: ج 2/392، والتذكرة: ج 1/266.
6- الذكرى: ص 85.

إذ على الحرمة تتحقّق المعصية، فيشمله إطلاق قوله عليه السلام: «مَن أتى الحائض»(1).

وعلى الثاني لا يشمله لعدم المعصية.

أقول: وحيثُ عرفت أنّ الأقوى هو الثاني، فلا كفّارة في الوطء في دُبر الحائض.

وبذلك يظهر حكم ما إذا خرج حيضها من غير الفرج، فوَطَئَها في الفرج الخالي من الدّم.

حكم وطء المرأة الميتة

الفرع السادس: إذا وطء المرأة الميتة فهل عليه كفّارة أم لا؟

وجهان، مبنيّان على صدق الحائض عليها وعدمه:

إذ مع عدم صدقها عليها لا كفّارة عليه وإنْ حَرُم وطئها، لعدم تبعيّتها للحرمة المطلقة.

واستصحاب ثبوت الكفّارة بوطئها لايجري، لكونه من الاستصحاب التعليقي.

مع أنّه قد عرفت غير مرّةٍ أنّ الاستصحاب لايجري في الأحكام الكليّة، لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل، ومع الصدق تجب الكفّارة لإطلاق الأدلّة.

وانصرافها إلى الحيّة، لو سُلّم، فإنّما هو بدوي لا يُعبأ به.

وما دلّ على أنّ : (حُرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً)(2)، لا يدلّ على ثبوتها، لعدم كونها حرمة لها كما لا يخفى.

ولو شكّ في الصدق، لا يبعد دعوى جريان استصحاب بقاء الصدق، حتّى بناءً على عدم جريان استصحاب بقاء الحيض، كما هو المختار، فتدبّر.

ص: 49


1- التهذيب: ج 1/163 ح 40، وسائل الشيعة: ج 2/327 ب 28 من أبواب الحيض ح 2270.
2- التهذيب: ج 1/419 ح 43.
جواز إعطاء قيمة الدينار

الفرع السابع: المحكيّ عن كُتُب المصنّف(1) - عدا «المنتهى » - والشهيدين(2)، و «جامع المقاصد»(3)، و «التنقيح»(4)، و «المدارك»(5)، و «الذخيرة»(6)، و «شرح المفاتيح»(7)، و «الحدائق»(8): اعتبار إعطاء الدينار، وهو المثقال الشرعي من الذهب المضروب، واختاره الشيخ الأعظم(9).

وعن «المنتهى »(10): جواز إعطاء ما بمقداره من الذهب، وإنْلم يكن مسكوكاً.

وعن «الجامع»(11) وظاهر «المقنعة»(12) و «النهاية» و «المراسم»(13)و «المهذّب»(14) و «الغُنية»(15): جواز إعطاء قيمة الدينار ولو من غير الذهب.

ص: 50


1- لم يتعرّض في كتاب الحيض من التذكرة والمختلف لهذا البحث بنحو التنصيص، نعم أطلق الدينار في القواعدج 1/216 وفسّره بما قيمته عشرة دراهم، وأمّا في المنتهى وتحرير الأحكام فسيأتي رأيه فيهما.
2- البيان للشهيد الأوّل: ص 20، والروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 1/385.
3- جامع المقاصد: ج 1/322.
4- التنقيح الرائع: ج 1/110.
5- مدارك الأحكام: ج 1/355.
6- ذخيرة المعاد: ج 1/71، إلّاأنّه تردّد في كونه مضروباً في ذيل كلامه فراجع.
7- مصابيح الظلام: ص 58 من مخطوطته.
8- الحدائق الناضرة: ج 3/269.
9- كتاب الطهارة: ج 3/394.
10- منتهى المطلب: ج 2/394. وهو عين رأيه في تحرير الأحكام: ج 1/108.
11- الجامع للشرائع: ص 41.
12- المقنعة: ص 55.
13- المراسم: ص 43.
14- المهذّب: ج 2/423.
15- غنية النزوع: 39.

واختاره جماعة من المحقّقين، منهم المحقّق الهمداني رحمه الله(1).

واستدلّ للأوّل: بظاهر النصّ (2) كما في سائر الموارد.

وفيه: إن أهل العرف لا يفهمون من الأمر بإعطاء ما يكون ممحّضاً للثمنيّة دخل خصوصيّاته في الحكم، بل المنساق إلى أذهانهم ليس إلّاإرادة المقدار من حيث الماليّة.

ويؤيّده: الأمر بإعطاء النصف والربع، فإنّ الظاهر - بقرينة عدم كونهما مضروبين في زمان صدور الروايات، وعدم إرادة تسليط المستحقين على النصف أو الرّبع المشاع - أنّه اُريد بهما القيمة، وبقرينة السياق يُحمل الدينار أيضاً عليها.

فإذاً الأقوى هو الأخير.

واستدلّ للثاني: بأنّ ظاهر النصّ ، وإنْ كان يقتضي القول الأوّل، ولكن من جهة تعذّره غالباً، لاسيّما وأنّ الظاهر من الدينار هو الشيء الخاص المضروب في ذلك الزمان، الذي كان وزنه مثقالاً شرعيّاً، لا كلّ مضروبٍ ، كان مثقالاً من الذهب، فإنّه يتعيّن حمله على إرادة القيمة أو المقدار من الذهب. والثاني أولى ؛ لدوران الأمر بين التعيين والتخيير.

والأصل يقتضي الأوّل، مضافاً إلى كونه أقرب إلى الحقيقة، وإلى الاحتفاظ بخصوصيّة الذهب.

ودعوى: أنّ لازم ذلك سقوط الأمر بالتصديق لتعذّر امتثاله، وقاعدة الميسور(3) غير ثابتة بنحوٍ تشمل المقام، كما أشرنا إليه في هذا الشرح مراراً.5.

ص: 51


1- مصباح الفقيه: ج 1./289 ق 1.
2- وسائل الشيعة: ج 2/327 الباب 28 ح 2270 و 2272 و 2276.
3- المقتبسة من النبوي المذكور في عوالي اللآلي: ج 4/58 ح 205.

مندفعةٌ : بالإجماع على عدم سقوطه بالتعذّر.

وفيه أوّلاً: إنّ دخل السكة القديمة في صدق الدينار ممنوعٌ ، والتعذّر إنّما يصلح أن يكون وجهاً للإقتصار على المقدار من الذهب أو القيمة في مورد التعذّر لا مطلقاً.

وثانياً: إنّ المراد من (الدينار) هو المثقال الشرعي من الذهب، فلا فرق بين المضروب والتبر.

وفيه: إن الظاهر كما هو المنسوب إلى الأصحاب دخل الضرب المخصوص والمسمّى بالسكّة في صدقه.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الإجتزاء بالقيمة مطلقاً. وإنْ كان الأحوط الإختصاص بالنقد.

بحث: وكيف كان، فهل المناط قيمة وقت الأداء، أو وقت الوطء، أم وقت تشريع الحكم، أم أقلّ القيم الثلاث، أم أكثرها؟ وجوهٌ وأقوال.

أقول: وحقّ القول في المقام يقتضي أن يقال:

1 - إنّه إنْ بنينا على أنّ الواجب هو الدينار خاصّة، وإنّما يُجتزي بالقيمة في صورة التعذّر، وكانت القيمة مسقطة للواجب، فالأظهر هو الأخير، لأنّه مع عدم إعطاء الأكثر، يُشكّ في سقوط الواجب، والأصل يقتضي بقائه.

2 - وأمّا إن كانت القيمة بنفسها في الذمّة، فحيث إنّ مدرك ثبوتها حينئذٍ ليس إلّا الإجماع، وجب الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو أقلّ القيم الثلاث.

3 - وأمّا بناءً على ما هو الحقّ من أنّ الواجب في الأصل هي قيمة الدينار، فالظاهر كون المناط قيمة وقت الأداء؛ إذ الظاهر من الدليل أنّ المأمور به هو التصدّق بما للدينار من الماليّة الملحوظة عنواناً له إلى حين الأداء. ويؤيّده أنّه لا

ص: 52

شبهة في جواز إعطاء الدينار نفسه، وإن نقصت قيمته عن ماله من القيمة في غير ذلك الوقت.

وبذلك يظهر ضعف الاستدلال للثاني، بأنّه وقت الشُّغل، وللثالث بأنّها تكون ملحوظة حين جعل الحكم. فتدبّر.

فتحصّل: أنّ الأقوى بكون العبرة بقيمة وقت الأداء.

يعتبر إعطاء كفّارة الأمداد، لثلاثة مساكين

الفرع الثامن: يعتبر إعطاء كفّارة الأمداد، لثلاثة مساكين، لكلّ مسكينٍ مُدٌّ، للإجماع المنقول الذي هو العمدة في مشروعيّتها، وأمّا كفّارة الدينار فلا خلاف أجده في جواز إعطائها لمسكين واحد. كذا في «الجواهر»(1).

ويشهد له: إطلاق الأدلّة، بعد عدم الدليل على اشتراط التعدّد.

نعم، الأحوط صرفها على سبعة مساكين، بمقدار ما يكفي لكلّ منهم قوت يومه، لحسن الحلبي(2) المتقدّم، أو عشرة مساكين لحسن عبد الملك(3) المتقدّم، لاحتمال عدم إختصاصه بالأمة، وإنْ كان ذلك خلاف الظاهر، وأمّا الاحتياط بالستّة فلم نقف له على مستند.

حكم تكرّر الوطء

الفرع التاسع: لو تكرّر الوطء:

1 - فإنْ تخلّل التكفير بينهما، فلا إشكال في تكرّر الكفّارة، وإنْ كان ظاهر

ص: 53


1- جواهر الكلام: ج 3/236.
2- المتقدّم نقلها عن وسائل الشيعة: ج 22/391 ب 22 ح 28867، والكافي: ج 7/462.
3- المتقدّم نقلها عن وسائل الشيعة: ج 2/327 ب 28 ح 2268.

شارح «المفاتيح»(1) - على ما نُسب إليه - وجود الخلاف فيه، إلّاأنّه بعيدٌ(2).

وما ذكره بعض الأعاظم(3): من أنّه لو قيل فيما يأتي بالتداخل، لأجل التداخل في السبب، كان اللّازم القول به هنا، وعدم وجوب التكرار.

غريبٌ : لأنّ من يقول به، فإنّما يقول بأنّ السبب هي الطبيعة الصادقة على الواحد والمتعدّد، وهذا إنّما يوجب عدم التكرار فيما لم يتخلّل التكفير، وإلّا فبعده لو وطء يصدق تحقّق الطبيعة، فتجب عليه الكفّارة.

2 - وأمّا مع عدم التخلّل، ففيه أقوال:

الأوّل: لزوم التكرار مطلقاً، وهو المحكيّ عن الشهيدين(4)، والمحقّق الثاني(5)، و «الفريد في شرح المفاتيح»(6).

الثاني: عدمه كذلك، وهو المنسوب إلى الشيخ في «المبسوط»(7) والحلّي في «السرائر»(8).

الثالث: التفصيل:

بين ما إذا كان العدد المتكرّر في وقتٍ تختلف الكفّارة فيه، كما إذا وطئها أوّلاً في الثُّلث الأوّل، ثمّ في الثُّلث الثاني مثلاً فيجب التكرار.4.

ص: 54


1- مصابيح الظلام: ص 57 من مخطوطته.
2- الناسب والمستبعد هو الشيخ الأنصاري في طهارته: ج 3/391.
3- الظاهر أنّه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/335.
4- البيان للشهيد الأوّل: ص 20. الشهيد الثاني في مسالكه: ج 1/65.
5- جامع المقاصد: ج 1/323-324.
6- لم نجد الكتاب. ولكن نسب إلى ص 57 من مخطوطة مصابيح الظلام.
7- المبسوط: ج 1/41.
8- السرائر: ج 1/144.

وبين ما إذا كرّر الوطء في كلّ ثُلثٍ فلا يجب.

وهو المنسوب إلى المصنّف(1) والمحقّق(2)، والشهيد في «الذكرى»(3) وصاحبي «التنقيح»(4) و «المدارك»(5).

أقول: واستدلّ لعدم لزوم التكرار مطلقاً:

1 - بأنّ تعليق الأمر بشيء على ماهيّةٍ لا يقتضي إلّاسببيّة وجود الماهيّة من حيث هي، من غير نظر إلى الأفراد والماهيّة، وكما تتحقّق بفردٍ واحدٍ، تتحقّق بالأفراد المتعدّدة، فلا يتصوّر التعدّد في السبب.

هذا فيما إذا كان الدليل في مقام بيان تمام ما يترتّب عليه الجزاء والمسبّب.

وإلّا فلا ينبغي التأمّل في عدم التكرّر، حتّى مع سببيّة الأفراد، بعد احتمال كون فردٍ فاقداً لما يعتبر في تأثير الماهيّة، ومن ذلك كون الفرد غير مسبوقٍ بمثله.

2 - وبأنّه لو سُلّمت دلالة الشرط على سببيّة كلّ واحدٍ من أفراد الوطء لأداء الدينار، إلّاأنّ مقتضى إطلاق الجزاء وحدة المسبّب.

3 - وبأنّ التتبّع في الموارد الخاصّة، يورث الوثوق بأنّ ظهور الشرطيّة في سببيّة كلّ فرد من الأفراد مستقلّاً غير مطابق للمراد، وأنّه لاتجب معاملة الأسباب العقليّة مع الأسباب الشرعيّة، لأنّها معرّفات غالباً يجوز ورودها على أمرٍ واحد.

4 - وبأنّ المسبّب هو طلب التصدّق بدينار، وتعدّد سبب الطلب، يستلزم تأكّد6.

ص: 55


1- كما في قواعد الأحكام: ج 1/217.
2- الشرائع: ج 1/25.
3- الذكرى: ج 1/35.
4- التنقيح: ج 1/101.
5- مدارك الأحكام: ج 1/356.

الطلب لا تعدّد متعلّقه؛ إذ قد تجتمع الإيجابات المتعدّدة في فعل واحدٍ للتأكيد.

5 - وبأنّ الفعل الواحد يمكن أنْ يكون كافياً في تحقّق تكليفين وإن علم تعدّدهما كما في الأغسال.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ القضيّة الشرطيّة كالقضيّة الحقيقيّة تنحلّ إلى قضايا عديدة؛ لأنّ أداة الشرط إنّما وضعت لجعل مدخولها موضع الفرض والتقدير، وإثبات التالي على هذا الفرض، وعليه فظاهرها كون الشرط فيها ملحوظاً بنحو الطبيعة السارية، لا ملحوظاً بنحو صرف الوجود المقابل للعدم، فمقتضى إطلاقها كون كلّ فردٍ من تحصّلاتها سبباً وموجباً لحصول أمر، وحينئذٍ فإمّا أن يكون أثر الفرد الثاني عين أثر الفرد الأوّل أو غيره، والأوّل باطلٌ ، فيتعيّن الثاني، ومقتضاه تكرّر المسبّب بتكرّر أفراد الماهيّة.

واحتمال عدم كون الدليل في مقام بيان تمام مايترتّب عليه المسبّب خلاف فرض الإطلاق، فإنّ به يرفع احتمال اعتبار أمرٍ غير حاصلٍ في الفرد الثاني في سببيّة الماهيّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ مقتضى إطلاق الجزاء، وإنْ كان وحدة المسبّب، إلّاأنّه فيما إذا تعلّق طلبٌ واحدٌ بماهيّةٍ واحدة، من جهة أنّه إنّما يقتضي إيجاد متعلّقه خارجاً، ونقض عدمه المطلق الصادق قهراً على أوّل الوجودات. وأمّا إذا تعلّق طلبان بماهيّةٍ واحدة، فليس مقتضى الإطلاق الإجتزاء بوجودٍ واحد، بل مقتضى كلّ طلبٍ إيجاد تلك الماهيّة مستقلّةً ، فمقتضاهما إيجادها مرّتين، والتوهّم المزبور نشأ من تخيّل دخل صِرْف الوجود في المتعلّق، مع أنّه لا دليل على ذلك، كما لا يخفى .

ص: 56

فالالتزام بالتعدّد الخارجي لتوارد السببين أو تعاقبهما على الماهيّة القابلة للتعدّد، لا يوجب تقييداً لإطلاق الجزاء.

وأمّا الثالث: فلأنّ شيوع استعمال الجملة الشرطيّة المتضمّنة لبيان الأحكام الشرعيّة، مع القرينة في ما يكون من قبيل المعرّفات، لا يوجب صَرف اللّفظ عن ظهوره مع عدم القرينة.

فضلاً عن أنّ كثرة الاستعمال على وجه توجب الإجمال ممنوعة.

وأمّا الرابع: فلأنّ المسبّب إنّما هو التكليف المتعلّق بشيء خاص لا هو من حيث هو، ومن المعلوم أنّ تعدّد ذلك يستدعي تعدّد المكلّف به.

وأمّا الخامس: فلأنّ ما ذُكر خلافُ الأصل يحتاج إلى دليل.

أقول: وتمام الكلام في كلّ واحدٍ من هذه الوجوه مع أجوبتها، وما يمكن أنْ يورد عليها، والجواب من تلك الإيرادات، موكولٌ إلى محلّه في الاُصول، ولقد أشبعنا الكلام في جميع ذلك في كتابنا «زبدة الاُصول».(1)

واستدلّ للقول الأخير: بأنّه لو وقع التكرار في وقتٍ لا يختلف في الكفّارة، فبما أنّ الشرط هو الماهيّة، وهي واحدة لا تتكرّر وإن تكرّرت أشخاصها، فإنّه لا تجب إلّاكفّارة واحدة، وأمّا إنْ وقع في وقتٍ تختلف فيه الكفّارة، فبما أنّه على هذا التقدير يختلف الشرط فيتكرّر الجزاء. وفيه: ما عرفتَ آنفاً(2) من إنحلال القضيّة الشرطيّة، فراجع، فإنّه على هذا يتعيّن الالتزام بالتكرار حتّى في الصورة الاُولى .

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الأوّل، وممّا يؤيّد المختار أنّ المستفاد من نصوص الباب تبعيّة الكفّارة للمعصية، وحيثُ إنّه لا ريب في تعدّد المعصية بتعدّد الوطء، فلا محالة يتكرّر ما يتبعها.6.

ص: 57


1- زبدة الاصول: ج 3/145، 157 و 172.
2- فقه الصادق: ج 3/56.
حكم النَفساء

الفرع العاشر: ألحق بعضهم النُّفساء بالحائض في وجوب الكفّارة، بل نُسب إلى ظاهر الأصحاب، وعن «تذكرة» المصنّف رحمه الله(1): (لا نعلم فيه خلافاً).

أقول: واستدلّ له:

1 - بالإجماع على أنّ النفساء كالحائض، بدعوى أنّ مقتضى إطلاق معقده ذلك.

2 - وبقوله عليه السلام في صحيح زرارة(2) بعد إرجاع النفساء إلى العادة، وإيجاب الإستظهار عليها، والعمل بوظيفة المستحاضة:

«والحائضُ مثل ذلك سواء، فإنْ انقطع عنها الدّم، وإلّا فهي مستحاضة، تصنع مثل النفساء سواء... الخ».

بدعوى أنّ مقتضى إطلاق التنزيل ثبوت كلّ حكمٍ ثابت لإحداهما للاُخرى، وإلّا فلو اختصّت الحائض بحكمٍ وهو وجوب الكفّارة على من وطئها، لزم التخصيص في هذا الدليل.

3 - وبخبر مقرن، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سأل سلمان قدس سره عليّاً عليه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه ؟ فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى حَبَس عليها الحيضة، فجعلها رزقه في بطن اُمّه. الذي هو مستند ما اُشتهر من أنّ النفاس حيضٌ محتبس»(3).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه وإنْ تكرّرت دعواه في كلمات الأصحاب - ولعلّه كذلك أيضاً إلّاأنّ القدر المتيقّن منه هي أحكام الحائض، أي التكاليف المتوجّهة إليها،

ص: 58


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/332 المسألة 104.
2- الكافي: ج 3/99 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/373 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2394.
3- الفقيه: ج 1/91 ح 197، وسائل الشيعة: ج 2/333 ب 30 من أبواب الحيض ح 2289.

لا مثل هذا الحكم الثابت لمن وطئها.

ويؤيّده: ما عن المحقّق في «المعتبر»(1) و «الشرائع»(2) من العدول عن هذا التعبير إلى التعبير بقوله: (يحرم على النفساء مايَحرُم على الحائض)، أوبزيادة: (ويكره).

وعن «المنتهى »(3): ذكر المساواة في اُمور مخصوصة.

وعليه، فوقوع الإستثناء من بعض نَقَلة الإجماع، لما يكون من أحكام غيرها من قاعدة المساواة، لا يصلح أن يكون دليلاً على عموم القاعدة بنحوٍ يُعتمد عليه.

وأمّا الثاني: فلأنّ المقصود بيانه من دليل التنزيل، إثبات ما للمنزّل عليه من الأحكام للمنزّل، فمقتضى إطلاقه ثبوت جميعها له، لا العكس كي يصحّ التمسّك بالإطلاق.

وأصالة عدم التخصيص لإثبات ما شكّ في ثبوته من أحكام المنزّل للمنزّل عليه، وحيث إنّه في الصحيح نزّلت الحائض منزلة النفساء، فلا سبيل إلى الاستدلال به في المقام.

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر وروده في مقام بيان قضيّة خارجيّة لا شرعيّة تنزيليّة، فإذاً ما صرّح به جماعةٌ منهم سيّد «العروة»(4) من أنّه لا دليل على الحكم المزبور، هو الصحيح.

أقول: ثمّ إنّه على فرض الثبوت، والقول بتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء، لو وطئها بوطء واحد منطبق على تمام النفاس، فهل تجب الكفّارات الثلاث أم لا تجب0.

ص: 59


1- المعتبر: ج 1/257.
2- شرائع الإسلام: ج 1/29.
3- المنتهى: ج 2/449 (ط ج) حيث قال: (مسألة وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها وكره ويباح). وقبله ص 394.
4- العروة الوثقى : ج 1/611-612 (ط ج) المسألة 20.

إلّا كفّارة واحدة ؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بصدق الوطء في الأوّل والآخر والوسط، فيجب عليه دينار ونصفه وربعه.

واُورد عليه: بأنّه على فرض تماميّة كون السبب هو كلّ واحدٍ من تحصّلات الماهيّة، إلّاأنّه لا ريب في أنّ المناط في الفرديّة نظر العرف، فمثل التكلّم الذي يعد المقدار المتّصل منه فرداً واحداً عرفاً، لا يترتّب عليه إلّامسبّبٌ واحد، وعليه فالوطء المفروض بما أنّه واحدٌ لا تترتّب عليه إلّاكفّارة واحدة.

وفيه أوّلاً: النقض بما لو حاضت المرأة في أثناء الوطء، فإنّه لا ريب في وجوب الإخراج، ومع الإبقاء تجب الكفّارة، فكما أنّه في الفرض يكون الوطء محكوماً بحكمين، فكذلك في المقام.

وثانياً: بالحَلّ ، وهو أنّ الوطء الواحد الموجب للكفّارة بسبب وقوعه في الأوّل والوسط والآخر، ينحلّ ولو اعتباراً إلى الأفراد المتميّزة، كما أنّه في المثال الموجب للكفّارة بسبب وصف الحيض، متميّزٌ عن غيره.

وإن شئتَ قلت: إنّ الوطء الواحد لأجل صدق الوطء في الأوّل والوسط والآخر، سببٌ للكفّارة باعتبار كلّ بعض منه.

ولكن يمكن أنْ يورد عليه: بأنّ الوطء الواحد لا يقتضي بالذّات إلّاكفّارة واحدة، إلّاأنّه إذا كان في الوسط أو الآخر لا يكون مقتضياً إلّالنصف الدينار أو ربعه، وليس فيه ما يقتضي الزائد، فإذا فُرض اشتمال الفرد على الجهة المقتضية للزائد وهي الوطء في الأوّل، غَلبت هي على ما يقتضي النصف أو الربع. فتدبّر.

وبالجملة: فالأظهر هو القول الثاني.

***

ص: 60

السابع: سقوط الصلاة والصوم عنها ولا ينعقد لها صلاةٌ ولا صوم.
حرمة العبادات المشروطة بالطهارة عليها

(و) السابع ممّا يترتّب على الحائض: سقوط الصلاة والصوم عنها.

قال المصنّف رحمه الله: (لا ينعقد لها) أي للحائض (صلاة ولا صوم)، ولا غيرهما من العبادات المشروطة بالطهارة، بلا خلافٍ .

وعن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه(1).

وعن المصنّف في «المنتهى »(2): هو مذهب عامّة أهل الإسلام.

وعن «شرح المفاتيح»: إنّه ضروري.

وتشهد له: جملة كثيرة من النصوص(3) الواردة في باب الحيض والعبادات المذكورة.

أقول: فهذا ممّا لا إشكال فيه ولا كلام، إنّما الكلام في أنّ الحرمة المذكورة ذاتيّة أو تشريعيّة، وقبل ذكر أدلّة الطرفين لابدَّ من التعرّض لأمرين:

الأوّل: في بيان موضوع الحرمة.

الثاني: في ثمرة الخلاف المذكور.

أمّا الأمر الأوّل: فلا إشكال في أنّ موضوع احتمال الحرمة الذاتيّة، ليس ذات المركّب الجعلي، مع قطع النظر عن قصد التقرّب أو عنوان آخر؛ إذ لا خلاف عندهم في عدم حرمته عليها بقصد التعليم، مضافاً إلى عدم مساعدة الأدلّة المساقة لإثباتها عليه.

ص: 61


1- كما نقل عن خلاف الشيخ، ومنتهى العلّامة، وصاحب الرياض.
2- المنتهى : ج 1/343.
3- وسائل الشيعة: ج 2/343، الباب 39 من أبواب الحيض.

كما أنّه ليس الموضوع هو ذلك المركّب بقصد التقرّب جزماً أو احتمالاً؛ إذ مع إمكانهما لا يُعقل النهي عنهما، لأنّ حُسن الإطاعة الجزميّة أو الاحتماليّة ذاتي، لا يُعقل النهي عنه.

ومع عدم إمكانهما، لا يُعقل النهي لعدم القدرة، لأنّه كالأمر لا يتعلّق بغير المقدور.

بل الموضوع لا يخلو حاله:

1 - إمّا المركّب الجعلي تشريعاً، فيكون التشريع الخاص محرّماً من حيث كونه تشريعاً، ومن حيث كونه تشريعاً خاصّاً.

2 - أو المركّب المجعول شرعاً بعنوان الخضوع والتذلّل وإظهار العبوديّة، الذي لا يتوقّف صدق العبادة عليه إلّاعلى العلم بكونه عملاً يمكن إبراز الخضوع به، وقد كشف الشارع عن ذلك بالأمر فيما ليس للعرف طريقٌ إلى كشفه.

ولعلّ هذا هو مراد المشهور، حيث نُسب إليهم القول بالعبادة الذاتيّة في قبال ما تكون عبادة بالأمر.

فإنْ قلت: إنّ العبادة بهذا المعنى أيضاً لا يصحّ النهي عنها، لأنّها إذا كانت أدباً وحَسَناً ذاتيّاً، فالنهي عنها إنّما يكون كالنهي عن الإطاعة.

وبعبارة اُخرى: حُسنها الذّاتي مانعٌ عن النهي.

قلت: ربما يكون في المكلّف من الأرجاس ما يوجبُ عدم كونه لائقاً بإظهار العبوديّة، فتكون العبادة منه قبيحة، فيصحّ النهي عنها.

أقول: والظاهر أنّ الموضوع هو الثاني؛ إذ الأدلّة المتضمّنة للنهي عن عبادتها إن اُستفيد منها الحرمة التشريعيّة يصعب استفادة الخصوصيّة منها.

***

ص: 62

ثمرة الخلاف في كون الحرمة ذاتيّة أو تشريعيّة

وأمّا الأمر الثاني: وهو بيان ثمرة الخلاف:

فقد ذكروا أنّ ثمرته أمران:

أحدهما: حرمة الإتيان بالصلاة بداعي أنّها عبادة بالذّات، بناءً على الحرمة الذاتيّة، وعدم حرمته بناءً على الحرمة التشريعيّة، لعدم قصد الأمر التشريعي.

ثانيهما: حصول الاحتياط المطلق، لو شكّت في الحيض بإتيان الصّلاة بداعي احتمال الأمر، بناءً على الحرمة التشريعيّة، وعدم حصوله بناءً على الحرمة الذاتيّة، لدوران الفعل بين الوجوب والحرمة، فالفعل موجبٌ للاحتياط من جهةٍ دون جهة.

أقول: ولكن الذي يختلج في البال، عدم تماميّة شيء منهما:

أمّا الثمرة الاُولى: أي بناءً على كون موضوع الحرمة هو المركّب الجعلي تشريعاً فواضح، وأمّا بناءً على كونه هي العبادة ذاتاً، فلأنّ حرمة الإتيان بالصلاة بداعي أنّها عبادة على القول بالحرمة الذاتيّة، وإنْ كانت ممّا لا كلام فيها، إلّاأنّ الظاهر هو ذلك أيضاً على القول بالحرمة التشريعيّة، إذ لا يحتمل أن يكون مراد القائلين بها عدم صحّة صلاتها وصومها، إذا كان مقصودها إمتثال الأمر التشريعي، وصحّتهما إذا أتت بهما بقصد العباديّة الذاتيّة.

وأمّا الثمرة الثانية: فلأنّه عند تردّد الدّم بين الحيض وغيره، إذا أتت بالصلاة بداعي الأمر الاحتمالي، لا تحتمل حرمتها على القولين:

أمّا على القول بالحرمة التشريعيّة فواضح.

وأمّا على القول بالحرمة الذاتيّة، فلأنّه إذا أتت بها لاحتمال الأمر، يكون

ص: 63

قصدها الصّلاة عن الأمر الشرعي متوقّفاً على وجود الاًمر واقعاً، ومع عدمه لا تكون الحائض قاصدة للصلاة عن أمرها.

وبعبارة اُخرى: على فرض وجود الأمر واقعاً تكون قاصدة للصلاة بعنوان الخضوع والتذلّل، وعلى فرض عدمه لا تكون قاصدةً لها كذلك، فلا تحتمل المخالفة للحرمة، كي لا تتمكّن من الاحتياط. فتدبّر فإنّه دقيق.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم ترتّب ثمرةٍ على الخلاف المذكور.

***

أدلّة الطرفين

أقول: إذا عرفت هذا فاعلم أنّه قد استدلّ للحرمة الذاتيّة:

1 - بظهور أكثر معاقد الإجماعات، المشتملة على الحرمة ونحوها.

2 - وبنصوص الإستظهار(1) الدالّة على وجوب ترك العبادة، أو جوازه عند احتمال كونه حيضاً، وقد سمّاه في بعضها بالاحتياط، فلو لم تكن حرمة الصّلاة ذاتيّة، كان فعل الاحتياط برجاء المطلوبيّة، ولم يكن الترك احتياطاً.

3 - وبأنّ موضوع الحرمة التشريعيّة هو التشريع القلبي دون العمل الجوارحي.

ظاهر النصوص أنّ موضوع الحرمة هو الثاني، فإنّ ظاهر النصوص الناهية الدلالة على الحرمة، بل في بعضها التصريح بالحرمة وعدم الجواز، ونحوهما ممّا يكون ظاهراً في ذلك، كما في صحيح زرارة؛ فقد ورد فيه قوله عليه السلام: «إذا كانت المرأة طامثاً لا تحلّ لها الصّلاة»(2).

ص: 64


1- وهي نصوص الباب 13 من أبواب الحيض المذكورة في وسائل الشيعة: ج 2/300.
2- الكافي: ج 3/101 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/386 ب 14 من أبواب الوضوء ح 1019.

وفي صحيح آخر: «فإذا دفقته - يعني الدّم - حَرُمت عليها الصّلاة»(1).

وفي ثالث: «لا تحلّ الصّلاة».

4 - وبصحيح خَلَف بن حمّاد(2) المتقدّم، الوارد فيمن اشتبه حيضها بدم العُذرة، حيث قال عليه السلام: «فلتتّق اللّه تعالى، فإنْ كان من دمّ الحيض، فلتُمسك عن الصّلاة حتّى ترى الطهر، ولُيمسك عنها بعلها، وإنْ كان من العُذرة فلتتّق اللّه تعالى ولتتوضّأ ولتصلِّ ».

فإنّه كالصريح في أنّ الأمر دائرٌ بين المحذورين، وأن المورد ممّا لا يمكن فيه الاحتياط، ومعلوم أنّه لو لم تكن الصّلاة محرّمة عليها ذاتاً، لكان الاحتياط في محلّه.

5 - وبقوله عليه السلام في خبر مَسْعَدة(3): «أما يخاف مَن يُصلّي على غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً».

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه معارضٌ بظاهر بعض معاقد الإجماعات، المشتملة على التعبير ب (لا تنعقد) ونحوه، وحيث إنّ المراد واحد، وحَمْل الثاني على الأوّل ليس بأولى من العكس، فلا سبيل إلى الاستدلال به.

وأمّا الثاني: فلما عرفت في مقام ذكر الثمرة، أنّ الاحتياط المطلق ممكنٌ ، ويتحقّق بالفعل على القول بالحرمة الذاتيّة أيضاً.

مع أنّه لو سُلّم ذلك، بما أنّ المراد بالاحتياط حينئذٍ ليس هو الاحتياط9.

ص: 65


1- الكافي: ج 3/97 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/333 ب 30 من أبواب الوضوء ح 2290. إلّاأنّه جاء في الكافي (دفعته) بدل (دفقته).
2- الكافي: ج 3/92 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/272 ب 2 من أبواب الحيض ح 2129.
3- الفقيه: ج 1/383 ح 1127، وسائل الشيعة: ج 1/367 ب 2 من أبواب الوضوء ح 969.

المطلق، فالأمر يدور بين حمله على إرادة الاحتياط من جهةٍ ، وبين حمله على إرادة الاحتياط بلحاظ الوطء ونحوه، وليس الأوّل أولى من الثاني.

وأمّا الثالث: فلأنّ المحقَّق في محلّه، كون العمل أيضاً حراماً، وليس المحرّم خصوص العمل الجناني، بل الجري على طبقه أيضاً حرامٌ . لاحظ ما ورد في المحرّمات البِدْعيّة مثل صوم الوصال ونحوه.

وأمّا الرابع: فلأنّ النهي فيها، وغيره من الألفاظ الظاهرة في الحرمة الذاتيّة في أنفسها - لورودها في مقام توهّم اللّزوم - لا يستفاد منها سوى عدم الأمر، كما أنّ الأمر الوارد عقيب الحظر أو توهّمه، لا يستفاد منهما سوى عدم الحرمة، مع أنّ ثبوت حرمتها التشريعيّة من الخارج وكونها بدعة، يصلح أن يكون قرينة لصرف تلك الألفاظ عن ظاهرها، وحملها على الحرمة التشريعيّة.

مضافاً إلى أنّه يمكن أنْ يقال: إنّ متعلّق النهي في هذه النصوص هي الصّلاة بقصد القربة، أي التي كانت تأتي بها في غير حال الحيض، وعليه فلا مجال لإنكار ظهورها في الحرمة التشريعيّة.

وأمّا الخامس: فلأنّه إنّما يدلّ على وجوب الفحص عند الاشتباه وعدم العمل بالاستصحاب، وليس إلّافي مقام بيان ذلك، ولا يستفاد منه عدم صحّة الاحتياط أيضاً.

وأمّا السادس: فلأنّه لوروده في مقام بيان حكم من إبتلي بقوم ناصبة، واُقيمت لهم الصّلاة وسأله عليه السلام عن حكم صلاته معهم، وهو على غير وضوء، فإنّه يتعيّن طرحه؛ إذ لا ريب في تقدّم أدلّة التقيّة على غيرها من الأدلّة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه لا دليل على الحرمة الذاتيّة، وأنّ الأقوى هي الحرمة التشريعيّة، فما هو ظاهر المتن هو الصحيح الموافق للأدلّة.

***

ص: 66

الثامن: عدم انعقاد الطهارة الرافعة للحدَث لها ولا طهارةٍ رافعةٍ للحَدَث.
إرتفاع الحَدَث مع الحيض

الثامن ممّا يترتّب على الحائض: عدم انعقاد الطهارة الرافعة للحدَث لها:

قال المصنّف: (ولا) ينعقد لها (طهارةٌ رافعة للحَدَث).

وعن «المبسوط»(1) و «السرائر»(2) و «الجامع»(3) و «المنتهى »(4) و «القواعد»(5)وغيرها، وعن «المعتبر»(6): لا يرفع لها حَدثٌ ، وعليه الإجماع.

وتنقيح القول في المقام: إنّ المباني في المقام مختلفة:

1 - بناءً على كون الأحداث الموجبة للأغسال والوضوء حقيقة واحدة، وأنّ الأصغر مرتبة أضعف من الأكبر، حيث يبتني القول بأنّ تداخل الأغسال عزيمة، فلا ينبغي التوقّف في عدم الارتفاع، لعدم معقوليّة الإرتفاع حال وجود الموجب، ولو وجدت رواية دالّة على الارتفاع، يتعيّن طرحها، أو حملها على غير ظاهرها على هذا المبنى .

2 - كما أنّه بناءً على القول بأنّ تخلّل الموجب بين أجزاء الغُسل مبطلٌ له، ولو كان موجباً لغُسلٍ آخر غير الذي اشتغل به، فلابدّ من الحكم بعدم ارتفاع الحَدَث؛ إذ

ص: 67


1- المبسوط: ج 1/42.
2- السرائر: ج 1/145.
3- الجامع للشرائع: ص 41.
4- المنتهى: ج 2/405.
5- القواعد: ج 1/216.
6- المعتبر: ج 1/221.

الحيض حدثٌ واحدٌ مستمرٌّ إلى زمان الانقطاع رأساً، فلا يصحّ الغسل معه.

3 - وأمّا بناءً على عدم رجوع الأحداث إلى حقيقة واحدة، وعدم كون التخلّل مبطلاً مطلقاً، فقد استدلّ لعدم الارتفاع في محكي «المعتبر» -:

1 - بالإجماع(1).

2 - وبأنّ الطهارة ضدّ الحيض، فلا تتحقّق مع وجوده، وفي محكي «المنتهى »(2): بأنّ الحَدَث ملازمٌ للحيض، فلا يرتفع مع وجوده.

3 - وبجملةٍ من النصوص:

منها: مصحّح الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيّض، وهي في المغتسل تغتسل أو لا تغتسل ؟ قال عليه السلام: لا تغتسل قد جاءها ما يُفسد الصّلاة»(3).

منها: موثّق أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سُئل عن رجلٍ أصاب من امرأته ثمّ حاضت قبل أن تغتسل ؟ قال عليه السلام: تجعله غُسلاً واحداً»(4).

ومنها: خبر سعيد بن يسار: «في المرأة ترى الدّم وهي جُنبٌ تغتسل من الجنابة ؟ قال عليه السلام: قد أتاها ما هو أعظم من ذلك».

ونحوها غيرها(5).

أقول: وفي الجميع نظر:6.

ص: 68


1- المعتبر: ج 1/221. وقد تقدّم.
2- المنتهى: ج 2/405.
3- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/314 ب 22 من أبواب الحيض ح 2225.
4- التهذيب: ج 1/395 ح 49، وسائل الشيعة: ج 2/263 ب 43 من أبواب الجنابة ح 2111.
5- الكافي: ج 3/83 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/314 ب 22 من أبواب الحيض ح 2226.

أمّا الأوّل: - فمضافاً إلى عدم ثبوت الإجماع - أنّه لمعلوميّة مدرك الُمجمعين لا يُعتمد عليه.

وأمّا الثاني: فلأنّه بناءً على عدم اتّحاد الأحداث حقيقةً ، تكون الطهارة التي هي ضدّ الحيض غير ما تكون ضدّ الجنابة، فلو إغتسلت الحائض للجنابة، لا مانع من الالتزام بحصول الطهارة من الجنابة، لعدم كونها ضدّ الحيض.

ومنه يظهر الجواب عن الثالث.

وأمّا النصوص: فالظاهر عدم استفادة ذلك من شيء منها.

أمّا مصحّح الكاهلي: فلتطرّق الاحتمالات فيه؛ إذ السؤال فيه كما يحتمل أن يكون عن مشروعيّة غُسل الجنابة، ليدلّ جوابه عليه السلام على عدم المشروعيّة، كذلك يحتمل أن يكون من وجوبه، فيكون جوابه عليه السلام أنّ وجوبه بما أنّه يكون للصلاة، وهي لا تصحّ منها في حال الحيض، فلا يجب عليها، أو مشروعيّته للصلاة. وعلى الأخيرين لا يدلّ على عدم ارتفاع الحَدَث به، وحيث إنّه ظاهر من جهة التعليل في أحدالأخيرين - ولا أقلّ من تساوي الاحتمالات - فلاسبيل إلى الاستدلال به.

وأمّا موثّق أبي بصير: فلأنّه إنّما يدلّ على اتّحاد الغُسلين، وهو غير ملازمٍ لاتّحاد الحَدَثين، لجواز أن يكونا مختلفين، أحدهما قابل للرفع دون الآخر، ويكون الإتيان بالغُسل لرفع ما يقبل الإرتفاع جائزاً.

مع أنّ في دلالته على الوحدة بحسب أصل الشرع تأمّلاً، لاحتمال أن يكون المراد أن الذي يجب عليها الإتيان به هو غُسلٌ واحد لهما.

وأمّا خبر سعيد: فلأنّه من الجائز أن يكون المسؤول عنه هو وجوب غُسل الجنابة، فالجواب إنّما يدلّ على نفي الوجوب.

ص: 69

ولو تنزّلنا عمّا ذكرناه، وسَلّمنا ظهورها في عدم إرتفاع الحَدَث، يتعيّن حملها على ماذكرناه بقرينة ما هو صريح في الارتفاع، كموثّق الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن المرأة يواقعها زوجها ثمّ تحيض قبل أن تغتسل ؟ قال عليه السلام: إنْ شاءت أن تغتسل فعلت، وإن لم تفعل فليس عليها شيء، فإذا طهرت اغتسلت غُسلاً واحداً للحيض والجنابة»(1).

هذا مضافاً إلى إطلاق أدلّة سائر الأغسال.

وبالجملة: فالأقوى إرتفاع الحَدَث وصحّة الأغسال الواجبة والمستحبّة حال الحيض، وكذا الوضوءات المندوبة.

***8.

ص: 70


1- التهذيب: ج 1/396 ح 52، وسائل الشيعة: ج 2/315 ب 22 من أبواب الحيض ح 2228.
التاسع: بطلان طواف الحائض ولا طواف.
حكم طواف الحائض

التاسع ما يترتّب على الحائض: بطلان طواف الحائض.

قال المصنّف: (ولا) ينعقد لها (طواف) بلا خلافٍ فيه؛ إذ في موارد اجتماع الأمر والنهي إذا كان المأمور به والمنهيّ عنه عنوانين منطبقين على شيءٍ واحد ووجود فارد، وكان التركيب بينهما اتّحادياً، فلا مناص عن القول بإمتناع اجتماع الأمر والنهي، كما حقّقناه في محلّه من الاُصول،(1) وحينئذٍ يقع التعارض بين إطلاقي دليلي الأمر والنهي، ولابدّ من تقديم أحدهما، فلو قُدّم الإطلاق في طرف النهي، يخرج المجمع عن حيّز الأمر واقعاً، ويكون متمحّضاً في الحرمة، فلا يقع صحيحاً، وبما أنّ الإطلاق في جانب النهي شمولي، فيقدّم هو دائماً. وتمام الكلام في ذلك موكولٍ إلى محلّه.

وعلى هذا، فنقول في المقام: إذا طافت الحائض، فبما أنّ الطواف عنوانٌ منطبق على الكون في المسجد والمرور فيه بنحو خاص، وهذان العنوانان محرّمان على الحائض، فيتّحد المأمور به والمنهيّ عنهما وجوداً، فيُقدَّم النهي، فطواف الحائض لا تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها فيقع فاسداً، ولا فرق في ذلك بين علمها بالحيض وجهلها به؛ إذ على القول بالامتناع، وتقديم جانب النهي، يخرج المجمع عن حيّز الأمر، ويكون متمحّضاً في الحرمة، ومعه لا وجه للإجتزاء به لو تبيّن كونها حائضاً.

فما ذكره سيّد مشايخنا رحمه الله بقوله: (ولو طافت ندباً، فتبيّن كونها حائضاً ففي صحّته وجهان:

ص: 71


1- زبدة الاصول: ج 3/8.

ولا اعتكاف،

من أنّه لكونه عين الدخول في المسجد يكون منهيّاً عنه في الواقع فلا يصحّ .

ومن أنّ مفهوم الطواف أعمّ من الكون في المسجد من وجهٍ ، وإنْ كان أخصّ من الصّلاة بحسب الخارج، فالنهي عنه مع الكون في المسجد، والفرض أنّه لأجل الجهل بالحيض مرتفعٌ ، فيصحّ وهو الأقوى). انتهى.

غير تامّ : كما يظهر لمن تأمّل فيما ذكرناه، هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الطواف الواجب يتوقّف على الطهارة المضادة للحيض، مع أنّ جملة من النصوص تدلّ على ذلك.

وتمام الكلام في ذلك موكولٌ إلى كتاب الحجّ .(1)

العاشر: لا يصحّ منها اعتكاف

(و) العاشر: (لا) يصحّ منها (اعتكاف) بلا خلاف؛ إذ لا حقيقة له سوى الكون في المسجد، وحيث إنّه محرمٌ على الحائض، فلا يصحّ منها لما اُشير إليه في الطواف، مع أنّه يشترط فيه الصوم وهو لا يصحّ منها.

***

ص: 72


1- فقه الصادق: ج 17/7.
الحادي عشر: ولا يصحّ طلاقها ولا يصحّ طلاقها.
بطلان طلاق الحائض

الحادي عشر: (ولا يصحّ طلاقها) ولا ظهارها على المشهور، بل بلا خلاف فيهما، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليهما.

وتشهد لهما: جملة من النصوص:

منها: موثّق اليسع(1)، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا طلاق إلّاعلى طهر».

ومنها: صحيح زرارة(2)، عنه عليه السلام:

«قلت له: كيف الظهار؟ فقال عليه السلام: يقول الرجل لإمرأته وهي طاهر من غير جماع... الخ».

ونحوهما غيرهما.

هذا إذا كان الزوج حاضراً، وكانت الزوجة مدخولاً بها، ولم تكن حاملاً، وإلّا فيصحّ طلاقها بلا خلافٍ ، للخبرالصحيح الذي رواه الجُعفي(3)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«خمسٌ يطلّقن على كلّ حال: المستبين حملها، والّتي لم يدخل بها زوجها، والغائب عنهازوجها، والتي لم تحض، والتي قدجلست من الحيض». ونحوه غيره(4).

ولأجل حكومتها على الأدلّة الدالّة على اعتبار الطهر تُقدم عليها، وإنْ كانت النسبة بينهما عموماً من وجه، ولا فرق في الدخول بين المأتيين لإطلاق الأدلّة.

وأيضاً: لا فرق في البطلان بين أن يكون حيضاً وجدانيّاً، أو بالرجوع إلى التمييز

ص: 73


1- الكافي: ج 6/62 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/24 ب 9 من أبواب مقدّمات الطلاق ح 27922.
2- الفقيه: ج 3/526 ح 4828، وسائل الشيعة: ج 22/307 ب 2 من أبواب الظهار ح 28659.
3- الكافي: ج 6/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 22/54 ب 22 من أبواب الطلاق ح 28003.
4- كبقيّة أحاديث نفس الباب من وسائل الشيعة.

أو التخيير بين الأعدادالمذكورة سابقاً، لأنّ ذلك ممّا يقتضيه دليل الحجيّة.

ولو طلّقها في صورة التخيير بعد مُضيّ ثلاثة أيّام قبل اختيارها التحيّض إلى الستّة أو السبعة، فاختارت التحيّض إليها، بطل الطلاق؛ إذ لو اختارت ذلك يكون الطلاق واقعاً في زمانٍ محكوم شرعاً بكونها حائضاً فيه.

ودعوى: إنّه إنّما يُحكم به من زمان اختيارها لا قبله.

مندفعةٌ : بأنّه لا مانع من صحّة اختيارها ولو من قبل زمان الاختيار، بناءً على ما هو الحقّ من القول بالكشف في باب الإجازة، لجريان نفس ذلك البرهان في المقام، وقد حقّقناه في «حاشيتنا على المكاسب»، مع أنّه في خصوص الفرض لا محيص عن الالتزام، بذلك وإلّا لزم الفصل بين أيّام التحيّض، وهو كما ترى ، مضافاً إلى ماستعرف من الحكم بالبطلان مع عدم اختيار التحيّض ولا عدمه.

وبذلك ظهر أنّها لو اختارت عدم التحيّض صحّ .

ولو ماتت قبل الاختيار بَطَل أيضاً، لعدم إحراز الشرط لا ظاهراً ولا واقعاً.

ولو طهرت ولم تغتسل صحَّ طلاقها، لأنّ الدليل إنّما دلّ على بطلان طلاق الحائض، وهي لا تصدق على من طهرت منه ولم تغتسل.

وبالجملة: فما نُسب إلى الأصحاب من الصحّة هو الأقوى .

***

ص: 74

الثاني عشر: ولا يجب عليها قضاء الصّلاة ولا يجب عليها قضاء الصّلاة.
سقوط قضاء الصّلاة عنها

الثاني عشر: (ولا يجب عليها قضاء الصّلاة) بإجماع علماء الإسلام، كما في «طهارة» شيخنا الأعظم(1)، وكذا عن «السرائر»(2) و «المعتبر»(3).

وتشهد له: نصوص مستفيضة بل متواترة:

منها: حسن الفضل بن شاذان(4)، عن الإمام الرضا عليه السلام: «إنّما صارت الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصّلاة لعلل شتّى ... الخ».

ومنها: حسن الحسن بن راشد(5)، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «الحائض تقضي الصّلاة ؟ قال عليه السلام: لا. قلت:

تقضي الصوم ؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: من أين جاء هذا؟ قال عليه السلام: إنّ أوّل من قاس إبليس».

ونحوهما غيرها.

بحث: هل يختصّ الحكم بالصلاة اليوميّة، أم يعمّ غيرها من الفرائض الموقّتة التي تصادف أوقاتها أيّام الحيض ؟

وجهان بل قولان، وإنْ كان ظاهر ما عن «جامع المقاصد»(6) من أنّ عدم

ص: 75


1- كتاب الطهارة: ج 3/420.
2- السرائر: ج 1/145.
3- المعتبر: ج 1/227.
4- وسائل الشيعة: ج 2/350 ب 41 من أبواب الحيض ح 2334. نقلاً عن عيون الأخبار.
5- الكافي: ج 3/104 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/347 ب 41 من أبواب الحيض ح 2329.
6- جامع المقاصد: ج 1/328.

وجوب قضاء الصّلاة الموقّتة موضع وفاق بين العلماء، يدلّ على عدم القول بوجوب القضاء.

وكيف كان، فقد استدلّ للاختصاص:

بانصراف الصّلاة في نصوص الباب إلى اليوميّة، فترجع في غيرها إلى عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفائتة.

وأورد عليه:

تارةً : بمنع صدق الفوات، لعدم قابليّة المكلّف للتكليف بالفعل في الوقت.

واُخرى: بكونها مكلّفة بالترك، فلا يصدق الفوات.

واُجيب عنه: بأنّ وجوب القضاء ليس منوطاً بصدق الفوت فقط، بل المستفاد من الأدلّة أنّ كلّ صلاةٍ تُركت يجب قضاؤها.

أقول: تنقيح القول في هذا الإيراد وجوابه، سيأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب القضاء فانتظر،(1) ولكن يمكن أنْ يورد على الانصراف بكونه انصرافاً بدويّاً ناشئاً من ندرة الوجود، فلا يصلح أن تقيّد به الإطلاقات.

وبالجملة: فمقتضى إطلاق النصوص عدم وجوب القضاء.

ودعوى: إنّه في بعض نصوص الباب عُلّل وجوب قضاء الصّلاة بالإبتلاء بها في كلّ يوم وليلة، مثلاً ورد في خبر أبي بصير(2):

«قيل له عليه السلام: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصّلاة ؟

قال عليه السلام: لأنّ الصوم إنّما هو في السَّنة شهر، والصّلاة في كلّ يوم.... الخ».

واختصاص هذه العلّة بخصوص اليوميّة واضح.

مندفعةٌ أوّلاً: بأنّ أمثال هذه التعبيرات ليست عللاً حقيقيّة، وإنّما هي بيانع.

ص: 76


1- فقه الصادق: ج 8/406.
2- وسائل الشيعة: ج 2/351 ب 41 من أبواب الحيض ح 2338. نقلاً عن علل الشرائع.

للحكم والمقتضيات، فلا يدور الحكم مدارها.

وثانياً: ظهور خبر أبي بصير في إنحصار العلّة في ذلك لو سُلّم، يتعيّن صرفه عن ظاهره، لخبر الفضل المتقدّم، الصريح في أنّ لعدم وجوب القضاء عللاً شتّى ، فلا يصحّ التمسّك بمفهوم هذا الخبر لنفيه عن غير مورد وجود هذه العلّة.

فإذاً الأقوى هو عدم وجوب القضاء، وسيأتي تمام الكلام في خصوص صلاة الآيات موضعها من هذا الكتاب.

أمّا صلاة الطواف: فالظاهر عدم كونها من الموقتة التي تفوت بفوات وقتها.

وفي إلحاق المنذورة في وقتٍ معيّن اتّفق فيه الحيض بالموقّتة، قولان.

استقرب في محكي «جامع المقاصد»(1) وجوب القضاء.

واستدلّ له: بعموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت من الصَّلوات.

وفيه: - مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على نفي الوجوب عن الحائض - كما تقدّم - وإلى أنّ شمول ما دلّ على وجوب القضاء في نفسه للصلاة الواجبة بالنذر محلّ نظر بل منع؛ إذ تلك الأدلّة تختصّ بالاُمور القابلة للتدارك، لا في مثل الصّلاة المنذورة الواجبة بعنوان الوفاء بالنذر، فإنّ هذا العنوان ممّا لا يقبل لأنْ يُقضى، وتمام الكلام في محلّه -.

إنّه يكشف بالحيض فساد النذر، لعدم مشروعيّة المنذور، فلا فوت ولا قضاء.

وما في «طهارة» شيخنا الأعظم رحمه الله(2): من أنّ ذلك إنّما هو فيما إذا لم يكن النذر تعلّق بذلك الوقت الشخصي، بل تعلّق بنوعه، كما لو نَذَرت صوم كلّ خميس، فإنّ 3.

ص: 77


1- جامع المقاصد: ج 1/328.
2- كتاب الطهارة: ج 3/423.

اتّفاق الحيض في بعض أيّام الخميس لا يكشف عن فساد النذر.

غير تامّ : إذ ذلك وإن لم يوجب فساد النذر مطلقاً، لكنّه يوجب فساده في أيّام المصادفة؛ إذ مشروعيّة بعض المنذور لا تكفي في صحّة نذر المجموع، بعد اعتبار المشروعيّة في المتعلّق.

فإذاً الأظهر عدم وجوب القضاء.

وأمّا النذر المعيّن في وقت موسّع: كما إذا أخّرت الفعل المنذور حتّى حاضت:

فمع عدم وجوب قضاء الصّلاة المنذورة مطلقاً، لما أشرنا إليه آنفاً، لا شبهة في العدم.

وأمّا بناءً على شمول أدلّة القضاء لها أيضاً، فهل يجب القضاء كما عن «جامع المقاصد»(1)، أم لا؟ وجهان:

أقواهما الأوّل؛ إذ المتبادر من النصوص هو نفي قضاء ما استند عدم الإتيان بها من الصَّلوات إلى الحيض، وكان هو السبب المنحصر لذلك.

وعليه، فترجع الحائض في ذلك إلى عموم ما دلّ على وجوب القضاء.

***8.

ص: 78


1- جامع المقاصد: ج 1/328.
فروع:
الحيض بعد دخول وقت الصّلاة
اشارة

فروع:

الفرع الأوّل: إذا حاضت بعد دخول الوقت:

فتارةً : يكون ذلك بعد مُضيّ مقدار الواجب من صلاتها بحسب حالها، وتحصيل الشرائط كذلك.

واُخرى: تدرك أقلّ من ذلك.

أمّا في الصورة الاُولى: فلا إشكال ولا خلاف في وجوب القضاء عليها، لعدّة أدلّة:

1 - لعموم ما دلّ على وجوب قضاء الفائتة، بعد اختصاص ما دلّ على نفي القضاء عن الحائض بما إذا كان الحيض هو السبب الوحيد لفوته، كما هو الظاهر من النصوص.

2 - ولحسن ابن الحجّاج(1)، قال: «سألته عن المرأة تطمث بعدما تزول الشمس، ولم تصلِّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصّلاة ؟ قال عليه السلام: نعم».

3 - وموثّق يونس بن يعقوب(2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في امرأةٍ دخل عليها وقت الصّلاة وهي طاهر، فأخّرت الصّلاة حتّى حاضت ؟ قال عليه السلام: تقضي إذا طهرت».

أقول: أمّا ما رواه الفضل بن يونس(3)، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام - في حديثٍ -: «وإذا رأت المرأة الدّم بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام،

ص: 79


1- التهذيب: ج 1/394 ح 44، وسائل الشيعة: ج 2/360 ب 48 من أبواب الحيض ح 2364.
2- التهذيب: ج 1/392 ح 34، وسائل الشيعة: ج 2/360 ب 42 من أبواب الحيض ح 2363.
3- الكافي: ج 3/102 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/359 ب 48 من أبواب الحيض ح 2360.

فلتمسك عن الصّلاة، فإذا طهرت من الحيض فلتقض صلاة الظهر، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر، وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر، فضيّعت صلاة الظهر، فوجب عليه قضاؤها».

وقريب منه خبر أبي عبيدة(1).

فلأجل عدم القائل بمفهومه، يتعيّن صرفه عن ظاهره، وحمله على إهمال الشرطيّة من المفهوم.

وأمّا ما أجاب عنه المحقّق الهمداني رحمه الله(2): من أنّ قوله: (فضيّعتِ ... الخ) بمنزلة التعليل لوجوب القضاء، ومقتضى عمومه وجوب القضاء في كلّ مورد صدق التضييع والتفويت، ومن تلك الموارد ما نحن فيه.

فغير سديد: إذ مضافاً إلى أنّ صدق التضييع والتفويت في المقام - حتّى مع جهلها بالحيض - محلّ نظر بل منع، أنّ العلّة المنصوصة فيه هو التضييع بعدم الإتيان في وقت الظهر، مع أنّها كانت طاهرة في تمام وقتها.

وبعبارة اُخرى: إنّه عليه السلام رتّب التضييع الموجب للقضاء على دخول وقت الظهر وخروجه وهي طاهرة ولم تُصلِّ ، فلا سبيل إلى التعدّي إلى المقام.

أقول: وأغرب من ذلك استدلاله رحمه الله على المختار به حيث قال:

(ويدلّ عليه في الجملة ما رواه فضل... الخ. فإنّه صريحٌ في أنّه يجب القضاء إذا كانت طاهرة في تمام الوقت، غاية الأمر يدلّ على أنّ وقت الظهر يكون إلى أربعة أقدام لا غروب الشمس. فتدبّر).

بحث: هل يعتبر مُضيّ مقدار ما يسع الطهارة، أم يكفي كونه بمقدار مجرّد فعل1.

ص: 80


1- الكافي: ج 3/103 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/359 ب 48 من أبواب الحيض ح 2361.
2- مصباح الفقيه: ج 1/282 ق 1.

الصّلاة كما عن «نهاية» المصنّف رحمه الله(1) وتبعه بعض الأعلام ؟ وجهان:

استدلّ للأوّل:

1 - بعدم صدق الفوت في الفرض.

2 - وبأنّ أدلّة نفي القضاء عن الحائض، تدلّ على أنّ كلّ صلاةٍ فاتت، وكان فوتها مستنداً إلى الحيض، لا يجب قضاؤها، ولا ريب أنّ فوت الصّلاة هنا مستندٌ إلى الحيض، فلا يجب القضاء.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا ريب في صدق الفوت على ترك الصّلاة المأمور بها في الوقت، وإن لم يعاقب على تركها كما في المقام، ولذا لو علمت قبل الوقت بمفاجأة الحيض لها يجب عليها تحصيل الطهارة قبله، والإتيان بالصلاة في أوّل وقتها، والجهل بذلك لا يوجب ارتفاع التكليف.

وعليه، فهي مكلّفة في الواقع بتحصيل الطهارة قبل الوقت والإتيان بالصلاة، وحيث إنّها تركتها، فيصدق في حقّها الفوت، فيجب عليها القضاء لعموم أدلّة قضاء الفائتة.

وأمّا الثاني: فلأنّ غاية ما تدلّ عليه الأدلّة، أنّه لا يجب القضاء على الحائض إذا استند الفوت إلى الحيض، لتوقّفه على عدمه، وأمّا مجرّد استناد الفوت إليه، ولو مع كون الحيض بعض أجزاء علّته، فلا يكفي في سقوط القضاء، وليس المقام من قبيل الأوّل بل الثاني.

وإن شئت قلتَ : إنّ ترك الصّلاة في ذلك الوقت لا يستند إلى الحيض أصلاً، وإنّما يكون مستنداً إلى الحيض، وأمّا فوت الطبيعة في مجموع الوقت، فهو إنّما يكون).

ص: 81


1- نهاية الاحكام: ج 2/372. لكنّه قال: (الثالث: يشترط إدراك الفريضة والطهارة).

مستنداً إلى كليهما، بمعنى أنّه يصدق الفوت على الحائض، بملاحظة الحيض اللّاحق، ويصدق الفوت على الطاهرة، بملاحظة ترك الطهارة قبل الوقت، والدليل إنّما يرفع قضاء فوائت الحائض خاصّة.

وقوله عليه السلام: «لا صلاة إلّابطهور»(1)، لا يدلّ على اعتبار مُضيّ مقدار الطهارة، لعدم دلالته على لزوم تحصيلها بعد الوقت خاصّة.

وعليه، فما عن «التذكرة» من الاستدلال لاعتباره بذلك، ضعيفٌ .

فإنْ قلت: إنّ الطهارة إنّما تجب بدخول الوقت، نظراً إلى قوله عليه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصّلاة»(2). ومقتضاه تقييد وجوب الصّلاة في أوّل الوقت بحصول الطهارة، لعدم معقوليّة إطلاق الأمر بالصلاة في أوّل الوقت، والترخيص في ترك ما يتوقّف عليه، فالمكلّف بالصّلاة في أوّل الوقت هو المتطهّر، فإذا كان المكلّف فاقداً للطهارة، لا يقتضي ذلك الدليل وجوب الصّلاة في حقّه، فلا يكون تركه لها فوتاً.

وهذا البرهان بعينه يجري في كلّ شرطٍ غير حاصل يوجب عدمه ترك الصّلاة، إذا ثبت كون الإذن في تركه حاصلاً.

وبعبارة اُخرى: كلّ شرطٍ كان التكليف بالصلاة مقيّداً بحصوله في أوّل الوقت، لا يصدق الفوت عند عدمه، وترك الصّلاة لأجله، ولذلك يُفرّق بين مقدّمات الفعل ومقدّمات مقدّماته، وبين المقدّمات بالنسبة إلى الطهارة.

قلت: لا ريب في أنّ الطهارة ليست من شرائط التكليف بالصلاة بقول مطلق، بحيث لو لم تتطهّر لا تجب الصّلاة، كما أنّه لا شبهة في عدم وجوب الطهارة قبل الوقت، إذا كان الوقت واسعاً للطهارة والصّلاة؛ لأنّ وجوبها مترشّح من وجوب1.

ص: 82


1- الفقيه: ج 1/33 ح 67، وسائل الشيعة: ج 1/372 ب 4 من أبواب الوضوء ح 981.
2- الفقيه: ج 1/33 ح 67، وسائل الشيعة: ج 1/372 ب 4 من أبواب الوضوء ح 981.

الصّلاة، فلا يعقل الترشّح قبل تحقّق ما يترشّح منه، فلذا يكون وجوب الطهارة مقيّداً بدخول الوقت، كما هو الشأن في جميع ما يتوقّف عليه الواجب، ولكن ربما تجب الطهارة قبل الوقت، كغيرها من المقدّمات، وذلك فيما إذا فُرِض عدم التمكّن منها في الوقت، لا بالوجوب المترشّح من الصّلاة، بل بحكم العقل من لزوم ما يتوقّف عليه تحصيل الغرض الملزم في ظرفه، كما حقّقناه في الاُصول في مبحث المقدّمات المفوّتة.(1)

وعليه، ففي الفرض تجب الطهارة قبل الوقت، غاية الأمر الجهل بطروّ العذر يجعل المكلّف معذوراً في الترك، فلا مانع من إطلاق الأمر بالصلاة.

***6.

ص: 83


1- زبدة الاصول: ج 2/126.
الحيض بعدما يسع الصّلاة الاضطراريّة

وأمّا في الصورة الثانية: وهي ما لو أدركتْ أقلَّ من الصّلاة الاختياريّة:

فتارةً : تدرك مقدار الصّلاة الاضطراريّة.

واُخرى: تدرك أقلّ من ذلك أيضاً.

أمّا في الصورة الاُولى:

فعن ظاهر الأكثر وجوب القضاء.

وعن المرتضى(1) وأبي علي: القول بوجوب القضاء، إذا مضى ما يسع أكثر الصّلاة الاختياريّة.

وعن ظاهر المصنّف رحمه الله(2) في بعض كتبه وجماعة من المحقّقين: عدم الوجوب مطلقاً.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الاُمور المعتبرة في الصّلاة الاختياريّة، إنّما يختصّ اعتبارها فيها بصورة التمكّن منها، فإذا فرض عدم التمكّن منها، كانت الصّلاة واجبة بدونها أو مع أبدالها، فإذا تركتها فقد فاتت ووجب قضاؤها.

وبعبارة اُخرى: العمومات الآمرة بالصلاة، بعد اختصاص أدلّة بعض الأجزاء والشرائط بصورة التمكّن، تقتضي أنّه:

لو عَلِمت المرأة أنّها تحيض قبل زمان إدراك الصّلاة الاختياريّة - مع كون الزمان الذي تُدركه ممّا يسع للصّلاة الاضطراريّة - وجوب الاضطراريّة، ولازم ذلك وجوب القضاء لو تركتها.

ص: 84


1- رسائل الشريف المرتضى : ج 3/38.
2- منتهى المطلب: ج 2/372-373.

ولو لم تعلم بذلك، فإنّ وجوب الفعل الاضطراري، لايشترط فيه العلم بالإضطرار.

وفيه: إنّ انتقال التكليف إلى الصّلاة الاضطراريّة غير ثابت فيما لم تثبت مشروعيّة الصّلاة الاختياريّة، ففي المقام بما أنّها لا تشرع لأجل الحيض، فلا دليل على وجوب الصّلاة الاضطراريّة.

ودعوى: أنّ إطلاق الأمر بالصلاة الجامعة بين الاختياريّة والاضطراريّة، إنّما قيّد بأدلّة الأجزاء والشرائط الاختياريّة عند التمكّن منها، وأمّا مع عدمه، فلا مقيّد له، ومقتضاه وجوب الاضطراريّة.

مندفعة: بأنّ الاُمور الطارئة على المكلّف، الموجبة لإرتفاع التكليف على أقسام أربعة:

الأوّل: ما يوجب ذلك لكونه عُذراً عقليّاً، كالنسيان والنوم.

الثاني: ما يوجبه لأجل كونه عُذراً شرعيّاً، كالضرر والحَرَج والمرض.

الثالث: ما يوجب خروج المكلّف عن قابليّة التكليف عقلاً، كالجنون والإغماء، فإنّهما يوجبان عدم قابليّة المكلّف للخطاب، كالصغر ولو فرض محالاً انتفاء العذر العقلي.

الرابع: ما يخرجه عن القابليّة شرعاً كالحيض.

وفي القسمين الأوّلين: لا يرتفع التكليف رأساً، بل يرتفع بمقدار ما يقتضي العقل أو الشرع رفعه، فيبقى معه التكليف بالاضطراري.

وأمّا في الأخيرين: فلا يتمّ ذلك؛ إذ المستفاد من الأدلّة أنّه إذا كان المكلّف معذوراً من الصّلاة الاختياريّة، ولكن كان قابلاً للتكليف تجب عليه الاضطراريّة، وإلّا فلو كان غير قابلٍ له، فلا دليل على قيامها مقامها، ولذا نقول إنّه من علم من حاله عروض الجنون عليه بعد مُضيّ ما يسع الصّلاة الاضطراريّة، لا تجب

ص: 85

الاضطراريّة عليه، بخلاف من عَلم بعروض النسيان أو المرض. فتدبّر فإنّه دقيق.

وأمّا الجواب عن أصل الاستدلال: بأنّ القضاء إنّما يكون تداركاً للصلاة الاختياريّة التي استند فوتها إلى الحيض، لا للصلاة الاضطراريّة الواجبة بسبب الإضطرار تداركاً للصلاة الاختياريّة، ولذا لا تجب مطابقهما في الأجزاء والشرائط، وعليه ففي الفرض نقول:

إنّ مقتضى إطلاق أدلّة سقوط القضاء عن الحائض، سقوطه إذا كان فوتُ ما يقضي لولا السقوط مستنداً إلى الحيض، وجب تداركه في الوقت واقعاً ببدله الإضطراري أم لم يجب.

فغير سديد: إذ ما يجب قضاؤه ليس خصوص الصّلاة الاختياريّة، بل الصّلاة الجامعة بينها وبين الاضطراريّة، غاية الأمر الواجب على المكلّف في كلّ حال باختلاف حالاته فردٌ خاص من أفرادها، بحسب ما يناسب حاله حين القضاء، ولذا يجب على من فاتته الصّلاة مع الطهارة - وكان مكلّفاً بالصلاة مع الطهارة الترابيّة - الصّلاة مع الطهارة المائيّة، فإذا وجبت الصّلاة على المكلّف في ضمن فرد منها، فإنْ أتى بها فهو، وإلّا وجب عليه قضاؤها على النحو المناسب لحاله حين القضاء.

وتمام الكلام في ذلك وتفصيل القول فيه موكولٌ إلى محلّه من مبحث القضاء(1)من هذا الشرح.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثالث.

واستدلّ للثاني: بخبر أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام:

«عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر، وقد صلّت ركعتين، ثمّ ترى الدّم ؟ قال عليه السلام: تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين، وإن كانت رأت الدّم وهي في صلاة8.

ص: 86


1- فقه الصادق: ج 8/408.

المغرب، وقد صلّت ركعتين، فلتقم من مسجدها، فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب»(1).

وفيه: إنّه ضعيفُ السند، مضافاً إلى إعراض الأصحاب عنه، واشتماله على ما لا يمكن الالتزام به، وهو قضاء الركعة وحدها، مع أنّ حمله على خصوص ما لو اشتغلت بالصلاة في أوّل الوقت يعدّ حملاً على الفرد النادر.

نعم، لا بأس بجعله مع موثّق سماعة المروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن امرأةٍ صلّت من الظهر ركعتين، ثمّ طمثت وهي جالسة ؟

فقال عليه السلام: تقوم من مكانها فلا تقضي الركعتين»(2).

من مؤيّدات المختار، بناءً على أنّ مقدار الركعتين الاختياريّتين، يساوي مقدار الصّلاة الاضطراريّة.

وبالجملة: فالأظهر عدم وجوب القضاء مطلقاً.

وأمّا إطلاق خبر ابن الحجّاج(3): فسيأتي الكلام فيه.

***4.

ص: 87


1- الكافي: ج 3/103 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/360 ب 48 من أبواب الحيض ح 2362.
2- التهذيب: ج 1/394 ح 43، وسائل الشيعة: ج 2/360 ب 48 من أبواب الحيض ح 2365.
3- التهذيب: ج 1/394 ح 44، وسائل الشيعة: ج 2/360 ب 48 من أبواب الحيض ح 2364.
حكم عدم إدراك الحائض شيئاً من الصّلاة

وأمّا في الصورة الأخيرة: وهي ما لو حاضت بعد دخول الوقت، ولم تُدرك شيئاً من الصّلاة:

فعن «النهاية»(1) و «الوسيلة»(2): وجوب القضاءعليها، ومالَ إليه بعض المتأخّرين.

واستدلّ له:

1 - بإطلاق حسن ابن الحجّاج المتقدّم(3)، في أوّل هذا الفرع.

وفيه: إنّ الظاهر من سؤاله بقرينة قوله: (ولم تصلِّ الظهر هل عليها قضاء تلك الصّلاة ؟) أنّ المسؤول عنها هي الصّلاة التي دخل وقتها، وتمكّنت من الإتيان بها، ولم تأت بها. وعليه فلا إطلاق له بنحوٍ يشمل الفرض.

2 - وبعموم ما دلّ على قضاء الفوائت، بدعوى أنّه يكفي في صدق الفوت مجرّد شأنية الثبوت، ولو بملاحظة نوع المكلّفين، بل لا يعتبر ذلك أيضاً، بل المدار ليس إلّاعلى ترك الصّلاة في الوقت.

وفيه: إن الفوت هو ترك ما له قوّة قريبة للحصول، فإذا كان الزمان غير وافٍ لنفس الفعل، لا يصحّ أن يقال إنّه فاتت منها الصّلاة في ذلك الوقت، لأنّ نسبة الفوت إلى الزمان تابعة لقابليّة وقوع الفعل فيه.

ودعوى: كون المناط هو ترك الصّلاة لا فوتها، لا تُصحّح ذلك؛ إذ ليس كلّ تركٍ موجباً للقضاء، وإلّا لوجب على الصغير والمجنون القضاء.

ص: 88


1- النهاية: ص 27.
2- الوسيلة: ص 59.
3- التهذيب: ج 1/394 ح 44، وسائل الشيعة: ج 2/360 ب 48 من أبواب الحيض ح 2364.

وتسليم العموم، والخروج بالدليل كما ترى، بل فيما كان اقتضاء التكليف من حيث شرائطه المأخوذة فيه تامّاً، بحيث يصحّ أن يقال عرفاً إنّه ترك الواجب وإن لم يكن في الواقع واجباً حال الترك بواسطة أحد الأعذار.

وبالجملة: فما ذكره المصنّف عليه السلام في محكي «المنتهى »(1): من أنّ وجوب الأداء ساقطٌ لاستحالة التكليف بما لا يطاق، ووجوب القضاء تابعٌ لوجوب الأداء، هو الصحيح.

هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو سُلّم العموم بنحوٍ يشمل المقام، لوجب الخروج عنه بالأدلّة الخاصّة الدالّة على عدم وجوب القضاء على الحائض، فإنّ المتبادر منها نفي القضاء، فيما إذا استند عدم التمكّن من الصّلاة إلى الحيض.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم الوجوب في الفرض.

***3.

ص: 89


1- منتهى المطلب: ج 2/373.
الطُهر قبل خروج الوقت

الفرع الثاني: إذا طَهُرت من الحيض قَبل خروج الوقت:

1 - فإنْ أدركتِ من الوقت مقدار تمام الصّلاة مع شرائطها، فلا إشكال ولا خلاف في وجوب الأداء عليها، وإن تركت وَجَب قضاؤها.

وفي مصحّح عُبيد بن زرارة(1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أيّما امرأةٍ رأت الطُهر وهي قادرة على أنْ تَغتسل في وقت صلاة ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاةٍ اُخرى، كان عليها قضاء تلك الصّلاة التي فرّطت فيها، وإنْ رأت الطُهر في وقتِ صلاةٍ ، فقامت في تهيئة ذلك، فجاوز وقت صلاةٍ ودخل وقت صلاةٍ اُخرى ، فليس عليها قضاءٌ وتُصلّي الصّلاة التي دخل وقتها».

وفي موثّق الحلبي(2)، عنه عليه السلام: «في المرأة تقوم وقت الصّلاة فلا تقضي ظهرها حتّى تفوتها الصّلاة التي فاتتها؟ قال عليه السلام: إن كانت توانَتْ قَضَتها، وإنْ كانت دائبة في غُسلها فلا تقضي».

2 - وأمّا إنْ أدركت من الوقت ركعةً ، مع إحراز الشرائط، ففيه قولان:

الأوّل: وجوب الأداء على المشهور، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه، لما يأتي في مبحث المواقيت من هذا الشرح،(3) أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت، فإذا ثبتت مشروعيّتها وتركت، وجب قضاؤها لعموم ما دلّ على قضاء الفائت، وللخبرين المتقدّمين آنفاً.

ص: 90


1- الكافي: ج 3/103 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/361 ب 49 من أبواب الحيض ح 2366.
2- التهذيب: ج 1/391 ح 30، وسائل الشيعة: ج 2/364 ب 49 من أبواب الحيض ح 2373.
3- فقه الصادق: ج 6/93.

وعليه، فما عن ظاهر «السرائر»(1) من عدم وجوب القضاء والأداء في الفرض، حيث قال: (إذا طَهُرت الحائض قبل غروب الشمس، في وقتٍ متَّسع لفعل فرض الظهر والعصر معاً، والطهارة لهما، وجب عليها أداء الصلاتين، أو قضاؤهما) ضعيفٌ .

ولا فرق في هذين الموردين: بين ما لو أدركتِ الصّلاة، أو ركعةً منها مع الطهارة وغيرها من الشرائط، التي يمكن تقديمها قبل الوقت. وبين ما لم تُدرك تلك الشرائط لما تقدّم في الفرع السابق.

بل يمكن أنْ يقال: إنّه لو توقفنا في وجوب تقديم المقدّمات قبل الوقت، لا مجال للتوقّف في وجوبها قبل الطُهر؛ إذ الصّلاة إنّما تجب عليها بجميع مقدّماتها بمجرّد دخول الوقت، لعدم كون الطهر من الحيض شرطاً للوجوب كالوقت، فالحيض لا يوجب تفويت الصّلاة الاختياريّة.

الثاني: عدم الوجوب، وهو المنقول عن «الدروس»(2) و «الموجز»(3) و «جامع المقاصد»(4) و «الروض»(5) وغيرها.

واستدلّ له أوّلاً: بما في مصحّح عُبيد بن زرارة(6)، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«فقامت في تهيئة ذلك».

وثانياً: لأنّه لا يصدق التفريط والتواني اللّذان علّق عليهما القضاء في المصحّح6.

ص: 91


1- السرائر: ج 1/276.
2- الدروس: ج 1/101.
3- الموجز: ص 47.
4- جامع المقاصد: ج 1/336.
5- روض الجنان: ص 82.
6- الكافي: ج 3/103 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/361 ب 49 من أبواب الحيض ح 2366.

وموثّق الحلبي(1) مع الإشتغال بتلك الشرائط.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر منه بقرينة قوله في صدره: (وهي قادرة على أنْ تغتسل في صلاة) إرادة الغسل لا غير.

وأمّا الثاني: فلأنّ التفريط في المصحّح اُريد به التفريط، من حيث ترك الغُسل، كما هو الظاهر من تفريعه على قوله: (وهي قادرة على أنْ تغتسل). كما أنّ المراد من التواني ذلك، بقرينة قوله عليه السلام في ذيله: (وإنْ كانت دائبة... الخ).

نعم، إن لم تتمكّن من الصّلاة الاختياريّة، وتمكّنت من الصّلاة مع الطهارة الترابيّة أو غيرها من الأبدال الاضطراريّة، لا يجب عليها الأداء، لعدم مشروعيّة البدل الإضطراري في ظرف عدم مشروعيّة المبدل منه الاختياري، كما عرفت في الفرع السابق، ولأجله لا يجب القضاء لعدم صدق الفوت.

وأمّا الخبر المروي عن منصور بن حازم(2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر».

وخبر الكناني المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا طَهُرت المرأة قبل طلوع الفجر، صلّت المغرب والعشاء، وإنْ طَهُرت قبل أن تغيب الشمس، صلّت الظهر والعصر»(3).

ونحوهما من النصوص التي استدلّ بها على القول بوجوب القضاء إذا طَهُرت قبل خروج الوقت مطلقاً، فلا تدلّ عليه؛ إذ الظاهر منها أرادة الأداء لا القضاء، ووجوب الأداء إنّما يكون فيما إذا وسع الوقت لذلك، وإلّا لزم التكليف بما لا يُطاق.2.

ص: 92


1- أي مصحّح عبيد بن زرارة وموثّق الحلبي المتقدّم تخريجهما ص 445.
2- التهذيب: ج 1/390 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/363 ب 49 من أبواب الحيض ح 2371.
3- التهذيب: ج 1/389 ح 26، وسائل الشيعة: ج 2/363 ب 49 من أبواب الحيض ح 2372.

مع أنّه لو سلمت دلالتها على وجوب القضاء، فإنّما مفادها أعمّ من ذلك، بل تدلّ على لزوم القضاء لو طَهُرت قبل خروج الوقت مطلقاً، وحيث لا قائل بالوجوب في هذا الفرض، فيتعيّن طرحها.

هذا، مضافاً إلى حكومة ما دلّ على إناطة وجوب القضاء عليها بالتفريط عليها.

وبالجملة: الأظهر عدم وجوب القضاء في هذين الموردين.

***

ص: 93

لو شكّت في سعة الوقت

الفرع الثالث: لو شكّت في سعة الوقت وعدمها، فهل تجب عليهاالمبادرة أم لا؟

وعلى فرض العدم، فهل يجب القضاء أم لا؟ وجوهٌ وأقوال:

أقول: تارةً تشكّ في مقدار الوقت، واُخرى في مقدار العمل.

أمّا في الصورة الاُولى: فتجب المبادرة، لاستصحاب بقاء الوقت.

أمّا لو تركتها:

1 - فلو بانَت السِّعة وَجَب عليها القضاء لصدق الفوت.

2 - وإنْ بانَ العدم لم يجب.

وإنْ تردّدت في ذلك بعد مُضيّ الوقت، أيضاً يجري استصحاب بقاء الوقت في ظرفه، ويترتّب عليه وجوب الأداء، ووجوب القضاء بتبع وجوب الأداء.

وأمّا في الصورة الثانية: كما لو علمت أنّ الوقت عَشرُ دقائق، وشكّت في مقدار الصّلاة، وأنّه تكفيها العشر دقائق أم لا؟

فقد يقال: بعدم جريان الاستصحاب، لعدم الشكّ في مقداره. والشكّ في بقائه إلى آخر الصّلاة ليس شكّاً في الامتداد، كي يجري فيه الاستصحاب، فلا تجب المبادرة.

فإنّه يمكن أنْ يقال: إنّ أمد الوقت ملاحظ في حدّ نفسه، مع قطع النظر عن ملاحظة حادثٍ آخر وإنْ كان معلوماً، إلّاأنّه مع ملاحظة الصّلاة وبالقياس إليها يكون مشكوكاً فيه، فلا مانع من استصحاب بقاء الوقت إلى آخر الصّلاة - وتمام الكلام في محلّه - فيجري الاستصحاب.

وبالجملة: فلا فرق بين الصورتين في الحكم أداءً وقضاءً .

ص: 94

حكم من وظيفتها التيمّم

الفرع الرابع: إذا كانت وظيفتها التيمّم، مع قطع النظر عن ضيق الوقت، وكان الوقت لا يسع للصلاة مع الطهارة المائيّة، وكانت لا تتمكّن من تحصيل الطهارة قبل الوقت، فهل يجب عليها الأداء والقضاء إذا تركتها أم لا؟ وجهان:

1 - من استناد عدم التمكّن من الطهارة المائيّة إلى غير الحيض، فينتقل فرضها إلى التيمّم، وحيث وَجَب عليها الأداء وتركت، فيجب عليها القضاء.

2 - ومن عدم مشروعيّة البدل الاضطراري في مقامٍ لا يكون المبدل منه الاختياري مشروعاً لو لا العذر.

أقول: والثاني أقوى، فلا تكون وظيفتها التيمّم في الفرض، فلا فوت، فلا يجب عليها القضاء. فتدبّر.

***

ص: 95

الثالث عشر: ويجب عليها قضاء الصوم ويَجبُ عليها قضاء الصوم.
وجوب قضاء الصّوم على الحائض

الثالث عشر: (ويجب عليها قضاء الصوم) الواجب، سواءٌ أكان الفائت من صوم شهر رمضان أو غيره من الصيام.

أمّا الأوّل: فالمذكور في «المعتبر»(1) و «السرائر»(2): أنّه مذهب فقهاء الإسلام.

أقول: والنصوص الدالّة عليه كثيرة:

منها: مصحّح زرارة(3)، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض الصّلاة ثمّ تقضي الصيام ؟ قال عليه السلام: ليس عليها أن تقضي الصّلاة، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان».

ومنها: حَسَني الفضل بن شاذان(4) والحَسَن بن راشد(5) المتقدّمين في المسألة السابقة، وغيرهما من النصوص المطلقة، فإنّه القدر المتيقّن من تلك النصوص.

وأمّا الثاني: ففي وجوب قضائه وعدمه قولان للمصنّف والشهيد - رحمهما الله تعالى - واستدلّ للوجوب:

1 - بإطلاق ما دلّ على وجوب القضاء على من فاته الصوم.

2 - وبإطلاق نصوص الباب.

ص: 96


1- المعتبر: ج 1/227.
2- السرائر: ج 1/145، قوله: (ويجب عليها قضاء الصوم بالإجماع أيضاً).
3- الكافي: ج 3/104 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/347 ب 41 من أبواب الحيض ح 2328.
4- وسائل الشيعة: ج 2 ب 41 ص 350 من أبواب الحيض ح 2334. نقلاً عن العيون.
5- وسائل الشيعة: ج 2 ب 41 ص 347 من أبواب الحيض ح 2329.

ولكن في ثبوت الإطلاق لما دلّ على وجوب قضاء الصوم نظر. وسيأتي الكلام فيه في محلّه من هذا الشرح فإنتظر.

وعلى كلّ حال، لا يشمل المنذور لما أشرنا إليه في قضاء الصّلاة المنذورة على الحائض. فراجع.

وأمّا نصوص الباب: فهي ليست في مقام بيان تشريع الحكم على الحائض، كي يصحّ التمسّك بإطلاقها، بل إنّما هي في مقام بيان عدم مانعيّة الحيض، وأنّ ما يفوت من الحائض من الصيام كالفائت عن غيرها بلا فرق بينهما، وعليه فكلّ ما يجب قضاؤه على غير الحائض لو فات منه، يجب عليها أيضاً.

مع أنّ دعوى انصراف نصوص الباب إلى صوم شهر رمضان قريبة جدّاً، كما تفيده التعليلات الواردة في النصوص، كقوله عليه السلام في خبر أبي بصير(1): «لأنّ الصوم إنّما هو في السَّنة شهر، والصّلاة في كلّ يوم». فتدبّر.

***8.

ص: 97


1- وسائل الشيعة: ج 2 ب 41 ص 351 من أبواب الحيض ح 2338.
الرابع عشر: إذا طَهُرت، وَجَب عليها الغُسل
عدم لزوم الوضوء مع غُسل الحيض

الرابع عشر: إذا طَهُرت، وَجَب عليها الغُسل للغايات الواجبة المشروطة بالطهارة، لعدم حصولها إلّابه إجماعاً ونصّاً.

والكلام في استحبابه النفسي، هو الكلام في استحباب غُسل الجنابة والوضوء فتواً ودليلاً. فلا نعيد ما ذكرناه، وعليه فالأقوى كونه مستحبّاً نفسيّاً، مع قطع النظر عن كلّ غايةٍ حتّى التوليديّة، وعدم كونه واجباً كذلك، لما تقدّم في ذلك المبحث.

