رياض الابرار في مناقب الأئمة الأطهار المجلد 3

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: موسوي حسيني جزائري، سيد نعمه الله

عنوان واسم المؤلف:ریاض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار المجلد 3

مظهر:3ج

الناشر: موسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان

مقدمة الكتاب: مقدمة الكتاب: مقسم إلى ثلاثة مجلدات كبيرة:

ج1 - هناك ثلاثة أبواب ومواسم وأغراض في معرفة النبي باري وصفاته ، وحياة وفضائل وتحديات ومعارك النبي أكرم وحضرة علي (علیه السلام).

ج2 - في وصف حالات حضرة صدّيقه طاهرة وأبنائها العشرة الأبرياء من الإمام مجتبى إلى الإمام العسكري (علیه السلام)

ج3 - عن حضرة القائم (عج) وغيابه المشرف.

الموضوع:تاریخ معصومین علیهم السلام

رقم الببليوغرافيا الوطنية: ع 514

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

كتاب رياض الابرار في مناقب الأئمة الأطهار

تاريخ الأئمة الأبرار عليهم السّلام

من الإمام علي بن الحسين إلى الامام الحسن العسكري

تأليف: السّيّد نعمة اللّه الجزائري

1050-1112 ه-ق

مؤسّسة التاريخ العربي

ص: 3

حقوق الطّبع محفوظة

الطّبعة الأولى

1247 ه-2006 م

ص: 4

صور من الكتاب

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

الصورة

ص: 7

الصورة

ص: 8

الصورة

ص: 9

الصورة

ص: 10

مقدمة المصنف:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي وصل حججه إماما بعد إمام من لدن آدم عليه السّلام إلى يوم القيامة،و جعل خاتمهم الإمام ابن الإمام ابن الإمام،مولانا الإمام المهدي عليه و على آبائه أفضل الصلوات و السلام.

و بعد:

فيقول المذنب الجاني نعمة اللّه الحسيني الموسوي وفّقه اللّه تعالى لمراضيه،و جعل ما يأتي من أحواله خيرا من ماضيه،إنه لمّا وفّق اللّه سبحانه الفراغ من المجلدين الأولين من كتابنا(رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار)صلوات الملك الجبّار ما تعاقب الليل و النهار،و وقع الشروع في بيان أحوال الإمام المنتظر،و العلم المشتهر،شريك القرآن،و قاطع البرهان،مولانا صاحب الزمان،عليه و على آبائه التحيات و الإكرام.

و فيه فصول:

ص: 11

الفصل الأول

في ولادة الإمام المهدي و أحوال أمّه و أسمائه و ألقابه عليه السلام

و النهي عن تسميته،و بيان صفاته،و الآيات المأوّلة بقيامه

[1] في الكافي:ولد عليه السّلام للنصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين (1).

[2] و في كمال الدين:عن علاّن الرازي:قال:أخبرني بعض أصحابنا أنه لمّا حملت جارية أبي محمد عليه السّلام قال:«ستحملين ذكرا و اسمه محمد و هو القائم من بعدي» (2).

[3] و فيه:عن موسى بن محمد بن القاسم قال:حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليه السّلام قالت:بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي عليه السّلام فقال:«يا عمّة اجعلي افطارك الليلة عندنا،فإنها ليلة النصف من شعبان،فإن اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة،و هو حجة اللّه في أرضه».

قالت:فقلت:و من أمّه؟

قال لي:«نرجس».

فقلت له:جعلني اللّه فداك ما بها أثر؟

فقال:«هو ما أقول لك».

قالت:فجئت فلمّا سلمت و جلست جاءت تنزع خفّي و قالت:يا سيّدتي كيف أمسيت؟

فقلت:بل أنت سيّدتي و سيّدة أهلي.

فأنكرت قولي و قالت:ما هذا يا عمّة؟

فقلت لها:يا بنيّة إن اللّه تبارك و تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدنيا

ص: 12


1- -الكافي:514/1،و مستدرك سفينة البحار:503/10.
2- -كمال الدين:408 ح 4،و كفاية الأثر:294.

و الآخرة.

قالت:فخجلت و استحيت،فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت و أخذت مضجعي و رقدت و كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة و هي نائمة ليس بها حادث،ثم جلست معقّبة،ثم اضطجعت،ثم انتبهت فزعة و قامت و صلّت.

قالت حكيمة:فدخلتني الشكوك،فصاح بي أبو محمد عليه السّلام من المجلس قال:«لا تعجلي يا عمّة فإن الأمر قد قرب».

قالت:فقرأت آلم السجدة و يس،فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة،فوثبت إليها فقلت:اسم اللّه عليك.

ثم قلت لها:أتحسّين شيئا؟

قالت:نعم يا عمّة.

فقلت لها:اجمعي نفسك،فهو ما قلت لك.

قالت حكيمة:ثم أخذتني فترة و أخذتها فترة،فانتبهت بحسّ سيّدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السّلام ساجدا يتلقى الأرض بمساجده،فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف منظّف.

فصاح بي أبو محمد عليه السّلام:«هلمي بابني يا عمّة».

فجئت به إليه،فوضع يديه تحت إليتيه و ظهره و وضع قدميه على صدره،ثم أدخل لسانه في فيه و أمرّ يده على سمعه و بصره و مفاصله ثم قال:«تكلم يا بني».

فقال:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

ثم صلّى على أمير المؤمنين و على الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم سكت،فقال أبو محمد عليه السّلام:«يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها و أئتني به».

فذهبت به،فسلّم عليها فرددته و وضعته في المجلس ثم قال:«يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا».

قالت حكيمة:فلمّا أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد عليه السّلام فكشفت الستر لأفتقد سيّدي عليه السّلام فلم أره فقلت له:جعلت فداك ما فعل سيّدي؟

فقال:«يا عمّاه استودعناه الذي استودعته أم موسى عليه السّلام».

ص: 13

قالت حكيمة:فلمّا كان في اليوم السابع جئت و سلّمت و جلست فقال:«هلمي إلي ابني».

فجئت بسيدي في الخرقة،ففعل به كفعلته الأولى،ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبنا أو عسلا،ثم قال:«تكلم يا بني».

فقال عليه السّلام:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه»و ثنّى بالصلاة على محمد و على أمير المؤمنين و الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،حتى وقف على أبيه ثم تلا هذه الآية: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1)(2).

[4] و عن نسيم و مارية:أنه عليه السّلام لمّا سقط في الأرض من بطن أمّه،سقط جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه إلى السماء ثم عطس فقال:«الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله زعمت الظلمة أن حجة اللّه داحضة،و لو أذن لنا في الكلام لزال الشك» (3).

