فقه الصادق المجلد 2

اشارة

سرشناسه:روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان قراردادی:تبصره المتعلمین .شرح

عنوان و نام پديدآور:فقه الصادق [کتاب]/ تالیف محمدصادق الحسینی الروحانی؛ باشراف قاسم محمد مصری العاملی.

مشخصات نشر:قم : آیین دانش، 1392.

مشخصات ظاهری:41ج.

شابک:4200000ریال: دوره: 978-600-6384-26-9 ؛ 100000ریال: ج.1: 978-600-6384-28-3 ؛ 100000ریال: ج.2: 978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.3: 978-600-6384-31-3 ؛ 100000ریال: ج.4:978-600-6384-30-6 ؛ 100000ریال: ج.5: 978-600-6384-33-7 ؛ 100000ریال: ج.6: 978-600-6384-34-4 ؛ 100000ریال: ج.7: 978-600-6384-35-1 ؛ 100000 ریال: ج.8: 978-600-6384-36-8 ؛ 100000ریال: ج.9: 978-600-6384-37-5 ؛ 100000 ریال: ج.10: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.11: 978-600-6384-37-5 ؛ ج.12: 978-600-6384-38-2 ؛ ج.13: 978-600-6384-39-9 ؛ ج.14: 978-600-6384-40-5 ؛ ج.15: 978-600-6384-41-2 ؛ ج.16: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.17: 978-600-6384-50-4 ؛ 100000 ریال: ج.18: 978-600-6384-51-1 ؛ 100000 ریال: ج.19: 978-600-6384-52-8 ؛ ج.20: 978-600-6384-46-7 ؛ 100000ریال: ج.21:978-600-6384-54-2 ؛ 100000ریال: ج.22: 978-600-6384-55-9 ؛ 100000ریال: ج.23: 978-600-6384-56-6 ؛ 100000ریال: ج.24: 978-600-6384-57-3 ؛ 100000ریال: ج.25: 978-600-6384-58-0 ؛ 100000ریال: ج.26: 978-600-6384-59-7 ؛ 100000 ریال: ج.27: 978-600-6384-60-3 ؛ 100000 ریال: ج.28: 978-600-6384-61-0 ؛ 100000 ریال: ج.29: 978-600-6384-62-7 ؛ 100000 ریال: ج.30: 978-600-6384-63-4 ؛ 100000 ریال: ج.31: 978-600-6384-64-1 ؛ 100000 ریال: ج.32:978-600-6384-65-8 ؛ 100000 ریال: ج.33:978-600-6384-66-5 ؛ 100000 ریال: ج.34: 978-600-6384-67-2 ؛ 100000 ریال: ج.35: 978-600-6384-41-2 ؛ 100000 ریال: ج.36: 978-600-6384-42-9 ؛ 100000 ریال: ج.37: 978-600-6384-43-6 ؛ 100000ریال: ج.38: 978-600-6384-44-3 ؛ 100000 ریال: ج.39: 978-600-6384-45-0 ؛ 100000 ریال: ج.40: 978-600-6384-29-0 ؛ 100000 ریال: ج.41: 978-600-6384-26-9

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: قم: اجتهاد، 1386 -

يادداشت:جلد 4 تا 41 این کتاب در سال 1393 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:کتاب حاضر شرح و تعلیقی بر کتاب " تبصره المتعلمین" اثر علامه حلی است.

یادداشت:کتابنامه .

یادداشت:نمایه.

مندرجات:ج.17- 18و 19.الحج.-ج.22 و 23 المکاسب.-ج.28. الاجاره.-ج.32،31و33.النکاح.-ج.34.الفراق.-ج.35. الفراق.-ج.41. الفهارس.

موضوع:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده:عاملی، قاسم محمد مصری، گردآورنده

شناسه افزوده:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق. . تبصره المتعلمین . شرح

رده بندی کنگره:BP182/3/ع8ت20214 1392

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:3334286

ص: 1

اشارة

فقه الصادق

تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمدصادق الحسينى الروحانى

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

تتمة الباب الثاني في الوضوء

تتمة واجبات الوضوء

تتمة المسح على الحائل
في حكم العبادة عند ترك التقيّة

فروع:

الفرع الأوّل: لو ترك التقيَّة، ومسح على بشرة الرِّجلين، فهل يصحّ الوضوء أم لا؟

أم يفصل بين موارد وجوبها وموارد عدم الوجوب ؟ وجوه:

أقول: لا ينبغي التوقّف في الصحّة في موارد عدم وجوبها، إذ معنى عدم الوجوب، جواز المسح على البشرة.

وأمّا موارد وجوبها، وهي موارد خوف الضرر.

فقد استدلّ للبطلان: بعدّة اُمور:

1 - بأنّ ظاهر الأمر بالتقيَّة لزوماً كون المسح على الخفّين جزءٌ تعينيّاً للوضوء، فتركه تركٌ للوضوء.

2 - وبأنّ الأمر بها موجب للنهي عن المسح على البشرة وهو يقتضي الفساد، وبأنّ التقيَّة كما تكون بالفعل فتقتضي وجوبه، وحرمة تركه، تكون بالترك أيضاً فتقتضي وجوبه، وحرمة الفعل والمسح على البشرة في نفسه مخالف للتقيَّة، فيحرم ولا يصحّ التعبّد به.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الأمر بالتقيَّة لمصلحةٍ فيها أهمّ من ما في المسح على البشرة، لا يوجب عدم الأمر بالمسح عليه حتّى بنحو الترتّب.

وأمّا ما ذكره بعض الأعاظم(1): من منع ظهور أوامر التقيَّة في ذلك، غاية الأمر

ص: 5


1- السيّد الحكيم قدس سره في مستمسك العروة الوثقى: ج 2/410، في تعليقه على مسألة 36.

أن كونها ديناً يقتضي بدليّة ما يوافق التقيَّة عن الواقع، فيكون في طول الواقع، فالإتيان بالواقع مجزءٍ مسقطٍ للأمر.

فغير تامّ : إذ فرض الكلام فرض لزوم التقيَّة، والأمر بها دون الواقع.

وأمّا الثاني: فلما حقّقناه في محلّه من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه.

وأمّا الثالث: فلأنّ لزوم التقيَّة لمصلحةٍ ملزمة فيها، لا يلازم حرمة ما يخالف التقيَّة، إذ ترك الواجب لا مفسدة فيه كي يصير حراماً.

اللّهُمَّ إلّاأن يُقال: إنّ موارد وجود المصلحة في ما يوافق التقيَّة، وعدم المفسدة في تركها، إنّما هي موارد استحبابها، وأمّا موارد وجوبها فهي إنّما تكون فيما ترتّب الضرر أو خاف من ترتبه على ترك التقيَّة، ولا محالة يكون ترك ما يوافقها حراماً.

ولكن يرد عليه: أنّ مجرّد ذلك لا يوجب جعل الحرمة، لما حقّقناه في محلّه من عدم حرمة الإضرار بالنفس.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الصحّة مطلقاً بناءً على صحّة الترتّب.

***

ص: 6

في وجوب البدار مطلقاً وعدمه

الفرع الثاني: إذا علم بعد دخول الوقت أنّه لو أخّر الوضوء والصلاة، يضطرّ إلى المسح على الحائل:

فهل يجب البدار مطلقاً؟

أم لا يجب كذلك ؟

أم يفصّل بين التقيَّة فيجوز، وغيرها فلا يجوز؟

وجوه: أقواها الأخير، لأنّ ما دلَّ على جواز التقيَّة، قد عرفت أنّه غير مقيّد بصورة عدم وجود المندوحة، فمقتضى إطلاق ذلك الدليل جوازها في الفرض، الكاشف عن تدارك مصلحة الواقع بمصلحتها.

وأمّا غيرها، فحيثُ عرفت اعتبار عدم المندوحة فيه، ففي الفرض لوجود المندوحة لو أخّر وضوءه حتّى اضطرّ إلى المسح على الخفّين لا يصحّ .

ودعوى: أنّه في أوّل الوقت المندوحة موجودة، ولكن لو أخّر ولو عصياناً حتّى اضطرّ، يتبدّل الموضوع، وتنعدم المندوحة، فيكون مشمولاً لذلك الدليل.

مندفعة: بأنّ الظاهر من خبر أبي الورد اختصاص الحكم بصورة الاضطرار لا بالاختيار.

وأمّا خبر عبد الأعلى: فهو لا إطلاق له من هذه الجهة كي يُتمسّك به، مع أنّه قد عرفت أنّه من جهة التمسّك فيه بآية نفي الحرج(1) يكون مختصّاً بصورة الاضطرار في تمام الوقت.

***

ص: 7


1- سورة الحج: الآية 78.
زوال السبب المسوّغ للتيمّم

الفرع الثالث: إذا زال السبب المسوّغ للمسح على الحائل من تقيَّةٍ أو ضرورةٍ :

فهل يجب إعادة الطهارة للغايات التي أراد إيجادها، بعد زوال السبب كما عن «المعتبر»(1) و «المنتهى»(2) و «المبسوط»(3) و «التذكرة»(4) و «الإيضاح»(5) و «كاشف اللّثام»(6)؟

أم لا يجب إلّاللحَدَث، كما عن «المختلف»(7) و «الذكرى»(8) و «الدروس»(9)، و «جامع المقاصد»(10) و «المدارك»(11) و «المنظومة» و «الجامع»(12) و «الروض»(13) بل

ص: 8


1- المعتبر: ج 1/154، قوله: (فلو مسح وزالت الضرورة أو نزع الخفّ استأنف).
2- منتهى المطلب: ج 2/84، قوله: (لو زالت الضرورة أو نزع الخُفّ استأنف).
3- المبسوط: ج 1/22، قوله: (وجب عليه استئناف الوضوء).
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/174، (لو مسح على الحائل للضرورة أو التقيّة ثمّ زالتا أو نزع الخُفّ فالأقرب الاستئناف).
5- إيضاح الفوائد: ج 1/40، إلّاأنّه قال: (فإن زال السبب ففي الإعادة من غير حدث إشكال).
6- كشف اللّثام: ج 1/549، (فإن زال السبب للمسح على الحائل... الخ).
7- مختلف الشيعة: ج 1/303.
8- الذكرى: ص 90، قوله: (المقتضي للمسح على الخفّين عندنا هو الضرورة والتقيَّة فيدوم بدوامها ولا يتقدّر بما قدروه، فإذا زالت الضرورة ولم يحدث... والأقرب بقاء الطهارة).
9- الدروس: ج 1/92، قوله: (ولو زال السبب فالأقرب بقاء الطهارة، وقيل ينتقض).
10- جامع المقاصد: ج 1/221-222، استدلّ على عدم الإعادة بمقدّمات، إلى أن قال: (ومتى تقرّرت هذه المقدّمات لزم الجزم بعدم الإعادة هنا).
11- مدارك الأحكام: ج 1/224، قوله: (الأظهر عدم الوجوب، لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء، والإعادة على خلاف الأصل فيتوقّف على الدليل).
12- الجامع للشرائع (ليحيى بن سعيد الحلّي المتوفّى سنة 689 ه): ص 35.
13- روض الجنان للشهيد الثاني: ص 37، قوله: (ولا يبطل الوضوء بزوال التقيّة والضرورة ما لم يحدث على الأصح).

نُسب إلى المشهور؟ وجهان: قد استدلّ للثاني:

1 - باستصحاب الصحّة.

2 - وبما دلَّ على أنّ الوضوء لا ينتقض إلّابالحدث، وليس ارتفاع الضرورة منه.

3 - وبأنّه إنّما نوى بوضوئه رفع الحدث، فيجب حصوله لقوله عليه السلام: «لكلّ إمرءٍ ما نوى ».

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما ذكرناه في محلّه، وأشرنا إليه في هذا الشرح غير مرَّة، من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفيّة والوضعيّة.

وأمّا ما أجاب عنه بعض المحقّقين رحمهم الله(1): (بأنّ الموضوع في الاستصحاب مردّدٌ بين إباحة الصلاة المدخول بها حال الضرورة، أو كلّ صلاة، والأوّل لا ينفع، والثاني مشكوك الحدوث).

فغير سديد: إذ الظاهر من دليل جواز المسح على الخُفّ ، بدليّته عن المسح على البشرة، وترتّب أثر الوضوء التامّ على الوضوء معه، وهو الطهارة، فتستصحب الطهارة ما لم يعلم بالحدث.

هذا على مسلك القوم، من كون الطهارة أثراً للوضوء.

وأمّا بناءً على المختار من كونها من العناوين المنطبقة عليه، فيتمّ ما ذكره رحمه الله، لو لم يكن لدليل المسح على الحائل إطلاقٌ ، وستعرف وجوده فانتظر.

وأمّا الثاني: فلأنّ الوضوء وإنْ دلَّ الدليل على أنّه لا ينتقض إلّابالحدث، إلّا6.

ص: 9


1- أورد هذا الجواب الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة: ج 2/296.

أنّ الكلام في المقام ليس في انتقاض الوضوء، بل إنّما هو في قابليّة الوضوءالناقص، واستعداده للبقاء مع زوال العذر، مع أنّ ذلك الدليل لا إطلاق له من هذه الجهة كي يتمسّك به، لعدم انتقاض الناقص أيضاً إلّابالحدث.

وأمّا الثالث: فلأنّ رفعه الحدث يمكن أن يكون رفعاً ما دام بقاء العذر، كما قيل في التيمّم، فلا يلازم ذلك عدم مُحدِثيّته بعد زوال العذر.

فالصحيح ان يستدلّ له: بإطلاق ما دلَّ على جواز المسح على الحائل، المقتضي لجواز الاكتفاء به في مقام الامتثال، ولو كان الاضطرار مرتفعاً.

وإنْ شئت قلت: إنّ مقتضى إطلاق دليله، كونه فرداً من طبيعة الوضوء في حال العذر، كما أنّ الوضوء التامّ فرد منها في حال الاختيار، وعليه فيترتّب على كلٍّ منهما جميع ما يترتّب على تلك الطبيعة، من غير فرقٍ بينهما، فكما أنّ من توضّأ في حال الاختيار يترتّب على وضوئه جميع مايتوقّف على الوضوء حتّى في حال الاضطرار، كذلك تترتّب على وضوء المضطرّ جميع تلك الاُمور حتّى بعد زوال العذر.

وبالجملة: وبذلك ظهر عدم تماميّة الاستدلال لوجوب الإعادة مطلقاً بعموم الآية الشريفة: إِذا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاةِ ... (1). فإنّ ظاهر دليل مشروعيّة الناقص، تقييد دليل وجوب التامّ وهو الآية الشريفة.

نعم، هذا يتمّ فيما يجوز المسح عليه واقعاً، وأمّا فيما لا يجوز واقعاً، بل كان جوازه ظاهريّاً - كما في غير مورد التقيَّة من موارد الضرورة، بناءً على أنّه يختصّ الحكم بصورة عدم وجود المندوحة في تلك الموارد - فإنّه في هذه الصورة لو كان العذر ثابتاً في أوّل الوقت، والمكلّف اعتقد عدم زواله، أو احتمل ذلك فأجرى6.

ص: 10


1- سورة المائدة: الآية 6.

الاستصحاب وتوضّأ، ثم في الوقت زال السبب المسوّغ، تجب الإعادة، ولا يجتزئ بما أتى به، لأنّه لم يكن ذلك مأموراً به كما لا يخفى. وهذا بخلاف مورد التقيَّة، فإنّك قد عرفت ثبوت الأمر بالوضوء حتّى مع وجود المندوحة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّه إذا زال السبب المسوّغ للوضوء الاضطراري، بعد مضيّ وقت الصلاة أو غيرها ممّا يتوقّف على الوضوء، لا تجب الإعادة مطلقاً.

وإذا زال في الوقت:

فإنْ كانت الضرورة هي التقيَّة، لم تجب الإعادة.

وإنْ كانت غير التقيَّة، وجبت الإعادة.

***

ص: 11

والترتيب على ما قلناه.

وجوب الترتيب في أجزاء الوضوء

السادس من فروض الوضوء:

(الترتيب على ما قلناه) بأنْ يقدِّم الوجه على اليد اليمنى، وهي على اليسرى، ثمّ يمسح الرأس ثم الرِّجلين، بلا خلافٍ ، بل إجماعاً كما عن «الخلاف»(1) و «الغنية»(2)و «السرائر»(3) و «التذكرة»(4) وغيرها.

ويشهد له: صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ وجلّ ، ابدأ بالوجه، ثمّ باليدين، ثمّ بمَسْحِ الرأس والرِّجلين، ولا تُقدمنَّ شيئاً بين يدي شيء تخالفُ ما اُمرتَ به، فإن غَسَلت الذراع قبل الوجه، فابدأ بالوجه، وأعد على الذراع، وإنْ مسحتَ الرِّجل قبل الرأس، فامسح على الرأس قبل الرِّجل، ثمّ أعدِ على الرجل، ابدأ بما بدأ اللّه عزّ وجلّ به»(5).

فإنّه صريح في تقديم الوجه على اليدين، وهما على الرأس، ومسح الرأس على الرِّجلين، ولا يدلّ على الترتيب بين اليدين.

ويدلّ عليه: ما في موثّق أبي بصير، عنه عليه السلام:

ص: 12


1- الخلاف: ج 1/95-96 مسألة 42.
2- غنية النزوع: ص 58، الفرض التاسع: (الترتيب... الخ).
3- السرائر: ج 1/102-103.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/185، البحث السادس: (في الترتيب والمولاة، مسألة 55).
5- الفقيه: ج 1/45 ح 89، التهذيب: ج 1/97 ح 100، وسائل الشيعة: ج 1/448 ح 1181.

«فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن، فأعد غَسل الأيمن ثمّ اغسل اليسار»(1).

وأمّا الترتيب بين الرِّجلين: فقد تقدّم الكلام فيه في مسح الرِّجلين.

أقول: ولو خالف الترتيب ولو جهلاً أو نسياناً:

1 - عليه إعادة الوضوء إذا تذكّر، بعدما لا يمكن تدارك ما أخلَّ به لفوات الموالاة، لأنّ المشروط ينعدم بانعدام شرطه.

2 - وأمّا إنْ تذكّر في الأثناء أو بعد الفراغ، مع عدم فوات الموالاة، بأن كان البلل باقياً، فهل يجب إعادة ما يحصل به الترتيب مطلقاً كما هو المشهور شهرة عظيمة ؟

أم يجب إعادة الوضوء كذلك ؟

أو يجب إعادته في صورة النسيان كما عن تذكرة المصنّف رحمه الله(2)، أو في صورة العمد كما عن تحريره ؟(3) وجوه:

أقواها الأوّل؛ لتحقّق الامتثال به، ولجملةٍ من النصوص:

منها: الخبر الذي رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديث تقديم السَّعي على الطواف، قال عليه السلام:

«ألا ترى أنّك إذا غَسَلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تُعيد على شمالك»(4).

ومنها: صحيح زرارة المتقدّم: «فإنْ غَسَلت الذراع قبل الوجه، فابدأ بالوجه وأعد على الذراع، وإنْ مَسَحت على الرِّجل قبل الرأس، فامسح على الرأس قبل3.

ص: 13


1- الكافي: ج 3/35 ح 6، وسائل الشيعة: ج 1/452 ح 1193.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/188، قوله: (لو أخلَّ بالترتيب ناسياً بطل وضوؤه.. ولو كان عامداً أعاد مع الجفاف، وإلّاعلى ما يحصل معه الترتيب).
3- تحرير الأحكام: ج 1/81، قوله: (الترتيب واجب... فلو خالف عمدا أعاده، ونسياناً يعيد إنْ كان جفّ الوضوء، وإلّا على ما يحصل معه الترتيب).
4- التهذيب: ج 5/129 ح 99، وسائل الشيعة: ج 1/451 ح 1191 و ج 13/413 ح 18093.

الرِّجل، ثمّ أعد على الرِّجل».

ومنها: موثّق أبي بصير المتقدّم، ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة.

واستدلّ للثاني: بما في بعض الأخبار من إطلاق الإعادة عند مخالفة الترتيب:

1 - كخبر سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«مَن نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئاً من الوضوء الذي ذكر اللّه تعالى في القرآن، كان عليه إعادة الوضوء والصلاة»(1).

والخبر وإنْ اختصّ بالنّاسي، إلّاأنّه يثبت في العامد بضميمة الأولويّة القطعيّة.

2 - وخبر علي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في البدأة بالمروة قبل الصفا:

«ألا ترى أنّه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء يعيد الوضوء»(2).

وفيه: إنّ الجمع بين هذه النصوص وبين ما تقدّم، المتضمّن للصحّة مع إعادة ما يحصل به الترتيب، يقتضي حملها على الاستحباب، أو على صورة فوات الموالاة، أو على إرادة إعادة الجزء من إعادة الوضوء.

واستدلّ للثالث: بخبر سماعة المتقدّم، بدعوى أخصيّته من ما دلَّ على إعادة ما يحصل به الترتيب، فيخصّص به.

وفيه: إنّ موثّق أبي بصير الدالّ على الصحّة مع العود على ما يحصل معه الترتيب، مختصٌّ بالنّاسي، ونحوه غيره.

واستدلّ للأخير:

1 - بأنّه تشريعٌ مبطل.4.

ص: 14


1- التهذيب: ج 1/102 ح 115 و ج 2/200 ح 87، وسائل الشيعة: ج 1/370 ح 975 و ص 451 ح 1190.
2- الكافي: ج 4/436 ح 1 و 4، وسائل الشيعة: ج 1/453 ح 1198 و ج 13/488 ح 18273.4.

2 - وبأنّه موجبٌ لفوات الموالاة، لأنّها المتابعة مع الاختيار على مسلك المصنّف رحمه الله.

3 - وبمفهوم قوله عليه السلام في موثّق أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «وإنْ نسيتَ فَغَسَلتَ ذراعك قبل وجهك فأعد غَسل وجهك، ثمّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإنْ بدأتَ بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد الأيمن»(1).

فإنّ مفهومه: (إنْ لم تنس فلا تعد غَسل وجهك الأيمن)، وحينئذٍ:

فإمّا أنْ يكون المراد البناء مع عدم الإعادة، وهو خلاف الإجماع.

ومع سقوطه فليس إلّاالاستئناف، وبمفهومه يقيّد إطلاق ما دلَّ على الصحّة مع العود إلى ما يحصل به الترتيب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يتمّ إذا كان إتيانه بالوضوء للأمر التشريعي، وأمّا لو كان إتيان خصوص ما خالف به الترتيب لذلك، فلا وجه للبطلان.

وأمّا الثاني: فلما سيأتي من عدم صحّة المبنى.

وأمّا الثالث: فلأنّ الشرطيّة إنّما سيقت لبيان تحقّق الموضوع ولا مفهوم له.

فتحصّل: أنّ الأقوى الاكتفاء بإعادة ما يحصل به الترتيب مطلقاً، إلّافيما كانت نيّته فاسدة.

***3.

ص: 15


1- الكافي: ج 3/35 ح 6، التهذيب: ج 1/99 ح 107، وسائل الشيعة: ج 1/452 ح 1193.

و الموالاة

وجوب الموالاة وبيان المراد منها

السابع من فروض الوضوء:

(الموالاة) إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، كما في «الجواهر»(1).

وإنّما الخلاف في المراد منها:

فعن جماعةٍ كثيرة من القدماء والمتأخّرين(2): أنّ المراد منها أنْ يغسل كلّ عضوٍ قبل أن يجفّ جميع ما تقدّمه.

وعن «الروضة»(3): أنّه الأشهر، وعن الذخيرة(4) وغيرها: أنّه المشهور.

وعن «الخلاف»(5) و «المصباح»(6) و «المبسوط»(7) و «المعتبر»(8) و «التحرير»(9)وغيرها: أنّها هي المتابعة اختياراً، وعدم الجفاف اضطراراً، لكن لا يبطل الوضوء إلّا بالجفاف، وإنْ حصل الإثم بتلك المتابعة.

وعن «المقنعة»(10) و «النهاية»(11) وغيرهما: أنّها هي المتابعة اختياراً والجفاف

ص: 16


1- جواهر الكلام: ج 2/252، (المسألة الثالثة المولاة واجبة... الخ).
2- كالمحقّق الحلّي في الشرائع: ج 1/18، نسبه المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد: ج 1/35 إلى المشهور.
3- شرح اللّمعة: ج 1/327، قوله: (بحيث لا يجفّ السابق من الأعضاء... على أشهر الأقوال).
4- ذخيرة المعاد: ج 1/35.
5- الخلاف: ج 1/93 مسألة 41.
6- حكاه عن السيّد المرتضى في المصباح المحقّق الخوانساري في مشارق الشموس: ج 1/127.
7- المبسوط: ج 1/23، والموالاة واجبة في الوضوء...، الرسائل العشر ص 159.
8- المعتبر: ج 1/157، قوله: (والوجه وجوب المتابعة مع الاختيار).
9- تحرير الأحكام: ج 1/81.
10- المقنعة: ص 47، قوله: (ولا يجوز التفريق بين الوضوء... الخ).
11- النهاية: ص 15، قوله: (والموالات أيضا واجبة في الطهارة ولا يجوز تبعيضها... الخ).

هي متابعة الأفعال بعضها لبعضٍ من غير تأخير.

اضطراراً، فيبطل الوضوء بترك المتابعة في حال الاختيار، وبالجفاف في حال الاضطرار.

وعن الصدوقين(1)، وأصحاب «المشارق»(2)، و «المدارك»(3) و «الحدائق»(4)وجماعة ممّن تأخّر عنهم: أنّ الموالاة هي أحد الأمرين من المتابعة ومراعاة الجفاف.

ومختار المصنّف رحمه الله في المتن: أنّها (هي متابعة الأفعال بعضها لبعض مِنْ غير تأخير).

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ للأوّل:

1 - بصحيح معاوية: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربما توضّأتُ فنفد الماء، فدعوت الجارية فابطأت عليَّ ، فيجفَّ وضوئي ؟ فقال عليه السلام: أعد»(5).

2 - وموثّق أبي بصير، عنه عليه السلام: «إذا توضّأت بعض وضوئك، فعَرَضَتْ لك حاجة حتّى يبس وضوءك، فأعد وضوءك فإنّ الوضوء لا يُبعَّض»(6).

بدعوى ظهورهما في أنّ وجوب الإعادة إنّما يكون للجفاف.6.

ص: 17


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1/57 باب حكم جفاف بعض الوضوء قبل تمامه.
2- مشارق الشموس للمحقّق الخوانساري: ج 1/127، قوله: (وبالجملة الظاهر القول الأوّل، وهو مراعاة الجفاف لكن بمعنى اشتراطها [المولاة] في الوضوء لا وجوبها).
3- مدارك الأحكام: ج 1/226.
4- الحدائق الناضرة: ج 2/348 المسألة الثانية، وقد اعتبر ص 349 هذا الرأي قولٌ رابع وإليه مالَ جملةٌ من أفاضل متأخّري المتأخّرين، وبعد استعراض الأقوال والمناقشة قوى ما ذهب إليه الصدوقان ومَن تبعهما إلى أن قال: ص 351: (من أنّه لو تابع بين أعضاء الوضوء صحَّ وضوؤه وإنْ اتّفق الجفاف لعذر... الخ).
5- الكافي: ج 3/35 ح 8، التهذيب: ج 1/87 ح 80 و ص 98 ح 105، وسائل الشيعة: ج 1/447 ح 1177.
6- التهذيب: ج 1/87 ح 79 و ص 98 ح 104، وسائل الشيعة: ج 1/446 ح 1176.

وفيه: أنّ الأمر بالإعادة في الصحيح إنّما يكون بعد فرض السائل الفصل مع الجفاف، وعليه فكما يحتمل أن يكون وجه أمره بالإعادة الجفاف، يحتمل أن يكون هو الفصل وأن يكون هما معاً.

وأمّا الموثّق: فكلٍّ من القيدين مذكورٌ في كلامه عليه السلام، وظاهره دخل كليهما في الحكم لا الجفاف خاصّة.

واستدلّ للثاني:

1 - بما دلَّ على لزوم إعادة الوضوء عند مخالفة الترتيب، بدعوى أنّه يدلّ على وجوب المتابعة نفسيّاً.

2 - وباقتضاء الأمر المتعلّق بكلّ عضو من الأعضاء للفور.

3 - وبالإجماع المدَّعى في «الخلاف»(1).

4 - وقاعدة الاشتغال.

5 - وبما تضمّن الأمر بالإعادة:

ألف - كمصحّح الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله، ومسح رأسه ورجليه، فذكر بعد ذلك، غَسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه، وإنْ كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال، ولا يُعيد على ما كان توضّأ، وقال:

أتبع وضوءك بعضه بعضاً»(2).

ب - ومصحّح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «تابع بين الوضوء، كما قال اللّه عزّ وجلّ ، ابدأ بالوجه ثمّ باليدين... الخ»(3).1.

ص: 18


1- الخلاف: ج 1/94 مسألة 41 إلى أن قال: (وعليه إجماع الفرقة).
2- الكافي: ج 3/34 ح 4، التهذيب: ج 1/99 ح 108، وسائل الشيعة: ج 1/452 ح 1194.
3- الكافي: ج 3/34 ح 5، التهذيب: ج 1/97 ح 100، وسائل الشيعة: ج 1/448 ح 1181.

ج - وخبر حكم بن حكيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن رجلٍ نسي من الوضوء الذراع والرأس ؟ قال عليه السلام: يُعيد الوضوء، إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً»(1).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّ الأقوى - بمقتضى النصوص - الاجتزاء بإعادة ما يحصل به الترتيب، مع أنّ مفاده شرطيّة المتابعة لا الوجوب النفسي.

وأمّا الثاني: فلأنّ الأمر بالنسبة إلى العضو الأوّل ليس للقول بالإجماع، فكذا ما بعده من الأعضاء المعطوفة عليه.

وأمّا الثالث: فلأنّه لا وجه لدعوى الإجماع مع هذا الخلاف العظيم، مع أنّه لمعلوميّة مدرك المُجمعين لا يُعتنى بدعاويه.

وأمّا الرابع: فلأنّ المورد من موارد البراءة لا الاشتغال، بناءً على ما هو الحقّ من أنّها المرجع في مورد الشكّ في الوجوب.

وأمّا مصحّحا زرارة والحلبي: فهما أجنبيّان عن المقام، وإنّما يدلّان على اعتبار الترتيب.

وأمّا خبر حَكم: فهو يدلّ على اعتبار المتابعة في صورة الاضطرار، وهو خلاف المدَّعى، ويتعيّن صرفه عن ظاهره، لما دلَّ على عدم اعتبارها في تلك الصورة.

وأمّا القول الثالث: فقد استدلّ له بنصوص المتابعة، فإنّها بعد تقييدها بما دلَّ على الصحّة عند الفصل نسياناً أو نحوه من أنواع الضرورة، تدلّ على هذا القول بناءً على ظهورها في الوجوب الشرطي.

وفيه: ما عرفت من عدم دلالة نصوص المتابعة على اعتبار المتابعة بهذا المعنى،0.

ص: 19


1- الكافي: ج 3/35 ح 9، وسائل الشيعة: ج 1/448 ح 1180.

بل إنّما تدلّ على اعتبار الترتيب.

وأمّا القول الرابع: فقد استدلّ له بصحيح معاوية، وموثّق أبي بصير المتقدّمين، الظاهرين في أنّ القادح هو الفصل مع الجفاف وستعرف ما فيه.

وأمّا القول الخامس: فيمكن أنْ يستدلّ له:

بأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الوضوء الصحّة، حتّى مع الفصل والجفاف، ولا موجب لرفع اليد عنه غير طائفتين من النصوص:

1 - ما دلَّ بالمفهوم على البطلان، إذا لم يبق من بلّة الوضوء شيء(1).

2 - وصحيح معاوية وموثّق أبي بصير المتقدّمان.

أمّا الطائفة الاُولى: فلا ينحصر وجه البطلان في فرض النصوص بفوت الموالاة، لاحتمال أن يكون وجهه تعذّر المسح ببلّة الوضوء، ولعلّه الظاهر.

وأمّا صحيح معاوية: فوجه أمره عليه السلام فيه بالإعادة مجهولٌ كما عرفت، فلم يبق إلّا الموثّق، وظاهره قادحيّة التأخير المؤدي إلى الجفاف بحسب المتعارف، من غير دخل لليبوسة في نفسها فيه، كما يشهد له التعليل ب (إنّ الوضوء لا يُبعَّض)، الدالّ على أنّ للوضوء هيئة اتّصاليّة يقطعها الفصل الطويل الماحي لصورة الوضوء.

هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به له.

ولكن يرد عليه: أنّ الظاهر من قوله عليه السلام: (حتّى يبس) دخلُ اليبوسة الفعليّة في الحكم لا التقديريّة. وأمّا التعليل فهو لا يدلّ عليه، إذ قادحيّة الفصل الطويل2.

ص: 20


1- حيث دلَّت رواية زرارة ورواية الفقيه على أنّ المسح ببلّة وضوء اليد ومع عدمه فمن بلّة اللّحية.. وعليه فإن لم يبقى بلّة فعليه إعادة الوضوء كما في رواية الفقيه: ج 1/60 ح 134، وسائل الشيعة: ج 1/409 ح 1064، الكافي: ج 3/25 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/436 ح 1142.

مع بقاء الرطوبة في مواضع الوضوء، لرطوبة الهواء وقطعه الهيئة الاتّصاليّة محلّ تأمّل وإشكال.

وبعبارة اُخرى: مع بقاء أثر السابق حال وجود اللّاحق، ولو مع تخلّل فصل معتدٍّ به عرفاً، لا يصدق التبعيض، ولا ينقطع بعضه عن بعض.

وبالجملة: وعلى ذلك فالأقوى هو القول الرابع، وهو كفاية أحد الأمرين من المتابعة ومراعاة الجفاف.

أقول: ثمّ إنّ المشهور بين القائلين بمراعاة الجفاف، هو مراعاة جفاف جميع ما سبق.

وعن ابن الجنيد(1): البطلان بجفاف بعض ما سبق أيّ عضوٍ كان.

وعن «الناصريّات»(2) و «المراسم»(3) و «المهذّب»(4) و «الإشارة»(5): أنّه لو جَفّ العضو السابق استأنف، وإنْ بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق.

واستدلّ له: بصدق التبعيض في الفرض.

ولكن الأقوى هو الأوّل، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام في الموثّق: «حتّى يبس وضوءك» إرادة يبوسة جميع الأعضاء.

***).

ص: 21


1- كما حكاه عنه الشيخ البهائي في الحبل المتين: ص 23.
2- الناصريّات: ص 126، المسألة: الثالثة والثلاثون.
3- المراسم العلويّة: ص 38، قوله: (ويمسح الرأس والرِّجلين واليدان رطبتان في الزمان والهواء المعتدلين... إلى أن قال: فمن أخلّ بشيء ممّا ذكرناه أبطل وضوءه).
4- المهذّب: ج 1/45، قوله: (وإن ترك الموالاة حتّى يجفّ العضو المتقدّم لم يجزه.. الخ).
5- إشارة السبق: ص 71، قوله: (وكذا [يبطل] ان لم يتابع بعضه ببعض بحيث يجفّ غسل عضو قبل موالاته بغسل العضو الآخر).
بقيّة واجبات الوضوء
اشارة

ثمّ إنّه يعتبر في الوضوء - أو قيل بالاعتبار فيه - اُمور اُخر لم يذكرها المصنّف رحمه الله، ولا بأس بالإشارة الإجماليّة إليها، وهي اُمور:

الأمر الأوّل: إطلاق الماء،

كما تقدّم في مبحث الماء المضاف.

الأمر الثاني: طهارة الماء،

بلا خلافٍ بل إجماعاً، وتشهد له النصوص الكثيرة(1)الواردة في الموارد المختلفة، كأبواب الماء القليل، والماء المتغيّر، وغيرهما المصرّحة بعدم جواز الوضوء بالماء النجس.

الأمر الثالث: طهارة مواضع الوضوء على المشهور،

كما عن «الحدائق»(2).

واستدلّ له:

1 - بأنّ كلّ واحدٍ من الحَدَث والخَبَث سببٌ لوجوب غَسل البدن، فإذا تحقّق السببان، وجب أن يتعدّد حكمهما لأنّ التداخل خلاف الأصل.

2 - وبأنّ ماء الوضوء لابدَّ وأن يقع على محلّ طاهر، وإلّا لأجزأ الوضوء مع بقاء عين النجاسة.

3 - وبانفعال الماء بمجرّد الملاقاة، وماء الطهارة يشترط أن يكون طاهراً كما عرفت.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ رفع الخبث:

إمّا أن يحصل بمجرّد الغَسل، أو يحتاج إلى نيّته.

ص: 22


1- منها ما في وسائل الشيعة: ج 1/483 باب 51 من أبواب الوضوء ح 1281 وغيره.
2- الحدائق الناضرة: ج 2/377، المسألة التاسعة.

وعلى الأوّل: لا مورد لأصالة عدم التداخل، إذ لو نوى رفع الحدث بوضوئه، فمقتضى إطلاق الأدلّة الاجتزاء به، ويترتّب عليه قهراً رفع الخبث، ويسقط الأمر به لحصول الغرض لا لتحقّق الواجب.

وعلى الثاني: لا يرتفع الخَبَث لو نوى رفع الحدث.

وبعبارة اُخرى: إنّ مقتضى أصالة عدم التداخل، عدم الاجتزاء بغَسلٍ واحد لرفع الحَدَث والخَبَث، لا اعتبار رفع الخبث في صحّة الوضوء.

وأمّا الثاني: فلأنّ النجاسة إذا لم تمنع من وصول الماء إلى البشرة، لا مانع من الالتزام بالصحّة حتّى مع بقائها.

وأمّا الثالث: فلأنّ دليل اعتبار الطهارة:

إنْ كان هو ما ذكرناه من النصوص، فموردها النجاسة قبل الاستعمال، والتعدّي إلى ما يحصل به يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

وإنْ كان هو ما ادّعي من الإجماع عليه من أنّ النجس لا يطهر:

فمضافاً إلى تصريح المجمعين بأنّ المراد النجاسة قبل الاستعمال.

أنّ هذه القاعدة مصطادة من النصوص، لا أنّها ممّا انعقد عليه الإجماع تعبّداً.

فالمتعيّن الرجوع إليها، مع أنّه لا يشمل الكثير الذي لا ينفعل، مضافاً إلى توقّفه مع عدم وجود عين النجاسة على القول بتنجيس المتنجّس.

وبالجملة: ولعلّه لما ذكرناه، قال في محكيّ «المبسوط»(1) في مبحث غُسل الجنابة:

(إنّه إنْ كان على بدنه نجاسة أزالها ثمّ اغتَسل، فإنْ خالف واغتَسل أوّلاً فقد ارتفع حَدَث الجنابة، وعليه أن يزيل النجاسة إنْ كانت لم تزل بالغسل، وإنْ زالت بالإغتسال فقد أجزأ عن غُسلها).9.

ص: 23


1- المبسوط: ج 1/29.

وما في صدر كلامه من الحكم بوجوب إزالة النجاسة قبل الغُسل، إنّما يكون للنصوص المتضمّنة للأمر بغَسل الفرج واليدين قبل الغُسل، بحملها على الوجوب النفسي.

أقول: وممّا ذكرناه في الجواب عن الوجه الثالث، ظهر وجه تفصيل بعض بين الغَسل في الكثير وبين غيره، والحكم بعدم الاعتبار في الأوّل.

وأمّا التفصيل بين الجزء الأخير وبين غيره، فمستنده الوجه الثالث، والبناء على نجاسة الغُسالة بالانفعال.

ولكن قد عرفت أنّ الأظهر عدم اعتبار الطهارة مطلقاً، وإنْ كان الأحوط مراعاتها.

الأمر الرابع: أنْ لا يكون الوعاء الذي فيه ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضّة.

وقد تقدّم الكلام في هذا الفرع في مبحث الأواني، وعرفت أنّ الأقوى صحّة الوضوء منها.

الأمر الخامس: أنْ لا يكون الماء مستعملاً في رفع الخبث والحدث.

أقول: أمّا المستعمل في رفع الخبث، فالأقوى ذلك لما عرفت من نجاسته.

وأمّا المستعمل في رفع الحَدَث، فالأظهر جواز الوضوء به، كما تقدّم تحقيقه في مبحث المياه.(1)

***

ص: 24


1- فقه الصادق: ج 1/180.

الوضوء بالماء المغصوب

الأمر السادس: أنْ يكون الماء مباحاً،
اشارة

فلا يصحّ لو كان غصباً بلا خلافٍ ، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(1).

وعن الكليني رحمه الله(2): القول بجواز الوضوء بالمغصوب.

والأوّل أقوى، إذ التوضّؤ من الماء واستعماله في الوضوء تصرّفٌ في المغصوب، فينطبق عليه عنوان الغصبيّة، فيتّحد المأمور به والمنهيّ عنه وجوداً، ولا مناص في أمثال المقام من القول بالامتناع.

وعليه، فحيثُ أنّ الإطلاق في طرف النهي شمولي، وفي طرف الأمر بدلي، قدّم إطلاق دليل النهي، بناءً على ما هو الحقّ من تقدّم الشمولي على البدلي، فالوضوء بالماء المغصوب لا ينطبق عليه الطبيعة المأمور بها، فيقع فاسداً.

هذا في صورة عدم الانحصار.

وأمّا في فرض الانحصار: فلأنّه مأمور بالتيمّم لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا... (3).

***

ص: 25


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 2/426 قوله: (أمّا اعتبار إباحة ماء الوضوء في الجملة فقد استفاض نقل الإجماع عليه... الخ).
2- كما حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 1/454 قوله: (وفي الدلائل بعد نسبة الحكم بالفساد إلى الأصحاب، نقل عن الكليني ما حاصله: الفرق بين ما ينهى عنه لخصوص العبادة، وما ينهى عنه لنفسه من المكان واللِّباس، ثمّ قال: وعلى قوله يصحّ الوضوء بالمغصوب لأنّه منهي عنه لنفسه وهو قوي)، انتهى.
3- سورة المائدة: الآية 6، سورة النساء: الآية 43.

فروع:

الفرع الأوّل: إذا كانت الآنية التي يتوضّأ منها مغصوبة، صحَّ الوضوء منه، لما عرفت في مبحث الأواني من أنّ الوضوء من الآنية لا يعدّ تصرّفاً فيها، فلا يتّحد المأمور به والمنهي عنه وجوداً.

ومنه تظهر الصحّة إذا كان المكان الذي يستقرّ فيه المتوضّي غصباً، كما عن المحقّق وغيره.

ودعوى: صدق التصرّف في المغصوب على نفس الوضوء، لأنّ الفضاء الذي يكون فيه العضو غصبٌ ، فوجود البَلَل وإمرار العضو الماسح فيه تصرّفٌ فيه.

مندفعة: بأنّ هذا النحو من التصرّف في مال الغير لا دليل على حرمته، لانصراف الأدلّة عنه، فما عن المشهور من البطلان في الفرض ضعيفٌ .

***

الفرع الثاني: إذا كان مصبّ الماء غصباً فهل يصحّ الوضوء أم لا؟ وجهان:

واستدلّ للثاني:

1 - بأنّ صبّ الماء على الأعضاء عملٌ واحدٌ ينطبق عليه كلا العنوانين:

العنوان المأمور به وهو الوضوء.

والعنوان المنهيّ عنه وهو التصرّف في مال الغير، لأنّ به ينصبّ الماء في المكان المغصوب.

وفيه: أنّ مواضع الوضوء بما أنّها تباين المصبّ المغصوب وجوداً، فوجود الماء على تلك المواضع وجريانه عليها غير وجود الماء في المصبّ ، فلا يُعقل أن يكون إيجادهما واحداً، فلا محالة يكون المأمور به غير المنهيّ عنه.

2 - وبأنّ وجود الماء على الأعضاء من قبيل المقدّمات الإعداديّة لوجوده في المصبّ ، فحرمة كونه في المصبّ ، تقتضي حرمة مقدّماته التي يعلم بترتّبه عليها.

ص: 26

وفيه: - مضافاً إلى عدم تسليم حرمة مقدّمة الحرام ما لم تكن علَّة له - أنّ مخالفة التكليف الغيري بما أنّها لا توجب البُعد عن المولى، فلا مانع من التقرّب بما هو متعلّق له.

3 - وبقول الإمام الصادق عليه السلام، في خبر الجُعفي: «ولو أخذوا ما نهاهم اللّه عنه فأنفقوه فيما أمرهم اللّه تعالى به، ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ »(1).

وفيه: أنّ غاية ما يدلّ عليه الخبر، اعتبار الإباحة في القبول لا في الأجزاء، مع أنّ إنفاق المنهي عنه في المأمور به لا يشمل الوضوء في المصبّ المغصوب.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار إباحة مصبّ الماء.

نعم، في صورة الانحصار يعتبر ذلك، لأنّ الوضوء إذا كان مستلزماً للمحرّم سَقَط التكليف به للعجز، وينتقل الفرض إلى التيمّم، ولا يجري الترتّب في أمثال المقام ممّا هو مشروطٌ بالقدرة شرعاً، كما حقّقناه في مبحث الترتّب في «حاشيتنا على الكفاية».

***

الفرع الثالث: ذكر بعض المحقّقين(2) أنّه لا فرق في عدم صحّة الوضوء بالماء المغصوب، بين صورة العلم والعمد، والجهل والنسيان.

واستدلّ له: بأنّه على القول بالامتناع، وتقديم جانب النهي، يخرج المجمع عن حيّز الأمر، ويكون متمحّضاً في الحرمة، ومعه لا وجه للاجتزاء به.1.

ص: 27


1- الكافي: ج 4/32 ح 4، الفقيه: ج 2/67 ح 1694، وسائل الشيعة: ج 5/119 ح 6087.
2- والظاهر أنّه اختيار المحقّق الخوئي في تعليقته على العروة الوثقى: ج 1/404 مسألة 543، وراجع تفصيل مبناه في ذلك في كتاب الطهارة: ج 4/367 وما بعدها، إلّافي الناسي فإنّه يصحّح عمله بخلاف بقيّة الأقسام، راجع ص 371.

أقول: ومنه يظهر ضعف ما ذكره بعض الأعاظم(1) في وجه الصحّة في صورتي الجهل والنسيان، من أنّ المبغوضيّة الواقعيّة التي يعذر العبد في مخالفتها، لا تنافي العباديّة، فإذا فُرِض كون الوضوء تامّاً في نفسه، جامعاً لأجزائه وشرائطه، حتّى حيثيّة التعبّد به، كان صحيحاً مسقطاً لأمره.

وجه الضعف: إنّ قصد القربة بإتيان المحرم لا يوجب اتّصافه بالعباديّة، ولكن ما ذكره إنّما يتمّ في صورة الجهل دون النسيان، إذ في صورة النسيان مقتضى حديث(2) الرفع، رفع الحرمة النفسيّة.

وعليه، فالقول بالصحّة قوي، إذ اعتبار عدم كون ماء الوضوء غصباً، ليس للنهي الإرشادي، بل إنّما يكون الموجب له الحرمة، بناءً على أنّ المورد من موارد اجتماع الأمر والنهي، فإذا ارتفعت الحرمة بالنسيان يرتفع اعتباره، وإلّا كان التقييد بلا موجب.

ودعوى: أنّ النسيان إنّما يوحب سقوط الحرمة، وأمّا الملاك المقتضي للنهي فهو باقٍ على حاله، فلا محالة يقع التزاحم بينه وبين ملاك الأمر، وحيث أنّ المفروض غلبة ملاك النهي، فلا يمكن التقرّب بما يشتمل عليه.

مندفعة: بأنّ الملاك الذي لا يؤثّر في المبغوضيّة الفعليّة، ومعه يكون الفعل مورداً للترخيص، لا يمكن أن يكون مانعاً عن تعلّق الأمر بالفعل، بعد فرض اشتماله في نفسه على الملاك الملزم، فلا مانع من التقرّب بذلك الفعل.

مضافاً إلى ما ذكرناه في محلّه، من أنّه بعد سقوط التكليف لا طريق لنا إلى كشف وجود الملاك.0.

ص: 28


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 2/428.
2- وسائل الشيعة: ج 15 باب 56 من أبواب جهاد النفس ح 20769-20770.

فتحصّل: أنّ الأقوى صحّة الوضوء بالماء المغصوب في صورة النسيان، وبطلانه في صورة الجهل بأقسامه.

وبما ذكرناه ظهر أنّ الأقوى هو الصحّة فيما لو اُكره على التصرّف في المغصوب أو اضطرّ إليه.

***

الفرع الرابع: إذا كان الوضوء مستلزماً لتحريك شيءٍ مغصوب:

فتارةً : يمكن الوضوء مع عدمه.

واُخرى: لا يمكن كذلك.

1 - فإن أمكن، فالأقوى هو الصحّة، لعدم اتّحاد المأمور به والمنهي عنه وجوداً.

2 - وإلّا فالأظهر هو البطلان، إذ مع عدم التمكّن - لاستلزام الوضوء للحرام، وعدم القدرة على امتثال التكليفين معاً - ينتقل الفرض إلى التيمّم، ويسقط التكليف بالوضوء، ولا يصحّ الأمر به حتّى بنحو الترتّب لعدم جريانه في أمثال المقام ممّا هو مشروط بالقدرة شرعاً.

***

الوضوء تحت الخيمة المغصوبة

الفرع الخامس: في الوضوء تحت الخيمة المغصوبة وجوهٌ وأقوال، ثالثها البطلان إذا عُدّ تصرّفاً فيها.

أقول: إنّ التصرّف فيها على قسمين:

1 - تارةً يصدر عليه الانتفاع بالخيمة - كما في حال الحَرّ أو البرد المحتاج إليها - وكان ذلك ذا ماليّة معتدٍّ بها عند العقلاء، حرم الجلوس تحتها، لحرمة التصرّف في

ص: 29

ملك الغير، وإنْ كان منفعةً .

2 - وأمّا إذا لم يصدق الانتفاع بها، أو صَدَق ولكن لم يكن ذا ماليّة، لما كان الجلوس والتصرّف فيها حراماً.

أمّا في صورة عدم صدق الانتفاع فواضح، وأمّا في صورة عدم كون الانتفاع ذا ماليّة، فلأنّ مجرّد الانتفاع بمال الغير لا دليل على تحريمه.

وعلى جميع التقادير، لا وجه للحكم ببطلان الوضوء في صورة عدم الانحصار، لعدم انطباق المنهيّ عنه على المأمور به، كما لا يخفى .

وكذلك الحكم في صورة الانحصار وعدم حرمة الجلوس.

وأمّا في صورة الانحصار وحرمته، فالأظهر هو الحكم بالبطلان، لما تقدّم من أنّ الفرض في أمثال المقام ينتقل إلى التيمّم، ولا يجري الترتّب فيها.

***

الفرع السادس: يجوز الوضوء كسائر الاستعمالات من الأنهار الكبار، بلا خلافٍ بين الأصحاب، وتشهد له السيرة القطعيّة الكاشفة عن رضا المعصوم عليه السلام.

وقد استدلّ له: - فضلاً عن السيرة المذكورة - بوجوه اُخر:

الوجه الأوّل: ما عن العلّامة المجلسي رحمه الله: من أنّ الناس في ثلاثةٍ شرعٌ سواء:

الماء والنار والكلاء كما في النصوص(1)، ولا ينافي ذلك ما عُلم بالضرورة من عدم التساوي في كثير من الموارد، فإنّه من باب التخصيص، فمع الشكّ يرجع إلى العام المزبور.ف.

ص: 30


1- الفقيه: ج 3/239 ح 3874، التهذيب: ج 7/146 ح 33، وسائل الشيعة: ج 25 ص 417 باب 5 من أبواب كتاب إحياء الموات، ح 32251، بتصرّف.

وأورد عليه بعض الأعاظم(1):

1 - بأنّ تلك النصوص ظاهرة أو محمولة على ما هو مباحٌ بالأصل قبل عروض التملّك.

2 - وبأنّ البناء على ثبوت عموم الاشتراك إلّاما خرج بالدليل بعيدٌ جدّاً.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ المراد منها لو كان هو المباح بالأصل، لما كان وجهٌ لتخصيص بهذه الثلاثة.

وأمّا الثاني: فلأنّ مَنشأ الاستبعاد إنْ كان هو لزوم تخصيص الأكثرالمستهجن، فهو واضح الدفع، إذ الباقي تحت العام أكثر بمراتب من الخارج، وإنْ كان غيره فعليه البيان.

الوجه الثاني: ما عن المصنّف رحمه الله وغيره، وهو شهادة الحال بالرِّضا.

وفيه: - مضافاً إلى عدم اطّراد شاهد الحال - أنّها لا تجدي في الجواز إذا كان في المالكين الصغار أو المجانين.

الوجه الثالث: أصالة الإباحة بعد سقوط ما دلَّ على عدم جواز التصرّف في مال الغير، إمّا لانصرافه عن المقام، أو معارضته بما دلَّ على مطهّريّة الماء.

وفيه: أمّا دعوى الانصراف، فممنوعةٌ جدّاً.

وأمّا دعوى المعارضة، فيرد عليها - مضافاً إلى جريان هذا الوجه في سائر المياه المملوكة - ما تقدّم في مبحث اعتبار إباحة الماء.(2)

الوجه الرابع: لزوم الحَرَج الشديد من عدم جواز الوضوء منها.5.

ص: 31


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 2/433.
2- فقه الصادق: ج 2/25.

وفيه: - مضافاً إلى عدم اطّراده - أنّ لازمه عدم وجوب الوضوء، وانتقال الفرض إلى التيمّم لا الوضوء منها.

الوجه الخامس: ما تضمّن من الأخبار الكثيرة(1) جواز الشرب والوضوء من الماء ما لم يتغيّر.

وفيه: أنّها أجنبيّة عن المقام، لورودها في مقام بيان عدم تنجّس الماء العاصم ما لم يتغيّر.

والنتيجة: العمدة هي السيرة، وما دلَّ على أنّ الناس في ثلاثة شرعٌ سواء، ومقتضى إطلاق الثاني الجواز حتّى مع نهيهم.

***خ.

ص: 32


1- وسائل الشيعة: ج 1/137 باب 3 من أبواب الماء المطلق ابتداءً من ح 336... الخ.

اعتبار عدم المانع من استعمال الماء

الأمر السابع: أن لا يكون مانعٌ من استعمال الماء،
اشارة

من مرضٍ أو خوفِ عطشٍ أو نحو ذلك، وإلّا فهو مأمور بالتيمّم.

وقد استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ الإضرار بالنفس حرامٌ شرعاً، وبما أنّ الإضرار من العناوين التوليديّة المنطبقة على ما ينطبق عليه العنوان المتولّد، فحرمته تسري إلى الوضوء الذي يتولّد منه عنوان الإضرار فيبطل لذلك.

وفيه: أنّ الإضرار بالنفس ما لم يبلغ إلى الهلاكة، أو قطع عضوٍ من الأعضاء - الذي علم مبغوضيّته في الشريعة - لا دليل على حرمته، كما حقّقناه في محلّه.

الوجه الثاني: حديث لا ضرر(1)، فإنّه ينفي كلّ حكمٍ ضرري، فوجوب الوضوء إذا كان ضرريّاً يرتفع بالحديث، وينتقل الفرض إلى التيمّم.

وفيه: أنّ حديث نفي الضرر لوروده مورد الإرفاق والامتنان، لا يصلح إلّا لرفع الأحكام اللّزوميّة الضرريّة، وأمّا الحكم الاستحبابي فلا يرفع به إذا كان ضرريّاً، لعدم الامتنان والتوسعة في رفعه.

وعليه، فلزوم الوضوء يرتفع به، وأمّا استحبابه النفسي فلا يكون مرفوعاً، فتكون نتيجة ضمّ الأدلّة بعضها ببعض، التخيير بين الوضوء والتيمّم في الفرض، لا الأمر بخصوص التيمّم.

ص: 33


1- الكافي: ج 5/292 ح 2، الفقيه: ج 3/233 ح 3859، وسائل الشيعة: ج 18/32 ح 23073 و ح 23074 وغيرهم.

وأمّا ما ذكره بعض الأعاظم(1): - بعد تسليم أنّ حديث نفي الضرر إنّما ينفي كلّ تشريع ضرري - من أنّه إنّما يرفع الحكم لا الملاك، فإتيانه بداعي الملاك يصحّ .

فغير تامّ : إذ لا كاشف عن وجود الملاك سوى الحكم، فمع انتفائه لا طريق لنا إلى إحراز وجوده.

ودعوى: أنّ أدلّة لزوم الوضوء تدلّ على وجوده بالالتزام، وحديث نفي الضرر يعارضها في الدلالة المطابقيّة لا في الدلالة الالتزاميّة، فهي الحجّة لوجود الملاك، إذ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة وجوداً لا حجيّة.

مندفعة: بما حقّقناه في «حاشيتنا على الكفاية» في مبحث التعادل والترجيح، من أنّ الدلالة الالتزاميّة تابعة للدلالة المطابقيّة في الحجيّة أيضاً، ولذا بنينا على أنّه في المتعارضين على فرض اقتضاء قاعدة التساقط، لا يصحّ نفي الحكم الثالث بهما، لعدم حجّيتهما في الدلالة على ذلك.

الوجه الثال: ما عن المحقّق النائيني رحمه الله(2)، وحاصله: بما أنّ الأمر بالوضوء عُلّق في الآية الشريفة على وجدان الماء، والأمر بالتيمّم على عدم وجدانه، فالقول بصحّتهما والتخيير بينهما، مستلزمٌ للجمع بين النقيضين، فإذا ثبت بالدليل عدم وجوب الوضوء وصحّة التيمّم، يشكل الحكم بصحّته.

وفيه: أنّ وجوب الوضوء، ووجوب التيمّم عُلّقا على الوجدان أو عدمه لا صحّتهما، فمن الممكن أن يكون واجد الماء في موردٍ يجوز له التيمّم، وبرغم ذلك).

ص: 34


1- ذكر هذا الوجه السيّد الحكيم في مستمسك العروة: ج 2/445 إلّاأنّه لم يتبنّاه حيث قال بعد ذلك: (فالمتعيّن القول بالبطلان كما عرفت، فلاحظ).
2- كما حكاه عنه المحقّق الخوئي في كتاب الطهارة: ج 9/422، قوله: (ولكن المحقّق النائيني رحمه الله ذهب إلى بطلانهما... إلخ).

يكون مأموراً بالوضوء في نفس الوقت.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم بطلان الوضوء لو توضّأ مَنْ يتضرّر من استعمال الماء، ومنه يظهر حكم ما إذا كان الوضوء في موردٍ حرجيّاً.

حكم طهارة الجاهل بضررها

ثمّ إنّه على القول بالبطلان، لو كان جاهلاً بالضرر، فهل يحكم بالصحّة أم لا؟ قولان:

أقول: إنْ كان وجه البطلان في صورة العلم هو الوجه الأوّل أو الثالث، لا مناص عن القول به في صورة الجهل.

وإنْ كان هو الوجه الثاني، فالمتّجه هو الحكم بالصحّة، إذ الحكم بفساد ما أتى به الجاهل بالضرر، والأمر بالتيمّم وإعادة ما يكون مشروطاً بالطهارة مخالفان للامتنان، وحيث أنّ الحديث وارد في مقام الامتنان، فلا يشمل المقام.

***

ص: 35

حكم تعارض الوضوء والصلاة

فرع:

إذا لم يكن الوقت واسعاً للصلاة والوضوء، بأن لزم من التوضّأ وقوع صلاته خارج الوقت:

فتارةً : يلزم منه عدم وقوع ركعةٍ منها في الوقت.

واُخرى: لا يلزم ذلك، بل لو توضّأ وصلّى، يقع مقدار منها - ركعة أو ما زاد - في الوقت، والباقي خارج الوقت.

أمّا في الصورة الاُولى : فلا شبهة ولا ريب في تقدّم الوقت على سائر الشرائط والأجزاء عند التعارض، فبمقتضى الخبر الوارد من (أنّ الصلاة لا تدع بحال) يتعيّن التيمّم وإيقاع الصلاة في الوقت، ولو توضّأ لهذه الصلاة بطل الوضوء.

نعم، يصحّ لو توضّأ بقصد أمره النفسي، أو لغايةٍ اُخرى، بناءً على عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه كما هو الحقّ .

وما ذكرناه آنفاً من عدم جريان الترتّب فيما له البدل، إنّما هو فيما انتقل الفرض إلى البدل، لا في مثل المقام ممّا لم ينتقل الفرض إلى التيمّم بالنسبة إلى الأمر النفسي، ولا بالنسبة إلى الغاية الاُخرى غير الصلاة، كما لا يخفى.

هذا إذا لم يكن التيمّم أيضاً كذلك، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر، وإلّا فبناءً على سقوط التكليف بالصلاة عن فاقد الطهورين لم يكن عليه شيءٌ .

وأمّا بناءً على عدم سقوطه، فإنّه يتعيّن عليه الصلاة بلا طهارة.

وأمّا في الصورة الثانية:

ص: 36

فتارةً : يتمكّن المكلّف من أداء أربع ركعات في الوقت مع الطهارة الترابيّة.

واُخرى: لا يتمكّن من ذلك.

أمّا في الفرض الثاني: فلا إشكال في وجوب الوضوء عليه، وعدم انتقال الفرض إلى التيمّم.

وأمّا في الفرض الأوّل: فالأقوى هو التخيير بين أداء أربع ركعات في الوقت مع الطهارة الترابيّة، أو ركعة واحدة فيه مع الطهارة المائيّة، خلافاً لأكثر المحقّقين، وذلك لما حقّقناه في الفصل الثالث من فصول مبحث القبلة في كتابنا هذا(1) من أنّ التنافي بين الأوامر الضمنيّة لا يكون من باب التزاحم، بل يرجع إلى التعارض، وسيظهر في محلّه إنْ شاء اللّه تعالى أنّ مركز التنافي إنّما هو إطلاق دليل كلّ من المعتبرين في المركّب، وأنّه لو كان لكلّ من الدليلين إطلاق، فمقتضى(2) القاعدة تساقطهما والرجوع إلى الأصل.

ففيما نحن فيه بعد العلم بسقوط الأمر المتعلّق بالصلاة مع الطهارة المائيّة في الوقت للعجز، وحدوث الأمر بالخالي عن أحدهما، يقع التعارض بين إطلاق دليل اعتبار الطهارة، وإطلاق دليل لزوم إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت، فيتساقطان، والمرجع هو الأصل، وهو يقتضي التخيير كما لا يخفى.

وسيأتي لذلك مزيد توضيح في محلّه إنْ شاء اللّه تعالى .

***).

ص: 37


1- فقه الصادق: ج 2/155.
2- قد مرَّ أنّ مقتضى القاعدة هو الرجوع إلى أخبار الترجيح والتخيير (من المؤلّف).

المباشرة في أفعال الوضوء

الأمر الثامن: ممّا يعتبر في الوضوء المباشرة،
اشارة

فلا يجوز التولية في الوضوء بلا خلافٍ ، بل عن السيّد في «الانتصار»(1)، والمصنّف في «المنتهى »(2)، والمحقّق في «المعتبر»(3)، والشهيد في «الذكرى»(4): دعوى الإجماع عليه، وهو الموافق للقاعدة، إذ مقتضى إطلاق ما تضمّن الأمر بفعلٍ ، عدم سقوطه بفعل الغير، كما أنّ مقتضى استصحاب بقاء التكليف هو ذلك، من غير فرقٍ بين الاستنابة وعدمها:

أمّا مع عدمها فواضحٌ ، إذ السقوط به حينئذٍ لا يكون إلّابكون فعل الغير رافعاً للموضوع أو لملاكه، فالشكّ فيه يرجع إلى الشكّ في تقيّد الخطاب به، فإطلاقه يُثبت عدم الاشتراط.

وأمّا مع الاستنابة، فيتوقّف معرفة أنّ مقتضى الإطلاق هو عدم السقوط على معرفة حقيقة النيابة، وقد بيَّنا حقيقتها في كتابنا هذا في مبحث صلاة الاستئجار،(5)وذكرنا أنّه ليس التكليف بفعل النائب:

عبارة عن الأمر به على المنوب عنه على نحو التخيير، بين أن يفعله هو أو نائبه، ليكون فعل النائب من أطراف الواجب التخييري.

ص: 38


1- الانتصار: ص 118 مسألة 18 قوله: (وممّا انفردت الإماميّة به: القول بوجوب تولّي المتطهّر وضوءه بنفسه إذاكان متمكِّناً).
2- منتهى المطلب: ج 1/311 وبعد تضعيفه للرواية بإبراهيم بن إسحاق الأحمر، قال: (إلّا أنّ الأصحاب عملوا بمضمونها).
3- المعتبر: ج 1/162 قوله: (ولا يجوز أن يولّي وضوءه غيره اعتباراً، هذا مذهب الأصحاب، ولا يجزي لو فعل، ومع الضرورة يجزي).
4- ذكرى الشيعة: ج 2/172، قوله: (الواجب الثامن: المباشرة بنفسه فيبطل لو ولّاه غيره اختياراً تفرّد به الإماميّة.. الخ).
5- فقه الصادق: ج 8/42.

كما أنّه ليس عبارةٌ عن الأمر بالعمل على المنوب عنه أعمّ من أن يكون بفعل نفسه أو غيره المنزّل بدنه منزلة بدن المنوب عنه.

بل حقيقة النيابة تنزيل فعل النائب منزلة فعل المنوب عنه، فالعمل الواجب على المنوب عنه فيه جهتان:

الاُولى: أنّه ممّا يريد الشارع تحقّقه في الخارج، مع قطع النظر عن مصدره.

الثانية: أنّه ممّا يريد إضافته إليه، ولو بأن يأتي به النائب، فمن جهة المصدر هو مخيّر في ذلك. وتمام الكلام وتحقيقه في محلّه.

وعلى ذلك، فمرجع الشكّ في سقوطه بفعل الغير مع الاستنابة، إلى الشكّ في التخيير من جهة المصدر، وقد حقّقنا في محلّه أنّ مقتضى إطلاق الخطاب هو الوجوب التعييني.

فتحصّل: أنّ مقتضى الإطلاق والاستصحاب، لزوم المباشرة، وعدم جواز التولية.

أقول: ثمّ إنّه قد استدلّ له بوجهين آخرين:

أحدهما: الآية الشريفة: وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (1).

ثانيهما: النصوص الواردة في تفسيرها:

منها: الخبر الذي رواه الوشّاء، قال: «دخلتُ على الرِّضا عليه السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيّأ للصلاة، فدنوت منهُ لأصبّ عليه، فأبى ذلك، وقال عليه السلام: مَه ياحسن! فقلت: لِمَ تنهاني أنْ أصبَّ على يديك، تكره أنْ أؤجر؟ قال عليه السلام: تؤجر أنتَ وأؤزر أنا! قلت: وكيف ذلك ؟ فقال: أما سمعتَ اللّه عزّ وجلّ يقول: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ 0.

ص: 39


1- سورة الكهف: الآية 110.

رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (1) وها أنا أتوضّأ للصلاة، وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد»(2).

ومنها: خبر الصدوق المروي في «الفقيه» و «العلل»:

«كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضّأ لم يدع أحداً يصبّ عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين لِمَ لا تَدَعهم يصبّون عليك الماء؟ فقال: لا أحبُّ أن اُشرك في صلاتي أحداً.

وقال اللّه تبارك وتعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (3)».(4)

ومنها: خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: خصلتان لا أحبّ أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فإنّه من صلاتي، وصَدَقتي فإنّها من يدي إلى يد السائل، فإنّها تقع في يد الرحمن»(5).

وقريبٌ منها غيرها.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الآية: فظاهرها - لا سيّما بعد ملاحظة سياقها وصدرها - إرادة الإشراك في عبادة الربّ ، بأن يجعل غير اللّه تعالى شريكاً له في المعبوديّة، كما في خبر جرّاح المدائني الوارد في تفسيرها، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللّه تعالى ، إنّما يطلب تزكية8.

ص: 40


1- سورة الكهف: الآية 110.
2- الكافي: ج 3/69 ح 1، التهذيب: ج 1/365 ح 37، وسائل الشيعة: ج 1/476 ح 1266.
3- سورة الكهف: الآية 110.
4- الفقيه: ج 1/43 ح 85، وسائل الشيعة: ج 1/477 ح 1267.
5- وسائل الشيعة: ج 1/478 ح 1268.

الناس، يشتهي أن يَسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه»(1).

وقريبٌ منه خبر أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام(2).

وأمّا النصوص الواردة في تفسيرها فيتعيّن حملها على الكراهة، لوجوه:

1 - إنّ موردها الإستعانة في مقدّمات الوضوء، كصبّ الماء على اليد وغيره.

2 - تطبيق الآية فيها بلحاظ كون العبادة هي الصلاة، وعدم كون صبّ الماء إشراكاً في الصلاة واضحٌ ، بل هو استعانة في مقدّماتها، ولم يقُل أحدٌ بحرمة الاستعانة في المقدّمات.

3 - التعبير فيها بلا أحبّ وأكره وما أشبههما.

4 - ما دلَّ على جواز الاستعانة في الوضوء، وهو صحيح الحذّاء المتقدّم، وقد ورد فيه أنّه صبّ على يد الإمام الباقر عليه السلام في جَمْعٍ فَغَسل به وجهه، وكفّاً فغسل به ذراعه الأيمن، وكفّاً فغسل به ذراعه الأيسر.

هذا كلّه، مضافاً إلى معارضتها لما ورد في تفسيرها من أنّ المراد بها الإشراك في المعبوديّة.

فتحصّل: أنّ الصحيح هو ما ذكرناه في وجه اللّزوم. ومنه يظهر ضعف ما عن الإسكافي(3) من عدم حرمة التولية في الوضوء واعتبارها مكروهة.

***).

ص: 41


1- الكافي: ج 2/293 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/71 ح 159.
2- وسائل الشيعة: ج 1/68 ح 150.
3- كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة: ج 1/301، والشهيد في الذكرى: ج 2/172، وفي نقلهما لكلامه، أنّه قال: (يستحبّ أن لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره. فالمقابلة قد يكون الإشراك مكروهاً).
التولية في حال الاضطرار

ثمّ إنّ ما ذكرناه من عدم جواز التولية، فإنّما هو بالنسبة إلى المختار.

وأمّا المضطرّ: أي من لا يتمكّن من المباشرة، فيجوز له التولية، بل يجب باتّفاق الفقهاء، كما عن «المعتبر»، وإجماعاً كما عن «المنتهى»(1).

واستدلّ له: بعدّة وجوه:

1 - بما ورد من أنّه يويمم المجدور والكسير وغيرهما(2).

2 - وبصحيح عبداللّه بن سليمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام «أنّه كان وجعاً شديد الوجع، فأصابته جنابة وهو في مكانٍ بارد، قال عليه السلام: فدعوت الغِلمة، فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فحَمَلوني ووضعوني على خشبات، ثمّ صبّوا عليَّ الماء فغسلوني»(3).

3 - وبقاعدة الميسور.

4 - وبما ورد في النصوص: «أنّه كلّما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر»(4).

5 - وبأنّ الخطابات بالوضوء شاملة للمقام، وما دلَّ على الاشتراط مختصّ بصورة المكنة.

6 - وبأنّه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن.

7 - وبالقاعدة المستنبطة من خبر عبد الأعلى من جهة تفريع سقوط مباشرة المسح للبشرة فيه على نفي الحرج.

أقول: وفي الكلّ نظر:

ص: 42


1- المصدرين السابقين.
2- وسائل الشيعة: ج 3/346 الباب الخامس من أبواب التيمّم ح 3824 وما بعده.
3- التهذيب: ج 1/198 ح 49، وسائل الشيعة: ج 1/478 ح 1270 وج 3/373 ح 3903.
4- الكافي: ج 3/412 ح 1 و 7 وغيرهما، كقوله عليه السلام: (... كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر) وسائل الشيعة: ج 4/80 ح 4563 وغيره الكثير.

أمّا الأوّل: فلأنّ التعدّي عن التيمّم إلى الوضوء يحتاج إلى الدليل، وهو مفقود.

وأمّا الثاني: - فمضافاً إلى مخالفته لما ثبت بالدليل، من عدم عروض الاحتلام على الإمام عليه السلام، وحمله على الجنابة العمديّة كما ترى - أنّه معارضٌ بصحيح محمّد ابن مسلم الحاكي لهذه القضيّة بكيفيّة اُخرى، فإنّه روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام - في حديثٍ - أنّه ذكر:

«أنّه اضطرّ إلى الغُسل وهو مريض، فأتوا به مسخناً فاغتسل، وقال: لابدَّ من الغُسل»(1).

الظاهر في مباشرة الاغتسال، والجمع بينهما يقتضي حمل الأوّل على الإعانة بالمقدّمات.

وأمّا الثالث: فلما تكرّر منَّا من أنّ النصوص الدالّة على تلك القاعدة ضعيفة، مع أنّها لا تدلّ على سقوط الميسور من الأجزاء بالمعسور منها، وإنّما تدلّ على عدم سقوط الميسور من الأفراد بمعسورها.

وأمّا الرابع: فلما إنّما يدلّ على عدم وجوب المباشرة لا جواز التولية.

وأمّا الخامس: فلما عرفت في أوّل هذا المبحث(2) من أنّ إطلاق الخطاب يقتضي اعتبار المباشرة، وعليه فلا مورد للتمسّك بإطلاقه لنفيه.

وأمّا السادس: فلأنّ الظاهر أنّه أراد به قاعدة الميسور التي عرفت ما فيها.

وأمّا السابع: فلما مرَّ في مبحث المسح على الرِّجلين، من عدم جواز التعدّي عن مورد الخبر.

فإذاً العمدة في الحكم هو الإجماع. وعليه فالأحوط ضمّ التيمّم إليه.

***8.

ص: 43


1- التهذيب: ج 1/198 ح 50، الاستبصار: ج 1/163 ح 9، وسائل الشيعة: ج 1/209 ح 534 و: ج 3/374 ح 3904.
2- فقه الصادق: ج 2/38.

ويستحبُّ فيه غَسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مرّةً مِنْ حَدَث النوم والبول، ومرّتين من الغائط، وثلاثاً من الجنابة.

مستحبّات الوضوء

اشارة

(ويستحبُّ فيه) اُمور:

الأمر الأوّل: غَسل اليدين قبل إدخالهما الإناء

الأمر الأوّل: (غَسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مرّة مِنْ حَدَث النوم والبول، ومرّتين من الغائط، وثلاثاً من الجنابة) كما هو المشهور.

ويشهد له: صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟

قال عليه السلام: واحدة من حَدَث البول، واثنتان من حدث الغائط، وثلاث من الجنابة»(1).

وأيضاً: في صحيح حريز أو حسنه، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«يغسل الرجل يده من النوم مرّة»(2).

ولا يعارض صحيح الحلبي ما فيه: (ومن الغائط والبول مرّتين)(3)، إذ الظاهر أنّه اُريد به صورة اجتماع الغائط والبول، كما يظهر من عدم تكرار لفظة (من).

وأيضاً: مرسل الصدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام:

ص: 44


1- الكافي: ج 3/12 ح 5، الاستبصار: ج 1/50 ح 1، وسائل الشيعة: ج 1/427 ح 1117.
2- التهذيب: ج 1/36 ح 36، الاستبصار: ج 1/50 ح 2، وسائل الشيعة: ج 1/427 ح 1118.
3- الكافي: ج 3/12 ح 5، الاستبصار: ج 1/50 ح 1، وسائل الشيعة: ج 1/427 ح 1117.

«اغسل يدك من البول مرّة، ومن الغائط مرّتين، ومن الجنابة ثلاثاً.

وقال عليه السلام: اغسل يدك من النوم مرّة»(1). ونحوها غيرها.

وعليه، فما عن الشهيد في «اللّمعة»(2): من أنّ الحكم في الجميع هو الغَسل مرّتين ضعيف، كما أنّ القول بالإجتزاء بالمرّة في الجميع كما عن «النفليّة»(3)أيضاً ضعيف.

***ة.

ص: 45


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 1/323 ح 732، عن الصدوق في المقنع.
2- اللّمعة الدمشقيّة: ص 17، حيث ذكر من سنن الوضوء تثنية الغسلات.
3- اعتبر الشهيد في الألفيّة والنفليّة: ص 93 استحباب تثنية غسل الأعضاء، وبالملازمة يدلّ ذلك على جوازالاكتفاء بالمرّة.

ووضع الإناء على اليمين والإغتراف بها، والتسمية.

الأمر الثاني: وضع الإناء على اليمين

(و) الأمر الثاني: (وضع الإناء على اليمين) كما عن المشهور، وعن المحقّق(1)والشهيد(2): نسبته إلى الأصحاب، وكفى به دليلاً للاستحباب.

ويمكن الاستشهاد له بالنبويّ : «أنّه صلى الله عليه و آله كان يحبُّ التيامن في طهوره وشغله كلّه»(3).

الأمرالثالث: الاغتراف بها

(و) الأمرالثالث: (الاغتراف بها) أي باليداليمنى ، وهو المنسوبُ إلى الأصحاب(4).

أقول: وتشهد له جملةٌ من النصوص البيانيّة:

منها: مصحّحة عُمر بن اُذينة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام الواردة في وضوء النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج: «فتلقّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله الماء بيده اليمنى فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين»(5).

ولا يعارضها ما في جملةٍ من النصوص البيانيّة من أنّه صلى الله عليه و آله اغترف باليسرى لليمنى، إذ الفعل المزبور لا يصلح لمعارضة القول الوارد في المصحّح.

الأمر الرابع: التسمية

(و) الأمر الرابع: (التسمية) إجماعاً، كما عن جماعةٍ (6) عند وضع اليد في الماء، كما في صحيح زرارة:

ص: 46


1- المعتبر: ج 1/164، (مسألة: وسنن الطهارة عشر... الخ).
2- ذكرى الشيعة: ج 2/173، المبحث الثاني: في مستحبّاته.
3- المستدرك: ج 1/330 ح 750، (أنّ اللّه يحب التيامن في كلّ شيء). عوالي اللآلي: ج 2/200 ح 101، وعن الذكرى قال: (إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يحب التيامن في طهوره، وتنعّله، وشأنه كلّه). (الذكرى: ج 2/173).
4- ذكرى الشيعة: ج 2/173، المبحث الثاني: في مستحبّاته.. (الثاني: الاغتراف..).
5- الكافي: ج 3/484 من الحديث 1، وسائل الشيعة: ج 1/390 ح 1024.
6- منهم الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ج 2/173، قوله: (الثالث: التسمية إجماعاً).

«إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه وباللّه، اللّهُمَّ اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين»(1).

أو وضعها على الجبهة، كما في حَسَنه الحاكي لوضوء النبيّ صلى الله عليه و آله:

«ثمّ غَرَف فملأها ماءً فوضعها على جبينه، ثمّ قال: بسم اللّه..»(2).

أو غيرهما من الحالات، كما يقتضيه إطلاق مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا سمّيت في الوضوء طَهُرَ جَسَدَكَ كلّه»(3).

ومثله خبر أبي بصير(4).

وفي صحيح العيص، عنه عليه السلام: «مَن ذكرَ اسم اللّه عليوضوئه فكأنّما اغتسل»(5).

***6.

ص: 47


1- الكافي: ج 3/445 ح 12، التهذيب: ج 1/76 ح 41، وسائل الشيعة: ج 1/423 ح 1105.
2- الكافي: ج 3/25 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/387 ح 1021.
3- الكافي: ج 3/16 ح 2، التهذيب: ج 1/355 ح 23، وسائل الشيعة: ج 1/424 ح 1108.
4- التهذيب: ج 1/358 ح 6، وسائل الشيعة: ج 1/423 ح 1107.
5- الفقيه: ج 1/49 ح 101، التهذيب: ج 1/358 ح 3، وسائل الشيعة: ج 1/423 ح 1106.

والمضمضة والاستنشاق ثلاثاً.

الأمر الخامس والسادس: المضمضة والاستنشاق ثلاثاً

(و) الأمر الخامس والسادس: (المضمضة والاستنشاق ثلاثاً) لما عن «أمالي» المفيد الثاني ولد الشيخ الطوسي رحمه الله، عن أمير المؤمنين عليه السلام في عهده إلى محمّد بن أبي بكر حين ولّاه مصر:

«وانظر إلى الوضوء فإنّه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرّات واستنشق ثلاثاً...

إلى أن قال عليه السلام: فأنّني رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يفعل ذلك»(1).

وفي مكاتبة علي بن يقطين: «تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً»(2).

والنصوص الدالّة على استحبابهما مستفيضة.

وما في(3) بعض النصوص من أنّهما ليسا من الوضوء، أو أنّهما ليسا بفريضةٍ ولا سُنّة، محمولٌ على عدم الوجوب، أو عدم كونهما من أجزائه، غير المنافي لكونهما من المستحبّات الخارجيّة كالسّواك وغيره.

***

ص: 48


1- الأمالي للمفيد: ص 265، المجلس الحادي والثلاثون، وسائل الشيعة: ج 1/397 ح 1038.
2- وسائل الشيعة: ج 1/444 ح 1173، الإرشاد: ج 2/227.
3- وسائل الشيعة: ج 1/430 وما بعدها باب 29 من أبواب الوضوء، ومنها أبا بصير رقم 1127 قال: (سألت أباعبد اللّه عليه السلام عنهما، فقال: هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد).

وتثنية الغسلات.

تثنية الغسلات

الأمر السّابع: تثنية الغَسَلات

(و) السّابع: (تثنية الغَسَلات) كما عن المشهور، بل المجمع عليه كما عن غير واحد(1)، وعن «الاستبصار»(2): نفي الخلاف بين المسلمين.

ويشهد له: أدلّة عديدة هي:

1 - صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن الوضوء، فقال: «مثنى مثنى »(3). ونحوه خبرا صفوان وزرارة(4).

2 - ومرسل ابن أبي المقدام: «إنّي لأعجب ممّن يرغب أن يتوضّأ اثنتين، وقد توضّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اثنتين اثنتين»(5).

3 - وفي خبر الفضل عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال في كتابه إلى المأمون: «إنّ الوضوء مرّة فريضة، واثنتان إسباغ»(6).

4 - وفي مرسل الأحول: «وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله للناس اثنتين اثنتين»(7).

ص: 49


1- السرائر: ج 1/100، قوله: (والواجب في العضوين المغسولين الدفعة الواحدة، والمرّتان سُنّة وفضيلة بإجماع المسلمين، ولا يلتفت إلى خلاف من خالف... الخ).
2- الاستبصار: ج 1/70 في تعليقه على الحديث 6: (الوضوء مثنى مثنى ).
3- التهذيب: ج 1/80 ح 80، الاستبصار: ج 1/70 ح 5، وسائل الشيعة: ج 1/441 ح 1168.
4- التهذيب: ج 1/80 ح 58 و ح 59، الاستبصار: ج 1/70 ح 6 و 7، وسائل الشيعة: ج 1/436 ح 1145 وص 443 ح 1169.
5- الفقيه: ج 1/39 ح 80، وسائل الشيعة: ج 1/439 ح 1156.
6- وسائل الشيعة: ج 1/440 ح 1163، عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/127 ح 2.
7- الفقيه: ج 1/38 ح 77، وسائل الشيعة: ج 1/439 ح 1155.

5 - وفي مكاتبة علي بن يقطين، عن الإمام الكاظم عليه السلام: «اغسل وجهك مرّة فريضةً ، واُخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك»(1).

6 - وفي موثّق يعقوب: «ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين»(2).

7 - وفي خبر داود الرقي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يا داود بن زربي توضّأ مثنى مثنى ، ولا تزدن عليه»(3).

أقول: ولكن قد تعارضها طوائف من النصوص:

منها: النصوص البيانيّة المتقدّمة، فإنّها خالية عن ذلك.

ومنها: ما تضمّن أنّ الوضوء واحدة واحدة، ففي حديث ميسرة: «الوضوء واحدة واحدة»(4). وفي خبر يونس: «إنّه مرّة مرّة»(5).

ونحوه ما في كتاب الإمام الرضا عليه السلام إلى المأمون(6).

ومرسل ابن أبي عمير: «الوضوءواحدة فرض، واثنتان لايُؤجر، والثالثة بُدعة»(7).

وفي خبر ابن أبي يعفور: الفضل في واحدة، ومن زاد على اثنتين لم يُؤجر(8).

ومنها: ما تضمّن توحيد الغَسَلات في وضوء النبيّ صلى الله عليه و آله، وأمير المؤمنين عليه السلام، لاحظ مصحّح عبد الكريم: «ما كان وضوء علي عليه السلام: إلّامرّة مرّة»(9).7.

ص: 50


1- وسائل الشيعة: ج 1/444 ح 1173، الإرشاد: ج 2/227.
2- التهذيب: ج 1/47 ح 73، الإستبصار: ج 1/52 ح 6، وسائل الشيعة: ج 1/316 ح 833.
3- رجال الكشّي: ص 312 رقم 564، وسائل الشيعة: ج 1/443 ح 1172.
4- الكافي: ج 3/26 ح 7، التهذيب: ج 1/80 ح 54، الاستبصار: ج 1/69 ح 2.
5- الكافي: ج 3/26 ح 6، التهذيب: ج 1/80 ح 55، وسائل الشيعة: ج 1/437 ح 1146.
6- وسائل الشيعة: ج 1/440 ح 1163، عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2/127 ح 2.
7- التهذيب: ج 1/81 ح 61، الإستبصار: ج 1/71 ح 9، وسائل الشيعة: ج 1/436 ح 1143.
8- وسائل الشيعة: ج 1/441 ح 1167.
9- الكافي: ج 3/27 ح 9، التهذيب: ج 1/80 ح 56، وسائل الشيعة: ج 1/437 ح 1147.

ومرسل الفقيه: «واللّه ما كان وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّامرّة مرّة»(1).

والآخر: «توضّأ النبيّ صلى الله عليه و آله مرّة مرّة فقال: هذا وضوءٌ لايقبل اللّه الصلاة إلّا به»(2).

أقول: وقد ذكروا في مقام الجمع وجوهاً كثيرة، والذي يخطر بالبال أنّ خلوّ الأخبار البيانيّة عن ذلك، كخلوّها عن جملةٍ من المستحبّات الاُخر لا يدلّ على العدم، والطائفة الثانية لو لم تكن ظاهرة في إرادة الوجوب، فهي محمولة عليها بقرينة النصوص المتقدّمة.

وأمّا مرسل ابن أبي عمير: فمحمولٌ على صورة اعتقاد الوجوب بقرينة خبر ابن بكير: «مَنْ لم يستيقن أنّ الواحدة من الوضوء تُجزيه لم يُؤجر على اثنتين».

وأمّا خبر ابن أبي يعفور: فيحتمل قويّاً إرادة أنّ الفضل في غَسلة واحدة، يزيدها على الغسلة المفروضة، بقرينة قوله عليه السلام: «ومَن زادَ على اثنتين لم يُؤجر». إذ لو كان المراد منها الغَسلة اللّازمة كان يقتضي أن يقول: (ومَنْ زاد على الواحدة لم يُؤجر).

وأمّا الطائفة الأخيرة: فحيث أنّ منشأ مشروعيّة الثانية احتمال نقص الوضوء بالغَسلة الاُولى، وأنّه إنّما شُرّع للإسباغ واستيعاب الماء لتمام العضو - كما تشهد له جملةٍ من نصوص الباب، وهما معصومان من أن يغفلا عن بعض الوضوء في الغَسلة الاُولى - فمداومتهما على التوحيد لا تدلّ على عدم الاستحباب بالنسبة إلى غيرهما.

فتحصّل: أنّ الأقوى استحباب الثانية.

كما ظهر - ممّا ذكرناه - ضعف الأقوال الاُخر، فلا حاجة إلى تطويل الكلام في ذلك.

***1.

ص: 51


1- الفقيه: ج 1/38 ح 76، الاستبصار: ج 1/70 ح 4، وسائل الشيعة: ج 1/438 ح 1150.
2- الفقيه: ج 1/38 ح 76، وسائل الشيعة: ج 1/438 ح 1151.

وضع الماء في غَسل اليدين في الرَّجل على ظَهر الذِّراعين، وفي المرأة على باطنهما، وبالعكس لهما في الثانية.

الأمر الثامن: وضع الماء في غسل اليدين في الرَّجل على ظهر الذِّراعين

(و) الأمر الثامن: (وضع الماء في غسل اليدين في الرَّجل على ظهر الذِّراعين، وفي المرأة على باطنهما، وبالعكس لهما في الثانية) كما عن جملةٍ من كتب الشيخ(1)والمصنّف(2) والشهيد(3) وغيرهم.

وعن الأكثر(4): استحباب بدئة الرجل بالظاهر مطلقاً، والمرأة بالباطن كذلك.

أقول: والثاني أقوى، إذ يشهد له خبر ابن بزيع، عن الإمام الرضا عليه السلام:

«فرض اللّه تعالى على النساء في الوضوء للصّلاة ان يبدأن بباطن أذرُعهن، وفي الرَّجل بظاهر الذراع»(5).

وهو محمول على الاستحباب للإجماع.

وأمّا القول الأوّل: فقد اعترف جماعة بعدم الوقوف على مستنده.

وما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله من عدم تعرّض الخبر للغسلة الثانية، إذ المتبادر

ص: 52


1- المبسوط: ج 1/21-22.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/202 مدّعياً على ذلك الإجماع، إلّاأنّه لم يفصّل في منتهى المطلب: ج 1/308 بين الغسلة الاُولى والثانية.
3- الذكرى: ص 94 قوله: (بدأة الرجل بظاهر ذراعيه.. الخ)، روض الجنان: ص 42، شرح اللّمعة الدمشقيّة: ج 1/455.
4- كالمحقّق الحلّي في المعتبر: ج 1/167، وقال: (وعلى الاستحباب اتّفق علماؤنا، ولم يفصّل بين الغسلة الاُولى والثانية)، حكى التفصيل بين الغسلة الاُولى والثانية المحدِّث البحراني في الحدائق الناضرة: ج 2/164-165 وقال: (ولم أقف له على مستند).
5- الكافي: ج 3/28 ح 6، التهذيب: ج 1/76 ح 42، وسائل الشيعة: ج 1/466 ح 1238.

منه استحباب الشروع في غَسل الذراع من باطنه للنساء، ومن ظاهره للرِّجال، والغسلة الثانية ليس ابتدائها ابتداء غَسل الذراع.

غير سديد، إذ مقتضى إطلاقه استحباب ذلك في كلّ ما يُعدّ من غَسلات الوضوء، ولو كان جزءً استحبابيّاً.

***

ص: 53

والدُّعاء عند كلّ فعل.

الأمر التاسع: الدّعاء عند كلّ فعل

(و) التاسع: (الدّعاء عند كلّ فعل) بما تضمّنه خبر عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذاتَ يومٍ جالسٌ مع محمّد بن حنفيّة إذ قال له: يا محمّد ائتني بإناء من ماءٍ أتوضّأ للصلاة، فأتاه محمّد بالماء، فاكفى بيده اليسرى على يده اليمنى ، ثمّ قال: بسم اللّه والحمد للّه الذي جَعَلَ الماء طهوراً ولم يَجعله نَجساً، ثمّ استنجى فقال: اللّهُمَّ حصِّن فرجي واعفه، واستر عورتي وحرّمها على النار، ثمّ تمضمض، فقال: اللّهُمَّ لقّني حُجّتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك، ثمّ استنشق، فقال: اللّهُمَّ لا تُحرِّم عليَّ ريح الجنّة، واجعلني ممّن يشمّ ريحها وروحها وطيبها، ثمّ غَسَل وجهه فقال: اللّهُمَّ بيّض وجهي يوم تَسوّد فيه الوجوه، ولا تُسوّد وجهي يوم تبيّض فيه الوجوه، ثمّ غَسَل يده اليمنى ، فقال: اللّهُمَّ أعطني كتابي بيميني، والخُلد في الجنان بيساري، وحاسبني حساباً يسيراً، ثمّ غَسل يده اليسرى ، فقال: اللّهُمَّ لا تعطني كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولةً إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران. ثمّ مسح رأسه، فقال: اللّهُمَّ غَشّني برحمتك وبركاتك وعفوك، ثمّ مسح رجليه، فقال: اللّهُمَّ ثبّتني على الصّراط يومَ تزلّ فيه الأقدام، واجعل سعيي فيما يُرضيك عنّي.

ثمّ رفع رأسه فنظر إلى محمّد، فقال: يا محمّد مَنْ توضّأ مثل وضوئي، وقال مثل قولي، خَلَق اللّه له من كلّ قطرةِ ماءٍ مَلَكاً يُقدِّسه ويسبّحه ويُكبّره، فيكتب اللّه له ثواب ذلك إلى يوم القيامة»(1).

***

ص: 54


1- التهذيب: ج 1/53 ح 2، وسائل الشيعة: ج 1/401 ح 1046.

عددٌ من مستحبّات الوضوء

الأمر العاشر: السّواك بلا خلاف.

ويشهد له: صحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عليك بالسّواك عند كلّ وضوء»(1). ونحوه غيره.

***

الأمر الحادي عشر: أن يكون الوضوء - بجميع غرفاته الواجبة والمستحبّة - بمدٍّ

بلا خلافٍ ظاهر، وهو مذهب علمائنا كما عن «المنتهى »(2) و «التذكرة»(3).

ويشهد له: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمُدٍّ، ويغتسل بصاعٍ ، والمدّ رطل ونصف، والصاع ستّة أرطال»(4).

ومثله غيره.

والصّاع هو ستّة أرطال بالمدني، كما في مكاتبة محمّد بن إبراهيم الهمداني الواردة في الفطرة(5).

***

الأمر الثاني عشر: أنْ يفتح عينيه حال غَسل الوجه،

لمرسل الصدوق، قال:

ص: 55


1- الكافي: ج 8/179 ح 33، الفقيه ج 4 ص 188 ح 5432، وسائل الشيعة: ج 2 ص 16 ح 1343 وص 17، ح 1344 وح 1349.
2- منتهى المطلب: ج 1/309، قوله: (مسألة: قال علماؤنا يستحبّ الوضوء بمدّ).
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/201، قوله: (الوضوء بمد وهو قول علمائنا، وأكثر أهل العلم).
4- التهذيب: ج 1/136 ح 70، الاستبصار: ج 1/121 ح 2، وسائل الشيعة: ج 1/481 ح 1275.
5- الكافي: ج 4/172 ح 9، الفقيه: ج 2/176 ح 2063، وسائل الشيعة: ج 9/342 ح 12182.

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنّم»(1).

***

الأمر الثالث عشر: أن يغسل بصبّ الماء، مع إمرار اليد على مواضع الغَسل.

وتشهد له: النصوص البيانيّة.

ويشهد لإستحباب الثاني ما عن «قرب الإسناد»:

«ولا تَلْطم وَجهك بالماء لطماً، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مَسْحاً، وكذلك فامسح بالماء على ذراعيك»(2). المحمول على الاستحباب للإجماع.

***1.

ص: 56


1- الفقيه: ج 1/50 ح 104، وسائل الشيعة: ج 1/486 ح 1287.
2- قرب الإسناد: ص 129، باب ما جاء بالشهادات، وسائل الشيعة: ج 1/398 ح 1041.

ويكره التَمندل.

ما يكره في الوضوء

الأوّل: (ويُكره التمندل) كما هو المنسوب إلى المشهور.

واستدلّ له: بما روي بعدّة طرق في «الكافي» و «ثواب الأعمال» و «المحاسن»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«مَن توضّأ وتمندل كُتبت له حسنة، ومَن تَوضّأ ولم يتمندل حتّى يجفّ وضوؤه، كُتب له ثلاثون حسنة»(1).

ولا يعارضه ما تضمّن نفي البأس عنه(2) كما هو واضح.

وأورد عليه: بمعارضته مع النصوص الكثيرة، المتضمّنة لمداومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وفعل الإمام الصادق عليه السلام وأمره إسماعيل بن الفضل به، وهي أصحّ سنداً وأشهر روايةً ، فتُقدّم.

وفيه: أنّ ما دلَّ على مداومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كالنصّ في أنّه كان يتمندل بمنديلٍ مخصوص لذلك، وما دلَّ على فعل الإمام الصادق عليه السلام وإنْ كان مطلقاً، إلّاأنّه قابل للحمل على ذلك، فيقيّد بهذه النصوص ما دلَّ على مرجوحيّة التمندل، ويحمل على التمندل بغير ما عين لذلك.

نعم، يرد عليه عدم دلالته على الكراهة، وإنّما يدلّ على استحباب تركه، واستحباب إبقاء أثر الوضوء في حدِّ ذاته.

فتحصّل: أنّ الأظهر أفضليّة ترك التمندل بمنديل مشترك، فتدبّر.

ص: 57


1- الكافي: ج 3/70 ح 4، الفقيه: ج 1/50 ح 105، وسائل الشيعة: ج 1/474 ح 1258.
2- وسائل الشيعة: ج 1/475 ح 1259، قوله عليه السلام: «.. يمسح وجهه بالمنديل ؟ قال: لا بأس به».

والاستعانة، ويحرم التولية.

المكروه الثاني: (والاستعانة) بالغير في المقدّمات القريبة كما هو المعروف، وقد تقدّم تنقيح القول في ذلك في مبحث اشتراط المباشرة،(1) وعرفت في ذلك المبحث أنّه (يحرم التولية) في نفس الغَسل.

ويكره أيضاً: الوضوء بالمياه المكروهة كالمشمَّس، ففي خبر إسماعيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: الماء الذي تسخّنه الشمس لا تتوضّئوا به، ولا تعجنوا به، فإنّه يورث البرص»(2).

المحمول على الاستحباب بقرينة التعليل.

وأيضاً: ماء الغُسالة من الحَدَث الأكبر، كما تقدّم في محلّه.

وأيضاً: ماء الآجن لما في الحديث: «نهى عن الوضوء في الماء الآجن»(3).

وعن «مجمع البحرين»: إنّه الماء المتغيّر لونه وطعمه(4).

ويكره أيضاً: إيقاعه في المسجد من حَدَث البول والغائط، لخبر رفاعة، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الوضوء في المسجد، فكرهه من البول والغائط»(5) فتأمّل.8.

ص: 58


1- فقه الصادق: ج 1/38.
2- الكافي: ج 3/15 ح 5، التهذيب: ج 1/379 ح 35، وسائل الشيعة: ج 1/207 ح 531.
3- الكافي: ج 3/4 ح 6، التهذيب: ج 1/408 ح 5، وسائل الشيعة: ج 1/138 ح 337، قوله عليه السلام: (في الماء الآجن يتوضّأ منه إلّاأن تجد ماءً غيره فتنزّه منه».
4- مجمع البحرين: ج 6/197 مادّة أجن، لسان العرب: ج 13/8 مادّة أجن.
5- التهذيب: ج 1/356 ح 30، وسائل الشيعة: ج 1/492 ح 1298.

مسائل:

الأولى: لا يجوز للمُحْدِث مسّ كتابة القرآن

مسائل: الأولى: لا يجوز للمُحْدِث مسّ كتابة القرآن، الثانية: لو تيقَّن الحَدَث وشكَّ في الطهارة تطهر، وبالعكس، لا يجب عليه الطهارة.

أحكام الوضوء

(مسائل: الاُولى):

(لا يَجوز للمُحْدِث مسّ كتابة القرآن) كما تقدّم في مبحث الغايات(1)مفصّلاً. فراجع.

الثانية: لو تيقّن الحَدَث وشكَّ في الطهارة تطهّر

المسألة الثانية:

(لو تيقّن الحَدَث وشكَّ في الطهارة تطهّر) بلا خلافٍ . وعن «المنتهى»(2): دعوى الإجماع عليه، وعن «المدارك»(3): أنّه إجماع من المسلمين.

ويشهد له: الاستصحاب.

(وبالعكس) أي شكّ في الحَدَث بعد الطهارة، يبني على بقاء الوضوء، و (لايجبُ عليه الطهارة) إجماعاً كما عن جماعة(4).

ويشهد له: صحيح زرارة - الذي هو المدرك لحجيّة الاستصحاب - حيث قال عليه السلام:

«فإذا نامت العين والاُذن والقلب وَجَب الوضوء، قلت: فإنْ حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به ؟ قال عليه السلام: لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّى يجئ من ذلك أمرٌ

ص: 59


1- فقه الصادق: ج 1/325.
2- منتهى المطلب: ج 2/142.
3- مدارك الأحكام: ج 1/253-254.
4- الخلاف: ج 1/123 مسألة 65، قال: (وعليه إجماع الفرقة).

بيِّن، وإلّا فإنّه على يقين من وضوءه، ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ ، وإنّما ينقضه بيقينٍ آخر»(1).

وفي موثّق بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديثٍ : «وإيّاك أن تُحدِث وضوء أبداً حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت»(2).

ويستثنى من ذلك ما لو كان منشأ شكّه خروج رطوبةٍ مشتبهة بالبول، ولم يكن مُستبرئاً، لما تقدّم في مبحث الاستبراء(3) أنّها بولٌ شرعاً.

أقول: وإنْ علم الأمران، وشكّ في المتأخّر منهما:

فتارةً : يجهل تاريخهما.

واُخرى: يكون تاريخ أحدهما معلوماً.

أمّا الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب أنّه يبني على كونه مُحْدِثاً.

وعن المحقّقين في «المعتبر»(4) و «جامع المقاصد»(5) وجماعة من المتأخّرين(6):

التفصيل بين الجهل بالحالة السابقة فكالمشهور، وبين صورة العلم بها فيؤخذ بضدّها.

وعن المصنّف في جملةٍ من كتبه(7): التفصيل بين الجهل بالحالة السابقة، فيبني0.

ص: 60


1- التهذيب: ج 1/8 ح 11، وسائل الشيعة: ج 1/245 ح 631 و ج 2/356 ح 2352.
2- الكافي: ج 3/33 ح 1، التهذيب: ج 1/102 ح 117، وسائل الشيعة: ج 1/247 ح 637 و ص 472 ح 1252.
3- فقه الصادق: 1/274.
4- المعتبر: ج 1/171.
5- جامع المقاصد: ج 1/235 وما بعدها.
6- كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: ص 37، وفي جامع المقاصد: ج 1/236 نسب التفصيل هذا إلى المتأخّرين.
7- مختلف الشيعة: ج 1/308، قوله: (أطلق الأصحاب القول بإعادة الطهارة على من تيقّن الحَدَث والطهارة، وشكّ في المتأخّر منهما، ونحن فصّلنا ذلك في أكثر كتبنا.. الخ) نهاية الأحكام: ج 1/59-60.

على أنّه مُحدث، وبين صورة العلم بها فيبني عليها.

والأوّل أقوى ، لقاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم إحراز الشرط التي هي المرجع بعد تعارض الاستصحابين: استصحاب الطهارة، واستصحاب الحدث وتساقطهما.

ثمّ إنّه لا بأس بالإشارة إلى ما هو المختار في هذه المسألة من جريان الأصلين وتعارضهما، لا عدم جريان كلّ منهما في نفسه:

أقول: استدلّ لعدم جريان الأصل فيهما بوجوه:

الوجه الأوّل: ما اختاره المحقّق الخراساني رحمه الله(1) من عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ ، بمعنى أنّه لو رجعنا الققهرى من زمان الشكّ في وجود كلّ منهما إلى الأزمنة المتقدّمة عليه، لم نعثر على زمانٍ تفصيلي يعلم بوجود المشكوك فيه، بل كلّها زمانُ الشكّ ، مع أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب اتّصال زمان الشكّ باليقين، لقوله عليه السلام:

«مَنْ كان على يقين فشكّ ... الخ».

وفيه أوّلاً: النقض بما لو علم بحدوث المشكوك بقاؤه، وتردّد زمانه بين زمانين وما زاد، واحتمل انعدامه في الزمان الأخير الذي هو من أطراف العلم، فإنّ لازم ما ذكره قدس سره عدم جريان الاستصحاب فيه، مثلاً لو علم بأنّه تطهر في إحدى الساعتين، واحتمل الحَدَث في الساعة الثانية بعد الطهارة، فلازم هذا البرهان عدم جريان الاستصحاب فيه، مع أنّه قدس سره لا يلتزم بذلك، وقد نقل بعض مشايخنا أنّه أورد بعض الفحول هذا الإيراد عليه في مجلس درسه ولم يجب عنه.