كيفيّة غُسل الحيض:

وكيفيّته مثل كيفيّة غُسل الجنابة كما هو المشهور.

بل عن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه.

وفي «المدارك»(1): هذا مذهب العلماء كافّة.

ويشهد له أوّلاً: دعوى الإجماع.

وثانياً: أنّه مقتضى عدم البيان، مع كونه ممّا تعمّ به البلوى، وقد بيّن الشارع كيفيّة الغُسل في باب الجنابة، فإنّ أهل العرف يفهمون من الأمر بالغُسل - مع عدم بيانه في المورد - إيجاده على النحو المعهود في غُسل الجنابة كما هو الشأن في جميع ما هو من هذا القبيل، ألا ترى أنّه لو أمر بصلاة ركعتين تطوّعاً، بلا بيان كيفيّتها، لا يفهم منه إلّاإرادة إيجادها على النحو المعهود في الفريضة ؟

ولذا نلتزم باعتبار جميع ما يعتبر في الفريضة فيها.

وثالثاً: بجملةٍ من النصوص، كموثّق الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «غُسل الجنابة

ص: 98


1- مدارك الأحكام: ج 1/357.

والحيض واحد»(1). ونحوه غيره(2)، وهذا كلّه ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في أنّه هل يكون أثره مثل أثر غُسل الجنابة، وأنّه يستباح بمجرّده الصّلاة ونحوها، أم لابدّ من الوضوء؟ وجهان، بل قولان:

أقول: الأشهر - بل المشهور - هو الثاني.

وعن «أمالي» الصدوق(1): من دين الإماميّة الإقرار بأنّ في كلّ غُسلٍ وضوءٌ في أوّله.

وفي «الحدائق»(2) و «المدارك»(3) و «الوسائل»(4)، وعن ابن الجنيد(5) والسيّدوالأردبيلي(6)، وصاحبي «الذخيرة»(7) «والمفاتيح»(8): كفاية كلّ غسلٍ عن الوضوء.

واستدلّ للأوّل:

1 - بعموم قوله تعالى: (يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاةِ فَاغْسِلُواب.

ص: 99


1- نسب ذلك إليه في الفقيه: والهداية، وأمّا في الأمالي ص 745 [وفي طبعة المكتبة الإسلاميّة للكتاب ص 647] في معرض حديثه عن الأغسال، (المجلس الثالث والتسعون) قال: (وكلّ غُسل فيه وضوء في أوّله إلّاغُسل الجنابة، لأنّه فريضة).
2- الحدائق الناضرة: ج 3/120.
3- مدارك الأحكام: ج 1/361.
4- وسائل الشيعة: ج 2/223. حيث جعله عنواناً لباب فيه عشرة أحاديث، كما نصَّ عليه في حاشية الباب 35 من أبواب الحيض: ج 2/248.
5- نقله عنه العلّامة في المختلف: ج 1/340.
6- مجمع الفائدة: ج 1/128 وما بعدها.
7- ذخيرة المعاد: ج 1/49.
8- حكاه عن المفاتيح السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 1/172، وفي الهامش (مفاتيح الشرائع) ج 1/55-56، كتاب الطهارة، بحث تداخل الأسباب.

وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ ) الآية(1)، فإنّه شاملٌ لمَن اغتسل وغيره، خَرَج منه الجُنُب بالنصّ والإجماع، وبقي ما عداه.

2 - وبالعمومات الدالّة على سببيّة البول والغائط وغيرهما من النواقض، الّتي يمتنع تخلّفها عن الحائض عادةً لوجوب الوضوء.

3 - وباستصحاب بقاء الحَدَث.

4 - وبقاعدة الشُّغل.

5 - وبمرسل ابن أبي عُمير، عن رجلٍ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«كلّ غُسلٍ قبله وضوء إلّاغُسل الجنابة»(2).

ولا يضرّ إرساله بعد كون المرسِل من أصحاب الإجماع، ولا يروي ولا يُرسل إلّا عن ثقة.

6 - وصحيح حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في كلّ غُسلٍ وضوء إلّا الجنابة»(3).

7 - وخبر علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام: «إذا أردت أنْ تَغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل»(4). بضميمة عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الأغسال.

أقول: ولكن غير النصوص من الأدلّة يصحّ الاستدلال بها على فرض عدم الدليل على كفايته عن الوضوء، وإلّا فيتعيّن الخروج عنها به.

وأمّا النصوص: فقد أجاب عنها المحقّق(5) والمصنّف، في محكي «المختلف»(6) على3.

ص: 100


1- سورة المائدة: الآية 6.
2- الكافي: ج 3/45 ح 13، وسائل الشيعة: ج 2/248 ب 35 من أبواب الجنابة ح 2072.
3- التهذيب: ج 1/143 ح 94، وسائل الشيعة: ج 2/248 ب 35 من أبواب الجنابة ح 2073.
4- التهذيب: ج 1/141 ح 92، وسائل الشيعة: ج 2/248 ب 35 من أبواب الجنابة ح 2074.
5- المعتبر: ج 1/268.
6- مختلف الشيعة: ج 1/343.

ما نَسب إليهما سيّد «المدارك»(1) - بأنّها لا تدلّ إلّاعلى المشروعيّة والجواز، ولا يلزم من الجواز الوجوب.

وفيه: إنّ ظهورها في نفسها في الوجوب لا يقبل الإنكار، لما حقّقناه في الاُصول(2) من أنّ الجملة الخبريّة كالأمر محمولة على الوجوب.

وقد أجاب عنها بعض المحقّقين رحمهم الله: بأنّ ظاهرها - بعد حمل مطلقها على مقيّدها - وجوب الوضوء قبل الغُسل وجوباً شرطيّاً.

وفيه: هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، كما لم يلتزم به أحدٌ، لخلوّ الأخبار المسوقة لبيان الأغسال عن التعرّض له، فضلاً عن أنّها حينئذٍ تعارض موثّق الساباطي(3)الآتي الصريح في عدم الوجوب، فيدور الأمر:

بين حمل الأمر بالوضوء على الاستحباب، والالتزام بكونه كالاستنشاق من سُنن الغُسل.

وبين الالتزام بكون النصوص مسوقة لبيان أنّ ماعدا غُسل الجنابة غير مُجْزٍ عن الغُسل، وإنّما اُمر بإيجاده قبل الغُسل لكونه أفضل الفردين.

ولا ثالث، إذ الالتزام بحملها على إرادة شرطيّة التقديم لصحّة الوضوء، ورافعيّته للحَدَث، واضح البطلان، كالالتزام بالوجوب أو الاستحباب النفسي.

وحملها على الثاني - على ما هو بناء المشهور - ليس بأولى من حملها على الأوّل، بل العكس أولى؛ إذ حمل ما ظاهره شرطيّة الوضوء لصحّة الغُسل بعد تعذّر الالتزام بها على شرطيّته لكماله، يعدّ أحسن المحامل.7.

ص: 101


1- مدارك الأحكام: ج 1/359.
2- زبدة الاصول: ج 1/400.
3- التهذيب: ج 1/141 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2/244 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2057.

وفيه أوّلاً: إنّه لا وجه لحمل المطلق منها على المقيّد، لعدم التنافي الذي هو الملاك للحمل بينهما، لإمكان ثبوت كلا الحكمين في الواقع.

وعليه، فما ذكر لو تمّ فإنّما هو في مرسل ابن أبي عمير، لا صحيحه الثاني، لأنّه ظاهرٌ في إرادة عدم الإجتزاء بالغُسل عن الوضوء للصلاة، ونحوها ممّا يشترط فيه الطهارة.

ودعوى: اتّحاده مع المرسل الأوّل، وأن تخيّل التعدّد إنّما نشأ من روايته في المرسل الأوّل عن رجلٍ ، وفي الثاني عن حمّاد.

ممنوعة: لمخالفتها للظاهر، فإنّ الخبرين مختلفان من حيث المتن، فلاحظهما.

وثانياً: إنّ جماعةً من الأصحاب، كالمفيد(1) والحلبيين(2) وغيرهم، التزموا بشرطيّة التقديم ووجوبه، فمع مساعدة الدليل لا مانع من الالتزام بذلك.

فالصحيح في الجواب عنها: أنّها معارضة مع جملةٍ من النصوص الصريحة في عدم الوجوب:

منها: صحيح محمّد بن مسلم(3)، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الغُسل يجزي عن الوضوء، وأيُّ وضوءٍ أطهر من الغُسل ؟!».

ومنها: موثّق الساباطي(4)، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرجل إذا اغتسل من جنابةٍ أو يوم جمعةٍ أو يوم عيدٍ، هل عليه الوضوء7.

ص: 102


1- المقنعة: ص 55.
2- الكافي لأبي الصلاح الحلبي ص 134. وأمّا أبو المجد الحلبي في كتابه «إشارة السبق» فيظهر منه إيجاب الوضوء مع الغُسل، ولكن من دون إشارة إلى التقدّم والتأخّر. وأمّا إبن زهرة الحلبي فلم يتعرّض في غنية النزوع لذلك.
3- التهذيب: ج 1/139 ح 81، وسائل الشيعة: ج 2/244 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2055.
4- التهذيب: ج 1/141 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2/244 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2057.

قبل ذلك أو بعده ؟

فقال: لا ليس عليه قبلُ ولا بعدُ، فقد أجزأ عنه الغُسل، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيضٍ أو غير ذلك، فليس عليها الوضوء لا قبلُ ولا بعدُ، قد أجزأها الغسل».

ومنها: مرسل حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرّجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أيجزيه عن الوضوء؟ فقال عليه السلام: وأيُّ وضوء أطهر من الغُسل ؟»(1).

ومنها: مكاتبة عبد الرحمن الهمداني(2)، إلى أبي الحسن عليه السلام:

«سألته عن الوضوء للصلاة في غُسل الجمعة ؟ فكتب عليه السلام: لا وضوء للصّلاة في غُسل الجمعة وغيره».

هذا مع اعتضادها بالأخبار الكثيرة الواردة في أبواب الدّماء الثلاثة الآمرة بالغُسل والصّلاة عقيبه(3)، مع ورودها في مقام الحاجة، فلو كان الوضوء واجباً لأمرَ به.

وأيضاً: يعضدها ما ورد في التيمّم(4) حيث لم يتعرّض فيه للتعدّد.

وما دلّ على اتّحاد غُسل الحيض وغُسل الجنابة(5).

وما دلّ من نصوص التداخل على إجزاء بعض الأغسال عن بعض(6)7.

ص: 103


1- التهذيب: ج 1/141 ح 90، وسائل الشيعة: ج 2/245 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2058.
2- التهذيب: ج 1/141 ح 88، وسائل الشيعة: ج 2/244 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2056.
3- وهي روايات كثيرة في وسائل الشيعة: ج 2 ب 2 و 4 و 7 و 17 و 41 ح 2335 وأبواب اُخرى .
4- وسائل الشيعة: ج 2/312 ب 21 من أبواب الحيض. الأحاديث.
5- وسائل الشيعة: ج 2/315 ب 23 من أبواب الحيض. الأحاديث.
6- وسائل الشيعة: ج 2/261 ب 43 من أبواب الجنابة. الأحاديث، من قبيل ح 2107.

بلا إشارة إلى الوضوء فيها.

والجمع العرفي بين الطائفتين يقتضي الالتزام بإرادة مجرّد ثبوت المشروعيّة من الأخبار الاُوَل.

أقول: ثمّ إنّ القائلين بالوجوب - مع عدم ذكر أغلبهم جميع النصوص الدالّة على عدم الوجوب - أجابوا عن هذه النصوص بأجوبة:

منها: ما عن جملةٍ من المحقّقين، وهو أنّ إعراض الأصحاب عنها مع كثرتها وتظافرها يوهنها، ويكشف عن خللٍ فيها: إمّا من حيث الصدور، أو جهة الصدور، أو من حيث الدلالة، فيُسقطها عن درجة الاعتبار.

وفيه: إنّ بعض عبارات القوم لا يأبى عن الحمل على مجرّد المشروعيّة، لاحظ ما تقدّم عن «الأمالي»(1)، فإذاً الإعراض الموهن غير ثابت، فلا وجه لرفع اليد عنها، لاسيّما بعد اعتضادها بما عرفت.

ومنها: ما عن الشهيد في «الذكرى »(2): وهو أنّ النصوص الاُوَل لأشهريّتها تُقدَّم على النصوص الأخيرة، لكونها أوّل المرجّحات.

وفيه: إنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو بعد عدم إمكان الجمع العرفي، وحيث إنّه يمكن في المقام، فلا مورد للرجوع إليها.

فإنْ قلت: إنّ بعض النصوص الدالّة على نفي الوجوب كالصريح في نفي المشروعيّة، فكيف يمكن الجمع ؟ لاحظ:

1 - مرفوع محمّد بن أحمد بن يحيى (3) مرسلاً: «الوضوء قبل الغُسل وبعده بدعة».9.

ص: 104


1- من أنّ الوضوء مع الغُسل من دين الإماميّة.
2- الذكرى: ص 25.
3- الوسائل: ج 2/245 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2059.

2 - وصحيح حكم، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سألته عن غُسل الجنابة، فقال عليه السلام: أفض على كفّك - إلي أن قال - قلت: إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصّلاة قبل الغُسل! فضحك فقال: أيُّ وضوءٍ أنقى من الغُسل وأبلغ»(1).

فإنّ المراد من (الغُسل) في مثل المقام ماهيّته دون خصوص غُسل الجنابة.

قلت: أمّا مرفوع محمّد، فلضعف سنده يُطرح ولا يعتمد عليه.

وأمّا الصحيح: فهو مختصٌّ بغُسل الجنابة كما هو واضح، وحمل الألف واللّام على الجنس خلاف الظاهر.

ومنها: ما عن المحقّق في «المعتبر»(2) من تقييده هذه النصوص بالنصوص الاُوَل، لإختصاصها بغير غسل الجنابة.

وفيه: إنّ بعض هذه النصوص صريحٌ في غيره. لاحظ موثّق عمّار المتقدّم(3).

ومنها: ما عن الشيخ في «التهذيب»(4): من حملها على ما إذا اجتمع معها غُسل الجنابة.

وفيه: - مضافاً إلى كونه حَمْلاً لا شاهد له - إنّ موثّق الساباطي(5) بقرينة قوله عليه السلام: «إذا اغتسل من جنابةٍ أو يوم جمعة... الخ» يأبى عن هذا الحمل.

ومنها: ما عن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(6) من تقييده هذه النصوص بما إذا لم يكن وقت صلاةٍ ، وإليه يرجع ما عن بعضهم من أنّ مشروعيّة الوضوء هنا ليست2.

ص: 105


1- التهذيب: ج 1/139 ح 83، وسائل الشيعة: ج 2/247 ب 34 من أبواب الجنابة ح 2068.
2- المعتبر: ج 1/196.
3- التهذيب: ج 1/141 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2/244 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2057.
4- الحديث السابق.
5- التهذيب: ج 1/141.
6- أشار إليه في عدّة موارد من المختلف منها: ج 1/342.

لتكميل الأغسال، وإنّما هي لرفع موجبه، وهو الحَدَث الأصغر، فإذا أراد الصّلاة وَجَب عليه الوضوء لذلك.

وفيه: إنّ قوله عليه السلام في الموثّق(1): «ليس عليه قبلُ ولا بعدُ فقد أجزأ عنه الغُسل».

وقوله عليه السلام في المكاتبة(2): «لا وضوء للصلاة في غُسل الجمعة».

يدلّان على عدم صحّة هذا الحمل.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى هو إجزاء كلّ غُسلٍ عن الوضوء، إلّاأنّه من جهة عدم إفتاء الأكثر لا ينبغي ترك الاحتياط.

وعليه فالفرق بين غُسل الجنابة وغيره إنّما هو في عدم مشروعيّة الوضوء مع غُسل الجنابة، ومشروعيّته مع غيره.

***6.

ص: 106


1- الحديث السابق.
2- التهذيب: ج 1/141 ح 88، وسائل الشيعة: ج 2/244 ب 33 من أبواب الجنابة ح 2056.

تنبيهان:

التنبيه الأوّل: هل يعتبر تقديم الوضوء على الغسل، أم يخيَّر بين إيجاده قبله أو بعده، وإنْ كان التقديم أفضل ؟ وجهان بل قولان:

المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً هو الثاني، كذا في «الجواهر»(1)و «الحدائق»(2).

وعن الحلّي(3): نفي الخلاف في عدم الشرطيّة.

وعن الشيخ(4) في بعض كتبه، والمفيد(5)، وأبي الصلاح(6)، وابني بابويه(7)وغيرهم: الأوَّل.

وعن «الذكرى»(8): إنّ إيجاب التقديم أشهر، ويساعده ما في محكي «الأمالي» المتقدّم(9).

ويشهد للأوّل:

1 - مرسل ابن أبي عمير(10) المتقدّم، المعتضد بالنصوص الكثيرة(11) المتضمّنة أنّ الوضوء بعد الغُسل بدعة.2.

ص: 107


1- جواهر الكلام: ج 3/245.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/127.
3- السرائر: ج 1/112.
4- كالنهاية: ص 23. ونسبه الشهيد الأوّل في الذكرى إلى الشيخ في كتابه الجمل.
5- المقنعة: ص 53.
6- الكافي لأبو الصلاح الحلبي: ص 135.
7- الهداية: ص 91. وفقه الرضا عليه السلام لعليّ بن بابويه: ص 82.
8- الذكرى: 26.
9- تقدّمت حكايته في أنّ الوضوء مع الغُسل من دين الإماميّة.
10- الكافي: ج 3/45 ح 13، وسائل الشيعة: ج 2/248 ب 35 من أبواب الجنابة ح 2072.
11- الكافي: ج 3/45 ح 12، وسائل الشيعة: ج 2/248 ب 35 من أبواب الجنابة ح 2072.

2 - وخبر ابن يقطين المتقدّم(1)؛ إذ في بعض نسخه: «فتَوضَّأ ثمّ اغتسل».

ودعوى: اتّحاد مرسله الأوّل مع الثاني، فلم يثبت وجود القيد فيه. فيها ما عرفت من عدم الاتّحاد.

كما أنّ دعوى إعراض الأصحاب عن ظاهره، مندفعة بما عرفت من التزام جماعةٍ بمضمونه، فلا مخرج عن ظاهره، وبه يُقيّد إطلاق سائر النصوص. فالأظهر هو الأوّل.

التنبيه الثاني: هل الوضوء شرطٌ في صحّة الغُسل أو كماله على القولين ؟ أم يكون شرطاً لما يشترط بالوضوء كالصلاة ونحوها؟ وجهان:

تظهر الثمرة في ما يحرم على الحائض كاللّبث في المساجد، كما لا يخفى .

أقول أوّلاً: وإنْ كان يشهد للأوّل ظاهر النصوص، إلّاأنّه بعد التدبّر الكامل في النصوص المتضمّنة لمشروعيّة الأغسال المسنونة والواجبة، كغُسل الجمعة والاستحاضة والنفاس وغيرها من الإغسال، يظهر عدم الاشتراط، وأنّه يتعيّن صرف هذه النصوص عن ظاهرها، وحملها على اعتبار الوضوء في الغايات الموقوفة على الوضوء، فإنّها مع كونها في مقام البيان، خالية عن ذكر الوضوء.

وثانياً: مضافاً إلى أنّ نصوص عدم وجوب الوضوء كالصريحة في أنّ مورد النفي والإثبات إجزاء الغُسل عن الوضوء وعدمه، لا اعتباره في صحّته أو كماله، مع أنّ مرتكزات المتشرّعة أيضاً تساعد على ذلك.

وثالثاً: مضافاً إلى ظهور الاتّفاق على عدم اعتبار الوضوء، لو كان على المكلّف أغسالٌ متعدّدة ونوى الجنابة، وليس ذلك من جهة مادلّ على إغناء غُسل الجنابة عن الوضوء، فإنّه لا يدلّ على إغنائه عنه في جميع ما يعتبر فيه الوضوء حتّى الأغسال.4.

ص: 108


1- التهذيب: ج 1/142 ح 92، وسائل الشيعة: ج 2/249 ب 34 من أبواب الجنابة ح 2074.

فالإنصاف: أنّ النفس تطمئن بعد ملاحظة ما ذكرناه وغيره من القرائن الداخليّة والخارجيّة، بعدم اعتباره في صحّة الغُسل أو كماله. فلاحظ وتدبّر.

وعليه، فما هو ظاهر «المدارك»(1) وعن «الذكرى»(2) من الترديد في ذلك في غير محلّه، وأنّ ما في «الجواهر»(3) وعن «جامع المقاصد»(4) من نفي الإشكال في عدم الشرطيّة، هو الصحيح.

***7.

ص: 109


1- مدارك الأحكام: ج 1/362.
2- يظهر من الذكرى: ص 26 حيث ذكر القولين في المسألة من دون ترجيح.
3- جواهر الكلام: ج 3/246.
4- جامع المقاصد: ج 1/327.
الخامس عشر: ويكره لها اُمور
اشارة

ويُكره لها قراءة ما عَدا العزائم. ومَسُّ المُصحف، وحمله، والخِضاب، والوطء قبل الغُسل، والإستمتاع منها بما بين السُرّة والرُّكبة،

ما يُكره للحائض ويستحبُّ لها

الخامس عشر: (ويكره لها) اُمور:

منها: (قراءة ما عَدا العزائم) من القرآن:

1 - لخبر الدعائم(1): «لا تَقرأ الحائض قرآناً».

2 - وعدّها من السّبعة الذين لا يقرؤن القرآن في خبر السكوني(2).

3 - وغيرهما من النصوص.

ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين سبع آيات وأقلّ منها.

واختصاص الكراهة في الجُنُب بالسَّبع لبعض النصوص، لا يلازم اختصاصها بها في الحائض.

(و) منها: (مَسّ المصحف) عدا الكتابة منه، لما تقدّم في الجنابة.

(و) منها: (حمله) لما مرّ.

أمّا مسّ الكتابة، فالظاهر حرمته لما تقدّم في ذلك المبحث، فراجع.

(و) منها: (الخِضاب) لما عرفت في الجُنُب.

(و) منها: (الوطء قبل الغُسل).

(و) منها: (الإستمتاع منها ما بين السرة والرُّكبة) وقد تقدّم الكلام فيهما مفصّلاً عند التعرّض لحرمة الوطء فراجع.

ص: 110


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 2/18 ب 19 من أبواب الحيض ح 1286، دعائم الإسلام: ج 1/128.
2- وسائل الشيعة: ج 6/246 ب 47 من أبواب قراءة القرآن ح 7854. نقلاً عن الخصال.
السادس عشر: يستحبّ لها الوضوء لكلّ صلاة فريضةٍ ، و...
اشارة

ويستحبُّ لها الوضوء لكلّ صلاةٍ فريضة، والجلوس في مصلّاها ذاكرةً بقدر صلاتها.

استحباب الوضوء للحائض

(و) السادس عشر: (يستحبّ لها الوضوء لكلّ صلاة فريضةٍ ، والجلوس في مُصلّاها) أي محلّ طاهر (ذاكرةً بقدر صلاتها).

بلا خلافٍ في المشروعيّة، للنصوص المستفيضة:

منها: مصحّح زرارة(1)، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا كانت المرأة طامثاً فلا تحلّ لها الصّلاة، وعليها أن تتوضّأ وضوء الصّلاة عند وقت كلّ صلاةٍ ، ثمّ تقعد في موضعٍ طاهر، فتذكر اللّه عزّ و جلّ وتسبّحه وتهلّله وتحمده كمقدار صلاتها، ثمّ تفرغ لحاجتها».

ونحوه غيره.

أقول: وظاهرها وإنْ كان هو الوجوب، كما عن عليّ بن بابويه(2) الالتزام به، إلّا أنّه يتعيّن حملها على الاستحباب، لاتّفاق الأصحاب على عدم الوجوب، والسيرة المستمرّة إلى زمان المعصوم عليه السلام، والتعبير بلفظ (لا ينبغي) في بعض النصوص، وغير ذلك من القرائن.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بأحكام الحائض، واللّه سبحانه أعلم بها.

***

ص: 111


1- الكافي: ج 3/101 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/345 ب 40 من أبواب الجنابة ح 2323.
2- فقه الرضا: ص 198 ب 27 في الحيض والاستحاضة والنفاس.

الفصل الثالث: في الاستحاضة: وهي في الأغلب دمٌ أصفرٌ بارد،

الفصل الثالث في الاستحاضة

اشارة

وهي تخرج من عِرْقٍ يُقال له العاذل، كما عن جماعةٍ من اللّغويين التصريح به، ولكن سيجيء كونها أعمّ من ذلك، فانتظر.

(وهي في الأغلب) كما عن «النافع»(1) و «التحرير»(2) و «المنتهى»(3)و «القواعد»(4) و «اللُّمعة» و «الروضة»(5). بل هو مراد الجميع(6)؛ إذ قد تكون الاستحاضة بصفاتِ الحيض، وقد يعكس الأمر.

(دمٌ أصفرٌ باردٌ) كما هو المشهور.

ويشهد له: جملة من النصوص:

منها: ما تقدّم في مبحث اشتباه الحيض بالاستحاضة،(7) كمصحّح حفص(8) و غيره.

ص: 112


1- المختصر النافع: ص 10.
2- التحرير: ج 1/16 (ط ق).
3- منتهى الإحكام ج 2 ص 409.
4- قواعد الأحكام: ج 1/218.
5- الروضة البهيّة: ص 390.
6- كما في غُنية النزوع: ص 17، وجامع الخلاف والوفاق لعليّ بن محمّد القمّي ص 22، وكشف الغطاء: ج 126/1، وصاحب الحدائق، وغيرهم.
7- فقه الصادق: ج 2/279.
8- الكافي: ج 3/91 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2133.

رقيق.

(رقيقٌ ) كما عن «الإصباح»(1) و «جُمل العلم والعمل»(2) و «المراسم»(3)و «المهذّب»(4) و «الغُنية»(5) و «الوسيلة»(6)، وكتب المحقّق(7)، والمصنّف(8)، والشهيدين(9) والمحقّق الثاني(10)، وغيرهم.

وعن «المبسوط»(11) و «المصباح»(12) و «نهاية الأحكام»(13) و «الاقتصاد»(14):

على الأولين.

وعن «المعتبر»(15)، و «الذكرى»(16): التردّد فيه.9.

ص: 113


1- حكاه عنه الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: ج 1/243 (ط. ق).
2- جمل العلم والعمل: ج 3/26 من رسائل الشريف المرتضى.
3- المراسم العلويّة: ص 44.
4- المهذّب البارع: ج 1/169.
5- غنية النزوع: 38.
6- الوسيلة: ص 59.
7- كالمختصر النافع: ص 10. والمعتبر: ج 1/241.
8- كالقواعد: ج 1/218. وكذلك منتهى المطلب: ج 2/409.
9- شرح اللُّمعة: ج 1/390.
10- جامع المقاصد: ج 1/337.
11- المبسوط: ج 1/45.
12- مصباح المتهجّد: ص 11.
13- نهاية الأحكام: ج 1/125.
14- الإقتصاد: ص 246.
15- المعتبر: ج 1/241. قال: (ذكره الشيخين).
16- الذكرى : ص 29.

تراه بعد أيّام الحيض أو أيّام النِّفاس.

ويشهد له:

1 - ما عن «دعائم الإسلام»(1): «إنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صُفرة».

2 - وما دلَّ من النصوص على أنّ دمها فاسدٌ باردٌ(2)، لملازمة الفساد للرِّقّة.

3 - وما تضمّن توصيف الحيض بكونه دماً عَبيطاً(3)، في مقام التمييز بينه وبين دم الاستحاضة، فإنّ العبيط هو الصحيح الجديد، والدّم ما دام كذلك له غِلظة.

وأمّا كونه يخرج بفتورٍ: أي بغير قوّة، فقد اعتبره المصنّف رحمه الله(4) في بعض كتبه، وعن بعضٍ إستظهار نفي الخلاف فيه.

ويشهد له: ما تضمّن توصيف دم الحيض في مقام التمييز بينه وبين دم الاستحاضة بالدفع، كصحيح حفص المتقدّم(5).

فما عن «المدارك»(6) من التوقّف فيه، لعدم الظفر بمستنده في غير محلّه.

(تراه بعد أيّام الحيض) بلا خلافٍ في ذلك ولا كلام، بل هو المتيقّن ممّا حُكم بكونه إستحاضة.

وتشهد له: النصوص الواردة في: «المرأة يستمرّ بها الدّم...»(7) فراجع.ا.

ص: 114


1- دعائم الإسلام: ج 1/127.
2- الكافي: ج 3/91 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.
3- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 30 من أبواب الحيض ح 2282.
4- كقواعد الأحكام: ج 1/219.
5- الكافي: ج 3/91 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2133.
6- مدارك الأحكام: ج 2/8.
7- كرواية حفص المتقدّمة وغيرها.

أو بعد اليأس.

(أو) بعد (أيّام النِّفاس)، فإنّه لا كلام ولا خلاف أيضاً في ترتّب أحكام الاستحاضة عليه.

ويشهد له: ما سيأتي من النصوص(1): «في المرأة ترى الدّم بعد الولادة، ويتجاوز عن عادتها».

(أو بعد اليأس) كما عن «القواعد»(2) و «الإرشاد»(3) و «النافع»(4)و «التحرير»(5) و «جامع المقاصد»(6) و «كشف اللِّثام»(7) و «الرياض»(8).

قال صاحب «الجواهر»(9): (إلّا أنّي لم أعثر على ما يدلّ على استحاضيّته بالخصوص في النصوص)!.

نعم يدخل ذلك في الكبرى الكليّة التي صرّح غير واحدٍ في جملةٍ من الكتب ك «الشرائع»(10) و «القواعد»(11)، وجملة من كتب المصنّف رحمه الله(12)، و «البيان»(13)1.

ص: 115


1- وسائل الشيعة: ج 2/382 ب 3 من أبواب النِّفاس.
2- قواعد الأحكام: ج 1/219.
3- إرشاد الأذهان: ج 1/228.
4- المختصر النافع ص 11.
5- التحرير: ج 1/109.
6- جامع المقاصد: ج 1/338.
7- كشف اللّثام: ج 2/144.
8- رياض المسائل: ج 2/97.
9- جواهر الكلام: ج 3/266.
10- شرائع الإسلام: ج 1/26.
11- قواعد الأحكام: ج 1/219.
12- كتحرير الأحكام: ج 1/109.
13- البيان: ص 21.

و «جامع المقاصد»(1) و «المدارك»(2) و «الكفاية»(3) و «كشف اللِّثام»(4)، ثبوتها.

بل عن «شرح المفاتيح»(5) نسبته إلى الفقهاء، من أنّهم عرّفوها بأنّها: (كلّ دمٍ ليس من القْرح أو الجُرح أو العُذرة، وليس بحيضٍ ولا نفاسٍ ، فهو محكومٌ بالاستحاضة).

وفي «المدارك»(6): تقييدها بما إذا كان الدَّم بصفة دم الاستحاضة.

أقول: ومحصّل القول في المقام إنّ الكلام:

تارة: يقع فيما عُلم عدم كون الدّم من الأقسام المذكورة ولو بأمارةٍ معتبرة.

واُخرى: فيما لم يُحرز ذلك.

أمّا المقام الأوّل: فالظاهر أنّه ليس مرادهم بذلك بيان قضيّة خارجيّة واقعيّة غير مربوطة بالشارع، كما أنّه ليس مرادهم بيان ذلك بحسب ما يُستفاد من كلام اللّغويين في تفسير دم الاستحاضة، بل مرادهم بيان قاعدة شرعيّة دالّة على أنّ صاحبة الدّم - غير الدّماء المذكورة - مستحاضة، أو في حكمها، بناءً على أنّ الاستحاضة هي الدّم المتّصل بدم الحيض.

وعليه، فيشهد لها ما ذكر بعض المحقّقين رحمهم الله(7) بقوله:

(فالذي يظهر بالتصفّح في كلمات الأصحاب، بحيث لا يشوبه شائبة1.

ص: 116


1- جامع المقاصد: ج 1/338.
2- مدارك الأحكام: ج 2/9.
3- كفاية الأحكام للمحقّق السبزواري: ص 5.
4- كشف اللّثام: ج 2/144.
5- كما في مخطوطة مصابيح الظلام في مكتبة الگلبايگاني: ج 1 ورق 24.
6- مدارك الأحكام: ج 2/9.
7- وهو الفقيه الهمداني في مصباحه: ج 1/297 ق 1.

الإرتياب، أنّ الدّم الذي تختصّ برؤيته المرأة من حيث كونها امرأة لا من حيث كونها مقروحة أو مجروحة، إذا رأته أقلّ من ثلاثة أيّام، ولم يكن من دم النِّفاس، أو رأته بعد اليأس، بل وكذا في حال الصِّغر، كونه بحكم دم الاستحاضة في الجملة من المسلّمات، بل من ضروريّات الفقه، بحيث لم يُخالف فيه أحدٌ على إجماله. وكفى بذلك دليلاً على استكشاف رأي المعصوم، خصوصاً في مثل هذا الفرع العام البلوى). انتهى.

ويستدلّ رحمه الله أيضاً: بجملةٍ من النصوص:

منها: مرسل يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديثٍ :

«فإذا رأت المرأة الدّم في أيّام حيضها، تركت الصَّلاة، فإن استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام فهي حائض، وإن انقطع الدّم بعدما رأته يوماً أو يومين، إغتسلت وصلّت. ثمّ قال عليه السلام: فعليها أن تعيد الصَّلاة تلك اليومين التي تركتها لأنّها لم تكن حائضاً»(1).

ومنها: ما ورد في صحيح صفوان: «فيمن رأت الدّم عشرة أيّام، ثمّ رأت الدّم بعد ذلك، أتُمسِك عن الصَّلاة ؟ قال عليه السلام: لا، هذه مستحاضة»(2).

ومنها: ما ورد في خبر يونس، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في المرأة ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام ؟ قال عليه السلام: تصنع ما بينها وبين شهر، فإن انقطع عنها الدّم، وإلّا فهي بمنزلة المستحاضة»(3).3.

ص: 117


1- الكافي: ج 3/76 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/305 ب 14 من أبواب الحيض ح 2204.
2- الكافي: ج 3/90 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2392.
3- الكافي: ج 3/79 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/285 ب 6 من أبواب الحيض ح 2153.

ومنها: في مرسل يونس الطويل(1): «وسُئل عن المستحاضة ؟ فقال عليه السلام: إنّما ذلك عرق عابر أو ركضة من الشيطان».

ومنها: ما ورد في رواية زريق(2): «فإنّما ذلك من فتقٍ في الرَّحم».

ومنها: ما ورد في مصحّح الصحَّاف(3) الوارد في الحامل بعدما يمضي عشرون يوماً، قال عليه السلام: «إنّ ذلك ليس من الرَّحم، ولا من الطمث، فلتتوضّأ وتحتش بكُرسفٍ وتصلّي».

ونحوها غيرها.

فإنّ المستفاد منها أنّ ما تراه المرأة غير المجروحة والمقروحة، إن لم يكن حيضاً فهو دم الاستحاضة أو بحكمه.

وبعبارة اُخرى: أنّ صاحبته بحكم المستحاضة.

بل المستفاد منها أنّ كلّ دم يخرج من الرّحم، ولو كان من جُرحٍ كائن في الرّحم، محكومٌ بالاستحاضة. فهذه الكبرى الكليّة ثابتة بقول مطلق. ممّا يعني أنّ ما اختاره في «المدارك»(4) ضعيفٌ .

وأمّا المقام الثاني: فقد تقدّم في مبحث اعتبار التوالي أنّه عند تردّد الدّم بين الحيض والاستحاضة، وعدم وجود أمارةٍ كاشفة عن أحدهما، يُحكم بكونه دم الاستحاضة، فراجع.(5)8.

ص: 118


1- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/281 ب 5 من أبواب الحيض ح 2145.
2- أمالي الصدوق: ج 2/310، وسائل الشيعة: ج 2/334 ب 30 من أبواب الحيض ح 2293.
3- الكافي: ج 3/95 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/330 ب 30 من أبواب الحيض ح 2779.
4- مدارك الأحكام: ج 2/9.
5- فقه الصادق: ج 2/298.

أقول: وإن احتملت كونه غيرهما، ففيه أقوال:

القول الأوّل: أنّه يُحكم بكونه دم استحاضة مطلقاً.

القول الثاني: عدم الحكم به مطلقاً، ما لم يدلّ دليلٌ خاص عليه.

القول الثالث: التفصيل بين ما لو كان واجداً لصفات الاستحاضة فيُحكم بها، وعدمه فلا يُحكم.

القول الرابع: التفصيل بين احتمال الجُرح أو القُرح، وبين سائر الاحتمالات، فلا يعتنى في الثاني، أي يُحكم بالاستحاضة دون الأوّل، لاعتناء الشارع به كما عرفته في باب الحيض دون سائر الاحتمالات.

القول الخامس: التفصيل في ذلك أيضاً بين ما لو كان الاحتمال ناشئاً من العلم بوجود قُرحٍ أو جُرح وبين غيره، فلا يعتنى بالاحتمال مطلقاً، إلّاعند العلم بوجود القُرح أو الجرح.

القول السادس: التفصيل بين ما لو كان دون الثلاثة فلا يُحكم بها، وبين غيره فيحكم.

استدلّ للأوّل:

1 - بأصالة عدم غيرها.

2 - وبالغلبة.

3 - وبنصوص الإستظهار، والمستمرّة الدّم.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا أصالة عدم غيرها، فهي مضافاً إلى أنّها لا تثبت كونه منها، معارضة

ص: 119

بأصالة عدمها.

وأمّا الغلبة: فلا دليل على اعتبارها شرعاً.

وأمّا النصوص فهي مختصّة بمواردها، والتعدّي عنها يحتاج إلى إلغاء خصوصيّة الموارد، وهو يحتاج إلى دليلٍ مفقود في المقام.

مع أنّ دعوى اختصاصها بما لو دار الأمر بين الحيض والاستحاضة، وعدم احتمال وجود دمٍ آخر، قريبة فتدبّر.

واستدلّ للثالث: بعموم ما دلَّ على حجيّة الصفات.

وفيه: ما عرفت في أوّل مبحث الحيض،(1) من عدم شمول تلك النصوص لما دار الأمر بين الحيض والاستحاضة مطلقاً، فضلاً عمّا لو تردّد بينهما وبين غيرهما.

واستدلّ للرابع: بأنّ المستفاد من النصوص الواردة في إشتباه دم الحيض بدم القُرح أو الجُرح، أنّ الشارع إعتنى باحتماله بخلاف غيره.

وفيه: أنّ ذلك لا يصلح أنْ يكون شاهداً لعدم الاعتناء بسائر الاحتمالات، إلّا أنْ يكون المراد ما يرجع إلى الكبرى الكليّة المتقدّمة، وعليه فيخرج عن محلّ الكلام، فتدبّر.

واستدلّ للخامس: بأصالة عدم القُرح أو الجُرح، إذا لم تعلم بوجوده، ومع العلم لا يجري الأصل.

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم من عدم جريان هذا الأصل، لعدم صلاحيّته لإثبات كونه استحاضة، ومعارضته بأصالة عدمها - أنّ التفصيل في غير محلّه؛ إذ على فرض جريان هذا الأصل، وعدم المعارض له، يجري حتّى مع العلم بوجود9.

ص: 120


1- فقه الصادق: ج 2/279.

القُرح أو الجرح؛ إذ ذلك لا يوجب العلم بكون الدّم منه حتّى لا تجري أصالة عدم كونه منه.

واستدلّ للسادس: بما في مرسل يونس(1): «في من رأتِ الدّم يوماً أو يومين وانقطع ؟ قال عليه السلام: ليس من الحيض، إنّما كان من علّةٍ أو من قُرحة في جوفها».

وأمّا من الجوف حيث لم يُحكم بأنّه استحاضة، وأمّا في غير ذلك فالمرجع هي الغلبة.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من عدم حجيّة الغلبة - أنّ المرسل واردٌ في مقام بيان دفع احتمال الحيض خاصّة.

أقول: ثمّ إنّ المحقّق الهمداني رحمه الله(2) اختار قولاً يرجع إلى القول الخامس، وهو عدم الاعتناء مطلقاً، بشرط أنْ يكون منشأ سائر الاحتمالات وجود علّةٍ محقّقة مقتضية لقذف الدّم.

واستدلّ له رحمه الله: ببناء العقلاء، بدعوى أنّك إذا راجعتَ العُرف، لا تكاد تجد امرأةً تعتني عند خروج الدّم من فرجها، ما لم تكن مجروحة أو مقروحة، باحتمال كونه غير الدّم الطبيعي الذي تختصّ برؤيته النساء. وبأصالة السلامة النافية لسائر الاحتمالات، القاضية بكونه الدّم الأصلي الذي تقتضيه الطبيعة، وجَعْلها سِرّ بناء العقلاء.

والجواب: قد تقدّم في مبحث الحيض، عند التعرّض لقاعدة الإمكان وأدلّتها،1.

ص: 121


1- الكافي: ج 3/76 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/299 ب 12 من أبواب الحيض ح 2186.
2- مصباح الفقيه: ج 1/297 ق 1.

أنّ هذا أصل لا يثبت به كون الدّم حيضاً أو استحاضة، فراجع.(1)

نعم، ما ذكره من بناء العقلاء لا إشكال فيه.

وإن شئت قلت: إنّ مثل هذا البناء العقلائي عليه السيرة المستمرّة القطعيّة، الكاشفة عن رأي المعصوم عليه السلام، مع أنّ النصوص المتقدّمة في المقام الأوّل، تدلّ على الحكم بالاستحاضة بمجرّد نفي الحيض، ومقتضى إطلاقها الحكم بها حتّى مع احتمال غيرها.

نعم، مع العلم بوجود علّةٍ ، يمكن دعوى عدم إطلاقها، بنحوٍ تشمل تلك الصورة، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة.

فإن قلت: إنّها ليست في مقام بيان حكم ما تردّد أمره بين الحيض والاستحاضة وغيرهما، وإنّما هي في مقام بيان ما تردّد بينهما.

قلت: بما أنّها في مقام بيان الوظيفة الفعليّة، ومَنْ هي مورد تلك النصوص، تحتمل غيرهما غالباً، يكون حملها على صورة العلم بعدم كونه غيرهما، حَمْلاً على فردٍ نادر، وهو لا يصحّ .

فإن قلت: إنّ دم الاستحاضة، هو الدّم الذي لا يكون حيضاً ولا نفاساً ولا من قُرحٍ ولا جرح ولا عُذرة، وعليه فيمكن إحرازه بأصالة عدم غيرها.

قلت: إنّ المستفاد من الأدلّة لو كان ذلك، كان الأصل جارياً بلا معارض، ولكن بما أنّه لا يكون لسان أدلّة القاعدة ذلك، فلا يصحّ الرجوع إلى الأصل المزبور. فتدبّر حتّى لا تُبادر بالأشكال.4.

ص: 122


1- فقه الصادق: ج 2/324.

فتحصّل: أنّ ما اختاره المحقّق الهمداني رحمه الله هو الأقوى.

أقول: ومنه يظهر ضعف القول الثاني.

وعلى ما ذكرناه، فما تراه في أقلّ من ثلاثة أيّام، أو بعد اليأس، أو مع الحمل - على القول بعدم اجتماعه مع الحيض - محكومٌ بالاستحاضة، إذا لم تعلم كونها مقروحة أو مجروحة.

***

ص: 123

إجتماع الحمل مع الحيض

يدور البحث في المقام عن إمكان اجتماع الحيض مع الحمل وعدمه ؟

1 - ذهب جماعة إلى اجتماع الحيض مع الحمل مطلقاً، كما عن «المقنع»(1)و «الناصريّات»(2) وكثيرٌ من كتب المصنّف رحمه الله(3) والشهيدين(4) والمحقّق الثاني(5).

وفي «المدارك»(6): نسبته إلى الأكثر.

وعن «جامع المقاصد» نسبته إلى المشهور.

2 - وبعضهم إلى إمكان اجتماعه إذا كان قبل الإستبانة، كما عن «الخلاف»(7)و «السرائر»(8) و «الإصباح»(9)، وعن الأوّل الإجماع عليه، وعن الثاني نسبته إلى الأكثر بين المحصّلين.

3 - وآخرون إلى إمكانه إذا كان بصفات الحيض، كما عن الصدوق(10).

4 - وجماعة رابعة فيما إذا كان قبل مُضيّ عشرين يوماً، وإلّا فيحكم بكونه استحاضة، كما عن «النهاية»(11) و «الاستبصار»(12) وفي «المدارك»(13).

ص: 124


1- المقنع: ص 50.
2- الناصريّات: ص 170.
3- كقواعد الأحكام: ج 12/213.
4- الذكرى: ص 28. روض الجنان: ص 59.
5- جامع المقاصد: ج 1/286.
6- مدارك الأحكام: ج 2/44.
7- الخلاف: ج 1/247.
8- السرائر: ج 1/150.
9- إصباح الشيعة: 2/430.
10- الفقيه: ج 1/91.
11- النهاية: ص 25.
12- الاستبصار: ج 1/140 ذيل ح 481.
13- مدارك الأحكام: ج 1/12. حيث قوّى هذا القول.

5 - وجماعة خامسة إلى عدم إمكان الجمع مطلقاً، كما عن المفيد(1) وابن الجنيد(2)، وفي «الشرائع»(3).

وجوهٌ وأقوال:

واستدلّ للأوّل: بجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان(4)، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الحُبلى ترى الدّم تترك الصَّلاة ؟ فقال عليه السلام: نعم إنّ الحُبلى ربما قدفت بالدم».

ومنها: صحيح ابن مسلم(5)، عن أحدهما عليه السلام: «عن الحُبلى ترى الدّم كما كانت ترى أيّام حيضها في كلّ شهر؟ قال: تُمسك عن الصَّلاة كما كانت تصنع في حيضها، فإذا طهرت صلّت».

ونحوهما غيرهما.

أقول: وتماميّة الاستدلال المذكور تتوقّف على عدم تماميّة ما استدلّ به على الأقوال الاُخر، كما لا يخفى، وسيأتي الكلام فيه فانتظر.

وأمّا القول الثاني: فإن كان المراد من الإستبانة مُضيّ عشرين يوماً، فسيأتي الكلام فيه، وإلّا فلا دليل عليه، بل يخالفه ويردّه صحيح حميد بن المثنّى(6) عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الحُبلى قد استبان ذلك منها، ترى كما ترى الحائض من الدّم ؟ قال عليه السلام: تلك الهراقة، إن كان دماً كثيراً فلا تُصلين، وإنْ كان قليلاً فلتغتسل عند4.

ص: 125


1- أحكام النساء: ص 24.
2- نقله عنه في المختلف: ج 1/356.
3- شرائع الإسلام: ج 1/26.
4- الكافي: ج 3/97 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/329 ب 30 من أبواب الحيض ح 2277.
5- التهذيب: ج 1/387 ح 17، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 30 من أبواب الحيض ح 2283
6- التهذيب: ج 1/387 ح 18، وسائل الشيعة: ج 2/332 ب 30 من أبواب الحيض ح 2284.

كلّ صلاتين».

ونحوه خبر ابن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام(1).

واستدلّ للثالث: بمجموعة من الأخبار:

1 - مصحّح أبي المَغرا، عن إسحاق بن عمّار(2)، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحُبلى ترى الدّم اليوم واليومين ؟ قال عليه السلام: إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلِّ صلاتين».

2 - وبخبر ابن مسلم(3): «عن الحُبلى قد استبان حبلها، ترى ما ترى الحائض من الدّم ؟ قال عليه السلام: تلك الهراقة من الدّم، إن كان دماً كثيراً أحمر فلا تُصلّي، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلّاالوضوء».

3 - وبصحيح أبي المَغرا(4)، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الحُبلى قد استبان ذلك منها، ترى كما ترى الحائض من الدّم ؟ قال عليه السلام: تلك الهراقة، إن كان دماً كثيراً فلا تصلين، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين».

أقول: والظاهر أنّ المراد من الكثرة في هذه النصوص، الغلظة وقوّة الدفع والثخانة التي هي من صفات الحيض، والمراد من القلّة ما قابلها.

وفيه: إنّ هذه النصوص وإنْ دلّت على هذا القول، وأنّه لا أماريّة لعادتها مع الحمل، وما ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله(5) من أنّها تدلّ على عدم جواز التحيّض بمجرّد الرؤية في الفاقد، لا على عدم كونه حيضاً واقعاً، غير ظاهر، بل الظاهر خلافه3.

ص: 126


1- الكافي: ج 3/96 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/334 ب 30 من أبواب الحيض ح 2292.
2- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 30 من أبواب الحيض ح 2282.
3- الكافي: ج 3/96 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/334 ب 30 من أبواب الحيض ح 2292.
4- التهذيب: ج 1/387 ح 14، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 30 من أبواب الحيض ح 2281.
5- كتاب الطهارة: ج 4/33.

بقرينة ما في جوابه عليه السلام في المصحّح من قوله: (ذينك اليومين).

إلّا أنّه يعارضها ما استدلّ به على القول الرابع، وهو ما رواه الشيخ رحمه الله في الصحيح، عن الحسين بن نعيم الصحَّاف، قال:

«قلت للصادق عليه السلام: إنّ أُمّ ولدي ترى الدّم وهي حامل، كيف تصنع بالصلاة ؟

فقال لي: إذا رأت الحامل الدّم بعدما يمضي عشرون يوماً، من الوقت الذي كانت ترى فيه الدّم، من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرّحم، ولا من الطمث، فلتتوضّأ وتَحتشي بكُرسفٍ وتُصلّي.

وإذا رأت الحامل الدّم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدّم بقليلٍ ، أو في الوقت من ذلك الشهر، فإنّه من الحيضة، فلتُمسك عن الصَّلاة عدد أيّامها التي كان تقعد في حيضها، فإن انقطع عنها الدّم قبل ذلك فلتغتسل ولتُصلِّ »(1).

والنسبة بين الطائفتين عموم من وجه، وهما معاً تدلّان على عدم حيضيّة المرئيّ بعد عشرين يوماً، إذا كان فاقداً للصفات، ومورد التعارض هو المرئيّ بعد العشرين واجداً للصفات، والمرئيّ في العادة بدون الصفات.

وحيثُ أنّ دلالة كلّ واحدة منها إنّما تكون بالإطلاق فتتساقطان، ويُرجع إلى عموم ما دلَّ على أماريّة الصفات، وما دلَّ على أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض.

ودعوى: أنّه يلزم من ذلك إحداث قولٍ لا قائل به.

مندفعة: بأنّه لا محذور في ذلك، بعد كون الاختلاف في الفتوى من جهة الاختلاف في كيفيّة الجمع بين النصوص.

مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ الأصحاب الذين أطلقوا الحكم باجتماع الحمل مع الحيض، أرادوا إثبات إمكان اجتماعهما، وليسوا في مقام البيان من هذه الجهة، فلا9.

ص: 127


1- الكافي: ج 3/95 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/330 ب 30 من أبواب الحيض ح 2279.

يصحّ أن يقال إنّهم حكموا بالاجتماع بقولٍ مطلق من غير تقييد بذلك.

فالمتحصَّل من هذه النصوص: أنّ ما تراه الحامل إنْ كان بصفات الحيض يُحكم به، وإلّا فإن كان في العادة فكذلك، وإن كان بعد مُضيّ العشرين فلا يحكم به.

وقد استدلّ للقول الخامس:

1 - بالإجماع على صحّة طلاق الحامل ولو في حال الدّم، بضميمة ما دلَّ على عدم صحّة طلاق الحائض، فإنّ نتيجتهما أنّ الحامل لا تحيض مطلقاً.

2 - وبأصالة عدم الحيض.

3 - وبالنصوص الدالّة على أنّ السبايا تستبرء أرحامهن بحيضة(1). وكذلك الجواري المنتقلة ببيع(2)، أو غيره الموطوءة بالزنا، والأمَة المحلّلة للغير.

4 - وبخبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال:

«قال النبيّ صلى الله عليه و آله: ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حبل، يعني أنّها إذا رأت الدّم وهي حامل لا تَدَع الصَّلاة إلّاأن ترى على رأس الولد إذا ضربها طلقٌ ، ورأت الدّم، تركت الصَّلاة»(3).

5 - وصحيح حميد بن المُثنّى، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن الحُبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدّم في الأيّام وفي الشهر والشهرين ؟ قال عليه السلام: ليس تمسك هذه عن الصَّلاة»(4).

6 - وخبر مقرن المحكيّ عن «علل» الصدوق، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سأل سلمان عليّاً عليه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه ؟ فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى4.

ص: 128


1- التهذيب: ج 8/176، وسائل الشيعة: ج 21/93 ب 8.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1/96 ذيل ح 203.
3- التهذيب: ج 1/388 ح 19، وسائل الشيعة: ج 2/333 ب 30 من أبواب الحيض ح 2288.
4- التهذيب: ج 1/387 ح 18، وسائل الشيعة: ج 2/332 ب 30 من أبواب الحيض ح 2284.

حبسَ عليها الحيضة فجعلها رزقة في بطن اُمّه»(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لو تمّ الإجماع على صحّة طلاق الحامل، ولو في حال الدّم، يكون هو المقيّد لإطلاق ما دلَّ على عدم صحّة طلاق الحائض، ولا يصحّ التمسّك بإطلاقه لإثبات عدم اجتماع الحيض مع الحمل، لأنّ أصالة العموم أو الإطلاق، إنّما يُرجع إليها بعد إحراز الموضوع والشكّ في الحكم، ولايرجع إليها لإثبات الموضوع.

وأمّا الأصل: فلأنّه لابدَّ من الخروج عنه بالأدلّة المتقدّمة.

وأمّا النصوص الواردة في السبايا والجواري: فلأنّها تدلّ على أنّ غلبة عدم اجتماع الحمل مع الحيض خارجاً، أمارة على أنّ من تحيّضت غير حامل، فهي أجنبيّة عن المقام.

مع أنّها تدلّ على لزوم التحيّض عند رؤية الدّم على كلّ تقدير، ولا تدلّ على لزوم قضاء ما تركته من العبادات بعد استبانة الحمل، كي تدلّ على هذا القول.

مع أنّ بعضها مشتملٌ على الإستبراء بثلاثة قروء، ممّا يدلّ على جواز اجتماع حيضة واحدة واثنتين معه.

وأمّا خبر السكوني: فقد أجاب عنه صاحب «المدارك»(2) بضعف سنده.

وفيه: إنّ بناء الأصحاب على العمل بروايات السكوني.

وأجاب عنه بعض الأعلام(3): بأنّ المراد منه القضيّة الغالبيّة الإمتنانيّة، وبأنّ 4.

ص: 129


1- وسائل الشيعة: ج 2/333 ب 30 من أبواب الحيض ح 2289. نقلاً عن علل الشرائع.
2- مدارك الأحكام: ج 2/12.
3- تعرّض لهذه الدعوى السيّد الحكيم قدس سره في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/164.

التفسير من الراوي.

وفيه: إنّ ذلك خلاف الظاهر. بل الصحيح في الجواب عنه أن يُقال إنّ هذا الخبر يتعيّن طرحه لمعارضته مع النصوص المتقدّمة، لأصحيّة سند تلك النصوص وموافقتها للمشهور ومخالفتها للعامّة.

ومنه يظهر ما في الخبرين الأخيرين على فرض تماميّة دلالتهما، مع أنّ صحيح حميد مطلق يمكن تقييده بما تقدّم، وخبر مقرن يدلّ على أنّ حبس الحيضة إنّما يكون لرزق الولد، وهذ لا ينافي بقاء مقدار الكفاية ودفع الزائد.

***

ص: 130

أقسام الاستحاضة

أقول: المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعاً أنّ لدم الاستحاضة مراتب ثلاث، وهي: صغرى ، ووسطى ، وكبرى .

ويستفاد ذلك من ملاحظة مجموع الأخبار التي ستمرّ عليك.

كما أنّه ستعرف أنّ ما عن ابن أبي عقيل(1) من إنكار حَدَثيّة المرتبة الاُولى، وأنّها لا توجب وضوءً ولا غُسلاً ضعيفٌ .

كما أنّ ما عن ابن الجنيد(2)، و «معتبر» المحقّق(3)، و «منتهى» المصنّف(4) من إدخال المرتبة الثانية في الثالثة، فأوجبوا تعدّد الأغسال فيها، غير سديد، وسيمرّ عليك بيانه.

ضابط المراتب: اختلفت عبارات الأصحاب في بيان ضابط المراتب الثلاث:

1 - فعن الصدوقين(5)، والشيخ في «الخلاف»(6)، وابن زُهرة(7)، والحلّي(8) في «السرائر» والمحقّق في «الشرائع»(9)، والسيّد في «المدارك»(10): أنّه إذا وضعت

ص: 131


1- نقله عنه المحقّق في المعتبر: ج 1/242.
2- المعتبر: ج 1/244.
3- المعتبر: ج 1/245.
4- منتهى المطلب: ج 2/412.
5- الفقيه: ج 1/90، نقلاً عن رسالة والده، والمقنع ص 48.
6- الخلاف: ج 1/249 المسألة 221.
7- غنية النزوع ص 39.
8- السرائر: ج 1/152-153.
9- الشرائع: ج 1/28.
10- مدارك الأحكام: ج 2/29.

الكُرسُف (أي القُطنة) ولم يثقب الكُرسُف، فهي الاستحاضة القليلة، وإن ثقب ولم يسل الدّم من الكُرسُف فهي الاستحاضة المتوسّطة، وإن ثقبه وسال عنه فهي الاستحاضة الكثيرة.

2 - وعن «المصباح»(1) ومختصره: أنّ الدّم القليل ما لا يَظهر على القُطنة، والمتوسّطة ما يَظهر عليها من الجانب الآخر ولا يسيل، والكثيرة ما يسيل.

3 - وعن جملةٍ من كتب المصنّف رحمه الله(2)، والشهيد(3)، وغيرهما: أنّ ضابط القليل وقسيميه هو الغمس مع السيلان، وبدونه وعدمه.

4 - وعن «المقنعة»(4) و «المبسوط»(5) و «المراسم»(6): أنّ ضابط القليل وقسيميه هو الرشح مع السيلان، وبدونه وعدم الرشح.

أقول: والظاهر أنّ مراد الجميع واحد، كما يشهد له ما عن «جامع المقاصد»(7)و «شرح الجعفريّة»(8) التصريح: بأنّ (الثقب) و (الغمس) و (الظهور) واحدٌ، ولذا لم يُحرّر في شيء من الكتب الفقهيّة الخلاف المذكور.

وكيف كان، فإنّما الشأن في إثبات ما هو المعروف من أحكامها.

***4.

ص: 132


1- مصباح المتهجّد: ص 11.
2- كقواعد الأحكام: ج 1/219.
3- البيان للشهيد الأوّل: ص 21.
4- المقنعة ص 56.
5- المبسوط: ج 1/67.
6- المراسم العلويّة: ص 43.
7- جامع المقاصد: ج 1/340.
8- حكاه الشيخ الأعظم في الطهارة: ج 1/246 (ط. ق)، والسيّد الحكيم في المستمسك: ج 3/384.

فإنْ كان الدّم قليلاً، وهو أن يظهر على القُطنة ولا يغمسها، وجب عليها تغيير القُطنة، وتجديد الوضوء لكلّ صلاة.

الاستحاضة القليلة

قال رحمه الله: (فإن كان الدّم قليلاً، وهو) كما عرفت (أن يظهر على القُطنة) بحيث تتلوّث القُطنة بالدم، (ولا يغمسها، وَجَب عليها تغيير القُطنة، وتجديد الوضوء) خاصّة، من غير ضمّ الغُسل إليه (لكلّ صلاة).

أمّا لزوم تغيير القُطنة: فهو المشهور بين الأصحاب.

بل عن ظاهر غير واحدٍ، منهم المصنّف رحمه الله(1) في بعض كتبه: الإجماع على وجوب إبدالها عند كلّ صلاة.

وعن ولده: دعوى إجماع المسلمين على وجوب التغيير.

وصريح جماعةٍ من المتأخّرين بل المشهور بينهم: عدم الوجوب.

واستدلّ للأوّل:

1 - بالإجماع.

2 - وبالنصوص الدالّة على وجوب الإبدال في الوسطى والكبرى التي ستمرّ عليك بدعوى عدم تعقّل الفرق، بل عن «الرياض»(2): إنّه يتمّ بالإجماع المركّب.

3 - وبما دلَّ على مانعيّة الدّم عن الصَّلاة، إلّاما عُفي عنه، ولم يثبت العفو عن هذا الدّم، ولو في ما دون الدرهم.

ص: 133


1- نسبه في التذكرة: ج 1/279 إلى أكثر علمائنا، وفي منتهى المطلب: ج 2/409 قال: لا خلاف عندنا.
2- رياض المسائل: ج 2/111.

4 - وبأنّه يجب الاختبار، وهو يتوقّف على إخراج القُطنة، فلا يجوز إدخالها ثانياً لإستلزامه تنجيس الظاهر.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الإجماع: - فمضافاً إلى عدم ثبوته كما عرفت - إنّه يمكن أنْ يكون مدرك الُمجمعين بعض ما ذُكر.

أمّا الثاني: أي الأخبار الدالّة على وجوب الإبدال في المتوسّطة والكثيرة:

- فعلى فرض تسليم دلالتها على وجوب الإبدال عند كلّ صلاة لا كلّ غُسلٍ ، مع أنّ للمنع عنها مجالاً واسعاً، كما ستعرف دلالته على حكم المقام، - تتوقّف دلالتها على عدم الفصل، وهو غيرُ ثابتٍ ؛ إذ يحتمل أنْ يكون الوجه فيه في ذينك القسمين أنّ ظهور الدّم فيهما بنفسه حَدَثٌ موجب للغسل، فيجب التحفّظ عنه حتّى الإمكان، أو يكون غير ذلك، ممّا أوجب اختلاف الأقسام في سائر الأحكام، وأخفيّة القليلة من حيث الحَدَث، ومنه يظهر ما في دعوى عدم معقوليّة الفرق.

وأمّا الثالث: وهو ما دلَّ على مانعيّة النجاسة؛ فسيأتي في كتابنا هذا لاحقاً أنّه مختصٌّ بالدم الذي لا يكون أقلّ من الدرهم. وأنّ استثناء دم الاستحاضة في غير محلّه، مع أنّك عرفت أنّ المتلوّث بالدّم وغيره من النجاسات لا تجوز الصَّلاة فيه إذا كان ملبوساً، وكان ممّا تتمّ فيه الصَّلاة وإلّا فتجوز.

هذا، مضافاً إلى أنّ النجاسات ما لم تخرج إلى الظاهر لا تكون محكومة بالنجاسة، كما تقدّم.

وأمّا وجوب الاختبار: فهو يكون في صورة الجهل بكون الدّم من أي الأقسام، لا فيما كان معلوماً، مع أنّ للبحث في ثبوته مجالاً واسعاً سيأتي الكلام فيه.

وبالجملة: فلا دليل على وجوب التبديل، والأصل يقتضي عدم الوجوب،

ص: 134

ويشهد له - مضافاً إلى ذلك - خلوّ الأخبار الآمرة بالوضوء عنه، مع كونها في مقام بيان الوظيفة الفعليّة، بل صريح بعض الأخبار عدم الوجوب:

منها: خبر الجعفي(1) الوارد في دم النِّفاس:

«فإنْ هي رأت طُهراً اغتسلت، وإن هي لم ترَ طُهراً اغتسلت واحتشت، فلا تزال تُصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدّم على الكُرسُف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكُرسُف».

ومنها: صحيح الصحّاف(2) في حديث حيض الحامل:

«فلتغتسل ثمّ تحتشي وتستذفر، وتُصلّي الظهر والعصر، ثمّ لتنظر فإنْ كان الدّم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكُرسُف، فلتتوضّأ ولتُصلِّ عند وقت كلّ صلاة، ما لم تطرح الكُرسُف عنها، فإن طرحت الكُرسُف عنها فسال الدّم وجب عليها الغُسل، وإن طرحت الكُرسُف ولم يسل فلتتوضّأ ولتُصلِّ ولا غُسل عليها».

وخلاصة الكلام: فالأقوى بحسب الأدلّة، هو القول بعدم الوجوب، ولكن مراعاةً لإفتاء الأعاظم به، وعدم اعتنائهم بهذه الظهورات، لا ينبغي ترك الاحتياط.

وبما ذكرناه ظهر ضعف ما عن «المبسوط»(3) و «السرائر»(4) و «جامع المقاصد»(5) وغيرها، بل عن «كشف اللِّثام»(6): نسبته إلى الأكثر، من وجوب تغيير الخرقة.

***9.

ص: 135


1- التهذيب: ج 1/171 ح 60، الوسائل: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2399.
2- الكافي: ج 3/95 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2396.
3- المبسوط: ج 1/67.
4- السرائر: ج 1/152.
5- جامع المقاصد: ج 1/340.
6- كشف اللّثام: ج 2/149.
تجديد الوضوء لكلّ صلاة

أقول: المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء خاصّة لكلّ صلاةٍ ، في الفرائض.

وعن «الناصريّات»(1) و «الخلاف»(2) وظاهر «التذكرة»(3): الإجماع عليه.

وعن ابن أبي عقيل(4): أنّه لا وضوء عليها ولا غُسل.

وعن ابن الجُنيد(5): أنّ عليها في اليوم واللّيلة غُسلاً واحداً.

وعن المحقّق الخراساني رحمه الله: إنّ الدّم إنْ كان حمرةً فعليها غُسلٌ واحدٌ، وإن كان صفرةً فعليها الوضوء لكلّ صلاة.

وأمّا النصوص: الواردة في الباب، فهي من جهة اختلاف مضامينهاعلى طوائف:

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على وجوب إغتسال المستحاضة مطلقاً ثلاث مرّات، منها الخبر المصحّح الذي رواه ابن سنان(6):

«المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلّي الظهر والعصر، ثمّ تغتسل عند صلاة المغرب، فتصلّي المغرب والعشاء، ثمّ تغتسل عند الصبح فتصلّي الفجر».

الطائفة الثانية: ما تدلّ على وجوب إغتسال المستحاضة القليلة والمتوسّطة مرّةً واحدة: كصحيح زرارة(7)، عن الإمام الباقر عليه السلام: «وإن لم يجز الدّم الكُرسُفَ صلّت بغُسلٍ واحد».

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على وجوب الوضوء خاصّة للمستحاضة القليلة:

ص: 136


1- الناصريّات للسيّد المرتضى: 147.
2- الخلاف: ج 1/233.
3- التذكرة: ج 1/104. ونسبه إلى أكثر علمائنا ص 279.
4- نقله عنه كثيرون منهم مَن تقدّم سابقاً ومنهم العلّامة في المصدر السابق.
5- فتاوى ابن الجنيد: ص 34.
6- الكافي: ج 3/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2393.
7- الكافي: ج 3/99 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/373 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2394.

منها: مصحّح معاوية بن عمّار(1)، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«وإن كان الدّم لا يثقب الكُرسُف، توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاةٍ بوضوء».

ومنها: موثّق زرارة(2)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع ؟ قال عليه السلام: تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة، فلتغتسل وتستوثق من نفسها، وتصلّي كلّ صلاةٍ بوضوء ما لم ينفذ الدّم، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت».

الطائفة الرابعة: ما توهم دلالته على وجوب الغُسل في كلّ يوم مرّة، والوضوء لكلّ صلاة للمستحاضة القليلة. وهو موثّق سماعة(3):

«المستحاضة إذا ثقب الدّم الكُرسُف اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غُسلاً، وإنْ لم يجز الدّم الكُرسُف فعليها لكلّ يوم مرّة، والوضوء لكلّ صلاةٍ ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إن كان الدّم عبيطاً، وإن كان صفرةً فعليها الوضوء».

بدعوى أنّ قوله عليه السلام: (وإنْ لم يجز... الخ) تصريحٌ بمفهوم قوله: (إذا ثقب... الخ)، وأنّ ذيله يدلّ على وجوب الوضوء فقط للصفرة مطلقاً، وإن كان مع الإنغماس أو السيلان، فيتّحد مفاد ذيله مع جملةٍ من النصوص التي نذكرها في الطائفة القادمة.

الطائفة الخامسة: من نصوص الباب، وهي ما تدلّ على وجوب الوضوء:

منها: صحيح محمّد بن مسلم(4) عن الإمام الصادق عليه السلام: «وإن رأت الصفرة في6.

ص: 137


1- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/371 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2390.
2- التهذيب: ج 1/169 ح 55، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2398
3- الكافي: ج 3/89 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2395.
4- الكافي: ج 3/78 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/278 ب 4 من أبواب الحيض ح 2136.

غير أيّامها توضّأت وصلّت».

ومنها: خبر علي بن جعفر(1)، عن أخيه عليه السلام: «ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة ولتصلِّ ولا غُسل عليها من صفرةٍ تراها إلّافي أيّام طمثها».

ونحوه خبره الآخر(2).

الطائفة السادسة: ما دلّت على وجوب الإغتسال ثلاث مرّات للصفرة، كخبر إسحاق بن عمّار(1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم في الحامل:

«وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين».

ونحوه صحيح ابن الحجّاج في النفساء.

الطائفة السابعة: ما دلّت على التفصيل بين ما إذا كانت الصفرة قليلة أو كثيرة:

وهو خبر ابن مسلم(2) عن أحدهما عليه السلام في الحُبلى:

«وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلّاالوضوء».

هذه هي الطوائف من النصوص المذكورة في مصادرنا.

أقول: وحقّ القول في الجمع بينها:

أمّا الطائفتين الأولتين: فإنّه يتعيّن تقييدهما بالطائفة الثالثة لكونها أخصّ منهما.

وأمّا الطائفة الرابعة: وهو موثّق سماعة، فدلالته على ما توهم، تتوقّف على حمل الشرط في الشرطيّة الثانية، على إرادة عدم ثقب الدّم الكُرسُف، مع أنّه ليس بأولى من العكس، وهو حمل الشرط في الشرطيّة الاُولى على إرادة جواز الدّم من الكُرسُف أيضاً، بل الثاني أظهر، لا سيّما مع ما في ذيله من قوله عليه السلام: (هذا إن كان الدّم2.

ص: 138


1- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 1 من أبواب الحيض ح 2282.
2- الكافي: ج 3/97 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/334 ب 1 من أبواب الحيض ح 2292.

عبيطاً... الخ)، فإنّه على الظاهر يكون المشار إليه هو وجوب الغُسل مرّةً واحدة، ويدلّ على إختصاصه بما إذا كان عبيطاً موجباً لثقب الدّم للكُرسُف.

وأمّا إذا كان لقلّته أصفر، ويكون لقلّته لا يُرى إلّالوناً محضاً بلا جوهريّة له، فليس عليها إلّاالوضوء، فهو متكفّلٌ لبيان حكم جميع الأقسام، وفي القليلة يتّحد مفاده مع الطائفة الثالثة.

وأمّا الطائفة الخامسة: فالظاهر أنّ المراد من (الصفرة) في تلك النصوص ما يقابل الغِلظة الّتي هي من صفات الحيض، وتدلّ تلك النصوص على أنّ الصفرة في غير أيّام العادة أمارة كون الدّم استحاضة.

وعليه، فهي تدلّ على أنّ وظيفتها الوضوء لكلّ صلاةٍ ، ففي المتوسّطة والكثيرة يقيّد إطلاقها بما ستعرف.

أمّا الطائفة السادسة: فممّا ذكرنا في الطائفة السابقة يظهر أنّ مفاد نصوص هذه الطائفة وهي ما تدلّ على أنّ المرأة إذا رأت الصفرة تغتسل لكلّ صلاتين، متّحدٌ مع مفاد الاُولى، فيجري فيها ما ذكرناه في تلك الأخبار.

وأمّا الطائفة السابعة: فهي لا تدلّ على التفصيل المتوهّم، فإنّ الظاهر من القلّة فيها ما يقابل الغلظة والثخانة وقوّة الدفع، الّتي هي من صفات الحيض، فالمستفاد منها أن المستحاضة ليس عليها إلّاوضوء واحد، فتقيّد بما سيجىء.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ المستفاد من مجموع نصوص الباب، وجوب الوضوء عليها لكلّ صلاةٍ إذا كانت الاستحاضة قليلة مطلقاً، وعدم وجوب الغُسل عليها، ولا تعارض بينها في ذلك.

أقول: وبذلك كلّه تظهر اُمور:

1 - إنّ ما ذكره بعض الأعلام من لزوم طرح القسم السادس من النصوص

ص: 139

لمخالفة المشهور - بتوهّم أنّه يدلّ على وجوب الغُسل إذا كان دم الاستحاضة أصفر، وحمله على المتوسّطة والكثيرة خلاف الظاهر ضعيفٌ .

2 - عدم تماميّة ما عن المحقّق الخراساني(1) من أنّ الجمع بين النصوص يقتضي الإلتزام:

بأنّ الدّم إنْ كان حمرةً ثاقبة، فعليها أغسال ثلاثة، وإن لم يجز الدّم الكُرسُف.

وإن كانت غير ثاقبة، فعليها غُسلٌ واحدٌ.

والصفرة إن كانت قليلة عرفاً، فعليها الوضوء لكلّ صلاة، وإن كانت كثيرة عرفاً فعليها الأغسال الثلاثة، فإنّ المستند في هذا القول هو موثّق سماعة - بالتقريب المتقدّم - والطوائف الثلاث الأخيرة من النصوص، بدعوى أنّ المراد من (الصفرة) فيها ليس ما هو من أمارات الاستحاضة، فالطائفة الأخيرة توجب حمل الطائفة السادسة على الصفرة الكثيرة، والخامسة على الصفرة القليلة.

ويرد عليه: - مضافاً إلى ما تقدّم - أنّ حمل الطائفة الثالثة من النصوص على ما إذا كان الدّم أصفر لايصحّ ، إذ تلك النصوص كالصريحة في اتّحاد موضوع وجوب الغسل مع موضوع وجوب الوضوء فقط، من غير ناحية النفوذ، فتدبّر.

3 - ضعف ما عن ابن الجنيد، فإنّ الظاهر أنّ مستنده هو الطائفة الثانية وقد عرفت ما فيه.

4 - إنّه لا مجال للرجوع إلى أصالة عدم ناقضيّة القليلة، لعدم كونها مرجعاً مع الدليل، وبذلك يقيّد إطلاق النصوص الحاصرة موجبات الوضوء في غيرها، فما عن العُمّاني من عدم كونها موجبة للوضوء غير تامّ .

***6.

ص: 140


1- نُقل عن رسالة الدّماء للخراساني في مستمسك العروة للسيّد الحكيم: ج 3/386.
عدم اختصاص هذا الحكم بالفريضة

أقول: المحكيّ عن غير واحدٍ في جملةٍ من الكتب، منها «التذكرة»(1)و «المنتهى»(2) و «نهاية الاحكام»(3) و «المعتبر»(4): أنّه لافرق بين الفرائض والنوافل.

وعن الثاني نسبته إلى الأشهر عندنا.

وعن الأوّل نسبته إلى علمائنا.

وفي «الجواهر»(5): هو ظاهر معقد الشهرات والإجماعات المتقدّمة عدا «الخلاف».

وعن «المبسوط»(6) و «المهذّب»(7): أنّها إذا توضّأت للفرض، جاز أن تُصلّي معه ما شاءت من النوافل.

ويشهد للأوّل: أنّ المستفاد من النصوص، كون دم الاستحاضة حَدَثاً مطلقاً، كما عن بعضٍ دعوى الإجماع عليه، بل عن «التهذيب»(8): دعوى إجماع المسلمين على كون الاستحاضة موجبة للطهارة، وعن «المختلف»(9): على كونها حَدَثاً، وعن «شرح الجعفريّة»(10): على كونها من النواقض. فتكون المستحاضة مستمرّة

ص: 141


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/104.
2- المنتهى: ج 1/103 و ص 205.
3- نهاية الاحكام: ج 1/73.
4- المعتبر: ج 1/111.
5- جواهر الكلام: ج 3/317.
6- المبسوط: ج 1/68.
7- المهذّب البارع: ج 1/39.
8- التهذيب: ج 1/5.
9- المختلف: ج 1/374.
10- نقله الشيخ الأنصاري في طهارته: ج 4/30 عن شرح الجعفريّة.

الحَدَث، وإنّما اُبيح لها كلّ صلاة بوضوء واحد للضرورة فيتعيّن الإقتصار على المتيقّن.

ودعوى: عدم ثبوت حَدَثيّة الاستحاضة، إلّابمعنى كونها موجبة للوضوء في الجملة لا مطلقاً، فكون الخارج بعد الوضوء مؤثّراً في المنع على الإطلاق، إلّاما خرج بالدليل يحتاج إلى الدليل.

مندفعة: بأنّ معاقد الإجماعات صريحة في حدثيّتها، والنصوص ظاهرة فيها؛ إذ المتبادر إلى الذهن من الأمر بالغسل أو الوضوء عقيب شيء، كونه إرشاداً إلى حَدَثيّته، كما أنّ الأمر بالغُسل عقيب الملاقاة مع شيء ظاهرٍ في كونه من النجاسات.

فإن قلت: إنّ المستفاد من النصوص، كون الاستحاضة مؤثّرة في حدوث حالةٍ مانعةٍ عن الصَّلاة، يرفع منعها عند قلتها الوضوء عند كلّ صلاة، فمن الجائز أن تكون الوضوءات الصادرة منها رافعة لنفس تلك الحاله حقيقة، فطبيعتها من حيث هي لا تكون حَدَثاً سوّغت الصَّلاة معها الضرورة، وحيث أنّ المتيقّن من الأخبار إرادة الوضوء للصلوات المفروضة، فلا دليل على لزوم تجديد الوضوء للنافلة.

قلت: إنّ ذلك مضافاً إلى كونه خلاف المعهود من الشرع، لعدم ثبوت حالةٍ اُخرى مانعة عن الصَّلاة غير الحَدَث لو تمّ - فإنّما هو في غير معاقد الإجماعات وكلمات الأصحاب، وأمّا فيما فلا يمكن الإلتزام به.

أقول: ويشهد لأصل الحكم - مضافاً إلى ذلك - عموم صحيح معاوية(1)وموثّق عمّار(2) المتقدّمين.0.

ص: 142


1- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/371 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2390.
2- التهذيب: ج 1/403 ح 1261، الوسائل: ج 2/392 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2440.

ودعوى: انصرافهما إلى إرادة الوضوء للصلوات المفروضة، والمؤيّد بما ورد من قوله عليه السلام في صحيح الصحّاف(1) المتقدّم: «فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة».

ونحوه خبر يونس.

ممنوعة: إذ هذا الإنصراف ليس بنحوٍ يصلح لتقييد المطلقات، واختصاص بعض النصوص بالفرائض لا يكون شاهداً لإختصاص ما لا قيد فيه أيضاً بها.

فإن قلت: إنّ النوافل من توابع الفرائض، وبمنزلة مقدّماتها، فيُشرع الإتيان بنوافل كلّ فرض بوضوء ذلك الفرض.

قلت: إنّ تبعيّتها لها لا توجب اتّحاد الصلاتين، وعليه فمقتضى إطلاق النصوص عدم المشروعيّة.

أقول: واستدلّ للقول الآخر:

تارةً : بعدم ثبوت حَدَثيّة الاستحاضة.

واُخرى: بانصراف النصوص عنها.

وثالثة: بأنّ النوافل من توابع الفرائض.

ورابعة: بكون وجوب الوضوء لكلّ صلاةٍ نافلة حرجيّاً.

والجواب: والكلّ كما ترى؛ إذ الثلاثة الاُول تقدّم دفعها، ولزوم الحَرَج لو ثبت، يستلزم عدم وجوبها، لا عدم شرطيّة الوضوء لكلّ نافلةٍ ، التي لا شبهة في أنّ أفضلها أحمزُها.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو وجوب الوضوء لكلّ صلاةٍ مطلقاً، من غير فوق بين الفرائض والنوافل.

***6.

ص: 143


1- الكافي: ج 3/95 ح 1 / وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2396.

وإن كان الدَّم كثيراً وهو أن يغمس القُطنة ولا يسيل، وَجَب عليها مع ذلك، تغيير الخرقة، والغُسل لصلاة الغداة.

الاستحاضة المتوسّطة

(وإن كان الدّم كثيراً، وهو أن يغمس القُطنة ولا يسيل) إلى خارجها، المسمّى عندهم بالاستحاضة المتوسّطة، (وجب عليها مع ذلك) أي فضلاً عن الوضوء لكلّ صلاةٍ ، أن تقوم بتبديل القُطنة، و (تغيير الخرقة) ثمّ (والغُسل لصلاة الغداة).

أقول: هنا أحكام أربعة:

1 - وجوب الوضوء لكلّ صلاة.

2 - تبديل القُطنة.

3 - تغيير الخرقة.

4 - الغُسل لصلاة الغداة.

أمّا الحكم الأوّل: فيجب الوضوء عليها لكلّ صلاةٍ بلا إشكال ولا خلاف فيما عدا صلاة الغداة.

ويشهد له:

1 - موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «غُسل الجنابة واجب، وغسل الحيض إذا طهرت واجبٌ ، وغسل الاستحاضة واجب، إذا احتشت الكُرسُف، فجاز دمها الكُرسُف، فعليها الغُسل لكلّ صلاتين، وللفجر غُسلٌ ، وإن لم يجز الدّم الكُرسُف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة، والوضوء لكلّ صلاة»(1).

ص: 144


1- الكافي: ج 3/40 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/174 ب 1 من أبواب الجنابة ح 1854.

2 - وموثّقه الآخر(1) المتقدّم في القليلة بالتقريب المتقدّم.

وأمّا وجوب الوضوء لصلاة الغداة: التي اغتسلت عندها، ففيه قولان:

1 - فعن صريح جماعةٍ الإلتزام به.

2 - وعن الشيخ في «المبسوط»(2) و «الخلاف»(3)، والصدوقين(4) والقاضي(5)والحلبي(6) وابن زُهرة(7): العدم.

ويشهد للأوّل: موثّقا سماعة المتقدّمان.

واستدلّ للثاني: بما دلَّ على الإجتزاء بكلّ غُسلٍ عن الوضوء.

واُورد عليه: بأنّ ما دلَّ على الإجتزاء، إنّما يدلّ على أنّ الغُسل يوجب رفع أثر السبب المتقدّم عليه، لا ما يتحقّق في أثناء الغُسل أو بعده، وحيث أنّ دم الاستحاضة حَدَثٌ كما مرّ، فتكون المستحاضة ما دامت مستحاضة مستمرّة الحَدَث، ولازم ذلك تحقّق سبب الوضوء في أثناء الغُسل وبعده، فلا يُجزي غُسلها عن الوضوء.

واستمرار حَدَثها لايوجب إجزائه عن الوضوء، وإن توهّم من جهة بطلان الوضوء على تقدير الإتيان به، فإنّ العفو عمّا يتحقّق في أثناء الوضوء وبعده إلى آخر الصَّلاة ثابتٌ بالدليل الخاص.

وفيه أوّلاً: النقض بما إذا اغتسلت للجنابة، فإنّ لازم هذا الوجه عدم إغنائه9.

ص: 145


1- الكافي: ج 3/89 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2395.
2- المبسوط: ج 1/67
3- الخلاف: ج 1/294.
4- فقه الرضا لإبن بابويه: ص 193. والمقنع للشيخ الصدوق: ص 48.
5- المهذّب: ج 1/37.
6- الكافي لأبو الصلاح الحلبي: ص 129.
7- غنية النزوع: ص 39.

عن الوضوء وهو كما ترى.

وثانياً: بالحَلّ ، وهو أنّ المستفاد من أدلّة الإجتزاء، أنّ كلّ غُسلٍ يفيد فائدة الوضوء من حيث الطهوريّة، من غير فرق بين الحقيقيّة أو الحكميّة، فتأمّل.

أقول: والصحيح أن يورد عليه؛ بأنّ مقتضى تلك الأدلّة وإنْكان عدم الوجوب، إلّا أنّه يجب الخروج عنها لما تقدّم من الدليل عليه. فإذاً الأقوى هو الوجوب.

وأمّا الحكم الثاني(1): فهو المشهور بينهم.

وفي «الجواهر»(2): بلا خلافٍ صريحٍ أجده فيه هنا، سوى ما سمعته من المناقشة السابقة لبعضٍ .

بل عن فخر الإسلام في «شرح الإرشاد»(3): دعوى إجماع المسلمين عليه.

واستدلّ له:

1 - بفحوى ما دلَّ على وجوبه في القليلة.

2 - وبخبر الجُعفي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «وإنْ هي لم ترَ طُهراً، اغتسلت واحتشت، ولاتزال تُصلّي بذلك الغُسل حتّى يظهر الدّم على الكُرسُف، فإذا ظهر أعادت الغُسل وأعادت الكُرسُف»(4).

3 - وبخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، المرويّ في كتاب الحجّ من «التهذيب»(5)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المستحاضة:

«فإن ظهر على الكُرسُف، فلتغتسل، ثمّ تضع كُرسفاً آخر ثمّ تُصلّي، فإذا كان7.

ص: 146


1- وهو وجوب إبدال القُطنة.
2- جواهر الكلام: ج 3/313.
3- حكاه السيّد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 2/114، وصاحب الجواهر: ج 3/319.
4- التهذيب: ج 1/171 ح 60، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 أبواب الاستحاضة ح 2399.
5- التهذيب: ج 1/400 ح 26، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 أبواب الاستحاضة ح 2397.

دماً سائلاً فلتؤخّر الصَّلاة إلى الصَّلاة، ثمّ تُصلّي صلاتين بغُسلٍ واحد».

فلأنّ الظاهر من الجملة الاُولى ورودها في مقام بيان حكم المقام بقرينة قوله عليه السلام: (فإن كان دماً سائلاً... الخ).

ولكن يرد على الأوّل: ما عرفت من عدم الدليل على وجوبه هناك.

وعلى الآخيرين: أنّهما يدلّان على لزوم تبديل القُطنة بعد الغُسل، لا عند كلّ صلاة، وعدم القول بالفصل بين الصَّلاة التي اغتسلت لها وغيرها، إنّما يتمّ ويفيد، إذا كان الخبران ظاهرين في كون الأمر بالإعادة إرشاداً إلى كونها شرطاً تعبّديّاً محضاً، وهو ممنوع؛ إذ من الممكن أنْ يكون الوجه فيه التحفّظ من تسرية النجاسة، أو أنّ ظهور الدّم بنفسه موجبٌ للغُسل، كما قوّاه بعض المحقّقين أو غيرهما.

أقول: ولكن الإنصاف أنّ منع ظهور الخبرين في كون تبديل القُطنة من شروط صحّة الصَّلاة غير صحيح؛ إذ ظاهر الأمر بشيء أو النهي عنه في أمثال المقام، كونه إرشاداً إلى شرطيّته أو مانعيّته بنفسه، لا لملازمته مع شيء آخر.

وعلى ذلك، فالخبران ظاهران في اعتبار تبديل الكُرسُف في صحّة الصَّلاة التي اغتسلت لها.

وبعبارة اُخرى: هما ظاهران في مانعيّة مثل هذا الدّم عن الصَّلاة، بلا دخلٍ لخصوصيّة صلاة دون اُخرى، فتدبّر.

والنتيجة: أنّ الأقوى هو الوجوب.

وأمّا الحكم الثالث(1): ففي طهارة الشيخ الأعظم رحمه الله(2): الظاهر عدم الخلاف في إلحاقها - أي الخرقة - بالقطنة، بل ادّعى بعضٌ دخولها في معقد ذلك الإجماع.4.

ص: 147


1- وهو وجوب إبدال الخرقة.
2- كتاب الطارة: ج 4/34.