[5] و قالت نسيم خادم أبي محمد عليه السّلام:دخلت على صاحب الزمان عليه السّلام بعد مولده بليلة فعطست،فقال لي:«يرحمك اللّه».

قالت نسيم:ففرحت بذلك.

فقال عليه السّلام:«ألا أبشرك في العطاس؟»

فقلت:بلى[يا مولاي] (4).

قال:«هو أمان من الموت ثلاثة أيام» (5).

[6] و عن أبي جعفر العمري قال:لمّا ولد السيد عليه السّلام قال أبو محمد عليه السّلام:«ابعثوا إلى أبي عمرو».1.

ص: 14


1- -سورة القصص:5.
2- -كمال الدين:424،و البحار:2/51.
3- -الخرائج و الجرائح:457/1 ح 2،و البحار:4/51.
4- -زيادة عن نسخة أخرى.
5- -كمال الدين:430 ح 5،و الخرائج و الجرائح:466/1 ح 11.

فبعث إليه،فصار إليه فقال:«اشتر عشرة آلاف رطل خبزا و عشرة آلاف رطل لحما و فرّقه في بني هاشم،و عقّ عنه بكذا و كذا شاة» (1).

[7] و عن جارية له عليه السّلام:أنه لمّا ولد السيّد عليه السّلام رأت له نورا ساطعا قد ظهر منه و بلغ في أفق السماء،و رأت طيورا بيضاء تهبط من السماء و تمسح أجنحتها على رأسه و وجهه و سائر بدنه ثم تطير.

قالت:فأخبرنا أبا محمد عليه السّلام بذلك.

فضحك ثم قال:«تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرك به،و هي أنصاره إذا خرج» (2).

[8] و فيه أيضا:عن محمد بن يحيى الشيباني قال:وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين،وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم رجعت إلى بغداد،فلمّا وصلت إلى مشهد الكاظم عليه السّلام و استنشقت نسيم تربته بكيت،و إذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه و ثفنت جبهته و هو يقول لآخر معه عند القبر:يابن أخي،لقد نال عمّك شرفا بما حمّله السيدان من شرائف العلوم،و قد أشرف عمّك على انقضاء المدة،و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه.

قلت:يا نفس لا يزال العناء و المشقة ينالان منك بأتعاب الخف و الحافر في طلب العلم،و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم،فقلت:أيها الشيخ و من السيّدان؟

قال:النجمان المغيّبان في الثرى بسرّ من رأى.

فقلت:إني أقسم بشرفهما إني خاطب علماهما و باذل من نفسي الأيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما.

قال:إن كنت صادقا فيما تقول،فاحضر ما صحبك من أخبارهم.

فلمّا فتش الكتب قال:صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهما السّلام و جارهما بسرّ من رأى.0.

ص: 15


1- -كمال الدين:431 ح 6،و البحار:5/51 ح 9.
2- -كمال الدين:431 ح 7،و البحار:5/51 ح 10.

قلت:فاكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال:كان مولاي أبو الحسن فقّهني في علم الرقيق و اجتنبت بذلك موارد الشبهات،فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا،فإذا بكافور الخادم رسول أبي الحسن علي بن محمد عليه السّلام يدعوني إليه،فلمّا دخلت عليه رأيته يحدّث ابنه أبا محمد عليه السّلام و أخته حكيمة من وراء الستر.

فلمّا جلست قال:«يا بشر إنك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف و أنتم ثقاتنا أهل البيت،و أني مشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها،بسرّ أطلعك عليه و أنفذك فيه في ابتياع أمة».

فكتب كتابا لطيفا بخط رومي و لغة رومية و طبع عليه خاتمه و أخرج خريطة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا،فقال:«خذها و توجّه بها إلى بغداد و احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا،فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا و برزن الجواري تستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شرذمة من فتيان العرب،فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك،إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا لابسة حريرتين صفيقتين،تمتنع من العرض و الانقياد لمن يحاول لمسها و تصرخ صرخة رومية من وراء ستر رقيق،فاعلم أنها تقول:واهتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين:عليّ بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول له بالعربية:لو برزت في زي سليمان بن داود على شبه ملكه،ما بدت لي فيك رغبة،فاشفق على مالك.

فيقول النخاس:فما الحيلة و لا بدّ من بيعك.

فتقول الجارية:و ما العجلة و لا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه و إلى وفائه و أمانته.

فعند ذلك قم إلى النخاس و قل له:أن معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خط رومي و وصف فيه كرمه و وفاه،فناولها تتأمل منه أخلاق صاحبه،فإن مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

ص: 16

قال بشر:فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السّلام في أمر الجارية،فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءا شديدا و قالت للنخاس:بعني من صاحب هذا الكتاب،و حلفت أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت اشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير،فاستوفاه و تسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة،و انصرفت بها إلى حجرتي ببغداد،فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا عليه السّلام من جيبها و هي تلثمه و تطبقه على جفنها و تضعه على خدّها و تمسحه على بدنها.

فقلت تعجبا منها:تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟

فقالت:أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء اعرني سمعك و فرّغ قلبك،أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم و أمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون أخبرك بالعجب،جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلاثة عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين و الرهبان ثلثمائة رجل و من ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل،و جمع من أمراء الأجناد و ملوك العشائر أربعة آلاف و أبرز من بهيّ ملكه عرشا مصاغا من أصناف الجوهر و رفعه فوق أربعين مرقاة،فلمّا صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكّفا و نشرت أسفار الإنجيل،تساقطت الصلب من الأعلى و تقوضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار و خرّ الصاعد من العرش مغشيا عليه،فتغيرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدّي:أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي.

فتطير جدّي من ذلك و قال للأساقفة:اقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا الصلبان و احضروا أخا هذا المدبر المنكوس جدّه لأزوجه هذه الصبية،فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

و لمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الاول و تفرق الناس،و قام جدّي قيصر مغتما فدخل منزل النساء و ارخيت الستور.

و رأيت في تلك الليلة كأن المسيح و شمعون و عدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر

ص: 17

جدّي و نصبوا فيه منبرا من نوريباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه،و دخل عليه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و ختنه بختنه و وصيه عليه السّلام و عدّة من أبنائه عليهما السّلام فتقدم المسيح إليه و اعتنقه،فيقول له محمد صلّى اللّه عليه و آله:يا روح اللّه إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لإبني هذا،و أومي بيده إلى أبي محمد عليه السّلام ابن صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح إلى شمعون و قال له:قد أتاك الشرف،فصل رحمك برحم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.

قال:قد فعلت.