وثانياً: بالحلّ ، وهو أنّه لا يعتبر في جريان الاستصحاب إلّاثبوت اليقين والشكّ الفعليين بأن يكون الحدوث معلوماً والبقاء مشكوكاً فيه، ولا دليل على0.

ص: 61


1- كفاية الاُصول: ص 420.

اعتبار شيء زائداً عليه.

الوجه الثاني: ما ذكره بعض المحقّقين رحمهم الله وهو أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب - سوى اليقين بالحدوث - الشكّ في البقاء، وأمّا إذا كان عوض الشكّ يقينان، فلا يجري الاستصحاب، والمقام من هذا القبيل، إذ الحَدَث مثلاً لو كان متحقّقاً قبل الوضوء، فهو مرتفعٌ قطعاً، ولو كان متحقّقاً بعده، فهو باقٍ كذلك، فلا شكّ في البقاء وكذلك الطهارة.

وفيه أوّلاً: النقض بجميع موارد الاستصحاب، مثلاً لو علم حياة زيد وشكّ في موته، يمكن أن يُقال إنّه لو كان في علم اللّه أن يموت قبل هذه الساعة فهو ميّتٌ قطعاً، وإلّا فهو حيّ كذلك.

وثانياً: بالحلّ ، وهو أنّ اليقينين المزبورين هما اليقين بالملازمة لا باللّازم، وهما منشأ الشكّ في البقاء فعلاً.

الوجه الثالث: ما ذكره بعض الأكابر رحمهم الله(1)، وحاصله:

أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب بحسب ظواهر الأدلّة كون الشكّ الذي يجوز نقض اليقين به شكّاً في البقاء والارتفاع في زمان واحد، والمقام ليس كذلك إذ كلّ واحدٍ من الحادثين إذا لوحظ في الأزمنة، يظهر أنّه لا شكّ في زمان واحد في بقائه وارتفاعه، إذ في الساعة الثالثة التي هي زمان الشكّ في البقاء لا يحتمل ارتفاعه، وفي الساعة الاُولى التي هي زمان حدوث أحدهما لا شكّ في الارتفاع، بل زمان الشكّ في الارتفاع هو الساعة الثانية، التي هي زمان حدوث الآخر لان.

ص: 62


1- راجع زبدة الاُصول: ج 6/26-\27، وقد نسبه السيّد الحكيم قدس سره في حقائق الأصول: ج 2/510 إلى بعض مشايخه المحقّقين.

شكّ في البقاء، إذ هو إمّا وجد فيه أو ارتفع، فزمان الشكّ في البقاء غير زمان الشكّ في الارتفاع.

وفيه: أنّ اعتبار هذا القيد لا يستفاد من النصوص، ولا دليل آخر عليه، فلا وجه لاعتباره.

أقول: ذكروا لعدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ وجوهاً اُخر ضعيفة، يظهر وجه الضعف ممّا ذكرناه، لرجوعها إلى بعض الوجوه المتقدّمة، والاختلاف إنّما يكون في التعبير.

فتحصّل: أنّ الأقوى جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، فيتعارضان ويتساقطان، والمرجع إلى قاعدة الاشتغال.

وقد استدلّ للقول الأخير: بأنّه بعد تساقط الاستصحابين، المرجع إلى استصحاب نفس الحالة السابقة لو كانت معلومة.

وفيه: أنّ الحالة السابقة مرتفعة قطعاً للعلم بحدوث ضدّها.

واستدلّ للقول الثاني: بأنّه يعلم بحدوث الضدّ، ويشكّ في ارتفاعه فيستصحب، ولا يعارضه استصحاب نفس الحالة السابقة، للعلم بارتفاعها، ولا استصحاب مثلها إذ لا علم بحدوثه، لاحتمال تعاقب المتجانسين، فلو كانت الحالة السابقة هي الحَدَث، وعلم بوقوع حَدَثٍ ووضوء بعده وجهل تاريخهما، فالحدث الأوّل يكون مرتفعاً قطعاً، وحيث أنّه يحتمل تقدّم الحدث الثاني على الوضوء، فلا علم بتحقّق فردٍ آخر منه، وهذا بخلاف الوضوء فيستصحب ما علم تحقّقه وهو الطهارة.

وفيه: أنّه قد حقّقنا في محلّه(1) جريان الاستصحاب في القسم الرابع من أقسام1.

ص: 63


1- زبدة الاُصول: ج 5/411.

الاستصحاب الكلّي، وهو ما لو علم بتحقّق فردٍ تفصيلاً، وعلم بارتفاعه وثبوت فردٍ إجمالاً مردّداً بين أن يكون هو الفرد الأوّل المعلوم ارتفاعه، وبين أن يكون فردا آخر باقياً، والمقام كذلك إذ علم بوجود الحَدَث في أحد الزمانين المعلوم ثبوت الحادثين فيهما، ولكن يكون ذلك الحدث المعلوم مردّداً بين أن يكون هو الفرد الأوّل المعلوم لاحتمال التعاقب، وأن يكون غيره:

وعلى الأوّل يكون مرتفعاً، وعلى الثاني يكون باقياً، فيستصحب ذلك الحَدَث المعلوم ثبوته في أحد الزمانين المشكوك ارتفاعه، فيعارض مع استصحاب الطهارة فيتساقطان، فالمرجع على كلا التقديرين قاعدة الاشتغال.

وأمّا إذا علم تاريخ أحدهما: فعن جماعةٍ من المحقّقين اختيار جريان الأصل في خصوص معلوم التاريخ، وعدم معارضته باستصحاب مجهول التاريخ، لعدم جريانه فيه، وقد عرفت ضعف هذا القول(1)، وأنّ الأصل يجري في مجهول التاريخ.

واختار جماعة آخرون من الفحول(2) منهم الشيخ الأعظم قدس سره(3) عدم جريانه في معلوم التاريخ.

واستدلّ له: بأنّ استصحاب عدم تحقّق مجهول التاريخ إلى زمان العلم بتحقّق الآخر، يقتضي تأخّره عنه، فلو علم المكلّف أنّه توضّأ في أوّل الزوال، وعَلم أيضاً بالحدث، وشكّ في تقدّم الحَدَث على الوضوء وتأخّره عنه، يجري استصحاب عدم8.

ص: 64


1- راجع زبدة الاُصول: ج 6/18-\25.
2- فوائد الأصول: ج 4/522 (تكملة) أجود التقريرات: ج 2/435، وفي الطبعة الجديدة: ج 4/161 (بقي هناك قسم آخر قد ظهر حكمه ممّا ذكرناه... الخ)، وقد حكاه عنه المؤلّف (حفظه المولى) في زبدة الاُصول: ج 6/28.
3- راجع فرائد الأصول: ج 2/668 وهو ظاهر كلامه، ونسبه إلى ظاهر المشهور، وقد حكاه عنه المؤلّف (حفظه المولى) في زبدة الاُصول: ج 6/28.

الحدث إلى زمان الوضوء، وهو يقتضي تأخّر الحدث عن الوضوء.

وفيه: أنّ هذا الأصل لا يجري إلّاعلى القول بالأصل المثبت الذي لا نقول به، لترتّب الأثر على تأخّر الحَدَث عن الوضوء، ليكون رافعاً لأثره، ولا يثبت ذلك باستصحاب عدم الحَدَث إلى زمان الوضوء.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو جريان الاستصحاب في كلّ منهما في نفسه، وتعارض الأصلين لو علم بهما، وشكّ في المتأخّر والمتقدّم، من غير فرقٍ بين الجهل بتاريخهما، وبين ما لو علم تاريخ أحدهما، وأنّ الأقوى في جميع الصور هو وجوب الوضوء لقاعدة الاشتغال.

***

ص: 65

الثالثة: لو شكّ في شيءٍ من أفعال الوضوء، وهو على حاله، أتى به وبما بعده
اشارة

الثالثة: لو شكّ في شيءٍ من أفعال الوضوء، وهو على حاله، أتى به وبما بعده.

الشكّ في أثناء الوضوء

المسألة الثالثة:

(لو شكّ في شيءٍ من أفعال الوضوء، وهو على حاله) أي هو في أثناء الوضوء، (أتى به وبما بعده) بلا خلافٍ .

وعن غير واحد: دعوى الإجماع عليه(1).

ويشهد له: الخبر الصحيح الذي رواه زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إذا كنتَ قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أغَسَلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه، ممّا سمّى اللّه، ما دمت في حال الوضوء، فإذا قُمتَ من الوضوء وفرغت منه، وقد صرت في حال اُخرى في الصلاة أو في غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا وجب اللّه عليك فيه وضوئك، لا شيء عليك فيه»(2).

أقول: ولا يعارضه موثّق ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا شككت في شيء من الوضوء، وقد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه»(3).

ص: 66


1- نفى عنه الخلاف في الحدائق: ج 2/391، وفي كشف اللّثام: ج 1/586-587 الفارق بين هذا الحكم وغيره النصّ والإجماع، رياض المسائل: ج 1/277-278.
2- الكافي: ج 3/33 ح 2، التهذيب: ج 1/100 ح 110، وسائل الشيعة: ج 1/469 ح 1243.
3- التهذيب: ج 1/101 ح 111، وسائل الشيعة: ج 1/469 ح 1244.

إذ الظاهر منه وإنْ كان رجوع الضمير في (غيره) إلى الشيء لا إلى الوضوء، لأنّ جهة المتبوعيّة أولى بالملاحظة من جهة القُرب عرفاً، ولازمه حمل الصحيح على الاستحباب، ولكن الإجماع على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء يوجب طرحه، لإعراض الأصحاب عنه، أو حمله على خلاف ظاهره بإرجاع الضمير إلى الوضوء.

ودعوى: أنّ إرجاع الضمير إلى الوضوء، يوجب عدم انطباق الكبرى الكليّة المذكورة في ذيله على الحكم المذكور في الصدر، كما لا يخفى .

مندفعة: بأنّه على فرض رجوع الضمير إلى الوضوء، يستكشف من تطبيق الكبرى المزبورة عليه أنّ الشارع اعتبر الوضوء شيئاً واحداً من جهة انطباق عنوانٍ واحد عليه، أو ترتّب أثرٍ واحد عليه وهو الطهارة على اختلاف المسلكين.

بحث: هل يلحق الشكّ في صحّة الجزء وفساده، بالشكّ في الوجود حيث لا تجري فيه قاعدة التجاوز، أم لا يكون ملحقاً به فتجري ؟

وجهان:

نسبَ العلّامة الأكبر الشيخ الأنصاري رحمه الله(1) الإلحاق إلى المشهور، وهو الأقوى ، لإطلاق صحيح زرارة، لاسيّما بناءً على الصحيح من رجوع الشكّ في الصحّة إلى الشكّ في الوجود، إذ لا يشكّ فيها ما لم يشك في تحقّق أمر وجودي أو عدمي اعتبر في ذلك الموجود الخارجي.0.

ص: 67


1- فرائد الاُصول: ج 2/712-713 (الموضع الرابع)، وقد حكاه عنه المؤلّف (حفظه المولى) في زبدة الاُصول: ج 6/80.

وأمّا ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله(1): من عدم جريان قاعدة التجاوز في الأجزاء والشرائط في غير باب الصلاة، لعدم الدليل عليها، فعدم جريانها في الوضوء إنّما يكون على القاعدة.

فغير تامّ ، لما حقّقناه في محلّه(2).

وسيأتي في كتابنا هذا لاحقاً أنّه سواءً أكانت قاعدة التجاوز متّحدة مع قاعدة الفراغ، أم كانت غيرها، تجري القاعدة في جميع الأبواب، ولا تختصّ بباب الصلاة.

***ا.

ص: 68


1- فوائد الاُصول: ج 4/626 قوله: (وبما ذكرنا ظهر اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصلاة).
2- راجع زبدة الاُصول: ج 6/125، مبحث: حكم الشكّ في الطهارة قبل الفراغ منها.

ولو انصرف لم يلتفت.

في حكم الشكّ بعد الانصراف

(ولو انصرف) أي شكّ في شيءٍ من أفعال الوضوء بعد الفراغ منه، (لم يلتفت) وبنى على الصحّة، بلا خلافٍ ، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع على الصحّة(1).

وتشهد له: جملة من النصوص، كصحيح زرارة المتقدّم، وخبر محمّد بن مسلم:

قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً، فامضه ولا إعادة عليك فيه»(2).

وموثّق بكير «قلت له: الرّجُل يشكّ بعدما يتوضّأ؟ قال عليه السلام: هو حين يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ »(3).

ونحوها غيرها(4).

أقول: إنّما الإشكال في موردين:

المورد الأوّل: إذا كان المشكوك فيه غير الجزء الأخير:

فهل يعتبر في جريان القاعدة غير ما يتحقّق به الفراغ، الدخول في الغير كالصلاة ونحوها، كما عن جماعةٍ منهم بعض مشايخنا المحقّقين رحمهم الله(5).

ص: 69


1- منتهى المطلب: ج 2/143، قوله: (وإنْ كان قد فرغ وانصرف عن حاله لم يلتفت إلى الشكّ وهوإجماع.. الخ)، مدارك الأحكام: ج 1/257، قوله: (وأمّا عدم الالتفات إلى الشكّ في شيءٍ من أفعال الوضوء بعد الانصراف من أفعاله وإنْ لم ينتقل عن محلّه فإجماعي أيضاً).
2- التهذيب: ج 1/101 ح 114، وسائل الشيعة: ج 1/471 ص 1248.
3- التهذيب: ج 1/364 ح 34، وسائل الشيعة: ج 1/471 ص 1249.
4- كرواية محمّد بن مسلم: وسائل الشيعة: ج 1/470 ص 1247.
5- حكاه السيّد الحكيم قدس سره عن جماعة كما في مستمسك العروة الوثقى: ج 2/516.

أم لا يعتبر في جريانها في الوضوء شيءٌ سوى ما يتحقّق به الفراغ، كما هو الشأن في سائر الموارد، للإطلاقات كما هو المشهور، بل عن «الروضه»(1)و «المدارك»(2) الإجماع عليه ؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بصحيح زرارة المتقدّم: «فإذا قمتَ من الوضوء وفَرَغت منه، فقد صرت في حال اُخرى من صلاة أو غيرها... الخ»(3).

وموثّق ابن أبي يعفور المتقدّم: «إذا شككتَ في شيءٍ من الوضوء، وقد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء»(4).

لكن يرد على الأوّل: أنّ الظاهر ولا أقلّ من المحتمل كونه تصريحاً بمفهوم الشرطيّة الاُولى.

وبعبارة اُخرى: عُلّق الاعتناء في صدر الخبر بالشكّ على الاشتغال بالوضوء، وحينئذٍ: فإمّا أن يؤخذ بمفهوم الصدر، لأنّ التصرّف في الذيل أولى من التصرّف في الصدر.

أو يتعارضان، فيحكم بالإجمال والرجوع إلى العمومات والمطلقات.

مع أنّ قوله عليه السلام: (في حال اُخرى ) اُريد به بحسب الظاهر غير حال الوضوء، ويؤيّده قوله عليه السلام: (من الصلاة أو غيرها)، إذ لو كان المراد هو الحال المخصوصة، كان الأولى أن يُقال: (أو نحوها)، بدل: (أو غيرها) فتدبّر.

وعلى الثاني: إنّه لا يدلّ على اعتبار شيء زائداً على ما يتحقّق به الفراغ من الخروج عن العمل، الملازم للدخول في غيره، بل يدلّ على العدم إطلاقه، والكبرى4.

ص: 70


1- حكاه عن الروضة السيّد الحكيم قدس سره في مستمسك العروة الوثقى: ج 2/516.
2- مدارك الأحكام: ج 1/257-258.
3- الكافي: ج 3/33 ح 2، التهذيب: ج 1/100 ح 110، وسائل الشيعة: ج 1/469 ح 1243.
4- التهذيب: ج 1/101 ح 111، وسائل الشيعة: ج 1/469 ح 1244.

الكليّة المذكورة في ذيله - التي تكون موضوعها التجاوز المسارق للفراغ على العدم.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار شيء في جريانها، سوى الفراغ عن الوضوء.

المورد الثاني: إذا شكّ في الجزء الأخير:

فإمّا أن يكون ذلك قبل الجلوس الطويل الموجب لفوات الموالاة.

أو يكون ذلك بعده.

وعلى الأوّل: فإمّا أنْ يكون ذلك بعد الدخول في عمل مترتّب عليه كالصلاة، أو قبله.

لا إشكال في جريان القاعدة إذا كان الشكّ بعد الدخول في ما هو مترتّب عليه، وكذا إذا كان بعد الجلوس الطويل.

إنّما الكلام فيما لو شكّ فيه، ولم تفت الموالاة، ولم يدخل في الصلاة ونحوها:

فعن «الجواهر»(1): جريانها فيه إذا اعتقد الفراغ ولو آناً مّا.

وعن شيخنا الأعظم(2): إنكار ذلك.

واستدلّ له: بأنّ إثبات الفراغ باليقين الزائل، غير ظاهر الوجه، ونفس اليقين الزائل لا يكون حجّة.

وفيه: أنّ المراد من الفراغ من الوضوء - الذي ذُكر تفسيراً للقيام منه - هو الفراغ البنائي، إذ إرادة الفراغ الحقيقي تستلزم عدم حجيّة القاعدة، لأنّه ما لم يحرز الفراغ لا مورد لجريانها، ومع إحرازه لا شكّ في الوضوء كي تجري فيه، فيكون مفاد الصحيح جريان القاعدة فيما اعتقد تماميّة الوضوء ثمّ شكّ فيها.

فالأقوى ما اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله.

***5.

ص: 71


1- جواهر الكلام: ج 2/361.
2- كتاب الطهارة: ج 2/484-485.
فروع الخلل في الوضوء
اشارة

أقول: يقتضي المقام بيان جملة من فروع الخلل في الوضوء، والأحكام المرتبطة بها:

***

الشاكّ المأمور بالوضوء لو نسي وصَلّى بدونه

الفرع الأوّل: من كان مأموراً بالوضوء من جهة الشكّ فيه بعد الحَدَث، إذا نسي وصلّى، وجب عليه إعادة الصلاة على المشهور بين الأصحاب، وعن بعض المحقّقين(1) الحكم بالصحّة.

واستدلّ لها: بقاعدة الفراغ.

وأورد على هذا الاستدلال: بأنّها لا تجري في الفرض، من جهة اختصاص جريانها بما إذا كان الشكّ حادثاً بعد العمل، ولا تشمل صورة كون المكلّف شاكّاً قبل الفراغ كما في المقام(2).

وفيه: إنّ الشكّ بعد العمل في الفرض، غير الشكّ الموجود قبل الفراغ، لأنّه انعدم بالنسيان والغَفلة، فالصحيح أنْ يورد عليه:

بأنّ قاعدة الفراغ من الطرق الشرعيّة والأمارات النوعيّة لوقوع المشكوك فيه، وجريانها إنّما يكون فيما إذا احتمل طروّ الغفلة حال العمل، لا فيما إذا أحرز ذلك، كما يشهد له تعليله عليه السلام: «إنّه حين ما يتوضّأ أذكر... الخ» فلا تجري في المقام.

ص: 72


1- مستمسك العروة الوثقى : ج 2/503 في تعليقه على المسألة 38.
2- أورد هذا الإشكال السيّد الخوئي قدس سره في كتاب الطهارة: ج 5/110 المسألة 38.

وقد استدلّ للبطلان: بأنّه مقتضى استصحاب الحَدَث في حال الصلاة.

وفيه: إنّ جريانه يتوقّف على فعلية الشكّ ، لأنّ ظاهر دخل كلّ عنوان في الموضوع، عدم فعليَّة الحكم مع عدم فعليته، وحيث أنّه حال العمل غير شاك لفرض الغفلة، فلا يجري الاستصحاب.

وعن الشيخ الأعظم رحمه الله في «الرسائل»(1): الاستدلال له بجريان استصحاب الحدث في نفسه بعد العمل لتماميّة أركانه - أي اليقين والشكّ - ويترتّب عليه فساد الصلاة.

وفيه: أنّ المانعيّة المنتزعة من الأمر بالصلاة مقيّداً بعدم الحَدَث، إنّما تثبت ظاهراً من حين جريان الاستصحاب، وأمّا قبله في حال الصلاة، فإنّ عدم جريان الاستصحاب لم تكن ثابتة، ولم يكن الأمر بها حال وقوعها مقيّداً بعدم المانع الظاهري، والشيء لا ينقلب عمّا هو عليه، فتدبّر فإنّه دقيق.

فتحصّل: أنّ شيئاً من ما استدلّ به في المسألة للصحّة والفساد لا يتمّ .

والتحقيق: أنّ النسيان على صورتين:

تارةً يكون النسيان مستوعباً للوقت.

واُخرى لا يكون كذلك.

وعلى الثاني: بما أنّه لا يجري حديث الرفع، من جهة أنّ ما طرأ عليه النسيان - وهو الفرد - ليس متعلّق التكليف، وما هو متعلّق التكليف لم يطرؤ عليه النسيان، فيتعيّن الرجوع إلى قاعدة الاشتغال والإتيان بالصلاة.).

ص: 73


1- فرائد الاُصول: ج 3/25، حيث تبنّى الاستصحاب في المقام ولم يلتزم به، بقوله: (هذا الشكّ اللّاحق يوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة، لولا حكومة قاعدة الشكّ بعد الفراغ عليه، فافهم).

وعلى الأوّل: يجري حديث الرفع، وترفع به شرطيّة الطهارة، فيحكم بصحّة الصلاة.

وبما ذكرناه ظَهَر حكم فرعٍ آخر، وهو ما لو أحدث ثمّ غفل وصلّى ، ثمّ شكّ في أنّه تطهر قبل الصلاة أم لا.

وتفصيل المشهور بين الفرعين، والحكم بالصحّة في الثاني دون الأوّل، إنّما يكون من جهة أنّ ما ذكروه في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ في الفرع السابق، لا مورد له في هذا الفرع.

أقول: ولكن قد عرفت عدم جريانها فيه من جهة اُخرى، وتلك الجهة مشتركة بين الفرعين، فلاحظ وتدبّر.

***

ص: 74

لو توضّأ للتجديد، ثُمَّ علم ببطلان أحد الوضوئين

الفرع الثاني: إذا كان متوضّئاً ثمّ توضّأ للتجديد وصلّى، ثمّ تيقّن لاحقاً بطلان أحد الوضوئين:

فعن المصنّف رحمه الله(1) في بعض كتبه و «جامع المقاصد»(2) من متأخّري المتأخّرين: وجوب إعادة الوضوء والصلاة.

وعن الشيخ في «المبسوط»(3) وابني سعيد(4) وحمزة(5) والقاضي(6): صحّتهما.

أقول: بناءً على ما هو الحقّ من أنّ الوضوء التجديدي إذا صادف الحَدَث يكون رافعاً له، لا إشكال في صحّة أحد الوضوئين للعلم بها، والصلاة لليقين بصحّة أحد الوضوئين.

وأمّا بناءً على أنّه لا يصلح لرفع الحدث لو صادفه واقعاً، فقد استدلّ للبطلان بأنّ الوضوء الثاني لا يكون رافعاً ولم يحرز صحّة الأوّل، فيتعيّن الرجوع إلى استصحاب الحَدَث، ويترتّب عليه فساد الصلاة.

وفيه: أنّ الوضوء الأوّل تُحرز صحّته بقاعدة الفراغ، ولا تعارضها قاعدة

ص: 75


1- مختلف الشيعة: ج 2/308-309، إلى أن قال: (وقول ابن إدريس هو الأجود عندي).
2- جامع المقاصد: ج 1/239.
3- الخلاف: ج 1/203 مسألة 166، المبسوط: ج 1/24-25.
4- شرائع الإسلام: ج 1/20، الرابع في أحكام الوضوء، إلّاأنّه صحّح الصلاة بناءً على كفاية الاقتصار في الوضوء على نيّة القُربة دون الحاجة إلى الاستباحة، وإلّا فلا. والمعتبر: ج 1/173، الجامع للشرايع ص 37، قوله: (فإن توضّأ لصلاة ولم يحدث ولم يصلِّ ثمّ جدّد الوضوء... الخ).
5- الوسيلة لإبن حمزة الطوسي: ص 53 الرابع من فصل: في بيان السهو العرض في الوضوء.
6- جواهر الفقه: ص 10 مسألة 16.

الفراغ في الوضوء الثاني، وذلك لوجهين:

الوجه الأوّل: العلم التفصيلي بفساده: إمّا لكون الخلل فيه، أو في سابقه:

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني: فلأنّه في فرض كونه مُحْدِثاً لبطلان وضوئه، لا يكون الوضوء التجديدي مأموراً به وصحيحاً.

الوجه الثاني: عدم ترتّب أثرٍ عملي على صحّة التجديدي، وإذا صحَّ الوضوء صحّت الصلاة.

أقول: وممّا ذكرناه ظهر أنّه إذا صلّى بعد كلّ من الوضوئين، ثمّ تيقّن فساد أحدهما، صحّت كلتا صلاتيه.

***

ص: 76

في حكم ما لو صلّى بعد كلّ واحدٍ من الوضوئين

الفرع الثالث: إذا توضّأ وضوئين، وصلّى بعد كلّ واحدٍ صلاة، ثمّ علم حدوث حَدَث بعد أحدهما، وجب عليه إعادة الصلاتين السابقتين وكذلك الوضوء للصلوات الآتية على المشهور.

وعن الجواهر(1): دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له: بالعلم الإجمالي بفساد إحدى الصلاتين، وهو يمنعُ من الرجوع إلى استصحابي الوضوء إلى تمام الصلاة، أو قاعدتي الفراغ في الصلاتين، فيجب الاحتياط بفعلهما معاً والوضوء.

وأورد عليه: بأنّ استصحاب بقاء الوضوء الأوّل لا يجري للقطع بارتفاعه، فيجري استصحاب الطهارة الحاصلة من الثاني بلا معارض، وبه تُحرز صحّة الصلاة الثانية.

وفيه أوّلاً: إنّ اليقين بارتفاع الوضوء الأوّل بعد العلم الإجمالي، لا يوجب اليقين بارتفاعه قبل الصلاة الاُولى، فبما أنّه يشكّ في ذلك، يجري الاستصحاب فيه إلى تمام الصلاة الاُولى، فيعارض مع الأصل الجاري في الثاني، فيتساقطان.

وثانياً: إنّه قد تقدّم في المسألة الاُولى، أنّه لو عَلم الأمران - أي الحَدَث والوضوء - وشكّ في المتأخّر منهما كما في المقام، لا يكون شيءٌ منهما مجرى للاستصحاب للمعارضة.

أقول: وبذلك يظهر أنّ الأقوى هو الحكم بصحّة الصلاة الاُولى، إذ بعد تعارض الاستصحاب الجاري في الوضوء الثاني، مع الاستصحاب الجاري في الحَدَث،

ص: 77


1- جواهر الكلام: ج 2/374، (ولو تيقّن أنّه أحدث عقيب طهارة منهما... الخ).

للعلم بتحقّقها والشكّ في المتقدّم والمتأخّر وتساقطهما، يرجع إلى استصحاب بقاء الوضوء الأوّل إلى تمام الصلاة الأُولى، حيث أنّه يشكّ في وقوع الحَدَث بينه وبين تلك الصلاة، ويترتّب عليه صحّة الصلاة الاُولى ، و أمّا الصلاة الثانية فتجب إعادتها.

***

حكم المسح على الحائل

الفرع الرابع: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، وشكّ في أنّه هل كان هناك مسوّغٌ لذلك أم لا، بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي، فهل يحكم بالصحّة أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بقاعدة الفراغ.

وأورد عليه: بعدم جريانها، لاختصاصها بالشكّ في صحّة الموظف وفساده، فارغاً عن كونه موظّفاً، فلا تعمّ صورة الشكّ في الصحّة، من جهة الشكّ في كونه موظّفاً.

ولعلّ الوجه في هذا الاختصاص، ما ذكرناه في محلّه من أنّه لا تجري القاعدة فيما كانت صورة العمل محفوظة، وكان الشكّ في المصادفة الواقعيّة، وتختصّ بما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة، لعدم الطريقيّة والأماريّة في الفرض.

وعليه، فلا وجه للجواب عنه بإطلاقات الأدلّة، إلّابناءً على أن يكون قوله عليه السلام: (هو حين ما يتوضّأ أذكر... الخ)، من قبيل الحِكمة لأصل التشريع، لا من قبيل العلَّة الذي هو خلاف التحقيق.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو لزوم الإعادة.

***

ص: 78

لو شكّ في الوضوء لاحتمال الإخلال العَمدي

الفرع الخامس: إذا شكّ في بطلان الوضوء، من جهة احتمال الإخلال العمدي، فهل يحكم بصحّته أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل: بقاعدة الفراغ.

ولكنّها غير قابلة للجريان في المقام، من جهة التعليل في نصوصها بالأذكريّة، الموجب لتقييد المطلقات، واختصاصها بصورة احتمال البطلان من جهة احتمال طرؤ الغفلة حال العمل، وعليه فالصحيح أن يستدلّ له بأصالة الصحّة.

وما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله(1): من أنّها لا تجري في المقام، وتختصّ بعمل الغير، للعلم بأنّه لم يجعل الشارع للشكّ في عمل نفسه قاعدتين.

غير تامّ : إذ لا وجه لهذه الدعوى ، سوى ما ذكره بعضٌ من أنّ وحدة المجعول تستدعي وحدة الجعل، ولا يُعقل تعدّده مع وحدته، وهو فاسدٌ، إذ ذلك يتمّ في الأحكام التأسيسيّة دون الحكم الإمضائي كما في المقام، إذ لا مانع من إمضاء ما عليه بناء العقلاء والسيرة بعدم الردع، وبقوله: (كلّ ما مَضى مِنْ صَلاَتك وطهورك... الخ).

وعليه، فما عن فخر المحقّقين(2) وكاشف الغطاء(3) من الحكم بالصحّة لأصالتها هو الأقوى .

***

ص: 79


1- فوائد الاُصول: ج 4/653 (المبحث السابع: في عدم جريان قاعدة الفراغ والتجاوز...).
2- إيضاح الفوائد: ج 1/42.
3- كشف الغطاء: ج 1/103.
حكم كثير الشكّ في الوضوء

الفرع السادس: صرّح غير واحدٍ من العلماء - كالحلّي في «السرائر»(1)، والشهيدين(2)، والمحقّق الثاني(3)، وصاحب «المدارك»(4) وغيرهم على ما حكي عنهم -(5): أنّه لا اعتبار بشكّ كثير الشكّ في الوضوء كما في الصلاة.

واستدلّ له: بما ورد في إلغاء شكّ كثير الشكّ في الصلاة، وأنّه من الشيطان:

منها: صحيح زرارة وأبي بصير الوارد في كثير الشكّ في الصلاة، فإنّ الإمام عليه السلام بعد أن أمر بالمُضيّ في الشكّ ، قال عليه السلام:

«لا تعوّدوا الخبيثَ من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيثٌ معتادٌ لما عُوّد، فليمضِ أحدكم في الوهم، ولا يكثرنَّ نقضَ الصلاة، فإنّه إذا فَعَل ذلك مرّاتٍ لم يعد إليه الشكّ .

ثم قال: إنّما يريدُ الخَبيث أن يُطاع، فإذا عُصي لم يَعُد إلى أحدكم»(6).

ومنها: صحيح ابن مسلم: «إذا كَثُر عليك السَّهو، فامض في صلاتك، فإنّه يوشكَ أن يَدَعك، إنّما هو من الشيطان»(7).

ص: 80


1- السرائر: ج 1/104، قوله: (ومن عرض له شكّ في أنّه ترك بعض أعضائه... إلى أن قال: إلّاأن يكثر ذلك منه ويتواتر فلا يلتفت اليه.. الخ).
2- الذكرى ص 98.
3- رسائل الكركي: ج 1/88، قوله: (ويسقط اعتبار الشكّ ببلوغ الكثرة)، جامع المقاصد: ج 1/237: (إذا لم يكثر شكّه، فإن كثُر عادةً لم تجب الإعادة للحرج).
4- مدارك الأحكام: ج 1/257، قوله: (وإنّما يعيد على المشكوك فيه وما بعده إذا لم يكثر شكّه، وهو غير بعيد).
5- حكاه عنهم السيّد الحكيم قدس سره في مستمسك العروة الوثقى: ج 2/520 مسألة 46.
6- الكافي: ج 3/358 ح 2، التهذيب: ج 1/188 ح 48، وسائل الشيعة: ج 8 ص 228 ح 10496.
7- الكافي: ج 3/359 ح 8، الفقيه: ج 1/339 ح 989، وسائل الشيعة: ج 8 ص 227 ح 10495.

ومنها: صحيح ابن سنان: «ذكرتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصّلاة، وقلت: هو رجلٌ عاقل، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: وأيُّ عقلٍ له وهو يطيع الشيطان ؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان ؟ فقال عليه السلام: سَلْهُ هذا الذي يأتيه من أيّ شيءٍ هو، فإنّه يقول لك من عمل الشيطان»(1).

وقريب منها غيرها.

وأورد على الاستدلال بها بعض الأعاظم(2): بأنّ مورد الجميع - عدا صحيح ابن سنان - هو الصلاة، والتعدّي منها إلى الوضوء غير ظاهر، لأنّ كونه من شرائط الصلاة غير كافٍ في ذلك، والتعليل يقتضي التعدّي لو اُحرز كون الشكّ من الشيطان، نعم في خصوص باب الصلاة دلَّت النصوص على أنّ كثرة الشكّ من الشيطان، ولكنّها لا تدلّ على كونها مطلقاً منه.

وفيه أوّلاً: أنّ صحيح ابن سنان مورده الوضوء والصلاة، وهو يدلّ على أنّ كثرة الشكّ في الوضوء أيضاً من الشيطان.

وثانياً: إنّ ما تضمّن كون كثرة الشكّ في الصلاة من الشيطان، ليس في مقام بيان حكم تعبّدي، كي يحتمل اختصاصه بمورده، بل في مقام بيان أمرٍ واقعي فلا يحتمل ذلك.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار شكّ كثير الشكّ ، سواءً أكان في الأجزاء أو في الشرائط أو الموانع.

***6.

ص: 81


1- الكافي: ج 1/12 ح 10، وسائل الشيعة: ج 1/63 ح 137.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 2/521، في استدلاله على المسألة 46.
المسألة الرابعة: في أحكام الجبائر
وجوب إيصال الماء تحت الجبيرة

المسألة الخامسة: في أحكام الجبائر.

الجبائر: جمع جبيرة، وهي في اللّغة: اللّوح الموضوع على الكسر.

وفي اصطلاح الفقهاء(1): ما يعمّ ما يوضع على القروح والجروح، لإتّحادهما في الحكم، ويشير إليه صحيح ابن الحجّاج الآتي.

أقول: محلّ الجبيرة الموضوعة:

تارةً : يكون في محلّ الغسل.

واُخرى: يكون في محلّ المسح.

وعلى كلا التقديرين: إمّا أن تكون الجبيرة على بعض العضو، أو تمامه، أو تمام الأعضاء.

وعلى التقادير إمّا يمكن غَسل المحلّ أو مسحه، أو لا يمكن.

ثمّ إنّه قد يكون الجرح أو نحوه مكشوفاً، وقد يكون مجبوراً.

وتحقيق القول في المقام يقتضي التكلّم في فروع:

الفرع الأوّل: إذا كان الجرح ونحوه في موضع الغَسل، وأمكن غَسل المحلّ بلا مشقّةٍ ، ولو بوضعه في الماء حتّى يصل إليه، وكان المحلّ والجبيرة طاهرين، أو أمكن تطهيرهما، وجب الغسل بلا خلاف.

ويشهد له أوّلاً: عموم ما دلَّ على لزوم الوضوء التامّ ، لعدم شمول دليل البدليّة للفرض.

ص: 82


1- مشارق الشموس: ج 1/149، حيث نسبه المحقّق الخوانساري إلى الفقهاء.

وثانياً: موثّق عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«في الرجل ينكسر ساعده، أو موضعٍ من مواضع الوضوء، فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذ أجبر، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام إذا أراد ان يتوضّأ فليضع إناء فيه ماء، ويضع موضع الجبر في الماء، حتّى يصل الماء إلى جلده»(1).

وثالثاً: صحيح الحلبي، عنه عليه السلام: «عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه، أو نحو ذلك من مواضع الوضوء، فيعصّبها بالخِرقة، ويتوضّأ ويمسح عليها إذا توضّأ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، وإنْ كان لا يؤذيه الماء، فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها»(2).

وقريب منهما غيرهما.

أقول: ثمّ إنّ المحكي عن «التذكرة»(3): إيجاب النزع والغَسل إنْ أمكن، وإلّا فإيصال الماء بالتكرير أو الغمس.

وعن «التحرير»(4) و «القواعد»(5) و «الإرشاد»(6) و «الذكرى»(7)و «الدروس»(8) و «جامع المقاصد»(9) و «كاشف اللّثام»(10) و «المعتبر»(11)1.

ص: 83


1- التهذيب: ج 1/426 ح 27، وسائل الشيعة: ج 1/465 ح 1233.
2- الكافي: ج 3/33 ح 3، التهذيب: ج 1/362 ح 25، وسائل الشيعة: ج 1/463 ح 1228.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/206، مسألة 59.
4- تحرير الأحكام: ج 1/82.
5- قواعد الأحكام: ج 1/205.
6- إرشاد الأذهان: ج 1/223.
7- الذكرى: ص 96.
8- الدروس: ج 1/94.
9- جامع المقاصد: ج 1/233.
10- كشف اللّثام: ج 1/576.
11- المعتبر: ج 1/161.

و «المنتهى»(1): التخيير بين النزع والغَسل، وبين تكرار الماء عليه وبين الغمس في الماء.

بل في «طهارة» الشيخ قدس سره(2): لا إشكال، ولا خلاف في التخيير بين الوجوه.

وعن «الحدائق»(3): دعوى الإجماع على التخيير بين الأوّلين.

وقد استدلّ للثاني: بصدق الامتثال، مع عدم الدليل على اشتراطه بشيء آخر.

وفيه: إنّ ذلك يتمّ بناءً على عدم اعتبار الجريان في مفهوم الغَسل أو اعتباره، وتحقّق الجريان بالتكرار أو الوضع في الماء، وحيثُ عرفت في مبحث المطهّرات(4)فساد الأوّل، فالتخيير يتوقّف على حصول الجريان بهما، وإلّا فالأظهر عدم التخيير وتعيّن النزع والغسل، كما لا يخفى .

واستدلّ للأوّل: بأنّ الغسل المستفاد من الأدلّة عرفاً ما كان خالياً عن الحائل، وبما يظهر من «الذخيرة»(5) من الإجماع على عدم الاكتفاء بالغَمس عند إمكان النزع، وبقوله عليه السلام في صحيح الحلبي المتقدّم: (وإنْ كان لا يؤذيه، فلينزع الخرقة ثم ليغسلها).

أقول: ولكن الأوّل ممنوعٌ ، والثاني مخالف لكلمات جملةٍ من الأصحاب، وأمّا الأمر بالنزع في صحيح الحلبي فلا بأس بالاستدلال به.

وأورد عليه تارةً : بأنّه يمكن أن يكون للإرشاد إلى التخلّص عن بلل الخرقة.

ويؤيّد هذا الاحتمال: أنّه من البعيد جدّاً أن يكون ذو الجبيرة أشدّ حكماً من غيره.).

ص: 84


1- منتهى المطلب: ج 2/128.
2- كتاب الطهارة: ج 2/359، المسألة الخامسة.
3- الحدائق الناضرة: ج 2/377، المسألة الحادية عشرة.
4- فقه الصادق: 1/365.
5- ذخيرة المعاد: ج 1/37، قوله: (... الغسل المستفاد من الأدلّة عرفاً ما كان خالياً عن الحائل... الخ).

واُخرى: بأنّ المراد به عدم الاجتزاء بالمسح على الخرقة، لا عدم الاجتزاء بالغَسل بغير النزع.

وثالثة: بأنّه معارضٌ بموثّق عمّار المتقدّم، الدالّ على الاجتزاء بالوضع في الماء.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الإيراد الأوّل: فلأنّ حمل الأمر الظاهر في نفسه في المولوية على الإرشاد خلاف الظاهر، لا يصار إليه مع عدم القرينة.

واستبعاد أشدّية حكم ذي الجبيرة من غيره وإنْ كان في محلّه، إلّاأنّه لا يقتضي صرف ظهور الأمر، بل لازمه ثبوت هذا الحكم في غيره أيضاً بالأولويّة.

وأمّا الثاني: فلأنّ التفصيل بين صورة ايذاء الماء وصورة عدمه، والحكم في الأُولى بالمسح على الخرقة، وفي الثانية بالنزع والغسل، وإنْ كان يشعر بذلك، إلّا أنّه لا يدلّ عليه، فحيثُ لا صارف عن ظهوره في ما ذكره، فلا وجه لحمله على إرادة عدم الاجتزاء بالمسح على الخرقة.

وأمّا الثالث: لأنّه من جهة كون الموثّق أعمّ من الصحيح يقيّد إطلاقه به، فالصحيح يدلّ على هذا القول، ويشهد له - مضافاً إليه - عدم حصول الجريان غالباً بالتكرار أو الوضع في الماء، فتأمّل.

فتحصّل: أنّ الأقوى ما اختاره المصنّف رحمه الله في محكي «التذكرة»(1) وهو تعيّن النزع والغسل إنْ أمكن، وإنْ لم يمكن ذلك وأمكن إيصال الماء إليه تعيّن ذلك، ولا ينتقل الفرض إلى المسح على الخرقة لموثّق عمّار المتقدّم.

***9.

ص: 85


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/206، مسألة 59.
إذا لم يمكن إيصال الماء تحت الجبيرة

الفرع الثاني: إذا لم يمكن إيصال الماء تحت الجبيرة، إمّا لضرر الماء، أو لعدم إمكان إيصاله في نفسه:

فتارةً : يمكن رفعها والمسح على البشرة.

واُخرى: لا يمكن ذلك.

أمّا الصورة الاُولى: فقد يتوهّم تعيّن المسح على البشرة فيها، بدعوى عدم شمول النصوص لهذه الصورة، واختصاصها بما إذا لم يمكن نزع الجبيرة، وعليه فمقتضى قاعدة الميسور تعيّن الإكتفاء بالمسح على البشرة.

وهو توهّم فاسد، إذ صحيح الحلبي المتقدّم مطلقٌ شامل للفرض.

ودعوى: ظهوره فيمن يؤذيه الماء ولو بنحو المسح.

مندفعة: بأنّ الظاهر منه من يؤذيه الماء بالغَسل الذي هو المأمور به، كما يشهد له ذيله: (وإنْ كان لا يؤذيه فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها).

ومنه يظهر أنّ خبر كُلَيب الأسدي الآتي أيضاً مطلق يشمل المقام، مع أنّ قاعدة الميسور غير تامّة سنداً ودلالةً كما تقدّم مراراً.

أقول: وممّا ذكرناه أوّلاً ظهر ضعف ما عن بعضٍ من وجوب المسح على كلٍّ من البشرة والجبيرة بدعوى عدم شمول نصوص الجبيرة للمقام، والعلم الإجمالي بوجوب مسح أحدهما.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم الفرق بين ما إذا أمكن رفع الجبيرة أو ما بحكمها والمسح على البشرة، وبين ما لم يمكن ذلك في الحكم، وهو غسل أطراف المجبور مع مراعاة الشرائط والمسح على الجبيرة أو ما بحكمها إنْ كانت طاهرة، أو أمكن

ص: 86

تطهيرها كما هو المشهور، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه(1)، وعن ظاهر الشهيدين(2) وجماعةٍ عدم تعيّن المسح حينئذٍ، فيجوز الغسل أيضاً، وعن جماعة منهم الشيخ الأعظم رحمه الله(3) احتمال الاكتفاء بمجرّد إيصال البلل، وإنْ لم يكن غَسلاً ولا مسحاً، وعن «نهاية الاحكام»(4) و «كشف اللّثام»(5) و «شرح المفاتيح»(6) تعيّن غسل الجبيرة.

وتشهد للأوّل: جملة من النصوص، كصحيح الحلبي المتقدّم، وخبر كُلَيب الأسدي المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرجل إذا كان كسيراً كيف يصنع بالصلاة ؟ قال عليه السلام: إنْ كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلِّ »(7).

وخبر ابن عيسى، عن الوشا، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:

«سألته عن الدواء يكون على يد الرجل، أيجزيه أن يمسح في الوضوء على الدواء المطلي عليه ؟ قال عليه السلام: نعم يجزيه أن يمسح عليه»(8).

ونحوها غيرها.

وأورد على الاستدلال بها: بأنّه تعارضها طوائف من النصوص:

منها: ما دلَّ على عدم وجوب المسح عليها أيضاً، كصحيح ابن الحجّاج، عن5.

ص: 87


1- وهو ظاهر الحدائق الناضرة: ج 2/377، قوله: (وظاهرهم التخيّر في ذلك مع الإمكان).
2- ذكرى الشيعة: ج 2/196، المسألة الثانية: في الجبائر.
3- كتاب الطهارة: ج 2/359-360، المسألة الخامسة.
4- نهاية الأحكام: ج 1/64.
5- كشف اللّثام: ج 1/576.
6- حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 2/529 وما بعدها عن شرح المفاتيح.
7- التهذيب: ج 1/363 ح 30، وسائل الشيعة: ج 1/465 ح 1234.
8- التهذيب: ج 1/364 ح 35، وسائل الشيعة: ج 1/455 ح 1203 و ص 465 ح 1235.

أبي الحسن عليه السلام، قال:

«سألته عن الكسير تكون به الجبائر، أو تكون به الجراحة، كيف يصنع بالوضوء؟ وعند غُسل الجنابة وغُسل الجمعة ؟

قال عليه السلام: يغسل ما وصل إليه الغَسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر، ويدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غَسله، ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته»(1).

ومنها: ما تضمّن الأمر بغَسل ما حول الجبيرة، كمصحّح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه ؟ قال عليه السلام: يغسل ما حوله»(2).

ونحوه ما في ذيل صحيح الحلبي المتقدّم.

ومنها: النصوص الآمرة بالتيمّم، كصحيح البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام:

«في رجل تُصيبه الجنابة، وبه قروحٌ أو جروح، أو يكون يخاف على نفسه البرد؟ فقال: لا يغتسل ويتيمّم»(3). ونحوه غيره.

أمّا الطائفة الاُولى : فإنّها ساكتة عن حكم الجبيرة من حيث المسح، وإنّما تدلّ على عدم وجوب غَسل البشرة.

ومنه يظهر ضعف ما عن الأردبيلي(4) و «المدارك»(5) و «الذخيرة»(6) من حمل تلك النصوص على الاستحباب، جمعاً بينها وبين هذه الطائفة.

وأمّا الطائفة الثانية: فموردها الجرح المكشوف، فمفادها أجنبيّ عن المقام.).

ص: 88


1- الكافي: ج 3/32 ح 1، التهذيب: ج 1/362 ح 24 و 28، وسائل الشيعة: ج 1/463 ح 1227.
2- الكافي: ج 3/32 ح 2، التهذيب: ج 363/1 ح 26، وسائل الشيعة: ج 1/464 ح 1229 و: ج 3/438 ح 4097.
3- الكافي: ج 3/68 ح 1، التهذيب: ج 1/185 ح 5، وسائل الشيعة: ج 3/348 ح 3831.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/112، قوله: (فالاستحباب غير بعيد للجمع).
5- مدارك الأحكام: ج 1/238.
6- ذخيرة المعاد: ج 1/37 (والجمع بحمل هذا على الاستحباب متّجه).

ومنه يظهر ضعف ما عن «الحدائق» من التخيير بين المسح على الجبيرة، والاكتفاء بغسل ما حولها.

وأمّا الطائفة الثالثة: فقد ذكروا في مقام الجمع بين نصوص المقام وهذه الطائفة من النصوص وجوهاً:

منها: حمل نصوص الجبيرة على الجُرح الواحد، وحملها على المتعدّد.

ومنها: ما استقربه الشيخ الأعظم رحمه الله(1) مِنْ حمل نصوص التيمّم على صورة التضرّر بغَسل الصحيح، ونصوص الجبيرة على غيرها.

ومنها: غير ذلك، فلو تمّ شيءٌ منها فهو، وإلّا فيتعيّن طرح نصوص التيمّم، كمالا يخفى وجهه.

واستدلّ لما نُسب إلى الشهيدين(2): بأنّ الأمر بالمسح في نصوص الباب لوروده مورد توهّم الحظر، لا يدلّ إلّاعلى الجواز في الاجتزاء بالمسح عن الغَسل، بمقتضى بدليّة الجبيرة عن البشرة.

وفيه: إنّ النصوص الآمرة بالمسح على الجبيرة، في مقابل غَسل البشرة، إنّما تدلّ على عدم وجوبه، وبدليّة المسح عليها عن غَسل البشرة لا عن غسل الجبيرة.

واستدلّ للقول الثالث: بأنّ الظاهر من النصوص إرادة انتقال حكم المحلّ إلى الحال، وكفاية إيصال الماء إلى الجبيرة بدلاً من محلّها، وأنّ التعبير بالمسح إنّما هو لبيان كفاية إيصال البلّة إليها، وعدم وجوب إجراء الماء عليها.

وفيه: إنّ بدليّة الجبيرة عن البشرة ليست من المرتكزات العرفيّة، بل من).

ص: 89


1- كتاب الطهارة: ج 2/378.
2- ذكرى الشيعة: ج 2/198، قوله: (فلا تنافي أخبار المسح عليها بحمل قوله (ويدع ما سوى ذلك) على أنّه يدع غسله، ولا يلزم منه ترك مسحه فيحمل المطلق على المقيّد).

الاُمور التعبّدية، وعليه فيتعيّن الإقتصار على ما هو ظاهر النصوص، وليس هو إلّا تعيّن المسح عليها وبدليّته عن غَسل البشرة، وبدليّة غيره عنه تحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

أقول: وبذلك يظهر ضعف ما استدلّ به للقول الرابع، من أنّ ظاهر النصوص بدليّة الجبيرة عن البشرة، فكما يجب غَسل البشرة يجب غَسل الجبيرة.

فتحصّل: أنّ الأقوى تعيّن المسح عليها.

بحثٌ : هل تلحق بصورتي ضرر الماء وعدم إمكان إيصاله تحت الجبيرة، صورة النجاسة، وعدم إمكان التطهير - كما هو المشهور، بل عن «المدارك»(1)دعوى نفي الخلاف فيه - أم لا؟

أم يفصّل بين صورة تضاعف النجاسة فالأوّل، وصورة عدمه فالثاني - كما احتمله في كشف اللّثام -؟(2)، وجوه:

استدلّ للأوّل: بقاعدة الميسور، وباعتبار طهارة محلّ الوضوء.

ولكن قد عرفت مراراً عدم تماميّة القاعدة سنداً ودلالةً .

والثاني لا يقتضي صحّة وضوء الجبيرة، إذ تعذّر الشرط يستدعي سقوط التكليف بالمشروط.

أقول: لا شكّ في شمول نصوص الباب لما إذا تضرّر من رفع النجاسة، وأمّا إذا لم يتضرّر، ولكن لم يمكن رفعها من جهة دوام نبع الدم، فجملةٍ من نصوص الباب وإنْ لم تشمله، ولكن دعوى استفادة ثبوت الحكم له من إطلاق مصحّح ابن سنان7.

ص: 90


1- مدارك الأحكام: ج 1/237.
2- كشف اللّثام: ج 1/577.

- المتقدّم: «عن الجرح كيف يصنع به صاحبه ؟ قال عليه السلام: يغسل ما حوله»(1) - قريبة، فإنّ مورده وإنْ كان هو الجرح المكشوف على ما عرفت، إلّاأنّه إذا ثبت الحكم في ذلك المورد، يثبت في المجبور لعدم القول بالفصل.

ودعوى: إجمال الجهة المسؤول عنها، وهو مانعٌ من صحّة الاستدلال على ما نحن فيه.

مندفعة: بإطلاق الجواب وعدم الاستفصال.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الإلحاق.

أقول: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصّ والفتوى ، عدم الفرق في هذا الحكم بين ما لو كانت الجبيرة على بعض العضو، وبين ما لو كانت على تمامه.

أمّا إذا كانت على تمام الأعضاء، فظاهر كلمات جماعةٍ وصريح آخرين(2) منهم المصنّف رحمه الله(3): إجراء الحكم المذكور.

واستدلّ له: بإلغاء خصوصيّة المورد عرفاً، وبالعلم بالمساواة، وهما ممنوعان.

أقول: ولكن يمكن الاستدلال له: بإطلاق ما رواه العيّاشي في محكي تفسيره، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«سألتُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله: عن الجبائر تكون على الكسير، كيف يتوضّأ صاحبه، وكيف يغتسل إذا أجنب ؟

قال: يجزيه المسح عليها في الجنابة والوضوء، الحديث»(4).

***2.

ص: 91


1- الكافي: ج 3/32 ح 2، التهذيب: ج 1/363 ح 26، وسائل الشيعة: ج 1/464 ح 1229.
2- كالشهيد الثاني في الروضة: ص 29 (ط. ق).
3- وهو ظاهر نهاية الأحكام: ج 1/65.
4- وسائل الشيعة: ج 1/466 ح 1237، تفسير العيّاشي: ج 1/236 ح 102.
هل الجرح المكشوف يلحق بالجبيرة أم لا

الفرع الثالث: إذا كان الجرح مكشوفاً، ففي «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(1) أنّ المعروف الاكتفاء بغَسل ما حوله مع تعذّر المسح عليه.

ويشهد له: مصحّح ابن سنان المتقدّم، وما في ذيل صحيح الحلبي المتقدّم:

«سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله ؟ قال عليه السلام: اغسل ما حوله».

وعن جماعةٍ (2): وجوب وضع خرقةٍ طاهرة عليه، والمسح عليها.

واستدلّ له: بأنّه لو شدَّ الجرح بخرقة، يندرج في موضوع الأخبار الآمرة بالمسح على الجبيرة.

وبأنّ الخبرين غير متعرّضين لهذه الجهة، بل هما في مقام بيان نفي غَسل الجرح نفسه.

وعليه، فيجب وضع الجبيرة، والمسح عليها، لأصالة الاحتياط، بناءً على كون المقام من قبيل الشكّ في المحصّل.

أقول: وفيهما نظر:

أمّاالأوّل: فلأنّ الظاهر من النصوص أنّ موضوعهاالجبيرة الموضوعة لامطلقها.

وأمّا الثاني: فلما عرفت في أوائل الوضوء، من أنّ المرجع فيما شكّ في اعتباره في الوضوء هو أصالة البراءة، مع أنّ الخبرين لورودهما في مقام بيان الوظيفة الفعليّة

ص: 92


1- كتاب الطهارة: ج 2/374.
2- وهو اختيار العلّامة في منتهى المطلب: ج 1/136 (ط. ق) وج 3/33 (ط. ج)، ونهاية الأحكام: ج 1/197، الباب الثالث: في التيمّم، السادس: (لو كان الجرح يتمكّن من شدّه.. الخ)، وحكاه عنه في كشف اللّثام: ج 504/2.

مطلقين من هذه الجهة أيضاً، فالأقوى الاكتفاء بغسل ما حوله.

هذا فيما إذا تعذّر المسح عليه.

وإنْ لم يكن المسح عليه متعذّراً:

فعن «التذكرة»(1) و «الدروس»(2) و «المعتبر»(3) و «النهاية»(4) وغيرها(5):

وجوب مسحه.

وعن «جامع المقاصد»(6): نسبة عدم الوجوب إلى نصّ الأصحاب.

ويشهد له: صحيح الحلبي، ومصحّح ابن سنان المتقدّمان.

واستدلّللأوّل: بأنّه أحدالواجبين، وبتضمّن الغَسل إيّاه، فلايسقط بتعذّرأصله.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ وجوب المسح في موضعٍ ، لايقتضي وجوب المسح في موضعٍ آخر الذي هو موضع الغَسل.

وأمّا الثاني: فلأنّ النسبة بين الغَسل والمسح خارجاً هي العموم من وجه، ومفهوماً هي التباين، فلا يكون الغَسل متضمّناً للمسح.ك.

ص: 93


1- تذكرة الفقهاء: ج 2/220، قوله: (وعن أحمد يمسح الجرح ويغسل ما فوقه، وهو جيّد إنْ أمِنَ الضررمع المسح).
2- الدروس: ج 1/94.
3- المعتبر: ج 1/162.
4- نهاية الأحكام: ج 1/66، قوله: (وإذا لم يكن على الجراح لصوق، وظاهر المحل طاهر، وجبَ مسحه إذا لم يتضرّر)، وإذا كان المقصود نهاية الشيخ الطوسي فهو غير صريح في ذلك، وإن كان يمكن استظهار ذلك من عبارته، راجع ص 16.
5- كالشيخ البهائي العاملي في الحبل المتين: ص 26 (ط. ق) حيث ألحق الجروح والقروح بالكسر في حكم الجبيرة واعتبر أنّ المسح عليها هو المعروف بين فقهائنا رضوان اللّه عليهم.
6- جامع المقاصد: ج 1/515،... إلّاأنّ عبارات الأصحاب تأبى عن ذلك.

مع أنّه على فرض تسليم تضمّنه إيّاه، لا دليل على وجوبه عند تعذّره إلّا قاعدة الميسور التي قد عرفت مراراً عدم تماميّتها سنداً ودلالةً .

ودعوى: وجوب المسح لأصالة الاحتياط بناءً على عدم تعرّض الخبرين لهذه الجهة قد عرفت ما فيها آنفاً.

فتحصّل: أنّ الأظهر الاكتفاء بغسل ما حوله مطلقاً.

***

ص: 94

الجبيرة في موضع المسح

إذا كان الجرح أو نحوه على موضع المسح، فهنا صورتان:

الصورة الاُولى: إنْ كان مجبوراً ولم يمكن رفع الجبيرة:

تارةً : لا يمكن تكرار الماء إلى أن يصل المحل فحينئذٍ لا خلاف في تعيّن المسح عليها.

ويشهد له: خبر عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عثرتُ فانقطع ظُفري، فجعلت على إصبعي مرارة، كيف أصنع بالوضوء؟

قال عليه السلام: يُعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عزّ وجلّ ، قال اللّه تعالى: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1) امسح عليه»(2).

واُخرى: وإذا أمكن إيصال الماء إلى المحل:

فهل يتعيّن ذلك، أو المسح على الجبيرة، أو ينتقل الفرض إلى التيمّم ؟ وجوه:

لا سبيل إلى الالتزام بالأخير، إذ لا يحتمل أن تكون الجبيرة في الفرض موجبة لوجوب التيمّم، وفيما إذا لم يمكن إيصال الماء من ورائها موجبة للوضوء والمسح عليها.

وعليه، فإن تمّ دعوى عدم الفصل بين الصورتين في الحكم، يتعيّن القول الثاني لخبر عبد الأعلى المتقدّم، وإلّا فلابدَّ من الاحتياط بالجمع بين المسح على الجبيرة وإيصال الماء إلى البشرة، إذ قاعدة الميسور التي استدلّوا بها لتعيّن إيصال الماء غير تامّة، كما عرفت مراراً.

ص: 95


1- سورة الحج: الآية 78.
2- الكافي: ج 3/33 ح 4، التهذيب: ج 1/363 ح 27، وسائل الشيعة: ج 1/464 ح 1231.

الصورة الثانية: إنْ كان مكشوفاً ولم يمكن المسح عليه:

فهل ينتقل الفرض إلى التيمّم، أم يجب وضع خرقةٍ طاهرةٍ والمسح عليها بنداوة ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل: بخبر عبد الأعلى المتقدّم، وبقاعدة الميسور، وبالإجماع.

ولكن الخبر مختصٌّ بالجبيرة الموضوعة، ولا يدلّ على لزوم وضعها.

أمّا القاعدة فهي غير تامّة، كما أنّ الإجماع ممنوع لوجود الخلاف.

وعليه، فالأقوى هو انتقال الفرض إلى التيمّم، وعدم الاجتزاء بالوضوء في المقام.

هذا كلّه فيما لم يمكن المسح على البشرة، وكانت الجبيرة في موضع المسح بتمامه، وإلّا فلو أمكن المسح عليها، أو كانت بمقدار المسح بلا جبيرة، يجب المسح على البشرة، لإطلاق ما دلَّ على وجوب ذلك، وخبر عبد الأعلى - بقرينة التمسّك فيه بآية نفي الحرج(1) - يختصّ بغير الفرضين.

***8.

ص: 96


1- سورة الحج: الآية 78.
وضوء الجبيرة رافع للحَدَث

تنبيهاتٌ : الأوّل: الوضوء مع الجبيرة رافعٌ للحدث لا مبيح، بمعنى أنّه بعد زوال العُذر لا يجب الاستئناف للغايات التي يريد إيجادها بعده، كما عن «المختلف»(1)وكتب الشهيد(2) و «جامع المقاصد»(3) وغيرها(4)، لأنّ مقتضى إطلاق نصوص الجبيرة أنّ وضوء الجبيرة فردٌ من طبيعة الوضوء الذي تتوقّف عليه جميع الغايات.

وأمّا استصحاب الصحّة، وما دلَّ على أنّ الوضوء لا يُنتقض إلّابالحدث، وليس زوال العذر منه، وقوله عليه السلام: «لكلّ إمرءٍ ما نَوى »(5). التي استدلّوا بها لهذا القول، فقد عرفت في مبحث التقيَّة(6) فسادها، فلا نعيد.

وعن «المبسوط»(7) وظاهر «المعتبر»(8) و «الإيضاح»(9): كونه مبيحاً.

واستدلّ له(10) أوّلاً: بقصور النصوص عن إثبات الرافعيّة.

ص: 97


1- مختلف الشيعة: ج 1/303، قوله: (ويستبيح بذلك جميع الصلوات ما لم يحدث).
2- البيان: ص 12، قوله: (ولو زال العذر لم تبطل الطهارة في الأصحّ )، الذكرى : ص 83.
3- جامع المقاصد: ج 1/222.
4- وهو مختار السيّد اليزدي في العروة الوثقى: ج 1/478 مسألة 619.
5- التهذيب: ج 4/186 ح 2، وسائل الشيعة: ج 1/48، ح 89 و ج 10/13 ح 12713 و ج 15/55 ح 19978.
6- فقه الصادق: ج 1/445.
7- المبسوط: ج 1/23، قوله: (فإذا فعل ذلك جاز أن يستبيح به جميع الصلوات ما لم يحدث أو يزول العذر، فإذا زال استأنف الوضوء).
8- المعتبر: ج 1/409، وما يمكن استظهاره منه قوله: (وأمّا الإعادة فمنفيّة بالأصل وبأنّه أدّى وظيفته وقته على الوجه المشروع، فكان مجزياً). فإنّ في ذلك إشارة على أنّه يستأنف وضوءاً جديداً للصلوات الآتية، فلا يكون وضوء الجبيرة رافعاً للحَدَث.
9- إيضاح الفوائد: ج 1/42، ولكن لم يظهر من قوله التصريح بالاستباحة دون الرافعيّة، فإنّه تردّد في المسألة ولم يبعد استفادة القول بالرافعيّة، فإنّه قال بعد ذكر حكم الجبيرة: (وفي الاستئناف مع الزوال إشكال).
10- حكاه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 2/553.

وثانياً: بأنّ الجمع العرفي بين دليل وجوب التامّ ، وبين دليل وجوب الناقص عند العجز عن التامّ ، يقتضي بدليّة الناقص في ظرف سقوط التامّ من جهة العجز، فيكون ملاك التامّ ثابتاً في حال العجز، كثبوته في حال الاختيار، غاية الأمر أنّه يعذر المكلّف في تركه للعجز، ومقتضى ذلك عدم رافعيّة الناقص، وإلّا لم يتعيّن التامّ للرافعيّة، مع أنّه خلاف إطلاق الأدلّة الأوّليّة.

وعليه، فلابدَّ من الالتزام إمّا بكون الناقص مبيحاً، أو أنّ له رافعيّة ناقصة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى إطلاق دليل وضوء الجبيرة، الاكتفاء به حتّى بعد ارتفاع الاضطرار.

وأمّا الثاني: فلأنّه بعد دلالة الدليل على أنّ الوضوء الناقص في حال العجز كالوضوء التامّ في حال الاختيار فردٌ من طبيعة الوضوء، الذي لابدَّ وأن يكون عليه المكلّف عند الدخول في الغايات، كما هو مقتضى إطلاقه، لا محيص إلّاعن الالتزام بأنّ مقتضى الجمع بينه وبين دليل التامّ ، أنّ الرافع في حال الاختيار هو التامّ ، وفي حال العجز عنه هو الناقص، فتدبّر.

ودعوى: ثبوت ملاك التامّ في حال العجز.

مندفعة: بأنّه بعد سقوط التكليف عنه للعجز، والأمر بالناقص، لا كاشف عن وجوده.

وأيضاً دعوى: أنّ عدم تعيّن التامّ للرافعيّة مخالفٌ لإطلاق الأدلّة.

مندفعة: بأنّه وإنْ كان مخالفاً له، ولكن نلتزم به من جهة ورود دليل الناقص الذي هو المقيّد لإطلاق تلك الأدلّة.

***

ص: 98

حكم الشاكّ في البُرء

التنبيه الثاني: ما لم يتيقّن البُرء، يجري حكم الجبيرة، وإنْ احتمل البُرء للاستصحاب، وهل تجب الإعادة إذا تبيّن البرء سابقاً أم لا؟ وجهان:

قد استدلّ للثاني أوّلاً: بظاهر خبر كُليب المتقدّم، الذي أُخذ فيه الخوف المساوق للاحتمال وجوداً موضوعاً لأحكام الجبائر واقعاً.

وثانياً: باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء.

وثالثاً: بأنّ الخوف بما أنّه طريق إلى ثبوت الضرر، فبحصوله تكون الحجّة قائمة على الحرمة، وهي مانعة عن إمكان التقرّب، لقبح التجرّي، فهو غير متمكّن من الوضوء التامّ حينئذٍ، فيكون مكلّفاً بالناقص.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى الجمع بين خبر كُليب، وبين سائر النصوص التي أُخذ فيها الضرر الواقعي موضوعاً لتلك الأحكام، أنّ موضوع الحكم هو الضرر الواقعي، وثبوته مع الخوف من باب الحكم الشرعي الظاهري، لا أنّه موضوع للحكم الواقعي.

ويشهد له: - مضافاً إلى أنّه جمعٌ عرفيّ - تطبيق الآية الشريفة: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (1) التي أُخذ موضوع المنع فيها الضرر الواقعي في الخبر المرويّ عن تفسير العيّاشي على الخوف على نفسه.

وأمّا الثاني: فلما حقّقناه في محلّه من أنّ الأمر الظاهري غير مقتضٍ للإجزاء.

وأمّا الثالث: فلأنّ تمام الموضوع لصحّة وضوء الجبيرة، ليس هو عدم التمكّن

ص: 99


1- سورة النساء: الآية 29.

من التامّ ولو من جهة عدم التمكّن من قصد القربة.

فتحصّل: أنّ الأقوى لزوم الإعادة.

أقول: وممّا ذكرناه ظهر:

1 - أنّه لو اعتقد الضرر في غَسل البشرة، فعمل بالجبيرة، ثمّ تبيّن عدم الضرر في الواقع لا يصحّ وضوؤه.

2 - ولو اعتقد عدم الضرر، فغسل العضو، ثمّ تبيّن أنّه كان مضرّاً، وكان وظيفته الجبيرة، لم يصحّ وضوؤه، لما عرفت آنفاً من أنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة عدم ثبوت ملاك الوضوء التامّ فيما كان مكلّفاً بالناقص، كما في المقام.

3 - ولو اعتقد الضرر، ومع ذلك ترك الجبيرة، ثمّ تبيّن عدم الضرر، فهل يصحّ وضوؤه إذا تحقّق منه قصد القُربة أم لا؟ وجهان:

استدلّ للثاني: بأنّ الإقدام على ما يعتقد ضرره: إمّا حرامٌ إذا كان موضوع الحرمة ما يعتقد ضرره، أو تجرؤ إذا كان موضوعها نفس الضرر الواقعي، وهما منافيان للتقرّب المعتبر في صحّة العبادة.

وفيه: - مضافاً إلى ما حقّقناه في محلّه من عدم حرمة الإضرار بالنفس، إذا لم يبلغ إلى إلقائها في التهلكة، ولم يكن ممّا عُلم مبغوضيّته في الشريعة كقطع الأعضاء - إنّ موضوع الحرمة هو نفس الضرر الواقعي، والتجرؤ وإنْ كان قبيحاً، لكن قبحه لا يسري إلى الفعل، بحيث ينافي التقرّب المعتبر في صحّة العبادة.

مع أنّه يمكن أن يكون المكلّف جاهلاً معذوراً بوجوب وضوء الجبيرة للمتضرّر.

***

ص: 100

عدم إحراز كون الوظيفة الوضوء أو التيمّم

التنبيه الثالث: لو شكّ في أنّ وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمّم ؟

1 - فإنْ كانت حالته السابقة معلومة يؤخذ بها، سواءً أكانت الطهارة من العناوين المنطبقة على الوضوء كما هو الحق، أو كانت هي الأثر الحاصل منه.

أمّا على الأوّل: فجريان الاستصحاب واضح.

وأمّا على الثاني: فقد يتوهّم كونه استصحاباً تعليقيّاً، فيجري فيه ما يجري في الاستصحاب التعليقي من الإشكال.

ولكن يرد عليه: أنّه بما أنّ بيان الوضوء المحصّل للطهارة من وظائف المولى، فتجري فيه الاُصول، ولأجل ذلك بنينا على أنّه لو شكّ في اعتبار شيء فيه تجري فيه البراءة لا الاشتغال، فتدبّر.

2 - وإنْ لم تكن حالته السابقة معلومة:

فإمّا أنْ تكون الشبهة حكميّة، أو تكون موضوعيّة.

فعلى الأوّل: الفرض هو التيمّم، لعموم ما دلَّ على انتقال الفرض إلى التيمّم عند العجز عن الوضوء.

والدليل: استدلّ لوجوب الوضوء الناقص في الفرض:

أوّلاً: بقاعدة الميسور التي يعوَّل عليها في الأبواب الفقهيّة المستفادة من المراسيل(1) المعروفة.

وثانياً: بعموم قوله عليه السلام في خبر عبد الأعلى المتقدّم: «يُعرف هذا وأشباهه من

ص: 101


1- كرواية عوالي اللآلي: ج 4/58 ح 205، قال النبيّ صلى الله عليه و آله: «لا يترك الميسور بالمعسور».

كتاب اللّه ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... الخ»(1).

وثالثاً: وبفهمه من النصّ الوارد في الجرح المكشوف، بإلغاء خصوصيّة المورد، ولذا ترى تعدّي الفقهاء عنه إلى الكسر والقرح.

ورابعاً: بالاستصحاب.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا القاعدة: فلضعف مستندها، وعدم ظهورها في إرادة عدم سقوطالميسور من الأجزاء بالمعسور منها، بل ظاهرها عدم سقوطالميسور من الأفراد بالمعسور منها.

وأمّا خبر عبد الأعلى: فقد عرفت أنّ التمسّك فيه بالآية الشريفة إنّما يكون لنفي وجوب المسح على البشرة، لا لوجوب المسح على المرارة، لأنّ الآية الشريفة نافية لا مثبتة، وبذلك يظهر عدم صحّة الاستدلال لهذا القول:

1 - بما ورد في المُغمى عليه من قوله عليه السلام: «ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر»(2).

2 - وما ورد في المسلوس الآتي: «إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر»(3).

3 - وبحديث نفي الضرر.

فإنّ هذه الأدلّة نافية للتكليف ولا تصلح لإثباته.

وأمّا التعدّي: عن الجرح إلى غيره من العلل المانعة عن وصول الماء إلى البشرة، فهو يحتاج إلى دليل، لكنّه مفقود، والتعدّي إلى الكسر والقرح إنّما يكون للإجماع لا لإلغاء خصوصيّة المورد.1.

ص: 102


1- الكافي: ج 3/33 ح 4، التهذيب: ج 1/363 ح 27، وسائل الشيعة: ج 1/464 ح 1231.
2- الكافي: ج 3/412 ح 1 و 7، الفقيه: ج 1/363 ح 1042 و ح 1044، التهذيب: ج 3/302 ح 1 و 3 / وسائل الشيعة: ج 4/80 ح 4563 و ص 373 ح 5428-5430.
3- الكافي: ج 3/20 ح 5، وسائل الشيعة: ج 1/297 ح 781.

وأمّا الاستصحاب: فلا يخلو المراد منه:

1 - إمّا يُراد به استصحاب التكليف الجامع بين الضمني والاستقلالي الثابت للأجزاء غير الجزء المتعذّر قبل التعذّر.

فيرد عليه: أنّه من القسم الثالث من استصحاب الكلّي، ولا نقول به.

2 - أو يُراد منه استصحاب التكليف الاستقلالي الثابت للمركّب قبل التعذّر، إذا لم يكن المتعذّر من الأجزاء المقوِّمة، بأن يُقال إنّ المركّب الفاقد للجزء المتعذّر الذي هو متّحدٌ مع الواجد له عرفاً، كان مأموراً به قبل التعذّر، فيستصحب بقاؤه، أو استصحاب التكليف الضمني المتعلّق بكلّ واحد من الأجزاء قبل التعذّر، بدعوى أنّه بتعلّق التكليف بالمركّب ينبسط الأمر على الأجزاء بالأسر، فبعد ارتفاع تعلّقه، وانبساطه عن الجزء المتعذّر، يشكّ في ارتفاع انبساطه على سائر الأجزاء فيستصحب.

فيرد عليه: ما حقّقناه في محلّه، من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام، إذا كان الشكّ فيها من جهة الجهل بكيفيّة الجعل، لكونه محكوماً لاستصحاب عدم الجعل.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم وجوب الوضوء الجبيري في هذه الصورة، وأنّه ينتقل الفرض إلى التيمّم، لعموم دليل بدليّته عن الوضوء.

وأمّا إذا كانت الشبهة موضوعيّة: فبناءً على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، يتعيّن الرجوع إلى عموم بدليّة التيمّم.

وأمّا بناءً على عدم جوازه، كما هو الحقّ ، فاللّازم هو الجمع بين الوضوء الجبيري والتيمّم للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.

***

ص: 103

حكم دائم الحَدَث

المسألة الخامسة: في المبطون والمسلوس:
اشارة

فالكلام يقع في مقامين:

حكم المبطون

المقام الأوّل: في المبطون:

وهو إمّا أن يكون له فترة تسع الصلاة والطهارة، أمّا لا: وعلى الثاني: إمّا أن يكون خروج الحَدَث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاثة مثلاً، أو هو متّصل.

ففي الصورة الاُولى : يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة، كما لعلّه المشهور، وإنْ احتمل بعضهم عدم لزومه، وجريان النزاع في هذه الصورة أيضاً.

وفي «الجواهر»(1): (لكن ينافيه التأمّل في مطاوي كلماتهم بل تصريح بعضهم).

وكيف كان، فيشهد للمشهور أنّ ذلك ما تقتضيه القواعد الأوّليّة، كما لا يخفى.

وعن المحقّق الأردبيلي رحمه الله(2): العدم.

واستدلّ له: بإطلاق النصوص الآتي بعضها، وبأنّه في غير تلك الفترة مكلّف بالصلاة، فيجب عليه الإتيان بالناقصة لا التامّة، لعدم القدرة عليها.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر من النصوص، إرادة بيان حكم من لم يتمكّن من الصلاة، من غير تخلّل الحَدَث بينها، ولا تشمل الفرض.

وأمّا الثاني: - فمضافاً إلى النقض بما إذا لم يقدر في أوّل الوقت على الصلاة مع

ص: 104


1- جواهر الكلام: ج 2/325.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/112، قوله: (مع إمكان جواز الصلاة في أوّل الوقت لعموم أدلّة الوقات والصلاة.. الخ).

الطهارة، وتمكّن منها في آخره، فإنّ مقتضى هذا البرهان جواز الإتيان بها بلا طهارة في أوّل الوقت - أنّه في الفرض لا يكون التكليف بالصلاة فعليّاً في غير تلك الفترة.

وفي الصورة الثانية: المشهور بين الأصحاب على ما نُسب إليهم أنّه يتوضّأ، ويشتغل بالصلاة، ويضع الماء على جنبه، فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة، وبنى على صلاته.

وعن المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(1): عدم وجوب التجديد.

ويشهد للأوّل: موثّق محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي»(2).

وفي صحيحه عنه عليه السلام أيضاً: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته»(3).

والمناقشة فيهما: باحتمال إرادة الإتيان بالصلاة الباقية، من قوله: (ثمّ يرجع في صلاته)، والاعتداد بصلاته من قوله: (ويبني على صلاته).

في غير محلّها: لأنّ ما ذكر خلاف الظاهر.

واستدلّ للثاني: بأنّه لا فائدة في التجديد، لأنّ هذا المتكرّر إنْ نقض الطهارة، نَقَضَ الصلاة، لما دلَّ على اشتراط الصلاة باستمرارها.

وفيه: - مضافاً إلى أنّه لا وجه للاعتماد على هذه الوجوه في مقابل النصّ - أنّه لا مانع من التفكيك بين قاطعيّة الحَدَث، واشتراط الطهارة في أفعال الصلاة، والالتزام بعدم قاطعيّته في مورد مع بقاء شرطيّتها لو ساعد الدليل كما في المقام.8.

ص: 105


1- مختلف الشيعة: ج 1/311، قوله: (والوجه عندي أنّ عذره إنْ كان دائماً لا ينقطع، فإنّه يبني على صلاته من غير أن يجدّد وضوء..)، وقريب منه ما في التذكرة: ج 1/206.
2- التهذيب: ج 1/350 ح 28، وسائل الشيعة: ج 1/298 ح 783.
3- الفقيه: ج 1/363 ح 1043، عوالي اللآلي: ج 3/26 ح 68.

وهل يجب عليه إزالة الخبث عند تجديد الطهارة أم لا؟ وجهان:

أقواهما الثاني لإطلاق الخبرين المتقدّمين الآمرين بالوضوء، والبناء على ما مضى .

ودعوى: عدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة.

مندفعة: بأنّهما في مقام بيان الوظيفة الفعليّة.

ولو سُلّم إهمالهما من هذه الجهة، فيقع التعارض بين إطلاق أدلّة اعتبار الطهارة الخَبَثيّة في الصلاة، وإطلاق أدلّة إبطال الفعل الكثير، ويتساقطان فيرجع إلى الأصل، وهو يقتضي التخيير.

وفي الصورة الثالثة: لا إشكال ولا خلاف في عدم لزوم تجديد الوضوء في أثناء الصلاة، لكونه حرجيّاً، فتأمّل.

وحينئذٍ: فهل يجب عليه الوضوء قبل كلّ صلاة، فلا يجوز أن يُصلّي صلاتين بوضوءٍ واحد؟

أم لا فيجوز أن يُصلّي بوضوءٍ واحد صلوات كثيرة إلى أن يحدث حَدث آخر؟

أم يفصّل بين ما لو كان الحَدَث مستمرّاً بلا فترة، يمكن إتيان شيء من الصلاة مع الطهارة فالثاني، وبين غيره فالأوّل كما هو المشهور؟

وجوهٌ وأقوال أقواها الأخير.

أمّا عدم وجوب تجديد الوضوء في الأوّل فلعدم الفائدة فيه، ولازم ذلك وإنْ كان عدم وجوب الوضوء قبل الصلاة الاُولى أيضاً، ولكن يشهد له الإجماع على وجوبه لها كما عن «الجواهر».

وأمّا وجوبه في الثاني، فلأنّه إذا أمكن إيقاع أوّل الصلاة الثانية مثلاً مع الطهارة، ولم يدلّ دليل على عدم اعتبارها والعفو عن الحَدَث في الفرض، وجب ذلك.

***

ص: 106

حكم المسلوس

المقام الثاني: في المسلوس:

1 - إنْ كان له فترة تسع الصلاة والطهارة، يجب عليه إتيان الصلاة في تلك الفترة.

وفي «الجواهر»(1): (وجب الانتظار كما صرّح به جمع من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافاً هنا، سوى ما يُنقل من الأردبيلي(2) من احتمال عدم الوجوب).

وقد عرفت في المبطون عدم تماميّة ما استدلّ به لما احتمله الأردبيلي، وأنّ الأقوى ما هو المشهور، فلا نعيد.

2 - وإنْ لم يكن له فترة كذلك:

ألف: فإنْ كان خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاثة مثلاً، فالمنسوب إلى المشهور أنّه يُعفى عمّا يتقاطر منه في أثنائها.

وعن الحلّي(3) وجماعة: أنّه إذا خرج منه شيء في الأثناء، توضّأ بلا مهلة، وبنى على صلاته.

وعن بعضٍ التفصيل:

بين ما إذا كانت الطهارة وضوءاً ارتماسيّاً لا يحتاج إلى فعل كثير، فيجب التجديد.

وبين غيره فلا يجب.

ص: 107


1- جواهر الكلام: ج 2/325.
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/112، قوله: (مع إمكان جواز الصلاة في أوّل الوقت لعموم أدلّة الوقات والصلاة... إلخ).
3- مختلف الشيعة: ج 1/310، منتهى المطلب: ج 2/137، تذكرة الفقهاء: ج 1/206.

أقول: الأقوى هو القول الثاني، لما عرفت في المبطون من أنّه ممّا تقتضيه القواعد، فراجع.(1)

وقد استدلّ للأوّل: بما ذكره المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه(2)، بأنّ هذا المتكرّر إنْ نقض الطهارة، نقض الصلاة، لما دلّ على اشتراط الصلاة باستمرارها.

وبقاعدة: «ما غَلَب اللّه عليه فهو فاللّه أولى بالعذر»(3) المُشار إليها في بعض النصوص.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلما عرفت في المبطون عند التعرّض لكلامه قدس سره.

وأمّا القاعدة: فلأنّها تدلّ على عدم قادحيّة الحَدث، وأنّه لا ينقض الصلاة، وأمّا ترك الوضوء لبقيّة أجزاء الصلاة الذي لا عُذر عند العقلاء فيه، فهي لا تدلّ على جوازه. فتدبّر فإنّه دقيق.

واستدلّ للأخير: بأنّه إذا لم يمكن الوضوء الارتماسي، وتعيّن أن يكون ترتيبيّاً، فيقع التعارض بين أدلّة إبطال الفعل الكثير، وما دلَّ على شرطيّة الطهارة لأفعال الصلاة، فيتساقطان، ويرجع إلى الأصل، وهو يقتضي جواز المضيّ في الصلاة.

وفيه أوّلاً: أنّ الوضوء في صورة حصول مقدّماته، مع الاقتصار على خصوص الواجبات، لا يكون فعلاً كثيراً، وإلّا لم يبق موردٌ للنصوص المتضمّنة للأمر بغَسل الثوب والبدن في أثناء الصلاة عن دم الرّعاف وغيره.

وثانياً: إنّ دليل قاطعيّة الفعل الكثير فيما إذا لم يكن ماحياً للصلاة هو الإجماع،0.

ص: 108


1- فقه الصادق: ج 2/104.
2- المصدر السابق.
3- الكافي: ج 3/412 ح 1 و 7، الفقيه: ج 1/363 ح 1042 وح 1044، التهذيب: ج 3/302 ح 1 و 3، وسائل الشيعة: ج 4/80 ح 4563 وص 373 ح 5428-5430.

والمتيقّن منه غير الفرض، لذهاب جماعةٍ إلى وجوب الوضوء.

فتحصّل: أنّ الأقوى - بحسب القواعد - ما اختاره الحلّي رحمه الله، وتؤيّده النصوص الواردة في المبطون المتقدّمة.

ب: وإنْ كان خروج الحدث متّصلاً:

1 - فإنْ كان الحدث مستمرّاً بلا فترة يمكن إتيان شيء من الصلاة مع الطهارة، فلا يجب عليه تجديد الوضوء، لعدم الفائدة في تجديده، بل يجوز أن يُصلّي بوضوءٍ واحد صلوات عديدة، بل لولا الإجماع على وجوبه للصلاة الاُولى ، كان الأقوى عدم وجوبه لها.

2 - وإنْ لم يكن الحَدَث مستمرّاً، ولكن كان بحيث لو توضّأ بعد كلّ حدثٍ وبنى، لزم الحرج، فلا خلاف في عدم وجوب تجديده في أثناء الصلاة.

واستدلّ له: بانتفاء فائدة التجديد، وبكونه حرجيّاً.

وفيهما نظر: إذ فائدة التجديد، وقوع أفعال الصلاة مع الطهارة، ولازم الوجه الثاني سقوط الوضوء إذا لزم منه الحرج، لا سقوطه بالمرّة.

أقول: الصحيح هو الاستدلال له بصحيح حريز الآتي.

بحث: ثمّ إنّ المشهور بين الأصحاب عدم جواز أنْ يصلّي صلاتين بوضوءٍ واحد.

وعن «المنتهى»(1) وجماعةٍ من المتأخّرين: جواز الجمع بين الظهرين بوضوء، وبين العشائين بوضوء.).

ص: 109


1- منتهى المطلب: ج 2/137، قوله: (والحقّ عندي أن يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد، وبين المغرب والعشاء بوضوء، ويفرد الصبح بوضوء).

وعن الشيخ في «المبسوط»(1): جواز أنْ يُصلّي بوضوءٍ واحد صلوات كثيرة، إلى أن يحدث حدث آخر.

أقول: مقتضى القاعدة هو القول الأوّل، إذ لا دليل على عدم اعتبار الطهارة في أوّل الصلاة الثانية، كي يوجب تقييد إطلاق ما دلَّ على اعتبارها في كلّ جزءٍ من أجزاء الصلاة.

واستدلّ : لما اختاره في «المنتهى » بصحيح حَريز، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا كان الرجل يقطر منه البول والدّم، إذا كان حين الصلاة، اتّخذ كيساً وجعل فيه قطناً، ثمّ علّقه عليه، وأدخلَ ذَكَره فيه، ثمّ صلّى ؛ يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، يؤخّر الظهر ويعجِّل العصر بأذانٍ وإقامتين، ويؤخِّر المغرب ويجعل العشاء بأذانٍ وإقامتين، ويفعل ذلك في الصبح»(2).

بدعوى أنّه كالصريح في عدم لزوم تجديد الوضوء بين الصلاتين.

وفيه أوّلاً: أنّه لايكون مسوقاً لبيان هذا الحكم، بل واردٌ لبيان الحكم من حيث الطهارة الخَبَثيّة، ولذا ذكر الدّم فيه، فلا يصحّ التمسّك بإطلاقه.

وثانياً: إنّ ظاهر قوله عليه السلام: (إذا كان الرجل يقطر منه البول والدّم) استمرار ذلك، ولا يشمل ما إذا كانت له فترات ولو يسيرة.

وعلى فرض التنزّل، فلا أقلّ من إجماله من هذه الجهة، فيتعيّن حمله على ذلك كي لا ينافي القواعد.

واستدلّ للقول الأخير بأدلّة عديدة:

الأوّل: بقاعدة «ما غَلَب اللّه عليه فهو أولى بالعذر».0.

ص: 110


1- المبسوط: ج 1/68.
2- الفقيه: ج 1/64 ح 146، التهذيب: ج 1/348 ح 13، وسائل الشيعة: ج 1/297 ح 780.

الثاني: بموثّق سماعة: «عن رجل أخذه تقطير من قرحة إمّا دم وغيره، قال عليه السلام:

فليضع خريطة وليتوضّأ، وليصلِّ فإنّما ذلك بلاءٌ اُبتلي به، فلا يعيدنّ إلّامن الحَدَث الذي يتوضّأ منه»(1). بدعوى أنّ المراد من الحَدَث في ذيله، الحدث المتعارف في مقابل ما يتقاطر من المسلوس.

الثالث: بصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه سُئل عن تقطير البول ؟ قال عليه السلام: يجعل خريطةً إذا صلّى »(2).

وحسن منصور بن حازم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يقطر منه البول، ولا يقدر على حبسه ؟ فقال عليه السلام: إذا لم يقدر على حبسه، فاللّه أولى بالعذر، يجعل خريطة»(3).

بدعوى: أنّه يدلّ على أنّ ما لا يقدر على حبسه، فهو معذور من ناحيته، لا يجب عليه إزالته للصلاة، ولا تجديد الطهارة حتّى بين الصلوات.

ومكاتبة عبد الرحيم، إلى أبي الحسن عليه السلام: «في خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة، ويرى البَلَل بعد البَلَل ؟ قال عليه السلام: يتوضّأ ثمّ ينضح ثوبه في النهار مرّة واحدة»(4).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا القاعدة: فلما عرفت في الصورة السابقة من أنّها لا تدلّ على المعذوريّة في ترك الوضوء لما يمكن إتيانه من الصلاة مع الطهارة.

وأمّا الموثّق: فغير ظاهر في المسلوس، إلّابواسطة إطلاق لفظ (غيره)، ولكن الظاهر من جهة قوله عليه السلام: (إلّا من الحدث... الخ) إرادة غيره منه.1.

ص: 111


1- التهذيب: ج 1/349 ح 19، وسائل الشيعة: ج 1/266 ح 695.
2- التهذيب: ج 1/351 ح 29، وج 3/306 ح 21، وسائل الشيعة: ج 1/298 ح 784.
3- الكافي: ج 3/20 ح 5، وسائل الشيعة: ج 1/297 ح 781.
4- الفقيه: ج 1/75 ح 168، التهذيب: ج 1/424 ح 22، وسائل الشيعة: ج 1/285 ح 751.

وحَمَل (الحدث) على المتعارف لا شاهد له.

وأمّا الصحيح: - فمضافاً إلى سكوته عن الوضوء - أنّه لو سُلّم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، يحتمل أن يكون المراد منه التوضّأ لكلّ صلاة.

وأمّا الحسن: فيمكن أن يكون محطّ النظر سؤالاً وجواباً فيه جهة النجاسة، ويحتمل أن يكون ناقضيّة الحدث للصلاة، ومع هذين الاحتمالين لا سبيل إلى دعوى دلالته على سقوط شرطيّة الطهارة لأوّل جزءٍ من كلّ صلاة.

وأمّا المكاتبة: فغير ظاهرة في المقام، إذ يحتمل أن يكون المراد من قوله: (يرى البَلَل بعد البَلَل) البلل المشتبه.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب تجديد الوضوء لكلّ صلاة.

تذييل: نُسِب إلى بعض الفقهاء: (أنّه لو أمكنهما إتيان الصلاة الإضطراريّة، ولو بأن يقتصرا في كلّ ركعةٍ عليتسبيحة، ويؤميا للركوع والسجود، يجب عليهما ذلك).

وعن الشيخ رحمه الله(1): (أنّ الأحوط الجمع بين الصلاة المذكورة، وبين الصلاة التامّة في وقتٍ آخر).

أقول: والصحيح في المقام ما ذكره في طهارته(2) بقوله قدس سره:

(أقول: ظاهر الأخبار في السلس ونحوه أنّ له أن يُصلّي الصلاة المتعارفة، وأنّ هذا المرض موجبٌ للعفو عن الحَدَث، لا للرخصة في ترك أكثر الواجبات تحفّظاً عن هذا الحدث).

هذا، ولو أغمض عن النصوص، كان مقتضى القاعدة هو التخيير بين الكيفيّتين3.

ص: 112


1- حكاه السيّد قدس سره في المستمسك: ج 2/577 عن الشيخ الأعظم رحمه الله في نجاة العباد.
2- كتاب الطهارة: ج 2/423.

المذكورتين، لما حقّقناه في محلّه، وذكرناه إجمالاً في الفصل الثالث من مبحث القبلة(1)في كتابنا هذا، من أنّ التنافي بين الأوامر الضمنيّة لا يكون من باب التزاحم، بل إنّما يرجع إلى التعارض، ويظهر إنْ شاء اللّه تعالى في ذلك المقام أنّ مركز التنافي هو إطلاق دليلهما، وأنّه إذا كان لكلٍّ منهما إطلاقٌ ، فإنّ مقتضى القاعدة تساقطهما(2)والرجوع إلى الأصل.

وفيما نحن فيه فإنّه بعد العلم بسقوط الأمر بالصلاة التامّة مع الطهارة، وحدوث الأمر بالخالية عن الطهارة أو تلك الاُمور، يقع التعارض بين إطلاق دليل اعتبار الطهارة، وإطلاق أدلّة تلك الاُمور، فيتساقطان، فيجب الرجوع إلى الأصل، وهو هاهنا التخيير كما لا يخفى.

***).

ص: 113


1- فقه الصادق: ج 6/155.
2- قد أشرنا سابقاً إلى أنّ الأظهر في تعارض العامّين من وجه هو الرجوع إلى أخبار الترجيح والتخيير مطلقاً (منه).

الباب الثالث: في الغُسل:

ويجبُ بالجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومَسّ الأموات بعد بَردهم وقبل تطهيرهم بالغُسل، وللموت. ويستحبّ لما يأتي.

فها هنا فصول:

كتاب الطهارة

الباب الثالث: في الغُسل

اشارة

(الباب الثالث: في الغُسل و) فيه الواجب والمَندوب:

أمّا الأوّل: ف (يجب) باُمورٍ:

(الجنابة، والحيض والاستحاضة) التي تُثقب الكُرْسُف (والنفاس، ومسّ الأموات بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغُسل، وللموت) على المشهور.

بل، بلا خلافٍ ظاهرٍ في شيء منها غير الخامس، وسيجيء الكلام في كلّ واحد من المذكورات.

أقول: ويجبُ أيضاً لتعلّق النذر ونحوه به، ولم يذكره المصنّف رحمه الله، من جهة أنّ المقصود في هذا الباب بيان الأغسال الواجبة والمستحبّة بعنوان أنّها أغسال، لا من جهة انطباق عناوين اُخر عليها، وقد أضاف بعضٌ إليها غيرها - وسيأتي التعرّض له في الأغسال المندوبة.

(و) أمّا الثاني: ف (يستحبّ لما يأتي، فها هنا فصول):

ص: 114

الفصل الأوّل: في الجنابة

اشارة

الفصل الأوّل: في الجنابة، وهي تَحصل بإنزال الماء مطلقاً.

غُسل الجنابة

(الفصل الأوّل: في الجنابة: وهي تحصل) بأمرين:

ما يحصل به الجنابة
الأمر الأوّل: (إنزال الماء) الدّافق (مطلقاً)،
اشارة

من غير فرقٍ بين أحوال الإنزال وأفراد المنزَل، بلا خلافٍ فيه في الجملة، بل إجماعاً، كما عن جماعة(1)، والنصوص به متواترة، وستمرّ عليك.

أقول: يقع الكلام في موارد:

المورد الأوّل: إذا كان الخارج قليلاً، فمقتضى إطلاق النصوص حصولها به، ولكن صحيح معاوية بن عمّار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل احتلم، فلمّا انتبه وَجَدَ بَلَلاً قليلاً؟ قال عليه السلام: ليس بشيء إلّاأنْ يكون مريضاً، فإنّه يضعف فعليه الغُسل»(2).

ظاهرٌ في بادي النظر في العدم، إلّاأنّه بعد التدبّر فيه صدراً وذيلاً يظهر أنّه يدلّ على عدم وجوب الغُسل لخروج غير المنيّ أو المشتبه.

ويشهد له: - مضافاً إلى أنّه الظاهر في نفسه - خَبر عنبسة المرويّ عن «الكافي»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قلت: فرجلٌ رآى في المنام أنّه احتلم، فلمّا قام وجدَ بَلَلاً قليلاً على طرف

ص: 115


1- المعتبر: ج 1/177، حيث اعتبر المحقّق الحلّي أنّ إنزال المنيّ موجب للغسل يقظةً ونوماً وعليه إجماع المسلمين.
2- التهذيب: ج 1/368 ح 13، وسائل الشيعة: ج 2/194 ح 1909.

ذكره ؟ قال عليه السلام: ليس عليه غُسلٌ ، إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: إنّما الغُسل من الماء الأكبر»(1). ونحوه غيره.

والنتيجة: فالأقوى عدم الفرق بين الكثير والقليل.

المورد الثاني: المشهور بين الأصحاب، عدم الفرق بين مقارنته الشهوة والدّفق والفتور وعدمها.

وفي «الحدائق»(2): نفي الخلاف فيه، وفي «الجواهر»(3): نقل الإجماع عليه من جماعةٍ .

بل عن بعضهم: دعوى الإجماع عليه من المسلمين(4)، سوى ما يُنقل(5) عن مالك(6) وأحمد وأبي حنيفة، من اعتبار مقارنة الشهوة.

نعم، ظاهر المفيد في «المقنعة»(7)، والشيخ في «المبسوط»(8)، وغيرهم في غيرها: اعتبار الدّفق، حيث قيّدوا سبب الجنابة بإنزال الماء الدّافق.

ولكن يتعيّن حملها على أنّه لما كان الأغلب في أحواله الدّفق قيّدوه به، كما7.

ص: 116


1- التهذيب: ج 1/368 ح 14، وسائل الشيعة: ج 2/197 ح 1914.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/19، المسالة الثالثة.
3- جواهر الكلام: ج 3/3.
4- المعتبر: ج 1/177، الذكرى ص 27.
5- حكاه عنهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/4، وحكاه أيضاً النووي في المجموع: ج 2/139، قوله: (أمّا أحكام الفصل ففيه مسائل: إحداها: أجمع العلماء على وجوب الغُسل بخروج المنيّ ، ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام أو استمناء.. خرج بشهوة أو غيرها، وسواء تلذّذ بخروجه أم لا.. وسواء خرج في النوم أو اليقظة.. إلى أن قال: وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يجب إلّاإذا خرج بشهوة ودفق).
6- بداية المجتهد، الباب الثاني: في معرفة نواقض هذه الطهارة: ج 1/66.
7- المقنعة، باب الطهارة من الأحداث: ص 38، وباب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها: ص 51.
8- المبسوط: ج 1 (في ذكر غسل الجنابة وأحكامها) ص 27.

صرّح به الحلّي(1)، لما عرفت من كون الحكم مجمعاً عليه عندنا، والنصوص الكثيرة شاهدة به، لأنّها متضمّنة لترتّب الحكم على الإنزال وخروج المنيّ .

ولا يعارضها صحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبّلها، فيخرج المنيّ فما عليه ؟ قال عليه السلام: إذا جاءت الشهوة ودفعٍ وفترٍ لخروجه فعليه الغُسل، وإنْ كان إنّما هو شيءٌ لم يجد له فترةً ولا شهوةً لا بأس»(2).

لأنّه مرويٌّ في «الوسائل»، وذكر فيه (الشيء) بدل (المنيّ )، وكذا عن «قُرب الإسناد»(3)، وعليه، فيحمل على صورة الاشتباه، كما حَمَله الشيخ عليها.

وإنْ أبيتَ عن ذلك، فيتعيّن حمله على التقيَّة، كما لا يخفى.

المورد الثالث: المحكيّ عن صريح المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4) و «المنتهى »(5)، وظاهر جماعةٍ (6): عدم الفرق بين خروجه من المخرج المعتاد أو غيره.

وعن المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(7): اعتبار الاعتياد في غير ثقبة الإحليل والخُصية والصّلب.).

ص: 117


1- الأشباه والنظائر ليحيى بن سعيد الحلّي: ص 13، قوله: (والغُسل عند إنزال الماء الدّافق بشهوة أو غير شهوة في حال الصحّة). والعلّامة في تذكرة الفقهاء ج 1/219 مسألة 64، عبَّر عن الماء الدّافق دون اعتباره سبباً في وجوب الغُسل فقال: (إنزال الماء الدّافق كيف كان... بشهوة وغيرها بدفق أو لا يوجب الغُسل).
2- الاستبصار: ج 1/104 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/194 ح 1908.
3- قرب الإسناد: ص 85.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/222 قوله: (لو خرج المنيّ من ثقبة في الذَّكر أو الأنثيين أو الصلب وجبَ الغُسل).
5- منتهى المطلب: ج 1/81 (السادس عشر)، كذلك في نهاية الاحكام: ج 1/99.
6- كالشهيد الثاني في روض الجنان: ص 48 (ط. ق) (موجبات الجنابة).
7- جامع المقاصد: ج 1/277، قوله: (وكذا لو خرج من ثقبة في الإحليل أو في خصيتيه، أمّا لو خرج من غير ذلك فاعتبار الاعتياد حقيقٌ بأنْ يكون مقطوعاً به).

وعن «القواعد»(1) و «الإيضاح»(2) و «الذكرى »(3) وغيرها: اعتبار الخروج من الموضع المعتاد.

أقول: والأوّل أقوى لإطلاق النصوص. والانصراف الناشيء من الاعتياد، وغلبة وجود فردٍ وندرة آخر، لا توجبان رفع اليد عن الإطلاق، وقد تقدّم تنقيح القول في ذلك في مبحث ناقضيّة البول والغائط،(4) فراجع.

***

خروج المنيّ من المرأة يوجب جنابتها

المورد الرابع: نُسِب إلى جماعةٍ (5): دعوى الإجماع على أنّه لا فرق بين الرّجل والمرأة في أنّ خروج المنيّ موجبٌ للجنابة.

وعن المحقّق(6) وسيّد «المدارك»(7): دعوى إجماع المسلمين عليه.

وعن الصدوق(8): عدم كونه موجباً لجنابة المرأة.

أقول: والأوّل أقوى، وتشهد له نصوص كثيرة:

منها: صحيح ابن بزيع، عن الإمام الرضا عليه السلام: «عن الرجل يُجامع المرأة فيما دون

ص: 118


1- قواعد الأحكام: ج 2/133.
2- إيضاح الفوائد: ج 2/51، وقد ذكر ذلك في باب التنازع فصل الحجر.
3- الذكرى: ص 27 (ط. ق) وفي الطبعة الجديدة: ج 1/224، المقام الأوّل: الجنابة.
4- فقه الصادق: ج 1/223.
5- وهو ظاهر إطلاق السيّد المرتضى قدس سره في الناصريّات: ص 140 المسألة التاسعة والثلاثون، حيث ادّعى الإجماع على أنّ مطلق خروج المنيّ يوجب الغسل من الرجل أو المرأة كما هو الظاهر.
6- المعتبر: ج 1/177.
7- مدارك الأحكام: ج 1/267، قوله: (ولا فرق في وجوب الغسل بالإنزال بين الرّجل والمرأة بإجماع علماء المسلمين، والأخبار الواردة به متضافرة).
8- المقنع: ص 42 قوله: (وإذا احتلمت المرأة فأنزلت فليس عليها غسل، وروي أنّ عليها الغسل).

الفرج، وتنزل المرأة، هل عليها غسل ؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

وصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرّجل ؟ قال عليه السلام: إنْ أنزلت فعليها الغسل»(2).

ونحوهما صحاح ابن سنان، وإسماعيل بن سعد، ومحمّد بن إسماعيل وغيرها(3).

واستدلّ للثاني: بجملة من النصوص:

منها: صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في حديثٍ : «قلت: فإنْ أمْنَت هي ولم يَدخله ؟ قال عليه السلام: ليس عليها الغُسل»(4).

وصحيح ابن اُذينة: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ؟ قال عليه السلام: ليس عليها غُسلٌ »(5). ونحوهما غيرهما.

وفيه: أنّه لو سُلّم كون مقتضى الجمع بين هذه النصوص، وبين النصوص المتقدّمة حملها على الاستحباب، إلّاأنّه لاعراض الأصحاب عنها يتعيّن طرحها، أو حملها على الاشتباه، أو على مجرّد الرؤية في المنام بلا إنزال، أو على صورة تحرك المنيّ من محلّه واستقراره في الرّحم، وعدم خروجه، أو على التقيَّة لموافقتها لمذهب بعض العامّة، أو حرمة الإعلام بالحكم المذكور، أو كراهته، أو غير ذلك من المحامل المذكورة في الوسائل وغيرها. ويشهد لبعض هذه المحامل بعض النصوص، كما يظهر لمن تدبّر فيها.4.

ص: 119


1- الكافي: ج 3/47 ح 6، التهذيب: ج 1/123 ح 19 و 28، وسائل الشيعة: ج 2/186 ح 1886.
2- الكافي: ج 3/48 ح 5، الفقيه: ج 1 ص 86 ح 190، وسائل الشيعة: ج 2/187 ح 1888.
3- وسائل الشيعة: ج 2/186 باب 7 من أبواب الجنابة ح 1885 و 1886 و 1890.
4- التهذيب: ج 1/121 ح 12، وسائل الشيعة: ج 2/190 ح 1901.
5- التهذيب: ج 1/123 ح 20، وسائل الشيعة: ج 2/191 ح 1904.