أقول: الظاهر اختصاص ذلك بصورة ملاقاتها للدّم، كما نصّ عليه شيخنا الأعظم، والعلّامة الطباطبائي في منظومته، بقوله: تغييرها للخِرقة المُلاقية.

وعليه: فيشهد له ما دلَّ على وجوب تبديل القُطنة بالأولويّة.

***

وجوب الغُسل لخصوص صلاة الغداة في المتوسّطة

وأمّا الحكم الرابع: فالظاهر أنّه لا خلاف في وجوب غُسلٍ واحدٍ.

وعن غير واحد: دعوى الإجماع عليه.

إنّما الخلاف في الاكتفاء به، أو الاحتياج إلى غُسلين آخرين، لتكون المتوسّطة كالكثيرة ؟ قولان:

1 - فعن الصدوقين(1)، والمشايخ الثلاثة(2)، وسلّار(3)، والقاضي(4)، وابن حمزة(5)، والحلبي(6)، وابن زُهرة(7)، والحلّي(8)، والمحقّق(9) في غير «المعتبر»، والمصنّف(10) في غير «المنتهى»، والشهيدين(11)، والمحقّق الثاني(12) وغيرهم: الاكتفاء

ص: 148


1- حكاه الفقيه: ج 1/90 عن أبيه، والمقنع ص 48.
2- المفيد في المقنعة: ص 56، والسيّد المرتضى في ناصريّاته: ص 147، ونهاية الطوسي: ص 28.
3- المراسم العلويّة: ص 44.
4- المهذّب: ج 1/37.
5- الوسيلة: ص 61.
6- الكافي لأبي الصلاح الحلبي: 129.
7- غنية النزوع: ص 39.
8- السرائر: ج 1/153.
9- كما في الشرائع: ج 1/28.
10- كمختلف الشيعة: ج 1/371.
11- الذكرى للشهيد الأوّل: ج 1/241، وروض الجنان للشهيد الثاني: ص 83.
12- جامع المقاصد: ج 1/339.

بغُسل الغداة، بل هو المشهور.

2 - وعن العماني(1) والإسكافي(2) والمحقّق في «المعتبر»(3)، والمصنّف في «المنتهى»(4)، والمحقّق الأردبيلي(5)، وصاحبي «المعالم»(6) و «المدارك»(7)، وشيخنا البهائي(8) وصاحب «الذخيرة»(9): العدم.

ويشهد للأوّل:

1 - خبر عبد الرحمن(10) المتقدّم.

2 - وصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «فإن جاز الدّم الكُرسُف تعصّبت واغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغُسلٍ ، والظهر والعصر بغُسلٍ ، والمغرب والعشاء بغُسلٍ ، وإن لم يجز الدّم الكُرسُف، صلّت بغُسلٍ واحد.

قلت: والحائض ؟ قال عليه السلام مثل ذلك سواء»(11).

3 - وموثّق سماعة(12) المتقدّم: «وإن لم يجز الدّم الكُرسُف فعليها الغُسل لكلّ يومٍ مرّة، والوضوء لكلّ صلاة». بالتقريب المتقدّم في القليلة.4.

ص: 149


1- حكاه عن ابن عقيل العماني المحقّق في المعتبر: ج 1/244.
2- حكاه المحقّق في المعتبر: ج 1/244.
3- المعتبر: ج 1/245.
4- منتهى المطلب: ج 1/412.
5- مجمع الفائدة: ج 1/155.
6- نقله عنه الشيخ الأنصاري في طهارته: ج 4/41.
7- مدارك الأحكام: ج 2/31.
8- الحبل المتين: ص 53.
9- ذخيرة المعاد: ص 74.
10- التهذيب: ج 1/400 ح 26، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 أبواب الاستحاضة ح 2397.
11- الكافي: ج 3/99 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/373 ب 1 أبواب الاستحاضة ح 2394.
12- الكافي: ج 3/40 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/174 ب 1 من أبواب الجنابة ح 1854.

4 - وصحيح الصحّاف(1) المتقدّم: «ثمّ لتنظر فإنْ كان الدّم فيما بينها وبين المغرب لايسيل من خلف الكُرسُف، فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكُرسُف، فإن طرحت الكُرسُف عنها وسال الدّم وَجَب عليها الغُسل، وإن طرحت الكُرسُف ولم يسل الدّم، فلتتوضّأ ولتصلِّ ولا غُسل عليها.

قال: وإن كان الدّم إذا أمسكتِ الكُرسُف يسيل من خلف الكُرسُف صبيباً لا يرقىء، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات».

وموضع الاستدلال به قوله: (فإن طرحت الكُرسُفَ ... الخ).

أقول: وتقريب الاستدلال به بنحوٍ يسلم عمّا اُورد عليه في «المدارك» و «طهارة» الشيخ الأعظم و «مصباح الفقيه»، هو:

أنّ ظاهره كون المفروض فيه أنّها لو لم تطرح الكُرسُف لم يسل الدّم، وهذا ملازمٌ لعدم كون الاستحاضة كثيرة، كما أنّ صريحه سيلان الدّم بعد الطرح، وهذا من لوازم عدم كونها قليلة، فالاستحاضة المفروضة فيه هي المتوسّطة، وظهوره في عدم وجوب الغُسل زائداً على المرّة لعدم التصريح بالعدد، ومقابلته مع تعليق وجوب الأغسال الثلاثة على الاستحاضة الكثيرة لا ينبغي إنكاره، وعليه، فهو ظاهر في هذا الحكم.

وبذلك يظهر ما في كلمات هؤلاء الأعاظم، فلا وجه لذكرها، وبيان ما فيها، فراجع.

وما عن «المنتهى»(2) من الطعن في هذه النصوص بالضعف، كما ترى .

وبها يقيّد إطلاق طائفتين من النصوص:2.

ص: 150


1- الكافي: ج 3/95 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2396.
2- منتهى المطلب: ج 2/412.

الاُولى: ما دلّت على وجوب الأغسال الثلاثة للمستحاضة مطلقاً: كمصحّح ابن سنان(1) المتقدّم في القليلة وغيره.

الثانية: النصوص الدالّة على أنّها تغتسل ثلاث مرّات إذا ثَقب الدَّم الكُرسُف، الشاملة للمتوسّطة والكثيرة، التي استدلّ بها القائلون باتّحاد حكمهما، كمصحّح معاوية بن عمّار(2)، عن الإمام الصادق عليه السلام في المستحاضة: «فإن جازت أيّامها ورأت الدّم يثقب الكُرسُف، اغتسلت للظهر والعصر، تؤخّر هذه وتعجّل هذه، وللمغرب والعشاء غُسلاً، تؤخّر هذه وتعجّل هذه، وتغتسل للصبح. الحديث».

وبذلك يظهر ضعف القول الآخر.

فتحصّل: أنّ الأقوى ما هو المشهور، من عدم وجوب الأغسال الثلاثة.

أقول: بقي الكلام في وقت هذا الغُسل:

فالمشهور بينهم: أنّ الغُسل لصلاة الغداة.

بل في «طهارة» شيخنا الأعظم رحمه الله(3): أنّ وجوبه عليها لصلاة الغداة ممّا لا خلاف فيه.

وعن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه.

وفي النصوص وإنْ لم يصرّح بذلك، إلّاأنّه يمكن استفادته منها؛ إذ الظاهر منها أنّ الأمر به يكون غيريّاً، ويكون الغُسل من شرائط صحّة الصَّلاة لا واجباً نفسيّاً تعبّديّاً، وأنّ الغُسل شرطٌ في جميع صلوات اليوم لا في بعضها. فيتعيّن تقديمه على الجميع.4.

ص: 151


1- الكافي: ج 3/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2393.
2- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/371 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2390.
3- كتاب الطهارة: ج 4/34.

فإن قلت: إنّ شرطيّته لجميع الصلوات لاتنافي جواز التأخير؛ إذ يمكن أنْ يكون بالنسبة إلى الصلوات المتقدّمة عليه من قبيل الشرط المتأخّر.

قلت: إنّ الشرط المتأخّر على فرض معقوليّته، خلاف الظاهر، لا يصار إليه إلّا مع القرينة.

فإن قلت: إن غاية ما يستفاد منها شرطيّة غُسلٍ واحد للصلوات الخمس، فلها أن تغتسل للظهرين وتُصلّي خمس صلوات.

قلت: إنّه في موثّق سماعة أمرَ بالغُسل لذلك اليوم، (واليوم) ظاهرٌ في غير الملفّق، ولم يؤمر به في كلّ يومٍ حتّى يقال إنّ الأمر بشيءٍ في زمان أوسع ممّا يفي بإتيان المأمور به يقتضي التخيير، بل أمرٌ به لكلّ يوم، أي صلوات كلّ يوم. فإذاً الأقوى ما هو المشهور.

***

ص: 152

وإنْ كانَ أكثر منه، وهو أن يسيل، وجبَ عليها مع ذلك غُسلان: غُسلٌ للظهر والعصر تجمع بينهما، وغُسلٌ للمغرب والعشاء الآخرة تجمع بينهما.

حكم الاستحاضة الكثيرة
اشارة

قال رحمه الله: (وإن كان أكثر منه) أي من دم الاستحاضة المتوسّطة، (وهو أن يسيل) الدّم من القُطنة إلى الخِرقة، (وَجَب عليها مع ذلك) أي ما ذُكر في المتوسّطة (غُسلان:

غُسلٌ للظهر والعصر، تجمع بينهما، وغُسلٌ للمغرب والعشاء الآخرة تجمع بينهما).

أقول: الكلام فيها يقع في اُمور:

لا إشكال ولا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة عليها
اشارة

الأمر الأوّل: لا إشكال ولا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة عليها.

وفي «طهارة» شيخنا الأعظم رحمه الله(1): (الأخبار عليه عموماً وخصوصاً مستفيضة أو متواترة).

أقول: وقد تقدّم بعضها في المباحث السابقة، وفي جملةٍ منها كصحيحي ابن مسلم(2)، وصفوان(3)، وموثّق زرارة(4) الأمر بالجمع بين كلّ صلاتين بغُسل كما صرّح به جماعة، فيجب ذلك حتّى مع البناء على عدم وجوب تعقّب الصَّلاة بالغُسل.

ودعوى: أنّه يُشكل التفكيك بين الصَّلاة الاُولى والثانية، فعلى القول بعدم وجوب المعاقبة يجوز التفريق.

ص: 153


1- كتاب الطهارة: ج 4/48.
2- وسائل الشيعة: ج 2/377 ب 1 من أبواب الإستحاضة ح 2403. نقلاً عن المعتبر.
3- الكافي: ج 3/90 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2392.
4- التهذيب: ج 1/401، وسائل الشيعة: ج 2/376 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2401.

مندفعة: بأنّه بعد دلالة النصوص بظاهرها عليه، لا يُعتنى بمثل هذه المناقشات.

أمّا وقت الغُسل: الأفضل كونه في آخر وقت فضيلة الاُولى، حتّى تقع كُلّاً من الصلاتين في وقت الفضيلة، لاستلزامه درك وقت فضيلتهما، ولصحيح معاوية(1):

(تؤخّر هذه وتعجّل هذه). ونحوه غيره، وظاهرها وإن كان تعيّن ذلك، إلّاأنّها تُحمل على إرادة الأفضليّة للإجماع، ولأن المتبادر إلى الذهن من ذلك أنّ الأمر به إنّما يكون لدرك فضيلة وقت الصلاتين في صورة الجمع.

في وجوب الجمع وجواز التفريق

يدور البحث في المقام عن أنّه:

1 - هل يجوز تفريق الصَّلاة والإتيان بخمسة أغسال، كما عن المصنّف(2)، والشهيد(3)، والمحقّق الثانيين(4)، وسيّد «المدارك»(5) والعلّامة الطباطبائي حيث قال في منظومته:

وإنْ أتتْ بخمسةٍ للخمس فليس فيه مطلقاً من بأس

2 - أم لا، كما عن ظاهر جماعةٍ كالمحقّق(6) وغيره، وصريح المفيد في «المقنعة»(7)، ومالَ إليه في محكيّ «الرياض»؟

ص: 154


1- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/371 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2390.
2- منتهى المطلب: ج 2/423.
3- روض الجنان: ص 84.
4- جامع المقاصد: ج 1/342.
5- المدارك: ج 2/35.
6- شرائع الإسلام: ج 28.
7- المقنعة: ص 57.

وجهان: ظاهر الأخبار هو الثاني.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المنساق إلى الذهن من أخبار الجمع، كونه رخصة للإرفاق بحالها لا عزيمة، وإلّا فتعدّد الغُسل أولى ، لكونه أبلغ في التطهير.

2 - وبجملةٍ من النصوص: كمرسل يونس(1): «إنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش كانت تغتسل في وقت كلّ صلاة».

3 - وأيضاً: «وإنْ رأت دماً صبيباً، فلتغتسل في وقت كلّ صلاة».

4 - وبقوله عليه السلام(2): «الطهر على الطهر عَشرُ حسنات».

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ظاهر الأخبار هو الوجوب، وحملها على إرادة بيان الرخصة يحتاج إلى دليل، وتعدّد الغُسل ما لم تثبت مشروعيّته لا يكون أبلغ في التطهير.

وأمّا النصوص: فلأنّها تدلّ على الأمر بالغُسل في وقت كلّ صلاة، ولا يلازم ذلك الإتيان بصلاةٍ واحدة خاصّة، بل بما أنّ للصلوات الخمس أوقاتاً ثلاثةً ، فلا تدلّ على أزيد من الأمر بأغسال ثلاثة، كما يشير إلى ذلك صحيح عبد اللّه بن سنان المرويّة عن الإمام الصادق عليه السلام:

«المستحاضة تغتسل عند كلّ صلاة الظهر، وتُصلّي الظهر والعصر»(3).

وأمّا الثالث: فلأنّه يدلّ على استحباب الطُهر التجديدي، لا الطُهر المبيح كما هو محلّ الكلام.3.

ص: 155


1- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/276 ب 3 من أبواب الاستحاضة ح 2135.
2- الكافي: ج 3/72 ح 10، وسائل الشيعة: ج 1/376 ب 8 من أبواب الوضوء ح 992.
3- الكافي: ج 3/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2393.

والنتيجة: الإنصاف أنّ المستفاد من روايات الباب، كون دم الاستحاضة الكثيرة من الأحداث الموجبة للغُسل، وأنّه إنّما يَعفي عن ما يتحقّق بعد الغُسل لصلاة الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء إذا جمعت بينهما. ففي صورة التفريق بعدما لا ريب فيه من عدم سقوط التكليف بالصلاة الثانية، وعدم ثبوت العفو عمّا تحقّق بعد أن أخّرت الثانية، لامناص عن الإلتزام بمشروعيّة غُسلٍ خاص لها، مع أنّ الظاهر أنّ نصوص الباب كما تتكفّل لحَدَثيّة الدّم المذكور، كذلك تتكفّل لبيان رافعها، وهو الغُسل أو هو مع الوضوء.

والإجماع على أنّها إذا فعلت ما يجبُ عليها، كانت بحكم الطاهرة، لاينافي ذلك، فإنّ المتيقّن منه ما لو جمعت بين الصلاتين، فلا يشمل معقد الإجماع صورة التفريق، فتدبّر.

وعليه، فلا وجه لعدم جواز تفريق الصلوات، ولعلّ الوجه الأوّل يكون مرجعه إلى ذلك، فإذاً الأقوى جواز التفريق والإتيان بخمسة أغسال.

***

ص: 156

عدم كفاية الأغسال عن الوضوء

الأمر الثاني: ويدور البحث فيه عن أنّه:

1 - هل تكفي الأغسال عن الوضوء مطلقاً، كما عن الصدوقين(1)، والسيّد في «الناصريّات»(2)، والشيخ(3) وابني زهرة(4) وحمزة(5) والحلبي(6) والقاضي(7) وسلّار(8).

2 - أم يجب الوضوء مع كلّ غُسلٍ ، كما عن «المقنعة»(9) و «الجمل»(10)و «المعتبر»(11) وشرح «المفاتيح»(12) و «الرياض»(13)؟

3 - أم يجب لكلّ صلاةٍ ، كما عن «السرائر»(14)، و «الشرائع»(15)، وكُتب المصنّف(16)، والمحقّق الثاني(17)؟

ص: 157


1- كلام والد الصدوق في الفقيه: ج 1/90. والصدوق في المقنع ص 48.
2- الناصريّات: ص 147.
3- المبسوط: ج 1/67.
4- الغنية: 39.
5- الوسيلة: 61.
6- الكافي في الفقه: 129.
7- المهذّب: ج 1/37.
8- المراسم: ص 44.
9- المقنعة: ص 57.
10- رسائل الشريف المرتضى جُمل العلم والعمل: ج 3/26.
11- المعتبر: ج 1/247.
12- مصابيح الظلام: ص 68 (مخطوط).
13- رياض المسائل: ج 2/118.
14- السرائر: ج 1/153.
15- الشرائع: ج 1/28.
16- كالنهاية والقواعد والتحرير: ج 1/110 (ط ج).
17- جامع المقاصد: ج 1/341.

بل عن «المختلف»(1): أنّه المشهور.

وفي «المدارك»(2): إليه ذهب عامّة المتأخّرين.

وعن «الخلاف»(3): دعوى الإجماع عليه ؟

واستدلّ للأوّل: بما دلَّ على الإجتزاء بكلّ غُسلٍ عن الوضوء، وقد تقدّم في المتوسّطة أنّه لا فرق بين غُسل الاستحاضة وغيره، وإنّما بنينا على وجوبه فيها مع الغُسل للدليل الخاص المفقود في المقام.

وفيه: إنّه يدلّ على وجوب الوضوء لكلّ صلاة في المقام، قوله: عليه السلام في مرسل يونس الطويل(4) في سُنّة التي تعرف أيّامها:

«فلتدَع الصَّلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة، قيل: وإنْ سال ؟ قال عليه السلام: وإنْ سال مثل المُثقّب».

وأورد عليه الشيخ الأعظم رحمه الله: (بأنّ الظاهر أنّ المراد بالاغتسال غُسل الاستحاضة لا الحيض، وإلّا لزم السكوت عن غُسل الاستحاضة، مع أنّ بيانه أهمّ من الوضوء، وحينئذٍ فقوله: (تَغتسل وتتوضّأ) الظاهر أنّ المراد به الوضوء الذي لابدَّ في الغُسل، بناءً على جعل الظرف متعلّقاً بالمجموع، فهو محمولٌ على الاستحباب لا محالة، لما سيأتي من عدم وجوب الاغتسال لكلّ صلاة إجماعاً). انتهى(5).

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر كون المراد من (الاغتسال) فيه غُسل الحيض، كما يظهر0.

ص: 158


1- المختلف: ج 1/375.
2- مدارك الأحكام: ج 2/34.
3- الخلاف: ج 1/233.
4- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/276 ب 3 من أبواب الاستحاضة ح 2135.
5- كتاب الطهارة: ج 4/50.

من مراجعة غير هذه الفقرة من فقرات المرسل، ونظائره من النصوص.

وثانياً: أنّ المراد لو كان خصوص غُسل الاستحاضة، فقيام الدليل على عدم وجوب الغُسل لكلّ صلاةٍ يوجب حمل الأمر بالاغتسال على الاستحباب، وحيث لا صارف عن ظهور الأمر بالوضوء في الوجوب، فلا وجه لرفع اليد عنه.

وثالثاً: أنّ الإجماع المزبور في كلامه، كما يصلح أنْ يكون صارفاً لظهور الأمر في الوجوب، يصلح أنْ يكون قرينةً على حمل الغُسل على غُسل الحيض على فرض عدم ظهوره فيه، إنْ تعلّق الظرف بالوضوء لا به وبالإغتسال.

واستدلّ للثاني: بما دلَّ على عدم كفاية الغُسل عن الوضوء.

وفيه: ما عرفت من أنّ الأظهر هي الكفاية، وعرفت في الاستحاضة المتوسّطة أنّه لا فرق بين غُسل الاستحاضة وغيره من الأغسال في ذلك.

أقول: فظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأظهر هو القول الأخير لمرسل يونس.

وأيضاً: يمكن الاستدلال له بأولويّة وجوبه هنا من وجوبه في المتوسّطة بالنسبة إلى صلاة الغداة.

وأمّا الاستدلال: له بعموم قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاةِ فَاغْسِلُوا...) (1).

فغير تامّ : إذ العموم خُصّص بما دلَّ على إغناء الغُسل عن الوضوء، مع أنّه لا يدلّ على وجوب الوضوء في صورة كونها مُحدِثة بالحَدَث الأصغر.

وأمّا أصالة عدم إغناء الغُسل عنه، فقد عرفت ما فيها.

***6.

ص: 159


1- سورة المائدة: الآية 6.

الأمر الثالث: يجب عليها تغيير القُطنة:

1 - لفحوى ما دلَّ على لزومه في المتوسّطة.

2 - ولقوله عليه السلام في مصحّح صفوان(1): «هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة».

وتجمع بين صلاتين بالتقريب المتقدّم في المتوسّطة.

وبذلك يظهر وجه لزوم تبديل الخِرقة أو تطهيرها.

***2.

ص: 160


1- الكافي: ج 3/90 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/372 باب 1 الاستحاضة ح 2392.

وغُسلها كغُسل الحائض، وإذا فعلت ما قلناه صارت بحكم الطاهرة.

التنبيه على اُمور
اشارة

إذا عملت المستحاضة بوظيفتها كانت بحكم الطاهرة

أقول: (و) يقتضي المقام التنبيه على اُمور:

المستحاضة غُسلها كغُسل الحائض

التنبيه الأوّل: أنّ المستحاضة (غُسلها كغُسل الحائض) والجُنُب ترتيباً وإرتماساً، إلّا أن فيه الوضوء لكلّ صلاةٍ ، كما تقدّم إجماعاً؛ إذ مقتضى الإطلاق المقامي - بعد ورود الدليل في بيان كيفيّة الإغتسال، ولو في موردٍ، ثمّ الأمر بالإغتسال - هو ذلك.

إذا عملت المستحاضة بوظيفتها كانت بحكم الطاهرة

التنبيه الثاني: (و إذا فعلت) المستحاضة (ما قلناه، صارتْ بُحكم الطاهرة) كما هو المشهور.

بل عن المحقّق في «المعتبر»(1)، والمصنّف في «المنتهى» و «التذكرة»(2) وغيرهما في غيرها: دعوى الإجماع عليه.

وظاهر جملةٍ من معاقد الإجماعات، وصريح جملةٍ اُخرى: أنّها إذا فعلت ما يجبُ عليها من الأغسال وغيرها، يرتفع أثر استحاضتها مطلقاً، ويجوز لها ما يجوز لغير المستحاضة، بل الطاهرة من الأحداث، فيجوز لها مسّ الكتاب ونحوه.

ولا ينافيه إيجابهم الوضوء لكلّ صلاة، وتبديل الخِرقة والقُطنة، لبنائهم على أنّها من وظائفها.

ويؤيّد: كون مرادهم ذلك، عدم نقل القول عن أحدٍ بوجوب الغُسل للغايات الاُخر، بل عن بعضٍ دعوى الإجماع على العدم، وعدّهم الشيخ مخالفاً في المسألة،

ص: 161


1- المعتبر: ج 1/248.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/290 المسألة 95.

حيث استثنى دخول الكعبة.

وعليه، فما عن بعضٍ من حمل كلمات القوم على إرادة أنّها بحكم الطاهرة، بالإضافة إلى الصَّلاة خاصّة.

ضعيف جدّاً: مضافاً إلى استلزام ذلك كون كلامهم هذا تأكيداً، كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله(1): من أنّ المتيقّن من معقد الإجماع إنّما هو بيان صيرورتها بمنزلة الطاهرة، ما دام لأعمالها أثرٌ؛ فتستباح لها الغايات الاُخر متى استبيح لها فعل الصَّلاة.

فقد استدلّ له: ولعدم استفادة أزيد من ذلك من الإجماع: بأنّ إرادة المعنى المتقدّم من معقد الإجماع تنافي استدلالهم - لوجوب إعادة الوضوء عند كلّ صلاة - بأنّ الدّم حَدَثٌ ، فليقتصر في رفع حكمه على المتيقّن، ولذا حُكي عن «الموجز» وشرحه القول بلزوم تعدّد الوضوء للطواف وصلاته، وعن «كشف الغطاء» الجزم بوجوب تكرار الوضوء لتكرار المسّ ، وتنافي أيضاً ما صرّح به بعضهم من وجوب تقديم الغُسل على الفجر للصوم معلّلاً بمانعيّة حَدَثها من الصوم.

وفيه أوّلاً: أنّه بعد ظهور معقد بعض الإجماعات، وصريح بعضٍ آخر منها فيما ذكرناه، لا يعتنى بما ذكره بعض المتأخّرين، لا سيّما مع احتمال كون خلافه - لشبهة عدم تحقّق الإجماع أو غير ذلك - ممّا لا ينافي ذلك.

وثانياً: إنّه يمكن أن يقال إنّ معقد الإجماع على أنّ المستحاضة لو عملت بما تقتضيه وظيفتها بالنسبة إلى الصَّلاة كانت بحكم الطاهرة بالنسبة إلى غير الصَّلاة، ولذلك التزمنا - تبعاً للفقهاء - بأنّها إذا لم تجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، يتعيّن عليها أن تغتسل عند الثانية أيضاً.1.

ص: 162


1- مصباح الفقيه: ج 1/327 ق 1.

لا يقال: إنّ لازم ذلك وجوب الإغتسال عليها لصلاة اللّيل.

فإنّه يقال: إنّ الإجماع على عدم وجوب الغُسل للغايات الاُخر، غير الصلوات المفروضة، يدلّ على عدم وجوبه لها.

وبالتالي فالاستدلال المزبور، لوجوب الوضوء لكلّ صلاةٍ ، في محلّه، ولا ينافي ما ذكرنا.

وأمّا تعليل بعض لوجوب تقديم الغُسل على الفجر بمانعيّة حَدَثها، فيمكن أنْ يكون مراده احتمال عدم تحقّق الإجماع إلّابالنسبة إلى أوقات الصلوات. وسيأتي التعرّض لذلك.

أقول: وبما ذكرناه ظهر ضَعف ما ذكره شيخنا الأعظم رحمه الله(1) من أنّ المستفاد من مجموع كلماتهم أنّ الكافي من الأفعال التي تفعل للصلاة اليوميّة للدخول في غيرها المشروط بالطهارة هو الغُسل فقط، مستشهداً بتصريحهم في القليلة بوجوب الوضوء، بل جميع ما عدا الغُسل لكلّ صلاة فرضاً ونفلاً.

فما عن «التحرير» و «الموجز»(2) وشرحه(3) و «الروض» وغيرها، من لزوم تجديد الوضوء لكلّ مشروطٍ بالطهارة، مستدلّاً بعموم ما دلَّ على حَدَثيّة دم الاستحاضة، فيجب تجديد الوضوء لرفعه للإجماع على الاكتفاء به، غير تامّ .

أقول: ثمّ إنّ المحكيّ عن جماعة أنّ المتيقّن من معقد الإجماع، هو الإجتزاء بما عملته من غاياتٍ اُخر غير الصَّلاة، في وقت الصَّلاة، فإذا خرج لا تجتزءُ به.

واستدلّوا له: بما عن الفقهاء التصريح بأنّه إذا أرادت المستحاضة أن تُصلّي5.

ص: 163


1- كتاب الطهارة: ج 4/87.
2- الموجز الحاوي: ص 48.
3- كشف الإلتباس: ج 1/245.

صلاة اللّيل، قدّمت غُسل الفجر وصلّت به صلاة اللّيل؛ إذ لو كان غُسل العشائين كافياً لسائر الغايات بعد خروج وقتها، لما كانت حاجةً إلى التقديم.

وفيه: إنّ الجمع بين فتواهم هذه، وما صرّحوا به من الكبرى الكليّة، من غير تقييدٍ بضميمة الإجماع على عدم وجوب غُسل آخر غير الأغسال الصلاتيّة، يقتضي حمل هذه الفتوى منهم على صورة حدوث الاستحاضة بعدما صلّت العشائين.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر ثبوت هذه الكليّة، وهي أنّه إذا فعلت ما هو الواجب عليها، تكون بحكم الطاهرة، وتستبيح ما تستبيحه الطاهرة من الاُمور المشروطة بالطهارة مطلقاً.

***

ص: 164

في حكم المخلّة بوظيفتها
اشارة

التنبيه الثالث: إذا أخلّت المستحاضة بشيءٍ من وظائفها:

1 - فإن كان ذلك الشيء ممّا لا يعتبر في حصول الطهارة، كتغيير القُطنة، بطلت صلاتها خاصّة:

أمّا بطلان صلاتها: فلأنّه ممّا تقتضيه الأدلّة الدالّة على اشتراط صلاتها به.

وأمّا جواز غيرها من الغايات: فلعدم دخالته في حصول الطهارة، وعدم الدليل على شرطيّته لذلك.

2 - وإن كان ذلك ممّا يعتبر في حصول الطهارة، لا يجوز لها مع ذلك ما يشترط فيه الطهارة كالمسّ .

هذا كلّه ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام في أنّه:

هل يجوز لها ما يحرم على الحائض، لو أخلّت بالأغسال الصلاتيّة أم لا؟

نُسب ثانيهما إلى ظاهر الأصحاب(1)، بل عن حواشي «التحرير»: دعوى الإجماع عليه.

وعن «نهاية» الشيخ، وحجّ «القواعد»، و «الوسيلة» و «الروض» و «المدارك» وغيرها(2): الأوّل، فيجوز لها الدخول في المسجدين، والمكث في سائر المساجد.

واستدلّ لعدم الجواز:

1 - بالإجماع المتكرّر في كلامهم، على أنّها إذا عَملت بوظيفتها، كانت بحكم الطاهرة، فإنّ مفهومه أنّه إذا لم تفعل فهي بحُكم الحائض، لا سيّما مع تذييله في كلام جماعة بقولهم: (فيجوز لها الدخول في المساجد، وقراءة العزائم، والوطء).

ص: 165


1- نقل السيّد الحكيم هذه النسبة عن المصابيح كما في مستمسكه: ج 3/422. وهكذا إجماع التحرير.
2- نقل السيّد الحكيم هذه النسبة عن المصابيح كما في مستمسكه: ج 3/422. وهكذا إجماع التحرير.

2 - وبالإجماع المُدَّعى في محكيّ (1) «المصابيح»، وحواشي «التحرير» و «شرح النجاة».

3 - وبأنّ الأخبار تفيد أنّها بحكم الحائض كما تفيده لفظ (الاستحاضة)، فإنّها استفعال من الحيض.

4 - وبأنّ ظاهر كلمات الأصحاب، أنّ حَدَث الاستحاضة بعينه حَدَث الحيض، والأفعال المذكورة تجعلها بحكم الطاهرة.

5 - وبأنّها إذا كانت مسبوقة بالحيض، يكون المنع مقتضى الاستصحاب، فيثبت في غير هذه الصورة بعدم القول بالفصل.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مفهوم معقد الإجماع المذكور أنّها إنْ لم تفعل ما وَجَب عليها، فهي ليست بحكم الطاهرة، فلا يجوز لها الإتيان بشيءٍ من ما تعتبر فيه الطهارة من الاستحاضة، أو يكون حدث الاستحاضة مانعاً عن صحّته، والتذييل المذكور لا يكون دليلاً على إرادتهم من ذلك عدم جواز الاُمور المذكورة وغيرها ممّا يحرم على الحائض إذا لم تفعل ما وجب عليها، كما يشهد له ذكر المصنّف رحمه الله والمحقّق الوطء في عِداد تلك الاُمور، مع أنّ بناءهما على جوازه بدون الغُسل، مع أنّه لا يعتبر الوضوء في جواز دخول المستحاضة - بالاستحاضة القليلة - المساجد بلا خلاف، فالظاهر أن مراد القوم ما ذكرناه.

وأمّا الثاني: فلأنّه من المحتمل قوياً كون مأخذ ذلك الإجماع الإجماع المتقدّم آنفاً، بالتقريب الذي عرفت، مع أنّه قد عرفت مخالفة جماعة لهذا الحكم ممّا يوجب تزلزل الإجماع المدّعى .ك.

ص: 166


1- الحكاية في المصدر السابق في المستمسك.

وأمّا الثالث: وهو دعوى استفادة كونها بحكم الحائض من الأخبار، فبعد ملاحظة أنّ الشارع خصَّ موضوع الأحكام المذكورة للحائض بما إذا لم يتجاوز دمها عن العشرة، ولم يكن أقلّ من ثلاثة، وجعل غير هذا الدّم قسيماً له كما ترى .

وأمّا الرابع: وهو كون ظاهر كلمات الأصحاب ذلك، فليس له مأخذٌ سوى الإجماع مع التذييل المذكور، وقد عرفت ما فيهما.

وأمّا الأخير: فيرد عليه - مضافاً إلى ما تكرّر منّا في هذا الشرح من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام، لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل - أنّها إن اغتسلت من الحيض، فلا ريب في ارتفاع المنع بناءً على تداخل الأغسال، وإن لم تغتسل يكون المنع باقياً قطعاً.

فتحصّل: أنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة، أنّها إنْ لم تأتِ بالأغسال، لا يجوز لها الإتيان بالأشياء المنافية لحَدَث الاستحاضة.

وأمّا الاُمور المنافية فيجب تشخيصها بدليلٍ خارجي.

نعم، ما يعتبر فيه الطهارة لا ريب في كونه من تلك الاُمور، لما عرفت من أنّ المستفاد من النصوص أنّ دم الاستحاضة حَدَثٌ ، ولا ريب أيضاً في أنّ طلاقها ليس من تلك الاُمور.

وأمّا دخول المسجدين، والمكث في المساجد، فحيثُ لم يدلّ دليل على حرمتهما عليها، فيتعيّن الرجوع فيهما إلى الأصل. وبذلك يظهر حكم قراءة العزائم.

***

ص: 167

حكم وطء المستحاضة

وأمّا الوطء: ففي جوازه قبل الغُسل أقوال:

القول الأوّل: ما عن «المعتبر»(1) و «التذكرة»(2) و «التحرير»(3) و «الدروس»(4)و «البيان»(5) و «الموجز»(6) وشرحه(7) و «الروض»(8) و «مجمع الفائدة»(9) وفي «المدارك»(10)، وغيرها: هو الجواز مطلقاً.

القول الثاني: ما عن ظاهر «المقنعة»(11) و «الاقتصاد» و «الجُمل والعقود»(12)و «الكافي»(13) و «الإصباح» و «السرائر» و «مصباح» السيّد، وعن ظاهر «معتبر» المحقّق(14)، و «تذكرة» المصنّف(15): نسبته إلى ظاهر الأصحاب.

واختاره صاحب «الحدائق»، وهو توقّف الجواز على الأفعال مطلقاً، قليلةً كانت أو كثيرة، أغسالاً كانت أو غيرها.

ص: 168


1- المعتبر: ج 1/235.
2- التذكرة: ج 1/291.
3- تحرير الأحكام: ج 3/463.
4- الدروس: ج 1/99.
5- البيان: ص 21.
6- الموجز الحاوي: 48.
7- كشف الإلتباس: ج 1/244.
8- روض الجنان: ص 86.
9- مجمع الفائدة: ج 1/164.
10- المدارك: ج 2/37.
11- المقنعة: ص 57.
12- الجمل والعقود: ص 164.
13- الكافي في الفقه: ص 129.
14- المعتبر: ج 1/248.
15- التذكرة: ج 1/291.

القول الثالث: توقّفه على الغُسل والوضوء دون سائر أفعالها، اختاره الشيخ في محكيّ «المبسوط».

القول الرابع: توقّفه على الغُسل خاصّة، كما عن ظاهر الصدوقين في «الرسالة»(1) و «الهداية»(2)، وقوّاه شيخنا الأعظم رحمه الله(3).

واستدلّ للأوّل: بالأدلّة التالية:

1 - بالأصل.

2 - وبعمومات حِل الأزواج وما مَلكت أيمانهم.

3 - وبخصوص قوله تعالى: (وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (4).

4 - وبصحيح ابن سنان: «ولابأس أن يأتيها بعلها إذا شاء، إلّاأيّام حيضها»(5).

5 - وبصحيح معاوية: «وهذه يأتيها بعلها إلّاأيّام حيضها»(6).

6 - وبصحيح صفوان، عن أبي الحسن عليه السلام: «لا، هذه مستحاضة - إلى أن قال: - ويأتيها زوجها إن أراد»(7).

أقول: ولكن الأظهر تعيّن الخروج عن الأصل، وتقييد الإطلاقات، بما دلَّ على اعتبار الغُسل في الحِليّة، بمقتضى الأخبار التالية:

1 - موثّق سماعة الوارد في المستحاضة: «وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين2.

ص: 169


1- رسالة الصدوق المنقولة في الفقيه: ج 1/91.
2- الهداية: ص 99.
3- كتاب الطهارة: ج 4/102.
4- سورة البقرة: الآية 222.
5- الكافي: ج 3/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2393.
6- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/317 ب 24 من أبواب الاستحاضة ح 2236.
7- الكافي: ج 3/90 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2392.

تغتسل»(1). ونحوه موثّقه الآخر.

2 - صحيح مالك بن أعين(2)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال عليه السلام: ينتظر الأيّام التي كانت تحيض - إلى أن قال - ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام، ولا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أراد».

أقول: وأورد عليها باُمور:

أحدها: أنّه يمكن أنْ يكون المراد منها الاغتسال من الحيض.

وفيه: إنّ موثّقي سماعة بقرينة وقوع ذلك في ذيل أحكام المستحاضة، صريحان في إرادة غُسل الاستحاضة.

وأمّا الصحيح، فظاهره اعتبار الغُسل في جواز الوطء مطلقاً في غير تلك الأيّام، ولا يلائم ذلك مع إرادة غُسل الحيض.

ثانيها: أنّها بإطلاقها تشمل القليلة، مع أنّه لا شبهة في عدم توقّف جواز وطئها في القليلة على الغسل.

وفيه: أنّ إطلاقها يقيّد بما دلَّ من النصّ والفتوى على أنّه إذا حلّت لها الصَّلاة، جاز لزوجها أن يغشاها، وحليّة الصَّلاة في القليلة لاتتوقّف على الغُسل.

ثالثها: إنّ موثّقي سماعة ظاهران في اعتبار معاقبة الوطء للغُسل، وهذا ما لم يقل به أحدٌ.

والتصرّف فيهما، بحملهما على إرادة الغُسل للصلاة، ليس بأولى من حمل هذه النصوص على الاستحباب.7.

ص: 170


1- الكافي: ج 3/89 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2395.
2- التهذيب: ج 1/402 ح 80، وسائل الشيعة: ج 2/379 ب 3 من أبواب الاستحاضة ح 2407.

وفيه: إنّ التعبير عن شرطيّة شيء لشىء من دون اعتبار المعاقبة، بمثل ذلك شائع، فالمراد منه هو من حين تغتسل.

رابعها: أنّ لازم ذلك أعظميّة حَدَث الاستحاضة عن حَدَث الحيض؛ إذ لا يعتبر في جواز وطء الحائض بعد إنقطاع الدّم الغُسل.

وفيه أوّلاً: إنّه لا محذور في الالتزام بذلك إذا ساعد الدليل.

وثانياً: أنّ حِليّة الوطء مادام حَدَث الاستحاضة باقياً بالغُسل، لاتوجب الأعظميّة كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الأخير.

واستدلّ للثاني: بموثّق فُضيل وزرارة، عن أحدهما عليهما السلام:

«المستحاضة تكفُّ عن الصَّلاة أيّام أقرائها، وتحتاط بيوم أو يومين، ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات، وتحتشي لصلاة الغداة وتغتسل، تجمع بين الظهر والعصر بغُسل، وتجمع بين المغرب والعشاء بغُسلٍ ، فإذا حلّت لها الصَّلاة حَلَّ لزوجها أن يغشاها»(1).

بدعوى: أنّ قوله عليه السلام: «فإذا حَلّت... الخ) لا يكون راجعاً إلى قوله عليه السلام: (تكفّ عن الصَّلاة)، ليكون المراد من (حَلّ الصَّلاة) الخروج من الحيض، بل يكون مرتبطاً بحكم المستحاضة المذكور بعد حكم الحائض من أنّ صلاتها تتوقّف على الأغسال الثلاثة.

وبالجملة: فالخبر كالصريح في أنّ المراد من (حَلّ الصَّلاة) الخروج من حدث الاستحاضة، وهو إنّما يكون بالإتيان بجميع وظائفها.1.

ص: 171


1- التهذيب: ج 1/401 ح 76، وسائل الشيعة: ج 2 ب 3 من أبواب الاستحاضة ص 376 ح 2401.

وبذلك يظهر تقريب الاستدلال لهذا القول بصحيح البصري(1)، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المستحاضة أيطأها زوجها، وهل تطوف بالبيت ؟ قال عليه السلام: تقعد قرؤها - إلى أن قال - وكلّ شيء استحلّت به الصَّلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت».

ونحوهما صحيح ابن مسلم(2)، وخبر إسماعيل بن عبد الخالق(3).

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر منها ولا أقلّ من الاحتمال ورودها في مقام بيان عدم الفرق بين أحكام الحائض، وأنّه عند استمرار الدّم لا تحلّ لها الصَّلاة في أيّام قُرئها، ولا يحلّ لزوجها أن يأيتها، وبعد تلك الأيّام كما تحلّ لها الصَّلاة يَحلّ لزوجها الجماع معها.

وبالجملة: الظاهر من هذه الأخبار إرادة الحليّة الذاتيّة من حِلّ الصَّلاة في مقابل أيّام أقرائها، لا إباحة الدخول في الصَّلاة في مقابل المُحدِث الذي لا تباح له الصَّلاة. ويؤيّده أنّ السؤال في صحيح البصري إنّما هو عن أصل جواز الوطء والطواف لا عن شرطهما.

وثانياً: أنّها على فرض دلالتها على قيامها بإتيان جميع الأفعال التي تتوقّف عليها صحّة صلاتها، يتعيّن حملها على إرادة خصوص الغُسل للأخبار المتقدّمة، الظاهرة في كفاية الغُسل، فإنّ رفع اليد عن ظهور هذه النصوص أهون من تقييد تلك الأخبار، كما لا يخفى.

وثالثاً: أنّه لايبعد دعوى انصرافها بأنفسها عن ما عدا الغُسل، لبُعد مدخليّة غير الأغسال من الأفعال في حليّة الوطء، بل في رفع حَدَث الاستحاضة، فتدبّر.د.

ص: 172


1- التهذيب: ج 5/400 ح 36، وسائل: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397.
2- وسائل الشيعة: ج 2 ب 1 من أبواب الاستحاضة ص 377 ح 2403 نقلاً عن المعتبر للمحقّق.
3- وسائل الشيعة: ج 2 ب 1 من أبواب الاستحاضة ص 377 ح 2404 نقلاً عن قرب الإسناد.

واستدلّ للقول الثالث:

1 - بالنصوص التي استدلّ بها للقول الثاني، بدعوى انصرافها عمّا عدا الغُسل والوضوء من الأفعال؛ لأنّ الظاهر كونها من قبيل الشرائط الخارجيّة لفعل الصَّلاة، بلا دخلٍ لها في رفع حَدَث الاستحاضة.

2 - وبما روي عن «قُرب الإسناد»، عن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن عبد الخالق(1)، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المستحاضة كيف تصنع بالصلاة ؟

قال: إذا مضى وقت طهرها - إلى أن قال - قلت: يواقعها زوجها؟ قال عليه السلام: إذا طال بها ذلك، فلتغتسل ولتتوضّأ ثمّ يواقعها إذا أراد».

أقول: وفيهما نظر:

أمّا النصوص: فلما تقدّم آنفاً.

وأمّا خبر إسماعيل: فلاحتمال أنْ يكون المراد من (الوضوء) فيه غسل الفرج.

وبعبارة اُخرى: أنْ يكون المراد به نضح الماء على الفرج الذي هو معناه اللّغوي، ويكون ذلك كنايةً عن تنظيف الفرج.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الأخير.

***د.

ص: 173


1- وسائل الشيعة: ج 2/377 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2404 نقلاً عن قرب الإسناد.
اشتراط صحّة صوم المستحاضة على الأغسال

يدور البحث في المقام عن حكم صوم المستحاضة:

فالمشهور بين الأصحاب: توقّف صحّته على الأغسال النهاريّة، كما في «المدارك»(1).

وعن «الذخيرة»(2): أنّه مذهب الأصحاب.

وعن «جامع المقاصد»(3) و «الروض»(4) وحواشي «التحرير»(5): الإجماع عليه.

وعن «النهاية»(6) و «كشف اللِّثام»(7): احتمال اختصاص التوقّف بغُسل الفجر.

وعن «المبسوط»(8): إسناد الأوّل إلى رواية أصحابنا.

أقول: والظاهر أنّ المراد بالرواية هو صحيح علي بن مهزيار(9)، قال:

«كتبت إليه: امرأة طَهُرت من حيضها أو نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان، من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغُسل لكلّ صلاتين، فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟

فكتب عليه السلام: تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك».

ص: 174


1- المدارك: ج 2/38.
2- ذخيرة المعاد: ج 1/76 ق 1 (ط. ق)، ومثله ما في كفاية الأحكام: ج 1/31.
3- جامع المقاصد: ج 1/344.
4- روض الجنان: ص 86-87، (ط. ق).
5- قال في تحرير الأحكام: ج 1/110: (ولو لم تفعل الأغسال... لا يصحّ صومها).
6- نهاية الاحكام: ج 1/127، قوله: (ولو أخلّت بالغسل لم يصحّ صومها).
7- كشف اللّثام: ج 2/163 (ط. ج).
8- المبسوط: ج 1/67-68.
9- وسائل الشيعة: ج 2/349 الباب 41 من أبواب الحيض ح 2333.

أقول: وأورد عليه باُمور:

الأوّل: أنّه مضمرٌ، والمسؤول عنه لعلّه غير المعصوم.

وفيه: أنّ ابن مهزيار من أجلّاء الأصحاب، وهو لا يروي عن غير المعصوم.

الثاني: اشتماله على الصدِّيقة الطاهرة، مع أنّها عليها السلام لم ترَ حُمرةً كما تكاثرت الأخبار بذلك، وهو المعروف بين الأصحاب.

وفيه: أنّه يمكن أنْ يكون المراد فاطمة بنت أبي حُبَيش، إلّاأنّه مع ذلك ليس في الرواية ما يُشعر بكون أمر النبيّ إيّاها عليها السلام لأجل ابتلائها بذلك، فمن الممكن أنْ يكون أمره إيّاها لتعليم نساء المسلمين.

الثالث: اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب، وهو عدم قضاء الصَّلاة.

وفيه: أنّ ذلك يوجب طرح هذه الفقرة من الحديث، لا جميع فقراته، لإمكان التفكيك في الحجيّة بينها.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى الجمود على عبارة الصحيح، هو عدم التوقّف على غُسل الفجر، لعدم التعرّض له، إلّاأنّ الظاهر إرادة تركها للغُسل أصلاً لشيوع التعبير في النصوص عن الأغسال الثلاثة الواجبة عليها بالغُسل لكلّ صلاتين، كما لا يخفى على من راجعها.

وعليه، فالنص إنّما يدلّ على بطلان صومها عند ترك جميع الأغسال، ولا دلالة له على توقّفه على فعل جميعها أو بعضها.

نعم، يكون التوقّف على فعل الجميع أو البعض معلوماً بالإجمال، وحيث إنّ التوقّف على غُسل الفجر متيقّنٌ بحسب الفتاوى، فلا يجري الأصل فيه، كما أنّ التوقّف على غُسل الظهرين متيقّنٌ بحسب عبارة النصّ ، بعد ضمّ عدم القول بالتوقّف على غُسل العشائين دونه، فلا يجري فيه أيضاً، فيجري الأصل بالنسبة إلى

ص: 175

غُسل العشائين بلا معارضٍ ، وبه ينحلّ العلم الإجمالي.

أقول: وبذلك تظهر اُمور:

1 - توقّف صحّة صومها على الأغسال النهاريّة.

2 - وجه احتمال توقّفها على خصوص غُسل الفجر وضعفه.

وأمّا الاستدلال له بأنّ غُسل الظهرين بمنزلة الغُسل للجنابة، الحاصلة في أثناء النهار، فيكفي في الصوم الدخول فيه مع الطهارة عن الحَدَث الأكبر، فيعدّ إجتهاداً في مقابل النصّ .

3 - وجه توقّفها على جميع الأغسال الواجبة عليها، حتّى غُسل ليلته اللّاحقة، كما هو ظاهر كلّ من عبّر بتوقّفها على الأغسال. وضعفه.

أقول: وفي المقام احتمالٌ رابع وقولٌ ثالث، وهو التوقّف على غسل اللّيلة السابقة مطلقاً، أو بشرط عدم تقدّم غُسل الفجر قبله، وهو المنسوب إلى «الذكرى»(1) و «الروض»(2)، وقوّاه شيخنا الأعظم رحمه الله(3) على فرض كون المنع للحَدَث لا للتعبّد.

واستدلّ له: بأنّها مع عدم تحقّق الأمرين، تكون عند الدخول في الصوم مُحْدِثة، وهي قادرة على رفعه، فيجب عليها ذلك.

وفيه: إنّ كيفيّة منع حَدَث الاستحاضة عن الصوم غير معلومة، ولعلّه يكون مانعاً لو لم تأتِ بالأغسال النهاريّة، كما هو ظاهر النصّ ، مع أنّها على تقدير غُسلها لعشائي اللّيلة السابقة، لا تكون عند الفجر متطهّرة من الحَدَث، فالإلتزام بالاكتفاء به يلازم القول بعدم مانعيّة الحَدَث في نفسه.1.

ص: 176


1- ذكرى الشيعة: ج 1/249، قوله: (أمّا الصوم فيكفي فيه الغُسل... الخ).
2- روض الجنان: ص 87.
3- كتاب الطهارة: ج 4/111.

ثمّ إنّ ظاهر النصّ اعتبار خصوص الغُسل في الصوم، فشرطيّة الوضوء لا دليل عليها، والأصل يقتضي العدم، فما عن بعضٍ من دخله فيه ضعيفٌ .

وأيضاً: الاستدلال له بأنّ الحَدَث الأكبر لا يرتفع بخصوص الغُسل، بل مقتضى ما دلَّ على أنّ كلّ غُسلٍ معه وضوءٌ ، دَخْلُ الوضوء في أثر الغُسل، فلابدّ من الإتيان به كي يرتفع حَدَث الاستحاضة، فيصحّ صومها.

غير تامّ : إذ مضافاً إلى ما تقدّم من إجزاء كلّ غُسل عن الوضوء، فضلاً عن رافعيّته للحَدَث الأكبر، أنّ كيفيّة منع حَدَث الاستحاضة غير معلومة، كما عرفت، فالأظهر عدم اعتباره فيه.

أقول أخيراً: لايخفى أن النصّ وإنْ اختصّ بالاستحاضة الكثيرة، إلّاأنّه يتعدّى عنها إلى المتوسّطة كما هو المشهور، بدليل الإجماع، ودعوى تنقيح المناط غير بعيدة.

وحيثُ أنّ المتيقّن من الإجماع صورة الغمس قبل الفجر، الموجب لتحقّق الحَدَث من ابتداء الصوم، فيختصّ الحكم بها، فلو كان الغمس بعده قبل الصَّلاة أو بعدها، وجبَ الغُسل لصلاة الظهر إنْ كان بعد صلاة الفجر.

أم لا يجب، لايعتبر الغسل في صومها.

فما من بعض الحواشي المنسوبة إلى الشهيد(1) من تقييد وجوب الغُسل على المتوسّطة بما إذا كان الغمس قبل الفجر، هو الأقوى .

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه حيث لم يوجد القائل بذلك - كما في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(2) - فلا وجه للاختصاص به، فتدبّر، والاحتياط طريق النجاة.

***2.

ص: 177


1- كما حكاه في الجواهر: ج 1/45 (وجوب الغسل لصوم المستحاضة).
2- كتاب الطهارة: ج 4/112.
لزوم المبادرة إلى الصَّلاة بعد الغُسل

التنبيه الرابع: المشهور بين الأصحاب لزوم معاقبة الصَّلاة للغُسل.

وفي «طهارة» الشيخ الأعظم(1): بل قد يظهر نفي الخلاف فيه.

وفي «الجواهر»(2): لم أعرف مخالفاً فيه.

وعن «كشف اللِّثام»(3) والعلّامة الطباطبائي(4): العدم.

ويشهد للأوّل:

1 - ما في مصحّح ابن سنان(5): «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر».

2 - وما في خبري أبي المغرا(6)، وإسحاق بن عمّار(7): «فلتغتسل عند كلّ صلاتين».

وتقريب الاستدلال بها: أنّها ظاهرة في اعتبار المقاربة، لما عن الحلّي في «السرائر»(8) من أنّ لفظة (عند) في لسان العرب لا تُصغَّر فهي للمقاربة، كما أنّ لفظة (قُبيل) و (بُعيد) للمقاربة، لأنّها مع ترك التصغير بمنزلة بُعيد وقُبيل في التصغير.

ص: 178


1- كتاب الطهارة: ج 4/72.
2- جواهر الكلام: ج 3/342 (وجوب معقبة الصَّلاة للغُسل).
3- كشف اللّثام: ج 2/247، وهو الظاهر من قوله: (لا تزال تصلّي بذلك الغُسل حتّى يظهر الدّم على الكُرسُف، فإذا ظهر أعادت الغُسل).
4- رياض المسائل: ج 2/119 قوله: (إنّما يجب الغُسل هنا وفي المتوسّطة مع وجود الدّم الموجب له قبل فعل الصَّلاة وإن كان في غير وقتها).
5- الكافي: ج 3/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من الأبواب الاستحاضة ح 2393.
6- التهذيب: ج 1/387، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 30 من الأبواب الحيض ح 2281.
7- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/331 ب 30 من الأبواب الحيض ح 2282.
8- السرائر: ج 1/152.

وأورد عليه الشيخ الأعظم رحمه الله(1): بأنّ الظاهر منها إضافتها إلى الوقت، أي زمان حضور وقت كلّ صلاةٍ لا حضور فعلها.

وفيه: إنّ تقدير المضاف في نفسه خلاف الظاهر، وإطلاق النصوص الاُخر لايصلح قرينةً عليه، لأنّ ظهور المقيّد مقدّمٌ على ظهور المطلق.

والإيراد على ذلك: بمنافاة ما ذُكر في المقام مع ما ذكرناه في مسألة وطء المستحاضة، من أنّ قوله عليه السلام: «فإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل»، غير ظاهر في اعتبار المعاقبة، لتعارف التعبير عن الشرطيّة المطلقة بمثل ذلك.

غير تامّ : إذ - مضافاً إلى الفرق بين لفظة (حين)، ولفظة (عند) - أنّ الفرق بين التعبير بجواز الإتيان حين الاغتسال، والأمر بالاغتسال حين الإتيان واضحٌ ، لا يحتاج إلى بيان، والمقام من قبيل الثاني.

أقول: وأمّا الاستدلال له بوجوب الاقتصار في تسويغ الحَدَث الواقع بعد الغُسل، المخالف للأصل على المتيقّن.

فيردعليه: أنّ مقتضى إطلاق النصوص، عدم وجوب الاقتصار على مقدارالضرورة.

ودعوى: أنّه لا إطلاق لها من هذه الجهة، حتّى يتمسّك بإطلاقها لجواز التأخير، ممنوعة.

واستدلّ للثاني:

1 - بإطلاق النصوص.

2 - وبالأصل.

3 - وبقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر ابن عبد الخالق(2): «فإذا كان صلاةد.

ص: 179


1- كتاب الطهارة: ج 4/72.
2- وسائل الشيعة: ج 2/377 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2404، نقلاً عن قرب الإسناد.

الفجر فلتغتسل بعد الفجر، ثمّ تصلّي ركعتين قبل الغداة، ثمّ تصلّي الغداة».

4 - وبقوله عليه السلام في خبر ابن بُكير المتقدّم(1): «فإذا مضت عشرة أيّام، فعلت ما تفعله المستحاضة ثمّ صلّت». فإن لفظة (ثمّ ) للتراخي.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الإطلاق: فلأنّه يتعيّن تقييده بما تقدّم، وبه يجب الخروج عن الأصل.

وأمّا الخبر الأوّل: وهو خبر ابن عبد الخالق؛ فهو لا يدلّ إلّاعلى جواز الفصل بمقدار ركعتي النافلة، وهذا المقدار من الفصل لا يتنافى مع المقاربة المعتبرة، لأنّها أعمّ من المبادرة، وبذلك يظهر وجه جواز الفصل بمقدار الأذان والإقامة، وانتظار الجماعة، والذهاب إلى مكان الصَّلاة إذا كانا غير منافيين للمقاربة.

وأمّا الخبر الثاني: وهو خبر ابن بُكير؛ فلأنّ لفظة (ثمّ ) لم توضع لإفادة لزوم الفصل بين مدخولها وما قبلها، بل لتأخّره عنه، وعليه فيقيّد إطلاقه بالنصوص المتقدّمة.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب معاقبة الصَّلاة للغُسل.

وأمّا معاقبتها للوضوء: فعن «الخلاف»(2) و «المبسوط»(3) و «السرائر»(4)والجامع(5) و «الوسيلة»(6) و «الإصباح»(7) وجمهور المتأخّرين إلّاالمصنّف: وجوبها.9.

ص: 180


1- التهذيب: ج 1/400 ح 74، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2161.
2- الخلاف: ج 1/251 المسألة 224.
3- المبسوط: ج 1/68.
4- السرائر: ج 1/152.
5- كما حكاه عنه في الجواهر: ج 3/346، (وجوب معاقبة الصَّلاة للوضوء).
6- الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص 61.
7- إصباح الشيعة: ص 39.

وفي «طهارة» الشيخ الأعظم(1): أنّه المشهور.

وفي «الجواهر»: بل لا أجد فيه خلافاً صريحاً إلّامن العلّامة رحمه الله في «المختلف»، وتبعه العلّامة الطباطبائي في مصابيحه مدّعياً أنّه ظاهر الأكثر(2).

واستدلّ للأوّل:

1 - بوجوب الإقتصار على مقدار الضرورة في تسويغ الحَدَث الواقع بعد الوضوء المخالف للأصل.

2 - وبعدم ظهور الفرق بينه وبين الغُسل.

3 - وبما تضمّن الأمر بالوضوء لكلّ صلاة؛ إذ لو لم تقدح الفاصلة لم تجب إعادته.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عدم وجوب الاقتصار على مقدار الضرورة.

وأمّا الثاني: فلأنّ عدم ظهور الفرق لا يكفي في ثبوت ما ثبت من الغُسل للوضوء، بل يتوقّف ذلك على إثبات عدم الفرق.

وأمّا الثالث: فلأنّه لم يعلم أنّ الوجه في الأمر بالوضوء لكلّ صلاةٍ هو قدح الفاصلة.

فالأولى الاستدلال له: بما استدلّ به الحلّي في «السرائر»(3) من الاستعانة ببعض الأخبار المشتملة على لفظة (عند) بالتقريب المتقدّم في الغُسل.2.

ص: 181


1- كتاب الطهارة: ج 4/77.
2- الجواهر: ج 3/346.
3- السرائر: ج 1/152.

والإنكار عليه بعدم الوجدان، كما وقع من بعضهم، في غير محلّه؛ إذ في خبر ابن جعفر المتقدّم عن أخيه عليه السلام في القليلة: «يجزؤها الوضوء عند كلّ صلاة»(1).

ويؤيّده ما عن «الخلاف»(2) من دعوى الإجماع عليه، حيث قال:

(المستحاضة ومَنْ به سَلس البول، يجبُ عليهما تجديد الوضوء عند كلّ صلاة - إلى أن قال - دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم - إلى أن قال - وذلك يقتضي أن تعقبه الصَّلاة).

***1.

ص: 182


1- وسائل الشيعة: ج 2/280 ب 4 من أبواب الحيض ح 2142 نقلاً عن قرب الإسناد.
2- الخلاف: ج 1/249 المسألة 221.
المتوسّطة الحادثة بعد صلاة الفجر

التنبيه الخامس: إذا حدثت المتوسّطة بعد صلاة الفجر، لا يجبُ الغُسل لها إجماعاً وقطعاً، ولا يخفى وجهه، فهل يجب للظهرين أم لا؟ وجهان:

نسب في «الجواهر»(1) إلى ظاهر كلام الأصحاب العدم، ثمّ قال: (بل لعلّ المتأمّل في كلماتهم يمكنه تحصيل الإجماع على ذلك).

أقول: إنّ جماعة من الأصحاب - كالشهيد في محكيّ «البيان»، والمحقّق الثاني في محكيّ «جامع المقاصد»، والشهيد الثاني في محكيّ «الروضة»، وغيرهم في غيرها(2) - وإنْ صرّحوا بذلك، إلّاأنّ الظاهر عدم تحقّق الإجماع، بل ولا الشهرة عليه، كما صرّح به الشيخ الأعظم رحمه الله(3)، إذ لا وجه لما أفاده في «الجواهر»(4) بعد عدم تصريح أكثر الأصحاب بذلك إلّادعوى أنّ جماعة من الأصحاب ادّعوا الإجماع على تخصيص الغُسل بالغداة، وهي فاسدة؛ إذ الظاهر أنّ مرادهم من ذلك ليس اختصاص أثر الغُسل بها، بل يريدون به عدم وجوب غُسلٍ آخر لما عداها في مقابل الكثيرة، كما يشهد له، أنّ جماعةً من المصرّحين بذلك أوجبوا الغُسل، لانقطاع دم المستحاضة للبُرء مطلقاً.

ولو لم تكن المتوسّطة حَدَثاً بالنسبة إلى غير الصبح، لم يجب الغُسل عند انقطاعه لبقيّة الصلوات.

وما في محكيّ «كشف اللِّثام»(5): بأنّها لو لم تغتسل لصلاة الصبح، لزمها

ص: 183


1- جواهر الكلام: ج 3/338.
2- حكى كلّ ذلك الشيخ الأنصاري في طهارته: ج 4/42.
3- كتاب الطهارة: ج 4/48.
4- جواهر الكلام: ج 3/338.
5- كشف اللّثام: ج 1/190.

الغُسل إذا أرادت الصَّلاة الباقية، على وجهٍ يظهر منه كونه من المسلّمات، ولولا كونها حَدَثاً بالنسبة إلى غير الصبح، لم يكن وجهٌ لوجوب الغُسل إذا أرادت الإتيان بغيرها.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ غاية ما يدلّ عليه ذلك، كون الاستحاضة المتوسّطة الحادثة قبل صلاة الفجر حَدَثاً بالنسبة إلى جميع الصلوات، لا خصوص صلاة الصبح.

وكيف كان، فإنْ ساعدنا الدليل على وجوب الغُسل لهما، لانُبالي بما استظهره رحمه الله من الإجماع على العدم.

ويمكن الاستدلال له:

1 - بإطلاق النصوص، حيث أنّها تدلّ على أنّ الغُسل شرطٌ لجميع الصلوات، وتوجب المتوسّطة غُسلاً واحداً بالنسبة إليها، كما هو ظاهر جملةٍ منها وصريح جملةٍ اُخرى ، كروايتي سماعة:

«وإن لم يجز الدّم الكُرسُف، فعليهاالغُسل كلّ يومٍ مرّة والوضوء لكلّ صلاة»(1).

2 - وصحيح زرارة المتقدّم(2): «صلّت بغُسلٍ واحد»، أي تُصلّي جميع الصلوات به.

وإنّما بنينا على وجوبه للغداة، من جهة ظهور الأدلّة في كونه ملحوظاً بنحو الشرط المتقدّم.

وبالجملة: فمقتضى إطلاقها وجوب الغُسل للظهرين، إذا حدثت بعد صلاة الفجر، كما أنّها إنْ حدثت بعد الظهرين وَجَب الغُسل للعشائين.

فما عن «الرياض» من وجوبه للظهرين أو العشائين، هو الأقوى .

***4.

ص: 184


1- الكافي: ج 3/40 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/173 ب 1 من أبواب الجنابة ح 1854.
2- الكافي: ج 3/99 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/373 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2394.
يجب على المستحاضة اختبار حالها

التنبيه السادس: يجبُ على المستحاضة اختبار حالها، وأنّها من أيّ قسمٍ من الأقسام الثلاثة، كما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى»(1) والشهيد في «الذكرى»(2)والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(3) وغيرهم في غيرها.

ويشهد له: الأمر به في جملةٍ من النصوص:

منها: صحيح ابن مسلم(4)، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها الّتي كانت ترى الدّم فيها، فلتقعد عن الصَّلاة يوماً أو يومين، ثمّ تمسك قطنةً ، فإن صبغ القُطنة دم لا ينقطع فلتجمع... الخ».

ومنها: خبر عبد الرحمن(5)، عن الإمام الصادق عليه السلام في المستحاضة:

«ولتستدخل كُرسفاً، فإن ظهر على الكُرسُف... الخ». ونحوهما غيرهما.

وهو مانعٌ عن الرجوع إلى أصالة البراءة من الغُسل، والرجوع إلى استصحاب الحكم أو الموضوع، إذا لم يكن موافقاً للاحتياط، لظهوره في كونه طريقياً إلى معرفة كون الاستحاضة من أيّ قسمٍ من الأقسام الثلاثة حتّى تترتّب عليها الأحكام المختصّة بذلك القسم.

وبعبارة اُخرى: إنّه ظاهرٌ في كونه إرشاديّاً إلى تنجّز الواقع على ما هو عليه،

ص: 185


1- منتهى المطلب: ج 2/409.
2- الذكرى: ص 30.
3- جامع المقاصد: ج 1/339.
4- وسائل الشيعة: ج 2/377 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2403، نقلاً عن المعتبر.
5- التهذيب: ج 5/400 ح 36، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397.

وأنّ الجهل لا يكون عُذراً، لا في كون الاختبار شرطاً تعبّديّاً في صحّة العبادة، أو واجباً نفسيّاً كذلك، كما لا يخفى.

وأمّا الاحتياط: فقد استدلّ لعدم جوازه بوجهين:

أحدهما: أنّ مقتضى إطلاق هذه النصوص، المنع من العمل بالاحتياط.

الثاني: عدم جواز الامتثال الإجمالي مع إمكان الامتثال التفصيلي.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر منها كما عرفت عدم ورودها في مقام بيان اعتبار أمرٍ آخر وراء ما يعتبر للمستحاضة في صلاتها، وعليه فبالاحتياط يُحرز الواقع.

وأمّا الثاني: فلما حقّقناه في محلّه من ضعف المبنى.

ومنه يظهر وجه الصحّة لو كان ما فعلته موافقاً للواقع، مشتملاً على نيّة التقرّب.

وعلى ذلك، فيكون مفاد النصوص منطبقاً على القاعدة، فإنّ العقل كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان، كذلك يحكم بوجوب الفحص في أمثال المقام، ممّا لا يمكن معرفة الموضوع غالباً إلّابالاختبار، ويكون هذا الحكم العقلي كالقرينة المتّصلة مانعاً عن انعقاد ظهور أدلّة الاُصول النافية في الإطلاق.

هذا فيما إذا تمكّنت من الاختبار.

وأمّا مع العجز عن الاختبار: فلا كلام في عدم سقوط الصَّلاة، لأنّها لا تسقط بحال، فهل تجري في حقّها الاُصول النافية، أم يجب عليها الاحتياط؟ وجهان:

أقواهما الثاني، لإطلاق دليل الاختبار الموجب لسقوط الاُصول النافية عن الحجيّة.

ص: 186

فإن قلت: كيفَ يُعقل الإطلاق في دليل الاختبار، مع أنّ الأمر به في فرض عدم التمكّن تكليفٌ بما لا يُطاق.

قلت: ليس المراد من إطلاق دليله وجوب الاختبار في الفرض، كي يستحيل ثبوته، بل المراد بثبوته تنجّز الواقع على ما هو عليه، وعدم عذريّة الجهل.

وعليه، فيتعيّن عليها الاحتياط، والعمل بأسوء الاحتمالات.

أقول: ثمّ إنّه لا إشكال في الاكتفاء بالاختبار قبل الوقت، إذا علمت بعدم تغيّر حالها إلى ما بعد الوقت.

وأمّا إذا احتملت التغيّر، فهل تكتفي به أم لا؟ وجهان:

استدلّ للثاني:

1 - بأنّ الاختبار واجبٌ بالإجماع وغيره، فلابدَّ من الإتيان به بعد الوقت، لعدم وجوبه قبله.

2 - وبأنّ الظاهر من الأدلّة اعتبار تقارب الاختبار والعمل، وبعبارة اُخرى الاختبار حين إرادة العمل.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الاختبار وإنْ كان مقدّمةً للاغتسال أو التوضّي، ولازم ذلك عدم وجوبه قبل دخول الوقت، لكن الكلام ليس في ذلك، بل في أنّه لو أوجدته هل تكتفي به بعد دخول الوقت، كما هو كذلك في المقدّمات التي يؤتى بها قبل وقت ذيّها أم لا؟

وأمّا الثاني: فلأنّه بعد جريان الاستصحاب - أي استصحاب عدم التغيّر - تَحرزُ المستحاضة حالها، فلا حاجة إلى الاختبار ثانياً، مع أنّه لو تمّ ، فإنّما يقتضي

ص: 187

عدم انفصال الاختبار عن أداء الوظيفة:

1 - فلو اختبرت قبل الوقت، وأدّت وظيفتها في الوقت مقارناً له كفى.

2 - ولو اختبرت في أوّل الوقت، وأدّت وظيفتها في آخره لم يكف.

وبذلك يظهر مستند من اعتبر كون الاختبار حين إرادة العمل وضعفه.

والنتيجة: كفاية الاختبار المذكور لاستصحاب عدم التغيّر.

فإن قلت: قد تقدّم أنّ أدلّة الاختبار تدلّ على إلغاء الاستصحاب في المقام، فلا مجال لإجرائه.

قلت: إنّها إنّما اقتضت إلغاء الاستصحاب قبل الاختبار لا بعده، فتدبّر.

***

ص: 188

التحفّظ من خروج الدّم بعد الطهارة

التنبيه السابع: قال في «الحدائق»(1): (صرّح الأصحاب بأنّه يجبُ على المستحاضة الإستظهار في منع الدّم من التعدّي بقدر الإمكان).

أقول: وظاهره دعوى الإجماع عليه.

وفي «الجواهر»(2): (لم أجد فيه خلافاً، بل لعلّه تقضي به بعض الإجماعات السابقة في تغيير الخرقة ونحوها).

بل عن بعض: أنّ الإجماع عليه ما بين ظاهر وصريح مستفيض.

وتشهد له: النصوص الآمرة بالإحتشاء والإستثفار وتبديل الكُرسُف:

منها: صحيح معاوية(3) المتقدّم: «تحتشي وتستثفر».

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ثمّ تغسل، وتستدخل قطنة، وتستذفر بثوت، ثمّ تصلّي حتّى يخرج الدّم من وراء الثوب»(4).

ومنها: موثّق زرارة: «عنه عليه السلام: ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها»(5).

ومنها: مرسل يونس الطويل المتقدّم، وفيه الأمر بالإستثفار والتلجّم.

أقول: والمراد من الإحتشاء هو أن تحشو فرجها - بعد غَسله - بشيءٍ من قطنٍ أو خرقة، وأمّا الإستثفار فالمراد منه هو التلجّم، وهو على ما عن «الذكرى»(6):

ص: 189


1- الحدائق الناضرة: ج 3/305.
2- جواهر الكلام: ج 3/348.
3- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2391.
4- الكافي: ج 3/89 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2391.
5- التهذيب: ج 1/169 ح 55، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2398.
6- الذكرى : ص 32.

(أن تشدّ على وسطها خرقة كالتكة، وتأخذ خرقة اُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداها قدامها والاُخرى خلفها وتشدّهما بالتكة).

وحيث أنّ الغرض من ذلك هو حبس الدّم، فتكتفي بكلّ ما يوجب حبسه كما هو المتبادر من الأمر بمثل هذه الأشياء في أمثال هذه الموارد، ويؤيّده الأمر بمطلق الإستيثاق في موثّق زرارة.

وعليه، فالأمر بضمّ الفخذين في بعض الروايات(1) محمولٌ على ما إذا توقّف التوقّي عليه.

أقول: وأمّا الأمر بالإستذفار في صحيح الحلبي(2) المفسّر آخره: «بأنّ تتطيّب وتستجمر بالدُّخنة»، فمحمولٌ على الاستحباب قطعاً، للإجماع على عدم وجوب شيء زائداً على ما يوجب حبس الدّم.

وقد استدلّ للمختار بوجهين آخرين:

أحدهما: ما دلَّ على وجوب التحفّظ عن نجاسة الدّم مهما أمكن.

وأورد عليه الشيخ الأعظم رحمه الله(3): بأنّه لا يوجب إلّاالتحفّظ عن الزائد على ما لا يمكن، وإلّا فلا يتأثّر المحلّ النجس بمثل نجاسته.

واُجيب عنه: بأنّ مقتضى أدلّة مانعيّة الدّم، أنّ الدّم المأخوذ موضوعاً للمانعيّة ملحوظ بنحو الطبيعة السارية، فيجبُ عليها التحفّظ حتّى لا يخرج وإن كان على فرض الخروج لا يوجب نجاسة البدن.

وفيه: إنّ هذا يتمُّ بناءً على عدم جواز الصَّلاة في المحمول النجس، وقد مرّ في1.

ص: 190


1- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/371 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2390.
2- الكافي: ج 3/89 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2391.
3- كتاب الطهارة: ج 4/81.

الجزء الأوّل جوازها.

ثانيهما: أنّ دم الاستحاضة حَدَثٌ ، لابدَّ من التحفّظ عن خروجه بقدر الإمكان.

وفيه: أنّه بعد خروج شيءٍ منه بعد الغُسل إلى آخر الصَّلاة، لا يكون التحفّظ بقدر الإمكان نافعاً كما لا يخفى، فالصحيح ما ذكرناه.

أقول: ثمّ إنّ المحكيّ عن المصنّف رحمه الله(1) في «نهاية الاحكام»(2)، والشهيد في «الذكرى»(3): أنّه لو خرج دم الاستحاضة بعد الطهارة، اُعيدت بعد الغُسل والإستظهار إن كان لتقصيرٍ فيه.

وتبعهما صاحب «الحدائق» رحمه الله(4).

واستدلّ له:

1 - بأنّه حَدَثٌ لابدَّ من التحفّظ منه بقدر الإمكان.

2 - وبالأمر بالإحتشاء في جملةٍ من الأخبار.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ المستفاد من الأدلّة العفو عن حَدَثيّته بعد الطهارة، كما عرفت عند التعرّض لما أفتى به الأصحاب، من أنّها إذا فعلت ما وجب عليها، كانت بحكم الطاهرة، مع أنّه لو فرضنا إجمال الأدلّة من هذه الجهة، لابدَّ من الرجوع إلى استصحاب عدم الإنتقاض.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظاهر من الأمر به، كون ذلك من شروط الصَّلاة خاصّة، كالأمر بالغُسل والوضوء.5.

ص: 191


1- الحاكي هو الشيخ الأنصاري في المصدر السابق.
2- قد يظهر ذلك من نهاية الاحكام: ج 1/127.
3- كما هو الظاهر من الذكرى: ج 1/253 (الحادي عشر).
4- الحدائق الناضرة: ج 3/305.

فالأظهر عدم وجوب إعادة الطهارة.

وأيضاً: المحكيّ عن «نهاية» المصنّف رحمه الله(1) و «ذكرى» الشهيد و «الروض»: أنّه يجب عليها التحفّظ من خروج الدّم بقدر الإمكان تمام النهار، إن كانت صائمة.

واستدلّ له: بأنّ خروجه يوجب بطلان الغُسل المعتبر في صحّة صومها.

وفيه أوّلاً: ما عرفت من عدم بطلانه به.

وثانياً: أنّه على فرض القدح فيه، لو كان خروج الدّم كاشفاً عن عدم وقوع الغُسل صحيحاً من الأوّل، كان لما ذُكِر وجهٌ .

ولكن بما أنّه ليس كذلك قطعاً، بل على فرض القدح إنّما يوجب ارتفاع أثر الغُسل، ويوجب صيرورتها محدثة، ولا دليل على اعتبار كونها طاهرة تمام النهار، والدليل إنّما دلَّ على اعتبار الغُسل الواجب للصلاة فيه لا غير، فلا وجه لوجوب التحفّظ عليها.

***7.

ص: 192


1- نهاية الاحكام: ج 1/127.
حكم انقطاع الدّم

التنبيه الثامن: ويدور البحث فيه عن حكم انقطاع الدم:

1 - المحكيّ عن الشيخ(1) والمصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه ك «المنتهى»(2)و «القواعد»(3) و «التذكرة» و «النهاية» وغيرهم:

(أنّ انقطاع دم الاستحاضة ليس بموجبٍ للغُسل، وإنّما يوجب الوضوء، فلو اغتسلت ذات الكثيرة للصبح وصلّت، ثمّ انقطع دمها وقت الظهر، لم يجب الغُسل واكتفت بالوضوء).

2 - وعن بعض تلك الكتب و «الذكرى»(4): تقييده بالبُرء، وأنّ الانقطاع إن كان انقطاع فترة لا أثر له.

3 - وعن الشهيدين(5) والمحقّق الثاني(6) وجماعة: (أنّ انقطاع المتوسّطة والكثيرة موجبٌ للغسل، كما أنّ انقطاع القليلة من موجبات الوضوء.

وبعبارة اُخرى: الدَّم الموجود قبل الانقطاع لا يرتفع أثره بالانقطاع.

4 - وعن بعضٍ : أنّه لا يجبُ عليها شيء بعد الانقطاع.

5 - ونُسب إلى جماعةٍ التفصيل بين كون الانقطاع في الوقت، فلا يرتفع أثر الدّم، وبين كون الانقطاع قبل الوقت، فلا يجب عليها شيء.

أقول: والأقوى هو الثاني؛ إذ الانقطاع لا يصلح أنْ يكون رافعاً لأثر الدّم

ص: 193


1- المبسوط: ج 1/68.
2- منتهى المطلب: ج 2/417.
3- القواعد: ج 1/219.
4- الذكرى: ص 31.
5- البيان للشهيد الأوّل: ص 21، وروض الجنان: ص 84-85.
6- جامع المقاصد: ج 1/345.

الموجود قبله، فإنّه يقتضي بوجوده الوضوء وحده، أو مع الغسل، فلا يسقط استصحاب بقاء الفترة حكمه بالانقطاع.

ودعوى: أنّ المستفاد من النصوص ليس كون دم الاستحاضة كالمنيّ موجباً للغسل، بل إنّ أحكام المستحاضة من الأغسال وغيرها مترتّبة على المستحاضة، بحيث يكون تحقّق هذا العنوان هو السبب، من غير دخلٍ للدّم بنفسه فيها، وعليه فإن انقطع الدّم، ولم يصدق هذا العنوان، ترتفع أحكامه أيضاً، فلا يجب عليها شيء بعد الانقطاع، ولعلّ هذا هو مدرك القول الثالث.

مندفعة: بأنّ المستفاد من الأخبارالمأخوذ فيها نفس الدّم موضوعاً لهذه الأحكام - كأكثر نصوص الباب كما يظهر لمن راجعها - أنّ الدّم سببٌ كالمنيّ ، فلاحظها.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ الدّم لا يوجبُ الغُسل إلّامع الاستمرار إلى وقت الصَّلاة فعلاً، ويوجب الوضوء مطلقاً.

2 - وبأنّ الغُسل إنّما يجب على المستحاضة، فإذا انقطع الدّم لا تكون هي مستحاضة كي يجب عليها ذلك، ولكن حيث أنّ حَدَثيّة الدّم في الجملة قد انعقد عليها الإجماع، فهو يقتضي وجوب الوضوء عليها، لأنّه القدر المتيقّن، وترجع في وجوب الغُسل إلى الأصل.

ويرد عليهما: ما تقدّم من أنّ ظاهر الأدلّة أنّ الدّم موجبٌ للغُسل أيضاً.

ويرد على الأوّل: - مضافاً إلى ذلك - أنّه لو تمّ فإنّما يقتضي عدم الوجوب إذا انقطع الدّم قبل الوقت، والمُدّعى أعمّ من ذلك.

وأيضاً: لم يظهر وجهٌ الفرق بين الوضوء والغُسل بعد كون لسان دليليهما متّحداً، كما لا يخفى .

ص: 194

واستدلّ للأخير:

1 - بقوله عليه السلام في صحيح الصحّاف(1) المتقدّم: «فلتغتسل ولتصلِّ الظهرين، ثمّ لتنظر فإن كان الدّم فيما بينها وبين المغرب لم يسل من خلف الكُرسُف فلتتوضّأ، ولتصلِّ ، ولا غُسل عليها».

2 - وبأنّ وقت الصَّلاة هو وقت الخطاب بالطهارة، فلا أثر لما قبله.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر منه عدم العبرة بأوقات الصَّلاة، لأنّه إنّما يدلّ بمفهومه على أنّه إذا سال الدّم فيما بين الظهرين والمغرب، وجب الغُسل للمغرب، فهو إنّما يكون من شواهد القول الثالث، ولذا استدلّ به غير واحد له.

وأمّا الثاني: فلأنّ المستفاد من الأخبار سببيّة الدّم للوظيفة المجعولة في وقت الصَّلاة، ولا فرق في ذلك بين تحقّق السبب قبل وقت الصَّلاة، أو تحقّقه فيه كما هو الشأن في غيره من الأحداث.

أقول: بقي الكلام في وجه التفصيل:

بين كون الانقطاع انقطاع بُرءٍ فلا يجب عليها شيء.

وبين كونه انقطاع فترةٍ ، فيجب عليها ما يجبُ على المستحاضة الفعليّة.

الذي اختاره جماعة، منهم الشهيد في «الذكرى»(2) - وقد يقال في وجه ذلك بعد البناء على اختصاص أدلّة الأحكام بالمستحاضة -: (بأنّ المستفاد منها أنّ هذه العلّة الخاصّة بنفسها، موجبة للوظائف، ما لم يحصل البرء والشفاء، وعليه فإذا انقطع الدّم وحَصَل البرء، لا يجب عليها شيءٌ لارتفاع الموضوع، وأمّا إن انقطع ولم1.

ص: 195


1- الكافي: ج 3/95 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/374 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2396.
2- الذكرى: ص 31.

يحصل الشفاء، فحيثُ إنّه يصدق عليها المستحاضة، فيجب عليها ترتيب أحكامها).

وفيه: ما عرفت آنفاً من ما ذكرناه في وجه المختار، من أنّ ظاهر أكثر النصوص، كون الدّم بنفسه موضوعاً للوظائف الخاصّة، لا كون المرأة دامية ومستحاضة.

هذا كلّه في سببيّة الانقطاع للغُسل المستقبلي.

وأمّا ناقضيّته للغسل السابق: فيتوقّف تنقيح القول فيها على البحث عن فرع آخر، وبيان ما هو الحقّ فيه، وهو:

أنّه إذا علمت المستحاضة أنّه ينقطع دمها إلى آخر الوقت، انقطاع بُرْءٍ أو انقطاع فترةٍ في زمان يَسَع الصَّلاة فيها:

فهل يجبُ عليها تأخير الصَّلاة إلى ذلك الوقت، كما عن المصنّف رحمه الله في «المنتهى »(1) و «نهاية الاحكام»(2)، والشهيد في بعض كتبه(3)، والمحقّق الثاني(4)؟

أم لا يجب عليها ذلك، كما عن جماعةٍ منهم المحقّق في «المعتبر»(5)؟ وجهان:

وقد استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ المستفاد من النصوص، كون دم الاستحاضة حَدَثاً مطلقاً.

2 - وما دلَّ على الاكتفاء بالغُسل والوضوء، من جهة ظهوره في كونهما من الأبدال الاضطراريّة للطهارة لا إطلاق له بنحوٍ يشمل صورة انقطاع الدّم.

وأورد عليه باُمور:

1 - أنّه لا دليل عليكون دم الاستحاضة حَدَثاً بقول مطلق، حتّى مايخرج بعد2.

ص: 196


1- منتهى المطلب: ج 2/423.
2- نهاية الاحكام: ج 1/128.
3- حكاه عنه السيّد الحكيم في مستمسكه: ج 3/412.
4- حكاه عنه السيّد الحكيم في مستمسكه: ج 3/413.
5- المعتبر: ج 1/112.

الغُسل والوضوء، ولذا قال في «المعتبر»: (إنّ خروج دمها بعد الطهارة لاينقضها).

2 - إنّ وجود الفترة غالبي، فعدم التعرّض في النصوص لوجوب الانتظار، وإطلاق الحكم فيها بالصلاة مع الأعمال الخاصّة، مع أنّها في مقام بيان الوظيفة الفعليّة، يدلّ على عدم وجوبه.

3 - إنّ دم الاستحاضة حَدَثٌ ، سواءٌ أكان مستمرّاً فعلاً أم قوّةً ، فوجود الفترة كالعدم.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه - مضافاً إلى كون الغُسل والوضوء في حال استمرار الدّم مع انقطاعه بعدهمافي الوقت، من الموجبات لرفع الحَدَث غير معلوم، فيستصحب العدم، بناءً على ما هو الحقّ من جريان استصحاب عدم الجعل، أو يستصحب بقاء الحَدَث المتحقّق باستمرار الدّم قبلهما، وعليه فلا يحتاج إثبات حدثيّة الدّم مطلقاً إلى دليل - أنّ المستفاد من النصوص على ما عرفت غير مرّة أنّه من الأحداث مطلقاً.

وأمّا الثاني: فلمنع الغلبة أوّلاً، ولعدم كون النصوص في مقام البيان من هذه الجهة كي يتمسّك بإطلاقها ثانياً.

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر من الأدلّة كون الدّم الموجود بالفعل حَدَثاً كما لا يخفى. فإذاً الأظهر وجوب الانتظار.

هذا إذا عَلِمَتْ بالانقطاع بأحد الوجهين، وإلّا فلا يجب عليها التأخير حتّى مع رجاء الانقطاع، لاستصحاب بقاء الدّم إلى آخر الوقت، بناءً على ما هو الحقّ من جريانه في الاُمور الاستقباليّة، فيجوز لها البدار.

أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم، أنّ الانقطاع:

1 - إمّا أنْ يكون بعد الصَّلاة.

ص: 197

2 - وإمّا أنْ يكون في أثنائها.

3 - أو يكون بينها وبين الطهارة.

4 - وإمّا أنْ يكون في أثناء الطهارة.

وعلى التقادير:

إمّا أنْ يكون انقطاع بُرءٍ ، أو فترة.

وعلى التقادير:

تارةً : تعلم بسِعَة زمان الانقطاع لتجديد الطهارة والصَّلاة.

واُخرى: تعلم بعدمها.

وثالثة: تشكّ في تلك.

1 - فإن كان بعد الصَّلاة، وكان انقطاع بُرءٍ أو فترةٍ ، وكانت عالمة بسِعَة زمان الانقطاع لتجديدهما، فهل تجب إعادتهما، أم لا، كما في طهارة الشيخ الأعظم(1)و «الجواهر»؟ وجهان:

واستدلّ للثاني في «الجواهر»(2): باقتضاء الأمر الإجزاء، وحصول الامتثال، وإطلاق الأدلّة، والكلّ كما ترى.

أمّا الأوّل: فلما حقّقناه في محلّه(3) من عدم اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء.

وأمّا الثاني: فلما عرفت آنفاً من أنّ الصَّلاة في حال استمرار الدّم لا تكون مأموراً بها واقعاً مع البُرء في أثناء الوقت، أو فترةٍ تَسَع الطهارة والصَّلاة.