و صعدوا ذلك المنبر،فخطب محمد صلّى اللّه عليه و آله و زوجني من ابنه و شهد المسيح و شهد أبناء محمد عليهم السّلام و الحواريون.

فلمّا استيقظت اشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي و جدّي مخافة القتل فكنت أسرّها،و ضرب صدري بمحبة أبي محمد عليه السّلام حتى امتنعت من الطعام و الشراب فضعفت نفسي و دق شخصي و مرضت مرضا شديدا،فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي و سأله عن دوائي.

فلمّا برح به اليأس قال:يا قرّة عيني هل يخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟ فقلت:يا جدّي أرى أبواب الفرح عليّ مغلقة،فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين و فككت عنهم الأغلال و تصدقت عليهم و منيتهم بالخلاص،رجوت أن يهب المسيح و أمّه[لي] (1)عافية.

فلمّا فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحة من بدني قليلا و تناولت يسيرا من الطعام،فسرّ بذلك و أقبل على إكرام الأسارى و اعزازهم.

فأريت أيضا بعد أربع عشرة ليلة كأن سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السّلام قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم:هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد عليه السّلام فأتعلق بها و أبكي و أشكو إليها امتناع أبي محمد عليه السّلام من زيارتي.

فقالت سيدة النساء عليها السّلام:إن ابني أبا محمد لا يزورك و أنت مشركة باللّه على مذهبى.

ص: 18


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

النصارى و هذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه من دينك،فإن ملت إلى رضا اللّه و رضا المسيح و مريم و زيارة أبي محمد إياك،فقولي:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن أبي محمد رسول اللّه.

فلمّا تكلمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين و طيّبت نفسي و قالت:الآن توقعي زيارة أبي محمد و أني منفذته إليك.

فانتبهت و أنا أقول:و آشوقاه إلى لقاء أبي محمد.

ثم زارني بعد ذلك فكأني أقول له:لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك.

فقال:«ما كان تأخري إلاّ لشركك،فقد أسلمت و أنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان».

فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر:فقلت لها:و كيف وقعت في الأسارى؟

فقالت:أخبرني أبو محمد عليه السّلام ليلة من الليالي أن جدّك سيسيّر جيشا إلى قتال المسلمين يوم كذا و كذا ثم يتبعهم،فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت ذلك فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت و ما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك باطلاعي إياك عليه،و لقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته و قلت:نرجس.

فقال:اسم الجواري.

قلت:العجب أنك رومية و لسانك عربي.

قالت:نعم،من ولوع جدّي و حمله إياي على تعلم الآداب،أن أوعز إلى امرأة ترجمانة له في الاختلاف إليّ،و كانت تقصدني صباحا و مساءا و تفيدني العربية حتى استمر لساني عليها.

قال بشر:فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن عليه السّلام.

فقال:«كيف أراك اللّه عزّ الإسلام و ذل النصرانية و شرف محمد و أهل بيته عليهم السّلام».

ص: 19

قالت:كيف أصف لك يابن رسول اللّه،ما أنت أعلم به مني؟

قال:«فإني أحبّ أن أكرمك فأيّما أحبّ إليك،عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟»

قالت:بشرى بولد لي.

قال لها:«أبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا».

قالت:ممّن؟

قال:«ممّن خطبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة كذا في شهر كذا في سنة كذا بالرومية».

قال لها:«ممّن زوجك المسيح و وصيه؟»

قالت:من ابنك أبي محمد عليه السّلام.

فقال:«هل تعرفينه؟»

قالت:و هل خلت ليلة لم يزرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء صلوات اللّه عليها.

قال:فقال مولانا:«يا كافور ادع اختي حكيمة».

فلمّا دخلت قال لها:«ها هيه».

فاعتنقتها طويلا،فقال لها أبو الحسن عليه السّلام:«يا بنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك و علميها الفرائض و السنن،فإنها زوجة أبي محمد و أم القائم عليه السّلام» (1).

[9] و في ذلك الكتاب أيضا:حديث طويل رواه عن محمد بن عبد اللّه المطهري عن حكيمة و فيه صفة ولادة القائم عليه السّلام و ساق الحديث إلى قول أبي محمد عليه السّلام لحكيمة:«إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل،لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل إلى وقت ولادتها،لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى و هذا نظير موسى».

قالت حكيمة:فلم أزل أرقبها إلى طلوع الفجر،ثم و ثبت و ضممتها إلى صدري و صاح بي أبو محمد:«اقرأي عليها إنا أنزلناه».6.

ص: 20


1- -كمال الدين:423،و دلائل الإمامة:496.

فأقبلت أقرأ عليها،فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ،و سلّم عليّ ففزعت لما سمعت،فصاح بي أبو محمد عليه السّلام:«لا تعجبي من أمر اللّه عزّ و جل،إن اللّه تبارك و تعالى ينطقنا بالحكمة صغارا و يجعلنا حجة في أرضه كبارا».

فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس،فلم أرها كأنه ضرب بيني و بينها حجاب،فعدوت نحو أبي محمد و أنا صارخة.

فقال:«ارجعي يا عمّة فإنك ستجديها في مكانها».

فرجعت و كشف الحجاب بيني و بينها،و إذا أنا بصبي ساجدا على وجهه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه نحو السماء و هو يتشهد،ثم عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه فقال:«اللهم أنجز لي وعدي و اتمم لي أمري و ثبّت و طأتي و املأ الأرض بي عدلا و قسطا».

فصاح بي أبو محمد عليه السّلام:«تناوليه فهاتيه».

فأتيت به نحوه،فلمّا مثلت بين يدي أبيه و هو على يدي سلّم على أبيه فتناوله و الطير ترفرف على رأسه،فصاح بطير منها فقال له:«احمله و احفظه و ردّه إلينا في كل أربعين يوما».

فتناوله الطائر و طار به في جو السماء و اتبعه سائر الطير.

فقال أبوه:«استودعك الذي استودعته أم موسى».

فبكت نرجس،فقال لها:«اسكتي فإن الرضاع محرّم إلاّ من ثديك و سيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أمّه و ذلك قوله عزّ و جلّ: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ (1)».

فقالت:ما هذا الطائر؟

قال:«هذا روح القدس الموكّل بالأئمة عليهم السّلام يوفّقهم و يسدّدهم و يربّيهم بالعلم».

فلمّا كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام و وجّه إلي ابن أخي،فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي يمشي بين يديه فقلت:سيّدي هذا ابن سنتين؟

فتبسم عليه السّلام و قال:«إن أولاد الأنبياء و الأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم،و أن الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة و أن الصبي منّا ليتكلم في بطن أمّه و يقرأ القرآن و يعبد ربّه عزّ و جلّ و عند الرضاع تطيعه الملائكة و تنزل عليه صباحا3.