مع أنّ الأظهر عدم إمكان الجمع بين الطائفتين - بل هما متعارضتان - فإنّ قوله عليه السلام في صحيح ابن بزيع: (نعم) في جواب (هل عليها غُسلٌ؟) يعارض قوله عليه السلام في صحيح ابن يزيد: (ليس عليها الغُسل)، ولا يكون أحدهما قرينة على الآخر، فلابدَّ من الرجوع إلى المرجّحات، ولا ريب في أنّ الترجيح لنصوص الوجوب.

***

ص: 120

أمارات المنيّ

فرع: لو شكّ في خارجٍ أنّه منيٌّ أم لا إختُبر بالصفات:

فإنْ حَصَل العلم أو الاطمئنان بكونه منيّاً، ولو من جهة وجود صفةٍ من الصفات فهو.

وإلّا فمع اجتماع الصفات الثلاث: الدّفق والفتور والشهوة، يُحكم بكونه منيّاً، كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يُنقل الخلاف إلّاعن ظاهر الشهيد في «الذكرى»(1) حيث اعتبر كون رائحته كرائحة الطّلْع والعجين رَطباً، وبياض البيض جافّاً، مع الأوصاف السابقة.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - صحيح علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويُقبّلها، فيخرج منه الشيء؟ قال عليه السلام: إذا جاءت الشهوة ودفعٍ وفترٍ لخروجه، فعليه الغُسل، وإنْ كان إنّما هو شيءٌ لم يجد له فترةً ولا شهوةً فلا بأس»(2).

وأمّا مع عدم اجتماعها، فظاهر جماعةٍ كثيرة(3): عدم الحكم به ولو بفقد واحدة منها.

وعن صريح جماعةٍ ممّن تقدّم على الشهيد الثاني، وظاهر آخرين(4): الاكتفاء

ص: 121


1- الذكرى: ج 27، وفي الطبعة الجديدة: ج 1/219.
2- التهذيب: ج 120 1 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/194 ح 1908.
3- حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/7، اعتبار الصفات الثلاثة عن الشرائع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير والإرشاد والدروس والذكرى والبيان وجامع المقاصد: وحاشية الشرائع، وفي الحدائق: ج 3/20 نسب اعتبار الثلاثة في الصحيح دون المريض إلى جمع من الأصحاب.
4- حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/8 أنّ ظاهر النهاية والوسيلة الاكتفاء بالدّفق من الصحيح ثمّ حكى ما نقله كشف اللّثام. وفي كشف اللّثام: ج 2/6، فضلاً عن حكايته عن ظاهر النهاية والوسيلة قال: (إنّ ذلك قد يظهر من المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره وجمل العلم والعمل والجمل والعقود والمقنعة والتبيان والمراسم والكافي والإصباح ومجمع البيان وروض الجنان وأحكام الراوندي)؛ ولكن عبارة النهاية يحتمل كون الاكتفاء به للمريض، وهو كما ذكر بمراجعة أغلب هذه المصادر.

بحصول واحدة من الصفات الثلاث.

بل عن ظاهر الشهيد(1) والمحقّق الثاني: أنّ ذلك من المسلّمات، وأنّه لا خلاف في كفاية وجود الرائحة، كما عن «جامع المقاصد»(2) معلّلاً له بتلازم الصفات.

وعن «القواعد»(3): الاكتفاء بالدّفق والشهوة.

وعن «الوسيلة»(4): الاكتفاء بالدفق.

وعن بعضهم(5): الاكتفاء بالدفق والفتور.

أقول: بعد التدبّر في كلمات هؤلاء الأعاظم، تطمئن النفس بأنّ مرادهم: التلازم بين الصفات إلّالعارض، ومن الملازمة بين تلك الصفات والمنيّ يحصل العلم بوجوده من العلم بوجود واحدة منها أو اثنتين، لا أنّه يجب البناء على وجوده تعبّداً للعلم بوجود واحدةٍ منها.

وكيف كان، فمع عدم العلم بكونه منيّاً، وعدم اجتماع الصفات، لا يُحكم بأنّه منيّ للأصل، ولمفهوم صدر الصحيح المتقدّم.

واستدلّ لكون الشهوة وحدها أمارة لوجوده: بصحيح ابن أبي يعفور، عن أبي).

ص: 122


1- روض الجنان: ص 49، قوله: (بل يكفي واحدة منها)، وظاهر الدروس: ج 1/95.
2- جامع المقاصد: ج 1/255-256.
3- قواعد الأحكام: ج 1/208، المقصد الخامس: في غسل الجنابة وفيه فصلان:... إلخ.
4- الوسيلة: ص 55، قوله: (وعلامته الدّفق سواء كان معه شهوة أم لم يكن).
5- كما في المختصر النافع: ص 7، قوله: (أمّا الموجب [للغسل] فأمران: إنزال الماء يقظةً أو نوماً، ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن، وتكفي في المريض الشهوة).

عبد اللّه عليه السلام: «قلت له: الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ، فينظر فلا يجد شيئاً، ثمّ يمكث الهوين بعد فيخرج ؟ قال عليه السلام: إنْ كان مريضاً فليغتسل، وإنْ لم يكن مريضاً فلا شيء عليه.

قلت: فما فرق بينهما؟ قال عليه السلام: لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قويّة، وإنْ كان مريضاً لم يجيء إلّابعد»(1).

بدعوى: أنّه ظاهرٌ في أنّ الفرق بين الصحيح والمريض، ليس قصور شهوة الأوّل عن الأماريّة، بل لاقترانها بالأمارة على العدم، وهي عدم الدّفق، وتعارض الأمارتين لا يحكم فيه بكونه منيّاً، وفي المريض بما أنّ عدم الدّفق لا يكون أمارة على العدم، فيرجع إلى أماريّة الشهوة، حيث لا معارض لها، وعلى ذلك فلو علم الصحيح بالشهوة، وشكّ في الدّفق، أو علم بعدمه يحكم بكونه منيّاً كما لا يخفى.

وفيه: أنّ التعليل ظاهر في أنّه عليه السلام في مقام الإرشاد إلى الملازمة بين وجود المنيّ ووجود الدّفق في الصحيح، وعدمها في المريض، وليس في مقام جعل الطريقيّة والحجيّة.

أقول: ومنه يظهر الجواب عن الاستدلال لكفاية الفتور، بما في مرسل ابن رباط، من قول الإمام الصادق عليه السلام:

«فأمّا المنيّ فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر منه الجسد»(2).

ولكفاية الدّفق بما ورد في المنيّ من: (أنّه الماء الدافق).

ثمّ إنّ الظاهر من هذه النصوص، أنّ وجود المنيّ يلازم وجود الفتور والدّفق، ولا تدلّ على ثبوت التلازم من الطرفين بين المنيّ وكلّ واحدٍ منهما.0.

ص: 123


1- الكافي: ج 3/48 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/195 ح 1910.
2- التهذيب: ج 1/20 ح 48، وسائل الشيعة: ج 2/190 ح 1900.

ودعوى: أنّ الظاهر منها كون كلّ منهما خاصّة لازمة.

مندفعة: بأنّها لا مفهوم لها، كي تدلّ على ذلك، فهذه النصوص تدلّ على أنّ عدم كلّ واحد منهما ملازمٌ لعدم المنيّ ، كما أنّ المستفاد من ذيل صحيح ابن جعفر المتقدّم أنّ عدم الشهوة والفتور ملازمٌ لعدم المنيّ ، فعلى فرض تلازمهما - كما عن «الجواهر»(1) - يدلّ الصحيح على طريقيّة عدم كلّ منهما إلى العدم.

فالمتحصّل من مجموع النصوص: أنّه مع عدم العلم به، لو اجتمعت الصفات الثلاث، حُكم بأنّه منيّ ، ومع عدم اجتماعها ولو بفقد واحدةٍ منها، حُكم بعدمه، لطريقيّة فقد كلّ منها إلى العدم، ولا أقلّ من عدم الحكم به لعدم الطريق إلى وجوده.

فتدبّر فإنّه دقيق.

هذا كلّه في الرّجل الصحيح.

وأمّا في المريض: فالمشهور بين الأصحاب كفاية الشهوة وفتور الجسد.

وفي «الجواهر»(2): نفي الخلاف فيها.

بل ظاهر النصوص، كصحيح ابن أبي يعفور المتقدّم، وصحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا كنتَ مريضاً فأصابتك شهوة، فإنّه ربما كان هو الدّفق، لكنّه يجيء مجيئاً ضعيفاً، ليس له قوّة، لمكان مرضك ساعةً بعد ساعة قليلاً قليلاً فاغتسل منه»(3). وغيرهما الاكتفاء بالشهوة وحدها.

وأمّا صحيح ابن مسلم، عنه عليه السلام: «عن رجلٍ رآى في منامه فَوَجد اللّذة2.

ص: 124


1- جواهر الكلام: ج 3/9، قوله: (نعم يمكن إرجاع القول بالاكتفاء بالاثنين من الدّفق والشهوة، أو الدّفق والفتور إلى شيءٍ واحد، لتلازم الشهوة والفتور، وكذا العكس).
2- جواهر الكلام: ج 3/12، قوله: (ولو كان مريضاً كفت الشهوة وفتور الجسد في وجوبه مع عدم الخلاف فيه فيما أجد).
3- الكافي: ج 3/48 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/196، ح 1912.

والشهوة، ثمّ قام فلم يرَ في ثوبه شيئاً؟ فقال: إن كان مريضاً فعليه الغُسل»(1).

الظاهر في وجوب الغُسل مع عدم وجدان شيء بمجرّد الشهوة، فلعدم عمل فقيهٍ واحد به، ومخالفته لسائر النصوص كما في «الجواهر»(2)، وعن «الحدائق»:

يجب حمله على غير ظاهره أو طرحه(3).

وأمّا في المرأة: فالأقوى الاكتفاء بالشهوة، لجملةٍ من النصوص:

منها: صحيح إسماعيل بن سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام: «في الرجل يلمس فرج جاريته... قال: إذا أنزلت من شهوة فعليها الغُسل»(4).

ونحوه أخبار محمّد بن الفضل والحَلبي(5) وغيرهما.

***8.

ص: 125


1- التهذيب: ج 1/369 ح 18، وسائل الشيعة: ج 2/195 ح 1911.
2- جواهر الكلام: ج 3/13، إلى أنْ قال: (فوجب حمل الرواية على ضربٍ من التأويل إمّا بأنّه لم يجد على ثوبه وإنْ رأى في رأس ذَكَره شيئاً أو غير ذلك، أو طرحها).
3- الحدائق الناضرة: ج 3/21، قوله: (إلّا أنّ هذه الرواية لا تخلو من إشكال لتضمّنها وجوب الغُسل على المريض بمجرّد وجود اللّذة والشهوة، مع عدم رؤية شيء بعد انتباهه، ولم يذهب إليه ذاهبٌ من الأصحاب، ولم يرد به خبر آخر في الباب، بل ربما دلّت الأخبار على خلافه).
4- الكافي: ج 3/47 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/186 ح 1885.
5- وسائل الشيعة: ج 2/187 ح 1887 و ح 1888.
الأمر الثاني الجماع في الفرج
اشارة

وبالجماع في الفرج، حتّى تغيب الحَشَفة، سواءٌ القُبُل أو الدُّبر وإنْ لم ينزل، ويجب فيه الغُسل.

الجماع موجبٌ للجنابة

(و) الثاني: تحصل الجنابة (بالجماع في الفرج حتّى تغيب الحَشَفة، سواءٌ ) كان في (القُبُل أو الدُّبر، وإنْ لم يُنزل، ويجب فيه الغُسل) على المشهور، بل بلا خلافٍ في الجماع في القُبُل.

وفي «الجواهر»(1): بل عليه الإجماع محصّلاً ومنقولاً نقلاً مستفيضاً، كاد أن يكون متواتراً، بل هو كذلك.

وتشهد له: جملة من النصوص:

منها: صحيح ابن بزيع: «سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل ؟ فقال عليه السلام: إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل.

فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحَشَفة ؟ قال عليه السلام: نعم»(2).

ومنها: صحيح ابن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: «سألته متى يجب الغُسل على الرجل والمرأة ؟ قال عليه السلام: إذا أدخله فقد وجب الغُسل والمَهر والرَّجم»(3).

ونحوه غيره.

أقول: وظاهر قوله (أدخله) من جهة رجوع الضمير إلى الذَكَر، وإنْ كان يدلّ على اعتبار إدخال جميع الذَكَر في الفرج، إلّاأنّه يقيّد إطلاقه بالصحيح المتقدّم،

ص: 126


1- جواهر الكلام: ج 3/25.
2- الكافي: ج 3/46 ح 2، التهذيب: ج 1/118 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/183 ح 1876.
3- الكافي: ج 3/46 ح 1، التهذيب: ج 1/118 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/182 ح 1875.

فالجمع بين النصوص يقتضي الاكتفاء بدخول الحَشَفة.

وأمّا خبر ابن عذافر: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام: متي يجبُ على الرَّجل والمرأة الغُسل ؟ فقال عليه السلام: يجب عليهما الغُسل حين يدخله، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما»(1)، فلقصور سنده، وعدم صلاحيّته لمعارضة غيره، يُحمل على أنّ المراد من قوله: (وإذا التقى... الخ) تفسيرُ قوله عليه السلام: (حين يدخله)، وأنّ وجوب غَسل الفرج المأمور به في الذيل وجوبٌ مقدّمي للاغتسال.

وأمّا قوله عليه السلام: «إنّما الغُسل من الماء الأكبر»(2)، فلا إطلاق لمفهومه، لكون الحصر فيه إضافيّاً، مع أنّه لو سُلّم الإطلاق يقيّد بالنصوص المتقدّمة.

وأمّا الوطئ في الدُّبر: فالمشهور بين الأصحاب أنّه موجبٌ للجنابة، كما عن جماعة(3).

وعن السيّد(4): دعوى الإجماع عليه.

وعن الحلّي(5): دعوى إجماع المسلمين عليه.

وعن الصدوق(6) والكُليني(7) والشيخ في «الاستبصار»(8): العدم.9.

ص: 127


1- وسائل الشيعة: ج 2/185 ح 1883.
2- الكافي: ج 3/48 ح 1، الفقيه: ج 1/86 ح 189، وسائل الشيعة: ج 2/196 ح 1913.
3- المعتبر: ج 1/180، إلى أنْ قال: (وجزم علم الهدى رضى الله عنه بإيجاب الغسل وإن لم ينزل وهو أشبه).
4- كما حكاه عنه غير واحد منهم المحقّق في المعتبر: ج 1/180.
5- قال في السرائر: ج 1/107-108، أثناء تعداده موجبات الغسل: (وغيبوبة الحَشَفة في فرج آدمي سواء كان الفرج قُبلاً أو دُبراً على الصحيح من الأقوال لأنّه إجماع المسلمين).
6- قال العلّامة في مختلف الشيعة: ج 1/324: (روى ابن بابوية في كتابه عدم وجوب الغُسل). وهو ظاهر رواية الفقيه: ج 1/84-85 ح 186.
7- الكافي: ج 3/47 ح 8 حيث روى عدم وجوب الغُسل على مَن أتى المرأة في دُبُرها ولم ينزل فلا غسل عليهما...، إلّاأنّه لم يظهر منه تبنّي ذلك.
8- الاستبصار: ج 1/112 في تعليقه على حديث ابن أبي عمير رقم 4، وأيضاً ظاهر النهاية: ص 19.

وعن الشيخ في «المبسوط»(1) و «الخلاف»(2)، والمصنّف في «المنتهى »(3)وغيرهما في غيرها: التردّد في الحكم.

ويشهد للأوّل: صحيح ابن أبي عُمير، عن حفص بن سوقة، عمّن أخبره، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفه ؟، قال عليه السلام: هو أحد المأتيين؛ فيه الغُسل»(4).

أقول: ولا يضرّ إرساله بعد كون الراوي ابن أبي عمير، الذي لا يروي إلّاعن ثقة، فتأمّل.

مضافاً إلى جبره بعمل المشهور، وإطلاق صحيح ابن مسلم المتقدّم.

وقد استدلّ للقول الثاني: بصحيح الحلبي، قال: «سُئل الصادق عليه السلام عن الرّجل يُصيب المرأة فيما دون الفرج، أعليها الغُسل إذا أنزل هو ولم تُنزل هي ؟ قال عليه السلام: ليس عليها غُسلٌ ، وإنْ لم ينزل هو فليس عليه غُسل»(5).

ومرفوع البرقي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أتى الرّجل المرأة في دُبُرها فلم ينزلا، فلا غُسل عليهما، وإنْ أنزل فعليه الغُسل ولا غُسل عليها»(6).

ونحوه مرفوع بعض الكوفيين،(7) ومرسل ابن الحكم، وبمفهوم قوله عليه السلام: «إذا3.

ص: 128


1- المبسوط: ج 1/28، قوله: (فلأصحابنا فيه روايتان... الخ). نعم في مورد آخر من المبسوط: ج 4/243 أوجب الغسل بقوله: (والوطي في الدُّبر يتعلّق به أحكام الوطي في الفرج، من ذلك إفساد الصوم، ووجوب الكفّارة ووجوب الغُسل).
2- الخلاف: ج 1/116 مسألة 59.
3- منتهى المطلب: ج 2/183، قوله: (والأقرب ما ذهب إليه السيّد المرتضى).
4- الاستبصار أيضاً: ج 1/112 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/200 ح 1921.
5- الفقيه: ج 1/84 ح 186، التهذيب: ج 1/124 ح 26، وسائل الشيعة: ج 2/199 ح 1920.
6- الكافي: ج 3/47 ح 8، التهذيب: ج 1/125 ح 27، وسائل الشيعة: ج 2/200 ح 1922.
7- وسائل الشيعة: ج 2/200 ح 1923.

التقى الختانان فقد وَجَب الغُسل»(1).

وقوله عليه السلام: «إنّما الغسل من الماء»(2). وبالأصل.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الاستدلال به يبتني على اختصاص الفرج بالقُبُل، وهو ممنوعٌ ، لما عن المرتضى رحمه الله(3): (أنّه لا خلاف بين أهل اللّغة في صدق اسم الفرج على الدُّبر).

وأمّا سائر الأخبار: من مرفوعة البرقي وبعض الكوفيين والمُرسل، فجميعها مهجورة غير معمول بها.

وأمّا المفهوم: إنْ ثبت في المقام، فيقيّد إطلاقه بما تقدّم، ومقتضى إطلاق ما تقدّم عدم الفرق بين الواطئ والموطوء.

***ع.

ص: 129


1- الكافي: ج 3/46 ح 2، التهذيب: ج 1/118 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/183 ح 1876 وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله في محلّ الشاهد ج 184 ح 1879.
2- الكافي: ج 3/48 ح 1، التهذيب: ج 1/120 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/196 ح 1913.
3- كما نسبه إليه في الجواهر: ج 3/31 بقوله: (... وقد نسبه إلى اللّغة غير واحد من الأصحاب، بل عن المرتضى كما في السرائر أنّه لا خلاف فيه بين أهل اللّغة)، السرائر ج 1/107-108 قوله: (وأيضاً يسمّى الدُّبر فرجاً بغير خلاف بين أهل اللّغة)، إلّاأنّه لم ينسب هذا القول للسيّد المرتضى كما هو ظاهر من الجواهر، فراجع.
الوطئ في دُبر الرَّجل يوجبُ الغُسل

ثمّ إنّ المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة: عدم الفرق في حكم وجوب الغُسل بين الرَّجل والمرأة.

وعن المصنّف رحمه الله(1)، والشهيد(2) وغيرهما: أنّ كلّ من أوجب الغُسل بالوطئ في دُبر المرأة، أوجبه في دُبُر الغلام.

وعن المحقّق في «المعتبر»(3): اختيار عدم حصول الجنابة بوطئه.

ويشهد للأوّل: - مضافاً إلى الإجماع المركّب(4) المُدّعى في كلمات جماعةٍ من الأساطين - صحيح الحضرمي أو حسنه، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: مَنْ جامعَ غلاماً جاء جنباً يوم القيامة لا ينفعه ماءُ الدُّنيا»(5).

واستدلّ للثاني: ببعض ما تقدّم في المسألة السابقة، وقد عرفت ضعفه.

أقول: ولا فرق في هذا الحكم بين الكبير والصغير، العاقل والمجنون، لإطلاق الأدلّة.

وأمّا حديث: (رفع القلم عن الصبي والمجنون)(6).

فلأجل إسناد الرفع إلى نفس الصبي والمجنون لا إلى أفعالهما، يكون ظاهراً في

ص: 130


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/226، المسألة 67.
2- مسالك الأفهام: ج 1/50، ونسبه أيضاً إلى السيّد المرتضى بقوله: (وحاصله هنا: أنّ المرتضى رضى الله عنه ادّعى أنّ كلّ من قال بوجوب الغُسل بالوطئ في دُبُر المرأة قال بوجوبه في دُبر الغلام، ومن نفاه في الأوّل نفاه في الثاني).
3- المعتبر: ج 1/181، قوله: (وفي الوطي في دُبُر الغلام موقباً تردّد: أشبهه أنّه لا يجب ما لم ينزل).
4- ادّعى الإجماع المركّب في هذا الأمر العلّامة في المختلف: ج 1/329، بقوله: (الثالث: الإجماع المركّب فإنّكلّ قائلٍ بوجوبه في دُبُر المرأة قائلٌ بوجوبه في دُبُر الغلام).
5- الكافي: ج 5/544 ح 2، وسائل الشيعة: ج 20/329 ح 25744.
6- وسائل الشيعة: ج 28/23 ح 34121، وأيضاً حديث أبي البختري: ج 29/90 ح 35225.

إرادة قلم المؤاخذة، سواءٌ أكانت اُخرويّة أم دنيويّة، ولا يدلّ على رفع قلم التشريع.

مع أنّه لو سُلّم ذلك، فإنّما هو بالنسبة إلى ما يكون مترتّباً على الفعل، فلايعمّ مثل النجاسة المترتّبة على الملاقاة، والجنابة المترتّبة على دخول الحَشَفة.

وأمّا روايات: «عَمدُ الصَّبي خطأ» فقد عرفت في مبحث نجاسة الكافر،(1)اختصاصها بباب الضمانات، فراجع.

ولا فرق أيضاً: بين الحَيّ والميّت، كما هو المشهور.

وعن صريح «الرياض»(2)، وظاهر «الخلاف»(3) و «التذكرة»(4) و «المنتهى »(5):

دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: إطلاق النصّ .

وانصرافه إلى خصوص الأحياء، ليس بنحوٍ يصلح لرفع اليد عن الإطلاق.

والمرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أوجب الحَدّ أوجب الغُسل»(6).

وقول الإمام علي عليه السلام في صحيح زرارة: «أتوجبون عليه الحَدّ والرَّجم، ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟»(7).

وعدم إمكان الالتزام بالملازمة بين الوجوبين في جملةٍ من الموارد، لا يوجب عدم ظهورهما فيها، بل يوجب تقييد إطلاقهما بالنسبة إلى تلك الموارد خاصّة.

أمّا الميّت: فهل تثبت له الجنابة أم لا؟ وجهان:9.

ص: 131


1- فقه الصادق: ج 5/112.
2- رياض المسائل: ج 1/293، كما هو الظاهر من كلامه.
3- الخلاف: ج 2/190 مسألة 41.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/227.
5- منتهى المطلب: ج 2/186.
6- الفقيه: ج 1/84 ح 185، وسائل الشيعة: ج 2/183 ح 1878، بتصرّف.
7- التهذيب: ج 1/119 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/184، ح 1879.

أقواهما الأوّل، لخبر عبد الرحمن بن تميم، الوارد في تفسير قوله تعالى:

وَ اَلَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً (1) والحديث طويل، ملخّصه:

«إنّ نبّاشاً نبش قبر شابّة وجامعها وتركها، فإذا بصوتٍ من ورائه: يا شاب ويلٌ لك من ديّان يوم الدِّين...

إلى أن قالت: وتركتني أقوم جُنُبةً إلى حسابي»(2). الحديث.

أمّا البهيمة: فالمشهور بين الأصحاب - على ما في «الحدائق»(3) - أنّه لا تحصل الجنابة بالإيلاج في فرج البهيمة.

لكن عن المصنّف في «المختلف»(4)، والمرتضى: حصولها به، بل عن السيّد دعوى الإجماع عليه(5).

ويشهد له: صحيح زرارة والمرسل المتقدّمان، بناءً على أنّ وطي البهيمة موجبٌ لثبوت الحَدّ.

وأمّا بناءً على ما اختاره المصنّف رحمه الله من التعزير بوطئها، فلا يصحّ الاستدلال بهما، كما لا يخفى . فالأقوى على هذا المبنى العدم.

وهل يجب عليه الجمع بين الغُسل والوضوء، على فرض الترديد في أنّه يُحدّ أم يُعزَّر، إذا كان مُحْدِثاً بالأصغر قبل الوطئ أم لا؟ وجهان:

أقول: تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصّلاً في آخر مسائل الاستبراء، فراجع.).

ص: 132


1- سورة آل عمران: الآية 135.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 12/132 ح 13712، الأمالي للصدوق ص 42 المجلس 11.
3- الحدائق الناضرة: ج 3/12-13 المسألة الثالثة.
4- مختلف الشيعة: ج 1/329.
5- كما حكاه عنه العلّامة في المختلف ص 329-330 بقوله: (والسيّد المرتضى قال قولاً يدلّ على أنّ أصحابنا أوجبوا الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة).

ولا فرق فيما ذكرناه بين أنْ يكون الدخول في حال الاختيار، وبين أنْ يكون في حال الاضطرار في النوم أو اليقظة، حتّى لو أُدخلت حشفةُ طفلٍ رضيعٍ ، فإنّهما يجنبان لإطلاق الأدلّة.

وأمّا حديث رفع الاضطرار، فهو لا يصلح لرفع هذا الحكم، لأنّه إنّما يرفع الحكم المترتّب على فعل المكلّف، سواءً أكان فعله موضوعاً له أم متعلّقاً، وأمّا الحكم المترتّب على الموضوع الخارجي، بلا دخلٍ لفعل المكلّف فيه - كالنجاسة المترتّبة على الملاقاة، والجنابة المترتّبة على الدخول - فالحديث لا يرفعه، كما حقّقناه في محلّه.(1)

أمّا الخُنثى : فإنّ الوطي في دُبُر الخنثى موجبٌ للجنابة، لإطلاق ما دلَّ على أنّ الوطئ في الدُّبر موجبٌ لها.

وأمّا الوطي في قُبُلها، فلا يوجبها، لعدم العلم بكونه فرجاً، والاستصحاب يقتضي العدم، وقوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان... الخ»، ظاهره الفرج الحقيقي، ولا يشمل الزائد.

فما عن «التذكرة»(2) من جعل وجوب الغُسل وجهاً ضعيفاً، إذ لا وجه له سوى تخيّل صدق الفرج عليه حقيقةً ، وهو كما ترى .

وبذلك يظهر حكم ما لو أدخلت الخنثى بالرجل أو الاُنثى ، مع عدم الإنزال وأنّهما لا يُجنبان.

نعم، لو أدخل الرجل بالخنثى وهي بالاُنثى ، وجب الغُسل على الخنثى، للعلم بجنابتها دون الرجل والاُنثى ، لاستصحاب عدمها.7.

ص: 133


1- زبدة الاصول: ج 4/255.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/226-227.
مسائل:
إذا رأى في ثوبه منيّاً

مسائل:

الأُولى: إذا رأى في ثوبه منيّاً، وعلم أنّه منه ولم يغتسل بعده، وجب عليه الغسل إجماعاً لحجيّة العلم، وقضاء ما تيقّن من الصَّلوات التي صلّاها بعد خروجه، لأنّ فقدان الشرط يستدعي عدم تحقّق المشروط، ولحديث لا تعاد(1).

وأمّا الصَّلوات التي يحتمل سَبق الخروج عليها، فالمشهور بين الأصحاب عدم وجوب قضائها.

وتشهد له: قاعدة الفراغ، واستصحاب عدم الجنابة حين الإتيان بها.

والعلم الإجمالي بوجوب قضاء صلواتٍ عليه، لا يمنعُ من جريانهما، لانحلاله إلى العلم التفصلي بوجوب قضاء جملةٍ منها، فالشكّ في وجوب قضاء غيرها تجري فيه القاعدة والأصل بلا معارض، فما عن الشيخ في «المبسوط»(2) من وجوب قضائها معلّلاً بالاحتياط، ضعيف.

وأمّا إذا شكّ في أنّه منه أو من غيره، فلا يجب عليه الغُسل، كما هو المشهور، لموثّق أبي بصير الآتي.

وعن صريح جماعةٍ (3) وظاهر آخرين منهم الشيخ قدس سره(4): التفصيل بين الثوب

ص: 134


1- الفقيه: ج 1/279 ح 857، التهذيب: ج 2/152 ح 55، وسائل الشيعة: ج 1/371 ح 980.
2- المبسوط: ج 1/28.
3- كالعلّامة في تحرير الأحكام: ج 1/89-90، قوله: (ولو رأى في ثوبه منيّاً، فإنْ كان الثوب مختصّاً به وجب الغسل، وإلّا فلا، ويُعيد الصّلاة من آخر نومة).
4- المبسوط: ج 1/28، قوله: (وإذا وجد الرجل في ثوبه منيّاً ولم يذكر وقت خروجه منه، فإنْ كان ذلك الثوب يلبسه هو وغيره، فلا يجب عليه الغُسل، ويستحبّ له أن يغتسل احتياطاً... الخ).

المشترك والمختصّ ، واختيار العدم في الأوّل، والوجوب في الثاني.

واستدلّ له: بأنّه مقتضى الجمع بين موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الرجل يرى في ثوبه منيّاً بعدما يصبح، ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم ؟ قال عليه السلام: فليغتسل، وليغسل ثوبه ويُعيد صلاته»(1).

ونحوه موثّقه الآخر(2).

وبين موثّق أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يصبُ ثوبه منيّاً ولم يَعلم أنّه احتلم ؟ قال: ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضّأ»(3).

فإنّ الجمع بينهما يقتضي حمل الأوّل على ما إذا شاركه في الثوب غيره.

وفيه: أنّ الظاهر من السؤال في موثّقي سماعة، من جهة فرض رؤية المنيّ بعد النوم بلا فصل، وذكر الفخذ في أحدهما، السؤال عمّا لو علم بأنّه منه، ووجّه حينئذٍ احتمال عدم وجوب الغُسل له، إذا لم يكن خروجه عن احتلامٍ ، فهما أجنبيّان عن المقام. وموثّق أبي بصير ظاهر في إرادة الفرض، ومقتضى إطلاقه عدم الوجوب، حتّى إذا كان الثوب من مختصّاته.

وعليه فالأقوى عدم وجوب الغُسل عليه.

وإذا علم بأنّه منه، ولكن لم يعلم أنّه من جنابةٍ سابقة اغتسل منها، أو جنابةٍ اُخرى لم يغتسل منها، ففيه أقوال:

1 - عدم وجوب الغُسل عليه.

2 - وجوب الغُسل.8.

ص: 135


1- التهذيب: ج 1/367 ح 11، وسائل الشيعة: ج 2/198 ح 1917 و ص 258 ح 2101.
2- وسائل الشيعة: ج 2/198 ح 1916.
3- التهذيب: ج 1/367 ح 10، وسائل الشيعة: ج 2/198 ح 1918.

3 - ما اختاره المحقّق الهمداني رحمه الله(1)، ولعلّه الظاهر من كلمات صاحب «الجواهر» رحمه الله(2)، وهو التفصيل:

بين ما لو علم بكونه من غير الجنابة التي اغتسل منها، لكن شكّ في حدوثه قبل الغسل أو بعده.

وبين ما لو احتمل كونه من الجنابة التي اغتسل منها.

فاختار وجوب الغُسل عليه في الأوّل، وعدمه في الثاني.

وقد استدلّ للأخير: بأنّه في الصورة الأُولى يعارض استصحاب الطهارة المتيقّنة الحاصلة بالغُسل، استصحاب الحَدَث المتيقّن عند خروج المنيّ الموجود في الثوب، فيتساقطان ويرجع إلى قاعدة الاشتغال، القاضية بوجوب تحصيل القطع بالطهارة للصلاة.

وفي الصورة الثانية بما أنّ الرؤية لا توجب العلم بثبوت تكليف وراء ما علم سقوطه، فلا محالة يكون الشكّ في التكليف فيها مورداً للبراءة.

وفيه: أنّه في الصورة الأولى بما أنّه يحتمل تعاقب الجنابتين، وعلى فرضه لا توجب الجنابة الثانية تكليفاً آخر، بل يكون وجودها كعدمها، فتكون بعينها الصورة الثانية من هذه الجهة، فلابدَّ من الالتزام بجريان البراءة فيها أيضاً، ولعلّه يكون هذا هو مدرك القول بعدم الوجوب مطلقاً، وستعرف ضعفه.

وتحقيق القول في المقام: إنّ استصحاب الحَدَث المتيقّن وجوده حين خروج المنيّ الموجود في الثوب، من قبيل القسم الرابع من أقسام استصحاب الكلّي، والمختار جريانه في نفسه.4.

ص: 136


1- مصباح الفقيه: ج 1 القسم الأوّل ص 222 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 3/14.

وقد استدلّ لعدم جريانه بوجوه أربعة:

الوجه الأوّل: عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين،، إذ لو رجعنا القهقري من زمان الشكّ إلى زمان العلم بالطهارة والاغتسال، لم نعثر على زمانٍ يُعلم بوجود المشكوك فيه، مع أنّ المعتبر في جريانه اتّصال زمان الشكّ باليقين، لقوله عليه السلام: «مَنْ كان على يقين فشكّ ... الخ»(1).

وفيه: مضافاً إلى ما ذكرناه في مسائل الوضوء، في مبحث مجهولي التاريخ، من النقض بما لو علم بحدوث المشكوك بقائه، وتردّد زمانه بين زمانين وما زاد، واحتمل انعدامه في الزمان الأخير الذي هو من أطراف العلم، فإنّ لازم هذا الوجه عدم جريان الاستصحاب فيه، لأنّه لا دليل على اعتبار شيء زائداً على اليقين والشكّ الفعليين، بأن يكون الثبوت معلوماً والبقاء مشكوكاً فيه.

الوجه الثاني: أنّه من جهة احتمال كون المنيّ الموجود في الثوب من الجنابة المتحقّقة قبل الغُسل، المرتفعة قطعاً، لا يجري الاستصحاب، لعدم إحراز كونه نقضاً لليقين بالشكّ ، بل لعلّه يكون من النقض باليقين.

وفيه: أنّ اليقين والشكّ من الحالات النفسانيّة الوجدانيّة، فلا يعقل أن لا يعلم أنّه متيقّن أو شاكّ ، فالجنابة المعلومة بما أنّه يحتمل كون زمانها قبل الغُسل، يكون بقاؤها مشكوكاً فيه، ولا يُحتمل انتقاض العلم بها باليقين بالاغتسال. فتدبّر.

الوجه الثالث: أنّ الشكّ في بقاء الجنابة مسبّبٌ عن الشكّ في حدوث فردٍ آخر غير ما ارتفع، فيجري استصحاب عدم الحدوث، ويترتّب عليه عدم بقائها.

وفيه: أنّ استصحاب عدم حدوث فردٍ آخر، لا يُثبت كون الحادث هو الفرد الأوّل حتّى يكون مرتفعاً، بل احتمال كون الحادث غير الفرد الأوّل موجودٌ، فيكون8.

ص: 137


1- وسائل الشيعة: ج 1/246 ح 636، الخصال: ج 2/618.

الشكّ في الجنابة الفعليّة مورداً للاستصحاب.

الوجه الرابع: أنّه لاحتمال كون المنيّ الذي وجده، هو المنيّ الذي أوجب الجنابة، يكون تاريخ الجنابة مجهولاً، فلا يجري فيها الاستصحاب.

وفيه: ما عرفت في مسائل الوضوء من ضعف المبنى، وأنّ الأظهر جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.

فتحصّل: أنّ الأقوى جريان الاستصحاب في الجنابة في الفرض، ولكن يعارضه استصحاب الطهارة المتيقّنة الحاصلة بالغُسل - وإنْ شئتَ فعبِّر عنه باستصحاب عدم حدوث فردٍ آخر من الجنابة - فيتساقطان، والمرجع قاعدة الاشتغال الموجبة لتجديد الغُسل، والجمع بينه وبين الوضوء لو صار مُحْدِثاً بالأصغر بعد الغُسل الأوّل.

وقد استدلّ لوجوب الغُسل، والاكتفاء به وحده، بموثّق سماعة المتقدّم في الفرع السابق، بدعوى حمله على الفرض، جمعاً بينه وبين موثّق أبي بصير، وقد عرفت في ذلك الفرع ضعفه، فراجع.(1)

***5.

ص: 138


1- فقه الصادق: ج 2/135.
الجنابة الدائرة بين شخصين

المسألة الثانية: إذا دارت الجنابة بين شخصين، لا يجب الغُسل على واحدٍ منهما، كما هو المشهور(1).

بل عن صريح بعضٍ ، وظاهرُ جماعةٍ : دعوى الإجماع عليه(2).

أقول: ولكن الأظهر التفصيل:

بين ما إذا لم يكن صاحبه محلّ الابتلاء من حيث استأجاره لكنس المسجد و نحوه.

وبين ما إذا كان كذلك.

فلا يجب في الأوّل، لأنّ كلّاً منهما يرجع حينئذٍ إلى استصحاب عدم الجنابة، ولا يمنع عنه العلم الإجمالي، لخروج طرفه الآخر عن محلّ الابتلاء، ويجب في الثاني للعلم الإجمالي بوجوبه أو بحرمة الاستئجار مثلاً.

فإنْ قلت: إنّ لازم ذلك أنّه لو كان الشخص الآخر محلّ الابتلاء من حيث الاقتداء به وجبَ الغُسل، فما وجه حكم المشهور بعدم جواز الاقتداء في الفرض وعدم وجوب الغسل ؟!

قلت: كان الوجه فيه العلم التفصيلي بعدم جواز الإقتداء، لإستلزامه العلم بفساد صلاته، إمّا لجنابته، أو لجنابة إمامه على ماستعرف. فتدبّر.

في حكمخ الاقتداء: ثمّ إنّه فيما لا يجب الغُسل:

1 - هل يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر كما عن «المنتهى »(3)

ص: 139


1- ذكر هذه المسألة غير واحد من الأعلام كالمحقّق اليزدي في العروة الوثقى: ج 1/502 مسألة 643، والشيخ الجواهري في رسائل فقهيّة (مخطوط) ص 41 وغيرهم.
2- جواهر الكلام: ج 3/21 قوله: (ومن هنا لم أعثر على خلاف فيه بين أصحابنا، بل لعلّه إجماعي كما عساه يظهر من المنقول في السرائر من خلاف المرتضى، وبه صرّح بعض متأخّري المتأخّرين كصاحب المدارك وغيره).
3- منتهى المطلب: ج 2/179، حيث نسب بطلان الصّلاة إلى بعض الجمهور وقال: (وعندي فيه إشكال، فإنّ الشارع أسقط نظره عن هذه الجنابة ولم يعتدّ بها في أحكام الجنب، فإنّ لكلّ واحد منهما الدخول في المساجد، وقراءة العزائم، وغير ذلك من المحرّمات على الجنب).

و «التذكرة»(1) و «التحرير»(2) و «نهاية الاحكام»(3) و «المدارك»(4) و «الحدائق»(5)وغيرها.

2 - أم لا يجوز، كما عن «المعتبر»(6) و «الإيضاح»(7) و «البيان»(8) و «جامع المقاصد»(9) و «المسالك»(10) و «الروض»(11) و «كشف اللّثام»(12) وغيرها.

3 - أم تصحّ الصّلاة ويفسد الائتمام، كما احتمله بعض أعاظم المعاصرين ؟ وجوه:

أقواها الثاني، لأنّه يعتبر في صحّة صلاة المأموم طهارته من الحَدَث، وصحّة صلاة إمامه، ولا يمكن في الفرض إحرازهما بالأصل، للعلم الإجمالي بجنابته أو جنابة إمامه، الموجبة لفساد صلاته، فيحصل العلم التفصيلي بفساد صلاته.).

ص: 140


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/224، قوله: (ولأحدهما أن يأتمّ بصاحبه.. وقيل تبطل صلاة المؤتم).
2- تحرير الأحكام: ج 1/90، مسألة 190 (الرابع) من الطبعة الجديدة.
3- نهاية الاحكام: ج 1/101، قوله: (وهل لواحدٍ منهما الايتمام بصاحبه ؟ الوجه ذلك، لسقوط حكم هذه الجنابة في نظر الشارع).
4- مدارك الأحكام: ج 1/270.
5- الحدائق الناضرة: ج 3/26.
6- المعتبر: ج 1/179، قوله: (ولو ائتم أحدهما بصاحبه لم يصحّ صلاة المؤتم).
7- إيضاح الفوائد: ج 1/46، قوله: ولكل منهما الايتمام بالآخر على إشكال.
8- البيان للشهيد الأوّل: ص 14 (ط. ق) قوله: (ولو شاركه غيره سقط عنهما [الغسل] والظاهر أنّه باجتماعهما يقطع بجنب فلا يأتم أحدهما بصاحبه.. الخ).
9- جامع المقاصد: ج 1/259، إلى أنْ قال: (لتردّد حال المأموم بين كونه جنباً، أو مؤتمّاً بجنب، وأيّاً ما كان يلزم البطلان).
10- مسالك الأفهام: ج 1/49.
11- روض الجنان: ص 49، قوله: ولو ائتم أحدهما بالآخر بطلت صلاة المأموم خاصّة.
12- كشف اللّثام ج 1/11، إلى أنْ قال: (والمأموم يعلم جنابته أو جنابة إمامه).

واستدلّ للأوّل: في محكي «التذكرة»(1)؛ بأنّها جنابة أسقط الشارع حكمها، ولذا يجوز لكلٍّ منهما ما يحرم للجُنُب.

وفي «المدارك»(2): بصحّة صلاة كلّ منهما شرعاً، ولا دليل على اعتبار ما زاد على ذلك، ولعلّه إلى ذلك يرجع ما في «الجواهر»(3).

(من أنّ أقصى ما ثبت من الأدلّة اشتراطه بالنسبة إلى الائتمام، هو عدم علم المأموم بفساد صلاة الإمام، لا العلم بصحّتها، فوجود الجنابة واقعاً لا يؤثّر في فساد صلاة المأموم، كما أنّ عدم العلم بها من خصوص الإمام يُصحّح الائتمام) انتهى.

وبأنّا نمنع حصول الحَدَث إلّامع تحقّق الإنزال من شخصٍ بعينه، ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطهارة إجماعاً.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لم يدلّ دليلٌ على سقوط حكم هذه الجنابة مع وجود سببها وهو الإنزال، وإنّما نفيا بعض لوازمها، لإحراز عدمها بالأصل.

وأمّا الثاني: فلأنّ الظاهر من نصوص الائتمام، اعتبار إحراز المأموم صحّة صلاة الإمام ولو بالأصل، وعدم الاكتفاء بإحراز الإمام، ولذا لو اعتقد الإمام كونه متطهّراً ولكن المأموم علم تفصيلاً بجنابته، لا يجوز له الاقتداء به. وحيثُ أنّ إحرازها في المقام باجراء الأصل في طهارة الإمام لا يمكن، لمعارضته باستصحاب طهارة المأموم نفسه، فلا يصحّ الائتمام.

ودعوى: أنّه يستفاد من النصوص الكثيرة الدالّة على عدم وجوب الإعادة على المأموم - إذا تبيّن كون الإمام على غير طهارةٍ ، أو غير مستقبلٍ للقبلة، أو غير2.

ص: 141


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/224.
2- مدارك الأحكام: ج 1/270.
3- جواهر الكلام: ج 3/22.

ناوٍ للصلاة أو كافراً - أنّ الصحّة عند الإمام تكفي في جواز الائتمام، ولولم يَحرز المأموم صحّتها، بل ولو أحرز عدم صحّتها، وعليه فيجوز الائتمام في المقام كما لايخفى.

مندفعة: بأنّها مختصّة بصورة تبيّن الفساد بعد الفراغ، مع إحراز المأموم صحّتها حال الصّلاة، والتعدِّي عنها إلى المقام محتاجٌ إلى دليل مفقود.

وأمّا الثالث: فلأنّ دخل إحراز ذلك في تحقّق الجنابة خلاف إطلاق النصوص، والالتزام به مستلزمٌ لتقييد إطلاق الأدلّة من دون مقيّد، وهو كما ترى .

واستدلّ للأخير: بالنصوص المشار إليها آنفاً، بدعوى أنّها تدلّ على صحّة صلاة المأمومين، ولا تدلّ على صحّة الائتمام، ولا تلازم بين صحّة صلاة المأموم حال مخالفتها لصلاة المنفرد بترك القراءة ونحوها، ممّا لا يقدح سهواً، وصحّة الائتمام، لأنّ الإخلال بمثل تلك في صلاة المنفرد سهواً لا يوجب البطلان.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من أنّها أجنبيّة عن المقام - أنّ مقتضى إطلاقها صحّة الصّلاة حتّى في الصّلاة التي يعتبر فيها الائتمام، ومع زيادة الركوع للتبعيّة الموجبة لبطلان صلاة المنفرد، فتدلّ على صحّة الائتمام أيضاً.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم جواز اقتداء أحدهما بالآخر.

وأخيراً: ممّا ذكرناه ظهر أنّه لا يجوز للثالث العالم بجنابة أحدهما الاقتداء بواحد منهما، إذا كانا محلّ ابتلائه، وإلّا فلا مانع، لأنّ العلم الإجمالي إذا كان بعض أطرافه خارجاً عن محلّ الابتلاء، يجري الأصل في طرفه الآخر دون مانع.

ففي المقام يجري استصحاب عدم جنابة مَنْ هو محلّ الابتلاء، ويترتّب عليه جواز الاقتداء، كما أنّه لو كان أحدهما فاسقاً عنده، أو كان مشكوك الحال، يجري الاستصحاب في معلوم العدالة، ولا يعارضه الأصل في الآخر لعدم جريانه فيه لعدم الأثر.

***

ص: 142

خروج المنيّ بصورة الدّم

المسألة الثالثة: إذا خرج المنيّ بصورة الدّم وجبَ الغُسل، كما عن الشهيد(1)والسيّد في «المدارك»(2).

وعن «النهاية»(3) و «جامع المقاصد»(4) و «الذخيرة»(5): احتمال العدم، لأنّ المنيّ دمٌ في الأصل، فلمّا لم يستحلّ أُلْحِق بالدماء.

أقول: مع الشكّ في صدق عنوان المنيّ عليه، لابدَّ من الرجوع إلى ما جُعل أمارةً له، وقد عرفت أنّه مع اجتماع الصفات الثلاث: الدّفق والفتور والشهوة يحكم بكونه منيّاً.

واحتمال: اختصاص نصوص الطريقيّة بالشبهة المصداقيّة.

يدفعه: التدبّر في النصوص، بل احتمل بعضٌ اختصاصها بالشبهة المفهوميّة، فلاحظ وتدبّر.

***

ص: 143


1- ذكرى الشيعة: ج 1/224.
2- مدارك الأحكام: ج 1/268.
3- نهاية الاحكام: ج 1/98.
4- جامع المقاصد: ج 1/260، حيث اعتبر (أنّ الخارج المشكوك... يجب له الغُسل: لما فيه من الاحتياط وتحقّق البراءة معه).
5- ذخيرة المعاد: ج 1/49 القسم الأوّل.
في حكم إجناب الشخص نفسه

المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب جواز إجناب الشخص نفسه، لو لم يقدر على الغُسل، وكان بعد دخول الوقت.

وعن «المستند»(1) و «المعتبر»(2): دعوى الإجماع عليه.

وعن ظاهر كلامي المفيد(3) وابن الجنيد(4): عدم الجواز.

واستدلّ للثاني: بما دلَّ على وجوب الغُسل على مَن أجنب نفسه، وإنْ تضرّر.

وفيه: مضافاً إلى أنّه لا يدلّ على عدم جواز الإجناب، وستعرف في مبحث التيمّم(5) أنّه لا يُعتمد عليه.

إنّ مصحّح إسحاق بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرجل يكون معه أهله في السفر، لا يجد الماء أيأتي أهله ؟ قال عليه السلام: ما أحبّ أن يفعل إلّاأنْ يخاف على نفسه. قال: قلت: طلبَ بذلك اللّذة، أو يكون شَبَقاً إلى النساء؟ قال عليه السلام: إنّ الشَّبق يخاف على نفسه، قال: طلب بذلك اللّذة ؟ قال عليه السلام:

هو حلال»(6).

صريحٌ في الجواز، والأصحاب عملوا به فهو المعتمد، وعليه فالأقوى هو الجواز.

***

ص: 144


1- مستند الشيعة: ج 3/476.
2- المعتبر: ج 1/396-397.
3- المقنعة: ص 60، قوله: (وإنْ أجنب نفسه مختاراً وجب عليه الغسل وإنْ خاف منه على نفسه، ولم يجزه التيمّم)، وفي طبعة اُخرى (جاز له التيمّم).
4- كما حكاه عنه في الحدائق الناضرة: ج 4/279.
5- فقه الصادق: ج 4/132.
6- الكافي: ج 5/495 ح 3، وسائل الشيعة: ج 20/109 ح 25164.
حكم مقطوع الحَشَفة

المسألة الخامسة: المعروف من مذهب الأصحاب «أنّ من قُطعت حَشَفته، يجنب بإدخال مقدارها من مقطوعها، كما عن «مفتاح الكرامة»(1).

وعن «المدارك»(2): احتمال الاكتفاء بمجرّد صدق الإدخال، واحتمال اعتبار إدخال تمام الباقي.

واختار صاحب «الحدائق»(3) وتبعه بعض المعاصرين(4) سقوط الغسل بالمرّة لولا الإجماع.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الجمع بين نصوص التقاء الختانين وغيبوبة الحَشَفة، وبين الأخبار المطلقة، يقتضي الالتزام بأنّه لا يعتبر في حصول الجنابة إدخال الجميع، ولا يكفي إدخال جزءٍ يسيرٍ منه، بل المدار على إدخال مقدارٍ معتدٍّ به، يتّحد ذلك المقدار خارجاً مع غيبوبة الحَشَفة.

وفيه: أنّ التقدير مطلقاً خلاف الظاهر، لا يُصار إليه إلّامع القرينة المفقودة في المقام.

واستدلّ للاكتفاء بمجرّد صدق الإدخال: بإطلاق صحيح ابن مسلم: «إذا أدخله وَجَب الغُسل»(5). الذي يقتصر في تقييد إطلاقه بغيبوبة الحَشَفة على واجدها.

ص: 145


1- مفتاح الكرامة: ج 3/18، قوله: (إنّ مقطوع الحَشَفة إذا أولج مقدارها وجب عليه الغُسل).
2- مدارك الأحكام: ج 1/272.
3- الحدائق الناضرة: ج 3/13 المسألة الخامسة، إلّاأنّه احتاط لما عليه الأصحاب.
4- كما عليه السيّد في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/17، قوله: (فالعمدة في الحكم المذكور كونه مظنّة الإجماع).
5- الكافي: ج 6/109 ح 6، وسائل الشيعة: ج 21/319 ح 27181 وح 27189.

وفيه: إنّ الضمير يرجع إلى الذَكَر، وهو موضوع للعضو المخصوص بتمامه، وظاهر اسناد الإدخال إليه اعتبار إدخاله بتمامه.

وبذلك يظهر وجه القول باعتبار إدخال تمام الباقي، وستعرف الجواب عنه.

واستدلّ للأخير: بأنّ الأخبار المطلقة إنّما قيّدت بالنصوص المتضمّنة لالتقاء الختانين وغيبوبة الحَشَفة، ولا وجه للاقتصار في التقييد على خصوص الواجد، لأنّه مخالفٌ لإطلاق المقيّد، فبعد الحمل يكون موضوع الحكم خصوص المقيّد، فمع انتفاء الشرط ينتفي الحكم، وهو وجوب الغُسل.

وأورد عليه المحقّق الهمداني رحمه الله(1): بأنّ نصوص التقييد لورودها مورد الغالب، لا يستفاد منها التقييد، خصوصاً في مثل المقام الذي هو بمنزلة التخصيص.

وفيه: أنّ ظاهر أخذ كلّ قيدٍ في الموضوع، دخله في الحكم، وكونه غالبيّاً لا يصلح قرينةً لصرف هذا الظاهر عن ظهوره.

وعليه، فالأقوى بحسب النصوص هو الأخير، إلّاأنّه من جهة الإجماع على وجوب الغُسل لا يمكن الالتزام به.

وبالجملة: فالأقوى وجوب الغُسل عليه بإدخال تمام الباقي، للشكّ في وجوبه بإدخال جزءٍ منه، وإنْ كان هو بمقدار الحَشَفة.

و الأصل يقتضى العدم، إلّا أنْ يثبت الإجماع أيضاً على وجوبه بإدخال مقدارها.

***ل.

ص: 146


1- مصباح الفقيه: ج 1/224 القسم الأوّل.

والواجبُ فيه: النيَّة عند غَسل اليدين أو الرأس مستدامة الحكم.

واجبات الغُسل
اشارة

(والواجب فيه) اُمور:

النيّة

الأوّل: (النيّة): المعتبرة في العبادات، لأنّه من العبادات، وقد تقدّم في مبحث الوضوء(1) تحقيق ماهيّة النيَّة، وجميع ما يتعلّق بها فلا نعيد.

كما ظهر ممّا حقّقناه في ذلك المبحث أنّه لا يعتبر أن تكون النيّة (عند غَسل اليدين أو الرأس)، وإنْ كان المنسوب إلى المشهور ذلك، بل لو نوى حال الأخذ بمقدّمات العمل، وكانت النيَّة باقية في النفس إلى حين الغُسل، يقع عبادةً وامتثالاً للأمر.

كما تبيّن في ذلك المبحث أنّه بناءً على تفسير النيَّة بالإرادة التفصيليّة، والصورة المخطرة، يعتبر أنْ تكون (مستدامة الحكم) حتّى يفرغ، وبناءً على تفسيرها بالداعية إلى العمل يعتبر استدامتها حقيقةً .

ثمّ إنّ الكلام في كونه مستحبّاً نفسيّاً لنفسه من حيث هو، أو للكون على الطهارة ؟ هو الكلام في الوضوء فتواً ودليلاً، فلا مورد للإعادة.

أقول: إنّما الكلام في المقام يقع في أنّه:

هل يكون واجباً نفسيّاً كما عن المصنّف في جملةٍ من كتبه(2) وولده(3) والمحقّق الأردبيلي(4) وغيرهم.

ص: 147


1- فقه الصادق: ج 1/352.
2- منتهى المطلب: ج 2/256، إلّاأنّه توقّف في قواعد الأحكام: ج 1/209.
3- إيضاح الفوائد: ج 1/46-47.
4- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/136، قوله: (ويجب عليه الغسل.. ولا يبعد كونه لنفسه).

أو أنّه لا يكون كذلك، بل إنّما يجب شرطاً لغيره، كما هو المنسوب إلى الأكثر أو المشهور، بل عن «السرائر»(1) دعوى إجماع المحقّقين من أصحابنا، ومصنّفي كتب الاُصول عليه، وعن «التذكرة»(2) نسبته إلى ظاهر الأصحاب.

وقد استدلّ للأوّل بعدّة أدلّة:

1 - بالآية الشريفة: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (3).

2 - وبقول أمير المؤمنين عليه السلام في صحيح زرارة:

«أتوجبون عليه الحَدّ والرَّجم، ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟»(4).

وقوله عليه السلام: «إنّما الغُسل من الماء الأكبر»(5).

وقول الإمام الرضا عليه السلام: «إذا التقى الختانان، فقد وجب الغُسل»(6) ونحوها.

3 - وبما دلَّ على وجوبه في الصوم قبل الفجر، إذ لو لم يكن واجباً نفسيّاً لما وجب قبل وقت المشروط به.

4 - وبخبر معاذ، عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّه سئل عن الدين الذي لا يقبل اللّه تعالى من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله ؟

فقال: شهادة أن لا إله إلّااللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله، والصَّلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والغُسل من الجنابة، وحجّ البيت، والإقرار بما جاء من عند6.

ص: 148


1- حكاه عن السرائر صاحب مفتاح الكرامة: ج 1/48، ولم نعثر عليه صريحاً في السرائر، نعم فرق بين غسل الجنابة وغيره بما قد يستظهر منه ذلك في: ج 1/112-113.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/148، قوله: مسألة 40: (لا شيء من الطهارات الثلاث بواجب في نفسه عدا غسل الجنابة على الخلاف).
3- سورة المائدة: الآية 6.
4- التهذيب: ج 1/119 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/184 ح 1879.
5- الكافي: ج 3/48 ح 1، الفقيه: ج 1/86 ح 189، وسائل الشيعة: ج 2/197 ح 1913 و 1914.
6- الكافي: ج 3/46 ح 2، التهذيب: ج 1/118 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/183 ح 1876.

اللّه، والائتمام بأئمّة الحقّ من آل محمّد صلى الله عليه و آله»(1).

5 - وبصحيح البصري، عنه عليه السلام: «عن الرجل يواقع أهله، أينام على ذلك ؟

قال عليه السلام: إنّ اللّه يتوفّى الأنفس في منامها، ولا يدري ما يطرقه من البليّة، إذا فرغ فليغتسل»(2).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الآية الشريفة: فلأنّ الأمر به فيها - بقرينة السياق والعلم بشرطيّته للصلاة - ظاهرٌ في إرادة الإرشاد إلى الوجوب الشرطي، كالأمر بالوضوء عند القيام إلى الصّلاة.

وأمّا قولهم المتضمّن لوجوبه عند تحقّق سببه، فهو واردٌ في مقام بيان السببيّة، لا في مقام بيان الوجوب، كي يتمسّك بإطلاقه لإثبات كونه واجباً نفسيّاً.

وما دلَّ على وجوبه قبل الفجر، لا يدلّ على وجوبه النفسي، لعدم منافاته مع الوجوب الغيري. إمّا للالتزام بالواجب المعلّق، أو لتماميّة مصلحة الواجب قبل الغُسل، وإنْ لم يمكن التكليف به لعدم القدرة عليه أو لغيرهما من الوجوه المذكورة في الاُصول.

وأمّا خبر معاذ: فهو ضعيفٌ لا يُعتمد عليه، مع أنّه لا إطلاق له كي يستكشف منه الوجوب النفسي.

وأمّا الصحيح: فيتعيّن حمله على الاستحباب، بقرينة ما هو صريحٌ في عدم الوجوب في الفرض، كموثّق سماعة:0.

ص: 149


1- وسائل الشيعة: ج 1/28 ح 38، المحاسن: ج 1/288 ح 433.
2- التهذيب: ج 1/372 ح 30، وسائل الشيعة: ج 2/228 ح 2010.

«عن الرَّجل يُجنب ثمّ يريد النوم ؟ قال عليه السلام: إن أحبَّ أن يتوضّأ فليفعل، والغُسل أحبُّ إليَّ وأفضل من ذلك»(1).

فتحصّل: أنّه لا دليل على وجوبه النفسي، والأصل يقتضي عدمه، ويشهد له خبر حسن الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن المرأة يجامعها الرجل فتحيّض، وهي في المغتسل، تغتسل أم لا تغتسل ؟ قال عليه السلام: قد جاءها ما يفسد الصّلاة، فلا تغتسل»(2).

فإنّه ظاهرٌ في أنّ وجوبه إنّما يكون للصلاة، وعليه فالأقوى هو القول الثاني.

***5.

ص: 150


1- الكافي: ج 3/51 ح 10، وسائل الشيعة: ج 2/228 ح 2012.
2- الكافي: ج 3/83 ح 1، التهذيب: ج 1/370 ح 21، وسائل الشيعة: ج 2/203 ح 1928 وص 314 ح 2225.

واستيعاب الجَسَد بالغُسل.

لزوم استيعاب الجَسَد

(و) الأمر الثاني من واجبات الغُسل:

(استيعاب الجَسَد بالغُسل) بلا خلافٍ ، بل عن المصنّف رحمه الله(1) والشيخ(2)والشهيد(3) وغيرهم: دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: نصوصٌ كثيرة:

منها: الخبر الصحيح الذي رواه زرارة: «ثمّ تغسل جَسَدك مِنْ لَدُن قرنك إلى قدميك»(4).

ومنها: صحيح البزنطي: «ثمّ أفض على رأسك وسائر جسدك»(5).

ومنها: صحيح حجر بن زائدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من ترك شعرةً من الجنابة متعمّداً فهو في النار»(6).

ومنها: موثّق سماعة: «ثمّ يفيض الماء على جَسَده كلّه»(7).

ص: 151


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/230، وأمّا تحرير الأحكام: ج 1/93، وغيره فإنّه أوجب إيصال الماء إلى كلّ البشرة دون التعرّض للإجماع إلّافي التذكرة فإنّه صريح.
2- المبسوط: ج 1/29، قوله: (ويغسل جميع جسده)، ومثله في الاقتصاد ص 244، والرسائل العشر ص 161، حيث اعتبر وجوب استيعاب الجسد دون دعوى الإجماع.
3- البيان: ص 14 (ط. ق) حيث جعل تخليل الماء إلى البشرة واجب، الدروس: ج 1/96 فإنّه أرسل الأمر إرسال المسلّمات دون دعوى الإجماع.
4- التهذيب: ج 1/148 ح 113 و ص 370 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/230 ح 2017.
5- وسائل الشيعة: ج 2/233 ح 2028، قرب الإسناد ص 162.
6- التهذيب: ج 1/135 ص 64، وسائل الشيعة: ج 2/175 ح 1856.
7- التهذيب: ج 1/132 ح 55، وسائل الشيعة: ج 1/212 ح 542 وج 2 ص 231 ح 2020.

ومنها: ما دلَّ على وجوب غَسل ما تركه من بعض جسده.

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهرة جميعها في لزوم غَسل جميع الأجزاء، وعدم بقاء شيءٍ يسير من الجسد بلا غَسل.

وعن المحقّق الخونساري(1): عدم الاعتداد ببقاء شيءٍ يسير لا يخلّ عرفاً بغَسل جميع البدن إمّا مطلقاً أو مع النسيان، واستدلّ له:

1 - بصحيح إبراهيم، قال: «قلتُ للرضا عليه السلام: الرَّجل يُجنب فيصيب جسده ورأسه الخَلُوق والطيب والشيء اللكد، مثل عَلَك الروم والظرب وما أشبهه، فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئاً قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره ؟ قال عليه السلام: لا بأس به»(2).

2 - وخبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام:

«كنَّ نساء النبيّ صلى الله عليه و آله إذا اغتسلن من الجنابة، يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمرهن أن يصببن الماء صبّاً على أجسادهن»(3).

3 - وحسن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الخاتم إذا اغتسل ؟ قال: حوّله من مكانه، وقال في الوضوء: تديره فإنْ نسيتَ حتّى تقوم في الصّلاة فلا آمرك أن تُعيد الصّلاة»(4).

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الصحيح: فلأنّه من الجائز أنْ يكون المراد بما بقي، الأثر الذي لا يمنع وصول1.

ص: 152


1- مشارق الشموس: ج 1/170 (ط. ق).
2- وسائل الشيعة: ج 2/239 ح 2040.
3- التهذيب: ج 1/369 ح 16، وسائل الشيعة: ج 2/239 ح 2041.
4- الكافي: ج 3/45 ح 14، وسائل الشيعة: ج 1/468 ح 1241.

الماء أو يشكّ فيه.

وأمّا الخبر: فلأظهريّته في هذا الاحتمال.

وأمّا الحسن: فلأنّه إنّما يدلّ على عدم إعادة الصّلاة، لا صحّة الغُسل، مع احتمال أنْ يكون المراد منه الخاتم الذي لا يمنع وصول الماء، ويكون الأمر بالتحويل والإدارة استحبابيّاً، هذا كلّه مضافاً إلى مخالفة هذا القول للإجماع.

***

ص: 153

وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلّابه.

وجوب التخليل
اشارة

(و) الثالث من واجبات الغُسل: (تخليل ما لا يَصلُ إليه الماء إلّابه)، بلا خلاف، بل في «الجواهر»(1): دعوى الإجماع عليه، فلا يجتزي بغَسل الشعر، سواء أكان كثيفاً أم خفيفاً.

ويشهد له: النصوص المتقدّمة الدالّة على وجوب غَسل الجَسَد والرأس كليهما، فإنّ المتبادر من الأمر بغَسلهما، غَسلُ البشرة لا ما أحاط بها من الشعر.

وصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا مسّ جلدك الماء فَحَسبك»(2).

وحسن الكاهلي، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ النساء اليوم أحدثن مشطاً، تعمد إحداهنّ إلى القرامل من الصوف تفعله الماشطة، تصنعه مع الشعر، ثمّ تحشوه بالرياحين، ثمّ تجعل عليه خرقة رقيقة، ثمّ تخيطه بمسلّة، ثمّ تجعلها في رأسها، ثمّ تصيبها الجنابة ؟ فقال عليه السلام: كان النساء الأول إنّما يتمشّطن المقاديم، فإذا أصابهن الغُسل بقذرٍ، مُرها أن تُرويّ رأسها من الماء، تعصره حتّى يروى، فإذا روى فلا بأس عليها»(3).

أقول: وأمّا صحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «كلّ ما أحاط به الشَّعر فليس على العباد أن يطلبوه، ولا يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء»(4).

ص: 154


1- جواهر الكلام: ج 3/80-81.
2- الكافي: ج 3/22 ح 7، وسائل الشيعة: ج 1/485 ح 1284.
3- وسائل الشيعة: ج 2/256 ح 2096.
4- الفقيه: ج 1/44 ح 88، وسائل الشيعة: ج 1/476 ح 1264 و ح 1265.

فهو مختصٌّ بالوضوء، وما دلَّ على إجزاء الغُرفتين أو الثلاث لا يدلّ على الاكتفاء بغَسل الشَّعر، لعدم استلزام ذلك، لعدم وصول الماء إلى البشرة وإنْ كان كثيفاً.

فما عن «مجمع الفائدة»(1) من التأمّل في الحكم، ضعيفٌ .

وبالجملة: بما ذكرناه ظهر أنّ التخليل لا يكون واجباً مستقلّاً قسيماً لغَسل البشرة، بل يكون وجوبه مقدّميّاً.

***7.

ص: 155


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/137.
لا يجبُ غَسل الشَّعر

فروع:

الفرع الأوّل: المشهور بين الأصحاب عدم وجوب غَسل الشَّعر مع وصول الماء إلى البشرة.

وعن «المعتبر»(1) و «الذكرى»(2): دعوى الإجماع عليه.

وظاهر عبارة «المقنعة»(3) وجوبه، حيث قال: (وإذا كان الشَّعر مشدوداً حلّته).

وفي «الحدائق»(4) تقويته، وعن البهائي قدس سره(5) الميل إليه.

ويشهد للأوّل: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تنقضُ المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة»(6). ونحوه خبر غياث(7).

فإنّه لا يصل الماء عادةً إلى الشَّعر بتمامه مع أحكام إبرامه.

وبذلك يظهر صحّة الاستدلال له بحَسَن الكاهلي المتقدّم.

واستدلّ للقول الثاني بعدّة أدلّة:

ص: 156


1- المعتبر: ج 1/194، قوله: (ولا تنفض المرأة شعرها إذا بلَّ الماء أُصوله، وهو مذهب الأصحاب).
2- ذكرى الشيعة: ج 2/237.
3- المقنعة: ص 54، استظهر غير واحد أنّ عبارة المقنعة لا تدلّ على وجوب غسل الشَّعر، وهو ليس ببعيد، وذلك لما يظهر من التعليل بإيصال الماء إلى الأُصول بقوله قبل ذلك: (تبدأ بغسل رأسها حتّى تُوصل الماء إلى اُصول شعرها وإنْ كان مشدوداً حلّته).
4- الحدائق الناضرة: ج 3/89-90.
5- الحبل المتين: ص 43، قوله: (والحقّ أنّه إن تحقّق الإجماع على عدم وجوب غسل الشَّعر فذاك، وإلّا فإثبات هذا الحكم بمجرّد ذلك لا يخلو من إشكال، واللّه أعلم).
6- الكافي: ج 3/45 ح 16، التهذيب: ج 1/147 ح 107، وسائل الشيعة: ج 2/255 ح 2095.
7- التهذيب: ج 1/162 ح 38، وسائل الشيعة: ج 2/255 ح 2094.

1 - بالأصل، فإنّ الشكّ في دخل شيءٍ في الغُسل من قبيل الشكّ في المحصّل، والمرجع فيه هو قاعدة الاشتغال.

2 - وبصحيح حجر المتقدّم: «مَنْ تَرَك شعرةً من الجنابة متعمّداً فهو في النار».

والنبوي: «بلّوا الشَّعر وانقوا البشرة»(1).

3 - وحَسَن جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن ما تضع النساء في الشَّعر والقرون، يبالغن في الغَسل»(2). ونحوه صحيح ابن مسلم(3).

4 - وموثّق عمّار، عنه عليه السلام: «عن المرأة تغتسل، ولم تنقض شعرها، كم يجزيها من الماء؟ قال عليه السلام: مثل الذي يشرب شعرها»(4).

5 - وبما دلَّ على وجوب غَسل الرأس والجَسَد، فإنّه يدلّ على وجوب غَسل الشَّعر النابت عليهما تبعاً.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأصل: فلما أشرنا إليه مراراً من أنّ بيان المحصّل إذا كان من وظائف المولى، لو شكّ دخل شيءٍ فيه، يكون المرجع فيه هو البراءة لا الاشتغال.

مع أنّه قد عرفت أنّ الطهارة التي أمر بها إنّما تكون من العناوين المنطبقة على الغُسل لا الأثر الحاصل منه.

وأمّا صحيح حجر: فهو وإنْ كان ظاهراً في هذا القول - وما ذكره بعض أعاظم المحقّقين رحمهم الله: من أنّه إنّما يدلّ على الوجوب وهو أعمٌّ من النفسي والغيري، وإنّما7.

ص: 157


1- سنن الترمذي: ج 1/71 ح 106، المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 1/262 ح 1002، كنز العمّال: ج 9/553 ح 27379.
2- الكافي: ج 3/45 ح 17، وسائل الشيعة: ج 2/255 ح 2093.
3- التهذيب: ج 1/147 ح 110، وسائل الشيعة: ج 2/255 ح 2092.
4- الفقيه: ج 1/100 ح 208، وسائل الشيعة: ج 2/257 ح 2097.

يحمل لفظ الوجوب وصيغة الأمر على الوجوب النفسي عند الإطلاق، إذا لم يتعلّق التكليف بما يحتمل أنْ يكون الأمر بغَسل الشَّعر مقدّمة لغَسل البشرة المأمور به، فلا موجب لحمله على الوجوب النفسي، غير تامّ ، فإنّ التوعّد على ترك شيءٍ ، ظاهرٌ في وجوبه لنفسه لا لغيره - إلّاأنّ الجمع بينه وبين النصوص المتقدّمة، يقتضي حمله على إرادة مقدار شعرة من البشرة.

وأمّا حَسَن جميل، وصحيح ابن مسلم: فلا يكونان ظاهرين في هذا القول، إذ الأمر بالمبالغة يمكن أنْ يكون لإيصال الماء إلى البشرة.

وأمّا موثّق عمّار: فمن جهة فرض عدم نقض الشَّعر فيه، والتعبير (بمثل) يكون ظاهراً في خلاف هذا القول.

وأمّا التبعيّة: فهي إنّما تكون خارجاً، وثبوتها كذلك لا يقتضي التبعيّة في الدلالة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى عدم وجوب غَسل الشَّعر.

***

ص: 158

لا يجب غسل البواطن

الفرع الثاني: المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، عدم وجوب غسل البواطن، وفي «الحدائق»(1) نفي الخلاف فيه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: مرسل الواسطي، عن بعض أصحابه، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجُنُب يتمضمض ؟ قال عليه السلام: لا، إنّما يجنب الظاهر»(2).

وعن الصدوق روايته في «العلل» مع زيادة: (ولا يجنب الباطن، والفمُ من الباطن)(3).

ومنها: مرسل الصدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنْ شئتَ أن تمضمض وتستنشق فافعل، وليس بواجبٍ ، لأنّ الغُسل على ما ظهر لا على ما بطن»(4).

ومنها: خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّما عليك أن تَغسل ما ظَهَر»(5).

هذا مضافاً إلى ما تضمّن الإجتزاء بالارتماس.

***

ص: 159


1- الحدائق الناضرة: ج 3/91، قوله: (ويجب عليه إيصال الماء إلى جميع الظاهر من بدنه دون الباطن منه بلا خلاف).
2- التهذيب: ج 1/131 ح 51، وسائل الشيعة: ج 2/226 ح 2004.
3- وسائل الشيعة: ج 2/226 ح 2005، علل الشرائع: ج 1/287 ح 1.
4- وسائل الشيعة: ج 2/226 ح 2006، علل الشرائع: ج 1/287 ح 2.
5- التهذيب: ج 1/78 ح 51، وسائل الشيعة: ج 1/431 ح 1129 و: ج 3/438 ح 4100.
في حكم ما يشكّ أنّه من الظاهر أو الباطن

الفرع الثالث: إذا شكّ في كون شيء من الظاهر أو الباطن، كأوائل الأنف ونحوها، فقد اختار جملةٌ من الأعاظم وجوب غسله.

وقد استدلّ له في «العروة»(1): بأنّ التكليف بالغُسل معلومٌ ، فيجب تحصيل اليقين بالفراغ.

وفي غيرهااستدلّله(2): بأنّ المأمور به هو الطهارة، التي هي الأثرالحاصل من الغسل، فيرجع الشكّ في المقام إلى الشكّ في المحصّل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ التكليف المعلوم بالاجمال إذا كان مردّداًبين الأقلّ والأكثر، ينحلّ بالعلم بوجوب الأقلّ ، والشكّ في وجوب الأكثر، فتجري فيه البراءة.

وعلى الثاني: أنّ الشكّ في المحصَّل الذي يكون بيانه وظيفة المولى يكون مجرى قاعدة البراءة، مع أنّك عرفت آنفاً أنّ الشكّ في المقام ليس من قبيل الشكّ في المحصَّل، لأنّ الطهارة من العناوين المنطبقة على الغُسل لا على الأثر الحاصل منه.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم وجوب غَسله، فالثُّقب الذي يكون في الاُذن إنْ جزم بأنّه من الظاهر - كما عن المقدّس الأردبيلي وتلميذه(3) في «المدارك» - يجب غَسله، ولعلّ نظر المحقّق الثاني(4) إلى ذلك حيث أفتى بالوجوب، وإلّا فلايجب.

***

ص: 160


1- العروة الوثقى: ج 1/129-130 مسألة 668.
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 3/98.
3- مدارك الأحكام: ج 1/292، إلى أنْ قال: (ومن البواطن: داخل الفم والأنف والاُذن، ومنه الثّقب الذي يكون في الاُذن للحلقة إذا كان بحيث لا يرى باطنه على الأظهر، وبه جزم شيخنا المعاصر سلّمه اللّه تعالى ).
4- رسائل الكركي: ج 1/89، كما هو الظاهر من قوله: (وغسل الرأس والرقبة والأذنين وما ظهر من الصماخ)، انتهى. والصماخ كما في (الصحاح 1:426 «صمخ»): خرق الأُذن، ويقال هو الأُذن نفسها.

والبدأة بالرأس.

لزوم الترتيب
اشارة

(و) الرابع من واجبات الغسل:

(البدأة بالرأس) مقدّماً على سائر بدنه، كما هو المشهور، وفي الجواهر(1): (بلا خلاف أجده).

وعن السيّد(2)، والشيخ(3)، وابن زُهرة(4)، والمصنّف رحمه الله(5)، والشهيد(6)، وغيرهم: دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: مضافاً إلى ذلك النصوص المتضمّنة لعطف غيره عليه بلفظة (ثمّ ):

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام في غُسل الجنابة:

«ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثاً، ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين، فما جرى عليه الماء فقد طَهُر»(7).

ص: 161


1- جواهر الكلام: ج 3/85.
2- الإنتصار: ص 120، قوله: (وممّا انفردت به الإماميّة القول بترتيب غسل الجنابة... الخ).
3- الخلاف: ج 1/132 مسألة 75.
4- غنية النزوع: ص 61، حيث رتّب بين غسل الرأس ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر وقال: (كلّ ذلك بالإجماع المذكور).
5- تذكرة الفقهاء: ج 1/231، قوله: (الرابع: الترتيب، يبدأ برأسه، ثمّ جانبه الأيمن، ثمّ الأيسر، ذهب إليه علماؤنا أجمع). الرسائل السعديّة ص 96 البحث الثامن.
6- ذكرى الشيعة: ج 2/218 قوله: (الرابع: الترتيب: وهو أنْ يبدأ بغسل الرأس مع الرقبة، نصَّ عليه المفيد والجماعة، ثمّ بالجانب الأيمن ثمّ بالأيسر، وهو من تفرّداتنا)، واعتبر الترتيب في غير الذكرى ولم يتعرّض للإجماع كالدروس: ج 1/96 أحكام الجنب.
7- التهذيب: ج 1/132 ح 56، الاستبصار ج 1/123 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2013.

ونحوه(1) في ذلك صحيح زرارة، وموثّق محمّد بن مسلم.

ومنها: مصحّح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ اغتسل من جنابةٍ ، فلم يغسل رأسه، ثمّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بُدّاً من إعادة الغسل»(2).

فإنّه يدلّ على عدم جواز تقديم الجانبين على الرأس، وبضميمة عدم القول بالفصل بين عدم جواز تقديمهما ولزوم تأخيرهما، يتمّ المطلوب.

واحتمال أنْ يكون منشأ الفساد فيه التشريع المنافي لقصد الامتثال، لا فوات الترتيب.

ضعيفٌ لا يعبأ به، إذ من المستبعد جدّاً كون المُسلم المغتسل في مقام الامتثال تاركاً لجزءٍ من المأمور به عمداً.

ومنها: صحيح ابن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام: في الجارية التي أصاب منها في طريق مكّة، وفيه: «فقلت: اغسلي رأسك وامسحيه مسحاً شديداً لا تعلم به مولاتكِ ، فإذا أردتِ الإحرام فاغسلي جَسَدك ولا تَغسلي رأسك»(3).

ولا ينافيه صحيح هشام(4) المتضمّن لأمرها بغَسل الجسد قبل الرأس، فأنّ راوي هذا الخبر قد روى الخبر المتقدّم عن محمّد بن مسلم، وعليه فيُحمل هذا على وهم الراوي واشتباهه، كما عن الشيخ(5) ومن تأخّر عنه، أو على إرادة غُسل الإحرام كما عن صاحب «الرياض»(6)، أو على غير ذلك من المحامل المذكورة

ص: 162


1- وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2014.
2- الكافي: ج 3/44 ح 9، وسائل الشيعة: ج 2/235 ح 2032 ومثله رواية حريز ح 2034.
3- التهذيب: ج 1/134 ح 62، وسائل الشيعة: ج 2/237 ح 2036.
4- التهذيب: ج 1/134 ح 61، وسائل الشيعة: ج 2/236 ح 2035.
5- التهذيب: ج 1/134 في تعليقه على الحديث ح 62.
6- رياض المسائل: ج 1/298، حيث أسقط الرواية عن العمل للمعارضة، قوله: (وما لا يقبل التقييد، كالصحيح، في أمر مولانا الصادق عليه السلام: الجارية - في الحكاية المعروفة - بخلاف الترتيب، معارض بصحيح آخر لراويه تضمّن أمره الجارية بخلاف ما فيه).

في المطوّلات.

ومنها: صحيح حريز: «وابدأ بالرأس، ثمّ أفِض على سائر جسدك»(1).

أقول: وبهذه النصوص والإجماع، يقيّد إطلاق ما يكون ظاهراً في عدم الوجوب، كصحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»(2).

ومنها: خبر البزنطي، عن الإمام الرضا عليه السلام: «ثمّ أفِضْ على رأسكِ وجَسَدكِ ولا وضوء فيه»(3).

ونحوهما غيرهما.

ودعوى: إبائها عن التقييد، من جهة تضمّنها لذكر اُمور كثيرة خارجة عن الغُسل، وبعضها مستحبٌّ ، وعدم تعرّضها للترتيب بين الأعضاء.

مندفعة: بأنّ اشتمالها على تلك الاُمور، لا يوجب قوّة دلالتها على عدم الوجوب، وتصير نصّاً فيه أو كالنصّ ، كي لا يصحّ تقييد إطلاقها، كما أنّ اشتمال المقيّدات على ما لا يقول بوجوبه المشهور، لا يستلزم عدم وجوب الترتيب مع ظهورها فيه، وعدم الصارف عنه كي لا تصلح للتقييد.

فتحصّل: أنّ مقتضى الجمع بين النصوص، اعتبار الترتيب بين الرأس والجانبين.

***6.

ص: 163


1- التهذيب: ج 1/88 ح 81، وسائل الشيعة: ج 1/447 ح 1178 وج 2/237 ح 2037.
2- التهذيب: ج 1/148 ح 113، وسائل الشيعة: ج 2/230 ح 2017.
3- التهذيب: ج 1/131 ح 54، وسائل الشيعة: ج 2/230 و 233 و 247 ح 2018 و 2028 و 2076.

ثمّ بالجانب الأيمن ثمّ الأيسر.

الترتيب بين الجانبين

(ثمّ ) يبدأ (ب) غَسل (الجانب الأيمن ثمّ ) من بعده (الأيسر) كماهو المشهور، وعن «الانتصار»(1) و «الخلاف»(2) و «الغنية»(3) و «التذكرة»(4): دعوى الإجماع عليه.

وعن «المعتبر»(5): إنّه انفراد الأصحاب.

وعن «المنتهى »(6): إنّه مذهب علمائنا خاصّة.

وعن ظاهر الصدوقين(7)، وابني الجُنيد(8) وأبي عقيل(9): العدم، وإليه مالَ شيخنا البهائي(10) والمجلسي(11) وأصحاب «المدارك»(12)

ص: 164


1- الانتصار: ص 120، قوله: (وممّا انفردت به الإماميّة القول بترتيب غسل الجنابة... الخ).
2- الخلاف: ج 1/132 مسألة 75.
3- غنية النزوع: ص 61، الفصل الخامس: في غُسل الجنابة.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/231، الرابع من واجبات الغسل.
5- المعتبر: ج 1/182.
6- منتهى المطلب: ج 2/195.
7- راجع الهداية: ص 93 (ط. ج) كيفيّة غسل الجنابة وآدابه، وهو ظاهر المقنع ص 39، باب الغسل من الجنابة وغيرها، قوله: (ثمّ صبّ الماء على رأسك وبدنك مرّتين، وامرر يديك على بدنك كلّه). ولم يذكر وجوب الترتيب.
8- حكاه عنه الشهيدفي الذكرى: ص 220 (ط. ج) بقوله: (نعم لم يصرّح الصدوقان بالترتيب فى البدن و لابنفيه، وابن الجنيد جتزأ مع قلّة الماء بالصَّب على الرأس، وإمرار اليد على البدن تبعاً للماء المنحدر من الرأس على الجسد.. إلخ).
9- كما حكاه عنه الشهيد في الذكرى: ج 2/220 (ط. ج) بقوله: (وابن أبي عقيل عطف الأيسر بالواو. ولم يذكر قوله مفصّلاً، فالعطف بالواو على الأقلّ ليس نصّاً بالترتيب).
10- الحبل المتين: ص 38-39، قوله: (الثاني في كيفيّة غسل الجنابة و وجوب الترتيب فيه وعدم وجوب الموالاة بشيء من المعنيين المذكورين في الوضوء عشرة أحاديث).
11- بحار الأنوار: ج 78/54، في كيفيّة الغسل.. فإنّه بعد التعرّض للأقوال قال: (فلا يبعد القول بعدم وجوب الترتيب بينهما).
12- مدارك الأحكام: ج 1/294، قوله: (واعلم أنّ الروايات دلّت على وجوب تقديم الرأس على الجسد، أمّا اليمين على الشمال فغير صريحة بذلك).

و «الذخيرة»(1) والوافي(2) وغيرهم.

واستدلّ للأوّل: بعدّة أدلّة:

1 - بالإجماع.

2 - وبما دلَّ على اعتبار الترتيب بين الرأس والجانبين، بضميمة عدم الفصل في الترتيب بين الرأس والجانبين وفيما بينهما.

3 - وبما دلَّ على اعتبار الترتيب في الوضوء، بدعوى عدم الفصل بين الترتيب في الوضوء، وبينه في أعضاء الغسل.

4 - وبالأخبار(3) الدالّة على اعتبار الترتيب بين الجانبين في غُسل الأموات، بضميمة ما دلَّ على أنّ غُسل الميّت بعينه هو غُسل الجنابة(4)، مع أنّه لو كانت كيفيّة غُسل الجنابة تختلف عن كيفيّة غُسل الميّت، للزم في كلّ مقامٍ أمر فيه بالغُسل، التنبيه على أنّه كغُسل الجنابة أو كغُسل الميّت.

أقول: وفي الجميع غير الإجماع نظر؛ إذ ظاهر الصدوقين وجملة من المتأخّرين المتقدّم ذكرهم، اختيار التفصيل، فما دلَّ على اعتبار الترتيب بين الرأس والجانبين، لا يدلّ على هذا القول.

ومنه يظهر عدم صحّة الاستدلال له بما دلَّ على اعتباره في الوضوء.

وكون غُسل الميّت بعينه غُسل الجنابة، لا يستلزم اعتبار جميع ما يعتبر في).

ص: 165


1- ذخيرة المعاد: ج 1/56 القسم الأوّل، فإنّه بعد ذكر الأقوال والروايات قال: (لكن الاجتراء على خلاف المعمول بين الأصحاب المدّعى عليه الإجماع مشكل، كما أنّ إثبات وجوب الموافقة أيضاً مشكل... الخ).
2- كتاب الوافي: ج 6/517 باب وجوب تقديم الرأس في الغسل وسقوط الموالاة فيه، قال: (وأمّا تقديم اليمين على الشمال فلا، وهو ممّا لا دليل عليه وإنّما القول به مجرّد شهرة بلا مستند). ثمّ حمل ما ورد في التيامن على الاستحباب.
3- وسائل الشيعة: ج 2/486، باب 3 من أبواب غسل الميّت.
4- وسائل الشيعة: ج 2/486، باب 3 من أبواب غسل الميّت (باب أنّ غُسل الميّت كغُسل الجنابة).

الأوّل في الثاني، بعد كون الفرق بين جنابة الحيّ والميّت ممّا لا يخفى، ولذا لم يستدلّ أحدٌ بالنصوص الدالّة على أنّ غُسل الميّت هو غُسل الجنابة، على اعتبار السِّدر وتثليث الغُسُلات وغيرهما ممّا يعتبر في غُسل الميّت في غُسل الجنابة.

نعم لو كان مفاد النصوص أنّ اعتبار الترتيب فيه إنّما يكون مسبّباً عن كونه جُنُباً، كان الاستدلال بهذه النصوص في محلّه، وبما أنّ غُسل الميّت غير غُسل الحيّ ، وهو عبارةٌ عن غُسل الإنسان غيره، فاختلاف كيفيّته مع كيفيّة غُسل الجنابة، لا يلازم التنبيه في كلّ غُسلٍ على أنّه كأحدهما، لعدم كونه من سنخ سائرالأغسال.

أقول: وأمّا خبر ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «غُسل الميّت مثل غسل الجنابة، وإنْ كان كثير الشَّعر فردّ عليه الماء»(1).

فهو وإنْ كان في نفسه ظاهراً في اعتبار الترتيب في غُسل الجنابة أيضاً، لأنّه مقتضى تماثلهما من جميع الجهات، وليس مفاده تنزيل غُسل الميّت منزلة غُسل الجنابة كي يقال إنّه يدلّ على ترتيب أحكام غُسل الجنابة عليه، لا ترتيب أحكامه على غُسل الجنابة، إلّاأنّه لا يصلح لرفع اليد عن ظهور النصوص الدالّة على عدم اعتباره بالخصوص، كموثّق سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملء كفيّه، ثمّ يضرب بكفٍّ من ماء على صدره، وكفٍّ بين كتفيه، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه»(2). وقريب منه غيره.

فتحصّل: أنّه لا دليل على اعتباره بين الجانبين، سوى الإجماع إنْ تمّ ، والاحتياط سبيل النجاة.

***0.

ص: 166


1- الفقيه: ج 1/192 ح 586، وسائل الشيعة: ج 2/486 ح 2708.
2- التهذيب: ج 1/132 ح 55، وسائل الشيعة: ج 1/212 ح 542 و ج 2، ص 231 ح 2020.

ويسقط الترتيب مع الإرتماس.

الترتيب يَسقُط بالارتماس
اشارة

(ويَسقُطُ الترتيب مع الإرتماس) مرّةً واحدةً بلا مخالف، وفي «الجواهر»(1):

للإجماع المحصّل والمنقول.

أقول: والنصوص به مستفيضة:

ففي صحيح زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «ولو أنّ رجلاً جُنُباً ارتمس في الماء ارتماسةً واحدة أجزأه ذلك، وإنْ لم يدلك جسده»(2).

وفي حَسَن الحلبي، عنه عليه السلام: «إذا ارتمس الرّجل الجُنُب في الماء ارتماسةً واحدة أجزأه ذلك من غُسله»(3). ونحوهما غيرهما.

وبما أنّ ما دلَّ على اعتبار الترتيب، إنّما يدلّ على اعتباره في الغُسل الترتيبي، فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر هذه النصوص.

***

في معنى الارتماس

المشهور بين الأصحاب - على ما نُسب إليهم - أنّ المراد من الارتماس، غَمس تمام البدن في الماء دفعةً واحدةً عرفيّة.

وفي «الحدائق»(4): إنّ المراد به غَمس البدن في الماء، ولو في آناتٍ متعدّدة، بحيث لا تصدق معه الدفعة.

ص: 167


1- جواهر الكلام: ج 3/93، سقوط الترتيب في الغُسل الارتماسي.
2- التهذيب: ج 1/148 ح 113 و ص 370 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/230 ح 2017.
3- الكافي: ج 3/43 ح 5، التهذيب: ج 1/148 ح 114، وسائل الشيعة: ج 2/232 ح 2024.
4- الحدائق الناضرة: ج 3/77-78.

وعن كاشف الغطاء(1): احتماله.

وفي «الجواهر»(2): إنّه تغطية البدن بالماء، فأوّله أوّل التغطية، وآخره آخر جزء الغُسل في تلك التغطية.

وعن بعض: إنّه استيلاء الماء على البدن في آنٍ واحدٍ حقيقة.

واستدلّ للأوّل: بأنّ الارتماس قيدٌ بالوحدة في النصوص، وذُكِر في مقابل الترتيب، وعلى ذلك فالمراد من الارتماسة الواحدة، ارتماس جميع البدن في الماء، من غير أنْ يُجزّء على أعضاء الغُسل، وبما أنّ الوحدة الحقيقيّة لا تعقل، فيتعيّن الحمل على العرفيّة.

وأورد عليه: بأنّ لازم ذلك عدم تحقّق الغُسل الارتماسي ممّن كان تمام بدنه تحت الماء، وممّن كان بعضه في الماء من دون أن يخرج منه، مع أنّ المشهور بين الأصحاب تحقّقه في الفرضين، فيكشف ذلك عن عدم تماميّة الضابط المذكور.

وفيه: إنّ المشهور وإنْ كان تحقّقه في الموردين، إلّاأنّه لا بمجرّد قصده في ظرف استيلاء الماء على البدن، بل يعتبر عندهم في هذين الموردين تحريك البدن بنحو يصدق الارتماس. ومن اكتفى منهم باستيلاء الماء على البدن، استدلّ له بأنّ المستفاد من الأدلّة تحقّقه بإيجاد الارتماس، وببقائه مرتمساً، وستعرف ما في هذه الدعوى.

واستدلّ للثاني: بأنّ الظاهر من الأخبار أنّ المراد من الارتماس الواحد، هو ما يقال رَوْسُ كلّ عضوٍ على حدة، أو رَوْسُ المجموع ارتماسات متعدّدة.

وفيه: أنّ الظاهر المنساق إلى الذهن من الارتماسة الواحدة، هو الغمس في الماء6.

ص: 168


1- كشف الغطاء: ص 120 (ط. ق) قوله: (الارتماس ويتحقّق بغمس البدن في الكثير أو القليل أو شبه الغمس بالوقوف تحت الميزاب أو المطر على وجه يشتمل الماء على مجموع ظاهر البدن آناً ما، به يتحقّق الغسل دون ما قبله من المقدّمات وما بعده من الزيادات).
2- جواهر الكلام: ج 3/96.

دفعةً واحدة لا تدريجيّاً، فلاحظ.

واستدلّ في «الجواهر»(1)، لما اختاره: بأنّ الرمس الذي أُخذ منه الارتماس، هو الكتمان والتغطية، فما دام لم يستر الماء البدن لا يصدق الارتماس، وإذا سَتَره فهو مرتمسٌ مادام لم يخرج، سواءٌ طال زمانه أم قصُر، فإذا رَمَس أعضاءه تدريجاً، كان ذلك الرَّمس خارجاً عن الغُسل إلى أن يرتمس بتمامه، وعلى ذلك:

فقد يكون آنيّاً وهو ما إذا تحقّق الاستيلاء بمجرّد الارتماس.

وقد يكون تدريجيّاً، إذا توقّف الاستيلاء على التخليل ونحوه.

وفيه: أنّ رمس البدن وتغطيته بالماء بما أنّه يتحقّق تدريجاً، فيكون ابتداء الارتماس أوّل آنات الشروع في الفعل، لا أوّل آنات تحقّق رمس البدن بتمامه، كما هو الشأن في جميع الافعال التي تتحقّق تدريجيّاً كالتكلّم.

وأمّا القول الأخير: فعن المحقّق الثاني جعله مخالفاً لإجماع المسلمين، وعنه في «جامع المقاصد»(1): إنّه أهون من أنْ يتصدّى لردّه، لأنّه لا يعلم قولاً لأحدٍ من معتبري الأصحاب، ولا يتوهّم دلالة شيءٍ من اُصول المذهب عليه.

وفي «الجواهر»(3): ينبغي القطع بفساده من وجوه كثيرة.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما اختاره المشهور.

***3.

ص: 169


1- جامع المقاصد: ج 1/262-263.
فروع:
في جواز غَسل الأعضاء ارتماساً

فروع:

الفرع الأوّل: المشهور بين الأصحاب جواز غَسل كلّ عضوٍ من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس، وما عن عبارة جمع من القدماء من الاشتمال على الأمر بالصَّب، فإنّما هو لتبعيّة النصوص.

وعن «المستند»(1): اعتبار الصَّب في الترتيبي، واستدلّ له بالنصوص البيانيّة المشتملة على الأمر بالصَّب ونحوه.

وفيه: أنّ الظاهر منها إرادة الغسل منه، ويشهد به قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم بعدما أمر بالصَّب: «فما جَرى عليه الماء فقد طهُر»(2).

وقوله عليه السلام في صحيح زرارة: «ما جَرى عليه الماء فقد أجزأه»(3).

فإنّهما يكونان قرينة لإرادة الغَسل من الصَّب، ونحوهما غيرهما.

ويؤيّدهما:

1 - الأمر بالغَسل.

2 - وتعليق الحكم عليه في سائر النصوص.

3 - وورود الأمر بالصَّب في تطهير النجاسات، وفي باب الوضوء، مع أنّه لا ريب في كفاية الارتماس فيه.

ص: 170


1- مستند الشيعة: ج 2/329-330.
2- الكافي: ج 3/43 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2013.
3- الكافي: ج 3/43 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2014.

فالمعيار: هو صدق عنوان الغَسل، سواءٌ أكان بالصَّب أو بالارتماس، وعليه فيكفي تحريك بدنه تحت الماء ثلاث مرّات.

أقول: ثمّ إنّ الظاهر من هذه النصوص، اعتبار جريان الماء في الغُسل، ولا تعارضها نصوص(1) التشبيه بالدّهن، لأنّه لا ينافي جريان الماء وحركته من محلّ إلى محلّ آخر.

فالجمع بينها وبين ما دلَّ على اعتبار الجريان، يقتضي أن يُقال إنّها سيقت لبيان عدم اعتبار الماء الكثير، وأنّه يكفي ما يوجب جريان الماء.

ويشهد له: - مضافاً إلى أنّه جمعٌ عرفيّ - موثّق إسحاق، عن الإمام الصادق عليه السلام كان يقول: «الغُسل من الجنابة والوضوء يُجزي من الماء ما أجرى من الدّهن الذي يبلّ الجسد»(2).

***6.

ص: 171


1- وسائل الشيعة: ج 2/241، باب 31 من أبواب الجنابة ح 2048.
2- التهذيب: ج 1/138 ح 76، وسائل الشيعة: ج 1/485 ح 1286.
لزوم غسل الرقبة مع الرأس

الفرع الثاني: المشهور بين الأصحاب، لزوم غَسل الرقبة مع الرأس.

بل عن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه(1).

وعن «الذخيرة»(2) و «رياض المسائل»(3): التشكيك في ذلك، بدعوى أنّ خبر أبي بصير الوارد فيه قوله عليه السلام:

«ثمّ تصبُّ الماءَ على رأسك ثلاث مرّات، وتَغسل وجهك، وتفيض على جَسَدك الماء»(4)، يُشعر بعدم دخول الوجه في الرأس، فضلاً عن دخول الرقبة.

مضافاً إلى عدم ثبوت كون الرأس موضوعاً لما يعمّها.

وفيه: أنّ ثبوت عدم كونه موضوعاً لما يعمّها في اللّغة والنصوص، لا ينافي لزوم غَسلها مع غَسله، فضلاً عن عدم الثبوت.

وعليه، فلا صارف عن ظهور صحيح زرارة الوارد فيه قوله عليه السلام:

«ثمّ صبَّ على رأسه ثلاث أكفّ ، ثمّ صبَّ على منكبه الأيسر مرّتين»(5).

وموثّق سماعة: «ثمّ ليُصبَّ على رأسه ثلاث مرّات ملء كفّه، ثمّ يضرب بكفٍّ من ماء على صدره»(6) في ذلك.

ص: 172


1- كما حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان ص 53 (ط. ق)، وصرّح به في الحدائق أيضاً: ج 3/65.
2- ذخيرة المعاد ج 1 القسم الأوّل ص 56، قوله: (قال في الذكرى يبدأ بغسل الرأس مع الرقبة، نصَّ عليه المفيدوالجماعة) انتهى. والظاهر أنّ ذلك مراد الباقين من الأصحاب أيضاً، لكن استنباطه من الروايات لا يخلو عن إشكال.
3- رياض المسائل: ج 1/298.
4- التهذيب: ج 1/131 ح 53، وسائل الشيعة: ج 2/225 ح 2000 وص 231 ح 2021.
5- الكافي: ج 3/43 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2014 و ص 235 ح 2033.
6- التهذيب: ج 1/132 ح 55، وسائل الشيعة: ج 1/212 ح 542 و ج 2، ص 231 ح 2020.

وأمّا الأعضاء المستقلّة في الوجود: الواقعة في الحدود المشتركة كالعورة، فالظاهر من النصوص الدالّة على تنصيف البدن - بضميمة ما دلَّ على لزوم غَسل تمامه - لزوم غسل نصفها الأيمن مع الأيمن، ونصفها الأيسر مع الأيسر.

ودعوى: أنّه لاحتمال أن تكون هي أعضاء مستقلّة، وكونها من الأيمن أو كونها من الأيسر، يتعيّن الجمع، بأنْ يغسل تمامها مع كلٍّ من الطرفين.

مندفعة: بأنّ ظاهر النصوص إرادة التنصيف الحقيقي، وهو يستلزم تنصيفها أيضاً. وكونها أعضاء مستقلّة، لا يوجب دخولها في الأيمن ولا في الأيسر، بعد كونها واقعة في الحَدّ المشترك، الموجب لأنْ يكون نصفها في الأيمن ونصفها في الأيسر.

***

ص: 173

عدم وجوب الموالاة

الفرع الثالث: لا خلاف في عدم وجوب الموالاة العرفيّة في الغُسل، فلو غَسل رأسه في أوّل النهار، والأيمن في آخره صحّ .

وعن جماعةٍ (1): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: ما ورد في قصّة اُمّ إسماعيل المتقدّمة في لزوم الترتيب، وحسن إبراهيم اليماني، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ عليّاً عليه السلام لم يرَ بأساً أن يَغسل الجُنُب رأسه غدوةً ، ويغسل سائر جسده عند الصّلاة»(2).

وكذا لا يعتبر بين أجزاء عضوٍ واحدٍ، بلا خلاف ظاهر.

ويشهد له: الأصل، وإطلاق الأدلّة، وتشعر به نصوص اللُّمعة.

***

ص: 174


1- كما قاله العلّامة في المنتهى: ج 2/206، قوله: (مسألة: قال علماؤنا: لا تجب الموالاة في الغسل من الجنابة. وهو قول أكثر أهل العلم)، وقال في نهاية الاحكام ج 1/111: (وعند علمائنا أجمع)، وحكاه عن جماهة في الجواهر: ج 3/105.
2- الكافي: ج 3/44 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/238 ح 2038.
حكم البدء بالأعلى فالأعلى

الفرع الرابع: لا يجب البدأة بالأعلى في كلّ عضو، ولا الأعلى فالأعلى، على المشهور شهرةً عظيمة.

وعن ظاهر الحلبي(1) و «الغنية»(2) و «الإشارة»(3) و «السرائر»(4): الوجوب.

واستدلّ له: بالأمر بالصَّب على المنكب، في مصحّح زرارة، وبصحيحه عن الإمام الصادق عليه السلام: «ثمّ تغسل جَسَدك من لدن قرنك إلى قدميك»(5).

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الظاهر ولا أقلّ من المحتمل إرادة تمام الجانب من المنكب، ولذا بعد الأمر بالصَّب على المنكب الأيمن؛ أمر عليه السلام بالصَّب على الأيسر، مع أنّ المنكب ليس هو أعلى الجانب.

وأمّا الثاني: فلأنّ ظاهره إرادة غَسل تمام الجسد، فيكون الظرف قيداً للجسد لا للغسل.

وعليه، فالأقوى عدم الوجوب، ويؤيّده ما دلَّ على لزوم غسل خصوص الجزء المنسيّ .

***

ص: 175


1- وهو ظاهر الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ص 133، من خلال ترتيبه لكيفيّة الغسل بقوله: (ثمّ غَسل الرأس في الجنابة إلى أصل العنق، ثمّ الجانب الأيمن من العنق إلى تحت القدم، ثمّ الجانب الأيسر كذلك، ويختم بغسل الرجلين).
2- غنية النزوع: ص 61، الفصل الخامس: في غسل الجنابة، فإنّ ترتيبه الغسل ظاهر في ذلك.
3- إشارة السبق: ص 72.
4- السرائر: غسل الجنابة كيفيّتها وسننها وآدابها: ج 1/118-119، إلّاأنّ اعتبار البدأة بالأعلى فالأعلى غير واضح من كلامه، والعطف على الوضوء ظاهر في خصوص الترتيب بين الأعضاء لا في كيفيّة غسل العضو.
5- التهذيب: ج 1/148 ح 113 و ص 370 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/230 ح 2017.
عدم اعتبار طهارة الأعضاء

الفرع الخامس: المشهور بين الأصحاب، اعتبار أنْ يكون كلّ عضوٍ طاهراً حين غسله.

وعن الحلبي(1) وابني حمزة(2) وزُهرة(3) وسلّار(4) و «الهداية»(5): لزوم طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل.

وعن بعضهم: دعوى الإجماع عليه.

وعن بعضٍ : التفصيل بين الغُسل في الكثير وبين غيره، والحكم بعدم الاعتبار في الأوّل.