وأمّا الثالث: فلما تقدّم من أنّه لا إطلاق للأدلّة، كي تدلّ على كونها مأموراً بها، فراجع.(4)6.

ص: 198


1- كتاب الطهارة: ج 4/66.
2- جواهر الكلام: ج 3/332.
3- زبدة الاصول: ج 2/57.
4- فقه الصادق: ج 3/196.

وعليه، فالأظهر وجوب الإعادة.

2 - وإنْ كان بعد الصَّلاة، وعَلِمت أنّه لا يَسَع لتجديدهما، فلا يجب عليها الإعادة قطعاً كما في «الجواهر»(1)، فكأنّه إجماع.

3 - وإنْ كانت شاكّة في سعته، فهل تجب إعادتهما أم لا؟ وجهان:

وقد استدلّ للثاني: بإطلاق الأخبار، وبلزوم الحرج.

وفيهما نظر: أمّا الأوّل: فللشكّ في صدق موضوعها؛ إذ لو كان واسعاً لما شملته الأخبار. وأمّا الثاني: فلعدم اطّراده.

أقول: الحقّ أنّه:

1 - إنْ كان الشكّ في أمد الفترة، يجري استصحاب بقائها إلى آخر مقدارٍ يَسَع الطهارة والصَّلاة.

2 - وإنْ كان في مقدار الطهارة والصَّلاة مع العلم بأمدها، يجري استصحاب بقائها إلى آخر الصَّلاة، فإنّ معلوميّة أمد الفترة إذا لوحظت بنفسها، لا تمنع عن جريان الاستصحاب فيها إذا لوحظت بالقياس إلى زمانيّ كالصلاة، فتدبّر فإنّ ذلك لا يخلو عن نظر في خصوص المقام.

وعليه، فترجع إلى ما تقتضيه قاعدة الاحتياط؛ إذ لا يحصل العلم بالفراغ عن الصَّلاة التي اشتغلت الذمّة بها إلّابالإعادة والإستئناف، وليس الشكّ في وجوب شيءٍ زائدٍ كي تجري البراءة، كما لا يخفى .

3 - وإن كان في أثناء الصَّلاة، وعلمت أنّها فترةٌ لا تسع الصَّلاة، فلا كلام، وإن علمت أنّها واسعة، فمقتضى ما عرفت من أنّه لا دليل على صحّة الأعمال على تقدير الانقطاع، وجب عليها استئناف الصَّلاة والطهارة، كما عن «نهاية2.

ص: 199


1- الجواهر: ج 3/332.

الاحكام»(1) و «التحرير»(2)، و «الدروس»(3) و «كشف اللِّثام»(4).

وعن «الخلاف»(5) و «المبسوط»(6) و «المنتهى»(7) و «البيان»(8): الصحّة.

واستدلّ لها:

أ - بعموم ما دلَّ على النهي عن إبطال الصَّلاة.

ب - وباستصحاب الصحّة.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ البطلان المُدّعى في المقام قهريٌ ، لا اختياري.

وعلى الثاني: أنّ الانقطاع يكشفُ عن عدم صحّة الصَّلاة من الأوّل، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، فلا مورد للإستصحاب المتوقّف جريانه على العلم بالثبوت.

4 - وإنْ كانت في السِّعة، فمقتضى الاستصحاب الذي أشرنا إليه آنفاً وجوب الاستئناف، وهو حاكمٌ على استصحاب طهارتها السابقة، فلا وجه للاستدلال به للحكم بالصحّة، كما في «مصباح الفقيه»(9)، لأنّ مقتضى ما أشرنا إليه بطلان الطهارة والصَّلاة من الأوّل، بل على فرض عدم جريانه لا مجال للرجوع إلى ما ذكره؛ إذ صحّة الطهارة في الفرض من الأوّل مشكوك فيها فتدبّر.1.

ص: 200


1- نهاية الاحكام: ج 1/128.
2- في التحرير: ج 1/110.
3- الدروس: ج 1/99.
4- كشف اللّثام: ج 2/164.
5- الخلاف: ج 1/250 المسألة 222.
6- المبسوط: ج 1/68.
7- منتهى المطلب: ج 2/422.
8- البيان: ص 22.
9- مصباح الفقاهة: ج 1/325 ق 1.

ومنه يظهر ما في الاستصحاب الآخر الذي تُمسّك به في المقام، وهو استصحاب كونها مصلّية.

وبالجملة: وبما ذكرناه ظهر حكم انقطاع الدّم بعد الطهارة قبل الصَّلاة، فإن الأظهر وجوب إعادتها، إذا كان انقطاع بُرءٍ أو فترةٍ تَسَع الطهارة، كما عن المشهور، فما عن «المعتبر» و «الجامع» من عدم الاستيناف، ضعيفٌ .

كما أنّه لو انقطع في الأثناء، وجبت إعادة ما أتت به، كما لا يخفى وجهه لمن تدبّر فيما ذكرناه، فلا نعيد.

***

ص: 201

حكم رؤية الدّم في أوقات متفرّقة

التنبيه التاسع: إذا لم يخرج الدّم بعد العمل ببعض وظائفها، كما لو رأت الدّم قبل صلاة الصبح فتوضّأت إنْ كانت الاستحاضة قليلة، أو اغتسلت أيضاً إن كانت غيرها، لكن لم يخرج الدّم بعد الشروع في الطهارة، فهل يجب عليها الغُسل أو الوضوء لبقيّة صلوات اليوم أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بإطلاق الأدلّة، مثلاً إطلاق ما ورد من أنّ الكثيرة توجب الأغسال الثلاثة يدلّ على أنّها متى تحقّقت، كفى ذلك في وجوب الأغسال، وإن لم تستمرّ لحظةً بعد الغُسل الأوّل.

وفيه - مضافاً إلى كونه خلاف الإجماع، كما اعترف به المستدلّ في جواهره(1) - أنّ النصوص إنّما تدلّ على حَدَثيّة الدّم بأقسامه، وظاهرها كونه كسائر الأحداث يرتفع أثره بما تأتي به بعده من الوظائف المجعولة لها، فلو عَمِلَت بوظيفتها، ولم يخرج الدّم بعد ذلك، لا تُعدّ مُحْدِثةً كي يجب عليها الإتيان بسائر وظائفها في ذلك اليوم، على فرض كونها مُحْدِثة. فتدبّر. وعليه فالأظهر هو الثاني.

***

ص: 202


1- جواهر الكلام: ج 3/344.

الفصل الرابع: في النِّفاس، و

الفصل الرابع في النِّفاس

اشارة

بكسر النون وهو لغةً (1)؛ بمعنى ولادة المرأة، إذا وضعت فهي نُفَساء على ما عن «الصِّحاح»(2) و «القاموس»(3) و «مجمع البحرين»(4).

(و) في عُرف الفقهاء(5): هو الدّم الذي يقذفه الرَّحم في أيّامٍ خاصّة لأجل الولادة.

فلو ولدت ولم ترَ دماً في تلك الأيّام - كما حُكي أنّه اتّفق في زمان النبيّ صلى الله عليه و آله - لم يكن لها نفاسٌ إجماعاً، محصّلاً ومنقولاً، مستفيضاً حَدّ الاستفاضة، بل لعلّه متواترٌ كما في «الجواهر»(6).

وعليه، فلو سُلّم شمول النصوص لها، بدعوى أنّ المراد من النِّفاس الواقع في كلام الشارع، هو بمعناه اللّغوي - وإن كان محلّ نظرٍ بل منع - فإنّ الظاهر منها تعليق الحكم على الدّم، يخرج به عنها.

ص: 203


1- كما في لسان العرب: ج 6/233، والقاموس المحيط: ج 1/745، كتاب العين: ج 6/460، تاج العروس: ج 1/4168.
2- مختار الصحاح: ج 1/688.
3- القاموس المحيط: ج 1/745.
4- مجمع البحرين: ج 4/352، باب النون.
5- كما في رسائل فقهيّة للشيخ الجواهري ص 22 (مخطوط).
6- جواهر الكلام: ج 3/368، بتصرّف.

هو الدّم الذي تراه المرأة عقيب الولادة، أو معها.

أقول: وكيف كان، فقد اختلف الفقهاء في أنّ النِّفاس:

هل (هو) خصوص (الدّم الذي تراه المرأة عقيب الولادة) كما عن «مصباح» السيّد(1) و «جُمل» الشيخ(2) و «الغنية»(3) و «الكافي»(4) و «الوسيلة»(5) و «الجامع»(6)حيث فسّروا النِّفاس بما تراه المرأة عقيب الولادة ؟

(أو) يعمّ ما تراه (معها)، أي مع الولادة، كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، كما في «الجواهر»(7)، وعن «الخلاف»(8) دعوى الإجماع عليه ؟ وجهان:

يشهد للثاني: خبر السَّكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال:

«قال النبيّ صلى الله عليه و آله: ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبل، يعني إذا رأت المرأة الدّم وهي حامل لا تترك الصَّلاة، إلّاأن ترى على رأس الولد إذا أخذها الطَلْق ورأت الدّم تركت الصَّلاة»(9).

بناءً على كون التفسير من المعصوم عليه السلام، كما لعلّه الظاهر.8.

ص: 204


1- أيضاً قاله السيّد في الناصريّات: ص 173، (مبدأ النِّفاس..).
2- راجع رسائل الشيخ: 165.
3- غنية النزوع: ص 40.
4- الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ص 129.
5- الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص 61.
6- الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد الحلّي: ص 44-45.
7- جواهر الكلام: ج 3/371، قوله: وأمّا المصاحب لها فالمشهور نقلاً وتحصيلاً أنّه كذلك [نفاساً]، بل لعلّه لا خلاف كما يشعر به قوله في الخلاف (عندنا).
8- الخلاف: ج 1/246 مسألة: 217.
9- الاستبصار: ج 1/140 ح 9 (481)، وسائل الشيعة: ج 2/333 ح 2288.

وخبر زُريق، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الحامل ترى الدّم ؟

قال عليه السلام: تُصلّي حتّى يخرج رأس الصبي، فإذا خَرَج رأسه لم تجب عليها الصَّلاة، وكلّما تركته من الصَّلاة في تلك الحال لوجعٍ أو لما هي فيه من الشدّة والجهد، قضته إذا خرجت من نفاسها.

قلت: جُعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض ؟

قال عليه السلام: إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، وهذه قذفت بدم المخاض، إلى أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النِّفاس، فيجب أن تَدَع في النِّفاس والحيض»(1).

واستدلّ للأوّل:

1 - بالشكّ في صدق النِّفاس، فترجع إلى أصالة الطهر المعتضدة بصدق الحامل عليها قبل انفصال الولد.

2 - وبموثّق عمّار الساباطي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يومين، فترى الصفرة أو دماً؟ قال عليه السلام: تصلّي ما لم تلد»(2).

ونحوه ما رواه الصدوق(3)، بناءً على صدق (لم تلد) قبل الفراغ والولادة.

ولكن يرد على الأصل: أنّه يجبُ الخروج عنه بالدليل المتقدّم.

وعلى الموثّق: أنّ الجمع بينه وبين الخبرين المتقدّمين، يقتضي الإلتزام بأنّه اُريد به عدم كون ما تراه قبل الولادة نفاساً.

***1.

ص: 205


1- وسائل الشيعة: ج 2/334 ح 2293.
2- الكافي: ج 3/100 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/392 ح 2440.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1/102 ح 211.
التنبيه على اُمور
الدَّم الخارج قبل الولادة

أقول: ثمّ إنّه ينبغي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: لا إشكال في أنّ الدّم الخارج قبل ظهور أوّل جزءٍ من الولد ليس بنفاس.

وفي «الحدائق»(1): اتّفق الأصحاب عليه.

وفي «المدارك»(2): إجماعاً.

وفي «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(3): دعوى الاتّفاق عليه محكيّة عن جماعة.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يومين، فترى الصفرة أو دماً؟

قال عليه السلام: تُصلّي ما لم تلد، فإنْ غلبها الوجع، ففاتتها صلاة لم تقدر أن تُصلّيها من الوجع، فعليها قضاء تلك الصَّلاة بعدما تطهر»(4).

ونحوه غيره.

كما أنّه لا إشكال في كونه استحاضة، بناءً على عدم اجتماع الحمل مع الحيض.

وأمّا بناءً على الاجتماع:

فإنْ لم يكن واجداً لشرائط الحيض، فهو استحاضة.

وإنْ كان واجداً لها، مع تخلّل أقلّ الطهر بينه وبين النِّفاس، فهو حيضٌ .

وأمّا مع عدم تحقّق الفصل بينه وبين دم الولادة بأقلّ الطُهر، ففيه قولان:

أحدهما: عدم كونه حيضاً، وهو المنسوب إلى المشهور.

ص: 206


1- الحدائق الناضرة: ج 3/308.
2- مدارك الأحكام: ج 2/44.
3- كتاب الطهارة: ج 1/263 (ط. ق).
4- وسائل الشيعة: ج 2/391-392 ح 2440.

الثاني: كونه حيضاً، وهو المحكيّ عن «تذكرة» المصنّف رحمه الله(1)، و «مدارك» السيّد(2)، و «الذخيرة»(3)، وحواشي الشهيد(4).

وعن «المنتهى»(5): الميل إليه، وعن «النهاية»(6) احتماله.

واستدلّ للأوّل:

1 - بإطلاق ما دلَّ على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام(7).

2 - وبما دلَّ على أنّ النِّفاس حيضٌ محتبس(8).

3 - وبما دلَّ على أنّ النفساء كالحائض(9).

4 - وبإطلاق موثّق عمّار وخبر زُريق المتقدّمين.

5 - وبصحيح ابن المغيرة: «في امرأةٍ نفست، فتركت الصَّلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طَهُرت، ثمّ رأت الدّم بعد ذلك ؟2.

ص: 207


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/332 (ط. ج).
2- مدارك الأحكام: ج 2/44.
3- ذخيرة المعاد: ج 77/1 ق 1، قوله: (وهل يعتبر تخلّل أقلّ الطهر بينه وبين النِّفاس ؟ فيه وجهان؛ أظهرهما العدم).
4- حكاه عن الحواشي السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/381.
5- منتهى المطلب: ج 2/428 (في النِّفاس).
6- نهاية الاحكام: ج 1/131.
7- راجع وسائل الشيعة: ج 2/297، باب (أنّ أقلّ الطهر بين الحيضتين عشرة أيّام)، من حديث 2180 وما بعده.
8- ورد هذا التعبير في كلمات العديد من الفقهاء، وبعضهم أرسله إرسال المسلّمات، ويمكن أن يستدلّ على ذلك بما ورد من سؤال سلمان رحمه الله لعليّ عليه السلام: «عن رزق الولد في بطن اُمّه ؟ فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى حَبَس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن اُمّه»، راجع: وسائل الشيعة: ج 2/333 ح 2289، من لا يحضره الفقيه: ج 1/91 ح 197، علل الشرائع: ج 1/291 ح 1.
9- كما يظهر ذلك من روايات باب (أنّ أكثر النِّفاس عشرة أيّام وأنّه يجب رجوع النفساء إلى عادتها في الحيض أو النِّفاس، وإلّا فإلى عادة نسائها، ويستحبّ لها الاستظهار كالحائض ثمّ تعمل عمل المستحاضة)، من وسائل الشيعة: ج 2/382.

قال عليه السلام: تَدَع الصَّلاة، لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النِّفاس»(1).

بدعوى أنّ ظاهره كون عدم مُضيّ أيّام الطهر، مانعٌ من الحكم بحيضيّة المرئيّ بعد النِّفاس، ولذا تواترت النصوص بأنّ المتعدّي عن أكثر النِّفاس استحاضة، فكذا المرئيّ قبله، لعدم القول بالفصل بين المتقدّم والمتأخّر، كما عن «الروض»(2) التصريح به.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه - مضافاً إلى أنّه على فرض شموله للمقام، لا يدلّ إلّاعلى أنّ الأقلّ ليس بطهرٍ - فمن الجائز أنْ يكون حيضاً ما لم يتجاوز مع أيّام رؤية الدّم عشرة أيّام.

يرد عليه: أنّ الظاهر منه أنّه لو كان أقلّ من عشرة، يمنع من حيضيّة اللّاحق، كما تقدّم تحقيقه في محلّه، وعن «نهاية» المصنّف رحمه الله التصريح به.

وأمّا بالنسبة إلى سابقه فلا يكون مؤثّراً، وفي المقام لا يؤثّر فيما بعده أيضاً لأن ما بعد الولادة نفاس إجماعاً(3).

وأمّا الجواب عنه: كما في محكيّ «النهاية»(4): (بأنَّا نمنع من اشتراط طُهرٍ كاملٍ بين الدّمين مطلقاً، بل بين الحيضتين) وتبعه جملةٌ من المحقّقين(3).

فغير تامّ : لإطلاق دليله.

وأمّا ما في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(4): من أنّه إنّما ينفي كون الأقلّ طهراً،).

ص: 208


1- الكافي: ج 3/100 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/393 ح 2443.
2- روض الجنان: ص 89. (3و4) نهاية الاحكام: ج 1/131، قوله: (ونقصان الطهر إنّما يؤثّر فيما بعده لا فيما قبله... الخ).
3- كما يظهر من كشف اللّثام: ج 2/173 (ط. ج).
4- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم: ج 1/264 (ط. ق).

فلعلّه حيضٌ أو نفاس، أو حالةٌ حدث بين الحالتين.

فغير سديد: إذ يدلّ على عدم كونه نفاساً، ما تقدّم من عدم تقدّم النِّفاس على الولادة، وعلى عدم كونه حَدَثاً بين الحالتين، الإجماع على عدم حَدَثٍ ثالثٍ .

نعم، احتمال كونه حيضاً ثابتٌ كما أشرناإليه، وهو يوجب سقوطالاستدلال به.

وعدم الدليل على ثبوته، لا يصلح لرفعه، كي يصحّ الاستدلال به، كما لايخفى.

وأمّا دعوى: أنّ النسبة بينه وبين إطلاقات أحكام الحيض، عمومٌ من وجه، وليس هو بأظهر منها.

فمندفعة: بعدم تعارضهما، فإنّ إطلاقات أحكام الحيض غير ناظرة إلى كون دمٍ خاصٍ حيضاً، كي تعارض ما دلَّ على عدم حيضيّته.

مع أنّه لو سُلّم التعارض والتساقط، يتعيّن الرجوع إلى أصالة عدم الحيض.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظاهر منه كونه في مقام بيان قضيّة خارجيّة، لا حكماً شرعيّاً تنزيليّاً.

وأمّا الثالث: فلأنّ الدليل - وهو صحيح زرارة - إنّما دلَّ على تنزيل الحائض منزلة النفساء، لا تنزيل النفساء منزلة الحائض.

مع أنّه لو دلّ على ذلك، فإنّما يدلّ على تنزيل النفساء منزلة الحائض، وترتّب أحكامها عليها، لا أحكام الطهر، وإنْ رجعت إلى الحيض من وجهٍ .

وأمّا الرابع: فلأنّ الخبرين إنّما يدلّان على أنّه لا يُحكم بالحيضيّة مع إصابة الطلق، الموجبة لفتق الرَّحم، الموجب لسيلان الدّم، فلا يكونان مربوطين بالمقام.

وأمّا الخامس: فلعدم ثبوت عدم الفصل، كيف وأنّ الظاهر أنّ كلّ مَنْ أفتى في المقام بذلك، فهو مفصّلٍ بين المسألتين، لعدم الخلاف في تلك المسألة.

ص: 209

وبالجملة: فالأظهر هو القول الثاني، للإطلاقات، وقاعدة الإمكان، وغيرهما ممّا يرجع إليه في الحكم بالحيضيّة في أمثال المقام، ولا فرق في ذلك بين أنْ يكون مجموع الدّمين عشرة أيّام أو أكثر.

وما دلَّ على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، وأنّ النِّفاس لا يكون أكثر من عشرة، لا يقتضي أنْ يكون مجموعهما المتّصلين غير زائدٍ على العشرة.

***

ص: 210

الدَّم الخارج بعد وضعها المُضْغَة

التنبيه الثاني: لا خلاف في صدق النِّفاس على الدَّم المرئيّ بعد الولادة أو معها، ولو كان الولد غير تامّ الخلقة كالسِّقط، وإن لم يَلِجْ فيه الرّوح، لصدق الولادة، فتشمله الإطلاقات.

وأمّا ماتراه بعدما لو ولدت مُضغةً ، فالمعروف بين الأصحاب ا لحكم بكونه نفاساً.

وفي «المدارك»(1): أنّه ممّا قَطع به المصنّف رحمه الله وغيره.

وفي «الجواهر»(2): لم أجد فيه خلافاً، بل في «التذكرة»(2): الإجماع عليه، ولذلك قال في «الجواهر»(4): فلا ينبغي الإشكال في إلحاق المُضغَة بعدما عرفت، وإنْ لم يصدق اسم الولادة معها.

فما عن المقدّس الأردبيلي(3) من عدم إلحاق المضغة بالولد تامّ الخلقة ضعيفٌ .

وأمّا العَلَقة والنُّطفة: فإن صدق معهما الولادة - كما هو الأقوى - فتشملهما الإطلاقات، وتكونان ملحقتين بالولد، وإلّا فالأظهر العدم لعدم ثبوت الإجماع فيهما.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ الجماعة الذين نُسِبَ إليهم القول بعدم الإلحاق فيهما، أو في خصوص النطقة، منهم المصنّف رحمه الله(4) والمحقّق(5)، قد استدلّوا له على ما حُكي بعدم اليقين بالحمل بذلك، فإنّ ظاهر ذلك تسليمهم الحكم بكونه نفاساً، مع اليقين بكونه مبدأ نشوء آدمي.

ص: 211


1- مدارك الأحكام: ج 2/43. (2و4) جواهر الكلام: ج 3/371 و 372.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/326، مسألة 100.
3- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/169، قوله: (الظاهر أنّ النِّفاس دم خارج مع ما يسمّى آدميّاً أو جزئه لا مثل المضغة ولو علم أنّه مبدأ إنشائه، لعدم العلم بصدق الولادة والنِّفاس).
4- كما سيأتي في الحاشية التالية عن التذكرة والمنتهى.
5- المعتبر: ج 1/252، قوله: (أمّا العلقة والنطفة فلا يتعيّن معهما الحمل، فيكون حكمه حكم دم الحائض).

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - ما عن «التذكرة»(1): «فلو ولدت مُضغةً أو عَلَقة بعد أن شهدت القوابل أنّها لحمة ولدٍ، ويتخلّق منها الولد، كان الدّم نفاساً بالإجماع».

ونحوه عن «المنتهى »(2).

وبالجملة: فالأقوى إلحاقهما بالولد تامّ الخلقة.

***

الشكّ في الولادة

التنبيه الثالث: لو شكّ في الولادة، أو في كون الساقط مبدأ نشوء الإنسان وعدمه، لم يُحكم عليه بالنفاس للأصل. ولا يعارضه أصالة عدم الاستحاضة عند تردّد الدّم بينهما، لما عرفت في مبحث اعتبار التوالي(3) في الدّم، المحكوم بكونه حيضاً، فراجع.

وعليه، فيحكم بكونه استحاضةً ، إلّاأن تقوم أمارة من العادة والصّفات على كونه حيضاً، فيحكم به لذلك.

***

ص: 212


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/326، مسألة 100 (ط. ج).
2- منتهى المطلب: ج 2/427-428.
3- فقه الصادق: ج 2/296.

ولا حَدَّ لأقلّه.

ليسَ لأقلّ النِّفاس حَدٌّ

قال رحمه الله: (ولا حَدّ لأقلّه) أي أقلّ النِّفاس، فجائزٌ أن يكون لحظةً واحدة بلا خلافٍ .

وفي «المدارك»(1): هذا مذهب علمائنا، وأكثر العامّة.

وفي «طهارة» الشيخ الأعظم(2): بل الإجماع عليه عن «الخلاف»(3)و «الغنية»(4) و «المعتبر»(5) و «التذكرة»(6) و «الذكرى»(7).

وفي «الجواهر»(8): إجماعاً محصّلاً ومنقولاً.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - إطلاق الأدلّة لصدق (النُّفساء) على المرأة و (النِّفاس) على الدّم.

وقد استدلّ له في «المدارك»(9) بما رواه عليّ بن يقطين في الصحيح، عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّه سأله عن النفساء؟ قال عليه السلام: تَدَع الصَّلاة ما دامتْ تَرى الدَّم

ص: 213


1- مدارك الأحكام: ج 2/50، قوله: (إنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام، واستثنى من ذلك اُمور: الأوّل: الأقلّ ، إجماعاً.. الخ).
2- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم: ج 1/265 (ط. ق).
3- الخلاف: ج 1/245 مسألة 214.
4- غنية النزوع: ص 40.
5- المعتبر: ج 1/252.
6- تذكرة الفقهاء: ج 1/326، مسألة 101 (ط. ج).
7- ذكرى الشيعة: ج 1/264 (ط. ج)، قوله: (السابعة: يفترق الحيض والنِّفاس في الأقلّ قطعاً). (8و9) جواهر الكلام: ج 3/368.

العبيط إلى ثلاثين يوماً، فإذا رَقّ وكانت صُفرة اغتسلت»(1).

وفيه: أنّ إطلاقه واردٌ في مقام بيان حكمٍ آخر، كما لا يخفى، فلا يصحّ التمسّك به.

أقول: وأمّا الاستدلال له برواية ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن النُّفساء كم حَدُّ نفاسها حتّى تجب عليها الصَّلاة ؟ وكيف تصنع ؟

قال عليه السلام: ليس لها حَدّ»(2).

كما في «الجواهر»(3) وغيرها.

بدعوى: أنّها محمولة على خصوص طرف القلّة، للإجماع والنصوص على تحديد الكثرة.

فغير سديد: لما نبّه عليه الشيخ الأعظم رحمه الله(4) من أنّ السؤال ظاهرٌ في كونه عن حَدّه في طرف الكثرة، كما يشهد له قوله: (حتّى تجب عليها الصَّلاة). وقوله:

(كيف تصنع).

فالعمدة ما ذكرناه.

***).

ص: 214


1- تهذيب الأحكام: ج 1/174 ح 69 (497)، وسائل الشيعة: ج 2/387-388 ح 2427.
2- الاستبصار: ج 1/154 ح 15 (533)، وسائل الشيعة: ج 2/382 ح 2411.
3- جواهر الكلام: ج 3/368.
4- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم: ج 2/265 (ط. ق).

وأكثَرُه عَشَرةُ أيّامٍ .

حَدّ النِّفاس الأبعد

(وأكثره عَشَرة أيّام) كما هو المشهور، كما عن غير واحدٍ.

وعن المصنّف(1) في أكثر كتبه، والشهيدين(2)، والمحقّق الثاني(3): أنّ أكثره عَشَرة أيّام للمتبدئة والمضطربة، دون ذات العادة، فتتبع عادتها إنْ لم ينقطع على العشرة، وإلّا فالكلّ نفاس.

وفي «الجواهر»(4) و «مصباح الفقيه»(5): أنّ مرجع القول الأوّل إلى ذلك.

وعن السيّد(6) والمفيد في «المقنعة»(7)، والصدوق(8)، وابن الجُنَيد(9)، وسلّار(10)، والشيخ في «الخلاف»(11): أنّ أكثره ثمانية عَشَر يوماً.

ص: 215


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/327-328 مسألة 102 (ط. ج)، منتهى المطلب: ج 2/432-433 (ط. ج) وفي القديمة ج 1/123-124.
2- ذكرى الشيعة: ج 1/260 (ط. ج)، وقد نسب القول بالعشرة إلى المشهور. روض الجنان ص 89 (ط. ق).
3- جامع المقاصد: ج 1/347.
4- جواهر الكلام: ج 3/374.
5- مصباح الفقيه للمحقّق الهمداني (ط. ق): ج 1/335 ق 1 (أكثر حَدّ النِّفاس).
6- الانتصار: ص 129 (أكثر النِّفاس).
7- المقنعة: ص 57.
8- الهداية: باب غسل النِّفاس ص 100-101.
9- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: ج 1/253، والعلّامة في منتهى المطلب: ج 2/432 (ط. ج).
10- المراسم العلويّة: ص 44.
11- الخلاف: ج 1/243 مسألة 213.

وعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(1): أنّها ترجع إلى عادتها في الحيض إنْ كانت ذات عادة، وإنْ كانت مُبتَدئة صبرت ثمانية عشر يوماً.

وعن «التنقيح»(2): استحسانه.

وعن بعض متأخّري المتأخّرين اختياره(3).

وعن «منتهى » المصنّف رحمه الله(4): أنّ أكثر النِّفاس للمعتادة عَشَرة أيّام، وللمبتدئة والمضطربة والناسية لعددها ثمانية عشر يوماً.

وعن العُمّاني(5): أنّ أكثر النِّفاس أحدَ وعشرون يوماً.

وعن المفيد في كتاب «الاعلام»(6) اختياره.

وعنه في كتاب «أحكام النساء»(7): أنّه أحَدَ عَشَر يوماً.

وقد استدلّ للقول الأوّل: في «طهارة» الشيخ الأعظم(8):

1 - بأنّه المتيقّن من النِّفاس المخالف للأصل موضوعاً وحكماً.

ولا يعارضه استصحاب موضوعه، لمنع جريانه في التدريجيّات، ولا استصحاب أحكامه، لأنّه فرع بقاء موضوعها.

2 - وبأنّ النِّفاس حيضٌ محتبسٌ ، وأنّ النفساء بمنزلة الحائض.5.

ص: 216


1- مختلف الشيعة: ج 1/378-379.
2- حكاه عن المقداد في التنقيح صاحب الجواهر: ج 3/375.
3- نسب صاحب الجواهر اختيار كلام العلّامة إلى بعض متأخّري المتأخِّرين، راجع الجواهر: ج 3/375.
4- منتهى المطلب: ج 2/432 فإنّه بعد ذكر قول المفيد والسيّد.. ثمّ ذكر بقيّة الأقوال، قال ص 434: (والحقّ عندي الأوّل).
5- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: ج 1/253، والعلّامة في منتهى المطلب: ج 2/432-433 (ط. ج).
6- الاعلام للشيخ المفيد: ص 17-18.
7- أحكام النساء: ص 25.
8- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (ط. ق): ج 1/265.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ استصحاب بقاء النِّفاس، لا مانع من جريانه، بناءً على ما هو الحقّ عندنا وعنده قدس سره، من جريان الاستصحاب في التدريجيّات(1).

وأمّا الثاني: فلأنّ ما دلَّ على أنّ النِّفاس حيضٌ محتبسٌ ، قد عرفت أنّه في مقام بيان قضيّة خارجيّة لا شرعيّة.

وأمّا ما دلَّ على أنّ النفساء بمنزلة الحائض، فالظاهر عدم وجوده؛ إذ الموجود في صحيح زرارة تنزيل الحائض منزلة النفساء دون العكس.

وقد يستدلّ له: بمرسل المفيد، في ما حُكي عن كتاب «أحكام النساء»(2)، عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يكون النِّفاس لزمانٍ أكثر من زمان الحيض».

وفي محكيّ «المقنعة»(3)، قال: (وقد جاءت أخبارٌ معتمدةٌ في أنّ أقصى مدّة النِّفاس هو عشرة أيّام، وعليها أعمل، لوضوحها عندي».

بناءً على أنّه من عبارة «المقنعة»، كما استظهره جماعة، منهم المصنّف، وكاشف اللّثام(4) وغيرهما، لا إبتداءً كلامُ «التهذيب»، كما عن الشهيد في «الذكرى»(5) والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(6).

وفيه: أنّ المرسل الأوّل لا يُعتمد عليه للإرسال، والثاني لاحتمال أنْ يكون مراده من الأخبار المعتمدة، هي ما ستمرّ عليك من النصوص التي إدُّعي دلالتها8.

ص: 217


1- كما قد يظهر من فرائد الاُصول: ج 2/426 (السادس).
2- السرائر: ج 1/52-53.
3- المقنعة ص 57-58، (حكم الحيض والاستحاضة والنِّفاس والطهارة من ذلك)، وأيضاً ذكر ذلك في ص 522 الباب 19 (الولادة والنِّفاس والعقيقة).
4- كشف اللّثام: ج 2/175، (ط. ج).
5- ذكرى الشيعة: ج 1/261-262 (ط. ج).
6- جامع المقاصد: ج 1/348.

على هذا القول، ويؤيّده عدم عثور القوم على غير تلك النصوص، وكون راوي أكثرها المفيد رحمه الله.

وبالجملة: فالعمدة ذكر تلك النصوص، والتعرّض لما يستفاد منها، وهي كثيرة:

وفي «الجواهر»(1): أنّه روى ثقة الإسلام في «الكافي»(2)، والشيخ في «التهذيب»(3)، و «الاستبصار»(4) نحواً من عشرة أحاديث صريحة في رجوع النفساء إلى أيّامها في الحيض:

منها: صحيح زرارة المرويّ بعدّة طرق، عن أحدهما عليه السلام:

«النفساء تكفّ عن الصَّلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها، ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة»(5).

ومنها: صحيحه الآخر، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قلت له: النفساء متى تُصلّي ؟

قال عليه السلام: تقعد قدر حيضها، وتستظهر بيومين، فإن انقطع الدّم، وإلّا اغتسلت واستثفرت وصلّت....

قلت: والحائض ؟ قال عليه السلام: مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدّم وإلّا فهي مستحاضة، تصنع مثل النفساء سواء، ثمّ تُصلّي ولا تَدَع الصَّلاة على حال، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال الصَّلاة عماد دينكم»(6).

ونحوهما غيرهما.4.

ص: 218


1- جواهر الكلام: ج 3/378.
2- الكافي: ج 3/97 باب النفساء.
3- التهذيب: ج 1/173 باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس والطهارة من ذلك.
4- الاستبصار: ج 1/150 باب أكثر أيّام النِّفاس.
5- وسائل الشيعة: ج 2/382 ح 2412.
6- الكافي: ج 3/99 باب النفساء ح 4، التهذيب: ج 1/173 ح 68، وسائل الشيعة: ج 2/373 ح 2394.

وتقريب الاستدلال بها: أنّها إنّما تدلّ على اتّحاد النِّفاس والحيض في الأيّام، بحيث لا تتخطّى أيّام النِّفاس عن أيّام حيضها، إلّابالمقدار الذي يمكن أن يتخلّف حيضها اللّاحق عن أقرائها السابقة، أعني أيّام الإستظهار.

وعليه، فتدلّ على كون أكثر النِّفاس عَشَرة، بمعنى عدم التخطّي عنها، لا أنّ النِّفاس هي العشرة بتمامها، مع استمرار الدّم وإن كانت ذات عادة دون العشرة.

وأورد عليها بوجوه:

1 - إختصاصها بالمعتادة.

2 - أنّها إنّما تدلّ على أنّ أكثر النِّفاس هو العادة التي تختلف باختلاف النساء.

3 - أنّها واردة في مقام بيان الحكم الظاهري عند اشتباه النِّفاس بالاستحاضة، لا في مقام تحديد النِّفاس واقعاً.

4 - إنّ بعضها متضمّنٌ للأمر بالاستظهار بيومٍ أو أكثر، ولازمه تجاوز النِّفاس عن العادة، وإنْ كانت عشرة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر من هذه النصوص - المتضمّنة لرجوع ذات العادة إلى عادتها والاستظهار - أنّ النفساء بمنزلة الحائض في الأيّام، ولأجله أهمل التعرّض لغير ذات العادة، مع أنّ نصوص الاستظهار إلى العَشَرة ظاهرة في ذلك، إذ لو لم يكن أكثر النِّفاس عَشَرة أيّام مطلقاً، لم يتحقّق الاستظهار بذلك.

وأمّا الثاني: فلأنّها إنّما تدلّ على رجوع ذات العادة إلى عادتها في الحيض، سواءٌ أكانت عَشَرة أو أقلّ ، فهي تدلّ على أنّ أكثر النِّفاس عَشَرة بالمعنى الذي أشرنا إليه في تقريب الاستدلال بالنصوص، نظير ما دلَّ على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام.

ص: 219

وأمّا الثالث: فلأنّ النِّفاس الواقعي لو كان حَدّه أكثر من حَدّ الحيض، لما صحّ جعل هذا الحكم الظاهري عند اشتباه النِّفاس بالاستحاضة.

وإنْ شئتَ قلت: إنّها تدلّ على التنفس بمقدار العادة عند تجاوز الدّم عن العشرة مطلقاً، وحيث أنّ أثر هذا النزاع يظهر عند التجاوز، فإنّه على الأقوال الاُخر تتنفّس بعد العشرة أيضاً، فهذه النصوص تصلح للردّ عليها، سواءٌ أكان متضمّناً لبيان حكمٍ ظاهري أو واقعي.

وأمّا الرابع: فلأنّ ما تضمن الأمر بالاستظهار، محمولٌ على مَنْ عادتها أقلّ من العشرة، بقرينة ما دلَّ على أنّها تستظهر إلى العَشَرة، كما عرفت مفصّلاً في مبحث الحيض(1) عند التعرّض لنصوص الاستظهار والجمع بينها.

وبالجملة: وممّا ذكرناه ظهر أنّه يمكن أنْ يستدلّ له بما رواه يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن امرأة وَلَدت فرأت الدَّم أكثر ممّا كانت ترى؟

قال عليه السلام: فلتقعد أيّام أقرائها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعَشَرة أيّام»(2).

بناءً على جعل (الباء) بمعنى (إلى) كما عن الشيخ في «التهذيب»، لأنّ حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض.

ويؤيّده روايته بهذا السند وبهذا المتن في الحائض.

وعليه: فالأظهر هو القول الأوّل إنْ رجع إلى الثاني، كما هو الظاهر.

واستدلّ للقول الثالث - وهو أنّ أكثره ثمانية عشر يوماً مطلقاً - بجملةٍ من النصوص:ة.

ص: 220


1- فقه الصادق: ج 2/394.
2- التهذيب: ج 1/175 ح 74، وسائل الشيعة: ج 2/383 ح 2414 وأيضاً ح 2198 و 2400، وقد تقدّم ص 303 و 376 من وسائل الشيعة.

منها: موثّق الفُضَلاء(1)، وصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام المتضمّنان: (أنّ أسماء بنت عُمَيس نَفَستْ بمحمّدٍ بن أبي بكر حين أرادت الإحرام بذي الحُلَيفة، وأنّها لمّا قدِمَت مكّة بعد ثمانية عَشَر يوماً - كما في أحدهما - وثمان عَشَرة ليلة - كما في الآخر - بعد أن نسكت مناسك الحجّ ، أمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنْ تغتسل وتطوف بالبيت، وتُصلّي، ولم ينقطع منها الدّم»(2).

وفيه: أنّهما إنّما يدلّان على أنّ النِّفاس لا يزيد عن هذا الحَدّ، وأمّا أنّه لا يكون أقلّ من ذلك فهما غير دالّين عليه، كما اُشير إلى ذلك في مرفوع إبراهيم بن هاشم:

«سألتْ امرأة أبا عبد اللّه عليه السلام، فقالت: إنّي كنتُ أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ولِمَ أفتوكِ بثمانية عشر يوماً؟

فقال رجلٌ : للحديث الذي رَوُوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لأسماء بنتِ عُمَيس حين نَفَستْ بمحمّد بن أبي بكر.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعل المستحاضة»(3).

ونحوه الخبر الموثّق الذي رواه في محكيّ «المُنتقى »(4) نقلاً عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمّد بن عياش الجوهري.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن النفساء كم تقعد؟5.

ص: 221


1- الكافي: ج 3/98 ح 3، التهذيب: ج 1/178 ح 84، وسائل الشيعة: ج 2/384 ح 2418.
2- الكافي: ج 4/449 ح 1، التهذيب: ج 1/179 ح 85، وسائل الشيعة: ج 2/384 ح 2417.
3- الكافي: ج 3/98 ح 3، التهذيب: ج 1/178 ح 84، الاستبصار: ج 1/153 ح 14.
4- منتقى الجمان، كتاب الطهارة باب النِّفاس: ج 1/235.

فقال عليه السلام: إنّ أسماء بنت عُمَيس أمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تغتسل لثمان عَشَرة، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين»(1).

بدعوى: أنّ اكتفاء الإمام عليه السلام في مقام الجواب بنقل قصّة أسماء، ظاهرٌ في إرادة أنّها حَدّ النِّفاس.

وبهذا التقريب يظهر اندفاع ما أُورد عليه بأنّ صريح صدره السؤال عن الحَدّ، وفي الجواب لم يتعرّض لذلك، وحينئذٍ يُشكل العمل بأصالة الجهة أو أصالة عدم النقصان للعلم بوجود الخلل في إحداهما.

ولكن يرد عليه: أنّه يدلّ بقرينة تضمّنه الاستظهار بيومٍ أو يومين، جواز تجاوزه الثمانية عشر، وعليه فيكون حاله حال ما دلَّ على العشرين أو الثلاثين، وسيمرّ عليك ما في تلك النصوص، مضافاً إلى معارضته بالخبرين المتقدّمين.

ومنها: صحيح محمّد بن مسلم، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن النُّفَساء كم تقعد حتّى تُصلّي ؟ قال: عليه السلام: ثماني عشرة أو سبع عشرة»(2).

وفيه: إنّه يدلّ على الترديد بين العددين، وحيثُ لا قائل به فيُطرح، مع أنّه إنّما يدلّ على أنّ العبرة باللّيالي، ولعلّه خلاف الإجماع.

ومنها: مرسل الصدوق الوارد في قصّة أسماء: «فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تقعد ثمانية عشر يوماً»(3).

وفيه: أنّ الظاهر أنّ المراد به إحدى النصوص المتقدّمة لا خبر آخر، على أنّه ضعيف للإرسال.2.

ص: 222


1- المصدر السابق للتهذيب والاستبصار، وسائل الشيعة: ج 2/387 ح 2426.
2- التهذيب: ج 1/177 ح 80، وسائل الشيعة: ج 2/386 ح 2423، بتصرّف.
3- الفقيه: ج 1/101 باب: النِّفاس وأحكامه، وسائل الشيعة: ج 2/389 ح 2432.

ومنها: ما عن «العيون»: «فيما كتبه مولاناالرضا عليه السلام إلى المأمون: والنّفساء لا تقعد عن الصَّلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً، فإنْ طَهُرت قبل ذلك صلّت، وإنْ لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوماً اغتسلت وصلّت وعملت بما تعمل المستحاضة»(1).

ومنها: ما عن الصدوق في «العلل»(2)، عن حنّان بن سُدير، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: لأيّ علّة اُعطيت النفساء ثمانية عَشَر يوماً، ولم تُعط أقلّ منها ولا أكثر؟

قال عليه السلام: لأنّ الحيض أقلّه ثلاثة أيّام، وأوسطه خمسة، وأكثره عشرة، فاُعطيت أقلّه وأوسطه وأكثره».

وفيه أوّلاً: أنّهما ضعيفان سنداً.

ودعوى: انجبار ضعفهما بعمل مثل السيّد والمفيد كما ترى، إذ مضافاً إلى ما قيل من أنّهما رجعا من هذا القول، لم يُعلم أنّهما استندا في فتواهما إلى هذين الخبرين، ولعلّهما استندا إلى النصوص المتضمّنة لقصّة أسماء.

ومنه يظهر عدم صحّة دعوى الانجبار بعمل غيرهما.

وثانياً: أنّهما - لا سيّما خبر «العلل» - مطلقان، يشملان ذات العادة وغيرها، فحينئذٍ إنْ حُملا على غيرها، لزم حمل المطلق على الفرد النادر، وإلّا فيعارضان مع النصوص المتقدّمة الدالّة على رجوع ذات العادة إلى عادتها والترجيح معها، كما هو واضح.

وثالثا: احتمال صدورهما تقيّة لا رافع له، لعدم جريان أصالة الجهة فيهما، إذ4.

ص: 223


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/125، وسائل الشيعة: ج 2/390 ح 2435.
2- علل الشرائع: ج 1/291 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/390 ح 2434.

المكتوب إليه في الأوّل ممّن يخاف منه لسلطته، والثاني مشتملٌ على أنّ أوسط الحيض خمسة، مع أنّ أوسطه ستّة كما لا يخفى .

واستدلّ للقول الرابع: بأنّه ممّا يقتضيه الجمع بين ما دلَّ على الرجوع إلى العادة، وما دلَّ على الثمانية عشر.

وفيه: ما عرفت آنفاً من عدم صحّة الاستدلال بنصوص الثمانية عشر أوّلاً، وعدم صحّة الجمع المزبور، لاستلزامه حمل نصوص الثمانية عشر على الفرد النادر ثانياً.

أقول: وبذلك كلّه ظهر وجه القول الخامس وما فيه، بل هو أضعف من سابقه كما لا يخفى .

واستدلّ للقول السادس: في محكيّ «التذكرة»(1) وفي «المعتبر»(2): بأنّه روى ذلك البزنطي في كتابه، عن جميل، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، إلّا أنّ المحقّق في «المعتبر»(3) قال بعد ذلك: (وأمّا ما ذكره ابن أبي عقيل، فإنّه متروكٌ ، والرواية به نادرة).

وأمّا القول السابع: فقد صرّح غير واحدٍ، منهم الشيخ الأعظم رحمه الله بعدم معرفة مستنده.

وبالجملة: فالأظهر هو ما اختاره المشهور.

أقول: ثمّ إنّ في المقام نصوصاً كثيرة أعرض الأصحاب عنها:

منها: ما دلَّ على العشرين.4.

ص: 224


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/328 (ط. ج).
2- المعتبر: ج 1/253.
3- المعتبر: ج 1/254.

ومنها: ما دلَّ على الثلاثين.

ومنها: ما دلَّ على ما بين الثلاثين والأربعين.

ومنها: ما دلَّ على ما بين الثلاثين أو أربعين يوماً إلى الخمسين.

ومنها: ما دلَّ على الأربعين إلى الخمسين.

ومنها: ما دلَّ على غير ذلك.

وكلّها مطروحة، أو محمولة على التقيّة، أو غيرها.

***

ص: 225

وحُكْمُها حُكم الحائض في جميع الأحكام.

التنبيه على اُمور
في وحدة حكم النّفساء والحائض

أقول: (و) بعد وضوح حقيقة النّفاس والنفساء، ينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: أنّ (حُكمها حُكم الحائض في جميع الأحكام)، فيُحرم عليها ما يُحرم على الحائض، وكذا يندبُ ويُكره ويُباح لها ما يَندُب ويُكره ويُباح للحائض بلا خلافٍ .

وفي «المدارك»(1): هذا مذهب الأصحاب.

وفي «المعتبر»(2): وهو مذهب أهل العلم لا أعلم فيه خلافاً.

واستدلّ له:

1 - بخبر سلمان رضى الله عنه، المتضمّن أنّ النِّفاس حيضٌ محتبس(3).

2 - وبصحيح زرارة المتقدّم، المتضمّن تنزيل الحائض منزلة النّفساء(4)، بدعوى أنّه وإنْ دلّ على تنزيل الحائض منزلة النّفساء لا العكس، إلّاأنّه إذا ثبت حكمٌ للحائض، ولم يثبت لها، لا محالة يلزم التقييد في إطلاق دليل التنزيل، ويُحمل على إرادة غير ذلك الحكم، فلو شكّ في ذلك يتمسّك بأصالة الإطلاق.

ويرد على الأوّل: ما أشرنا إليه مراراً من أنّه في مقام بيان قضيّة خارجيّة.

وعلى الثاني: أنّ دليل التنزيل إنّما سيق لبيان ثبوت أحكام ذي المنزلة للمنزّل

ص: 226


1- مدارك الأحكام: ج 2/54.
2- المعتبر: ج 1/257.
3- وسائل الشيعة: ج 2/333 ب 30 من أبواب الحيض ح 2289. نقلاً عن علل الشرائع.
4- وسائل الشيعة: ج 2/382 ح 2412، وقد مرَّ الحديث في الصفحة 218 من هذا المجلد فراجع.

لا العكس، فلا وجه للتمسّك بإطلاق دليله في المقام، فتدبّر.

وعليه، فإذاً العمدة فيه هو الإجماع، ويؤيّده ما ورد من النصوص الخاصّة في الموارد المخصوصة:

منها: ما ورد في وجوب قضاء الصوم عليها(1).

ومنها: ما دلَّ على عدم جواز وطئها(2).

ومنها: ما دلَّ على عدم صحّة طلاقها(3).

أقول: ثمّ إنّ المتيقّن من معقده، هو أحكام الحائض، فأحكام الحيض ككون أقلّه ثلاثة أيّام وأكثره عَشَرة، ودلالته على البلوغ ونحو ذلك، خارجة عن معقده.

واستثناء بعض نَقَلة الإجماع لما يكون من قبيل القسم الثاني، لا يصلح أنْ يكون دليلاً لإرادة المُجمعين ما يشمل القسم الثاني، فيتعيّن الاقتصار على المتيقّن.

***).

ص: 227


1- وسائل الشيعة: ج 2/349 (باب وجوب قضاء الحائض والنفساء الصوم دون الصَّلاة إذا طهرت) لاسيّما ح رقم 2333. وص 394 (باب حكم النفساء في الصوم والصَّلاة والمحرّمات والمكروهات) ابتداءً من ح 2446.
2- وسائل الشيعة: ج 2/395 (باب تحريم وطئ النّفساء قبل الانقطاع، وجوازه بعده على كراهة قبل الغسل) ابتداءً من ح 2448.
3- كما في رواية دعائم الإسلام: ج 2/260 ح 988 قولهما: (كلّ طلاق خالف الطلاق الذي أمر اللّه به فليس بطلاق، فإن طلّقها وهي حائض أو في دم النِّفاس.. الخ).
حكم ولادة التوأمين

الأمر الثاني: مقتضى أماريّة الولادة لنفاسيّة الدّم، أنّها إذا ولدت اثنين فلكلّ واحدٍ منهما نفاسٌ مستقلٌّ بلا خلاف.

وما يظهر من المصنّف في «القواعد»(1) حيث قال: (فعدد أيّامها من الثاني وابتدائه من الأوّل، من أنّ لهما نفاساً واحداً) غير مرادٍ له، كما يشير إليه أنّه اعتبر العدد من الثاني، إذ لو كان نفاساً واحداً لاعتبر العدد من الأوّل.

وما قيل: في «المعتبر»(2) من التردّد من نفاسيّة الأوّل، حيث قال: (وفيما رأته بعد ولادة الأوّل تردّد منشأه أنّها حاملٌ ولا حيض ولا نفاس مع حمل).

ضعيفٌ : كما صرّح هو بذلك لصدق الاسم عرفاً.

قال السيّد في محكيّ «الناصريّات»(3):

(لا يمنع كون أحد الولدين باقياً في بطنها من أن يكون نفاساً.

وأيضاً لا يختلف أهل اللّغة في أنّ المرأة إذا ولدت، وخَرَج الدّم عقيب الولادة، فإنّه يقال: نَفَسَتْ (4)، ولا يعتبرون بقاء ولدٍ في بطنها).

أقول: وعدم اجتماع الحمل مع الحيض، مضافاً إلى عدم صحّته كما مرَّ، لا يلازم مع عدم اجتماع النِّفاس مع الحَمل، إذ قد عرفت أنّ مستند المساواة هو الإجماع، وهو غَير ثابتٍ في المقام، بل الإجماع على عدمها كما عن «المنتهى »(5) و «التذكرة»(6).

ص: 228


1- قواعد الأحكام: ج 1/220 / وأيضاً إرشاد الأذهان: ج 1/229.
2- المعتبر: ج 1/257.
3- الناصريّات ص 173-174، وحكاه عنها الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: ج 1/271 (ط. ق)، وأيضاً الحلّي في السرائر: ج 1/156.
4- كما حكاه الحلّي في السرائر: ج 1/156.
5- منتهى المطلب: ج 2/448 (ط. ج)، قوله: (فذهب علماؤنا إلى أنّ أوّله من الأوّل وآخره من الثاني.. الخ)، وفي (ط. ق): ج 1/126.
6- تذكرة الفقهاء: ج 1/333 مسألة 105 (ط. ج).

في حكم الفترة بين التوأمين:

1 - لو وقع فصلٌ بينهما لعشرة أيّام واستمرّ الدّم، فنفاسها عشرون يوماً، لكلّ مولود عَشَرة، لإطلاق الأدلّة، والإجماع، وعموم المساواة، مضافاً إلى عدم ثبوته كما مرّ يخصّص بهما لو ثبت.

2 - وإنْ كان الفصل أقلّ من عشرة، كما لو ولدت الثاني في يوم السادس من حين ولادة الأوّل، يتداخلان.

ولا سبيل إلى توهّم امتداد النِّفاس إلى عشرين، بدعوى أصالة عدم التداخل، لأنّه يلزم الحكم بكون مبدء النِّفاس الثاني من بعد الولادة، وهو خلاف الإجماع والنصّ ، فلا محالة يتداخلان.

ودعوى : - كما عن «الروض»(1) و «الذخيرة»(2) وحاشية «الروضة» - انقطاع نفاس الأوّل بولادة الثاني.

غير تامّة: إذ لا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق الأدلّة بقاء أثر الأوّل إلى العشرة.

وعليه، فلو ولدت في أوّل الشهر، فرأت الدّم إلى نهاية الثلاثة، فولدت الثاني في اليوم الرابع، فالنقاء المتخلّل نفاسٌ ، بناءً على ما سيأتي من أنّ النقاء المتخلّل بين أجزاء النِّفاس الواحد نفاسٌ ، كما لا يخفى .

3 - وإنْ فُصل بينهما نقاء عَشرة أيّام، كان طُهراً بلا كلام.

4 - وإنّما الكلام فيما لو كان أقلّ من عشرة، كما لو ولدت ورأت الدّم عشرة أيّام، ثمّ نقت تسعة أيّام، ثمّ ولدت الثاني:).

ص: 229


1- روض الجنان: ص 91 (أحكام التوأمين).
2- ذخيرة المعاد: ج 1/79 ق 1 (في أنّ النِّفاس ترجع إلى عادتها إنْ كانت ذات عادة).

فهل يُحكم بكون النقاء المتخلّل طُهراً؟

أو أنّه نفاسٌ ويمتدّ نفاسها إلى انتهاء العَشَرة للثاني ؟

أو أنّه نفاسٌ ويمتدّ نفاسها إلى مُضيّ عشرين يوماً من ولادة الأوّل ؟ وجوه:

استدلّ للأوّل: بأنّه لا دليل على اعتبار كون الطهر بين النفاسين عشرة، بدعوى أنّ ما دلَّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة مختصٌّ بما بين الحيضين.

وعموم المساواة بين النِّفاس والحيض غَيرُ ثابتٍ ، وعليه:

فلا وجه لرفع اليد عن عموم ما دلَّ على أنّ الولادة أمارةٌ للنفاس.

ولا عن عموم ما دلَّ على أنّ أكثر النِّفاس عشرة.

ولا عن عموم ما دلَّ على أنّ النفساء تتنفّس بمقدار عادتها.

بل الجمع بينها يقتضي:

الالتزام بكون الدمين نفاسين، والنقاء المتخلّل طُهراً.

وبأنّه بما أنّ ما دلَّ على التنفس بدم الولادة، وما دلَّ على تنفس النفساء بمقدار عادتها، متضمّنان لحكمين ظاهريين، فلا يصلحان لمعارضة ما دلَّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة، وما دلَّ على أنّ أكثر النِّفاس عشرة المتضمّنين لحكمين واقعيين لاختلاف المرتبة.

وإنْ شئت قلت: إنّ دليل التحديدات الواقعيّة يوجبُ العلم بعدم مطابقة الطريق للواقع، وعليه فيتعيّن رفع اليد عن التنفس بتمام الأوّل، فيحكم بطهر المقدار المتمّم للنقاء عشراً.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا وجه لاختصاص ما دلَّ على أنّ أقلّ الطُهر عشرة بما بين الحيضين، بل إطلاقه يشمل ما بين النفاسين أيضاً.

ص: 230

وأمّا الثاني: فيرد عليه - بعد تصحيحه بإرادة ما يعمّ الطريقيّة والأماريّة من الحكم الظاهري - أنّه لم يظهر وجه الفرق بين ما دلَّ على التنفّس بدم الولادة، وما دلَّ على أنّ أكثر النِّفاس عشرة. وكون الأوّل متضمّناً لحكمٍ ظاهري، والثاني لحكم واقعي، مع أنّ دليل التحديد الواقعي إنْ كان موجباً للعلم الوجداني، كان ما ذكر تامّاً، وأمّا إنْ كان عِلْميّاً أوجب الإحراز التعبّدي كما في المقام، فلا محالة يقع التعارض بينه وبين ما تضمّن طريقيّة شيء إلى ما يضادّ ما تضمّنه، كما لا يخفى ، فتدبّر فإنّه دقيق.

ومنه يظهر أنّ اختلاف المرتبة لا يوجب رفع التعارض.

فالصحيح أن يستدلّ له: بأنّه بعد وقوع التعارض بين ما دلَّ على أنّ أقلّ الطُهر عشرة، ومجموع العمومات الثلاثة، حيث أنّه يظهر للمتأمّل المنصف أولويّة التخصيص في عموم ما دلَّ على أنّ أقلّ الطُهر عشرة، كما صرّح به الشيخ الأعظم رحمه الله(1)، فهو المتعيّن.

***).

ص: 231


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 1/272 (ط. ق).
في حكم الطفل الخارج متدرّجاً

الأمر الثالث: إذا خرج بعض الطفل، ثمّ بعد طول مدّةٍ خرج تمامه، فالنّفاس من حين خروج ذلك البعض، كما عرفت في أوّل هذا المبحث(1) خلافاً للوسيلة(2)والغنية(3) وغيرهما، والسؤال المطروح حينئذٍ:

هل يكون مبدأ العشرة من حين خروجه أو من حين التمام ؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بأنّه نفاسٌ واحدٌ، فمقتضى أدلّة التحديد كون ابتداء العَشَرة من حين خروج الجزء الأوّل، فيحكم بما زاد عليها بالاستحاضيّة وإنْ كان الدّم مقارناً لخروج بعض أجزاء الطفل الباقي.

وفيه: أنّ بعض نصوص التحديد كالصريح في أنّ المبدء من حين خروج الطفل بتمامه، لاحظ قول الإمام الباقر عليه السلام في خبر مالك بن أعين:

«إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيومٍ ، فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها... الخ»(4).

ونحوه غيره.

مع أنّ الالتزام بكون الدّم الخارج مقارناً للولادة وعقيبها بلا فصل استحاضة، ممّا يقطع بفساده، فالمراد من أنّ أكثر النِّفاس عشرة؛ أنّ النِّفاس لا يزيد على العشرة من حين الولادة. فإذاً الأقوى هو الثاني.

وعليه، فلو نقت في الأثناء دون العَشَرة، فهو أيضاً نفاسٌ ، بناءً على أنّ النقاء

ص: 232


1- فقه الصادق: ج 3/206.
2- الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص 61.
3- غنية النزوع: ص 40، قوله: (الحادث عقيب الولادة).
4- التهذيب: ج 1/176 ح 77، الاستبصار: ج 1/152 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/383 ح 2415.

المتخلّل بين أجزاء النِّفاس الواحد نفاسٌ ، لعموم ما دلَّ على أنّ أقلّ الطُهر عشرة أيّام كما تقدّم.

وتخصيصه بما كان بين نفاسين، لا يمنع عن حجيّته في المقام.

أقول: وبذلك ظهر حكم ما لو خرج الطفل قطعة قطعة، فإنّه يُحكم بكون المجموع ممّا رأته من خروج القطعة الأولى إلى مُضيّ عشرة أيّام من حين خروج القطعة الأخيرة نفاساً واحداً وإنْ طال إلى شهرٍ أو أزيد.

ولا ينافيه ما دلَّ على أنّ أكثر النِّفاس عشرة، لما تقدّم من أنّ مبدء العشرة هو تمام الولادة.

وقال المصنّف رحمه الله: في «نهاية الأحكام»(1): (تعدّد النِّفاس بتعدّد القطع، فيكون الولد المنقطع قطعاً مُلحقاً بالتوأمين).

واستدلّ له: بأنّ الولادة التي جُعلت موضوعاً للنِّفاس، ويتعدّد النِّفاس بتعدّدها، تشمل ولادة الناقص، فولادة الأجزاء المتعدّدة ولادات متعدّدة لا ولادة واحدة.

وفيه: أنّ المتَّبع في هذه الموارد نظر العرف، ولا ريب أنّهم يرون ولادة المجموع ولادة واحدة، نعم دعوى صدق الولادة فيما خرج معظم الأجزاء كماعن جماعة قريبة.

***2.

ص: 233


1- نهاية الاحكام: ج 1/131-132.
الدَّم المُستَمرّ إلى شهرٍ أو أزيد

الأمر الرابع: إذا تجاوز الدّم على العَشَرة:

1 - فإن كانت ذات عادة في الحيض، أخذت بعادتها، سواءٌ أكانت عادتها عشرة أو أقلّ ، لما تضمّن رجوع ذات العادة إلى عادتها.

وعليه، فما عن «المعتبر»(1) و «النافع»(2) من أنّها مع تجاوز الدّم عن العشرة لا ترجع إلى عادتها، بل تجعل العشرة نفاساً، غير سديد.

والاستدلال له:

1 - بما دلَّ على أنّ أكثر النِّفاس عَشَرة(3).

2 - وبخبر يونس المتقدّم(4)، المتضمّن للاستظهار بعَشَرة.

غير تامّ ، لأنّه يرد على الأوّل: ما عرفت من أنّ المراد بذلك، ليس هو الحكم بكون النِّفاس عَشَرة فعلاً، بل المراد به ما اُريد من ما دلَّ على أنّ أكثر الحيض عشرة، فلا يعارض نصوص العادة فراجع،(5) والخبر لا يدلّ على ذلك، إلّامع كون أيّام الاستظهار من أيّام النِّفاس، وهو كما ترى خلاف ظاهر نصوص الاستظهار.

ثمّ إنّها بعد مُضيّ مقدار عادتها العدديّة، تعمل عمل المستحاضة، ويكون الدّم محكوماً بالاستحاضة، كما هو المصرّح به في نصوص العادة، وإنْ كان في أيّام العادة الوقتيّة، ولا ترجع إلى إطلاق ما دلَّ على طريقيّة العادة، لما دلَّ على اعتبار الفصل بين النِّفاس والحيض المتأخّر بأقلّ الطُهر، وهو عمومُ ما دلَّ على أنّ أقلّ الطهر

ص: 234


1- المعتبر: ج 1/257.
2- المختصر النافع: ص 11 (الرابع من الغسل).
3- وسائل الشيعة: ج 2/382 (باب أنّ أكثر النِّفاس عشرة أيّام، وأنّه يجب رجوع النفساء إلى عادتها في الحيض أو النِّفاس... الخ) ح 2412 وما بعده.
4- تقدّم ص 220 من هذا المجلّد، راجع التهذيب: ج 1/175 ح 74، وسائل الشيعة: ج 2/383 ح 2414.
5- فقه الصادق: ج 2/398؛ ج 3/219.

عشرة، بناءً على عدم اختصاصه بما بين الحيضين، كما هو الأقوى على ما عرفت.

بل يشهد له في بعض صوره إطلاقُ ما دلَّ على أنّ الدّم المتجاوز بعد مُضيّ أكثر النِّفاس استحاضة، وهي نصوص العادة، فإنّ مقتضاها عدم جواز اتّصال الحيض بالنفاس، هذا مع عدم فصل أقلّ الطهر، وإلّا فيحكم بأنّه حيضٌ إنْ كان في العادة، لإطلاق ما دلَّ على أنّ العادة طريق إلى تحقّق الحيض.

2 - وإنْ لم تكن ذات عادة، فتجعل نفاسها عَشَرة أيّام، لما تقدّم في أكثر النِّفاس.

وعن «البيان»(1) و «الذكرى»(2) أنّ المبتدئة ترجع إلى التمييز، ثمّ إلى الروايات.

واستدلّ له: بوجهين:

الوجه الأوّل: عموم ما دلَّ على ثبوت هذه الأحكام للحائض.

وفيه: أنّ ذلك الدليل مختصٌّ بها، ولا يشمل النّفساء، وعموم المساواة قد مرّ أنّه غيرُ ثابتٍ .

الوجه الثاني: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«النفساء إذا ما ابتلت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها الّتي كانت تجلس قبل ذلك، واستظهرت مثل ثلثي أيّامها...

إلى أن قال: وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها، فابتلت، جلستْ بمثل أيّام اُمّها أو اُختها أو خالتها... الخ»(3).

وفيه: ما عن المحقّق من أنّ الرواية ضعيفة السند شاذّة.1.

ص: 235


1- البيان للشهيد الأوّل (ط. ق): ص 22.
2- ذكرى الشيعة: ج 1/262 (ط. ج).
3- التهذيب: ج 1/403 ح 85، وسائل الشيعة: ج 2/389 ح 2431.

أقول: ثمّ إنّه لا كلام في أنّ بعدها إلى عشرة أيّام استحاضة، للنصوص ولما دلَّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة.

وأمّا بعد مُضيّ عشرة أيّام:

1 - فهل يُحكم بأنّه استحاضة ما لم ينقطع الدّم ؟

2 - أو أنّها ترجع إلى التمييز بعد عشرة الاستحاضة ؟

3 - أو ترجع إليه بعد مُضيّ شهر؟

وجوهٌ وأقوال:

استدلّ للأوّل: بإطلاق نصوص المقام الدالّة على أنّها تعمل عمل المستحاضة بعد أيّام النِّفاس.

وفيه: أنّ الظاهر من تلك الإطلاقات، إثبات الاستحاضة في مقابل نفي النِّفاس، فلا تنافي الحكم بالحيضيّة إذا وجدت أمارة الحيض كالتمييز، كما صرّح بذلك الشيخ الأعظم رحمه الله(1).

نعم، لو ثبت الإطلاق لها من هذه الجهة، وقع التعارض بينها وبين ما دلَّ على الرجوع إلى التمييز، والنسبة عمومٌ من وجه فيتساقطان، فترجع إلى الأصل، وهي أصالة عدم الحيض وبقاء الاستحاضة، لكن قد عرفت عدم ثبوت الإطلاق.

واستدلّ للأخير: بما تضمّن أنّ اللّه تعالى حَدَّ للنساء في كلّ شهرٍ مرّة.

وفيه: - مضافاً إلى أنّه لو تمّت دلالته، فإنّما يدلّ على عدم اجتماع الحيضين في شهرٍ واحد، لا عدم اجتماع حيضٍ ونفاس، وعموم المساواة قد عرفت ما فيه - أنّه لبناء الأصحاب مختصٌّ بمورده، وهي المستحاضة الفاقدة للعادة والتمييز، مع أنّ هذا).

ص: 236


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 1/273 (ط. ق)، قوله: (ومنه أنّها لا ترجع [النفساء] إلى التميّز ولا إلى الروايات عند الأكثر بخلاف الحائض).

إنّما هو في مقابل الزائد على الشهر، لا في مقابل تعدّد الحيض في الشهر.

وبالجملة: فالأظهر هو القول الثاني، لإطلاق نصوص التمييز.

ودعوى: عدم شمولها للمقام ممّا لم يُعلم الحيض أصلاً.

مندفعة: بأنّ موردها صورة اشتباه الحيض بالاستحاضة، وهو حاصلٌ في المقام.

فإنْ قلت: إنّ موردها غير النفساء في أوّل رؤية الدّم.

قلت: هذه الخصوصيّة غير معتبرة بنظر العرف في الحكم، فهى مُلغاة.

***

ص: 237

في انقطاع الدَّم على العاشر أو قبلها

الأمر الخامس: يدور البحث فيه عن انقطاع الدّم في نهاية الحَدّ أو قبلها:

1 - إذا انقطع دمها على العاشر أو قبلها، فكلّ ما رأته نفاسٌ بلا خلاف، سواءٌ علمت بكونه نفاساً أو شكّت فيه:

أمّا في الأوّل: فلإطلاق الأدلّة.

وأمّا في الثاني: فلقاعدة الإمكان المتسالم عليها في المقام.

2 - ولو رأت في بعضها:

فإنْ كان في البعض الأوّل فلا كلام.

وإنْ كان في البعض الآخر، كما لو رأت الدّم في اليوم العاشر، ففي «المدارك»(1)بعد الاعتراف بأنّ الحكم بأنّه نفاس مقطوع به في كلام الأصحاب، قال: (وهو محلُّ إشكالٍ ، لعدم العلم باستناد هذا الدّم إلى الولادة، وعدم ثبوت الإضافة إليها).

وفيه: إنّ مقتضى قاعدة الإمكان، الّتي قام الإجماع على جريانها في المقام، هو الحكم بكونه نفاساً، مع أنّ هذا الإشكال لا يختصّ بهذا المورد، بل جارٍ في كلّ دم انفصل عن الولادة، ولم تُثبت الإضافة إليها عرفاً.

وعليه، فيختصّ النِّفاس بما يصاحب خروج الولد، أو يكون بعده بلا فصل، وهو بعيدٌ غاية البُعد عن ظواهر الأخبار المتقدّمة، كما صرّح به في «الحدائق»(2)، فإنّ الظاهر منها أنّ الدّم المرئي في أيّام العادة نفاسٌ من غير فرقٍ بين أن تُرى في جميع أيّام العادة أو بعضها، فتدبّر.

أقول: وبذلك يظهر حكم ما لو كان في الطرفين، وأنّ ما عن غير واحدٍ نفي الخلاف في كونه نفاساً هو الأوفق بالقواعد.

ص: 238


1- مدارك الأحكام: ج 2/50.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/324.

وكذلك لا خلاف في أنّ الطهر المُتخلّل بين الدّمين محكومٌ بالنفاس، لإطلاق ما دلَّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة، وللإجماع المُدّعى في كلام غير واحدٍ. وعليه، فما عن «الذخيرة»(1) من التردّد فيه، ضعيف.

ولا فرق في ذلك بين ذات العادة وغيرها، وفي «الحدائق»(2): أنّه يختصّ بغير ذات العادة التي عادتها أقلّ من العشرة، وأمّا هي فما صادفها نفاسٌ دون ما زاد عليها، فلو كانت عادتها سبعة فرأت الدّم في اليوم الثامن أو التاسع أو العاشر، لا يُحكم بأنّه نفاس.

واستدلّ له: في «الحدائق»(3) بالنصوص المتضمّنة للأمر بالرجوع إلى العادة التي لم ترَ فيها شيئاً.

وعن «الرياض»(2): بالشكّ في صدق دم الولادة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّها مختصّة بصورة الرؤية فيها وما بعدها، ولا تشمل ما لو لم ترَ إلّا بعدها.

وأمّا الثاني: فلأنّ المرجع فيه قاعدة الإمكان المُجمع عليها في هذه المسائل.

3 - وأن لم تر الدّم في العشرة، ورأت بعدها، فلا نفاس لها، لما عن غير واحدٍ من دعوى الإجماع على أنّ مبدء العشرة الّتي لا يكون الدّم بعدها نفاساً من حين الولادة، ويشير إليه خبر مالك المتقدّم، فراجع.(3)

***2.

ص: 239


1- ذخيرة المعاد: ج 1/79 ق 1 (في أنّ النِّفاس ترجع إلى عادتها إنْ كانت ذات عادة). (2و3) الحدائق الناضرة: ج 3/323 و 324.
2- رياض المسائل: ج 2/134-135.
3- فقه الصادق: ج 3/232.
الدّم المنفصل عن الولادة

الأمر السادس: صاحبة العادة إذا رأت بعض العادة، وتجاوز العَشَرة، كما لو رأت الدّم يوم الخامس من الولادة، وكانت عادتها خمسة، أتمّتها بما بعد العادة إلى العَشَرة دون ما بعد العشرة.

أمّا الأوّل: فلإطلاق ما دلَّ على رجوع ذات العادة إلى عادتها، إذ الظاهر منها العادة العدديّة، وظاهر ما دلَّ على الرجوع إليها، جعلُ مَبدئها من حين رؤية الدّم لا الولادة، فما عن «الروضة» و «الرياض» من أنّ مبدئها من حين الولادة ضعيفٌ .

وأمّا الثاني: فلما مرَّ من الإجماع على أنّ مبدء العَشَرة التي هي أكثر النِّفاس من حين الولادة، وعليه فإذا لم يمكن التكملة على وجه التمام، كما لو رأت الدّم يوم الخامس، وكانت عادتها سبعة وعبر العشرة:

فهل يكون هذا الفرض خارجاً عن مورد النصوص ؟

أو تخصّص العادة بالأيّام التي في العشرة ؟ وجهان:

أقواهما الثاني، وعلى الأوّل أيضاً لا يبعد الحكم بنفاسيّة الدّم إلى العشرة، لقاعدة الإمكان، وبذلك كلّه يظهر حكم ما لو لم ترَ الدّم في العادة، ورأت بعدها وتجاوز العشرة، فإنّه يُحكم بكونه نفاساً إلى العشرة ما لم يزد عن عادتها، كما عن الأكثر لقاعدة الإمكان.

ودعوى: أنّ مقتضى نصوص العادة، كون الدّم المتجاوز عنها إذا لم ينقطع على العشرة، ليس بنفاس.

ممنوعة: لأنّها مختصّة بما رأته في العادة وتجاوزها وعبَر العشرة، لا فيما إذا لم تره

ص: 240

إلّا بعد العادة.

وعليه، فما في «العروة»(1) و «المدارك»(2)، وعن «جامع المقاصد»(3) من عدم البناء على نفاسيّته ضعيفٌ .

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بمهمّات مباحث الدِّماء الثلاثة.

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.

***9.

ص: 241


1- العروة الوثقى: ج 1/644 مسألة 3 (812)، قوله: (صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلاً ورأت بعدها وتجاوزالعشرة لا نفاس لها.. الخ).
2- مدارك الأحكام: ج 2/50.
3- جامع المقاصد: ج 1/349.

الفصل الخامس: في غُسل الأموات، ومباحثه خمسة:

الأوّل: الإحتضار، ويجبُ فيه استقبال الميّت إلى القبلة.

الفصل الخامس في غُسل الأموات

اشارة

والكلام في هذا الفصل إنّما هو في الحقيقة للبحث عن غُسل الأموات، ولكن جرت سيرة الأصحاب تجميعاً للبحوث وحفظاً عن تفرّقها على التعرّض لباقي أحكامها، من التكفين والصَّلاة عليها وغيرهما، وعليه فما في بعض نُسخ المتن من جعل العنوان حكم الأموات أولى من سائر النسخ المعنونة بغسل الأموات.

(ومباحثه) أي مباحث هذا الفصل (خمسة:

البحث الأوّل: الاحتضار
اشارة

الأوّل: الإحتضار) ثبَّتنا اللّه بالقول الصادق لديه، بمحمّد وآله الطاهرين، صلوات اللّه عليهم أجمعين، سُمّي بما لاستحضاره عقله كما في الحديث(1).

(ويجب فيه) على المكلّفين:

(استقبال) المحتضر عند زهاق روحه، وحدوث الموت (ب) القبلة، ليكون (الميّت) حين تحقّق الموت متوجِّهاً (إلى القبلة) على المشهور، كما عن موضع من «الذكرى»(2) و «الروضة»(3).

وفي «الحدائق»(4) و «المدارك»(5)، وعن المرتضى(6) وشيخ الطائفة في

ص: 242


1- كذا ورد في مدارك الأحكام: ج 2/52.
2- الذكرى: ج 1/295.
3- شرح اللُّمعة: ج 1/399.
4- الحدائق الناضرة: ج 3/344.
5- مدارك الأحكام: ج 2/52.
6- نقل الحكاية عنه في مفتاح الكرامة: ج 3/412.

«الخلاف»(1) و «النهاية»(2)، والمحقّق في «المعتبر»(3)، وصاحبي «المدارك»(4)و «الذخيرة»(5) وغيرهم: أنّه مستحبٌّ .

وعن جماعةٍ : التردّد فيه.

واستدلّ للأوّل: بجملةٍ من النصوص:

منها: ما رواه(6) الصدوق في «الفقيه» مرسلاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أنّه سُئل عن توجيه الميّت ؟ فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة».

وأيضاً: قال: «وقال أمير المؤمنين عليه السلام: دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رجلٍ من ولد عبد المطّلب وهو في السوق، وقد وُجِّه بغير القبلة فقال: وجّهوه إلى القبلة، فإنّكم إذا فعلتم ذلك، أقبلت عليه الملائكة، وأقبل اللّه عزّ و جلّ عليه بوجهه، ولم يزل كذلك حتّى يُقبض»(7).

وعن «العلل»(8) و «ثواب الأعمال»(9) روايته مسنداً.

وأورد عليه:

أوّلاً في «المعتبر»(10): بأنّ التعليل في الرواية كالقرينة الدالّة على الفضيلة، مع8.

ص: 243


1- الخلاف: ج 1/691.
2- النهاية: ص 62.
3- المعتبر: ج 1/258.
4- مدارك الأحكام: ج 2/52.
5- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/80 ق 1.
6- الفقيه: ج 1/132 ح 348، وسائل الشيعة: ج 2/453 ح 2627.
7- الفقيه: ج 1/133 ح 349، وسائل الشيعة: ج 2/453 ح 2628.
8- علل الشرائع: ج 1/297 ح 1.
9- ثواب الأعمال: ص 195.
10- المعتبر: ج 1/258.

أنّه أمرٌ في واقعةٍ معيّنة.

وثانياً: قرّره الشيخ الأعظم رحمه الله(1) على المناقشة الأُولى ، وادّعى ظهور الخبر في الاستحباب بقرينة التعليل، وتبعه بعض من تأخّر عنه(2).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا المناقشة الأُولى: فلأنّ تعليل الحكم بشيءٍ إنّما يكون على نحوين:

1 - أن يُعلّله بما يترتّب عليه من المثوبة الاُخرويّة التي تكون متأخّرة عن الجعل.

2 - أن يُعلّله بما يترتّب عليه من المصالح التي تكون علل الجعل.

فإنْ كان التعليل على النحو الأوّل، فهو يوجب ظهور الأمر في الاستحباب، لأنّ ترتّب الثواب على الفعل يعدّ من خواصّ المستحبّات، وأمّا في الواجبات فيترتّب على تركها أيضاً العقاب، والتعليل به أولى من التعليل بترتّب الثواب.

وأمّا إذا كان على النحو الثاني، فهو لا يصلح قرينةً لصرف ظهور الأمر في الوجوب، لإشتراك ذلك بين الواجبات والمستحبّات، فإنّه في الواجبات أيضاً تترتّب المصالح على الفعل، ولا يكون تركها ممّا يترتّب عليه المفسدة. والمقام من قبيل الثاني دون الأوّل، كما لا يخفى .

بل يمكن أن يقال في المقام: إنّ التعليل بترتّب هذه الفائدة العُظمى على هذا الفعل اليسير في هذا المضيق، ممّا يؤكّد ظهور الأمر في الوجوب، وأمّا الثانية فلأنّه من البديهي عدم دَخْل خصوصيّة المورد في الحكم، وإلّا فلو احتُمِل دَخل مثل هذه الخصوصيّات، ويتوقّف لأجله في الاستدلال لانسدّ باب الاستدلال في معظم الأحكام.9.

ص: 244


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/278.
2- مستمسك العروة: ج 4/19.

وأورد بعضٌ على الاستدلال به: أنّ المرسل ضعيفٌ بالإرسال، والمسند في طريقة الحسين بن علوان، وهو عامّيٌ لم يوثَّق.

وما ذكره بعض أعاظم المحقّقين رحمهم الله(1) بقوله: (ليس من دأبنا الاعتناء بضعف السند في مثل هذه الرواية المشهورة المقبولة، المعتضدة بجملةٍ المعاضدات).

غير تامّ : إذ لو عُلم استناد الأصحاب إلى هذا الخبر، كان ما ذكره متيناً جدّاً، ولكنّه غير معلوم، ولعلّهم استندوا إلى غيره من النصوص الآتية.

وعليه، فلا جابر لضعف السند لو كان ضعيفاً.

أقول: فالصحيح أن يُجاب عنه، بأنّ المُرْسِل في أوّل كتابه ضَمِن أنْ لا يروي فيه إلّا ما يعتمد عليه ويَعمل به، فالمُرْسَلُ معتبرٌ سنداً، ودلالته تامّة، فلا توقّف في الحكم بالوجوب.

ومنها: الخبر الموثّق المرويّ عن معاوية بن عمّار، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الميّت ؟ فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة»(2).

وأورد عليه باُمور:

1 - أنّه ليس بصحيحٍ .

وفيه: أنّ الموثّق حجّةٌ كالصحيح.

2 - أنّ الاستدلال به يتمّ لو كان السؤال عن حُكم الميّت، وهو غير معلوم، لجواز أن يكون السؤال عن كيفيّة الاستقبال، وعلى هذا التقدير لاينعقد للجواب ظهورٌ في الوجوب.

وفيه: أنّ الظاهر من السؤال كون السؤال عن حكم الميّت، لا كيفيّة توجيهه إلى القبلة.6.

ص: 245


1- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/370 ق 2.
2- الكافي: ج 3/127 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/453 ح 2626.

3 - أنّ الظاهر من المشتقّ التلبّس بالمبدأ فعلاً، فالسؤال إنّما يكون عن حكم الميّت بعد موته.

وفيه: أنّه يتعيّن رفع اليد عن هذا الظهور بقرينة الجواب، إذ التوجيه إلى القبلة ليس من أحكام الميّت بعد الموت، فالمراد منه المُشرِف على الموت، ويؤيّده:

1 - أنّ المعهود من المسلمين في جميع الأعصار توجيه الميّت إليها حال الاحتضار لا بعد الموت.

2 - وما عن «المصابيح»(1) أنّه قد أطبق العلماء على أنّ زمان التوجيه قبل الموت.

3 - والمرسل المتقدّم.

وبالجملة: المتدبّر في الخبر مع القرائن الداخليّة والخارجيّة لايرتابُ في أنّ المراد هو المُشرِف على الموت لا الميّت بعد موته.

ومنها: مصحّح سليمان بن خالد، قال:

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا ماتَ لأحدكم ميّتٌ ، فسجّوه تجاه القبلة، وكذلك إذا غُسل يُحفر له موضع المغتَسل تجاه القبلة، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة»(2).

قال صاحب «المدارك»(3) بعد نقله الخبر:

(ويمكن المناقشة في هذه الرواية من حيث السند بإبراهيم بن هاشم، حيث لم ينصّ علمائنا على توثيقه، وبأنّ راويها وهو سليمان بن خالد لم يثبت توثيقه).2.

ص: 246


1- نسبه إليه في جواهر الكلام: ج 4/9.
2- التهذيب: ج 1/298 ح 40، وسائل الشيعة: ج 2/452 ح 2624.
3- مدارك الأحكام: ج 2/52.

ويرد عليه أوّلاً: إنّ عدم توثيق علمائنا لإبراهيم بن هاشم، إنّما هو لجلالة شأنه وعظم منزلته، كما يشهد لذلك كونه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم، ولولا كونه معتَمَداً عند القمّيين الذين هم من أكابر المُحدِّثين، لما قَبِلوا رواياته سيّما مع ما عُلم من تشديد القميّين أمر العدالة، حتّى أخرجوا من قم مَن كان يروي عن الضعفاء.

وثانياً: إكثار الكليني الرواية عنه.

وثالثاً: تصريح العلّامة رحمه الله(1) بأنّه تُقبل رواياته، وتصحيحه جملةٍ من طُرق الصدوق المشتملة عليه.

إلى غير ذلك ممّا يشهد بوثاقته وعظم منزلته.

وأمّا سليمان بن خالد - فمضافاً إلى أنّه في هذا الخبر إنّما روى عنه عبد اللّه ابن المغيرة وهو من أصحاب الإجماع - أنّ أصحابنا اتّفقوا على عَدّ رواياته من الصِّحاح، مع أنّ جماعة نصّوا عليتوثيقه، منهم المصنّف رحمه الله في «الخلاصة»(2)، وأيّوب ابن نوح والشهيد الثاني في محكيّ حاشية «الخلاصة»(3). فالرواية صحيحة معتبرة.

نعم، ما أورده عليها من حيث المتن، بقوله: (إنّ المتبادر منها أنّ التسجية تجاه القبلة إنّما تكون بعد الموت لا قبله).

متينٌ جدّاً، إذ المراد بالتسجية التغطية، وهي إنّما تكون بعد الموت، وحملها على التوجيه إلى القبلة خلاف الظاهر.

وعليه، فلا يبقى مورد للنزاع في أنّ المراد من قوله: (إذا مات لأحدكم.. الخ) إذا أشرف على الموت أم لا، وإنْ كان الأظهر بعد ملاحظة القرائن الخارجيّة - مع قطع4.

ص: 247


1- رجال العلّامة: ص 4-5 رقم 9 قوله: (والأرجح قبول قوله).
2- رجال العلّامة ص 77 رقم 2 قوله: (ثقة صاحب قرآن.. إلى أن قال: قال البرقي... وكان فقيهاً وجهاً).
3- راجع الرسائل الرجاليّة: ج 1/114.

النظر عن ما ذكرناه - هو الأوّل.

وما ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله(1): من أنّه يجبُ حمل الميّت فيه على المُشرف على الموت، لعدم تعلّق الموت بالميّت، وعليه فيتعيّن حمل قوله: (إذا مات) على معناه الحقيقي، لا على أنّه إذا شَرُف على الموت، لعدم تعلّق الإشراف على الموت بالمُشرِف على الموت.

غيرُ سديد: إذ التصرّف في هذه القضيّة وما شابهها، ليس بحمل الميّت على المُشرِف على الموت، بل بحمل الوصف على كونه مرآةً للذّات، وعليه فلا مانع من حمل قوله: (إذا مات) على معنى إذا أشرف على الموت، فالعمدة ما ذكرناه.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوبه مستنداً إلى الخبرين الأوّلين.

أقول: هنا فروع ينبغي التعرّض لها:

***8.

ص: 248


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/278.

بأنْ يُلقى على ظهره، ويُجعَل وجهه وباطن رجليه إليها.

بيان كيفيّة التوجيه

الفرع الأوّل: في كيفيّة التوجيه.

قال المصنّف رحمه الله: حول كيفيّة ذلك: (بأنْ يُلقى على ظهره، ويُجعَل وجهه وباطن رجليه إليها) بلا خلافٍ ظاهر فيه.

وعن «الخلاف»(1) و «التذكرة»(2) وظاهر «كشف اللِّثام»(3) و «المعتبر»(4):

دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى استقرار السيرة عليه - جملةٌ من النصوص:

منها: ما تقدّم.

ومنها: خبر ذُريح(5)، وخبر إبراهيم الشعيري(6)، وغير واحدٍ عن الإمام الصادق عليه السلام.

وغير ذلك من النصوص.

***

الفرع الثاني: قال في «الجواهر»(7): (الظاهر تعلّق الوجوب بالمحتضر نفسه أيضاً مع التمكّن منه، بل قد يُدّعى اختصاص الوجوب به حينئذٍ، لانصراف الأمر

ص: 249


1- الخلاف: ج 1/691.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/337.
3- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/200.
4- المعتبر: ج 1/269.
5- وسائل الشيعة: ج 2/452 ح 2623.
6- الكافي: ج 3/126 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/453 ح 2625.
7- جواهر الكلام: ج 4/14.

للغير في الأخبار السابقة إلى الغالب من العجز من الاستقبال في تلك الحال). انتهى.

أقول: الجمود على ظاهر النصوص بدواً، وإنْ كان يقتضي خلاف ذلك، إلّاأنّ الظاهر بعد ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع، والقرائن الداخليّة والخارجيّة، كون التوجّه في الخارج مطلوباً بنفسه، بلا دخلٍ لخصوصيّة المباشر، كما يظهر لمن تدبّر في النصوص.