ص: 21


1- -سورة القصص:13.

و مساءا».

فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد عليه السّلام بأيام قلائل فلم أعرفه،فقلت لأبي محمد:من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟

فقال:«ابن نرجس و هو خليفتي من بعدي و عن قليل تفقدوني و و اللّه إني لأراه صباحا و مساءا و إنه ليخبرني قبل أن أسأله،و قد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ و أمرني أن أخبرك بالحق» (1).

[10] و في حديث غياث بن أسد:أن مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست و خمسين و مائتين.

و وكيله عثمان بن سعيد،فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان،و أوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح،و أوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي اللّه عنهم.

فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي.

فقال:للّه أمر هو بالغه.

فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد[مضي] (2)السمري قدّس سرّه (3).

[11] و في حديث ابن نوبخت:أنه ولد ليلة الجمعة من شهر رمضان من سنة أربع و خمسين و مائتين.

يكنى:أبا القاسم،و يقال:أبو جعفر.

و لقبه:المهدي.

أقول:المشهور حتى صار كالمتواتر،أن ولادته عليه السّلام ليلة النصف من شعبان،و هذا الاختلاف لإجمال الأمور رعاية لجانب التقية (4).2.

ص: 22


1- -كمال الدين:429،و البحار:14/51.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -كمال الدين:433 ح 12،و البحار:360/51.
4- -كمال الدين:432.

[12] و عن حمزة بن نصر غلام أبي الحسن عليه السّلام عن أبيه قال:لمّا ولد السيد عليه السّلام[يعني المهدي] (1)تباشر أهل الدار بذلك،فلمّا نشأ خرج الأمر إلى أن ابتاع في كل يوم مع اللحم قصب مخ،و قيل:إن هذا لمولانا الصغير عليه السّلام (2).

[13] و في كتاب الأوصياء:رواه الحسن الصيمري،و مؤلفه علي بن محمد الصيمري،و كانت له مكاتبات إلى الهادي و العسكري عليهما السّلام[و جوابهما إليه] (3)،و هو ثقة معتمد عليه،فقال ما هذا لفظه:حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق و قال له:قد ولد مولود في وقت كذا و كذا،فخذ الطالع و اعمل له ميلادا.

فأخذ الطالع و نظر فيه و عمل له عملا،و قال لأحمد بن إسحاق:لست أرى النجوم تدلني فيما يوجبه الحساب،إن هذا المولود لك و لا يكون مثل هذا المولود إلاّ نبيا أو وصي نبي،و أن النظر ليدل على أنه يملك الدنيا شرقا و غربا و برا و بحرا و سهلا و جبلا:حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلاّ دان بدينه و قال بولايته (4).

[14] و في بحار الأنوار:حديثا عن سيدنا أبي الحسن و أبي محمد عليهما السّلام قالا:«إن اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنة في المزن فتسقط في ثمرة من ثمار الأرض فيأكلها الحجة في الزمان،فإذا استقرت فيه فيمضي له أربعون يوما سمع الصوت،فإذا أتت له أربعة أشهر و قد حمل كتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5).

فإذا ولد قام بأمر اللّه و رفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه إلى الخلائق و أعمالهم و ينزل أمر اللّه إليه في ذلك العمود و العمود نصب عينه حيث تولى و نظر».

ثم ساق الحديث في كيفية تولده عن حكيمة إلى أن قالت:لمّا تولد أخذه أبوه فقال:«يا5.

ص: 23


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -وسائل الشيعة:31/25،و البحار:22/51 ح 31.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -فرج الهموم:37،و البحار:23/51.
5- -سورة الأنعام:115.

بني اقرأ ممّا أنزل اللّه على أنبيائه و رسله.

فابتدأ بصحف آدم،فقرأها بالسريانية و كتاب إدريس و كتاب نوح[و كتاب هود] (1)و كتاب صالح و صحف إبراهيم و توراة موسى و زبور داود و انجيل عيسى و فرقان جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قصّ قصص الأنبياء و المرسلين إلى عهده».

ثم قالت:فعدت بعد أربعين يوما فلم أره،فقال أبو محمد عليه السّلام:«استودعناه الذي استودعته أم موسى».

ثم قال عليه السّلام:«لمّا وهب لي ربّي مهدي هذه الأمة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقفا بين يدي اللّه عزّ و جلّ،فقال له:مرحبا بك عبدي لنصرة ديني و اظهار أمري و مهدي عبادي،آليت أني بك آخذ و بك أعطي و بك أغفر و بك أعذب،رداه أيها الملكان على أبيه ردا رفيقا و أبلغاه أنه في ضماني و كنفي و بعيني إلى أن أحق به الحق و أزهق به الباطل و يكون الدين واصبا» (2).

[15] علل الشرائع:مسندا إلى الثمالي قال:سألت الباقر عليه السّلام:يابن رسول اللّه ألستم كلكم قائمين بالحق؟

قال:«بلى».

قلت:فلم سمّي القائم قائما؟

قال:«لمّا قتل جدي الحسين عليه السّلام ضجت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب و قالوا:إلهنا و سيّدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك و خيرتك من خلقك؟

فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهم:قرّوا ملائكتي،فوعزتي و جلالي لانتقمنّ منهم و لو بعد حين.

ثم كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمة من ولد الحسين عليه السّلام للملائكة فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلي.8.

ص: 24


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -البحار:27/51،و مدينة المعاجز:26/8.

فقال اللّه عزّ و جلّ:بذلك القائم أنتقم منهم» (1).

[16] و فيه:عن عمرو بن شمر عن جابر عن الباقر عليه السّلام قال:«إنّما سمّي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي،يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه من غار بأنطاكية،فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة و بين أهل الانجيل بالانجيل و بين أهل الزبور بالزبور و بين أهل الفرقان بالفرقان و تجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض و ظهرها،فيقول للناس:تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام و سفكتم فيه الدماء و ركبتم فيه محارم اللّه.

فيعطى شيئا لم يعط أحدا كان قبله».

أقول:قوله عليه السّلام:«يحكم بين أهل التوراة...الخ»:لا ينافي ما سيأتي من أنه عليه السّلام لا يقبل من أحد إلاّ الإسلام،لأن هذا كما قيل:محمول على أنه يقيم الحجة عليهم بكتبهم حتى يسلموا أو يفعل ذلك في بدء الأمر قبل أن يعلو أمره و تتم حجته (2).

[17] معاني الأخبار:أنه إنّما سمّي القائم قائما،لأنه يقوم بعد موت ذكره.

[18] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«سمّي القائم لقيامه بالحق» (3).