واستدلّ للقول الأوّل(6): بعدّة وجوه:

1 - بأنّ كلّ واحدٍ من الحَدَث والخَبَث سببٌ لوجوب غَسل البدن، فإذا تحقّق السببان، وجب أن يتعدّد حكمهما، لأنّ التداخل خلاف الأصل.

2 - وبأنّ ماء الغُسل لابدَّ وأنْ يقع على محلّ طاهر، وإلّا لأجزأ الغسل مع بقاء عين النجاسة.

3 - وبانفعال الماء بمجرّد الملاقاة، وماء الطهارة يشترط أنْ يكون ظاهراً.

4 - وبالنصوص الآمرة بغَسل الفَرج واليدين قبل الغُسل، كصحيح حكم بن

ص: 176


1- الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ص 133.
2- الوسيلة: ص 55، قوله: (وإزالة المنيّ عن رأس الإحليل، وعن جميع جسده إن أصابه).
3- غنية النزوع: ص 61، الفصل الخامس: في غسل الجنابة.
4- المراسم العلويّة: ص 41، غسل الجنابة وما يوجبه.
5- الهداية للشيخ الصدوق ص 9293.
6- كما ذكر المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 1/279.

حكيم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ثمّ اغسل ما أصاب جَسَدك من أذى، ثمّ اغسل فَرجك، وأفِضْ على رأسك وجسدك فاغتسل»(1). ونحوه غيره.

بدعوى أنّ ظاهرها وإنْ كان اعتبار طهارة جميع الأعضاء قبل الغُسل، إلّاأنّ شدَّة المناسبة بين تطهير الموضع النجس مقدّمةً لغَسل نفس ذلك العضو، وبعد مدخليّة تطهيره في صحّة غَسل سائر الأجزاء، توجب ظهورها في إرادة هذا القول.

مضافاً إلى أنّ ما ورد في صحيح حكم بقوله عليه السلام:

«فإنْ كنتَ في مكانٍ نظيفٍ فلا يضرّك أن لا تغسل رجليك، وإنْ كنتَ في مكانٍ ليس بنظيفٍ فاغسل رجليك»(2).

صريحٌ في عدم اعتبار طهارة الرِّجل حال غَسل سائر الأعضاء.

وبذلك ظهر مدرك القول الثاني، وضعفه.

أقول: ولكن في الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى أصالة عدم التداخل، عدم الاجتزاء بغُسلٍ واحدٍ لرفع الحَدَث والخَبَث، لا اعتبار رفع الخَبث في الغُسل، فلو نوى رفع الحَدَث بغُسله، فإنّ مقتضى إطلاق الأدلّة الاجتزاء به، وبما أنّ الأمر برفع الخَبَث يسقط بحصول الطهارة الخبثيّة ولو قهراً، فيسقط الأمر به لذلك، لا لتحقّق الواجب.

وأمّا الثاني: فلأنّ النجاسة إذا لم تكن مانعة عن وصول الماء إلى البشرة، لا مانع من الالتزام بالصحّة حتّى مع بقائها.

وأمّا الثالث: فلأنّ مدرك اعتبار طهارة الماء:9.

ص: 177


1- التهذيب: ج 1/139 ح 83، وسائل الشيعة: ج 2/230 ح 2019.
2- نفس الحديث السابق إلّاأنّ بقيّة الحديث في وسائل الشيعة: ج 2/233 ح 2029.

إمّا أنْ يكون هي النصوص التي أشرنا إليها في مبحث اعتبار الطهارة في ما يتوضّأ به.(1)

أو تكون هي القاعدة المُجمع عليها من أنّ : «النجس لا يطهر».

أمّا الأُولى: فموردها النجاسة قبل الاستعمال، والتعدّي إلى النجاسة الحاصلة به يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

وأمّا الثانية: - فمضافاً إلى أنّها قاعدة مصطادة من النصوص، لا أنّها ممّا انعقد عليه الإجماع تعبّداً - أنّ جماعة من المجمعين صرّحوا بأنّ المراد النجاسة قبل الاستعمال.

مع أنّ هذا الوجه لو تمّ ، فإنّما يبتني على القول بتنجيس المتنجّس في صورة عدم وجود عين النجاسة، مضافاً إلى أنّه لا يشمل الكثير الذي لا ينفعل.

وبذلك ظهر مدرك القول الثالث وضعفه.

وأمّا الأخير: (أي ما تضمّن الأمر بغَسل الفرج واليدين قبل الغسل): فعن الشيخ في «المبسوط»(2): حمله على الوجوب النفسي، ولذا حكم بصحّة الغُسل مع عدم الإزالة، مع حكمه في صدر كلامه بوجوبها.

وفيه: أنّ الظاهر في أمثال المقام إرادة الوجوب الغيري لا النفسي.

لاحظ نظائره.

وأمّا ما ذكره بعض الأعاظم(3): من حمله على إرادة الاستحباب، لاشتمال تلك7.

ص: 178


1- فقه الصادق: ج 1/180.
2- المبسوط: ج 1/29، وهو الظاهر من قوله: (إنْ كان على بدنه نجاسة أزالها، ثمّ اغتسل، فإنْ خالف واغتسل أوّلاً فقد ارتفع حَدَث الجنابة، وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها).
3- مستمسك العروة الوثقى: ج 3/97.

النصوص على كثيرٍ من السُّنن والآداب، ولما عن الحلّي(1) من عَدّ ذلك من الآداب والسُّنن بغير خلاف، وعن «كشف اللّثام»(2) أنّه من باب الأولى قطعاً.

فغير سديد: إذ اشتمالها على السُّنن والآداب التي ثبت عدم وجوبها بدليلٍ آخر، لا يصلح أنْ يكون صارفاً لظهور الأمر في الوجوب.

وما ذكره الحِلّي وفي «كشف اللّثام» لعلّه يكون مرادهما أنّ مِن الآداب طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغُسل.

كما أنّ ما ذكره بعضٌ : من قرب دعوى كون الأمر بالغَسل إرشاديّاً إلى إيجاد الغُسل بنحوٍ أسهل.

ضعيف: إذ حمل الأمر الظاهر في المولويّة في نفسه على الإرشاد، يتوقّف على وجود القرينة المفقودة في المقام.

أقول: هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب دلالة هذه النصوص لهذا القول، ولكن الإنصاف أنّها لا تدلّ عليه، إذ في هذه النصوص أمروا عليهم السلام بغَسل الفرج وما أصابه الأذى قبل غَسل الرأس، ولا يصحّ أن يُحمل على إرادة الغُسل بعد غَسل الرأس قبل غَسل الجانب الأيمن، فيتعيّن حمل تلك النصوص على أحد المحامل المتقدّمة.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار طهارة كلّ عضوٍ حين غسله، وإنْ كانت رعايتها أولى وأحوط، وأولى منها طهارة جميع الأعضاء قبل الشروع في الغُسل.

***).

ص: 179


1- السرائر: ج 1/118، قوله: (فإذا أراد الجُنُب الاغتسال من الجنابة، فمن السُّنن والآداب أن يجتهد... الخ).
2- كشف اللّثام: ج 2/48، قوله: (وتقديم غَسل الفرج من باب الأولى قطعاً).
الغُسل تحت المطر والميزاب

الفرع السادس: لا خلاف ولا إشكال في جواز الغُسل تحت المطر والميزاب ترتيباً، إنّما الكلام في جوازه ارتماساً، بمعنى إلحاق الجلوس تحت المطر والميزاب بالارتماس في سقوط الترتيب:

فعن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1): القول بذلك.

وعن الشيخ في «المبسوط»(2): الالتزام به في المطر.

وعن المشهور: العدم.

واستدلّ للقول الأوّل: بما استدلّ به للقول الثاني، الذي سيمرّ عليك، بضميمة إلغاء خصوصيّة المطر عرفاً، ولذا حُكي عن بعضهم إلحاق الصبّ بالإناء بهما.

وفيه: - مضافاً إلى ما ستعرف من عدم تماميّته - أنّه لعدم إحراز المناط لا وجه لإلغاء الخصوصيّة. وبالأصل.

وفيه: إنّه مع وجود الدليل على اعتبار الترتيب لا مجال له.

نعم، بناءً على عدم دليلٍ لفظي على اعتبار الترتيب، وانحصار المدرك بالإجماع، تتمّ هذه الدعوى، فإنّ المتيقّن منه غير المقام، فيرجع فيه إلى ما يقتضيه الأصل، وهو عدم الاعتبار بناءً على عدم كون المورد من قبيل الشكّ في المحصّل، أو أنّه يكون الشكّ في المحصّل الذي بيانه وظيفة الشارع مجرى للبراءة.

ولكن عرفت في محلّه أنّه يدلّ على اعتبار الترتيب جملة من النصوص،

ص: 180


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/232، قوله: (الثالث: لو وقف تحت الغيث حتّى بلَّ جسده طهر مع الجريان وإن لم يرتّب، خلافاً لبعض علمائنا).
2- المبسوط: ج 1/29، قوله: (وإن ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أو قعد تحت المجرى أو وقف تحت المطر أجزأه).

وبذلك يظهر ضعف الاستدلال لهذا القول بإطلاق مثل: «ثمّ تَغسل جَسَدك مِنْ لَدُن قَرْنِك إلى قدميك» لتعيّن تقييده بما دلَّ على اعتبار الترتيب.

واستدلّ للقول الثاني: بجملة من النصوص:

منها: صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:

«عن الرجل يَجنب، هل يجزيه مِنْ غُسل الجنابة أن يقوم في المطر حتّى يغسل رأسه وجَسَده، وهو يقدر على ما سوى ذلك ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك»(1).

ومنها: في صحيحه الآخر: «عن الرجل تصيبه الجنابة، ولا يقدر على الماء، فيصيبه المطر، أيجزيه ذلك أو عليه التيمّم ؟ فقال عليه السلام: إنْ غَسله أجزأه وإلّا تيمّم»(2).

ومنها: مرسل محمّد بن أبي حمزة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتّى سال على جسده، أيجزيه من الغُسل ؟ قال عليه السلام: نعم»(3).

وفيه أوّلاً: إنّ المرسل ضعيفٌ ، والصحيحين واردان في مقام بيان كفاية المطر عن الماء، ولذا ترى أنّه قيّد السائل سؤاله عنه بالقُدرة على ما سواه في أحدهما، وعدم القدرة عليه في الآخر، فلا إطلاق لهما من هذه الجهة كي يُتمسّك به لعدم الاعتبار.

وثانياً: مع أنّه على تقدير كونهما في مقام البيان من هذه الجهة أيضاً، لأظهريّة نصوص الترتيب، تقدّم تلك النصوص عليهما.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم سقوط الترتيب في المطر وما أشبهه.

***6.

ص: 181


1- الفقيه: ج 1/20 ح 27، وسائل الشيعة: ج 2/231 ح 2022.
2- وسائل الشيعة: ج 2/232 ح 2023، مسائل عليّ بن جعفر عليه السلام ص 183.
3- الكافي: ج 3/44 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/232 ح 2026.
في جواز الغُسل بالغسالة وعدمه

الفرع السابع: بناءً على أنّ المستعمل في رفع الحَدَث الأكبر، لا يجوز رفع الحَدَث به إذا كان الماء أقلّ من الكرّ، هل يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن أم لا؟

وعلى الأوّل: فهل يجوز الاغتسال منه بعد ذلك أيضاً أم لا؟ وجوه:

قد استدلّ للأوّل: بأنّ العمده في وجه المنع خبر ابن سنان الوارد فيه:

«الماء الذي يُغسل به الثوب أو يغتسل به الرَّجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه»(1).

وهو يختصُّ بالاغتسال بالصَّب على المحلّ ، ولا يشمل ما لو كان بالارتماس.

وفيه: إنّه لعدم التزام الأصحاب بذلك، يتعيّن حمل (الباء) على إرادة الاستعانة منها.

واستدلّ للأخير: بأنّ الارتماس بما أنّه تدريجي الحصول، فبعد غُسل جزءٍ من البدن، يصدق عليه هذا العنوان، فلا يجوز غَسل العضو الثاني به.

وفيه: أنّ العرف بما أنّهم يرون هذا الغُسل شيئاً يحصل مرّةً واحدة، ولا يلاحظون كلّ جزءٍ منه عملاً مستقلّاً، فلا يصدق هذا العنوان إلّابعد تماميّة الغُسل، فهذا الغُسل جائزٌ بمقتضى إطلاق الأدلّة.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثاني.

***

ص: 182


1- التهذيب: ج 1/321 ح 13، وسائل الشيعة: ج 1/215 ح 551.
الشكّ في الغسل

الفرع الثامن: لو شكّ في شيء من أفعال الغُسل، وهو في أثنائه، كما لو شكّ في غَسل الرأس وهو يغسل جانبه الأيمن، فهل يأتي به وبما بعده كما عن جماعةٍ ممّن تأخّر عن المحقّق كالعلّامة(1) وولده(2) والشهيدين(3) والمحقّق الثاني(4) وغيرهم(5)، ونَسَب الشيخ الأعظم(6) هذا القول إلى المشهور، بل عن بعضهم التصريح بذلك على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات.

أم يبني على الإتيان به ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل: بموثّق ابن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا شَكَكْتَ في شيءٍ من الوضوء، وقد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيءٍ لم تَجُزه»(7).

ص: 183


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/212، قوله: (تذنيب: لو كان الشكّ في شيءٍ من أعضاء الغسل، فإنْ كان في المكان أعادعليه وعلى ما بعده، وإنْ كان بعد الانتقال فكذلك، بخلاف الوضوء).
2- إيضاح الفوائد: ج 1/42-43، إلى أن قال: (لأنّ الحَدَث متيقّن والرافع مشكوك فيه والأصل عدمه، فيحكم ببقاء الحَدَث، وهو الأصحّ ).
3- المسالك في أحكام الوضوء: ج 1/45، في قوله قدس سره: «وإنْ شكّ في شيء من أفعال الطهارة - وهو على حاله - أتى بما شكّ فيه، ثمّ بما بعده» وقد حكاه عنهما الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: ج 2/467.
4- جامع المقاصد: ج 1/237.
5- رياض المسائل: ج 1/277، قوله: ولو كان شكّه في شيء من أفعال الوضوء أو الغسل قبل انصرافه عنه أتى به أي بالمشكوك فيه وبما بعده وجوباً في الغسل مطلقاً.
6- كتاب الطهارة: ج 2/467، المسألة الثالثة، قوله: (وإن شكّ في فعل شيء من أفعال الوضوء، بل مطلق الطهارة الشاملة للغسل على ما صرّح به العلّامة وأكثر من تأخّر عنه).
7- التهذيب: ج 1/101 ح 111، وسائل الشيعة: ج 1/469 ح 1244.

بدعوى: أنّ الظاهر منه وإنْ كان رجوع الضمير في (غيره) إلى الشيء لا إلى الوضوء كما تقدّم في مبحث الوضوء،(1) إلّاأنّه للإجماع على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، يتعيّن حمله على خلاف ظاهره، بإرجاع الضمير إلى الوضوء، وحينئذٍ يستكشف من تطبيق الكبرى المذكورة في ذيله أنّه اعتبر الشارع الوضوء شيئاً واحداً من جهة انطباق عنوان واحد، أو ترتّب أثرٍ واحدٍ عليه، وهي الطهارة على اختلاف المسلكين، فلا يلاحظ كلّ فعلٍ منه بحياله حتّى يجري في أجزائه حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ .

وعليه، فالشكّ في أجزائه قبل الفراغ، ليس إلّاشكّاً واقعاً في الشيء قبل التجاوز، وحيثُ أنّ هذا المناط موجودٌ في الغُسل فلا تجري فيه قاعدة التجاوز.

وأورد عليه المحقّق الخراساني رحمه الله(2): بأنّ لازم ذلك عدم جريان قاعدة التجاوز في شيءٍ من العبادات، حتّى الصّلاة، لترتّب أثرٍ واحدٍ على كلّ واحدة منها.

وفيه: أنّه فرقٌ واضح بين المسبّبات التوليديّة وما شابهها كالطهارة على المختار الّتي يكون مأموراً بها، وهي التي تعلّق التكليف بها دون محصّلها أو ما تنطبق عليه، وبين غيرها ممّا لا تكون كذلك، كسائر العبادات التي تعلّق التكليف فيها بالسبب. فتدبّر.

فالصحيح أن يورد عليه: بأنّ الموثّق على فرض حجيّته - وعدم طرحه للإعراض، مع أنّها محلّ منعٍ كما عرفت في مبحث الوضوء - لا يكون دليلاً على إلحاق الغُسل به، لأنّ كون ما ذكر علّة لا من قبيل حكمة التشريع التي لا يتعدّى عنها غير معلوم، فلا وجه للتعدّي.ف.

ص: 184


1- فقه الصادق: ج 2/66.
2- درر الفوائد للآخوند: 397 (ط. ج) بتصرّف.

وقد استدلّ المحقّق النائيني رحمه الله(1): لهذا القول، بأنّ قاعدة التجاوز في الأجزاء والشرائط لا تجري في غير باب الصّلاة، لعدم الدليل عليها، فعدم جريانها في الغُسل إنّما يكون على القاعدة.

وفيه: ما حقّقناه في محلّه(2)، وسيأتي في الأجزاء القادمة من كتابنا هذا، من أنّه سواءٌ أكانت قاعدة التجاوز متّحدة مع قاعدة الفراغ، أم كانت غيرها، فهي تجري في جميع الأبواب، ولا تختصّ بباب الصّلاة.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم الالتفات بالشكّ المذكور، وأنّه يبني على الصحّة، ولو شكّ في شيءٍ من أفعاله بعد الفراغ منه، لم يلتفت، وبنى على الصحّة بلا خلاف.

ويشهد له: عموم ما دلَّ على عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ، وخصوص خبر محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً، فامضه ولا إعادة عليك فيه»(3).

وحكم الشكّ في جزئه الأخير، حكم الشكّ في جزءٍ أخير من الوضوء، فراجع ما ذكرناه(4) هناك.

ثمّ إنّه بما أنّ الغسل يكون كالوضوء في الشرائط، وفي الأحكام عدا ما أشرنا إليه، فلا وجه لتطويل الكلام بذكر تلك الاُمور والأحكام ثانياً، ومن أراد الوقوف عليها فليراجع إلى مبحث الوضوء.(5)

***1.

ص: 185


1- فوائد الاُصول: ج 4/626، قوله: (وبما ذكرنا ظهر اختصاص قاعدة التجاوز بأجزاء الصّلاة).
2- زبدة الاُصول: ج 6/125، مبحث: حكم الشكّ في الطهارة قبل الفراغ منها.
3- التهذيب: ج 1/364 ح 34، وسائل الشيعة: ج 1/471 ح 1248.
4- زبدة الاصول: ج 6/151؛ فقه الصادق: ج 2/69.
5- فقه الصادق: ج 2/221.

ويُستحبُّ فيه الاستبراء بالبول،

مستحبّات غُسل الجنابة

(ويستحبّ فيه) اُمور:

أحدها: (الاستبراء بالبول) قبل الغُسل، كما هو المشهور بين المتأخّرين، كما عن «المدارك»(1).

وفي «الحدائق»(2)، وعن المصنّف(3): أنّه مذهب أكثر علمائنا.

(أو الاجتهاد)، ويشهد له:

1 - ما رواه الشيخ في الصحيح - أو الحَسَن - عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال:

«سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام عن غُسل الجنابة ؟ فقال عليه السلام: تغسل يدك اليُمنى من المرفق إلى أصابعك، وتبول إن قدرتَ على البول، ثمّ تُدخل يدك في الإناء... الخ»(4).

2 - وخبر ابن هلال، قال: «سألته عن رجلٍ اغتسل قبل أنْ يبول ؟ فكتب عليه السلام:

إنّ الغسل بعد البول إلّاأنْ يكون ناسياً»(5).

وظاهرهما وإنْ كان الوجوب الغيري، ولكن لأجل ما ادّعاه في محكي

ص: 186


1- مدارك الأحكام: ج 1/299.
2- الحدائق الناضرة: ج 3/103، وقد نسبه إلى مشهور المتأخّرين، بل قيل بالوجوب.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/232، المبحث الثاني في مسنوناته، إلى أن قال: (وليس واجباً عند أكثر علمائنا).
4- التهذيب: ج 1/131 ح 54، وسائل الشيعة: ج 2/230 ح 2018 و ص 247 ح 2067.
5- التهذيب: ج 1/145 ح 101، وسائل الشيعة: ج 2/252 ح 2086.

أو الاجتهاد.

«المختلف»(1) - بعد نقل القول بالوجوب والاستحباب - أنّهم اتّفقوا على أنّه لو أخلَّ به حتّى وجد بَلَلاً بعد الغُسل، فإنْ علم أنّه منيّ أو اشتبه عليه، وجب من:

(الغُسل، وإنْ علم أنّه غير منيّ فلا غُسل). انتهى.

3 - والنصوص الدالّة على الصحّة بدون الاستبراء، وخلوّ كثيرٍ من الأغسال البيانيّة عنه يتعيّن حملهما على الاستحباب.

وعليه، فما عن جمعٍ من متقدِّمي الأصحاب، منهم الشيخ في «المبسوط»(2)وابنا حمزة(3) وزُهرة(4)، والكيدري(5)، وابن البرّاج(6)، وأبو الصلاح(7) وقوّاه صاحب «الحدائق»(8) من القول بالوجوب.

ضعيفٌ ، إذ لا مدرك له سوى الأمر به في الخبرين المتقدّمين، وقد عرفت تعيّن حمله على الاستحباب.

وفي المتن: وعن جماعةٍ بعد الحكم باستحبابه (أو الاجتهاد) أي بالخَرَطات، وهم:8.

ص: 187


1- مختلف الشيعة: ج 1/335.
2- المبسوط: ج 1/29، قوله: (فإذا أراد الاغتسال وجبَ عليه إن كان رجلاً الاستبراء بالبول).
3- الوسيلة: ص 55، قوله: (فأمّا الغُسل ففيه الفرض.. وعدَّ منه الاستبراء).
4- غنية النزوع: ص 61، قوله: (وأمّا الغُسل من الجنابة فالمفروض على مَن أراده: الاستبراء بالبول).
5- وهو الشيخ قطب الدِّين محمّد بن الحسن الكيدري البيهقي (المتوفّى بعد عام 576) صاحب إصباح الشيعة. وقد حكى قوله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/68.
6- المهذّب: ج 1/45، باب كيفيّة الغسل.
7- الكافي لأبي الصلاح: ص 133، قوله: (ويلزم مريدها [الغسل] الاستبراء.. الخ).
8- الحدائق الناضرة: ج 3/108.

ما بين مقتصرٍ عليه، كما عن «النافع»(1) و «التحرير»(2)، وذاكرٍ له مع الاستبراء بالبول، كما عن ابن فهد في «الموجز»(3) وفي ظاهر «الشرائع»(4).

ومقيّدٍ لاستحبابه بما إذا لم يتيسّر الأوّل، كما عن «السرائر»(5) و «القواعد»(6).

ومخيّر بينهما كما في المتن، وليس عليه دليلٌ ظاهرٌ كما صرّح به جماعة، واحتمل في «الجواهر»(7) أنْ يكون مدركه التخلّص من شُبهة خلاف الجُعفي، على ما نقل عنه من وجوبهما معاً، فتأمّل.

صرّح جماعةٌ - بل نسب إلى المشهور - اختصاص استحباب الاستبراء بالبول من المنيّ ، فلا يستحبّ لمن أجنب بالإيلاج.

وعن «الذخيرة»(8): استحبابه له أيضاً.

واستدلّ له: بعموم النصوص، وثبوت الفائدة، لاحتمال أن يُنزل ولم يطّلع.

وفيه: أنّ الصحيح لا إطلاق له لما في ذيله: «ثمّ اغسل ما أصابك منه».8.

ص: 188


1- المختصر النافع: ص 8، قوله: (الاستبراء، وهو أنْ يعصر ذَكَره من المقعدة.. الخ).
2- تحرير الأحكام: ج 1/94، قوله: (الثامن: يستحبّ الاستبراء للرّجل المجنب عن الإنزال، بأنْ يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب).
3- الرسائل العشر لإبن فهد الحلّي: ص 43، قوله: (وسُن للمنزل الاستبراء بالبول والاجتهاد).
4- شرائع الإسلام: ج 1/23، قوله: (والبول أمام الغسل، والاستبراء).
5- ذهب إلى ذلك القواعد، وأمّا السرائر: ج 1/118 فإنّه التزم بالاستحباب الشديد، بقوله: (وبعض أصحابنا يذهب إلى أنّ الاستبراء بالبول أو الاجتهاد واجبٌ على الرِّجال، وبعضهم يذهب إلى أنّه مندوب شديد الندبيّة، وهو الأصحّ ).
6- قواعد الأحكام: ج 1/209، قوله: (والاستبراء للرجل المنزل بالبول، فإنْ تعذّر مسحَ من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً).
7- جواهر الكلام: ج 3/108-109.
8- ذخيرة المعاد: ج 1 القسم الأوّل ص 58.

وخبر ابن هلال لا يكون وارداً في مقام بيان ذلك، كي يتمسّك بإطلاقه، مع أنّه ضعيف السند.

وبالجملة: الأقوى ما نُسب إلى المشهور من عدم استحبابه بعد الإيلاج.

***

الأمر الثاني: غَسل اليدين ثلاثاً:

لصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«كم يُفرغ الرّجل على يده قبل أنْ يُدخلها الإناء؟ قال عليه السلام: واحدة من البول، واثنان من حَدَث الغائط، وثلاث من الجنابة»(1). ونحوه غيره.

وظاهرها وإنْ كان الوجوب إلّاأنّها تُحمَل على الاستحباب للإجماع، وصحيح زرارة: «إن لم يكن أصاب كفَّه شيء غَمَسها في الماء(2)... الخ».

أقول: ثمّ إنّ الجمع بين نصوص الباب، يقتضي الالتزام باختلاف مراتب الفضل:

1 - فالأفضلِ الغَسل إلى المرفقين لصحيح ابن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام:

«يبدأ فيَغسل يديه إلى المرفقين»(3). ونحوه غيره.

2 - ودونه في الفضل الغَسل إلى نصف الذراع، لخبر يونس المتضمّن لغُسل الميّت: «إنّه يَغسل يده ثلاث مرّات، كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع»(4)، ولعلّه المراد من موثّق سماعة الذي رواه عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا6.

ص: 189


1- التهذيب: ج 1/36 ح 35، وسائل الشيعة: ج 1/427 ح 1117.
2- الكافي: ج 3/43 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2014.
3- التهذيب: ج 1/142 ح 93، وسائل الشيعة: ج 2/246 ح 2065.
4- الكافي: ج 3/141 ح 5، وسائل الشيعة، ج 2، ص 265، ح 2116.

أصاب الرجل جنابةً ، وأراد الغُسل، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق»(1).

3 - ودونه في الفضل غَسل اليدين إلى الزندين، لصحيح ابن مسلم:

«تبدأ بكفّيك فتغسلهما»(2) ونحوه غيره.

ومقتضى إطلاق النصوص استحباب الغَسل حتّى مع العلم بالطهارة.

وعليه، فما في «الجواهر»(3): (من أنّه لولا مخافة الخروج عن كلام الأصحاب، لأمكن دعوى كون الأمر بغَسل الكفّين من جهة احتمال النجاسة، وأمّا الغَسل من المرفق فهو مستحبٌّ من حيث الغَسل).

غير تامّ : إذ مضافاً إلى أنّه لم يظهر وجه للفرق، أنّه لو كان الأمر بغَسل الكفّين لاحتمال النجاسة، لما كان وجهٌ لاستحباب الغَسل ثلاثاً كما لا يخفى.

***8.

ص: 190


1- التهذيب: ج 1/132 ح 55، وسائل الشيعة: ج 1/212 ح 542.
2- الكافي: ج 3/43 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/229 ح 2013.
3- جواهر الكلام: ج 3/117-118.

والمَضْمَضة والإستنشاق.

(و) الأمر الثالث: (المَضْمَضة والإستنشاق).

كما هو المشهور، بل عن جماعةٍ (1): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح زرارة، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن غُسل الجنابة ؟ فقال: تبدأ بغَسل كفّيك، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك وتغسل فرجك، ثمّ تُمضمض وتستنشق، ثمّ تغسل.. الخ»(2).

ونحوه غيره، المحمولة على الاستحباب، بقرينة ما هو صريح في عدم الوجوب، كمرسل الواسطي، عن بعض أصحابه قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجُنُب يتمضمض ويستنشق ؟ قال: لا إنّما يجنب الظاهر»(3).

ونحوه غيره، المنجبر ضعف تلك النصوص بعمل الأصحاب.

***5.

ص: 191


1- جواهر الكلام: ج 3/118 حيث نفى عنه الخلاف ونقل حكاية الإجماع عليه.
2- التهذيب: ج 1/131 ح 53، وسائل الشيعة: ج 2/225 ح 2000 وص 231 ح 2021.
3- التهذيب: ج 1/131 ح 51، وسائل الشيعة: ج 2/226 ح 2004 وح 2005.

والغُسل بصاع فما زاد.

(و) الأمر الرابع: كون (الغُسل بصاعٍ ) من الماء إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، كما في «الجواهر»(1).

وتشهد له: جملة من النصوص:

منها: صحيح الفضلاء المرويّ عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام: «تَوضّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمُدٍّ واغتسل بصاع - إلى أن قالا - ومن انفرد بالغُسل وحده فلابدَّ له من صاع»(2).

ونحوه غيره المحمولة على الاستحباب، للإجماع، ولما دلَّ على كفاية مجرّد جريان الماء على البدن وإمساسه به.

أقول: ثمّ إنّفي المتن وعن «الوسيلة»(3) و «المهذّب»(4) و «المعتبر»(5) و «المنتهى »(6)وغيرها: إنّه يستحبّ الغُسل بالصّاع (فما زاد)، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليه.

وعن ظاهر «المقنعة»(7) و «النهاية»(8) و «المبسوط»(9) و «السرائر»(10)).

ص: 192


1- جواهر الكلام: ج 3/119.
2- الفقيه: ج 1/35 ح 72، وسائل الشيعة: ج 2/240 ح 2043 وص 243 ح 2052.
3- الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص 56.
4- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 1/46.
5- المعتبر: ج 1/186.
6- منتهى المطلب: ج 2/210.
7- المقنعة: ص 53.
8- النهاية: ص 22، قوله: (وأقلّ ما يجزئه من الماء للغسل ما يكون كالدّهن للبدن، وهذا يكون عند الضرورة، والإسباغ يكون بتسعة أرطال من ماء، فإنْ استعمل أكثر من ذلك جاز).
9- المبسوط: ج 1/29، قوله: (وأقلّ ما يجزيه من الماء ما يكون جارياً على جميع الجسد، ويبلّ أصل كلّ شعرة وإنْ كان قليلاً مثل الدّهن والإسباغ بتسعة أرطال).
10- السرائر: ج 1 ص 106، قوله: (وللغسل صاع وهو أربعة أمداد.. الخ).

و «الخلاف»(1) أنّ الصّاع منتهى الغاية في الاستحباب.

واستدلّ له: بمرسل «الفقيه»، قال: «الوضوء بمُدٍّ والغُسل بصاع، وسيأتي أقوام يستقلّون ذلك، اُولئك على خلاف سُنّتي، والثابت على سُنّتي معي في حظيرة القدس»(2).

وفيه: - مضافاً إلى ضعفه - أنّه يدلّ على أنّ المستقلّ له على خلاف سنّته صلى الله عليه و آله، وأمّا من استعمل الزيادة غير أن يقصد الاستقلال في ذلك، فلا يكون مشمولاً له.

***

(و) الأمر الخامس: (تخليل ما يصل إليه الماء).

استظهاراً للخبر الذي رواه علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام في الإغتسال بالمطر:

«إنْ كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه، إلّاأنّه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ويمرّ يده على ما نالت من جسده»(3).

وفي خبر عمّار الوارد في غُسل المرأة: «تمرّ يدها على جسدها كلّه»(4).

أقول: وهذان الخبران وإنْ دلّا على استحباب إمرار اليد، إلّاأنّه لمعلوميّة المناط، يحكم باستحباب التخليل، ولو بغير إمرار اليد، كما لايخفى.

***

الأمر السادس: الدُّعاء بالمأثور.

ففي موثّق عمّار، قال الصادق عليه السلام: «إذا اغتسلت من الجنابة، فقل: اللّهُمَّ طهِّر7.

ص: 193


1- الخلاف: ج 1/129 مسألة 73.
2- الفقيه: ج 1/34 ح 70، وسائل الشيعة: ج 1/483 ح 1280.
3- وسائل الشيعة: ج 2/232 ح 2023، مسائل علي بن جعفر ص 183.
4- الفقيه: ج 1/100 ح 208، وسائل الشيعة: ج 2/257 ح 2097.

قلبي، وتقبَّل سعيي، واجعل ما عندك خيراً لي، اللّهُمَّ اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهِّرين»(1).

وفي خبر محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تقول في غُسل الجنابة: اللّهُمَّ طهِّر قلبي، وتقبَّل سعيي، واجعل ما عندك خيراً لي»(2).

***5.

ص: 194


1- التهذيب: ج 1/367 ح 9، وسائل الشيعة: ج 2/254 ح 2091.
2- التهذيب: ج 1/146 ح 105.

ويحرم عليه قبل الغُسل قراءة العزائم.

الأفعال الممنوعة على المُجنب
قراءة سور العزائم

(ويحرم عليه) أي على الجُنُب (قبل الغُسل) اُمور:

الأمر الأوّل: (قراءة) سُوَر (العزائم)، وهي: سورة اقرأ، والنجم، وألم تنزيل، وحم السَّجدة كما هو المشهور(1).

بل عن «الرياض»(2): دعوى الإجماع عليه صريحاً.

وعن شرح «الدروس»(3): ظاهراً.

وعن «المدارك»(4): نقل الإجماع عليه من جماعة.

ولعلّ مراد المصنّف من عبارته في محكي «التذكرة»(5): إمّا تحريم العزائم فبإجماع أهل البيت، هو ذلك أيضاً، إذ لو كان مراده خصوص آية السجدة لم يكن التعبير بحرمة السورة حَسَناً.

أقول: وكيف كان، فيشهد للحرمة:

ما عن «المعتبر»(6): (يجوز للجُنُب والحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلّا

ص: 195


1- ادّعى المشهور على ذلك غير واحد من الأعلام منهم المحقّق السبزواري في كفاية الأحكام: ج 1/18.
2- رياض المسائل: ج 1/312.
3- مشارق الشموس: ج 1/164.
4- مدارك الأحكام: ج 1/277-278.
5- تذكرة الفقهاء: ج 1/235 مسألة 68.
6- المعتبر: ج 1/186-187.

سور العزائم الأربع، وهي: اقرأ باسم ربّك، والنَّجم، وتنزيل السجدة، وحم السجدة)، روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنّى ، عن الحَسَن الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(1)، وهو مذهب فقهائنا أجمع.

والإيراد عليه: بأنّ في الطريق المثنّى والحَسَن بن زياد، وهما غير موثّقين.

غير سديد: لأنّ البزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع، وممّن قيل في حقّه:

(إنّه لا يروي إلّاعن ثقة)، رواه عنهما.

كما أنّ الإيراد عليه بأنّه يمكن أنْ يكون ما ذكره فتوى بمضمون الخبر لا عينه، فاسدٌ، لأنّه خلاف الظاهر.

أقول: والجمع بينه وبين الخبر الصحيح الذي رواه زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«قلت له: الحائض والجُنُب هل يقرءان من القرآن شيئاً؟ قال عليه السلام: نعم ما شاءا إلّا السّجدة»(2).

ونحوه حسن ابن مسلم(3)، بعد فرض تسليم كون السجدة مجملة، مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً، إذ الظاهر من السجدة فيهما سورة السجدة، لاشتهار التعبير عن السور بمثل هذه الألفاظ كالبقرة ونحوها.

واستعمالها في آية السجدة في نصوص أبي بصير وعبد الرحمن وابن جعفر وغيرها مع القرينة، لا يوجب ظهورها فيها ولا إجمالها، بل يقتضي حمل (السجدة) فيهما على السورة، وحمل المنع في خبر البزنطي على المنع من مجموع السورة بلحاظ0.

ص: 196


1- ذكر ذلك أيضاً الحرّ العاملي في وسائل الشيعة: ج 2/218 في ذيل ح 1974.
2- التهذيب: ج 1/26 ح 6، وسائل الشيعة: ج 1/312 ح 822 و: ج 2/216 ح 1967.
3- وسائل الشيعة: ج 2/217 ح 1970.

آية السجدة منها.

خلاف الظاهر، لما عرفت من أنّ التعبير عن الآية بالسورة غير جيّد.

فدعوى: أنّه لو لم يكن أظهر، فلا أقلّ من مساواته للأوّل، ضعيفة.

فما عن ظاهر «الفقيه» و «الهداية» و «الغنية» و «الانتصار» من حرمة آية السجدة لا غير، غير سديد.

فتحصّل: أنّ الأقوى حرمة قراءة بعض واحدة منها، حتّى البسملة التي عيّنت في الجزئيّة لها بكتابتها جزء من السورة، وقصد الآتي بها قراءة خصوص البسملة أو نوى بها إحداها.

***

ص: 197

ومسّ كتابة القرآن.

حُرمة مسّ المصحف

(و) الأمر الثاني ممّا يَحرم على الجُنُب: (مسّ كتابة القرآن).

بلا خلافٍ فيه كما عن «النهاية»(1). وعن «المعتبر»(2) و «المنتهى »(3): أنّه إجماع علماء الإسلام.

ويشهد له: خبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام:

«المصحف لا تمسّه على غير طُهر ولا جُنُباً، و لا تمسّ خيطه ولا تُعلّقه، إنّ اللّه تعالى يقول: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ (4)».(5)

وعدم حرمة بعض ما ذُكر في الخبر للجنب وغير المتطهّر لا يصلح قرينةً لصرف قوله عليه السلام: (لا تمسّ خطّه) عن ظاهره، وحمله على الكراهة، والتعليل فيه بالآية الشريفة إنّما يكون من جهة دلالتها على تعظيم اللّه تعالى للقرآن، وعليه فكون المراد من لفظة: اَلْمُطَهَّرُونَ فيها هم الأئمّة عليهم السلام، لا ينافي ذلك.

وما دلَّ على حرمة المسّ للمُحْدِث بالأصغر وهو خبرا حَريز وأبي بصير المتقدّمان في فصل غايات الوضوء، يوجبان التعدّي عنه إلى المُحْدِث بالأكبر بالأولويّة القطعيّة، وقد تقدّم في الفصل المذكور الأبحاث المتعلّقة بالمقام، فلا نُعيد.

ص: 198


1- النهاية للشيخ الطوسي: ص 19.
2- المعتبر: ج 1/187.
3- منتهى المطلب: ج 2/220.
4- سورة الواقعة: الآية 79.
5- التهذيب: ج 1/127 ح 35، وسائل الشيعة: ج 1/384 ح 1014.

أو شيءٍ عليه اسمه تعالى.

(أو) مسّ (شيءٍ عليه اسمه تعالى ) بلا خلافٍ ، كما عن «النهاية»(1).

وعن «الغنية»(2): دعوى الإجماع عليه. والمراد مسّ الاسم.

واستدلّ لأصل الحكم: بموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا يمسّ الجُنُب درهماً ولا ديناراً عليه اسم اللّه»(3).

وأورد عليه: بأنّه يعارضه ما عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الجُنُب يمسّ الدراهم وفيها اسم اللّه واسم رسوله ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(4).

وعدم ثبوت وثاقة خالد وأبي الربيع لا يقدح، بعد كون الراوي عنهما من أصحاب الإجماع، وممّن لا يروي إلّاعن ثقةٍ .

ومصحّح إسحاق، عن أبي إبراهيم عليه السلام: «عن الجُنُب والطامث يمسّان بأيديهما الدراهم البيض ؟ قال: لا بأس»(5).

فإنّه أيضاً يدلّ على الجواز، لما تحقّق أنّ الدراهم المسكوكة في عصر الأئمّة عليهم السلام كان مكتوباً عليها بعض آيات القرآن الشريف والشهادتان.

وخبر محمّد بن مسلم، المرويّ عن «جامع البزنطي» عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «سألته هل يَمسّ الرجل الدرهم البيض وهو جُنُب ؟ فقال: واللّه، إنّي لاُوتي1.

ص: 199


1- النهاية ص 20.
2- غنية النزوع: ص 37.
3- التهذيب: ج 1/126 ح 31، وسائل الشيعة: ج 1/331 ح 871 وج 2/214 ح 1960.
4- وسائل الشيعة: ج 2/215 ح 1963.
5- التهذيب: ج 1/126 ح 32، وسائل الشيعة: ج 2/214 ح 1961.

أو أسماء أنبيائه، أو أحدِ الأئمّة عليهم السلام.

بالدرهم فآخذه وإنّي لجُنُب، وما سمعتُ أحداً يكره من ذلك شيئاً، إلّاأنّ عبد اللّه ابن محمّد كان يعيبهم عيباً شديداً، فيقول: جعلوا السورة من القرآن في الدرهم... الخ»(1).

والجمع بين النصوص يقتضي حمل الموثّق على الكراهة.

وفيه: إنّ هذا الجمع لو سُلّم كونه جمعاً عرفيّاً - مع أنّ للمنع عنه مجالاً واسعاً، لظهور الخبر الأخير في عدم الكراهة، بخلاف حمل نصوص الجواز على الضرورة، أو على مسّ غير الكتابة من الدرهم فإنّهما جمعان تبرعيّان - إلّاأنّه لإعراض المشهور كالشيخين ومن تأخّر عنهما عنها، بل من تقدّم عليهما، إذ بناءً على ما تحقّق من أنّ الدراهم المسكوكة في عصرهم عليهم السلام كان مكتوباً عليها بعض آيات القرآن - كما يشهد له خبر محمّد - هذه النصوص تدلّ على جواز مسّ كتابة القرآن أيضاً، يتعيّن طرحها.

ثمّ إنّ الظاهر من (اسم اللّه) إرادة ما يختصّ بالذات المقدّسة، لا كلّ ما يستعمل فيها، ولو كان مشتركاً بينها وبين غيرها.

أقول: وممّا يمنع على المُجنب كما في المتن وعن غيره بعد الحكم بحرمة مسّ اسمه تعالى: (أو أسماء أنبيائه أو أحد الأئمّة عليهم السلام).

وعن «شرح الجعفريّة»(2): نسبته إلى الأصحاب.4.

ص: 200


1- وسائل الشيعة: ج 2/214 ح 1962، إلّاأنّ المقطع: «وما سمعت.. الخ» لم يُذكر في وسائل الشيعة، ولكنّه ذكره المحقّق في المعتبر: ج 1/188، وأيضاً ذكره في كشف اللّثام: ج 2/35 وغيرهما.
2- كما حكاه عنه في مفتاح الكرامة: ج 3/84.

وعن «الغنية»(1): دعوى الإجماع عليه.

وليس لهم دليلٌ ظاهر كما صرّح به جماعة، وعلى فرض الحرمة لا إشكال بالنسبة إلى الأسماء المختصّة بهم عليهم السلام، وأمّا الأسماء المشتركة بينهم وبين غيرهم، فالظاهر أنّ المدار على قصد الكاتب، إذ في الألفاظ المشتركة صدق كون المكتوب إسماً للمعنى الخاص يتوقّف على قصد الكاتب، لأنّ به يتعيّن المكتوب في المرآتيّة والكاشفيّة عن ذلك المعنى.

بل يمكن أن يقال: إنّه بعد وضع اسمٍ لأحدهم عليهم السلام يكون الموضوع كسائر موارد الأوضاع طبيعي ذلك اللّفظ، لا ما يوجد بالاستعمال المتأخّر عنه رتبةً ، كما هو واضح، فالطبيعي أينما وجد يصدق أنّه اسمٌ له عليه السلام، وكونه إسماً لغيره أيضاً بالاشتراك اللّفظي لا يمنع عن ذلك، فيُحرم المسّ مطلقاً.

وهذا بخلاف ما يستعمل في الذات المقدّسة، الذي لم يوضع لها، وإنّما وضع لمعنى عام تكون ذاته المقدّسة إحدى مصاديقه، فإنّ دلالته عليها كدلالته على سائر مصاديقه بالوضع، بل يستعمل في ذلك المعنى العام دائماً، وينضمّ إليه ما يوجب انطباقه على الفرد والمصداق، فهو ليس إسماً له تعالى ، سواءٌ قصده اللّافظ بخصوصه أم لا.

***7.

ص: 201


1- غنية النزوع: ص 37.

ودخول المساجد إلّااجتيازاً.

حرمة اللَّبث في المساجد
اشارة

(و) الثالث ممّا يحرم على الجُنُب: (دخول المساجد إلّااجتيازاً).

كما عبَّر به في جملةٍ من كتب الأصحاب ك «المبسوط»(1) و «الوسيلة»(2)و «البيان»(3).

وعن جماعةٍ : التعبير بالجلوس.

وعن «التذكرة»(4) و «المختلف»(5) و «المهذّب»(6) وغيرها: التعبير بالاستيطان.

أقول: والظاهر أنّ مراد الجميع واحد كما لا يخفى.

ويشهد لأصل الحكم: صحيح زرارة وابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«قلنا له: الحائض والجُنُب يدخلان المسجد؟ قال عليه السلام: الحائضُ والجُنُب لا يدخلان المسجد إلّامجتازين، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (7)».(8)

وظاهر هذا الصحيح حرمة ما لا يسمّى اجتيازاً كالتردّد فيه ونحوه.

ص: 202


1- المبسوط: ج 1/29.
2- الوسيلة: ص 55.
3- البيان للشهيد الأوّل (ط. ق) ص 3.
4- تذكرة الفقهاء: ج 1/238 مسألة 70.
5- مختلف الشيعة: ج 1/332.
6- المهذّب البارع: ج 1/142.
7- سورة النساء: الآية 43.
8- وسائل الشيعة: ج 2/207 ح 1940، علل الشرائع: ج 1/288 ح 1.

أقول: وقد يتوهّم منافاة جملةٍ من النصوص لذلك:

منها: ما دلَّ على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كره إتيان المساجد(1)، وعن سلّار(2) القول بالكراهة مستنداً إلى هذه النصوص.

وفيه: أنّ الكراهة المذكورة في الأخبار المأثورة عنهم عليهم السلام، أعمٌّ من الكراهة المصطلحة والحرمة.

ومنها: ما دلَّ على جواز النوم في المساجد بعد الوضوء.

كصحيح محمّد بن القاسم، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الجُنُب ينام في المسجد؟ قال عليه السلام: يتوضّأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه»(3).

وعن الصدوق العمل بمضمونه(4).

وفيه: أنّه لإعراض الأصحاب عنه(5) يتعيّن طرحه، وعمل الصدوق به لا يخرجه عن الشذوذ، بل الظاهر أنّه أيضاً لم يعمل به، فإنّه أفتى - على ما نُسب إليه - بجواز النوم من دون أن يتوضّأ، مع أنّ ظاهره اعتبار الوضوء في المرور، وهو أيضاً ممّا لم يلتزم به أحد.

ومنها: ما يكون ظاهراً في حرمة الجلوس دون مطلق الكون:).

ص: 203


1- وسائل الشيعة: ج 2/207، ح 1939، الفقيه: ج 1/188 ح 575، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: (إنّ اللّه تبارك وتعالى كره لي ستّ خصال... وإتيان المساجد جنباً).
2- المراسم العلويّة: ص 42، قوله: (فإنْ مسّ هامش المصحف أو صفح أوراقه وقرأ فيه فقد ترك ندباً أو فعل مكروهاً - ثمّ عدّ من الندب - أن لا يقرب المساجد إلّاعابر سبيل).
3- التهذيب: ج 1/371 ح 27، وسائل الشيعة: ج 2/210 ح 1948.
4- كما يظهر من المقنع ص 45، قوله: (لا بأس أن يختضب الجُنُب - إلى أنْ قال - وينام في المسجد ويمرّ فيه)، ومثله في الفقيه: ج 1/86.
5- قال المحقّق السبزواري في مشارق الشموس: ج 1/165: (إنّ الأصحاب لم يعملوا بمضمونه)، واعتبر الفاضل الهندي في كشف اللّثام: ج 2/30 (أنّ حمل الحديث على التقيّة أولي لموافقته لبعض العامّة).

كخبر جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «للجُنُب أن يمشي في المساجد كلّها ولا يجلس فيها إلّاالمسجد الحرام ومسجد النبيّ صلى الله عليه و آله»(1).

وصحيح الثمالي، عن الإمام الباقر عليه السلام: «ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد»(2).

وصحيح جميل، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الجُنُب يجلس في المساجد؟

قال عليه السلام: لا، ولكن يمرّ فيها كلّها إلّاالمسجد الحرام ومسجد الرَّسول صلى الله عليه و آله»(3).

ونحوها غيرها.

وفيه: أنّ ما عدا غير خبر جميل لا تدلّ على جواز غير المرور، كي تنافي مع صحيح زرارة ومحمّد. والنهي عن الجلوس فيها لا مفهوم له كي يدلّ على ذلك، بل نفي البأس عن المرور بعد النهي عنه دليلٌ اختصاص الجواز بالمرور.

وأمّا خبر جميل الذي هو صحيحٌ بحسب الظاهر، فالنسبة بينه وبين صحيح زرارة عموم من وجه، ويقدّم الصحيح لأظهريّته من الخبر لإشتماله على الاستثناء، مع أنّ المحقَّق في محلّه أنّه لو تعارض العامّان من وجه وكان شمول كلّ منهما للمجمع بالإطلاق يتساقط الإطلاقان، ففي المقام بعد التساقط المرجع إلى ما دلَّ من الأخبار على أنّ المراد من قوله تعالى : وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (4) النهي عن إتيان المساجد جُنُباً. فتدبّر.

ومنها: ما دلَّ على جواز الدخول فيها بقصد أخذ شيء منها:

كصحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجُنُب والحائض يتناولان من3.

ص: 204


1- الكافي: ج 3/50 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/206 ح 1934.
2- التهذيب: ج 1/407 ح 18، وسائل الشيعة: ج 2/206 ح 1936.
3- الكافي: ج 3/50 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/205 ح 1932.
4- سورة النساء: الآية 43.

المسجد المتاع يكون فيه ؟ قال عليه السلام: نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً»(1).

وصحيح زرارة وابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«في الحائض والجُنُب ؟ ويأخذان منه ولا يضعان فيه شيئاً. قال زرارة: قلتُ له: فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه ؟ قال عليه السلام: لأنّهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلّا منه، ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره»(2).

ونحوهما غيرهما، بدعوى أنّ الظاهر منها إرادة الدخول لتناول المتاع، وحيث أنّها أخصّ من الصحيح فيقيّد إطلاقه بها.

وفيه: أنّ ظاهر هذه النصوص لاسيّما بقرينة مقابلة الأخذ للوضع، جواز الأخذ منه من حيث هو.

ودعوى: أنّ المتبادر من سؤال السائل في خبر ابن سنان إنّما هو السؤال عن دخوله للأخذ، فقوله عليه السلام: (نعم) يدلّ على جواز ذلك.

ضعيفة: إذ لم يظهر منشأ هذا التبادر.

وسؤال زرارة في ذيل الصحيح الثاني، وجوابه عليه السلام، كما يلائمان مع جواز الدخول للأخذ وحرمته للوضع، كذلك يلائمان مع جواز الأخذ نفسه وحرمة الوضع كذلك، فلا يصلحان قرينةً لإرادة ذلك.

وبالجملة: فما عن صريح بعضٍ وظاهر آخر من حرمة الدخول بقصد أخذ شيء منها، إذا لم يصدق عليه الاجتياز، وأنّ الجائز مجرّد الأخذ، هو الأقوى .

***1.

ص: 205


1- الكافي: ج 1/51 ح 8، وسائل الشيعة: ج 2/213 ح 1957.
2- وسائل الشيعة: ج 2/213 ح 1958، علل الشرائع: ج 1/288 ح 1.
حكم المشاهد المشرّفة

ألحقَ جملةٌ من الأصحاب - منهم المفيد في «المسائل العزيّة»، وابن الجنيد، والشهيد في «الذكرى»(1) على ما نُسب إليهم - العتبات المقدّسة، والمشاهد المشرّفة بالمساجد.

واستدلّ له: بعدّة اُمور:

1 - بتحقّق معنى المسجديّة فيها وزيادة.

2 - وبلزوم تعظيمها واحترامها، وأنّ دخول الجُنُب فيها منافٍ للتعظيم.

3 - وبالنصوص الدالّة على المنع عن دخول الجُنُب بيوت الأنبياء والأئمّة أحياءً ، بضميمة ما دلَّ على أنّ حرمتهم أمواتاً كحرمتهم أحياءً ، بل هم أحياءٌ عند ربّهم يُرزَقون، فعن «كتاب الرجال» للكشّي، عن بكير، قال:

«لقيتُ أبا بصير المرادي، فقال: أينَ تريد؟ قلت: أُريد مولاكَ ، قال: أنا أتبعك، فمضى فَدَخلنا عليه وأحدّ النظر إليه، وقال: هكذا تَدخل بيوت الأنبياء وأنتَ جُنب ؟! فقال: أعوذ باللّه من غَضَب اللّه وغَضَبك، وقال: أستغفر اللّه ولا أعود»(2).

ونحوه غيره.

ولكن يرد على الأوّل: أنّ موضوع الحكم عنوان المسجديّة الذي هو من الاعتبارات القائمة بالمكان، وعليه فلا يشمل الدليل ما بمعناه.

وعلى الثاني: أنّه لم يظهر لنا كون مناط الحرمة الاحترام وتعظيم المسجد، بل

ص: 206


1- ذكرى الشيعة: ج 1/278، وقد حكاه عن المفيد في «المسائل العزيّة» وابن الجنيد واستحسنه لتحقّق معنى المسجديّة فيها وزيادة.
2- وسائل الشيعة: ج 2/212 ح 1956، رجال الكشّي: ص 170 ح 288.

وجوب التعظيم في نفسه ممّا لم يدلّ عليه دليل، نعم تُحرم الاستهانة بالمشاهد المشرّفة، ودخول الجُنُب لا يستلزم المهانة.

وأمّا النصوص: فقد أورد عليها بإيرادات:

1 - إنّ بعضها صريحٌ في تعمّده إلى الدخول ليطمئنّ قلبه، ومن البعيد جدّاً تعمّده إلى الحرام.

2 - من البعيد أن لا يدخل في بيوتهم مَن يعوّلون به، من أزواجهم وأولادهم وجواريهم وخدّامهم إذا كانوا جُنُباً، وإلّا لما خفيَ على مثل أبي بصير الذي لم يزَل يتردّد على بيوتهم.

3 - عدم مبادرة أبي بصير الداخل وهو جُنبٌ إلى الخروج.

4 - أنّ الظاهر منها صدور الفعل من أبي بصير مرّةً اُخرى غير تلك المرّة للاختبار، فلو كان فهم من النهي الحرمة لما عاد إلى مثله أبداً.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ البعيد تعمّده إلى ما ثَبَت عنده حرمته، لا ما هو حرامٌ واقعاً وهو لا يعلم.

وأمّا الثاني: فلأنّه يمكن أنْ يكون دخول أبي بصير جُنُباً في أوائل تردّده إلى بيوتهم.

وأمّا الثالث: فلأنّ ما تضمّنته النصوص التي بأيدينا، هو مبادرة أبي بصير بالخروج بعد النهي.

وأمّا الرابع: فلأنّ الظاهر من الأخبار أنّ هذا الفعل لم يصدُر من أبي بصير إلّا مرّتين؛ مرّةً للاختبار، واُخرى مخافة فوت الدخول، وحيث أنّه عليه السلام نهاهُ في المرّة الأُولى بلفظ (لا ينبغي) غير الظاهر في الحرمة، دخل ثانياً، فلذلك قال عليه السلام تعريضاً

ص: 207

على فعله: (يا أبا بصير أما عَلِمْتَ أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجُنُب)، والأظهر أنّها تدلّ على حرمة الدخول، ويؤيّدها تضمّن بعضها لغضبه عليه السلام واستغفار أبي بصير من فعله.

ودعوى: أنّ التعدّي عن بيوتهم إلى قبورهم يحتاج إلى دليل مفقود.

مندفعة: بأنّ ما دلَّ على أنّ حرمتهم أمواتاً كحرمتهم أحياء دليل التعدّي، ولكن مع ذلك كلّه دعوى أنّ حُرمة الدخول إلى بيوتهم في حال حياتهم إنّما تكون لمنافاته للاحترام، ولذلك يُتعدّى إلى قبورهم، عهدتها على مدّعيها، والاحتياط بترك الدخول لا يُترك.

***

ص: 208

إلّا المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول صلى الله عليه و آله و سلم.

حكم المَسجدين

وفي المتن بعد الحكم بجواز الاجتياز في المساجد، قال: (إلّا المسجد الحرام، ومسجد الرّسول صلى الله عليه و آله)، وأمّا فيهما فالمشهور بين الأصحاب حرمة الدخول، وإنْ كان بنحو المرور.

وعن جماعةٍ منهم ابن زُهرة(1) والمحقّق(2) وصاحب «المدارك»(3): دعوى الإجماع عليه.

وتشهد له: جملة من النصوص:

منها: حَسَن محمّدبن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث الجُنُب والحائض:

«ويدخلان المسجدمجتازين، ولايقعدان فيه، ولايقربان المسجدين الحرمين»(4).

ومنها: مارواه الصدوق، عن الإمام الرضا عليه السلام، في حديثٍ طويل عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«إلّا أنّ هذا المسجد لا يَحلّ لجُنُبٍ إلّالمحمّدٍ وآله»(5).

***

ص: 209


1- غنية النزوع: ص 37.
2- المختصر النافع: ص 8، المعتبر: ج 1/188-189.
3- مدارك الأحكام: ج 1/282.
4- التهذيب: ج 1/371 ح 25، وسائل الشيعة: ج 2/209 ح 1947.
5- وسائل الشيعة: ج 2/207 ح 1941، الأمالي للصدوق ص 525 المجلس التاسع والسبعون.
وضعُ شيءٍ في المساجد

ووضع شيءٍ فيها.

(و) الرابع ممّا يحرم على الجُنُب:

(وضعُ شيءٍ فيها) أي في المساجد، وتشهد له جملة من النصوص:

منها: صحيحا ابن سنان وزرارة وابن مسلم المتقدّمان في المسألة السابقة، وقد عرفت أنّ الظاهر منها حرمة الوضع بنفسه، كما هو ظاهر كلمات الأصحاب، حيث جعلوه قسيماً للدخول، وعليه فيحرم الوضع حتّى من خارج المسجد.

***

ص: 210

فروع:
من أجنب في أحد المسجدين يتيمّم للخروج

أقول: بقي في المقام فروع متعلّقة بدخول الجُنُب في المسجد، لا بأس بالإشارة إليها:

الفرع الأوّل: يجبُ على الجُنُب الذي في أحد المسجدين التيمّم للخروج، بلا خلاف فيه في الجملة، إلّامن ابن حمزة(1) حيث جعله مستحبّاً.

وعن «المنتهى »(2): أنّه مذهب علمائنا.

ويشهد له: صحيح أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام:

«إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرَّسول صلى الله عليه و آله فاحتَلم فأصابته جنابة، فليتيمّم ولا يمرّ في المسجد إلّامتيمّماً، ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، ولا يجلس في شيء من المساجد»(3).

وعموم ما دلَّ على بدليّة التيمّم عن الطهارة المائيّة.

ودعوى: عدم صدق الفاقد للماء عليه، لتمكّنه من الاغتسال خارج المسجد.

مندفعة: بصدق الفقدان بالنسبة إلى هذا الأثر، أي الاجتياز من أحدالمسجدين .

فإنْ قلت: إنّ فخر المحقّقين ابن المصنّف رحمه الله(4) مَنَع من استباحة اللّبث في المساجد، ودخول المسجدين بالتيمّم، مستدلّاً عليه بالآية الشريفة: وَ لا جُنُباً إِلاّ

ص: 211


1- الوسيلة: ص 70 (فصل: في بيان التيمم) قوله: (ويستحب التيمم في أربعة، و ذكر منها المحتلم في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلي الله عليه و آله للخروج منه للاغتسال).
2- منتهي المطلب: ج 1/88 (ط. ق)، في كيفية الغسل وأحكامه.
3- الكافي: ج 3/73 ح 14، و سائل الشيعة: ج 2/205 ح 1933 و 1936.
4- إيضاح الفوائد: ص 47، أحكام الجنب.

عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (1) .

قلت: سيأتي الجواب عنه في مبحث التيمّم، وستعرف أنّ جميع غايات الطهارة المائيّة غايات للترابيّة، ونشير إليه في الفرع الرابع،(2) فانتظر.

فإنْ قلت: إنّه إنْ تيمّم لغير هذا الأثر، فهو فاسدٌ لعدم كونه فاقداً بالنسبة إليه، وإن تيمّم له فسد من جهة أنّ جعل الخروج من المسجدين غاية له لا تخلو من إشكال، لأنّ المتوقّف على الطهارة جواز الخروج لا نفس الخروج، فلا يكون الأمر بالتيمّم حينئذٍ غيريّاً بل يكون عقليّاً من باب لزوم الجمع بين غرضي الشارع، فإذا وجب الخروج وأمر به، لم يكن ذلك الوجوب كافياً في تشريع التيمّم لعدم كونه مقدّمةً له، بل هو مقدّمة لجوازه، والجواز ليس من فعل المكلّف، والوجوب الغيري إنّما يتعلّق بما هو مقدّمة لفعل المكلّف إذا وجب، فعلى كلّ تقدير لا يصحّ هذا التيمّم.

قلت: إنّا نختار الشقّ الثاني، والجواب عن هذا الإشكال قد تقدّم في الجزء الأوّل من هذا الشرح، في مبحث غايات الوضوء،(3) في مسألة جعل مسّ كتابة القرآن غايةً للوضوء، فراجع.

وبالجملة: فدعوى أنّ ذكر الاحتلام خاصّة في النصّ ، إنّما يكون لكونه السبب المتعارف للابتلاء بالجنابة، لا لخصوصيّةٍ فيه، بل تمام الموضوع للحكم كونه جُنُباً، قريبة جدّاً، وتؤيّده روايته بعطف (أو أصابته) في محكي «المعتبر»(4)، وإنْ كان مقتضى الجمود على ظاهر النصّ الاختصاص بالُمحتلم.

ولا يعارض نقل المحقّق رحمه الله في «المعتبر» - الذي ليس معدّاً لنقل الأخبار، بل هو من الكتب الاستدلاليّة - مع نقل غيره من أرباب الحديث، كما لا يخفى.9.

ص: 212


1- سورة النساء: الآية 43.
2- فقه الصادق: ج 4/432.
3- فقه الصادق: ج 1/325.
4- المعتبر: ج 1/189.

فالأظهر هو ما اختاره في محكي «الألفيّة»(1) وشرحها(2) و «الدروس»(3)و «المسالك»(4) وغيرها، من عدم اختصاص الحكم بالُمحتلم، وشموله لمن حدثت له الجنابة عمداً في المسجد، ولمن كانت جنابته خارج المسجد فَدَخل.

فما عن جماعةٍ منهم الصدوق(5) والشيخ في «المبسوط»(6) وابنا زُهرة(7)وإدريس(8) والمحقّق(9) والمصنّف(10) في بعض كتبه، من اختصاص الحكم بالمحتلم، ضعيفٌ .

أقول: وهل يختصّ وجوب التيمّم للخارج جُنُباً:

1 - بصورة عدم التمكّن من الغُسل، المساوي زمانه لزمان التيمّم، أو الناقص عنه كما عن «الدروس»(11) و «شرح الألفيّة»(12) و «الروض»(13)م.

ص: 213


1- الألفيّة والنفليّة: ص 42، قوله: (ويختصّ التيمّم بخروج الجُنُب والحائض من المسجدين).
2- رسائل الكركي: ج 3/188، قوله: (ولا فرق في الجُنُب بين كونه محتلماً أو غيره، حتّى لو دخل وهو جنب عمداً أو سهواً).
3- الدروس: ج 1 ص 86.
4- مسالك الأفهام: ج 1/11، قوله: (وللمجنب في أحد المسجدين ليخرج به... ويلحق به من أجنب خارجهماودخل عامداً أو ساهياً).
5- الهداية: ص 97، قوله: (فإنّك إذا احتلمت في أحد هذين المسجدين تيمّمت وخرجت، ولم تمش فيهماإلّا متيمّماً).
6- المبسوط: ج 1/161، قوله: (إذا احتلم في أحد هذين المسجدين تيمّم في مكانه وخرج واغتسل).
7- غنية النزوع: ص 37.
8- السرائر: ج 1/279، (فيمن أجنب في المسجدين).
9- المعتبر: ج 1/189 قوله: (ولو احتلم في أحد المسجدين يتيمّم لخروجه).
10- منتهى المطلب: ج 1/88 (ط. ق)، في كيفيّة الغسل وأحكامه.
11- الدروس: ج 1/86، قوله: (ولو أمكن الغسل فيهما وساوى زمان التيمّم قدّم الغُسل).
12- رسائل الكركي: ج 3/188، لكن الظاهر التزامه بخصوص التيمّم في المسجدين للخروج، دون الغسل حتّى مع القدرة عليه.
13- روض الجنان: ص 19 في وجوب التيمّم.

و «المسالك»(1) و «الذخيرة»(2) وغيرها؟

2 - أم لايختصّ بها كما عن المحقّق الثاني في حاشيته(3) وغيره، بل هو ظاهرُ جُلّ مَن تقدّم على الشهيد رحمه الله لولم نقل كلّهم ؟ وجهان:

قد استدلّ للأوّل(4): بعدّة أدلّة:

1 - بأنّ فيه جمعاً بين ما دلَّ على وجوب التيمّم هنا، وبين ما دلَّ على اشتراطه بعدم الماء.

2 - وبأنّ إطلاق الحكم بوجوب التيمّم في الخبر مبنيٌّ على الغالب من عدم التمكّن من الاغتسال بدون تلويث المسجد، أو على الغالب من زيادة زمان الغسل على زمان التيمّم.

3 - وبالأصل المعروف بين الأصحاب من أنّ التيمّم طهارة اضطراريّة لا ترتكب إلّامع فقد الماء.

وأورد على الجميع: بأنّ الظاهر من النصّ أنّ التيمّم من حيث هو شرطٌ لجواز الخروج، لا من جهة حصول الطهارة به أو انطباقها عليه، ولذا قال في ذيل الصحيح المتقدّم المرويّ مرسلاً عن الكافي: (وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك)، مع أنّه لا يرتفع حَدَث الحائض به قطعاً.

وفيه: أنّ الظاهر من النصّ - كسائر النصوص المتضمّنة للأمر بالتيمّم في موارد خاصّة، لاسيّما بعد ملاحظة أنّ مشروعيّة التيمّم في المقام ممّا تقتضيه القواعد العامّة9.

ص: 214


1- مسالك الأفهام: ج 1/11.
2- ذخيرة المعاد: ج 1 القسم الأوّل ص 10، القول في تيمّم المُجنب في المسجدين.
3- رسائل الكركي: ج 3/188، قوله: (ويختصّ التيمّم..، أي ولا يشاركه في ذلك الغُسل وإن أمكن فعله في المسجد، ولم يستلزم إزالة نجاسته، سواء ساوى زمانه زمان التيمّم أو قصر عنه أو زاد عليه على الأصحّ ).
4- كما حكاه في الجواهر: ج 3/59.

- كون التيمّم مأمورٌ به من جهة كونه طهارة أو محصّلاً لها، وأمر الحائض به أيضاً لو ثبت لا ينافيه، لأنّه من الجائز أنْ يكون التيمّم بالنسبة إليها رافعاً لمرتبةٍ من الحَدَث، وإنْ لم يكن رافعاً لحَدَثها بالمرّة، فالأقوى هو القول الأوّل.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرنا أنّ الأقوى اختصاص الحكم بما إذا كان زمان التيمّم اقصر من زمان الخروج، وعدم ثبوته فيما إذا كان مساوياً أو أطول، كما عن الوحيد رحمه الله(1) وتبعه جماعةٌ من المحقّقين ممّن تأخّر عنه.

وعليه، فما عن «الذكرى» وغيره من عدم الفرق بين الصور، مستدلّاً بأنّ الظاهر من النصّ - بمقتضى إطلاقه الشامل لجميع الفروض - أنّ مكث الجُنُب في حال التيمّم أولى من المرور جُنُباً، ضعيفٌ كما هو واضح.

وأخيراً: إنّ الكلام في إفادة هذا التيمّم، إباحة غير الخروج من الاُمور المشروطة بالطهارة، لو صار فاقداً للماء في الخارج، أو غير متمكّن من الاغتسال حين الخروج، أو بعده بمقدارٍ لا يسعه، هو الكلام في إباحة التيمّم لأجل الضيق للغايات الاُخر غير الصّلاة لو صار فاقداً للماء حين الصّلاة، وسيأتي بيان ما هو الحقّ في مبحث التيمّم،(2) فراجع ذلك المبحث.

***2.

ص: 215


1- كما حكاه السيّد في مستمسك العروة الوثقى عن الوحيد في «شرح المفاتيح»، راجع المستمسك: ج 3/53.
2- فقه الصادق: ج 4/432.
إدخال الجُنُب في المسجد

الفرع الثاني: هل يجوز إدخال الجُنُب في المسجد مطلقاً، وإنْكان غير مكلّف، أم لا يجوز كذلك، أم يفصّل بين المكلّف فلا يجوز وغيره فيجوز؟ وجوهٌ وأقوال:

استدلّ للثاني(1):

1 - بأنّ مقتضى إطلاق النهي عن الجلوس في المساجد، من دون توجيهه إلى خصوص الجُنُب هو ذلك.

2 - وبأنّ دخول الجُنُب حرامٌ وذو مفسدة، وإنّما لم ينه عنه بالنسبة إلى غير المكلّف لمانعٍ من التكليف، فاستناد هذا الفعل إلى البالغ قبيحٌ عقلاً وحرامٌ شرعاً.

وبعبارة اُخرى: الإدخال تسبيبٌلحصول مبغوض المولى، وهو قبيحٌ بلا كلام.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه لم نرَ في النصوص ما يدلّ على حرمة دخول الجُنُب أو جلوسه في المسجد لغير الجُنُب، بل هي متضمّنة لنهيه عنهما فقط.

وأمّا الثاني: فلأنّ ما ذُكر وإنْ كان بالنسبة إلى ما إذا كان الجُنُب مكلّفاً تامّاً، إلّا أنّه لا يتمّ فيما إذا كان صبيّاً، إذ مع عدم وجود النهي، لا سبيل لنا إلى كشف المفسدة والمبغوضيّة، وحيثُ أنّ الصبي أو من شابهه من غير المكلّفين لم يتعلّق بجلوسه نهيٌ ، فلا مثبت لكونه مبغوضاً.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثالث.

***

ص: 216


1- كما في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/56.
في حكم استئجار الجُنُب للدخول

الفرع الثالث: لا شبهة في عدم صحّة استئجار الجُنُب لدخول المسجد، أو المكث فيه، أو قراءة العزائم، أو نحو ذلك ممّا يحرم على الجُنُب، لأنّه يعتبر في صحّة الإجارة القدرة على العمل المستأجر عليه عقلاً وشرعاً إجماعاً، ولا يستحقّ الجُنُب اُجرةً لا لفساد الإجارة، فإنّه لا ينافي استحقاق اُجرة المثل، بل مقتضى قاعدة (ما يُضمَن) استحقاقه ذلك، بل الوجه في عدم الاستحقاق قوله عليه السلام: «إنّ اللّه إذا حَرّم شيئاً حرّم ثمنه»(1).

مضافاً إلى ما ورد من النصوص في حرمة أجر النائحة بالباطل ونحوها.

وأيضاً: لا إشكال في أنّه لا يجوز استئجار الجُنُب لكنس المسجد، لأنّه ترغيبٌ لفعل المنكر، فهل تصحّ الإجارة أم لا؟ وجهان:

أقواهما الثاني، إذ النهي عن الدخول الذي هو مقدّمة للكنس، يكون معجزاً شرعيّاً عن فعل المستأجر عليه، وقد اُدّعي الإجماع على اعتبار القدرة عليه شرعاً في صحّة الإجارة، فلا يستحقّ الاُجرة المسمّاة. نعم، لا يبعد استحقاقه اُجرة المثل لقاعدة (ما يُضمن)، وما دلَّ على أنّ العمل المحرّم ثمنه لا يشمل المقام، لأنّ العمل المستأجر عليه لا يكون حراماً.

وبالجملة: بناءً على ما ذكرناه لو استأجره مطلقاً، ولكنّه كنس في حال جنابته،

ص: 217


1- قد مرَّ أنّ مثل هذا النبوي ونحوه غير موجودٍ في كتبنا ولا في كتب العامّة، بل الموجود في كتبهم: (إنّ اللّه إذا حرّم على قومٍ أكل شيء حرّم ثمنه) (منه حفظه المولى). ولعلّ نظره إلى الكتب الروائيّة الفقهيّة المتداولة، فإنّه لم يرد بهذا النصّ ، لكنّه ورد في بعض كتبنا بهذا النصّ الموجود في المتن كما في عوالي اللآلي: ج 2/110 ح 301 و ص 328 ح 33 و: ج 3/472 ح 48، وفي البحار: ج 100/55 ح 29، وفي نهج الحقّ للعلّامة: ص 496 الفصل السابع في الحجر وتوابعه...

يستحقّ الاُجرة حتّى في صورة العلم بأنّه جنب، لأنّه لا يعتبر في صحّة الإجارة سوى القدرة على متعلّقها شرعاً، والمفروض تحقّقها في المقام، والفرد المأتي به لا يكون حراماً كي لا يستحقّ بذلك اُجرة.

وتمام الكلام في شقوق هذه المسألة موكولٌ إلى محلّه في كتاب الإجارة.

***

ص: 218

التيمّم لدخول المسجد

الفرع الرابع: لا إشكال في أنّه يكون إحدى غايات الغُسل كالوضوء لدخول المساجد، لموثّق ابن حكيم، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عليكم بإتيان المساجد فإنّها بيوت اللّه تعالى في الأرض، مَن آتاها متطهّراً طهّره اللّه من ذنوبه»(1). ونحوه غيره.

كما أنّه لا إشكال في وجوب التيمّم عند فقد الماء لدخول الجُنُب في المسجد إنْ وجب الدخول المحرّم في نفسه على الجُنُب، كما مرَّ تفصيله في فروع تطهير المسجد، فراجع.(2)

أقول: إنّما الكلام في أنّه إذا كان جُنُباً وكان الماء في المسجد، هل يجب عليه الاغتسال، ليجب له دخول المسجد، وليجب التيمّم مقدّمةً له، أم لايجب الاغتسال ؟

قد يقال: إنّ التحقيق عدم وجوب الغُسل عليه في الفرض، وانتقال تكليفه إلى التيمّم، لأنّه لحرمة دخول المسجد على الجُنُب يكون غير واجدٍ للماء شرعاً، والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً.

وفيه: إنّ دخول المسجد وإنْ كان حراماً للجنب، إلّاأنّه مع فرض عدم الماء إلّا في المسجد، يكون غير واجدٍ للماء بالنسبة إليه، فيكون التيمّم مشروعاً للدخول، ويصير جائزاً، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ جميع غايات الغُسل غاياتٌ للتيمّم، كما يقتضيه إطلاق ما دلَّ على البدليّة، كقوله عليه السلام في صحيح حمّاد:

«هو بمنزلة الماء»(3)، وفي صحيح ابن حمران وجميل:

ص: 219


1- وسائل الشيعة: ج 1/380 ح 1005، الأمالي للصدوق ص 358 ح 8، المجلس 57.
2- فقه الصادق: ج 2/202.
3- التهذيب: ج 1/200 ح 55، وسائل الشيعة: ج 3/379 ح 3918 وص 385 ح 3935.

«إنّ اللّه جَعَل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً»(1). ونحوهما غيرهما.

ودعوى : فخر المحقّقين(2) وكاشف الغطاء(3) من منع مشروعيّة التيمّم لدخول المسجدين، واللّبث في المساجد، ومسّ كتابة القرآن لقوله تعالى: وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (4)، لأنّه تعالى غيَّ المكث في المساجد بالاغتسال، ولو أباحه التيمّم لكان أيضاً غاية.

غير تامّة: إذ مقتضى إطلاق أدلّة البدليّة، كون ما ذُكر غايةً للتيمّم، كما أنّه غايةً للغُسل، وجعل الغُسل غايةً لحرمة المكث، لا ينافي ذلك، لحكومة أدلّة البدليّة عليه.

وعلى ذلك، فيجبُ الغُسل للتمكّن منه، ويجب الدخول عليه مقدّمةً له، والتيمّم مقدّمةً للدخول.

ودعوى: أنّه يلزم من صحّة التيمّم في الفرض فساده، فإنّه لو تيمّم بما أنّه لا مانع من الوصول إلى الماء، يكون واجداً للماء فيبطل تيمّمه، فصحّة التيمّم مستلزمة لعدمها، وحيثُ أنّ ما يلزم من وجوده عدمه محالٌ ، فصحّة التيمّم في المقام تصبح ممتنعة.

مندفعة: بأنّ الجُنُب في الفرض وإنْ كان واجداً للماء بالإضافة إلى غير الدخول من الغايات، إلّاأنّه غير واجدٍ له بالإضافة إليه ما لم يغتسل، مع أنّ الوجدان المعلول للتيمّم لا يمكن أنْ يكون علّة لبطلانه، إذ معلول الشيء لا يعقل أن يؤثّر في عدم ذلك الشيء.3.

ص: 220


1- الفقيه: ج 1/109 ح 224، وسائل الشيعة: ج 1/133 ح 322 وج 3 ص 385 ح 3934 و 3941.
2- إيضاح الاشتباه: ج 1/66.
3- كشف الغطاء: ج 1/123 (ط. ق).
4- سورة النساء: الآية 43.

لا يقال: إنّه يمكن أن يعكس ذلك، ويقال إنّ التيمّم لا يؤثّر في الوجدان لكونه علّة لعدمه.

فإنّه يقال: إنّ ما دلَّ على أنّ الوجدان سببٌ لانتقاض التيمّم، لا يمكن الاستدلال به، لعدم حجيّته في المقام، إمّا للتخصيص أو للتخصّص، كما لا يخفى، وعليه فلا معارض لما دلَّ على كون التيمّم في أمثال المقام موجباً لمشروعيّة الدخول، وللوجدان بالنسبة إلى سائر الغايات، فتدبّر فإنّه دقيق.

فتحصّل: أنّ الأقوى وجوب التيمّم والدخول لأخذ الماء أو الاغتسال فيه.

***

ص: 221

ويُكرَه ما زاد على سَبع آيات.

ما يُكرَه على الجُنُب

(ويُكره) على الجُنُب اُمور:

الأمر الأوّل: قراءة (مازاد على سَبع آيات) كما عن المشهور.

وهذا متضمّنٌ لأحكام ثلاثة:

أحدها: جواز قراءة الجُنُب في الجملة.

وثانيها: عدم الكراهة في السبع.

ثالثها: الكراهة فيما زاد.

أمّا الأوّل: فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، سوى ما نُسب إلى سلّار في غير «المراسم»(1) من تحريم القراءة مطلقاً.

واستدلّ له: بخبر السكوني، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن علي عليه السلام:

«سبعة لا يقرءون القرآن: الراكع، والساجد، وفي الكنيف، وفي الحمّام، والجُنُب، والنفساء، والحائض»(2).

وخبر أبي سعيد الخُدري، في وصيّته صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام:

«يا عليّ مَنْ كان جُنُباً في الفراش مع امرأته، فلا يقرأ القرآن، فإنّي أخشى أن تنزل عليهما نارٌ من السماء فتُحرِقهما»(3).

وفيه: أنّه لا يمكن العمل بهما لمعارضتهما مع النصوص المتقدّمة في حرمة قراءة

ص: 222


1- كما حكاه عنه الشهيد الثاني في روض الجنان (ط. ق): ص 50 قوله: (ونقل عن سلّار في أحد قوليه تحريم القراءة مطلقاً).
2- وسائل الشيعة: ج 6/246 ح 7854، الخصال: ج 2/357 ح 42.
3- الفقيه: ج 3/551 ح 4899، وسائل الشيعة: ج 2/216 ح 1966 وج 20 ص 252 ح 25559.

العزائم على الجُنُب، الصريح في جواز قراءة غيرها، كصحيح زرارة المروي عن الإمام الباقر عليه السلام، قال:

«قلت له: الحائض والجُنُب هل يقرءآن من القرآن شيئاً؟

قال عليه السلام: نعم ما شاءا إلّاالسَّجدة»(1). ونحوه غيره.

وأمّا الثاني: فالمشهور بين الأصحاب ذلك، بل عن «تلخيص التلخيص»(2)الإجماع عليه. وعن ابن سعيد في «الجامع»(3): إطلاق الكراهة، وعن سلّار في «المراسم»(4): إنّه يندبُ له أنْ لا يقرأ القرآن.

أقول: ولعلّ الثاني أظهر، لأنّه ممّا يقتضيه الجمع بين خبري السكوني والخُدري المتقدّمين، وبين ما هو صريح في الجواز.

وموافقتهما للعامّة لا توجب حملهما على التقيَّة، لأنّها من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى ، لا من مميّزات الحجّة عن غيرها.

ودعوى: أنّه لعدم عمل أكثر الأصحاب بهما، يتعيّن طرحهما.

مندفعة: بأنّه يمكن أنْ يكون عدم إفتائهم بالكراهة، لأجل توهّم معارضتهما مع موثّق سماعة: «عن الجُنُب هل يقرء القرآن ؟ قال عليه السلام: ما بينه وبين سبع آيات(5)، لا للإعراض عنهما، وحيث أنّه يمكن الجمع بينهما وبينه بالالتزام بثبوت المراتب للكراهة، فلا موجب لرفع اليد عنهما.2.

ص: 223


1- التهذيب: ج 1/26 ح 6، وسائل الشيعة: ج 1/312 ح 822 و: ج 2/216 ح 1967 وح 1970.
2- لم نعثر على من حكاه عن تلخيص التلخيص في هذا المورد إلّامن بعض المعاصرين أو أساتذتهم من متأخِّري المتأخّرين (قدّس اللّه أسرارهم).
3- الجامع للشرائع: ص 39، قوله: (ويكره للجنب... وقراءة ما عدا العزائم).
4- المراسم العلويّة: ص 42، قوله: (والندب:.. ولا يقرأ القرآن).
5- التهذيب: ج 1/128 ح 41، وسائل الشيعة: ج 2/218 ح 1972.

فتحصّل: أنّ الأقوى كراهتها مطلقاً.

ويشهد لها: - مضافاً إلى ذلك - ما عن الشيخ في مجالسه: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يحجزه عن قراءة القرآن إلّاالجنابة»(1).

وأمّا الثالثة: فهو المشهور شهرة عظيمة، وعن بعض القدماء وابن البرّاج(2): التحريم.

واستدلّ له: بخبر سماعة المتقدّم.

وأورد عليه أوّلاً: بمعارضته بخبر زُرعة، عن سماعة، قال: «ما بينه وبين سبعين آية»(3).

وثانياً: بعدم إمكان تخصيص العمومات التي كادت تكون صريحة في العموم بالسّبع وما دونها.

وثالثاً: بمنع دلالته على الحرمة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يتعيّن في موارد نقل رواية واحدة بنحوين من إعمال قواعد التعارض، وعليه فيُقدّم الأوّل لأوثقيّة عثمان بن عيسى الذي هو الراوي عن سماعة في الخبر الأوّل عن زُرعة.

وأمّا الثاني: فلأنّه في العمومات ليس ما يكون صريحاً في جواز ما زاد على السبع كي لا يمكن تخصيصه، فلاحظ.

وأمّا الثالث: فلأنّه لا سبيل إلى دعواه سوى عدم المفهوم، وهو كما ترى .3.

ص: 224


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 1/465 ح 1174 و ح 1175.
2- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 1/34، قوله: (فأمّا غير ذلك [أي العزائم] من القرآن فلا يجوز أن يقرأ منه أكثر من سبع آيات والأفضل ترك ذلك).
3- التهذيب: ج 1/128 ح 42، وسائل الشيعة: ج 2/218 ح 1973.

وبالجملة: فالعمدة في ثبوت الكراهة هي الإجماع إنْ ثبت.

أقول: ولكن الإنصاف أنّ دعوى عدم إمكان تخصيص العمومات المتضمّنة أنّ الجُنُب والحائض يقرءآن ماشاءا بالسّبع وما دونها، قريبة جدّاً، كما أنّ الالتزام بوحدة الروايتين المرويتين عن سماعة، مع اختلافهما من حيث المتن والراوي عنه خلافُ الأصل، فالجمع بينهما يقتضي الالتزام بكراهة ما زاد على السبع، وحيث أنّ القول بكراهة ما دون السبعين وحرمتها، وما زاد عليها خلاف الإجماع المركّب، فيتعيّن حمل ما ظاهره حرمة السبعين وما زاد عليها أيضاً على الكراهة، غاية الأمر كراهة أغلظ من كراهة ما دونها.

فالمتحصّل: من مجموع النصوص، بعد ردّ بعضها إلى بعض، أنّه يُكره للجُنُب قراءة القرآن مطلقاً، وتشتدّ كراهتها فيما زاد على سبع آيات، وأشدّ من ذلك ما زاد على السبعين بل نفسها، والأحوط ترك قراءتها، واللّه العالم.

***

ص: 225

ومَسُّ المصحف.

(و) الأمر الثاني ممّا يكره على الجُنُب:

(مَسُّ المصحف) عدا الكتابة منه، كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل بلا خلافٍ يُعرف إلّاعن المرتضى(1) حيث اختار المنع.

واستدلّ له: بعدّة أدلّة:

1 - بقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ (2).

2 - وبخبر إبراهيم المتقدّم: «المصحف لا تمسّه على غير طُهرٍ ولا جُنُباً ولا خطّه ولا تعلّقه إنّ اللّه تعالى يقول: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ »(3).

3 - وبصحيح ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام: «الجُنُب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ويقرءآن»(4).

أمّا الآية الشريفة: - فمضافاً إلى ما عرفت في مبحث غايات الوضوء(5) من عدم دلالتها على حرمة المسّ - أنّ الضمير فيها يرجع إلى القرآن لا إلى المصحف.

وأمّاالخبران: فلإجماع الأصحاب على عدم الحرمة، يُحملان على إرادة الكراهة.

وأمّا ما قيل: من أنّ رواية إبراهيم قاصرة الدلالة، والصحيح لا ظهور لها في الوجوب، لعدم دلالة الجملة الخبريّة عليه.

فضعيفٌ : إذ قد عرفت في مبحث غايات الوضوء تماميّة دلالة خبر إبراهيم، والجملة الخبريّة أظهر في الوجوب من الأمر كما حُقّق في محلّه.5.

ص: 226


1- حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب: ج 2/221 قوله: (وقال المرتضى: لا يجوز للجُنُب مَسّ المصحف).
2- سورة الواقعة: الآية 79.
3- التهذيب: ج 1/127 ح 35، وسائل الشيعة: ج 1/384 ح 1014.
4- التهذيب: ج 1/371 ح 25، وسائل الشيعة: ج 2/217 ح 1970.
5- فقه الصادق: ج 1/325.

والأكل والشُّرب، إلّابعد المضمضة، والإستنشاق،

(و) الثالث ممّا يُكره على الجُنُب:

(الأكل والشرب) على المشهور شهرةً عظيمة.

وعن «التذكرة»(1): نسبته إلى علمائنا، ولم يُنقل «الخلاف» إلّاعن الصدوق(2)، ولكن الظاهر أنّه أراد من النهي الكراهة، لا الحرمة، للتعليل بخوف البَرَص، فلا خلاف في عدم الحرمة.

أقول: وأمّا النصوص الواردة في المقام، فبعضها وإنْ كان ظاهراً في الحرمة كصحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام:

«إذا كان الرجل جُنُباً لم يأكل ولم يشرب حتّى يتوضّأ»(3).

ولكن بقرينة الإجماع على عدم الحرمة المدّعى في «الغنية»(4) وغيرها.

والتعليل للنهي في خبر السكوني بخوف الوَضَح(5).

وفي خبر المناهي: «بأنّه يورث الفقر»(6).

وموثّق ابن بُكير عن الإمام الصادق عليه السلام: «الجُنُب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن ؟ قال عليه السلام: نعم يأكل ويشرب ويقرأ ماشاء»(7).5.

ص: 227


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/242.
2- المقنع: ص 41، قوله: (ولا تأكل ولا تشرب وأنت جُنُب حتّى تغسل فرجك وتتوضّأ، فإنّك إذا فعلت ذلك، خيفَ عليك البَرَص).
3- وسائل الشيعة: ج 2/219 ح 1978.
4- غنية النزوع: ص 37 حيث عدَّ الأكل والشرب من المكروهات للجُنُب قبل المضمضة والاستنشاق.. بدليل الإجماع.
5- وسائل الشيعة: ج 2/219 ح 1976. والوَضَح بالتحريك: البَرَص.
6- وسائل الشيعة: ج 2/219 ح 1979 و ص 220 ح 1980.
7- التهذيب: ج 1/128 ح 37، وسائل الشيعة: ج 2/215 ح 1965.

وقوله عليه السلام في صحيح عبد الرحمن في الأكل قبل الوضوء: «إنّا لنكسل»(1).

يُحمل النهي فيه على الكراهة.

وأمّا ما عن «المدارك»(2): (من عدم الدليل على الكراهة أيضاً، لأنّ ما وقفتُ عليه من الأخبار هو صحيح عبد الرحمن المتقدّم، وصحيح زرارة الآتي وهما لا يقتضيان الكراهة، بل يدلّان على استحباب الوضوء أو غَسل اليدين خاصّة، أو مع الوجه والمضمضة.

فغريبٌ : لما عرفت من تضمّن بعض نصوص الباب النهي، مع أنّ ظاهر صحيح زرارة اشتراط غَسل اليد لجواز الأكل، لا استحباب الغُسل في نفسه، وبعد قيام الدليل على عدم إرادة الحرمة يُحمل على الكراهة.

أقول: وترتفع الكراهة:

1 - بالوضوء لخبر الحلبي المتقدّم.

2 - وبغسل اليدين خاصّة، لصحيح عبد الرحمن المتقدّم.

3 - أو مع المضمضة وغَسل الوجه، لصحيح زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«الجُنُب إذا أراد أن يأكل ويشرب غَسَل يده وتمضمض وغَسَل وجهه وأكل وشرب»(3).

وأمّا ما ذكره المصنّف رحمه الله من كراهة الأكل والشرب (إلّا بعد المضمضة والاستنشاق) الصريح في ارتفاع الكراهة بهما، فيشهد له الإجماع المُدّعى كما في «الجواهر»(4).

***ة.

ص: 228


1- التهذيب: ج 1/372 ح 30، وسائل الشيعة: ج 2/220 ح 1981.
2- مدارك الأحكام: ج 1/284، بتصرّف.
3- الكافي: ج 3/50 ح 1، التهذيب: ج 1/129 ح 45، وسائل الشيعة: ج 2/219 ح 1975.
4- جواهر الكلام: ج 3/65، ونسب الإجماع إلى ظاهر الغنية والتذكرة.

والنُّوم إلّابعد الوضوء.

(و) والرابع ممّا يُكره على الجُنب:

(النوم إلّابعد الوضوء) على المشهور شهرة عظيمة، وعن غير واحد(1): دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: عدّة أدلّة:

1 - صحيح عبد الرحمن، عن الإمام الصادق عليه السلام: «عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك ؟ قال عليه السلام: إنَّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس في منامها، ولا يدري ما يطرقه من البليَّة، إذا فَرَغ فليغتسل»(2).

2 - وخبر أبي بصير، عنه عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا ينام المُسلم وهو جُنُب، ولا ينام إلّاعلى طهور»(3).

المحمولان على الكراهة، بقرينة ما هو صريح في عدم الحرمة، كصحيح عُبيد اللّه بن عليّ الحلبي: «سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جُنُب ؟ فقال عليه السلام: يكره ذلك حتّى يتوضّأ»(4). فتأمّل.

وموثّق سماعة: «سألته عن الجُنُب يجنب ثمّ يريد النوم ؟ قال عليه السلام: إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل، والغُسُل أحبُّ إليَّ وأفضل من ذلك، وإنْ هو نام ولم يتوضّأ ولم7.

ص: 229


1- تذكرة الفقهاء: ج 1/241، بعد أن عدّه من مكروهات الجُنُب قال: (ذهب إليه علماؤنا)، وفي المعتبر: ج 1/191، قال: (وعليه علماؤنا).
2- التهذيب: ج 1/372 ح 30، وسائل الشيعة: ج 2/228 ح 2010.
3- وسائل الشيعة: ج 1/379 ح 1003 وج 2/227 ح 2009، علل الشرائع: ج 1/295 ح 1.
4- الفقيه: ج 1/83 ح 179، وسائل الشيعة: ج 1/382 ح 1009 و: ج 2/227 ح 2007.

يغتسل فليس عليه شيء»(1).

وعليه، فما عن ظاهر «المهذّب»(2) من القول بالحرمة ضعيفٌ .

ثمّ إنّ مقتضى صحيح عبيد اللّه ارتفاع الكراهة بالمرّة بالوضوء، كما هو ظاهر المشهور، ولاينافيه الموثّق الدالّ على أفضليّة الغُسل، فإنّ أفضليّته إنّما تكون لأجل كونه موجباً للطهارة الكاملة، فيكون النوم في حال كونه متطهّراً الذي هو بنفسه مطلوب للشارع، لا لأنّه يوجبُ رفع الكراهة دون الوضوء.

ومقتضى إطلاق النصوص، ثبوت الكراهة مطلقاً، سواءٌ أراد العود أم لا. ولا ينافيه قول مولانا الصادق عليه السلام في حديثٍ : «أنا أنام على ذلك حتّى أصبح وذلك أنّي اُريد أن أعود»(3)، إذ من الجائز أنْ يكون قوله: (على ذلك) إشارة إلى الوضوء لا إلى الجنابة، لاسيّما وأنّه يحتمل أنْ يكون صدور هذا الخبر عقيب صحيح الحلبي المتقدّم.

مع أنّه على فرض كونه إشارة إلى الجنابة، إنّما يدلّ على أنّه عند إرادة العود لم يكن يغتسل بعد الجنابة بلا فصل، بل كان بناءه على النوم حتّى يصبح، ولا يدلّ على أنّه كان ينام من دون أن يتوضّأ كي يتنافى مع النصوص المتقدّمة.

فما عن «الوسائل» من اختصاص الكراهة بما إذا لم يرد العود، ضعيفٌ .

فرع: ثمّ إنّه إنْ لم يجد الماء للوضوء، تيمّم بدلاً عنه:

1 - لعموم أدلّة بدليّة التيمّم عن الوضوء عند فقد الماء.

2 - ولخبر أبي بصير المتقدّم: «لا ينام المسلم وهو جُنُب، ولا ينام إلّاعلى8.

ص: 230


1- الكافي: ج 3/51 ح 10، وسائل الشيعة: ج 2/228 ح 2012.
2- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 1/34، قوله: (ولا ينام حتّى يغتسل ويتمضمض ويستنشق. وظهور النهي هنا في الحرام بقرينة عطفه على دخول المسجدين وقراءة العزائم... وحرمة هذه من المسلّمات).
3- الفقيه: ج 1/83 ح 180، وسائل الشيعة: ج 2/227 ح 2008.

طهور، فإنْ لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد»(1).

إذ المراد من (الطهور) ما يشمل الوضوء، لما عرفت من ارتفاع الكراهة بالوضوء أيضاً، فمقتضى إطلاق قوله: (وإنْ لم يجد الماء) هو رجحان التيمّم بدلاً عن الوضوء أيضاً.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ قوله عليه السلام: (ولا ينام إلّاعلى طهور) إنّما هو في مقام بيان أنّ النوم على الطهارة الكاملة الّتي تكون هي الغُسل خاصّة إنْ كان جُنباً، والوضوء إنْ لم يكن جُنُباً مطلوب للشارع.

وعليه، فهو وما بعده المتضمّن للتيمّم أجنبيّان عن المقام، فالعمدة إذاً عموم دليل البدليّة.

***1.

ص: 231


1- وسائل الشيعة: ج 1/379 ح 1003 و: ج 2/227 ح 2009، علل الشرائع: ج 1/295 ح 1.

والخِضاب.

(و) الخامس من المكروهات:

(الخضاب) على المشهور شهرةً عظيمة، بل لم يُنقل «الخلاف» إلّاعن ظاهر «المهذّب»(1) حيث ذهب إلى التحريم.

واستدلّ له: بالنصوص الناهية عنه، كخبر عامر بن جذاعة، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول: لا تختضب الحائض ولا الجُنُب، ولا تجنب وعليها خضاب، ولا يختضب وهو جُنُب»(2). ونحوه غيره.

وفيه: أنّه يتعيّن حملها على الكراهة، جمعاً بينها وبين ما هو نصٌّ في الجواز، كموثّق سماعة، قال: «سألتُ العبد الصالح عليه السلام عن الجُنُب والحائض أيختضبان ؟ قال عليه السلام: لا بأس»(3).

ونحوه أخبار أبي جميلة(4) والسَّكوني(5) وأبي المَغْرا.

وكذا يُكره للمختضب إجناب نفسه، لخبر عامر المتقدّم، المحمول على الكراهة، جمعاً بينه وبين خبر أبي جميلة، عن الإمام علي عليه السلام:

«لا بأس بأنْ يختضب الجُنُب، أو يجنب المختضب ويَطلى بالنورة»(6).

ولكن تختصّ كراهته بما قبل أنْ يثبت اللّون، لخبر أبي سعيد، عن أبيه.

ص: 232


1- المهذّب للقاضي ابن البرّاج: ج 1/34، قوله: (ولا يختضب حتّى يغتسل. وظهور النهي هنا في الحرام بقرينة عطفه على دخول المسجدين وقراءة العزائم... وحرمتها من المسلّمات).
2- التهذيب: ج 1/182 ح 93، وسائل الشيعة: ج 2/222 ح 1991.
3- التهذيب: ج 1/182 ح 96، وسائل الشيعة: ج 2/222 ح 1988 و ص 354 ح 2347.
4- الكافي: ج 3/51 ح 9، وسائل الشيعة: ج 2/221 ح 1983.
5- وسائل الشيعة: ج 2/221 ح 1985.
6- الكافي: ج 3/51 ح 9، وسائل الشيعة: ج 2/221 ح 1983، وقد تقدّم تخريجه.

إبراهيم عليه السلام قال: «قلت له: أيختضبُ الرجل وهو جُنب ؟ قال: لا، قلت: فيجنبُ وهو مختضب ؟ قال: لا، ثمّ مكَثَ قليلاً، ثمّ قال عليه السلام: يا أبا سعيد ألا أدلّك على شيءٍ تفعله ؟ قلت: بلى، قال عليه السلام: إذا اختضبت وأخذ الحنّاء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع»(1).

وبمضمونه مرسل «الكافي»(2).

***).

ص: 233


1- التهذيب: ج 1/181 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2/221 ح 1986.
2- الكافي: ج 3/51 عقيب ح 9، قوله: (وروي أيضاً أنّ المختضب لا يُجنب حتّى يأخذ الخضاب، وأمّا في أوّل الخضاب فلا).

السادس من المكروهات على الجُنُب:

الجماع إذا كانت جنابته بالاحتلام، لما عن «مجالس الصدوق»:

«وكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم، حتّى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإنْ فَعَل وخرج الولد مجنوناً فلا يلومنَّ إلّانفسه»(1).

أقول: ولا يخفى أنّ جماعة من الفقهاء ذكروا في عِداد المكروهات أمرين آخرين، هما:

1 - التدهين، واستدلّ له بخبر حَريز، قال: «قلتُ لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجُنُب يُدهن ثمّ يغتسل ؟ قال عليه السلام لا»(2).

وفيه: أنّ الظاهر كون النهي لأجل منع الدهن من إيصال الماء إلى البشرة كما لا يخفى.

2 - حمل المُصحف، وعن المحقّق(3) الاعتراف بعدم الدليل عليه، سوى فتوى جماعة، وعدم ثبوت الكراهة به واضح.

نعم، دعوى كراهة تعليق المصحف في محلّها لخبر إبراهيم المتقدّم المحمول على الكراهة للإجماع على عدم الحرمة.

***ض.

ص: 234


1- الفقيه: ج 3/556 ح 4914، التهذيب: ج 7 ص 412 ح 18، وسائل الشيعة: ج 20/139 ح 25245.
2- الكافي: ج 3/51 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/220 ح 1982.
3- المعتبر: ج 1/234 قال في أحكام الحائض: (وأمّا حمل المصحف: فإنْ كان بعلاقته، فإجماع الأصحاب على الكراهية)، وأمّا في مكروهات الجُنُب ص 191 فقد ذكر تعليق المصحف، فقال: (ولا تعلّقه)، وفي الشرائع لم يذكر حمل المصحف من مكروهات الجُنُب، فقط ذكره في أحكام الحائض.

ولو أحَدَث في أثناء الغُسل أعاد.

مسائل:
الحَدَث الأكبر في أثناء الغُسل
اشارة

مسائل:

الاُولى: (ولو أحدَثَ في أثناء الغُسل):

1 - فإنْ كان بالأكبر، وكان مماثلاً للحَدَث السابق كالجنابة في أثناء غُسلها (أعاد) بلا كلامٍ ، وعن «كشف اللّثام»(1) الاتّفاق عليه.

ويشهد له: عموم ما دلَّ على لزوم الغُسل بعد الجنابة، الشاملة لهذه الجنابة المفروضة.

2 - وإنْ لم يكن مماثلاً له، فالأظهر عدم بطلانه، لإطلاق ما تضمّن الأجزاء والشرائط والموانع للغُسل، كالأدلّة البيانيّة حيث لم يعدّ منها ذلك.

وقيل: إنّه يعيد، لما ادّعي من الإجماع على بطلان غُسل الجنابة لو تخلّله الحَدَث الأكبر، ولما عن كتاب عرض المجالس للصدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام: «فإنْ أحدثَت حَدَثاً من بولٍ أو غائط أو ريحٍ أو منيّ (2) بعدما غَسَلت رأسك، من قبل أنْ تغسل جَسَدك، فأعد الغُسل من أوّله»(3).

بدعوى أنّه يتعدّى من المنيّ إلى سائر أسباب الحَدَث الأكبر، كالتعدّي من البول وأخويه إلى غيرها.

أقول: وفيهما نظر:

ص: 235


1- كشف اللّثام: ج 2/45، قوله: (نعم يشترط عدم تجدّد حدث أكبر من جنابة أو غيرها أو أصغر، فإنْ تجدّد أحدهما في الأثناء أعاد فيهما في الجنابة اتّفاقاً).
2- لا توجد في «الفقيه»: (أو مَنيٍّ ). نعم هي موجودة في عبارة «وسائل الشيعة»: راجع المصدر الآتي.
3- الفقيه: ج 1/88 بعد الحديث 191، وسائل الشيعة: ج 2/238 ح 2039.

أمّا الأوّل: فلأنّه غير ثابت، ولعلّ مرادهم على تقدير الثبوت خصوص الجنابة.

وأمّا الثاني: - فمضافاً إلى عدم حجيّته، لعدم الوقوف على سنده - أنّه متضمّنٌ لحكم حدوث الجنابة، والتعدّي إلى غيرها من أقسام الحَدَث الأكبر يحتاج إلى دليلٍ مفقود.

واحتمل بعضٌ : الاكتفاء بالإتمام، لأنّ الحَدَث المتخلّل لا أثر له.

وفيه: أنّ النصوص إنّما دلّت على تداخل الأغسال، وأنّه يكفي غُسلٌ واحد عن الجميع، لا على عدم تأثير السبب المتأخّر، بل ظاهرها هو ذلك، فلاحظ.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم البطلان، وعليه فله أن يُتمّه ويأتي بالآخر، وأنْ يستأنف بغُسلٍ واحد لهما، لإطلاق ما دلَّ على تداخل الأغسال.