وعليه، فيجبُ على المحتضر نفسه إنْ تمكّن منه، بل لايبعد تقدّمه على غيره في التكليف، لكونه أولى بنفسه من غيره.

***

الفرع الثالث: لا خلاف في اختصاص هذا الحكم بالمُسلم.

وعن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه(1).

وأمّا المخالف، ففيه قولان:

يشهد لعدم وجوب توجيهه: - مضافاً إلى ما قيل من إنّه ورد أنّه يلزم له بمذهبه، وهو لا يَرى ذلك - أنّ التوجيه إلى القبلة تهيئةً للميّت للرّحمة، كما يشهد له المُرسل، والمخالف لا يصلحُ لذلك، وبه يظهر مدرك الاختصاص بالمسلم، وعدم الشمول للكافر.

***

الفرع الرابع: وجوب التوجيه إلى القبلة كسائر أحكام الميّت فرضٌ كفايةً ، كما هو المشهور، بل ادّعى عليه الإجماع(2)، إذ هو الظاهر من توجيه الخطاب إلى عامّة2.

ص: 250


1- هذا ما يظهر من كلماتهم في الاحتضار دون تصريح، ولكنّهم صرّحوا في شرطيّة كونه مسلماً في باب الصَّلاة على الميّت وغيره كمسألة دفن الحامل من المسلم.
2- غنائم الأيّام: ج 3/372.

المسلمين بالإتيان بفعل واحد.

وإنْ شئت قلت: إنّ الظاهر من النصوص، إرادة الشارع تحقّق هذا العمل في الخارج، من دون نظر له إلى مباشرٍ خاصّ ، ولازم ذلك كونه واجباً كفائيّاً.

وعليه، فما في «الحدائق»(1) من أنّ ظاهر النصوص، عدم كون وجوبه كفائيّاً على عامّة المسلمين، بل متعلّقٌ بأهل الميّت، فيُحمل إطلاقها على ما دلّت عليه أخبار الغُسل والصَّلاة وغيرهما من كون المكلّف بذلك هو الوليّ .

غيرُ تامٍّ ، إذ ليس في شيءٍ من نصوص الباب ما يكون مفاده ما ذكره رحمه الله. لاحظ النصوص المتقدّمة.

أقول: نعم ربما يُستدلّ على الاختصاص بالولي بوجوهٍ اُخر:

منها: ما دلَّ على أنّ أولى النّاس بالميّت أولى النّاس بميراثه(2)، بدعوى شموله للمقام، كما يقتضيه عموم بعض معاقد الإجماعات، حيث جُعل موضوعها جميع أحكام الميّت.

وفيه: أنّ المشتقّ ظاهرٌ في المتلبّس، فالظاهر منه منع إرادة نحو التغسيل والصَّلاة ونحوهما، لا الاستقبال والتلقين وشبههما من الأحكام قبل الموت.

ومنها: عموم قوله تعالى: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (3).

وفيه: أنّ الظاهر منه - لا سيّما بعد ملاحظة الاستثناء الواقع في الآية الشريفة - إرادة خصوص الميراث، كما يشهد له الاستدلال به في كثيرٍ من النصوص على منع الأقارب الأجانب في الإرث، فالأولويّة المذكورة في الآية الشريفة أجنبيّة عن ما5.

ص: 251


1- الحدائق الناضرة: ج 3/359.
2- التهذيب: ج 3/205 ح 30.
3- سورة الأنفال: الآية 75.

هو محلّ الكلام، فتدبّر.

ومنها: أنّ تحريك الميّت بتوجيهه نحو القبلة تصرّفٌ فيه، لا دليل على جوازه بدون إذن الوليّ .

وفيه: مضافاً إلى أنّ لازم ذلك عدم التصرّف فيه إلّامع الاستيذان منه نفسه، أنّه بعد إذن المالك الأصلي وهو الخالق سبحانه وتعالى - كما هو مقتضى إطلاق النصوص - لا وجه لاعتبار إذن غيره، هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الميّت قبل موته لا ولاية لأحدٍ عليه، وهي إنّما تثبت بعد الموت.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار إذن الوليّ .

***

الفرع الخامس: قال صاحب «الجواهر»(1): (ثمّ إنّ الأقوى بناءً على الوجوب، سقوطه بالموت، فلا يجب استمراره مستقبلاً، ولا استقباله ابتداءً إنْ لم يكن؛ للأصل، مع صدق الامتثال، وإشعار التعليل في المُرسل المتقدّم به).

ونسبه في «الذكرى»(2) إلى ظاهر الأخبار، ولعلّه لأنّه فهم من (الميّت) فيها ما قلناه سابقاً من دلالتها على المُشرف على الموت.

أقول: إنّ ظاهر المرسل بل صريحه، وظاهر الموثّق، وإنْ كان ذلك، إلّاأنّ ظاهر صحيح سليمان كما عرفت وجوب الاستقبال بعد الموت، وهو لا ينافي الخبرين المتقدّمين، كما لا يخفى.

نعم، مقتضى إطلاقه حصول الامتثال في أقلّ زمانٍ بعد الموت، فوجوبه قبل أن يُنقل جسده عن محلّه يحتاج إلى دليل.5.

ص: 252


1- جواهر الكلام: ج 4/11.
2- الذكرى: ج 1/295.

وبذلك ظهر أنّ ما عن «المصابيح»(1) من أنّ ظاهر مصحّح سليمان وجوب الاستقبال إلى ما بعد الغُسل، غير تامّ .

فإنْ قلت: إذا ثبت الوجوب بعد الموت، وشُكّ في سقوطه بعد ذلك، قبل انتقال جسده أو غُسله، لزم استصحاب بقاء ذلك الوجوب.

قلت أوّلاً: قد عرفت في هذا الشرح غير مرّةٍ أنّ عدم جريان الاستصحاب في الأحكام، لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل.

وثانياً: فضلاً عن عدم جريان الاستصحاب فيما بعد رفع الجنازة، لعدم اعتبار الاستقبال فيه قطعاً.

وثالثاً: مضافاً إلى أنّ قوله عليه السلام في المصحّح: (وكذلك إذا يُغْسَل) كالصريح في عدم اعتبار الاستقبال فيما بين الحالين.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب إبقائه كذلك إلى ما بعد الموت في أقلّ زمان، إنْ لم يكن إجماعٌ على عدم وجوبه بعد الموت، وإلّا فيحمل الصحيح على الاستحباب كما تقدّم.

بل يمكن أن يقال: إنّه يتعيّن حمله عليه، من جهة أنّه يدلّ على لزوم التسجية تجاه القبلة، حيث أنّ التسجية مستحبّة، فكذلك توجيهه إلى القبلة.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّه من قبيل تعدّد المطلوب، ولذا لا يكون رجحان أحدهما مقيّداً بالآخر.

هذا في غير حال الغُسل.

وأمّا حينه فسيأتي حكمه في آداب الغُسل.1.

ص: 253


1- نسبه إليه في مستمسك العروة: ج 4/21.

وأمّا بعد الغُسل، فالأولى وضعه بنحو ما يوضع في قبره، ويشهد له خبر(1)يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «فإذا طَهُر وُضِع كما يُوضع في قبره».

***

الفرع السادس: لو اشتبهت القبلة ولم يمكن تحصيل العلم بها:

1 - فهل يسقط وجوب الاستقبال مطلقاً كما عن بعض(2)؟

2 - أو يجب لو اشتبهت بين الجهتين: جهة المغرب والمشرق، كما احتمله صاحب «الجواهر»(3)؟

3 - أم يجب مطلقاً توجيهه إلى جميع الجهات، كما احتمله في محكيّ «الذكرى»(4)؟

4 - أم يجب توجيهه إلى أيّ جهةٍ من الجهات، كما اختاره في «الحدائق»(5)؟

وجوه:

ويشهد للأوّل: أنّه تكليفٌ ، لكن بما أنّه لا يمكن امتثاله في الفرض فيسقط.

واستدلّ للثاني: بما دلَّ على أنّ (ما بين المشرق والمغرب قبلة)(6).

وفيه: أنّه إنّما يدلّ على أنّه قبلة لمَن أخطأ في تشخيص القبلة فصلّى إلى غيرها، فالتعدّي يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

واستدلّ للثالث: بما دلَّ على أنّ فاقد القبلة يُصلّي إلى أربع جهات.8.

ص: 254


1- التهذيب: ج 1/298 ح 39، وسائل الشيعة: ج 2/491 ح 2723.
2- مستند الشيعة: ج 3/72.
3- جواهر الكلام: ج 4/12.
4- الذكرى: ج 1/295.
5- الحدائق الناضرة: ج 3/357.
6- الكافي: ج 3/215 ح 2، وسائل الشيعة: ج 3/130 ح 3208.

وفيه: مضافاً إلى ما ستعرف في محلّه من أنّ وظيفته الصَّلاة إلى أيّ جهةٍ شاء، أنّ الصَّلاة إلى أربع جهات أمرٌ ممكن، بخلاف توجيه الميّت، فإنّه لا يمكن توجيهه في آنٍ واحدٍ إلى جميع الجهات.

واستدلّ للرابع: بما دلَّ على(1) أنّ فاقد القبلة يُصلّي إلى أي جهةٍ شاء، فهي مضافاً إلى اختصاصه بالصلاة، أنّ الميّت لا محالة يكون موجَّهاً إلى جهةٍ من الجهات، فالأمر بالتوجيه إليها طلبٌ لتحصيل الحاصل، فتأمّل.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الأوّل.

***5.

ص: 255


1- الحدائق الناضرة: ج 7/335.

ويستحبّ تلقينه الشهادتين والإقرار بالنبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام.

آداب الإحتضار

(ويستحبّ ) لمن حَضَر عند موته، وليّاً كان أم غيره، اُمور:

الأمر الأوّل: (تلقينه) أي تفهيمه (الشهادتين، والإقرار بالنبيّ صلى الله عليه و آله، والأئمّة عليهم السلام) بلا خلافٍ ، بل عن كاشف اللّثام(1): الاتّفاق عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«لو أدركتُ عِكْرمة عند موته لنفعته! فقيل لأبي عبد اللّه عليه السلام: بماذا كان ينفعه ؟ قال عليه السلام: يُلقّنه ما أنتم عليه»(2).

ومنها: خبر أبي بكر الحَضْرمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«واللّه لو أنّ عابدَ وثنٍ وَصَف ما تصفون عند خروج نَفَسه ما طَعِمت النّار من جسده شيئاً»(3).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا حضرت الميّت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أنْ لا إله إلّااللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله»(4).

ص: 256


1- كشف اللّثام (ط. ق): ج 2/195.
2- الكافي: ج 3/122 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/457 ح 2641.
3- الكافي: ج 3/124 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/459 ح 2644.
4- الكافي: ج 3/121 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/454 ح 2629.

ونحوها غيرها(1).

أقول: ولا ينافيها قول السيّدين في خبري ابني مسلم والبُختري:

«إنّكم تُلقّونَ أمواتكم عند الموت لا إلّاإلّااللّه، ونحن نُلقِّن موتانا محمّدٌ رسول اللّه صلى الله عليه و آله»(2).

فإنّ الشهادة بأنّ محمّداً رسول اللّه شهادة إجماليّة بأنّه لا إله إلّااللّه، لأنّ التوحيد من أعظم أنبائه وإخباراته، وهذا بخلاف الشهادة بالتوحيد، فإنّها ليست شهادة بالرسالة بالضرورة، ولذلك لا تكفي وحدها.

وبذلك يظهر أنّ المستحبّ هو التلقين بالشهادتين، والإقرار بالأئمّة عليهم السلام بأيّ نحوٍ كان، بلا اعتبار كيفيّةٍ خاصّة، والأمرُ في هذه النصوص محمولٌ على الاستحباب بالإجماع، وبعض التعليلات، والخبرين.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق صحيح زرارة وخبر الحضرمي المتقدّمين، استحباب تلقينه سائر الاعتقادات الحقّة أيضاً.0.

ص: 257


1- وسائل الشيعة: ج 2/454 (باب إستحباب تلقين الميّت الشهادتين).
2- الكافي: ج 3/122 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/454 ح 2630.

وكلمات الفَرَج.

الأمر الثاني: (و) تلقينه (كلمات الفَرَج) بلا خلافٍ .

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إذا أدركتَ الرَّجل عند النزع، فلقّنه كلمات الفَرَج: لا إله إلّااللّه الحليمُ الكريم، لا إله إلّااللّه العليُّ العظيم، سبحان اللّه ربِّ السَّماوات السّبع، وربِّ الأرضين السّبع، وما فيهنَّ وما بينهنَّ وربِّ العَرش العظيم، والحمدُ للّه ربّ العالمين»(1).

ومنها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقّنها لرجلٍ من بني هاشم، فلمّا قالها، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

الحمدُ للّه الذي استنقذه من النّار».

إلّا أنّ فيه تقديم (العليّ العظيم) على (الحليم الكريم)(2).

ومنها: ما قاله الصدوق في «الفقيه»(3) من رواية كلمات الفَرَج كذلك، مع زيادة: (وسلامٌ على المرسلين) قبل التحميد.

كما أنّ في خبر أبي بصير زيادة: (وما تحتهنّ )، بعد قوله: (وما بينهنّ )، و (لا إله إلّا اللّه ربِّ السّماوات) بدل قوله: (سبحان اللّه ربّ السّماوات)(4).

أقول: والجمع بين النصوص، يقتضي الالتزام بأنّ كلمات الفرج هي نفس الكلمات، فلا يضرّ تقديم بعض الفقرات على بعض، وأنّ الزيادات المرويّة في بعض5.

ص: 258


1- الكافي: ج 3/122 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/459 ح 2645.
2- الكافي: ج 3/124 ح 9، وسائل الشيعة: ج 2/459 ح 2646.
3- الفقيه: ج 1/131 ح 343.
4- المستدرك: ج 2/147 ح 1665.

النصوص، ليست من مقوّماتها، بل من مكمّلاتها، وأنّ الجزء لها في موارد اختلاف الألفاظ هو أحد اللّفظين على البدل.

الأمر الثالث: تلقينه الدُّعاء بالمأثور:

1 - ففي الخبر الذي رواه سالم بن أبي سَلَمة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حَضَر عند موت رجلٍ ، فقالب له: قُل اللّهُمَّ اغفر لي الكثير من معاصيك، واقبل منّي اليسير من طاعتك. فقال: ثُمَّ اُغمي عليه - إلى أن قال - فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا حَضَرتُم ميّتاً، فقولوا له هذا الكلام ليقوله»(1).

2 - وفي خبر حريز بن عبد اللّه، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«إذا دخلتَ على مريضٍ وهو في النزع الشديد، فقُل له: ادعُ بهذا الدُّعاء، يخفّف اللّهُ عنك: أعوذ باللّه العظيم، ربّ العرش الكريم، من كلّ عِرقٍ نفّار، ومن شَرّ حَرّ النّار سبع مرّات، ثمّ لقّنه كلمات الفرج، ثُمَّ حوّل وجهه إلى مصلّاه الذي كان يُصلّي فيه»(2).

3 - وعن «دعوات» الراوندي: «أنّ زين العابدين عليه السلام لم يزل يُردِّد: اللّهُمَّ ارحمني فإنّك رحيم، حتّى توفّى صلوات اللّه عليه»(3).

4 - وفي المرسل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال عند حضوره عند موت رجلٍ ، قُل: يا مَن يَقبلُ اليسير، ويعفو عن الكثير، إقْبَل منّي اليسير، واعفُ عنّي الكثير، إنّك أنت العفوّ الغفور... الخ»(4).

الأمر الرابع: نَقْلُه إلى مصلّاه إذا عَسُر عليه النزع، ولم يُوجِب أذاه، كما عن1.

ص: 259


1- الكافي: ج 3/124 ح 10، وسائل الشيعة: ج 2/461 ح 2649.
2- وسائل الشيعة: ج 2/464 ح 2658.
3- المستدرك: ج 2/134 ح 1622، الدعوات: ص 250 ح 704.
4- الفقيه: ج 1/132 ح 347، وسائل الشيعة: ج 2/462 ح 2651.

غير واحدٍ.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان، عن مولانا الصادق عليه السلام: «إذا عَسُر على الميّت نزعه وموته، قُرِّب إلى مصلّاه الذي كان يُصلّي فيه»(1). ونحوه غيره(2).

ومقتضى هذه النصوص هو رجحان ذلك إذا عَسُر عليه النزع لا مطلقاً، فما في «الشرائع»(3) وغيرها من الحكم باستحبابه مطلقاً في غير محلّه، لا سيّما وقد ورد في بعض النصوص النهي عن مسّ الميّت معلّلاً، بأنّه إنّما يزداد ضعفاً، هذا فيما إذا لم يوجب أذاه، وإلّا فلايجوز لأنّه محرمٌ إيذائه، والاستحباب لايصلح لمزاحمة الحرمة.

الأمر الخامس: أنْ يقرأ عنده: سورة يس، والصّافات، والأحزاب، وآية الكرسي، وآية السّحرة، وثلاث آياتٍ من البقرة. ففي خبر سليمان الجعفري، قال:

«رأيتُ أباالحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم: قُم يابُنيّ فاقرأعندأخيك (وَ اَلصَّافّاتِ صَفًّا) (4) حتّى تُتمّها، فقرأ فلمّا بلغ (أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) (5) فقضى الفتى ، فلمّا سُجّي وخَرَجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنّا نَعهدُ الميّتَ إذانزل به الموت يُقرأعنده (يس وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ ) (6) فصِرْتَ تأمرنا ب (اَلصَّافّاتِ صَفًّا) ؟ فقال:

يا بُنيّ لم تُقرأ عند مكروبٍ من موتٍ إلّاعَجّل اللّه راحته»(7).

أقول: والمستفاد منه قراءة كلتا السورتين، كما لا يخفى .

وعن «دعوات» الرواندي: (روي أنّه يُقرأ عند المريض والميّت آية الكرسي،9.

ص: 260


1- الكافي: ج 3/125 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/463 ح 2652.
2- وسائل الشيعة: ج 2/463 (باب إستحباب نقل من اشتدّ عليه النزع إلى مصلّاه الذي كان يُصلّي فيه).
3- شرائع الإسلام: ج 1/29.
4- سورة الصافات: الآية 1.
5- سورة الصافات: الآية 11.
6- سورة يس: الآية 2 و 1.
7- الكافي: ج 3/126 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/465 ح 2659.

وقراءة القرآن.

ويقول: اللّهُمَّ أخرجه إلى رضىً منك ورضوان، اللّهُمَّ اغفر له ذنبه، جَلَّ ثناءُ وَجهك، ثمّ يقرأ آية السَّحرة (إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّماواتِ ...) الخ(1) ثُمّ يقرأ ثلاث آيات من آخر البقرة (لِلّهِ ما فِي اَلسَّماواتِ وَ ما فِي اَلْأَرْضِ ) (2) ثمّ يقرأ سورة الأحزاب)(3).

***

بل (و) لايَبعُد دعوى استحباب مطلق (قراءة القرآن)، كما في المتن، و «المعتبر»(4)، وعن «الذكرى »(5):

1 - لهذه النصوص بإلغاء الخصوصيّات.

2 - وما دلَّ على رجحان التوسّل بها في الشدائد.

3 - ومعهوديّة قراءة القرآن عند النزع لدى المتشرّعة.

4 - والرضوي: (إذا حَضَر أحدكم الوفاة فاقرأوا عنده القرآن).5.

ص: 261


1- سورة الاعراف: الآية 54.
2- سورة البقرة: الآية 284.
3- الدعوات: ص 252 ح 709.
4- المعتبر: ج 1/259.
5- الذكرى: ج 1/295.

وتَغميضُ عينيه، وإطباقُ فيه، ومدِّ يديه، وإعلام المؤمنين.

المستحبّات بعد الموت

ويستحبّ بعد الموت اُمورٌ:

الأمر الأوّل: (و تَغْميض عينيه) بلا خلافٍ ، لخبر أبي كَهْمس، قال:

«حضر موتُ إسماعيل، وأبو عبد اللّه جالسٌ عنده، فلمّا حضره الموت شدَّ لحييه وغَمَضه وغطّى عليه الملحفة»(1).

والمراد بحضور الموت تحقّقه لا حال الاحتضار، للنهي عن مسّ الميّت حال النزع، ولأنّ التسجية إنّما تكون بعد الموت كما لا يخفى . وقريبٌ منه غيره.

الأمر الثاني: (و إطباق فيه) كما ذكره جماعة(2)، لتلازمه مع شَدّ لحييه الذي وردَ الأمر به في خبر أبي كهمس المتقدّم.

الأمر الثالث: (و مدّ يديه) إلى جَنبيه، لاستقرار سيرة المتشرّعة عليه.

الأمر الرابع: تغطيته بثوبٍ بلا خلافٍ ، ويشهد له:

1 - خبر أبي كهمس المتقدّم.

2 - وصحيح سليمان بن خالد المتقدّم، في استقبال المحتضر.

الأمر الخامس: (و إعلام المؤمنين) لجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح ابن سنان: «ينبغي لأولياء الميّت منكم أن يؤذنوا إخوان الميّت بموته»(3).

ص: 262


1- التهذيب: ج 1/289 ح 10، وسائل الشيعة: ج 2/468 ح 2667.
2- راجع مجمع الفائدة: ج 1/174، شرح اللُّمعة: ج 1/401، مدارك الأحكام: ج 2/58.
3- الكافي: ج 3/166 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/59 ح 3017.

وتعجيل أمره، إلّامع الاشتباه، فيرجع إلى الأمارات.

ومنها: مرسل القاسم بن محمّد: «إنّ الجنازة يؤذَن بها النّاس»(1).

ونحوهما غيرهما(2).

الأمر السادس: (و تعجيل أمره) إجماعاً محصّلاً ومنقولاً(3) مستفيضاً كالنصوص بل هي ظاهرة في الوجوب، إلّا أنّها حُملت على الاستحباب لما عرفت من الإجماع مع الطعن في أسانيدها، فلا إشكال في الاستحباب، كما في «الجواهر»(4).

أقول: يُشعر بالاستحباب مرسل الصدوق، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: كرامة الميّت تعجيله»(5).

(إلّا مع الاشتباه) فلا يُعجّل، بل يَحرُم لاستصحاب بقاء الحياة (فيرجع إلى الأمارات) المفيدة للعلم بالموت، للأمر بالانتظار والاستبراء في جملةٍ من النصوص:

منها: خبر إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الغريق أيُغّسل ؟ قال عليه السلام: نعم ويستبرأ. قلت: وكيف يُستبرأ؟ قال عليه السلام: يُترك ثلاثة أيّام قبل أن يُدفن، وكذلك أيضاً صاحب الصاعقة، فإنّه ربما ظنّوا أنّه مات ولم يَمُت»(6).

ويستفاد من التعليل عموم الحكم لكلّ مشتبهٍ .

ومنها: موثّق عمّار: «الغريق يُحبس حتّى يتغيّر، ويُعلم أنّه قد مات، نعم6.

ص: 263


1- الكافي: ج 3/167 ح 2، وسائل الشيعة: ج 3/60 ح 3020.
2- وسائل الشيعة: ج 3/59 (باب إستحباب إعلام النّاس وخصوصاً إخوانه بموته).
3- تذكرة الفقهاء (ط. ق): ج 1/343.
4- جواهر الكلام: ج 4/24.
5- الفقيه: ج 1/140 ح 385، وسائل الشيعة: ج 2/474 ح 2683.
6- الكافي: ج 3/209 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/475 ح 2686.

يُغسَّل ويُكفَّن.

قال: وسُئل عن المصعوق ؟ فقال عليه السلام: إذا صُعِق حُبس يومين ثمّ يُغسّل ويُكفَّن»(1).

ومنها: صحيح إسماعيل بن عبد الخالق، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: خمسة ينتظر بهم إلّاأن يتغيّروا: الغريق، والمصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمُدخّن»(2).

ونحوها غيرها(3).

أقول: ومقتضى الجمود على بعض نصوص الباب، هو البناء على أنّ التغيّر ومضي ثلاثة أيّام من الطرق المجعولة شرعاً لاستكشاف الموت، فيرجع إليهما وإنْ لم يفد العلم، كما هو ظاهرُ جماعةٍ منهم المحقّق في «الشرائع»(4).

إلّا أنّه يتعيّن الالتزام بأنّ المدار على العلم، وأنّ هذه الأخبار جرت مجرى العادة من حصول العلم بعد تحقّق أحدهما، وذلك لوجوهٍ :

أحدها: ما في «المعتبر»(5): (ويجبُ التربُّص بهم مع الاشتباه حتّى تظهر علامات الموت، وحدّه العلم وهو إجماعٌ ).

ونحوه عن «التذكرة»(6).

الثاني: قوله عليه السلام في موثّق عمّار: «ويعلم أنّه قد مات»، بعد قوله عليه السلام:

«حتّى يتغيّر»(7).7.

ص: 264


1- الكافي: ج 3/210 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/475 ح 2687.
2- التهذيب: ج 1/337 ح 156، وسائل الشيعة: ج 2/474 ح 2685.
3- وسائل الشيعة: ج 2/474 (باب وجوب تأخير الميّت مع اشتباه الموت).
4- شرائع الإسلام: ج 1/29.
5- المعتبر: ج 1/263.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/343.
7- الكافي: ج 3/210 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/475 ح 2687.

الثالث: التعليل في خبر إسحاق لوجوب الصبر ثلاثة أيّام، بإحتمال بقاء الحياة، بل مُضيّ الثلاثة، الدالّ على أنّه يرتفع بعد الثلاثة.

الرابع: الاقتصار في الموثّق على يومين.

وعلى ذلك فلا ثمرة في النزاع في أنّ المراد بالتغيّر هو خصوص تغيّر ريحه، أو الأعمّ منه، ومن تغيّر صفته في بعض أجزائه، بحيث يصير إلى صفة لا يكون عليها الحَيّ ، كالعلامات التي ذكرها الأطبّاء.

***

ص: 265

ويُكرَه أن يحضره جُنُبٌ أو حائض.

المكروهات بعد الموت

الأوّل: (ويُكره أن يحضره جُنُبٌ أو حائض) بلا خلافٍ فيه بيننا، كما عن «الحدائق»(1)، وقاله أهل العلم كما في «المعتبر»(2).

واستدلّ له: بجملةٍ من النصوص:

منها: خبر يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تحضر الحائضُ الميّت ولا الجُنُب عند التلقين»(3).

ومنها: مرفوع الصدوق إلى الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا تحضر الحائض والجُنُب عند التلقين، لأنّ الملائكة تتأذّى بهما»(4).

ونحوهما غيرهما(5).

وفيه: أنّ ظاهر هذه النصوص كصريح خبر عليّ بن أبي حمزة مرجوحيّة حضورهما عند الاحتضار لا بعد الموت، بل قوله عليه السلام في ذيل خبر يونس المتقدّم:

«ولا بأس أن يليا غُسله»، كالصريح في ارتفاع المرجوحيّة بالموت.

أقول: وأمّا خبر الجُعفي، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام، قال:

«لا يجوز للمرأة الحائض والجُنُب الحضور عند تلقين الميّت، لأنّ الملائكة

ص: 266


1- الحدائق: ج 3/371.
2- المعتبر: ج 1/264.
3- التهذيب: ج 1/428 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/467 ح 2663.
4- الفقيه: ج 1/91 ذيل ح 197، وسائل الشيعة: ج 2/467 ح 2664.
5- وسائل الشيعة: ج 2/467 (باب كراهة حضور الحائض والجُنُب عند المحتضر).

أو يُجعل على بطنه حديد.

تتأذّى بهما، ولا يجوز لهما إدخال الميّت قبره»(1).

فمضافاً إلى ما في «الحدائق»(2) من التصريح بعدم العامل به، لا يدلّ على مرجوحيّة حضورهما بعد الموت قبل إدخاله القبر، فالأظهر عدم الكراهة بعده، وإنّما المكروه حضورهما عند الاحتضار، ولعلّه مراد الأصحاب وإنْ كان خلاف ظاهر كلماتهم.

الثاني: (أو يُجعل على بطنه حديد)، كما نُسب كراهة ذلك إلى المشهور، وليس لهم دليلٌ ظاهرٌ سوى ما عن شيخ الطائفة في تهذيبه(3): (سمعنا ذلك من الشيوخ مذاكرة رحمهم الله) بناءً على قاعدة التسامح.

وفيه: أنّ القاعدة في المكروهات غير ثابتة، وهي تختصّ بالمستحبّات لاسيّما فيما إذا كان مستند الحكم فتوى الفقهاء، فإذاً لا دليل على الكراهة، ولعلّه لذلك أمر بجعل الحديد على بطن الفاجر، وليس مراده استحباب ذلك، بل جوازه كما هو المراد من الأمر الواقع في مورد الحظر أو توهّمه في أمثال المقام.

***0.

ص: 267


1- وسائل الشيعة: ج 20/220 ح 25473.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/371.
3- التهذيب: ج 1/290.
البحث الثاني: الغُسل
الثاني: الغُسل.
تغسيل الميّت

(الثاني) من الأحكام الخمسة: (الغُسل)

وهو واجبٌ بلا كلام ولا ريب، بل الإجماع عليه قطعيّ (1)، بل عدّه الشيخ الأعظم(2) من الضروريّات.

ووجوبه كسائر الأعمال الواجبة المتعلّقة بتجهيزه من التكفين والدفن والصَّلاة عليه كفائي، بلا خلافٍ كما عن «المبسوط»(3)، وإجماعاً كما عن «الذكرى»(4)، وبإجماع العلماء كما عن «التذكرة»(5)، وهو مذهب العلماء كافّة كما في «المعتبر»(6).

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - إطلاق ما تضمّن(7) الأمر بها من دون توجيهه إلى شخصٍ معيّن، مع كون الفعل واحداً.

وأورد عليه باُمور:

أحدها: ما في «الحدائق»(8) من أنّه لا أعرف له - أي للوجوب الكفائي -

ص: 268


1- غنية النزوع: ص 101.
2- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/275.
3- المبسوط: ج 1/174.
4- الذكرى: ج 1/295.
5- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/345.
6- المعتبر: ج 1/264.
7- وسائل الشيعة: ج 2/477 باب وجوب غُسل الميّت.
8- الحدائق الناضرة: ج 3/377.

دليلاً واضحاً.

ولعلّ نظره إلى أنّ النصوص المتضمّنة للأمر بتلك الأعمال، لا إطلاق لشيء منها كي يُستدلّ به على ذلك.

الأمر الثاني: معارضة هذه الأدلّة مع ما دلَّ على أنّ أولى النّاس بها هو الوليّ من الإجماع والآية(1) والروايات(2)، والجمع بين الطائفتين يقتضي الالتزام بأنّ من يجب عليه، هو خصوص الوليّ .

الأمر الثالث: أنّ الواجب الكفائي لا يُعقل إناطة صحّته برأي أحدٍ من المكلّفين. وعليه فالأدلّة الدالّة على إناطة الصحّة بإذن الوليّ ، تدلّ على عدم الوجوب الكفائي.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ منع الإطلاق لو سُلّم في بعضها، فلا نُسلّم في الجميع.

مع أنّ التدبّر في الأحكام المتّفق عليها فتوىً ونصّاً، كسقوط إذن الوليّ مع امتناعه أو غيبته أو كونه صغيراً، وعدم جواز مباشرته بنفسه في بعض الموارد، كما في صورة كون الوليّ غير مماثلٍ للميّت مع وجود المماثل، وعدم وجوب تصدّيه في جميع الموارد، وعدم وجوب إذنه في ذلك، وغير ذلك من الأحكام، يوجبُ القطع بأنّ هذه الأفعال ممّا اُريد وجودها في الخارج من غير دخلٍ لصدورها من شخصٍ خاص في هذا الحكم، بل يحصل الامتثال بفعل واحدٍ من المكلّفين مع رعاية الشرائط. وعليه، فلا مناص عن القول بكون وجوبها كفائيّاً.

مضافاً إلى أنّ الناظر في النصوص المتضمّنة لواجبات ما يتعلّق بالميّته.

ص: 269


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- وسائل الشيعة: ج 2/535 باب أنّ الميّت يَغسله أولى النّاس به.

ومسنوناته لا يشكّ في أنّ الغُسل وغيره من تجهيزات الميّت أراد الشارع وجودها في الخارج من أيّ شخصٍ كان.

وأمّا الثاني: فقد اُجيب عنه في محكيّ جملة من كتب الأساطين(1) بأنّ الأولويّة إنّما تكون على سبيل الاستحباب لا الوجوب، ومالَ إليه في محكيّ «الذخيرة»(2)تبعاً للمحقّق الأردبيلي(3).

وفيه: أنّ الأقوى كون الأولويّة على سبيل الوجوب، إذ يشهد لذلك - مضافاً إلى الإجماع الذي ادّعاه جمعٌ من الأعاظم، منهم الشيخ في «الخلاف»(4)، والمصنّف رحمه الله في «المنتهى»(5)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(6) عليه - الآية الشريفة: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (7) بناءً على أنّ تغسيل الميّت وغيره من الأعمال تكون مباشرتها من الحقوق، كما يشهد له النصوص الآتي بعضها.

ودعوى: أنّ الآية لا دلالة فيها أصلاً، كما عن المقدّس الأردبيلي رحمه الله(8).

مندفعة: بأنّ حذف المتعلّق يفيد العموم. فتأمّل فإنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً.

أقول: وكذا تشهد له جملةٌ من النصوص:

منها: الخبر الذي رواه السكوني، عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«إذا حضر سلطانٌ من سلطان اللّه جنازةً فهو أحقّ بالصلاة عليها إنْ قدّمه5.

ص: 270


1- الحدائق الناضرة: ج 3/377.
2- كما يظهر من ذخيرة المعاد: ج 1/334-335 ق 2.
3- مجمع الفائدة والبرهان: ج 2/455-456.
4- الخلاف: ج 1/174.
5- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/450.
6- جامع المقاصد: ج 1/359.
7- سورة الأنفال: الآية 75.
8- مجمع الفائدة: ج 2/455.

وليّ الميّت وإلّا فهو غاصب»(1).

وهذا الخبر صريحٌ في تعلّق الغصب بهذا الحقّ كالأموال.

ومنها: خبر إسحاق بن عمّار الآتي: «الزوج أحقُّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها»(2).

ومنها: خبر غياث بن إبراهيم الرزامي، عن أبي عبداللّه عليه السلام، عن أميرالمؤمنين عليه السلام:

«يُغسّل الميّت أولى النّاس به»(3).

ومثله مرسل الصدوق مع زيادة: (أو من يأمره الوليّ بذلك)(4).

ونحوها غيرها(5).

فالأظهر كون الأولويّة ثابتة على وجه اللّزوم، كما هو المشهور.

فالصحيح الجواب عنه: أنّ ظاهر هذه الأدلّة أنّ الثابت للولي هو الحق، ولا يدلّ على اختصاص التكليف به، فلا تعارض بينها وبين نصوص المقام.

وأمّا الثالث: - مضافاً إلى أنّ ذلك لو تمّ فإنّما هو في أوّل الوقت، وأمّا في آخره عند امتناع الوليّ منها، أو عدم حضوره فلا يتمّ ، لعدم شرطيّة إذنه، بل تكون ولايته ساقطة - فإنّه لا يتمّ إذ تقييد صحّة الفعل المأمور به بأمرٍ غير اختياري لا محذور فيه، بل واقعٌ كثيراً، وإنّما الممتنع تعلّق التكليف بذلك الأمر، وقد حقّقنا في محلّه أنّ الأمر بالمقيّد بقيدٍ لا يُلازم الأمر بذلك القيد.

أقول: هذا غاية ما يُمكن أن يقال في توجيه فتوى المشهور، من كون وجوب هذه الأعمال كفائيّاً، مع اعتبار إذن الوليّ .ه.

ص: 271


1- التهذيب: ج 3/206 ح 37، وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3173.
2- الكافي: ج 3/194 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/531 ح 2828.
3- الفقيه: ج 1/141 ح 391، وسائل الشيعة: ج 2/535 ح 2841.
4- الفقيه: ج 1/143 ح 391.
5- وسائل الشيعة: ج 2/535 باب أنّ الميّت يغسّله أولى النّاس به.

ولكن بما أنّ إذن الوليّ خارج عن تحت قدرة غيره من أفراد المكلّفين، لابدّ من عدم كونه قيداً للواجب، إذ القيد غير الاختياري، وإنْ كان دخيلاً في حصول المصلحة، لا في اتّصاف الفعل بها، لابدَّ من أخذه مفروض الوجود، ورجوعه إلى الهيئة دون المادّة، إلّاإذا كان القيد متحقّقاً في الخارج كوجود الكعبة، فإنّه حينئذٍ لا مانع من الأمر بالفعل المقيّد به، لما ذكرناه من عدم تعلّق الخطاب المتعلّق بالمركّب به، وإنّما يكون متعلّقاً بالتقيّد به الذي هو تحت القدرة.

وهذا بخلاف ما إذا لم يكن ذلك القيد متحقّقاً، فإنّه حينئذٍ كما أنّ وجود القيد خارجٌ عن تحت الاختيار، كذلك التقيّد به غير مقدورٍ، فلا مناص من أخذه مفروض الوجود، وعدم فعليّة الحكم قبل تحقّقه.

وعليه، فبما أنّ احتمال كون وجوب مراعاة تلك الأولويّة تعبّداً محضاً، من غير أن يكون لها مدخلٌ في صحّة الأفعال ضعيفٌ ، وإنْ قوّاه صاحب «الجواهر»(1)، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام: «يُصلّي عليها أولى النّاس بها، أو يأمر من يُحبّ » ينفيه كما لايخفى .

وإطلاق الغاصب على من باشره من دون إذن الوليّ ، لا يدلّ على ذلك، لعدم دلالته على صحّة العمل.

ودعوى : أنّ إذن الوليّ ليس شرطاً في الصحّة، بل غاية ما يدلّ عليه الدليل ثبوت حقٍّ للولي، فالصلاة مثلاً بدون إذنه مستلزمةٌ للتصرّف في حقّ مَنْ له الحقّ الذي هو حرام، وحيث أنّ المنهيّ عنه خارجٌ عنها، فلا يوجب فسادها، كما عن «لوامع» النراقي(2).

ضعيفة: إذ ظاهر الأدلّة شرطيّته للصحّة، كما هو الشأن في جميع ما تضمّن الأمر5.

ص: 272


1- جواهر الكلام: ج 4/14.
2- نسبه إليه في مستمسك العروة: ج 4/45.

بشيء، ممّا يعتبر في المأمور به، فلابدَّ من رفع اليد عن إحدى الطائفتين من الأدلّة:

1 - إمّا ما دلَّ على أحقّيّة الوليّ ، والالتزام بكونها استحبابيّة، كما التزم به جماعة من القدماء والمتأخّرين(1).

2 - وإمّا ما دلَّ على الوجوب الكفائي، والالتزام بأنّ المراد بها أنّه إنْ قام به الوليّ ، سقط الفرض عن غيره، وكذا إنْ أذِنَ لغيره، وقام به ذلك الغير، وإلّا سقط اعتباره، كما التزم به السيّد في مداركه(2) وغيره.

وحيث لا أولويّة لرفع اليد عن أحدهما، فلابدَّ من الاحتياط بالاستيذان، وعدم التصدّي له من دون إذنه.

أقول: بقي الكلام في تشخيص الوليّ ، لو تعدّد الوارث الفعلي الصالح للولاية، وسيأتي - في باب الصَّلاة عند تعرّض المصنّف رحمه الله له - البحث فيه مفصّلاً.

***6.

ص: 273


1- مفتاح الكرامة: ج 4/137،
2- مدارك الأحكام: ج 4/156.
امتناع الوليّ عن المباشرة والإذن

أقول: ثمّ إنّه ينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل: إذا امتنع الوليّ من المباشرة ومن الإذن، سقط اعتبار إذنه بلا خلافٍ ولا إشكال، وتشير إليه طوائف من النصوص:

منها: الأخبار(1) الواردة في الجماعة الذين وجدوا ميّتاً قد قذفه البحر.

ومنها: النصوص(2) الواردة في تغسيل الذِّمّي المُسلم، إذا لم يوجد مماثلٌ ولا ذو رحم.

ومنها: الأخبار(3) الواردة في تغسيل بعض الميّت.

ومنها: غير تلك.

وعليه، فهل يجب على الحاكم إجباره إنْ أمكن، وإلّا فيأذن لغيره ؟

أم يجوز لكلّ أحدٍ أن يتصدّى لذلك، بلا توقّفٍ على إذن أحد؟

وجهان بل قولان:

استدلّ للأوّل:

1 - بأنّ الحاكم وليُّ المُمتنع، فيجبُره إنْ أمكن، وإلّا فيستأذن منه.

2 - وبأنّ الشارع المقدّس مَنَع من وقوع الغُسل من كلّ أحدٍ مستقلّاً، فإذا امتنع الوليّ ، يتولّى الحاكم من باب ولاية الحِسْبة، بعد العلم القطعي بأنّه لايسقط

ص: 274


1- وسائل الشيعة: ج 2/474 باب وجوب تأخير تجهيز الميّت مع اشتباه الموت ثلاثة أيّام.
2- وسائل الشيعة: ج 2/428 باب عدم تحريم كراهة الموت.
3- وسائل الشيعة: ج 2/459 باب استحباب تلقين المحتضر كلمات الفرج.

التكليف به بامتناعه.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الحاكم وليُّ الممتنع من أداء حقّ الغير الثابت، لا الممتنع مطلقاً ولو مع فرض سقوطه في فرض الامتناع. وفي المقام وإنْ كانت الولاية ثابتة - إرفاقاً بالمولى عليه أيضاً - إلّاأنّه بعد امتناع الوليّ ، وسقوط ولايته واعتبار إذنه، يكون ثبوت حقّ للمولى عليه أوّل الكلام، فلا وجه للتمسّك بما دلَّ على أنّ الحاكم وليّ المُمتنع.

وأمّا الثاني: فلأنّ المنع عن وقوعه من كلّ أحدٍ مستقلّاً، لا دليل عليه في صورة امتناع الوليّ .

فإذاً الأقوى هو الثاني للأصل.

أقول: وقد استدلّ له بوجهين آخرين:

أحدهما: أنّ المستفاد من سياق الأدلّة أنْ ليس لغير الوليّ مزاحمة الولي، وأنّه يشترط في صحّة فعل غير الوليّ عدم مزاحمته، فإذا علم أنّه لا يريد الفعل، ولا يأذن لغيره، فليس في فعله مزاحمة له.

الثاني: أنّ الولاية إنّما جُعلت نظراً له وإرفاقاً به وتسليةً له، وهذا يتنافى مع إجبار الحاكم أو الاستيذان منه عند امتناعه.

ويرد على الأوّل: أنّ المستفاد من الأدلّة وإنْ كان عدم مزاحمة غير الوليّ إيّاه، إلّا أنّه من جهة دلالتها على ثبوت الولاية له، وأحقيّته من غيره.

ويرد على الثاني: أنّ الظاهر من الأدلّة، جعل الولاية له كسائر موارد الولاية، إرفاقاً بالمولّى عليه أيضاً لا به خاصّة، فتدبّر.

ص: 275

الأمر الثاني: لا ولاية للصغير والمجنون ونحوهما على تصدّي هذا الأمر، لأنّهم بنقصهم كالمعدومين.

وبعبارة اُخرى: إنّهم قاصرون عن الولاية على أنفسهم، فكيف يمكن أنْ يجعل الشارع لهم الولاية على الغير؟

وعليه، فلو انحصر الوارث الفعلي في أحدهم:

1 - فهل تسقط الولاية رأساً؟

2 - أو تنتقل إلى الطبقة المتأخّرة ؟

3 - أم إلى الحاكم ؟ وجوه:

أقواها الأوّل، إذ الظاهر من الأدلّة ليس ثبوت الولاية لجميع الطبقات فعلاً، وأنّه يترجّح بعضها على بعض، كما قيل واستدلّ به للوجه الثاني، بل ظاهرها انحصارها بالطبقة السابقة، وعليه فبما أنّ الكامل في الطبقة السابقة ليس موجوداً فلا ولاية له، ولكن لا يكون وجود القاصر كالعدم حتّى تصل النوبة إلى الطبقة المتأخّرة.

وإنْ شئتَ قلت: إنّ من في الطبقة المتأخّرة لا يكون وليّاً في الفرض، لعدم كونه وارثاً، ومجرّد عدم قابليّة من في الطبقة السابقة للولاية، لايكفي في ثبوت الولاية له.

وبذلك يظهر وجه عدم الانتقال إلى الحاكم، إذ الانتقال إليه:

إمّا أن يكون لما تقدّم في التنبيه السابق.

أو لأنّ الولاية للإمام، مع فقد مَنْ سَبق، وهو نائبٌ عنه.

وشيءٌ منهما لا يتمّ في الفرض، كما لا يخفى.

الأمر الثالث: لو أوصى الميّت بتجهيزه إلى غير الوليّ ، فالأقوال ثلاثة:

ص: 276

1 - ما هو المحكيّ عن المشهور(1): من عدم نفوذ الوصيّة، وعدم تقديمه على الوليّ ، وعن المصنّف في «المختلف»(2): نسبته إلى علمائنا.

2 - مافي «العروة»(3)، وعن ابن الجنيد(4): وهو وجوب العمل بالوصيّة وصحّتها.

وعن «المدارك»(5): نفي البأس فيه.

وعن «جامع المقاصد»(6): الميل إليه.

3 - ما عن ظاهر «المسالك»(7): وهو التفصيل بين ولاية الحاكم فتنفذ الوصيّة على خلافها، وولاية غيره فلا تُنفذ، ومالَ إليه الشيخ الأعظم رحمه الله(8).

أقول: الظاهر أنّ محلّ الكلام، هو ما لو أوصى بالولاية لغير الوليّ ، وإلّا فإنْ أوصى بفعلٍ :

فإن أراد به الفعل بدون إذنه، فهي وصيّةٌ غير مشروطة، وعموم نفوذ الوصيّة مخصّص بغير الجنف.

وإنْ أراد به الفعل لا بشرط، فوجوبه مراع بإذن الوليّ ، فإنْ لم يأذن سقط عنه الفعل، لعدم قدرته على الفعل المشروع، ولا أظنّ أن يكون هذا المورد محلّ الخلاف، بل محلّ الخلاف ما لو أوصى بالولاية.2.

ص: 277


1- حكاه في كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/282.
2- مختلف الشيعة: ج 2/304.
3- العروة الوثقى: ج 2/37.
4- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 2/304.
5- المدارك: ج 2/60، قوله: (ولا يبعد أن يُراد بالأولى بالميّت هنا أشدّ النّاس به علاقة...).
6- جامع المقاصد: ج 1/409، قوله: (ويمكن أن يقال إطلاق وجوب الوفاء بالوصيّة.. الخ).
7- مسالك الأفهام: ج 2/184.
8- كتاب الطهارة: ج 2/282.

أقول: والأظهر هو عدم نفوذها فيما إذا كان الوليّ غير الحاكم، لعموم أدلّة الولاية غير المعارض بعموم ما دلَّ نفوذ الوصيّة بعد تخصيصه بغير الجنف، إذ عليه تكون أدلّة الولاية حاكمة على أدلّة الوصيّة كما لا يخفى.

ودعوى(1): أنّ أدلّة الولاية إنّما تمنع من تصرّف الوصيّ من حيث نفسه، ولا تمنع عنه من حيث كونه كالوكيل عن الميّت، فعموم وجوب العمل بالوصيّة شاملٌ له.

مندفعة: بأنّ الميّت نفسه ليس له الولاية على تجهيزه، بل الولاية إنّما تثبت للولي بعد موته.

وعليه، فمقتضى عموم أدلّة الولاية، هو المنع من تصرّفه مطلقاً.

ودعوى (2) : إنصراف أدلّة الولاية عن صورة الوصيّة، لأنّ ولاية الوصيّ من باب ولاية الميّت على نفسه مآلاً، وأدلّة الولاية إنّما تدلّ على أولويّة الوليّ من الأجنبي لا على أولويّته من الميّت نفسه.

وبعبارة اُخرى: إنّما جُعلت هذه الولاية مراعاةً لحقّ الميّت، فلا تناسب إهمال حاله ومخالفة أمره.

مندفعة: بعدم تسليم الانصراف، إذ قد عرفت أنّ الميّت نفسه ليس له الولاية، فضلاً عن من عيّنه، وكون حِكْمة الجعل مُراعاة حقّ الميّت لو سُلّم، مع أنّك قد عرفت سابقاً أنّ حكمة ذلك مع مراعاة حقّ الوليّ لايقتضي الانصراف المزبور.

وبالجملة: فالأظهر عدم نفوذها مع وجود الوليّ غير الحاكم.

وأمّا إذا كان الوليّ هو الحاكم: فإنّه على فرض ثبوت الولاية له، فلا يبعد القول بنفوذها، إذ ولاية الحاكم لو ثبتت، فإنّما هي من باب ولاية الحِسْبة، وعليه فهي1.

ص: 278


1- مستمسك العروة: ج 4/61.
2- مستمسك العروة: ج 4/61.

موقوفة على عدم الوليّ ، فإذا دلّ عمومٌ على ولاية الوصيّ ، لم يجر هنا عموم ولاية الحاكم، لارتفاع موضوعها.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ ولايته إنْ ثبتت، وإنْ كانت من باب ولاية الحِسْبة، تستلزم ممنوعيّة غيره من التصرّف.

وعليه، فنفوذ الوصيّة لا يخلو من إشكال.

بقيت جملةٌ من فروع الولاية، وبما أنّ تحقيق القول فيها يتوقّف على تشخيص الوليّ ، سيأتي الكلام فيها في باب الصَّلاة.

***

ص: 279

وجوب تغسيل كلّ مسلمٍ
اشارة

ثمّ إنّ الكلام في هذا المبحث يقع في مقامات:

1 - فيمَن يجب تَغسيله.

2 - في المُغَسِّل.

3 - في كيفيّة التغسيل.

4 - في شرائط الغُسل.

5 - في مستحبّات الغُسل وآدابه.

6 - في مكروهات الغُسل.

المقام الأوّل
اشارة

فيمَن يجب تَغسيله

لا خلاف ولا كلام في وجوب تغسيل مَنْ كان إماميّاً اثنى عَشَريّاً. وتشهد له جملةٌ من النصوص الآتي بعضها.

كما أنّه لاخلاف في عدم جواز تغسيل الكافر، بل عن جماعةٍ من الأساطين - منهم الشيخ(1)، والمصنّف(2)، والشهيد(3) - دعوى الإجماع عليه، ويشهد له موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«سُئل عن النصراني يكون في السفر، وهو مع المسلمين فيموت ؟ قال عليه السلام: لا يغسله مسلمٌ ولا كرامة، ولا يدفنه، ولا يقوم على قبره وإنْ كان أباه»(4).

إنّما الكلام فيما إذا كان الميّت مسلماً لكنّه غير اثني عشري.

ص: 280


1- التهذيب: ج 1/335.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/368.
3- الذكرى: ج 1/327.
4- الفقيه: ج 1/155 ح 434، وسائل الشيعة: ج 2/514 ح 2785.

فعن المشهور(1): وجوب تغسيله، بل عن ظاهر تذكرة المصنّف(2) دعوى الإجماع عليه.

وعن «المقنعة»(3) و «التهذيب»(4) و «المراسم»(5) و «المهذّب»(6) و «المعتبر»(7)و «المدارك»(8) و «كشف اللِّثام»(9) وغيرها: عدم الوجوب.

بل عن المفيد(10): حرمته لغير تقيّة.

واستدلّ للأوّل:

1 - بالإجماع.

2 - وبما دلَّ (11) على وجوب الصَّلاة عليه، فإنّه بضميمة ما دلَّ على اشتراط الصَّلاة بالغُسل، أو بضميمة عدم الفصل بينها وبين الغسل، يدلّ عليوجوب تغسيله.

3 - وبما عُلم من سيرة المعصومين عليهم السلام من عدم الردع عن وجوب تغسيله.

4 - وبما تقدّم ممّا يدلَّ على وجوب المعاملة مع المخالف معاملة المسلم المؤمن، فيما يتعلّق بالمعاشرة، إذ من أهمّها التعامل مع موتاهم بالتكريم والاحترام.).

ص: 281


1- جامع المقاصد: ج 1/368.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/369.
3- المقنعة: ص 85.
4- التهذيب: ج 1/335.
5- المراسم العلويّة: ص 45، قوله: (إذا كان الميّت معتقداً للحقّ ).
6- المهذّب: ج 1/54.
7- المعتبر: ج 1/329.
8- مدارك الأحكام: ج 2/91.
9- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/235.
10- المقنعة: ص 85.
11- وسائل الشيعة: ج 3/133 (باب وجوب الصَّلاة على كلّ ميّت مسلم).

5 - وبإطلاق جملةٍ من النصوص، كموثّق(1) سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«غُسل الميّت واجب».

ومضمر أبي خالد: «اغسل كلّ الموتى: الغريق، وأكيل السَّبع، وكلّ شيء إلّاما قتل بين الصفّين»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الإجماع: فلأنّ دعواه موهونة بذهاب من تقدّم إلى خلافة.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: إنّ معقد الإجماع، هو وجوب تغسيل كلّ مسلمٍ ، وإفتاءُ جماعةٍ بعدم الوجوب إنّما يكون لبنائهم على كفر المخالف، وعليه فلا تقدح مخالفتهم.

ودعوى(4): أنّ الاعتماد عليه اعتمادٌ على الإجماع التقديري.

مندفعة: بأنّه من قبيل الإجماع على القاعدة.

ولكن يرد على الاستدلال به: أنّه يمكن أن يكون مدرك المُجمعين بعض ما ذكر، فليس إجماعاً تعبّديّاً كي يمكن جعله مدركاً.

وأمّا الثاني: فلأنّ ما دلَّ على اشتراط الصَّلاة بالغُسل، ليس في مقام تشريع وجوب الغُسل، بل إنّما يدلّ على الترتيب بين الغُسل الواجب والصَّلاة، فهو يختصُّ بموارد ثبوت وجوبه. وعدم الفصل بين الغُسل والصَّلاة غير ثابت، مع أنّ وجوب الصَّلاة على المخالف محلّ تأمّلٍ ، كما ستعرف وجهه في محلّه، وإنْ كان الأقوى ذلك.

وأمّا الرابع: فلأنّ محلّ الكلام هو وجوب تغسيل المخالف كوجوب تغسيل6.

ص: 282


1- الكافي: ج 3/40 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/173 ح 1854.
2- الكافي: ج 3/213 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/490 ح 2721.
3- وسائل الشيعة: ج 2/489 (باب وجوب تغسيل من مات في الماء).
4- مستمسك العروة: ج 4/66.

المؤمن، لا تغسيله ظاهراً مداراةً لهم، كما لو مات أحدهم في مفازةٍ لم يطّلع عليه إلّا آحاد المسلمين، بحيث لم يترتّب عليه سوى أداء التكليف فيما بين العبد وبين ربّه.

وأمّا الخامس: فلأنّ ما يمكن دعوى كونه مطلقاً أو عامّاً من النصوص؛ الخبران المتقدّمان، وشيءٌ منهما لا يكون كذلك:

أمّا الخبر الأوّل: فلأنّه واردٌ في مقام بيان أصل الجعل والتشريع، نظير قوله:

«صلاة الآيات واجبة».

وأمّا الخبر الثاني: فمضافاً إلى ضعفه بالإضمار، أنّ عمومه إنّما يكون بلحاظ أسباب الموت، وأنّه لا فرق بين الأسباب، لا في مقام بيان من يجب تغسيله، ولذلك لا وجه للاستدلال به في المقام، بل الاستدلال به كالاستدلال بقوله: الغريق يُغسَّل». ونحوه.

وبعبارة اُخرى: أنّ عمومه إنّما يكون من جهة تغاير الموتى من حيث أسباب الموت، ولا تعرّض له للتغاير بخصوصيّات اُخر غير سبب الموت. فإذاً لا دليل على وجوب تغسيله.

ويؤيّد عدم شمول النصوص له، ما حكاه المحقّق الثاني في محكيّ حاشية «الشرائع»(1): عن ظاهر الأصحاب (أنّ الواجب هو تغسيله غُسل أهل الخلاف) لأنّ النصوص تدلّ على وجوب الغُسل الصحيح كما لا يخفى.

بل يمكن استفادة عدم الوجوب من النصوص الواردة في بيان تعليل تغسيل الميّت، وأنّ الوجه فيه جَعل الميّت أقرب إلى رحمة اللّه، وأليق بشفاعة الملائكة(2)، أو2.

ص: 283


1- جامع المقاصد: ج 1/368.
2- وسائل الشيعة: ج 2/478 ح 2692.

أنّه تنظيفٌ للميّت(1)، أو أنّه كرامة واحترام له(2)، أو أنّه تطهيرٌ له عن الجنابة الحاصلة(3). إذ أيّاً منها ما كان لا يليق بغير المؤمن.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم الوجوب.

***3.

ص: 284


1- وسائل الشيعة: ج 2/478 ح 2693.
2- وسائل الشيعة: ج 2/478 ح 2692.
3- وسائل الشيعة: ج 2/478 ح 2693.
تنبيهات غُسل الميّت
اشارة

أقول: ثمّ إنّه ينبغي التنبيه على اُمور:

التنبيه الأوّل: لو غَسّله المؤمن:

1 - فهل يجب أن يكون بطريق مذهب الاثنى عشري، كما عن «المستند»(1)، وفي «الجواهر»(2): نفي البُعد عن القول به، وفي «الحدائق»(3): البناء عليه على القول بوجوب تغسيله أو مشروعيّته.

أم يجب أن يكون كتغسيلهم كما عن المشهور، بل عن «جامع المقاصد»(4): أنّ ظاهرهم أنّه لا يجوز تغسيله غُسل أهل الولاية، ولا نعرف لأحدٍ تصريحاً بخلافه ؟

وجهان؛ مبنيّان على أنّ مدرك وجوب تغسيلهم:

1 - عموم رواية أبي خالد.

2 - أو إطلاق موثّق سماعة.

3 - أو ما دلَّ على وجوب الصَّلاة عليهم، فيجب تغسيله غُسلنا.

4 - وقاعدة الإلزام(5)، لكن شمولها للأموات محلّ تأمّل.

مع أنّ وجوب التغسيل خطابٌ للمغسّل لا للميّت، فلا دلالة فيها على تغسيله غُسلهم.

5 - أو يكون المدرك هو لزوم المداراة معهم، فالواجب تغسيله غُسلهم.

***

ص: 285


1- مستند الشيعة: ج 3/111.
2- جواهر الكلام: ج 4/85.
3- الحدائق الناضرة: ج 3/411.
4- جامع المقاصد: ج 1/368.
5- (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)، استفاد العلماء من هذه الرواية قاعدة عامّة في الزام المخالفين في الأحكام التي اتّبعوا فيها أئمّة الضلال وليست من الحقّ على شيء، ورتّبوا على ذلك أحكام كثيرة معروفة في الفقه. راجع وسائل الشيعة: ج 26/319 ح 33078.

التنبيه الثاني: الولد المميّز الذي يمكن له أن يتّبع الإسلام عن بصيرة لا يكون تابعاً لغيره، بل إنْ أسلم يُحكم بإسلامه ويُقبل ذلك منه، وإلّا فيُحكم بكفره:

1 - لإطلاق ما يكون شارحاً للإسلام، الشامل للصبي والبالغ.

2 - ولما حقّقناه في محلّه من شرعيّة عبادات الصبي المتوقّفة صحّتها على الإسلام.

3 - وحديث (رفع القلم)(1) لو سُلّم أنّ المراد منه قلم التكليف لا المؤاخذة، مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً، غاية ما يدلّ عليه رفع التكليف عن الصبي، وأمّا إذا كان فعل الصبي موضوعاً للحكم المتوجّه إلى البالغين، كإسلامه وكفره الموضوعين لوجوب التغسيل، وعدم مشروعيّته على البالغين، فلا يدلّ الحديث على رفعه، فهو لا يدلّ على عدم قبول إسلامه.

4 - وأمّا روايات (عَمْدُ الصّبيّ خَطاء)(2)، فبعضها وإنْ كان مطلقاً غير مُذيّلٍ بقوله: (تَحْمِله العاقلة) وعليه فلا وجه لحمله على ما يكون مقيّداً به، كما لا يخفى، إلّا أنّه أيضاً مختصٌّ بباب الضمانات، إذ تنزيل شيءٍ منزلة آخر يتوقّف على ثبوت المنزل والمنزل عليه، فمورد هذه الروايات ما يتصوّر فيه القسمان: أي العمد والخطاء، كالإتلاف ونحوه، وأمّا ما لا يتصوّر فيه غير قسمٍ واحد، ولا يتصوّر فيه الخطاء كباب العقود والإيقاعات المتوقّف تحقّقها على القصد والإنشاء، فلا يكون مشمولاً لهذه النصوص، والإسلام من هذا القبيل، لتوقّف تحقّقه على القصد، فهي أيضاً لا تدلّ على عدم قبول إسلام الصبي.

أقول: ومن ذلك كلّه ظهرأنّه لو لم يُسْلِم، حُكم بكفره، وعدم مشروعيّة تغسيله.

وأمّا الولد غير المميّز: فلا خلاف ولا كلام في تبعيّته لأبيه إذا كان مُسلماً،9.

ص: 286


1- المستدرك: ج 18/13 ح 21860.
2- التهذيب: ج 10/233 ح 53، وسائل الشيعة: ج 29/400 ح 35859.

ويشهد له ما ورد في تغسيل الصبي والصبيّة حتّى السقط الآتي.

وأمّا إذا كان أبوه كافراً، فاستدلّ لتبعيّته له:

1 - بتنقيح المناط عند أهل الشرع، حيث إنّهم يبعدون من عدم وجوب تغسيل أبويه إلى المتولّد منهما، وهو شيءٌ مركوزٌ في أذهانهم وإنْ لم يعلم وجهه تفصيلاً.

2 - وبالخبر المرويّ عن حفص، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في ما إذا أسلم رجلٌ من أهل الحرب، إسلامه إسلامٌ لنفسه وولده الصغار، وهم أحرارٌ، وولده ومتاعه ورقيقه له، فأمّا الولد الكبار فهم فيءٌ للمسلمين، إلّاأن يكونوا أسلموا قبل ذلك»(1).

3 - وبصحيح ابن سنان، عنه عليه السلام: «عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث ؟ قال عليه السلام: كفّار، واللّه أعلم بما كانوا عاملين، يدخلون مداخل آبائهم»(2).

ونحوه غيره(3).

4 - وبالسيرة القطعيّة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه مع عدم معرفة المناط، كيف يُدّعى ثبوته للولد؟ بل يمكن أن يفرّق بين الأبوين وبين الولد بكونهما مقصّرين بخلاف الولد.

وأمّا الثاني: فهو إنّما يدلّ على أنّ إسلامه إسلامٌ لولده، وأمّا كون كفره كفراً لهم فهو يتوقّف على ثبوت المفهوم للوصف، ولا نقول به.

وأمّا الثالث: فلأنّ ظاهر تلك النصوص أنّ حكمهم في الآخرة حكم آبائهم،).

ص: 287


1- التهذيب: ج 6/151 ح 1، وسائل الشيعة: ج 15/116 ح 20105.
2- الفقيه: ج 3/491 ح 4740.
3- الفقيه: ج 3/491 (باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفّار).

وهذا حكمٌ مخالفٌ لمذهب العدليّة غير مرتبط بقضيّة الغُسل.

وأمّا الخامس: فلأنّ السيرة ثابتة في هذه الأزمنة لأجل فتاوى العلماء، ولا دلالة فيها على ثبوتها في عصر الحضور.

وبالجملة: فالصحيح أن يستدلّ له بأنّ الجمع بين الأدلّة يقتضي كون الموضوع هو المسلم، وولد الكافر وإنْ لم يكن كافراً، إلّاأنّه لا ريب في عدم كونه مسلماً، فلا يشمله ما دلَّ على مشروعيّة التغسيل.

***

ص: 288

التنبيه الثالث: من شُكّ في إسلامه وكفره، لا يجب تغسيله، لأنّ مقتضى استصحاب عدم الإسلام الثابت له سابقاً - لكون الإسلام أمراً وجوديّاً مسبوقاً بالعدم - يقتضي كونه كافراً.

ودعوى: أنّ ذلك العدم ليس كفراً، لكونه من قبيل عدم المَلَكة، وعدم إسلام مَنْ شأنه أن يكون مسلماً ليس له حالة سابقة حال الصغر.

مندفعة: بأنّ هذا لا يوحب تعدّد المشكوك فيه والمتيقّن، بل هما شيءٌ واحد، غاية الأمر حال كونه متيقّناً لم يكن ينطبق عليه الكفر، وفي حال كونه مشكوكاً فيه ينطبق عليه ذلك، وهذا لا يوجب تعدّد الموضوع، كي لا يكون إبقائه استصحاباً، ولو تنزّلنا عن ذلك، وسَلّمنا عدم جريانه، فالمرجع إلى أصالة البراءة عن الوجوب.

وقد استدلّ لأصالة الإسلام:

1 - بحديث الفطرة(1).

2 - وبالمرسل عن النبيّ صلى الله عليه و آله: «الإسلام يَعلُو ولا يُعلى عليه»(2)، بدعوى أنّ المراد منه أنّه في كلّ موردٍ احتمل الإسلام والكفر يُقدَّم الإسلام.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الحديث: فلضعف سنده، وإعراض الأصحاب عنه كما في كتاب اللُّقطة من «الجواهر»(3).

وأمّا المرسل: فلإرساله وعدم كونه ظاهراً فيما ذُكر.2.

ص: 289


1- الفقيه: ج 2/49 ح 1668، وسائل الشيعة: ج 15/125 ح 20130.
2- الفقيه: ج 4/334 ح 5719، وسائل الشيعة: ج 26/14 ح 32383.
3- جواهر الكلام: ج 38/182.

وبالجملة: فالأقوى عدم ترتيب آثار المُسلم على من لم يُعلم إسلامه، إلّاإذا قامت أمارة على الإسلام، كأرض المسلمين، وسُوقهم الذين عرفت سابقاً كونهما أمارتين لكون من فيهما مسلماً.

***

ص: 290

إذا تمَّ للسقط أربعة أشهر

التنبيه الرابع: لا إشكال ولا كلام في الجملة في أنّ المُسلم يجب تغسيله، ولو كان صغيراً، كما أنّه لا كلام في عدم وجوب تغسيل السِّقط إذا كان أقلّ من أربعة أشهر.

وعن غير واحدٍ من الأساطين، منهم المصنّف رحمه الله(1)، والمحقّق(2): دعوى الإجماع عليه. وتشهد له النصوص الآتية.

أقول: إنّما الكلام فيما إذا تمّ للسّقط أربعة أشهر؛ فالمشهور بين الأصحاب وجوبه(3).

وفي «المعتبر»(4): وهو مذهب علمائنا.

ويشهد له: خبر زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام: «السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسِّل»(5).

ونحوه مرفوع أحمد بن محمّد الآتي.

وضعف سندهما مجبورٌ بقبول الأصحاب لهما، كما في «المعتبر»(6).

ودعوى:(7) أنّه يعارضهما موثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«سألته عن السِّقط إذا استوتْ خلقته، يجبُ عليه الغُسل واللّحد والكفن ؟

قال عليه السلام: نعم، كلّ ذا يجبُ عليه إذا استوى»(8).

ص: 291


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/370.
2- المعتبر: ج 1/320.
3- راجع المراسم العلويّة: ص 46، المهذّب: ج 1/56، غنية النزوع: ص 102.
4- المعتبر: ج 1/320.
5- الكافي: ج 3/206 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/502 ح 2757.
6- المعتبر: ج 1/320.
7- مستمسك العروة: ج 4/71.
8- التهذيب: ج 1/329 ح 130، وسائل الشيعة: ج 2/501 ح 2754.

بضميمة ما دلَّ على عدم تحقّق الاستواء في الأربعة، كمرفوع أحمد بن محمّد:

«إذا تمّ له ستّة أشهر، فهو تامّ »(1).

وذلك أنّ الحسين بن عليّ وُلد وهو ابن ستّة أشهر، وجملةٍ (2) من النصوص الدالّة على أنّ النطفة تكون في الرَّحم أربعين يوماً، ثمّ تصير عَلَقة أربعين يوماً، ثمّ تصير مُضغةً أربعين يوماً، فإذا كُمَل أربعة أشهر بَعَث اللّه تعالى مَلَكين خلّاقين فيقولان: يا ربّ ما تخلقُ ذَكراً أو اُنثى فيؤمران».

فإنّ الاستيذان في ذلك يقتضي عدم تماميّة الخلقة بالأربعة، وعلى ذلك فيقع التعارض بين مفهوم الموثّق والخبرين.

مندفعة: لا بما قيل من إنّ هذا الخبر مرويٌّ عن «الكافي» عن سُماعة، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، لكن اقتصر في الجواب على قوله عليه السلام: «كلُّ ذا يجب عليه»، فلا مفهوم له كي يعارضهما.

لأنّه يرد عليه: أنّ الظاهر من جهة اختلاف المتن والمرويّ عنه، تعدّد ما رواه سماعة في المقام.

بل بأنّ الجمع العرفي بين الموثّق والخبرين، يقتضي الالتزام بأنّ المراد من الإستواء تماميّة صورته، والمراد من صيرورته تامّاً في الستّة صيرورته وَلَداً كاملاً حيّاً صالحاً للعيش والحياة.

أقول: نعم، يبقى في المقام إشكالٌ آخر؛ وهو:

أنّه إذا تحقّق الإستواء قبل أربعة أشهر، فإنّ مقتضى موثّق سماعة وجوب تغسيله، ومقتضى مفهوم الخبرين عدم الوجوب، فيقع التعارض بينهما.8.

ص: 292


1- التهذيب: ج 1/328 ح 128، وسائل الشيعة: ج 2/502 ح 2755.
2- الكافي: ج 6/13 ح 3، وسائل الشيعة: ج 7/140 ح 8948.

والجواب عنه: أنّ الجمع بين الخبرين وبين الموثّق، يقتضي الالتزام بوجوب التغسيل عند تحقّق كلّ واحدٍ منهما، وإنْ لم يتحقّق الآخر، وذلك لأنّ التعارض إنّما يقع بين مفهوم كلّ من الدليلين ومنطوق الآخر، ولذا لو لم يكن للآخر مفهوم، لكان هذا التعارض ثابتاً، كما لا يخفى.

وعليه فبما أنّ نسبة كلّ من المنطوقين إلى مفهوم الآخر، نسبة الخاص إلى العام، فيخصّص كلٍّ من المفهومين بمنطوق الآخر، وحيثُ أنّ المفهوم ليس هو بنفسه مدلولاً للكلام مستقلّاً، بل من لوازم المنطوق، فلا مناص عن رفع اليد عن منطوق كلٍّ منهما بمقدار ما يرتفع به التعارض، فترفع اليد عن إطلاق كلٍّ منهما المقابل للعطف ب (أو)، فتكون النتيجة وجوب التغسيل عند تحقّق كلّ واحدٍ من الشرطين.

وتمام الكلام في ذلك موكولٌ إلى محلّه في الاُصول.(1)

فإنْ قلت: إنّ الخبر الذي رواه محمّد بن الفضيل، قال:

«كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن السِّقط كيف يُصنع به ؟ فكتب إليَّ : السقط يُدفن بدمه في موضعه»(2). ينافي الخبرين.

قلت: إنّهما لأخصيّتهما عنه يُقيّدانه، فيُحمل على ما دون الأربعة.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب تغسيل السِّقط إذا تمَّ له أربعة أشهر أو استوت خلقته.

ثمّ إنّه لا كلام في أنّ السّقط الذي لا يجب تغسيله يُدفن، وتشهد له المكاتبة المتقدّمة، لكن السؤال عن أنته هل يجب لفّه في خرقةٍ أم لا؟

وجهان: من عدم المستند، وظهور خبر محمّد المتقدّم، ومن الإجماع الذي ادّعاه غَير واحدٍ على وجوبه. ولعلّ الثاني أقوى .8.

ص: 293


1- زبدة الاصول: ج 6/296.
2- الكافي: ج 3/208 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/502 ح 2758.
المقام الثاني: في الغاسل
اعتبار المماثلة بين الغاسل والميّت
اشارة

المقام الثاني: في الغاسل.

صرَّح غير واحدٍ بأنّه تجب المماثلة بين الغاسل والميّت، إلّافي مواضع.

أقول: الكلام يقع في موردين:

الأوّل: في المستثنى منه، الثاني: في المستثنى.

أمّا الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب(1) اعتبار المماثلة مطلقاً، ولا تختصّ بحال الاختيار، فلو لم يوجد المماثل سَقَط الغُسل.

وفي «المعتبر»(2): دعوى إجماع أهل العلم عليه.

وعن الشيخين في «المقنعة»(3) و «التهذيب»(4)، والحلبي في «الكافي»(5)، وابن زُهرة في «الغنية»(6): وجوب تغسيل الرّجل المرأة إذا لم توجد امرأة من وراء الثياب.

إلّا أنّ الشيخ في محكيّ «التهذيب»(7)، قال: يشترط عدم المماسّة.

والأخيرين(8) اعتبرا تغميض العينين.

ونَسب الشهيد إلى العلّامة(9) وجوب تيمّمه. وقال صاحب «الجواهر»(10):

لم نجده.

ص: 294


1- راجع شرح اللُّمعة: ج 1/406، كفاية الأحكام: ج 1/34، الحدائق الناضرة: ج 3/452.
2- المعتبر: ج 1/323.
3- المقنعة: ص 87.
4- التهذيب: ج 1/438.
5- الكافي: ص 236.
6- غنية النزوع: ص 102.
7- التهذيب: ج 1/441.
8- الكافي: ص 236، غنية النزوع: ص 102.
9- الذكرى: ج 1/312.
10- جواهر الكلام: ج 4/69.

وعن «المبسوط»(1) و «النهاية»(2): استحباب غُسل مواضع التيمّم.

هذه هي الأقوال والفتاوى المحكية في المقام.

وأمّا النصوص: فهي على طوائف:

الطائفة الاُولى: ما دلَّ على ما أفتى به المشهور:

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أنّه سأله عن المرأة تموت في السفر، وليس معها ذو محرمٍ ولا نساء؟ قال عليه السلام:

تُدفن كما هي بثيابها.

وعن الرَّجل يموتُ وليسَ معه إلّاالنساء، ليس معهن رجال ؟ قال عليه السلام: يُدفن كما هو بثيابه»(3).

ومنها: صحيح ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام: «عن الرّجل يموتُ في السَّفر مع النساء، ليس معهنّ رجلٌ ، كيف يصنعن به ؟ قال عليه السلام: يلففنه لفّاً في ثيابه ويدفنه ولا يُغسّلنه»(4).

ومنها: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن امرأةٍ ماتتْ مع رجال ؟ قال عليه السلام: تُلفُّ وتُدفن ولا تُغسّل»(5).

ونحوها غيرها(6).

الطائفة الثانية: ما تضمّن الأمر بالتغسيل عند الضرورة من وراء الثياب:).

ص: 295


1- المبسوط: ج 1/175.
2- نهاية الأحكام: ج 2/232.
3- الفقيه: ج 1/154 ح 428، وسائل الشيعة: ج 2/520 ح 2801.
4- الفقيه: ج 1/154 ح 427، وسائل الشيعة: ج 2/521 ح 2802.
5- التهذيب: ج 1/441 ح 70، وسائل الشيعة: ج 2/521 ح 2803.
6- وسائل الشيعة: ج 2/521 (باب سقوط تغسيل المرأة مع عدم وجود امرأة ولا رجل ذي محرم).

منها: رواية جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام: «في رجل ماتَ ومعه نسوة، ليس معهنّ رجل ؟ قال عليه السلام: يُصببن عليه الماء من خلف الثوب، ويلففنه في أكفانه من تحت الصدر، ويُدْخِلنه قبره.

والمرأة تموت مع الرِّجال، ليس معهم امرأة ؟ قال عليه السلام: يصبّون الماء من خلف الثوب، ويلفونها في أكفانها، ويصلّون ويدفنون»(1).

ومنها: خبر أبي حمزة: «لا يُغسِّلُ الرّجلُ المرأة إلّاأن لا توجد امرأة»(2).

ومنها: خبر عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«المرأة إذا ماتتْ مع الرِّجال، فلم يجدوا امرأةً تغسلها، غَسّلها بعض الرِّجال من وراء الثوب، ويستحبّ أن يُلفّ على يديه خرقة»(3).

ونحوها غيرها.

الطائفة الثالثة: ما دلَّ على وجوب تيمّم الميّت:

منها: خبر زيد بن علي، عن آبائه، عن الإمام عليّ عليه السلام:

«أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله نفرٌ فقالوا: إنّ امرأة توفّيت معنا وليس معها ذو محرم، فقال صلى الله عليه و آله: كيف صنعتم ؟ قالوا: صببنا الماءَ عليها صبّاً، فقال صلى الله عليه و آله: أما وجدتم امرأةً من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا: لا، قال صلى الله عليه و آله: أفلا يمّمتموها؟!»(4).

الطائفة الرابعة: ما دلَّ على وجوب غُسل مواضع التيمّم:

منها: حَسَن المفضّل بن عُمر، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال، ليس9.

ص: 296


1- التهذيب: ج 1/442 ح 72، وسائل الشيعة: ج 2/524 ح 2810.
2- التهذيب: ج 1/440 ح 66، وسائل الشيعة: ج 2/519 ح 2799.
3- التهذيب: ج 1/444 ح 79، وسائل الشيعة: ج 2/525 ح 2814.
4- التهذيب: ج 1/443 ح 78، وسائل الشيعة: ج 2/516 ح 2789.

فيهم لها ذو مُحْرمٍ ولا معهم امرأة، فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال عليه السلام: يُغسّل ما أوجب اللّه سبحانه عليه التيمّم»(1).

الطائفة الخامسة: ما دلَّ على أنّه يُغسّل مواضع الوضوء:

منها: خبر أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام: عن امرأةٍ ماتتْ في سفرٍ وليسَ معها نساء، ولا ذومحرم ؟ فقال عليه السلام: يُغسّل منه موضع الوضوء، ويصلّى عليها وتُدفَن»(2).

الطائفة السادسة: ما دلَّ على وجوب تغسيل الكفّين:

منها: صحيح ابن فرقد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «سُئل عن المرأة تموت، وليس معها محرم ؟ قال عليه السلام: يغسّلون كفّيها»(3).

أقول: هذه هي الأخبار الواردة في الباب، فإنْ كان حمل الطوائف الأخيرة على الاستحباب، وما فيها من الاختلاف على التخيير، جمعاً عرفيّاً فهو، وإلّا فيتعيّن طرحها بأجمعها عدا الطائفة الاُولى ، لما في أكثرها من ضعف السند، وإعراض الأصحاب عنها، ومعارضتها مع الطائفة الاُولى المعمول بها بين الأصحاب.

فإنْ قلت: إنّها أخصّ من الطائفة الاُولى فتخصّص بها.

قلت: إنّ تلك النصوص صريحة في حال الضرورة، وعدم وجود المَحْرم، فكيف يمكن حملها على غير تلك الحالة.

أقول: ولعلّ الأظهر هو الأوّل، إذ لا وجه لتوهّم عدم كون الجمع عرفيّاً، سوى اشتمال تلك الطائفة على النهي عن التغسيل، وهو ينافي الاستحباب، وهو فاسدٌ، إذ النهي لوروده مورد توهم الوجوب، لا يدلّ على أزيد من جواز الترك.7.

ص: 297


1- الكافي: ج 3/159 ح 13، وسائل الشيعة: ج 2/522 ح 2806.
2- التهذيب: ج 1/443 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2/525 ح 2811.
3- الكافي: ج 3/157 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/523 ح 2807.

لا يقال: إنّ عدا الطائفة الثالثة من الطوائف الأخيرة، لا يمكن الجمع بينها بالالتزام بالتخيير، فإنّه يكون تخييراً بين الأقلّ والأكثر وهو ممتنعٌ .

فإنّه يقال: إنّه لا مانع من التخيير بين الأقلّ والأكثر كما حُقّق في محلّه، لا سيّما في المستحبّات، فإنّه يلتزم فيها باختلاف مراتب الفضيلة.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم وجوب التغسيل، إلّاأنّ الأولى ذلك عند الضرورة من وراء الثوب ما لم يستلزم نظراً أو لمساً محرّماً.

***

ص: 298

إذا انحصر المماثل في الكتابي

أقول: هنا فرعان يقتضي المقام التعرّض لهما:

الفرع الأوّل: المشهور بين الأصحاب أنّه يجوز ان يُغسِّل الكتابي المُسلم، إذا لم يحضره مسلمٌ ولا مسلمة ذات رَحِم، وكذا يجوز أنْ تغسل الكتابية المسلمة إذا فقدت مسلمة أو مسلم ذو رحم.

وعن الشهيد في «الذكرى»(1): لا أعلم لهذا مخالفاً من الأصحاب، سوى المحقّق في «المعتبر».

وعن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2): نسبته إلى علمائنا.

وعن المحقّق في «المعتبر»(3)، وظاهر الشهيدين(4)، والمحقّق الثاني(5)، والمقدّس الأردبيلي(6)، وسيّد «المدارك»(7)، والوحيد، وصاحب «الحدائق»(8): أنّه يدفن بغير غُسلٍ .

ويشهد للأوّل: موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«فإنْ ماتَ رجلٌ مسلم وليس معه رجلٌ مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته، ومعه رجالٌ نصارى ، ونساء مسلمات، ليس بينه وبينهن قرابة ؟

قال عليه السلام: يغتسل النصارى ثمّ يغسلونه فقد اضطرّ.

ص: 299


1- الذكرى: ج 1/310.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/361.
3- المعتبر: ج 1/30.
4- الذكرى: ج 1/308، شرح اللُّمعة: ج 1/410.
5- جامع المقاصد: ج 1/367.
6- مجمع الفائدة: ج 1/181.
7- مدارك الأحكام: ج 2/77.
8- الحدائق الناضرة: ج 3/402.

وعن المرأة المسلمة تموتُ وليسَ معها امرأة مسلمة، ولا رجلٌ مسلم من ذوي قرابتها، ومعها نصرانيّة، ورجالٌ مسلمون، وليس بينها وبينهم قرابة ؟ قال عليه السلام:

تغتسل النصرانيّة ثمّ تغسلها»(1).

ونحوه خبر زيد بن علي المتقدّم(2).

أقول: وأورد على الاستدلال بهما بإيرادات:

1 - ما في «المدارك»(3): من أنّهما ضعيفا السند جدّاً.

وفي «المعتبر»(4): ذكر وجه الضعف بأنّ سند الحديث الأوّل كلّهم فطحيّون، والحديث الثاني رجاله زيديّة، وحديثهم مطروحٌ بين الأصحاب.

2 - ما في «المعتبر»(5) من أنّ غُسل الميّت يفتقر إلى النيّة، والكافر لا تصحّ منه نيّة القربة.

3 - ما في «الحدائق»(4) وهو أنّ هذين الخبرين يعارضان ما دلَّ على نجاسة أهل الكتاب، وتلك النصوص تُقدّم كما حُقّق في مبحث نجاسة أهل الكتاب.(5)

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الحديث الثاني وإنْ كان ضعيفاً، لأنّ في طريقه الحسين بن عُلوان، إلّاأنّ الأوّل موثّق والمختار حجيّة الموثّق كالصحيح.

مع أنّه لو سُلّم كونهما ضعيفين، فلا ريب في حجيّتهما لعمل الأصحاب بهما،7.

ص: 300


1- الفقيه: ج 1/156 ح 437، وسائل الشيعة: ج 2/515 ح 2788.
2- التهذيب: ج 1/443 ح 78، وسائل الشيعة: ج 2/516 ح 2789.
3- مدارك الأحكام: ج 2/64. (4و5) المعتبر: ج 1/326.
4- الحدائق الناضرة: ج 3/401.
5- فقه الصادق: ج 5/107.

والعجب من المحقّق في «المعتبر»(1) حيث رمى الخبرين في المقام بضعف سندهما، مع أنّ بناءه على قبول الضعيف المنجبر بعمل الأصحاب.

ولا يضرّ الانجبار بالشهرة مخالفة ابن أبي عقيل(2) والجُعفيّ (3) وابن البرّاج(4)، وابني زُهرة(5) وإدريس(6)، والشيخ في «الخلاف»(7)، مضافاً إلى عدم ظهور عدم الذكر في المخالفة.

وأمّا الثاني: فلأنّه لو سُلّم اعتبار نيّة القربة في تغسيل الميّت، كما أنّه ليس بعيداً، لأنّ عباديّته من مرتكزات المتشرّعة، ولما عن غير واحدٍ من دعوى الإجماع(6) عليه.

أنّه لايتنافى مع الخبرين، إذ يمكن الالتزام بكونهما دالّين على عدم اعتبارها في الفرض، فيقيّد بهما إطلاق ما دلَّ على اعتبارها، مع أنّه يمكن تحقّق قصد القربة منه.

وعليه، فلا وجه لبطلان غُسله، سوى ما دلَّ على بطلان عباداته، فتقيّد تلك الأدلّة بهذين الخبرين.

مضافاً إلى أنّه يمكن القول بأنّ المتولّي للنيّة هي المسلمة التي تأمر الكافر بالغُسل دون الكافر المتولّي للغُسل.

وبالجملة: إنّ هذا الإيراد اجتهادٌ في مقابل النصّ ، كما في «الجواهر»(7).9.

ص: 301


1- المعتبر: ج 1/326.
2- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/310، وحكاه أيضاً صاحب الحدائق: ج 3/402.
3- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/310، أيضاً حكاه في الجواهر: ج 4/60.
4- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/310، وحكاه السيّد الحكيم في المستمسك: ج 4/92.
5- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/310، (المصادر الثلاثة السابقة). (6و7) نسبه إليه في الذكرى: ج 1/310.
6- الخلاف: ج 1/702.
7- جواهر الكلام: ج 4/59.

وأمّا الثالث: فلأنّهما لا يعارضان ما دلَّ على نجاسة أهل الكتاب، لإمكان أن يكون الوجه في صحّة الغُسل العفو عن هذه النجاسة، أو عدم تنجّس الماء المستعمل في الغُسل ولا بدن الميّت من مباشرته.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوب التغسيل، والخبران وإنْ اختصّا بالنَّصارى، إلّا أنّهما يتعدّيان إلى غيرهم من أهل الكتاب، لعدم الخصوصيّة. وأمّا في غير أهل الكتاب من الكفّار، فلا دليل على ثبوت هذا الحكم.

ودعوى:(1) أنّ الكفر ملّةٌ واحدة، فلا فرق بين أنحائه.

مندفعة: بأنّه لا يمكن دعوى عدم الفرق، بعد كون الكتابي أقرب إلى الحقّ من غيره قطعاً، واحتمال دخل ذلك في هذا الحكم.

أقول: ثمّ إنّه يعتبر أن يقوم الكتابي بالغُسل قبل أن يتولّى غُسل الميّت إجماعاً، كما عن «تذكرة» المصنّف رحمه الله(2)، ويشهد له الموثّق المتقدّم.

كذلك فإنّ صريح محكيّ «الوسيلة»(3) وظاهر معقد إجماع «التذكرة»(4):

اعتبار حضور الأجانب من المسلمين والمسلّمات.

لكن الأظهر عدم اعتباره، كما يشهد له إطلاق الخبرين المتقدّمين.

والإجماع المحكيّ ليس بحجّة، لا سيّما ومن المحتمل كون هذا الشرط مذكوراً في معقد الإجماع، جارياً مجرى العادة، فلو فرض أنّ الكتابي علم ذلك من المسلمين سابقاً ففعله يجتزي به.