[19] و عن أبي خالد الكابلي قال:دخلت على الباقر عليه السّلام فقلت له:قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفته لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده.

قال:«فتريد ماذا؟»

قال:أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه.

فقال:«سألتني يا أبا خالد عن أمر (4)لو كنت محدّثا به أحدا لحدّثتك،و لقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة» (5).

[20] علل الشرائع:عن الجعفري قال:سمعت أبا الحسن العسكري عليه السّلام8.

ص: 25


1- -علل الشرائع:160/1 ح 1،و البحار:294/37 ح 8.
2- -علل الشرائع:161/1 ح 3،و البحار:29/51.
3- -روضة الواعظين:265،و البحار:30/51 ح 7.
4- -في المصدر زيادة:ما كنت محدثا به أحد،و.
5- -كتاب الغيبة:288.

يقول:«الخلف من بعدي الحسن ابني،فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟»

قلت:لم جعلني اللّه فداك؟

فقال:«لأنكم لا ترون شخصه و لا يحل لكم ذكره».

قلت:فكيف نذكره؟

قال:«قولوا الحجة من آل محمد صلوات اللّه عليهم» (1).

[21] التوحيد،عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام أنه قال في القائم عليه السّلام:«لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

[22] و عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام قال:«المهدي من ولدي الخامس من ولدي السابع يغيب عنكم شخصه و لا يحل لكم تسميته» (3).

[23] و كذلك رواه في كتاب كمال الدين.

[24] و روي أيضا عن عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي عليه السّلام قال:«القائم هو الذي يخفى على الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته،و هو سمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيّه» (4).

[25] و عن الحميري في حديث قال:قلت للعمري:فالاسم؟

قال:إيّاك أن تبحث عن هذا،فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع (5).

[26] الكافي:عن الصالحي قال:سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد عليه السّلام عن الاسم و المكان فخرج الجواب:«إن دللتهم على الاسم أذاعوه و إن عرفوا المكان دلّوا عليه» (6).

[27] و في كمال الدين:عن علي بن عاصم الكوفي قال:خرج في توقيعات صاحب2.

ص: 26


1- -علل الشرائع:245/1 ح 5،و الصراط المستقيم:170/2.
2- -التوحيد:82،و البحار:32/51 ح 3.
3- -كمال الدين:333 ح 1،البحار:32/51 ح 4.
4- -البحار:157/51،و الإحتجاج:250/2.
5- -كمال الدين:442 ح 14،و البحار:/33/51ح 7.
6- -الكافي:333/1 ح 2.

الزمان عليه السّلام:«ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس»

[28] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صاحب هذا الأمر رجل لا يسمّيه باسمه إلاّ كافر» (1).

[29] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«سأل عمر أمير المؤمنين عليه السّلام عن المهدي فقال:يا بن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه؟

قال:أمّا اسمه فلا،لأن حبيبي و خليلي عهد إليّ أن لا أحدّث باسمه حتى يبعثه اللّه عزّ و جلّ و هو ممّا استودع اللّه عزّ و جلّ رسوله في علمه» (2).

[30] و في كتاب المحتضر:عن الحسين بن علوان[أن]الصادق عليه السّلام قال:أشار إلى ابنه موسى عليه السّلام فقال:«و الخامس من ولده يغيب شخصه و لا يحلّ ذكره باسمه».

يقول مؤلف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إن الأحاديث الواردة في النهي الأكيد عن تسميته عليه السّلام مستفيضة،و جمهور علمائنا رضوان اللّه عليهم على هذا،خصوصا القدماء من أهل الحديث،حتى أنه جاء في بعض أخبار اللوح التصريح باسمه عليه السّلام فقال الصدوق رحمه اللّه:جاء هذا الحديث هكذا بتسميته القائم عليه السّلام و الذي أذهب إليه النهي عن تسميته عليه السّلام.

و قد بالغ صاحب كشف الغمة،حتى أنه ردّ على الشيخ المفيد طاب ثراه في قوله:(إن اسمه كاسم النبي صلّى اللّه عليه و آله.

قال:إن هذا أيضا تسمية للمهدي عليه السّلام فكيف يجوّزه مع أن مذهبه المنع؟

لكن الظاهر أن هذا من باب التفهيم لا من باب التسمية.

و في بعض الأخبار المتقدمة دلالة عليه.

و ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن النهي مخصوص بزمان الغيبة الصغرى و مقدارها ستون سنة لاشتداد الخوف و التقية.

و بعض المعاصرين من أهل الحديث،أوّل الأخبار الدالة على تحديد النهي بخروجه عليه السّلام بحملها على وجود التقية إلى أن يظهر،يعني إذا وجدت التقيّة في هذه الأعصار1.

ص: 27


1- -الإمامة و التبصرة:117 ح 109،و الكافي:333/1 ح 4.
2- -كمال الدين:648 ح 3،و البحار:34/51.

السابقة على أعصار ظهوره عليه السّلام حرمت التسمية و إلاّ فلا.

و بعض الأخبار و إن استفيد منها الإشارة إلى تعليل النهي بالخوف و التقية،إلاّ أن الكثير منها مطلق،و الأولى هو العمل بأخبار النهي المطلق لوضوحها و استفاضتها و إن أريد تسميته عليه السّلام فلتكن بالحروف المقطعة م ح م د كما ورد في النصوص الصحيحة (1).3.

ص: 28


1- -انظر البحار:309/26 ح 73.

[31] و روي:أن التسليم على القائم عليه السّلام أن يقال:«السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه» (1).

[32] تفسير علي بن إبراهيم: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ (2).

قال:«أيام اللّه ثلاثة:يوم القائم صلوات اللّه عليه،و يوم الموت،و يوم القيامة».

أقول:معنى أيام اللّه،أيام عذابه و سطوته،كما يقال:أيام العرب،و يراد وقائعها و حروبها (3).

[33] و فيه أيضا: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا يعني بني أمية إذا أحسّوا بالقائم من آل محمد إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (4).

يعني:عن الكنوز التي كنزوها.

قال:فيدخل بنو أمية إلى الروم إذا طلبهم القائم عليه السّلام ثم يخرجهم من الروم و يطالبهم بالكنوز التي كنزوها فيقولون كما حكى اللّه: يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (5).

قال:بالسيف و تحت ظلال السيوف.

و هذا كله ممّا لفظه ماض و معناه مستقبل،و هو ما ذكرناه ممّا تأويله بعد تنزيله (6).

[34] و قوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (7).

فإني حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تخضع رقابهم4.