الحَدَث الأصغر في أثناء الغُسل

وإنْ صار في أثناء الغسل مُحْدِثاً بالحَدَث الأصغر، ففيه قولان:

القول الأوّل: ما عن جماعةٍ منهم الصدوق(1) والشيخ في «المبسوط»(2)والمصنّف رحمه الله(3) والشهيد(4) والوحيد وغيرهم،(5) هو: القول ببطلان الغُسل، ولزوم استئنافه، والاكتفاء به.

ص: 236


1- الفقيه: ج 1/88 بعد الحديث 191.
2- المبسوط: ج 1/29، قوله: (ومتى غسل رأسه من الجنابة ثمّ أحدثَ ما ينقض الوضوء أعاد الغَسل من الرأس).
3- قرب الإعادة في تحرير الأحكام: ج 1/95 مسألة 223، وقوّاها في التذكرة: ج 1/246 مسألة 74، وقال في منتهى المطلب: ج 2/254: (والحقّ عندي الأوّل [أي الإعادة])، وفي نهاية الاحكام: ج 1/114: (أنّ الأقوى الاستيناف).
4- البيان: ص 16 (ط. ق) قوله: (ويجب إعادته [أي للغسل] كلّما أحدثَ ولو أصغر).
5- العلّامة في الدروس: ج 1/97، قوله: (ولو أحدثَ في أثنائه أعاد على الأقوى)، و في الذكرى: ج 2/248.

وعن حاشية «الألفيّة»(1): نسبتُه إلى الأكثر.

وعن الوحيد: نسبتُه إلى المشهور(2).

واستدلّ له: بعدّة اُمور:

1 - بخبر عرض المجالس المتقدّم، ونحوه ما عن «الرضوي»(3).

2 - وبأنّه لا دليل على رافعيّة الغُسل المتخلّل بالحَدَث للجنابة، فيستصحب أثرها إلى أن يتحقّق المزيل، ومقتضى هذا الاستصحاب أيضاً الاجتزاء بالغُسل عَقيب الحَدَث عن الوضوء، كاستصحاب الجنابة عند الشكّ في تحقّق الغُسل رأساً.

3 - وبأنّه لو تأخّر الحَدَث عن الغُسل، لأبطل إباحته للصلاة، فللبعض بطريقٍ أولى .

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلضعف سند الخبرين كما تقدّم.

ودعوى: الانجبار بالشهرة.

مندفعة: بعدم ثبوت اعتمادهم عليهما، بل ظاهر كلماتهم العدم، بل عن جماعةٍ منهم التصريح بعدم العثور على خبر عرض المجالس.

وأمّا الثاني: فلأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الغُسل - على ما ستعرف - رافعيّة المتخلّل بالحَدَث الأصغر للجنابة، ومعه لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب.

وأمّا الثالث: فلأنّ الحَدَث بعد الغُسل وإنْ كان ناقضاً لإباحته للصلاة، إلّاأنّه4.

ص: 237


1- رسائل الكركي: ج 3 (شرح الألفيّة) ص 203 حيث قال: (وهو ما عليه المتأخّرون) - إلّاأنّه لم يتبنّاه - وقال: (والمعتمد عدم البطلان). وقد حكاه عنه غير واحدٍ من الأعلام منهم صاحب الرياض: ج 1/325.
2- حكى نسبته إلى المشهور صاحب مفتاح الكرامة: ج 3/106 عن اُستاذه في حاشية المدارك.
3- مستدرك وسائل الشيعة: ج 1/473 ح 1196، فقه الرضا عليه السلام باب الغسل من الجنابة ص 84.

نقضٌ بلحاظ الحَدَث الأصغر، وعليه فلو تمت الأولويّة، لاقتضت كون الحَدَث الواقع في الأثناء، كالواقع بعد الغُسل، موجباً لوجوب الوضوء لا بطلان الغُسل، فالقول بالبطلان ضعيف.

القول الثاني: ما عن الحلّي(1) والمحقّق الثاني(2) والمحقّق الداماد(3) والفاضل الخراساني(4) من أنّه يتمّه، ويقتصر عليه ولا يتوضّأ.

واستدلّوا له: بعدّة وجوه - بعد البناء على صحّة الغُسل لما ستعرف -:

1 - بأنّه لا أثر للحَدَث الأصغر مع الجنابة.

2 - وبما دلَّ على أنّه لا وضوء مع غُسل الجنابة(5).

3 - وبما دلَّ على جواز تفريق الغُسل، كخبر اُمّ إسماعيل(6)، والخبر الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام(7) في جواز التفريق ولو إلى الظهر أو بعده، فإنّهما صريحان في عدم البأس بالحَدَث لإستبعاد عدم التخلّل في مثل ذلك.

4 - وباستصحاب عدم قابليّة الحَدَث للتأثير.

أقول: وفي الجميع نظر:8.

ص: 238


1- السرائر: ج 1/119.
2- جامع المقاصد: ج 1/276.
3- اثنا عشر رسالة للمحقّق الداماد: ج 2/136-137، قوله: (واعتمد فريق على الاكتفاء بالإتمام، ذهب إليه ابن البرّاج وابن ادريس واختاره جدّي المحقّق أعلى اللّه كلمته، وتبعه خالي المدقّق طاب مرقده، وهو عندي أمتن الأقوال دليلاً وأظهرها سبيلاً).
4- اللّمعات النيّرة للآخوند الخراساني: ص 91.
5- وسائل الشيعة: ج 2/246 باب 34 (عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة قبله ولا بعده) ابتداءً من حديث رقم 2065 وما بعده، ويدلّ على ذلك أيضاً الباب 33 منه.
6- وسائل الشيعة: ج 2/237 ح 2036.
7- وسائل الشيعة: ج 2/238 ح 2038.

أمّا الأوّل: فلأنّ دليل هذه الكبرى الكليّة: إمّا الإجماع، أو الأخبار.

أمّا الإجماع: فعدم ثبوته في المقام واضحٌ .

وأمّا الأخبار: فليست هي إلّاالنصوص الدالّة على أنّ الغسل يرفع كلّ حَدَثٍ قارنَ الجنابة، ومفادها متّحدٌ مع النصوص الدالّة على أنّه لا وضوء مع غسلُ الجنابة.

ويرد على الاستدلال بالجميع: أنّ الجمع بين النصوص الدالّة على وجوب الوضوء عقيب الحَدَث الأصغر مطلقاً، وبين هاتين الطائفتين من النصوص، يقتضي الالتزام بعدم تأثير أسباب الوضوء الحادثة قبل الجنابة أو بعدها قبل الاغتسال في وجوب الوضوء.

وأمّا الأسباب الحادثة في أثناء الغُسل، فهي داخلة تحت النصوص الأوّل.

أقول: وبهذا البيان يظهر الجواب عمّا قيل من أنّ عموم سببيّة كلّ فردٍ من الأسباب للوضوء، مخالفٌ للإجماع والأخبار، مضافاً إلى أنّ ما دلَّ على وجوب الوضوء بعد الحَدَث الواقع بعد الغُسل، يدلّ على انتقاض الغسل بتمام أجزائه بالحَدَث الأصغر، فكلّ جزءٍ منه يكون منتقضاً به، وعليه فإذا وقع في الأثناء، كان مقتضى هذا الدليل انتقاض الأجزاء السابقة عليه، فيجب الوضوء لذلك، فتأمّل.

وأمّا الثالث: فلأنّه إنّما يدلّ على الصحّة، وليس في مقام بيان إباحته للصلاة حتّى يتمسّك بإطلاقه، كما لا يخفى.

وأمّا الرابع: فلأنّه لا مجال للرجوع إلى الاستصحاب مع وجود الدليل، وهو عموم ما دلَّ على وجوب الوضوء بعد الحَدَث.

فتحصّل: أنّ الأظهر وجوب الوضوء على تقدير القول بصحّة الغُسل، كما هو الأقوى.

أقول: وتشهد للصحّة النصوص الدالّة على جواز تفريق الغُسل بالتقريب

ص: 239

المتقدّم، والأخبار البيانيّة المتكفّلة لبيان الأجزاء والشرائط والموانع غير المتعرّضة لذلك.

فإنْ قلت: إنّ غاية ما يستفاد منها، عدم مانعيّته من الغُسل، بمعنى عدم كون عدمه من الاُمور المعتبرة فيه، وهو ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام في كونه ناقضاً له، والأخبار البيانيّة لا تدلّ على عدم كونه كذلك.

قلت: إنّ المراد بالناقضيّة:

إنْ كان صيرورته موجباً لرفع الهيئة الاتّصاليّة الثابتة للغُسل، المعبَّر عنها بالصورة الغُسليّة، فهي تتوقّف على ثبوت تلك الهيئة للغُسل، وحيث لا دليل عليه، بل مقتضى الأدلّة العدم، فاحتمالها يدفع بتلك الأدلّة.

وإنْ كان المراد بها كونه موجباً لرفع أثر الغُسل، فيدفع احتمالها باستصحاب عدم جعل الناقضيّة له، ويثبت به عدم المجعول.

بل يمكن أن يقال: إنّ احتمال ناقضيّته له لا منشأ له سوى ما دلَّ على سببيّة الحَدَث الأصغر للوضوء، بل لا أتصوّر لها معنىً معقولاً، بعد العلم بعدم كونه من أسباب وجوب الغُسل، وعدم كون عدمه ممّا يعتبر فيه إلّاذلك.

وعليه، فبما أنّ ذلك الدليل لا يقتضي أزيد من وجوب الوضوء في الفرض، فلا مورد لاحتمال الناقضيّة.

ولو تنزّلنا عمّا ذكرناه، وسلّمنا عدم الدليل على مانعيّته، يتعيّن الرجوع إلى البراءة.

أمّا على المختار من كون الطهارة عنواناً منطبقاً على الغُسل فواضح.

وأمّا بناءً على مسلك المشهور، من كونها أثراً حاصلاً منه، فلما حقّقناه في محلّه من جريان البراءة في الشكّ في المحصّل، إذا كان بيانه وظيفة الشارع كما في المقام.

ص: 240

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ ما اختاره عَلَم الهُدى(1)، والمحقّق في «المعتبر»(2) و «النافع»(3)، والشهيد الثاني في «المسالك»(4)، وسبطه في «المدارك»(5)، والبهائي(6)، ووالده(7)، وكاشف اللّثام(8)، والعلّامة الطباطبائي(9)، والمقدّس الأردبيلي(10)، وغيرهم، من أنّه يتمّه ويتوضّأ للصلاة، هو الأظهر.

***0.

ص: 241


1- كما حكاه عنهه المحقّق في المعتبر: ج 1/196.
2- المعتبر: ج 1/196.
3- المختصر النافع: ص 9.
4- مسالك الأفهام: ج 1/55.
5- مدارك الأحكام: ج 1/305.
6- الحبل المتين: ص 41 (ط. ق) حيث قوّى رأي السيّد وما مالَ إليه والده.
7- حكاه البهائي عن والده (المصدر السابق) قوله: (وكان والدي قدّس اللّه روحه يميل إلى مذهب السيّد المرتضى رضى الله عنه من وجوب الإتمام والوضوء).
8- كشف اللّثام: ج 2/45.
9- رياض المسائل: ج 1/323.
10- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/140.
الحَدَث في أثناء الأغسال المستحبّة

المسألة الثانية: يدور البحث فيها عن الحَدَث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبّة وأنّه:

1 - هل يكون مبطلاً لها مطلقاً أم لا؟

2 - أم يجب التفصيل بين الغُسل لفعلٍ كدخول مكّة والزيارة ونحوهما فيبطل، وبين غيره فلا؟

وجوهٌ وأقوال: أقواها الأخير.

وتشهد للبطلان في القسم الأوّل: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح ابن الحجّاج، قال:

«سألتُ أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يغتسل لدخول مكّة، ثمّ ينام فيتوضّأ قبل أنْ يدخل أيجزؤه ذلك أو يعيده ؟ قال عليه السلام: لا يجزؤه لأنّه إنّما دخل بوضوء»(1).

ومنها: موثّق إسحاق: «عن غُسل الزيارة يغتَسل الرّجل باللّيل ويزور باللّيل بغُسلٍ واحد، أيجزؤه ذلك ؟ قال عليه السلام: يجزؤه ما لم يحدث، فإنْ أحدثَ فليعد غُسله باللّيل»(2).

ومنها: صحيح ابن سويد، عن أبي الحسن عليه السلام:

«عن رجلٍ يغتسل للإحرام، ثمّ ينام قبل أنْ يحرم ؟ قال عليه السلام: عليه إعادة الغسل»(3). ونحوها غيرها.

ص: 242


1- الكافي: ج 4 ص 400 ح 8، وسائل الشيعة: ج 13/201 ح 17566.
2- التهذيب: ج 5 ص 251 ح 10، وسائل الشيعة: ج 14/248 ح 19114.
3- الكافي: ج 4/328 ح 3، وسائل الشيعة: ج 12/329 ح 16430.

أقول: وموردها وإنْ كان خصوص دخول مكّة والإحرام والزيارة، إلّاأنّه يتعدّى إلى غيرها من الأغسال المستحبّة لإتيان فعل. للتعليل في صحيح ابن الحجّاج، ولما عن بعض الأكابر نسبته إلى الأصحاب، ولا يعارضها صحيح العيص:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة، ويلبس ثوبين، ثمّ ينام قبل أنْ يحرم ؟ قال عليه السلام: ليس عليه غُسل»(1).

لإعراض الأصحاب عنه، إذ لم ينقل «الخلاف» في انتقاض الأغسال التي اعتبرت مقارنتها لفعل بالنوم إلّاعن الحِلّي رحمه الله(2).

ثمّ إنّ هذه النصوص وإنْ دلّت على انتقاضها بالنوم الواقع عقيبها، إلّاأنّه قد عرفت أنّ من لوازم الانتقاض بالمتأخّر، الانتقاض بالواقع في الأثناء.

أقول: هذا كلّه بناءً على المختار من عدم اختصاص ذلك بالنوم، وشموله لغيره من الأحداث، كما هو مقتضى إطلاق موثّق إسحاق المتقدّم.

وأمّا بناءً على ما نُسب إلى المشهور من الاختصاص، فحكم سائر الأحداث الواقعة في أثناء الغُسل حُكم الأحداث الواقعة في أثناء الأغسال التي لم يُؤمر بها لفعل، والأقوى فيها عدم الانتقاض، إذ لا دليل عليه، فيتعيّن الرجوع إلى أصالة عدم الناقضيّة المقتضية للصحّة.

وأمّا الاستدلال له بما عن المصابيح(3): من الإجماع على أنّه لا يُعاد شيء منها بالحَدَث، بدعوى أنّه إذا كان لا يُعاد بالحَدَث بعده، ففي أثنائه بطريقٍ أولى .).

ص: 243


1- الفقيه: ج 2/311 ح 2544، وسائل الشيعة: ج 12/330 ح 16432.
2- السرائر: ج 1/119، قوله: (فإنْ أحدَثَ فيما بين الوقتين حَدَثاً، من جملة الستّة التي تنقض الوضوء ولا توجب الغسل... الخ).
3- مصباح الفقيه: ج 1 القسم الأوّل ص 256 (ط. ق).

فغير تامّ : إذ الظاهر أنّ الحكم بعدم الإعادة، يكون من جهة أنّ المطلوب صِرْف وجوب الكون على الغُسل، الصادق على آن حدوثه، وإنْ انتقضَ بعد ذلك فهو لا يدلّ على عدم الانتقاض كي يتمسّك به في المقام.

أقول: ومنه يظهر أنّه لا يصحّ الاستدلال له بخبر بُكير، عن الإمام الصادق عليه السلام في الغُسل في رمضان:

«قلت: فإنْ نام بعد الغُسل ؟ قال عليه السلام: هو مثل غُسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك»(1).

وأمّا ما ذكره بعض الأعاظم: من الاستدلال للانتقاض به بالنصوص المتقدّمة، الظاهرة في انتقاض الغُسل لدخول مكّة أو للإحرام أو للزيارة بالحَدَث، لاسيّما صحيح ابن الحجّاج، بدعوى ظهورها في المفروغيّة عن انتقاض الغُسل في نفسه بالحَدَث الأصغر، وأنّ وجوب الإعادة لاعتبار وقوع الفعل على حالة الغسل.

فغير سديدٍ: لعدم ظهورها في المفروغيّة عن الانتقاض، بل ظاهر السؤال عن الاجتزاء وعدمه، ولا أقلّ من المحتمل كونهم شاكّين في الانتقاض وعدمه، وجوابهم عليهم السلام الدالّ على الانتقاض مختصٌّ بموارد خاصّة، والتعدّي عنها إلى ما لا يماثلها يحتاج إلى دليلٍ مفقود في المقام.

فتحصّل: أنّ الأقوى عدم الانتقاض به، وسيأتي بقيَّة الكلام في ذلك في الأغسال المسنونة.

***3.

ص: 244


1- التهذيب: ج 1/373 ح 35، وسائل الشيعة: ج 3/322 ح 3763.
حكم اجتماع الأغسال المتعدّدة على المكلّف
اشارة

المسألة الثالثة: إذا اجتمعت على المكلّف أغسال متعدّدة:

1 - فإمّا أن تكون جميعها واجبة.

2 - أو تكون جميعها مستحبّة.

3 - أو يكون بعضها واجباً وبعضها مستحبّاً.

ثمّ إمّا أن ينوي الجميع، أو ينوي واحداً منها:

الصورة الاُولى: فإنْ نوى الجميع، وكانت كلّها واجبة، كفى عن الجميع بلا خلافٍ ظاهر:

لا لما قيل: من أنّ الحَدَث الأكبر كالأصغر أمرٌ وحداني لا يتكرّر بتكرّر أسبابه، باعتبار أنّ الحَدَث الحاصل من الحيض بعينه هو الحَدَث الحاصل من الجنابة أو من غيرها من الأسباب.

لأنّه يرد عليه: أنّ ذلك وإنْ تمّ بالنسبة إلى المتّحد بالنوع، كما لو أجنب مرّتين لما ذكرناه في مبحث الوضوء،(1) لكنّه لا يتمّ بالنسبة إلى المتعدّد الذي هو محلّ الكلام، لكونه خلاف ظاهر أدلّة السببيّة، فإنّها ظاهرة في كون كلّ واحدٍ سبباً مستقلّاً في تأثيره.

ولا لما عن بعضٍ (2): من وحدة طبيعة الغُسل، وتاثيره في إزالة جنس الحَدَث

ص: 245


1- فقه الصادق: ج 1/349.
2- ذكر هذا الوجه المحقّق الهمداني في ضمن عدّة وجوه متصوّرة للمسألة، كما في مصباح الفقيه: ج 1 القسم الأوّل ص 129 (ط. ق) ويظهر عدم التزامه به، وأيضاً ذكره السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/144. نعم، قد يظهر أنّه مختار كاشف الغطاء كما في تعليقته على العروة الوثقى: ج 2/128 في غسل يوم الجمعة حيث قال: (الحقّ عندنا أنّ طبيعة الغسل من حيث هي رافعة مطلقاً، فإنْ أصابت حَدَثاً أصغر أو أكبر رفعته قهراً، مستحبّاً كان الغسل أو واجباً.. الخ).

مطلقاً، واحداً كان أو متعدّداً.

لأنّه أيضاً خلاف الظاهر، لأنّ ظاهر الأدلّة سببيّة كلّ واحدٍ لغُسلٍ ، وحدوث الجزاء عند حدوث الشرط، فالقول بالتداخل يستلزم رفع اليد عن هذا الظهور، وحمل الكلام على خلاف ظاهره.

ولا لما قيل: بتصادق الأغسال المتعدّدة المسبّبة عن الأسباب المتكثّرة في الفرد الخارجي الواقع امتثالاً للجميع.

إذ يرد عليه: أنّ تداخل المسبّبات خلاف الأصل.

بل لجملةٍ من النصوص:

1 - كموثّق عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام:

«سألته عن المرأة يواقعها زوجها، ثمّ تحيض قبل أنْ تغتسل ؟ قال عليه السلام: إنْ شاءت أنْ تَغتَسل فَعَلت، وإنْ لم تفعل فلا شيء عليها، فإذا طَهُرت اغتَسَلت غُسلاً واحداً للحيض والجنابة»(1).

2 - وصحيح زرارة: في من مات وهو جُنُبٌ كيف يغسل ؟ وما يُجزيه من الماء؟ قال: «يَغُسل غُسلاً واحداً، يجزي ذلك للجنابة ولغُسل الميّت، لأنّهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة»(2).

3 - وصحيحه الآخر: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غُسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنَّحر والحَلق والذَّبح والزيارة، فإذا اجتمَعَت للّه عليك حقوقٌ أجزأك عنها غُسلٌ واحد، وكذلك المرأة يجزؤها غُسلٌ واحد لجنابتها0.

ص: 246


1- التهذيب: ج 1/396 ح 52، وسائل الشيعة: ج 2/264 ح 2113.
2- الكافي: ج 3/154 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/539 ح 2850.

وإحرامها وجمعتها وغُسلها من حيضها وعيدها»(1).

4 - وخبر شهاب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«وإنْ غَسّل ميّتاً ثمّ توضّأ ثمّ أتى أهله يُجزيه غُسلٌ واحد لهما»(2).

5 - وخبر زرارة، عن الإمام الباقر عليه السلام: «إذا حاضت المرأة وهي جُنُبٌ ، أجزأها غُسل واحد»(3).

ونحوها غيرها.

ومقتضى إطلاق قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «فإذا اجتمَعَت للّه عليك حقوق...

الخ»(4) هو الاجتزاء بغُسلٍ واحد، وإنْ لم يكن من جملة تلك الأغسال غُسل الجنابة.

الصورة الثانية: وأمّا إذا كانت كلّها مستحبّة:

فالمنسوب إلى المشهور أيضاً ذلك، ويشهد له إطلاق صحيح زرارة المتقدّم.

ودعوى أنّ الظاهر من الحقوق هي الواجبة ممنوعة، بل الصحيح بقرينة صدره وذيله المتضمّنين لغير الواجب كغُسل الجمعة، صريحٌ في إرادة الأعمّ منها.

وأمّا صحيح عثمان بن يزيد، عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ اغتسل بعد الفجر، كفاه غُسله إلى اللّيل في كلّ موضع يجب فيه الغُسل، ومَنْ اغتسل ليلاً كفاه غُسله إلى طلوع الفجر»(5).

فلا يدلّ على هذا القول، لعدم التعرّض فيه لتعدّد الغُسل، بل هو في مقام بيان7.

ص: 247


1- الكافي: ج 3/41 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/261 ح 2107.
2- الكافي: ج 3/250 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/263 ح 2109.
3- التهذيب: ج 1/395 ح 48، وسائل الشيعة: ج 2/263 ح 2110.
4- الكافي: ج 3/41 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/261 ح 2107.
5- التهذيب: ج 5/64 ح 12، وسائل الشيعة: ج 12/328 ح 16427.

جواز تأخير إيقاع الغاية التي اغتسل لها، وعدم لزوم المبادرة إليها كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الاجتزاء بغُسلٍ واحد، فما عن «التحرير»(1)و «القواعد»(2) من العدم ضعيف.

الصورة الثالثة: وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو كان بعضها واجباً وبعضها مستحبّاً، وأنّ الأظهر فيه أيضاً الصحّة، كما عن ظاهر المشهور.

وعن المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(3)، والمصنّف رحمه الله في «التذكرة»(4)، وعن ظاهر «القواعد» و «الإرشاد»: البطلان.

واستدلّ له: بامتناع اجتماع الوجوب والندب في شيء فيمتنع نيّتهما معاً.

وفيه: إنّ الغسل الواحد الذي تنطبق عليه عناوين متكثّرة، كلّ واحدٍ منها متعلّقٌ لأمر وجوبي أو ندبي، يكون لا محالة متعلّقاً لأمرٍ واحد مؤكّد، فقصد تلك العناوين لا يكون قصداً للوجوب والندب معاً كي يكون ذلك ممتنعاً، بل يكون قصداً لذلك الأمر الواحد.

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: صحّة الغُسل والإجزاء عن الجميع في جميع موارد التعدّد إذا قصد الجميع.

***).

ص: 248


1- تحرير الأحكام: ج 1/94 مسألة 217، وقد استشكل وتوقّف.
2- قواعد الأحكام: ج 1/179، وظاهره اجتزاء غسل الجنابة فقط عن غيره، فقد قال: (ويكفي غسل الجنابة عن غيره منها لو جامعه دون العكس).
3- جامع المقاصد: ج 1/86، قوله: (فإذا اغتسل غسل الجنابة كفى عن ذلك الغير وارتفع الحَدَث، دون العكس... الخ).
4- تذكرة الفقهاء: ج 2/147، إلى أنْ قال: (وحينئذٍ فالأقرب رفع حَدَث الجنابة لوجود المساوي في الرفع).
في استغناء المغتسل عن الوضوء

أقول: لا يخفى أنّه لا حاجة إلى الوضوء مطلقاً، بناءً على ما هو الحقّ من إغناء كلّ غسلٍ عن الوضوء، وسيجئ الكلام فيه في آخر مبحث الحيض.(1)

وأمّا بناءً على المشهور من عدم إغناء غَير غُسل الجنابة عنه:

فإنْ لم يكن في الأغسال المتداخلة غُسلُ الجنابة، وجب الوضوء بلا ريب، لإطلاق دليل وجوبه.

وإنْ كان فيها ذلك:

1 - فإنْ لم يكن منها ما يكون رافعاً للحَدَث الأكبر غير الجنابة، كما لو اغتسل للجنابة والجمعة، فحينئذٍ لا حاجة إلى الوضوء كما لا يخفى وجهه.

2 - وأمّا إن كان منها ذلك أيضاً، كما لو اغتسلت المرأة للجنابة والحيض، ففي وجوب الوضوء وعدمه وجهان، بل قولان، نسب ثانيهما إلى المشهور.

أقول: الظاهر أنّ منشأ هذا الاختلاف، الخلاف في أنّ الأحداث الكبيرة الاُخر كالحيض هل ترتفع بالغُسل، وأنّ الوضوء ليس شرطاً في حصول الطهارة من الأكبر، بل هو شرط في حصول الطهارة من الأكبر والأصغر معاً كما هو المشهور شهرة عظيمة ؟

أو أنّها لا ترتفع إلّابالوضوء والغُسل معاً؟

فعلى الأوّل: لا يجبُ الوضوء في المقام، لما دلَّ على أنّ غُسل الجنابة كما يرفع الأكبر يرفع الحَدَث الأصغر، أو أنّ الحَدَث الأصغر لا يجتمع مع الجنابة، وهي النصوص الدالّة على أنّ غسل الجنابة لا وضوء معه لا قبله ولا بعده.

ص: 249


1- فقه الصادق: ج 3/98.

وعلى الثاني: يجبُ الوضوء، لعدم الدليل على أنّ غُسل الجنابة يترتّب عليه كلّ ما يترتّب على الوضوء، حتّى ارتفاع الأحداث الكبيرة الاُخر، ولكن بما أنّ الصحيح هو الأوّل - كما سيأتي في محلّه - فالأظهر عدم الحاجة إلى الوضوء.

***

ص: 250

حصول امتثال جميع الأغسال لو نوى واحداً منها

أقول: لو نوى واحداً من الأغسال:

تارةً : يكون المنويّ هو غُسل الجنابة، وكان الجميع واجباً، فالمشهور بين الأصحاب أنّه يكفي عن الجميع.

وعن الحلّي(1) والمحقّق(2): دعوى الإجماع عليه.

واستدلّ له في محكي «جامع المقاصد»(3): بأنّ الحَدَث الذي هو عبارة عن النجاسة الحكميّة، متّحدٌ وإنْ تعدّدت أسبابه، فإذا نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى ارتفع بالإضافة إلى غيره.

وفيه: أنّه خلاف ظاهر قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا اجتمعت لِلّه عليك حقوقٌ »(4). فإنّه وإنْ كان الظاهر من (الحقوق) الأغسال لا الأحداث، لأنّ الحَدَث ليس حقّاً عليه، إلّاأنّ تعدّد الأغسال يستلزم تعدّد الأحداث، مع أنّ اتّفاقهم على جواز نيّة الجميع أقوى شاهد على التعدّد.

وبذلك يظهر عدم صحّة الاستدلال له بأنّ الأحداث وإنْ كانت متعدّدة لكن الغُسل الواحد، من جهة كونه سبباً لارتفاع الجهة المشتركة يكون رافعاً للجميع.

فالصحيح أن يُستدلّ له:

ص: 251


1- السرائر: ج 1/123، إلّاأنّه لم يظهر منه دعوى الإجماع وإنْ وافق المشهور.
2- المعتبر: ج 1/361، ولكنّه لم يذكر إجماعاً في المورد، نعم إذا كان المقصود منه المحقّق الثاني فقد تعرّض للإجماع، اُنظر الحاشية الآتية.
3- جامع المقاصد: ج 1/86-87، قوله: (إذا اغتسل غسل الجنابة كفى عن ذلك الغير وارتفع الحَدَث، دون العكس... أمّا وجه الفرض الأوّل مضافاً إلى الإجماع، فهو أنّ الحَدَث... متّحد - كما سنُنبّه عليه - وإن تعدّدت أسبابه، فإذا نوى.... الخ).
4- الكافي: ج 3/41 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/261 ح 2107. وقد تقدّم.

أوّلاً: بمرسل جميل، عن أحدهما عليهما السلام: «إذا اغتسل الجُنُب بعد طلوع الفجر أجزأه غُسله ذلك من كلّ غُسلٍ يلزمه في ذلك اليوم»(1).

وحيث أنّ سنده لا إشكال فيه إلّامن جهة الإرسال، والمُرسِل إنّما يكون ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، فالمرسَل معتبرٌ سنداً، وظهوره بل صراحته في هذا القول لا تُنكر.

وثانياً: بصحيح زرارة، المتقدّم الظاهر صدره في أنّه إنّما سيق لبيان حكم ما لو اغتسل بنيَّة واحد منها كالجنابة، وأنّه إذا كان قبل طلوع الفجر، لا يُجزيه ذلك عن أغسال ذلك اليوم، وإنْ كان بعد طلوع الفجر أجزأه عنها.

فإنْ قلت: إنّ قوله عليه السلام في ذيله: (فإذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك غُسلٌ واحد)، الذي يكون من قبيل الكبرى الكليّة الشاملة لما في الصدر ولغيره ظاهرٌ في خصوص نيَّة الجميع، إذ ظاهر التعبير ب (عليك حقوقٌ ) تعدّد ماهيّة الأغسال، وإنْ اتّحدت بحسب الصورة، فلا محالة يكون اختلافها باختلاف العناوين، المتوقّف تحقّقها على القصد، وعلى ذلك فمقتضى القاعدة الأوّليّة تكرار الغُسل.

ولكن قوله عليه السلام: (أجزأك غُسلٌ واحد)، يدلّ على تحقّق الإطاعة بإيجاد غسل واحد بقصد الجميع، وأمّا لو أتى بقصد البعض، فلا يعقل أنْ يكون ذلك موجباً لتحقّق الجميع، مع كونها من العناوين القصديّة، ولأجل ذلك يتعيّن التصرّف في الصدر، لتنطبق عليه الكبرى الكليّة.

قلت: إنّه لو ساعدنا ظاهر الأدلّة على كفاية نيَّة واحد منها عن الجميع نلتزم بسقوط جميع الأوامر لحصول الغرض، لا لتحقّق الإطاعة كي يتمّ ما ذكر، وحيث أنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: (أجزأك غسلٌ واحد)، هي الكفاية في صورة نيَّة واحد8.

ص: 252


1- الكافي: ج 3/41 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/263 ح 2108.

بعينه، فيتعيّن الالتزام بذلك.

فإنْ قلت: إنّ ظاهر قوله عليه السلام في ذيله: (وكذلك المرأة يُجزيها غُسلٌ واحد لجنابتها... الخ)، كفاية الغُسل الواحد الذي أوجده بقصد الجميع خاصّة، فيلزم التنافي بين الصدر والذيل، ويجب صرف أحدهما إلى الآخر.

قلت: إنّ من الجائز أنْ يكون متعلّق الظرف هو (يجزيها) لا (الغُسل) فلا يكون ظاهراً في خصوص نيَّة الجميع.

فإنْ قلت: إنّه ليس للصحيح إطلاقٌ أحوالي يتمسّك به لإثبات العموم، لأنّه مسوقٌ لبيان كفاية الغُسل الواحد عن المتعدّد، وأمّا كفايته مطلقاً أو في الجملة فلا تعرّض لها فيه.

قلت: إنّه لو كانت الأجزاء في صورة نيَّة الجميع هو المتيقّن من النصوص بحسب المتفاهم العرفي، كان لما ذكر وجه، ولكن بما أنّه ليس كذلك، فيلزم من الالتزام بعدم ثبوت الإطلاق الأحوالي، الالتزام بإجماله بنحوٍ لا يمكن العمل به في مورد، وهو كما ترى منافٍ ، لكونه في مقام البيان.

وأخيراً: بما ذكرناه ظهر حكم ما لو كان بعضها مستحبّاً، فإنّ مقتضى المرسل الاكتفاء به عنه، كما هو المنسوب إلى المشهور، فما عن جماعةٍ من المحقّقين من القول بالعدم، مبتنياً على عدم ثبوت الإطلاق، ضعيف.

***

ص: 253

لو نوى غير غُسل الجنابة

واُخرى: لو كان المنويّ غَير غُسل الجنابة:

1 - فإنْ كان واجباً، ففي صحّته في نفسه قولان:

أظهرهما ما اختاره الشهيد في محكي «الذكرى»(1) وهي الصحّة:

لا لموثّق عمَّار المتقدّم: «سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمّ تحيض قبل أنْ تغتسل ؟ قال عليه السلام: إنْ شاءت أن تغتسل فَعَلت، وإنْ لم تفعل فلا شيء عليها»(2)، الذي استدلّ به بعض الأعاظم، فإنّه إنّما يدلّ على صحّة غُسل الجنابة لو نوته، وهي ليست محلّ الكلام، وإنّما الكلام في صحّة ما لو نوت غيره.

بل لإطلاق ما تضمّن الأمر به، المقتضي للإجزاء، كما صرّح به غير واحدٍ، الرافع لاحتمال مانعيّة الجنابة عن صحّته.

فما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(3) من الاستشكال فيها، في غير محلّه.

أقول: ثمّ إنّه على فرض الصحّة:

هل يُغني عن سائر الأغسال التي في ذمّته حتّى الجنابة، كما عن المحقّقين(4)والشهيدين(5)، بل هو المنسوب إلى المشهور؟

أم لا يُغني عن شيءٍ منها، كما عن بعضٍ .

ص: 254


1- ذكرى الشيعة: ج 1/205.
2- التهذيب: ج 1/396 ح 52، وسائل الشيعة: ج 2/264 ح 2113.
3- تذكرة الفقهاء: ج 2/147، قوله: (وإن نوت الحيض فإشكال ينشأ من عدم ارتفاعه مع بقاء الجنابة لعدم نيّتها.. الخ).
4- المعتبر: ج 1/368، جامع المقاصد: ج 1/86-87.
5- ذكرى الشيعة: ج 1/205، وهو ظاهر روض الجنان ص 57-58 (ط. ق) في ضمن بحث: الحَدَث في أثناء الغُسل.

أم يُغنى عن غير الجنابة ولايُغنى عنها، كما عن الشيخ(1) و الحلّي(2) و جماعة ؟(3)

وجوهٌ : أقواها الأوّل؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة.

ودعوى: أنّه لا إطلاق لشيءٍ منها حتّى مرسل جميل وصحيح زرارة، لعدم كون تلك النصوص في مقام البيان من هذه الجهة، ولا أقلّ من احتمال عدم كون هذه الجهة ملحوظة للمتكلّم، وهو يمنع من التمسّك بالإطلاق.

مندفعة: بأنّ الإجزاء في صورة قصد الجنابة، لو كان هو المتيقّن من جميع النصوص بحسب المتفاهم العرفي، كان لما ذُكر وجه، ولكن بما أنّه ليس كذلك، فيلزم من عدم الالتزام بالإطلاق المزبور، الالتزام بإجماله، بحيث لا يمكن العمل به في موردٍ، وهو كما ترى .

أقول: أمّا موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهما السلام:

«في الرجل يُجامع المرأة فتحيّض قبل أنْ تغتسل من الجنابة ؟ قال عليه السلام: غُسل الجنابة عليها واجب»(4)، الذي استند إليه لعدم الإغناء عن الجنابة، فهو إنّما يدلّ على أنّ حَدَث الجنابة لا يرتفع بالحيض، وهذا غير مربوط بما هو محلّ الكلام.

2 - وأمّا إنْ كان المنويّ مستحبّاً:

فهل يصحّ في نفسه مطلقاً؟

أو لا يصحّ كذلك ؟4.

ص: 255


1- الخلاف: ج 1/222 مسألة 192.
2- السرائر: ج 1/123.
3- كإيضاح الفوائد: ج 1/12، وبعد مناقشته الاحتمالات قوّى إشكال عدم الاكتفاء بغسل غير الجنابة عن الجنابة كما في ص 14.
4- التهذيب: ج 1/395 ح 51، وسائل الشيعة: ج 2/264 ح 2114.

أم يفصل بين ما لو كان معه غُسلٌ مستحبٌّ آخر فالأوّل، وبين ما إذا كان معه واجبٌ فالثاني ؟

وجوهٌ وأقوال: أقواها الأوّل، لإطلاق ما تضمّن الأمر به.

واستدلّ لعدم صحّته: إذا كان معه واجبٌ ، بأنّ المقصود منه التنظيف(1)، وهو لا يحصل مع بقاء الحَدَث.

وفيه: مضافاً إلى ما ستعرف من ارتفاع الحَدَث -: إنّ التنظيف الحاصل من الغُسل المستحبّي، لا ينافي بقاء الحَدَث الموجب لغُسلٍ آخر.

أقول: والسؤال حينئذٍ عن أنّ هذا الغُسل المستحبّ :

هل يُجزي عن غيره مطلقاً كما لعلّه المشهور؟

أم لا يُجزي كذلك كما عن المحقّق في «المعتبر»(2)؟

أم يجب التفصيل بين الواجب وغيره، فيجزي عن الثاني دون الأوّل ؟

وجوهٌ : أقواها الأوّل.

ويشهد له: - مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدّمة، كصحيح زرارة وغيره - مرسل «الفقيه»:

«ورُوي في خبرٍ آخر: أنّ مَن جامع في شهر رمضان ثُمّ نَسي الغُسل حتّى خرج شهر رمضان، أنّ عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه، إلّاأنْ يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم، ولا يقضي ما بعد ذلك»(3).

***2.

ص: 256


1- كما في الخلاف: ج 1/222 مسألة 192.
2- المعتبر: ج 1/361 في تداخل الأغسال، الأولى.
3- الفقيه: ج 2/119 ح 1896، وسائل الشيعة: ج 10/238 ح 13312.
حُكم البَلَل المُشتبه بعد الغُسل
اشارة

المسألة الرابعة: إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال، ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين المنيّ والبول، فهنا عدّة صور:

الاُولى: إذا لم يكن قد استبرأ بالبول، ففيه أقوال:

1 - المشهور شهرة عظيمة الحكم عليها بأنّها منيٌّ فيجب الغُسل.

وعن غير واحدٍ من أساطين الفنّ (1): دعوى الإجماع عليه.

2 - وعن الصدوق(2): عدم وجوب الغُسل واستحبابه.

وعن بعض المتأخّرين: الميل إليه.

3 - وعن ظاهر «الاستبصار»(3): التفصيل بين ترك البول عمداً فيعيد، وتركه نسياناً فلا يُعيد.

4 - وعن «تمهيد القواعد»(4): وجوب الجمع بين الغُسل والوضوء في الفرض، وإنّما يجب الغُسل خاصّة لو كان البَلَل الخارج مشتبهاً من كلّ وجه.

ص: 257


1- لم أجد من صرّح بالإجماع على وجوب الغُسل لمَن لم يستبرء، إلّاأنّ كلماتهم أكثر من أنْ تُحصى في وجوب إعادة الغسل في الفرض، على مَن لم يستبرء بالبول قبل الغسل، أو يجتهد في إخراج المنيّ ، نعم ادّعى ابن زهرة في الغنية ص 61 الإجماع على وجوب الاستبراء وأوجبه آخرون لأخبار إعادة الغُسل مع الإخلال به وخروج شيء من الذَكَر، كما حكاه في الرياض: ج 1/304 عن عدَّة من الأعلام، وقال باستحبابه الباقون.
2- كلامه في الهداية ص 96 غير صريح في الاستحباب، وقد يظهر منه القول بوجوب الإعادة، فقد قال: (ومن خرج من إحليله بعد الغُسل شيء، وقد كان بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه، وإن لم يكن بال قبل أن يغتسل فليعُد الغسل)، ومثله في المقنع ص 42، والفقيه.
3- الاستبصار: ج 1/119-120 حيث هذا التفصيل في مقام توجيه رواية عبداللّه بن هلال وزيد الشحّام وأيّدهذا التفصيل برواية جميل بن درّاج وأحمد بن هلال، راجع ح 6 و 7 وص 120 ح 8 و 9. ولكنّه على المشهور في التهذيب: ج 1/143 من وجوب الإعادة مع عدم الاستبراء مستدلّاً برواية سلمان بن خالد ح 95.
4- كما حكاه السيّد في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/120.

أقول: والأوّل أقوى ، وتشهد له جملة من النصوص:

منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«من اغتسل وهو جُنُبٌ قبل أنْ يبول، ثمّ وجدَ بَللاً فقد انتقض غسله، وإنْ كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وَجَدَ بَلَلاً فليس ينقض غسله، ولكن عليه الوضوء، لأنّ البول لم يدَع شيئاً»(1).

منها: صحيح الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن الرجل يغتسل ثمّ يجدُ بعد ذلك بَلَلاً وقد كان بال قبل أنْ يغتسل ؟ قال عليه السلام: ليتوضّأ، وإنْ لم يكن بال قبل الغُسل فليعد الغُسل»(2).

منها: موثّق سماعة المتقدّم: «عن الرجل يُجنب ثمّ يغتسل قبل أنْ يبول فيجد بَللاً بعدما يغتسل ؟ قال عليه السلام: يُعيد الغسل»(3). ونحوها غيرها.

واستدلّ للقول الثاني: بأنّه مقتضى الجمع بين هذه النصوص، وبين النصوص الصريحة في عدم الوجوب، كخبر زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجلٍ أجنب ثمّ اغتسل قبل أنْ يبول، ثمّ رأى شيئاً؟ قال عليه السلام: ليس ذلك الذي رأى شيئاً»(4).

ومرسل الصدوق: «إنْ كان قد رأى بَللاً ولم يكن بال فليتوضّأ، ولا يغتسل، إنّما ذلك من الحبائل»(5).

وخبر عبد اللّه بن هلال، قال: «سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجامع أهله ثمّ 6.

ص: 258


1- التهذيب: ج 1/144 ح 98، وسائل الشيعة: ج 1/283 ح 748.
2- الفقيه: ج 1/85 ح 187، وسائل الشيعة: ج 2/250 ح 2075.
3- الكافي: ج 3/49 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/251 ح 2082.
4- التهذيب: ج 1/145 ح 103، وسائل الشيعة: ج 2/253 ح 2088.
5- الفقيه: ج 1/85 ح 188، وسائل الشيعة: ج 2/250 ح 2076.

يغتسل قبل أنْ يبول، ثمّ يخرج منه بللٌ بعد الغُسل ؟ قال: لا شيء عليه، إنّ ذلك ممّا وضعه اللّه عنه»(1).

وفيه أوّلاً: إنّ الجمع بين الطائفتين وإنْ كان يقتضي ذلك، ولا وجه لدعوى التعارض بينهما كما عن بعض المحقّقين رحمهم الله، ولكن لأجل كون هذا الجمع واضحاً، ومع ذلك لم يفتِ أحدٌ من الأصحاب بذلك غير الصدوق، يتعيّن طرح هذه الأخبار للإعراض.

وثانياً: ضعف سند الجميع بأبي جميلة في الأوّل، وبالإرسال في الثاني، وبعبداللّه في الثالث.

واستدلّ للقول الثالث: بأنّه يتعيّن حمل الطائفة الأولى على صورة العمد، والثانية على صورة النسيان بشهادة خبر أحمد بن هلال، قال:

«سألته عن رجلٍ اغتسل قبل أنْ يبول ؟ فكتب عليه السلام: إنّ الغسل بعد البول إلّاأنْ يكون ناسياً فلا يُعيد الغُسل»(2).

وخبر ابن درّاج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل، ثمّ يرى بعد الغُسل شيئاً أيغتسل أيضاً؟ قال عليه السلام: لا، وقد تعصّرت ونزل من الحبائل»(3).

وفيه: أمّا خبر أحمد - مضافاً إلى ضعف سنده وإضماره - فإنّما يدلّ على شرطيّة البول لصحّة الغُسل في صورة العمد دون النسيان، فلا ربط له بالمقام، وقد عرفت في فصل المستحبّات عدم تماميّة تلك فراجع.5.

ص: 259


1- التهذيب: ج 1/145 ح 102، وسائل الشيعة: ج 2/252 ح 2087.
2- التهذيب: ج 1/145 ح 101، وسائل الشيعة: ج 2/252 ح 2086.
3- التهذيب: ج 1/145 ح 100، وسائل الشيعة: ج 2/252 ح 2085.

وأمّا خبر جميل فلإشتماله على التعليل: (وقد تعصّرت... الخ) يأبى عن الحمل على صورة النسيان، مضافاً إلى ضعف سنده بعليّ بن السندي.

واستدلّ للقول الأخير: بأنّه مقتضى العلم الإجمالي بالتكليف الذي لا يجوز الترخيص في بعض أطرافه.

وفيه: أنّ حكم الشارع بكون الخارج منيّاً يوجبُ الإنحلال، مضافاً إلى ما حقّقناه في محلّه من أنّه لا مانع من الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي لو ساعد الدليل.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الأوّل.

هذا كلّه مع عدم الاستبراء بالبول.

الصورة الثانية: في ما لو كان قد استبرأ بالبول، لكن مع عدم الاستبراء بعد البول بالخَرَطات، فيحكم بأنّها بول، ويجب الوضوء، كما هو مقتضى نصوص المقام المتقدّمة، والأخبار الواردة فيمن بال ولم يستبرء.

الصورة الثالثة: ومع الأمرين:

1 - لو خرجتْ قبل التوضّأ، وجب عليه الوضوء خاصّة.

2 - ولو خرجت بعده وجب عليه الجمع بين الغُسل والوضوء كما تقدّم تنقيح القول في ذلك في مبحث مستحبّات الخَلوة.(1)

***6.

ص: 260


1- فقه الصادق: ج 1/276.
فروع:
الفرع الأوّل: الظاهر أنّ مورد النصوص هو البَلَل المشتبه،

فلابدَّ من إحراز خروجه ليترتّب عليه هذا الحكم، وأمّا لو علم بخروج بَلَلٍ ليس بمنيّ من بولٍ أو غيره، واحتمل استصحابه لأجزاء المنيّ ، فلا يجب عليه إعادة الغُسل، وعن ظاهر بعض الاتّفاق عليه، وقوله عليه السلام فى صحيح ابن مسلم: «لأنّ البول لم يدَع شيئاً»، لايدلّ على ملازمة البول لخروج أجزاء المنيّ الباقية كي يجب الغسل له لو بال، بل هو في مقام بيان أنّ الخارج بعد البول ليس منيّاً قطعاً، فلو بال بعد الغُسل لا يجب عليه إعادته.

الفرع الثاني: لا فرق في جريان هذا الحكم بين ما لو كان الاشتباه بعد الفحص أو قبله،

وسواءٌ أمكن الفحص أم لا، لإطلاق النصوص.

ودعوى ظهورها في المشتبه لذاته، لا ما اشتبه عليه لظلمةٍ ونحوها، كما ترى .

الفرع الثالث: لو استبرأ بالخَرَطات بعد خروج المنيّ واغتسل، ثمّ خرجت الرطوبة المشتبهة:

فهل يجب عليه الغُسل، كما نُسب إلى المشهور؟

أم لا كما عن ظاهر «المبسوط»(1) و «النافع»(2)؟

أم يفصّل بين ما إذا أمكنه البول فالأوّل، وبين ما إذا لم يمكنه فالثاني، كما عن «المقنعة»(3) و «المراسم»(4) و «السرائر»(5) و «الجامع»(6) و «التذكرة»(7)

ص: 261


1- المبسوط: ج 1/29.
2- المختصر النافع: ص 9 قوله: (ولو رأى بَلَلاً بعد الغسل أعاد إلّامع البول أو الاجتهاد).
3- المقنعة: ص 53، قوله: (وإنْ لم يكن استبرأ على ما شرحناه أعاد الغُسل).
4- المراسم العلويّة: ص 41، قوله: (فإنْ رأى على إحليله بَلَلاً بعد الغسل وقد بال ونتر أو اجتهد ونتر فلا يعيدن غُسله، وإن لم يكن فعل ذلك أعاد).
5- السرائر: ج 1/122-123.
6- الجامع للشرائع: ص 39.
7- تذكرة الفقهاء: ج 1/233 (فروع)، إلّاأنّه قد يظهر من كلامه: ص 221 عدم الغُسل لو استعمل الخَرَطات أيضاً ثمّ خرج شيء بقوله: (أو اجتهد قبل البول واستبرا فلا شيء ولا وضوء ولا غُسل).

و «البيان»(1) و «الدروس»(2) و «الذكرى»(3) و «جامع المقاصد»(4)، بل عن بعضهم نسبته إلى الأصحاب ؟ وجوه:

تشهد للأوّل: النصوص المتقدّمة المتضمّنة للأمر بالغُسل مع عدم البول.

نعم، لو كان الاستبراء بالخَرَطات موجباً للعلم بعدم بقاء أجزاء المنيّ في الممرّ، ومع ذلك احتمل كون الخارج منيّاً، يكون حكم هذه الصورة حكم ما لو استبرأ بالبول ثمّ بالخَرَطات، فإنّ مقتضى التعليل في صحيح ابن مسلم ثبوت حكم البول لكلّ ما لا يدع شيئاً في المحلّ ، كما أنّ مقتضى نصوص الاستبراء بعد البول بالخَرَطات عدم الحكم بكونه بولاً.

وعليه، فلو احتمل كون البَلَل غيرهما، ككونه مَذْياً فلا شيء عليه، وإلّا بأن تردّد الأمر بينهما، فلو خرج قبل التوضّأ يجب عليه الوضوء خاصّة، ولو خرج بعده يجب الجمع بين الغُسل والوضوء كما تقدّم.

أقول: وأمّا ما ذكر وجهاً لكلّ من القولين الآخرين، من كون كلٍّ منهما وجهاً للجمع بين النصوص الدالّة على وجوب الغُسل مع عدم البول، والنصوص الدالّة على نفيه.

فغير تامّ : لما تقدّم من ضعف سند نصوص النفي، مع أنّ شيئاً منهما ليس جمعاً).

ص: 262


1- البيان: ص 14 (ط. ق) ويظهر منه عدم الغسل لو استبرأ بالبول أو بالخَرَطات إن تعذّر البول، لقوله: (ولو تعذّرالبول فالاجتهاد، ثمّ قال: ولو تركهما أعاد الغُسل).
2- الدروس: ج 1/96، قوله: (وفي الاستبراء قولان أحوطهما الوجوب على المنزل بالبول ثمّ الاجتهاد، فلو وجد بَلَلاً مشتبهاً بعده لم يتلفت.. الخ).
3- الذكرى: ج 1/222، قوله: (وجب الغسل حينئذٍ. وكذا لو لم يستبرئ واغتسل، ثمّ وجد بَلَلاً معلوماً أو مشتبهاً).
4- جامع المقاصد: ج 1/271-272، ويظهر منه انتفاء البول والاستبراء في وجوب الإعادة بقوله بعد طرح المسألة: (ولو انتفى الأمران أعادَ الغُسل).

عرفيّاً كما لا يخفى.

وأمّا صحيح البزنطي المتقدّم: «وتبول إنْ قدرت على البول» الذي استدلّ به للقول الأخير، فهو إنّما يدلّ على اختصاص الاستحباب بصورة القدرة، لا على اختصاص فائدته بتلك الصورة، فلا يصلح أنْ يكون مقيّداً لإطلاق النصوص، فالصحيح ما ذكرناه.

الفرع الرابع: المشهور بين الأصحاب أنّ البَلَل المشتبه الخارج من المرأة لا حكم له وإنْ لم تَستبرء،

ونُسب إلى المصنّف رحمه الله أنّه سوّى بينهما، في «المنتهى »(1): وفي النسبة تأمّل.

وكيف كان، فيشهد للأوّل: - مضافاً إلى اختصاص النصوص بالرجل، ومع احتمال اختصاص الحكم به، لا وجه لقاعدة الاشتراك - صحيح سليمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن رجلٍ أجنب فاغتسل قبل أنْ يبول، قال عليه السلام: يُعيد الغُسل، قلت:

فالمرأة يخرج منها شيء بعد الغسل ؟ قال عليه السلام: لا تُعيده.

قلت: فما الفرق بينهما؟ قال عليه السلام: لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل»(2).

ونحوه خبر منصور(3).

وعليه فيتعيّن لها الرجوع إلى الاُصول، وهي تقتضي عدم وجوب الغُسل

ص: 263


1- منتهى المطلب: ج 2/253، فإنّه من الواضح أنّ النسبة إليه غير صحيحة، فإنّه بعد حكمه بعدم استبراء المرأة لعدم اتّحاد المَخْرَجين، قال: (الرابع: لو رأت بَلَلاً فلا إعادة، لأنّ الأظهر أنّه من بقايا مني الرجل، وذلك غير موجب للغُسل لما قدّمناه من رواية... الخ).
2- التهذيب: ج 1/143 ح 95، وسائل الشيعة: ج 2/201 ح 1924.
3- وسائل الشيعة: ج 2/201 ح 1925.

والوضوء عليها، فيما إذا احتملت أنْ يكون غير البول والمنيّ ، ككونه من ماء الرجل، أو مَذْياً، ووجوب الوضوء عليها خاصّة لو دار الأمر بينهما، وكان ذلك قبل التوضّأ، ووجوب الجمع بين الغُسل والوضوء لو كان بعده.

***

ص: 264

الفصل الثاني: في الحيض.

الفصل الثاني في الحيض

اشارة

الذى يُعبّرعنه بالمحيض، كما عن «السرائر»(1) و «الذكرى»(2) و «المبسوط»(3).

وقد عرّفه جماعة(4): بأنّه دمٌ خَلقه اللّه تعالى في النساء لحِكَمٍ ومصالح.

وصرّح بعضهم(5): بأنّه إسمٌ له لغةً وشرعاً، وعلى هذا فهو كلفظ البول والمنيّ والغائط من أسماء الأعيان.

وعن آخرين(6): كونه من أسماءالمعاني(7)، وهو السيل أو سيل دمٍ مخصوص.

ص: 265


1- السرائر: ج 1/143 باب: أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس، قال: (الحيض والمحيض عبارتان عن معنى واحد).
2- الذكرى: ص 28 المقام الثاني من الحيض، وبعد التعريف قال: (ويسمّى محيضاً للآية..) (ط. ق).
3- المبسوط: ج 1/41، فصل الحيض والاستحاضة قال: (الحيض والمحيض عبارتان عن معنىً واحد) وعرّفه (بالدّم الأسود والخارج بحرارة على وجه يتعلّق به أحكام مخصوصة).
4- منهم الشهيدالثاني في روض الجنان: ص 60 حيث قال: (إنّ دمّ الحيض إنّما خلقه اللّه تعالى لحكمة إعداد الرّحم للحمل...)، ومنهم صاحب الجواهر في رسائله الفقهيّة (مخطوط) ص 2 حيث قال: (الحيض هو دمٌ معتاد للنساء خُلق فيهم لحِكَم كثيرة...)، والسيّد اليزدي في العروة قال: (خلقه اللّه تعالى في الرّحم لمصالح) ج 1/559.
5- منهم كشف الغطاء: ج 1/127.
6- منهم الشهيد في الذكرى: ص 28 (ط ق) ونسبه إلى اللّغة. ونسبه في المدارك إلى الشهرة في كلام الأصحاب من أنّه لغةً السيل: ج 1/311. ومنهم العلّامة الحِلّي في منتهى المطلب حيث عرّفه بالسيل: ج 2/266. وكذلك في نهاية الاحكام: ج 115. وهذه التعاريف تعرّض لها أهل اللّغة في مادّة (حيض) كما في لسان العرب.
7- اسم المعنى: هو ما يُطلق على المعاني غير الملموسة كالقتل والضرب والقيام والقعود ومنه السيل، ويقابله اسم العين وهو ما يُطلق على الأعيان الخارجيّة كالشجر والحجر والحيوان، كما في شرح اللُّمعة: ج 8/11 (الحاشية) كتاب الميراث.

وهو في الأغلب دمٌ أسودٌ غليظٌ يخرج بحُرقةٍ وحرارة.

وحيثُ إنّه لا يترتّب على النزاع في ذلك ثمرة، فالإغماض عن تنقيح القول في ذلك أولى، وإنْ كان الأقوى بحسب ما يظهر من كلمات اللّغويين(1)، وكثيرٌ من النصوص المتضمّنة لإضافة الدّم إليه - هو الثاني لا الأوّل، فلاحظ.

(وهو في الأغلب دمٌ أسودٌ) أي مائل إلى السواد لشدّة حمرته.

وعن «النافع»(2) وشرحه(3) وغيرهما(4): أسودٌ أو أحمر.

وعن «الفقيه»(5) الاقتصار على الثاني.

(غليظ يَخرُجُ بحرقةٍ وحرارة) كما صرّح به جماعة(6). وفي «الجواهر»(7)، بل لا أجد فيه خلافاً.

أقول: وهذه الخواصّ مستفادة من الحسّ والأخبار، كصحيح حَفص البختري أو حسنه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«سألته عن المرأة يستمرّ بها الدّم فلا تدري أحيضٌ هو أو غيره ؟7.

ص: 266


1- كتاب العين: ج 2/267 مادّة (حيض) حين اعتبر: أنّ المحيض يكون إسماً ومصدراً.
2- المختصر النافع: ص 9، قوله: (وهو في الأغلب دمٌ أسود أو أحمر غليظ حارّ له دفع). والظاهر أنّ هذا التعريف مأخوذٌ من رواية حفص بن البختري وغيرها.
3- المعتبر: ج 1/197.
4- كما في تذكرة الفقهاء: ج 1/26 (ط. ق) الفصل الثاني: في الحيض، وكشف الرموز للفاضل الآبي: ج 1/74، وغيرهما.
5- الفقيه: ج 1/91 باب غسل الحيض والنفاس، وهو اختيار المفيد في المقنعة ص 54 حيث قال: (الحائض وهي التي ترى الدّم الغليظ الأحمر الخارج منها بحرارة).
6- كما في المراسم العلويّة لسلّار بن عبد العزيز: ص 42، وقواعد الأحكام للعلّامة: ج 1/212، وإيضاح الفوائدلفخر المحقّقين: ج 1/50، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 1/282، وغيرهم.
7- جواهر الكلام: ج 3/137.

قال عليه السلام: إنّ دمّ الحيض حارٌّ عبيط (أي طريّ ) أسود له دفعٌ وحرارة، ودمُ الاستحاضة أصفرٌ بارد»(1).

وفي صحيح معاوية: «إنّ دمّ الحيض حارّ»(2).

وفي موثّق(3) إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «دمُ الحيض ليس به خفاء، هو دمٌ حارّ تجِد له حرقة، ودمّ الاستحاضة دمٌ فاسدٌ بارد».

وعن «الدعائم»(4): دمّ الحيض كدرٌ غليظ منتن. ونحوها غيرها.

تنبيه: إنّ ظاهر هذه النصوص، وإن يدلّ على كون هذه الصفات أوصافاً لدمّ الحيض دائماً، إلّاأنّه لأجل ما ستعرف من الحكم بالحيضيّة لفاقدها، كالمرأة في أيّام العادة، يتعيّن الحكم بأنّ توصيفه بها واردٌ مورد الغالب، وستعرف تنقيح القول في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

***9.

ص: 267


1- الكافي: ج 3/91 باب معرفة دمّ الحيض من الاستحاضة ح 1 وفيه: (... فلا تدري أحيضٌ هو أو غيره)، وسائل الشيعة: ج 2 / ص 275، ح 2-2133 باب 3 من أبواب الحيض.
2- التهذيب: ج 1/151 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/275 ح 2132، ونحوه في الكافي: ج 3/91 ح 2.
3- الكافي: ج 3/91 ح 3، التهذيب: ج 1/151 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2، ح 2134.
4- دعائم الإسلام: ج 1/127، وعنه المستدرك: ج 2/7 ح 1253 و ح 1359.

وما تَراهُ بعد خمسين سنة، إن لم تكن قُرشيّة ولا نَبْطيّة. أو بعد ستّين سنة إن كانت إحداهما، أو قبل تسع سنين مطلقاً، فليس بحيضٍ .

شرائط الحيض
اشارة

(وما تَراه) المَرأة (بعد خمسين سنة إنْ لم تكن قُرشيّة ولا نَبْطيّة، أو بعد ستّين سنة إنْ كانت إحداهما، أو قبل تسع سنين مطلقاً، فليس بحيضٍ ) كما هو المنسوب إلى المشهور(1).

أقول: هاهنا مسائل:
ما تراه بعد اليأس ليس بحيضٍ إجماعاً

المسألة الاُولى: ما تراه بعد اليأس ليس بحيضٍ إجماعاً، حكاه جماعة(2).

ويشهد له: صحيح(3) ابن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام، ثلاثٌ يتزوّجن على كلّ حال... إلى أن قال: والتي قد يئستْ من المحيض، ومثلها لا تحيض.

قلت: وما حدّها؟ قال عليه السلام: إذا كان لها خمسون سنة».

ما تراه قبل البلوغ لا يُحكم عليه بالحيضيّة

المسألة الثانية: ما تراه قبل البلوغ لا يُحكم عليه بالحيضيّة بلا خلاف(4).

ص: 268


1- قال في المبسوط: ج 1/42 في خصوص القُرشيّة: (إنّه مروي)، وقال بهما ابن حمزة في الوسيلة ص 56، وفي المعتبر: ج 1/199-200 ذكر الأقوال وما روي في ذلك، ونقل رواية التهذيب، إلّاأنّه اعتبر أنّ في سند الرواية إلى عبد الرحمان ضعفٌ ، ثمّ استجود رأي ابن بابويه في خصوص القُرشيّة إلى ما بعد الخمسين، واعتبر العلّامة في نهاية الاحكام: ج 1/117 أنّ الغالب في القُرشيّة والنبطيّة بلوغها ستّين، ولرواية الصادق عليه السلام، كما هو عليه في متن التبصرة، وكذلك الشهيد في الدروس: ج 1/97.
2- كما حكاه الشهيد في اللُّمعة: ج 1/370.
3- الكافي: ج 6/85 ح 4، التهذيب: ج 7/469 ح 89، وسائل الشيعة: ج 2 / ص 336، ح 2299 وج 22/171 ح 28308 و ص 179، ح 28324.
4- وقد ادّعى على ذلك الإجماع المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 1/281، وأرسله إرسال المسلّمات الشيخ في المبسوط: ج 1/42.

وعن المحقّق(1) والمقدّس الأردبيلي(2) وصاحب «المدارك»(3): دعوى الاتّفاق عليه.

ويشهد له: صحيح ابن الحجّاج المتقدّم، وظاهره أنّ ما قارن تمام التسع محكوم بالحيضيّة أيضاً كما لا يخفى على مَنْ لاحظه.

أقول: ولا ينافيه ما عن الشيخ في «المبسوط»(4) وفي «الوسيلة»(5) من توقّف البلوغ على العشر.

لأنّه مضافاً إلى ضعفه في نفسه، لا يعارض الصحيح المعلَّق هذا الحكم على إكمال التسع، لا على البلوغ، فتدبّر.

***7.

ص: 269


1- المعتبر: ج 1/199، قال: (وهذا متّفقٌ عليه).
2- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/142.
3- مدارك الأحكام: ج 1/316، حيث نَسبَ القول إلى المنتهى بأنّه مذهب العلماء كافّة، ثمّ قال: (وهذا ما ذكره الأصحاب ونقلوا فيه الإجماع).
4- المبسوط: ج 1/42، قوله: (وإنْ رأته لتسع سنين فصاعداً جاز أنْ يكون دمُ حيض).
5- الوسيلة: ص 57.
منتهى الحيض في القُرشيّة والنبطيّة

المسألة الثالثة: المشهور بين الأصحاب - على ما نُسب إليهم(1) - أنّ اليأس يحصل ببلوغ ستّين سنة في القُرشيّة، وفي غيرها خمسين سنة.

وعن «النهاية»(2) و «الجمل» و «السرائر»(3) و «المهذّب»(4) وطلاق «الشرائع»(5) و «كشف الرموز»(6) و «البيان»(7): أنّ حدّه الخمسون مطلقاً.

وفي طهارة «الشرائع»(8) وعن بعض كتب المصنّف رحمه الله كالمنتهى (9): أنّ حدّه الستّون كذلك.

وعن المحقّق الأردبيلي(10) الميل إليه.

ويشهد للأوّل أوّلاً: مرسل ابن أبي عمير، الذي هو كالصحيح، عن الإمام

ص: 270


1- وقد نسب القول إلى المشهور الشهيد الثاني في المسالك: ج 1/58، وفي روض الجنان ص 62، وأيضاً السيّدالعاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/134، ولكن بضمّ النبطيّة إلى القُرشيّة إلى ستّين سنة، وأمّا استثناء خصوص القُرشيّة دون النبطيّة فهو قولٌ رابع رواه الصدوق في الفقيه في باب غسل الحيض والنفاس ح 198 والكافي في باب 20 (في المرأة يرتفع طمثها ثمّ يعود) ج 3/107 ح 2، وهو خيرة المعتبر: ج 1/200 باب الطهارة، والطوسي في التبيان في تفسير الآية 1 من سورة الطلاق.
2- النهاية للشيخ الطوسي: ص 516، وفي الطبعة الجديدة: ج 2/688.
3- السرائر: ج 1/145.
4- المهذّب البارع: ج 2/286 باب طلاق اليأس من المحيض.
5- شرائع الإسلام: ج 3/599 قال: (وحدّ اليأس أن تبلغ خمسين، وقيل في القُرشيّة والنبطيّة ستّين).
6- كشف الرموز: ج 2/266 باب العدّة من أقسام الطلاق، حدّ اليأس.
7- إذا كان المقصود منه هو كتاب البيان للشهيد فقد التزم بأنّ حدّ الحيض خمسون لغير القُرشيّة والنبطيّة حيث قال: (واليأس وهو ستّون سنة للقُرشيّة والنبطيّة وخمسون لغيرهما)، ص 16 (البحث الثاني في المحيض).
8- شرائع الإسلام: ج 1/23.
9- منتهى المطلب: ج 2/272.
10- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/144.

الصادق عليه السلام: «إذا بلغت المرأة خمسين لم ترَ حُمرةً إلّاأنْ تكون إمرأة من قُريش»(1).

ودعوى: عدم صراحته في المحيض، وعدم دلالته على أنّ الحُمرة التي تراها القُرشيّة بعد الخمسين حيضٌ ، مضافاً إلى عدم تعرّضه لستّين فيها.

مندفعة: بأنّ الظاهر إرادة الحيض من الحُمرة في المقام، وعدم تعرّضه للتحديد فيها بالستّين إنّما هو لكفاية نصوص الستّين الآتية.

وبالجملة: ظهور الخبر في الفرق بين القُرشيّة وغيرها، وأنّ غيرها تحيض إلى خمسين، وهي إلى الأكثر المحدّد في سائر النصوص بستّين لا يُنكر.

وثانياً: مرسل الشيخ في محكي «المبسوط»(2) قال:

«تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة، إلّاأنْ تكون إمرأةً من قُريش، فإنّه رُوي أنّها ترى دمُ الحيض إلى ستّين سنة».

وبهما يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ حدّ اليأس الخمسون مطلقاً، الذي هو مستند القول الثاني، كصحيح ابن الحجّاج، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ثلاثٌ يتزوّجن على كلّ حال، وعَدَّ منها التي قد يئستْ من المحيض، ومثلها لا تحيض. قال: قلت: وما حدّها؟ قال عليه السلام: إذا كان لها خمسون سنة»(3).

وما دلّ على أنّ حدّه الستّون - الذي هو مستند القول الثالث - كموثّق ابن الحجّاج عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي يئستْ من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت: ومتى تكون كذلك ؟4.

ص: 271


1- الكافي: ج 3/107 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2، ص 335 ح 2295.
2- المبسوط: ج 1/42، وعنه في وسائل الشيعة: ج 2/336 ح 2298.
3- الكافي: ج 6/85 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/336 ح 2299 وج 22/179 ح 28324.

قال: إذا بلغت ستّين سنة، فقد يئستْ من المحيض، ومثلها لا تحيض»(1).

أقول: وبذلك ظهر ضعف القولين الآخرين، كما أنّه ظهر أنّ الجمع بين هاتين الطائفتين بالتفصيل بين العِدّة والعبادة فالستّون للاُولى ، والخمسون للثانية غير تامّ ، لعدم الشاهد له.

والمنسوب إلى المشهور إلحاق النَبطيّة بالقُرشيّة، ولا دليل له سوى مرسل المفيد(2) حيث قال:

«رُويَ أنّ القُرشيّة من النساء والنبطيّة تريان الدّم إلى ستّين سنة».

وضعفه مجبورٌ بعمل الأصحاب إنْ ثبت، وهو محلّ تأمّل.

ولكن الذي يُسهّل الخَطب، عدم معلوميّة المراد من النبطيّة، فعن «مروج الذهب»(3): (أنّهم وُلد نبطة بن حامي بن آدم بن سام بن نوح رحمه الله).

وعن «العين»(4) و «المحيط» و «الديوان» و «المُغْرِب» و «التهذيب»: أنّهم قومٌ كانوا ينزلون سواد العراق(5).

وعن «الصحاح»(6) و «القاموس»(7): إنّهم قومٌ ينزلون البطائح بين العراقين.

وعن السبعاني: إنّهم قومٌ من العجم.

وقيل: مَن كان أحد أبويه عربيّاً والآخر عجميّاً، وعن غيرها غير ذلك.).

ص: 272


1- الكافي: ج 6/85 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/336 ح 2299 وج 22/179 ح 28324.
2- المقنعة: ص 532، ورواه عنه في وسائل الشيعة: ج 2/337 ح 2302.
3- كما حكاه عنه في جواهر الكلام: ج 3/162.
4- العين: ج 7 ص 439 مادّة (نبط).
5- المصباح المنير: ج 2/590، المحكم والمحيط الأعظم: ج 9/195، فيض القدير: ج 6/11 حرف السين، حاشية الجمل على شرح المنهج: ج 4/426 حكاه عن المصباح، وغيرهم.
6- الصحاح: ج 3/1162، فصل النون: مادّة: (نبط).
7- القاموس المحيط: ج 2/387، فصل النون: مادّة: (نبط).

وأمّا القُرشيّة: فهي من أنتسبت إلى نَضر بن كنانة، كما عن جماعة من اللّغويين التصريح به في كتبهم(1) ك «الصحاح» و «النفحة العنبريّة» و «مجمع البحرين»(2)وغيرها.

وجماعة من الأساطين كصاحبي «الحدائق»(3) و «الجواهر»(4) والنراقي(5)والشيخ الأعظم(6) وغيرهم، وعن «العقد الفريد» و «سبك الذهب» و «المختصر من أخبار البشر» وغيرها: أنّ مَنْ وَلَدَهُ فِهر فهو قُرشيّ (7).

وعلى هذا، فمَن إنتسبت إلى النضر ولم تنتسب إلى فِهْر يشكل حكمها، إلّا أنّ الذي يهوّن الخَطب عدم تحقّق الإبتلاء بها، بل لا يعرف الآن منها إلّا الهاشميّات. فتدبّر.

***).

ص: 273


1- حكاه عنهم في جواهر الكلام: ج 3/162، المغرب في ترتيب المعرب: ج 2/167 باب القاف مع الرّاء قال: (قريش) من وَلده النضر بن كنانة ومن لم يَلده فليس بقريش. وقال في جمهرة اللّغة مادّة: (رضن): ج 2/752: (والنَضْر بن كِنانة أبو قريش خاصّة، فمَن لم يَلده النضْرُ فليس من قريش).
2- مجمع البحرين: ج 4/150 (قرش).
3- الحدائق الناضرة: ج 3/175.
4- جواهر الكلام: ج 3/161.
5- مستند الشيعة: ج 2/380.
6- كتاب الطهارة: ج 1/188-189 (ط. مؤسّسة أهل البيت عليهم السلام.
7- حكاه السيّد الحكيم ونقل أقوالهم في المستمسك: ج 3/155، قوله: (وعن سبائك الذهب: أنّه النضر على المذهب الراجح، وفي العقد الفريد: جدّ قريش كلّها فهر بن مالك، فما دونه قريش وما فوقه عرب... إلى أنْ قال: وأمّا قبائل قريش فإنّما تنتهي إلى فهر بن مالك لا تتجاوزه، وفي سبك الذهب: كلّ مَن وَلَده (فهر) فهو قرشيّ ، ومَن لم يَلِده فليس بقرشيّ ، ونحوه ما في المختصر من أخبار البشر لأبي الفداء)، وقال في تاج العروس: ج 17/323 (ق ر ش): (وعِنْدَ أَئِمَّةِ النَّسَبِ كُلُّ مَنْ لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ فَلَيْسَ بقُرَشِيٍّ قالهُ ابنُ الكَلْبِيِّ ).
الشكّ في القُرشيّة

المسألة الرابعة: من شكّفي كونهاقُرشيّة، يلحقهاحكم غيرها، كماهو المشهور.

وعن النراقي(1): دعوى الإجماع المحقّق عليه، ويش هد له أصالة عدم الإنتساب.

وفي «طهارة» شيخنا الأعظم(1): إنّها الأصل المعوَّل عليه لدى العلماء في جميع المقامات.

وزاد بعض المحقّقين(3): إنّ الاعتماد عليه في مثل ما نحن فيه من الاُمور المغروسة في أذهان المتشرّعة، بل المركوز في أذهان العقلاء قاطبة، فجريان هذا الأصل ممّا لا ينبغي التوقّف فيه، إنّما الإشكال في تعيين وجه عمل العقلاء والعلماء به.

أقول: هذا الأصل هو الاستصحاب، أي استصحاب عدم إنتساب هذا الشخص إلى هذه القبيلة.

بعبارة اُخرى: استصحاب عدم القُرشيّة الثابت قبل تولّد تلك المرأة في الخارج، وهو الذي يُعبّر عنه باستصحاب العدم الأزلي.

وتقريبه: أنّ هذه المرأة قبل أنْ تُولَد كانت هي واتّصافها بالقُرشيّة معدومتين في الخارج، فبعدما ولدت يُشكّ في تحقّق إتّصافها بها وعدمه، فيستصحب عدمه، ويثبت به أنّها غير متّصفة بالقُرشيّة، ويترتّب عليه أنّها لا تحيض بعد الخمسين.

ودعوى: أنّ موضوع هذا الحكم المرأة المتّصفة بغير القُرشيّة، ولا يثبت الإتصاف بهذا الأصل إلّاعلى القول بالأصل المثبت.

مندفعة: بأنّه إذا ورد عام، ثمّ خُصّص بعنوان وجودي بالمنفصل، أو

ص: 274


1- كتاب الطهارة: ج 1/189 حيث استدلّ بأصالة عدم الانتساب المعمول عليه عند الفقهاء.

كالاستثناء من المتّصل، لا يكون الباقي بعد التخصيص هو المتّصف بعدم ذلك الوصف الوجودي بنحو الموجبة المعدولة، كي لا يثبت باستصحاب عدم الإتصاف قيد الموضوع، وهو الإتّصاف بالعدم، بل الباقي بعده هو العام غير المتّصف بعنوان الخاص، بنحو السّالبة المحصّلة، لأنّه فرقٌ واضح بين دخل وجود العرض في الموضوع بشرط وجوده فيه، وبين دخل عدمه فيه:

إذ في الأوّل: بما أنّ وجود العَرَض في نفسه عينُ وجوده لموضوعه، لا يترتّب الحكم إلّابعد إثبات اتّصاف الموضوع بذلك العرض.

وأمّا في الثاني: فبما أنّ عدم العَرَض لا يحتاج إلى وجود الموضوع، فإستصحاب عدم اتّصاف الموضوع بذلك العرض المحقّق قبل تحقّقه يجري ويترتّب عليه الأثر.

وفي المقام: بما أنّه دلّت النصوص على أنّ المرأة تحيض إلى خمسين إلّا القُرشيّة، فموضوع هذا الحكم هي المرأة غير المتّصفة بهذا العنوان، لا المرأة المتّصفة بغير القُرشيّة، وعليه فلا مانع من استصحاب عدم القُرشيّة المحقّق قبل تولّد هذه المرأة المشكوك كونها قُرشيّة، ويثبت به أنّ هذه المرأة غير متّصفة بالقُرشيّة، فيحكم بأنّها لا تحيض بعد الخمسين.

أقول: وتمام الكلام في تنقيح القول في جريان هذا الأصل، أو ما اُستدلّ به على عدم جريانه موكولٌ إلى محلّه، وقد حقّقنا القول في ذلك في مبحث استصحاب العدم(1) الأزلي من كتابنا «زبدة الاُصول» فراجع.

***6.

ص: 275


1- زبدة الأصول: ج 2/256.
الشكّ في البلوغ

المسألة الخامسة: إذا خرج الدّم ممّن شكّ في بلوغها، وكان بصفات الحيض، فمقتضى القاعدة هو الحكم بعدم كونه حيضاً، لاستصحاب عدم البلوغ.

أقول: إلّاأنّ هنا إشكالاً مشهوراً، وهو أنّ الأصحاب عدّوا من علامات البلوغ الحيض. وعن «الذكرى»(1): لا نعلم فيه خلافاً، بل عن «الروضة»(2)الإجماع عليه. وعن «المبسوط»(3) و «النهاية»(4) و «الوسيلة»(5) و «الغنية»(6)و «السرائر»(7) وغيرها: أنّ الحيض بنفسه بلوغ.

فعلى القول بكون من شُكّ في بلوغها بحكم من عُلم عدم بلوغها - للإستصحاب الذي يُحرز به عدم كونه حيضاً، لفقد شرطه وهو البلوغ - فما هو

ص: 276


1- الذكرى: ص 28 فقد ادّعى الإجماع على ذلك بقوله: (ومن ثمّ لا تحيض الناقصة عن التسع إجماعاً).
2- روض الجنان: ص 60 فبعد ذكره الرواية قال: (والإجماع نقله في المعتبر عن أهل العلم كافّة، وشرطنا إكمال التسع لعدم صدقها حقيقةً بدونها).
3- المبسوط: ج 8/22 قال: (وأمّا ما يختصّ به الجارية فالحيض، فمتى حاضت فقد بلغت)، مع أنّه في ج 1/42 قال: (ولا يجوز أن ترى المرأة دمّ الحيض قبل أن تبلغ تسع سنين، فإنْ رأته قبله لم يكن دمّ حيض). والظاهر من العبارتين التنافي، وقد وُفّق بين العبارتين بتحمّل العبارة الأولى على المعلوم سنّها فإنّها تتحيّض عند رؤيتها الدّم، ويكون علامة على بلوغها التسع.
4- نقل الحكاية عن وصايا النهاية السيّد الحكيم في المستمسك: ج 3/160. ولكن بعد الرجوع إلى كتاب الوصايا في النهاية لم نجد ما نقل عنه، بل ما وجدناه في شرائط الوصية ص 612 قوله: (وحَدّ بلوغ المرأة تسع سنين، فإذا بلغت ذلك جاز تصرّفها)، ولم يذكر رحمه الله أنّ الحيض بنفسه بلوغ أو علامة، مع أنّه عدّد علامات بلوغ الصبي.
5- الوسيلة: ص 137 حيث قال: (وبلوغ المراة بأحد شيئين: الحيض، وتمام عشر سنين).
6- غنية النزوع: ص 251، باب الحجر، قوله: (والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء: السنّ ، وظهور المنيّ والحيض والحلم والإنبات، بدليل إجماع الطائفة).
7- السرائر: ج 1/367 قوله: (والمرأة تعرف بلوغها، من خمس طرائق:... ثمّ ذكر منها الحيض).

الدّم المحكوم بأنّه من علاماته ؟

بل هذا ينافي القول بأنّ الدّم المرئي قبل التسع ليس بحيض، حتّى مع عدم جريان الاستصحاب، لأنّ لازم ذلك عدم تحقّق الحيض قبل البلوغ، فالشكّ في البلوغ مستلزمٌ للشكّ في كونه حيضاً، فكيف يصحّ بنفسه دليلاً على البلوغ ؟

وقد أجاب عنه جماعة: بأنّ الحيض يدلّ على البلوغ، والدليل على الحيض هي الصفات.

وفيه: إنّ من حدود الحيض كونه بعد البلوغ، فالحكم به يتوقّف على ثبوت البلوغ، فإثبات البلوغ به دور واضحٌ .

أقول: إنّه ليس في نصوص الباب ما يدلّ على أنّ الحيض إنّما يتحقّق قبل بلوغ التسع، بل هي تتضمّن لثبوت أحكام البالغة للحائض، لاحظ:

1 - موثّق عمّار الذي رواه عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«سألته عن الغلام متى تجب عليه الصّلاة ؟

قال عليه السلام: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإنْ احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصّلاة، وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصّلاة، وجرى عليها القلم»(1).

2 - ومرسل الصدوق(2) وفيه: «على الصبي إذا احتلم الصيام، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام».

3 - وموثّق ابن سنان(3): «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة، كُتبت له الحسنة،2.

ص: 277


1- التهذيب: ج 2/380 ح 5، وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 82.
2- الفقيه: ج 2/122 ح 1907، وسائل الشيعة: ج 1/45 ح 80.
3- الكافي: ج 7/68 ح 6، وسائل الشيعة: ج 19/365 ح 24772.

وكتبت عليه السيّئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك أنّها تحيض لتسع سنين».

وظاهر هذه النصوص كون الحيض نفسه بلوغاً، ولكن لا تدلّ على تحقّق الحيض قبل تسع، بل الموثّق يدلّ على العدم، فما لم يُحرز بلوغ التسع لا يُحكم بكونه حيضاً للموثّق، ولما دلّ على أنّ الدّم المرئيّ قبل بلوغ التسع ليس بحيض، فلا يكون بلوغاً، وعليه:

فإنْ قلنا: بأنّ البلوغ بالسّن إنّما يكون ببلوغها العشر، فهذه النصوص لا تنافي شيئاً من الأخبار كما لا يخفى.

وإن قلنا: بأنّه إنّما يكون ببلوغها التسع، فلازمه إلغاء هذه النصوص، إذ دائماً يستند البلوغ إلى السنّ ، ولا يستند إلى الحيض ولو في مورد.

وعليه، فحيثُ لا يمكن ذلك، ولا الحكم بأنّ ما يعلم بتحقّقه قبل إكمال التسع حيضٌ ، لمنافاته لما دلّ على أنّ ما تراه قبله ليس بحيض، فيتعيّن حمل هذه النصوص على جعل الطريقيّة للبلوغ عند الشكّ فيه، وتدلّ على إلغاء الاستصحاب في المقام.

ولا محذور في ذلك.

***

ص: 278

اشتباه الحيض بالإستحاضة

المسألة السادسة: إذا إشتبه الحيض بالإستحاضة، فالمشهور بين الأصحاب أنّها ترجع إلى الصفات(1)، بل لا خلاف فيه ولا إشكال في الجملة.

وتشهد له: جملةٌ من النصوص:

1 - صحيح حفص بن البختري أو حسنته، قال:

«دخلت إمرأة على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدّم، فلا تدري أحيضٌ هو أو غيره ؟

فقال لها: إنّ دمّ الحيض حارٌّ عبيطٌ أسود، له دفعٌ وحرارة، ودمّ الاستحاضة أصفرٌ بارد، فإذا كان للدّم حرارة ودفعٌ وسوادٌ فلتدع الصّلاة.

قال: فخرجتْ وهي تقول: واللّه إنّه لو كان امرأة ما زاد على هذا!»(2).

2 - وصحيح معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ دمّ الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكانٍ واحد، إنّ دمّ الاستحاضة بارد، وإنّ دمّ الحيض حارّ»(3).

3 - وموثّق إسحاق بن جرير، عنه عليه السلام قال:

«سألتني إمرأة منّا أن اُدخلها على أبي عبد اللّه عليه السلام، واستأذنت لها فأذِن لها، فدخلت ومعها مولاة لها - إلى أنْ قال - قالت: فإنّ الدّم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة، كيف تصنع بالصلاة ؟

ص: 279


1- أرسل الفقهاء هذه المسالة إرسال المسلّمات عند تعرّضهم لمسائل الاشتباه بين الحيض والاستحاضة، وذكروا الصفات المميّزة أوّلاً، وهذا منهم كالنصّ بأنّ الصفات هي المرجع عند الاشتباه. (2و3) الكافي: ج 3/91 ح 1 و 2، وسائل الشيعة: ج 2/275 ح 2133 و 2132.

قال: تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قالت: إنّ أيّام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين والثلاثة، ويتأخّر مثل ذلك فما علمها به ؟

قال عليه السلام: دمّ الحيض ليس به خفاء، هو دمٌ حارٌّ تجد له حُرقة، ودمّ الاستحاضة دمٌ فاسدٌ بارد»(1).

وقريب منها صحيح ابن الحجّاج(2).

أقول: إنّما الكلام في أنّه:

هل يستفاد من هذه النصوص قاعدة كليّة، وهي الحكم بحيضيّة الواجد لصفات الحيض، والحكم بعدمها مع انتفاء الصفات، إلّاأنْ يدلّ دليل على الخلاف كما عن «المدارك»(3) وجماعة(4)؟

أو أنّه يستفاد منها قاعدة كليّة عند اشتباه الحيض بالإستحاضة خاصّة كما هو المشهور؟

أم يستفاد منها حكم دمّ الحيض المشتبه بدم الاستحاضة، المتّصل بدم الحيض كما في طهارة شيخنا الأعظم(5)؟

فيها وجوه:

استدلّ للأوّل: بأنّه يستفاد من هذه الروايات، أنّ هذه الأوصاف خاصّة مركّبة، فمتى وجدت حُكِم بكون الدّم حيضاً، ومتى إنتفت إنتفى، وعليه فلو رأت2.

ص: 280


1- الكافي: ج 3/91 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.
2- لم نجده، ولعلّ المراد رواية ابن عبد الرحمن المذكورة في نفس المصدر السابق.
3- المدارك: ج 1/313.
4- نسبه إلى صاحب المدارك وإليهم السيّد الحكيم في مستمسكه: ج 3/169.
5- كتاب الطهارة: ج 3/122.

المبتدئة دماً ليس في صفات الحيض، لا يحكم بحيضيّته بمجرّد الرؤية، خلافاً للمشهور الملتزمين بالحكم بها لقاعدة الإمكان، وكذلك لو رأت ذات العادة الوقتيّة دماً فاقداً للصفات.

أقول: وأورد عليه:

تارةً : بأنّ منشأ هذه الأوصاف إنّما هو مجرّد الغلبة، وإلّا فقد تتخلّف فكيف تكون خاصّة، وستعرف أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض.

واُخرى: بأنّ دمّ الحيض من الموضوعات التي لا مدخليّة للشرع فيها، كالبول، فلو قطع بكون مسلوب الصفات حيضاً ما كان لنفيه معنى، والحكم له بغيره.

وثالثة: بأنّ النصوص في مقام بيان الصفات الخارجيّة الغالبيّة الموجبة للعلم والمعرفة الحقيقيّة، لا في مقام بيان المعرفة التعبّديّة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه إذا خُصّص ما تضمّن بيان قاعدة كليّة، لا يوجب ذلك عدم حجيّته في سائر الموارد، كما لا يخفى.

وأمّا الثاني: فلأنّ دمّ الحيض وإنْ كان من الموضوعات الخارجيّة، إلّاأنّه لأجل إشتباهه كثيراً بغيره، جَعل الشارع طريقاً إليه، فهو أمرٌ حقيقي خارجي، إلّا أنّ طريقه تعبّدي شرعي، ولا يحصل القطع بكون مسلوب الصفات حيضاً إلّاتعبّداً بحكم الشارع، وهو يوجبُ تقييد هذه الأدلّة، مع أنّه لو اُحرز بطريق آخر كون مسلوب الصفات حيضاً، خرج عن موضوع هذه النصوص تخصّصاً.

وأمّا الثالث: فلأنّ الأصل في الكلام الصادر من الشارع المقدّس الحمل على مقام التشريع.

ولكن يرد على الاستدلال بها: أنّها مسوقة لبيان ما يتميّز به دمّ الحيض عن دم

ص: 281

الاستحاضة عند إختلاط أحدهما بالآخر، لا مطلق ما اختَلَط الحيضُ بغيره.

وإستفادة كونها مسوقة لإعطاء القاعدة الكليّة، مع فرض أنّ الشارع المقدّس حكم في غير مقامٍ بكون الفاقد لتلك الصفات حيضاً، والواجد غير حيض، وظهور النصوص في كونها في مقام بيان طريقيّة الصّفات الخارجيّة الغالبيّة المختصّة باختلاط الحيض بالإستحاضة، دونها خرط القتاد.

ودعوى: أنّ قوله عليه السلام: في صحيح حفص(1) «فإذا كان للدّم حرارة ودَفْعٌ وسوادٌ فلتدَع الصّلاة» يدلّ على عموم الحكم لجميع موارد الاختلاط.

مندفعة: بأنّه لا عموم له، بعد كون الضمير راجعاً إلى المرأة المتلبّسة باستمرار الدّم.

فالمتحصّل من هذه النصوص: ثبوت قاعدة كليّة عند اشتباه الحيض بالإستحاضة خاصّة.

أقول: ثمّ إنّه بناءً على ما ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله في طهارته(2) من: (أنّ المستفاد من النصوص وكلمات اللّغويين، أنّ الاستحاضة هو الدّم المتّصل بدم الحيض)، تكون هذه الأخبار مختصّة به، ولا تشمل غير المستمرّ المختلط بالحيض، وعدم اختصاص المميّزات المذكورة في النصوص بالدّم المستمرّ، لا ينافي اختصاص حجيّتها به على ما مرَّ تقريبه.

ودعوى: إنّ خصوصيّة الاستمرار من الخصوصيّات التي تكون مُلْغاة عند العرف.

مندفعة: بأنّ صحّة هذه الدعوى تتوقّف على العلم بعدم مدخليّة هذا القيد،).

ص: 282


1- الكافي: ج 3/91 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2133.
2- كتاب الطهارة: ج 1/183، في أحكام الحيض (ط. ق).

وإلّا فمقتضى الأصل في كلّ قيدٍ اُخذ في موضوع الحكم دَخله فيه.

فتحصّل: أنّ الأقوى اختصاص طريقيّة الصفات المذكورة في النصوص، بما إذا اشتبه دمّ الحيض بالإستحاضة، إذا لم يكن طريق إليه كالعادة، أو قاعدة كليّة منطبقة على المورد، تقتضي الحكم بالحيضيّة كقاعدة الإمكان، على فرض ثبوتها.

***

اشتباه دمّ الحيض بدم العُذرة

المسألة السابعة: إذا إشتبه دمّ الحيض بدم العُذرة أي البكارة:

فتارةً : يمكن الاختبار.

واُخرى: لا يمكن.

وعلى الأوّل:

فتارةً : يكون طرف الاشتباه دمّ العُذرة خاصّة.

واُخرى: يحتمل غيره أيضاً(1).

أمّا في الصورة الاُولى: فالظاهر أنّه لا خلاف في أنّها تَختبر بإدخال قطنة في الفرج كيفما اتّفق - كما هو المشهور - أو بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها كما عن الشهيد رحمه الله(2)، المصرّح بوجود رواية(3) دالّة على اعتبار هذا القيد، وحيثُ إنّه لم يثبت وجودها، ولم تصل إلينا كما صرّح به جملةٌ من الأعاظم، فالأظهر عدم اعتباره

ص: 283


1- فالصور ثلاثة: أ - يمكن الاختبار وطرف الاشتباه العُذرة خاصّة. ب - يمكن الاختبار وطرف الاشتباه العُذرة وغيرها. ج - لا يمكن الاختبار. وسيبيّن أحكامها تِباعاً.
2- مسالك الأفهام: ج 1/56.
3- الحقّ وجود هكذا رواية، وسائل الشيعة: ج 2/307 ب 16 من أبواب الحيض ح 1 2209.

- وتَدَعها مليّاً ثمّ تُخرجها برفق، فإنْ خرجت القُطنة مطوّقة بالدّم فهو بكارة بلا خلافٍ ظاهر.

وعن المقدّس الأردبيلي رحمه الله(1) الرجوع إلى الصفات.

ويشهد للمشهور: ما عن «الكافي» بطريق صحيح عن خلف بن حمّاد، قال:

«دخلتُ على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بمِنى ، قلت له: إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية معصراً لم تطمث، فلما إفتضّها سالَ الدّم، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام، وإنّ القوابل إختلفن في ذلك، فقالت بعضهن: دمُ الحيض، وقالت بعضهن: دمُ العُذرة، فما ينبغي لها أن تصنع ؟

قال عليه السلام: فلتتق اللّه، فإنْ كان من دمّ الحيض فلتُمسك عن الصّلاة حتّى ترى الطهر، وليمسك عنها بعلها، وإنْ كان من العُذرة فلتتق اللّه، ولتتوضّأ ولتصلِّ ويأتيها بعلها إن أحبّ ذلك.

فقلت له: فكيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي ؟

قال: فالتفت يميناً وشمالاً في الفُسطاط مخافةَ أن يعلم كلامه أحد، ثمّ نَهَد إليَّ فقال عليه السلام: يا خَلف سِرّ اللّه سِرّ اللّه لا تُذيعوه، ولا تعلّموا هذا الخلق اُصول دين اللّه، بل اُرضوا لهم ما رضيَ اللّه لهم من ضلال، ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين، ثمّ قال عليه السلام:

تُدخل القُطنة ثمّ تدَعها مليّاً، ثمّ تخرجها إخراجاً رقيقاً، فإنْ كان الدّم مطوّقاً في القُطنة فهو من العُذرة، وإنْ كان مستنقعاً في القُطنة فهو من الحيض... الخ»(2).

وعن الشيخ(3) روايته بأدنى اختلاف.

وما في الصحيح عن زياد بن سوقة، قال: «سُئل أبو جعفر عليه السلام عن رجلٍ إفتضّ 1.

ص: 284


1- مجمع الفائدة: ج 1/142.
2- الكافي: ج 3/92 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/272 ب 2 من أبواب الحيض ح 2129.
3- التهذيب: ج 1/385 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/274 ب 2 من أبواب الحيض ح 2131.

إمرأته أو أمَته فرأتْ دماً كثيراً لا ينقطع عنها يومها (يوماً) كيف تصنع بالصلاة ؟ قال عليه السلام: تُمسك الكُرْسُف، فإنْ خرجت القُطنة مطوّقة بالدّم، فإنّه من العُذرة، تغتسل وتُمسك معها قُطنة وتُصلّي، فإنْ خرج الكُرْسُف منغمساً بالدّم فهو من الطمث، تقعد عن الصّلاة أيّام الحيض»(1).

وإن كانت مستنقعة، فهو حيضٌ كما عن الأكثر، بل الظاهر أنّ الإجماع عليه؛ إذ ما يظهر من المحقّق في «الشرائع»(2) و «النافع»(3) و «المعتبر»(4)، والمصنّف رحمه الله في «القواعد»(5) من عدم الحكم بالحيضيّة، إنّما هو في الصورة الثانية؛ إذ في هذه الصورة إذا إنتفت العُذرة يتعيّن كونه دمّ الحيض، لفرض الدوران بينهما، مضافاً إلى أنّ هذا المورد هو المتيقّن من النصوص.

وأمّا الصورة الثانية: فالمشهور بين الأصحاب أنّ حكمها حكم الصورة الاُولى، وعن المحقّق(6)، والمصنّف(7)، والشهيد(8) وابن فهد(9): عدم الحكم بكونه حيضاً إذا خرجت مستنقعة، واستحسنة شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله(10)، وادّعى أنّ أحداً من الأصحاب لم يفتِ بخلاف ذلك، لأنّ مفروض كلامهم فيما حكموا به، هو ما إذا تردّد9.

ص: 285


1- الكافي: ج 3/94 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/273 ب 2 من أبواب الحيض ح 2130.
2- شرائع الإسلام: ج 1/23.
3- المختصر: ص 9، وغاية ما أفاده (فإنْ اشتبه بالعُذرة حكم لها بتطوّق القُطنة).
4- المعتبر: ج 1/198.
5- غاية ما قاله العلّامة في القواعد: ج 1/212: (فإنْ اشتبه بالعُذرة حكم لها بتطوّق القُطنة وللقرح إن خرج من الأيمن)، وهو غير ظاهر في نفي الحيضيّة مع الإستنقاع.
6- المعتبر: ج 1/198.
7- تقدّم رأيهما في المصدرين السابقين.
8- البيان: ص 16. كذلك حيث اقتصر كالعلّامة على ذكر صورة التطوّق.
9- المهذّب البارع: ج 1/152، حيث اقتصر أيضاً كالعلّامة على ذكر صورة التطوّق.
10- كتاب الطهارة: ج 3 ص 129.

الأمر بين العُذرة والحيض.

أقول: وكيف كان، فيشهد للأوّل: إطلاق الصحيح الثاني(1).

ودعوى: ظهوره في ما إذا علم إنتفاء الثالث غير تامّة.

نعم، دعوى اختصاص الأوّل بهذا المورد في محلّها؛ لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام:

(فإنْ كان من دمّ الحيض، فلتُمسك عن الصّلاة، وإنْ كان من العُذرة فلتتق اللّه ولتتوضّأ) هو الإنحصار والتردّد بين الأمرين لا غير.

ويؤيّده فرض السائل اختلاف القوابل في أنّه دم حيضٍ أو عُذرة، كما لايخفى، وحيث إنّ الصحيح الثاني مطلق كما عرفت، فلا وجه لدعوى جواز أن يكون طريق العلم بحيضيّة الدّم في مفروض الصحيحين نفي الاحتمال الآخر لا الإنغماس، بل لا تتمّ هذه الدعوى حتّى على فرض اختصاص الصحيحين بالصورة الاُولى، لظهور قوله عليه السلام(2): (فإنْ خرج الكُرْسُف منغمساً) في طريقيّة الإنغماس بنفسه، لا لتلازمه مع شيءٍ آخر.

مع أنّه لو تمّ ما ذُكر من اختصاص الخبرين بما إذا علم التردّد بين الأمرين، لما بقي دليلٌ على الحكم بكونه دمّ العُذرة، إذا كان الدّم مطوّقاً في القُطنة، لو لم ينحصر الاحتمال فيهما كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الحكم بأنّه حيضٌ مع الإنغماس مطلقاً، كما هو المنسوب إلى المشهور.

أقول: ثمّ إنّ الظاهر من النصّ والفتوى، وجوب الاختبار المذكور، وعليه فلو0.

ص: 286


1- التهذيب: ج 1/385 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/274 ب 2 من أبواب الحيض ح 2131.
2- الكافي: ج 3/94 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/274 ب 2 من أبواب الحيض ح 2130.

صلّت بدونه:

فهل تكون صلاتها باطلة، وإن تبيّن بعد ذلك عدم كونه حيضاً، كما عن جماعة التصريح به ؟

أو تكون صحيحة، مع عدم الإخلال بسائر الشروط حتّى قصد القربة ؟

أو تكون صحيحة في صورة الغفلة عن وجوب الاختبار، كما عن شيخنا الأعظم رحمه الله(1)؟

أو في صورة المعذوريّة فيه، كما عن صاحب «الجواهر» رحمه الله(2)؟

وجوهٌ وأقوال:

واُستدلّ لعدم الصحّة مطلقاً، بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ الاختبار شرطٌ للصلاة في الفرض، وانتفاء المشروط بإنتفاء شرطه لا يُنكر.

وفيه: أنّ الظاهر من الخبرين، أنّ وجوب الاختبار وجوبٌ مقدّمي لترتيب أثار أحد الدّمين.

وبعبارة اُخرى: ظاهر الأمر به كونه إرشاداً إلى تنجّز التكليف المحتمل، وأنّه لا يجوز الرجوع إلى القواعد والاُصول المقتضية لعدم تنجّزه، نظير الأمر بالتعلّم في الشبهات قبل الفحص، لا أنّه وجوبٌ شرطي ضمني.

الوجه الثاني: إنّ العقل الحاكم بوجوب الإطاعة، يستقلّ بكون الإنبعاث عن احتمال الأمر في طول الإنبعاث عن بعث المولى، فلا يجتزي بالتحرّك عن احتمال الأمر، مع إمكان التحرّك عن نفس التحريك.2.

ص: 287


1- كتاب الطهارة: ج 3/135.
2- الجواهر: ج 3/142.

وفيه: إنّه لا يعتبر في حصول الطاعة في نظر العقل سوى إتيان المأمور به بجميع قيوده، مضافاً إلى المولى، فإعتبار لزوم التحرّك عن تحريك المولى ممّا لم يدلّ عليه دليل.

وعلى فرض الشكّ في اعتبار ذلك، بما أنّه شكٌّ في التقييد الزائد المرجع هي البراءة.

الوجه الثالث: إنّ حرمة العبادة على الحائض حرمة ذاتيّة، وحينئذٍ فالصلاة قبل الاختبار محتملة التحريم المنجّز، فتكون فاسدة؛ إذ المتجرّئ مستحقٌ للعقاب على ما حقّق في محلّه، فتكون صلاتها مبعدة، فيمتنع التقرّب بها.

وفيه أوّلاً: الأظهر أنّ حرمتها تشريعيّةً لا ذاتيّةً ، كما ستعرف في محلّه.

وثانياً: إن الإتيان بالعبادة رجاء للمطلوبيّة لا يكون حراماً.

وثالثاً: مع أنّه لو تمّ ذلك، لزم الحكم بالفساد في غير صورة المعذوريّة فيه لا مطلقاً كما لا يخفى.

أقول: وبما ذكرناه يظهر مدرك القولين الآخرين وضعفه.

فتحصّل: أنّ الأقوى هي الصحّة مطلقاً.

وأمّا في الصورة الثالثة: ففيها قولان:

1 - قولٌ بأنّهٌ لو كانت حالتهاالسابقة معلومة، ترجع إليهاعلى ماصرّح به جماعة.

2 - وفي طهارة شيخنا الأعظم رحمه الله(1) التفصيل بين صورة سبق الحيض فإختار أنّها ترجع إلى الحالة السابقة، وبين صورة عدم سبقه، فاختار سقوط وجوب الاختبار أيضاً، إلّاأنّه تردّد بين الرجوع إلى الحالة السابقة أو إلى أصالة الحيض أي قاعدة الإمكان.4.

ص: 288


1- كتاب الطهارة: ج 3/134.

أقول: إنّهذين القولين يبتنيان على عدم شمول النصوص للمقام، لسقوط وجوب الاختبار بتعذّره، كما هو الشأن في جميع التكاليف، ولكنّه غير تامّ ، لما عرفت من أنّ الأمر بالاختبار إنّما يكون إرشاداً إلى تنجّز التكليف المحتمل، وأنّه لا يصحّ الرجوع إلى القواعد والاُصول المقتضية لعدم تنجّزه، وعلى ذلك فلا وجه لسقوطه.

ودعوى عدم إطلاقها من هذه الجهة أو إنصرافها عن هذه الصورة كما ترى.

وما ذكره الشيخ الأعظم رحمه الله(1): من أنّه إذا تحقّق الحيض سابقاً، واحتمل إنقطاعه بعد طروّ العُذرة، فالظاهر عدم دخوله تحت النصّ ، فالرجوع فيها إلى استصحاب الحيض من غير إختبار، حتّى في صورة التمكّن قويّ .

وإنْ كان تامّاً من حيث الجمود على مورد النصّ ، إلّاأنّه بعد التدبّر فيه يظهر عدم دخل خصوصيّة المورد في هذا الحكم، وأنّه عليه السلام في مقام بيان ما به يمتاز أحد الدّمين عن الآخر، عند اشتباه أحدهما بالآخر، فالرجوع إلى الاُصول في غير محلّه، وكذلك الرجوع إلى قاعدة الإمكان، مع أنّه ستعرف اختصاص القاعدة بما يُعلم خروجه من الرَّحِم، فتدبّر.