أقول: وفي إعادة الغُسل لو وجد المماثل قبل الدفن وجهان، بل قولان: اختار1.

ص: 302


1- نقل الدعوى في مصباح الفقيه: ج 1/360 ق 2 (ط ق).
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/361 (ط ج).
3- الوسيلة: ص 64.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/361.

الأوّل في محكيّ «التذكرة»(1) و «الذكرى»(2) و «جامع المقاصد»(3) و «الروض»(4)و «الذخيرة»(5) وغيرها(6).

وفي «الجواهر»(7): (بل لم أجد فيه خلافاً بين مَن تعرّض له، نعم استشكل فيه في «القواعد» كما في «التحرير»). انتهى.

وهو الأقوى ، لا لأنّ الغُسل صوري، لأنّه يرد عليه أنّ ظاهر النصّ كون ما يأتي به الكافر هو ما يأتي به غيره عند الاختيار، لا ماهيّة اُخرى مشابهة للغُسل صورةً .

وبه يظهر ضعف الاستدلال له، بأنّ مجرّد وجوب الشيء عند الاضطرار لا يكفي لبدليّته، إلّاإذا فُهم من دليله كما في التيمّم ونحوه، كما في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(8)، ولا لما قيل من إنّه إنّما يكون نظير المتيمّم الواجد للماء، فكما يجب عليه الوضوء، كذلك يجب التغسيل في المقام.

فإنّه يرد عليه: أنّه فرقٌ بين المقامين، فإنّ أثر التيمّم هي الطهارة لفاقد الماء ما دام يصدق ذلك، وأمّا تغسيل الكافر فأثره رفع الحَدَث مطلقاً، بل لأنّ تجدّد القدرة يكشف عن عدم الضرورة واقعاً.5.

ص: 303


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/364.
2- الذكرى: ج 1/308.
3- جامع المقاصد: ج 1/361.
4- روض الجنان (ط. ق): ص 98.
5- ذخيرة المعاد: ج 1/83 ق 1، قوله: (وهل تجب إعادة الغُسل لو وجد من يجوز له تغسيله من المسلمين ؟ فيه قولان أقربهمما نعم؛ لأنّ المأمور به لم يوجد للتعذّر... الخ).
6- مستمسك العروة: ج 4/94.
7- جواهر الكلام: ج 4/62.
8- كتاب الطهارة: ج 2/575.

وأيضاً: ولو مسّه أحدٌ بعد الغُسل المذكور، فهل يجب عليه الغُسل، كما في «الجواهر»(1) أم لا يجب ؟ وجهان:

أقواهما الثاني، لما عرفت من أنّ ظاهر النصّ ، كون هذا الغُسل بعينه هي الماهيّة المعهودة التي أمر بها المماثل والمحرم عند الضرورة، فمع تحقّقها يصحّ غُسله، ويترتّب عليه كلّ ما هو أثر للغُسل الصحيح. فتدبّر.

***3.

ص: 304


1- جواهر الكلام: ج 4/63.
تغسيل الخُنثى المشكل

الفرع الثاني: الخُنثى المشكل:

1 - إذا كان لثلاث فما دون يُغسّلها الرّجل والمرأة، لما ستعرف من صحّة غُسل غير المماثل لمن يكون عمره بهذا الحَدّ فما دون.

2 - وإنْ زاد عنها:

فإنْ كان له أمَة تغسله الأمَة، بناءً على جوازه لها كما سيجيء.

وإلّا فإمّا أن يكون له محرمٌ أم لا.

أمّا على الأوّل: فقد صرّح جماعة منهم المصنّف(1) والشهيد(2) والمحقّق الثاني(3)وغيرهم(4) بأنّه يغسله محارمه.

واستدلّ له:

بأنّه إنْ بنينا على جواز تغسيل المحرم مطلقاً ولو مع وجود المماثل، فالحكم في المقام واضح.

وإنْ بنينا على اشتراط تغسيل المحرم بفقد المماثل، فالجواز في المقام إنّما يكون لعدم الوقوف على المماثل، فهو موضع ضرورة.

ودعوى:(5) عدم شمول ما دلَّ على جواز تغسيل غير المماثل عند الضرورة للمقام، لظهوره في معلوم الرجوليّة أو الاُنوثيّة.

مندفعة: بأنّ مورد السؤال في النصوص وإنْ كان كذلك، إلّاأنّ جوابه عليه السلام عام

ص: 305


1- إرشاد الأذهان: ج 1/229.
2- البيان: ص 23.
3- جامع المقاصد: ج 1/361.
4- راجع روض الجنان (ط. ق): ص 97، مجمع الفائدة: ج 1/176، ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/82 ق 1.
5- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/364 ق 2.

يشمل المقام، وليس فيه ما يوجب التقييد بصورة العلم، بل لو سُلّم اختصاص النصوص بها، فلا ريب في أنّ هذه الخصوصيّة - أي كون الميّت معلوم الرجوليّة أو الاُنوثيّة - ليست دخيلة في الحكم بنظر العرف.

وفيه: أنّه بناءً على عدم الاشتراط بفقد المماثل، لا كلام، وأمّا بناءً على الاشتراط، فللمنع في المقام من تحقّق الضرورة المبيحة مجال واسع، إذ المماثل موجود، ويمكن حصول الغُسل منه بتغسيل كلٍّ من الرّجل والمرأة إيّاه.

والإيراد عليه: بأنّ العبرة إنّما هي بالاضطرار إلى حصول الغُسل من غير المماثل، لا عدم إمكان حصوله من المماثل، وهو متحقّقٌ في المقام.

غير سديد: إذ الظاهر من الأدلّة هو أنّ العبرة بالاضطرار إلى عدم إمكان حصوله من المماثل، وعدم وجوده. لاحظ قوله عليه السلام: «لا يغسل رجلٌ امرأة إلّاأن لا توجد امرأه»(1).

فتحصّل: أنّ ما اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله(2) من أنّ حال فرض وجود المحرم حال فرض عدمه، هو الأقوى .

وعلى الثاني: أي إنْ لم يكن لها محرم:

1 - فهل تُدفن من غير غُسلٍ؟

2 - أم يجب تغسيل كلٍّ من الرّجل والمرأة إيّاها؟

3 - أم لا يجب إلّاغُسلٌ واحد كفايةً على الجميع ؟

4 - أم يرجع إلى القرعة ؟

5 - أم يتيمّم ؟3.

ص: 306


1- التهذيب: ج 1/440 ح 66، وسائل الشيعة: ج 2/519 ح 2799.
2- جواهر الكلام: ج 4/63.

6 - أم يشتري لها أمَةً من تركتها أو من بيت المال فتغسلها؟

وجوهٌ وأقوال:

استدلّ للأوّل: أي عدم وجوب تغسيلها، بأنّه بعدما قيّد ما دلَّ على وجوب التغسيل على كلّ أحدٍ بالمماثل، وخرج عنه غير المماثل، يكون كلُّ من الرّجل والمرأة في المقام شاكّاً في وجوبه عليه، ولا يصحّ التمسّك بالعمومات، لكونه تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة، فيتعيّن على كلّ منهما الرجوع إلى الاُصول العمليّة، ومقتضى الأصل في المقام - وهو أصل البراءة - عدم الوجوب.

وعليه، فما ذكره صاحب «الجواهر» رحمه الله(1) من أنّ المقام من قبيل واجدي المني في الثوب المشترك هو الأظهر، وستعرف ما يرد على ذلك.

واستدلّ للثاني: بأنّ الخطاب بتغسيل المماثل موجّهٌ إلى كلّ واحد، ولا اختصاص له بالمماثل، لإطلاق ما دلَّ على وجوب التغسيل.

ودليل اعتبار المماثلة إنّما اقتضى تقييد الغُسل لا تقييد الخطاب، ولذا لو ماتت امرأةٌ يجب على الرِّجال أيضاً كالنساء السّعي في حصول غُسلها في الخارج.

وفيه: أنّه بعد تقييد ما دلَّ على وجوب التغسيل بما دلَّ على اعتبار المماثلة، لا محالة يتقيّد الوجوب لا الفعل خاصّة، إذ لا يُعقل أن يُكلّف الإنسان بعمل غيره الصادر عن إرادته واختياره، لخروجه عن تحت قدرته. ووجوب التسبيب إلى أن يفعل، لو ثبت من باب الأمر بالمعروف أو غيره، غير وجوب التغسيل، كما لا يخفى .

وعليه، فلا مناص من الالتزام بأنّ دليل اعتبار المماثلة يقيّد الخطاب.

فالصحيح أن يستدلّ له: بأنّ كلّاً من الرّجل والمرأة يعلم إجمالاً بوجوب التغسيل على تقدير المماثلة، وحرمة النظر على تقدير المخالفة. وعليه، فلاتجري أصالة9.

ص: 307


1- جواهر الكلام: ج 4/79.

البراءة عن وجوب التغسيل، فكلّ منهمايلزم عليه التغسيل، وبذلك يظهر أنّ الأقوى هو القول الثاني، وأنّه لابدّ وأن يكون التغسيل من وراء الثياب للعلم الإجمالي.

واستدلّ للثالث: بأنّ اعتبار المماثلة في الغُسل - على ما يستفاد من الأدلّة - ليس من جهة دخلها في ماهيّة الغُسل، بل إنّما يكون لأجل أنّ عمل غير المماثل غالباً مصداق لعنوان مرجوحٍ أو ملزومٍ له من النظر واللّمس ونحوهما، فلا يعقل أن يطلبه الشارع. وحيثُ أنّ مانعيّة الجهات العارضة المقبّحة للفعل، من وقوع الفعل امتثالاً للأمر بالطبيعة إنّما تكون فيما إذا اتّصفت فعلاً بالقبح، فحيثما جاز الفعل، ولم يكن متّصفاً بالمنع الفعلي المنجّز - كما لو غَسَل الأجنبي بزعم المماثلة فانكشف خطائه - صحّت العبادة، ففي المقام بما أنّه يجوز لكلٍّ من الرّجل والمرأة ذلك، ولا يكون الفعل متّصفاً بالقبح، فيصحّ من كلّ منهما الغُسل وإنْ لم يكن مماثلاً في الواقع.

وفيه: أنّ ظاهر أدلّة اعتبار المماثلة اعتبارها بنفسها، كما هو الشأن في كلّ عنوانٍ أُخذ في لسان الدليل، ولذا مع وجود المماثل، لا يصحّ غُسل غيره، وإنْ لم ينطبق عليه شيء من الجهات المقبّحة للفعل، مع أنّه قد عرفت(1) أنّه لا يجوز لكلّ منهما النظر إلى الخنثى ولمسها للعلم الإجمالي. فراجع.

واستدلّ للرابع: في محكيّ «الخلاف»(2): بالإجماع والأخبار.

وفيه: ما سيجيء في محلّه في كتاب الإرث من عدم ثبوت هذا الإجماع، ولا هذه الأخبار.

واستدلّ للخامس: بخبر زيد بن عليّ عليه السلام المتقدّم، الدالّ على لزوم التيمّم مع عدم المماثل، بدعوى فقده في المقام.2.

ص: 308


1- في الصفحة السابقة.
2- الخلاف: ج 4/358 مسألة 142.

وفيه: ما عرفت من وجوده، وإنّما المفقود العلم به بعينه.

واستدلّ للسادس: بما دلَّ على وجوب التغسيل غير الممكن في المقام إلّا بشراء الأمَة.

وفيه: ما عرفت من إمكانه بتكرير الغُسل من الرّجل والمرأة.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول الثاني.

وأخيراً: يُلحق بالخُنثى ما إذا كان ميّتٌ أو عضو ميّت مشتبهاً بين الذَّكَر والاُنثى ، فإنّ الكلام فيه هو الكلام في الخُنثى .

***

ص: 309

الموارد التي لا تعتبر فيها المماثلة
عدم اعتبار المماثلة في الصبيّ والصبيّة

المورد الثاني: هو البحث عن الموارد التي لا تعتبر فيها المماثلة:

أوّل الموارد: الطفل الذي لا يزيد سنّه عن ثلاث سنين، فيجوز لكلٍّ منهما تغسيل مخالفه إجماعاً، كما عن غير واحدٍ التصريح به(1).

وعن «المبسوط»(2): اختصاص الجواز بما إذا كان الصبي دون ثلاث سنين، فلو مات وله ثلاثُ سنين، فحكمه حكم الرّجل سَواء.

وعن «المقنعة»(3) و «المراسم»(4): جواز تغسيل الصبيّ مجرّداً إنْ كان ابنُ خمس سنين.

وعن الصدوق(5): جواز تغسيل الرَّجل بنتاً أقلّ من خمس سنين مجرّدة.

وفي «المعتبر»(6): التوقّف في تغسيل الرّجل الصبيّة الأجنبيّة مطلقاً.

وفي «المدارك»(7): استظهار قوّة القول بالخَمس.

وعن «النهاية»(8): اختصاص الحكم بصورة فقد المماثل.

وعن ابن حمزة(9): تقسيم الصبي ثلاثة أقسام:

ابنُ ثلاث سنين، وابن أكثر، ومراهق.

ص: 310


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/436.
2- المبسوط: ج 1/176.
3- المقنعة: ص 87.
4- المراسم العلويّة: ص 50.
5- المقنع: ص 62.
6- المعتبر: ج 1/324.
7- مدارك الأحكام: ج 2/68.
8- النهاية: ص 41.
9- الوسيلة: ص 63.

فالأوّل: تغسله الأجنبيّة مجرّداً.

والثاني: تغسله من فوق ثيابه.

والثالث: يُدفن من غير غُسل.

هذه هي أقوال المسألة.

أقول: لا ينبغي التوقّف في جواز تغسيل المرأة الأجنبيّة الصَّبي، والرّجل الأجنبي الصبيّة في الجملة، لإطلاقات وجوب التغسيل السَّليمة عن ما يُخصِّصها، لعدم شمول الأخبار المانعة لهما، لأنّ موضوعها المرأة والرّجل غير الشاملين لهما، ولا أقلّ من انصرافهما عنهما.

وحرمة النظر إلى عورتهما لو ثبتت، حتّى مع عدم كونهما مميّزين - مع أنّه محلّ منعٍ - لا تقتضي عدم جواز التغسيل، بل لزوم أن يُلقى على العورة خِرقةً حين الاغتسال، وأمّا غير العورة من سائر جسدهما، فالظاهر أنّه لا خلاف ولا كلام في عدم حرمة النظر، بل النصّ الصحيح(1) دلّ على الجواز.

وأمّا موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّه سُئل عن الصبي تغسله امراة ؟ فقال عليه السلام: إنّما تغسل الصبيان النساء.

وعن الصبيّة تموت فلا تُصاب امرأة تغسلها؟ قال عليه السلام: ويغسلها رجلٌ أولى النّاس بها»(2).

فدعوى:(3) ظهوره في عدم جواز أن يُغسِّل الرّجل الصبيّة، وإنْ كانت قريبةً ، لظهوره في إرادة ما يختصّ بالمحارم من الأولى، إلّاأنّه لإعراض الأصحاب عنه2.

ص: 311


1- وسائل الشيعة: ج 20/229 ح 25498.
2- التهذيب: ج 1/445 ح 83، وسائل الشيعة: ج 2/527 ح 2817.
3- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/363 ق 2.

يُطرح، أو يُحمل على إرادة الأولويّة لا على اعتبار المماثلة في الغُسل.

وخلاصة الكلام: فأصل الحكم في الجملة ممّا لا ينبغي التوقّف فيه.

أقول: إنّما الكلام في تحديد الجواز، فقد عرفت أنّ المشهور تحديده بثلاث سنين فيهما، ويشهد له بالنسبة إلى الصبيّ ما رواه الكليني رحمه الله، عن أبي النمير مولى الحارث ابن المُغيرة النضري، قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: حدِّثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟

فقال: إلى ثلاث سنين»(1).

ولا يرد عليه ما في «المدارك»(2) من أنّه ضعيفُ السند جدّاً، إذ ضعفه لو ثبت منجبرٌ بعمل المشهور.

وأمّا في الصبيّة: فالظاهر أنّه لا مستند لهم سوى دعوى (3) أولويّتها بالمنع من الصبي، بنظر العرف، فيفهم هذا الحَدّ لها من الخبر المتقدّم آنفاً.

ثمّ إنّ ظاهر الخبر - كصريح المشهور - جواز تغسيل ابن ثلاث سنين، لأنّ الظاهر منه إرادة ذلك إلى نهاية الثلاث، فتكون الغاية ملحقة في الحكم بما قبلها.

وبذلك يظهر ضعف ما اختاره الشيخ في محكيّ «المبسوط»(4).

كما أنّ مقتضى ما تقدّم من الأصل والخبر، عدم الفرق بين وجود المماثل وفقده.

وعليه، فما اختاره في محكيّ «النهاية» ضعيفٌ .

واستدلّ لما اختاره الصدوق: بخبر محمّد بن الحسن، في جامعه:

«في الجارية تموت مع الرجال في السفر؟ قال عليه السلام: إذا كانت ابنة أكثر من خمس6.

ص: 312


1- الكافي: ج 3/160 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/526 ح 2816.
2- مدارك الأحكام: ج 2/68.
3- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/363 ق 2.
4- المبسوط: ج 1/176.

سنين أو ستّ ، دُفِنَت ولم تُغَسَّل، وإنْ كانت بنت أقلّ من خمس سنين غُسِّلت»(1).

ولا يعارضه ما روي في محكيّ «التهذيب» مرسلاً، قال:

«روي في الجارية تموت مع الرّجل ؟ فقال عليه السلام: إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ستّ سنين، دُفنت ولم تُغسَّل»(2).

لاضطرابه، وقد نُقل عن ابن طاووس رحمه الله أنّه قال: إنّ لفظ (أقلّ ) هنا وهمٌ واصله (أكثر)(3). وعليه فينطبق على الرواية المتقدّمة.

وفيه: إنّه لضعفه، وإعراض الأصحاب عنه لا يُعتَمد عليه.

ومنه يظهر ضعف ما عن «المقنعة»(4) و «المراسم»(5)، حيث استدلّ له بالرواية المتقدّمة.

ويرد عليه: - مضافاً إلى ذلك - أنّ مضمونها لا يوافق هذا القول.

فتحصّل: أنّ الأظهر ما هو المشهور.

***0.

ص: 313


1- الفقيه: ج 1/155 ح 429، وسائل الشيعة: ج 2/528 ح 2819.
2- التهذيب: ج 1/341 ح 167، وسائل الشيعة: ج 2/521 ح 2805.
3- وسائل الشيعة: ج 2/527.
4- المقنعة: ص 87.
5- المراسم العلويّة: ص 50.
في تغسيل الزوجين أحدهما الآخر
اشارة

ثاني الموارد: الزوج والزوجة يُغسِّل كلّ منهما الآخر على المشهور، نقلاً وتحصيلاً، كما في «الجواهر»(1).

وعن «الخلاف»(2): دعوى الإجماع على تغسيل الزوج زوجته.

وعن «المنتهى»(3): نسبة تغسيل الزوجة زوجها إلى العلماء.

ويشهد لهما: في الجملة كثيرٌ من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن الرّجل يُغسّل امرأته ؟ قال عليه السلام:

نعم من وراء الثوب»(4).

ومنها: حسنه، قال: سألته عن الرّجل يُغسِّل امرأته ؟ قال عليه السلام: نعم، إنّما يمنعها أهلها تعصّباً»(5).

ومنها: صحيح منصور، قال: «سألتُ أبا عبداللّه عليه السلام عن الرّجل يخرج في السفر، ومعه امرأته أيغسّلها؟ قال عليه السلام: نعم واُمّه واُخته ونحو هذا، يُلقي على عورتها خِرقة»(6).

ومنها: صحيح الكناني، عنه عليه السلام: «في الرّجل يموت في السفر، في أرضٍ ليس معه إلّاالنساء؟ قال عليه السلام: يُدفن ولا يُغسّل. والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة، تُدفن ولا تُغسَّل، إلّاأن يكون زوجها معها، فإنْ كان زوجها معها غَسَّلها من فوق الدرع، ويسكب الماء عليها سَكْباً، ولا ينظر إلى عورتها، وتغسله امرأته إنْ مات،

ص: 314


1- جواهر الكلام: ج 4/48.
2- الخلاف: ج 1/699.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/437.
4- الكافي: ج 3/157 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/529 ح 2821.
5- الكافي: ج 3/158 ح 11، وسائل الشيعة: ج 2/529 ح 2823.
6- الكافي: ج 3/158 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/516 ح 2790.

والمرأة إنْ ماتت ليست بمنزلة الرّجل، المرأة أسوء منظراً إذا ماتت»(1).

ونحوها غيرها ممّا سيمرُّ عليك.

أقول: ولا يعارضها صحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرَّجل يموت وليس معه إلّاالنساء؟ قال عليه السلام: تغسله امرأته، لأنّها منه في عِدّة، واذا ماتت لم يُغسّلها، لأنّه ليس منها في عِدّة»(2).

ونحوه صحيح الحلبي(3).

إذ مضافاً إلى أنّ الجمع بينهما وبين ما تقدّم، ممّا دلَّ على الجواز من وراء الثوب، يقتضي حملهما على تغسيله المرأة مجرّدةً ، ويناسبه التعليل أنّه لو سُلّم التعارض يتعيّن حملهما على التقيّة، كما لا يخفى .

وأمّا الاستدلال للجواز:

1 - بإطلاقات الأمر بالتغسيل.

2 - وبما دلَّ على أنّ الزوج أحقّ بزوجته حتّى يضعها في قبرها.

3 - وباستصحاب جواز النظر واللّمس.

4 - وبوصيّة السجّاد عليه السلام أُمّ ولده تغسيله(4).

5 - وبتغسيل أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة عليها السلام(5).

فغير تامّ : إذ الإطلاق قُيّد بما دلَّ على اعتبار المماثلة.5.

ص: 315


1- التهذيب: ج 1/438 ح 59، وسائل الشيعة: ج 2/532 ح 2831.
2- التهذيب: ج 1/437 ح 54، وسائل الشيعة: ج 2/533 ح 2832.
3- الكافي: ج 3/157 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/529 ح 2822.
4- البحار: ج 87/302.
5- الكافي: ج 1/459 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/530 ح 2825.

وما دلَّ على أحقّيّة الزوج بالزوجة، إنّما يدلّ على ولايته عليها، ولا نظر له إلى مباشرة تغسيلها.

والاستصحاب لا يكفي لإثبات الجواز، بعد إطلاق دليل اعتبار المماثلة، لاسيّما وأنّ الظاهر منه اعتبارها من حيث هي، لا من جهة مانعيّة حرمة النظر واللّمس.

وأمّا وصيّة السجّاد عليه السلام فغير ثابتة.

وما دلَّ على تغسيل أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة عليها السلام مشتملٌ على التعليل بأنّها:

«صدِّيقةٌ لا يغسّلها إلّاصدِّيق»، وبقول النبيّ صلى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السلام: «هي زوجتك في الدُّنيا والآخرة»(1). وذلك يمنع عن الاستدلال به.

وبالجملة: فالصحيح أنْ يُستدلّ له بالنصوص الخاصّة، فأصل الحكم في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا كلام.

***2.

ص: 316


1- المستدرك: ج 2/186 ح 1762.
أقول: بعد وضوح أصل الحكم في ثاني الموارد، يقع الكلام في عدّة اُمور:
هل يعتبر فقد المماثل

الأمر الأوّل: هل يعتبر فقد المماثل، كما عن الشيخ في التهذيبين(1)، وابن زهرة في «الغنية»(2)، والحلبي(3) وغيرهم ؟.

أم لا يعتبر ذلك، كما عن الشيخ في غير التهذيبين(4)، والإسكافي(5)، والجُعفي(6)والسيّد(7)، وسلّار(8)، والحِلّي(9)، والمصنّف(10)، والمحقّق(11)، والشهيدين(12)، والمحقّق الثاني(13)، والمقدّس الأردبيلي(14)، ومن تأخّر عنه(15)؟

وجهان:

أقول: أقواهما الأوّل:

ويشهد له:

1 - إطلاق النصوص.

ص: 317


1- التهذيب: ج 1/440، الاستبصار: ج 1/199.
2- غنية النزوع: ص 501.
3- إشارة السبق: ص 77.
4- المبسوط: ج 1/174.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 1/400.
6- نسبه إليه في مفتاح الكرامة: ج 3/436.
7- رسائل المرتضى: ج 3/51.
8- المراسم العلويّة ص 45.
9- السرائر: ج 1/160.
10- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/357.
11- المعتبر: ج 1/320.
12- اللُّمعة الدمشقيّة ص 20.
13- جامع المقاصد: ج 1/363.
14- مجمع الفائدة: ج 1/175.
15- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/83 ق 1.

2 - حَسَن ابن مسلم المتقدّم، المشتمل على التعليل بأنّه إنّما يمنعها أهلها تعصّباً، فإنّ المنع إنّما يكون في صورة وجود المماثل، والتعليل بما يكون من الملاحظات العرفيّة، كالصريح في عدم المانع الشرعي.

ونحوه صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل أيصلحُ له أن ينظر إلى امرأته حين تموت، أو يغسلها إنْ لم يكن عنده من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت ؟ فقال عليه السلام: لا بأس بذلك، إنّما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن يَنظر زوجها إلى شيء يكرهونه منها»(1).

والتقييد في السؤال لايمنع عن الاستدلال، بعد ظهورالتعليل في عموم الحكم، بل يُحمل على الغالب، حيث أنّ الغالب أنّ الرّجل لايُباشر تغسيل المرأة مع وجود النساء.

واستدلّ للأوّل:

1 - بخبر أبي حمزة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا يغسل الرّجل المرأة، إلّاأن لا توجد امرأة».

بناءً على أنّ المراد بالمرأة الأولى الزوجة(2).

2 - وخبر أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يَغسل الزوج إمرأته في السَّفر، والمرأة زوجها في السَّفر، إذا لم يكن معهم رجل»(3).

3 - وبما تضمّن تعليل تغسيل أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة عليها السلام بأنّها «صدِّيقةٌ لا يغسلها إلّاصدِّيق»(4).

بل يظهر من خبر المُفضّل أنّه كان خلاف المتعارف، بحيث لم يكن يرتكبه5.

ص: 318


1- الفقيه: ج 1/142 ح 398، وسائل الشيعة: ج 2/528 ح 2820.
2- التهذيب: ج 1/440 ح 66، وسائل الشيعة: ج 2/519 ح 2799.
3- التهذيب: ج 1/439 ح 65، وسائل الشيعة: ج 2/533 ح 2833.
4- الكافي: ج 1/459 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/530 ح 2825.

أحدٌ إلّاعند الاضطرار، ولذا ضاق صدر السائل حين سمع ذلك من المعصوم عليه السلام.

4 - وبوقوع التقييد بذلك في جملةٍ من النصوص في كلام السائلين.

5 - وبإطلاق ما دلَّ على اعتبار المماثلة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: - فمضافاً إلى أنّه أخصّ من المدّعى إلّاأن يتمّ بعدم القول بالفصل - أنّه لم يثبت كون المراد بالمرأة الأولى الزوجة، بل الظاهر منها الأجنبيّة، فيُخصّص الخبر بما عدا الزوجة لما تقدّم.

وأمّا الثاني: - فمضافاً إلى ظهوره في اختصاص اعتبار ذلك بتغسيل المرأة زوجها لا العكس، لذكر القيد عند بيان حكم تغسيلها إيّاه، وعدم ذكره في الأوّل - أنّه ضعيف السند، مع أنّه لا يقاوم ما ذكرناه.

وأمّا الثالث: فلأنّ التعليل إنّما يكون لأجل أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن يَغسل أحداً، مماثلاً كان أم لم يكن، وإنّما كان يغسل من (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ ) .(1)

وأمّا ضيق صدر السائل، فلعلّه كان من جهة الملاحظات العرفيّة حيث أجابه عليه السلام بأنّه لكونها صدِّيقة لم يكن لأحدٍ تغسيلها غير الصدِّيق.

وأمّا الرابع: فلأنّ التقييد في كلام السائل، لا يصلحُ أن يقيّد به إطلاق الجواب، لأنّ المورد لا يكون مخصّصاً.

وأمّا الخامس: فلأنّ إطلاق تلك الأدلّة يقيّد بما تقدّم.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار فقد المماثل.

***9.

ص: 319


1- سورة الواقعة: الآية 9.
عدم اعتبار الغُسل من وراء الثياب

الأمر الثاني: في اعتبار كون الغسل من وراء الثياب أقوال:

القول الأوّل: عدم اعتباره مطلقاً، وهو المحكيّ عن الإسكافي(1) والجُعفي(2) وعلم الهدى في «شرح الرسالة»(3) والشيخ في «التهذيب»(1)، والمحقّق في «المعتبر»(2)، والمصنّف رحمه الله في نهاية الاحكام(3)، والسيّد في «مداركه»(4)، وصاحب «الحدائق»(5)، وسيّد «الرياض»(6)، وعنه أنّه الأشهر.

القول الثاني: اعتباره كذلك، وهو المنسوب إلى الشيخ في «نهايته»(7)، والمصنّف رحمه الله في «منتهاه»(8)، و «البيان»(9)، و «جامع المقاصد»(10)، و «الروضة»(11)، وعن «الروض»:(12) أنّه المشهور.

القول الثالث: اعتباره جواز تغسيل الزوج المرأة دون العكس، وهو المنقول

ص: 320


1- التهذيب: ج 1/439.
2- المعتبر: ج 1/320.
3- نهاية الاحكام: ج 2/229.
4- مدارك الأحكام: ج 2/60.
5- الحدائق الناضرة: ج 3/382.
6- رياض المسائل: ج 2/264.
7- النهاية: ص 42.
8- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/436.
9- البيان (ط. ق): ص 23.
10- جامع المقاصد: ج 1/360.
11- شرح اللُّمعة: ج 1/407.
12- روض الجنان (ط. ق): ص 96.

عن «الاستبصار»(1) و «كشف اللِّثام»(2).

أقول: والأظهر هو القول الأوّل.

أمّا في الزوجة: فيشهد له ما دلَّ على جواز أن ينظر الرّجل إلى زوجته بعد الموت، كصحيحي عبد اللّه بن سنان، ومنصور المتقدّمين، وخبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن امرأةٍ توفّيت أيصلح لزوجها أن ينظر إلى وجهها ورأسها؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

ولا يعارضها ما ظاهره عدم الجواز، كصحيح الحلبي، عن أبى عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرّجل يغسل امرأته ؟ قال عليه السلام: نعم، من وراء الثوب، لا ينظر إلى شعرها، ولا إلى شيءٍ منها، والمرأة تغسل زوجها، لأنّه إذا ماتَ كانت في عِدّة منه، وإذا ماتت هي فقد انقضت عدّتها»(4).

لتعيّن حمله على الكراهة جمعاً بينه وبينها.

نعم، ظاهر خبر منصور حرمة النظر إلى عورتها، ولا صارف لظهوره سوى توهّم دلالته على كونه شرطاً تعبّديّاً، لصحّة الغُسل، وهو كما ترى .

وعليه، فالقول بوجوب ستر العورة قويٌّ جدّاً.

ووجه دلالة هذه النصوص على جواز تغسيلها مجرّدةً ، هو أنّ الظاهر كون الستر بالثياب إنْ وَجَب فإنّما هو لحرمة النظر، لا لكونه من تعبّديّات الغُسل، كي تجب مراعاته، وإنْ لم يكن الغاسل بصيراً كما يشير إليه التعليل لجواز التغسيل في صحيح ابن سنان.0.

ص: 321


1- الاستبصار: ج 1/198.
2- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/218.
3- التهذيب: ج 1/428 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/532 ح 2829.
4- التهذيب: ج 1/440 ح 68، وسائل الشيعة: ج 2/532 ح 2830.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - صحيح منصور المتقدّم، وإطلاق جملة من النصوص.

أقول: واستدلّ لاعتبار كونه من وراء الثياب فيها، بصحيح ابن مسلم:

«عن الرّجل يُغسّل امرأته ؟ قال عليه السلام: نعم من وراء الثوب»(1).

ونحوه غيره(2).

وفيه: أنّه يتعيّن حملها بأجمعها على الاستحباب، بقرينة ما تقدّم. وما في بعضها من التعليل بأنّها: (أسوء منظراً حين تموت من الرّجل)، واختلافها في بيان ما تستر به، ففي بعضها إطلاق لفظ (الثياب)، وفي بعضها الإقتصار على ذكر (القميص) أو (الدرع)، وفي بعضها الترخيص لإدخال اليد تحت قميصها.

وأمّا في الزوج: فيشهد له ما دلَّ على جواز أن تنظر المرأة إلى زوجها بعد الموت، كصحيح ابن سنان المتقدّم، بالتقريب المتقدّم آنفاً، وجملة من النصوص؛ كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام المتقدّم.

فإنّ التقييد في تغسيل الزوج زوجته بكونه من وراء الثوب، وتركه في تغسيل الزوجه زوجها، لا سيّما مع التعليل بأنّه إذا ماتت المرأة في عِدّة منه، صريحٌ في جواز تغسيلها إيّاه مجرّداً.

ونحوه خبر داود بن سرحان، عن الإمام الصادق عليه السلام(3)، وصحيح الكناني المتقدّم(4).

واستدلّ لاعتبار كونه من وراء الثوب:

1 - بخبر زيد الشحّام، عن مولانا الصادق عليه السلام: «عن رجلٍ مات في السفر مع1.

ص: 322


1- الكافي: ج 3/157 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/529 ح 2821.
2- وسائل الشيعة: ج 2/528 باب جواز تغسيل الرّجل زوجته.
3- الكافي: ج 3/158 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/531 ح 2826.
4- راجع التهذيب: ج 1/438 ح 59، وسائل الشيعة: ج 2/532 ح 2831.

نساءٍ ليس معهنّ رجل ؟ فقال عليه السلام: إنْ لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه ولايُغسَّل، وإنْ كان له فيهن امرأة فليغسل في قيمص من غير أن تنظر إلى عورته(1).

2 - وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عنه عليه السلام:

«عن الرّجل يموت، وليس عنده من يغسله إلّاالنساء، هل تغسله النساء؟ قال عليه السلام: تغسله امرأته وذات محرمه، وتصبّ عليه النساء الماء صبّاً من فوق الثياب»(2).

3 - وموثّق سماعة: «عن رجلٍ مات وليس عنده إلّانساء؟ قال عليه السلام: تغسله امرأة ذات محرم منه، وتصبّ النساء عليه الماء ولا يخلع ثوبه»(3).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فقاصر السند بأبي جميلة، مع أنّ قوله: (من غير أنْ تنظر إلى عورته) ظاهرٌ في أنّ الأمر بتعسيلها إيّاه في قميص إنّما يكون لئلّا تنظر إلى عورته.

وأمّا الثاني: قاصرٌ سنداً بالإرسال أيضاً، مع احتمال أن يكون القيد لخصوص تغسيل ذات محرمه، كما لا يخفى .

وأمّا الثالث: قاصرُ الدلالة لوجهين:

1 - أنّ الظاهر من (المرأة) عدا الزوجة من المحارم.

2 - احتمال أن يكون المنع عن خلع ثوبه لحضور النساء، مع أنّه لو سلمت تماميّته سنداً ودلالةً ، لا يصلح لمقاومة ما سبق، فيتعيّن حمله على الاستحباب.

***6.

ص: 323


1- التهذيب: ج 1/443 ح 77، وسائل الشيعة: ج 2/518 ح 2796.
2- الكافي: ج 3/175 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/517 ح 2793.
3- الاستبصار: ج 1/204 ح 16.

الأمر الثالث: لا فرق في الزوجة بين الحُرّة والأمَة، والدائمة والمنقطعة، لإطلاق الأدلّة.

أمّا والمصنّف - رحمه الله - فقد تنظّر في المطلّقة الرجعيّة(1).

ويرد عليه: أنّ مقتضى إطلاق ما دلَّ على أنّها زوجة إلحاقها بالزوجة.

ودعوى:(2) انصرافه إلى غير هذا الحكم ممنوعة.

وأمّا المطلّقة بائناً: فلا إشكال في عدم الجواز فيها، لأنّها أجنبيّة قطعاً، كما في طهارة الشيخ الأعظم رحمه الله(3).

***

الأمر الرابع: هل يجوز للزوجة تغسيل زوجها، بعد انقضاء العِدّة إنْ فرض بقاء الميّت بلا تغسيل إلى ذلك الوقت، كما لو بقي الميّت مدّةً طويلة لغرض تهيئة مقدّمات نقله للدفن إلى أحد المشاهد المشرّفة، ولم يتلاش الميّت في هذه المدّة بنحو يَسقط غُسله أم لا؟ وجهان:

اختار أوّلهما في محكيّ «الذكرى»(4) و «جامع المقاصد»(5) و «الروض»(6)، واستشكل فيه:

1 - بأنّها تصير أجنبيّة بانقضاء العدّة، لا سيّما إذا تزوّجت.

2 - وبانصراف نصوص الباب الدالّة على الجواز عن مثل الفرض. فالمرجع6.

ص: 324


1- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/436.
2- مستمسك العروة: ج 4/50.
3- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/284.
4- الذكرى: ج 1/313.
5- جامع المقاصد: ج 1/360.
6- روض الجنان (ط. ق): ص 96.

فيه عموم ما دلَّ على اعتبار المماثلة المقدّم على الاستصحاب.

3 - وبأنّه عُلّل الجواز في جملةٍ من نصوص الباب المتقدّمة - كصحيح زرارة - بأنّها في عدّة، وهو يقتضي عدم الجواز بعد انقضاء العدّة.

ولكن يرد على الأوّل: أنّها تصير أجنبيّة بالموت، ومع ذلك جاز لها تغسيله.

وكونها في عِدّة، ليس معناه بقاء عُلقة الزوجيّة، كما لا يخفى .

ويرد على الثاني: أنّ هذه الانصرافات الناشئة عن التشكيكات بدويّة، تزول بأدنى تأمّل، فلا تصلح أن تكون مقيّدة لإطلاق الأدلّة.

ويرد على الثالث: أنّ المستفاد من النصوص بمقتضى العلّة، أنّ الحكم الثابت للزوجة بعد انقضاء العِدّة، هو الحكم الثابت للزوج من حين موت الزوجة، ولازم ذلك عدم كون الحكم المُعلّل بهذه العلّة، هو جواز التغسيل، لما عرفت من جواز تغسيل الزوج زوجته.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو الجواز.

***

ص: 325

تغسيل المحارم بعضهم بعضاً
اشارة

ثالث الموارد: أي موارد عدم اعتبار المماثلة هو تغسيل المحارم بعضهم بعضاً، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل إجماعاً كما حكاه جماعة(1).

وتشهد له: جملةٌ من النصوص، وقد تقدّم بعضها في الفرع السابق، كصحيحي منصور والحلبي وغيرهما، وسيأتي بعضها الآخر.

أقول: إنّما الخلاف في أمرين:

الأمر الأوّل: في اعتبار فقد المماثل وعدمه ؟

ففي «الجواهر»(2) نسب الأوّل إلى ظاهر المشهور أو صريحهم.

وعن ظاهر «التذكرة»(3) و «حبل المتين»(4): الإجماع عليه.

وعن «السرائر»(5)، و «المنتهى»(6)، و «كشف اللِّثام»(7)، و «المدارك»(8)، و «الذخيرة»(9)، و «التلخيص»(10): الثاني.

بل ظاهر محكيّ «المختلف»(11): أنّه مذهب الأكثر.

ص: 326


1- راجع مستند الشيعة: ج 3/89 حيث شرط المماثلة في غير المحارم و... على الأشهر الأظهر بل عليه الإجماع، وغيره أرسل هذا الأمر إرسال المسلّمات.
2- جواهر الكلام: ج 4/73.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 7/135.
4- الحبل المتين (ط. ق): ص 63.
5- السرائر: ج 1/168.
6- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/436.
7- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/218.
8- مدارك الأحكام: ج 2/61.
9- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/81 ق 1.
10- نسبه إليه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/218.
11- مختلف الشيعة: ج 1/401.

ويشهد للأوّل: صحيح الحسن بن علي الوشّاء، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا مات الرّجل مع النساء، غسّلته امرأته، وإنْ لم تكن امرأته معه غسّلته أولاهنّ به، وتلفّ على يدها خرقة»(1).

وهو وإنْ دلّ على تقديم خصوص الزوجة عليها، وأنّ مرتبتها متأخّرة عن الزوجة، إلّاأنّه يتعدّى عنها إلى المماثل، إذ الزوجة إمّا أن تكون مرتبتها متأخّرة عن المماثل أو مقارنة، وعلى كلّ تقدير، يثبت المطلوب.

واحتمال دخل خصوصيّة الزوجيّة، خلاف الظاهر.

كما أنّ اختصاصه بتغسيل المرأة الرّجل، لاينافي مع عموم الحكم، لإلغاء الخصوصيّة.

وأمّا قول الإمام الباقر عليه السلام في خبر أبي حمزة: «لا يغسّل الرّجل المرأة إلّاأن لاتوجد امرأة»(2). فهو بإطلاقه يدلّ على حكم المحارم، فلو دلّ دليل على عدم اعتبار ذلك في المحارم تقدّم عليه.

واستدلّ للثاني:

1 - بالأصل.

2 - وبالاستصحاب.

3 - وبإطلاقات الأمر بتغسيل الأموات.

4 - وبإطلاق صحيح منصور المتقدّم: «في الرّجل يخرج في السفر، ومعه امرأته يغسّلها؟ قال عليه السلام: نعم واُمّه واُخته ونحو هذا، يلقى على عورتها ويغسّلها»(3).

5 - وكذا إشعار الاقتران بالزوجة في كثيرٍ من الأخبار، بل في صحيح الحلبي:0.

ص: 327


1- التهذيب: ج 1/444 ح 81، وسائل الشيعة: ج 2/518 ح 2795.
2- التهذيب: ج 1/440 ح 66، وسائل الشيعة: ج 2/519 ح 2799.
3- الكافي: ج 3/158 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/516 ح 2790.

«تغسّله امرأته أو ذات قرابته»(1).

أقول: وفي الجميع نظر: إذ الأصل والاستصحاب يمكن الفرار عنهما بما عرفت، كما أنّ به يقيّد إطلاق ما دلَّ على وجوب التغسيل.

وأمّا إطلاق صحيح منصور، فغير ثابتٍ ، لاحتمال أن يكون ذكر السفر في السؤال قرينة على فرض فقد المماثل.

مع أنّه لو ثبت يقيّد بصحيح ابن سنان.

ومنه: يظهر الجواب عن الأخير، وعليه فالأظهر اعتبار فقد المماثل.

***2.

ص: 328


1- التهذيب: ج 1/437 ح 55، وسائل الشيعة: ج 2/517 ح 2792.
في اشتراط التغسيل من وراء الثياب

الأمر الثاني: في اعتبار كونه من وراء الثياب وعدمه.

ففي «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله: المشهور أنّه يشترط ذلك(1).

بل عن «الحدائق»(2): أنّه المعروف في كلامهم.

وعن «تذكرة» المصنّف رحمه الله(3): نسبته إلى علمائنا.

وعن ظاهر «الغنية»(4)، و «الكافي»(5)، و «الإصباح»(6)، و «الذكرى»(7)، و «المدارك»(8)، و «الذخيرة»(9)، و «كشف اللِّثام»(10) وغيرها: عدم الاعتبار.

ويشهد له:

1 - إطلاق بعض النصوص.

2 - صحيح ابن حازم المتقدّم، فإنّ قوله عليه السلام: (يلقى على عورتها). كالصريح في عدم الاعتبار، إلّافي العورة، وحمله على خصوص المرأة كما ترى .

3 - وخبر زيد الشحّام المتقدّم: «وإنْ كان معهم زوجها، أو ذو رحمٍ لها،

ص: 329


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/283.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/395.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/359.
4- غنية النزوع: ص 102.
5- الكافي: ص 237.
6- إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهيّة): ج 2/16-17.
7- الذكرى: ج 1/304.
8- مدارك الأحكام: ج 2/61.
9- ذخيرة المعاد (ط. ق): ج 1/81 ق 1.
10- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/215.

فليغسّلها من غير أن ينظر إلى عورتها»، فإنّه أيضاً كالنصّ في أنّ المُحرّم إنّما هو النظر إلى العورة خاصّة. فتأمّل.

وبهما نرفع اليد عن ظهور جملةٍ من النصوص في الاعتبار: كموثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «تغسّله عمّته وخالته في قميصه»(1).

وموثّق سماعة عنه عليه السلام: «في الرّجل ماتَ وليس عنده إلّانساء، تغسّله امرأة ذات محرم منه، وتصبّ النساء عليه الماء، ولا تُخلع ثوبه.

وفي المرأة تموت، وليس عندها إلّارجال ؟ وإنْ كان معها ذو مَحْرمٍ لها يغسّلها من فوق ثيابها»(2).

ونحوهما موثّق عبد الرحمن المتقدّم(3).

وتُحمل على الاستحباب أو على صورة وجود الأجنبي، كما يشعر به موثّق مسماعة.

أو على أنّ الغرض محافظة العورة، كما عن الشهيد التصريح به في «الذكرى»(4).

ويؤيّده ضمّ الزوجة إليها في بعض النصوص.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو عدم الوجوب، ولكن الاحتياط لا يُترك لذهاب المعظم إلى الوجوب.

***3.

ص: 330


1- الكافي: ج 3/159 ح 12، وسائل الشيعة: ج 2/517 ح 2794.
2- الفقيه: ج 1/155 ح 431، وسائل الشيعة: ج 2/519 ح 2798.
3- الكافي: ج 3/175 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/517 ح 2793.
4- الذكرى: ج 1/343.
تغسيل المولى أمَتَه

رابع الموارد: أي من موارد عدم اعتبار المماثلة: تغسيل المولى أمَتَه إجماعاً.

ادّعاه جماعةٌ (1)، وهو العمدة في هذا الحكم، وإلّا فمقتضى إطلاق ما دلَّ على اعتبار المماثلة، المانع من الرجوع إلى عموم ما دلَّ على وجوب التغسيل، وأصالة البراءة عن شرطيّة المماثلة، هو عدم الجواز.

وحيثُ أنّ المتيقّن منه الجواز، إذا كانت ممّن يجوز نكاحها، فلا يجوز إذا لم تكن كذلك، كما إذا كانت مُزوَّجةً أو في عِدّة الغير، أو مُبعَّضة أو مكاتبة.

وأمّا تغسيل الأمَة مولاها: ففيه أقوال:

أحدها: المنع مطلقاً، اختاره السيّد في مداركه(2)، وصاحب «الحدائق»(3).

الثاني: الجواز كذلك، وهو الذي اختاره المصنّف في محكيّ «القواعد»(4).

الثالث: تخصيص الجواز باُمّ الولد، وهو اختيار جمعٍ من الأصحاب، منهم المحقّق في «المعتبر»(5).

أقول: والأقوى هو الأوّل، لإطلاق ما دلَّ على اعتبار المماثلة، المقدّم على إطلاق دليل وجوب التغسيل، وأصالة البراءة الَّذين استُدلّ بهما على الجواز.

وأمّا انتفاء العُلقة - إمّا بالانتقال إلى الورثة، أو بالحُريّة - الذي استُدلّ به للمختار، فلا يدلّ عليه، لأنّ الانتقال بالموت ليس كالانتقال بناقلٍ شرعي، في

ص: 331


1- في الحدائق: ج 3/391 اعتبره المشهور، وفي المستمسك (يؤذن بالإجماع): ج 4/88.
2- مدارك الأحكام: ج 2/61.
3- الحدائق الناضرة: ج 3/382.
4- قواعد الأحكام: ج 2/223.
5- المعتبر: ج 1/320.

صيرورة جَعل الطرف الآخر أجنبيّاً عن صاحبه، مع أنّه لو فرض بقائها في مِلْكه، كما لو أوصى بأمَته ثُلثاً، وقلنا ببقاء الثلث على ملكيّة الميّت، لما كان ذلك كافيا في الجواز، لعموم دليل اعتبار المماثلة.

ودعوى: انصرافه عن أمثال الفرض، كما ترى .

واستدلّ للجواز في أُمّ الولد: بخبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام:

«أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام أوصى أن تغسله أُمّ ولد له فغسّلته»(1).

وفيه: أنّه ضعيفٌ في نفسه، ومخالفٌ لما دلَّ على أنّ المعصوم لايُغسّله إلّا المعصوم(2)، فضلاً عن أنّه معارض مع ما دلَّ على أنّ الإمام الباقر عليه السلام غَسّل أباه السجاد عليه السلام.

فإذاً الأقوى هو المنع مطلقاً.

***2.

ص: 332


1- التهذيب: ج 1/444 ح 82، وسائل الشيعة: ج 2/534 ح 2840.
2- البحار: ج 50/32.
المقام الثالث: كيفيّة التغسيل
اشارة

ويجب تغسيله ثلاث مرّاتٍ : الأُولى بماء السِّدر، والثانية بماء الكافُور، والثالثة بماء القَراح.

كيفيّة التغسيل

المقام الثالث: والبحث فيه عن كيفيّة التغسيل: (ويجبُ تَغسيلُه ثلاثُ مرّاتٍ :

الأُولى بماء السِّدر، والثانية بماء الكافُور، والثالثة بماء القَراح) بلا خلافٍ يُعتدّ به.

بل عن «الغنية»(1)، و «الخلاف»(2): دعوى الإجماع عليه.

وعن سلّار(3): وجوب الواحد بالقُراح.

وعن ابني حمزة(4)، وسعيد(5): عدم اعتبار الخليطين.

وعن ابن حمزة(4): عدم اعتبار الترتيب المذكور.

ويشهد للأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن مُسكان، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: «سألته عن غُسل الميّت ؟ فقال عليه السلام: اغسله بماءٍ وسدر، ثمّ اغسله على أثر ذلك غَسلةً اُخرى بماءٍ وكافُور وذريرة إنْ كانت، واغسله الثالثة بماءِ قُراحٍ .

قلت: ثلاثُ غَسَلاتٍ لجسده كلّه ؟ قال عليه السلام: نعم.

قلت: يكونُ عليه ثوب إذا غُسِّل ؟ قال عليه السلام: إن استطعتَ أن يكون عليه قميصٌ

ص: 333


1- غنية النزوع: ص 102.
2- الخلاف: ج 1/694.
3- المراسم العلويّة: ص 49. (4و5) نسبه إليه في مستند الشيعة: ج 3/137.
4- الوسيلة: ص 65.

فغَسّله من تحته، وقال: أحبُّ لمن غَسّل الميّت أن يلفّ على يده خِرفة حين يغسّله»(1).

ونحوه غيره(2).

واستدلّ للثاني:

1 - بما دلَّ (3) على أنّ الميّت الجُنُب يُغسّل غُسلاً واحداً.

2 - وبما دلَّ (4) على أنّه كغُسل الجنابة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر منه إرادة الوحدة في مقابل انضمام غُسل الجنابة.

وبعبارة اُخرى: إرادة التداخل لا في مقابل تعدّد الأغسال.

ولو سُلّم ظهوره في نفسه في الثاني، تعيّن حمله على ما ذكرناه، جمعاً بينه وبين ما سبق.

وأمّا الثاني: فلأنّه ظاهرٌ في إرادة التشبيه من حيث الكيفيّة خاصّة، ولا نظر له إلى الكمية، مع أنّه لو سُلّم إطلاقه يتعيّن تقييده بما ذكر.

أقول: وبذلك يظهر ضعف القول الثالث، إذ الظاهر أنّه لا مدرك له سوى الوجه الثاني الذي عرفت ما فيه.

واستدلّ للرابع: بإطلاق بعض النصوص:

منها: ما رواه الحلبي: «يُغَسّل الميّت ثلاث غَسَلات؛ مرّة بالسِّدر، ومرّة بالماء).

ص: 334


1- التهذيب: ج 1/108 ح 14، وسائل الشيعة: ج 2/479 ح 2694.
2- وسائل الشيعة: ج 2/479 (باب كيفيّة غسل الميّت وجملة من أحكامه).
3- وسائل الشيعة: ج 2/539 (باب إجزاء الغسل الواحد للميّت إذا كان جنباً).
4- وسائل الشيعة: ج 2/486 (باب أنّ غسل الميّت كغسل الجنابة).

كغُسل الجنابة.

يطرح فيه الكافور، ومرّةً اُخرى بالماء القَراح»(1).

وفيه: إنّه يتعيّن تقييده بما تقدّم، وعليه فلو أخلَّ بالترتيب بين الأغسال لايجتزء به، لإنتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2)و «النهاية»(3) من احتمال الإجزاء لحصول الإنقاء، ضعيفٌ .

أقول: وأمّا كيفيّة كلّ من الأغسال الثلاثة، فهي (كغُسل الجنابة)، فيجبُ أوّلاً غَسل الرأس والرقبة، ثمّ الطرف الأيمن، ثمّ الأيسر بلا خلافٍ .

وعن الانتصار(4) و «الخلاف»(5) و «التذكرة»(6) و «المعتبر»(7) و «الذكرى»(8)و «المدارك»(9): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللّحية بسدرٍ حتّى تنقيه، ثمّ تبدأ بشقّه الأيمن، ثمّ بشقّه الأيسر»(10).3.

ص: 335


1- الكافي: ج 3/140 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/481 ح 2697.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/350.
3- نهاية الاحكام: ج 1/90.
4- الإنتصار: ص 130.
5- الخلاف: ج 1/693-964.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/352.
7- المعتبر: ج 1/267.
8- الذكرى: ج 1/347.
9- مدارك الأحكام: ج 2/78.
10- التهذيب: ج 1/305 ح 55، وسائل الشيعة: ج 2/484 ح 2703.

وذكر مثل ذلك في ماء الكافور(1).

ومنها: مصحّح الحلبي، عنه عليه السلام: «ثمّ تبدأ بكفّيه ورأسه ثلاث مرّات بالسِّدر، ثمّ سائر جسده، وابدأ بشقّه الأيمن»(2).

ونحوهما غيرهما(3).

***).

ص: 336


1- وسائل الشيعة: ج 2/485 ح 2704.
2- الكافي: ج 3/138 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/479 ح 2695.
3- وسائل الشيعة: ج 2/479 (باب كيفيّة غسل الميّت وجملة من أحكامه).
تنبيهات غُسل الجنابة
اشارة

أقول: وينبغي التنبيه على اُمور:

في كفاية الارتماس في الأغسال الثلاثة

التنبيه الأوّل: في كفاية الارتماس في الأغسال الثلاثة، مع التمكّن من الترتيب خلاف:

فعن جماعةٍ من المتأخّرين منهم المصنّف رحمه الله في «القواعد»(1)، وولده(2)، والشهيد في «الذكرى»(3)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(4)، وصاحب «الرياض»(5): الاكتفاء به.

واستشكله المصنّف رحمه الله في محكيّ «التذكرة»(6).

وقوّى العدم كاشف اللّثام(7)، وجَعَله في «الجواهر»(8) أظهر، وتبعه المحقّق الهمداني رحمه الله(9).

واستدلّ للأوّل: بإطلاق ما دلَّ على تشبيهه بغُسل الجنابة، وفي جملةٍ من تلك النصوص أنّه عينه.

ص: 337


1- قواعد الأحكام: ج 1/209.
2- إيضاح الفوائد: ج 1/46.
3- الذكرى: ج 2/224.
4- جامع المقاصد: ج 1/238.
5- رياض المسائل: ج 1/303.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/350.
7- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/50-51.
8- جواهر الكلام: ج 4/134.
9- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/248 ق 1.

وأُورد عليه تارةً : بعدم ظهور التشبيه في العموم، بحيث يشمل ذلك، فيبقى الأصل، أي قاعدة الاشتغال سليماً.

واُخرى: بأنّ نصوص الترتيب تقيّد إطلاق ما دلَّ على التشبيه.

وأجاب الشيخ الأعظم رحمه الله(1) عن الإيراد الأوّل: بأنّه إنّما يتطرّق فيما دلَّ على التشبيه دون ما دلَّ على أنّ الميّت جُنُب.

وفيه: إنّه لم يدلّ دليلٌ على الاكتفاء بالارتماس في مطلق غُسل الجنابة، لاختصاص دليله بغير الجُنُب الميّت، كما هو واضح.

وإلغاء الخصوصيّة، مع احتمالها، لاسيّما بعد ملاحظة اعتبار خصوصيّاتٍ فيه غير معتبرة في غُسل الجُنُب الحيّ ، ممنوعٌ .

وأجاب بعض الأعاظم(2) عن الإيراد الثاني: بأنّ النصوص موردها القليل، كما هو المتعارف نظير ما ورد في غُسل الجنابة.

وفيه: أنّ خصوص المورد لا يُخصّص، مع أنّ كون مورد جميع تلك النصوص الماء القليل ممنوعٌ .

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم الاكتفاء بالارتماس.

***1.

ص: 338


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/290.
2- مستمسك العروة: ج 4/121.
في وجوب الوضوء مع الغُسل قبله أو بعده خلافٌ

التنبيه الثاني: في وجوب الوضوء مع الغُسل قبله أو بعده خلافٌ :

فالمشهور بين الأصحاب(1) العدم.

وعن الشيخ في «المبسوط»(2): أنّ عمل الطائفة على ذلك.

والمنسوب إلى «المقنعة»(3) و «المهذّب»(4) و «النزهة»(5) و «الوافي»، والمحقّق الطوسي(6): الوجوب.

واستدلّ له:

1 - بإطلاق قولهم عليهم السلام: «في كلّ غسل وضوء»(7).

2 - وبالأمر به في جملةٍ من الروايات، كصحيح حريز عن الإمام الصادق عليه السلام:

«الميّت يبدأ بفرجه، ثمّ يتوضّأ وضوء الصَّلاة»(8).

ونحوه غيره(9).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ هذا الغُسل كغُسل الجنابة أو عينه، فليس فيه وضوءٌ بمقتضى الاستثناء، مع أنّك عرفت إجزاء كلّ غُسلٍ عن الوضوء. مضافاً إلى أنّ الظاهر من تلك النصوص، كون المراد بها عدم الاجتزاء بالأغسال - غير غُسل

ص: 339


1- راجع المختصر: ج 1/12، جامع الخلاف والوفاق ص 81، مختلف الشيعة: ج 1/385.
2- المبسوط: ج 1/178-179.
3- المقنعة: ص 11.
4- المهذّب: ج 1/58.
5- نسبه إليه في مفتاح الكرامة: ج 1/177.
6- نقل الحكاية عنه في كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/251.
7- الكافي: ج 3/45 ح 13، وسائل الشيعة: ج 2/248 ح 2072.
8- التهذيب: ج 1/302 ح 47، وسائل الشيعة: ج 2/491 ح 2724.
9- وسائل الشيعة: ج 2/491 (باب استحباب وضوء الميّت قبل الغُسل).

الجنابة - عن الوضوء الواجب للصلاة، لا أنّه بنفسه شرطٌ في صحّة الغُسل ورفع الحَدَث، كما أثبتناه في مبحث الحيض، فراجع.(1)

ويرد على الثاني: مضافاً إلى ما عن «المبسوط»(2) من أنّ عمل الطائفة على ترك العمل بها، فتأمّل، أنّه يمكن أن يكون عدم إفتائهم بالوجوب لما يأتي، فالإعراض غير ثابتٍ ، لا سيّما بعد إفتائهم بالاستحباب.

أنّ صحيح ابن يقطين، قال: «سألتُ العبد الصالح عليه السلام عن غُسل الميّت أفيه وضوءُ الصَّلاة أم لا؟ فقال عليه السلام: غُسل الميّت يبدأ بمرافقه... الخ»(3) من جهة الإعراض عن ذكر الوضوء، مع وقوع السؤال عنه كالنصّ في عدم الوجوب، فبه تُرفع اليد عن ظهور الأمر به في الوجوب، ويُحمل على الاستحباب.

وبذلك يظهر وجه إفتاء المشهور بالاستحباب، فلا يرد عليهم أنّه بعد طرح النصوص الآمرة به لا دليل على الاستحباب، ثمّ إنّ النصوص إنّما تضمّنت الأمر به قبل الغُسل، فالإتيان به بعده بقصد المشروعيّة تشريعٌ محرّم كما لا يخفى.

***0.

ص: 340


1- فقه الصادق: ج 3/98.
2- المبسوط: ج 1/178-179.
3- التهذيب: ج 1/446 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2/483 ح 2700.
تجب إزالة النّجاسة قَبل الغُسل

التنبيه الثالث: لا خلاف بينهم في وجوب إزالة النجاسة العَرَضيّة عن بدنه قبل الغُسل في الجملة، بل عن غير واحدٍ(1): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: - مضافاً إلى ما دلَّ على اعتبار إزالة النجاسة قبل غُسل الجنابة، فإنّه بضميمة ما دلَّ على أنّ غُسل الميّت كغُسل الجنابة، أو أنّه عينه، يدلّ على ذلك - جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح الفضل بن عبد الملك، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن غسل الميّت ؟ فقال عليه السلام: اقعده واغمز بطنه غَمْزاً رفيقاً، ثمّ طهّره من غَمز البطن»(2).

ومنها: مرسل يونس: «امسح بطنه مَسْحاً رفيقاً، فإنْ خَرَج شيءٌ فانقه، ثمّ اغسل رأسه، ثمّ اضجعه على جنبه الأيسر... الخ»(3).

ودعوى:(4) أنّ الإنقاء غيرُ ظاهرٍ في إرادة التطهير الشرعي، كما ترى .

وأمّا الاستدلال له:

1 - بأنّ المراد تطهيره وهو لا يتحقّق إلّابها.

2 - وبأنّه إذا وجبت الإزالة الحُكميّة فالعينيّة أولى .

3 - وباعتبار طهارة ماء الغُسل، فلو لم تزل النجاسة أوّلاً لتنجّس.

4 - وبأنّ كلّاً من الموت والنجاسة العارضة سببٌ لوجوب غَسل البدن، فإذا تحقّق السببان وَجَب أن يتعدّد حكمهما؛ لأنّ التداخل خلاف الأصل.

ص: 341


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/171.
2- التهذيب: ج 1/446 ح 87، وسائل الشيعة: ج 2/484 ح 2702.
3- الكافي: ج 3/141 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/480 ح 2696.
4- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/237.

فغيرُ سديدٍ: لضعف الكلّ :

أمّا الأوّل: فلأنّ عدم تحقّق الطهارة الحَدَثيّة والخَبَثيّة الذّاتيّة، مع عدم إزالة النجاسة أوّل الكلام.

وأمّا الثاني: فلأنّ الأولويّة ممنوعة، مع أنّها لو ثبتتْ ، فإنّما تقتضي الوجوب النفسي، من غير فرقٍ بين تقديم الإزالة على الغُسل وتأخيرها عنه.

وأمّا الثالث: فلأنّ مدرك اعتبار طهارة الماء في المقام، ليس إلّاالقاعدة المصطادة من النصوص، المُجمع عليها: «النجس لا يُطهّر»، وقد عرفت في مبحث غُسل الجنابة(1) أنّ موردها النجاسة قبل الاستعمال، فلا تشمل النجاسة الحاصلة به، مع أنّ هذا الوجه لا يقتضي اعتبار الطهارة إذا غُسل بالماء الكثير الذي لاينفعل.

وأمّا الرابع: فلأنّ مقتضاه عدم الاجتزاء بغُسلٍ واحد لرفعهما معاً. لا اعتبار رفع الخَبَث في الغسل، فالعُمدة ما ذكرناه.

أقول: وكيف كان، فمقتضى ما ذكرناه من الأدلّة، إنّما هو وجوب إزالة النجاسة عن كلّ عضوٍ قبل غُسل ذلك العضو، لا قبل الشروع في الغُسل مطلقاً:

أمّا الأوّل: فاقتضائه ذلك واضح.

وأمّا النصوص الخاصّة: الواردة في المقام، فلأنّ ظاهرها في بادئ النظر وإنْ كان اعتبار إزالة النجاسة قبل الغُسل، إلّاأنّ شدّة المناسبة بين تطهير الموضع مقدّمةً لغَسل نفس هذا العضو، وبعد مدخليّته في صحّة غَسل سائر الأجزاء، توجبُ ظهورها في ما ذكرناه.

ودعوى:(2) الإجماع على وجوب التقديم على الغُسل.

مندفعة: بأنّ الجمود على ظاهر معاقد إجماعاتهم، وإنْ كان يوهم ذلك، إلّاأنّه2.

ص: 342


1- فقه الصادق: ج 2/177.
2- أشار إليها في مستمسك العروة: ج 4/122.

بعد التدبّر فيها يظهر أنّ مرادهم ما ذكرناه، كيف وقد استدلّوا على ما ادّعوه بالوجوه المتقدّمة، التي لا يكون مقتضاها - على فرض دلالتها على ذلك - وجوب التقديم على الغُسل، كما لا يخفى على من لاحظها، وهذا نظير ما ذكروه في غُسل الجنابة من وجوب إزالة النجاسة أوّلاً ثمّ الاغتسال ثانياً، وادّعوا أنّ عليه الإجماع.

فتحصّل: أنّ الأظهر كفاية إزالة النجاسة عن كلّ عضوٍ قبل الشروع فيه.

أقول: بقي في المقام إشكالٌ معروف وهو:

أنّه بناءً على ما هو المشهور المنصور، من كون بدن الميّت نجساً، لايتصوّر تطهير بدنه قبل الغُسل، فإنّ نجس العين لا يَطْهُر، ومن هذه الجهة استظهر في محكيّ «كشف اللِّثام» أنّ مراد الأصحاب من وجوب إزالة النجاسة وجوب إزالة العين دون الأثر.

والجواب عنه: هو ما ذكره جُلُّ مَنْ تأخّر عنه، بأنّ الطهارة والنجاسة توقيفيّتان، فلا مانع من أنْ يتأثّر عين النجاسة بنجاسةٍ اُخرى ، ويرتفع أثرها بالتطهير، فمع مساعدة الدليل نلتزم به، وقد مرّ ما يدلّ على ذلك، فراجع.

***

ص: 343

مقدار السِّدر والكافور

التنبيه الرابع: يعتبر في كلٍّ من السِّدر والكافور أنْ لا يكون في طرف الكثرة، بحيث يسلب إطلاق الماء، كما عن المصنّف في «التذكرة»(1) و «النهاية»(2)، والشهيد في غير «الذكرى»(3)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(4)، وغيرهم في غيرها.

وعن «الحدائق»(5): أنّه المشهور.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن غُسل الميّت كيف يُغسّل ؟ قال عليه السلام: بماءٍ وسدرٍ، واغسل جَسَده كلّه، واغسله بماءٍ وكافور... الخ»(6).

ونحوه صحيح ابن مسكان المتقدّم.

ومنها: صحيح ابن يقطين، عن العبد الصالح عليه السلام:

«ثمّ يُفاض عليه الماء ثلاث مرّات - إلى أن قال - ويجعل في الماء شيءٌ من السِّدر وشيءٌ من الكافور»(7).

أقول: وبإزاء هذه النصوص جملةٌ من الأخبار توهم منافاتها لها:

ص: 344


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/350.
2- نهاية الاحكام: ج 2/223.
3- الذكرى: ج 1/337.
4- جامع المقاصد: ج 1/370.
5- الحدائق الناضرة: ج 3/453.
6- التهذيب: ج 1/446 ح 88، وسائل الشيعة: ج 2/483 ح 2699.
7- التهذيب: ج 1/446 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2/483 ح 2700.

منها: ما تضمّن التعبير ب (ماء السِّدر) و (ماء الكافور) الظاهر في اعتبار صدق الماء المضاف، كخبر عبد اللّه الكاهلي، عن الإمام الصادق عليه السلام(1).

ومنها: ما تضمّن التعبير بالغُسل بالسِّدر:

كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يُغسّل الميّت ثلاث غَسَلات: مرّة بالسِّدر... الخ»(2).

ونحوه غيره(3).

ومنها: ما تضمّن الأمر بغَسل رأسه برغوة السِّدر:

كمرسل يونس، عنهم عليه السلام: «واعمَد إلى السِّدر فصيّره في طشت، وصبّ عليه الماء، واضربه بيديك حتّى ترفع رَغوته، واعزل الرغوة في شيءٍ ، وصبّ الآخر في الإجانة التي فيها الماء... الخ»(4).

والجواب الصحيح أنّ شيئاً من هذه الطوائف لا ينافي ما ذكرناه.

أمّا الأُولى: فلأنّها مطلقة شاملة للمضاف وغيره، لتضمّنها كون الماء فيه شيءٌ من السِّدر والكافور، والملابسة تكفي في الإضافة، وعليه فيقيّد إطلاقها بما تقدّم، ممّا دلَّ على اعتبار الإطلاق.

وأمّا الثانية: فلأنّ ظاهرها اعتبار استعمال السِّدر أوّلاً، ثمّ إزالته بالماء أخْذاً بظهور الغُسل والسِّدر، وحيث أنّه لا قائل باعتبار ذلك، وإنْ ذَهَب جماعةٌ - على ما عن «مفتاح الكرامة»(5) - إلى غَسل الرأس أوّلاً بالرغوة ثمّ يُغسّل، والنصوص6.

ص: 345


1- الكافي: ج 3/140 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/481 ح 2698.
2- الكافي: ج 3/140 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/481 ح 2697.
3- وسائل الشيعة: ج 2/479 (باب كيفيّة غسل الميّت وجملة من أحكامه).
4- الكافي: ج 3/141 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/480 ح 2696.
5- مفتاح الكرامة: ج 3/496.

المتقدّم بعضها تدلّ على عدم وجوب ذلك، فيتعيّن صرفها عن ظاهرها، وحملها على إرادة الغُسل بماءٍ مخلوطٍ بالسِّدر، فحينئذٍ تكون مطلقة تقيّد بما سبق.

وأمّا الثالثة: فلأنّ المرسل إنّما يدلّ على أنّه يُغسّل بالماء الذي تحت الرغوة، والإرغاء لا يستلزم إضافته.

فإنْ قلت: إنّ ظاهره وجوب غَسل الرأس بالرغوة.

قلت: إنّه بقرينة قوله عليه السلام بعد الأمر به: (واجتهد أنْ لا يدخل الماء منخريه).

ظاهرٌ في اعتبار غَسل الرأس أيضاً بالماء الذي كان في الإجانة.

نعم، هو يدلّ على لزوم غَسل الرأس بالرغوة قبل الغُسل الواجب، وستعرف في المستحبّات أنّه محمولٌ على الاستحباب.

هذا كلّه في طرف الكثرة.

وأمّا في طرف القلّة: فيعتبر أن يكون بمقدار يصدق الغُسل بماء السِّدر والكافور، فلو كان الخليط بمقدار يستهلك في الماء، لا يكفي ذلك، للأمر بالغُسل بماءٍ وسدرٍ وماءٍ وكافور.

ولا ينافي ذلك صحيح ابن يقطين المتقدّم: «ويجعل في الماء شيءٌ من سدر...

الخ»، لأنّه لو سُلّم إطلاقه بنحوٍ يشمل ما لو استهلك، يقيّد بما سبق.

ولعلّه إلى ذلك يرجع ما عن «القواعد»(1) وغيرها(2) من الاكتفاء بالمسمّى، فيكون المراد كونه بمقدار لا يُستهلك، ويصدق المُسمّى .

كما أنّه إليه يرجع ما في «العروة»(3) من اعتبار صدق الخلط.7.

ص: 346


1- قواعد الأحكام: ج 1/224.
2- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/381 ق 2.
3- العروة الوثقى: ج 2/47.

وعليه، فالإيراد عليهم في غير محلّه.

أقول: وفي الشرائع(1): (في تقدير ذلك قيل مقدار سبع وَرِقات)، واستدلّ له بخبر معاوية بن عمّار: «أمرني أبو عبداللّه عليه السلام أنْ أعصر بطنه ثمّ أوضيّه بالأشنان، ثمّ أغسل رأسه بالسِّدر - إلى أن قال - وبالماء القَراح، وأطرح فيه سبع وَرقات سدر»(2).

وفيه: - مضافاً إلى منافاته لما دلَّ على أنّه لا يُغسّل الصدِّيق إلّاالصدِّيق، وعدم إفتاء الأصحاب بذلك - أنّه غير ما نحن فيه، فإنّه متضمّنٌ للأمر بطرحها في الماء القَراح، كما لا يخفى .

وعن المفيد في «المقنعة»(3): تقدير السِّدر برطلٍ .

وعن القاضي(4): تقديره برطلٍ ونصف.

أقول: ليس عليهما دليل، اللّهُمَّ إلّاأن يكون مرادهما أنّ أقلّ ما يصدق عليه الماء والسِّدر، هو ما إذا خُلِط الماء «الكافي» للغُسل بهذا المقدار، فتأمّل.

وعن «الهداية»(5) و «الفقيه»(6) و «المقنعة»(7) و «المراسم»(8): تقدير الكافور بنصف مثقال.

واستدلّ له: بما في موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام من تقديره بنصف حبّةٍ ،7.

ص: 347


1- شرائع الإسلام: ج 1/31.
2- التهذيب: ج 1/303 ح 50، وسائل الشيعة: ج 2/484 ح 2701.
3- المقنعة: ص 75.
4- المهذّب: ج 1/56.
5- الهداية: ص 108.
6- الفقيه: ج 1/148.
7- المقنعة: ص 75.
8- المراسم العلويّة: ص 47.

بدعوى أنّ المراد بالحبّة المثقال(1).

وفيه: منعٌ ، كما ورد في مرسل(2) يونس الأمر بإلقاء حبّات كافور، لكنّه محمولٌ على الفضل، كما أنّ ما في رواية(3) تغسيل الوصيّ عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه و آله من ثلاثة مثاقيل، محمولة عليه.

***4.

ص: 348


1- أشار إلى هذه الدعوى في كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/290.
2- الكافي: ج 3/141 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/480 ح 2696.
3- التهذيب: ج 1/450 ح 109، وسائل الشيعة: ج 2/458 ح 2704.
تعذّر السِّدر والكافور

التنبيه الخامس: لو عَدُم الكافور والسِّدر، وجب التَغسيل بالماء القَراح بلا خلافٍ أجده بين كلّ من تعرّض لذلك من الأصحاب، كما في «الجواهر»(1).

وفي «الحدائق»(2): ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه، ولا يشعر بعدم الوجوب ما في محكيّ «المبسوط»(3) و «السرائر»(4) من التعبير (بلا بأس بالغسل بالماء القَراح)، إذ الظاهر أنّهما أرادا بذلك الوجوب، لأنّه إذا جاز وَجَب كما لا يخفى .

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - أنّ الظاهر من الأدلّة إنْ كان واحدٌ من الأغسال عملٌ واحدٌ، وعليه فتعذّر أحد الخليطين أو كليهما، لا يوجب سقوط وجوب الغُسل، فتأمّل.

فإنّ الظاهر من الأدلّة خلافه كما ستعرف في التنبيه السابع، فإذاً العمدة هو الإجماع.

أقول: إنّما الخلاف في وجوب غُسلٍ واحد أو ثلاثة أغسال:

فعن صريح «المعتبر»(5)، و «النافع»(6)، و «مجمع البرهان»(7)، و «المدارك»(8)،

ص: 349


1- جواهر الكلام: ج 4/138.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/445.
3- المبسوط: ج 1/177.
4- السرائر: ج 1/169.
5- المعتبر: ج 1/265.
6- المختصر: ص 7.
7- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/183.
8- مدارك الأحكام: ج 2/79.

وظاهر «الذكرى»(1)، ومحتمل «المبسوط»(2) كما عن «النهاية»(3): اختيارالأوّل.

وعن المصنّف(4)، والمحقّق(5)، والشهيد(6) الثانيين: اختيار الثاني.

والمحقّق في «الشرائع»(7): تردّد في ذلك.

أقول: والأظهر هو الأوّل، لأنّ المركّب ينتفي بانتفاء أحد جزئيه، فمع تعذّر أحد الجزئين يسقط الأمر بالمركّب، فثبوت تكليفٍ آخر بالجزء الميسور يحتاجُ إلى دليلٍ مفقود.

واستدلّ للثاني:

1 - بقاعدة الميسور.

2 - بالاستصحاب.

3 - وبأنّ النصوص إنّما دلّت على الأمر بتغسيله بماءٍ وسدر، فالمامور به شيئان متمايزان، وإنْ امتزجا في الخارج، فلا وجه لسقوط الأمر بأحدهما لأجل تعذّر الآخر.

4 - وبما دلَّ (8) على أنّ المُحْرِم كالمُحلّ في الغُسل وغيره، إلّاأنّه لا يقربه الكافور، فإنّه يدلّ على وجوب تغسيل المُحْرِم بالماء القَراح، بدلاً من ماء).

ص: 350


1- الذكرى: ج 1/343.
2- المبسوط: ج 1/181.
3- النهاية: 43.
4- تحرير الأحكام: ج 1/115.
5- جامع المقاصد: ج 1/371.
6- روض الجنان (ط. ق): ص 100.
7- شرائع الإسلام: ج 1/31.
8- وسائل الشيعة: ج 2/503 (باب أنّ المُحْرم إذا مات فهو كالمحِلّ ).

الكافور، وحيث أنّ المتعذّر عقلاً كالمعتذّر شرعاً، فيثبت ذلك في المقام.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا القاعدة: فلما عرفت غير مرّةٍ في هذا الشرح، أنّه لايعتمد عليها في موارد تعذّر الجزء أو الشرط، لعدم ظهورها في إرادة عدم سقوط الميسور من الأجزاء بالمعسور منها، بل ظاهرها عدم سقوط الميسور من الأفراد بالمعسور منها.

ودعوى:(1) ظهور التسالم عليها في المقام، لبنائهم على جريانها لإثبات عدم سقوط الغُسل بالمرّة.

مندفعة: بأنّ عدم سقوط الغُسل بالماء القَراح، عند تعذّر الخليطين، وإنْ كان ممّا لا كلام فيه عندهم، إلّاأنّه لم يثبت استنادهم إلى القاعدة في بنائهم هذا، مع أنّ العمل بها في الماء القَراح لا يلازم العمل بها في المقام.

وأمّا الاستصحاب: - فمضافاً إلى اختصاصه بصورة طروّ تعذّر الخليط بعد الموت - أنّه لايجري في موارد تعذّر الجزء، كما حقّقناه في محلّه، وأشرنا إلى وجهه في الجزء الأوّل من هذا الشرح، في مبحث الجبائر.(2)

وأمّا الثالث: فإنْ اُريد به أنّ كلّاً منهما مأمورٌ به مستقلّاً، من دون أن يكون مربوطاً بالآخر، فهو بديهي البطلان، فإنّ ظاهر الأدلّة أنّ الأمر واحدٌ، كما لا يخفى على من لاحظها.

وإنْ اُريد به أنّهما جزءان للمأمور به، وتعذّر أحدهما لا يوجب سقوط الآخر، فهو أمرٌ ممكنٌ ، إلّاأنّه يحتاج في مقام الإثبات إلى الدليل.

وأمّا الرابع: فلأنّ التعدّي من مورد ذلك الدليل إلى بقيّة الموارد، يتوقّف على2.

ص: 351


1- مستمسك العروة: ج 4/128.
2- فقه الصادق: ج 2/102.

إحراز المناط، وإحراز عدم دخل الخصوصيّة فيه، وإلّا فلا وجه للتعدّي، وحيث أنّه يُحتمل ذلك في المقام، فلا وجه لذلك.

نعم، يتمّ ذلك فيما لو أُحرز عدم دخل الخصوصيّة، وأنّ المناط تعذّر الكافور من حيث كونه متعذِّراً.

وبعبارة اُخرى: لو أحرزنا أنّ تمام المناط هو العذر، كان التعدّي في محلّه، إذ المتعذّر عقلاً كالمتعذّر شرعاً.

ولا يرد عليه ما أورده الشيخ الأعظم رحمه الله(1) بأنّ المتعذّر شرعاً كالمتعذّر عقلاً دون العكس.

ثمّ إنّه بناءً على أنّه عند تعذّر الماء، يُيمّم الميّت ثلاثة تيمّمات بدلاً عن الأغسال، فإنّه يجبُ أن يُيمّم في الفرض بدل المتعذّر. وسياتي تنقيح القول في ذلك في التنبيه السابع فانتظر.

***1.

ص: 352


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/291.
إذا كان الماء بمقدار غُسلٍ واحد

التنبيه السادس: إذا لم يكن عنده من الماء إلّابمقدار غُسلٍ واحد:

1 - فإنْ لم يكن عنده الخليطان، تعيّن صرفه في الثالث، لما عرفت في التنبيه السابق من أنّ تعذّر الخليطين موجبٌ لسقوط وجوب الغُسلين.

2 - وأمّا إنْ كانا موجودين.

فبناءً على كون الأغسال الثلاثة مجموعها عملاً واحداً، يدخل المقام في الكبرى الكليّة التي أشرنا إليها غير مرّة من أنّ موارد التنافي بين الأوامر الضمنيّة، لا تكون من باب التزاحم، بل إنّما ترجع إلى التعارض، وأنّ مركز التنافي هو إطلاق الخطابين، ومقتضى القاعدة سقوط الإطلاقين، والرجوع إلى الأصل، وهو فيما نحن فيه التخيير بعد كون أصل وجوب الصرف في الجملة ممّا لا خلاف فيه، ولا كلام كما لا يخفى.

وأمّا بناء على كون كلُّ غُسلٍ عَمَلاً مستقلّاً، وواجباً غير مرتبط بالآخرين، فلا محالة تقع المزاحمة بين إطلاقات الخطابات:

فيحكمُ العقل بالتخيير، إذ لم تثبت أهميّة الأخير، ولم يكن السبق في الوجود من مرجّحات باب التزاحم.

وإلّا فعلى الأوّل يتعيّن صرفه في الأخير، وعلى الثاني يتعيّن صرفه في الأوّل.

وحيثُ أنّ المحقّق في محلّه، كون السَّبق في الوجود من المرجِّحات، وأهميّة الأخير غير ثابتة، إذ لا وجه لها سوى ما عن الشهيد في «الذكرى»(1) من أنّه أقوى في التطهير، وعدم احتياجه إلى جُزءٍ آخر، وهو كما ترى ، إذ لا دليل على قوّته في التطهير، وعدم احتياجه إلى جزءٍ آخر لا يوجب الأهميّة. فيتعيّن الالتزام

ص: 353


1- الذكرى: ج 1/345.

بلزوم صرفه في الأوّل، كما هو المحكيّ عن المحقّق(1)، والشهيد(2) الثانيين، واختاره الشيخ الأعظم رحمه الله(3).

وأمّا الاستدلال له:

1 - باشتراط التأخّر في غير الأوّل، فمع الإتيان به بلا سبقه عليه لم يؤت بما هو ميسورُ الواجب.

2 - وبأنّ استعماله في الأخير، يوجب تفويت جهةٍ زائدة، وهي الغُسل بالخليط، مع أنّه من الميسور.

فغير تامّ .

إذ يرد على الأوّل: أنّه بعد سقوط التكليف عن غير غُسلٍ واحد، لا محالة يسقط الترتيب، لأنّه إضافة قائمة بالمترتّبين، فهو على جميع التقادير غير لازم الرعاية.

ويرد على الثاني: أنّه عند صرفه في الأوّل أيضاً تفويتُ جهةٍ زائدة معتبرة في الأخير، وهي الخلوص من الخليط، مع أنّ أكثريّة أجزاء واجبٍ من أجزاء واجبٍ آخر لا تعدّ من المرجّحات، كما لا يخفى.

وبالجملة: فالصحيح ما ذكرناه.

ويلحق بهذه الصورة، ما إذا كان السِّدر أو الكافور فقط موجوداً، فإنّه في الصورة الأولى يتعيّن صرفه في الأوّل، وفي الصورة الثانية في الثاني.

***1.

ص: 354


1- جامع المقاصد: ج 1/372-373.
2- الذكرى: ج 1/345 (ط. ج).
3- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/291.

ولو خيف تَناثُر لَحْمِه أو جِلده يُمِّم.

تعذّر الماء

التنبيه السابع: (ولو) تعذّر الماء، أو (خيف) من تغسيله، فيما لو صبَّ عليه الماء صبّاً (تناثرَ لَحمه أو جلده) كالمجدور (يُمِّمَ ) بالتّراب، بلا خلافٍ ظاهر بين الأصحاب(1).

وفي «المدارك»(2): هذا مذهب الأصحاب.

وعن «التذكرة»(3): أنّ عليه إجماع العلماء.

وعن «الخلاف»: عند جميع الفقها إلّاما عن الأوزاعي(4).

ويشهد له:

1 - إطلاق(5) أدلّة بدليّة التراب من الماء، وأنّ التيمّم أحدُ الطهورين.

والإيراد عليه: بأنّها تختصُّ بما إذا كان الماءُ وحده مطهّراً، ولا يشمل إطلاقها صورة اشتراك الغير معه كالسِّدر والكافور.

غَيرُ سديدٍ: إذ الظاهر من أدلّة المقام، لا سيّما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الميّت يُغسَّل لصيرورته جُنُباً، وأنّ غُسله غُسل الجنابة، وأنّ المطهر منحصرٌ بالماء والتراب، كقولهم في بيان الطهور: (إنّما هو الماء والتراب)، وما هو المركوز في أذهان المتشرّعة، كون المطهر في المقام هو الماء، وأنّ الخليط شرط التأثير لا جزءُ المقتضي،

ص: 355


1- راجع الذكرى: ج 1/327، الرسائل العشر ص 49، الحدائق الناضرة: ج 3/472.
2- مدارك الأحكام: ج 2/85.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/384.
4- الخلاف: ج 1/717.
5- وسائل الشيعة: ج 3/379 (باب جواز إيقاع صلوات كثيرة بتيمّمٍ واحد ما لم يُحدث أو يجد الماء).

فيكون نظير الترتيب وغيره من شروط الطهارة.

أقول: وبذلك يظهر اندفاع إيرادٍ آخر، وهو اختصاص أدلّة البدليّة بصورة المطهّريّة من الحَدَث، ولا تشمل مطهّريّة الماء من الخَبَث، لما عرفت من دلالة النصوص على كونه مُحْدِثاً، مع أنّه لا ريب في مطهّريّة الماء فقط في صورة فَقْد الخليطين، كما لا يخفى ، فمع تعذّر الماء يجبُ بَدَله، فيكون التيمّم بدلاً اضطراريّاً عن الغُسل الاضطراري.

2 - وخبر زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام، عن عليٍّ عليه السلام:

«إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه ماتَ صاحبٌ لنا وهو مجدورٌ، فإن غَسّلناه انسلخ ؟ فقال صلى الله عليه و آله: يمّموه»(1).

أقول: وأُورد عليه باُمور:

منها: اختصاصه بالمجدور.

ومنها: ضعف سنده.

ومنها: معارضته مع صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السلام:

«ثلاثة نفر كانوا في سفرٍ أحدهم جُنُبٌ ، والثاني ميّتٌ ، والثالث على غير وضوءٍ ، وحَضَرت الصَّلاة ومعهم ماءٌ يكفي أحدهم، من يأخذ الماء ويغتسل به، وكيف يصنعون ؟

قال عليه السلام: يغتسل الجُنُب، ويُدفن الميّت، ويتيمّم الذي عليه وضوء»(2).

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأوّل: فللقطع بعدم خصوصيّة المورد، وأنّها مُلغاة.7.

ص: 356


1- التهذيب: ج 1/333 ح 145، وسائل الشيعة: ج 2/513 ح 2783.
2- التهذيب: ج 1/109 ح 17.

وأمّا الثاني: فلأنّ الأصحاب اعتمدوا عليه، وعبّروا بمتنه في فتاويهم، فهو ضعيفٌ منجبرٌ بالشهرة.