ص: 29


1- -كمال الدين:331 ح 16،و البحار:212/24.
2- -سورة إبراهيم:5.
3- -تفسير القمي:367/1،و تفسير الصافي:80/3.
4- -سورة:الأنبياء:11-13.
5- -سورة الأنبياء:15.
6- -تفسير القمي:68/2،و البحار:46/51 ح 4.
7- -سورة الشعراء:4.

يعني بني أمية و هي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليه السّلام» (1).

[35] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ (2).

قال:«يتصل ما بين مكة و المدينة نخلا» (3).

[36] و عن محمد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى .

قال:«الليل في هذا الموضع الثاني،غشي أمير المؤمنين عليه السّلام في دولته التي جرت له عليه و أمر أمير المؤمنين أن يصبر في دولتهم حتى تنقضي».

قال: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى .

قال:«النهار هو القائم منّا أهل البيت عليه السّلام إذا قام غلب دولة الباطل،و القرآن ضرب فيه الأمثال للناس و خاطب نبيّه به و نحن،فليس يعلمه غيرنا» (4).

[37] كمال الدين:عن ابن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (5).

فقال:«الآيات،هم الأئمة،و الآية المنتظرة هو القائم عليه السّلام،فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و إن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السّلام» (6).

[38] تأويل الآيات:عن ابن عباس في قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (7).

قال:لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي و لا نصراني و لا صاحب ملّة إلاّ دخل في الإسلام حتى يأمن الشاة و الذئب و البقر و الأسد و الإنسان و الحيّة و حتى لا تعرض فأرة جرابا،3.

ص: 30


1- -تفسير القمي:118/2،و البحار:228/9.
2- -سورة الرحمن:64.
3- -تفسير القمي:346/2،و تفسير نور الثقلين:200/5 ح 68.
4- -البحار:72/24،و تفسير نور الثقلين:588/5.
5- -سورة الأنعام:158.
6- -مستدرك سفينة البحار:265/1،و شرح أصول الكافي:262/5.
7- -سورة التوبة:33.

و حتى توضع الجزية و يكسر الصليب و يقتل الخنزير و ذلك قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و ذلك يكون عند قيام القائم عليه السّلام (1).2.

ص: 31


1- -البحار:61/51،و تأويل الآيات:689/2.

الفصل الثاني

فيما ورد من إخبار اللّه عزّ و جلّ و رسوله و الأئمة و غيرهم عن القائم

[39] الأمالي:مسندا إلى محمد بن حمران قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لمّا كان من أمر الحسين بن علي عليه السّلام ما كان،ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ و قالت:يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيّك و ابن نبيّك؟

فأقام اللّه لهم ظل القائم عليه السّلام و قال:بهذا انتقم له من ظالميه» (1).

[40] كمال الدين:عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لمّا عرج بي ربّي جلّ جلاله قال لي:يا محمد هلاّ اتخذت من الآدميين وزيرا و أخا و وصيا من بعدك؟

فقلت:إلهي و من أتخذ؟تخيّر لي أنت يا إلهي.

فقال:اخترت لك من الآدميين عليّا.

فقلت:إلهي ابن عمّي.

فأوحى اللّه إليّ:يا محمد إن عليّا وارثك و وارث العلم من بعدك و صاحب لوائك،لواء الحمد يوم القيامة و صاحب حوضك يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك،و لأدخلن الجنّة جميع أمتك إلاّ من أبى.

فقلت:إلهي و أحد يأبى دخول الجنة؟

فقال اللّه عزّ و جلّ:بلى.

فقلت:و كيف يأبى؟

قال:إني أخترتك من خلقي و أخترت لك وصيّا من بعدك و جعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدك،و جعلته أبا ولدك،فحقه بعدك على أمتك كحقك

ص: 32


1- -أمالي الطوسي:418 ح 89،و البحار:221/45 ح 3.

عليهم في حياتك،فمن جحد حقه فقد جحد حقك،و من أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك،و من أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة.

فخررت للّه ساجدا شكرا لما أنعم عليّ،فإذا مناد ينادي:ارفع يا محمد رأسك و سلني أعطك.

فقلت:إلهي اجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا جميعا على حوضي يوم القيامة.

فأوحى اللّه إليّ:يا محمد إني قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم و قضاي ماض فيهم،لأهلك به من أشاء و أهدي به من أشاء،و قد آتيته علمك من بعدك و جعلته وزيرك و خليفتك من بعدك على أهلك و أمتك،عزيمة منّي لأدخل الجنة من أحبّه و لا أدخل الجنة من أبغضه و عاداه و أنكر ولايته بعدك،فمن أبغضه أبغضك و من أبغضك أبغضني،و من عاداه فقد عاداني،و من أحبّه فقد أحبّني،و أعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديا كلهم من البكر البتول،و آخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى ابن مريم،يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا،أنجي به من الهلكة و أهدي به من الضلالة،و أبرىء به من العمى،و أشفي به المريض.

فقلت:إلهي متى يكون ذلك؟

فأوحى إليّ:إذا رفع العلم و ظهر الجهل،و كثر القرّاء،و قلّ العمل،و كثر القتل،و قلّ الفقهاء الهادون و كثر فقهاء الضلالة و الخونة،و كثر الشعراء،و اتخذ أمتك قبورهم مساجد،و حليت المصاحف،و زخرفت المساجد،و كثر الجور و الفساد،و ظهر المنكر و أمر أمتك به و نهوا عن المعروف،و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء،و صار الأمراء كفرة،و أولياؤهم فجرة و أعوانهم ظلمة،و ذوو الرأي منهم فسقة،و عند ذلك ثلاث خسوف:خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب،و خراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج،و خروج رجل من ولد الحسين بن علي،و ظهور الدجال يخرج من المشرق من سجستان و ظهور السفياني.

فقلت:إلهي ما يكون بعدي من الفتن؟

ص: 33

فأخبرني ببلاء بني أمية لعنهم اللّه و فتنة ولد عمّي و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة،فأوصيت بذلك ابن عمي حين هبطت إلى الأرض و أديت الرسالة».انتهى ملخصا.

أقول:قوله تعالى:«و خراب البصرة»اشارة إلى قصة صاحب الزنج الذي خرج في البصرة سنة ست أو خمس و خمسين و مائتين،و وعد كل من أتى إليه من السودان بالاعتاق و الاكرام،فاجتمع إليه منهم خلق كثير و بذلك علا أمره.

و لقّب بصاحب الزنج و كان يزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.

و قال ابن أبي الحديد:و أكثر الناس يقدحون في نسبه،و خصوصا الطالبيين و جمهور النسابين على أنه من عبد القيس،و أنه علي بن محمد بن عبد الرحيم و أمّه أسديّه من أسد بني خزيمة،جدّها محمد بن حكيم الأسدي من أهل الكوفة.