والنتيجة: فيتعيّن حينئذٍ الرجوع إلى ما يقتضيه العلم الإجمالى بثبوت أحكام الطاهرة أو الحائض عليها.

وبذلك يظهر حكم ما لم تَعْلَم الحالة السابقة.

ودعوى: بعض الأعاظم من إنحلال العلم الإجمالي المزبور، بأصالة عدم خروج الدّم من الرّحم، فتدخل في عموم أدلّة أحكام الطاهرة، وإذا ثبتت أحكام الطاهرة لها، ينحلّ العلم الإجمالي المزبور.

غير صحيحة: لأنّ الرجوع إلى هذا الأصل خلاف ما تقتضيه النصوص من4.

ص: 289


1- كتاب الطهارة: ج 3/134.

عدم جواز الرجوع إلى الاُصول، حتّى في صورة عدم التمكّن كما عرفت.

وأمّا ما ذكره بعض المحقّقين رحمه الله في عروته(1): من البناء على الطهارة في ما لم تعلم الحالة السابقة، فالظاهر أنّه مبنيٌ على مسلكه من جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، فإنّه عليه بما أنّ أدلّة أحكام الطاهرة موضوعها مطلق المرأة، وإنّما خرجت عنه الحائض، وخُصّصت تلك الأدلّة بما دلّ على حكم الحائض، فإذا شُكّ في الحيض المرجع هو عموم تلك الأدلّة، ولكن الُمحَقَق في محلّه عدم الجواز.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأظهر تعيّن مراعاة الاحتياط في الصورتين.

***

اشتباه دمّ الحيض بدم القُرحة

أقول: إذا إشتبه دمّ الحيض بدم القُرحة:

فالمنسوب إلى المشهور أنّ الدّم إن كان يخرج من الطرف الأيسر فحيضٌ ، وإلّا فمن القُرحة، بل عن «جامع المقاصد»(2) نسبته إلى فتوى الأصحاب.

وعن «الدروس»(3) و «الذكرى»(4) وابن طاووس(5) عَكسُ ذلك.

وعن المحقّق(6) وظاهر «المسالك»(7) والمحقّق الأردبيلي(8) وصاحب

ص: 290


1- العروة الوثقى : ج 1/564 (ط. ج).
2- نسبه في جامع المقاصد أوّلاً إلى المشهور ثمّ إلى أكثر الأصحاب: ج 1/282.
3- الدروس: ج 1/97.
4- الذكرى : ص 28.
5- نقل الشهيد الأوّل عن ابن طاووس قوله: (وهو في بعض نسخ التهذيب الجديدة) كما في المصدر السابق.
6- المعتبر: ج 1/199.
7- مسالك الأفهام: ج 1/57.
8- مجمع الفائدة: ج 1/141-142.

«المدارك»(1): عدم اعتبار الجانب أصلاً.

وقد استدلّ للأوّل: بما رواه الشيخ في محكي «التهذيب» بإسناده عن محمّد ابن يحيى ، رفعه عن أبان، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فتاةٌ منّا بها قُرحة في جوفها، والدّم سائلٌ لا تدري من دمّ الحيض أو من دمّ القُرحة ؟

فقال عليه السلام: مُرها فلتستلق على ظهرها، ثمّ ترفع رجليها، وتستدخل إصبعها الوسطى، فإنْ خرج الدّم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القُرحة»(2).

واُورد عليه: بأنّ هذه الرواية مرويّة عن «الكافي» بهذا الإسناد، وفيها:

«فإنْ خَرَج الدّم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، وإنْ خَرَج من الجانب الأيسر فهو من القُرحة»(3).

أقول: والنقل الثاني مقدّمٌ ، لما في «مرآة العقول» نقلاً عن الشهيد(4): (إنّه وجد في كثير من نسخ «التهذيب» أنّ الحيض من الأيمن).

وعن ابن طاووس(5): (إنّ ما في بعض نسخ «التهذيب» الجديدة كون الحيض من الأيسر أنّه تدليس).

هذا مضافاً إلى أضبطيّة الكليني.

والنتيجة: ثبوت القول الثاني.ه.

ص: 291


1- مدارك الأحكام: ص 318.
2- التهذيب: ج 1/385 ح 8.
3- الكافي: ج 3/94 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/307 من أبواب الحيض ح 2209.
4- الذكرى للشهيد الأوّل: ص 28.
5- نقله عنه الشهيد الأوّل في المصدر السابق، ولم نجده عنه.

أقول: ويرد عليهما:

أمّا الدعوى الاُولى : فيدفعها إفتاء الشيخ نفسه في «المبسوط»(1) و «النهاية»(2)بما إختاره المشهور، وعدم ذكر أحد من المحشّين على «التهذيب» لذلك، مع أنّ عادتهم نقل جميع النسخ.

وأمّا الدعوى الثانية: فيدفعها أن أضبطية الكليني وإن لا مجال لإنكارها، إلّا أنّه في المقام لأجل اتّفاق المتقدّمين والمتأخّرين من الُمحدّثين على موافقة المشهور كما عن حاشية «المدارك»(2) وموافقة ما في «التهذيب» لما في «النهاية»(4) - التي قيل عنها إنّها متون الأخبار - ولما ذكره المفيد في «المقنعة»(3)، والصدوق في «الفقيه»(4)، ووالده في الرسالة(5) التي قيل إنّها أيضاً متون الأخبار، وأنّ الأصحاب كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها، وأمثالها، يقدّم ما في «التهذيب».

واستدلّ للقول الأخير: في محكي «المعتبر»(6):

1 - بأنّ الرواية مقطوعة مضطربة.

2 - وبجواز كون القُرحة في الجانبين.).

ص: 292


1- المبسوط: ج 1 ص 43. قوله: (وإن كان خارجاً من الجانب الأيسر فهو دم حيض). (2و4) النهاية ص 24، مثل قوله في المبسوط.
2- حاشية المدارك المخطوط رقم 14799 من مخطوطات المكتبة الرضويّة ص 50.
3- لم نجد حكم المفيد في متن «المقنعة» في كلّ أبحاث الدّماء. نعم، هذا الحكم موجود في «المقنع» للشيخ الصدوق ص 52.
4- الفقيه: ج 1/97.
5- المعتبر: ج 1/199.
6- المعتبر: ج 1/199 عند قوله: (والرواية مضطربة فلا عمل بها).

3 - وبأنّ الحيض من الرّحم وليس من جانب معيّن.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ إرسالها منجبرٌ بكون الخبر مشهوراًَ بين الأساطين من أهل الرواية والفتوى، وقد مرّ أنّها غير مضطربة.

مع أنّه لو سُلّم إضطرابها، فإنّما هو في خصوص تعيين الجانب، وأمّا من حيث دلالتها على أنّ المرجع في الفرض، ليس هي الأوصاف، ولا قاعدة الإمكان، فلا إضطراب فيها.

وأمّا الثاني: فلأنّه من الجائز أن يكون حصول القُرحة التي يجري منها الدّم المشتبه بدم الحيض، في خصوص الجانب الأيمن، أو أنّه عند الإستلقاء بالكيفيّة الخاصّة يخرج الدّم من الجانب الأيمن، حتّى ولو كانت القُرحة في الجانب الأيسر.

وأمّا الثالث: فلأنّه من الممكن أن يكون الرّحم عند الإستلقاء الخاص مستقرّاً في الجانب الأيسر.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الأوّل، حتّى فيما لو علم كون القُرحة في الطرف الأيسر، وإستثناء هذه الصورة مع عدم دليلٍ يَخرج به عن إطلاق النصوص، وعدم ذكره في كلام الأكثر، ممّا لا وجه له.

***

ص: 293

وأقلّه ثلاثة أيّام.

أقلّ الحيض وأكثره
اشارة

(وأقلّه) أي أقلّ الحيض (ثلاثة أيّام) بلا خلافٍ .

وفي «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(1): بالإجماع المحقّق والمحكيّ حدّ الإستفاضة، بل التواتر.

ونحوه في «الجواهر»(2).

أقول: وتشهد به نصوص كثيرة:

1 - صحيح معاوية بن عمّار، بن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، وأكثر ما يكون عشرة أيّام»(3).

2 - وصحيح صفوان بن يحيى، قال: «سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون الحيض ؟ فقال عليه السلام: أدناه ثلاثة، وأبعده عشرة»(4).

3 - وصحيح يعقوب بن يقطين: «أدنى الحيض ثلاثة، وأقصاه عشرة»(5).

ونحوها غيرها.

أقول: ولا يعارضها مصحّح حميد، عن إسحاق بن عمّار، قال:

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحُبلى ترى الدّم اليوم واليومين ؟

قال عليه السلام: إن كان دماً عبيطاً فلا تُصلِّ ذينك اليومين، وإنْ كان صُفرةً فلتغتسل

ص: 294


1- طهارة الشيخ: ج 3/153 ط. ج.
2- الجواهر: ج 3/147.
3- الكافي: ج 3/75 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/293 ب 10 من أبواب الحيض ح 2166.
4- الكافي: ج 3/75 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 10 من أبواب الحيض ح 2167.
5- التهذيب: ج 1/156 ح 447، وسائل الشيعة: ج 2/296 ب 10 من أبواب الحيض ح 2175.

عند كلّ صلاتين»(1).

وموثّق سماعة: «سألته عن الجارية البِكْر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، وفي الشهر ثلاثة، تختلف عليها، لايكون طثمها في الشهر عدّة أيّام سواء؟ قال عليه السلام: فلها أن تجلس وتَدَع الصّلاة ما دامت ترى الدّم، ما لم يجز العشرة»(2).

أقول: لا يعارضها لعدم عمل الأصحاب بهما.

وعن الشيخ في «التهذيب»(3) و «الاستبصار»(4): أن على خلافهما إجماع الطائفة، وكذا عن غيره.

مع أنّ الأوّل مختصٌّ بالحُبلى.

مضافاً إلى أنّه يحتمل أن يُراد به ترك الصّلاة بمجرّد رؤية الدّم، وإنْ وجب عليها القضاء إذا انقطع قبل ثلاثة أيّام.

والثاني يمكن حمله على مقدار ثلاثة متوالية، بأنْ ترى الدّم عصر يوم الخميس، فتقعد عن الصّلاة يوم الجمعة والسبت، وتطهر في عصر يوم الأحد، فلا معارضة للنصوص المتقدّمة.

وبالجملة: فهذا الحكم ممّا لا إشكال فيه ولا كلام، إنّما الكلام يقع في موارد:

***).

ص: 295


1- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/296 و 331 ح 2178 و 2282.
2- الكافي: ج 3/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/304 ب 14 من أبواب الحيض ح 2202.
3- في التهذيب: ج 1/387 ح 15 نقل مصحّح حميد، وفي ص 180 ح 1 نقل موثّق سماعة ولم يعلّق عليهما، نعم في ج 1/157 قال في تعليقه على حديث ابن سنان رقم 22 الذي اعتبر أنّ أكثر الحيض ثمانية، قال: (فهذا الحديث شاذّ أجمعت العصابة على ترك العمل به).
4- في الاستبصار: ج 1/141 ح 11، نقل مصحّح حميد ولم يعلّق عليه، نعم في ج 1/131 قال في تعليقه على حديث ابن سنان رقم 6 الذي اعتبر أنّ أكثر الحيض ثمانية، قال: (فهذا الخبر لا ينافي ما قدّمناه من الأخبار لإجماع الطائفة على خلافه).

متواليات.

في اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض

المورد الأوّل: في اعتبار كونها (متواليات):

فعن الإسكافي(1) والصدوقين(2)، والسيّد(3)، والشيخ في غير «النهاية»(4)، والحلبي(5) وإبني حمزة(6)، وسعيد(7)، والمحقّق(8)، والمصنّف(9)، والشهيدين(10)، والمحقّق الثاني(11)، وأكثر من تأخّر عنهم: اعتبار التوالي.

بل عن «الذكرى»(12) و «المسالك»(13): إنّه المشهور بين الأصحاب.

أقول: وقد استدلّ له الشيخ الأعظم رحمه الله(14) في طهارته بأصالة عدم الحيض وأجاب عن إشكال معارضتها مع أصالة عدم الاستحاضة، بجوابين:

ص: 296


1- حكاه العلّامة في المختلف عنه: ج 1/345.
2- الفقيه: ج 1 ص 89. حيث نقل رسالة أبيه إليه بهذا المضمون. وفي الهداية ص 98.
3- لم نجده في انتصاره ولا في ناصريّاته ولا في رسائله! نعم نقله الشيخ الأنصاري عنه في طهارته: ج 3/153، وقبله غيره.
4- وفي غير الاستبصار فإنّه إختار فيه عدم اعتبار التوالي أيضاً: ج 1/141.
5- الكافي في الفقه لأبي الصلاح الحلبي: ص 128، إلّاأنّه ليس فيه تصريح بالتوالي.
6- الوسيلة: ص 56.
7- الجامع للشرائع: ص 41.
8- المعتبر: ج 1/213.
9- المختلف: ج 1/345 وفي القواعد.
10- الدروس: ج 1/97، وفي اللُّمعة وشرحها: ج 1/371.
11- جامع المقاصد: ج 1/287.
12- الذكرى: ص 28.
13- مسالك الأفهام: ج 1/57.
14- كتاب الطهارة: ج 3/154.

الجواب الأوّل: إنّه إن قلنا بثبوت الواسطة بين الحيض والاستحاضة فلا تنافي؛ إذ لا يعلم بكذب أحدهما.

وإن قلنا بعدم الواسطة بينهما، فأصالة عدم الحيض حاكمة على أصالة عدم الاستحاضة، لأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى أنّ كلّ دمٍّ لم يُحكم عليه بالحيضيّة شرعاً، ولم يُعلم أنّه لقرحةٍ أو عُذرةٍ أو نفاسٍ ، فهو محكوم عليه بأحكام الاستحاضة، وحينئذٍ فإذا انتفى كونه حيضاً بحكم الأصل، تعيّن كونه إستحاضة.

الجواب الثاني: إنّ أصالة عدم الحيض سليمة عن المعارض في خصوص الصّلاة، لأنّه لا يترتّب على أصالة عدم الاستحاضة عدم وجوبها، فيجب الإغتسال مع غَمس القُطنة، للقطع ببطلان الصّلاة واقعاً بدونه، لأنّها إمّا حائض أو مستحاضة، ويجب تجديد الوضوء لكلّ صلاةٍ مع عدم الغمس، لأنّ الوضوء الواحد لا يرفع حَدَثها قطعاً، لأنّه مردّد بين الحيض والاستحاضة.

أقول: وأورد عليه بعض من تأخّر عنه:

1 - بأنّ أصالة عدم الحيض لا تجري في نفسها: لأنّه على تقدير اعتبار التوالي، فالحيض منتف قطعاً، وعلى تقدير عدمه، فالحيض موجودٌ قطعاً، فالشكّ إنّما يكون في المردّد بين الأمرين، وليس هو موضوع الأثر ليجري في نفيه الأصل.

2 - وبأنّ أصالة عدم الحيض، لا تُثبت أن هذا الدّم ليس بحيض، لأنّ الأوّل مفاد كان التامة، والثاني مفاد كان الناقصة، والأصل المثبت للأوّل لا يصلح لإثبات الثاني، كي يحكم عليه بأحكام الاستحاضة، فأصالة عدم الحيض معارضة بأصالة عدم الاستحاضة.

3 - وبأنّ الإنحلال المذكور غير تامّ ؛ إذ وجوب الصّلاة الثابت بمقتضى أصالة عدم الحيض - لمّا كان له إطلاق يقتضي الشمول لصورة كونها مستحاضة - كان

ص: 297

مقتضياً لوجوب الغسل وتكرار الوضوء.

فالأصل المثبت للوجوب المذكور، يكون مثبتاً لهما، فيكون منافياً لأصالة عدم الأستحاضة ومعارضاً لها.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ عدم العلم باعتبارالتوالي وعدمه، بضميمة القطعين المذكورين، منشأ الشكّ في كون المرأة المفروضة حائضاً أو مستحاضة، وكون ماجرى منها دمّ الحيض أو الاستحاضة، فيجري الأصل في نفي ما هو موضوع الأثر.

وأمّا الثاني: فلأنّ أصالة عدم كون هذا الدّم حيضاً تجري في نفسها:

أمّا بناءً على جريان الأصل في العدم الأزلي - كما هو الحقّ - فواضح.

وأمّا بناءً على عدمه، فلأنّه لو سلّمنا كون الدّم من حين ما يتقاطر من الرّحم عرفاً ولو لم يخرج متّصفاً بكونه دمّ حيض، إلّاأنّه قبل تقاطره من الرّحم، لا يكون متّصفاً به، فيستصحب ذلك، فتأمّل.

وعلى ذلك، فبناءً على ثبوت القاعدة المذكورة، تجري أصالة عدم الحيض، ويترتّب عليها ثبوت أحكام الاستحاضة له، ومعه لا مجال لاستصحاب عدم الاستحاضة.

نعم، بناءً على عدم ثبوتها، يتعارض الأصلان كما لا يخفى.

أقول: ومنه يظهرإندفاع ماأورده سيّدمشايخنا رحمه الله(1): (من أنّ أصالة عدم الحيض:

إنْ ثبت بها أنّ الدّم الموجود غير حيض، فموضوع القاعدة المذكورة لا يتحقّق مع جريانها، لأنّ نسبتها إليها كنسبة قاعدة الطهارة إلى إستصحابها، فالرجوع إليها عند سقوط هذا الأصل.5.

ص: 298


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 3/195.

وإن لم يثبت ذلك بها، فالقاعدة جارية، سواءٌ أكان هناك أصلٌ أم لا، وليس لها تعلّق بمجرى الأصلين، لثبوت حكومة أحدهما على الآخر). إنتهى.

وجه الإندفاع: إنّ موضوع القاعدة لا ينتفي بالاستصحاب، فلا وجه لسقوطها مع جريانه، فإنّه بالأصل يثبت كون الدّم غير حيض، فتشمله الكبرى الكليّة، وحينئذٍ لايبقى شكّ في كونه استحاضة، فلاتجري أصالة عدم الاستحاضة، فتدبّر.

وأمّا الثالث: فلأنّ وجوب الغُسل، وتكرار الوضوء، لا يثبتان بأصالة عدم الحيض؛ إذ لا يثبت بها كونها مستحاضة كي يترتبان عليها، ومعنى إطلاقها لصورة كونها مستحاضة، ليس ثبوت الخصوصيّة بها، لأنّ معنى الإطلاق رفض القيود لا أخذ كلّ قيدٍ في الحكم، وعليه فلا تعارض أصالة عدم الاستحاضة مع أصالة عدم الحيض.

فإنْ قلت: إنّه يثبت بأصالة عدم الاستحاضة، عدم وجوب الإغتسال وغيره ممّا يكون من أحكام المستحاضة، ولازم ذلك نفي وجوب الصّلاة، فتعارض مع أصالة عدم الحيض المثبتة لوجوبها.

قلت: إنّه لا يترتّب على عدم الآثار واللّوازم الثابت بالاُصول، عدم الملزوم، كما لا يخفى.

فإنْ قلت: إنّ الدليل على وجوب الغُسل ليس إلّاقاعدة الإشتغال، ولا ريب في حكومة استصحاب عدم الاستحاضة النافي لوجوبه عليها.

قلت: إنّ الحكومة إنّما تكون فيما إذا كان مجرى الأصلين شيئاً واحداً، وأمّا إذا كان متعدّداً فلا وجه لها كما هو واضح. وفي المقام قاعدة الإشتغال بالتكليف، الثابت بمقتضى أصالة عدم الحيض - وهو وجوب الصّلاة - تقتضي الإتيان به، وهي تمنع عن العمل بأصالة عدم الاستحاضة لمنافاتها، لها فتدبّر.

ص: 299

فتحصّل: أنّ الأظهر جريان أصالة عدم الحيض، وعدم معارضتها باستصحاب عدم الاستحاضة، وهي تدلّ على اعتبار التوالي.

ويشهد له: - مضافاً إلى ذلك - نصوص التحديد المتقدّم بعضها؛ إذ الظاهر من تقدير شيءٍ قابل للإستمرار والدوام بجعل مقدار من الزمان ظرفاً له، هو اعتبار وحدته، وعدم إنفصال بعض أجزائه عن بعض، ألا ترى أنّه لو أمر المولى عبده بالجلوس ثلاث ساعات في المسجد، لا يشكّ أحدٌ في ظهوره في إرادة الجلوس مستمرّاً، فلو جلس ساعةً في أوّل النهار وساعةً في وسطه وساعة في آخره لا يكون ممتثلاً له.

ودعوى: أنّ لازم ذلك اعتبار التوالي في أكثر الحيض أيضاً، وهو ممّا لم يلتزم به أحد.

مندفعةٌ : بأنّ ظاهر هذه النصوص وإنْ كان ذلك، إلّاأنّه يرفع اليد عنه، لأجل ما دلّ من النصوص على أنّ مازاد على أقلّ الحيض إذا لم يكن متوالياً، يكون النقاء المتخلّل بمنزلة الدّم.

وأمّا ما عن المحقّق الخراساني رحمه الله(1): من أنّ المراد منها أقلّ حدث الحيض لا أقلّ الدّم.

فغير سديد: لأنّ الظاهر من الحيض هو الدّم الذي جعلوه عنواناً للباب، وحمله على الحالة مجازٌ لا يصار إليه بلا قرينة.

ويؤيّده: ما عن الرضوي: «وإنْ رأتْ يوماً أو يومين، فليس ذلك من الحيض، ما لم تر ثلاثة أيّامٍ متواليات»(2).8.

ص: 300


1- أشار السيّد الحكيم إلى هذا القول في مستمسكه: ج 3/198.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 2/12 ب 10 ح 1268.

وعن الشيخ في «المبسوط» عن بعض أصحابنا(1)، وعنه في «النهاية»(2)والتهذيبين(3)، والقاضي في «المهذّب»(4)، والمقدّس الأردبيلي(5)، وكاشف اللّثام(6)، والشيخ الحُرّ في رسالته(7)، وجماعة من علماء البحرين(8): عدم اعتبار التوالي، بل ظاهر المحكيّ عن القاضي معروفيّة هذا القول.

واستدلّ له: بما رواه الشيخ(9) بإسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن بعض رجاله، عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديثٍ ، قال:

«فإذا رأت المرأة الدّم في أيّام حيضها تركت الصّلاة، فإنْ استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام فهي حائض، وإن إنقطع الدّم بعدما رأته يوماً أو يومين، اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدّم إلى عشرة أيّام، فإنْ رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت يوماً أو يومين حتّى تتمّ لها ثلاثة أيّام، فذلك الذي رأته في أوّل الأمر، مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض، وإنْ مرَّ بها من يوم رأت الدّم عشرة أيّام ولم ترَ الدّم، فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنّما كان من6.

ص: 301


1- المبسوط: ج 1/42.
2- النهاية: ص 26.
3- التهذيب: ج 1/157، والاستبصار: ج 1/141.
4- المهذّب: ج 1/34.
5- مجمع الفائدة: ج 1/143.
6- كشف اللّثام: ج 2/65 ط. ج.
7- نقله عن هذه الرسالة صاحب الحدائق في: ج 3/159.
8- وذهب إليه صاحب الحدائق في المصدر المتقدّم ونقله عن بعض من علماء البحرين أيضاً.
9- التهذيب: ج 1/154 ح 24، الكافي: ج 3/76 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/299 ب 12 من أبواب الحيض ح 2186.

علّة: إمّا من قُرحةٍ في جوفها، وإمّا من الجوف، فعليها أن تعيد الصّلاة تلك اليومين التي تركتها، لأنّها لم تكن حائضاً. الحديث».

أقول: في هذا الخبر بحثان:

البحث عن الدلالة: إنّ دلالته على عدم اعتبار التوالي إنّما تكون بالصراحة، وعلى فرض تماميّة سنده، لا ريب في تقدّمه على الأصل، وظهور تلك النصوص المتقدّمة كما لا يخفى .

البحث عن السند: فقد أورد عليه:

تارةً : بأنّه مرسل.

واُخرى: بكون إسماعيل مجهول الحال.

وثالثة: بإعراض المشهور عنه.

***

ص: 302

حجيّة مراسيل يونس

أمّا الإيراد الأوّل: فيمكن دفعه بأنّ المُرسِل إنّما هو يونس، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد عدّه الكشّي(1) من الطبقة الثالثة من الطبقات الثلاث التي ذكرها.

ودعوى: إنّه لم يثبت كون المراد من (إجماع العصابة) عدم التأمّل فيمن يروون عنه، كيف وقد اشتهر الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير، مع كونه من أصحاب الإجماع ؟

مندفعةٌ : بأنّه وإن ذُكر في المراد من هذه الجملة وجوه:

منها: كون المراد بها صحّة الحديث من جهته، وأمّا مَنْ قبلَه وبعده فلا يحكم بصحّة حديث أحدٍ منهم، وهو المنسوب إلى صاحب «الرياض»(2) وصاحب «الإستقصاء»(3)، واختاره المحقّق القمّي رحمه الله في «جامع الشتات»(4) في خصوص الطبقة الاُولى وهم زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبُريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي.

إلّا أنّ الأقوى ضعف هذا الوجه:

1 - عدم إنحصار الإجماع على التصحيح بهذا المعنى بهؤلاء الجماعة.

ص: 303


1- اختيار الطوسي من معرفة الرِّجال: ج 2/830.
2- نسبه أبو علي في المقدّمة الخامسة من فوائده إلى اُستاذه السيّد صاحب الرياض، ونقل ذلك السيّد الخوئي في معجمه: ج 2/59.
3- هو العلّامة محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني صاحب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار.
4- لم نجد رأيه هذا، بل وجدنا ما يدلّ على خلافه في جامع الشتات الفارسي: ج 4/424، حيث قبل رواية من لا توثيق له لرواية بعض أصحاب الإجماع عنه.

2 - إنّ جماعة آخرين كسلمان، وأبي ذَرّ، ومقداد، وزكريّا بن آدم، وأبان بن تغلب، وابن أبي نصر، وابن أبي عُمير، وغيرهم أيضاً أجمع الأصحاب على صدقهم، لم يتحقّق الإجماع على توثيق هؤلاء جميعاً، فإنّ وثاقة أبان بن عثمان، وعثمان بن عيسى، وأبي بصير الأسدي، بل عبد اللّه بن بكير الذين هم من الطبقة الثانية محلّ كلام، وضَعَّفهم جماعة، وقد نُسب التخليط إلى الأسدي(1).

3 - هذا مضافاً إلى مخالفته لظاهر هذه الجملة، فإنّ الظاهر منها إرادة الحديث من الموصول، لا الإسناد والشخص، ويؤكّده ما قيل: من أنّ التتبّع في كلماتهم يكشف عن أنّهم في مقام بيان حال أحاديث الرواة دون أسانيدها.

أقول: وبذلك يظهر أنّ المراد بها اعتبار رواية من قيل في حقّه ذلك - لو صحّت من أوّل السند إليه - من دون اعتبار الوثاقة فيمن يروي عنه، حتّى لو روى عن معروفٍ بالفسق أو بالوضع، فضلاً عمّا لو أرسل الحديث.

وعن الوحيد في فوائده(2) دعوى الشهرة على هذا القول، وكذا عن «منتهى المقال»(3). وعن المحقّق الداماد(4) نسبته إلى الأصحاب، مؤذِناً بدعوى الإجماع عليه، وعن المجلسي(5) حكايته عن جماعة من المحقّقين.3.

ص: 304


1- كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 8/50. حيث قال عنه: (واقفي مخلط).
2- الفوائد الرجاليّة: ص 30.
3- راجع منتهى المقال: ج 1/50، المقدّمة الخامسة، فوائد تتعلّق بالرِّجال (أجمعت العصابة على تصحيح مايصحّ عنهم).
4- الرواشح السماويّة: ص 78، الراشحة الثالثة في طبقات أصحاب الإجماع، قوله: (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، والإقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة، وإن كانت روايتهم بإرسال، أو رفع، أو عمّن يسمّونه وهو ليس بمعروف الحال... الخ)، وفي منتهى المقال: ج 1/54 حكاه عن المحقّق الداماد في الرواشح قائلاً: (بل نسبَ ذلك المحقّق الداماد إلى الأصحاب مُؤذِناً بدعوى الإجماع).
5- هامش بحار الأنوار: ج 85/273.

وبالجملة: التتبّع في كلمات القوم، والتدبّر في هذه الجملة، يوجبان القطع بإرادتهم هذا المعنى. والدليل على حجيّة هذا الإجماع، هو الدليل على حجيّة توثيقات الرجاليين والعلماء وتمام الكلام في ذلك، وفي عدم صحّة التفصيل بين الطبقة الاُولى فاختيار الوجه الأوّل، وبين الطبقتين الأخيرتين فالثاني، الذي ذهب إليه المحقّق القمّي رحمه الله موكولٌ إلى محلّه.

كما أنّ الكلام في أنّ هذا الإجماع هل يفيد توثيق الواسطة بين أصحاب الإجماع والمعصوم عليه السلام في خصوص هذا الخبر، أو مطلقاً موكولٌ إليه.

وأمّا الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير، فلا ينافي ذلك؛ إذ المعروف قبولها، وعن «الذكرى»(1): (أنّ الأصحاب أجمعوا على قبول مراسيله)، وعن الكشّي(2): (إن أصحابنا يسكنون إلى مراسيله).

فتحصّل: أنّ الإيراد على هذا الخبر بإرساله في غير محلّه.

وأمّا الإيراد الثاني: فيمكن دفعه، بأنّ إسماعيل بن مرار ثقةٌ على الأقوى ، لرواية إبراهيم بن هاشم عنه على ما عن الشيخ رحمه الله(3) التصريح بذلك في (باب من لم يرو عنهم)، وقد قالوا في حقّ إبراهيم(4) إنّه أوّل من نَشَر حديث الكوفيّين بقم، والقميّون كانوا يطردون الراوي من مدينتهم بمجرّد توهّم الرّيب فيه، وأنّهم كانوا يطعنون بأنّه يروي عن الضعفاء، فكيف يمكن رواية إبراهيم عن الضعيف ؟8.

ص: 305


1- الذكرى : ص 4.
2- لم نجد هذا التعبير للكشّي في اختيار الشيخ، نعم عدّه من الستّة الأواخر الذين أقرَّ لهم الأصحاب بالفقه والعلم. لكن ورد هذا التعبير بعينه في كلام النجاشي: في فهرسته ص 326 ترجمة رقم 887.
3- رجال الشيخ: ص 412 ترجمة رقم 5972-53.
4- فهرست الشيخ: ص 35 ترجمة رقم 6، وفهرست النجاشي: ص 16 ترجمة 18.

مع أنّ المحكيّ (1) عن محمّد بن الحسن ابن الوليد، أنّه قال:

(كُتُب يونس بن عبد الرحمن كلّها صحيحة معتمد عليها إلّاما يتفرّد به محمّد بن عيسى عن يونس ولم يروه غيره، فإنّه لا يُعتمد عليه، ولايفتى به) إنتهى.

وهذا بضميمة ما عن التعليقة: من أنّ إسماعيل روى عن يونس كتبه، وعن الشيخ التصريح به يدلّ على وثاقته.

وأمّا الإيراد الثالث: فلأنّ مخالفة المشهور بعد عمل الشيخ وجماعة من المتقدّمين والمتأخّرين بالخبر، وقوّة سنده في نفسه، لاسيّما مع احتمال أن يكون وجه عدم عمل جماعةٍ منهم توهّم جهالة إسماعيل، لا توجب رفع اليد عن الخبر.

فتحصّل: أنّه لا إشكال في سنده أيضاً، وحيث أنّه مقدّمٌ على الأصل كما لا يخفى، وعلى الإطلاقات لكونه مبيّناً لها - كما لا اعتبار بالرضوي المتقدّم الوارد فيه:

«إنْ رأتْ يوماً أو يومين فليس ذلك من الحيض، ما لم ترَ ثلاثة أيّام متواليات»، لأنّه ضعيف لا جابر له، لعدم إعتماد المشهور عليه - فالقول بعدم اعتبار التوالي هو الأظهر.

أقول: ثمّ إنّه قد استدلّ لهذا القول:

1 - بحَسَن ابن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إذا رأت المرأة الدّم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيضة الاُولى، وإنْ كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2).

2 - وموثّقه الآخر، عن الإمام الصادق عليه السلام:2.

ص: 306


1- حكاه النجاشي في فهرسته: ص 333 ترجمة 896.
2- الكافي: ج 3/77 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/298 ب 11 من أبواب الحيض ح 2182.

«أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، وإنْ رأت الدّم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى، وإنْ رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضةٍ اُخرى مستقبلة»(1).

بدعوى أنّهما يدلّان على أنّ المرأة إذا رأت الدّم بعدما رأته أوّلاً، سواءٌ أكان الأوّل ثلاثة أيّام أو أقلّ ، فإنْ كان ذلك قبل عشرة أيّام كان من الحيضة الاُولى.

وفيه: إنّهما لم يردا في مقام بيان ما تتحقّق به الحيضة الاُولى، وإنّما اُخذت الحيضة الاُولى مفروغاً عنها، فلا يمكن التمسّك بهما لنفي ما يشكّ في اعتباره في الاُولى .

قال الراوندي(2): يشترط التوالي في غير الحامل، وعدم إشتراطه فيها.

واستدلّ له: بمصحّح إسحاق المتقدّم، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عن المرأة الحُبلى ترى الدّم اليوم واليومين ؟ قال عليه السلام: إنْ كان دماً عبيطاً فلا تُصلّي ذينك اليومين، وإنْ كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(3).

وفيه: إنّ ظاهره في بادي النظر عدم اعتبار الحدّ المذكور في سائر النصوص، لا عدم اعتبارالتوالي، فلابدّ من صرفه عنه، فراجع ماذكرناه فيه في أوّل هذه المسألة.

***8.

ص: 307


1- التهذيب: ج 1/156 ح 20، وسائل الشيعة: ج 2/296 ب 10 من أبواب الحيض ح 2176.
2- فقه القرآن للقطب الراوندي: ج 1/52، في ذيل آية السؤال عن المحيض.
3- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/296 ب 10 من أبواب الحيض ح 2178.
اعتبار الاستمرار

المورد الثاني: بعدما عرفت من أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام إمّا مع التوالي في الثلاثة كما هو المشهور، أو بدونه كما هو المختار، يقع الكلام في أنّه:

1 - هل يعتبر أن يكون زمان سيلانه مقدار ثلاثة أيّام، بحيث متى وضعت الكُرْسُف تلوّث، ولو بعد الصبر هُنيئةً ، فلو رأت الدّم في اليوم الأوّل ساعةً أو ساعتين أو أكثر، ثمّ لم تر إلى اليوم الثاني لا يحكم بحيضيّته، كما عن الشيخ(1) وابن بابويه(2) وابن إدريس(3) والإسكافي(4) وغيرهم، بل ظاهر المحكيّ عن «جامع المقاصد»(5) معروفيّة هذا القول بين الأصحاب ؟

2 - أو أنّه لا يعتبر ذلك، بل يكفي وجوده في كلّ يوم وقتاً، كما عن جماعة، بل عن «المدارك»(6) و «الذخيرة»(7) نسبته إلى الأكثر؟

3 - أم يعتبر أن يكون في أوّل الأوّل وآخر الآخر، وفي أيّ جزءٍ من الوسط، كما اختاره بعضٌ ، ونفى عنه البُعد شيخنا البهائي رحمه الله(8)؟

وجوه:

أقواها الأوّل؛ إذ قد عرفت أنّ نصوص التحديد المتضمّنة أنّ أقلّ الحيض ثلاثة

ص: 308


1- المبسوط: ج 1/42.
2- كما في رسالته لولده الصدوق، راجع من لا يحضره الفقيه: ج 1/89. حيث أخذ في ثبوت الحيض رؤية الدّم ثلاثة أيّام.
3- السرائر: ج 1 ص 145.
4- نسبه إليه المحقّق في المعتبر: ج 1/202.
5- جامع المقاصد: ج 1/287.
6- مدارك الأحكام: ج 1/322.
7- الذخيرة: ج 1/63.
8- الحبل المتين: ص 47.

أيّام، ظاهرة في اعتبار استمرار الدّم في تلك الثلاثة أيّام، وعليه فبناءً على عدم الاعتماد على مرسل يونس(1) لا إشكال.

وأمّا بناءً على حجيّته كما هو الأظهر فغاية ما يدلّ عليه المرسل، عدم اعتبار التوالي بين الثلاثة أيّام، فلا صارف عن ظهور النصوص بالإضافة إلى اعتبار كون الدّم السائل مدّة سيلانه ثلاثة أيّام.

واستدلّ للثاني: بموثّق سماعة قال:

«سألته عن الجارية البِكْر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة، يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء؟ قال عليه السلام: فلها أن تجلس وتدَع الصّلاة ما دامت ترى الدّم ما لم تجز العشرة»(2).

فإنّ ترك الصّلاة يومين إنّما يكون بأنْ ترى الدّم في اليوم الأوّل بعد صلاة الظهرين.

وفيه: إنّه لا يدلّ على أنّ اليوم الأوّل الذي رأت الدَّم فيه بعد الصّلاة، يحسب يوماً واحداً، لإمكان حمله على إرادة التلفيق، بأنْ تطهر في الفرض اليوم الرابع بعد العصر.

ومنه يظهر عدم صحّة الاستدلال له بقوله عليه السلام في مرسل يونس:

«وإذا رأت الدّم في أيّام حيضها، تركت الصّلاة»، إلى آخر الخبر كما زعم في محكيّ حاشية «الروض»(3).

***4.

ص: 309


1- التهذيب: ج 1/154 ح 24، الكافي: ج 3/76 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/299 ح 2186.
2- الكافي: ج 3/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/304 ب 14 من أبواب الحيض ح 2202.
3- روض الجنان: ص 62. والمراد من حاشية الروض يعني الحاشية المسمّاة بروض الجنان، فإنّه شرح لإرشاد الأذهان للعلّامة، وعبارة الشيخ الأعظم عنه أدقّ حيث قال: (يكفي وجوده في كلّ يوم كما إختاره جماعة تبعاً للشارح في الروض)، كتاب الطهارة: ج 3/164.
عن حقيقة الأيّام الثلاثة

المورد الثالث: نُسب إلى جماعةٍ من الأصحاب، منهم الشهيد الثاني(1)، التصريح بأنّ المراد من الأيّام الثلاثة ما تدخل فيها اللّيالي.

واستدلّ له: بعدّة أدلّة:

1 - بأنّ المراد من اليوم ذلك: إمّا لكونه إسماً لليل والنهار، أو للتغليب.

وفيه: إنّ (اليوم) اسمٌ للنهار عرفاً ولغةً ، والتغليب لا يصلح أن يكون قرينة لإرادة المعنى الأعمّ منه.

2 - وبما عن «المنتهى »(2) و «التذكرة»(3) من دعوى الإجماع على اعتبار الثلاثة بلياليها، وعن «الذخيرة»(4) نسبته إلى ظاهر الأصحاب.

وفيه: إنّه يحتمل أن يكون مراد المصنّف رحمه الله الإجماع على أصل الثلاثة، كما عن جماعةٍ التصريح به، ومنشأ نسبة صاحب «الذخيرة» إلى ظاهر الأصحاب ما ذكره المصنّف رحمه الله في كتابيه.

3 - وبأنّه لازم اعتبار الاستمرار.

وفيه: مضافاً إلى أنّه لا يقتضي إلّادخول اللّيلتين المتوسّطتين، إنّه يتمّ على القول باعتبار التوالي، وحيثُ عرفت عدم اعتباره، فلا وجه له.

نعم، في صورة التلفيق تدخل اللّيلة المتوسّطة، بناءً على اعتبار الاستمرار، كما لا يخفى .

ص: 310


1- روض الجنان: ص 61.
2- منتهى المطلب: ج 2/279.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/255.
4- ذخيرة المعاد: ج 1/62.

فإنْ قلت: إنّ نصوص التحديد:

إمّا أنْ تُحمل على محض المقدار - أعني ستّاً وثلاثين ساعة مثلاً - فلازمه الاكتفاء بليلة ونهارين.

أو على النهارالتامّ ، على نحوالموضوعيّة، فلازمه عدم الاكتفاء بالنهار الملفّق.

قلت: إنّ ظهور النصوص في موضوعيّة النهار لا يُنكر، إلّاأنّ الظاهر منها - لا سيّما بعد ملاحظة نظائر المقام، من الإقامة عشرة أيّام وغيرها، وموثّق سماعة المتقدّم - إرادة النهار التامّ على نحو الطريقيّة إلى الساعات النهاريّة لا مطلق الساعات. وعليه فلا يجتزئ بالليل ويجتزئ بالنهار الملفّق.

لا يقال: إنّ لازم ذلك الإجتزاء بالملفّق من أبعاض اليوم غير المتوالية.

فإنّه يقال: ظهور نصوص التحديدفي الاستمرار، يأبى عن ذلك، كما عرفت آنفاً.

هذا كلّه في أقلّ الحيض.

***

ص: 311

وأكثره عشرة أيّام.

أكثر الحيض عشرة أيّام

(و) أمّا (أكثره) ف (عشرة أيّام) إجماعاً كما عن «الخلاف»(1) و «الغنية»(2)و «المنتهى »(3) و «الذكرى»(4) و «التنقيح»(5) و «جامع المقاصد»(6)و «المدارك»(7) وغيرها(8).

وتشهد له: نصوص كثيرة: كصحيحي صفوان، ويعقوب بن يقطين المتقدّمين وغيرهما.

وأمّا صحيح(9) ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمان» فلمخالفته لإجماع المسلمين - كما قيل(10) - يتعيّن طرحه أو تأويله، وحمله على خلاف ظاهره بإرادة الحَدّ المتعارف منه لا التحديد الشرعي.

ص: 312


1- الخلاف: ج 1/237-238.
2- غنية النزوع: ص 38.
3- المنتهى: ج 2/279.
4- الذكرى: ص 28.
5- التنقيح: ج 1/259.
6- جامع المقاصد: ج 1/287.
7- المدارك: ج 1/319.
8- كما يظهر من الناصريّات للشريف المرتضى والمختلف للعلّامة: ج 1/354، وصاحب الرياض: ج 1/339.
9- التهذيب: ج 1/157 ح 22، وسائل الشيعة: ج 2/297 ب 10 من أبواب الحيض ح 2179.
10- حكى صاحب وسائل الشيعة رحمه الله عن الشيخ الطوسي رحمه الله بأنّه لم يقُل به أحدٌ من الطائفة ولم نجد مَن قال إنّه خلاف إجماع المسلمين.

وكذا لابدَّ من حمل ما في مُرسل يونس الطويل(1)، وكذلك لو كان حيضتها أكثر من سبع، وكانت أيّامها عشرة أو أكثر على خلاف ظاهره.

أقول: ثمّ إنّه بناءً على ما هو المشهور، من أنّ النقاء المتخلّل بين دمي الحيض الواحد حيضٌ ، فإنّه لا إشكال في اعتبار التوالي في العشرة، لأنّ النقاء إذا كان بحكم الدّم، تكون الملفّقة من الحيض الحقيقي، أي أيّام الدّم والتنزيلي وهي أيّام النقاء المتخلّلة متوالية.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ كون النقاء المتخلّل بحكم الدّم مطلقاً، حتّى من حيثية تحقّق أكثر الحيض ممّا لم يدلّ عليه دليل، وعليه فللنزاع في اعتبار التوالي وعدمه مجالٌ .

وكذلك بناءً على كونه طُهراً، كما إختاره في «الحدائق»(2).

فعلى كلا التقديرين هل يعتبر التوالي - كما إختاره الشيخ الأعظم رحمه الله(3)، وقال لم أجد فيه مخالفاً، أم لا كما إختاره في «الحدائق»؟ وجهان:

أقول: وليعلم قبل بيان أدلّة الطرفين، أنّ المراد من (التوالي) الذي هو محلّ النزاع في المقام، هو كون الدّم مرئيّاً في عَشرة أيّامٍ متوالية، لا ما اعتبروه في أقلّ الحيض.

وعلى ذلك، فإيراد المحقّق الخراساني رحمه الله(4) على الشيخ الأعظم رحمه الله بأنّه يلزم من ما اختاره أنْ تكون المرأة التي رأت ثلاثة أيّام دماً، ثمّ تسعة نقاءً ، ثمّ رأته يوماً،9.

ص: 313


1- التهذيب: ج 1/401 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.
2- الحدائق: ج 3/160.
3- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري رحمه الله: ج 3/170.
4- ذكره السيد الحكيم قدس سره في المستمسك: ج 3/199.

ثمّ انقطع تسعة أيضاً، ثمّ رأته يوماً وهكذا، تكون باقية في الحيض الأوّل، ما لم تَطهُر عشرة أيّام.

ممنوع وممّا لا يمكن الالتزام به، لمخالفته للنصوص والفتاوى، وقد اعترف هو أيضاً بكونه بديهي الفساد، وغير سديد.

وكيف كان، يقتضي أن نبحث عمّا استدلّ به للوجهين، فنقول:

استدلّ للأوّل: بظهور الأدلّة في العشرة المتوالية.

وأورد عليه: بأنّ التوالي المستفاد منها إنّما هو بالمعنى الذي اعتبروه في أقلّ الحيض، وحيث إنّه لا يمكن الالتزام به - كما عرفت - فلا مورد للإستدلال به.

أقول: الظاهر أنّ الشيخ رحمه الله يعترف بأنّ النصوص ظاهرة في أنفسها في اعتبار التوالي بالمعنى الأوّل، إلّاأنّه يدّعي تعيّن رفع اليد عن ظهورها، بقرينة النصوص والفتاوى ، والحمل على المعنى الثاني.

وبعبارة اُخرى: المستفاد من تلك النصوص - بعد ضَمّ النصوص الاُخر والفتاوي إليها - هو ذلك. فتدبّر.

واستدلّ صاحب «الحدائق»(1): بجملةٍ من النصوص:

منها: مرسل يونس المتقدّم الوارد فيه قوله عليه السلام:

«ولا يكون الطهر في أقلّ من عَشَرة، وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة، ثمّ انقطع الدّم إغتسلت وصلّت، فإنْ رأت بعد ذلك الدّم ولم يتمّ لها من يوم طَهُرت عشرة أيّام، فذلك من الحيض تَدَع الصّلاة، فإنْ رأت الدّم من أوّل ما رأت الدّم الثاني تمام العشرة أيّام، ودام عليها، عدّت من أوّل ما رأت الدّم الأوّل والثاني9.

ص: 314


1- الحدائق: ج 3/159.

عشرة أيّام، ثمّ هي مستحاضة»(1).

وفيه: إنّ الفقرة الاُولى في نفسها وإنْ كانت ظاهرةً في ما اختاره رحمه الله؛ إذ دعوى أنّ مفهوم قوله عليه السلام: (فإنْ رأت... الخ) على هذا، أنّه إنْ تمّ فليس من ذلك، مندفعة بأنّ منطوقه أنّه من الحيض الأوّل، لا فمفهومه عدم كونه منه، ولا ينافي ذلك كونه حيضاً مستقلّاً.

كما أنّ دعوى كون قوله عليه السلام: (مِنْ يوم طهرت)، ظرفاً لغواً متعلّقاً ب (لم يتمّ ) لا بعاملٍ مقدّرٍ، لا تصلح لأنْ تكون جواباً عنها، لأنّها على هذا التقدير أيضاً تدلّ على أنّ الدّم اللّاحق ملحقٌ بالدّم السابق، ويعد المجموع حيضاً واحداً، ما لم تفصل بينهما عشرة أيّام، وإنْ كان من أوّل رؤية الدّم الأوّل أكثر، لا ما ذكره الشيخ رحمه الله(2)من أنّ المراد أنّه لم يتمّ لها من يوم طَهُرت إلى أنْ رأت الدّم الثاني عَشَرة أيّام من أوّل رؤية الدّم الأوّل، ويكون معناها أنّ يوم نقائها لم يكن متمّماً للعشرة، لعدم ملائمته مع لفظة (من) كما لا يخفى.

أقول: إلّاأنّه يتعيّن حملها على إرادة المعنى المشهور، وصَرْفها عن ظاهرها بقرينة قوله عليه السلام في الفقرة الثانية تفريعاً على هذه: (فإنْ رأت الدّم من أوّل... الخ)، فإنّها وإنْ كانت مضطربةً ومشوّشة، إلّاأنّ الظاهر أنّ العَشَرة في قوله: (تمام العشرة) هي العشرة المذكورة في الفقرة الاُولى، وحيث أنّ المتبادر منها تمام العشرة من أوّل رؤية الدّم الأوّل يوم الانقطاع، فالمراد منها في الاُولى أيضاً ذلك.

هذا، مضافاً إلى ما في «طهارة» الشيخ الأعظم(3) من أنّ المذكور في حاشية نسخة التهذيب المصحّحة الموجودة عندي، والمقروءة على الشيخ الحُرّ العاملي،2.

ص: 315


1- التهذيب: ج 1/401 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159. (2و3) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 3/172.

بدل قوله: (طهرت) (طَمُثت)، وانطباقه على هذا على مذهب المشهور واضحٌ .

ومنها: خبر عبد الرحمن(1)، قال: «سألت الصادق عليه السلام عن المرأة إذا طلّقها زوجها متى تَملك نفسها؟

فقال عليه السلام: إذا رأت الدّم من الحيضة الثالثة فهي تملك نفسها.

قلت: فإنْ عَجّل الدّم عليها قبل أيّام قُرئها؟

فقال: إذا كان الدّم قبل عشرة أيّام، فهو أملك بها، وهو من الحيضة التي طهرت منها، وإنْ كان الدّم بعد العشرة فهو من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها».

وفيه: إنّه لا يمكن العمل بظاهره لوجهين:

الأوّل: دلالته على احتساب الدّم الأخير من الحيضة الثانية، وإنْ كانت هي عَشَرة كاملة، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد.

الثاني: إحتسابه منها، وإنْ كان الطهر بينهما أكثر من عشرة أيّام، كما لا يخفى، فيتعيّن صرفه عن ظاهره.

وعليه، فلنا أن نحمله على إرادة أنّه من توابع الحيضة الثانية، وناشئٌ منها لا بعضها، فيكون (من) إبتدائيّة لا تبعيضيّة، فإنّ الغالب أنّ الاستحاضة من توابع الحيض.

وأمّا ما ذكره بعض الأعاظم: من أنّ الخبر ضعيفٌ بالمُعلّى بن محمّد البصري، فغير صحيح؛ إذ النجاشي(2) والمصنّف رحمه الله(3) وإنْ ذكرا في حقّه أنّه مضطرب الحديث والمذهب، وابن الغضائري ذكر أنّه يروي عن الضعفاء(4)، إلّاأنّ الأظهر9.

ص: 316


1- الكافي: ج 6/88 ح 10، وسائل الشيعة: ج 22/205 ب 15 ح 28394.
2- رجال النجاشي: ص 418 ترجمة رقم 1117. (3و4) الخلاصة للعلّامة: باب 5 ص 409.

كونه من الحسان، لما ذكره العلّامة المجلسي رحمه الله من أنّه من مشايخ الإجازة(1)، وروايته عن الضعفاء لا توجب القدح فيما روى عن الثقة، وفساد مذهبه مضافاً إلى عدم كونه مُضرّاً غير ثابتٍ ، لما عن «الوجيزة» عن والده: (لم نطّلع على خبرٍ يدلّ على اضطرابه في الحديث والمذهب)(2).

ومنها: موثّق محمّد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، وإذا رأت قبل العَشَرة فهو من الحيضة الاُولى، وإنْ رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مسقبلة»(3).

فإنّ المراد بالعَشَرة في الفقرتين؛ العشرة من انقطاع الدّم الأوّل، لتعيّن حمل العشرة في الثانية على ذلك، فهو يدلّ على إلحاق الدّم الثاني بالأوّل، وإنْ كان مجموع أيّام رؤية الدّم وأيّام النقاء أكثر من عشرة أيّام.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ تنكير العشرة الثانية دون الأُولى ظاهرٌ في عدم اتّحاد العشرتين، وأنّ المراد من الاُولى العشرة من حين رؤية الدّم الأوّل - أنّه يتعيّن تقييد إطلاق الخبر على كلا التقديرين:

أمّا على حمل (العشرة) على عَشَرة الدّم، فواضحٌ .

وأمّا على مختار صاحب «الحدائق»، فلأنّه يلزم تقييد إطلاقه بما دلَّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام، وكذلك يلزم تقييده بصورة عدم تجاوز الدّمين عن العشرة، ولو لم ندّع أولويّة الأوّل، فلا أقلّ من التساوي، فيكون مجملاً.

أقول: وبذلك ظهر عدم تماميّة الاستدلال له بمصحّح ابن مسلم، عن الإمام6.

ص: 317


1- راجع إجازات الحديث للعلّامة المجلسي قدس سره.
2- الوجيزة للمجلسي الثاني: ص 167، ط. طهران.
3- التهذيب: ج 1/156 ح 20، وسائل الشيعة: ج 2/296 ب 10 من أبواب الحيض ح 2176.

الباقر عليه السلام: «إذ رأت الدّم قبل العَشَرة فهو من الحيضة الأولى، وإنْ كان بعد العَشَرة، فهو من الحيضة المستقبلة»(1).

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما اختاره الشيخ الأعظم قدس سره.

هذا في أقلّ الحيض وأكثره.

***

أقلّ الطهر

أقول: ثبت ممّا ذكرناه آنفاً مدّة أقلّ الحيض وأكثره. وأمّا أقلّ الطهر فعشرة أيّام بلا خلاف فيه في الجملة.

وفي «طهارة» شيخناالأعظم: إجماعاً محقَّقاً في الجملة ومستفيضاً(2) كالأخبار.

ويشهد له: عدّة أخبار:

1 - صحيح ابن مسلم(3)، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«لا يكون القُرء في أقلّ من عشرة أيّام، فما زاد أقلّ ما يكون عشرة أيّام من حين تطهر إلى أنْ ترى الدّم».

2 - ومرسل يونس المتقدّم: «أدنى الطهر عشرة أيّام - إلى أنْ قال عليه السلام: ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام».

ونحوهما غيرهما(4).

وإنّما الخلاف وقع في أنّ ذلك هل يختصّ بما بين الحيضتين، أم يعمّ ما بين أيّام

ص: 318


1- الكافي: ج 3/77 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/298 ب 11 من أبواب الحيض ح 2182.
2- كتاب الطهارة: ج 3/173.
3- لكافي: ج 3/76 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/297 ب 11 من أبواب الحيض ح 2180.
4- الكافي: ج 3/77 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/298 ب 11 من أبواب الحيض ح 2181.

الحيض الواحد؟

المشهور بين الأصحاب هو الثاني، فالنقاء المتخلّل بين أيّام الحيض معدودٌ من الحيض، بل عن صريح «الانتصار»(1) و «الغنية»(2) و «المنتهى »(3) و «التذكرة»(4)دعوى الإجماع عليه.

واختار الأوّل صاحب «الحدائق» رحمه الله(5).

وتوهَّم: أنّ جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين قيّدوا معقد الإجماع بالطهر بين الحيضين، فلا يكون صاحب «الحدائق» متفرداً في هذه الفتوى.

فاسدٌ: فإنّ الطهر عندهم ليس إلّامابين الحيضين كما يظهرلمن راجع كلماتهم.

وكيف كان، فيشهد للمشهور النصوص المتقدّم بعضها.

وأمّا خبرا محمّد بن مسلم وعبد الرحمن المتقدّمين، فلا شهادة لهما على ذلك، لعدم كونهما في مقام بيان ذلك كي يتمسّك بإطلاقهما، كما يظهر لمن راجعهما وتدبّر فيهما.

أقول: واستدلّ لما اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله بجملةٍ من النصوص:

منها: مرسل يونس(6) المتقدّم، ومحلّ الإستشهاد به فقرتان:

إحداهما: ما تقدّم في المسألة السابقة، وتقريب الاستدلال بها قد تقدّم مع الجواب عنه.6.

ص: 319


1- الانتصار: ص 125.
2- غنية النزوع: ص 382.
3- منتهى المطلب: ج 1/99.
4- التذكرة: ج 1/27.
5- الحدائق: ج 3/160. ومختاره هو الثاني لا الأوّل.
6- الكافي: ج 3/77 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/299 ب 12 من أبواب الحيض ح 2186.

وثانيتهما: قوله عليه السلام: (فذلك الذي رأته في أوّل الأمر، مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة، فهو من الحيض)، فإنّه صريحٌ في قصر الحكم بالحيضيّة على أيّام الدّم.

وفيه: إنّه يدلّ على أنّ الدّم الأوّل والثاني حيضٌ لا في حكمه، ولاريب في عدم كون النقاء المتخلّل منه، وإنّما الكلام في كونه بحكمه، والمرسل لا ينفي ذلك، فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.

ومنها: خبرا محمّد بن مسلم وعبد الرحمن المتقدّمان في المسألة السابقة تقريباً وجواباً.

ومنها: خبر ابن أبي عُمير، عن يونس بن يعقوب، قال:

«قلت للصادق عليه السلام: المرأة ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة ؟

قال عليه السلام: تدع الصّلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أو أربعة ؟ قال عليه السلام: تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدّم ثلاثة أيّام ؟

قال عليه السلام: تدَع الصّلاة.

قلت: فإنّها ترى الطُهر ثلاثة ؟

قال عليه السلام: تُصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة ؟

قال عليه السلام: تدَع الصّلاة ما بينها وبين شهر، فإنْ انقطع الدّم عنها وإلّا فهي بمنزلة المستحاضة»(1).3.

ص: 320


1- الكافي: ج 3/79 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/285 ب 6 من أبواب الحيض ح 2153.

ونحوه خبر(1) يونس بن يعقوب عن أبي بصير عنه عليه السلام.

وفيه: إنّه لا يمكن الالتزام في موردهما بكون كلّ نقاءٍ طهراً؛ إذ لو كانت جميع الدّماء المتفرقة حيضاً واحداً، لزم زيادته على العشرة، ولو كانت حيضات متعدّدة، لزم الفصل بينهما بأقلّ من العشرة، وشيءٌ منهما ممّا لا يمكن الالتزام به.

وعليه، فيتعيّن حمل الخبرين على ما حملها عليه المحقّق(2) من كونهما في مقام بيان الحكم الظاهري، وأنّها إنّما اُمرت بذلك لتحيّرها في كونها حائضاً عند كلّ دم، وطاهرة عند كلّ نقاءٍ إلى أنْ يعيّن لها الأمر.

أقول: وعلى هذا يُحمل ما عن «المقنع»(3) و «الفقيه»(4) و «النهاية»(5)و «الاستبصار»(6) و «المبسوط»(7) من الإفتاء بمضمونهما.

ومنها: مرسل داود مولى أبي المغرا، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

قلت له: المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام، حيضها دائم مستقيم، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ ينقطع عنها الدّم وترى البياض، لا صفرة ولا دماً؟ قال عليه السلام:

تغتسل وتصلّي.

قلت: تغتسل وتُصلّي وتصوم ثمّ يعود الدّم ؟ قال عليه السلام: إذا رأتْ الدّم أمسَكت عن الصّلاة والصيام.ر.

ص: 321


1- الاستبصار: ج 1/132 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/286 ب 6 من أبواب الحيض ح 2154.
2- المعتبر: ج 1/207، والحقّ أنّه توجيه الشيخ الطوسي في استبصاره: ج 1/132.
3- المقنع: ص 49.
4- من لا يحضره الفقيه: ج 1/98.
5- النهاية: ص 24 بقوله: (كلّما رأت الدّم تركت الصوم والصلاة، وكلّما رأت الطُهر صلّت...).
6- الاستبصار: ج 1/132، وتقدّم أنّه هو صاحب التوجيه.
7- المبسوط: ج 1/43، بقوله: (ترَكَت الصوم والصّلاة كلّما رأت الدّم، وكلّما رأت الطُهر صلّت). إلّاأنّ كلامه هذا ناظر أساساً لحالة التحيّر واختلاط الدّم بالطُهر.

وما بينهما بحسب العادة.

قلت: فأنّها ترى الدّم يوماً وتطهُر يوماً؟

فقال عليه السلام: إذا رأت الدّم أمسكت، وإذا رأت الطُهر صلّت، فإذا مضت أيّام حيضها واستمرّ بها الطُهر صلّت، فإذا رأت الدّم فهي مستحاضة»(1).

وفيه: مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال، أنّه يمكن أنْ يكون الأمر بالعبادة فيه حكماً ظاهريّاً.

فتحصّل: أنّه لا دليل على ما اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله، مضافاً إلى كونه خلاف الإجماع، مع أنّه يلزم أن لا يسقط عنها صومٌ ولا صلاةٌ فيما إذا رأت الدّم في اللّيل ساعةً ، ثمّ أصبحت بقيّة اللّيل والنهار، وأن يستمرّ حيضها مدّة طويلة، لاسيّما بناءً على جواز التلفيق بالساعات، إلى غير ذلك من المحاذير التي لا يمكن الالتزام بشيءٍ منها، فما أفتى به الأصحاب من أنّ النقاء المتخلّل محكومٌ بالحيضيّة هو الأقوى.

وأمّا أكثر الطُهر: فلا حدّ له كما هو المشهور شهرة عظيمة، وعن أبي الصلاح(2)تحديد الأكثر بثلاثة أشهر، وحيث إنّه لم يصل إلينا ما يصلح أن يكون مستنداً له، فيُحمل كلامه على الغالب، كما حمله عليه المصنّف رحمه الله.

وبالجملة: وحيثُ عُلم أنّ أقلّ الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة، فلا مانع من كون (ما بينهما) حيضاً، بل قد يجب كالمقدار الذي تراه المرأة (بحسب العادة) المستقرّة لها.

***8.

ص: 322


1- الكافي: ج 3/90 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/285 ب 6 من أبواب الحيض ح 2152.
2- الكافي: ص 128.

أقول: ولا يخفى أنّ المصنّف رحمه الله في المقام قد أهمل ذكر جملةٍ من أحكام الحائض بأقسامها، ولابدّ لنا من التنبيه عليها، فنقول:

***

ص: 323

أقسام الحائض
اشارة

إنّ الحائض على أقسام:

1 - إمّا أن تكون ذات العادة.

2 - أو تكون غيرها.

والاُولى: إمّا تكون ذات العادة وقتيّة وعدديّة، أو وقتيّة خاصّة، أو عدديّة كذلك.

والثانية:

1 - إمّا مبتدئة، أي هذا الدّم أوّل ما رأته.

2 - وإمّا مضطربة، أي رأت الدّم مكرّراً لكن لم تستقرّ لها عادة.

3 - وإمّا ناسية، وهي التي نسيت عادتها.

أقول: وقبل بيان حكم هذه الأقسام، لا بأس ببيان قاعدة الإمكان المعروفة بين الأصحاب:

تمهيد
البحث عن قاعدة الإمكان
اشارة

وهي عبارة عن أنّ كلّ دمٍ تراه المرأة، وكان يمكن أنْيكون حيضاً فهو حيض.

وعن «الذخيرة»(1) و «الرياض»(2): نفي الخلاف فيها.

وعن «جامع المقاصد»(3) و «شرح الروضة»(4): استظهار الإجماع عليها.

ص: 324


1- الذخيرة: ج 1/68.
2- الرياض: ج 1/345 ط ج.
3- جامع المقاصد: ج 1/288.
4- شرح اللُّمعة الدمشقيّة: ج 1/372، قوله: (ومتى أمكن كونه) أي الدّم (حيضاً... الخ).

وعن المحقّق في «المعتبر»(1)، والمصنّف رحمه الله في «المنتهى »(2)، و «نهاية الاحكام»(3) وغيرهما في غيرها من الكتب: دعوى الإجماع عليها صريحاً.

وفي «الجواهر»(4): أنّها عند المعاصرين ومَنْ قاربهم من القطعيّات التي لا تقبل الشكّ والتشكيك.

أقول: والكلام فيها يقع في موارد:

الأوّل: في معناها، الثاني: في دليلها، الثالث: في موردها.

أمّا الأوّل: فالمراد من الإمكان فيها، ليس هو الإمكان الذاتي في مقابل الإمتناع والوجوب الذاتيين، لأنّ خصوصيّة الحيضيّة: إمّا تكون داخلة في قوام الذات، أو تكون خارجة عنه.

وعلى الأوّل: تكون هذه القضيّة باطلة، لأنّ الدّم في مقام ذاته على هذا إمّا أن يكون حيضاً بالضرورة، أو لا حيض كذلك، فلا يمكن سلب الضرورة فيه عن الطرفين، وحيثُ أنّ سلب الضرورة فيه عن الطرف المخالف يستلزم كونه حيضاً واقعاً، فلا يصحّ أن يُقال: ما ذكرت يتمّ إذا كان المراد من الإمكان الذاتي هو الإمكان الخاص، وهو ما يصحّ سلب الضرورة فيه عن الطرفين، ولا يتمّ إذا كان المراد هو الإمكان العام، فإنّه على هذا يلزم حمل القضيّة على بيان قضيّة واقعيّة، لا في مقام بيان حكم شرعي تعبّدي، وهو كما ترى .

كما أنّ المراد منه ليس هو الإمكان الوقوعي في مقابل الاستحالة الوقوعيّة، وهو ما لا يلزم من فرض وقوعه ولا من عدم وقوعه محالٌ ، لأنّ لازم ذلك عدم4.

ص: 325


1- المعتبر: ج 1/203.
2- المنتهى: ج 2/271 (ط. ج).
3- نهاية الاحكام: ج 1/134.
4- جواهر الكلام: ج 3/164.

إحراز مورد ومصداق لهذه القاعدة والكبرى الكليّة، لعدم الإحاطة بالواقعيّات كي يستكشف ذلك كما لا يخفى .

وبالجملة: فالأمر يدور:

1 - بين إرادة الإمكان الاحتمالي.

2 - وبين إرادة الإمكان القياسي، بالنظر إلى شرائطه وموانعه المقرّرة المعلومة.

أو الأعمّ منها ومن ما احتمل اعتباره فيه شرعاً واقعاً وإن لم يعلم.

أقول: اختار جماعة - منهم كلُّ مَنْ تمسّك لتحيّض المبتدئة وغيرها بمجرّد الرؤية بقاعدة الإمكان - المعنى الأوّل.

واختار شيخنا الأعظم(1) - وتبعه جماعة - المعنى الأخير، وقد يستظهر من المحقّقين وغيرهما، وترجيح أحدها يتوقّف على ذكر أدلّتها، والإستظهار، منها كما لا يخفى.

دليل القاعدة

وأمّا دليلها: فقد استدلّ لها باُمور:

الأمر الأوّل: الأصل: وذكروا في تقريبه وبيان المراد منه وجوهاً:

الوجه الأوّل: الغلبة.

وفيه: - مضافاً إلى عدم ثبوتها بنحوٍ تفيد الظنّ - حجيّتها في الموضوعات غير ثابتة، ومنه يظهر ما في تقريبه بالظاهر، وما يمكن أنْ يورد عليه.

الوجه الثاني: ما عن «شرح المفاتيح»(2) وهو استصحاب عدم كون الدّم من قُرحٍ أو نحوه.

ص: 326


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 3/225.
2- نقل عن مخطوطة مصابيح الظلام ص 35.

وفيه: أنّ الحكم بالحيضيّة مستنداً إليه، يتوقّف على حجيّة مثبتات الاُصول، ولا نقول بها.

الوجه الثالث: أنّ المرأة إذا رأت الدّم ثلاثة أيّام متواليات، يكون ذلك الدّم حيضاً بلا خلافٍ ولا إشكال، وعن غير واحدٍ دعوى الاتّفاق عليه، وستعرف في حكم غير ذات العادة الوقتيّة، شهادة جملةٍ من النصوص بذلك.

وعليه، فإذا رأت الدّم، ولم تعلم ببقائه إلى الثلاثة - كي تشملها تلك النصوص - تجري أصالة البقاء إلى الثلاثة، فتدخل بها تحت تلك النصوص.

أمّا شيخنا الأنصاري رحمه الله(1): فقد منع من جريان هذا الأصل في مثل ما نحن فيه، وقال:

(بل الأصل عدم حدوث الزائد على ما حدث، كيف ولو ثبت بحكم الأصل بقاءه إلى الثلاثة، لم يحتج إلى قاعدة الإمكان، للاتّفاق من الطرفين على أنّ الدّم المستمرّ إلى ثلاثة حيض.

ثمّ قال قدس سره: (وثانياً بأنّه لم سُلّم جريان أصالة البقاء في الدّم، لكنّها لا تُجدي في إثبات الإمكان المستقرّ، ليدخل تحت معاقد إجماعات قاعدة الإمكان، لأنّ مراد المجمعين من الإستقرار هو الواقعي المتيقّن.

وبعبارة اُخرى: الدّم الموجود في ثلاثة أيّام، وليس لفظ الإمكان المستقرّ وارداً في نصٍّ شرعي، حتّى يترتّب على الثابت منه بالاستصحاب ما يترتّب على المستقرّ الواقعي). إنتهى.

أقول: وفيما ذكره قدس سره مواقع للنظر:

أمّا منعه من جريان هذا الأصل، ففيه ثلاث احتمالات:3.

ص: 327


1- كتاب الطهارة: ج 3/213.

1 - فإنْ كان لأجل كون الشكّ في المورد من الشكّ في المقتضي، الذي ضابطه كون الشكّ في بقاء الموجود لأجل الشكّ في مقدار قابليّة الموجود، واستعداده للبقاء في عمود الزمان، والمختار عنده(1) عدم جريانه.

ففيه: ما حقّقناه في كتابنا «زبدة الاُصول»(2) من أنّ الأظهر جريانه في هذا المورد أيضاً.

2 - وإنْ كان لأجل كون المستصحب من الاُمور التدريجيّة.

ففيه: أن المختار عندنا(3) تبعاً له قدس سره جريان ذلك.

3 - وإنْ كان لإجل عدم جريان الاستصحاب في الاُمور الاسقباليّة، كما عن بعض المنع لذلك.

ففيه: أنّ ظاهر كلامه قدس سره وغيره، ومقتضى إطلاق الأدلّة، عدم الإشكال في جريانه فيها.

وأمّا ما ذكره(4): من عدم الحاجة إلى القاعدة، مع جريان الأصل.

فمندفع: بأنّ هذا الأصل بعد الاتّفاق المزبور، يكون من أدلّة القاعدة؛ إذ ذلك الاتّفاق ليس إجماعاً على الحكم الواقعي، كي يغاير الاتّفاق القاعدة، مع أنّه يمكن أنْ يكون الاتّفاق على القاعدة إتفاقاً على جريان هذا الأصل. فتدبّر.

وأمّا ما ذكره رحمه الله: من أنّ المراد من الإمكان المستقرّ، هو الواقعي المتيقّن، والأصل لا يثبت ذلك.2.

ص: 328


1- فرائد الاُصول: ج 2/645 (التنبيه الثاني) حيث عَدَلَ من استصحاب الزمان إلى استصحاب الحكم.
2- راجع: «زبدة الاُصول»: ج 5/422: باب الاستصحاب، التنبيه الرابع: (جريان الاستصحاب في الاُمورالتدريجيّة، واستصحاب الزمان).
3- زبدة الاُصول: ج 5/415: استصحاب التدريجيّات.
4- كتاب الطهارة: ج 1/202.

فيدفعه: أنّ منشأ الإشكال:

1 - إن كان أخذ العلم في الموضوع.

ففيه: أنّ الثابت المحقّق في محلّه، قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة.

2 - وإنْ كان عدم ثبوت المستقرّ الواقعي به.

ففيه: أنّ موضوع هذا الحكم المأخوذ في الأدلّة، ليس هو الإمكان المستقرّ - كما اعترف قدس سره به(1) - بل الدّم الموجود في الثلاثة، وهذا العنوان يمكن إحرازه بالاستصحاب.

أقول: ولقد خرجنا بذلك عن مقتضى الأدب، واللّه تعالى مقيل العثرات.

ولكن الذي يرد على الاستدلال بهذا الأصل: أنّ الظاهر من الأدلّة إلغاء الشارع المقدّس للإستصحاب في أمثال المقام من هذا المبحث، كما ألغاه في الشكّ في عدد ركعات الصّلاة، وتشهد له:

1 - النصوص الدالّة على أنّ الصفرة في غير أيّام الحيض ليست حيضاً(2)، فإنّها بضميمة الاتّفاق على أنّ الدّم المستمرّ إلى الثلاثة حيضٌ ، تدلّ على ذلك؛ إذ لولا عدم حجيّة الاستصحاب في المقام، كان اللّازم الحكم بكونه حيضاً بمجرّد الرؤية، ولو كان فاقداً للصفات فيما لو علمت عدم التجاوز عن العشرة، كما لايخفى.

2 - وكذلك النصوص الواردة في المستحاضة، المتجاوز دمها عن عادتها، التي هي أقلّ من العشرة، اليائسة عن الانقطاع قبلها، الدالّة على أنّها تقتصر على عادتها(3). مع أنّ مقتضى الاستصحاب الحكم بالحيضيّة إلى العشرة.4.

ص: 329


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 3/215.
2- من قبيل ما رواه صاحب وسائل الشيعة: عن الشيخ في: ج 2/278، ح 2136. ومثله ما بعده من الأحاديث.
3- كما في وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.

3 - وما دلّ على التحيّض برؤية الدّم إذا علمت بإستمرار الدّم ثلاثة أيّام، وإن إحتملت العبور عن العشرة(1)، مع أنّ مقتضى الاستصحاب عدم الحكم بالحيضيّة، كما لا يخفى.

وبالجملة: من تتبع في المسائل المختلفة من هذا الباب، يطمئن بأنّ الشارع المقدّس ألغى هذا الأصل في هذا الباب.

أقول: ولو تنزّلنا عن ذلك، وسلّمنا جريانه في نفسه، نقول:

إنّ مقتضى الأصل وإنْ كان بقاؤه إلى الثلاثة، ولازمه الحكم بكونه حيضاً، إلّا أنّه يجري استصحاب بقائه إلى ما بعد العشرة أيضاً، فيقع التعارض بينهما؛ إذ لا يمكن الحكم بكون جميع ما تراه حيضاً، ولا خصوص ما تراه قبل العشرة كما هو واضح فيتساقطان، فليكن هذا على ذُكرٍ منك لعلّه ينفعك في كثير من الفروع الآتية.

الوجه الرابع: ما عن «الرياض»(2): وهو أصل السّلامة، فإنّه أصلٌ معتبرٌ معتمدٌ عليه عند العقلاء في جميع اُمورهم، ومعلوم أنّ الحيض دمٌ يقذفه الرّحم بحسب طبعه، وأمّا غيره حتّى الاستحاضة فإنّه يكون من آفة.

وفيه: إنّ إعتماد العقلاء على هذا الأصل إنّما يكون في موردين:

الأوّل: في المعاملات كالبيع، والمراد به حينئذٍ وقوع البيع على الشيء بشرط الصحّة والسّلامة، ويكون ذلك من الشروط الضمنية المبنيّ عليها البيع، ولو إنكشف عدم السّلامة، يتخيّر المشتري بين الإمضاء والفسخ.

الثاني: في الآثار الشرعيّة المترتّبة على الصحّة والسّلامة.5.

ص: 330


1- كما في وسائل الشيعة: ج 2/300 ب 13 من أبواب الحيض ح 2187.
2- رياض المسائل: ج 1/345.

ولا يكون المقام داخلاً في شيء من الموردين:

أمّا الأوّل: فواضح.

وأمّا الثاني: فلأنّ كون الدّم حيضاً ليس من الآثار الشرعيّة للصحّة، كما لايخفى، مع أنّ الاعتماد عليه في الآفات العامّة البلوى، لا سيّما مثل ما يكون منشئاً للإستحاضة الذي لا يعدّ آفة عرفاً، غير ثابتٍ ، بل معلوم العدم.

الأمرالثاني: ما عن «شرح المفاتيح»، وهو بناء العرف على ذلك، ولعلّه ترجع إليه دعوى سيرة المتشرّعة عليه(1).

وفيه: إنّ ذلك فيما عُلم خروجه من الرّحم، وما يُرى في العادة وما استمرّ ثلاثة أيّام، وكان بصفات الحيض، وفي هذه الموارد لا إشكال في الحكم بالحيضيّة، وأمّا في غيرها فلم يثبت ذلك كما لا يخفى.

الأمر الثالث: جملةٌ من النصوص:

منها: الأخبار الدالّة على جعل الدّم المتقدّم على العادة حيضاً، معلّلاً بأنّه ربما يُعجّل بها الوقت(2)، مع التصريح في بعضها بكونه بغير صفات الحيض(3).

ومنها: الأخبار الدالّة على أنّه يحكم بكون ما تراه الحُبلى من الدّم حيضاً، معلّلة بأنّ الحُبلى ربما قَذَفت بالدّم(4)، وفي بعضها التعليل بأنّه ربما يبقى الدّم في الرّحم ولم يخرج وتلك الهراقة(5).1.

ص: 331


1- ممّن ذكرهما الشيخ الأنصاري في طهارته بلا نقلهما عن شرح المفاتيح: ج 3/331، نعم السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/234 حكاه عن شرح المفاتيح.
2- وسائل الشيعة: ج 2/300 الباب 13 من أبواب الحيض ح 2187.
3- وسائل الشيعة: ج 2/306 الباب 15 من أبواب الحيض ح 2207.
4- وسائل الشيعة: ج 2/329 الباب 30 من أبواب الحيض ح 2277.
5- وسائل الشيعة: ج 2/331 الباب 30 من أبواب الحيض ح 2281.

فإنّ هذه التعليلات إنّما تتمّ ، إذا اُريد بها مجرّد إبداء الاحتمال، ليكون المورد من صُغريات القاعدة.

ومنها: الأخبار الدالّة على أنّ ما تراه قبل العشرة هو من الحيضة الأُولى، وما تراه بعدها هو من الحيضة المستقبلة(1)، وقد تقدّمت.

ومنها: الأخبار الدالّة على أنّ مَنْ ترى الدّم ثلاثة أو أربعة، تدَع الصّلاة كلّما رأت، وتُصلّي كلّما رأت الطهر ما بينها وبين شهر، كروايتي يونس(2) وأبي بصير(3) المتقدّمتين.

ومنها: الأخبار المتقدّمة في الاشتباه بالعُذرة(4) والقُرحة(5)، من الحكم بالحيضيّة بمجرّد انتفاء علامة العُذرة والقُرحة.

ومنها: الأخبار الدالّة على ترتّب أحكام الحائض بمجرّد رؤية الدّم، منها مادلّ على أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤية الدّم(6).

ومنها: الأخبار الواردة في الإستظهار لذات العادة(7) إذا رأتْ مازاد عليها، الشاملة لغيرها بطريق أولى .

ومنها: رواية العيص: «في المرأة ذهب طَمثها سنين ثمّ عاد إليها شيءٌ؟ قال عليه السلام:

تترك الصّلاة حتّى تطهُر»(8).3.

ص: 332


1- وسائل الشيعة: ج 2/296، الباب 12 من أبواب الحيض ح 2176.
2- الكافي: ج 3/79 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/285 الباب 6 من أبواب الحيض ح 2153.
3- التهذيب: ج 1/132 ح 3، الوسائل: ج 2/286 الباب 6 من أبواب الحيض ح 2154.
4- الكافي: ج 3/92 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/272 أحاديث ب 2 من أبواب الحيض.
5- الكافي: ج 3/94 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/307، أحاديث ب 16 من أبواب الحيض.
6- وسائل الشيعة: ج 10/228 ح 13286.
7- الكافي: ج 3/90 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2، ص 300، الباب 13 من أبواب الحيض بأحاديثه.
8- الكافي: ج 3/107 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/337 الباب 32 ح 2303.

ومنها: صحيحة ابن المغيرة: «فيمن رأت الدّم بعدما نَفَسَتْ ثلاثين يوماً وتركت الصّلاة ؟ قال عليه السلام: تدَع الصّلاة، لأنّ أيّامها أيّام الطُهر قد جازت مع أيّام النفاس»(1).

ومنها: الأخبار الدالّة على أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض(2).

هذه هي تمام ما استدلّ بها من النصوص على هذه القاعدة.

أقول: ولكن في الكلّ نظراً:

أمّا أخبار التعجيل: فلأنّها تدلّ على طريقيّة ما تراه قريباً من العادة إلى الحيض، مثل ما تراه في أيّام العادة، فلا تصلح أن تكون مستندة لتلك القاعدة العظمى، ويشير إلى ذلك التعليل بأنّه: (ربما يجعل الدّم)؛ إذ لو كانت تلك الأخبار في مقام بيان تلك القاعدة، كان المتعيّن التعليل بأنّه ربما يجيء دمّ الحيض في غير أيّام العادة.

وأمّا أخبار الحُبلى: فصدرها إنّما سيق لبيان عدم مانعيّة الحمل عن الحيض، وأمّا ذيلها المتضمّن للتعليل، فلم يرد به إبداء الاحتمال؛ إذ السؤال إنّما يكون لذلك، وإلّا فلم يكن يسئل عنه، بل الظاهر منه هو ما ذكره الشيخ الأنصاري رحمه الله(3) من أنّ لفظ (ربما) للتكثير، جيء به لرفع الاستبعاد.

ودعوى: أنّ هذا خلاف الظاهر في لفظ (رُبَّ ).

مندفعة: بأنّ لفظة (رُبَّ ) وإنْ وضعت للتقليل، إلّاأنّه غَلب استعمالها في التكثير، حتّى صار مجازًا مشهوراً، كما صرّح بذلك جملة من أهل الفنّ .3.

ص: 333


1- الكافي: ج 3/100 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/393 الباب 5 ح 2443.
2- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/278 الباب 4 بأحاديثه.
3- كتاب الطهارة: ج 3/323.

وأيضاً: مادلّ على إلحاق ماقبل مُضيّ العشرة بالحيضة الأُولى ، فإنّما يدلّ على أنّ الجامع للصفات الذي عُلم أنّه حيضٌ ملحق بالأُولى ما لم يمض أقلّ الطهر.

وأيضاً: ما دلّ على أنّ مَنْ ترى الدّم ثلاثة أو أربعة تدَع الصّلاة، كلّما رأت الدّم ما بينها وبين شهر.

ففيه: إنّه فُرض في هذه الأخبار استمرار الدّم ثلاثة أيّام، وهو غير ما نحن فيه، كيف وقد ادّعى الإجماع على الحكم بالتحيّض فيه ؟ مع أنّه لا يمكن حملها على قاعدة الإمكان، لعدم إمكان الحيض في تمام الشهر.

وأيضاً: إنّ أخبار الاشتباه بالعُذرة أو القُرحة، فقد مرّ أنّه في صورة الاشتباه بالعُذرة جَعَل الشارع الإنغماس طريقاً إلى الحيض، وفي صورة الاشتباه بالقُرحة جعل الخروج من الأيسر طريقاً إليه، فلا تكون مرتبطة بالمقام.

وأيضاً: الأخبار الدالّة على ترتّب أحكام الحائض بمجرّد رؤية الدّم، فهي إنّما تدلّ على ترتّبها على رؤية الدّم المعهود، أي ما عُلم كونه حيضاً، وأنّه يكون مفطراً إذا كانت صائمة.

وأيضاً: بالنسبة إلى أخبار الاستظهار، فلأنّه بعد التدبّر فيها، يقوى في النظر ما في «الجواهر»(1): من أنّها أدلّ على خلاف المطلوب بما في بعضها: «كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها، فليس من الحيض»، وفي آخر(2): (الحكم بأنّها تعمل عمل المستحاضة)، وفي ثالث(3): (الأمر بالتحيّض في أيّام العادة عند التجاوز، ولو كانت عادتها أقلّ من العشرة)، مع أنّ مقتضى قاعدة الإمكان الحكم بكونها حائضاً إلى العشرة.8.

ص: 334


1- جواهر الكلام: ج 3/168. (2و3) وسائل الشيعة: ج 2/300 ح 2187 و 2188.

وأمّا رواية العيص: فهي بقرينة التعبير بالعود ظاهرة في صورة إحراز كونه حيضاً، ولو من جهة واجديّته لصفات الحيض، والسؤال حينئذٍ إنّما يكون من جهة احتمال مانعيّة انقطاع الدّم مدّة طويلة.

وأمّا صحيحة ابن المغيرة: - فمضافاً إلى ظهورها في بلوغ النفاس ثلاثين يوماً، مع أنّه محلّ الكلام كما سيأتي - إنّ السؤال والجواب فيها مسوقان لبيان مانعيّة الدّم الأوّل عن حيضيّة الثاني، فلاحظ وتدبّر.

وأيضاً: ما دلّ على أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيضٌ ، فالإستدلال به يتوقّف على تماميّة تفسير الشيخ(1) إيّاه من أنّ المراد من (أيّام الحيض) الأيّام التي يمكن فيها ذلك، ولكنّه غير تامّ ، لظهوره في إرادة أيّام العادة لاسيّما بعد ملاحظة ما دلّ على أنّ الصفرة بعد أيّام العادة ليست بحيض.

الأمر الرابع: الإجماعات المتقدّمة.

وفيه: إنّه لمعلوميّة مدرك المجمعين، لا يصحّ جَعْلُ هذا الإجماع دليلاً عليها.

فتحصّل: أنّ ما عن جماعةٍ من متأخّري المتأخّرين، كالمحقّق الثاني(2)، والمقدّس الأردبيلي(3)، وصاحب «المدارك»(4)، وغيرهم من التوقّف في هذه القاعدة هو الصحيح، فالحكم بالحيضيّة يتوقّف على إحراز كونه حيضاً بالعلم أو5.

ص: 335


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 3/202. فسّر أيّام الحيض التي ترى فيها الصفرة والكدرة بالأيّام المختصّة بالحيض بحسب عادة المرأة. وأمّا تفسيرها بأيّام إمكان الحيض فقد نقله عن صريح المبسوط والسرائر والروض والنهاية ص 203.
2- جامع المقاصد: ج 1 ص 288 قوله: (وكلّ دمّ يمكن أنْ يكون حيضاً فهو حيض). هذا الحكم ذكره الأصحاب كذلك، وتكرّر في كلامهم، ويظهر أنّه مما أجمعوا عليه، ولولاه لكان الحكم به مشكلاً، من حيث ترك المعلوم ثبوته في الذمّة تعويلاً على مجرّد الإمكان.
3- مجمع الفائدة للأردبيلي: ج 1/146. حيث تأمّل بإطلاق الحكم بالحيض لمجرّد إمكانه.
4- مدارك الأحكام: ج 1/325.

العلمي أو الأصل، وقد اتّفق النصّ والفتوى على الحكم بحيضيّة ما رأته في العادة، أو ما يقرُب منها، وكلّ ما استمرّ ثلاثة أيّام، وإن لم يكن واجداً للصفات، وكلّ ما كان واجداً للصفات، والدّم المنغمس في القُطنة عند الاشتباه بدم العُذرة، والخارج من الأيسر عند اشتباهه بدم القُرحة.

وبذلك يظهر ضعف ما عن «كاشف اللّثام»(1): من أنّه لو لم تكن القاعدة ثابتة لم يحكم بحيضٍ ؛ إذ لا يقين.

***8.

ص: 336


1- كشف اللّثام: ج 1/88.
بيان المراد بالإمكان

ثمّ إنّه يقع الكلام في بيان ما وَعَدنا بالتعرّض له، وهو أنّ المراد بالإمكان المذكور:

1 - هل هو الإمكان الاحتمالي ؟

2 - أم هو الإمكان القياسي بأحد معنييه ؟

قد يقال: إنّ مقتضى الأدلّة المتقدّمة هو الأوّل:

1 - أمّا اقتضاء الأصل: ذلك فواضح.

2 - وأمّا الإجماعات: فالعمدة منها إجماع «الخلاف» و «المنتهى »، وظاهر معقد إجماع الشيخ رحمه الله سوق القاعدة مساق أيّام العادة الّتي يكتفي في التحيّض فيها بمجرّد الاحتمال.

وأمّا المصنّف رحمه الله: فحيث إنّه تمسّك لتحيّض المبتدئة بمجرّد الرؤية بالقاعدة، فهو أقوى شاهدٍ على أنّ معقد إجماعه هو ذلك.

3 - وأمّا النصوص: فالعمدة منها التعليلات وظهورها فيه واضح.

أقول: وهو لا يخلو عن نظر:

أمّا الإجماع: فلأنّ كثيراً من نقلته كالمحقّقَين وغيرهما، لم يلتزموابتحيّض المبتدئة والمضطربة إلّابعد الثلاثة، مع أنّ جماعة منهم صرّحوا باعتبار الإمكان القياسي، بل في محكيّ «شرح الروضة» إستظهار اتّفاق الأصحاب عليه، مع أنّ تمسّك المصنّف رحمه الله بشيءٍ لا يدلّ على إرتضائه بالتمسّك به، كما يظهر لمن راجع كتبه الاستدلاليّة.

وأمّا الأخبار: فالظاهر منها كونها مسوقة لبيان عدم المانع الشرعي من الحَبْل وغيره، فكيف يمكن الاستدلال بها في مورد الشكّ في المانع الشرعي ؟

ص: 337

وبعبارة أُخرى: إنّها واردة في مقام بيان دفع توهّم ما احتمل مانعيّته.

لا يقال: إنّ الكلام في هذا المورد، هو بعد تسليم دلالة النصوص على القاعدة، وكونه في مقام بيان جعل الحيضيّة للمحتمل، وما ذكرتْ إيرادٌ على دلالتها عليها.

فإنّه يقال: إنّ المراد بما ذكرناه أنّه ولو سَلّمنا كونها في مقام بيان إبداء الاحتمال، ليكون المورد من صغريات القاعدة، إلّاأنّه يمكن أنْ يقال: إنّ المراد بالتعليل بعدم المانع الشرعي، واحتمال عدم المانع التكويني، فلابدّ من إحراز عدم المانع الشرعي في جريانها.

توضيح ذلك: إنّ الشكّ في كون ما تراه حيضاً:

تارةً : يكون من جهة الشكّ في تحقّق شرطٍ شرعي كالبلوغ ونحوه.

وأُخرى: يكون من جهة فقد ما هو من الشروط الخلافيّة كالتوالي، أو تحقّق ما هو من الموانع الخلافيّة كالحُبْل.

وثالثة: يكون من جهة مشخّصاتٍ جزئيّةٍ للحيض، تختلف باختلاف آحاد النساء، مع استجماع الدّم جميع الشرائط المقرّرة للحيض، فإنّ اجتماع الشروط لا يفيد العلم بالحيضيّة.

أقول: إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مفاد التعليلات:

إن كان هو التعليل باحتمال عدم المانع.

أو وجود الشرط الشرعيين.

أو احتمال عدم شرطيّة ما هو مفقودٌ من الشرائط الخلافيّة.

أو عدم مانعيّة ما هو موجودٌ من الموانع الخلافيّة.

كان المراد من (الإمكان) هو الإمكان الاحتمالي.

ولكن بما أنّ الظاهر من التعليلات - ولا أقلّ من المحتمل - أنّ مفادها التعليل

ص: 338

بتحقّق الشرائط المقرّرة للحيض، وعدم المانع الشرعي، واحتمال وجود المانع التكويني، فلا مناص عن الاقتصار على الإمكان القياسي، الذي اختاره الشيخ الأعظم رحمه الله(1)، وهو الإمكان القياسي بلحاظ ما اُحتمل اعتباره فيه شرعاً واقعاً وإنْ لم يَعلم.

والنتيجة: إنّه يترتّب على ذلك عدم صحّة التمسّك بالقاعدة - على فرض تماميّتها - للحكم بحيضيّة ما شُكّ في كونه حيضاً، من جهة الشبهة الحكميّة، كما لو شكّ في اعتبار التوالي، ولم يدلّ دليلٌ على الاعتبار أو عدمه، وما شكّ فيه من جهة الشكّ في تحقّق ما هو معتبرٌ فيه شرعاً، ويختصّ موردها بما إذا اُحرز الإمكان بلحاظ الشرائط المقرّرة للحيض شرعاً.

نعم، لايعتبر الإحراز الوجداني، بل لو اُحرز بالأصل يكفي، فلو شكّتْ في اليأس، ورأت الدّم، يصحّ التمسّك بها للحكم بكون ما رأته حيضاً، لأصالة عدم اليأس.

أقول: وممّا ذكرناه ظهر أنّ دعوى أنّ المشهور بين الأصحاب، كون المراد بالإمكان الإمكان القياسي لا الاحتمالي قريبٌ جدّاً، لتمسّكهم لاعتبار التوالي بأصالة عدم الحيض بعد منع الإطلاق، ولم يتمسّكوا بالقاعدة لنفي اعتباره كما أشار إلى ذلك الشيخ الأعظم رحمه الله.

وأيضاً: المراد بالإمكان:

لو كان هو الإمكان الاحتمالي، كانت القاعدة من الاُصول، لا يصحّ الرجوع إليها مع الدليل لاَخذ الشكّ في موضوعها.

وإنْ كان المراد به الإمكان القياسي، كانت من الأمارات الشرعيّة، فيجري عليها ما يجري على عامّة الطرق والأمارات.ت.

ص: 339


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 3/225، وقد مرّت الإشارة إليه قبل صفحات.

أقول: ثمّ إذا تمهّد هذا، فلنرجع إلى بيان ما سيق لبيانه هذا الفصل:

والكلام فيه يقع في موضعين:

الأوّل: ذات العادة
اشارة

الأوّل: في ذات العادة.

الثاني: في غير ذات العادة.

أمّا الأوّل: فالكلام فيه في مقامين:

أوّلهما: في بيان ما به تتحقّق العادة وتزول.

ثانيهما: في بيان حكمها.

ص: 340

ما به تتحقّق العادة
اشارة

أمّا المقام الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، أنّ المرأة تصير ذات عادة، بأنْ ترى الدّم مرّتين متماثلتين، بل لا خلافٍ فيه في الجملة، بل عن الشيخ في «الخلاف»(1) والمصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2) والمحقّق الثاني(3) في «جامع المقاصد» وسيّد «المدارك»(4): دعوى الإجماع عليه.

وفي طهارة الشيخ الأعظم الأنصاري(5): إجماعاً محقّقاً ومستفيضاً.

ويشهد له: عدّة أدلّة منها:

1 - مضمر سماعة، قال: «سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام، يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء؟

قال عليه السلام: فلها أن تجلس وتدَع الصّلاة ما دامت ترى الدّم، ما لم يجز العشرة، فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء، فتلك أيّامها»(6).

2 - ومرسل يونس - الطويل - عن الإمام الصادق عليه السلام: وفيه:

«فإنْ انقطع الدّم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً معلوماً، وخلقاً معروفاً، تعمل عليه،

ص: 341


1- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1/239.
2- التذكرة: ج 1/259 ط ج.
3- جامع المقاصد: ج 1/289.
4- مدارك الأحكام: ج 1/325.
5- كتاب الطهارة: ج 1/196.
6- الكافي: ج 3/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/304 ب 14 من أبواب الحيض ح 2202.

وتدَع ما سواه، وتكون سُنّتها في ما يستقبل إذا استحاضت، فقد صارت سُنّة إلى أنْ تجلس أقراءها، وإنّما جُعل الوقت إنْ توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله للّتي تعرف أيّامها: (دَعي الصّلاة أيّام أقرائك)، فعلمنا أنّه لم يجعل القُرء الواحد سُنّةً لها، فيقول لها: (دَعي الصّلاة أيّام قرئك)، ولكن سَنّ لها الأقراء، وأدناه حيضتان فصاعداً»(1). الحديث.

وعن «الروض»(2) الإشكال في الإحتجاج بهما، بضعف الثاني بالإرسال، والأوّل بجَرح سُماعة وانقطاع خبره.

وفيه: مضافاً إلى أنّ سماعة ثقةٌ على الأقوى، ومرسل يونس حجّة كما تقدّم، أنّه ينجبر ضعفهما بعمل الأصحاب.

فما عن بعض الأصحاب من الاكتفاء بالمرّة، ضعيفٌ غايته.

أقول: ثمّ إنّه ينبغي التنبيه على اُمور:
اشارة

الأمر الأوّل: ظاهر الخبرين، سيّما موثّق سماعة، يشمل قسمين من العادة:

العدديّة خاصّة، والعدديّة والوقتيّة معاً، فإنْ رأت الدّم مرّتين متماثلتين في الوقت والعدد، فهي ذات العادة الوقتيّة والعدديّة، كأن رأت الدّم في أوّل شهر سبعة أيّام، وفي أوّل الشهر الثاني أيضاً سبعة أيّام، وإن رأته مرّتين متماثلتين في العدد دون الوقت فهي ذات العادة العدديّة، كأن رأت الدّم في أوّل شهر سبعة، وفي وسط الشهر الثاني أيضاً سبعة، ولا كلام فيهما.

***

ص: 342


1- الكافي: ج 3/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/287 ب 7 من أبواب الحيض ح 2156.
2- الروض: ص 64.
العادة الوقتيّة

إنّما الكلام في ما إذا كانتا متماثلتين في الوقت دون العدد، كما إذا رأتْ في أوّل شهرٍ سبعة أيّام، وفي أوّل الشهر الثاني خَمسة أيّام، وهي المسمّاة بذات العادة الوقتيّة:

فالمشهور بين الأصحاب تحقّق العادة الوقتيّة بذلك.

وعن «المستند»(1): دعوى الإجماع عليه.

وعن «جامع المقاصد»(2) نسبته إلى كلمات الأصحاب.

وقد استشكل فيه بعض المتأخّرين، ككثيرٌ من أفراد العادة الّتي ذكرها المصنّف رحمه الله في «المنتهى »(3)، لعدم شمول الخبرين له.

واستدلّ للأوّل: بقوله عليه السلام في المرسل(4): «فهذه لا وقت لها إلّاأيّامها قَلّت أو كَثُرت».

وبعدم القول بالفصل.

ولكن المرسل واردٌ في مقام بيان العدد، والوقت كناية عن الحيض.

وعدم القول بالفصل لا يُعتمد عليه بعد معلوميّة المدارك.

أقول: فالصحيح أنْيُستدلّ له بما ذكره جماعة من المحقّقين، ومحصّله بتوضيحٍ منّا:

ص: 343


1- مستند الشيعة: ج 2/432.
2- جامع المقاصد: ج 1/289، قوله: (العادة إنّما تثبت بمرّتين متساويتين عدداً ووقتاً إجماعاً، لأنّ العادة مأخوذة من العود.. الخ).
3- منتهى المطلب: ج 2/295، ذكر هناك تقسيمات كثيرة لأفراد العادة.
4- أي مرسلته الطويلة التي في وسائل الشيعة: ج 2 ب 7 من أبواب الحيض ح 2 وب 8.

إنّ مقتضى جملةٍ من الروايات - كمرسل يونس المتقدّم(1) في مسألة اعتبار التوالي - التحيّض برؤية الدّم في أيّامها، فالمناط صدق هذا العنوان، ولو لم يلاحظ ما جَعَله الشارع ضابطاً، لما صدق ذلك بالتكرّر مرّتين مطلقاً.

ولكن مرسلة يونس الطويلة الآتية(2) إنّما وردت في مقام بيان جعل الضابط له، وبقرينة استدلاله عليه السلام فيه بقول النبيّ صلى الله عليه و آله تكون ظاهرة في أنّه عليه السلام في مقام التعبّد من حيث العدد خاصّة، وأنّه لا تكفي حيضة واحدة في تحقّق العادة، ولا يعتبر أزيد من حيضتين، وعلى ذلك فموردها وإنْ كان غير هذا الفرض، إلّاأنّ المستفاد منها بقرينة ما ذكرناه الاكتفاء بالتعدّد مرّتين في صدق ذات العادة مطلقاً، وترتيب أحكامها عليها.

ودعوى: أنّ الموثّق(3) يدلّ من خلال مفهومه على نفي العادة الشرعيّة في غير القسمين الأوّلين.

مندفعةٌ : بأنّ الظاهر منه بعد الجمع بينه وبين المرسل بالتقريب المتقدّم، إرادة أنّ صدق أيّامها لا يتوقّف إلّاعلى التكرّر مرّتين، ولا يعتبر أزيد من ذلك. فتدبّر.

أقول: ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه، عدم اعتبار تعدّد الشهر الهلالي في العادة العدديّة، كما هو المصرّح به في «الخلاف»(4) و «النهاية»(5) و «الذكرى»(6) و «جامع8.

ص: 344


1- التهذيب: ج 1/157 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 10 من أبواب الحيض ح 2169.
2- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 7 من أبواب الحيض ح 2159.
3- التهذيب: ج 1/156 الباب 7 ح 20، وسائل الشيعة: ج 2/296 الباب 10 ح 2176.
4- الخلاف: ج 1/236 المسألة 206.
5- يفهم من كلامه في النهاية ص 25 أنّ فصل الشهر معتبر في العادة، حيث قال: (وتستقرّ عادة المراة بأنْ يتوالى عليها شهران ترى في كلّ واحد منهما الدّم أيّاماً سواء، لا زيادة فيها ولا نقصان).
6- الذكرى للشهيد الأوّل: ص 28.

المقاصد»(1) وغيرها.

وأمّا في الوقتيّة: فعن المحقّق الثاني(2) وصاحب «الجواهر»(1) اعتبار ذلك.

واُستدلّ له: بأنّ الخبرين مشتملان على لفظه (الشهر)، وهي في كلماتهم عليهم السلام تُحمَل على الهلالي، فلو رأتِ الدّم في الشهر الأوّل ولم تره في الثاني، ورأته في الشهر الثالث مثل ما رأته في الأوّل، لا تصير بذلك ذات عادة وقتيّة، كما أنّها لو رأت في آخر الشهر الأوّل مثل ما رأته في أوّله، لا يحكم بكونها ذات عادة، اقتصاراً في ما لا توافقه المرتكزات العرفيّة على مورد النصّ .

وفيه: أنّ الظاهر منهما - بالتقريب المتقدّم، لاسيّما بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب، وذكر (الشهر) في السؤال - كون القيد جارياً مجرى الغالب. والغريب أنّ هذا المستدلّ كسائر الأصحاب اعترف بعدم اعتبار الشهر الهلالي في العادة العدديّة، مستنداً إلى الخبرين بالتقريب المتقدّم، فإنّه لا مناصٍ له حينئذٍ عن حمل القيد على الغالب.

وبعد ذلك كيف يمكن الاستدلال بهما لاعتباره في الوقتيّة، مع أنّه لو لم يتمّ ذلك في نفسه، أمكن التمسّك بعموم العلّة المذكورة في ذيل المرسل الطويل بقوله:

(وإنّما جُعل الوقت إنْ توالى عليها حيضتان... الخ) له.

أقول: وأمّا ما ذكره بعض المحقّقين رحمهم الله: من أنّ سياق الخبرين يأبى عن التعبّد، بل ظاهرهما كون مساواة الحيضتين ضابطة لتحديد العادة العرفيّة، التي يُستكشف منها وقت الحيض وعدده.3.

ص: 345


1- جواهر الكلام: ج 3/173.

فغير تامّ ؛ إذ الظاهر منهما ورودهما في مقام بيان جَعل الطريق شرعاً إلى ما يُستكشف به ذلك، فالتعدّي يحتاج إلى دليل، وبأنّه لا يمكن تماثل زماني الدّم إلّا بالشهرين الهلاليين.

وأورد عليه جملةٌ من المحقّقين: بأنّ تكرّر الطُهر يعيّن الوقت إذا كانا متساويين، كما إذا رأت خمسة أيّام حيضاً، ثمّ عشرة أيّام طهراً، ثمّ خمسة حيضاً، ثمّ عشرة طهراً، ثمّ خمسة حيضاً، فإنّ الدّم الثالث يصدق عليه أنّه رأته في أيّام حيضها، لأنّها اعتادت بالحيض عقيب عشرة الطُهر.

أقول توضيحاً لما ذكروه: إنّه لا ريب في أنّه إذا تكرّرت الكيفيّة المذكورة مرّات عديدة، يصدق في العرف أنّ هذه الكيفيّة عادتها وأيّامها، فيعلم من ذلك أن العادة الوقتيّة لا يتوقّف تحقّقها على تعدّد الشهر، فإذا انضمّ إلى ذلك مادلّ على أنّه لا يعتبر في حصول العادة تكرّر الحيض أزيد من مرّتين، يظهر تحقّق العادة الوقتيّة الشرعيّة بما ذكر.