وأمّا الثالث: فلأنّه بهذا السند غير مذكور في كتب الحديث، وإنّما الموجود فيها روايته عن عبد الرحمن بن أبي نجران.

وأمّا من حيث المتن فالمحكيّ عن «الفقيه»(1) بسندٍ صحيح، هكذا: (ويُدفن الميّت بتيمّم).

نعم، في المرسل المروي عن «التهذيب»(2) كما ذُكر، لكنّه لإرساله ومعارضته مع الصحيح لا يُعتمد عليه، فالخبر معاضدٌ لا معارضٌ .

وبالجملة: فأصل وجوب التيمّم ممّا لا ريب فيه.

البحث عن عدد التيمّم: الكلام في وجوب ثلاثة تيمّمات وعدمه:

فعن «التذكرة»(3) و «جامع المقاصد»(4) و «الروض»(5) وغيرها(6) وجوب ثلاثة.

والمنسوب إلى الأصحاب كما عن «الذكرى»(7): الاكتفاء بتيمّمٍ واحد، وربما استشعر من بعضٍ دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ للأوّل: بأنّ تعدّد الأغسال يوجب تعدّد بدلها.

وفيه: إنّ ذلك يتمّ لو ثبت كون كلّ غُسلٍ عملاً مستقلّاً، وأمّا بناءً على ثبوت كون مجموع الأغسال بمنزلة غُسلٍ واحد صادرٍ من الحَيّ - كما يمكن أن يُستشهد له7.

ص: 357


1- الفقيه: ج 1/108 ح 223.
2- التهذيب: ج 1/109 ح 17.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/384.
4- جامع المقاصد: ج 1/373.
5- روض الجنان (ط. ق): ص 100.
6- راجع التحفة السنيّة: ص 350.
7- الذكرى: ج 1/327.

بما دلَّ على أنّ غُسلَه ليس إلّاغُسل الجنابة - فإنّه ظاهر في أنّه يترتّب على مجموع الأغسال أثرٌ واحد، وتكون خصوصيّة التعدّد من خصوصيّات المورد، وإلّا فمجموعها بمنزلة غُسلٍ واحد صادرٍ من الحَيّ ، أو الشكّ في ذلك، فلا يتمّ .

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فللشكّ في وجوب ما زاد على تيمّم واحد، فيرجع إلى الأصل، وهو يقتضي العدم.

فتحصّل: أنّ الأظهر الاكتفاء بتيمّم واحد.

أقول: ثمّ إنّ المعروف في كيفيّته أنّه يُيمّم كما ييمّم الحَيّ العاجز، وستعرف في مبحث التيمّم(1) أنّ الأظهر فيه أنّ النائب يضرب بيدي العليل فيمسح بهما، فكذلك في المقام.

وحيث لا إطلاق لخبر زيد، بنحوٍ يدلّ على عدم لزوم الإعادة إذا ارتفع العذر، وأدلّة البدليّة إنّما تدلّ عليها في صورة العجز المطلق، لا في مقدار من الزمان المضروب للعمل، كما ستعرف في مبحث التيمّم، فتجب الإعادة.

هذا فيما قبل الدفن، وكذلك فيما بعده إذا اتّفق خروجه، إلّاأنْ يدلّ دليلٌ على فوريّة وجوب الدفن ثانياً، فإنّه حينئذٍ يكون بحكم الفرض الآتي.

وأمّا بعد الدفن مع عدم الخروج، فلا يجب، بل لا يجوز لتماميّة أدلّة البدليّة، كما لا يخفى.

***6.

ص: 358


1- فقه الصادق: ج 4/376.
المقام الرابع: في شروط الغسل
اعتبار نيّة القُربة في الغُسل

المقام الرابع: في شروط الغسل: وهي اُمور:

الأمر الأوّل: النيّة إجماعاً(1) لما ذكرناه في الوضوء، وتعتبر فيه نيّة القُربة، كما هو المنسوب إلى ظاهر المذهب(2).

واستدلّ له:

1 - بأنّ الأصل في الواجبات هي التعبّديّة، حتّى يثبت خلافها، وحيث لم يثبت في المقام، فلابدَّ من البناء على كونه تعبّديّاً.

2 - وبقوله تعالى : (وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اَللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ ) (3).

3 - وبقوله صلى الله عليه و آله: «الأعمال بالنيّات»(4).

4 - وبما دلَّ على أنّه كغُسل الجنابة(5). وفي جملةٍ من تلك النصوص أنّه عينه.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأوّل: فلما حقّقناه في كتابنا «زبدة الاُصول» من أنّ الأصل في الواجبات كونها توصّليّة(6).

وأمّا الثاني: - فمضافاً إلى أنّ الواجبات إلّاقليلاً منها توصّليّات - فهذا المعنى مستلزمٌ لتخصيص الأكثر، فلا يُراد منها أنّ مفاد الآية الشريفة أحد اُمور:

1 - إمّا أنّ أهل الكتاب إنّما اُمروا بعبادة اللّه تعالى لا غير، والتفرّق إنّما نَشأ من

ص: 359


1- الخلاف: ج 1/697.
2- جامع المقاصد: ج 1/368.
3- سورة البيّنة: الآية 5.
4- التهذيب: ج 1/83 ح 67، وسائل الشيعة: ج 1/48 ح 88.
5- وسائل الشيعة: ج 2/486 باب أنّ غسل الميّت كغسل الجنابة.
6- زبدة الاُصول: ج 1/403.

قِبل أنفسهم، ويشهد لذلك الضمير في قوله تعالى: (وَ ما أُمِرُوا) ، فإنّه راجعٌ إلى أهل الكتاب المذكورين قبل هذه الآية.

2 - أو أنّ المؤمنين في مقام العبادة لم يؤمَروا إلّابعبادة اللّه تعالى ، فهي في مقام حصر المعبود في اللّه، لا في مقام حال الأوامر.

3 - أو أنّ غاية الغايات هي عبادة اللّه تعالى، وهي الغرض الأصلي من التكاليف، بل من إرسال الرُّسل وإنزال الكتب، بل مِنْ خَلق العالم. ويشهد لذلك أنّ الظاهر كون اللّام في قوله تعالى : (لِيَعْبُدُوا اَللّهَ ) لام الغرض، وليس ما بعدها متعلّقاً للأمر، فإنّه لا يتعدّى بها إلّالذلك، كما يظهر لمَن راجع موارد استعمالها.

وعلى جميع التقادير الآية أجنبيّة عمّا استدلّ بها له.

وأمّا الثالث: فلأنّ الظاهر منه تبعيّة عنوان الفعل للقصد، فإنْ فعله للّه يقع له وإلّا فلا كما ورد في المجاهد من أنّه إنْ جاهد فالعمل له، وإنْ جاهد لطلب المال فله ما نوى ، فهو ليس في مقام بيان أنّ الأوامر الشرعيّة عباديّة.

وأمّا الرابع: فلأنّه لم يدلّ دليلٌ على اعتبارها في مطلق غُسل الجنابة لعدم الإطلاق له، فيمكن أن يختصّ بالجُنُب غير الميّت الذي هو بنفسه مباشرٌ للغُسل دون غيره.

وبالجملة: فالعمدة فيه الإجماع.

واعتبار عباديّته من مرتكزات المتشرّعة، ليس إلّالعدم الفرق عندهم بين ذلك وبين بقيّة الطهارات في كونه عبادة.

وعليه، فما عن جماعةٍ من متأخّري المتأخّرين، من التردّد في اعتبارها في غير محلّه.

أقول: ولو اشترك اثنان يجبُ على كلٍّ منهما النيّة، لأنّهما بمنزلة غاسلٍواحد.

ص: 360

وأيضاً: لو كان أحدهما غاسلاً والآخر مُعيناً، وجب على الأوّل خاصّة بلا خلاف، وإنّما الخلاف في تمييز الغاسل عن المُعين.

فالمشهور على ما نُسب إليهم أنّ الغاسل حقيقةً هو الذي يصبّ الماء، والمُقلّب هو المُعين.

واختار جماعة منهم صاحب «الحدائق»(1) العكس، وهو الظاهر من النصوص، كموثّق سماعة، قال: «سألت الصادق عليه السلام عن رجلٍ مات، وليس عنده إلّا النساء؟ قال عليه السلام: تغسله امرأة ذات محرم، وتصبّ النساء عليه الماء صبّاً»(2).

ونحوه موثّق(3) البصري، وحَسَن الحلبي(4). ولا مجال لإنكار ظهورها في أنّ الذي يصبّ الماء غير الذي يغسل.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الغُسل شرعاً عبارة عن جريان الماء على المحلّ ، وهو إنّما يحصل بفعل الذي يصبّ الماء.

وفيه: أنّه اجتهادٌ في مقابل النصّ ، لا يُعتمد عليه. نعم يتمّ ذلك فيما إذا كان الصادر منه هو التقليب خاصّة، فإنّه حينئذٍ يكون كالآلة، ولذا يجوز أن يكون المُقلِّب طفلاً غير مميّز بل بهيمة، بل قد يكفي تقليب الرِّيح. وهذا الفرض غير مشمول للنصوص المتقدّمة، فإنّ الظاهر منها هو ما إذا كان المقلّب مجرياً للماء من موضعٍ إلى موضع آخر، فتدبّر.

الأمر الثاني: إزالة النجاسة عن كلّ عضوٍ قبل الشروع في غَسله كما تقدّم.

الأمر الثالث: طهارة الماء إجماعاً ونصوصاً.2.

ص: 361


1- الحدائق الناضرة: ج 3/452.
2- الكافي: ج 3/157 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/517 ح 2792.
3- وسائل الشيعة: ج 2/521 ح 2803.
4- وسائل الشيعة: ج 2/517 ح 2792.

الأمر الرابع: إباحة الماء وظرفه ومصبّ الماء في صورة الانحصار، لما تقدّم في مبحث الوضوء، فراجع.(1)

ولا يشترط فيه أن يكون الغُسل بعد برده، لإطلاق الأدلّة.

ودعوى:(2) أنّ الحرارة من لوازم الحياة.

مندفعة: بأنّ كونها من لوازم الحياة بعد كونها ثابتة في حال الموت، لا تتنافى مع إطلاق الأدلّة.

كما أنّه لا يشترط وحدة الغاسل، بلا خلاف، لإطلاق الأدلّة.

وتوجيه الخطاب إلى الواحد في جملةٍ من النصوص، لا يدلّ على اعتبار ذلك، بعد توجيهه إلي الجماعة في جملةٍ اُخرى منها.

ولا يعتبر أيضاً نزع القميص، فيجوز تغسيل الميّت من وراء الثياب، كما هو المشهور(3)، وعن «الخلاف»(4) دعوى الإجماع عليه.

بل عن العُمّاني(5) وظاهر الصدوق(6) وصاحب «الحدائق»(7): استحباب كونه من وراء الثياب.

والمنسوب إلى المشهور(8): استحباب التجريد.

والمحكيّ عن ابن حمزة(9) وجوب النزع.5.

ص: 362


1- فقه الصادق: ج 2/25.
2- أشار إليها في مستمسك العروة: ج 4/139.
3- الحدائق الناضرة: ج 3/477.
4- الخلاف: ج 1/692.
5- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/342.
6- الهداية: ص 50.
7- الحدائق الناضرة: ج 3/447.
8- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/347.
9- الوسيلة: ص 65.

واستدلّ له: بمرسل يونس المرويّ عنهم عليهم السلام: «فإنْ كان عليه قميصٌ ، فأخرج يده من القميص، واجمع قميصه على عورته»(1).

وفيه: أنّه معارضٌ مع جملةٍ من النصوص:

منها: صحيح ابن يقطين: «ولا يُغسَّل إلّافي قيمصٍ يُدخل رجلٌ يده... الخ»(2).

ومنها: صحيح سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنْ استطعت أن يكون عليه قميصٌ فغسّله من تحته»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

وهي واضحة الدلالة على عدم وجوب النزع، بل رجحان العدم كما لا يخفى .

وعليه، فلا مورد للعمل بظاهر المرسل.

أقول: ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّه:

1 - هل يستحبّ تغسيله عرياناً مستور العورة، كما هو المشهور(5)؟

2 - أم يستحبّ تغسيله في قميصه، كما عن العُمّاني(6)، وظاهر الصدوق(7)، وبعض متأخّري المتأخّرين(8)؟

3 - أم هو مخيّرٌ بين الأمرين، كما عن المحقّق الثاني(9)؟4.

ص: 363


1- الكافي: ج 3/141 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/480 ح 2696.
2- التهذيب: ج 1/446 ح 86، وسائل الشيعة: ج 2/483 ح 2700.
3- الكافي: ج 3/139 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/497 ح 2694.
4- وسائل الشيعة: ج 2/479 (باب كيفيّة غسل الميّت وجملة من أحكامه).
5- الحدائق الناضرة: ج 3/388.
6- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/342.
7- الهداية: ص 50.
8- نسبه إليهم في جواهر الكلام: ج 4/148.
9- جامع المقاصد: ج 1/374.

استدلّ للأوّل:

1 - بالمرسل المتقدّم.

2 - وبأنّ الثوب ينجس بذلك، ولا يطهر بصبّ الماء، فيتنجّس الميّت والغاسل، ولأجلهما تُحمل النصوص الآمرة بتغسيله في قميصه على إرادة عدم تغسيله مكشوف العورة.

وفيه: ان المرسل لا يدلّ على مسلك المشهور، إذ في ذيله بعد الأمر بجعل قميصه على عورته: (وارفعه من رجليه إلى ركبتيه). والمشهور عدم الالتزام بكون ما فوق الرّكبة من العورة.

وعليه، فيتعيّن حمله على إرادة بيان ما هو الأسهل في التغسيل، فلا ينافي استحباب تغسيله في قميصه، فلا معارض لظهور النصوص المتقدّمة في استحباب ذلك.

وبالجملة: ظهر أنّ الأقوى هو القول الثاني، كما أنّه ظهر مدرك القول الثالث وضعفه.

***

ص: 364

ويُستحبُّ وقوفُ الغاسل على يمينه، وغَمْز بطنه في الغَسْلَتين الأولتين، والذِّكر والإستغفار.

آداب الغُسل

المقام الخامس: في بيان آداب الغُسل.

الأوّل: (ويستحبُّ وقوفُ الغاسل على يمينه) إجماعاً كما عن «الغنية»، ولا مدركٍ له سوى فتوى المشهور، المعتَضد بذلك، وبما دلَّ على رجحان التيامن مطلقاً، وفي كفايته لثبوت هذا الحكم نظرٌ واضح، فالأظهر ما عن المحقّق وكاشف اللّثام من عدم استحبابه.

الثاني: (وغَمْز بطنه في الغسلتين الأولتين) أي قبلهما حتّى يخرج من مخرجه ما يخرج، للخبر الموثّق المرويّ عن عمّار:

«إلّا أنْ يكون الميّت امرأةً حاملاً، ومات ولدها في بطنها»(1).

لعدم حُسن السعي لإخراج ما يخرج من مخرجها، إذ لا يؤمَن معه الإجهاض، فلا يشملها الموثّق، بل النبويّ تضمّن النهي عنه، وهو خبر أُمّ أنس بن مالك، عن النبيّ صلى الله عليه و آله، قال:

«إذا توفّيت المرأة فإنْ أرادوا أن يُغسّلوها، فليبدأوا ببطنها، فلتُمسح مسحاً رفيقاً إنْ لم تكن حُبلى، وإنْ كانت حُبلى فلا تُحرّكيها»(2).

الثالث: (والذِّكر والإستغفار) لمصحّح ابراهيم بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام:

ص: 365


1- مصباح الفقيه: ج 1/387 ق 2.
2- التهذيب: ج 1/302 ح 48، وسائل الشيعة: ج 2/492 ح 2726.

«ما من مؤمنٍ غسّل مؤمناً وهو يقول وهو يُغسّله: يا ربِّ عَفوك عَفوك، إلّاعَفى اللّه عنه»(1).

والأولى أن يكون بما في خبر سعد الإسكاف، عن مولانا الباقر عليه السلام:

«أيّما مؤمنٍ غَسّل مؤمناً، فقال إذا قلّبه: اللّهُمَّ إنّ هذا بدنُ عَبدك المؤمن، خَرَجتْ روحُه منه، أو فرّقت بينهما، فَعَفوك عَفوك، إلّاغَفَر اللّه عزّ و جلّ له ذنوب سنةٍ إلّاالكبائر»(2).

***1.

ص: 366


1- الكافي: ج 3/164 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/494 ح 2732.
2- الكافي: ج 3/164 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/494 ح 2731.

وإرسالُ الماءِ إلى حفيرةٍ ، وتَغسيلَهُ تحت سقفٍ .

الرابع: (و) يستحبُّ (إرسال الماء إلى حفيرة) بأن تُحفر حفيرةً عند رِجْل الميّت كي يجري إليها ماء الغُسل.

ويشهد له: خبر سليمان بن خالد: «وكذلك إذا غُسّل، يُحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة»(1).

الخامس: (وتغسيله تحت سقفٍ ) أو نحوه، ويدلّ عليه:

1 - خبر طلحة بن زيد، عن مولانا الصادق عليه السلام: «أنّ أباه كان يُستحبّ أن يجعل بين الميّت وبين السماء سترٌ إذا غُسِّل»(2).

2 - وصحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال:

«سألته عن الميّت هل يُغسّل في الفضاء؟ قال: لا بأس، وإن سُتِر بسترٍ فهو أحبّ إليّ »(3).

***8.

ص: 367


1- الكافي: ج 3/127 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/452 ح 2624.
2- التهذيب: ج 1/432 ح 25، وسائل الشيعة: ج 2/539 ح 2849.
3- الكافي: ج 3/142 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/538 ح 2848.

واستقبالُ القبلة به.

السادس: (و) يستحبُّ (استقبالُ القبلة به)، كما هو المنسوب إلى المشهور(1).

وعن شيخ الطائفة في «المبسوط»(2)، والمصنّف في «المنتهى»(3)، والشهيد في «الدروس»(4)، والمحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(5)، وغيرهم في غيرها(6): وجوبه.

واستدلّ له بالأمر به في جملةٍ من النصوص، كحسن سليمان بن خالد المتقدّم.

واُجيبَ عنه تارةً : بأنّ تلك النصوص مشتملة على كثيرٍ من المستحبّات، فبقرينة السياق يُحمل هذا الأمر على الاستحباب.

واُخرى : بأنّه يتعيّن حمله عليه، لما عن «الخلاف»(7) و «الغنية»(8) و «المعتبر»(9)دعوى الإجماع عليه.

أقول: وفيهما نظر: إذ يرد على الإيراد الأوّل ما تكرّر منّا في هذا الشرح، من أنّ الاستحباب والوجوب إنّما ينتزعان من ترخيص الشارع في ترك المأمور به وعدمه، فإذا ورد الترخيص في ترك أحد الأمرين الّذين أمر بهما، دون أن يُرخَّص ترك الآخر، فإنّه لا سبيل إلى الالتزام باستحباب كليهما.8.

ص: 368


1- الحدائق الناضرة: ج 3/359.
2- المبسوط: ج 1/77.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/426.
4- الدروس: ج 1/110.
5- جامع المقاصد: ج 1/373.
6- رياض المسائل: ج 2/146.
7- الخلاف: ج 1/693.
8- غنية النزوع: ص 105.
9- المعتبر: ج 1/258.

ويرد على الثاني: ما عرفت من إفتاء غير واحدٍ بالوجوب.

فالصحيح أن يورد عليه: بأنّه يُحمل على الاستحباب، بقرينة الخبر الصحيح الذي رواه علي بن يقطين، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:

«عن الميّت كيفَ يُوضع على المُغتَسل ؟ موجِّهاً وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة ؟

قال عليه السلام: يوضع كيف تيسَّر، فإذا طَهر وضع كما يوضع في قبره»(1).

لظهور قوله عليه السلام: (كيف تيسَّر)، لا سيّما بعد ملاحظة إعادة الجملة في إرادة عدم اعتبار الوضع بكيفيّة خاصّة، حتّى في صورة كون الاستقبال هو أحد أفراد المتيسّر.

أقول: وبهذا البيان يندفع جميع ما أُورد على الاستدلال بالصحيح على عدم الوجوب. وعليه فالأظهر هو الاستحباب.

***3.

ص: 369


1- التهذيب: ج 1/298 ح 39، وسائل الشيعة: ج 2/491 ح 2723.

وغَسل رأسه وجَسَده برغوة السِّدر، وفَرْجه بالأشنان،

السابع: (و) يستحبُّ (غَسل رأسه) برغوة السِّدر، وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام كما في «المعتبر»(1).

ويشهد له: مرسل يونس المتقدّم، وفيه: «ثُمّ اغسل رأسه بالرَّغوة، وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء... الخ»(1).

وظاهره وإنْكان الوجوب، إلّا أنّه للإجماع على عدمه محمولٌ على الاستحباب.

الثامن: (و) يستحبُّ أيضاً غَسل (جَسَده برغوة السِّدر).

وفي «المعتبر»(3): دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له: في «المعتبر» بما رواه معاوية بن عمّار، قال:

«أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام أنْ اُوضّئه، ثمّ أغسله بالأشنان، وأغسل رأسه بالسِّدر ولحيته، ثمّ اُفيضَ على جسده منه، ثمّ أدلك به جسده»(2).

ولا بأس به، لأنّه وإنْ كان معارضاً مع ما هو أصحّ منه سنداً، المتضمّن أنّه لا يُغسّل الصدِّيق إلّاالصدِّيق، إلّاأنّه يستدلّ به في المقام لقاعدة التسامح فتدبّر.

التاسع: (و) يستحبّ أيضاً غَسل (فرجه بالأشنان) لخبر الكاهلي:

«فابدأ بفرجه بماء السِّدر والحرض» وهو الأشنان(3).8.

ص: 370


1- التهذيب: ج 1/301 ح 45، وسائل الشيعة: ج 2/480 ح 2696.
2- التهذيب: ج 1/303 ح 50، وسائل الشيعة: ج 2/484 ح 2701.
3- الكافي: ج 3/140 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/481 ح 2698.

وأن يُوضّأ، ويُحْشى للرجل.

العاشر: (وأن يُوضَّأ) وقد مرّ الكلام فيه.

الحادي عشر: (و) أن (يُحْشى للرَّجل) لخبري يونس وعمّار.

أقول: بقي من المستحبّات اُمورٌ لم يذكرها المصنّف رحمه الله، وقد أعرضنا عن ذكرها لإمكان الوقوف عليها، لمن راجع الأخبار في هذا الباب.

***

ص: 371

ويُكره إقعاده، وقَصّ أظافره.

مكروهات الغُسل

المقام السادس: في المكروهات.

(ويكره) عدّة اُمور، وهي:

الأوّل: (إقعاده) كما هو المشهور(1)، وعن «التذكرة»(2) نسبته إلى علمائنا، ويشهد له خبر الكاهلي، وفيه: «وإيّاك أن تُقْعِده»(3). وظاهره كصريح ابن سعيد(4)، وظاهر «الغنية»(5) هي الحرمة، إلّاأنّه محمولٌ على الكراهة للإجماع.

أقول: ولا يعارضه صحيح الفضل، عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث سأله عن الميّت، فقال عليه السلام: «إقعده واغمز بطنه غَمْزاً رفيقاً»(6)، لكونه موافقاً للعامّة على ما نقل عن جميعهم، فهو محمولٌ على التقيّة، أو على الجواز من جهة ورود الأمر مورد توهم الحظر، أو غير ذلك.

وعليه، فما عن «المعتبر» من التردّد في الكراهة لذلك ضعيفٌ .

(و) الثاني: (قَصّ أظفاره).

ص: 372


1- راجع المختصر النافع ص 12، كشف الرموز: ج 1/88، إرشاد الأذهان: ج 1/230.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/386.
3- الكافي: ج 1/140 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/481 ح 2698.
4- الجامع للشرائع: ص 53.
5- غنية النزوع: ص 101.
6- التهذيب: ج 1/446 ح 87، وسائل الشيعة: ج 2/484 ح 2702.

وتَرجيل شَعْره.

والثالث: (تَرجيل شعره) أي تسريحه وجَزّه ونتفه. بلا خلافٍ في مرجوحيّتهما.

بل عن «التذكرة»(1) و «المعتبر»(2): دعوى الإجماع عليها.

إنّما الكلام في أنّهما من المكروهات أو المحرّمات ؟

المشهور(3) هو الأوّل، وعن «الوسيلة»(4) و «الجامع»(5): الثاني. وقرّبه في «الحدائق»(6).

وعن «الخلاف»(7) و «الغنية»(8): دعوى الإجماع عليه.

وعن «المنتهى»(9): قال علمائنا لا يجوزُ قصّ شيءٍ من شعر الميّت ولا ظُفره، ولا يُسرّح لحيته.

أقول: وهو لو لم يكن أقوى ، فلا ريب في كونه أحوط، للنهي عنهما في جملةٍ من النصوص، كمرسل ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابه، عن مولانا الصادق عليه السلام: «لا يمسّ من الميّت شعرٌ ولا ظُفرٌ، وإنْ سقط منه شيءٌ فاجعله في كفنه»(10).8.

ص: 373


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 1/388.
2- المعتبر: ج 1/277.
3- جواهر الكلام: ج 4/157.
4- الوسيلة: ص 65.
5- الجامع للشرائع: ص 51.
6- الحدائق: ج 3/468.
7- الخلاف: ج 6/694.
8- غنية النزوع: ص 102.
9- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/431.
10- الكافي: ج 3/155 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/500 ح 2748.

ونحوه خبر(1) عبد الرحمن، وخبر(2) أبي الجاورد.

واستدلّ للأوّل:

1 - بأنّ النهي محمولٌ على الكراهة، لإعراض معظم الأصحاب عن ظاهره.

2 - وللتصريح بالكراهة في بعض النصوص، كخبر غياث، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كَره أمير المؤمنين عليه السلام أن تُحلق عانة الميّت إذا غُسِّل، أو يُقلّم له ظفرٌ، أو يُجزّ له شعر»(1).

ونحوه خبر طلحة بن زيد(2).

أقول: وفيهما نظر: إذ دعوى الإعراض، مع ذهاب جماعةٍ من الأساطين إلى الحرمة، ودعوى الإجماع عليها، كما ترى .

مع أنّ مَنْ لم يفتِ بالحرمة، اختار كراهتهما، وهذا كاشفٌ عن استنادهم إلى هذه النصوص، غاية الأمر حملوها على الكراهة، والكراهة في النصوص أعمّ من الكراهة المصطلحة.

***).

ص: 374


1- الكافي: ج 3/156 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/500 ح 2749.
2- وسائل الشيعة: ج 2/500 (باب عدم جواز إزالة شيء من شعر الميّت).
البحث الثالث: التكفين
اشارة

الثالث: التكفين، ويجب تكفينه في ثلاثة أثواب:

تكفين الميّت
اشارة

المبحث (الثالث): في (التكفين).

(ويجبُ تكفينه في ثلاث أثواب) على المشهور شهرةً عظيمة(1).

بل عن غير واحدٍ من الأساطين(2): دعوى اتّفاق الكلّ عليه سوى سلّار.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

1 - خبر عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «الميّت يكفّن في ثلاثة أثواب، سوى العمامة والخرقة... الخ»(3).

2 - وموثّق سماعة، قال: «سألته عمّا يُكفّن به الميّت ؟ قال عليه السلام: ثلاثة أثواب، وإنّما كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وثوبُ حِبرة، والصحارية تكون باليمامة، وكُفِّن أبو جعفر عليه السلام في ثلاثة أثواب»(4).

ونحوهما غيرهما(5).

واستدلّ لسلّار: بصحيح زرارة المرويّ في «التهذيب» عن مولانا الباقر عليه السلام:

«العمامة للميّت من الكفن هي ؟ قال عليه السلام: لا، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب، أو

ص: 375


1- راجع السرائر: ج 1/160.
2- السرائر: ج 1/160، تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/7، إيضاح الفوائد: ج 1/61.
3- التهذيب: ج 1/291 ح 18، وسائل الشيعة: ج 3/7 ح 2872.
4- التهذيب: ج 1/291 ح 18، وسائل الشيعة: ج 3/7 ح 2872.
5- وسائل الشيعة: ج 3/7 (باب عدد قطع الكفن الواجب والندب وأحكامها).

ثوب تامّ يواري به جسده كلّه، فما زاد فهو سُنّة»(1).

وفيه: أنّه لو سُلّمت معقوليّة التخيير بين الأقلّ والأكثر، مع عدم المغايرة بينهما بوجهٍ ، وعدم كون الأكثر مستحبّاً، يرد عليه أنّ الصحيح مرويٌّ بألفاظٍ مختلفة، فعن «الكافي»(2) وبعض نسخ «التهذيب» روايته (بالواو) بدل (أو).

وعن «الروض»(3) وأكثر نسخ «التهذيب»(4) روايته بحذف (وثوب).

وعن «الحدائق»(5): أنّ هذا هو الموافق لأصل نسخة «التهذيب» المكتوبة بخط الشيخ رحمه الله.

وعن أكثر النسخ المعتبرة روايته مع إسقاط حرف العطف كليّة.

أقول: ومع هذا الاختلاف، لا مجال للاستدلال به، كما لا يخفى .

مضافاً إلى أنّه بعد مخالفة الخبر للإجماع والنصوص الاُخر المتقدّم بعضها، وموافقته للجمهور كافّة، يُطرح أو يُحمل على التقيّة، أو على إرادة حالتي الاختيار والاضطرار.2.

ص: 376


1- الكافي: ج 3/144 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/6 ح 2867.
2- الكافي: ج 3/144 ح 5.
3- روض الجنان (ط. ق) ص 102.
4- التهذيب: ج 1/291 ح 19.
5- نسبه إليه في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/389 ق 2.

مِئْزَرٌ، وقَميصٌ ، وإزار.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو لزوم ثلاث قطعات، والمشهور بين الأصحاب أنّ القطع الثلاث هي (مِئزرٌ، وقميصٌ ، وإزار)، بل هو معقد إجماع «الخلاف»(1)و «الغنية»(2) وغيرهما(3).

أمّا المئزر: فكونه منها هو المشهور بين الأصحاب(4)، بل عن «المنتهى»(5):

المئزر واجبٌ عند علمائنا، وقريبٌ منه ما عن غيره(6)، وتوقّف المحقّق الأردبيلي(7)في ذلك.

وفي «المدارك»(8): وأمّا المئزر فقد ذكره الشيخان وأتباعهما، وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة، ولم أقف في الروايات على ما يعطى ذلك، بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجَسَد، أو الأثواب الثلاثة. وبمضمونها أفتى ابن الجُنيد في كتابه - إلى أن قال -: وقريبٌ منه عبارة الصدوق في «من لايحضره الفقيه»، وتبعه الأمين الاسترآبادي، وبالغ في الطعن على المشهور، حتّى أنّه نسبه إلى جمعٍ من المتأخّرين.

أقول: وكيف كان، فيشهد للمشهور - مضافاً إلى معروفيّة ذلك لدى المتشرّعة،5.

ص: 377


1- الخلاف: ج 1/701.
2- غنية النزوع: ص 102.
3- مستند الشيعة: ج 3/182.
4- راجع أحكام النساء: ص 60، الاقتصاد: ص 247، الوسيلة: ص 65.
5- راجع منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/439.
6- جواهر الكلام: ج 4/161.
7- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/188.
8- مدارك الأحكام: ج 2/95.

ومغروسيّته في أذهانهم، مع شدّة اهتمامهم بهذا الأمر، وبنائهم على الاحتياط فيه مهما تيسَّر - جملةٌ من النصوص:

منها: خبر معاوية بن وهب - الذي لا كلام في اعتباره الأمن ناحية سهل، وأمره سهل - عن مولانا الصادق عليه السلام:

«يُكفَّن الميّت في خمسة أثواب: قميصٌ لا يُزرّ عليه، وإزار، وخِرقةٌ يُعصَّب بها وسطه، وبُردٌ يُلفّ فيه، وعِمامةٌ يعتمّ بها، ويُلْقى فضلها على صدره»(1).

وفي رواية الشيخ(2): (على وجهه)، بناءً على عدم وجوب الخرقة والعمامة، كما هو المتّفق عليه نصّاً وفتوىً . فيبقى القميص والإزار واللّفافة.

أقول: والمراد بالإزار هو المئزر لوجوهٍ :

منها: كونه المراد به في كثيرٍ من النصوص الواردة في الأبواب المتفرّقة، كباب الإحرام، وأحكام الحائض، وآداب الحمّام، وغيرها من مواقع استعماله، فإنّ ذلك كاشف عن إرادته منه عند الإطلاق.

ومنها: تصريح جمعٍ من اللّغويين به(3).

ومنها: جعله في الخبر قسيماً لما يُلفّ فيه الميّت، إذ لو كان المراد به أيضاً ما يلف فيه الميّت، كان الأولى أن يقول بلفافتين إحداهما بُردٌ، ويؤيّده:

1 - فهم الأصحاب.

2 - وصحيح ابن مسلم، عن مولانا الباقر عليه السلام: «يُكفّن الرّجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: دِرْعٌ ، ومنطق، وخِمار، واللّفاقتين، فإنّ المنطق هو3.

ص: 378


1- الكافي: ج 3/145 ح 11، وسائل الشيعة: ج 3/10 ح 2879.
2- التهذيب: ج 1/293 ح 26، وسائل الشيعة: ج 3/10 ح 2879.
3- كتاب العين: ج 7/382، قال: (والمئزر: الإزار نفسه)، النهاية في غريب الحديث: ج 1/94، مختار الصحاح: ج 1/15، المصباح المنير: ج 1/13.

ما يشدّ في الوسط فهو المئزر»(1).

3 - وموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تبدأ فتبسط اللّفافة طولاً، ثمّ تذرّ عليها من الذريرة، ثمّ الإزار طولاً حتّى تغطّي الصدر والرِّجلين، ثمّ الخِرقة عرضها شبر ونصف، ثمّ القميص»(2).

فإنّه صريحٌ في عدم إرادة ما يشمل البدن من الإزار.

4 - وصحيح عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

«كيف أصنع بالكفن ؟ قال عليه السلام: تأخذ خِرقة فتشدّها على مقعدته ورجليه، قلت: فالإزار؟ قال عليه السلام: إنّها لا تعدّ شيئاً، إنّما تصنع لتضمّ ما هناك لكيلا يخرج منها شيء»(3).

فإنّه مضافاً إلى ما عرفت من أنّ المراد بالإزار في النصوص المئزر، يشهد لإرادته منه في الصحيح ظاهر السؤال، لأنّه لولا كون المراد بذلك لم يكن وجهٌ لتوهّم السائل كفايته عن الخرقة، إذ لا مناسبة بين الخرقة وما يُلفّ جميع البدن، كي يتوهّم عدم الاحتياج إليها معه، وحيث أنّه عليه السلام قرّره على ذلك، وأجاب بأنّ فائدة الخرقة شيءٌ لا يتأتّى بالإزار، فهو يدلّ على ذلك.

ويؤيّد المشهور:

1 - خبر يونس بن يعقوب، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، قال:

«سمعته يقول: إنّي كفّنت أبي في ثوبين شطويين، كان يُحرْم فيهما، وفي قميصٍ من قُمُصه، وفي عمامةٍ كانت لعليّ بن الحسين عليه السلام، وفي بُرْدٍ اشتريته بأربعين ديناراً»(4).1.

ص: 379


1- الكافي: ج 3/147 ح 3، وسائل الشيعة: ج 3/8 ح 2875.
2- التهذيب: ج 1/305 ح 55، وسائل الشيعة: ج 3/33 ح 2955.
3- الكافي: ج 3/144 ح 9، وسائل الشيعة: ج 3/8 ح 2874.
4- الكافي: ج 1/475 ح 8، وسائل الشيعة: ج 3/10 ح 2881.

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عن سيّدناالصادق عليه السلام: «كان ثوبا رسول اللّه صلى الله عليه و آله اللّذان أحرم فيهما يمانيّين عبري وأظفار وفيهما كُفِّن»(1).

لأنّ أحد ثوبي الإحرام المئزر، فهما وإنْ لم يدلّا على هذا القول - إذ لا ملازمة بين كون أحد ثوبي الإحرام المئزر، والإتّزار به حال التكفين، لجواز كونه قدر ما يصلح لأنْ يشمل لجميع الجسد، ويُستعمل في الكفن - إلّاأنّهما يصلحان للتأييد.

وعلى فرض التنزّل، وتسليم عدم دلالة ما تقدّم على المشهور، فلا أقلّ من الإجمال، وحيث أنّ الأمر دائرٌ بين الأقلّ والأكثر، فيتعيّن البناء على ذلك، لأصالة عدم وجوب الستر بالزائد عن هذا الحَدّ.

واستدلّ للقول الآخر:

1 - بالنصوص الدالّة على اعتبار ثلاثة أثواب، أو ثوبين ما عدا القميص.

منها: حَسَن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«كتبَ أبي في وصيّته أنْ اُكفّنه بثلاثة أثواب»(2).

ومنها: صحيح أبي مريم الأنصاري، قال: «سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: «كُفِّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب: بُرُدٌ أحمر، حِبرة، وثوبين أبيضين صحاريين»(3).

ومنها: مرسل يونس، عن بعض أصحابه، عن السيّدين عليهما السلام: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب»(4).

ونحوهما غيرها(5).).

ص: 380


1- الكافي: ج 4/339 ح 2، وسائل الشيعة: ج 3/16 ح 2902.
2- الكافي: ج 3/144 ح 7، وسائل الشيعة: ج 3/9 ح 2876.
3- التهذيب: ج 1/296 ح 37، وسائل الشيعة: ج 3/7 ح 2869.
4- التهذيب: ج 1/291 ح 19، وسائل الشيعة: ج 3/8 ح 2873.
5- وسائل الشيعة: ج 3 (باب عدد قطع الكفن الواجب والندب).

2 - وبصحيح زرارة المتقدّم: «ثلاثة أثواب تامّ ، لا أقلّ منه يوارى فيه جسده كلّه» على ما رواه في محكيّ «التهذيب»، فإنّه ظاهرٌ في اعتبار أنْ يكون كلّ ثوب شاملاً للبدن كلّه.

3 - وبحسن حُمران بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمّ يُكفّن بقميصٍ ولفافةٍ وبُردٍ، يجمع فيه الكفن»(1)، إذ اللّفافة ما يلفّ جميع البدن.

4 - وبحسن الحلبي: «وليس تعدّ العمامة من الكفن، إنّما يعدّ ما يُلفّ به الجسد»(2).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا نصوص التكفين في الأثواب: فلعدم ظهور الثوب في الشامل لجميع البدن، لعدم أخذ الشمول في مفهومه، ولذا عَدّ القميص من الأثواب، واُطلق (الثوب) على المئزر في نصوص الإحرام من غير تجوّزٍ.

وأمّا صحيح زرارة: فقد مرَّ ما فيه من التشويش.

وأمّا حَسَن حُمران: فلعدم الملازمة بين اللّف والشمول، بل قوله عليه السلام فيه: (وبُرْدٍ يجمعُ فيه الكفن). يشعر بعدم كون اللّفافة شاملة.

نعم، الشمول مأخوذ في التكفين، ولكنّه لو اُضيف إلى المتعدّد، لا ظهور له في الشمول بالإضافة إلى كلّ واحد من المتعدّد، كما لا يخفى .

وبذلك يظهر الجواب عن حَسَن الحلبي.6.

ص: 381


1- التهذيب: ج 1/447 ح 90، وسائل الشيعة: ج 3/34 ح 2956.
2- الكافي: ج 3/144 ح 7، وسائل الشيعة: ج 3/9 ح 2876.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما اختاره المشهور.

وكيف كان، فظاهر الأصحاب على ما نَسب إليهم صاحب «الحدائق»(1): أنّ المئزر ما يَستر من السُّرة إلى الرُّكبة.

وعن المحقّق الثاني(2): اعتبار سترهما.

وعن «المقنعة»(3) و «المراسم»(4): أنّه من سُرَّته إلى حيث يبلغ من ساقيه.

وعن مختصر «المصباح»(5): إلى حيث يبلغ.

أقول: والأوّل أظهر، لصدق المئزر عليه عرفاً، وأصالة البراءة عن اعتبار الزائد عليه.

نعم، الأفضل أن يكون من الصدر إلى القدم، لموثّق عمّار المتقدّم.

وأمّا القميص: فكونه منها هو المشهور(6).

وعن «الخلاف»(7) و «الغنية»(8): الإجماع عليه.

وتشهد له: النصوص الكثيرة المتقدّم بعضها في المئزر.

وعن الإسكافي(9): التخيير بينه وبين ثوبٍ شاملٍ .0.

ص: 382


1- الحدائق الناضرة: ج 4/13.
2- جامع المقاصد: ج 1/382.
3- المقنعة: ص 78.
4- المراسم العلويّة: ص 50.
5- نسبه إليه في مفتاح الكرامة: ج 4/10.
6- راجع الاقتصاد: ص 247، الوسيلة: ص 65، السرائر: ج 1/160.
7- الخلاف: ج 1/702.
8- غنية النزوع: ص 103.
9- نسبه إليه في مفتاح الكرامة: ج 4/10.

واستوجهه المحقّق الثاني(1)، وتبعهما الشهيد الثاني(2) وجَمعٌ ممّن تأخّر عنهم(2).

واستدلّ له: بخبر محمّد بن سهل، عن أبيه: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الثياب التي يُصلّي فيها الرّجل ويصوم، أيُكفّن فيها؟ قال عليه السلام: أحبُّ ذلك الكفن (يعني قميصا). قلت: يُدرج في ثلاثة أثواب ؟ قال عليه السلام: لا بأس به، والقميصُ أحبُّ إليَّ »(3)وروى الصدوق نحوه(4).

وفيه: أنّ الجمع العرفي بينهما وبين ما تقدّم، وإنْ كان يقتضي الالتزام بذلك، إلّا أنّه لإعراض الأصحاب عنهما لا يُعتمد عليهما.

والمراد بالقميص الواصل إلى نصف السابق، لأنّه المتعارف في ذلك الزمان، كذا في طهارة الشيخ الأعظم رحمه الله(5).

القطعة الثالثة: الإزار، وكونه من الأثواب الثلاثة ممّا اتّفق عليه الأصحاب، وهو ما يُغطّي جميع البدن، بلا خلاف فيه، بل هو المتّفق عليه نصّاً وفتوىً .

وعن «جامع المقاصد»(6) و «الروض»(8) و «الرياض»(7): اعتبار أن يكون في الطول بحيث يمكن أن يُشدّ طرفاه.0.

ص: 383


1- جامع المقاصد: ج 1/384. (2و8) روض الجنان (ط. ق): ص 103.
2- راجع الحدائق الناضرة: ج 4/3، كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/298.
3- وسائل الشيعة: ج 3/7 ح 2871.
4- الفقيه: ج 1/153 ح 422.
5- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/298.
6- جامع المقاصد: ج 1/381.
7- رياض المسائل: ج 2/170.

وعن الأخيرين: اعتبار أنْ يكون في العرض بحيث يُوضع أحد جانبيه على الآخر.

واستدلّ لكلّ منهما: بعدم تبادر غير ذلك، وهو كما ترى. وعليه، فالاكتفاء بالخياطة أظهر، وإنْ كان ذلك أحوط.

***

أقول: هاهنا فروع يقتضي البحث عنها، وهي:

ص: 384

فروع:
لو لم يوجد إلّاثوبٌ واحد

الفرع الأوّل: فيما لو تعذّرت الأثواب الثلاثة، ولم يوجد غير ثوبٍ واحدٍ، فالمشهور بين الأصحاب(1) وجوب التكفين به على ما نُسب إليهم، بل عن «التذكرة»(2): دعوى الإجماع عليه.

واستدلّوا له:

1 - بقاعدة الميسور.

2 - وبالاستصحاب.

3 - وبأنّ الضرورة تبيح دفنه بغير كفن، فببعضه أولى .

أقول: والكلّ كما ترى .

أمّا القاعدة: فغير ثابتة في أمثال المقام، كما أشرنا إليه غير مرّة.

نعم يتمّ الاستدلال بها بناءً على أن يكون التكفين بكلّ قطعةٍ واجباً مستقلّاً.

وأمّا الاستصحاب: فهو أيضاً غير جارٍ في ما إذا تعذّر بعض أجزاء الواجب، كما حقّقناه في محلّه، وأشرنا إليه في مبحث الجبائر.(3)

وأمّا الثالث: فمقتضاه جواز التكفين ببعضه لا وجوبه.

فإذاً لا دليل على وجوب الميسور، سوى الإجماع إنْ ثبت، وكان تعبّديّاً لا مستنداً إلى ما تقدّم، وطريق الاحتياط معلوم.

وعلى فرض الوجوب:

ص: 385


1- راجع منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/438، روض الجنان (ط. ق) ص 102.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/7.
3- فقه الصادق: ج 2/101.

1 - لو دار الأمر بين واحد من الثلاثة، فمقتضى الجمود على القواعد، وإنْ كان هو التخيير، بناءً على ما أشرنا إليه مراراً من أنّ الأصل هو التخيير في موارد التنافي بين الأوامر الضمنيّة، لأنّها من موارد التعارض لا التزاحم، إلّاأنّه لايبعد دعوى تقدّم الإزار على القميص والمئزر، والقميص على المئزر:

إمّا للإجماع إنْ ثبت.

أو لكون الإزار أقرب إلى الواجب من الأخيرين، والقميص أقربُ إليه من المئزر في الفائدة.

فتأمّل لتطرّق الخدشة في كلّ منهما.

2 - ولو لم يكن إلّامقدار سَتر العورة، تعيّن، كما صرّح به غَير واحدٍ، لما ورد في الخبر المرويّ عن الفضل: «إنّما أُمر أن يُكفّن الميّت، ليلقى ربّه طاهر الجسد، ولئلّا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه... الخ»(1).

فإنّه ظاهرٌ في مطلوبيّة ستر العورة في نفسه، فتدبّر.

***6.

ص: 386


1- وسائل الشيعة: ج 3/5 ح 2866.
هل يعتبر في كلّ ثوبٍ من الأثواب الثلاثة أن يكون ساتراً

الفرع الثاني: هل يعتبر في كلّ ثوبٍ من الأثواب الثلاثة:

1 - أن يكون وحده ساتراً لجميع ما تحته كما عن «الروض»(1) و «جامع المقاصد»(2).

2 - أم يكفي حصول السّتر بالمجموع، كما عن غير واحدٍ(3).

3 - أم لا يعتبر ذلك أيضاً، كما عن بعض متأخّري المتأخّرين(4)؟

وجوهٌ أقواها أوسطها.

أقول: هنا دعويان:

الدعوى الاُولى: اعتبار الستر بالمجموع، والشاهد عليه:

صحيح زرارة المتقدّم، وفيه: «أو ثوبٌ يوارى فيه جسده كلّه»(5).

وخبر الفضل: «إنّما أمر أنْ يُكفّن الميّت ليلقى ربّه طاهر الجسد، ولئلّا تبدو عورته لمن يحمله لو يدفنه، ولئلّا يظهر النّاس عليبعض حاله وقُبح منظره... الخ»(6).

الدعوى الثانية: عدم اعتبار كون كلّواحدٍ ساتراً لما تحته وحده، والشاهدعليه:

1 - إطلاق الأدلّة.

2 - والأصل. واستدلّ لاعتباره: بأنّه المتبادر من إطلاق الثوب.

3 - وبما دلَّ على اعتبار أن يكون الكفن ممّا يصلّى فيه.

أقول: ولكن التبادر ممنوع، وما دلّ على اعتبار كونه ممّا يُصلّى فيه إنّما سيق لبيان جنس الكفن لا وصفه، مع أنّ دليله ليس إلّاالإجماع كما سيمرّ عليك، وحجيّته محلّ نظرٍ وكلام.

***

ص: 387


1- روض الجنان (ط. ق): ص 103.
2- جامع المقاصد: ج 1/382.
3- الحدائق الناضرة: ج 4/17، جواهر الكلام: ج 4/172.
4- نسبه إليهم في مستمسك العروة: ج 4/154.
5- التهذيب: ج 1/292 ح 22، وسائل الشيعة: ج 3/6 ح 2867.
6- وسائل الشيعة: ج 3/5 ح 2866.
لا يجوز التكفين بالحرير
اشارة

الفرع الثالث: المشهور بين الأصحاب(1): أنّه يعتبر في الكفن أنْ لا يكون من الحرير المَحض.

بل عن «المعتبر»(2) و «التذكرة»(3) و «النهاية»(4) و «الذكرى»(5) وغيرها(6):

دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له:

1 - بمضمر الحسن بن راشد: «سألته عن ثيابٍ تُعمل بالبصرة على عمل العَصب اليماني من قَزّ وقُطن، هل يصلح أن يكفّن فيها الموتى ؟ قال عليه السلام: إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس»(7).

ولا يضرّ إضماره لما عن «الذكرى»(8) من عَدّه من المقبولات، كما أنّ اشتراك الحسن بن راشد بين مولى آل المُهلّب الثقة، وبين مولى المنصور الضعيف، لايضرّ بالسّند، إذ الظاهر أنّ من في سند هذا الخبر هو الأوّل لرواية ابن عيسى عنه، وروايته في «الفقيه» مرسلاً عن أبي الحَسَن الثالث عليه السلام، كما أنّ دعوى أنّ ثبوت البأس أعمّ من عدم الجواز، فاسدة لظهوره فيه.

واستدلّ له أيضاً:

2 - بما في جملةٍ من النصوص من النهي عن التكفين بكسوة الكعبة، مع الإذن

ص: 388


1- راجع المبسوط: ج 1/176، الوسيلة ص 67، نهاية الإحكام: ج 2/242.
2- المعتبر: ج 1/282.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/5.
4- نهاية الاحكام: ج 2/242.
5- الذكرى: ج 1/355.
6- مدارك الأحكام: ج 2/95، التحفة السنيّة (مخطوط) ص 352.
7- الكافي: ج 3/149 ح 12، وسائل الشيعة: ج 3/45 ح 2986.
8- الذكرى: ج 1/355.

في البيع وسائر التصرّفات فيها: كخبر عبد الملك عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن رجلٍ اشترى من كسوة الكعبة، فقضى ببعضها حاجته، وبقي بعضها في يده، هل يصلح بيعه ؟ قال عليه السلام: يبيع ما أراد ويهب، مالم يرده ويستنفع به، ويطلب بركته. قلت: أيُكفَّن به الميّت ؟ قال عليه السلام: لا»(1).

ونحوه غيره(2).

بناءً على أنّه لا وجه للنهي عن التكفين بها، سوى كونها حريراً، وإلّا كان التكفين بها راجحاً للتبرّك.

3 - وبالكليّة الآتية من اعتبار كون الكفن من جنس ما يُصلّى فيه الرّجل.

4 - وبما عن «الدعائم»، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يُكفّن الرجال في ثياب الحرير»(3).

وبقاعدة الاحتياط.

ويرد على الأوّل: أنّ مفهومه ثبوت البأس في الثوب غير الخالص، إذا لم يكن قطنه أكثر، ولا يشمل الحرير الخالص، لعدم شمول الموضوع المأخوذ فيه له كما هو واضح.

وعليه، فبما أنّه لم يُعمل به في مورده، فلا وجه لدعوى ثبوت الحكم للحرير المحض بالأولويّة.

ويرد على الثاني: أنّ مناط النهي عن التكفين بكسوة الكعبة غير معلوم، ولعلّه يكون لمنافاته الاحترام أو غيرها.

ويرد على الثالث: ما سيأتي من عدم ثبوت تلك الكليّة.2.

ص: 389


1- الكافي: ج 3/148 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/44 ح 2983.
2- وسائل الشيعة: ج 3/44 (باب عدم جواز تكفين الميّت في كسوة الكعبة).
3- المستدرك: ج 2/226 ح 1859، دعائم الإسلام: ج 1/232.

ويرد على الرابع: أنّه ضعيف السند، ولم يكن استناد الأصحاب إليه في مقام العمل كي ينجبر ضعفه بالعمل، بل الظاهر عدم استنادهم إليه، إذ الأصحاب - إلّا القليل منهم - لم يفرّقوا بين الرجال والنساء، والخبر مختصٌّ بالرِّجال.

وأمّا القاعدة: فهي ليست مرجعاً في أمثال المقام، ممّا يقتضي إطلاق الأدلّة وأصالة البراءة عدم اعتبار المشكوك فيه، فإذاً العمدة هو الإجماع.

وأمّا خبر إسماعيل بن زياد: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: نِعْم الكفن الحُلّة»(1). فعلى فرض كون المراد بالحُلّة الحرير، مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً، كما منعه جماعة، فمطروحٌ أو محمولٌ على التقيّة لما تقدّم.

أقول: ثمّ إنّه عليتقدير اعتبار ذلك، هل يختصّ بالرجال أم يعمّ النساء؟ وجهان:

المشهور بين الأصحاب هو الثاني.

وعن المصنّف في «النهاية»(2) و «المنتهى»(3): احتمال جواز تكفين المرأة به.

أقول: إنْ كان مدرك الحكم هي الكليّة المذكورة، أو خبر «الدعائم»، فاختصاصه بالرِّجال معلومٌ .

كما أنّه لو صحّ التمسّك باستصحاب المنع في حقّ الرجال، لاختصّ بهم.

وإنْ كان المدرك الإجماع، أو ما دلَّ على النهي عن التكفين بكسوة الكعبة، أو مضمر الحسن، أو قاعدة الاحتياط، فاختصاصه بهم بلا وجه.

وبالجملة: فالأشبه عموم المنع.

***8.

ص: 390


1- التهذيب: ج 1/437 ح 51، وسائل الشيعة: ج 3/45 ح 2987.
2- نهاية الاحكام: ج 2/242.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/438.
التكفين بما لا يؤكل لحمه

أقول: يدور البحث في المقام عن حكم التكفين بما لا يؤكل لحمه:

فظاهر المصنّف والمحقّق(1)، وجماعة، حيث اقتصروا في المنع على الحرير، أنّه لا منع في مطلق ما لا تجوز فيه الصَّلاة، كأجزاء ما لا يؤكل لحمه والمُذهّب.

ونُسِب إلى المشهور(2) ثبوت المنع في مطلق مالا تجوز فيه الصَّلاة.

واستدلّ له:

1 - بقاعدة الاشتغال.

2 - وبالقاعدة الّتي بنى عليها المصنّف(3) والمحقّق(4) والشهيدان(5) والمحقّق الثاني(6) في جملةٍ من كتبهم، من أنّه لا يجوز أن يكون الكفن ممّا لاتجوز فيه الصَّلاة.

وعن المحقّق الأردبيلي(7) وابن زُهرة(8): دعوى الإجماع عليها، واستشهد لها بالإجماع وبخبر محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تجمّروا الأكفان، ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا الكافور، فإنّ الميّت بمنزلة المُحْرِم»(9).

بضميمة ما دلّ على عدم جواز الإحرام بما لا تجوز فيه الصَّلاة. كحسن حريز

ص: 391


1- شرائع الإسلام: ج 1/32.
2- راجع غنية النزوع: ص 102، جامع الخلاف والوفاق: ص 110، غنائم الأيّام: ج 3/423.
3- قواعد الاحكام: ج 1/18.
4- المختصر النافع: ص 12.
5- روض الجنان (ط. ق): ص 103.
6- جامع المقاصد: ج 1/379.
7- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/189.
8- غنية النزوع: ص 102.
9- الكافي: ج 3/147 ح 2، وسائل الشيعة: ج 3/18 ح 2908.

ابن هاشم: «كلّ ثوب تُصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»(1).

أقول: ويرد على هذه الأدلّة:

أمّا قاعدة الاشتغال: فقد عرفت أنّه لا يرجع إليها في أمثال المقام، لا سيّما مع وجود المطلقات.

وأمّا القاعدة الثانية: وهي عدم جواز التكفين بما لا تجوز فيه الصَّلاة، فالعمدة فيها الإجماع إنْ ثبت، لأنّ خبر ابن مسلم - مضافاً إلى ضعف سنده - لايُستفاد منه عموم المنزلة، إلّابناءً على القول بحُرمة مسح الميّت بالطيب.

وأمّا بناءً على القول بالكراهة، كما هو المشهور، فيتعيّن الالتزام بكون التنزيل على وجه الاستحباب، بمعنى أنّه ينبغي أن يُنزّل الميّت منزلة المُحْرِم كي لا يلزم تخصيص المورد المستهجن.

وعدم كون ترك مسّ الطيب من الأركان، بخلاف كسوته، لا يوجب رفع الاستهجان، كما لا يخفى .

مع أنّه يدلّ على عدم عموم المنزلة، ماورد في من مات مُحْرِماً، الظاهر في عدم كون الميّت بمنزلة المُحْرِم، لاحظ الخبر الصحيح الذي رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«يُغطّى وجهه، ويصنع به ما يَصنَعُ بالمُحِلّ ، غير أنّه لا يُقرّبه طيباً»(2).

مضافاً إلى أنّ أحداً من الأصحاب لم يفهم منه عموم المنزلة، ولذا لم يَبْنِ أحدٌ على لزوم مراعاة جميع تروك الإحرام وأفعاله بالنسبة إلى الميّت لهذا الخبر.

وبالجملة: فالقول بالمنع لا دليل عليه، نعم هو أحوط.

***2.

ص: 392


1- الفقيه: ج 2/334 ح 2595، وسائل الشيعة: ج 12/359 ح 16505.
2- التهذيب: ج 5/384 ح 251، وسائل الشيعة: ج 2/504 ح 2762.
اعتبار طهارة الأثواب

الفرع الرابع: تعتبر طهارة الأثواب التي يكفّن بها الميّت إجماعاً، كما في «المعتبر»(1). وعن «التذكرة»(2) و «الذكرى »(3).

ويشهد لاعتبارها ما دلَّ على وجوب إزالة النجاسة عن الكفن بعد التكفين، إذ لو وجبت الإزالة بعده فقبله أولى . ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ما عُفي عنه في الصَّلاة، وما لم يعف عنه، ولعلّ مَنْ فَرّق بينهما استند في هذا الحكم إلى الكليّة المتقدّمة، وهي تقتضي هذا التفصيل، كما لا يخفى .

أقول: وبما ذكرناه ظهر عدم جواز التكفين في جلد الميتة.

وأمّا جِلْد المأكول المُذكّى : فعن جماعةٍ منهم الفاضلان(4) والشهيد(5) والمحقّق الثاني(6): المنع عن التكفين به.

بل ظاهر كلام المحقّق الأردبيلي(7) كون الحكم مظنّة الإجماع، حيث قال: (وأمّا اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يُصلّى فيه، وكون غير جلدٍ فكأنّ دليله الإجماع). انتهى.

ويشهد به: ما دلَّ (8) من النصوص على اعتبار كون الكفن بالثياب غير الشاملة للجلود صرفاً أو انصرافاً، ويؤيّده الأمر بنزعه من الشهيد، مع أنّه يُجمع

ص: 393


1- المعتبر: ج 1/275.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/7.
3- الذكرى: ج 1/355.
4- المعتبر: ج 1/279، نهاية الإحكام: ج 2/242.
5- البيان (ط. ق): ص 25.
6- جامع المقاصد: ج 1/379.
7- مجمع الفائدة: ج 1/191.
8- وسائل الشيعة: ج 3/6 (باب عدد قطع الكفن الواجب والندب وجملة من أحكامها).

ما عليه في الدفن معه.

ودعوى:(1) أنّ التعليل في خبر الفضل المتقدّم، يقتضي عدم الفرق بين أفراد ما يحصل به السّتر والمواراة.

مندفعة: بأنّه إنّما يكون تعليلاً لأصل الوجوب، لا لجميع واجباته، ولذا لم يفتِ أحدٌ غير سلّار(2) بالاكتفاء بثوبٍ واحد ساترٍ لجميع الجَسَد.

وأضعفُ منها: التمسّك بإطلاق لفظ (الإزار) و (القميص) و (اللّفافة) ونحو ذلك، إذ يجب حملها على الثياب، حَمْلاً للمطلق على المقيّد.

وعليه، فما عن ظاهر «الغنية»(3) و «الدروس»(4) وصريح «الروضة»(5) من الالتزام بالجواز، ضعيفٌ .

ثمّ هل يجوز التكفين بالصُّوف ووبر ما يؤكل لحمه وشعره، كما هو المشهور(6)أم لا؟ وجهان:

أقول: أقواهما الأوّل، لإطلاق الأدلّة.

وعن الإسكافي(7) المنع في الوبر والشعر، واستدلّ له بموثّق عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام:

«الكفن يكون بُرداً، فإنْ لم يكن بُرْداً فاجعله كلّه قُطناً، فإنْ لم تجد عمامةَ قطنٍ ،8.

ص: 394


1- مستمسك العروة: ج 4/158.
2- نسبه إليه في كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/296.
3- غنية النزوع: ص 102، قوله: (ولا يجوز أن يكون ممّا لا تجوز الصَّلاة فيه من اللّباس).
4- الدروس: ج 1/107 درس 12 قوله: (يجب تكفينه في مئزر وقميص وإزار من جنس ما يُصلّي فيه الرّجل. وهذا ظاهر في شموله للجلد المذكّى ).
5- اختاره الشهيد الثاني في روض الجنان مع الضرورة راجع: ص 103 (ط. ق).
6- راجع السرائر: ج 1/262.
7- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/368.

فاجعل العمامة سابُريّاً»(1).

لكنّه لإعراض الأصحاب عنه لا يُعتمد عليه.

ومنه يظهر ضعف ما عن الصدوق(2) من عدم جوازه في الكتّان، لخبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الكتّان كان لبني إسرائيل يُكفِّنون به، والقُطن لأُمَّة محمّد صلى الله عليه و آله»(3).

لا يجوز التكفين بالمغصوب إجماعاً

الفرع الخامس: لا يجوز التكفين بالمغصوب إجماعاً، محصّلاً ومنقولاً، كما في «الجواهر»(4) للنهي عن التصرّف في المغصوب، المقتضي لحرمته، المانعة عن اتّصافه بالوجوب، والموجبة لاختصاص دليل الوجوب بغيره، فهو ليس مصداقاً للتكفين الواجب، ولا فرق في ذلك بين كونه عباديّاً وغيره.

***

ص: 395


1- الكافي: ج 3/149 ح 10، وسائل الشيعة: ج 3/30 ح 2949.
2- الفقيه: ج 1/147.
3- الكافي: ج 3/149 ح 7، وسائل الشيعة: ج 3/42 ح 2979.
4- جواهر الكلام: ج 4/169.
التكفين في حال الاضطرار

أقول: ما قيل من الأحكام في الفروع الآنفة جميعها مختصّة بحال الاختيار.

الفرع السادس: وأمّا مع الاضطرار فلا ريب في المنع في المغصوب، وذلك لما مرّ من أنّ وجوب التكفين ليس وجوباً مطلقاً، ولذا لا يجبُ بذل الكفن، بل يكون مشروطاً بوجوده.

وعليه، فما دلّ على حرمة التصرّف في مِلْك الغير، يكون رافعاً للشرط، فلا وجوب.

وهذا هو وجهٌ آخر لعدم الجواز في المغصوب، وهو أولى ممّا ذكرناه.

مع أنّه لو كان وجوب التكفين مطلقاً في المقام، لزم اجتماع المأمور به والمنهيّ عنه، فعلى الامتناع وتقديم جانب النهي - كما هو الصحيح - يخرج المَجمع عن حيّز الأمر، ويتمحّض في كونه منهيّاً عنه. وتمام الكلام في محلّه.

وأمّا غير المغصوب: فعن «الذكرى»(1): أنّ فيه وجوهاً ثلاثة:

1 - المنع.

2 - والجواز لئلّا يُدفن عارياً.

3 - ووجوب ستر العورة حالة الصَّلاة، ثمّ يُنتزع بعد.

وعن «البيان»(2): التفريق بين الجلد الذي تجوزُ الصَّلاة فيه وبين غيره، فأجازَ الأوّل وتوقّف في غيره.

واستظهر في محكيّ «جامع المقاصد»(3) الفرق بين النَّجس وغيره، فأجاز

ص: 396


1- الذكرى: ج 1/355.
2- البيان (ط. ق): ص 25.
3- جامع المقاصد: ج 1/380.

الأوّل ومنع الثاني.

وعن «الرياض»(1): الفرق بين ما مُنع منه للنهي، فاستوجه المنع، وبين غيره ممّا مُنع منه لعدم الدليل فأجازه.

وفي «طهارة» الشيخ الأعظم(2): الأظهر وجوب السّتر بكلّ واحدٍ من هذه عند الانحصار، وتبعه المحقّق الهمداني(3) وجمعٌ من المتأخّرين عنهما.

أقول: واستدلّ لهذا القول بوجوه:

1 - إنصراف أدلّة المنع إلى حالة الاختيار، ففي حالة الاضطرار لا مقيّد لإطلاق ما دلَّ على وجوب التكفين.

وفيه: ما تكرّر منّا في هذا الشرح، من عدم الاعتماد على مثل هذا الانصراف، غير الناشيء عن منشاً صحيح.

2 - أنّه لأجل أنّ عمدة مدرك اعتبار هذه الاُمور هو الإجماع، الذي لا يعمّ حال الضرورة، يتعيّن الأخذ بإطلاق دليل وجوب التكفين في تلك الحالة.

وفيه: أنّ ذلك يتمّ بالنسبة إلى بعضها، ولا يتمّ بالنسبة إلى الجميع، كما ستعرف.

3 - قاعدة الميسور.

وفيه: ما عرفت غير مرّةٍ من عدم ثبوتها بنحوٍ تشمل أمثال المقام، واختصاصها بصورة تعذّر بعض أفراد المأمور به.

4 - ما في «طهارة» الشيخ الأعظم(4) من أنّ ذلك يُستفاد من أخبار علّة تكفين الميّت، ومن كون حرمته ميّتاً كحرمته حيّاً، ومن أنّ أصل ستر بدن الميّت مطلوبٌ .0.

ص: 397


1- رياض المسائل: ج 2/177.
2- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/300.
3- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/394 ق 2.
4- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/300.

وفيه: أنّ نصوص علّة تكفين الميّت - على فرض كون ما تضمّنته علّة الحكم، لا من قبيل حِكمة التشريع، كالنصوص المتضمّنة للأمر به، تقيّد بما دلَّ على اعتبار هذه الاُمور وحرمته ميّتاً - لا تقتضي أن يُكفّن فيما منع عنه الشارع المقدّس، وكون أصل ستر بدنه مطلوباً أوّل الكلام.

أقول: وحقّ القول في المقام بنحوٍ يظهر ما هو الأقوى في النظر، وضعف سائر الأقوال، وما استدلّ به لها، يقتضي أن يُقال:

إنّ الاُمور المعتبرة في الكفنِ الواجب على أقسام ثلاثة:

أحدها: ما اعتبر فيه من جهة عدم شمول إطلاق ما دلّ على وجوب التكفين له كالجلد من مأكول اللّحم.

الثاني: ما اعتبر فيه لدليلٍ آخر لا إطلاق له، بنحوٍ يشمل حال الضرورة كالحرير.

الثالث: ما اعتبر فيه لدليلٍ خارجي له إطلاق.

ففي القسم الأوّل: يسقط وجوب التكفين لعدم شمول الإطلاقات له بأنفسها.

وأمّا في القسم الأخير: فكذلك يسقط الوجوب، لأنّ إطلاق دليل المقيّد مقدّم على إطلاق دليل المطلق.

وفي القسم الثاني: يجب التكفين به، لعدم المقيّد لإطلاق الدليل في حال الاضطرار.

ودعوى :(1) أنّ التكفين في تلك الاُمور جائز، لأنّه يعدّ إضاعة مالٍ من غيرإذن.

مندفعة: بوجود الغرض الدنيوي، بل واحتمال وجود الغرض الاُخروي.

ودعوى: أنّ ذلك لا يتمّ في ماورد النهي عنه، لكونه ظاهراً في الحرمة.

مندفعة: بأنّ النهي في أمثال المقام ظاهرٌ في كونه إرشاداً إلى المانعيّة، فالأحوط5.

ص: 398


1- نقلها في جواهر الكلام: ج 4/175.

عند الضرورة التكفين فيها.

هذا في صورة الانحصار في واحد.

وأمّا في صورة وجود اثنين منها أو ثلاثة، فحيثُ عرفت أنّ وجوب التكفين إنّما يكون فيما إذا كان اعتبار ذلك الأمر بدليلٍ آخر لا إطلاق له، فمقتضى إطلاق الأدلّة، هو التخيير بين التكفين بكلّ واحدٍ من الاُمور التي يجب التكفين بها عند الانحصار، وتقديم التكفين بها على التكفين بما لا يجب التكفين به عند الانحصار كما لا يخفى.

وعن «الروضة»(1): أنّه يقدم الجِلد - أي جلد المأكول - على الحرير وغيره.

واستدلّ له:

1 - بأنّه تجوز الصَّلاة فيه اختياراً، فيقدّم على ما لا تجوز فيه تلك.

2 - وبعدم ورود نهي صريح فيه.

3 - وبقاعدة الاحتياط، لدوران الأمر بين التعيين والتخيير.

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا الأوّل: فلما تقدّم من أنّ المانع من التكفين بالجلد في حال الاختيار، هو عدم شمول الأدلّة له، وعليه فلا وجه لتقديمه على ما تشمله الأدلّة في حال الضرورة. وبه يظهر ما يرد على الثاني.

وأمّا القاعدة: فمضافاً إلى أنّ الأظهر هو الرجوع إلى البراءة عند الدوران بين التعيين والتخيير - كما أثبتناه في محلّه - لا سبيل إلى الرجوع إليها في المقام لوجهين:

1 - أنّه كما يحتمل تعيّن الجلد، كذلك يحتمل تعيّن غيره

2 - أنّ إطلاق الأدلّة بالنسبة إلى ما لا دليل على اعتباره في حال الضرورة،6.

ص: 399


1- شرح اللُّمعة: ج 1/416.

يمنع من الرجوع إليها.

وعن «الذكرى»(1)، وفي «طهارة» الشيخ الأعظم(2): تقديم النَّجس على الحرير وغير المأكول، وتبعهما جماعة.

واستدلّ له: بأنّ الملحوظ في نظر الشارع اعتبار وصف الطهارة، بعد اعتبار كون الكفن من غير الحرير أو ممّا تجوز فيه الصَّلاة، أي أنّ الشارع اعتبر كون هذا الجنس الخاص من الكفن طاهراً في حال الاختيار، فإذا فُرض سقوط اعتبارها في حال الاضطرار، تعيّن فعل الفاقد لها لا غير.

وفيه: أنّه إنْ اُريد بذلك أنّ الطهارة وصفٌ عرضي، وكون الكفن غير حرير ونحوه وصفٌ ذاتي، فعند الدوران يُقدّم الثاني.

فيرد عليه: أنّ مجرّد كون أحد الأمرين المعتبرين ذاتيّاً، والآخر عَرَضيّاً، لا يوجب تقديم الأوّل عند الدوران بينهما.

وإنْ اُريد به أنّ الطهارة إنّما تعتبر في الكفن، إذا لم يكن حريراً ونحوه، وإلّا فلا تعتبر فيه. فعلى فرض مساعدة الدليل على ذلك، وإنْ كان التقديم في محلّه، لعدم لزوم رعايتها على كلّ تقدير، كما لا يخفى، فلا يعارض دليلها دليل اعتبار الحرير ونحوه، إلّاأنّ الأدلّة لا تساعد على ذلك، فإنّ ظاهرها اعتبار الطهارة في الكفن في عرض اعتبار أن لا يكون حريراً.

وإنْ شئت قلت: إنّ مقتضى إطلاق دليل اعتبارها، أنّها معتبرة في الكفن بجميع مراتبه، وعليه فيقع التعارض بين إطلاق دليلها، وبين إطلاق دليل اعتبار عدم كونه حريراً، لو كان له إطلاق، فيتساقطان ويرجع إلى الأصل، وهو يقتضي0.

ص: 400


1- الذكرى: ج 1/355.
2- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/300.

التخيير، وإنْ لم يكن لدليل اعتبار أن لا يكون حريراً إطلاقٌ ، كما هو الأشبه.

وعليه، فالمتَّبع هو إطلاق دليل اعتبار الطهارة، ممّا يقتضي تقديم الحرير على النَّجس.

قال الشيخ الأعظم رحمه الله(1): في ما إذا دار الأمر بين الحرير وغير المأكول، أنّه لا يبعد تقديم الثاني للرِّجال والأوّل للنساء.

واستدلّ لتقديم الحرير للنساء بجواز صلاتهن فيه، ولتقديم غير المأكول للرِّجال بالحرمة التكليفيّة.

ولكن يرد على الأوّل: ما في محكيّ «جامع المقاصد»(2) من أنّ عدم جواز الصَّلاة فيه لا يقتضي ذلك لعدم الملازمة.

وعلى الثاني: ثبوت الحرمة التكليفيّة لهم محلّ نظر ومنع، إذ لا ملازمة بين حُرمة اللّبس في حال الحياة، وحرمة التكفين به.

وبالجملة: فالصحيح ما ذكرناه من أنّه لاختصاص دليل كلّ منهما بالإجماع غير الشامل لحال الضرورة، يتعيّن البناء على التخيير بينهما لإطلاق الأدلّة.

وممّا ذكرناه ظهر حكم بقيّة صور الدوران، فتدبّر.

***0.

ص: 401


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/300.
2- جامع المقاصد: ج 1/380.

وإمساس مساجده بالكافور.

التَحنيط
اشارة

(و) يجبُ (إمساس مساجده بالكافور).

أقول: هاهنا فروع يقتضي المقام التعرّض لها:

الفرع الأوّل: يجبُ مسحُ الكافور على بدن الميّت، بلا خلافٍ فيه في الجملة، وعن غير واحدٍ من الأصحاب(1): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: موثّق سماعة: «وتَجعل شيئاً من الحَنوط على مسامعه ومساجده، وشيئاً على ظهر الكفّين»(2).

ومنها: موثّق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«عن الحنوط للميّت ؟ فقال: اجعله في مساجده»(3).

ونحوهما غيرهما(4).

واشتمال بعضها على كثيرٍ من المندوبات، لا يضرّ بالاستدلال بها، لما عرفت من أنّ ورود الترخيص في ترك بعض الاُمور الّتي أُمر بها، لا يمنع عن وجوب ما لم يُرخّص في تركه.

كما أنّ اختلافها لا يضرّ، لما ستعرف من إمكان الجمع بينها.

***

ص: 402


1- راجع تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/17، روض الجنان (ط. ق) ص 104.
2- التهذيب: ج 1/435 ح 44، وسائل الشيعة: ج 3/35 ح 2959.
3- الكافي: ج 3/146 ح 15، وسائل الشيعة: ج 3/36 ح 2960.
4- وسائل الشيعة: ج 3/36، (باب وجوب جعل الكافور على مساجد الميّت).

الفرع الثاني: صرّح غيرُ واحدٍ باعتبار كونه بالمسح.

وفي «التذكرة»(1): دعوى الإجماع عليه، حيث قال: (ويجبُ الحَنوط، وهو أنْ يَمسح مساجده السبعة بالكافور بأقلّ اسمه، وهو أحد قولي الشافعي، لأنّها مواضع شريفة، وإجماع علمائنا عليه). انتهى.

والمحكيّ عن جماعةٍ (2): كفاية الوضع والإمساس.

وظاهر المصنّف في المتن اختياره.

واختار المحقّق الهمداني رحمه الله(3) اعتبار كلا الأمرين.

أقول: إنّه قد ورد في جملةٍ من النصوص الأمر بالمسح:

منها: مصحّح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أردت أن تُحنّط الميّت، فأعمد إلى الكافور، فامسح به آثار السجود فيه... الخ»(4). ونحوه غيره(5).

وفي جملةٍ اُخرى منها الأمر بالوضع:

منها: الموثّقين المتقدّمين.

ومنها: صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام:

«كيف أصنعُ بالحنوط؟ قال عليه السلام: تضع في فمه، ومسامعه، وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه»(6). ونحوها غيرها(7).).

ص: 403


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/17.
2- نسبه في الجواهر إلى المفيد في «الجُمل»، والحلّي في سرائره، والحلبي في غُنيته وغيرهم، جواهر الكلام: ج 4/177.
3- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/394 ق 2.
4- الكافي: ج 3/143 ح 4، وسائل الشيعة: ج 3/32 ح 2952.
5- وسائل الشيعة: ج 3/32 (باب كيفيّة والتحنيط وجملة من أحكامهما).
6- التهذيب: ج 1/307 ح 59، وسائل الشيعة: ج 3/37 ح 2962.
7- وسائل الشيعة: ج 3/36 (باب وجوب جعل الكافور على مساجد الميّت).

وحيثُ أنّ النسبة بينهما عمومٌ مطلق، لاستلزام المسح للوضع دون العكس، فيتعيّن حمل الوضع على المسح.

أقول: أمّا مرسل يونس: «ثمّ اعمد إلى كافورٍ مسحوقٍ فضعه على جبهته موضع سجوده، وامسح بالكافور على جميع مفاصله... الخ»(1)، وإنْ كان ظاهراً في عدم وجوب المسح، بقرينة العدول عن الوضع إلى المسح، إلّاأنّه ليس بنحوٍ يصلح لأنْ يكون صارفاً لظهور المقيّدات في الوجوب، فتأمّل، والاحتياط طريق النجاة.

مع أنّه لو سُلّم كون ما كان من الوضع والمسح واجداً لخصوصيّةٍ غير موجودة في الآخر، فبما أنّ مقتضى الجمع العرفي بين النصوص اعتبار كلتا الخصوصيّتين، فاعتبار المسح هو الأقوى .

***4.

ص: 404


1- الكافي: ج 3/143 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/32 ح 2954.

الفرع الثالث: المشهور بين الأصحاب انحصار الواجب بتحنيط المساجد.

وعن غير واحدٍ(1): عدم الخلاف فيه.

وعن «الخلاف»(2): دعوى الإجماع عليه.

أقول: ولعلّ ذلك بضميمة موثّق عبد الرحمن المتقدّم، الحاصر لما يجب تحنيطه بالمساجد، للأمر بتحنيطها خاصّة، مع عدم كونه في مقام بيان جميع ما يجب تحنيطه، يصلحان لصرف ظهور الأمر في جملةٍ من النصوص بتحنيط غيرها ممّا تضمّنته النصوص، وهي اُمور الصدر، والمفاصل كلها، والرأس، واللّحية، والعنق، والمنكبين، وباطن القدمين، وموضع الشراك منهما، وظهر الكفّين. فيُحمل الأمر بتحنيطها على الاستحباب.

ثمّ إنّ جملة من مواضع البدن كالمسامع والوجه والبصر والمنخرين، قد ورد الأمر بتحنيطها في مجموعة من النصوص(3)، وورد النهي عنه في جملةٍ اُخرى منها(4)، وحيث أنّه لا يمكن الجمع العرفي بين الطائفتين، ونصوص الأمر موافقة للعامّة، فتُحمل على التقيَّة.

ودعوى : الجمع بينهما، بحمل الطائفة الأُولى على وضع الكافور عليها، والطائفة الثانية على وضعه فيها، بقرينة موثّق سماعة المتقدّم، للتعبير فيه ب (على )، - كما عن الشيخ رحمه الله(5) -.

ممنوعة: لأنّه ليس جمعاً عرفيّاً، إذ مضافاً إلى عدم جريانه في المنخرين، فان4.

ص: 405


1- راجع تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/17، روض الجنان (ط. ق) ص 104.
2- الخلاف: ج 1/704.
3- راجع وسائل الشيعة: ج 3/36-37 باب 16 من أبواب التكفين ح 2963 و 2965 وغيرهما.
4- وسائل الشيعة: ج 3/36 باب 16 من أبواب التكفين ح 2963 و 2966 وغيرهما.
5- التهذيب: ج 1/435 ح 44.

هناك بعض النصوص الآمرة والتي ورد فيها التعبير ب (في).

وبالجملة: فالصحيح ما ذكرناه تبعاً لغير واحدٍ من الأساطين.

أقول: وكيف كان، فالمشهور بين الأصحاب أنّ المرادبالمساجد، المساجدالسبعة.

وعن العُمّاني(1)، والمفيد(2)، والقاضي(3)، والحلبي(4)، والمصنّف في «المنتهى»(5):

إلحاق طرف الأنف الذي يُرغم به.

واستدلّ له:

1 - بكونه أحد المساجد.

2 - وبالأمر بتحنيطه في خبر الدعائم(6).

ولكن يرد على الأوّل: أنّ في بعض النصوص التصريح بعدم كون الإرغام بالأنف من السجود، كصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: السجود على سبعة أعظم»(7).

وفي خبر محمّد بن مصادف: «إنّما السجود على الجبهة، وليس على الأنف سجودٌ»(8).

وظاهرهما عدم كونه من ما يعتبر في السجود، ولذلك التزمنا بكونه من أجزاء الصَّلاة لا السجود، كما سيأتي في الجزء السابع من هذا الكتاب عند البحث3.

ص: 406


1- نسبه إليه في المعتبر: ج 1/253.
2- المقنعة: ص 78.
3- الكافي في الفقيه: ص 237.
4- الكافي للحلبي: ص 237، قوله: (على مساجده السبع وطرف أنفه).
5- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/439.
6- دعائم الإسلام: ج 1/230، ورواه في المستدرك: ج 2/220 ح 1843.
7- التهذيب: ج 2/299 ح 60، وسائل الشيعة: ج 6/343 ح 8134.
8- التهذيب: ج 2/298 ح 56، وسائل الشيعة: ج 6/343 ح 8133.

عن (الإرغام بالأنف) تنقيح القول في ذلك.

وأمّا ما في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(1) من الجواب عنه: بأنّ الظاهر من (المساجد) في الموثّقة الواجب منها.

فغير سديدٍ: إذ لا وجه له سوى كون الإرغام قد يتحقّق، وقد لا يتحقّق، وذلك لا يقتضي عدم شمول المسجد له كما لا يخفى.

ويرد على الثاني: أنّه ضعيف السند، مع أنّ ما دلَّ على عدم وجوب مسح غير المساجد به يدلّ على عدم وجوب مسحه به أيضاً، وبه ترفع اليد عن ظهور الخبر في الوجوب.

وبالجملة: فالأظهر هو عدم الإلحاق.

***1.

ص: 407


1- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/301.

الفرع الرابع: المحكيّ عن «القواعد»(1)، و «البيان»(2)، و «الذكرى»(3)، وغيرها(4): أنّه يعتبر أن يكون التحنيط قبل التكفين.

وعن «المراسم»(5)، و «المنتهى»(6)، ونهاية الاحكام(7)، و «السرائر»(8)، وظاهر «المبسوط»(9)، و «النهاية»(10)، و «المقنعة»(11)، و «الوسيلة»(12): أنّه بعد إلباس المئزر.

وعن بعضٍ (13): أنّه بعد إلباس القميص.

وعن آخر: إنّه بعد إلباس القميص والعمامة.

وعن «الفقيه»(14): أنّه بعد التكفين.

وعن كاشف اللّثام(15): التخيير، واختاره جمعٌ من المحقّقين(16)، ويقتضيه إطلاق الأدلّة.).

ص: 408


1- قواعد الأحكام: ج 1/225.
2- البيان (ط. ق): ص 26.
3- الذكرى: ج 1/356.
4- راجع روض الجنان (ط. ق): ص 104، كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/279.
5- المراسم العلويّة ص 45.
6- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/439.
7- نهاية الاحكام: ج 2/244.
8- السرائر: ج 1/159.
9- المبسوط: ج 1/176.
10- النهاية: ص 35.
11- المقنعة: ص 78.
12- الوسيلة: ص 65.
13- نسبه إليهم في مستمسك العروة: ج 4/190.
14- الفقيه: ج 1/151.
15- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/280.
16- جواهر الكلام: ج 4/176 فإنّه بعد ذكر الأقوال قال: (ولعلّ الأقوى جواز الكلّ .. الخ).

واستدلّ للأوّل:

1 - بصحيح زرارة، عن الصادقين عليهما السلام: «إذا جفَّفتَ الميّتَ عمدتَ إلى الكافور، فمَسَحتَ به آثار السجود»(1).

2 - وبخبر «الدعائم»: «إذا فرغ من تغسيله، نُشِّفَ بثوبٍ ، وجَعل الكافور في مواضع سجوده»(2).

وظهورهما في اعتبار كونه بعد التغسيل والتجفيف بلا فصلٍ ، قبل أن يسأل السائل عن ما يجب فعله لا يُنكر، ولا يُصغى إلى ما قيل من إنّ الأمر به بعد التجفيف، أعمّ من كونه قبل التكفين وبعده، وبهما يقيّد إطلاق الأدلّة.

واستدلّ للثاني: بمرسل يونس، حيث أنّه عليه السلام أمر فيه بالتحنيط بعد بسط الكفن، ثمّ بعده، قال عليه السلام: «ثمّ يُحمل فيوضع على قميصه»(3)، بدعوى أنّ ظاهر ذيله كون البأس في القميص بعد التحنيط بلا فصل.

وفيه: أنّ ظاهر صدره اعتبار كونه قبل التكفين وبعد التغسيل، ولذا استدلّ به للأوّل.

اللّهُمَّ إلّاأن يقال: أنّه لعدم التعرّض في صدره للمئزر - بناءً على ما تقدّم من حَمْل الإزار على غير المئزر - لا يدلّ عليه.

واستدلّ للثالث: بخبر عمّار المتقدّم: «واجعل الكافور - إلى أن قال - ثمّ عمّمه».

وحيث أنّ ظهور كلّ واحدة من هذه الطوائف فيما استدلّ بها له لايُنكر.4.

ص: 409


1- التهذيب: ج 1/436 ح 48، وسائل الشيعة: ج 3/37 ح 2965.
2- المستدرك: ج 2/220 ح 1843.
3- الكافي: ج 3/143 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/32 ح 2954.

والجمع بينها لا يمكن، فيتعيّن الالتزام بالتخيير، ورفع اليد عن ظهور كلّ واحدة منها.

والنتيجة: أنّ القول الأخير هو الأظهر.

***

ص: 410

أقلّ ما يُجزي من الكافور

الفرع الخامس: المشهور بين الأصحاب(1) أنّه يكفي في مقدار الكافور المُسمّى .

وعن صريح «الرياض»(2)، وظاهر «المعتبر»(3) و «المدارك»(4) و «المفاتيح»(5):

عدم الخلاف في كفاية المُسمّى ، وأنّ الاختلاف إنّما هو في أقلّ الفضل.

إلّا أنّ ظاهر المحكيّ عن «الذكرى »(6)، و «جامع المقاصد»(7)، و «الروض»(8):

وقوع الخلاف في أقلّ الواجب.

أقول: وكيف كان، فيشهد للمشهور إطلاق الأدلّة.

ودعوى: ثبوت الإطلاق لها، لوردوها في مقام بيان حكمٍ آخر.

مندفعة: بأنّ ذلك وإنْ تمّ في بعضها، إلّاأنّه لا يتمّ في جميعها. لاحظ:

1 - ما ورد في موثّق سماعة من قوله عليه السلام: «وتجعل شيئاً من الحَنوط على مسامعه ومساجده»(9).

2 - وموثّق(10) عمّار المتضمّن تقدير القطن، وطول الخرقة، وذكره عليه السلام الكافور

ص: 411


1- نسبه إليهم في الحدائق الناضرة: ج 4/24.
2- رياض المسائل: ج 2/196.
3- المعتبر: ج 1/281.
4- مدارك الأحكام: ج 2/96.
5- حكاه عنه السيّد الجزائري في التحفة السنية ص 350 (مخطوط)، والشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: ج 2/301 (ط. ق).
6- الذكرى: ج 1/336.
7- جامع المقاصد: ج 1/387.
8- روض الجنان (ط. ق): ص 111.
9- التهذيب: ج 1/435 ح 44، وسائل الشيعة: ج 3/35 ح 2959.
10- وسائل الشيعة: ج 3/33 ح 2955.