و مثله قال ابن الأثير في الكامل و المسعودي في مروج الذهب.

و يظهر من هذا الخبر أن نسبه كان صحيحا،و لكن تقدم ما يعارضه و أنه ليس من العلويين و هذه العلامات لا يلزم كونها مقارنة لظهوره عليه السّلام،إذ الغرض كما قيل:كون هذه العلامات تحدث قبل ظهوره،كما أن أشراط الساعة التي روتها العامة و الخاصة ظهرت قبل ذلك بأعوام كثيرة،و قصة صاحب الزنج كما تقدم كانت مقارنة لولادته عليه السّلام هي أول العلامات إلى أن يظهر.

و قيل:الغرض أنها من علامات تولده عليه السّلام،و هو بعيد.

و يحتمل أن يراد خراب البصرة:بعد هذا مقارنا لزمان ظهوره عليه السّلام و يتبع الخارج لخرابها الزنوج أيضا كما تبعوا صاحب الزنج.

و قد شاهدنا خراب البصرة مرة في عشر السبعين بعد الألف،لمّا أتى عسكر السلطان محمد علي و اليها،و هاجت بينهم فتن و حروب لا يمكن وصفها،فأمر و اليها بخرابها حتى لم يبق بها كلب و لا نحوه و أحرقها،و أوّل ما أحرق قصوره و منازله و كنت ممّن حضر تلك الواقعة،و في وقت كتابة هذه الكلمات كانت أيضا في معرض الخراب و فيها الفتن و الوقائع و لا يعلم أين ينتهي حالها،و كلما ينتهي إليه أمرها نكتبه في الحاشية أو نلحقه بالكتاب،و ما زالت

ص: 34

الفتن بها منذ خرج و اليها عنها إلى بلاد الهند،تقريبا من ثلاثين سنة إلى يومنا هذا (1).

[41] و عن جابر الأنصاري قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«المهدي من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا و خلقا،تكون له غيبة و حيرة تضل فيها الأمم،ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

[42] كشف الغمة:وقع إليّ أربعون حديثا جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه رحمه اللّه في أمر المهدي عليه السّلام أوردتها سردا كما أوردها و اقتصرت على ذكر الراوي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (3)

الأول:عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«يكون من أمتي المهدي، إن قصر عمره فسبع سنين و إلاّ فثمان و إلاّ فتسع،تتنعم أمتي في زمانه نعيما لم يتنعموا مثله قط البر و الفاجر،يرسل السماء عليهم مدرارا و لا تدخر الأرض شيئا من نباتها» (4).

أقول:المراد من الفاجر هنا:فسّاق المؤمنين.

[43] و من الأحاديث الأربعين:«المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي و جسمه جسم إسرائيلي على خدّه الأيمن خال كأنه كوكب درّي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطير في الجو» (5).

أقول:مشابهته عليه السّلام لبني إسرائيل في طول القامة و عظم البدن و امتيازه عن أهل هذا العصر.

[44] و منها:قوله صلّى اللّه عليه و آله:«المهدي من ولدي ابن أربعين سنة».

أقول:يعني أنه عليه السّلام إذا ظهر كأنه ابن أربعين سنة في الشباب و القوة.

[45] و منها:قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود،فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما0.

ص: 35


1- -كمال الدين:250 ح 1،و البحار:69/51 ح 9.
2- -البحار:72/45 ح 13،و كفاية الأثر:67.
3- -كشف الغمة:267/3،و البحار:78/51 ح 37.
4- -البحار:369/36.
5- -البحار:37/50.

سألوا،فلا يقبلون حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا،فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثلج».

أقول:ذكر بعض أهل الحديث:أن المراد بمن يخرج من قبل المشرق سلاطين الصفوية.

و أوّل من خرج منهم و غلب،الشاه إسماعيل الموسوي الحسيني أنار اللّه برهانه،و أن هذه الدولة المؤيدة متصلة بظهور المهدي عليه السّلام.

[46] و فيه:عن زر بن عبد اللّه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي» (1).

و قال:و زاد زائدة في روايته:و اسم أبيه اسم أبي.

قال الكنجي:و قد ذكر الترمذي الحديث في جامعه و لم يذكر اسم أبيه اسم أبي؟

و ذكره أبو داود في معظم روايات الحفّاظ و الثقات من نقلة الأخبار:اسمه اسمي فقط، و الذي روى:اسم أبيه اسم أبي،فهو زائدة و هو يزيد في الحديث.

و إن صحّ فمعناه:و اسم أبيه اسم أبي الحسين عليه السّلام،و كنيته:أبو عبد اللّه،فجعل الكنية اسما كناية عن أنه من ولد الحسين دون الحسن،و يحتمل أن يكون الراوي توهم قول:«ابني» فصحّفه فقال:«أبي»فوجب حمله على هذا جمعا بين الروايات.

قال علي بن عيسى عفى اللّه عنه:أمّا أصحابنا الشيعة،فلا يصحّحون هذا الحديث،لما ثبت عندهم من اسمه و اسم أبيه عليهما السّلام.

و أمّا الجمهور،فقد نقلوا أن زائدا كان يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنه من زياداته ليكون جمعا بين الأقوال و الروايات،انتهى.

[47] في كتاب كفاية الطالب:بإسناده عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لن تهلك6.

ص: 36


1- -شرح أصول الكافي:256/6.

أمة أنا في أولها و عيسى في آخرها و المهدي في وسطها».

قال:هذا حديث حسن.

و معنى قوله:«و عيسى آخرها»لم يرد به صلّى اللّه عليه و آله أن عيسى يبقى بعد المهدي عليه السّلام لأن ذلك لا يجوز لوجوه:

منها:أنه قال صلّى اللّه عليه و آله:«لا خير في الحياة بعده»،و في رواية:«لا خير في العيش بعده».

و منها:أن المهدي عليه السّلام إذا كان إمام آخر الزمان و لا إمام بعده مذكور في رواية أحد من الأئمة و هذا غير ممكن أن الخلق يبقى بغير إمام،فإن قيل:إن عيسى يبقى بعده إمام الأمة.

قلت:لا يجوز هذا القول و ذلك أنه صلّى اللّه عليه و آله صرح أنه لا خير بعده و إذا كان في قوم لا يجوز أن يقال:لا خير فيهم و أيضا لا يجوز أن يقال:إنه نائبه،لأنه جلّ منصبه عن ذلك.

و لا يجوز أن يقال:إنه يستقل بالأمة،لأن ذلك يوهم العوام انتقال الملة المحمدية إلى الملة العيسوية و هذا كفر،فوجب حمله على الصواب و هو أنه صلّى اللّه عليه و آله أول داع إلى ملة الإسلام و المهدي أوسط داع و المسيح آخر داع،فهذا معنى الخبر عندي.