ودعوى: أنّ الظاهر من النصوص، اعتبار التماثل بنفس الزمان بين الحيضين، في حصول العادة الوقتيّة شرعاً، وفي الفرض لا يكون التماثل بحسب الزمان، بل إنّما يكون بالجهة الزائدة، وهي جهة الطهر المتعقّب به.

مندفعة: بأنّ التماثل بحسب الزمان فيما إذا تعدّد الشهر أيضاً يكون بالجهات الزائدة، لا بحسب الزمان؛ إذ مع قطع النظر عن جهة وحدتهما بحسب الحقيقة، لا تماثل بينهما إلّابالجهات الزائدة، كما لا يخفى.

وعليه، فكما يصدق التماثل برؤية الدّم في أوّل كلّ شهرٍ، كذلك يصدق برؤيتة بعد كلّ عشرة أيّام.

فإنْ قلت: إنّه لو بُنيَ على تحقّق العادة الوقتيّة بتساوي زماني الطُهر، فالرجوع

ص: 346

إليها مع استمرار الدّم لا يخلو من إشكال، لعدم مساواة حالتي استمرار الدّم والنقاء؛ إذ النقاء الذي كانت ترى معه الدّم من الخصوصيّات المفقودة.

قلت: إنّه إنْ اُريد به استمرار الدّم قبل تحقّق العادة، فهو خارجٌ عن الفرض، وإنْ اُريد به استمراره بعد تحقّقها، فعدم مساواة الحالتين من جميع الجهات لا ينافي تحيّضها بمجرّد الرؤية عند حضوره، والرجوع إليه عند استمرار الدّم؛ لأنّهما متساويان من حيث كون كلّ خمسة أيّام حيضاً، وعشرة أيّام بعدها طهراً وهكذا، وكونها في أيّام الطهر من الحيض مستحاضة في بعض الأزمنة، وغير مستحاضة في بعضها، لا يوجب عدم التساوي المعتبر في المقام، فتدبّر.

فتحصّل ممّاذكرناه: أنّ الأظهر عدم اعتبار تعدّد الشهرالهلالي في العادة الوقتيّة.

***

ص: 347

العادة المركّبة

الأمر الثاني: في أقسام العادة، وهي:

إمّا متّفقة، كأنْ ترى في كلّ شهرٍ خمسة أيّام.

أو مختلفة، كأنْ ترى في الشهر الأوّل خمسة، وفي الثاني سبعة، وفي الثالث خمسة، وفي الرابع سبعة، لصدق أيّامها في الفرض الثاني أيضاً.

وبعبارة اُخرى: بعدما عرفت من ورود مرسل يونس الطويل في مقام بيان الاكتفاء في حصول العادة بالتكرّر مرّتين، فكما أنّه إذا تكرّرت هذه الكيفيّة مراراً عديدةً ، يصدق عرفاً أنّها عدّتها وأيّامها، كذلك إذا تكرّرت مراراً ولا يثبت الإعتياد الشرعي في غير محلّه، بل الأظهر ما عن المحقّق والمصنّف في جملة ما كتبه، والشهيد وغيرهم من تحقّق العادة المركّبة شرعاً أيضاً.

أقول: ومنه يظهر حكم ما لو رأت شهرين متواليين ثلاثة مثلاً، وشهرين متواليين أربعة، ثمّ شهرين متواليين ثلاثة، وشهرين متواليين أربعة، فإنّها تصير بذلك ذات عادة بالنحو المزبور، وكون كلّ عددٍ ناسخاً لما قبله لا ينافي ذلك؛ إذ العادة المتحقّقة بالشهرين الأوليين، وكذا العادة المتحقّقة بالثانيين الذين هما موجبان لزوال الاُولى، غير ما يتحقّق بعد ملاحظة المجموع.

وبالجملة: ومن مجموع ما ذكرناه يظهر حكم سائر أقسام العادة المذكورة في كلمات الأصحاب، فلا حاجة إلى إطالة الكلام في ذكر كلّ واحدة منها.

***

ص: 348

ما به تزول العادة

الأمر الثالث: لا كلام عندنا في أنّه لا تزول العادة بما إذا رأت مرّةً على خلاف العادة. نعم من يكتفي في حصول العادة بالمرّة، يرى زوالها بمرة واحدة، وقد مرّ أنّ القول به نادرٌ جدّاً.

وكذلك لا كلام ولا خلاف في زوالها برؤية الدّم مرّتين متماثلتين على خلاف العادة الاُولى، وعن المصنّف في «المنتهى »(1) دعوى اتّفاق المسلمين عليه، قال في محكي «المنتهى »:

(لو كانت عادتها ثلاثة، فرأت خمسة في شهر وانقطع، فهو حيض إجماعاً، فلو استمرّ في الرابع جلست عادتها الثلاثة عندنا، وعند أبي حنيفة ومحمّد، وعند أبي يوسف تحيض خمسة.

أمّا لو رأته في الشهر الرابع خمسة كالثالث، واستمرّ في الخامس، كان حيضها خمسة لتحقّق العادة بالثانية، وهو اتّفاق عندنا). انتهى.

وتشهد له: مرسلة(2) يونس الطويلة، الدالّة على أنّ أقلّ ما تحقّق به العادة مرّتان، وحيثُ إنّ الظاهر منها الفعليّة وهي الثانية، فهي تكون عادتها دون الأُولى الزائلة، ويتّضح ذلك بالرجوع إلى العرف، فإنّهم لا يشكّون في أنّ من كانت عادتها العرفيّة ثلاثة مثلاً، ثمّ رأت الدّم مرّات عديدةً في كلّ شهر خمسة، فإنّها تنقلب عادتها إلى الثانية، وأنّ مراد الشارع من ترك العبادة بقدر أيّام عادتها، هي العادة الثانية دون الأُولى، وإنّما لا يحكمون بذلك بالنسبة إلى المرّتين، لأنّهم لا يرون تحقّق

ص: 349


1- المنتهى: ج 2/330.
2- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/289 ب 7 من أبواب الحيض ح 2159.

العادة بهما، فبعد تنبيه الشارع على تحقّقها بهما، لا يبقى موردٌ لهم في الترديد في ذلك.

فرع: إنْ رأت ذات العادة مرّتين على خلاف الأُولى، لكن غير متماثلتين، فهل يبقى حكم الأُولى، كما عن جماعةٍ (1) منهم المصنّف رحمه الله في «المنتهى »(2)؟

أو يزول كما عن آخرين، منهم المحقّق الخراساني رحمه الله(3)؟

وعلى الأوّل: فهل يُلحق به ما إذا رأت على خلاف الاُولى مرّاتٍ عديدة مختلفة، أم لا؟ وجوهٌ وأقوال:

أقول: الظاهر من الأدلّة هو القول الثاني؛ وذلك لأنّه بعدما صارت الاُولى عادةً وخُلُقاً لها، فما دام لم يدلّ دليلٌ على زوالها، وكان يصدق عليها أنّها عادتها وخلقها، فمقتضى إطلاق الأدلّة بقاء حكمها.

وعليه، فإذا رأت مرّتين غير متماثلتين على خلاف الأُولى، فبما أنّهما لا يوجبان ثبوت عادة اُخرى لها موجبة لزوال الاُولى، فلا محالة يبقى حكمها.

وهذا بخلاف ما أذا رأتْ على خلاف الاُولى مرّاتٍ عديدة مختلفة، فإنّه تزول العادة الاُولى عرفاً فلا تشملها الأدلّة.

وإن شئت قلت: إنّ الأدلّة منصرفة عن ذلك.

واستدلّ لعدم الزوال: في الصورتين، بإطلاق ما دلّ على ثبوت العادة بالمرّتين، فإنّه يقتضي بقاءها إلى الأبد.

وفيه: أنّ تلك الأدلّة ليست في مقام بيان بقائها كي يتمسّك بإطلاقها.

واستدلّ للزوال مطلقاً: بموثّق إسحاق بن جرير المتقدّم في صفات الحيض،).

ص: 350


1- كالسيّد اليزدي في «العروة»: ج 1/573 المسألة 710 (ط ج).
2- المنتهى للعلّامة: ج 2/329.
3- اللّمعات النيّرة: ص 97 (إذا تجاوز الدّم عن العشرة في ذات العادة).

حيث سأل عن:

«إنّ الدّم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال عليه السلام: تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قلت له: إنّ أيّام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدّم عليها الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخّر مثل ذلك، وما علمها به ؟

قال عليه السلام: دمّ الحيض ليس به خفاء، هو دمٌ حارٌّ تجد له حُرقة»(1) الخبر.

فإنّه يدلّ على الرجوع إلى التمييز مع اختلاف أوقات الدّم، بعد استقرار العادة العدديّة.

وفيه: أنّ الظاهر كون المراد من اختلاف أيّام حيضها، إختلافها من الأوّل، والمراد من تقدّم اليوم أو اليومين، تقدّمه عن محلّه في المرّة السابقة، لا تقدّمه عن عادتها المستقرّة.

مع أنّه لو سُلّم ظهوره في ذلك، يتعيّن حمله على ما ذكرناه، لما ستعرف من أنّ ذات العادة لا ترجع إلى الصفات بمجرّد تقدّم الدّم على العادة أو تأخّره عنها باليوم أو اليومين.

هذا فيما إذا اُحرز صدق العادة، وإلّا فإن شُكّ فيه، فلا مناص عن الرجوع إلى الأصل، لما عرفت من عدم كون النصوص في مقام بيان بقاء العادة، وهو يقتضي بقاءها بناءً على ما هو الحقّ الثابت في محلّه من جريان الاستصحاب في مواردالشبهات المفهوميّة، التي تكون من قبيل المقام الذي يكون الموضوع باقياًفيه.

***4.

ص: 351


1- الكافي: ج 3/91 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.
حصول العادة بالتمييز

الأمر الرابع: يدور البحث فيه عن كيفيّة ثبوت العادة، وأنّها:

1 - تثبت بتكرّر ما ثَبَت حيضيّته من المستمرّ، باعتبار الصفات مطلقاً كما هو المشهور.

2 - أم لا كذلك.

3 - أم يجب التفصيل بين ما لو اتّفق التمييزان، كما لو رأته في كلتا المرّتين أسود فالأوّل، وبين ما إذا اختلفا كما رأته في المرّة الاُولى أسود وفي المرّة الثانية أحمر، فالثاني، كما اختاره شيخنا الأنصاري رحمه الله(1) والمحقّق الهمداني(2)، وعن «التحرير»(3)تقريبه، وعن «الذكرى»(4) التردّد فيه ؟ وجوه:

استدلّ للثاني بوجوه:

1 - إنّ الموثّق والمرسل(5) المتقدّمين لا يشملان الفرض، فيتعيّن الرجوع إلى الأخبار(6) الدالّة على الرجوع إلى الصفات، فإنّ مقتضى إطلاقها الرجوع إليها حتّى مع التكرّر مرّتين.

2 - عدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضاً لا غير، لأنّ الأوصاف أَمارات

ص: 352


1- كتاب الطهارة: ج 3/199.
2- مصباح الفقيه: ح 1 ق 1 ص 274. ولكن فيه: (هل تثبت العادة بتكرّر ما ثبت حيضيّته من المستمرّ باعتبار الأوصاف ؟ فيه وجهان: أوجههما العدم).
3- تحرير الأحكام: ج 1/14. ط. ق.
4- الذكرى للشهيد الأوّل: ص 28 المسالة 3.
5- أي مرسلة يونس وموثّقة إسحاق بن جرير المتقدّمتين آنفاً.
6- وسائل الشيعة: ج 2/275 الباب 3 من أبواب الحيض، الأحاديث.

ظنيّة اعتبرها الشارع في الجملة، فلا تكون موجبة للوثوق بمعرفة أقرائها حتّى ترجع إليها.

3 - حجيّة التمييز مشروطةٌ بعدم العادة، فلا محالة تكون العادة مانعة عنها، فكيف يمكن أنْ تكون حجيّة التميّز علّة لثبوت العادة، والشيء لا يكون علّةً لمانعه ؟

4 - إنّ أخبار الرجوع إلى التمييز(1) ظاهرة في خصوص مَنْ لم تكن لها عادة في حال الإستقامة، لأنّ العادة مقدّمة على التمييز في حال الاستقامة، لا مطلقاً ولو في حال الاستحاضة.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ظاهر مادلّ على الرجوع إلى الأوصاف، جعل الشارع إيّاها طريقاً للحيض الواقعي، بلحاظ جميع آثاره حتّى إثبات العادة به، إمّا مطلقاً، أو في مورد الاشتباه بالإستحاضة على اختلاف المسلكين، فهي وجدانٌ تعبّدي، فيلحقها حكمه، وهو ثبوت العادة بتكرّره، فيكون الفرض مشمولاً للخبرين السابقين.

أقول: ومنه يظهر الجواب عن الوجه الثاني.

وأمّا الثالث: فلأنّ حجيّة التمييز في المرّتين الأوليتين علّة لثبوت العادة بعدهما، وهي تكون مانعة عن الرجوع إلى التمييز بعدهما لا فيهما. فتدبّر.

وأمّا الرابع: فلأنّ إطلاق أخبار التمييز الشامل لصورة وجود العادة وفقدها، قيّد الخبرين بصورة فقد العادة، وحيث عرفت أنّ تكرّر الجامع للصفات مرّتين، موجبٌ لحصول العادة، فلا محالة يكون الإطلاق مقيّداً بصورة فقده أيضاً.ث.

ص: 353


1- وسائل الشيعة: ج 2/275 الباب 3 من أبواب الحيض، الأحاديث.

والنتيجة: ظهر من جميع ما ذكرناه وجه القول الأوّل، أمّا القول الثالث(1) فلم يذكروا له وجهاً يصحّ الاعتماد عليه، ولم يظهر لنا وجهُ عدم طريقيّة المختلف خاصّة، وعليه فالأقوى هو القول الأوّل.

***ل.

ص: 354


1- وهو القول بالتفصيل.
حُكم صاحبة العادة الوقتيّة

المقام الثاني في بيان حكم ذات العادة:

أقول: إنّ صاحبة العادة الوقتيّة، عدديّة كانت أم غيرها:

إمّا أن ترى الدّم في العادة، أو قبلها أو بعدها.

أمّا في الصورة الاُولى: فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنّها تترك العبادة بمجرّد رؤية الدّم، ولو لم يكن الدّم بالصفات، فتترتّب عليه جميع أحكام الحيض. بل عن المحقّق في «المعتبر»(1) والمصنّف في «المنتهى »(2) و «التذكرة»(3)، وغيرهما في غيرها: دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له:

مرسل يونس(4): «إذا رأتِ المرأة الدّم في أيّام حيضتها، تركت الصّلاة، فإنْ استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام فهي حائض».

أقول: وأمّا الاستدلال له بالأخبار المتضمّنة لقعودها عن الصّلاة في أيّام حيضها(5)، فغير تامّ ، لأنّها تدلّ على أنّ من أحكام الحيض قعودها عن الصّلاة، ولا تدلّ على أنّ التحيّض برؤية الدّم.

وأيضاً: الاستدلال له بالمستفيضة الدالّة على أنّ ما تراه في أيّام حيضها حيض، كمصحّح ابن مسلم:

ص: 355


1- المعتبر: ج 1/213. وكذلك في الشرائع كما في المسألة الاُولى من المسائل الخمسة التي ذكرها لذات العادة.
2- منتهى المطلب: ج 1/109.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/275.
4- الكافي: ج 3/56 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 10 من أبواب الحيض ح 2169.
5- الاستبصار: ج 1/139 ح 6478، وسائل الشيعة: ج 2/273 ح 2130.

«سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى الصُّفرة في أيّامها؟ فقال عليه السلام: لا تُصلّي حتّى تنقضي أيّامها»(1).

وخبر ابن جعفر عن أخيه عليهما السلام: «عن المرأة ترى الصُّفرة في أيّام طمثها، كيف تصنع ؟ قال عليه السلام: تترك لذلك الصّلاة بعدد أيّامها الّتي كانت تقعد في طمثها»(2).

ومرسلة يونس المتقدّمة الطويلة(3) وفيها: «لأنّ السُّنَّة في الحيض أن تكون الصُّفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً».

ونحوها مرسلته القصيرة(4)، ومرسلة «المبسوط»(5).

نقول: إنّ هذا الاستدلال لا يخلو عن نظر؛ لأنّها تدلّ على أنّ الدّم ذا الصُّفرة في أيّام الحيض الذي لا يكون حيضاً في غير أيّام العادة من الحيض، وأمّا الحكم بكونه حيضاً مع عدم إحراز بقائه إلى ثلاثة أيّام، فهي أجنبيّة عنه.

ودعوى: أنّ ذلك ممّا يُحرز بالأصل، وهو استصحاب بقاء الدّم إلى ثلاثة أيّام.

مندفعة: بما عرفت مفصّلاً في قاعدة الإمكان،(6) من عدم جريان هذا الأصل، فراجع.

أقول: وبذلك ظهر ما في محكي «جامع المقاصد»(7) من دعوى تواتر الأخبار عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام بوجوب الجلوس برؤية الدّم أيّام الأقراء.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يكون مراده التعبير بما هو مفاد الطائفة الأولى. فتدبّر.

***0.

ص: 356


1- وسائل الشيعة: ج 2/278 ح 2136.
2- وسائل الشيعة: ج 2/280 ح 2142.
3- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/287 ب 7 من أبواب الحيض ح 2156.
4- الكافي: ج 3/56 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/294 ح 2169 ب 10 من أبواب الحيض.
5- المبسوط: ج 1/41.
6- فقه الصادق: ج 2/324.
7- جامع المقاصد: ج 1/330.

وأمّا في الصورة الثانية: فعن المشهور(1) الحكم بالحيضيّة، ولو مع الصُّفرة بمجرّد الرؤية.

وعن «المدارك»(2): الحكم بها مع الوجدان للصفات.

وعن «جامع المقاصد»(3) و «المسالك»(4): إلحاقها بالمبتدِأة والمضطربة(5).

واستدلّ للأوّل: بجملةٍ من النصوص:

1 - مصحّح الحسين بن نعيم الصحّاف(6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث:

«وإذا رأت الحامل الدّم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدّم بقليل، أو في الوقت من ذلك الشهر، فإنّه من الحيضة».

2 - وموثّق(7) سماعة: «عن المرأة ترى الدّم قبل وقت حيضتها؟ قال عليه السلام:

فلتدَع الصّلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت».

3 - ومصحّح(8) إسحاق، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في المرأة ترى الصُّفرة ؟ فقال عليه السلام: إن كان قبل الحيض بيومين، فهو من الحيض، وإنْ كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض».

4 - ونحو خبر معاوية بن حكيم(9)، وخبر ابن أبي حمزة(10):0.

ص: 357


1- منهم الشهيد الثاني في كتابه روض الجنان: ص 75.
2- مدارك الأحكام: ج 1/328.
3- جامع المقاصد: ج 1/301.
4- المسالك: ج 1/60.
5- فهذه أقوال ثلاثة، وسيأتي التحقيق في أدلّتها تِباعاً.
6- الكافي: ج 3/95 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/284 ب 5 من أبواب الحيض ح 2150.
7- الكافي: ج 3/77 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/300 ب 13 من أبواب الحيض ح 2187.
8- الكافي: ج 3/78 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/279 ب 4 من أبواب الحيض ح 2137.
9- الكافي: ج 3/78 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/280 ب 4 من أبواب الحيض ح 2141.
10- الكافي: ج 3/78 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/280 ب 4 من أبواب الحيض ح 2140.

«عن المرأة ترى الصُّفرة ؟ فقال عليه السلام: ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، وما كان بعد الحيض فليس منه».

وفيه: إنّ هذه النصوص واردة في مقام بيان أحكامٍ ثلاثة:

أحدها: أنّ دمّ الحيض ربما يتقدّم على الوقت، وتقدّمه لا يمنع عن التحيّض.

الثاني: كون الصُّفرة في صورة التقدّم، كالصُّفرة في أيّام العادة من الحيض.

الثالث: عدم مانعيّة الحمل عن الحيض.

وأمّا ما ثبت بالأدلّة الاُخر من اعتبار أن لا تكون مدّة سيلان الدّم أقلّ من ثلاثة أيّام، فلا تدلّ هذه النصوص على خلافها، ولا على البناء ظاهراً على بقاء الدّم ثلاثة أيّام.

وأمّا استصحاب البقاء فقد عرفت ما فيه.

فالحكم بتحيّضها برؤية الدّم مع عدم إحراز استمراره ثلاثة أيّام، يحتاج إلى دليل آخر.

أقول: وبذلك ظهر ما في كلام بعض الأعاظم، من أنّ حَمل النصوص المتقدّمة على صورة العلم بالحيض، أو مُضيّ ثلاثة أيّام تعدُّ تصرّفاً ممنوعاً لا شاهد ولا قرينة عليه.

وأمّا الاستدلال للحكم بالتحيّض بقاعدة الإمكان، كما عن جماعةٍ .

فهو فاسدٌ، لعدم ثبوت القاعدة بنحوٍ تشمل المقام، كما عرفت عند التعرّض للقاعدة. فراجع.(1)

واستدلّ لما اختاره صاحب «المدارك»: بأنّه ممّا يقتضيه الجمع بين النصوص المتقدّمة، وبين ما دلّ على نفي حيضيّة فاقد الصفات.4.

ص: 358


1- فقه الصادق: ج 2/324.

وبصحيح(1) ابن مسلم: «وإن رأت الصُّفرة في غير أيّامها، توضّأت وصَلّتْ ».

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه يردّ عليه أنّه على فرض تسليم دلالة النصوص المتقدّمة على هذا الحكم، لا سبيل إلى هذا الجمع، لصراحة بعضها في الفاقد. لاحظ مصحّح إسحاق المتقدّم(2).

مع أنّه لو سُلّم كون النسبة بين الطائفتين عموماً من وجه، يتعيّن تقديم نصوص الباب لأَظهريتها، لاسيّما مثل الموثّق(3) المشتمل على التعليل بأنّه (ربّما تُعجّل بها الوقت) كما هو واضح.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو ما اختاره في محكي «جامع المقاصد» و «المسالك» من إلحاقها بالمبتدئة والمضطربة.

بحثٌ : ثمّ إنّه على فرض تحيّضها بالرؤية:

1 - هل يختصّ ذلك بتقدّم الدّم على وجه يصدق عليه تعجيل العادة.

2 - أم يعمّ صورة التقدّم ولو لم يصدق عليه ذلك ؟

وعلى الأوّل: فهل يختصّ الحكم باليومين، أم يعمّ الزائد؟ وجوه:

وقد استدلّ للأخير: بإطلاق الأدلّة.

وفيه: الحكم بأنّ ظاهر النصوص التقدّم بحيث يصدق التعجيل واضحٌ ، في ما عدا خبري(4) معاوية وابن أبي حمزة(5)، وأمّا فيهما فلما عرفت من اختصاصها1.

ص: 359


1- الكافي: ج 3/78 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/278 ب 4 من أبواب الحيض ح 2136.
2- فقه الصادق: ج 2/357.
3- الكافي: ج 3/77 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/300 ب 13 من أبواب الحيض ح 2187.
4- غير هذين الخبرين من قبيل مصحّحتي الصحّاف وإسحاق عن أبي بصير، وموثّقة سماعة.
5- المتقدّمتين عن الكافي: ج 3/78 ح 4 و 5، وعن وسائل الشيعة: ج 2/280 الباب 4 ح 2140-2141.

بصورة رؤية الدّم قبل العادة، واستمراره إلى زمان العادة، فهو لا يشمل التقدّم بعشرين يوماً مثلاً، مع أنّ مقتضى المقابلة فيه بين ما قبل الحيض وما بعده، هو إرادة التقدّم قليلاً، إذ لو لم يحمل على ذلك لم تتمّ المقابلة؛ إذ كلّ ما بعد الحيض السابق يصدق عليه أنّه قبل الحيض اللّاحق وبالعكس.

مع أنّه لو سُلّم الإطلاق يتعيّن تقييدهما بالعلّة المنصوصة في الموثّق(1)، ومقتضاها شمول الحكم لكلّ ما يصدق عليه التعجيل، من غير فرق بين اليومين والأزيد، والتقييد في مصحّح إسحاق بيومين إنّما هو للتمثيل لا لخصوصيّةٍ في اليومين، والشرطيّة لا مفهوم لها؛ لأنّها مسوقة في مقابل التأخّر كما لا يخفى على من لاحظها.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو القول الثاني.

***

وأمّا في الصورة الثالثة: وهي ما لو لم ترَ الدّم في العادة، ورأته متأخّراً، فالمشهور بين الأصحاب أنّها تتحيّض بمجرّد الرؤية، ولو كان الدّم فاقداًللصفات.

وعن بعض(2): دعوى الإجماع عليه.

وعن «المدارك»(3): التفصيل المتقدّم في سابقتها.

وعن المحقّق الثاني(4): موافقة المشهور في هذه المسألة.).

ص: 360


1- أي موثّقة سماعة المتقدّمة.
2- يبدو أنّه صاحب الحدائق كما يظهر من كلامه في: ج 3/215.
3- مدارك الأحكام: ج 1/328.
4- جامع المقاصد: ج 1/291، حيث فرّق بين تقدّم الدّم عن العادة فحكمها حكم المبتدأة والمضطربة وما تأخّر، بقوله: (إلّا إذا تأخّر فيمكن الفرق هنا. من حيث القطع بالحيضيّة عطفاً على ما مرَّ عند نقل الأقوال فراجع).

وعن «المسالك»(1): التردّد في إجراء حكم المبتدئة عليها، والإلحاق بما يرى في العادة.

وقد استدلّ للمشهور: في صورة الواجديّة للصفات:

1 - بما دلّ على التمييز بها عند الاشتباه.

2 - وبأنّ تأخّره يزيده انبعاثاً.

3 - وبأنّ المستفاد من العلّة المنصوصة في الموثّق المتقدّم، كون الحكم دائراً مدار التخلّف.

4 - وبقاعدة الإمكان.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما مرّ في مسألة الاشتباه بدم الاستحاضة، أنّه لا عموم لتلك الأخبار، فراجع.(2)

وأمّا الثاني: فلأنّه لو لم يفد الاطمئنان لا يمكن الاستدلال به، كما لا يخفى.

وأمّا الثالث: فلما عرفت في الصورة السابقة من عدم تماميّة الاستدلال بالموثّق لما نحن فيه، مع أنّ استفادة إناطة الحكم بمطلق التخلّف من إناطته بالتعجيل غير ظاهرة.

وأمّا الرابع: فلما عرفت في قاعدة الإمكان(3) من عدم ثبوتها.

أقول: ثبت ممّا ذكرنا أنّه لا دليل عليه في صورة الواجديّة للصفات.

وأمّا مع الفقدان: - فمضافاً إلى عدم الدليل عليه - مقتضى مصحّح ابن مسلم المتقدّم:

«وإنْ رأتْ الصُّفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(4).6.

ص: 361


1- مسالك الأفهام: ج 1/60.
2- فقه الصادق: ج 2/280.
3- فقه الصادق: ج 4/324.
4- الكافي: ج 3/78 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/278 ب 4 من أبواب الحيض ح 2136.

ومرسل يونس: «وإذا رأت بعدها، فليس من الحيض».

الحكم بالعدم(1).

أقول: ولكن مع ذلك كلّه، بما أنّ الإجماع دلّ على التحيّض بمجرّد الرؤية في هذه الصورة - ولذا حَكَم بالتحيّض هنا من لم يحكُم به في المتقدّم - فلا ينبغي التوقّف في الجزم بالتحيّض هنا، من غير فرقٍ بين التأخّر القليل والكثير؛ لأنّه كلّما طال الزمان، زاد انبعاثاً، كما وردَ التصريح به في «طهارة» شيخنا الأنصاري(2).

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو في ذات العادة الوقتيّة، عدديّة كانت أم لا كما لا يخفى.

وأمّا صاحبة العادة العدديّة خاصّة: فحكمها حكم المبتدئة والمضطربة، كما هو صريح بعضٍ وظاهر آخر.

والاستدلال لإلحاقها بذات العادة الوقتيّة بالإجماع المُدّعي فيها، وصدق اسم ذات العادة عليها، مع اختصاص المدرك بذات العادة الوقتيّة، وتصريح جملةٍ من المجمعين بخلافه، كما ترى .

وأيضاً: الإستئناس له بما دلّ على التحيّض بمجرّد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت ذلك قبل وقتها.

بتقريب: أنّه يدلّ على أنّ مدار التحيّض هي الرؤية، لا الرؤية في الوقت.

غير تامّ ، إذ مضافاً إلى ما عرفت من عدم الدليل عليه، أنّ النصوص التى توهّم دلالتها على ذلك، مختصّة بمعتادة الوقت، ولم يعلّل الحكم فيها بعلّةٍ تشمل غيرها.

***7.

ص: 362


1- الكافي: ج 3/76 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/279 ب 4 من أبواب الحيض ح 2138.
2- كتاب الطهارة: ج 3/207.
الثاني: غير ذات العادة الوقتيّة
حكم المُبتدئة
اشارة

الموضع الثاني: ويدور البحث فيه عن حكم غير ذات العادة الوقتيّة، وهي المبتدئة، والمضطربة، والناسية، وذات العادة العدديّة فقط.

أمّا المبتدئة: ففي «طهارة» شيخنا الأنصاري رحمه الله(1): (الأظهر أنّها تتحيّض بالرؤية بشرط اتّصاف الدّم بصفات الحيض، وبدونه تستظهر إلى مُضيّ ثلاثة، وفاقاً لجماعةٍ من المتأخّرين، تبعاً لصاحب «المدارك»(2). ووافقهم صاحب «الجواهر» رحمه الله(3).

ونُسب إلى «المبسوط»(4) و «المهذّب»(5) و «الوسيلة»(6) و «الجامع»(7) وجملةٍ من كتب المصنّف رحمه الله(8)، و «الذكرى»(9) وغيرها، بل إلى الأشهر التفصيل بين ما إذا كان بالصِّفات فالتحيّض، وبين الفاقد للصّفات فالعدم.

وعن الإسكافي، والسيّد(10)، وسلّار(11)، والحلبي(12)، والحِلّي(13)، والمحقّق

ص: 363


1- كتاب الطهارة: ج 3/209.
2- مدارك الأحكام: ج 1/329.
3- جواهر الكلام: ج 3/182.
4- المبسوط: ج 1/46.
5- المهذّب البارع: ج 1/37.
6- الوسيلة لإبن حمزة الطوسي: ص 59.
7- الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد الحلّي: ص 42.
8- ك (قواعد الأحكام): ج 1/213.
9- الذكرى : ص 30.
10- رسائل المرتضى: ج 3/26.
11- «المراسم العلويّة» لسلّار بن عبد العزيز، قال: (فإنْ رأته أقلّ من ثلاثة أيّام فليس بحيض).
12- الكافي للحلبي: ص 128.
13- الشرائع: ج 1/24.

الثاني(1)، والمصنّف في «التذكرة»(2)، والشهيد في «الدروس»(3) وغيرهم في غيرها: عدم التحيّض بمجرّد الرؤية مطلقاً إلّابعد الثلاثة.

أقول: وتنقيح القول في المقام يقتضي التكلّم في مقامين:

الأوّل: فيما إذا كان الدّم بالصفات.

الثاني: في الفاقد لها.

أمّا المقام الأوّل: فقد استدلّ للتحيّض بمجرّد رؤية الدّم:

1 - بنصوص الصفات.

2 - وبمصحّح إسحاق بن عمّار، الوارد في الحُبلى:

«ترى الدّم اليوم واليومين ؟ فقال عليه السلام: إنْ كان دماً عبيطاً فلا تُصلّي ذينك اليومين، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(4).

بناءً على عدم القول بالفصل بين الحامل وغيرها.

3 - وبمفهوم صحيح ابن الحجّاج المتقدّم:

«عن امرأةٍ نَفَستْ ، فمكثت ثلاثين يوماً وأكثر، ثمّ طهرت وصلّت، ثمّ رأت دماً أو صفرة ؟

قال عليه السلام: إنْ كان صفرة فلتغتسل ولتصلِّ ، ولا تُمسك عن الصّلاة»(5).

فإنّ مفهومه أنّها تُمسك عن الصّلاة إنْ رأت دماً.4.

ص: 364


1- ذهب المحقّق الثاني في جامع المقاصد: ج 1/294 إلى القول بالرجوع إلى التمييز.
2- التذكرة: ج 1/276.
3- الدروس: ج 1/97.
4- التهذيب: ج 1/387 ح 15، وسائل الشيعة: ج 2/296 ب 10 من أبواب الحيض ح 2178.
5- الكافي: ج 3/100 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/393 ب 5 من أبواب الحيض ح 2444.

وفي رواية الشيخ رحمه الله(1) التصريح بالمفهوم، وفيها:

«وإنْ كان دماً ليس بصفرة، فلتُمسِك عن الصّلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل».

4 - وبإطلاق صحيح ابن المغيرة، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام:

«في امرأةٍ نفستْ ، فتركت الصّلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهُرت، ثمّ رأت الدّم بعد ذلك ؟ قال عليه السلام: تدَع الصّلاة، لأنّ أيّامها الطهر قد جازت مع أيّام النفاس»(2).

5 - وبقاعدة الإمكان.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلما مرَّ في مسألة اشتباه الحيض بدم الاستحاضة، من أنّ طريقيّة الصفات مختصّة بصورة تردّد الأمر بين الحيض والاستحاضة العرفيّة، وهو الدّم المتّصل بأيّام العادة. فراجع.(3)

وأمّا الثاني: فلأنّ دلالته على التحيّض برؤية الدّم، إنّما تكون بتبع دلالته على كون الحيض أقلّ من ثلاثة، وحيث إنّه بالنسبة إلى ذلك المدلول لا يصحّ العمل به كما تقدّم، ولا يمكن التفكيك في حجيّته بين الحكمين، والالتزام بكونه حجّة في خصوص الثاني لما حقّقناه في محلّه من تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للدلالة المطابقيّة وجوداً وحجيّة، فلا مناص عن طرحه، أو حمله على غير ظاهره.

وأمّا الثالث: - فمضافاً إلى دلالته على أنّ النفاس يبلغ ثلاثين أو أكثر، وهو خلاف التحقيق كما سيأتي - يرد عليه أنّ الظاهر من مورده المرأة ذات العادة، ويشهد به، قوله عليه السلام: «فلتُمسِك عن الصّلاة أيّام أقرائها».9.

ص: 365


1- التهذيب: ج 1/176 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2/393 ب 5 من أبواب الحيض ح 2445.
2- الكافي: ج 3/100 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/393 ب 5 من أبواب الحيض ح 2443.
3- فقه الصادق: ج 2/279.

وكون الصُّفرة في أيّام العادة حيضاً، لا يصلح لأنْ يكون قرينةً لحمله على المبتدئة.

وبذلك ظهر ما في الرابع، فإنّ قوله عليه السلام: «أيّامها أيّام الطُّهر قد جازت»، ظاهرٌ في إرادة ذات العادة.

وأمّا القاعدة: فقد عرفت ما فيها.

وأمّا المقام الثاني: فقد استدلّ للتحيّض فيه بمجرّد الرؤية:

1 - بأخبار الصفات، بناءً على عدم القول بالفصل بين كون المرئيّ متّصفاً بالصفات، أو غير متّصفٍ بها، كما عن «شرح المفاتيح» و «الرياض»(1).

2 - وبقاعدة الإمكان.

3 - وبإطلاق صحيح ابن المغيرة(2) المتقدّم آنفاً.

4 - وبإطلاق النصوص(3) الدالّة على أنّها تفطر أيّ ساعةٍ رأت الدّم.

5 - وبالموثّق(4) المتقدّم في حكم صورة تقدّم الدّم، بناءً على عدم القول بالفصل بين المبتدئة وذات العادة المتقدّم دمها على وجهٍ لا يلحق بالعادة.

6 - وبمضمرة سماعة: «عن الجارية البِكر أوّل ما تحيض، فتقعدُ في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام، يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّامٍ سواء؟ قال عليه السلام: فلها أن تجلس وتدَع الصّلاة ما دامت ترى الدّم، ما لم يجز العشرة»(5).2.

ص: 366


1- الرياض: ج 1/347.
2- الكافي: ج 3/100 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/393 ب 5 من أبواب الحيض ح 2443.
3- الكافي: ج 4 / ص 153 ح 2، وسائل الشيعة: ج 10/227 ب 25 ح 13284، وغيره.
4- الكافي: ج 3/77 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.
5- الكافي: ج 3/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/304 ب 14 من أبواب الحيض ح 2202.

7 - وبموثّق ابن بكير: «إذا رأت المرأة الدّم في أوّل حيضها، واستمرّ الدّم تركت الصّلاة عشرة أيّام»(1).

8 - وبموثّقه الآخر في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدّم، فتكون مستحاضة ؟ أنّها تنتظر بالصلاة فلا تُصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام، فعلت ما تفعله المستحاضة»(2).

أقول: ولا يخفى أنّه لو تمت دلالة شيء من هذه الأدلّة على التحيّض بمجرّد الرؤية في هذا المقام، يثبت الحكم في المقام الأوّل أيضاً، كما هو واضح، ولكن الأظهر عدم دلالة شيء منها عليه.

أمّا الثلاثة الاُولى: وهي أخبار الصفات، وقاعدة الإمكان، وصحيح ابن المغيرة، فلما عرفت في المقام الأوّل.

أمّا الرابع: وهو النصوص الدالّة على أنّها تفطر عند الرؤية، فهي تدلّ على مفطريّة الحيض.

أمّا الخامس: وهو الموثّق، فقد عرفت عدم دلالته أوّلاً، واختصاصه بصورة صدق التعجيل ثانياً.

وأمّا النصوص الأخيرة: فالمفروض فيها العلم بالحيضيّة، وإنّما السؤال عن مقدار التحيّض كما يظهر لمن لاحظها.

فتحصّل: أنّ الأقوى في المقامين عدم التحيّض بمجرّد الرؤية، كما هو مختار جملةٍ من الأساطين، فعليها أن تحتاط للعبادة.1.

ص: 367


1- التهذيب: ج 1/381 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2162.
2- التهذيب: ج 1/400 ح 74، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2161.

أقول: إذا علمت أنّه يستمرّ الدّم إلى ثلاثة أيّام، تركت العبادة بمجرّد الرؤية بلا خلافٍ .

وعن غير واحدٍ: دعوى الإجماع عليه، منهم شيخنا الأنصاري في طهارته(1)، والمصنّف(2) في محكي «المنتهى ».

ويشهد له: جملةٌ من النصوص:

منها: صحيح يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة ؟ قال عليه السلام: تَدَع الصّلاة»(3). ونحوه غيره(4).

وبها يقيّد إطلاق ما دلّ على أنّ الفاقد للصفات ليس بحيض، فإنّ النسبة بينهما وإنْ كانت عموماً من وجه، إلّاأنّه للاتّفاق على أنّه حيض تقدّم هذه النصوص. فتدبّر.

وأيضاً: الظاهر إلحاق المضطربة واُختيها بالمبتدئة، فيما ذكرناه من المختار، بل في سائر الأقوال ومداركها.

وعن الشهيد في «الدروس»(5): التفصيل بين المضطربة والمبتدئة، وجَعْل تحيّضها بما ظنّته أنّه حيض، لكنّه لم ينقل له وجهٌ صحيح، إذ الرجوع إلى مقدّمات الإنسداد مع وجود الدليل كما ترى، واختصاص النصوص المتقدّمة على فرض دلالتها بصورة الظنّ غير ظاهر الوجه.6.

ص: 368


1- كتاب الطهارة: ج 3/214 بقوله: (للاتّفاق من الطرفين على أنّ الدّم المستمرّ إلى ثلاثةٍ حيض).
2- منتهى المطلب: ج 2/347.
3- الكافي: ج 2/79 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/285 ب 6 من أبواب الحيض ح 2153.
4- وسائل الشيعة: ج 2/286 ب 6 من أبواب الحيض ح 2154. حيث جاء فيه: (إنْ رَأتْ الدّم لم تُصلِّ ).
5- الدروس: ج 1/97، الدرس 6.

فتحصّل: أنّ المبتدئة والمضطربة وذات العادة العدديّة والوقتيّة إذا تقدّم الدّم على العادة، ولم يصدق عليه التعجيل، لا يتحيّضن بمجرّد الرؤية، سواءٌ أكان الدّم واجداً للصفات أم فاقداً لها، إلّافي صورة العلم باستمرار الدّم إلى ثلاثة أيّام.

***

ص: 369

فروع ذات العادة

فروع:

أقول: بقي فروعٌ لا بأس بالتنبيه عليها:

الفرع الأوّل: ذات العادة الوقتيّة والعدديّة، إذا رأت العدد في غير وقتها ولم تَرَه في الوقت، تجعله حيضاً، من غير فرقٍ بين كونه قبل الوقت أو بعده، بلا خلافٍ ظاهر.

أمّا في صورة التأخّر فلما مرّ في المسألة الرابعة، وقد عرفت أنّه يُحكم بتحيّضها بمجرّد الرؤية ولو كان فاقداً للصفات.

وأمّا في صورة التقدّم، فلما مرّ من أنّ الدّم المستمرّ ثلاثة أيّام حيضٌ ، ولكن تحيّضها بمجرّد الرؤية قد مرَّ أنّه محلّ تأمّلٍ . فراجع.(1)

الفرع الثاني: إذا رأت قبل العادة وفيها، جعلت المجموع حيضاً، ما لم يتجاوز عن العشرة، للنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ ما تراه قبل العادة حيضٌ (2) وإنْ كان صفرة، وكذا إذا رأت في العادة وبعدها، ولم يتجاوز عنها، بلا خلافٍ .

بل عن الشيخ قدس سره(3)، والمحقّق(4) والمصنّف رحمه الله(5): دعوى الإجماع على حيضيّة ما تراه بين الثلاثة والعشرة إذا انقطع عليها.

واستدلّ له في «الحدائق»(6): برواية يونس(7) المتقدّمة الدالّة على عدم اعتبار

ص: 370


1- فقه الصادق: ج 2/308.
2- الكافي: ج 3/77 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/300 ب 13 من أبواب الحيض ح 2187.
3- كتاب الطهارة: ج 3/373.
4- هذا رأي المحقّق في المعتبر، وفي الشرائع: ج 1/27.
5- هذا رأي العلّامة في أكثر من كتاب من كتبه منها: إرشاد الأذهان: ج 1/227، وهكذا في التحرير: ج 1/14.
6- الحدائق: ج 3/162.
7- الكافي: ج 3/76 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/299 ب 12 من أبواب الحيض ح 2186.

التوالي في الأيّام الثلاثة، وبصحيح ابن مسلم(1) وموثّقه(2) الدالّين على أنّها إذا رأتِ الدّم قبل تمام العشرة، فهو من الحيضة الأُولى .

أقول: مضافاً إلى عدم دلالة خبري ابن مسلم على ذلك - فإنّهما يدلّان على أنّ الدّم الثاني من الحيضة الأُولى بعد الفراغ عن حيضيّة ذلك الدّم - أنّ النصوص المتقدّمة(3) في المسألة السابقة الدالّة على أنّ الصُّفرة بعد الحيض ليست من الحيض تنافي هذه النصوص.

اللّهُمَّ إلّاأنْ تحمل تلك على ما بعد العشرة، للإجماع المتقدّم، ولنصوص الإستظهار التي ستأتي، لا سيّما وفيها صحيح سعيد(4) المصرّح بالإستظهار مع رؤية الدّم الرقيق بعد أيّامها، وموثّق يونس(5) وغيره(6) الصريحة في الإستظهار إلى العشرة.

فإنْ قلت: فعلى ذلك، فما وجه التخصيص بالصُّفرة مع أنّ غيرها أيضاً يشاركها في هذا الحكم ؟

قلت: إنّ وجه التخصيص، وقوعها في السؤال ومقابلتها بالصُّفرة قبل الحيض، أو كونها الغالب فيما يتجاوز عن العشرة، ولذلك كلّه يظهر تعيّن التصرّف فيما دلّ على أنّ ما تراه بعد الإستظهار بيومٍ أو يومين استحاضة، بناءً على انتهاء مدّته قبل العشرة، وحمله على ما لو كانت بحسب ظاهر حالها ترى تجاوز الدّم عن العشرة لا0.

ص: 371


1- الكافي: ج 3/77 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/298 ب 11 من أبواب الحيض ح 2182.
2- التهذيب: ج 1/156 ح 20، وسائل الشيعة: ج 2/296 ب 10 من أبواب الحيض ح 2176.
3- وهي روايات الباب 4 من أبواب الحيض ج 2 من كتاب وسائل الشيعة: ص 278.
4- التهذيب: ج 1/172 ح 62، وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2194.
5- أي يونس بن يعقوب، التهذيب: ج 1/402 ح 82، وسائل الشيعة: ج 2/303 ب 13 ح 2198.
6- وهي بعض روايات الباب 13 من أبواب الحيض من ج 2 من الوسائل ص 300.

حكماً واقعيّاً إذا انقطع على العشرة.

وتمام الكلام في ذلك سيأتي فانتظر.

وعليه، فما عن «المدارك»(1) و «المفاتيح» من الإستشكال في الحكم المذكور في غير محلّه.

الفرع الثالث: إذا رأتْ ثلاثة أيّام متواليات ثمّ انقطع، ثمّ رأتْ قبل العاشر أو العاشر نفسه، كان مجموع الدّمين والنقاء المتخلّل حيضاً، بلا خلافٍ أجده بين الأصحاب، كما في «الجواهر»(2).

وعن «الخلاف»(3): دعوى الإجماع عليه.

وعن محكي «التذكرة»(4): ذهب إليه علمائنا.

أقول: واستدلّ لحيضيّة الدّم الثاني:

1 - بصحيح ابن مسلم(5) المتقدّم، وما بمضمونه، وقد عرفت أنّ تلك النصوص غير دالّة على ذلك، وإنّما تدلّ على إلحاق الدّم المعلوم حيضيّته بالأوّل.

2 - وبقاعدة الإمكان، وقد عرفت عدم تماميّتها.

فإذاً العمدة هو الإجماع، وإذا ثبت كون الدّمين حيضاً يكون النقاء أيضاً كذلك، بناءً على ما عرفت من أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام.

الفرع الرابع: إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة، فرأت في شهرٍ مرّتين مع فصل2.

ص: 372


1- المدارك: ج 1/327.
2- جواهر الكلام: ج 3/163-164.
3- الخلاف: ج 1/243.
4- التذكرة: ج 1/320 المسألة 98.
5- الكافي: ج 3/77 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/298 ب 11 من أبواب الحيض ح 2182.

أقلّ الطهر، فكلتاهما حيضٌ :

سواءٌ أكانت ذات عادة وقتيّة وعدديّة أم لا.

وسواءٌ أكانت إحداهما في العادة والاُخرى في غير وقت العادة، أم كانتا معاً في غير الوقت.

ومن غير فرقٍ بين ما كان ما في غير الوقت بصفة الحيض أو لم يكن.

لما عرفت من الحكم بحيضيّة الدّم إذا استمرّ ثلاثة أيّام.

وأمّا قوله عليه السلام في صحيح محمّد بن مسلم: «وإنْ كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(1). فهو إنّما يدلّ على أنّ الدّم الثاني من الحيضة الثانية بعد الفراغ عن حيضيّة ذلك الدّم، فلا يصحّ الاستدلال به في المقام.

وحيثُ عرفت أنّ المدرك هو ما دلّ على أنّ كلّ دمٍ استمرّ إلى ثلاثة أيّام فهو حيض، فلا وجه للفرق بين صور المسألة كما في «العروة»(2).

***3.

ص: 373


1- الكافي: ج 3/77 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/298 ب 11 من أبواب الحيض ح 2182.
2- العروة الوثقى : ج 1/329 المسألة 23.

ولو تجاوز الدَّمُ العَشَرة.

فصل في حُكم تجاوز الدّم عن العَشَرة
اشارة

هذا كلّه في وقت تحيّض المرأة بأقسامها، ومقدار تحيّضها إذا لم يتجاوز دمها عن العشرة.

(و) أمّا مقدار تحيّضها فيما (لو تجاوز الدّم العشرة) فلا تخلو المرأة:

1 - إمّا أنْ تكون بالفعل ذات عادة مستقرّة.

2 - وإمّا أنْ لا تكون كذلك.

والثانية: إمّا أنْ تكون ممّن سبقت لها عادة فنسيتها، وإمّا أنْ تكون غيرها.

والثانية: إمّا أنْ تكون مبتدئة، وهي من ابتدء بها الدّم.

أو تكون مضطربة، وهي من تكرّر منها الدّم ولم تستقرّ لها عادة.

أقول: وقبل بيان الحكم في هذه المسألة، لابدَّ من التعرّض لمسألةٍ اُخرى مرتبطة بالمقام وهي:

وجوب الاستبراء

إذا انقطع الدّم قبل العَشَرة:

1 - فإنْ عَلِمت بالنقاء وعدم وجود الدّم في الباطن، اغتسلت وصلّت بلا كلامٍ ولا ريب.

2 - وإنْ احتملت بقاءه في الباطن:

فإنْ لم تكن ذات عادةٍ ، أو كانت عادتها عشرة: وَجَب عليها الاستبراء أي

ص: 374

طلب براءة الرَّحم من الدّم على المشهور.

بل المحكيّ عن «الذخيرة»(1): نسبته إلى الأصحاب.

وعن «الحدائق»(2): نفي الخلاف عنه ظاهراً.

ولعلّه كذلك؛ إذ لم ينقل الخلاف إلّاعن «الاقتصاد»(3) حيث عبَّر ب (ينبغي)، ولا يبعُد إرادة الوجوب منه.

وقد استدلّ له أوّلاً: بصحيح ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام:

«إذا أرادت الحائض أن تغتسل، فلتستدخل قطنة، فإنْ خرجَ منها شيءٌ من الدّم، فلا تغتسل، وإن لم ترَ شيئاً فلتغتسل، وإنْ رأت بعد صفرة فلتتوضّأ»(4).

وفيه: إنّ تعليق الأمر بالاستبراء فيه على إرادتها الاغتسال، أقوى شاهدٍ على عدم كون وجوب الاستبراء وجوباً نفسيّاً تعبّديّاً، فلا يكون المطلوب تحصيل القطع ببراءة الرَّحم تعبّداً، بل الظاهر عدم دلالته على كون الاستبراء من شرائط صحّة الغُسل تعبّداً، فلا مناص عن حمله على الوجوب الإرشادي إلى عدم كون النقاء الظاهري طريقاً إلى النقاء الباطني، وعدم حجيّة الاستصحاب، فلا يجوز لها البناء على الحيض ولا على عدمه.

وأمّا ما في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(5): (من أنّه مسوقٌ لبيان وجوب ذلك عند إرادة الاغتسال، لئلّا يظهر الدّم فيلغو الاغتسال).

فبعيد، لأنّ لازمه حمله على كونه في مقام بيان أمرٍ عرفي، وهو كما ترى .7.

ص: 375


1- ذخيرة المعاد: ج 1/69.
2- الحدائق: ج 3/191.
3- الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص 246.
4- الكافي: ج 3/80 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/308 ب 17 من أبواب الحيض ح 2212.
5- كتاب الطهارة: ج 3/337.

وثانياً: بموثّق سماعة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المرأة ترى الطهر وترى الصُّفرة والشيء، فلا تدري أطَهُرَتْ أم لا؟

قال عليه السلام: فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط، وترفع رجلها على الحائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول، ثمّ تستدخل الكُرْسُف، فإذا كان ثمّة من الدّم مثل رأس الذُّباب خَرَج، فإنْ خَرَج دمٌ فلم تطهُر، وإن لم يخرُج فقد طَهُرَت»(1).

وفيه: أنّ الظاهر منه وروده في مقام بيان كيفيّة استعلام براءة الرّحم، ولا يدلّ على وجوب ذلك عليها.

أقول: ومنه يظهر عدم صحّة الاستدلال له بخبر الكِنْدي عنه عليه السلام:

«قلت له: كيف تعرف الطامثُ طُهرها؟ قال: تعمد برجلها اليسرى على الحائط، وتستدخل الكُرْسُف بيدها اليمنى، فإنْ كان ثمّ مثل رأس ذُبابٍ خرج على الكُرْسُف»(2).

ومرسل يونس، عنه عليه السلام، قال: «سُئل عن امرأةٍ انقطع عنها الدّم، فلا تدري أطَهُرت أم لا؟ قال عليه السلام: تقوم قائمة وتلزق بطنها، بحائط وتستدخل قطنة بيضاء، وترفع رجلها اليمنى ... الخ»(3).

فإنّ الظاهر ورودهما أيضاً في مقام بيان جعل الطريق إليمعرفة العلم بالنقاء.

فتحصّل: أنّ ما في «طهارة» شيخنا الأعظم رحمه الله(4) من أنّه لولا فتوى الأصحاب3.

ص: 376


1- التهذيب: ج 1/161 ح 43، وسائل الشيعة: ج 2/309 ب 17 من أبواب الحيض ح 2215.
2- الكافي: ج 3/80 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/309 ب 17 من أبواب الحيض ح 2214. (3و4) الكافي: ج 3/80 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/309 ب 17 من أبواب الحيض ح 2213.

بالوجوب، كانت استفادته من هذه الأخبار مشكلة، هو الصحيح، فالعمدة فهم الأصحاب.

بل يمكن أنْ يقال: إنّ الأصحاب أرادوا بالوجوب، الوجوب الإرشادي، إلّا أنّ النقاء الظاهري الذي هو طريق بنظر العرف إلى النقاء الباطني لا يكون كذلك، ولا يكون الانقطاع حجّة عليه، فلو أرادت ترتيب أحكام الطاهرة، لابدَّ لها من الاستبراء، وليس لها الاعتماد على طريقيّة الانقطاع فتتوافق فتواهم مع صحيح ابن مسلم(1) المتقدّم.

وعليه، فيجوز لها الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة، بناءً على حرمة العبادة على الحائض ذاتاً، كما ستعرف، وليس لها البناء على الحيض، لما عرفت من عدم حجيّة الاستصحاب في هذا الباب، لاسيّما في المقام.

***2.

ص: 377


1- الكافي: ج 3/80 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/308 ب 17 من أبواب الحيض ح 2212.
البحث عن كيفيّة الاستبراء

نَسب شيخنا الأعظم رحمه الله(1) في طهارته إلى المشهور، أنّ كيفيّة الاستبراء: (أن تستدخل قُطنةً بأيّ وجهٍ اتّفق)، وهو وإنْ كان ممّا يقتضيه إطلاق الصحيح المتقدّم، إلّا أنّه يتعيّن تقييده بما في موثّق سماعة(2):

«أن تقوم، وتلصق بطنها إلى حائط، وترفع رجلها على الحائط».

وما في مرسل يونس(3): «تقوم قائمة، وتلزق بطنها بحائط، وتستدخل قُطنة بيضاء، وترفع رجلها اليمنى ».

اللَّذين لا تنافي بينهما، لإمكان تقييد أحدهما بالآخر.

ودعوى: أنّ المرسل ضعيفٌ لإرساله، ولجهالة إسماعيل بن مرار الرواي عن يونس.

مندفعة: بما تقدّم مفصّلاً(4) في مسألة اعتبار التوالي من أنّ مراسيل يونس حجّة، وإسماعيل بن مرار ثقة على الأقوى. فراجع.

فإنْ قلت: إنّ ظاهر قوله عليه السلام: في خبر الكِنْديّ (5) (تَعْمَد برجلها اليسرى ) رفع اليسرى ، وهو ينافي صريح المرسل.

قلت: إنّ خبر الكندي ضعيفٌ لجهالته، ولا يُعتَمد عليه، فلا يصلح للمعارضة.

أقول: ثمّ إنّه إذا استبرأت:

1 - فإنْ خَرَجتِ القُطنة نقيّةً ، فهي طاهرة، يجب عليها الغُسل والعبادة، وإن

ص: 378


1- كتاب الطهارة: ج 3/339.
2- التهذيب: ج 1/161 ح 34، وسائل الشيعة: ج 2/309 ب 17 من أبواب الحيض ح 2215.
3- الكافي: ج 3/80 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/309 ب 17 من أبواب الحيض ح 2213.
4- صفحة 303 من هذا المجلّد.
5- الكافي: ج 3/80 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/309 الباب 17 ح 2214.

احتملت العود، ولا يجب عليها الاستظهار، بلا خلافٍ ظاهر، إلّاعن المصنّف رحمه الله في «المختلف»(1) على ما نسبه إليه الشهيدان، كما في «طهارة» شيخنا الأعظم رحمه الله(2)، لإطلاق قوله عليه السلام في صحيح محمّد بن مسلم: «وإنْ لم ترَ شيئاً فلتغتسل». وقوله عليه السلام في المرسل(3): «وإنْ لم يخرج فقد طَهُرت تغتسل».

ومعه لا مورد للرجوع إلى أصالة بقاء الحيض، مضافاً إلى عدم جريانها في نفسها، لأنّ الدّم في الرّحم لا يصدق عليه الحيض، كما عرفت في بعض المسائل المتقدّمة، فما علم حيضيّته زال، وحدوث فردٍ آخر مشكوك فيه، وإنْ كان الثاني على فرض حدوثه ملحقاً بالأوّل شرعاً. فتدبّر حتّى لا تبادر بالإشكال.

مضافاً إلى ما تقدّم من عدم حجيّة هذا الأصل في هذا الباب.

وقول الشهيد رحمه الله في «الدروس»(4): (لزوم الإستظهار فيما إذا ظَنّتِ العود لعادةٍ أو غيرها).

يرد عليه: بلزوم الحرج لو وجب الغُسل، والعبادة بمجرّد احتمال العود ولو ظنّاً، وهو ممنوعٌ .

وفي «المدارك»(5) وعن «الذخيرة»(6): لزومه فيما إذا ظنَّتِ العود لعادةٍ ، كما لو اعتادت النقاء في أثناء العادة، ثمّ رأت الدّم.

واستدلّ له: بإطلاق ما دلّ على ترك العبادة أيّام العادة وبإطّراد العادة،9.

ص: 379


1- المختلف: ج 1/361 في مسألة عقدها لهذا الأمر.
2- كتاب الطهارة: ج 3/340.
3- الكافي: ج 3/80 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/309 ب 17 من أبواب الحيض ح 2213.
4- الدروس: ج 1/98.
5- مدارك الأحكام: ج 1/332.
6- ذخيرة المعاد: ج 1/69.

وبلزوم الحرج.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّه إنّما يدلّ على ترك العبادة عند رؤية الدّم المردّد بين الحيض وغيره، ولا يشمل مورد الشكّ في وجود الدّم.

وأمّا الثاني: فلأنّ الإطّراد إنّما يوجب الظنّ بالعود لا العلم، وهو لا يُغني من الحقّ شيئاً.

وأمّا الثالث: فلما عرفت آنفاً.

نعم، لو عَلِمت العود قبل العَشَرة، لا يجب عليها الغُسل والعبادة، بناءً على ما عرفت من أنّ النقاء المتخلّل في حكم الحيض.

2 - وإنْ خَرَجت القُطنة ملطّخة:

ألف: فإنْ كانت ملطّخة بالدّم، صبرتْ حتّى تنقى، أو تنقضي عشرة أيّام، بلا خلافٍ ظاهر.

ويشهد له في غير ذات العادة: موثّق ابن بُكير(1)، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا رأت المرأة الدّم في أوّل حيضها، فاستمرّ الدّم، تَرَكت الصّلاة عشرة أيّام».

وفي مضمر سماعة: «فلها أنْ تجلس وتَدَع الصّلاة مادامت ترى الدّم، ما لم يجز العشرة»(2).

ونحوهما غيرهما.

ويشهد لذت العادة: ما دلّ على طريقيّة العادة.

ب: وإن كانت ملطّخة بالصُّفرة:2.

ص: 380


1- التهذيب: ج 1/381 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2162.
2- الكافي: ج 3/79 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/304 ب 14 من أبواب الحيض ح 2202.

فإنْ كان في العادة فكذلك، لما عرفت من طريقيّة العادة.

وأمّا لو كان في غيرها، فقد استدلّ لوجوب الغُسل والعبادة عليها بما دلّ على أنّ الصُّفرة بعد الحيض ليست بحيض(1):

بقوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم المتقدّم: «وإنْ رأت بعد الصُّفرة فلتتوضّأ».

وبمفهوم قوله عليه السلام في المرسل المتقدّم: «فإنْ خَرَج على رأس القُطنة مثل رأس الذُّباب دمّ عبيط... الخ».

وأورد على الأولين: بأنّه يتعيّن حملهما على ما بعد مدّة الاستظهار، لصحيح سعيد بن يسار، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«عن المرأة تحيض، ثمّ تطهر وربما رأتْ بعد ذلك الشيء من الدّم الرقيق بعد إغتسالها من طهرها؟ فقال عليه السلام: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة، ثمّ تُصلّي»(2).

وعلى الأخير: بأنّه غَير جامعٍ لشرائط الحجيّة.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ الصحيح كسائر نصوص الإستظهار مختصٌّ بمن تكون عادتها أقلّ من عشرة، كما يشهد به قوله عليه السلام: «تستظهر بعد أيّامها... الخ».

وأمّا الثاني: فلما مرّ من حجيّة مراسيل يونس.

وبالجملة: فالأظهر وجوبهما عليها.

***4.

ص: 381


1- وسائل الشيعة: ج 2، ص 278 روايات الباب 4.
2- التهذيب: ج 1/172 ح 62، وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2194.
الإستظهار

وإن كانت ذاتُ عادةٍ أقلّ من عَشَرة: فحكمها حكم غيرها، مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة، ويحكم بحيضيّة الجميع، لما تقدّم من الإجماع وغيره.

وأمّا إذا احتملت التجاوز، فلا إشكال ولا ريب في أنّ الإستظهار، وهو طلب ظهور حال الدّم بترك العبادة في الجملة مشروعٌ لها.

وعن المحقّق(1) والمصنّف في «التذكرة»(2) وسيّد «المدارك»(3) و «المفاتيح»(4):

دعوى الاتّفاق عليه.

وتشهد له: نصوصٌ متواترة على اختلاف مضامينها، فإنّها بعد إتفاقها على مشروعيّته، مختلفة من حيث الإطلاق والتقييد بين تسعة مضامين:

المضمون الأوّل: ما تضمّن الأمر بالإستظهار، من دون تعرّض لمقداره؛ كموثّق يونس بن يعقوب(5)، قال: «سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

تجلس النفساء أيّام حيضها التي كانت تحيض، ثمّ تستظهر وتُصلّي».

ونحوه مرسل إبن مغيرة(6).

المضمون الثاني: ما دلّ على أنّها تستظهر بيومٍ واحد؛ كموثّق إسحاق بن جرير(7)، عنه عليه السلام:

ص: 382


1- المعتبر: ج 1/215.
2- التذكرة: ج 1/276.
3- مدارك الأحكام: ج 1/332.
4- كما حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/294 (حكم استظهار ذات العادة).
5- الكافي: ج 3/99 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/381 ب 1 من أبواب النفاس ح 2408.
6- الكافي: ج 3/77 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/301 ب 13 من أبواب الحيض ح 2188.
7- الكافي ج 3 ص 91 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.

«في المرأة تحيض، فتجوز أيّام حيضها؟ قال عليه السلام: إن كانت أيّام حيضها دون عشرة أيّام، استظهرت بيومٍ واحد، ثمّ هي مستحاضة».

ونحوه أخبار زرارة، ومحمّد بن مسلم(1)، ومالك بن أعين(2)، وداود مولى أبي المغرا(3).

المضمون الثالث: ما دلّ على أنّها تستظهر بيومين، كصحيح زرارة(4)، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «قلتُ له: النفساء متى تصلّي ؟ قال عليه السلام: تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين إن انقطع الدّم، وإلّا اغتسلت - إلى أنْ قال - قلت: والحائض ؟ قال عليه السلام: مثل ذلك». ونحوه موثّقه(5).

المضمون الرابع: ما تضمّن الأمر باستظهارها ثلاثة أيّام؛ كخبر محمّد بن عمر ابن سعيد(6)، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «عن الطامث وحدّ جلوسها؟ قال عليه السلام:

تنتظر عدّة ما كانت تحيض، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة». ونحوه موثّقا(7) سماعة.

المضمون الخامس: ما دلّ على أنّها تستظهر بيوم أو بيومين؛ كصحيح زرارة(8):

«المستحاضة تكفّ عن الصّلاة أيّام أقرائها، وتحتاط بيومٍ أو اثنين، ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات».1.

ص: 383


1- وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2191، وقد رواها زرارة أيضاً.
2- الاستبصار: ج 1/152 ب 91 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/383 ب 3 ح 2415.
3- وسائل الشيعة: ج 2/301 ب 13 من أبواب الحيض ح 2190.
4- الكافي: ج 3/99 ح 4، وسائل الشيعة: ج 2/373 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2394.
5- الكافي: ج 3/99 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/383 ب 3 من أبواب النفاس ح 2413.
6- التهذيب: ج 1/172 ح 63، وسائل الشيعة: ج 2/303 ب 13 من أبواب الحيض ح 2196.
7- الكافي: ج 3/77 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/300 ب 13 من أبواب الحيض ح 2187.
8- التهذيب: ج 1/401 ح 76، وسائل الشيعة: ج 2/376 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2401.

ونحوه موثّقاه(1)، وأخبار محمّد بن مسلم(2)، والبصري(3)، والجُعفي(4).

المضمون السادس: ما دلّ على أنّها تستظهر بيومين أو ثلاثة، كصحيح سعيد ابن يسار(5)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المرأة تحيض ثمّ تطهر، وربما رأت بعد ذلك الشيء من الدّم الرقيق بعد اغتسالها من طُهرها؟ فقال عليه السلام: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة». ونحوه خبر حُمران(6).

المضمون السابع: ما تضمّن أنّها تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة؛ كصحيح البزنطي(7)، عن الإمام الرضا عليه السلام:

«سألته عن الطامث كم تستظهر؟ قال عليه السلام: تستظهر بيوم أو بيومين ثلاثة».

المضمون الثامن: ما دلّ على أنّها تستظهر إلى العشرة؛ كموثّق يونس بن يعقوب(8)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن المرأة رأتِ الدّم في حيضها حتّى تجاوز وقتها، متى ينبغي لها أن تُصلّي ؟ قال عليه السلام: تنتظر عادتها الّتي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام».8.

ص: 384


1- وسائل الشيعة: ج 2/304 ب 13 من أبواب الحيض ح 2199 و 2200.
2- وسائل الشيعة: ج 2 ب 13 من أبواب الحيض ص 304 ح 2201.
3- التهذيب: ج 1/400 ح 63، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397. وهو مروي عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، وقد ورد في اختيار الطوسي: أنّ أبا عبد اللّه رجلٌ من أهل البصرة اسمه ميمون: ج 2/599 ترجمة رقم 562. وقال النجاشي: (إسماعيل بن همام بن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ميمون البصري واسماعيل.... ثقة هو وأبوه وجدّه) رجال النجاشي ترجمة رقم 62 ص 30. أقول: فالمعروف بالبصري هو أبو عبد اللّه ولكن اُطلقت على ولده، ولذا عبَّر عن روايته برواية البصري.
4- وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2193.
5- التهذيب: ج 1/172 ح 62، وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2194.
6- وسائل الشيعة: ج 2/386 ب 3 من أبواب النفاس ح 2422، نقلاً عن منتقى الجمان.
7- الاستبصار: ج 1/149 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2195.
8- التهذيب: ج 1/402 ح 82، وسائل الشيعة: ج 2/303 ب 13 من أبواب الحيض ح 2198.

وفي مرسل ابن المغيرة(1):

«إن كان قُرؤها دون العشرة إنتظرت العشرة، إن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر».

المضمون التاسع: ما تضمّن أنّها تستظهر بمثل ثلثي أيّامها؛ كموثّق أبي بصير(2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«النفساء إذا ابتُليت بأيّام كثيرة مثل أيّامها الّتي كانت تجلس قبل ذلك، واستظهرت بمثل ثلثي أيّامها».

أقول: فهذا في الجملة ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّه على الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة ؟

المقام الثاني: في مقداره.

أمّا المقام الأوّل: فالمنسوب إلى عامّة المتأخّرين(3) الاستحباب.

وعن «مجمع الفائدة»(4) و «المعتبر»(5) و «الذخيرة»(6): الإباحة.

وعن «الاستبصار»(7) و «السرائر»(8) و «النهاية»(9) و «الجمل»(10)6.

ص: 385


1- التهذيب: ج 1/172 ح 65، وسائل الشيعة: ج 2/303 الباب 13 من أبواب الحيض ح 2197.
2- التهذيب: ج 1/403 ح 85، وسائل الشيعة: ج 2/389 ب 3 من أبواب النفاس ح 2431.
3- كصاحب العروة وعدّة من المحشّين عليها، العروة ج 1 المسألة 23 من مسائل الحيض.
4- مجمع الفائدة: ج 1/149.
5- المعتبر: ج 1/216.
6- ذخيرة المعاد: ج 1/70.
7- الاستبصار: ج 1/149.
8- السرائر: ج 1/149.
9- النهاية يظهر ذلك من كلامه: ص 24.
10- نسبه إليه البحراني في حدائقه: ج 3/216.

و «مصباح» السيّد(1) و «الوسيلة»(2) و «الشرائع»(3) و «التحرير»(4) و «المختلف»(5)و «الإرشاد»(6) وغيرها: الوجوب.

وعن الوحيد وغيره: اختصاص مشروعيّته بالدور الأوّل، ومالَ إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله(7).

وعن «المدارك»(8): لزوم الإستظهار في الواجد للصِّفة، وعدم مشروعيّته في الفاقد.

وعن «الحدائق»(9): (اختصاص المشروعيّة بمَن تتخلّف عادتها أحياناً، وأمّا القول بلزومه لراجية الانقطاع دون غيرها، فهو يرجع إلى القول الثالث، كما لايخفى ).

أقول: والعمدة في هذا الاختلاف، الاختلاف في كيفيّة الجمع بين هذه النصوص، والنصوص القادمة في مسألة تجاوز دمّ ذي العادة عن العشرة، الدالّة بظاهرها على المنع عن الإستظهار، و ترتيب أحكام المستحاضة، والاقتصار على العادة:

منها: مرسلة يونس الطويلة(10) في المستحاضة المعتادة، فقد وردَ فيها أوّلاً:9.

ص: 386


1- المصباح لم نجد الكتاب.. لكن نسبه إليه البحراني في حدائقه: ج 3/216.
2- الوسيلة لإبن حمزة الطوسي: ص 58.
3- الشرائع: ج 1/24 المسألة الثالثة، حيث يظهر منه وجوب الغُسل بعد يوم أو يومين.
4- التحرير: ج 1/105 على ما يظهر. وفي النفساء استقرب عدم الوجوب ص 113.
5- المختلف: ج 1 ص 361.
6- إرشاد الأذهان: ج 1 / ص 277، قوله: (فإنْ خرجت القُطنة نقيّة فطاهر، وإلّا صبرت المعتادة يومين).
7- جواهر الكلام: ج 3/198.
8- مدارك الأحكام: ج 1/334.
9- الحدائق الناضرة: ج 1/152.
10- الكافي: ج 3/183 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.

«لا وقت لها إلّاأيّامها».

كما ورد فيها ثانياً: «تعمل عليه، وتدَع ما سواه وتكون سُنَّتها فيما تستقبل إنْ إستحاضت».

وورد فيها ثالثاً في المضطربة المأمورة بالتحيّض سبعاً: «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، لما قال لها تحيّضي سبعاً».

فيكون عليه السلام قد أمرها بترك الصّلاة أيّاماً، وهي مستحاضة، فإنّه يدلّ على أنّ الشارع لم يأمر بترك الصّلاة بعد أيّام العادة.

ومنها: صحيح معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«المستحاضة تنتظر أيّامها، فلا تُصلّي فيها ولا يقربها بعلها، وإنْ جازت أيّامها ورأت الدّم يثقبُ الكُرْسُف إغتسلت وصلّت»(1).

ومنها: موثّق سماعة: «المستحاضة تصوم شهر رمضان إلّاالأيّام التي كانت تحيض فيها»(2).

ومنها: خبر ابن أبي يعفور: «المستحاضة إذا مضت أيّام قُرئها إغتسلت»(3).

ومنها: مرسلة يونس القصيرة: «كلّما رأته بعد أيّام حيضها، فليس من الحيض»(4).

ومنها: موثّق مالك بن أعين، عن الإمام الباقر عليه السلام:

«عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال عليه السلام: تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة، فلا يقربها في مدّة تلك الأيّام من الشهر، ويغشاها9.

ص: 387


1- الكافي: ج 3/88 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/317 ب 24 من أبواب الحيض ح 2236.
2- الكافي ج 4 ص 135 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/378 ب 2 من أبواب الحيض ح 2405.
3- التهذيب: ج 1/402 ب 19 ح 81، وسائل الشيعة: ج 2/376 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2431.
4- التهذيب: ج 1/157 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/284 الباب 13 من أبواب الحيض ح 2149.

فيما سوى ذلك»(1)، ونحوها غيرها.

ومنها: المستفيضة(2): «أنّ الصُّفرة بعد الحيض ليست من الحيض».

وعن «المبسوط»(3): (رُوي عنهم: «أنّ الصُّفرة في أيّام الحيض حيض، وفي أيّام الطُهر طهر».

أقول: وقد ذكروا للجمع بين الطائفتين وجوهاً:

الوجه الأوّل: حمل أخبار الإستظهار على الاستحباب، بقرينة نصوص الاقتصار على العادة.

وفيه: أنّه في نصوص الإستظهار أمرٌ بالإستظهار، وفي نصوص الاقتصار أمرٌ بالعبادة والغُسل، فأيُّ ترجيحٍ للاُولى كي يُحمل الأمر فيها على الاستحباب، فلِمَ لا يحمل الأمر في الثانية عليه ؟!

والتعبير عن الإستظهار في بعض النصوص بالاحتياط لا يكون مرجّحاً، لأنّه يمكن أنْ يكون علّة في الترخيص في ترك الواجب، مع أنّ موثّق ابن أعين كالصريح في حرمة الجماع بعد يوم من العادة، فلا يمكن حمله على ذلك.

مضافاً إلى عدم كون هذا الجمع جمعاً عرفيّاً، كما يظهر لمن جَمَع الجملتين في كلام واحد، فإنّه يظهر عدم قرينيّة إحداهما للأُخرى.

ودعوى: أنّ صحيح ابن مسلم المروي عن(4) أبي جعفر عليه السلام:

«عن النفساء كم تقعد؟ فقال عليه السلام: إنّ أسماء بنت عُميس أمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تغتسل لثمان عشرة، ولا بأس بأنْ تستظهر بيومٍ أو بيومين».6.

ص: 388


1- التهذيب: ج 1/402 ح 80، وسائل الشيعة: ج 2/320 الباب 24 من أبواب الحيض ح 2246.
2- وسائل الشيعة: ج 2 الباب 4 من أبواب الحيض ص 279 ح 2137، و ح 2140 ص 280.
3- المبسوط: ج 1/44.
4- التهذيب: ج 1/178 ح 83، وسائل الشيعة: ج 2/387 ب 3 من أبواب النفاس ح 2426.

صريحٌ في عدم وجوب الإستظهار، وبه ترفع اليد عن ظاهر تلك النصوص.

مندفعة: بما سيجئ في باب النفاس أنّ فيه خللاً لا يمكن العمل به، فانتظر.

الوجه الثاني: حمل أخبارالاستظهار على الإباحة، لورودهامورد توهّم الحظر.

وفيه: أنّ أخبار الاقتصار على العادة أولى بذلك، لأنّ مقتضى الاستصحاب أيضاً هو التحيّض، كما سيمرّ عليك فتأمّل، ولا أقلّ من التساوي، وعليه فلا موجب لتعيّن حمل أخبار الإستظهار على ذلك كما لا يخفى.

ودعوى: إمتناع حَمْل نصوص الاقتصار عليها، لأنّ إستحباب ترك العبادة لا معنى له.

مندفعة: بأنّه ممكنٌ كما في بعض موارد العبادات المكروهة.

وبالجملة: وبما ذكرناه ظهر عدم صحّة هذا الحمل في نفسه.

الوجه الثالث: ما في «المدارك»(1): (ويمكن الجمع بينهما بحمل أخبار الإستظهار على ما إذا كان الدّم بصفة الحيض، والأخبار المتضمّنة للعدم على ما إذا لم يكن ذلك، واحتمله المصنّف في «المعتبر»)(2). انتهى.

وفيه: أنّ صحيح سعيد المتقدّم يأبى عن هذا الحمل، وأيضاً حمل جميع أخبار الاقتصار على الفاقد كما ترى.

الوجه الرابع: ما في «الحدائق»(3) من الجمع بأحد وجهين:

1 - إمّا حَمل أخبار الاقتصار على التقيّة، لاتّفاق الأصحاب على العمل بمعارضها، ولأنّ القول بالإقتصار مذهب الجمهور إلّامالكاً(4).1.

ص: 389


1- مدارك الأحكام: ج 1/334.
2- المعتبر: ج 2/207.
3- الحدائق: ج 3/220.
4- المدوّنة الكبرى: ج 1/51.

2 - وإمّا تخصيص أخبار الاستظهار بغير مستقيمة الحيض، وتقييد الأخبار الأخيرة بمن كانت مستقيمة الحيض لا زيادة فيها ولا نقصان، ولا تقدّم ولا تأخّر.

والمستند في هذا الجمع، موثّق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه(1)، عن الإمام الصادق عليه السلام: «في المستحاضة تقعد أيّام قُرئها الّتي كانت تحيض فيها، فإنْ كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به، وإنْ كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل».

وموثّق ابن أعين(2) المتقدّم، وفيه تقييد الحيض بالإستقامة.

أمّا الوجه الأوّل، فيرد عليه: أنّ الحمل على التقيّة إنّما يكون فيما إذا لم يمكن الجمع العرفي، وكان بعض المرجّحات مفقوداً.

وبعبارة اُخرى: إنّ موافقة الجمهور إنّما تكون من مرجّحات إحدى الحجّتين على الاُخرى ، بعد فقد جملةٍ من المرجّحات، لا من مميّزات الحُجّة عن اللّاحجّة.

وأمّا الوجه الثاني، فيرد عليه: أن مورد موثّق البصري(3) هي الدّامية اليائسة عن انقطاع الدّم، وأمّا أخبار الإستظهار فهي بين ظاهرة في غير اليائسة، وظاهرة في غير الدّامية، بل لا معنى للإستظهار فيها كما لا يخفى.

وعليه، فلا وجه لحمل الاحتياط فيه على الإستظهار.

وحيث أنّ الأصحاب لم يحكموا بترك العبادة لمجرّد احتمال كون الدّم حيضاً من غير مراقبة الانقطاع، فلابدّ من حمله على الاحتياط في خصوص مورده من الوطي وطواف البيت.

مع أنّه لو سُلّم شمول أخبار الإستظهار لها، فإنّه إنّما يكون شاهداً للجمع بين نصوص الإستظهار ونصوص الاقتصار الواردة في الدّامية، إذ لو لم يتمّ ما ذكرناه في7.

ص: 390


1- وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397.
2- التهذيب: ج 1/402 ح 80، وسائل الشيعة: ج 2/320 ب 24 من أبواب الحيض ح 2246.
3- التهذيب: ج 5/400 ح 36، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397.

الموثّق - تبعاً لسيّد مشايخنا رحمه الله(1) القائل بأنّ مورده الدّامية اليائسة - فلا شبهة في أنّ مورده الدّامية.

أمّا ما ورد منها في غيرها، فلا يصلح شاهداً للجمع بينهما.

وأمّا موثّق ابن أعين، فلا مفهوم له، كي يصلح شاهداً للجمع بين الطائفتين، كما لا يخفى.

الوجه الخامس: ما في «الجواهر»(2): (إنّه قد يُقال إنّها - أي نصوص الاقتصار - مخصّصة بغير أيّام الإستظهار قطعاً).

وفي «طهارة» شيخنا الأعظم(3): (ضعفُه غنيٌّ عن البيان، فإنّ بعضها صريحٌ في الاقتصار على أيّام العادة. فلاحظ).

الوجه السادس: ما عن «شارح المفاتيح»(4) من حمل نصوص الاقتصار على الدّامية، وهي الّتي يستمرّ بها الدّم من حيضها الأوّل إلى الدورة الثانية فما زاد، وحمل نصوص الإستظهار على الدور الأوّل، ومالَ إليه في «الجواهر».

وفيه: إنّ بعض نصوص الاقتصار ظاهرٌ في الدور الأوّل، ويكون آبياً عن الحمل على الدور الثاني، لاحظ صحيح زرارة في النفساء(5)، ومرسلتي يونس الطويلة(6) والقصيرة(7)، ومرسلة داود(8) المتقدّمة، كما أنّ بعض أخبار الإستظهار0.

ص: 391


1- راجع كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: ج 1/230 (ط. ق).
2- جواهر الكلام: ج 3/201.
3- كتاب الطهارة: ج 3/352.
4- مصابيح الظلام: ص 37 (مخطوط).
5- الكافي: ج 3/97 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/382 ب 3 من أبواب النفاس ح 2412.
6- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.
7- التهذيب: ج 1/157 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 7 من أبواب الحيض ح 2169.
8- الكافي: ج 3/90 ح 7، وسائل الشيعة: ج 2/301 ب 13 من أبواب الحيض ح 2190.

أيضاً يأبى عن هذا الحمل، لا حظ خبر الجُعفي(1)، وصحيح زرارة(2) الوارد في إستظهار المبتدئة، وموثّق البصري(3) المتقدّم.

وحقّ القول في المقام يقتضي بأنْ يقال: إنّ نصوص الاقتصار على العادة على طوائف:

الطائفة الأُولى : ما ورد في مقام بيان الحكم الواقعي للمستحاضة، ولا نظر لها إلى الحكم الظاهري فيما إذا احتملت الانقطاع قبل العشرة، كمرسل يونس الطويل(4).

الطائفة الثانية: ما ورد في الدّامية اليائسة عن الانقطاع، كموثّق البصري المتقدّم، النافي للإستظهار عن المستقيمة الحيض.

الطائفة الثالثة: ما هو مطلقٌ شاملٌ لليائسة عن الانقطاع والراجية له، كأكثر النصوص المتقدّمة.

الطائفة الرابعة: ما دلّ على أنّ الصُّفرة بعد الحيض ليست بحيض.

أقول: وشيء من هذه الطوائف لا يصلح للمعارضة مع نصوص الإستظهار.

أمّا الأُولى : فلأنّ نصوص الإستظهار، في مقام جعل حكمٍ ظاهري لمن لا تعلم أنّها حائض أو مستحاضة.

وأمّا الثانية: فلإختصاص نصوص الإستظهار بالراجية للإنقطاع، كما تشهد له مادّة (الإستظهار)، والتعبير في بعض نصوصه ب (الإنتظار)، وصحيح زرارة،9.

ص: 392


1- التهذيب: ج 1/171 ح 60، وسائل الشيعة: ج 2/302 ب 13 من أبواب الحيض ح 2193.
2- التهذيب: ج 1/401 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2157.
3- التهذيب: ج 5/400 ح 36، وسائل الشيعة: ج 2/375 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2397.
4- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.

ومرسل داود، وموثّق سماعة، وخبر الجُعفي، ورواية حمران المتضمّنة أنّه إن انقطع وإلّا اغتسلت.

وأمّا الثالثة: فلأنّه يتعيّن تقييد إطلاقها بنصوص الإستظهار، لأخصّيتها منها كما لا يخفى.

وأمّا الرابعة: فلما تقدّم من أنّه يتعيّن تقييد إطلاقها بما دلّ على أنّ ما تراه قبل العَشَرة فهو من الحيضة الاُولى، مع أنّ الظاهر ورودها في مقام بيان الحكم الواقعي.

فتحصّل: أنّ الأقوى لزوم الإستظهار.

***

ص: 393

مقدار الإستظهار

وأمّا المقام الثاني: فعن المشهور التخيير بين اليوم واليومين.

وقيل: إنّه ثلاثة بل عن الحلّي(1) والمصنّف رحمه الله(2) و «المدارك»(3): أنّه الأشهر.

وعن جماعةٍ (4): التخيير بين اليوم واليومين والثلاثة.

وعن المفيد(5) والشهيد(6) و «مجمع البرهان»(7): أنّه إلى العشرة.

أقول: ومنشأ التضارب في الأقوال اختلاف الأخبار.

وقد يقال في مقام الجمع بينها: إنّ الأمر بالإستظهار إنّما يكون لأجل ظهور الحال، وهو قد يحصل بيومٍ واحد، وقد لا يحصل إلّابالصبر إلى العشرة، فيكون اختلاف النصوص محمولاً على اختلاف الزمان الذي يحصل به الظهور.

وأوردعليه: بأنّ حمل الأخبارالمعيّنة لليوم واليومين والثلاثة على المثال بعيدٌ.

أقول: إنّه وإن سُلّم بُعده في نفسه، إلّاأنّه بقرينة:

1 - لفظ (الإستظهار) الذي هو بمعنى طلب ظهور الحال.

2 - وعدم مشروعيّة الإستظهار لمن عَلمت التجاوز عن العشرة.

ص: 394


1- ذهب الحلّي في المختصر النافع: ص 10، وفي المعتبر للقول بالإستظهار يوماً أو يومين، ولم نجد نسبته إلى الأشهر.
2- ليس في المختلف والمنتهى والتذكرة ونهاية الاحكام والتحرير إلّااختيار التخيير بين اليوم واليومين من دون إشارة إلى أنّه الأشهر. راجع الأَجزاء الأُولى لها ص 361 وص 317 و 277 وص 132 وص 105 من هذه الكتب.
3- ليس في المدارك إلّاما اختاره من التخيير بين اليوم واليومين والثلاثة: ج 1/335.
4- كصاحب الحدائق الناضرة: ج 3/223. ونقله عن صاحب المدارك، وهو في المدارك: ج 1 ص 335.
5- كما قد يظهر من كتابه أحكام النساء: ص 19.
6- في الروض ما حاصله: أنّ كلّ دمّ ينقطع على العشرة فما دون فهو حيض: ص 65.
7- مجمع الفائدة والبرهان: ج 1/149.

3 - وأنّ الدّم إذا انقطع على العشرة أو أقلّ فالمجموع حيض، وإذا تجاوز عنها يكون مازاد عن العادة إستحاضة.

يتعيّن حمل اختلاف النصوص على ذلك.

فمحصّل مفاد النصوص: أنّها تستظهر بيومٍ ، فإنْ اِنقطع الدّم أو يئستْ من إنقطاعه قبل العشرة فهو، وإلّا فيوم آخر إلى أنْ يمضي عشرة أيّام.

وعن جماعةٍ : حمل إختلافها على اختلاف العادات، بدعوى أنّ ما يظهر به الحال بحسب عادات النساء مختلفة: فذات التسعة يظهر حالها بيوم واحد، وذات الثمانية بيومين، وذات السبعة بثلاثة، وهكذا، فجميع الأخبار محمولة على الصبر إلى العشرة.

وغاية ما يمكن أنْ يقال في تقريب هذا الوجه: إنّ ما دلّ على الإستظهار بيومٍ بعد ملاحظة ما دلّ على أنّ مجموع أيّام العادة والإستظهار، لابدّ وأن لا يزيد على العشرة في نفسه، وإنْ كان يشمل ذات التسعة فما دون، إلّاأنّ ما دلّ على أنّه يومان على هذا يكون أخصّ منه، لاختصاصه بذات الثمانية فما دون، فيخصّص به، فيختصّ بذات التسعة.

وبعين هذا التقريب يكون ما دلّ على أنّه ثلاثة أخصّ من ما دلّ على أنّه يومان، لاختصاصه بذات السبعة فما دون، فيختصّ ما دلّ على أنّه يومان بذات الثمانية بالتقريب، وما دلّ على أنّه ثلاثة بعين هذا التقريب يُخصّص بأخبار ثلثي العادة، لإختصاصها بذات الستّة فما دون، فيختصّ بذات السبعة، فيقع التعارض بين أخبار ثلثي العادة، وبين ما دلّ على الانتظار إلى العشرة، والنسبة بينهما عموم من وجه، لتوافقهما في ذات التسعة، وتخالفهما في ذات الخمسة فما دون، وحيث أنّ

ص: 395

استقرار العادة على ما دون الستّة نادر، فيمكن دعوى اختصاص أخبار ثلثي العادة بذات الستّة.

ولكن يَردُ على هذا الوجه: أنّه تتوقّف صحّته على القول بجواز ملاحظة النسبة بين المتعارضين، بعد تخصيص أحدهما بالمنفصل، لأنّ أخصّية كلّ من الأخبار المتعارضة في المقام عن الآخر، تتوقّف على تقييده بما دلّ على أنّ أكثر الحيض عشرة، وهو خلاف ما حقّقناه في كتابنا «زبدة الاُصول» في مبحث إنقلاب النسبة(1)، مع أنّه مستلزمٌ لتخصيص الأكثر في جملةٍ من نصوص الباب.

وبالجملة: وبما ذكرناه يظهر ضعف ما ذكره جماعةٌ من مشايخنا المحقّقين(2)، من حمل اختلاف الأخبار على التخيير في مدّة الإستظهار، مع الالتزام بوجوبه في الجملة، أو استحباب جميع مراتبه، على اختلاف المسلكين كما لا يخفى.

أقول: ثمّ إنّه إن استظهرتْ وتجاوز الدّم عن العشرة، فسيجئ حكمها، وإن اِنقطع قبل العشرة فالمجموع حيض كما عرفت، وحينئذٍ إن إستظهرت بيوم أو يومين ويئستْ عن الانقطاع قبل العشرة، أو بنينا على عدم وجوب الإستظهار أكثر من يوم واحد أو يومين، وعملت ما تعمله المستحاضة في صلاتها وصومها، قضت ما فعلته من صوم كما هو المشهور، بل عن غير واحدٍ(3) دعوى الإجماع عليه، لأنّه اِنكشف بالإنقطاع كونها حائضاً في مجموع المدّة، فصومها في تلك المدّة باطل.

وعن «المدارك»(4) و «المفاتيح» و «الحدائق»(5): الإشكال في المسألة، نظراً إلى3.

ص: 396


1- زبدة الأُصول: ج 6/406 مبحث: انقلاب النسبة.
2- كجامع المدارك للخوانساري: ج 8/9.
3- كما نقل حكايته في الرياض: ج 1/375.
4- مدارك الأحكام: ج 1/336.
5- الحدائق الناضرة: ج 3/223.

ما دلَّ على أنّه إن اِستظهرت بيوم أو يومين فهي مستحاضة.

وفيه: أنّه لا منافاة بين أن تكون المرأة حائضاً واقعاً ويحكم بذلك بعد الإنكشاف، ولكن مع ذلك يُحكم عليها قبل الإنكشاف بأنّها مستحاضة ظاهراً، أي مأمورة بأنْ تعمل عمل المستحاضة.

وأمّا أصالة بقاء الحيض وأحكامه، فقد مرَّ الكلام فيها، وعرفت عدم جريانها.

***

ص: 397

فإنْ كانتِ المرأة ذاتَ عادةٍ وقتيّة رَجَعتْ اليها.

حكم تجاوز الدَّم العَشَرة
اشارة

لو تجاوز الدَّمُ العَشرة (فإنْ كانت المرأة ذات عادة وقتيّة رجعتْ إليها)، أي إلى عادتها، بأنْ تجعل عادتها حيضاً، حتّى وإن لم تكن بصفات الحيض، والبقيّة استحاضة وإن كانت بصفاته، من غير فرقٍ بين العادة الحاصلة من التمييز، وبين الحاصلة من العادة المتعارفة، كما هو المشهور.

أقول: هاهنا أحكام:

الأوّل: جَعْل ذات العادة عادتها حيضاً، ممّا لا خلاف فيه في الجملة، وعن غير واحد(1) دعوى الإجماع عليه.

وفي «طهارة» شيخنا الأنصاري رحمه الله(2): (بإجماع العلماء عدا مالك كما عن المعتبر).

ويشهد له: ما دلّ على أنّ ما في العادة حيض، ونصوص الإستظهار المتقدّمة، وما دلّ على الاقتصار على العادة من غير فرقٍ بين كون ما في العادة بصفات الحيض وعدمه، لإطلاق الأدلّة المتقدّمة.

نعم، في ما إذا كان ما في خارج العادة واجداً للصفات، وما فيها فاقداً لها كلامٌ سيأتي إن شاء اللّه تعالى .

الثاني: تجعل البقيّة استحاضة، وهذا أيضاً في الجملة ممّا لا خلاف فيه، ويشهد

ص: 398


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 3/262.
2- كتاب الطهارة: ج 3/228.

له جملة من النصوص:

منها: صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«المستحاضة تنتظر أيّامها، فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها، وإن جازت أيّامها، ورأت الدّم يثقب الكُرْسُف اغتسلت وصلّت»(1).

ومنها: موثّق مالك بن أعين، قال: «سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال عليه السلام: تنتظر الأيّام التي كانت تحيض فيها، وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في مدّة تلك الأيّام من الشهر، ويغشاها فيما سوى ذلك»(2).

ومنها: موثّق عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في المستحاضة التي لا تطهر، لا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء، إلّا أيّام حيضها»(3).

ومنها: موثّق سماعة: «المستحاضة تصوم شهر رمضان إلّاالأيّام التي كانت تحيض فيها»(4).

ومنها: مرسل يونس الطويل(5): «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع لما قال لها تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصّلاة أيّاماً وهي مستحاضة».

ونحوها غيرها.

الثالث: لا خلاف في جعل البقيّة إستحاضة في غير أيّام الإستظهار، لأنّه9.

ص: 399


1- التهذيب: ج 1/170 ح 56، وسائل الشيعة: ج 2/384 ب 5 من أبواب الحيض ح 2146.
2- التهذيب: ج 1/420 ح 80، وسائل الشيعة: ج 2/320 ب 24 من أبواب الحيض ح 2246.
3- الكافي: ج 3/90 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/372 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 2393.
4- التهذيب: ج 1/401 ح 78، وسائل الشيعة: ج 2/344 ب 39 من أبواب الحيض ح 2320.
5- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.

القدر المتيقّن من النصوص المُشار إليها آنفاً، وإنّما الكلام وقع في خصوص أيّام الإستظهار:

فالمشهور بين الأصحاب ذلك، بل عن غير واحدٍ دعوى الإجماع عليه.

والمحكيّ عن «نهاية الأحكام»(1): الإستشكال في جعل ما تراه في أيّام الإستظهار استحاضة.

وعن «المدارك»(2) و «المفاتيح» و «الكفاية»(3): التوقّف فيه.

وعن السيّد في «المصباح» وظاهر «القواعد»(4) و «الرياض»(5): إلحاقها بالحيض، واستدلّ له:

1 - بنصوص الإستظهار، بدعوى، أنّها تدلّ على أنّها في مدّة الإستظهار كالحائض، ولا يجب عليها قضاء ما فاتها.

2 - وبأنّ وجوب القضاء تابعٌ لوجوب الأداء، فمع عدم وجوبه بل حرمته لا يكون القضاء واجباً.

ولكن يرد على الأوّل: ما عرفت من أنّ نصوص الإستظهار إنّما وردت في مقام بيان الحكم الظاهري، حين عدم العلم بالتجاوز، وأنّها تترك العبادة حتّى يظهر الحال، وهذا لا ينافي ثبوت أحكام المستحاضة عليها واقعاً في صورة تجاوز الدّم عن العَشَرة.5.

ص: 400


1- نهاية الأحكام: ج 1/294. بقوله: (وفي وجوب قضاء اليومين إشكال).
2- مدارك الأحكام: ج 1/336.
3- كفاية الأحكام ص 4.
4- قواعد الأحكام: ج 1/218.
5- رياض المسائل: ج 1/375.

وعلى الثاني: أنّ وجوب القضاء واقعاً تابعٌ لوجوب الأداء واقعاً لا وجوبه ظاهراً، فالأظهر ما اختاره المشهور.

الرابع: إذا اجتمع لها مع العادة تمييزٌ، بأنْ كان ما في العادة فاقداً للصفات، وما في غيرها واجداً لها، ففيه أقوال:

1 - المنسوب إلى المشهور(1): أنّ الاعتبار إنّما هو بالعادة.

2 - وعن الشيخ في «النهاية»(2) و «المصباح»(3) وموضعٍ من «المبسوط»(4)و «الخلاف»(5): أنّها تعمل على التمييز.

3 - وعن «الوسيلة»(6): القول بالتخيير.

4 - وعن المحقّق الثاني(7): الميل إلى التفصيل بين العادة الحاصلة من التمييز فالعبرة بالتمييز، وبين الحاصلة من العادة المتعارفة فالعبرة بالعادة.

أقول: والأظهر هو الأوّل، لعموم ما دلّ على رجوع المستحاضة إلى عادتها.

واستدلّ للقول الثاني: بما دلّ على الرجوع إلى الصفات عند اِشتباه دمّ الحيض بالإستحاضة، المتقدّم في أوّل هذا الباب.

وفيه: أنّ الظاهر من بعض النصوص، أنّه عند الاشتباه جَعَل الشارع العادة أمارةً للحيض، وفي المرتبة المتأخّرة جعل الأوصاف أمارة له.4.

ص: 401


1- اختاره المحقّق في الشرائع، ونسبه الشهيد الثاني للمشهور. راجع مسالك الأفهام: ج 1/70.
2- النهاية: ص 24.
3- الظاهر أنّ المراد مصباح السيّد لا مصباح الشيخ، كما نقله عنه صاحب المستند: ج 2/446.
4- المبسوط: ج 1/48.
5- الخلاف: ج 1/241 المسألة 210.
6- الوسيلة لإبن حمزة الطوسي: ص 60. وهو مختصٌّ بغير المبتدئة.
7- جامع المقاصد: ج 1/294.

وبعبارة اُخرى: الرجوع إلى التمييز إنّما هو مع إنتفاء العادة، لاحظ موثّق ابن جرير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ :

«قالت: فإنّ الدّم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال عليه السلام: تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قالت له: إنّ حيضتها يختلف عليها، وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخّر مثل ذلك، فما علمها به ؟

قال عليه السلام: دمّ الحيض ليس به خفاء، هو دمٌ حارٌّ تجد له حرقة...»(1).

ومرسلة يونس الطويلة المتقدّمة، وفيها:

«لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدّم، لأنّ السُنّة في الحيض أن تكون الصُّفرة والكدرة في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام وعددهااحتاجت حينئذٍإلى معرفة لون الدّم...»(2).

أقول: وبذلك يظهر ضعف القول الثالث، مستنداً إلى أنّه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدّمة وأخبار الصفات.

وأمّا القول الرابع: فاستدل له:

1 - في العادة الحاصلة من الأخذ والانقطاع بما تقدّم.

2 - وفي الحاصلة من التمييز، بأنّ الفرع لا يزيد على الأصل، وبإنصراف نصوص العادة إلى غير ما ثبت بالتمييز، لأنّه خلاف المتعارف.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ ذلك ليس مفاد دليلٍ معتبر، ولا موجب للقطع، فلا يصحّ 9.

ص: 402


1- التهذيب: ج 1/151 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.
2- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.

الاعتماد عليه.

وأمّا الثاني: فلما عرفت مراراً من أنّ الانصراف الناشئ عن قلّة فردٍ لا يوجب تقييد المطلقات.

وبعبارة اُخرى : لا يمنع قلّة المصاديق من التمسّك بالإطلاق.

وعليه، فالأقوى هو القول الأوّل.

وأخيراً: الظاهر من النصوص المشار إليها، عدم الفرق بين إمكان الجمع بين العادة والتمييز، بجمع المجموع وفرضهما حيضين مستقلّين، وقع الفصل بينهما بأقلّ الطهر، وبين ما لا يمكن الجمع بينهما:

فعن «المستند»(1): نسبة القول بالتحيّض بهما معاًفي الصورة الاُولى إلى الأكثر.

وعن المصنّف في «المنتهى »(2): دعوى الاتّفاق عليه، واستدلّ له بعدم التنافي بين الدليلين، فيجب العمل بهما.

وفيه: ما عرفت من ثبوته، لأنّ ظاهر النصوص المتقدّمة آنفاً إنحصار طريقيّة الصفات بصورة فقد العادة.

وبذلك يظهر ما قيل من التحيّض بهما معاً إنْ لم يتجاوز المجموع العشرة، وإنْ اُدّعي في محكي «الرياض»(3) الإجماع عليه، لكن ردّه شيخنا الأنصاري(4): بأنّ أحداً من الأصحاب لم يذكر الجمع بين العادة والتمييز مع الإمكان بجعل المجموع حيضاً. هذا كلّه في ذات العادة.

***6.

ص: 403


1- المستند: ج 2/446.
2- منتهى المطلب: ج 2/295-296، (ط. ج) (في ذكر أنّ طرف القلّة حدّه الثلاثة، والكثرة حدّه العشرة).
3- رياض المسائل: ج 1/366.
4- كتاب الطهارة: ج 3/236.

وإن كانت مبتدِئةً ، أو مضطربة، أو ناسيةً ، ولها تمييز عَمِلت عليه.

الرجوع إلى التمييز
اشارة

(و) أمّا (إنْ كانت) المرأة (مبتدئةً ) بالمعنى الأعمّ ، الشاملة لمن لم تستقرّ لها عادة، بأنْ رأت الدّم مرّتين مختلفتين مثلاً، (أو مضطربةً أو ناسيةً ولها تمييزٌ، عملت عليه)، فتجعل ما كان من الدّم واجداً لصفات الحيض حيضاً، وما كان بصفة الاستحاضة استحاضةً بلا خلافٍ .

وعن «الخلاف»(1): دعوى الإجماع عليه.

وعن «المعتبر»(2): أنّه مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام.

وعن «المنتهى »(3): أنّه مذهب علمائنا.

ويشهد لهما: النصوص المتقدّمة في أوّل مبحث الحيض،(4) المتضمّنة لأماريّة الصفات، كحسن حفص(5): «دخلتُ على أبي عبد اللّه عليه السلام إمرأة فسألته عن المرأة يستمرُّ بها الدّم، فلا تدري دمُ حيضٍ أو غيره ؟ فقال عليه السلام لها: إنّ دمّ الحيض حارٌّ عبيطٌ أسودٌ له دفعٌ وحرارة، ودمّ الاستحاضة أصفرٌ بارد، فإذا كان للدّم حرارة ودفعٌ وسوادٌ، فلتدَع الصّلاة».

وتدلّ على الثاني: مرسلة يونس الطويلة(6) المتقدّمة: «إذا رأيتِ الدّم البحراني

ص: 404


1- الخلاف: ص 230.
2- المعتبر: ج 1/204.
3- منتهى المطلب: ج 1/104 (ط ق).
4- فقه الصادق: ج 2/266.
5- التهذيب: ج 1/151 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2133.
6- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.

فدَعي الصّلاة».

وأمرها هنا أن تنظر إلى الدّم إذا أقبل وإذا أدبر وتغيّر. وقوله: (البحراني) شبّه قوله صلى الله عليه و آله: أنّ دمّ الحيض أسودٌ يُعرف.... الخ.

وموثّق إسحاق بن جرير(1): «دخلتْ على أبي عبد اللّه عليه السلام امرأةً فسألَتهُ عن المرأة - إلى أنْ قالت له - إنّ أيّام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين والثلاثة، ويتأخّر مثل ذلك، فما عملها به ؟

قال عليه السلام: دمّ الحيض ليس به خفاء، هو دمٌ حارٌّ له حرقة، ودمّ الاستحاضة دمّ فاسد بارد.. الخ».

واعترض صاحب «الحدائق» رحمه الله(2): على القوم، بأنّ مرسلة يونس الطويلة تدلّ على أنّ سُنّة المبتدئة الرجوع إلى العدد لا إلى التمييز، وأن الرجوع إليه من أحكام المضطربة خاصّة. لاحظ قوله عليه السلام فيها: «وأمّا السُنّة الثالثة ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة، ولم تر الدّم قط، ورأت أوّل ما أدركت واستمرّ بها، فإنّ سُنّة هذه غير سُنّة الاُولى والثانية (أي ذات العادة والمضطربة) إلى أنْ قال عليه السلام: فقال: (أي رسول اللّه صلى الله عليه و آله) تلجَّمي وتحيّضي في كلّ شهرٍ في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام، ثمّ إغتسلي غُسلاً، وصومي ثلاثة وعشرين....