بلا تعرّض لتقديره.

مع أنّه لو سُلّم ذلك يكفي للمشهور أصالة البراءة، بناءً على جريانها في أمثال المقام.

وأمّا النصوص المتضمّنة لتقديره: فهي مختلفة في ذلك:

منها: ما تضمّن تقديره بمثقالٍ ، كمرسل عبد الرحمن بن أبي نجران، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أقلّ ما يُجزي من الكافور للميّت مثقال»(1).

ومنها: ما تضمّن تقديره بمثقالٍ ونصف: كصحيحه، عن بعض رجاله، عنه عليه السلام:

«أقلّ ما يُجزي من الكافور للميّت مثقال ونصف»(2).

ومنها: ما تضمّن أربعة مثاقيل: كخبر الكاهلي، والحسين بن المختار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «والقصد من الكافور أربعة مثاقيل»(3).

ومنها: ما تضمّن(4) ثلاثة عَشَر درهماً وثلثاً؛ وهو ما ورد في تقسيم النبيّ صلى الله عليه و آله الكافور الذي أتى به جبرئيل عليه السلام بينه صلى الله عليه و آله وبين أمير المؤمنين عليه السلام وبين فاطمة عليها السلام.

ونحوه(5) مرفوع إبراهيم بن هاشم(6).

أقول: وجميع هذه النصوص، عدا الأوّل منها محمولة على الفضل، وما فيها من الاختلاف على اختلاف مراتبه، وشيءٌ منها لا يصلح أن يكون مَدركاً للوجوب لضعفها سنداً، وعدم القائل بوجوب ما فيها، ومعارضتها مع الخبر الأوّل.8.

ص: 412


1- الكافي: ج 3/151 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/13 ح 2889.
2- التهذيب: ج 1/291 ح 17، وسائل الشيعة: ج 3/14 ح 2892.
3- التهذيب: ج 1/291 ح 16، وسائل الشيعة: ج 3/13 ح 2891.
4- المستدرك: ج 2/208 (باب إستحباب أنْ يكون كافور الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلثاً).
5- راجع بحار الأنوار: ج 30/45.
6- الكافي: ج 3/151 ح 4، وسائل الشيعة: ج 3/13 ح 2888.

وأمّا ذلك الخبر: فهو ضعيفٌ سنداً للإرسال.

وما عن «الذكرى»(1): من أنّ الشيخين والصّدوق عَملوا به، وأفتوا بمضمونه.

غيرُ ثابتٍ : فإنّ جماعة صرّحوا بأنّهم التزموا بكون ذلك أقلّ الفضل، وعليه فيمكن أن يكون عملهم به لقاعدة التسامح، فلا ينجبر به ضعف السند.

مع أنّه معارضٌ مع صحيحه المتضمّن لتقديره بمثقالٍ ونصف.

ودعوى: أنّ الجمع بينهما يقتضي حمل الأوّل على الوجوب، والثاني على الفضل.

مندفعة: بعدم كون ذلك جمعاً عرفيّاً، إذ لو جمعنا المضمونين في كلامٍ واحد، فإنّه لاريب في أنّ أهل العرف يرون التهافت بينهما، كما لا يخفى.

وعليه، فلا مناص عن حمله أيضاً على الفضل.

فتحصّل: أنّ الأقوى كفاية المُسمّى ، وأقلّ الفضل مثقالٌ شرعي، والأفضل مثقالٌ ونصف، والأفضل منه أربعة مثاقيل، والأفضل أن يكون ثلاثة عَشَر درهماً وثُلثاً.

وأخيراً: فما عن جماعةٍ من الأساطين(2) من أنّ أقلّ المستحبّ مقدار درهم، وأفضل منه أربعة دراهم، وأكمل منه ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم. ليس له شاهدٌ من الأخبار.

وحمل الدّرهم على المثقال، مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، يدفعه ما ذكروه في المرتبة الأخيرة من الفضل، كما هو واضح.

***2.

ص: 413


1- الذكرى: ج 1/356.
2- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/397 ق 2.

وَيُستحبُّ أنْ يُزاد للرَّجل حِبَرة.

مستحبّات الكَفَن
اشارة

(ويستحبُّ ) في الكَفَن اُمور:

المستحبّ الأوّل: (أنْ يُزاد للرَّجلِ حِبَرة) بكسر الحاء وفتح الباء، وهو ثوبٌ يمني على المشهور بين الأصحاب(1).

بل عن المحقّق(2) والمصنّف(3): نسبته إلى علمائنا.

وعن المحقّق الثاني(4): جميع علمائنا.

وعن الشيخ(5)، وابن زُهرة(6): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - خبر يونس بن يعقوب، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام:

«إنّي كفّنتُ أبي عليه السلام في ثوبين شطويّين كان يُحرم فيهما، وقميص من قُمُصه، وعمامة كانت لعليّ بن الحُسين عليه السلام، وبردٍ اشتريته بأربعين ديناراً، لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار»(7).

2 - وصحيح عبد اللّه بن سنان: «البُرد لا يلفّ به، ولكن يُطرح عليه طرحاً،

ص: 414


1- شرائع الإسلام: ج 1/32، تحرير الأحكام: ج 1/119، جامع المقاصد: ج 1/382.
2- المعتبر: ج 1/282.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/9.
4- جامع المقاصد: ج 1/382.
5- الخلاف: ج 1/702.
6- غنية النزوع: ص 102.
7- الكافي: ج 1/475 ح 8، وسائل الشيعة: ج 3/10 ح 2881.

فإذا دخل القبر وضع تحت خَدّه وتحت جنبه»(1).

إذ لو كان البُرد من الأثواب الثلاثة وجب لفّه علي الميّت.

3 - وصحيح زرارة، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام:

العمامةُ للميّت من الكفن هي ؟ قال: لا، إنّما هي الكفن المفروض ثلاثة أثواب، أو ثوبٌ تامٌّ لا أقلّ منه يوارى فيه جسده كلّه، فما زاد فهو سُنّة إلى أن يبلغ خمسةً فما زاد فمبتدعٌ ، العمامة سُنّة»(2).

فإنّه يدلّ على استحباب زيادة لفافتين غير العمامة، فعلى فرض كون الخرقة أحد اللّفافتين يثبت المطلوب، فضلاً عمّا لو كانت غيرهما.

أقول: ولكن الإنصاف أنّ هذه النصوص لا تفي لإثبات تمام المطلوب، بل تدلّ على استحباب لفافةٍ اُخرى عدا الأثواب الثلاثة، فثبوت تمام المطلوب يتوقّف على ضمّ عمل الأصحاب وإجماعاتهم بها، ولا بأس بالالتزام به لذلك، لقاعدة التسامح، فتدبّر.

وعن صاحب «المدارك»(3) وجمعٌ من المتأخّرين عنه: عدم الاستحباب.

واستدلّ له:

1 - بصحيح زرارة المتقدّم، بدعوى أنّ الزائد على الثلاثة الذي هو سُنّة هي العمامة والخرقة.

2 - وبأنّ في الزيادة إتلافُ المال المنهيّ عنه في الشريعة.

3 - وبالنصوص الدالّة على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كُفِّن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وبُردٌ أحمر(4).9.

ص: 415


1- التهذيب: ج 1/436 ح 45، وسائل الشيعة: ج 3/34 ح 2957.
2- الكافي: ج 3/144 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/6 ح 2867.
3- مدارك الأحكام: ج 2/99.
4- التهذيب: ج 1/296 ح 37، وسائل الشيعة: ج 3/7 ح 2869.

4 - وبحسن الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «كتب أبي في وصيّته: أنْ اُكفّنه في ثلاثة أثواب: أحدها رداءٌ له حِبَرة كان يُصلّي فيه يوم الجمعة، وثوبٌ آخر، وقميصٌ .

فقلت لأبي: لِمَ تكتب هذا؟ فقال: أخافُ أنْ يغلبك النّاس، وإنْ قالوا كفّنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل، قال: وعمِّمني بعمامة»(1). ومعلوم أنّ العمامة لا تعدّ من الكفن، وإنّما يعدّ ما يُلفّ به الجَسَد.

أقول: والكلّ كما ترى .

أمّا الصحيح: فلما تقدّم من دلالته على خلاف ذلك.

وأمّاالثاني: وأنّ الزائد إتلاف للمال؛ فيرد عليه أنّه لايكون إتلافاً مع الاستحباب.

وأمّا الثالث: وهو الاقتصار في تكفينه صلى الله عليه و آله على الأثواب الثلاثة، فلا يدلّ على عدم الاستحباب، لجواز أن يكون ترك الزائد لغرض أهمّ كالتنبيه على عدم الوجوب، مع أنّه من الجائز أن يكون المراد من الأثواب الثلاثة فيها غير المئزر، ويكون عدم ذكره لوضوحه.

وأمّا حَسَن الحلبي: فيرد عليه - مضافاً إلى احتمال أن يكون ترك المستحبّ - لما تقدّم أنّه لمعارضته مع خبر يونس يتعيّن حمله على التقيّة، لما عن المحقّق والعلّامة من اتّفاق العامّة على عدم استحباب الزائد.

ولأنّ خبر يونس إخبارٌ عمّا وقع، فلا وجه لحمله على التقيّة.

ومقتضى إطلاق صحيح زرارة، بل سائر النصوص، بضميمة ما دلَّ على اشتراك الرجال والنساء في الكفن، إلّافيما يُشدّ به ثديي المرأة، عدم اختصاص هذا الحكم بالرّجل.

وعليه، فما في المتن وغيره من اختصاصه بالرَّجل غير تامّ .6.

ص: 416


1- الكافي: ج 3/144 ح 7، وسائل الشيعة: ج 3/9 ح 2876.

غَير مُطَرّزةٍ بالذَّهب والفضّة. وخرقةٍ لفَخِذيه.

أقول: ويعتبر في الحِبَرة أن تكون (غير مُطَرّزة بالذَّهب) بناءً على اعتبار أن يكون الكفن من جنس ما يُصلّى فيه.

(و) أمّا اعتبار أنْ يكون غير مُطَرزة ب (الفضّة)، فلم أقف عاجلاً على مدركه، إلّا ما قيل لئلّا يلزم إتلاف المال المُحرّم.

المستحبّ الثاني: (وخرقة لِفَخذيه) بلا خلافٍ .

وفي «الجواهر»(1): إجماعاً محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً.

وتشهد له: جملةٌ من نصوص الباب، وهي وإنْ تضمّنت الأمر بها، الظاهر في الوجوب، إلّاأنّه يُحمل على الاستحباب لصحيح ابن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الخرقة لا تُعدّ شيئاً، إنّما تُصنع لتضمّ ما هناك، وما يضع من القطن أفضل منها»(2).

وصريح ما قاله بكون الخرقة غير المئزر، وعليه فما عن «الفقيه»(3)و «المقنع»(4) من أنّها المئزر ضعيفٌ .

ثمّ إنّ المستفاد من النصوص - بضميمة قاعدة الاشتراك - عدم اختصاص هذا الحكم أيضاً بالرّجل.8.

ص: 417


1- جواهر الكلام: ج 4/201.
2- وسائل الشيعة: ج 3/8 ح 2874.
3- الفقيه: ج 1/151.
4- المقنع: ص 58.

وعِمامةٌ يُعمَّمَ بها مُحنَّكاً، ويُزاد للمرأة لفافةٌ اُخرى لثدييّها، ونَمَطاً.

المستحبّ الثالث: (و) زيادة (عمامةٍ يُعَمَّم بها) إجماعاً، محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً كالنصوص، كذا في «الجواهر»(1).

ويُحمل الأمر بها على الاستحباب، بقرينة ما دلَّ على عدم وجوب الزائد على الأثواب الثلاثة.

ولا حَدّ لها طولاً وعرضاً. نعم، يستحبُّ أن يكون (محنّكاً بها)، لمرسل ابن أبي عُمير، عن الصادق عليه السلام في العمامة للميّت ؟ فقال عليه السلام: حَنّكه»(2).

ونحوه غيره(3).

المستحبّ الرابع: (و) أن (يُزاد للمرأة لفافةٌ اُخرى لثدييها) بلا خلافٍ ظاهر.

ويشهد له: خبر سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، قال:

«سألته كيف تُكفّن المرأة ؟ قال عليه السلام: كما يُكفّن الرَّجل، غير أنّا نشدّ على ثدييها خِرقة، تضمّ الثَّدي إلى الصَّدر... الخ»(4).

المستحبّ الخامس: (و) أن يُزاد للمرأة أيضاً (نَمَطاً)، كما ذكره كثيرٌ من الأصحاب(5)، واستدلّوا له بروايات غير ظاهرة في ذلك، والأمر سهلٌ بعد كونه استحبابيّاً، فتدبّر.4.

ص: 418


1- جواهر الكلام: ج 4/207.
2- الكافي: ج 3/145 ح 10، وسائل الشيعة: ج 3/32 ح 2953.
3- وسائل الشيعة: ج 3/32 (باب كيفيّة التكفين والتحنيط وجملة من أحكامهما).
4- وسائل الشيعة: ج 3/11 ح 2882.
5- الذكرى: ج 1/364.

وتُعوَّض عن العِمامة بقناعٍ ، والتكفينُ بالقُطن. وتطييّبهُ بالذَّريرة،

المستحبّ السادس: (و) أن (تُعوَّض للمرأة عن العمامة بقناعٍ )، أي خمارٍ، كما هو المشهور بين الأصحاب(1).

وعن غير واحدٍ(2): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص، كصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم، وغيره.

المستحبّ السابع: (و التكفين بالقُطن)، لخبر أبي خديجة، عن الصادق عليه السلام:

«الكتّان كان لبني إسرائيل يُكفِّنون به، والقُطن لاُمّة محمّد صلى الله عليه و آله»(3).

ونحوه غيره(4).

المستحبّ الثامن: (و تطييّبه بالذَّريرة) اتّفاقاً على الظاهر المحكيّ عن صريح «المعتبر»(5) و «التذكرة»(6)، كما في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(7):

1 - لموثّق عمّار: «والقِ على وجهه ذريرة، ثمّ قال عليه السلام: ويُجعل على كلّ ثوبٍ شيئاً من الكافور، وعلى كفنه ذَريرة»(8).

2 - وموثّق سماعة: «فَذرّ على كلّ ثوبٍ شيئاً من ذريرةٍ وكافورٍ»(9).8.

ص: 419


1- راجع شرائع الإسلام: ج 1/33، جامع الوفاق والخلاف ص 112، مسالك الأفهام: ج 1/92.
2- راجع جواهر الكلام: ج 4/216.
3- الكافي: ج 3/149 ح 7، وسائل الشيعة: ج 3/42 ح 2979.
4- وسائل الشيعة: ج 3/42 (باب استحباب كون الكفن من القُطن وكراهة كونه من الكتّان).
5- المعتبر: ج 1/284.
6- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/19.
7- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/305.
8- التهذيب: ج 1/305 ح 55، وسائل الشيعة: ج 3/33 ح 2955.
9- الكافي: ج 3/143 ح 3، وسائل الشيعة: ج 3/35 ح 2958.

وجريدتان مِنَ النَّخل.

ونحوهما غيرهما(1).

والذَّريرة: هي طِيْبٌ خاص، معروفٌ بهذا الاسم الآن في بغداد وما والاها، كذا في «المدارك»(2).

وهي الطيب المسحوق، كما صرّح به المصنّف رحمه الله(3).

***

في الجريدتين

المستحبّ التاسع: (و) أن يُجعل معه (جريدتان) إجماعاً ادّعاه جماعة من الأساطين(4).

وتشهد به نصوصٌ كثيرة(5).

وأمّا ما يظهر منه إرادة الواحدة(6)، فمحمولٌ أو مطروحٌ كما لا يخفى.

ومقتضى إطلاق النصوص، عدم الفرق بين كون الميّت صغيراً وكبيراً، وما في بعضها من أنّ فائدتهما دفع عذاب القبر، لا يصلح أن يكون مقيّداً للإطلاق، لعدم دلالته على انحصار فائدتهما بذلك، بل ما تضمّن أنّ الجريدة تنفع المؤمن والكافر، والُمحسن والمسىء، وما تضمّن أنّ آدم عليه السلام أوصى بوضعها معه في أكفانه، كالصريحين في عدم الاختصاص.

ص: 420


1- وسائل الشيعة: ج 3/35، (باب استحباب تطييب الميّت والكفن بالذريرة والكافور).
2- مدارك الأحكام: ج 2/106.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/19.
4- راجع الإنتصار: ص 131، الخلاف: ج 1/704، غنية النزوع: ص 103.
5- وسائل الشيعة: ج 3/20 (باب استحباب وضع الجريدتين الخضراوين مع الميّت).
6- وسائل الشيعة: ج 3/21 ح 2922.

أقول ويعتبر فيهما استحباباً أو لزوماً اُمورٌ تُذكر في ضمن فروع:

الفرع الأوّل: لا خلاف نصّاً في أفضليّة كون الجريدتين (من النَّخل).

بل الظاهر من جملةٍ من النصوص تعيّن ذلك، إلّاأنّها تُحمل على إرادة الأفضليّة، لمكاتبة عليّ بن بلال:

«أنّه كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الجريدة إذا لم يجد يجعل غيرها بدلها في موضعٍ لا يمكن النخل ؟

فكتب عليه السلام: يجوزُ إذا اُعوزت الجريدة، والجريدة أفضل، وبه جاءت الرواية»(1).

وعليه، فما يظهر من جماعةٍ التخيير بينه وبين غيره ضعيفٌ .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المكاتبة، عدم الفرق عند عدم تيسّر النّخل بين سائر مصاديق الجريدة، إلّاأنّه يتعيّن تقييده بخبر سهل:

«قلنا له: جُعِلْنا فداك! إنْ لم نقدر على الجريدة ؟ فقال عليه السلام: عُودُ السِّدر. قيل:

فإنْ لم نَقدر على السِّدر؟ فقال عليه السلام: عود الخلاف»(2).

الفرع الثاني: يعتبر أن تكون الجريدة يابسة، لخبر محمّد بن علي بن عيسى ، قال: «سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن السَّعفة اليابسة، هل يجوزُ للميّت توضعُ معه في حفرته ؟ قال عليه السلام: لا يجوزُ اليابس»(3).

الفرع الثالث: المشهور بين الأصحاب - كما عن «الذكرى»(4) - تقدير طول الجريدتين بعظم الذِّراع.8.

ص: 421


1- الكافي: ج 3/153 ح 11، وسائل الشيعة: ج 3/24 ح 2930.
2- الكافي: ج 3/153 ح 10، وسائل الشيعة: ج 3/24 ح 2931.
3- التهذيب: ج 1/432 ح 26، وسائل الشيعة: ج 3/25 ح 2933.
4- الذكرى: ج 1/368.

وعن «الانتصار»(1): الإجماع عليه.

وعن الصدوق(2) بعد تقدير طول كلّ واحدةٍ بذلك: (وإنْ كانت قَدر ذراعٍ أو شبرٍ فلا بأس).

وعن العُمّاني(3): التقدير بأربع أصابع فما فوقها.

وعن «الذكرى»(4): أنّ الكلّ جائزٌ.

واستدلّ للمشهور:

1 - بما في «الرضوي»: (رُوي أنّ الجريدتين كلُّ واحدةٍ بقدَر عَظْمِ ذراع)(5).

2 - وبمرسل يونس، عنهم عليهم السلام: «وتُجعل له قطعتين من جريدة النَّخل قدَر ذراع»(6). ونحوه خبر يحيى بن عبادة(7)، بدعوى أنّ الذِّراع حقيقة في عظمها.

ولكن يرد على الرضوي: عدم ثبوت كونه رواية، كما أشرنا إليه غير مرّة.

وعلى الأخيرين: عدم ثبوت كون الذِّراع حقيقة في عَظْمِها.

واستدلّ للثاني: بأنّه ممّا يقتضيه الجمع بين النصوص المتقدّمة، ومصحّح جميل الآتي: «أنّ الجريدة قدرُ شبر».

وفيه: - مضافاًإليماتقدّم - أنّ المصحّح لإعراض الأصحاب عنه لايُعتَمد عليه.

وأمّا ما عن العُمّاني، فلم يعرف مستنده.

وتنقيح القول في المقام: إنّ مقتضى الإطلاقات جواز الكُلّ ، والأقلّ منها2.

ص: 422


1- الإنتصار: ج 1/131.
2- الفقيه: ج 1/143.
3- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 1/394.
4- الذكرى: ج 1/370.
5- فقه الرضا: ص 168.
6- الكافي: ج 3/143 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/27 ح 2938.
7- الكافي: ج 3/152 ح 3، وسائل الشيعة: ج 3/21 ح 2922.

والأكثر، والرضوي المُقدّر بعظم ذراع قد عرفت ما فيه.

وأمّا الخبران المقدّران بذراع، فحيثُ أنّ الأصحاب أعرضوا عنهما، فلا يصلحان لتقييد المطلقات، فضلاً عن أنّ الإعراض لا ينافي ثبوت أفضليّة ما تضمّناه لقاعدة التسامح.

وبالجملة: فالأظهر أفضليّة أن تكون الجريدة في الطول بمقدار ذِراع، ودونه في الفضل أنْ تكون بقدر شبر، وإنْ كان يُجزي الأقلّ والأكثر.

الفرع الرابع: المشهور بين الأصحاب(1) في كيفيّة وضع الجريدتين، أن توضع إحداهما على جانبه الأيمن، من عند الترقوة، يُلصِقُها بجلده، والاُخرى على جانبه الأيسر، من عند الترقوة، بين القميص والإزار.

وعن «الغنية»(2): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد به: صحيحُ جميل - أو حسنه -: «أنّ الجريدة قَدرُ شبرٍ، تُوضَع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت، ممّا يلي الجلد الأيمن، والاُخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص»(3).

وظاهره وإنْ كان تعيّن هذه الكيفيّة، لكن لازم ذلك تقييد الإطلاقات به.

ودعوى:(4) أنّه ضعيفٌ للإضمار.

مندفعة: بما ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله(5) من أنّ إضماره خيرٌ من إظهار غيره.

ودعوى:(6) أنّه لا يُحمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات.4.

ص: 423


1- راجع فقه الرضا ص 167، المهذّب: ج 1/61، السرائر: ج 1/164.
2- غنية النزوع: ص 103.
3- الكافي: ج 3/152 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/26 ح 2935.
4- راجع مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/406 ق 2.
5- كتاب الطهارة (ط. ق): ج 2/306.
6- مستمسك العروة: ج 4/204.

مندفعة: بحمله عليه إذا كان المقيّد متضمّناً لحكم إلزامي إرشادي إلى جزئيّة ما تضمّنه، أو شرطيّته، أو مانعيّته.

فإنْ قلت: إنّه يعارضه صحيحه الآخر: «عن الجريدة تُوضَع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال عليه السلام: فوق القميص، دون الخاصرة. فسألته: من أيّ جانبٍ؟ فقال عليه السلام: من الجانب الأيمن»(1).

قلت: إنّ الأصحاب أعرضوا عنه، سواءٌ اُريد من الجريدة الواحدة، أم اُريد بها الجنس.

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا علي الثاني: فلأنّ ظاهر ذيله، وضعُ ما يستحبُّ وضعه في الجانب الأيمن خاصّة.

فإنْ قلت: إنّ القائل بالاكتفاء بقدَر شبرٍ مجهولٌ ، فهو ممّا أعرض الأصحاب عنه.

قلت: إنّه متضمّنٌ لمطلبين مستقلّين، وعدم العمل بأحدهما لا يوجبُ عدم جواز الأخذ بالآخر.

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّه لا يعارضه مرسل يونس:

«تُجعل له واحدة من عند الترقوة إلى ما بَلَغَتْ ممّا يلي الجِلد، والاُخرى في الأيسر من عند الترقوة إلي ما بلغت من فوق القميص»(2).

لإعراض الأصحاب عنه، إلّاأنّه لأجل كون أصل الحكم استحبابيّاً، فلا مانع من العمل بما تضمّنه كلٌّ من الخبرين الأخيرين، لقاعدة التسامح. فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.

***4.

ص: 424


1- الكافي: ج 3/154 ح 13، وسائل الشيعة: ج 3/26 ح 2936.
2- الكافي: ج 3/143 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/32 ح 2954.

وأنْ يُكتَب على اللّفافة والقَميص والإزار والجريدتين إسمه، وأنّه يَشهدُ الشَّهادتين، وأسماء الأئمّة عليهم السلام.

المستحبّ العاشر: (وأنْ يُكتَب على اللّفافة والقَميص والإزار والجريدتين إسمه).

(وأنّه يَشهدُ الشّهادتين) أي يكتب عليها: أشهدُ أنْ لا إله إلّااللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

(وأسماء الأئمّة عليهم السلام) أي يكتب عليها أنّه يَقرُّ بهم.

كما عن جماعةٍ (1) التصريح بجميع ذلك.

وعن «الغُنية»(2): دعوى الإجماع على ما في المتن.

وعن جماعةٍ منهم(3): التصريح بكتابتها على بعضٍ دون بعض.

وعن جماعةٍ (4): أنّها تُكتَب على الأكفان.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - عمومات الإستشفاع والتوسّل والتبرّك.

ودعوى:(5) لزوم تحقّق الإهانة والتحقير لعدم الأمن من التلويث.

مندفعة: بأنّ جملة من النصوص تضمّنت الأمر بكتابة دعاء الجُوشن الكبير على الكفن(6)، وأنّ الإمام الصادق عليه السلام كتب الشهادتين على كفن ولده إسماعيل، حيث يستفاد من ذلك عدم كون كتابتها إهانةً وتحقيراً، فلا معارض للعمومات المتقدّمة.).

ص: 425


1- راجع كفاية الأحكام: ج 1/36، الإزار.
2- راجع غنية النزوع: ص 103.
3- المقنعة: ص 78.
4- راجع الاقتصاد: ص 248، المهذّب: ج 1/60، السرائر: ج 1/162.
5- نقلها في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/403 ق 2.
6- المستدرك: ج 2/233 (باب نوادر ما يتعلّق بأبواب الكفن).

وأنْ يكون الكافور ثَلاثة عَشَر درهماً وثُلثاً.

ويُكره التكفين في السَّواد، وجَعْل الكافور في سَمْعِه وبَصَره، وتجميرُ الأكفان.

المستحبّ الحادي عشر: (وأن يكون الكافور ثلاثة عَشَر دِرْهِماً وثُلثاً)، كما تقدّم في التحنيط، فراجع.(1)

***

مكروهات التكفين

المكروه الأوّل: (ويُكره التكفين في السّواد)، لانعرف فيه خلافاً كما عن «المنتهى»(2).

ويشهد له: ما رواه الشيخ، عن الحسين بن مختار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا يُكفّن الميّت في السواد»(3)، ونحوه غيره(4).

المكروه الثاني: (وَجَعْل الكافور في سَمْعه وبَصَره)، كما تقدّم في التحنيط.

المكروه الثالث: (وتَجمير الأكفان) بالجَمْرة، وهي ما يُدخَّن به الثياب.

ويشهد له:

1 - إجماع علمائنا كما عن «المعتبر»(5).

2 - ولما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تجمروا الأكفان، ولا تمسّوا موتاكم بالطِّيب إلّاالكافور... الخ»(6).

***

ص: 426


1- فقه الصادق: ج 3/344.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/438.
3- التهذيب: ج 1/434 ح 39، وسائل الشيعة: ج 3/43 ح 2981.
4- وسائل الشيعة: ج 3/42 (باب كراهة كون الكفن أسود).
5- المعتبر: ج 1/290.
6- الكافي: ج 3/147 ح 2، وسائل الشيعة: ج 3/18 ح 2908.
البحث الرابع: الصَّلاة عليه
اشارة

الرابع: الصَّلاة عليه، وهي تَجبُ على كلّ ميّتٍ مُسلم.

الصَّلاة على الميّت

المبحث (الرابع): في (الصَّلاة عليه)، وفيه أقسام:

القسم الأوّل: مَنْ يُصلّى عليه:
اشارة

(وهي تجبُ على كلّ ميّتٍ مُسلم) وإنْ لم يكن معتقداً للحقّ الذي يعتقده أهل الحقّ ، كما هو المشهور شُهرة عظيمة(1).

وعن «التذكرة»(2): أنّه إجماع.

وعن جماعةٍ من القدماء والمتأخّرين، كالمفيد في «المقنعة»(3)، وصاحب «الوسيلة»(4)، والحلّي في «السرائر»(5)، وغيرهم(6): أنّها لا تجبُ على غيرالمؤمن.

واختاره في «الحدائق»(7)، ونفى عنه البُعد في «المدارك»(8).

ويشهد للأوّل:

1 - خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «صَلِّ على مَن ماتَ مِنْ أهل

ص: 427


1- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/492 ق 2.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/22.
3- المقنعة: ص 227.
4- الوسيلة: ص 119.
5- السرائر: ج 1/357.
6- راجع كشف اللّثام: ج 2/311، جامع المقاصد: ج 1/405.
7- الحدائق الناضرة: ج 10/360.
8- مدارك الأحكام: ج 4/151.

القبلة وحسابه على اللّه»(1).

2 - وخبر غزوان السَّكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: صَلّوا على المرجوم من اُمّتي، وعلى القاتل نفسه من اُمّتي، لا تَدَعوا أحداً من اُمّتي بلا صلاة»(2).

3 - ومرسل «دعائم الإسلام»، عن الإمام الباقر عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله:

«صلّوا خَلف مَنْ قال لا إله إلّااللّه، وعلى مَنْ قال لا إله إلّااللّه»(3).

أقول: والإيراد عليها بضعف السند غير سديد لانجباره بالعمل.

وأمّا ما ذكره بعض الأعاظم(4): من حجيّة خبر طلحة في نفسه، إذ ليس في سنده من يتأمّل فيه سوى طلحة الذي قد نصَّ الشيخ في «الفهرست»(5) على أنّ كتابه مُعتمد، ولعلّ هذا المقدار بضميمة رواية صفوان عنه في غير المقام، وأنّ في السند في المقام الحسن بن محبوب، كافٍ في كونه من الموثّق.

فغير تامّ : إذ لم ينصّ أحدٌ على توثيقه سوى المجلسي الثاني(6)، حيث حكم بأنّه كالموثّق، والظاهر أنّه استند في توثيقه إلى الوجهين الأولين المذكورين في الكلام المتقدّم، كما صرّح به المولى الوحيد(7).ن.

ص: 428


1- التهذيب: ج 3/328 ح 51، وسائل الشيعة: ج 3/133 ح 3212.
2- الفقيه: ج 1/166 ح 480، وسائل الشيعة: ج 3/133 ح 3213.
3- ورد هذا الحديث في حاشية دعائم الإسلام: ج 1/235.
4- مستمسك العروة: ج 4/210.
5- الفهرست ص 86.
6- تعليقة الوحيد البهبهاني: ص 185 قوله: (حكم خالي - أي المجلسي الثاني - بكونه كالموثّق، ولعلّه لقول الشيخ: كتابه مُعتمد) انتهى .
7- راجع الفوائد الرجاليّة: ص 55، تعليقه على منهج المقال: ص 31 و ص 206، والفوائد الحائريّة ص 231 الفائدة الثانية والعشرون.

هذا فضلاً عن أنّ كون كتابه مُعتَمداً لا يلازم مع وثاقته وحجيّة خبره، حتّى فيما لم يُعلم أنّه من كتابه.

ورواية صفوان عنه في غير المقام، لا تدلّ على وثاقته، وحجيّة خبره هذا، لأنّه وإنْ كان من أصحاب الإجماع، إلّاانك قد عرفت أنّ قول الشيخ الطوسي رحمه الله:

(أجمعتِ العِصابةُ على تَصحيح ما يصحّ عنهم) ليس وثاقة كلّ من روى أحد هؤلاء عنه، فراجع، ولا تفيد رواية ابن محبوب في المقام، لعدم ثبوت كونه من أصحاب الإجماع.

ولكن بما أنّ الأصحّ كونه منهم كما عن الكشّي(1) وغيره، فلا يبعد دعوى حجيّة هذا الخبر في نفسه.

وقد يورد على الاستدلال بها: بأنّ مقتضى عمومها، وجوب الصَّلاة على الخوارج والنّواصب وغيرهما مِن الفِرق المنتحلة للإسلام، المحكوم بكفرهم، وهو خلاف الإجماع.

وفيه: أنّ الظاهر انصراف قوله صلى الله عليه و آله: «صَلّ على مَنْ مات مِن أهل القبلة»(2).

وقوله صلى الله عليه و آله: «لاتَدَعوا أحداً مِن اُمّتي بلا صلاة»(3) عن مَن حُكِم بكفره. مع أنّه يخرج عن العموم لو ثبت بالإجماع.

واستدلّ للثاني:

1 - بالأصل، بعد المناقشة في النصوص المتقدّمة بضعف السند.

2 - وبالآية الشريفة: (وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً...) (4) فإنّها تدلّ 4.

ص: 429


1- رجال الكشي: ص 556 رقم 1050، قوله: (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء.. - وذكر منهم - الحسن بن محبوب).
2- التهذيب: ج 3/328 ح 51، وسائل الشيعة: ج 3/133 ح 3212.
3- التهذيب: ج 3/328 ح 52، وسائل الشيعة: ج 3/133 ح 3213.
4- سورة التوبة: الآية 84.

على عدم وجوب الصَّلاة على غير المعتقد للحقّ .

3 - وبأنّ الصَّلاة على الميّت إكرامٌ ودعاءٌ له، وغير المؤمن لايستحقّ شيئاً منهما.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت آنفاً من انجبار ضعفها بالعمل.

وأمّا الآية: فلأنّها لا تدلّ على عدم الوجوب على من اعتقد بما يظهر من الشهادتين، ولم يعتقد بما يعتقده أهل الحقّ ، مع أنّ الظاهر بقرينة صلاة النبيّ صلى الله عليه و آله على المنافقين أنّه اُريد بالنهي فيها، الدُّعاء لهم، كما صرّح به في «الجواهر»(1) لا النهي عن الصَّلاة عليهم، ولو غير المشتملة على الدُّعاء للميّت.

وأمّا الثالث: فلأنّه يمكن أن تكون الصَّلاة إعظاماً لإظهار الشهادتين، وأمّا الدُّعاء له فهو غيرُ واجبٍ فيها، بل قد يكون عليه أو لوالديه أو غيرهما كما ستعرف.

وأخيراً: فقد منع ابن إدريس(2) عن الصَّلاة على ولد الزنا، والظاهر أنّ ذلك منه مبنيٌّ على قوله بكفر ولد الزنا، وسيأتي في مبحث النجاسات(3) من هذا الشرح فساده.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوب الصَّلاة على كلّ مُسلمٍ ، وكذلك لو وُجِد ميّتاً في بلاد المسلمين، وكذلك على لقيط دار الإسلام، بلا خلافٍ ظاهر، وتشهد له السيرة القطعيّة، وما دلَّ على أنّ لقيط دار الإسلام محكومٌ به من الإجماع وغيره.

***6.

ص: 430


1- راجع جواهر الكلام: ج 4/331.
2- السرائر: ج 1/356.
3- فقه الصادق: ج 5/116.

أو بحكمه ممّن بَلَغ ستّ سنينٍ من أولادهم.

الصَّلاة على غير البالغ

(أو بحكمه) أي تجب الصَّلاة على من هو بحُكم المُسلم (ممّن بلغَ ستّ سنين من أولادهم)، وهو المشهور شهرة عظيمة(1).

وعن السيّد(2) والمصنّف(3): دعوى الإجماع عليه.

والظاهر أنّه إلى هذا يرجع ما عن الصدوق في «المقنع»(4)، والمفيد في «المقنعة»(5)، والجُعفي(6): (من أنّه لا يُصلّى عليه حتّى يعقل الصَّلاة)، لما ستعرف من أنّ هذه العبارة فُسِّرت ببلوغ ستّ سنين.

ويشهد له: صحيح زرارة وعبيداللّه بن علي الحلبي، جميعاً عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّه سُئل عن الصَّلاة على الصبي متى يُصلّى عليه ؟

قال عليه السلام: إذا عَقَل الصَّلاة.

قلت: متى تجب الصَّلاة عليه ؟ قال عليه السلام: إذا كان ابنُ ستّ سنين، والصيام إذا أطاقه»(7).

فإنّه اُريد بالعقل بلوغ ستّ سنين، لأنّه فُسّر بذلك في النصوص، كصحيح

ص: 431


1- مختلف الشيعة: ج 2/299.
2- الإنتصار: ص 175.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/448.
4- المقنع: ص 68.
5- المقنعة: ص 231.
6- نسبه إليه في الذكرى: ج 1/404.
7- الكافي: ج 3/206 ح 2 / وسائل الشيعة: ج 3/95 ح 3117.

محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام:

«في الصَّبي متى يُصلّي ؟ قال عليه السلام: إذا عَقَل الصَّلاة. قلت: متى يَعقل الصَّلاة، وتجب عليه ؟ قال عليه السلام: لستّ سنين»(1).

بل هو بنفسه وحده ممّا يدلّ على ما هو المشهور، بناءً على ما في «الحدائق»(2)وغيره(3) من روايته، مع زيادةٍ عليه بعد قوله عليه السلام (يُصلّي) كما لا يخفى .

أقول: وأمّا صحيح زرارة، الوارد في موت ابن لأبي جعفر عليه السلام، حيث قال فيه:

«إمّا أنّه لم يكن يُصلّى على مثل هذا - وكان ابنُ ثلاث سنين - كان عليٌّ عليه السلام يأمر به فيُدفن، ولا يُصلّى عليه، ولكن النّاس صَنَعوا شيئاً فنحنُ نصنع مثله. قلت:

فمتى تجبُ عليه الصَّلاة ؟ قال عليه السلام: إذا عَقَل الصَّلاة، وكان ابنُ ستّ سنين»(4).

فهو لا يدلّ على هذا القول، إذ صدره وإنْ كان في مقام بيان حكم الصَّلاة عليه، إلّا أنّه لم يُحدّد بذلك، وذيله واردٌ في مقام بيان حكم صلاته لا الصَّلاة عليه.

وأيضاً: لا يدلّ عليه المرسل الذي رواه «الفقيه» قال:

«صلّى أبو جعفر عليه السلام على ابنٍ صغيرٍ له ثلاث سنين، فقال: لولا إنّ النّاس يقولون إنّ بني هاشم لا يُصلّون على الصغار من أولادهم ما صَلّيتُ عليه.

قال: وسُئل متى تَجبُ الصَّلاة عليه ؟ قال عليه السلام: إذا كان ابن ستِّ سنين»(5).

فإنّه مضافاً إلى احتمال أنْ يكون المراد بهذا المرسل، هو صحيح زرارة المتقدّم، أنّ لفظ (عليه) فيه يمكن أن يكون قيداً ل (تجب)، وعليه فيكون مورده صلاته1.

ص: 432


1- التهذيب: ج 2/381 ح 6، وسائل الشيعة:: ج 4/18 ح 4398.
2- الحدائق الناضرة: ج 10/368.
3- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/493 ق 2.
4- الفقيه: ج 1/168 ح 488، وسائل الشيعة: ج 3/95 ح 3118.
5- الفقيه: ج 1/167 ح 487، وسائل الشيعة: ج 3/101 ح 3131.

لا الصَّلاة عليه.

وكون صدره في مقام بيان حكم الصَّلاة عليه، لا يصلحُ قرينةً لكون (عليه) قيداً للصلاة، فيكون مورده الصَّلاة عليه كما يشهد له صحيح الفضلاء المتقدّم، فإنّ مورد صدره الصَّلاة عليه، ومورد ذيله صلاته، فليكن المرسل كذلك.

وبالجملة: فالعمدة ما ذكرناه.

أقول: وأمّا صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام:

«عن الصّبي أيُصلّى عليه إذا ماتَ وهو ابن خمس سنين ؟

قال عليه السلام: إذا عَقَل الصَّلاة فصلِّ عليه»(1).

فلا ينافي المشهور، إذ الظاهر من الجواب - ولو بقرينة النصوص المتقدّمة - أنّه لا عبرة بالخَمس، وأنّ المناط هو العقل الذي جُعل كنايةً عن بلوغ الستّ ، لأجل كونهما متلازمين على الغالب بمقتضي القابليّة، فالنادر ممّن يعقلها قبل ذلك، كغيره ممّن لا يعقلها بعده لا عبرة به، فهو تحقيق في تقريب كما في «الجواهر»(2).

قال ابن أبي عقيل(3): بعدم وجوب الصَّلاة على من لم يبلغ، ومال إليه في محكيّ «الوافي»(4).

واستدلّ له:

1 - بأنّ الصَّلاة استغفار للميّت ودعاء، ومن لم يبلغ، لا حاجة له إلى ذلك.

2 - وبطائفتين من النصوص:

الطائفة الاُولى: ما دلَّ على أنّ الطفل لا يُصلّى عليه:2.

ص: 433


1- التهذيب: ج 3/199 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/96 ح 3120.
2- جواهر الكلام: ج 12/6.
3- نسبه إليه في مختلف الشيعة: ج 2/299.
4- أشار في الحدائق إليه في: ج 10/372.

منها: صحيح زاررة - أو حسنه - الوارد في موت ابن لأبي عبد اللّه عليه السلام، وقال أبو جعفر عليه السلام فيه بعد صلاته عليه:

«لم يكن يُصلّى على الأطفال، إنّما كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر بهم فيدفنون من وراء، ولا يُصلّي عليهم، وإنّما صلّيتُ عليه من اجل أهل المدينة، كراهية أن يقولوا لا يُصلّى على أطفالهم»(1).

ومنها: خبر علي بن عبد اللّه، عن أبي الحسن موسى عليه السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد دفنه إبراهيم من دون أن يُصلّي عليه:

«وأمرني أنْ لا اُصلّي إلّاعلى مَنْ صَلّى »(2).

بدعوى أنّ ظهورهما في عدم الوجوب ما لم يبلغ لا ينكر.

الطائفة الثانية: ما دلَّ صريحاً على عدم الوجوب على الطفل، ما لم يبلغ:

منها: موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن المولود ما لم يَجْرِ عليه القلم هل يُصلّى عليه ؟

قال عليه السلام: لا، إنّما الصَّلاة على الرَّجل والمرأة إذا جَرى عليهما القلم»(3).

ومنها: خبر هشام: «إنّما تجبُ الصَّلاة على من وَجَبتْ عليه الصَّلاة والحدود، ولا يُصلّى على مَن لم تَجب عليه الصَّلاة ولا الحدود»(4).

3 - وبعدم ظهور النصوص المتقدّمة في الوجوب المصطلح، فإنّه في اللّغة بمعنى الثبوت، والمتيقّن منه مجرّد المشروعيّة.0.

ص: 434


1- الكافي: ج 3/206 ح 3، وسائل الشيعة: ج 3/98 ح 3128.
2- وسائل الشيعة: ج 3/99 ح 3129.
3- التهذيب: ج 3/199 ح 7، وسائل الشيعة: ج 3/97 ح 3125.
4- التهذيب: ج 3/332 ح 65، وسائل الشيعة: ج 3/100 ح 3130.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: - فمضافاً إلى كونه اجتهاداً في مقابل النصّ - أنّه لعدم إحاطتنا بمناطات الأحكام، لا يصحّ الاستدلال به.

بل يمكن أن يقال: إنّ عدم كون ما ذُكر علّة له معلومٌ ، كيف وأنّه تجبُ الصَّلاة على المعصومين عليهم السلام مع أنّهم غير محتاجين إلى ذلك.

وأمّا الطائفة الأُولى من النصوص: فهي مطلقة تقيّد بما تقدّم، مع أنّ خبر علي بن عبد اللّه ليس ظاهراً فيما ذُكر، إذ المراد بمن صَلّى مَنْ أمر بها وجوباً أو استحباباً، فهو يعضِدُ المشهور ولا يعارضه، مضافاً إلى احتمال كونه من خصائص النبيّ صلى الله عليه و آله.

وأمّا الطائفة الثانية: فقد اُجيب عنها في محكيّ «الذكرى»(1) و «المختلف»(2)و «الوسائل»(3): بأنّ المراد من جريان القلم في الموثّق، جريان قلم التكليف ولو تمريناً، أو قلم الثواب.

وفي محكيّ «المدارك»(4): بضعف سنده، لاشتماله على جماعةٍ من الفطحيّة.

وأمّا خبر هشام: فهو ضعيفٌ في نفسه.

أقول: ولكن الظاهر عدم تماميّة ما أُورد على الموثّق.

أمّا الأوّل: فلأنّ الحمل المزبور خلاف الظاهر، من جهة التعبير بالرّجل والمرأة، فإنّهما لا يُطلقان على مَنْ له ستُّ سنين. ولفظة (على).

وكذلك لا يرد عليه ما قيل من أنّه يدلّ على عدم وجوبها على المجنون، مع3.

ص: 435


1- الذكرى: ج 1/405.
2- مختلف الشيعة: ج 2/300.
3- وسائل الشيعة: ج 3/97.
4- مدارك الأحكام: ج 4/153.

أنّه لا كلام في وجوبها عليه.

وبالجملة: فإنّه بقرينة الإجماع وغيره ممّا دلَّ على وجوبها عليه، يُحمل على كونه طريقاً إلى ما هو الموضوع للحكم، وهو بلوغه حَدّاً تجبُ عليه الصَّلاة.

وأمّا ما أورده السيّد: فلما حقّقناه في محلّه من حجيّة الموثّق كالصحيح.

وعليه، فالصحيح أن يورد عليه بإعراض الأصحاب عنه، الموجب لوهنه.

وأمّا خبر هشام: فقد عرفت أنّه ضعيفٌ في نفسه.

وأمّا دعوى : عدم ظهور النصوص المتقدّمة في الوجوب.

فمندفعة: بما حقّقناه في محلّه من أنّه إذا دلّ الدليل على طلب شيء، ولم يرد ترخيصٌ في تركه، يَحكمُ العقل بوجوب الإتيان به.

قال ابن الجنيد(1): وتجب الصّلاة على المُستهلّ ، يعني من ارتفع صوته بالبكاء، واستدلّ له بصحيح عبد اللّه بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا يُصلّى على المنفوس، وهو المولود الذي لم يستهلّ ولم يصحّ ، ولم يورث من الدية ولا من غيرها، وإذا استهلّ فصلِّ عليه وورّثه»(2).

ونحوه غيره(3).

وفيه: أنّه يتعيّن حمل هذه النصوص على التقيّة أو الاستحباب، لما تقدّم من النصوص الصريحة في عدم وجوبها على من كان عمره أقلّ من ستّ سنين.

فتحصّل: أنّ الأقوى ما هو المشهور.).

ص: 436


1- نسبه إليه في الدروس: ج 1/112.
2- التهذيب: ج 3/199 ح 6، وسائل الشيعة: ج 3/96 ح 3121.
3- وسائل الشيعة: ج 3/96 (باب إستحباب الصَّلاة على الطفل الذي مات ولم يبلغ ستّ سنين).

ذكراً كان أو اُنثى ، حُرّاً كان أو عبداً، وتستحبُّ على مَن نَقَص سنُّه عن ذلك.

وأيضاً: يشمل هذا الحكم المحدود للولد مطلقاً (ذكراً كان أو اُنثى ، حُرّاً كان أو عبداً).

(و) هل (تستحبّ ) الصَّلاة:

(على مَن نَقَص سنّه عن ذلك) أي كان عمره أقلّ من ستّ سنين، كما هو المشهور على ما نُسب إليهم(1).

أم لا تستحبّ ، كما عن المحدِّث الكاشاني(2) وفي «الحدائق»(3) وعن غيرهما؟ وجهان:

أظهرهما الأوّل، للأمر بها في صحيح ابن سنان المتقدّم، وغيره المحمول على الاستحباب بقرينة ما تقدّم.

ودعوى:(4) أنّ النصوص المتقدّمة - حتّى ما تضمّن صلاة أبي جعفرٍ عليه السلام على ابنه الذي كان عُمره ثلاث سنين(5) - ظاهرة في عدم مشروعيّتها لتضمّنها أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن يُصلّي على الأطفال، وأنّ النبيّ أمر أن لا يُصلّى على مَن لا يُصلّي(6)، وأنّ أبا جعفر عليه السلام صَلّى على ابنه مخافة تشنيع النّاس بأنّ بني هاشم لا يصلّون على).

ص: 437


1- مختلف الشيعة: ج 2/300.
2- نسبه إليه في الحدائق الناضرة: ج 10/372.
3- الحدائق الناضرة ج 10 ص 369.
4- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 2/493 ق 2.
5- الفقيه: ج 1/167 ح 487، وسائل الشيعة: ج 3/101 ح 3131.
6- وسائل الشيعة: ج 3/98 (باب عدم جواز الصَّلاة على جنازة لم يبلغ ستّاً).

أطفالهم(1)، وإلّا لم يكن يُصلّي على مثله.

مندفعة: بأنّه إنّما تدلّ هذه النصوص على عدم مشروعيّتها في أصل الشرع، ولا تدلّ على عدم ثبوت مشروعيّتها بعد ذلك، لأجل انطباق عنوانٍ راجح عليها، كالمجاراة، والمداراة، أو حفظ احترام موتاهم، بل لعلّ قوله عليه السلام: «وكان عليٌّ عليه السلام يأمر به فيُدفن ولا يصلّى عليه، ولكن النّاس صَنَعوا شيئاً فنحن نصنع مثله»(2). ظاهرٌ في ثبوت مشروعيّتها بالعنوان الثانوي.

هذا إذا ولد الولد حيّاً، وإلّا فلا تستحبُّ أيضاً بلا خلافٍ ، لصحيح ابن سنان المتقدّم.

***9.

ص: 438


1- وسائل الشيعة: ج 3/98 (باب عدم جواز الصَّلاة على جنازة لم يبلغ ستّاً).
2- الكافي: ج 3/207 ح 4، وسائل الشيعة: ج 3/95 ح 3119.

وأولاهم بالصَّلاة عليه،

في المُصلّي

القسم الثاني: في المُصَلّي.
اشارة

(وأولاهم بالصَّلاة عليه) والقيام بغيرها من أحكام الميّت من تغسيله ونحوه، أولى النّاس به، ولا يجوز لغيره التصدّي لها، إلّامع إذنه على المشهور(1).

وقد مرّ في مبحث الغُسل(2) تنقيح القول في ذلك، وما يمكن أن يقال في مقام الجمع بين ذلك، وكون الوجوب كفائيّاً، فراجع.

وتشهد له: - في خصوص الصَّلاة - جملةٌ من النصوص:

منها: ما رواه الكليني بإسناده عن ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يُصلّي على الجنازة أولى النّاس بها، أو يأمر من يُحبّ »(3).

ونحوه مرسل البزنطي(4).

ومنها: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا حضر سلطانٌ من سلطان اللّه جنازةً فهو أحقّ بالصّلاة عليها إنْ قدّمه الوليّ ، وإلّا فهو غاصب»(5).

أقول: إنّما الكلام في المقام يقع في تعيين أولى النّاس به، وتنقيح القول في ذلك

ص: 439


1- راجع المقنعة ص 232، رسائل المرتضى: ج 3/52، الكافي في الفقه ص 389.
2- فقه الصادق: ج 3/269.
3- الكافي: ج 3/176 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3170.
4- وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3171.
5- التهذيب: ج 3/206 ح 37، وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3173.
مسائل:
اشارة

أولاهم بالميراث.

يستدعي التكلّم في مسائل:

أولى النّاس به أولاهم بالميراث

المسألة الأُولى: أولى النّاس به (أولاهم بالميراث) كما هو المشهور(1).

وعن المحقّق الثاني(2): الظاهر أنّه إجماعي.

بل عن «المنتهى»(3): وأحقّ النّاس بالصلاة عليه، أولاهم بالميراث، قاله علمائنا. ونحوه كلام غيره(4).

واستدلّ له:

1 - بصحيح هشام بن سالم، عن الكُناسي، عن مولانا الباقر عليه السلام:

«ابنك أولى بك من ابن ابنك، وأنّ ابنك أولى بك من أخيك.

قال: وأخوكَ لأبيكَ واُمّكَ أولى بك من أخيك لأبيك، وأخوك من أبيك أولى بك من أخيك لاُمّك.

قال: وابنُ أخيك لأبيك واُمّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، وابن أخيك لأبيك أولى بك من عمّك.

قال: وعمّك أخو أبيك من أبيه واُمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه، وعمّك اخو أبيك من أبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لاُمّه.

قال: وابنُ عمّك أخي أبيك من أبيه وأُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه.

ص: 440


1- كشف اللّثام (ط. ج): ج 2/315.
2- جامع المقاصد: ج 1/359.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/450.
4- منهم الخلاف: ج 1/719، المختصر النافع ص 40، كشف الرموز: ج 1/192.

قال: وابنُ عمّك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لاُمّه»(1).

أقول: وأورد عليه:

تارةً : بأنّه لن يستوفِ تفصيل الأولى .

واُخرى: بأنّه لا يوافق الكليّة المذكورة، لدلالته على أولويّة المتقرّب بالأب وحده على المتقرّب بالاُمّ وحدها من الإخوة والأعمام وأولادهم، مع اشتراكهم في الميراث.

أمّا الأوّل: فيرد عليه بأنّه يُستكشَف من تعدّد الأمثلة بأنّه عليه السلام في مقام بيان كبرى كليّة، وهي أنّ المراد بأولويّته الأولويّة في الميراث، من غير دخلٍ لخصوصيّة الأمثلة.

وأمّا الثاني: فيرد عليه بأنّ وجود جهةٍ اُخرى موجبة لصدق الأولويّة شرعاً، لا ينافي كون هذه الجهة ممّا توجب صدقها.

وبعبارة اُخرى: في صورة تعدّد الأولياء في طبقةٍ واحدة، لا ينافي كون جهة اُخرى موجبة لاختصاص الولاية بالبعض، كما لا يخفى .

2 - وبالنصوص الواردة في الصَّلاة والغُسل: كمرسل ابن أبي عُمير المتقدّم:

«يُصلّي على الجنازة أولى النّاس بها... الخ»(2).

ونحوه غيره(3) ممّا تقدّم. بدعوى أنّ المراد بالأولى هو الأولى بالإرث لوجهين:

الأوّل: أنّه في قضاء الوليّ وردت روايات في بعضها (يقضي عنه أولى النّاس به)، وفي بعضها (يقضي عنه أولى النّاس بميراثه)، فهذا كاشفٌ عن أنّ المراد ب (أولى).

ص: 441


1- الكافي: ج 7/76 ح 1، وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32495.
2- الكافي: ج 3/176 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3170.
3- وسائل الشيعة: ج 3/114 (باب أنّه يُصلّي على الجنازة أولى النّاس بها).

النّاس بالميّت) أولاهم بميراثه.

الثاني: أنّه إنْ اُريد ب (أولى النّاس به) أولاهم بميراثه، فهو المطلوب.

وإنْ كان المراد أولاهم به من كلّ جهةٍ ، كما يقتضيه حذف المتعلّق، فهو المراد أيضاً، إذ أولويّة الوارث بالميّت في جميع الاُمور، تستكشف من أولويّته بالإرث، إذ لو كان غيره كذلك، لكان هو الوارث.

وأُورد على الوجه الأوّل: أنّه لعدم التلازم بين المقامين، لا يكون تفسير (الأولى ) بالأولى بالميراث في القضاء، مقتضياً لتفسير (الأولى ) به هنا، مع أنّ المسلم بين الأصحاب تخصيص القضاء بالولد الذَّكر الأكبر، فكيف يمكن حَمل المقام عليه ؟

وأُورد علي الثاني: بأنّ المراد من (الأولى ) ليس هو الأولى بالميّت نفسه، بل المراد بشأنٍ من شؤونه.

وعليه، فحيثُ لا يمكن شموله للحكم المجعول له في هذه النصوص من الصَّلاة ونحوها، وإلّا لزم أخذ الحكم في الموضوع، فيدور الأمر بين:

أن يراد به الأولى بميراثه.

وأن يُراد به الأولى به عرفاً، وهو الأمسُّ رَحِماً.

والثاني لو لم يكن أقرب، لا يكون الأوّل أقربُ منه.

ويمكن أن يُجابُ عن ما أُورد على الأوّل أوّلاً: بأنّ الظاهر من تلك النصوص بعد فرض عدم كونها في مقام بيان جعل أمراً زائداً على وجوب القضاء على الوليّ ، اتّحاد المراد من العبارتين، أي أولى النّاس بالميّت، وأولى النّاس بميراثه، وأنّ المراد ب (أولى النّاس) متى اُطلق هو الأولى بالميراث، كما لا يخفى .

ص: 442

ويُجاب عن ما أورد عليه ثانياً: بأنّ اختصاص الحكم في باب القضاء ببعض من هو أولى النّاس بميراثه بقرينة اُخرى ، لا ينافي ذلك.

أقول: وأمّا ما أورد على الوجه الثاني، فالجواب عنه هو: أنّ الظاهر من (أولى النّاس به) مَنْ هو أحقّ به وأجدر من غيره، ولا ريب في أنّ الأحقّ والأجدر به حتّى عند العرف هو مَن يرثه، كما لا يخفى .

3 - وبالآية الشريفة: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (1) بضميمة ما دلَّ على كون الولاية الثابتة في المقام من الحقوق، وعدم كونها مجرّد الحكم التكليفي.

أقول: وبما ذكرناه ظهر أنّه لا ينافي هذا القول موثّق زرارة:

«سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: (وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ اَلْوالِدانِ وَ اَلْأَقْرَبُونَ ) إنّما عَنى بذلك اُولو الأرحام في المواريث، ولم يعن أولياء النعمة»(2)، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرَّحم التي يجره إليها، إذ الأقربيّة في الحالات التي تكون مجملة عند أهل العرف تستكشف بالإرث. وفي غير تلك الحالات توافق ما عليه الأصحاب من ترتيب ذلك على طبقات الإرث.

وبالجملة: وبما ذكرناه كلّه ظهر ما في «المدارك»(3) من دعواه أنّه لا يبعدُ أنْ يكون المراد ب (الأولى به) أشدّ النّاس علاقةً به.

وأمّا ما عن بعض علماء البحرين(4): من أنّ الوليّ هو المحرم من الورثة، وإذا2.

ص: 443


1- سورة الأنفال: الآية 75.
2- الكافي: ج 7/76 ح 2، وسائل الشيعة: ج 26 ص 63 ح 32494.
3- مدارك الأحكام: ج 2/60.
4- أشار في مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/353 ق 2.

تعدّد فالأشدّ علاقةً به، بحيث يكون هو المُعزّى في وفاته، ومرجعه في حياته، حيث استدلّ له بأنّ (الوليّ ) على ما يستفاد من ظاهر النصوص، هو من له مباشرة الغُسل فعلاً، ولو عند عدم المماثل، لاحظ قوله عليه السلام: «يُغسّله أولى النّاس به».

وفيه: أنّ الدليل لاينحصر بذلك، كما يظهر لمن راجع ما ذكرناه، مع أنّه لو تمّ فإنّما هو مع عدم كون الوارث مماثلاً للميّت، وإلّا فيجوز له المباشرة مطلقاً فتدبّر.

فتحصّل: أنّ الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب.

***

ص: 444

تقدّم الذّكور على الإناث

المسألة الثانية: صرّح غير واحدٍ(1) بأنّه إذا كان الأولياء رجالاً ونساء فالرِّجال أولى .

وعن «المنتهى»(2): نفي «الخلاف» فيه.

وقيّده المحقّق الثاني(3) بما إذا لم تكن امرأة، وإلّا انعكس الحكم.

أقول: ولكن مقتضى ظاهر كلمات القوم، عدم الفرق بين كون الميّت رجلاً أو امرأة، بل عن «الحدائق»(4): نسبة التعميم إلى الأكثر.

فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: في أصل الحكم، فقد استدلّ له:

1 - بأنّ الرّجل أقوى على الاُمور وأبصر بها، وأسدّ رأياً.

2 - وبما ورد في نفي القضاء على الاُنثى (5).

3 - وبما في صحيح الكناسي المتقدّم من تقديم الابن على الاُمّ (6).

4 - وبأصالة عدم ثبوت الولاية للمرأة مع وجود الرِّجال، سيّما مع كون الخطاب ظاهراً للذّكور.

ص: 445


1- المبسوط: ج 1/175، شرائع الإسلام: ج 1/30، تحرير الأحكام: ج 1/116.
2- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/450.
3- جامع المقاصد: ج 1/408.
4- الحدائق الناضرة: ج 10/382.
5- وسائل الشيعة: ج 27/16 ح 33089.
6- الكافي: ج 7/76 ح 1، وسائل الشيعة: ج 26/63 ح 32495.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ هذه التعليلات إنّما يحسُن أن تُذكر حِكْمةً للحكم إذا دلّ دليلٌ عليه، وإلّا فهي بأنفسها لا تصلح أن تكون دليلاً للحكم كما لايخفى .

وأمّا الثاني: فلأنّ عدم القضاء على الاُنثى أعمّ من عدم ولايتها مع وجود الرّجل.

وأمّا الثالث: فلعدم وجوده في النسخ المتعارفة من كتب الأخبار.

وأمّا الرابع: فلأنّه لا سبيل إلى الرجوع إلى الأصل، مع وجود الإطلاقات، كقوله عليه السلام: «يُصلّي على الجنازة أولى النّاس بها أو يأمر من يحبّ »(1).

ودعوى(2): أنّ المنسبق إلى الذهن من (الأولى ) هو الرَّجل.

مندفعة: بما تقدّم من أنّ المراد هو الأولى بالإرث، فإذاً لا دليل على ذلك، ولكن الاحتياط لاينبغي تركه.

المورد الثاني: في أنّه على فرض ثبوته، هل يختصُّ ذلك بما إذا كان الميّت رجلاً أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بأنّ ظاهر ما دلَّ على اعتبار إذن الوليّ ، أنّ له المباشرة، لا أنّ معنى ولايته الإذن فقط، مضافاً إلى اقتضاء التوكيل في أمر ذلك.

وفيه: مضافاً إلى اختصاص هذا الوجه بالتغسيل، وإلى أنّ لازم ذلك نفي الولاية عن غير المماثل مطلقاً، وهو ممّا لا يلتزم به أحدٌ، وقد دلّ الدليل على خلافه، ففي صحيح زرارة:2.

ص: 446


1- الكافي: ج 3/176 ح 1، وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3170.
2- مصباح الفقيه (ط. ق): ج 1/354 ق 2.

«في المراة تَؤمّ النساء؟ قال عليه السلام: لا، إلّاعلى الميّت، إذا لم يكن أحدٌ أوليمنها»(1).

أنّه كما أنّ ثبوت الولاية غير ملازم لإمكان المباشرة، بل ربما تثبت مع امتناعها لمرضٍ ونحوه، كذلك لا يلازم مع جوازها، فإنّ المستفاد من أدلّتها، بل صريح بعضها، إمّا المباشرة أو الإذن، ويؤيّده عدم الخلاف في أولويّة الزوج بزوجته، مع أنّ الأولى اجتناب المباشرة.

وعليه، فالثاني أظهر.

***

أولوية من انتسب إلى الميّت بالأبوين

المسألة الثالثة: في كلّ طبقةٍ من طبقات الإرث، مَنْ مَتَّ إلى الميّت بالأب والاُمّ أولى ممّن مَتَّ إليه بالأب، وهو أولى ممّن انتسب إليه بالاُمّ . كما هو المشهور(2).

ويشهد له صحيح يزيد الكناسي المتقدّم، فإنّه وإنْ لم يُصرّح فيه بهذه الكليّة، إلّا أنّه يستفاد منه ذلك، كما لا يخفى .

***

الترتيب بين أفراد طبقةٍ واحدة

المسألة الرابعة: صرّح غَير واحدٍ بأنّه في الطبقة الأولى الأب مقدّمٌ على الأولاد، وهم على أولادهم، وهو على الاُمّ .

أمّا الأوّل: فهو المشهور بين الأصحاب(3)، بل عن «التذكرة»(4): نسبته إلى علمائنا، مُشعراً بالإجماع عليه.

ص: 447


1- الفقيه: ج 1/397 ح 1178، وسائل الشيعة: ج 3/117 ح 3179.
2- راجع شرائع الإسلام: ج 1/81، إرشاد الأذان: ج 1/263.
3- راجع تحرير الأحكام: ج 1/126، رسائل الكركي: ج 1/93.
4- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/47.

واستدلّ له:

1 - بأنّ الأب أشفقُ علي الميّت وأرقُّ عليه، فيكون دعائه أقربُ للإجابه.

2 - وبالإجماع.

3 - وبأنّه مع وجود الأب لا ينسبق إلى الذهن مِنْ الأمر بأن (يُصلّي عليه أولى النّاس به) إلّاهو، فهو الذي تنصرف إليه إطلاقات الأدلّة الواردة في هذا الباب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما مرّ من عدم صلاحيّة مثل هذه التعليلات أن تكون دليلاً للحكم الشرعي.

وأمّا الإجماع: فلأنّه لم يثبت، لعدم ثبوته كونه تعبّديّاً، إذ لعلّ مستند المجمعين أو بعضهم ما ذكر.

وأمّا الثالث: فلأنّه بعد ورود التفسير بأنّ المراد ب (أولى النّاس) أولاهم بميراثه، لاسبيل إلى هذا الاستدلال.

فإذاً الأظهر بحسب الأدلّة عدم التقديم، إلّاأنّ الاحتياط سبيل النجاة.

وأمّا القول الثاني: فهو المشهور أيضاً، ويشهد له، خبر الكناسي، وكون الأولاد أولى بالميراث من أولادهم.

وأمّا القول الثالث: فقد استدلّ له: بما تقدّم في تقديم الذَّكر على الاُنثى الذي عرفت ما فيه، وبأنّه أشفق وأرقّ وأقرب إلى إجابة الدُّعاء، وقد عرفت ما في هذه التعليلات.

وبالجملة: فالصحيح أن يُستدلّ له بصحيح الكناسي، فإنّه يُستفاد منها أنّ

ص: 448

جانب الأب أولى بالرعاية.

وقال الشيخ(1) والحلّي(2): إنّه في الطبقة الثانية: الجدُّ مقدّمٌ على الاخوة، وإنْ كانوا للأبوين.

واستدلّ له:

1 - بالانصراف حسب ما ادّعوه في الأب، لدى اجتماعه مع الابن، الذي عرفت ما فيه.

2 - وبأنّ له الولاية على الميّت وأبيه في بعض أحوالهما.

وفيه: أنّ الولاية في حال الحياة في بعض الحالات، لا تكون دليلاً على تقدّمه على الأخ في حال الممات، بعد كون المناط الأولويّة في الميراث.

ثمّ إنّه لو تمّ ذلك، فهو بالنسبة إلى الجدّ من قِبل الأب كما قيّداه به، وأمّا إذا كان من قِبل الاُمّ ، فهو مساوٍ للأخ منها خاصّة، كما هو واضح.

وأخيراً: قد نُسب إليهما أنّه في الطبقة الثالثة: العمُّ مقدّمٌ على الخال، ويمكن أن يستدلّ له بخبر الكناسي، الظاهر في أنّ المنتسب بالأب مُقدّمٌ على المنتسب بالاُمّ .

***3.

ص: 449


1- الخلاف: ج 4/88.
2- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/23.

والزَّوجُ أولى من غيره.

أولويّة الزّوج بزوجته

المسألة الخامسة: (والزّوج أولى من غيره) بزوجته على المشهور(1).

بل عن «المعتبر»(2) و «المنتهى»(3) وحاشية «المدارك»(4) وغيرها(5): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

1 - موثّق إسحاق بن عمّار، عن مولانا الصادق عليه السلام: «والزّوج أحقّ بالمرأة حتّى يضعها في قبرها»(6).

وعن المحقّق(7) والمصنّف(8): دعوى الاتّفاق على العمل بمضمونه.

2 - وخبر أبي بصير، الذي رواه المشائخ الثلاثة في الكتب الثلاثة عنه عليه السلام:

«عن المرأة تموت، مَنْ أحقّ بالصلاة عليها؟ قال عليه السلام: زوجها.

قلت: الزوج أحقُّ من الأب والولد والأخ ؟ قال عليه السلام: نعم ويُغسّلها»(9).

ص: 450


1- راجع النهاية ص 143، الوسيلة ص 119،
2- المعتبر: ج 1/264.
3- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/452.
4- راجع مدارك الأحكام: ج 4/158 قوله: (هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب).
5- مفتاح الكرامة: ج 4/120، الذكرى: ج 1/420.
6- الكافي: ج 3/194 ح 6، وسائل الشيعة: ج 3/116 ح 3176.
7- المعتبر: ج 1/264.
8- منتهى المطلب (ط. ق): ج 1/436.
9- الكافي: ج 3/177 ح 2، وسائل الشيعة: ج 3/115 ح 3174.

أقول: وأُورد على الاستدلال بهما:

تارةً : بضعف السند.

واُخرى: بمنافاة هذه الأولويّة لماتقدّم من أنّ أولى النّاس بالميّت أولاهم بميراثه.

وثالثةً : بمعارضة الخبرين مع صحيح حفص، عن مولانا الصادق عليه السلام:

«في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها، أيّهما يصلّي عليها؟ قال عليه السلام: أخوها أحقُّ بالصلاة عليها»(1).

وقريب منه خبر عبد الرحمن عنه عليه السلام(2).

ولكن يندفع الأوّل: بأنّ الموثّق حجّة على الأقوى ، مع أنّ ضعف السند لو كان فهو منجبرٌ بالعمل.

والثاني: بأنّ تقديم بعض أفراد الطبقة على غيره لجهاتٍ اُخر، لا ينافي مع كون الولاية لمن هو أولى بالميراث.

والثالث: بأنّ المعارض لإعراض الأصحاب عنه يُطرح أو يُحمل على التقيّة، لما عن الشيخ(3) من حكاية موافقته للعامّة.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصّ والفتوى، عدم الفرق بين كون الزوجة حُرَّة أو أمَة، دأئمّة أو منقطعة.

وقد يقال: بانصراف النصوص إلى الحُرّة التي كانت مالكة لنفسها في الحياة، مع أنّ تقييد النصوص المذكورة أولى من تقييد قاعدة السلطنة على الأملاك.

وفيه: أنّ الإنصراف ممنوعٌ ، بعد كون ملاك أحقّيّة الزوج غير معلوم عندنا،5.

ص: 451


1- التهذيب: ج 3/205 ح 33، وسائل الشيعة: ج 3/116 ح 3177.
2- وسائل الشيعة: ج 3/116 ح 3178.
3- التهذيب: ج 3/205.

والزوجة كما تشمل الأمَة كذلك تشمل الحُرّة بلا فرق بينهما.

ودعوى:(1) منافاة ذلك لقاعدة السلطنة.

مندفعة: بخروج الأمَة بموتها من ملك سيّدها، لخروجها من أهليّة التملّك.

واستشكل في «الجواهر»(2) في المنقطعة، لا سيّما إذا انقضى الأجل بعد موتها، لبينونتها حينئذٍ عنه، بل لم يستبعد ذلك بمجرّد موتها، وإنْ لم ينقضِ الأجل، لكونها كالعين المستأجرة إذا ماتت.

وفيه: أنّ إطلاق النصّ يقتضي ثبوت هذا الحكم في المنقطعة كالدأئمّة، وحصول البينونة بينهما بمجرّد موتها، وإنْ كان ممّا لا ريب فيه، إلّاأنّه في الدائمة أيضاً كذلك، لعدم معقوليّة بقاء الزوجيّة متعلّقة بالميّت.

***8.

ص: 452


1- مستمسك العروة: ج 4/50.
2- جواهر الكلام: ج 4/48.

والهاشميُّ أحقّ إذا قَدّمه الوليّ ، ويستحبُّ له تقديمه مع الشرائط.

أولويّة الهاشمي من غيره

المسألة السادسة: (والهاشميّ أحقّ إذا قدّمه الوليّ )، بلا خلافٍ كما في «الجواهر»(1).

وعن «المعتبر»(2) و «التذكرة»(3) و «نهاية الأحكام»(4): دعوى الإجماع عليه.

(و) الأولويّة المذكورة تعني أنّه (يستحبّله تقديمه مع) كونه جامعاً (للشرائط).

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - النبويّ : «قدِّموا قُريشاً ولا تقدموها»(5). بناءً على قاعدة التسامح.

وعن المفيد(6): القول بوجوب تقديمه، وليس له دليلٌ ظاهر.

***

ص: 453


1- جواهر الكلام: ج 12/16.
2- المعتبر: ج 2/345.
3- تذكرة الفقهاء (ط. ج): ج 2/23.
4- نهاية الاحكام: ج 2/255.
5- العمدة: ص 271.
6- المقنعة: ص 232.

والإمام أولى من غيره، ووجوبها على الكفاية.

الإمام أولى من غيره

(و) المسألة السابعة: (الإمام) أي إمام الأصل (أولى من غيره) بالصّلاة، بلا خلافٍ أجده.

بل عن ظاهر «الخلاف»(1): الإجماع عليه، بل لعلّه ضروري المذهب. كذا في «الجواهر»(2).

وتشهد له:

1 - مضافاً إلى وضوحه.

2 - خطبة الغدير(3).

3 - وخبر طلحة بن زيد، عن مولانا الصادق عليه السلام: «إذا حَضَر الإمام الجنازة، فهو أحقُّ بالصّلاة عليها»(4).

والبحث في احتياجه إلى إذن الوليّ ، خروجٌ عمّا يقتضيه قانون العبوديّة.

التنبيه على الأمرين
اشارة

(و) أقول: بقي أمران لابدَّ من التنبيه عليهما:

وجوبها على الكفاية

الأمر الأوّل: أنّ ثبوت الولاية لفرد أو أفراد، لا ينافي ما ذكرناه في أوّل المباحث المتعلّقة بالميّت،(5) من أنّ (وجوبها) أي الصَّلاة وغيرها من أحكام الميّت (على الكفاية)، كما تقدّم الكلام في ذلك في مبحث التغسيل، حيث أوضحنا في ذلك المبحث حكم ولاية الحاكم، وجملةٌ من فروع الولاية، فراجع.(6)

ص: 454


1- الخلاف: ج 1/719.
2- الجواهر: ج 12/21.
3- البحار: ج 23/141 ح 92.
4- الكافي: ج 3/177 ح 4، وسائل الشيعة: ج 3/114 ح 3172.
5- فقه الصادق: ج 3/268.
6- فقه الصادق: ج 3/274.
في اشتراط إذن الجميع عند تعدّد الأولياء وعدمه

الأمر الثاني: يدور البحث فيه عن أنّه إذا تعدّد أهل مرتبةٍ واحدة:

1 - فهل يعتبر إذن الجميع ؟

2 - أم يكفي إذن أحدهم مطلقاً؟

3 - أو ما لم يمنع غيره ؟

وجوه، أقواها الأوسط:

1 - للسيرة المستمرّة.

2 - ولصدق الوليّ على كلّ واحدٍ منهم، وأنّه ليس أحدٌ أولى به منه، فإذا صلّى عليه، فقد فَعَله أولى النّاس به، فيكون مُجزياً، وليس لغيره منعه، لعدم أولويّته منه، فتدبّر.

واستدلّ للأوّل: بأنّ مقتضى إطلاق دليل الولاية، ثبوت ولاية واحدة لصرف طبيعة الوليّ ، لا حقوق متعدّدة بتعدّد أفراد الوليّ .

وفيه أوّلاً: أنّ ثبوت الولاية لصرف طبيعة الوليّ - على فرض معقوليّته - ليس معناه ثبوت ولاية واحدة للجميع، بل معناه ثبوت الولاية لواحدٍ من الأفراد، بمعنى أنّ كلّ واحدٍ من الأفراد الثابتة لهم الولاية، له التصدّي لجميع ما هو من شؤون الولاية، فيكفي إذنٌ واحدٌ منهم، نظير ما ذكره جماعة(1) في الواجب الكفائي، حيث التزموا بأنّ المكلّف ليس مجموع الأفراد، ولا الجميع، ولا الواحد المعيّن، ولا المردّد، بل صِرْفُ وجود طبيعة المكلّف، فبامتثال أحد المكلّفين يتحقّق الفعل من صِرْف وجود الطبيعة، فيسقط الغَرَض.

ص: 455


1- راجع: مستمسك العروة الوثقى : ج 7/148.

وعليه، فالتصريح بأنّ الولاية ثابتة لصِرْف طبيعة الوليّ ينافي الالتزام باعتبار إذن الجميع.

وثانياً: إنّ توجّه التكليف إلى صِرْف وجود طبيعة المكلّف، كثبوت الولاية لصِرْف وجود طبيعة الوليّ ممّا لا نتعقّله، إذ تعلّق التكليف بصرف وجود طبيعة الفعل، بمعنى ناقض العدم المطلق أمرٌ معقولٌ من جهة أنّ المتعلّق غير موجود، والتكليف يقتضي إيجاده. وأمّا كون المكلّف هو صِرْف طبيعته، بعد اعتبار ثبوت المكلّف، قبل فعليّة الحكم، وفرض كون ثبوته في ضمن أفرادٍ متعدّدة، فليس له معنى معقول:

إلّا كون المكلّف هو أسنّ المكلّفين، وهو كما ترى .

أو كونه أوّل من قام بالفعل، وهو ينافي لزوم كون موضوع التكليف مفروض الثبوت.

وبالتالي فلا مناص عن الالتزام:

إمّا بكون الموضوع هو المجموع، المفروض عدمه في الواجبات الكفائيّة.

أو الجميع، مع كون التكليف المتوجّه إلى كلّ واحدٍ مشروطاً بعدم إتيان الآخرين.

وتمام الكلام في ذلك، والجواب عمّا أُورد عليه موكولٌ إلى محلّه في مباحث الواجب الكفائي من الاُصول.

وفي المقام بما أنّ الولاية تستفاد من النصوص المتضمّنة أنّه (يُصلّى على الميّت أولى النّاس به أو من يأمره)، فلابدَّ في تشخيص كون الوليّ هو مجموع مَنْ في طبقة واحدة، أو كلّ واحدٍ منهم - بعد عدم معقوليّة كون الوليّ هو صِرْف طبيعة الوليّ - من الاستظهار من تلك النصوص وبيان مفادها.

أقول: إنّ المراد من قوله عليه السلام: «يصلّي عليه أولى النّاس به»، لايحتمل أن يكون

ص: 456

معناه قيام الجميع بصلاةٍ واحدة، بأن يأتي كلّ واحدٍ بتكبيرة واحدة مثلاً. بل لو قاموا بها كذلك كانت باطلة بلا ترديد، كما أنّه ليس المراد وجوب إتيان كلّ واحدٍ منهم بصلاة كاملة، لعدم دلالته على وجوب أكثر من صلاة واحدة بلا كلام، بل المراد منه أنّ لكلّ واحد من الأولياء أن يُصلّي عليه، بمعنى أنّ الكلّ مكلّفون بالتكليف المشروط، ولازم ذلك ثبوت الولاية لكلّ واحدٍ من الأفراد، لا ثبوت ولايةٍ واحدةٍ للجميع.

وعليه، فلا يجبُ الاسيتذان من الجميع، فتدبّر فإنّه دقيق.

واستدلّ للثالث: بأنّ الولاية الثابتة لكلّ واحدٍ لازمها أمران:

1 - اعتبار إذنه.

2 - مانعيّة منعه.

فلو أذِنَ أحد الأولياء، ولم يمنع الآخر، فالشرط موجودٌ والمانع مفقود، فتصحّ الصَّلاة، وأمّا لو منع الآخر، فالشرط وإنْ كان موجوداً، إلّاأنّ الصلاة تبطل لوجود المانع.

وفيه: أنّ ظاهر قوله عليه السلام: «يصلّي عليه أولى النّاس به، أو مَنْ يأمره»، اعتبار الإذن في صحّة الصَّلاة، وأمّا مانعيّة المنع، فلا دليل عليه.

هذا فضلاً عن أنّ شرطيّة الإذن لا يُعقل اجتماعها مع مانعيّة المنع، لما حقّق في محلّه من عدم معقوليّة جَعل الشرطيّة لأحد الضدّين، والمانعيّة للاخر، فتأمّل.

فتحصّل: أنّ الأقوى كفاية إذن أحدهم.

أقول: ومنه يظهر جواز الصَّلاة من كلّ واحدٍ منهم، من دون الحاجة إلى إذن من الآخرين. وأنّ التفصيل بينهما، بالالتزام بعدم كفاية إذن أحدهم، وجواز الصَّلاة

ص: 457

بلا إذنٍ من الآخرين، كما في «العروة»(1) في غير محلّه.

وأشكل منه: إفتائه رحمه الله جزماً بجواز أن يقتدي بكلّ واحدٍ منهم، مع فرض أهليّته للجماعة، إذ شرعيّة عقد جماعتين على ميّتٍ واحد، مع فرض عدم الإطلاق لما تستفاد منه شرعيّة الجماعة فيها، وعدم معهوديّته في الشريعة، محلّ إشكال.

نعم، بطلان الجماعة لا يقتضي بطلان صلاة الإمامين.

وأخيراً: أضعف من ذلك كلّه، ما أورده بعض الأعاظم(2) علي السيّد رحمه الله بقوله:

(لا يتّضحُ الفرق بين الصَّلاة فرادى ، والصَّلاة مقتدياً؛ في وجوب الاستيذان من الجميع).

إذ يرد عليه: أنّه لا ريب ولا كلام في أنّه لا يعتبر للمأمومين الاستيذان لا من الجميع، ولا من واحدٍ منهم.

***

تمَّ الجزء الثالث من موسوعة «فقه الصادق» بقلم مؤلّفه الأحقر،

محمّد صادق الحسيني الروحاني عفى اللّه عنه،

ويتلوه الجزء الرابع إنْ شاء اللّه تعالى.

وما توفيقي إلّاباللّه، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.2.

ص: 458


1- العروة الوثقى: ج 2/91.
2- مستمسك العروة: ج 4/222.

فهرس الموضوعات

في أحكام الحائض... 5

يَحرمُ وطء الحائض... 9

الإستمتاع بما بين السُرّة والرُّكبة... 13

حكم وطي الحائض لو اشتبه الحال... 17

في حكم الدّم الخارج عن غير الفرج... 20

جواز الوطء قبل الغُسل بعد انقطاع الدّم... 21

اشتراط غَسل الفرج... 27

يشرع الغَسل لو وجب التمكين... 30

الوطء مع التيمّم... 32

حكم الرجل الواطي زوجته عمداً... 35

كفّارة وطء الحائض... 37

مقدار الكفّارة... 43

كفّارة وطء الأمَة... 45

شرائط وجوب الكفّارة... 47

جواز إعطاء قيمة الدينار... 50

حكم تكرّر الوطء... 53

حكم النَفساء... 58

حرمة العبادات المشروطة بالطهارة عليها... 61

ثمرة الخلاف في كون الحرمة ذاتيّة أو تشريعيّة... 63

أدلّة الطرفين... 64

إرتفاع الحَدَث مع الحيض... 67

ص: 459

حكم طواف الحائض... 71

بطلان طلاق الحائض... 73

سقوط قضاء الصّلاة عنها... 75

الحيض بعد دخول وقت الصّلاة... 79

الحيض بعدما يسع الصّلاة الاضطراريّة... 84

حكم عدم إدراك الحائض شيئاً من الصّلاة... 88

الطُهر قبل خروج الوقت... 90

لو شكّت في سعة الوقت... 94

حكم من وظيفتها التيمّم... 95

وجوب قضاء الصّوم على الحائض... 96

عدم لزوم الوضوء مع غُسل الحيض... 98

ما يُكره للحائض ويستحبُّ لها... 110

استحباب الوضوء للحائض... 111

الفصل الثالث / في الاستحاضة... 112

إجتماع الحمل مع الحيض... 124

أقسام الاستحاضة... 131

الاستحاضة القليلة... 133

تجديد الوضوء لكلّ صلاة... 136

الاستحاضة المتوسّطة... 144

وجوب الغُسل لخصوص صلاة الغداة في المتوسّطة... 148

حكم الاستحاضة الكثيرة... 153

في وجوب الجمع وجواز التفريق... 154

عدم كفاية الأغسال عن الوضوء... 157

إذا عملت المستحاضة بوظيفتها كانت بحكم الطاهرة... 161

في حكم المخلّة بوظيفتها... 165

ص: 460

حكم وطء المستحاضة... 168

اشتراط صحّة صوم المستحاضة على الأغسال... 174

لزوم المبادرة إلى الصَّلاة بعد الغُسل... 178

المتوسّطة الحادثة بعد صلاة الفجر... 183

يجب على المستحاضة اختبار حالها... 185

التحفّظ من خروج الدّم بعد الطهارة... 189

حكم انقطاع الدّم... 193

حكم رؤية الدّم في أوقات متفرّقة... 202

في النِّفاس... 203

الدَّم الخارج قبل الولادة... 206

الدَّم الخارج بعد وضعها المُضْغَة... 211

ليسَ لأقلّ النِّفاس حَدٌّ... 213

حَدّ النِّفاس الأبعد... 215

في وحدة حكم النّفساء والحائض... 226

حكم ولادة التوأمين... 228

في حكم الطفل الخارج متدرّجاً... 232

الدَّم المُستَمرّ إلى شهرٍ أو أزيد... 234

في انقطاع الدَّم على العاشر أو قبلها... 238

الدّم المنفصل عن الولادة... 240

الفصل الخامس / في غُسل الأموات... 242

آداب الإحتضار... 256

المستحبّات بعد الموت... 262

المكروهات بعد الموت... 266

تغسيل الميّت... 268

امتناع الوليّ عن المباشرة والإذن... 274

ص: 461

وجوب تغسيل كلّ مسلمٍ ... 280

تنبيهات غُسل الميّت... 285

إذا تمَّ للسقط أربعة أشهر... 291

اعتبار المماثلة بين الغاسل والميّت... 294

إذا انحصر المماثل في الكتابي... 299

تغسيل الخُنثى المشكل... 305

عدم اعتبار المماثلة في الصبيّ والصبيّة... 310

في تغسيل الزوجين أحدهما الآخر... 314

عدم اعتبار الغُسل من وراء الثياب... 320

تغسيل المحارم بعضهم بعضاً... 326

في اشتراط التغسيل من وراء الثياب... 329

تغسيل المولى أمَتَه... 331

كيفيّة التغسيل... 333

تنبيهات غُسل الجنابة... 337

تجب إزالة النّجاسة قَبل الغُسل... 341

مقدار السِّدر والكافور... 344

تعذّر السِّدر والكافور... 349

إذا كان الماء بمقدار غُسلٍ واحد... 353

تعذّر الماء... 355

اعتبار نيّة القُربة في الغُسل... 359

آداب الغُسل... 365

مكروهات الغُسل... 372

تكفين الميّت... 375

لو لم يوجد إلّاثوبٌ واحد... 385

لا يجوز التكفين بالحرير... 388

ص: 462

التكفين بما لا يؤكل لحمه... 391

اعتبار طهارة الأثواب... 393

التكفين في حال الاضطرار... 396

التَحنيط... 402

أقلّ ما يُجزي من الكافور... 411

مستحبّات الكَفَن... 414

في الجريدتين... 420

مكروهات التكفين... 426

الصَّلاة على الميّت... 427

الصَّلاة على غير البالغ... 431

في المُصلّي... 439

تقدّم الذّكور على الإناث... 445

الترتيب بين أفراد طبقةٍ واحدة... 447

أولويّة الزّوج بزوجته... 450

أولويّة الهاشمي من غيره... 453

في اشتراط إذن الجميع عند تعدّد الأولياء وعدمه... 455

فهرس الموضوعات... 459

ص: 463

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.