إلى أنْ قال عليه السلام: وهذه سُنّة التي استمرّ بها الدّم أوّل ما تراه... الخ».

وأيضاً: تدلّ عليه جملة من النصوص:

منها: موثّق سماعة: «سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها، فدام دمها ثلاثة4.

ص: 405


1- التهذيب: ج 1/151 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/275 ب 3 من أبواب الحيض ح 2134.
2- الحدائق: ج 3/194.

أشهر، وهي لا تعرف أيّام قرئها؟ قال عليه السلام: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإنْ كُنَّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة وأقلّه ثلاثة»(1).

ومنها: موثّق ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المرأة إذا رأت الدّم في أوّل حيضها فاستمرّ، تركت الصّلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين، فإنْ استمرّ بها الدّم بعد ذلك تركت الصّلاة ثلاثة أيّام، وصلّت سبعة وعشرين يوماً»(2).

ونحوه موثّقه الآخر(3).

أقول: أمّا المرسلة فهذه الفقرة منها - وإن كانت في نفسها - ظاهرة في أنّها لا تعتدّ بالتمييز، وأنّها ترجع إلى العدد، إلّاأنّ الظاهر من ذيلها، وهو قوله عليه السلام: (فإنْ لم يكن الأمر كذلك، ولكن الدّم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة دارّة، وكان الدّم على لونٍ واحد، وحالةٍ واحدة، فسُنّتها السبع والثلاث والعشرون، لأنّ قصّتها كقصّة حَمَنة حين قالت: إنّي أثجُّه ثَجّاً) إن ذلك إنّما يكون في صورة فقد التمييز، وأن المدار في هذا الحكم هو ذلك لا كونها مبتدئة، فإنّ الظاهر من الخبر الشريف(4)كونه مسوقاً لبيان أحكام ثلاثة صادرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله في الوقائع الثلاث، والتنبيه على أنّه يستفاد منها سُننٌ ثلاث، وحيث إنّه عليه السلام صرّح في ذيله بأنّ قصّة حَمَنة التي هي المورد لهذا الحكم الثالث المستفاد منه السُنّة الثالثة كانت مع فقد التمييز، كما أنّها أشارت إلى ذلك بقولها: (إنّي أثجّه ثجّاً)، ثمّ ألحق عليه السلام الناسية الفاقدة له بها، فيستكشف أنّ هذه السُنّة مجعولة لمن لا تمييز لها.س.

ص: 406


1- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.
2- التهذيب: ج 1/381 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2162.
3- التهذيب: ج 1/400 ح 74، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2161.
4- أي رواية يونس.

ولا ينافيه التصريح بأنّ هذه السُنّة إنّما تكون للمبتدأة، وأنّ سنّتها غير سُنّة الناسية وذات العادة، لأنّه يمكن أنْ يكون ذلك لأجل أنّ الغالب كون المبتدئة كذلك، مع أنّ قوله صلى الله عليه و آله: (تحيض في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام.. الخ) لاسيّما بضميمة قول الإمام الصادق عليه السلام: (ثمّ ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها: تحيّضي، وليس يكون التحيّض إلّاللمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض)، يدلّ على أنّ هذا الحكم من قبيل الاُصول العلميّة المجعولة للشاكّ ، التي هي المرجع عند فقد الأمارة، وحينئذٍ فيتعيّن الالتزام بأنّه ليس للمبتدئة الرجوع إلى العدد إلّابعد فقد التمييز، وإلّا فعليها الرجوع إليه، لإطلاق ما دلّ على أماريّة الصفات.

وأمّا موثّق سماعة(1): فلفرض السائل فيه أنّها لا تمييز لها، لأنّه المراد من قوله: (لا تعرف أيّام قرئها)، مع فرضها متبدئةً ، لا ينافي ما اِخترناه تبعاً للمشهور.

وأمّا موثّقا ابن بُكير(2): فالنسبة بينهما وبين نصوص دليليّة الصفات عموم من وجه، ولأظهريّة تلك النصوص، لاسيّما مع غلبة تساوي الدّم في المتبدئة كما تقدّم، تتقدّم تلك، مع أنّه قد عرفت أنّ الحكم بالرجوع إلى العدد إنّما يكون من قبيل الأصل، يرجع إليه مع عدم الأمارة، ونصوص الصفات تدلّ على أماريّتها فتُقدّم لذلك.

مع أنّ دعوى: أنّ المتبادر من استمرار الدّم استمرار ه على لونٍ واحد غير بعيدة، فهما أيضاً مختصّان بغير ذات التمييز.

وأمّا ما ذكره شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله(3): من أنّه لو أغمض عن ذلك5.

ص: 407


1- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.
2- التهذيب: ج 1/381 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2162 / والآخر التهذيب: ج 1/400 ح 74، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2161.
3- كتاب الطهارة: ج 3/245.

فتعارضت الموثّقات مع أدلّة التمييز بالعموم من وجه، فيرجع إلى المرجّحات، مثل موافقه المشهور ومخالفة أبي حنيفة من الجمهور، ومع الإغماض عن ذلك فالمرجع إطلاقات الحيض، الصادق عرفاً على الواجد للصفات، والمسلوب عرفاً عن فاقدها.

ممنوع أوّلاً: لأنّ الرجوع إلى المرجّحات السنديّة في المتعارضين بالعموم من وجه، إنّما يكون إذا كانت دلالة كلّ منهما بالعموم لا بالإطلاق، وإلّا فمقتضى القاعدة تساقطهما كما حقّقناه في محلّه، والمقام ليس من قبيل الأوّل.

وثانياً: فلأنّه على فرض التساقط، وإنْ كان مقتضى القاعدة الرجوع إلى عامٍ أو مطلق إنْ كان، إلّاأنّه في المقام ليس كذلك، إذ لا دليل يدلّ بعمومه أو إطلاقه على حيضيّة الواجد، غير نصوص الصفات الساقطة بالتعارض.

فتحصّل: أنّ الأقوى ما أفتى به الأصحاب من الرجوع إلى التمييز.

***

ص: 408

شرائط الرجوع إلى التمييز
اشارة

أقول: إنّ القوم ذكروا للتمييز شروطاً، وهي على قسمين:

الأوّل: ما لا يحتاج إلى البيان، كتجاوز الدّم العشرة واختلاف صفة الدّم.

الثاني: ما هو محلّ الكلام، وهو شروط:

الشرط الأوّل: أن لا يكون القوي أقلّ من ثلاثة،

بل عن المصنّف في «التذكرة»(1)، والمحقّق في «المعتبر»(2) دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له: ما دلّ على أنّه لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام.

وأورد صاحب «الحدائق»(3) رحمه الله على القوم: بأنّ الروايات الواردة(4) في هذه المسألة مطلقة في التحيّض بما شابَهُ دمّ الحيض قليلاً أو كثيراً، فلا دليل على هذا الشرط.

وفيه: إنّ هذه النصوص واردة في مقام بيان تمييز دمّ الحيض عن دمّ الاستحاضة، فيما إذا احتمل كون الواجد حيضاً، بأنْ يكون واجداً لسائر الشروط، كما هو الشأن في جميع الأمارات، وإلّا فلو علم لسائر الأدلّة عدم كونه حيضاً، لا وجه للرجوع إلى الأمارة والطريق.

أقول: ثمّ إنّه على فرض فقد هذا الشرط:

فهل حكم هذه حكم من استمرّ دمها على لونٍ واحد في الرجوع إلى عادة نسائها أو الروايات ؟

ص: 409


1- التذكرة: ج 1/294.
2- المعتبر: ص 201-205.
3- الحدائق: ج 3/195.
4- يريد بها روايات ثلاث: 1 رواية يونس الطويلة. 2 رواية حفص بن البختري. 3 رواية إسحاق بن جرير.

أو أنّ حكمها الرجوع إلى التمييز في الجملة، بأنْ تتحيّض بالناقص مع إكماله ؟ وجهان:

نفي البُعد في محكي «كشف اللّثام»(1) عن الثاني، وتبعه سيّد «الرياض»(2)وجملة من المحقّقين من متأخّر المتأخّرين، ولعلّ المشهور بين الأصحاب(3)هو الأوّل.

واستدل للرجوع إلى التمييز: بعموم أدلّته.

وأورد عليه شيخنا الأعظم رحمه الله في طهارته(4): بأنّ ظاهر أدلّة التمييز هو التحيّض بالقوي، وجعل الضعيف استحاضة، من دون إدخال شيء من أحدهما في الآخر، فالناقص خارجٌ عن موردها.

وأجاب عنه المحقّق الهمداني رحمه الله(5): بأنّ النصوص وإن سُلّم عدم شمولها له، لكن أهل العرف يفهمون حكمه عرفاً منها بفهم أوصاف كلّ من الدّمين، ولذا يتخطّى الأصحاب عن موارد النصوص إلى فروعٍ غير منصوصة، ليست استفادة حكمها من هذه النصوص أوضح من استفادة حكم الفرض.

وفيه: ما عرفت في أوّل هذا المبحث من اختصاص أماريّة الصفات بموارد النصوص، وأنّه لايتخطّى عنها، فما ذكره شيخنا الأنصاري في محلّه.

أقول: ثمّ إنّه ربما أورد على الرجوع إلى أدلّة التمييز، بأنّ الرجوع إليها بجعل القوي حيضاً وإكماله من الضعيف، يستلزم إسقاط الضعيف الذي هو طريقٌ إلى1.

ص: 410


1- كشف اللّثام: ج 2/74 (ط ج).
2- رياض المسائل: ج 1/351 (ط ج).
3- كالمحقّق والعلّامة الحليين على ما نقله صاحب الحدائق: ج 3/195.
4- كتاب الطهارة: ج 1/208 (ط ق). و ج 3/248 من (ط ج).
5- مصباح الفقيه: ج 1/303 ق 1.

الاستحاضة عن الحجيّة، وهو ليس بأولى من إسقاط القوي عنها.

واُجيب عنه بأجوبة:

الجواب الأوّل: ما ذكره شيخنا الأنصاري رحمه الله(1): وهو أنّ مراعاة عموم الحكم على الضعيف بالإستحاضة في أدلّة التمييز، توجب خروج هذا المورد عن أدلّة التمييز، إذ المفروض إختلاط الحيض بالإستحاضة، فكيف يجعل تمييزها بجعل الجميع إستحاضة، فيلزم من الرجوع إلى أدلّة التمييز طرحها، بخلاف ما لو حكمنا على الناقص بالحيضيّة، وعلى الضعيف بالإستحاضة إلّاما يحتاج إليه في تكميل الناقص، فإنّه قد حصل التمييز من دون تقييد زائدٍ على ما هو المعلوم في كلّ من الضعيف والقوي من تقييده بصورة القابليّة شرعاً.

الجواب الثاني: ما عن المحقّق الخراساني رحمه الله(2) حيث قال في محكي «رسالة الدّماء»: (إنّه ليس الإدبار الذي يوجب البناء على الاستحاضة كالإقبال كي يعارض به، ضرورة أنّه يتبع الإقبال، كما لا يخفى على المتأمّل).

الجواب الثالث: أنّ الحكم بالإستحاضة عند وجود صفاتها من قبيل الأصل، نظير قاعدة الإمكان، فلا يرجع إليها مع الدليل.

الجواب الرابع: ما في «مصباح» المحقّق الهمداني(3) وهو: (أنّ الأخبار مسوقة لبيان ما يمتاز به الحيض عن الاستحاضة، وإنّما ذُكر أوصاف الاستحاضة استطراداً لبيان أنّه ليس بحيض، فإذا تبيّن كون بعض ما رأته بصفات الاستحاضة حيضاً، باعتبار كونه مكمِّلاً لما علم حيضيّته بالأوصاف، فلا تنافيه هذه الأدلّة).

أقول: ولكن في الكلّ نظراً:ل.

ص: 411


1- كتاب الطهارة: ج 1/209 (ط. ق). و: ج 3/248 (ط. ج).
2- حكاه عنه السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: ج 3/282.
3- مصباح الفقيه: ج 1/303 القسم الأوّل.

أمّا الأوّل: فلأنّ ما ذكره من المحذور المترتّب على الرجوع إلى أدلّة التمييز، بجعل الجميع استحاضة، وإنْ كان تامّاً، ولكن هذا لايوجب الرجوع إلى أدلّة التمييز بجعل القويّ حيضاً وإكماله من الضعيف؛ إذ المقدار المكمّل له من الضعيف، كما يمكن جعله حيضاً لما ذكره كذلك، يمكن جعله إستحاضةً ، لأنّ تلك الأدلّة بمدلوهاالمطابقي تدلّ عليذلك، فلامحالة تقع المعارضة بين قوّة القويّ المستلزمة لجعله حيضاً، وضعف الضعيف المقتضي لجعله استحاضة، فتدبّر فإنّه دقيق.

وأمّا الثاني: فإنْ أراد بذلك:

أنّ الروايات مسوقة لبيان أماريّة الإقبال للحيض، وإنّما ذُكر الإدبار بتبعه استطراداً، لبيان أنّه ليس بحيض، فهو يرجع إلى الوجه الرابع الذي سيأتي الجواب عنه.

وإن أراد به أنّ حجيّة الإدبار مترتّبة على حجيّة الإقبال، بمعنى أنّه حجّة إذا لم يكن الإقبال حجّة، فيرد عليه أنّه خلاف إطلاق دليل حجيّة.

وأمّا الثالث: فلأنّ ظاهر النصوص أماريّة صفات الاستحاضة لها، كأماريّة صفات الحيض بلا فرق بينهما.

وأمّا الرابع: فلأنّ المقصود الأصلي في بيان الصفات، وإنْ كان بيان صفات الحيض، وإنّما ذُكرت صفات الاستحاضة إستطراداً، إلّاأنّه بعد بيانها ولو كذلك، وثبوت كونه عليه السلام في مقام البيان لا الإجمال والإهمال كما هو المفروض، لا سبيل إلى دعوى تعيّن سقوطها عن الحجيّة عند المعارضة، كما لا يخفى.

والصحيح في مقام الجواب عن هذا الإيراد أن يُقال: إنّه لا ريب في عدم كون جميع ما رأته بصفات الاستحاضة إستحاضة للحكم بحيضيّة بعضه، إمّا لكونه مكمّلاً للواجد لصفات الحيض، أو من جهة الرجوع إلى عادة نسائها أو الروايات،

ص: 412

وعليه فلا يكون الفقدان حجّةً على الاستحاضة كي يعارض مع الوجدان الذي هو طريقٌ إلى الحيض.

وبعبارة أُخرى: أدلّة حجيّة الصفات لا تدلّ على كون المقدار المكمّل من الفاقد إستحاضة، لاعتبار القابليّة في حجيّتها، اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال إنّ أدلّة حجيّة الصفات في أنفسها تشمل المقدار المكمّل، ولكن لأجل عدم إمكان الحكم بكون الجميع إستحاضة، يقع التعارض بين أفراد الفقدان والضعف، وعليه فكما أنّ الضعف في المقدار المكمّل يعارض مع الضعف في غيره، كذلك يعارض مع قوّة القوي بلا تقدّم ولا تأخّر في ذلك، ولازمه عدم تعيّن أماريّة القوّة أيضاً، فتدبّر حتّى لا تُبادر بالإشكال.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأقوى ما نُسب إلى المشهور من أنّ حكم هذه حكم من استمرّ دمها على لونٍ واحد.

أقول: ثمّ على تقدير القول الآخر:

هل ترجع في تكميل الناقص إلى الروايات أو عادة النساء؟

أم تقتصر في رفع اليد عن أوصاف الاستحاضة على قدر الضرورة ؟

وجهان بل قولان، لا تبعد دعوى أظهريّة الأوّل، إذ الظاهر من ما دلّ على الرجوع إلى عادة النساء أو الروايات، أنّه لا فرق بين ما إذا اختلط تمام الحيض بالإستحاضة أو اختلط بعضه.

والفرق بين هذا المسلك وما اخترناه، هو تعيّن محلّ الأخذ على هذا القول دون المختار، كما لا يخفى.

***

ص: 413

الشرط الثاني

أن لا يكون ما بصفة الحيض أكثر من العشرة،

وإلّا لزم كون الحيض أزيد من العشرة، وقد عرفت فساده.

وما استشكله في «الحدائق»(1) من أنّه لا تساعده روايات الباب، قد عرفت الجواب عنه في الشرط الأوّل.

أقول: المشهور بين الأصحاب أنّ هذه كمَن استمرَّ بها الدّم على نَسَقٍ واحد.

وعن الشيخ في «المبسوط»(2): جَعْل المتّصف بصفة الحيض حيضاً مهما أمكن، فتتحيّض بالعشرة الأُولى منه. وتبعه الفاضل في كاشف اللّثام(3) وسيّد «الرياض»(4) وبعض من تأخّر عنه.

أقول: والكلام في هذا المقام أيضاً يقع في موردين:

المورد الأوّل: في رجوعها إلى التمييز وعدمه ؟

والأقوى هو الثاني، لأنّ ظاهر أدلّة التمييز، جعل الواجد حيضاً والفاقد استحاضة، من دون زيادة لأحدهما على الآخر، فلا تشمل الزائد.

ومنه يظهر عدم صحّة الاستدلال للقول الآخر بعموم أدلّة التمييز.

وأمّا دعوى: أنّه يفهم حكمها من النصوص عرفاً بالتقريب المتقدّم في سابقه، فقد عرفت اندفاعها.

وقد أورد على أصحاب هذا القول: بأنّه يقع التعارض بين التنقيص من الأوّل ومن الآخر، فتسقط حجيّة الصفات في الطرفين معاً لعدم المرجّح.

ص: 414


1- الحدائق: ج 3/195.
2- المبسوط: ج 1/46.
3- كشف اللّثام: ج 2/74.
4- الرياض: ج 1/351 (ط ق).

وفيه: ما حقّقناه في الاُصول من أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الأمارات هو التخيير لا التساقط.

نعم، يرد على الشيخ رحمه الله أنّه لا وجه للبناء على حيضيّة العشرة الأولى؛ إذ التقدّم الزماني ليس من المرجّحات، وقاعدة الإمكان معارضة بالمثل بالنسبة إلى العشرة اللّاحقة، وظاهر المرسلة أماريّة الإقبال للحيض، لا خصوص حدوثه، كي يدّعي أنّ حدوثه يوجب التحيّض لا بقائه.

المورد الثاني: أنّها على فرض الرجوع إلى التمييز:

هل ترجع في تنقيص الزائد إلى الروايات ؟

أم تقتصر في رفع اليد عن أوصاف الحيض على قدر الضرورة ؟

صريح الشيخ قدس سره(1) هو الثاني، وعن بعض اختيار الأوّل، وهو الأقوى؛ إذ مَنْ رأت الدّم مدّةً بصفة الاستحاضة، ومدّةً تتجاوز عن عشرة أيّام بصفات الحيض، فهي كمن رأت إبتداءً بصفات الحيض أكثر من عشرة أيّام، لأنّ تلك الأيّام أيّام إختلاط حيضها بالإستحاضة، وأمّا الأيّام التي قبلها فهي مستحاضة فيها بمقتضى أخبار التمييز، واختلاف الدّم في الفرضين، وكونه في المقام مسبوقاً بدمٍ معلوم الحال، وفي الفرض الآخر مسبوقاً بالنقاء، لا يوجب اختلاف حكمهما بحسب ما يستفاد من النصوص.

فتحصّل: أنّ الأقوى أنّه مع فَقْد كلٍّ من الشرطين، تكون المرأة فاقدة للتمييز، ووظيفتها الرجوع إلى عادة النساء، أو الروايات.

وعلى فرض التنزّل وتسليم كونها واجدة له، ورجوعها إليه، ترجع في تكميل الناقص وتنقيص الزائد إلى الروايات أو عادة النساء.

***6.

ص: 415


1- المبسوط: ج 1/46.
الشرط الثالث: عدم قصور الدّم الضعيف عن أقلّ الطهر

حكم عدم قصور الدّم

الشرط الثالث: عدم قصور الدّم الضعيف - أو مع ما يضاف إليه من أيّام النقاء - عن أقلّ الطهر.

أقول: والكلام فيه يقع في مقامين:

الأوّل: فيما أمكن كون مجموع القويين مع الضعيف المتخلّل حيضاً واحداً، كما إذا رأت الدّم الأسود مثلاً ثلاثاً، ثمّ الأصفر كذلك، ثمّ الأسود أربعة، ثمّ الأصفر بعدها.

الثاني: فيما لا يمكن ذلك.

أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال في عدم الحكم بحيضيّة الأسودين مع الحكم بكون المتخلّل طهراً، لما دلّ على أنّ أقلّ الطُهر عشرة، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً(1)فراجع، إنّما الكلام في أنّه:

هل يحكم بكون المجموع حيضة واحدة، ليتبعهما الأصفر، كما عن جماعةٍ منهم الشيخ في «المبسوط»(2) والمحقّق الهمداني رحمه الله(3) أم لا؟ وجهان:

استدلّ للأوّل(4): (بأنّ سَوق أخبار التمييز يشهد بكونها مسوقة لبيان تشخيص الحيض عمّا ليس بحيض، فالحكم بكون الأصفر استحاضة وطهراً إنّما هو لعدم صلاحيّته للحيض، من حيث تخلّف أماراته، فإذا تحقّقت أمارة الحيض في الطرفين، فهي العلامة لحيضيّة الوسط). كذا في «مصباح الفقيه»(5).

وفيه: ما عرفت من أنّ المستفاد من الأخبار أمران:

ص: 416


1- صفحة 312 من هذا المجلّد.
2- المبسوط: ج 1/46.
3- مصباح الفقيه: ج 1/304 ق 1. (4و5) المستدلّ هو الفقيه الهمداني في المصدر السابق.

طريقيّة الوجدان في القوي للحيض.

وطريقيّة الفقدان في الضعيف للإستحاضة.

ودعوى: تبعيّة الإدبار للإقبال، وكونه حجّة على الاستحاضة، حيثُ لا يكون إقبال يدلّ على الحيض، ولو في غير ذلك الدّم.

مندفعة: بما عرفت آنفاً من كونه حجّة عليها في عرض حجيّة الإقبال على الحيض.

فتحصّل: أنّه لا يمكن الحكم بحيضيّة المجموع أيضاً.

وعليه، فهل يحكم بحيضيّة القوي الأوّل، واستحاضيّة الضعيف مع القوي الآخر كما عن جماعةٍ؟ أم يمتنع الرجوع إلى التمييز؟ وجهان.

استدلّ للأوّل: في «مصباح الفقيه»(1): (بامتناع شمول ما دلّ على اعتبار الصفات للقوي اللّاحق، لتوقّف شموله له على عدم شموله للضعيف المتقدّم عليه، وخروجه موقوفٌ على كون القوي اللّاحق فرداً وهو دور واضح، فلا يمكن الحكم بكون القوى اللّاحق حيضاً، وأمّا الضعيف فيمكن الحكم بكونه استحاضة فيحكم به ويتبعه القوي اللّاحق).

وفيه أوّلاً: أن هذا يتوقّف على الحكم بكون القويّ الأوّل حيضاً، وهو أوّل الكلام؛ إذ كما أنّ الوجدان فيه علامة كونه حيضاً، كذلك الوجدان في الثاني علامة له، والفقدان في الضعيف علامة كونه استحاضة، وحيثُ لا يمكن التحفّظ على جميع ذلك، فلا محالة يقع التعارض بينها، فلا وجه للإلتزام بكون الوجدان في الأوّل حجّة على الحيض، ثمّ يلاحظ ما تقتضيه القاعدة في الآخرين. فتدبّر فإنّه دقيق.

وثانياً: إنّه لو سَلّمنا الحكم بكون القويّ الأوّل حيضاً، ووقوع التعارض بين1.

ص: 417


1- مصباح الفقيه: ج 1/304 ق 1.

طريقيّة الإقبال في القوي اللّاحق والإدبار في الضعيف، لكن لا نُسلّم إمكان الحكم بكون الضعيف استحاضة، وعدم إمكان الحكم بكون القوي حيضاً، إذ يمكن أنْ يُعكس الاستدلال المزبور، ويقال: إنّ الحكم بكون الضعيف استحاضة، يتوقّف على عدم شمول الأدلّة للقوي اللّاحق، إذ مع الشمول له يمكن الحكم بكون الضعيف استحاضة، وهو يتوقّف على شمولها له، وهو دورٌ واضح.

وعليه، فالأقوى إمتناع الرجوع إلى التمييز، لتعارض طريقيّة الوجدان في القويّين مع الفقدان في الضعيف، ممّا يجعلها فاقدة التمييز.

وبذلك يظهر الحكم في المقام الثاني، وهو ما لا يمكن فيه الحكم بكون المجموع حيضاً.

فتحصّل: أنّ الأظهر تماميّة الشرط المزبور أيضاً.

وأخيراً: ما عن «الحدائق»(1) من الإستشكال في ذلك، بدعوى عدم الدليل عليه، بل ظاهر الأخبار يرده، ويؤيّده خبرا أبي بصير(2)، ويونس بن يعقوب(3)المتقدّمان، في مبحث اعتبار التوالي.

ضعيفٌ : لما عرفت من الدليل عليه، وأن الأخبار لا تنافيه.

وأمّاخبرا أبي بصيرويونس، فقد مرّ بيان المراد منهما في ذلك المبحث،(4) فراجع.

***1.

ص: 418


1- الحدائق: ج 3/195.
2- التهذيب: ج 1/380 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/286 ب 6 من أبواب الحيض ح 2154.
3- الكافي: ج 3/79 ح 2، وسائل الشيعة: ج 2/285 ب 6 من أبواب الحيض ح 2153.
4- فقه الصادق: ج 2/301.

ولو فَقَدته، رجعتِ المُبتدئة إلى عادة أهلها.

الرجوع إلى الأرقاب

هذا إذا كان للمبتدأة أو المضطربة تمييزٌ، (ولو فقدته) بأنْ كان الدّم لوناً واحداً، أو لم يحصل أحد الشروط المتقدّمة، (رَجَعت المُبتدئة إلى عادة أهلها) على المشهور.

وعن «المعتبر»: نسبته إلى الخمسة(1) وأتباعهم تارةً (2)، وإلى اتّفاق الأعيان من فضلائنا اُخرى(3).

بل عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(2): نسبته إلى علمائنا.

وعن «نهاية الأحكام»(3): التردّد في هذا الحكم، واحتمال رجوعها إلى أقلّ الحيض للأصل، وإلى العشرة للإمكان.

ويشهد لما اختاره المشهور أوّلاً: مضمر سماعة(4)، قال:

«سألته عن جاريةٍ حاضتْ أوّل حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، وهي لا تعرف أيّام أقرائها؟ فقال عليه السلام: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإنْ كُنَّ نساؤها مختلفات، فأكثر جلوسها عشرة وأقلّه ثلاثة».

وأورد عليه باُمور:

ص: 419


1- قد وضّح المحقّق المراد من إطلاق كلمة (الشيخ) و (الشيخين) والمراد من إطلاق (الثلاثة) و (الأربعة) و (الخمسة) وغير ذلك في كتابه (المعتبر: ج 1/33) وقال: إنّ المراد من الخمسة 1 - المفيد 2 - الطوسي 3 - السيّد المرتضى 4 - الشيخ الصدوق 5 - ووالده. (2و3) المعتبر: ج 1/208.
2- تذكرة الفقهاء: ج 1/295.
3- نهاية الأحكام: ج 1/137.
4- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.

1 - كونه مضمراً.

2 - كونه معارضاً مع مرسل يونس الطويل(1)، الدالّ على الرجوع إلى العدد بعد فقد التمييز.

3 - عدم التصريح فيه بتأخّر ذلك عن التمييز.

أقول: وفي الجميع نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ إضماره لا يضرّ، بعدما حُكي عن «الخلاف»(2) أنّه مجمعٌ على العمل به.

وأمّا الثاني: فلأنّ الجمع بينه وبين المرسل، يقتضي حمل المرسل على من تعذّر عليها الرجوع إلى الأهل.

وأمّا الثالث: فلأنّ أدلّة التمييز حاكمة عليه، وموجبة لدخول المرأة الواجدة له فيمن تَعرف أيّام أقرائها، فتكون خارجة عن موضوع المضمر.

وثانياً: موثّق زرارة(3) ومحمّد بن مسلم، عن الامام الباقر عليه السلام:

«يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم».

ودعوى: أنّه يشمل المضطربة، وظاهره الاكتفاء ببعض النسوة ومتضمّنٌ للأمر بإستظهارها بيوم، وشيء من ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به.

مندفعة: بأنّه إنْ اُريد بالمضطربة:

1 - المُبتدئة بالمعنى الأعمّ ، فسيجئ الكلام فيها، وستعرف أنّه لا مانع من7.

ص: 420


1- التهذيب: ج 1/381 ح 6، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.
2- الخلاف: ج 1/234.
3- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2157.

الالتزام بكون حكمها حكم المُبتدئة بالمعنى الأخصّ .

2 - وإنْ اُريد بها الناسية، فالظاهر عدم شمول الموثّق(1) لها، لإنصرافه عنها كإنصرافه عن ذات العادة.

مع أنّه لو سُلّم شموله لها، فيقيّد بالإجماع وغيره ممّا دلّ على أنّها لا ترجع إلى عادة الأهل.

أقول: وأمّا الاكتفاء ببعض النسوة، فمضافاً إلى أنّه لا محذور في الالتزام به على ما ستعرف، يمكن أنْ يكون ذلك لأجل حصول الظنّ بعادة الكلّ من عادة البعض، فيكون ذلك أمارة على عادة الكلّ أو الأغلب.

وأمّا الأمر بالإستظهار، فيُحمل على إرادة الاستحباب منه لا الوجوب، للإجماع، ويكون ذلك لرعاية احتمال إقتضاء طبيعتها لقذف دمّ الحيض أزيد من طبيعة نسائها بهذا المقدار.

فإنْ قلت: إنّه لا يظهر منه تقدّم ذلك على التمييز أو تأخّره عنه، مع أنّه يُحتمل أن يكون الرجوع إلى الأرقاب والتحيّض بعادتهن - كالتحيّض في أيّام الإستظهار - حكماً ظاهريّاً بلحاظ إنقطاعه على العشرة، لا واقعيّاً بلحاظ عبوره عنها، كما هو محلّ الكلام.

قلت إنّه يُدفع الأوّل: بأنّه يُقيَّد إطلاقه بما دلّ على الرجوع إلى التمييز، ويحمل على صورة فقده، مع أنّه يمكن القول بتقدّم التمييز عليه للإجماع.

ويدفع الثاني: بأنّه خلاف الظاهر، إذ الظاهر منه كونه في مقام بيان الوظيفة الواقعيّة، لاسيّما وقد جُعل في مقابل الإستظهار.

وبالجملة: فدلالته على رجوع المُبتدئة إلى عادة نسائها، لا ينبغي إنكارها،7.

ص: 421


1- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2157.

ورفع اليد عنها لهذه المناقشات في غير محلّه.

أقول: وبما ذكرناه يظهر صحّة الاستدلال للمطلوب بموثّق أبي بصير(1) المروي عن الإمام الصادق عليه السلام:

«النفساء إن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتُليت، جلستْ مثل أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها، وإستظهرت بثلثي ذلك».

والمراد بأيّام النفاس أيّام الحيض، إذ لا اعتبار بأيّام النفاس بالمعنى المقابل للحيض.

فانقدح أنّ ما عن الشيخ(2)، وابن حمزة، والحلّي(3)، والمحقّق في غير «المعتبر»(4)، والمصنّف(5) في غير «المنتهى »، والشهيدين(6) والمحقّق(7) الثاني(8)وغيرهم، من ثبوت هذا الحكم لمن لم تستقرّ لها عادة، أي المُبتدئة بالمعنى الأعمّ .

وهو الأقوى للموثّقين المتقدّمين(9).

وأمّا مضمر سماعة(10)، فظاهره الإختصاص بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ .

ودعوى: كون ذكر (المُبتدئة) في السؤال ليس لخصوصيّة فيها، كما يظهر من8.

ص: 422


1- التهذيب: ج 1/408 ح 85، وسائل الشيعة: ج 2/389 ب 3 من أبواب النفاس ح 2431.
2- المبسوط: ج 1/46. حيث اعتبر من لم تستقرّ لها عادة من أقسام المُبتدئة مقابل ذات العادة.
3- السرائر: ج 1/147.
4- المختصر النافع: ص 9، قوله: (والمُبتدئة والمضطربة إلى التميّز، ومع فقده ترجع المُبتدئة إلى عادة أهلها وأقرانها).
5- القواعد: ج 3/139. حيث أرجع مستمرّة الدّم التي لا عادة لها إلى نسائها إنْ فقدت التمييز.
6- الروضة في شرح اللُّمعة: ج 1/378.
7- جامع المقاصد: ج 1/295.
8- نسب إليهم ذلك الشيخ الأنصاري في طهارته: ج 3/266.
9- أي موثّق زرارة ومحمّد بن مسلم وموثّق أبي بصير.
10- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.

قوله: (وهي لا تعرف أيّامها).

فإنّ الظاهر منه أنّ المناط عدم المعرفة بأيّامها.

مندفعة: بأنّ لازمه حينئذٍ البناء على ثبوت الحكم المذكور للناسية.

اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: بإنصراف (لا تعرف) عن الناسية.

وعليه، فماعن المصنّف رحمه الله في «المنتهى »(1) والمحقّق في «المعتبر»(2) وغيرهما(3) في غيرهما من اختصاص الحكم المذكور بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ضعيفٌ .

***ة.

ص: 423


1- المنتهى: ج 1/101 (ط ق). حيث اعتبر المضطربة هي من لم تستقرّ لها عادة وجعلها قِبال المُبتدئة.
2- المعتبر: ج 1/209. حيث اعتبر المضطربة هي من لم تستقرّ لها عادة وجعلها في عرض المبتدئة.
3- كالعلّامة الطباطبائي في رياض المسائل: ج 1/38، حيث نسب إلى المشهور إلحاق من لم يستقرّ لها عادة بالمبتدئة.

تنبيهات:

التنبيه الأوّل: لا شُبهة في أنّه مع عدم اتّفاق نسائها، لا ترجع إلى بعضهن، لمضمر سماعة(1) المتقدّم، إنّما الكلام في أنّه:

هل تكتفي بالبعض ما لم تعلم مخالفتها لسائر النساء، أم لا؟

وعلى الثاني: فهل يعتبر اتّفاق جميع نسائها كما هو ظاهر «الشرائع»(2)، وعن «المعتبر»(3) وغيره، أم يكفي اتّفاق الأغلب، كما عن الشهيد في «الذكرى»(4)؟

وجوهٌ وأقوال:

أقواها الأوّل. للموثّقين(5) المتقدّمين.

وأمّا ما استدلّ به بعض الأعاظم: من حمل الجمع على صِرْف الطبيعة الصادقة على القليل، كقوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (6).

فغير تامّ : إذ حمل الجمع على ما يصدق على القليل والواحد خلاف الظاهر، يحتاج إلى القرينة.

وأمّا الآية الشريفة؛ فالحمل فيها عليه إنّما يكون من جهة أنّ ظاهر تقابل الجمع بالجمع هو الإستغراق والتفريق.

أقول: أمّا النزاع في أنّ الاكتفاء بعادة البعض، هل هو لأجل أنّها أمارة نوعيّة لاستكشاف عادة غيرها، أم لكونها الموضوع ؟ ممّا لا تترتّب عليه ثمرة عمليّة، فالصفح عنه أولى .7.

ص: 424


1- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.
2- شرائع الإسلام: ج 1/26. حيث شرط في الرجوع إلى نسائها إتّفاقهن.
3- المعتبر: ج 1/208.
4- الذكرى : ص 30.
5- أي موثّق زرارة، وأبي بصير المتقدّمتين.
6- سورة النحل: الآية 43، وسورة الأنبياء: الآية 7.

واستدلّ للثاني(1): بأنّ الجمع ظاهرٌ في مجموع الأفراد.

وفيه: إنّه يتمّ إذا لم يكن دليلٌ على الاكتفاء بالبعض، وقد عرفت وجوده. هذا مضافاً إلى تعذّر الرجوع إلى الجميع أو تعسّره غالباً، ولذلك التزم الشهيد رحمه الله(2)بالإكتفاء بإتّفاق الأغلب.

***

التنبيه الثاني: صرّح غير واحدٍ، منهم المحقّق(3) والمصنّف(4) والشهيد(5): بأنّ المراد بنسائها أقاربها من الطرفين، أو من أحدهما: كالاُمّ والعَمّة والخالة.

بل قيل(6): إنّه ممّا لا خلاف فيه، لصدق (نسائها) على من ذُكرن كلّهنّ .

مضافاً إلى التصريح بالاُمّ والخالة في موثّق أبي بصير(7) المتقدّم.

كما أنّ الظاهر عدم الفرق بين الأحياء والأموات، ولا بين المتساويات لها في السنّوالبلد، والمتخالفات، كماصرّح به في محكي «المسالك»(8) لإطلاق النصوص.

وعن الشهيد(9): اعتباراتّحادالبلد، نظراًإلى اختلاف الأمزجة باختلاف البلدان.

وفيه: إنّ ذلك لا يوجب تقييد إطلاق النصوص، أو انصرافها عن صورة تعدّدالبلد.

***8.

ص: 425


1- مقابل الأقوى ، والمراد منه عدم الاكتفاء بالبعض من نسائها.
2- الذكرى: ص 30.
3- المعتبر: ج 1/207.
4- منتهى المطلب: ج 1/100 (ط ق).
5- الذكرى للشهيد الأوّل: ص 30.
6- نسبه إلى القيل كلّ من الشيخ الأنصاري والسيّد الحكيم في مستدركه.
7- التهذيب: ج 1/408 ح 85، وسائل الشيعة: ج 2/389 ب 3 من أبواب النفاس ح 2431.
8- الذكرى : ص 31.
9- المسالك: ج 1/68.

التنبيه الثالث: المحكيّ عن جماعةٍ منهم المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(1)، والشهيد(2)في بعض كتبه: أنّ الرجوع إلى عادة الأهل، إنّما هو في العدد خاصّة، وهو الأظهر؛ إذ لا يستفاد من قوله عليه السلام: «أقراؤها مثل أقراء نسائها»(3)، إلّاالمماثلة من حيث العدد، لاسيّما بضميمة ما في ذيل المضمر(4):

«فإنْ كُنَّ مختلفات، فأقلّها ثلاثة وأكثرها عشرة».

مع أنّ صورة عدم العلم بإختلافهن من حيث الوقت والعدد، في غاية الندرة، فلا يصحّ تنزيل النصوص عليها، بل إتّفاقهن في الوقت فقط بعيدٌ جدّاً، فلا يعتبر إتّفاقهنّ وقتاً وعدداً.

ومقتضى الوجه الأوّل: عدم الاكتفاء باتّفاقهنّ في الوقت فقط على فرض تحقّقه.

ودعوى: أنّ المضمر وإنْ لم يشمل صورة الاتّفاق في الوقت، إلّاأنّ موثّق زرارة ومحمّدبن مسلم(5) يشملها كماذكره المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»(6).

مندفعة: بأنّ قوله عليه السلام في ذيله: «ثمّ تستظهر على ذلك بيومٍ »، يوجب ظهوره في إرادة الاتّفاق في العدد خاصّة، كما لا يخفى.

هذا كلّه مع وجود الأقارب.

***1.

ص: 426


1- كما قد يظهر من تذكرة الفقهاء: ج 1/294-295: (حكم المبتدئة إن كان لها تميّز..).
2- الذكرى: ص 30. فإنّ نظره في الرجوع إلى نسائها إنّما هو من حيث العدد.
3- الوارد في مضمرة سماعة المتقدّمة.
4- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.
5- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2157.
6- مصباح الفقيه: ج 1/307 ق 1.

فإنْ فُقِدن فإلى أقرانها.

الرجوع إلى الأقران

(فإنْ فُقِدن): أي لم يوجدن على وجهٍ يمكن الرجوع إليهنّ ، وإلّا ففقدهن بقول مطلق ممتنعٌ ، إذ لا أقلّ من الاُمّهات.

أو كُنّ مختلفات، رَجَعت (إلى) عادة (أقرانها)، أي ذوات السِّن المقارنات لسنّها.

بل عن «شرح الجعفريّة»(1): نسبته إلى الأصحاب المتأخّرين، وإن إختلفوا بين من قيّد الأقران بأهل البلد - كالشيخ في محكي «المبسوط»(2) والمحقّق في «الشرائع»(3) - وبين من أطلق كالمصنّف(4) والحلّي(5) وغيرهما.

بل عن ظاهر «الروض»(6): نسبته إلى الأكثر.

وظاهر بعضهم التخيير بينه وبين الرجوع إلى عادة أقاربها.

ص: 427


1- الرسالة الجعفريّة للمحقّق الثاني: (رسائل الكركي: ج 1/91) ذكر المسألة حيث عطف على نسائها بنساءأقرانها من بلدها بثمّ ، ولم ينسب ذلك إلى الأصحاب، وأمّا شرح الجعفريّة فليست بأيدينا، نعم حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/182، واسم الكتاب كما في الحاشية المظفريّة (في الحيض، في المُبتدئة) ولا يزال مخطوط في مكتبة المرعشي النجفي قدس سره تحت رقم 2776.
2- المبسوط: ج 1/46.
3- الشرائع: ج 1/26. وتبعهم كاشف اللّثام: ج 2/77.
4- في غير «منتهى المطلب» فإنّه إختار فيه رأي السيّد المرتضى بعدم توسّط الأقران بين نسائها والرجوع إلى الروايات، راجع ج 1/303 من ط. ج من منتهى المطلب. نعم في قواعد الأحكام ج 1/213 أطلق القول بالرجوع إلى الأقران، وهكذا في نهاية الاحكام ج 1/139.
5- السرائر: ج 1/146.
6- روض الجنان: ص 69.

أقول: وكيف كان، فقد استدلّ للمشهور:

1 - بقراءة (أقرائها) في الموثّق(1) (أقرانها) بالنون.

2 - وبعموم لفظ (نسائها) المذكور في المضمر والموثّق للأقران؛ إذ يكفي في الإضافة أدنى ملابسة.

3 - وبغلبة لحوق المرأة في الطبع بأقرانها، كما يشهد به مرسل يونس القصير:

«إنّها كلّ ما كَبُر سنّها قلَّ حيضها إلى أنْ ترتفع»(2).

أقول: وفي الكلّ نظر:

أمّا قراءة (أقرانها) بالنون: فمضافاً إلى أنّها خلاف النُّسخ المتعارفة، إنّها توجب أن يكون مفاد الخبر حينئذٍ الرجوع إلى عادة أقران أقاربها، لا عادة أقرانها، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

وأمّا دعوى عموم نسائها للأقران: فمندفعة بكونه خلاف المتبادر من هذا اللّفظ، مع أنّ مقتضاه اعتبار اتّفاق الجميع من الأقارب والأقران، أو عدم إختلافهنّ ، وهذا ممّا لا فرد له خارجاً كما لا يخفى .

وإدّعاء(3): أنّ المجموع مراد، لكن مرتّباً بمساعدة الفهم العرفي لما هو المغروس في أذهان العرف، من تعذّر إرادة موافقة الكلّ ، وكون الأقارب أولى بالمراعاة من الأقران، كما ترى .

وأمّا الغلبة: فهي وإن أوجبت حصول الظنّ ، إلّاأنّه لا يُغني من الحقّ شيئاً،1.

ص: 428


1- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2 الباب 8 من أبواب الحيض ص 288 ح 2157.
2- التهذيب: ج 1/157 ح 24، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 10 من أبواب الحيض ح 2169.
3- احتمل هذه الدعوى وردّها الفقيه الهمداني في مصباحه: ج 1/307 ق 1.

وكأنه لذلك أهمله جماعةٌ كالصدوق والسيّد والشيخ في بعض كتبه، وأنكره آخرون كالمحقّق في محكي «المعتبر»(1)، والمصنّف في «المنتهى »(2)، وسيّد «المدارك»(3)وغيرهم، وهو الأظهر.

***8.

ص: 429


1- المعتبر: ج 1/208.
2- منتهى المطلب: ج 1/101.
3- مدارك الأحكام: ج 2/18.

فإنْ فُقِدن، أو كُنَّ مختلفات العادة، تحيّضتْ في كلّ شهرٍ سبعة أيّام، أو ثلاثة من الأوّل وعَشَرة من الثاني.

حكم المرأة الفاقدة للأقران

(فإنْ فُقِدن، أو كُنَّ مختلفات العادة) رَجَعَتْ إلى الروايات، بلا خلافٍ ظاهر.

أقول: اختلفت كلمات الأصحاب في تعيين عدد الأيّام التي تتحيّض فيها، على أقوال عديدة:

منها: ما إختاره المصنّف رحمه الله في المقام، تبعاً لموضعٍ من «المبسوط»(1)و «الوسيلة»(2) من أنّها (تحيّضتْ في كلّ شهرٍ سبعة أيّام، أو ثلاثة من الأوّل وعَشَرة من الثاني).

ومنها: التحيّض في كلّ شهرٍ بسبعة أيّام، أو عَشَرة من الأوّل وثلاثة من الثاني.

وعن المفاتيح(3): أنّه المشهور.

ومنها: التخيير بين السبعة من كلّ شهر، وبين الثلاثة من الأوّل والعَشَرة من الثاني، أو العكس.

ومنها: التحيّض في كلّ شهرٍ بسبعة أيّام خاصّة مطلقاً - وهو المحكيّ عن «الاقتصاد» و «التلخيص»(4) و «شرح المفاتيح» وسيّد «الرياض»(5) - أو في أوّل

ص: 430


1- المبسوط: ج 1/47.
2- الوسيلة لإبن حمزة الطوسي: ص 59.
3- حكاه عن المفاتيح السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/188. ولم يحضرنا الكتاب إلّاأنّه في حاشية مفتاح الكرامة خرّجه: مفاتيح الشرائع، الطهارة في أحكام الحيض: ج 1/15.
4- حكاه عن التلخيص السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/193 (الثامن عشر) وفي الهامش خرّجه: التلخيص: ج 1/81 مع اختلاف بين الناسية والمضطربة والمُبتدئة عمّا حكي عنه.
5- الرياض: ج 1/361 (ط ج).

الشهر كما عن بعض أصحابنا(1).

ومنها: عَشَرة من كلّ شهر(2).

ومنها: ثلاثة من كلّ شهر، كما عن أبي عليّ وبعض متأخّري المتأخّرين(3)والمحقّق في «المعتبر»(4).

ومنها: أنّها تُجعل حيضها عَشَرة، وطُهرها عَشَرة(5) وهكذا.

ومنها: التخيير بين الثلاثة من الأوّل والعَشَرة من الثاني، وبين السِّتّة والسبعة وهو المحكيّ عن «الخلاف»(6).

ومنها: التخيير بين الستّة والسبعة، وبين الثلاثة من شهر والعَشَرة من الآخر، وهو المحكيّ عن «النافع»(7) و «كشف الرموز»(8) و «نهاية الاحكام»(9)و «البيان»(10) و «الدروس»(11).

ومنها: أنّها تجلس بين ثلاثة إلى عَشَرة(12).ى.

ص: 431


1- نسبه إلى بعض الأصحاب صاحب السرائر: ج 1/147 من دون تصريح باسمه.
2- نسبه إلى بعض الأصحاب صاحب المنتهى: ج 2/304. من دون تصريح باسمه. ولكن وجدناه في من لا يحضره الفقيه: ج 1/89 نقلاً عن رسالة والد الصدوق إليه.
3- مدارك الأحكام: ج 2/20-\21، حيث قوّى رأي المحقّق في المعتبر بالتحيّض ثلاثة لأنّه القدر المتيقّن.
4- المعتبر: ج 1/210.
5- المبسوط: ج 1/46.
6- الخلاف: ج 1/234.
7- المختصر: ص 9.
8- الفاضل الآبي في كتابه كشف الرموز: ج 1/77.
9- نهاية الاحكام: ج 1/138.
10- البيان للشهيد الأوّل: ص 17.
11- الدروس: ج 1/98.
12- نسبه في المعتبر: ج 1/207 إلى السيّد المرتضى.

ومنها: التخيير بين الثلاثة في كلّ شهر، والستّة أو السبعة، اختاره المحقّق اليزدي في «العروة»(1).

إلى غير ذلك من الأقوال، وقد أنهاها الشيخ الأعظم رحمه الله(2) إلى عشرين، وتظهر جملةٌ اُخرى منها في ضمن الإشارة إلى ما هو المدرك للحكم مع ضعفها.

أقول: وأمّا نصوص الباب، فهي خمسة:

النصّ الأوّل: مرسل يونس المتقدّم، عن الإمام الصادق عليه السلام، من حكاية قول النبيّ صلى الله عليه و آله لحَمَنة بنت جحش: «تحيّضي في كلّ شهرٍ في علم اللّه ستّة أو سبعة أيّام، ثمّ إغتسلي غُسلاً، وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين»(3).

والمستفاد من هذه الجملة من المرسل، التخيير بين الستّة والسبعة لا غير.

ودعوى: أنّها معارضة مع بقيّة الفقرات اللّاحقة، حيث أنّها تدلّ على تعيّن السبعة - لاحظ قول الإمام الصادق عليه السلام: (أقصى وقتها سبع، وأقصى طُهرها ثلاثة وعشرون)، وقوله عليه السلام: (فسُنّتها السبع والثلاث والعشرون، لأنّ قصّتها كقصّة حَمَنة) وغيرهما - وعليه:

1 - فإمّا أنْ يُقدّم ما يدلّ على تعيّن السبع، لاحتمال كون الترديد في تلك الجملة من الرواي.

2 - أو إنّه من جهة عدم إمكان الجمع، لابدَّ من الاحتياط، لدوران الأمر بين التعيين والتخيير، فيتعيّن الالتزام بتعيّن السبعة.

مندفعة: بأنّ احتمال كون الترديد من الراوي مخالفاً لظاهر النقل، لا يعتنى به،9.

ص: 432


1- العروة الوثقى : ج 1 المسألة الأُولى من فصل في تجاوز الدّم عن العشرة.
2- كتاب الطهارة: ج 3، / 280 (ط ج) وما قبلها.
3- الكافي: ج 3/83 ح 1، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2159.

مضافاً إلى أنّه يبعّده جزم الراوي بمقالة الإمام عليه السلام عند ذكره سائر الفقرات، فهما أمارتان متعارضان.

أقول: وحيث أنّ المختار هو التخيير في تعارض الأمارتين، الذي لا يكون من موارد الرجوع إلى المرجّحات السنديّة كما في المقام، فيتعيّن القول بالتخيير، وليس المقام من قبيل نقل رواية واحدة بضبطين كي يكون من موارد الرجوع إلى أصالة التعيين أو التخيير، على الخلاف في تلك المسألة كما لا يخفى، مع أنّ المختار في تلك المسألة أيضاً هو الرجوع إلى أصالة التخيير.

هذا مضافاً إلى ما ذكره بعض المحقّقين رحمهم الله(1) من أنّ ذكر السَّبع خاصّة، بعد نقل الترديد عنه صلى الله عليه و آله، جارٍ على طبق قانون المحاورة من الاقتصار بذكر أحد شِقي الترديد عند الحاجة إلى التكرير، والجري على ما يقتضيه هذا الشقّ إقتصاراً وإجتزاءً في إفادة حكم الشقّ الآخر بالمقايسة على هذا الشقّ ، ويؤيّده قوله عليه السلام:

(أقصى وقتها سبع).

فتحصّل: أنّ الأظهر دلالة المرسل على التخيير بين الستّة والسبعة.

وأيضاً: توزيع التخيير المستفاد منه على النساء بحسب الأمزجة، كما عن «المنتهى »(2) و «النهاية»(3) خلاف ظاهره، والقول به ضعيف.

كما أنّ القول بتعيّن السبعة إستنادا إلى الفقرات اللّاحقة لتلك الجملة في المرسل أيضاً ضعيفٌ .

النصّ الثاني والثالث: موثّقا ابن بكير:7.

ص: 433


1- وهو الفقيه الهداني في مصباحه: ج 1/308 ق 1.
2- منتهى المطلب: ج 1/101 (ط ق).
3- نهاية الاحكام: ج 1/137.

أحدهما(1): «في المرأة إذا رأتِ الدّم في أوّل حيضها، فاستمرّ بها الدّم بعد ذلك، تركت الصّلاة عشرة أيّام، ثمّ تُصلّي عشرين يوما، فإنْ استمرّ بها الدّم بعد ذلك تركت الصّلاة ثلاثة أيّام وصلّت سبعة وعشرين يوماً».

والآخر(2): «في الجارية أوّل ما تحيض، يدفع عليها الدّم، فتكون مستحاضة، أنّها تنتظر بالصلاة فلا تُصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عَشَرة أيّام، فعلت ما تفعله المستحاضة، ثمّ صلّت، فمكثت تُصلّي بقيّة شهرها، تترك الصّلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك إمرأة الصّلاة، وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث، وهو ثلاثة أيّام، فإنْ دام عليها الحيض صلّت في وقت الصّلاة التي صلّت، وجَعَلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر، وتركها للصلاة أقلّ ما يكون من الحيض».

والمستفاد من هذين الموثّقين التحيّض بالثلاثة، إذ ما في صدرهما من التحيّض بالعشرة، فإنّما هو بالنسبة إلى المُبتدئة في أوّل رؤية الدّم، المحتملة إنقطاع الدّم إلى العشرة، فيكون من قبيل التحيّض أيّام الإستظهار، ولا علاقة له بما نحن فيه ممّا علم اختلاط الحيض بالإستحاضة، وعدم تمييز أحدهما عن الآخر.

أقول: والجمع بينهما وبين المرسل، يقتضي الالتزام بالتخيير بين الثلاثة والستّة أو السبعة، كما اختاره سيّد «العروة»(3)، وتبعه جماعةٌ من المحقّقين.

وبالجملة: ممّا ذكرناه يظهر ضعف القول بالتخيير بين الثلاثة والسبعة، وما يمكن أنْ يكون مدركاً له.ة.

ص: 434


1- التهذيب: ج 5/400، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2162.
2- التهذيب: ج 1/381، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2161.
3- المصدر السابق من العروة.

النصّ الرابع: مضمر سماعة المتقدّم(1): «فإنْ كُنَّ نساؤها مختلفات، فأكثر جلوسها عشرة، وأقلّه ثلاثة».

أقول: والمشهور بنوا على ظهوره في التحيّض بثلاثة أيّام من شهر، وعَشَرة من آخر، وإن اختلفوا في أنّ المستفاد منه تقديم العَشَرة كما عن «النهاية»(2)، أو الثلاثة كما عن «الخلاف»(3) مدّعياً عليه الوفاق، أو مخيّراً في ذلك كما عن جماعةٍ ، وجمعاً بينه وبين المرسل التزموا بالتخيير بما فيهما.

وبذلك وماذكرناه في المرسل من الاحتمالات يظهر مدرك جملةٍمن الأقوال.

وأورد عليهم محشّي «الروضة»(4) وشارحها(5)، والشيخ الأعظم(6) وغيرهم بظهوره في التخيير بين الثلاثة والعشرة، وما بينهما كما عن الصدوق والسيّد اختياره، وأيّدوه برواية الخزّاز، عن الإمام الكاظم عليه السلام:

«في المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدّم، وإذا رأت الصُّفرة ؟ وكم تدَع الصّلاة ؟ قال عليه السلام: أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة»(7).

وفيه: أنّه لا يستفاد منه سوى التخيير بين خصوص الأقلّ والأكثر، دون ما بينهما، لعدم التصريح به، وعدم استلزامه لهما كما لا يخفى، فلا وجه لدعوى دلالته عليه بالالتزام.

ولكن يرد على المشهور: أنّ المضمر يدلّ على التخيير بين الثلاثة والعشرة في0.

ص: 435


1- الكافي: ج 3/79 ح 3، وسائل الشيعة: ج 2/288 ب 8 من أبواب الحيض ح 2158.
2- المصدر السابق من النهاية.
3- المصدر السابق من الخلاف.
4- حاشية الروضة للمحقّق الخوانساري ص 59.
5- المناهج السويّة: ص 227 (مخطوط).
6- كتاب الطهارة: ج 2/275 (ط ج).
7- التهذيب: ج 1/381، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2160.

كلّ شهر، كما عن شارح «الروضة» اختياره، مضيفاً إليهما التحيّض بالسبعة، لا التحيّض بأحدهما في شهر، وبالآخر في الآخر، كما عليه المشهور.

هذا مضافاً إلى أنّ الجمع بين هذين الخبرين، وبين المرسل بالإلتزام بالتخيير غير ممكن، إذ المرسل المتضمّن قوله عليه السلام: (أقصى وقتها سبع)، وقوله عليه السلام: (لو كان حيضها أكثر من سبع، وكانت أيّامها عشرة أو أكثر لم يأمرها بالصلاة)، كالصريح في عدم الزيادة على السبع، فكيف يمكن الجمع بينه، وبين قوله عليه السلام في المضمر: (فأكثر جلوسها عشرة)، بل يرى العرف التهافت بينهما، كما يظهر لمن جمعهما في كلامٍ واحد، حيث إنّ العرف لا يرى أحدهما قرينةً على الآخر، فيتعيّن الرجوع إلى المرجّحات، وهي مع المرسل، فيقدّم.

فالمتحصّل: سقوط المُضمر عن الحجيّة بالنسبة إلى ما في ذيله، وكذلك سقوط رواية الخزّاز. والجمع بين المرسل وبين موثّقي ابن بكير، يقتضي الالتزام بالتخيير بين الثلاثة والستّة أو السبعة، كما هو مختار محققي العصر.

وبالجملة: ومن جميع ما ذكرناه، ظهر ضعف الأقوال الاُخر، لاسيّما ما كان منها مبنياً على سقوط جميع الروايات، بالمعارضة مع الرجوع إلى الأصل أو قاعدة الإمكان، أو غيرها من القواعد، على التفصيل المذكور في «طهارة» الشيخ الأعظم رحمه الله(1)؛ إذ على فرض عدم تماميّة الجمع المزبور أيضاً لا يصحّ الرجوع إلى شيء منها؛ إذ لو كان لأحد المتعارضين مرجّحٌ فيقدّم، وإلّا فالتخيير، وعلى أيّة حال لا وجه لطرح الجميع، فتدبّر في أطراف ما ذكرناه جدّاً.

هذا كلّه في المُبتدئة بالمعنى الأخصّ .

***9.

ص: 436


1- كتاب الطهارة: ج 2/279.

وأمّا المُبتدئة بالمعنى الأعمّ : أي التي لم تستقرّ لها عادة:

فقد يُشكِل الحكم فيها بما في الروايات، من جهة اختصاص موردها بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ، ولكن يمكن استفادة حكم المضطربة من المرسل بهذا المعنى، إذ هو وإنْ كان في بادي النظر متضمّناً لبيان أحكام الأصناف الثلاثة:

المعتادة، والناسية، والمُبتدئة بالمعنى الأخصّ ، وأنّ الرجوع إلى الروايات مختصٌّ بالصنف الأخير، إلّاأنّه بعد التدبّر فيه يظهر إلحاق من لم تستقرّ لها عادة بالمبتدئة في هذا الحكم، إذ الالتزام بخروج سُنّتها عن السُّنن الثلاث منافٍ للحصر، وإلحاقها بالمعتادة غير معقول، ممّا يعني لحوقها بالناسية أو المُبتدئة بالضرورة.

وحيث أنّ حكمهما من هذه الجهة واحد - على ما ستعرف - فهي أيضاً ترجع إلى العدد.

هذا فضلاً عن أنّ المستفاد من تعليل رجوع الناسية الفاقدة للتمييز إلى العدد في ذيل المرسل، واعتبار قضيّتها قضيّة حَمَنة، بعد أن مثّل للمبتدئة بالمعنى الأخصّ بحَمَنة: إنّ هذه السُنّة أي التحيّض في كلّ شهر في علم اللّه بالستّة أو السبعة - سُنّة كلّ امرأة غير معتادة لا تمييز لها كما لا يخفى .

وعليه، فيستفاد من المرسل: أنّ مَن لم تستقرّ لها عادة، حكمها التحيّض بالستّة أو السبعة، بل هو يدلّ على اتّحاد حكمهما مع عدم التمييز، وحيث إنّ حكم المُبتدئة التخيير بين الثلاثة والستّة أو السبعة، فكذلك من لم تستقرّ لها عادة.

***

أقول: بقي في المقام اُمورٌ يقتضي التعرّض لها:

منها: أنّ المراد من (الشهر) ليس ما يكون أوّله عند رؤية الهلال لعدم الدليل عليه، بل قد يمتنع كما لو رأت الدّم إبتداءً في أواخر الشهر الأوّل، فإنّه - على ما

ص: 437

ستعرف - يتعيّن عليها التحيّض في أوّل رؤية الدّم، فيلزم من ذلك أن لا يفصل بين أقلّ الحيض منه، ومن أوّل الشهر الثاني بأقلّ الطهر.

ويدلّ عليه: - مضافاً إليذلك - مرسل يونس(1) وموثّقا ابن بكير(2)، فراجعهما.

ومنها: أنّه تجب الموافقة بين الشهور، فلو اختارت في الشهر الأوّل أوّله، فلابدّ لها في الشهر الثاني من اختيار أوّله، لأنّ النصوص كما تضمّنت أيّام الحيض، فهي كذلك متضمّنة لأيّام الطهر، فلو اختارت في الشهر الثاني في الفرض أواسط الشهر، تلزم زيادة مدّة الطهر واختلافها.

ومنها: في اختيارها العدد:

هل يجب اختيار العدد في أوّل رؤية الدّم، كما عن المصنّف رحمه الله في «التذكرة»(3)وكاشف اللّثام(4)؟

أم لها وضع العدد كيف ما شاءت، كما عن المصنّف(5) في بعض كتبه، والمحقّق(6) والشهيد(7) والمحقّق(8) الثانيين، بل هوالمنسوب إلى الأصحاب ؟ وجهان:

استدل للثاني: بإطلاق أدلّة التخيير، كقوله عليه السلام في المرسل(9): «تحيّضي في كلّ ة.

ص: 438


1- الكافي: ج 3/56 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 10 من أبواب الحيض ح 2169.
2- التهذيب: ج 400/1، وسائل الشيعة: ج 2/291 ب 8 من أبواب الحيض ح 2161 و 2162، التهذيب: ج 1/381.
3- تذكرة الفقهاء: ج 1/300.
4- كشف اللّثام: ج 2/85 (ط ج).
5- كما في منتهى المطلب: ج 1/101 (ط ق).
6- الشرائع: ج 1/26.
7- شرح اللُّمعة: ج 1/379.
8- جامع المقاصد: ج 1/299.
9- أي مرسل يونس الطويل، تقدّم تخريجه في الصفحة السابقة.

شهر في علم اللّه ستّة أو سبعة»، ونحوه غيره.

أقول: ولكن الأظهر هو الأوّل، وذلك:

1 - لأنّ الظاهر من نصوص العدد، المتضمّنة مدّتي التطهّر والتحيّض، هو اعتبار التوالي في أيّام التطهّر، وحينئذٍ يدور الأمر بين تعيّن كون أيّام التحيّض هو الأوّل، أو الآخر، أو التخيير بينهما، وحيث لا قائل بالأخيرين فيتعيّن الأوّل.

2 - ولأنّ موثّقي ابن بكير المتقدّمين(1) إنّما يدلّان على أنّها تتحيّض في أوّل رؤية الدّم عَشَرة أيّام، ثمّ بعد ذلك تُصلّي عشرين يوماً، وبعد ذلك إلى العدد، وهي الثلاثة على ما في الموثّقين، والستّة أو السبعة على ما في المرسل.

وعليه، فإمّا أنْ لا تصدق المستحاضة عليها، إلّابعد تجاوز العَشَرة، فليس لها وضع العدد إلّابعد مُضيّ عشرين يوماً، وإمّا أنْ تصدق عليها تلك.

وبالجملة: فالجمع بين ذلك، وبين ما دلّ بظاهره على التحيّض بالعَشَرة الاُولى والتطهّر بعدها بعشرين يوماً، يقتضي عدم جواز رجوعها عن ذلك، غاية الأمر أنّ لها الخيار في أنْ تختار العدد من العَشَرة التي تتحيّض بها، فليس لها جعل حيضها في ما عداها من الأيّام.

ولا يخفى أنّه على فرض اختيارها جعل العدد كالسبعة في آخر العشرة الاُولى ، ليس لهافي الدورالأوّل جعل مدّة التطهيرثلاث وعشرين يوماً، لأنّ الموثّقين صريحان في أنّها تجعل مدّتها في الدور الأوّل عشرين يوماً. فتدبّر فإنّه دقيق.

ويؤيّد ما اخترناه ما في النصوص كالمرسلة وغيرها من عطف التطهّر علىة.

ص: 439


1- تقدّم تخريجه في الصفحة السابقة.

التحيّض ب (ثمّ )، الظاهر في تعيّن تأخّره عنه، فتأمّل.

هذا كلّه إذا لم يكن مرجّحٌ لغير الأوّل كالعادة والتمييز، وإلّا فمقتضى النصوص الرجوع إليه كما هو واضح.

***

ص: 440

حكم المضطربة
اشارة

والمضطربة تتحيّض بالسَّبعة أو الثلاثة والعشرة في الشهرين.

حكم ناسية الوقت والعَدَد
اشارة

(و) أمّا (المضطربة) بالمعنى الأخصّ ، وهي الناسية لعادتها:

1 - فهي إمّا أنْ تكون ناسية لوقتها وعددها، وهي المعبّر عنها بالمتحيّرة.

2 - وإمّا أنْ تكون ناسية للوقت دون العدد.

3 - وإمّا أنْ تكون بالعكس.

أقول: والكلام في المقام إنّما هو في صورة فقد التمييز، وإلّا فهي ترجع إليه كما تقدّم، ومع فقده لا ترجع إلى الأرقاب بلا خلافٍ ظاهر، وقد تقدّم في نصوص الرجوع إلى الأقارب(1) إختصاصها بغير المضطربة بهذا المعنى، وعلى ذلك، فمحلّ الكلام هو تعيين العدد الذي ترجع إليه الناسية.

حكم المتحيّرة

القسم الأوّل: وهي الناسية لوقتها وعددها، فقد اختلفت كلماتهم فيها، وفي رسالة الشيخ الأعظم(2): (أنّ هنا أقوالاً اُخر تبلغ خمسة عشر).

فعن المصنّف رحمه الله في جملةٍ من كتبه، منها «التبصرة»(3) وغيره، بل الأكثر كما عن «كشف اللّثام»(4)، بل المشهور، كما عن «شرح المفاتيح»(5): أنّها (تتحيّض بالسَّبعة أو الثلاثة والعشرة في الشهرين) أي الثلاثة من شهر والعشرة من آخر.

ص: 441


1- وسائل الشيعة: ج 2 الباب 8 من أبواب الحيض، ص 288.
2- كتاب الطهارة: ج 3/291.
3- تبصرة المتعلِّمين: ص 24.
4- كشف اللّثام: ج 2/80.
5- مصابيح الظلام في شرح المفاتيح (مخطوط): ص 49.

واستدلّ له: بأنّه مقتضى الجمع بين مرسل يونس - بناءً على عدم دلالته على الستّة - وبين ما تقدّم في المُبتدئة من موثّقتي ابن بكير.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من دلالة المرسل على الستّة، اللّهُمَّ إلّاأنْ يقال: إنّ الجملة الدالّة منه على الستّة مختصّة بالمبتدئة، وما دلّ منه على أنّ الناسية ترجع إلى العدد، يدلّ على خصوص السبعة، ولكن ستعرف الجواب عن ذلك - أنّه تقدّم أنّ موثّقي ابن بكير لا يدلّان على الثلاثة والعشرة، ولا يستفاد منهما إلّاالثلاثة من كلّ شهر.

أقول: وتنقيح القول في المقام بنحوٍ يظهر الحقّ في المقام، مع ضعف سائر الأقوال، هو:

أمّا نصوص العدد غير المرسل فهي مختصّ موردها بالمبتدئة.

وأمّا المرسل فقوله عليه السلام فيه: (وأمّا السُنّة الثالثة فهي للّتي ليس لها أيّام متقدّمة، ولم تر الدّم قط)، وإنْ كان مختصّاً بالمبتدئة، إلّاأنّ قوله عليه السلام في ذيله في الناسية: (وإنْ لم يكن الأمر كذلك، ولكن الدّم أطبق عليها، وكان الدّم على لونٍ واحد، فسُنّتها السبع والثلاث والعشرون، لأنّ قصّتها قصّة حَمَنة)(1)، يدلّ على رجوعها إلى العدد أيضاً.

وهذه الجملة وإنْ دلّت على تعيّن السبع، إلّاأنّه من جهة التعليل باتّحاد حكمها مع حكم المُبتدئة، وقد عرفت أنّ سُنّتها المستفادة من المرسل هو التخيير بين الستّة والسبعة، فإنّه يتعيّن الالتزام بالتخيير بينهما فيها أيضاً، بل مقتضى إطلاق التعليل اتّحاد حكمهما، فكما أنّ المُبتدئة مخيّرة بين الثلاث والستّ أو السبع، فكذلك الناسية، ولكن الأحوط أن تختار السبع كما لا يخفى.

***9.

ص: 442


1- أي مرسل يونس الطويل: الكافي: ج 3/56 ح 5، وسائل الشيعة: ج 2/294 ب 10 من أبواب الحيض ح 2169.
ناسية الوقت

القسم الثاني: أمّا لو ذَكَرت العدد ونَسيت الوقت:

كما إذا علمت بأنّها تحيض في الشهر ثلاثة أيّام، ونسيت وقتها، ففيها أقوالٌ :

منها: ما عن الشيخ في «المبسوط»(1) من لزوم الاحتياط بنحو سيمرّ عليك.

ومنها: ما عن المشهور(2): من أنّها ترجع إلى عادتها، فتتحيّض بعددها، مخيّرة في وضعها من الشهر حيث شاءت.

ومنها: غير ذلك(3).

أقول: والكلام فيها يقع في موردين:

الأوّل: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يستفاد من النصوص الخاصّة.

أمّا الموردالأوّل: فعن الشيخ في «المبسوط»(4) - وتبعه جماعة من المحقّقين - أنّها تقتضي وجوب الاحتياط، بأنْ تعمل في فترة نسيانها ما تعمله المستحاضة، وتترك جميع ما يجب على الحائض تركه، بأن تغتسل للحيض في كلّ وقتٍ تحتمل انقطاع دمّ الحيض، وتقضى صوم عادتها، للعلم الإجمالي بصيرورتها حائضاً أو مستحاضة، واختلاط كلّ منهما بالآخر.

وأورد عليه: جماعةٌ من المحقّقين، منهم الشيخ الأعظم رحمه الله(5)، بعدم منجّزية هذا

ص: 443


1- المبسوط: ج 1/51.
2- نسبه إلى الأكثر السيّد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 3/204.
3- كالقول بجعل العدد أوّل الشهر، أو بحسب غَلَبة ظنّها واجتهادها.
4- المبسوط: ج 1/51.
5- كتاب الطهارة: ج 3/314.

العلم الإجمالي، بناءً منهم على عدم منجّزية العلم الإجمالي عند اشتباه المكلّف به في الاُمور التدريجيّة، فيما لا يكون العلم فيه متعلقاً بتكليف فعليّ على كلّ حال، ولم يكن ملاك الأمر المتأخّر - على فرض كونه المأمور به - تامّاً قبل مجئ وقتها؛ إذ المفروض تردّد التكليف بين كونه فعليّاً، وكونه مشروطاً بشرطٍ غير حاصل، فلا علم بالتكليف ولا بالملاك التامّ فعلاً، فيجري الأصل في الطرف المُبتلى به فعلاً بلا معارضٍ ، لعدم جريانه في الطرف الآخر، وعند الإبتلاء به يجري فيه الأصل أيضاً بلا معارضٍ ، لعدم وجود هذا الطرف حتّى يجري فيه الأصل فيتعارضان، غاية الأمر بعد جريان الأصلين، ومُضيّ زمان الإبتلاء بهما، يقطع بمخالفة أحدهما للواقع، ولا محذور في ذلك.

وبالجملة: ففي المقام بما أنّ الحيض الذي عُلّق عليه الأحكام لا علم به، فلا علم بالتكليف الفعلي، ولا بالملاك الفعلي التامّ ، فالعلم الإجمالي المزبور لا يكون منجّزاً، وحينئذٍ لا مانع من الرجوع إلى الاُصول، ففي الفرض عليها الرجوع إلى استصحاب الطهر إلى الآن الأوّل من الأيّام الثلاثة الباقية من الشهر، وأمّا بعد ذلك فلا يمكن لها الرجوع إليه لعلمها بحصول حيضٍ وطُهر في هذا الشهر، والشكّ في بقاء كلّ منهما، فإمّا أن لا يجري الاستصحاب فيهما، أو يجريان ويتعارضان ويتساقطان على اختلاف المسلكين، فترجع إلى البراءة.

أقول: فيما ذكروه نظر:

أمّا أوّلاً: فلأنّ العلم الإجمالي في التدريجيّات منجّزٌ في جميع الفروض حتّى في الفرض المزبور، لإستقلال العقل بقبح تفويت الملاك المُلزم في ظرفه، بسلب القدرة عن النفس قبل مجي وقته، من غير فرقٍ بين أن يكون المفوّت العبد أو المولى. وبما

ص: 444

أنّ ترخيص المولى إرتكاب كلّ طرفٍ في ظرف الإبتلاء به في الفرض يعدّ ترخيصاً لتفويت الملاك الملزم، وهو قبيحٌ ، فهو مانعٌ عن جريان الاُصول، كممانعة الترخيص في المعصية، مع أنّ دعوى تعارض الأصل الجاري في أحد الطرفين في ظرف الإبتلاء به، مع الأصل الجاري في الطرف الآخر في الزمان المتأخّر عند الإبتلاء به، قريبة جدّاً، فالأقوى تنجّز العلم الإجمالي المزبور.

وأمّا ثانياً: فلأنّ أصالة عدم الحيض في نفسها لا تجري في حقّ المرأة، وإن جرت بالنسبة إلى زوجها، لتعارضها مع أصالة عدم الاستحاضة، للعلم بأحدهما فتتساقطان، فلابدّ لها من الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة، ولكن قد عرفت في مبحث اعتبار التوالي،(1) جريان استصحاب عدم الحيض، وعدم معارضته باستصحاب عدم الاستحاضة، فراجع ما حقّقناه في ذلك المبحث، وعليه فينحصر الإشكال فيما ذكرناه أوّلاً.

أقول: ثمّ إنّه قد اُورد على أصل الاستدلال، باستلزام الاحتياط الحَرَج المنفيّ في الشريعة.

وفيه: إنّ أدلّة نفي الحرج إنّما تدلّ على نفي كلّ حكم شخصي لزم منه الحرج، ولا يستلزم ذلك رفع تنجّز العلم الإجمالي، ولو لم يلزم من الاحتياط حَرَجٌ ، فتدبّر.

فتحصّل: أنّ الأظهر - بحسب القواعد - ما ذكره في محكي «المبسوط»(2)، و «المعتبر»(3) و «الإرشاد»(4). ولكن هذا مع قطع النظر عن ما يستفاد من نصوص المقام، وستعرف ما تقتضيه، ومنه يظهر ضعف هذا القول.7.

ص: 445


1- فقه الصادق: ج 2/296.
2- المبسوط: ج 1/51.
3- المعتبر: ج 1/218.
4- إرشاد الأذهان: ج 1/227.

وأمّا المورد الثاني: فعن جملةٍ من كتب المصنّف(1) والشهيدين(2),(3) والمحقّق الثاني(4) وغيرهم، بل عن الأكثر أو المشهور: أنّها ترجع إلى عادتها، فتتحيّض بعددها، مخيّرة في وضعها من الشهر حيث شاءت.

وعن «الذكرى»(5) و «البيان»(6): تقييد التخيير المزبور بعدم الأمارة المفيدة للظنّ بموقع خاص.

وعن «كشف اللّثام»(7): تعيّن الأوّل.

أقول: يقع الكلام أوّلاً في مقدار تحيّضها، ثمّ في وقت التحيّض.

أمّا الأوّل: فالأظهر أنّه لا يجب عليها الاحتياط في تمام الشهر:

1 - لمرسلة يونس(8) الطويلة، فهي صريحة في حصر سُنن المستحاضة في الأخذ بالعادة، والرجوع إلى التمييز والعدد، فينتفي الاحتياط.

2 - ولما دلّ على عدم وجوبه على المتحيّرة الناسية للوقت والعدد، فإنّه يدلّ بالفحوى على عدم وجوبه على الناسية للوقت خاصّة؛ إذ ذِكْر العدد لا يوجب زيادة التكليف.

أقول: ثمّ إنّ المستفاد من المرسل، بقرينة ما ذكرناه من أنّه يتعيّن عليها في الفرض رجوعها إلى عادتها؛ إذ حصر سُنن المستحاضة في الثلاث مستلزمٌ لإلغاء3.

ص: 446


1- كالمختلف: ج 1/369.
2- الروضة البهيّة في شرح اللُّمعة: ج 1/380.
3- مسالك الأفهام: ج 1/71، وروض الجنان: ص 66.
4- جامع المقاصد: ج 1/299.
5- الذكرى : ص 32.
6- البيان: ص 20.
7- كشف اللّثام: ج 1/91 حيث قال: (الأقوى التخصيص بالأوّل).
8- تقدّمت الإشارة إليها مراراًهنا. الكافي: ج 3/56 ح 5، وسائل الشيعة: ج 289/2 الباب 8 من أبواب الحيض، ح 3.

الخصوصيّات المذكورة في الموارد الثلاثة، وإلّا لما أمكن أن يستفاد منه جميع أحكام المستحاضة، وعليه فيستفاد منه أنّ ذات العادة من جهة واحدة وظيفتها الرجوع إلى عادتها من تلك الجهة. ويشير إلى ذلك قوله عليه السلام فيه: «ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدّم»، فإنّه يدلّ على أنّ الجهل بالأيّام سبب الحاجة إلى معرفة لون الدّم، فتأمّل.

وأمّا ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله(1): من أنّ قوله عليه السلام في المرسل - في تفسير قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحَمَنة: تحيّضي في كلّ شهرٍ في علم اللّه ستّة أو سبعة -:

«ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصّلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيّامها عشراً أو أكثر، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض، ثمّ ممّا يزيد هذا بياناً، قوله صلى الله عليه و آله: (تحيّضي) وليس يكون التحيّض إلّاللمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض»، فإنّه يدلّ على أنّ المرأة إذا كانت لحيضها أيّام معلومة، كان يأمرها بأنْ تتحيّض في علم اللّه بذلك العدد.

أقول: فإنْ كان مراده دلالة هذه الفقرة من المرسل في نفسها عليه، مع قطع النظر عن ما ذكرناه من القرائن كما هو ظاهر كلامه قدس سره.

فغير تامّ ؛ إذ مورد هذه السُنّة على ما هو صريح قوله عليه السلام في صدر المرسل(2):

(أمّا إحدى السُّنن، فالحائض التي لها أيّام معلومة، قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت فاستمرّ بها الدّم، وهي في تلك تعرف أيّامها، ومبلغ عدّتها).5.

ص: 447


1- مصباح الفقيه: ج 1/314 ق 1.
2- هذه فقرة من مرسلة يونس الطويلة التي نقلناها سابقاً عن الكافي: ج 3/83 ح 1، وعن التهذيب، وقد نقل صاحب وسائل الشيعة صدرها هذا في: ج 2/281 في الباب 5 من أبواب الحيض ح 2145.

فهي تعدّ ذاكرة الوقت والعدد.

وقد استدلّ لرجوعها إلى العادة: بإطلاق النصوص(1) الآمرة بأخذ المستحاضة مقدار عادتها غير المرسل.

وفيه: أنّها مختصّة بالعادة المعلومة وقتاً؛ إذ ليست هي متضمّنة لأخذها مقدار عادتها، بل متضمّنة لتحيضها أيّام قرئها، أو أيّامها، أو تلك الأيّام، وظهورها فيما ذكرناه لا يُنكر.

ودعوى: أنّه لا يُعقل الفرق بين نسيان العادة علمها أو بعضها بإطلاق اللّفظ.

مندفعة: بأنّ مثل هذا الحكم - أي التحيّض في أيّام خاصّة - يتوقّف على العلم، فكيف لا يُعقل الفرق بين العلم والنسيان ؟.

وأمّا الثاني: وهو الزمان الذي تتحيّض فيه:

فقد اُستدلّ لتعيّن جعل العدد في الأوّل؛ بأنّ عليها أن تتحيّض في أوّل رؤية الدّم، فلا وجه لرجوعها عن ذلك، وتركها العبادة، وقضاء ما تركته سابقاً من العبادة.

وأورد عليه الشيخ الأعظم رحمه الله(2): بأنّها قد لا تتحيّض في أوّل رؤية الدّم عمداً وجهلاً، مع أنّ عدم الوجه في رجوعها عن ذلك لا يوجب إلزامها بذلك.

وفيه: إنّ الظاهر من أدلّة التحيّض في أوّل الرؤية، أنّه يتعيّن عليها أن تكلَّف ما تعمل الحائض، فما لم ينكشف خلاف ذلك، بأنْ لم يصادف المتجاوز عن العشرة أمارةٌ مرشدة إلى كون المتجاوز حيضاً، لا وجه لرفع اليد عمّا ثبت عليها بمقتضى تكليفها الظاهري.2.

ص: 448


1- كروايات ج 2/283 من وسائل الشيعة الباب 5.
2- كتاب الطهارة: ج 3/282.

ودعوى : بعض الأعاظم(1) تأييداً للشيخ الأعظم رحمه الله، من أنّ إطلاق أدلّة التخيير يدلّ على جواز رجوعها عن ذلك.

مندفعة: بأنّتلك الأدلّة إمّا لاتشمل العَشَرة الاُولى، فلاتدلّ عليجوازالرجوع.

وإمّا أنْ تشملها، فغاية ما تدلّ عليه أنّ لها الخيار في جعل العدد في العَشَرة التي تحيض فيها.

وعلى أيّة حال لا تدلّ على جواز الرجوع، فالقول بتعيّن جعل العدد في الأوّل هو الأظهر.

ومن ما ذكرناه يظهر مستند القول بالتخيير وضعفه.

هذا إذا لم يكن تمييز، وإلّا فتأخذ بما فيه الصفة، لما عرفت آنفاً من أنّ مرسلة يونس تدلّ على رجوع جميع أقسام المستحاضة غير ذات العادة إلى التمييز، فراجع.(2)

وأخيراً: وبذلك كلّه ظهر حكم صاحبة العادة العدديّة، التي لم تستقرّ لها عادة بحسب الوقت، فإنّ حكمها حكم ناسية الوقت.

***6.

ص: 449


1- السيّد الحكيم في مستمسكه: ج 3/294.
2- فقه الصادق: ج 2/446.
حكمُ ناسية العدد

القسم الثالث: وأمّا لو نسيت العدد، وذَكَرت الوقت، بأنْ كانت ذاكرةً لوقتها في الجملة، فلا شبهة في وجوب رجوعها إلى عادتها، لإطلاق ما دلّ على الرجوع إلى العادة، وعليه فإنْ ذَكَرت أوّل حيضها أكملته ثلاثة أيّام بلا خلاف ولا كلام، وكذا لا كلام في ما فوقها ممّا لا تحتمل نقصان عادتها منه، وأمّا فيما زاد عن ذلك إلى العشرة ممّا تحتمل كونه من عادتها، فإنْ كان لها تمييزٌ رجعتْ إليه في تعيين العدد، لنصوص(1) أماريّة الصفات، وإلّا رجعت إلى عادة أهلها، لإطلاق موثّقي زرارة ومحمّد بن مسلم(2)، وأبي بصير(3) المتقدّمين في المُبتدئة(4).

فإنْ فقدن، أو كنَّ مختلفات، ففيها أقوال:

1 - ما قوّاه في «الجواهر»(5) وهو تحيّضها بالعَشَرة ما لم تعلم انتفاء بعضها، وإلّا فبالممكن منها.

2 - الاحتياط، بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض، وهو المنسوب إلى الشيخ في «المبسوط»(6) و «الجامع»(7)، والمصنّف(8) في جملةٍ من كتبه،

ص: 450


1- وهي روايات الباب 3 من أبواب الحيض: ج 2/275.
2- التهذيب: ج 1 ص 401 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2 ب 13، ص 302 من أبواب الحيض ح 2191.
3- التهذيب: ج 1/403 ح 75، وسائل الشيعة: ج 2، ص 383 ح 2431.
4- اُشير إليهما في بحث الإستظهار.
5- جواهر الكلام: ج 3/306.
6- المبسوط: ج 1/51 تعرّض لحكم ذاكرة الوقت وناسية العدد، ولكن حكم فيها بترك العبادة ثلاثة أيّام، وأنّه لادليل على الباقي، وإنّما حكم بالاحتياط في صورة نسيانها الوقت والعدد معاً.
7- الجامع للشرائع: ج 1/42، قوله: (فإنْ ذكرت الوقت دون العدد تحيّضت في الوقت أقلّ الحيض، ثمّ عملت عمل المستحاضة وصامت وصلّت، ولا يطأها الزوج، ولا يطلقها باقي العشرة، واعتسلت عند كلّ صلاة... الخ).
8- كنهاية الاحكام: ج 1/155، وإرشاد الأذهان: ج 1/227.

وفي «الشرائع»(1).

3 - الاقتصار على المتيقّن، كما عن «الوسيلة»(2) و «المعتبر»(3) و «البيان»(4)و «المدارك»(5)، واستقرّ عليه الشيخ الأعظم رحمه الله(6).

4 - رجوعها إلى العدد:

إمّا بأخذ السبعة تعييناً كما عن الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع(7).

أو ثبوت التخيير الثابت للمبتدئة لها، كما عن غيره(8).

واستدلّ للأوّل: باستصحاب بقاء الحيض، وبقاعدة الإمكان.

واُورد على الأوّل: بأنّ الحيض من الاُمور غير القارة التي توجد شيئاً فشيئاً، فالمرجع عند الشكّ فيه، هي أصالة عدم حدوث ما شكّ في حدوثه.

وفيه: ما حقّقناه في محلّه من جريان الاستصحاب فيها، لأنّ المناط في جريانه صدق البقاء عرفاً، من غير فرقٍ بين كون المستصحب وجوداً واحداً حقيقيّاً مستمرّاً، أم وجودات متباينة بالدقّة العقليّة، يجمعها جامعٌ واحد عرفي ولو اعتباراً، وتمام الكلام في محلّه.

ولكن الذي يرد عليه: أنّ جريانه يتوقّف على عدم استفادة حكمها من نصوص الباب، وستعرف أنّه يستفاد منها، فلا مورد للاستصحاب.8.

ص: 451


1- شرائع الإسلام: ج 1/314 (ط ج).
2- الوسيلة: ص 61.
3- المعتبر: ج 1/220.
4- البيان: ص 17.
5- مدارك الأحكام: ج 2/27.
6- كتاب الطهارة: ج 3/308.
7- الخلاف: ج 1/242 المسألة 211.
8- كمجمع الفائدة والبرهان: ج 1/148.

مضافاً إلى ما تقدّم من سقوط هذا الأصل في هذا الباب عن الحجيّة.

أقول: وممّا ذكرناه يظهر ما في الاستدلال بالقاعدة، مضافاً إلى ما عرفت عند التعرّض للقاعدة من عدم ثبوتها بنحو تشتمل المقام.

واستدلّ للثاني: بكونه مقتضى العلم الإجمالي.

ودعوى: أنّه ينحلّ باستصحاب بقاء الحيض وعدم الاستحاضة.

تندفع: بما تقدّم من عدم جريانه.

وفيه: إنّ ذلك إجتهادٌ في مقابل النصّ الدالّ على أنّها ترجع إلى العدد الذي سيمرّ عليك.

واُستدلّ للثالث: بلزوم الاقتصار في ترك العبادات الواجبة على القدر المتيقّن، لإطلاق الأمر بها، وبأصالة عدم زيادة الحيض، بناءً على عدم جريان استصحاب بقاء الحيض.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلأنّ التمسّك بإطلاق ما تضمّن الأمر بالعبادات، بعد تقييده بما دلّ على عدم وجوبها على الحائض في ما إذا شكّت في كونه حائضاً، يعدّ تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة، وهو لا يجوز.

وأمّا أصالة عدم زيادة الحيض، فلأنّه لا يثبت بها كون المرأة غير حائض، والدّم الموجود غير حيضٍ ، إلّاعلى القول بالأصل المثبت، الذي لا نقول به.

مضافاً إلى أنّ الرجوع إلى هذه القواعد والاُصول إنّما يكون مع عدم النصّ ، وهو موجودٌ في المقام، يدلّ على أنّ وظيفتها الرجوع إلى العدد، لاحظ قوله عليه السلام في ذيل مرسل يونس الطويل(1):9.

ص: 452


1- تقدّمت الإشارة إليه مراراً: وسائل الشيعة: ج 2/288 ح 2159.

«وإن اختلطت عليها أيّامها وزادت أو نقصت، حتّى لايقف على حدٍّ، ولا من الدّم على لون - إلى أنْ قال - وإنْ لم يكن الأمر كذلك، ولكن الدّم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة دارّة، وكان الدّم على لونٍواحد، فسُنّتهاالسّبع والثلاث والعشرون».

وذلك لشموله لذاكرة الوقت ناسية العدد كما هو واضح.

والجمود على ظاهر هذه الجملة، وإنْ كان يقتضي القول بما إختاره الشيخ في محكي «الخلاف»(1)، ولكن من جهة التعليل باتّحاد حكمها مع حكم المُبتدئة، يكون الأظهر هو القول الأخير. فتدبّر، وإنْ كان الأحوط اختيار السبع.

أقول: وبما ذكرناه في المقام وفي المضطربة، يظهر حكم ذاكرة الوقت مضطربة العدد.

وإن ذكرت الناسية آخر حيضها جعلته نهاية الثلاثة، وبالنسبة إلى ما عداها من الأوقات المشكوك فيها إلى العشرة فيها، الوجوه المتقدّمة.

والمختار فيها: هو المختار في مَن ذَكَرت أوّل حيضها.

ويظهر لك أيضاً حكم ما إن ذكرت وسطه أو شيئاً منه، فإنّها في جميع الصور تأخذ بالمعلوم، وفي المشكوك فيه ترجع إلى المرسلة.

هذا كلّه فيما إذا لم تعلم بكون أيّام حيضها أكثر من الثلاثة، أو أقلّ من السبعة، وإلّا فليس لها اختيار الثلاثة في الأوّل والسبعة في الثاني، لقوله عليه السلام في المرسل(2):

«ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصّلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبعٍ وكانت أيّامها عشرة أو أكثر، ما كان9.

ص: 453


1- المصدر المتقدّم عن الخلاف.
2- نفس المرسلة الطويلة ليونس المتقدّمة: وسائل الشيعة: ج 2/288 ح 2159.

له أن يأمرها بالصلاة وهي حائض».

ودعوى: اختصاصه بصورة العلم تفصيلاًً بالعادة، كما ترى خلاف مقتضى الإطلاق، وحينئذٍ:

ففي الصورة الاُولى: لا ترجع إلى رواية الثلاث، ولكن لا مانع من رجوعها إلى المرسل الدالّ على التخيير بين الستّ والسبع.

وفي الصورة الثانية: لا ترجع إلى المرسل، بل ترجع إلى رواية الثلاث.

ولو علمت كونها أكثر من سبع، لا ترجع إلى النصوص، ولا إلى استصحاب بقاء الحيض إلى العشرة، لما تقدّم، فعليها الاحتياط في المقدار الزائد على العدد إلى العشرة.

***

ص: 454

التمييز بالأوصاف غير المنصوصة
تذييلٌ في بيان أمرين:
الكلام في التعدّي عن الاوصاف المنصوصة

الأمر الأوّل: لا إشكال في الرجوع إلى أوصاف الحيض والاستحاضة المنصوصة(1)، في موارد الرجوع إلى التمييز، إنّما الكلام في التعدّي عنها(2):

فعن ظاهر كلمات جماعةٍ منهم المصنّف(3) والشهيد(4)، والمحقّق الثانيان(5): أنّ حصول التمييز بغيرهامن المسلّمات، وقالوا إنّ القوّة والضعف، تحصلان بصفاتٍ ثلاث:

الصّفة الاُولى: اللّون، فالأسود قويّ الأحمر، وهو قويّ الأشقر، وهو قويّ الأصفر، وهو قويّ الأكدر، كما عن «المسالك»(6).

والأحمر قويّ الأصفر والأكدر على ما عن «النهاية».

الصّفة الثانية: الرائحة الكريهة قويّ قليلها، وهو قويّ عديمها.

الصّفة الثالثة: الثخانة، فالثخين قويّ الرّقيق.

واستدلّ له: بالتعبير في مرسل يونس:

1 - بالإقبال والإدبار الحاصلين بالقوّة والضعف.

2 - وبأنّ الظاهر من النصوص الواردة في اشتباه دمّ الحيض بالاستحاضة(7)،

ص: 455


1- مثل السواد والحرارة والدفع للحيض والصُّفرة والبرودة وعدم القوّة والدفع للإستحاضة.
2- من قبيل الثخانة والرِّقة وكراهة رائحته وعدمها.
3- نهاية الاحكام: ج 1/135.
4- روض الجنان: ص 66.
5- جامع المقاصد: ج 1/297.
6- مسالك الأفهام: ج 1/68.
7- وسائل الشيعة: ج 2/275 الباب 3 من أبواب الحيض.

كونهاواردة في مقام التنبيه على أمرٍ عرفي وإمضائه، ومن الواضح أنّ إمتياز الحيض عن الاستحاضة إنّما يكون بالقوّة والضعف، لا بخصوص ما نصّت عليه في النصوص.

أقول: وفيهما نظر:

أمّا الأوّل: فلإقتران قوله عليه السلام: في المرسلة: «فلهذا إحتاجت إلى أنْ تَعرف إقبال الدّم من إدباره، بقوله: وتغيير لونه من السواد إلى غيره، وذلك أن دمّ الحيض أسود يُعرف»، فإنّ ذلك يوجب عدم ظهوره في الإطلاق، مع أنّ الظاهر عدم كونه عليه السلام في هذه الجملة في مقام بيان طريقيّة الإقبال والإدبار، لكونها واردة في مقام بيان علّة الحكم بالرجوع إلى التمييز، ولا يخفى الفرق بين مورده ومورد الرجوع إلى العادة على مَن تدبّر فيها.

مع أنّه لو سُلّم إطلاقها، يتعيّن تقييده بالنصوص الاُخر المتضمّنة أنّ دمّ الحيض أسودٌ حارٌّ، ودمّ الاستحاضة أصفرٌ بارد، فإنّها صريحة في أنّ امتياز الحيض عن الاستحاضة، إنّما يكون بالسواد والصُّفرة والحرارة والبرودة، لا بالشدّة والضعف، فلا يمكن حملها على إرادة مطلق الإقبال والإدبار، المستلزمة لكون الدّمين كليهما بلونٍ واحد، إلّاأنّ أحدهما أشدّ من الآخر، ممّا يقتضي أن يتعيّن حمل الإقبال والإدبار على خصوص ما في النصوص، فتدبّر فإنّه دقيق.

وأمّا الثاني: فلأنّ دمّ الحيض وإنْ كان من الموضوعات الخارجيّة الواقعيّة، إلّا أنّه لأجل إشتباهه كثيراً بغيره، وعدم تلازم الحيضيّة مع الصِّفات التي ادّعى كونها أمارة للحيض عرفاً لحكم الشارع المقدّس في غير مقام، بكون الفاقد للصفات حيضاً، وكون الواجد غير حيضٍ ، يتعيّن الاقتصار على ما جعله الشارع طريقاً إليه، ما لم يحصل الاطمئنان به، وحيث أنّ النصوص مختصّة ببعض الصفات، فالتعدّي

ص: 456

يحتاج إلى دليلٍ آخر وهو مفقود، مع أنّ ثبوت امتياز الحيض عن الاستحاضة عرفاً بمطلق القوّة والضعف محلّ نظرٍ بل منع.

فتحصّل: أنّ الأظهر تعيّن الاقتصار على الصفات المنصوصة.

***

يعتبر اجتماع صفات الحيض

الأمر الثاني: لو لم تجتمع صفات الحيض، بل فُقد بعضها، فهل يحكم بالحيضيّة أم لا؟ وجهان بل قولان:

استدلّ للأوّل: بأنّ نصوص أماريّة الصفات لأجل إختلافها في بيانها، والاقتصار في بعضها على بيان واحدة منها بضميمة الإرتكاز العرفي، تكون ظاهرة في أماريّة كلّ واحدة منها للحيض.

وفيه: إنّ ما ذكر وإنْ كان تامّاً، إلّاأنّه من جهة دلالة تلك النصوص على أماريّة عدم كلّ واحدةٍ منها للإستحاضة، بقرينة المقابلة، تتعارض الحجّتان، فلا وجه لتعيّن البناء على الحيضيّة.

ودعوى: أنّ طريق الحيض وجدان واحدة، وطريق الاستحاضة فقدان الجميع.

مندفعة: بأنّه خلاف ظاهر النصوص، كما لا يخفى على مَن راجعها.

فتحصّل: أنّ الأظهر عدم الاكتفاء بواحدة منها في الحكم بالحيضيّة.

***

تمَّ الجزء الثاني من موسوعة «فقه الصادق» بقلم مؤلّفه الأحقر،

محمّد صادق الحسيني الروحاني عفى اللّه عنه،

ويتلوه الجزء الثالث إنْ شاء اللّه تعالى.

وما توفيقي إلّاباللّه، والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

ص: 457

ص: 458

فهرس الموضوعات

في حكم العبادة عند ترك التقيّة... 5

في وجوب البدار مطلقاً وعدمه... 7

زوال السبب المسوّغ للتيمّم... 8

وجوب الترتيب في أجزاء الوضوء... 12

وجوب الموالاة وبيان المراد منها... 16

بقيّة واجبات الوضوء... 22

الوضوء بالماء المغصوب... 25

الوضوء تحت الخيمة المغصوبة... 29

اعتبار عدم المانع من استعمال الماء... 33

حكم طهارة الجاهل بضررها... 35

حكم تعارض الوضوء والصلاة... 36

المباشرة في أفعال الوضوء... 38

التولية في حال الاضطرار... 42

مستحبّات الوضوء... 44

تثنية الغسلات... 49

عددٌ من مستحبّات الوضوء... 55

ما يكره في الوضوء... 57

أحكام الوضوء... 59

الشكّ في أثناء الوضوء... 66

في حكم الشكّ بعد الانصراف... 69

فروع الخلل في الوضوء... 72

ص: 459

الشاكّ المأمور بالوضوء لو نسي وصَلّى بدونه... 72

لو توضّأ للتجديد، ثُمَّ علم ببطلان أحد الوضوئين... 75

في حكم ما لو صلّى بعد كلّ واحدٍ من الوضوئين... 77

حكم المسح على الحائل... 78

لو شكّ في الوضوء لاحتمال الإخلال العَمدي... 79

حكم كثير الشكّ في الوضوء... 80

وجوب إيصال الماء تحت الجبيرة... 82

إذا لم يمكن إيصال الماء تحت الجبيرة... 86

هل الجرح المكشوف يلحق بالجبيرة أم لا... 92

الجبيرة في موضع المسح... 95

وضوء الجبيرة رافع للحَدَث... 97

حكم الشاكّ في البُرء... 99

عدم إحراز كون الوظيفة الوضوء أو التيمّم... 101

حكم دائم الحَدَث... 104

حكم المسلوس... 107

كتاب الطهارة... 114

الباب الثالث: في الغُسل... 114

غسل الجنابة... 115

خروج المنيّ من المرأة يوجب جنابتها... 118

أمارات المنيّ ... 121

الجماع موجبٌ للجنابة... 126

الوطئ في دُبر الرَّجل يوجبُ الغُسل... 130

إذا رأى في ثوبه منيّاً... 134

الجنابة الدائرة بين شخصين... 139

خروج المنيّ بصورة الدّم... 143

ص: 460

في حكم إجناب الشخص نفسه... 144

حكم مقطوع الحَشَفة... 145

واجبات الغُسل... 147

لزوم استيعاب الجَسَد... 151

وجوب التخليل... 154

لا يجبُ غَسل الشَّعر... 156

لا يجب غسل البواطن... 159

في حكم ما يشكّ أنّه من الظاهر أو الباطن... 160

لزوم الترتيب... 161

الترتيب بين الجانبين... 164

الترتيب يَسقُط بالارتماس... 167

في معنى الارتماس... 167

في جواز غَسل الأعضاء ارتماساً... 170

لزوم غسل الرقبة مع الرأس... 172

عدم وجوب الموالاة... 174

حكم البدء بالأعلى فالأعلى ... 175

عدم اعتبار طهارة الأعضاء... 176

الغُسل تحت المطر والميزاب... 180

في جواز الغُسل بالغسالة وعدمه... 182

الشكّ في الغسل... 183

مستحبّات غُسل الجنابة... 186

الأفعال الممنوعة على المُجنب... 195

قراءة سور العزائم... 195

حُرمة مسّ المصحف... 198

حرمة اللَّبث في المساجد... 202

ص: 461

حكم المشاهد المشرّفة... 206

حكم المَسجدين... 209

من أجنب في أحد المسجدين يتيمّم للخروج... 211

إدخال الجُنُب في المسجد... 216

في حكم استئجار الجُنُب للدخول... 217

التيمّم لدخول المسجد... 219

ما يُكرَه على الجُنُب... 222

الحَدَث الأكبر في أثناء الغُسل... 235

الحَدَث الأصغر في أثناء الغُسل... 236

الحَدَث في أثناء الأغسال المستحبّة... 242

حكم اجتماع الأغسال المتعدّدة على المكلّف... 245

في استغناء المغتسل عن الوضوء... 249

حصول امتثال جميع الأغسال لو نوى واحداً منها... 251

لو نوى غير غُسل الجنابة... 254

حُكم البَلَل المُشتبه بعد الغُسل... 257

الفصل الثاني / في الحيض... 265

شرائط الحيض... 268

منتهى الحيض في القُرشيّة والنبطيّة... 270

الشكّ في القُرشيّة... 274

الشكّ في البلوغ... 276

اشتباه الحيض بالإستحاضة... 279

اشتباه دمّ الحيض بدم العُذرة... 283

اشتباه دمّ الحيض بدم القُرحة... 290

أقلّ الحيض وأكثره... 294

في اعتبار التوالي في ثلاثة الحيض... 296

ص: 462

حجيّة مراسيل يونس... 303

اعتبار الاستمرار... 308

عن حقيقة الأيّام الثلاثة... 310

أكثر الحيض عشرة أيّام... 312

أقلّ الطهر... 318

أقسام الحائض... 324

البحث عن قاعدة الإمكان... 324

دليل القاعدة... 326

بيان المراد بالإمكان... 337

ما به تتحقّق العادة... 341

العادة الوقتيّة... 343

العادة المركّبة... 348

ما به تزول العادة... 349

حصول العادة بالتمييز... 352

حُكم صاحبة العادة الوقتيّة... 355

حكم المُبتدئة... 363

فروع ذات العادة... 370

فصل / في حُكم تجاوز الدّم عن العَشَرة... 374

وجوب الاستبراء... 374

البحث عن كيفيّة الاستبراء... 378

الإستظهار... 382

مقدار الإستظهار... 394

حكم تجاوز الدَّم العَشَرة... 398

الرجوع إلى التمييز... 404

شرائط الرجوع إلى التمييز... 409

ص: 463

الشرط الثاني... 414

حكم عدم قصور الدّم... 416

الرجوع إلى الأرقاب... 419

الرجوع إلى الأقران... 427

حكم المرأة الفاقدة للأقران... 430

حكم ناسية الوقت والعَدَد... 441

حكم المتحيّرة... 441

ناسية الوقت... 443

حكمُ ناسية العدد... 450

التمييز بالأوصاف غير المنصوصة... 455

يعتبر اجتماع صفات الحيض... 457

فهرس الموضوعات... 459

***

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.