و يحتمل أن يكون معناه:المهدي أوسط هذه الأمة،يعني خيرها إذ هو إمامها و بعده ينزل عيسى مصدقا للإمام و عونا له و مبيّنا للأمة صحة ما يدّعيه الإمام،فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدقين على وفق النص.

قال الفقير إلى اللّه تعالى علي بن عيسى أثابه اللّه بمنّه و كرمه:قوله:«المهدي أوسط الأمة»،يعني خيرها،يوهم أن المهدي عليه السّلام خير من عليّ عليه السّلام و هذا لا قائل به،و الذي أراه:أنه صلّى اللّه عليه و آله أول داع و المهدي عليه السّلام لمّا كان تابعا و من أهل ملته جعل وسطا لقربه ممّن هو تابعه و على شريعته،و عيسى عليه السّلام لمّا كان صاحب ملة أخرى و دعا في آخر زمانه إلى شريعة غير شريعته حسن أن يكون آخرها و اللّه أعلم.

أقول:نزول عيسى عليه السّلام من السماء ليس مقارنا حقيقة لخروج المهدي عليه السّلام كما سيأتي في الأخبار المفصّلة،بل نزوله بعد ظهوره عليه السّلام بزمان فيصحّ أنه آخر الأمة،و يظهر قوة الوجه الأول.

[48] ثم قال الشافعي في ذلك الكتاب:الباب الخامس و العشرون في الدلالة على كون

ص: 37

المهدي حيّا باقيا مذ غيبته إلى الآن،و لا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى و الخضر و الياس من أولياء اللّه تعالى،و بقاء الدجال و إبليس اللعين من أعداء اللّه تعالى،و هؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب و السنّة و قد اتفقوا عليه ثم أنكروا جواز إبقاء المهدي من وجهين:أحدهما طول الزمان،و الثاني:أنه في سرداب من غير أن يقوم أحد بإطعامه و شرابه و هذا ممتنع عادة.

قال مؤلف الكتاب محمد بن يوسف:أمّا عيسى فالدليل على بقائه قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)و لم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا و لا بدّ أن يكون ذلك في آخر الزمان.

و أمّا السنّة:

[49] فما رواه مسلم في صحيحه:في قصة الدجال قال:«فينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيّه على أجنحة ملكين» (2).

[50] و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم».

و أمّا الخضر و الياس،فقال الطبري:باقيان يسيران في الأرض (3).

[51] و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«الدجال يأتي و هو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة،فيخرج إليه يومئذ رجل و هو خير الناس فيقول له:أشهد أنك الدجال الذي حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حديثه.

فيقول الدجال:أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟

فيقولون:لا.

فيقتله ثم يحيه،فيقول حين يحييه:و اللّه ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن.

قال:فيريد الدجال أن يقتله ثانيا،فلا يسلط عليه».

قال أبو إسحق إبراهيم بن سعيد:يقال إن هذا الرجل هو الخضر عليه السّلام.

قال:هذا لفظ مسلم في صحيحه.1.

ص: 38


1- -سورة النساء:159.
2- -البحار:98/51،و معجم أحاديث الإمام المهدي:528/1.
3- -البحار:301/6،و معجم أحاديث الإمام المهدي:520/1.

أمّا الدليل على بقاء الدجال،فقد أورد حديثا صحيحا يدل عليه،و أمّا الدليل على إبقاء إبليس اللعين فآي الكتاب العزيز: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ .

و أمّا بقاء المهدي عليه السّلام فقد جاء في الكتاب و السنّة:

أمّا الكتاب:

[52] فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عزّ و جلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (1).

قال:هو المهدي من عترة فاطمة.

و أمّا من قال:إنه عيسى،فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم.

و أمّا الجواب عن طول الزمان،فمن حيث النص و المعنى.

أمّا النص،فما تقدم من الأخبار على أنه لابدّ من وجود الثلاثة في آخر الزمان و أنه ليس فيهم متبوع غير المهدي بدليل أنه إمام الأمة في آخر الزمان،و أن عيسى عليه السّلام يصلي خلفه كما ورد في الصحاح و يصدقه دعواه.

و الثالث:هو الدجال اللعين،و قد ثبت أنه حي موجود،و أمّا المعنى في بقائهم فلا يخلو من أحد قسمين:إمّا أن يكون بقاؤهم في مقدور اللّه تعالى أو لا يكون،و مستحيل أن يخرج عن مقدور اللّه تعالى،ثم أطال في تفاصيل الفوائد الإلهية في بقاء من سبق.

أمّا عيسى عليه السّلام فليؤمن به أهل الكتاب و يعاون المهدي عليه السّلام،و أمّا الدجال و إبليس فللإبتلاء و الاختبار،و أمّا المهدي عليه السّلام فليظهره على الدين كله.

و أجاب عن حكاية الأكل و الشرب،مع أن المهدي عليه السّلام في السرداب:بأن الدجال في الدير على ما تقدم بأشد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.

و في رواية:في بئر موثوق.

فإذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم به فما المانع من بقاء المهدي عليه السّلام[مكرما من غير الوثاق إذا الكل في مقدور اللّه تعالى،فثبت أنه غير] (2)ممتنع شرعاى.

ص: 39


1- -سورة التوبة:33.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.

و لا عادة (1).

[53] و روى أبو داود و الترمذي في صحيحهيما:يرفعانه إلى عبد اللّه بن مسعود قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث اللّه رجلا منّي أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

[54] قال ابن طلحة:فإقيل هذه الصفات لا تنطبق على الخلف الصالح،فإن اسم أبيه لا يوافق اسم والد النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم أجاب بعد تمهيد مقدمتين:

الأول:أنه شايع في لسان العرب اطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى كقوله تعالى: أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ .

و الثاني:أن لفظة الاسم تطلق على الكنية و على الصفة كما روى البخاري و مسلم:أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سمّى عليا أبا تراب و لم يكن اسم أحبّ إليه منه،فاطلق لفظ الاسم على الكنية.

و لمّا كان الحجة من ولد أبي عبد اللّه الحسين فاطلق النبي صلّى اللّه عليه و آله على الكنية لفظ الاسم اشارة إلى أنه من ولد الحسين عليه السّلام بطريق جامع موجز،انتهى.

و ذكر بعض المتأخرين وجها آخر و هو:أن كنية الحسن العسكري عليه السّلام أبو محمد،و عبد اللّه أبو النبي صلّى اللّه عليه و آله أبو محمد،فتتوافق الكنيتان و الكنية داخلة تحت الاسم.

و قد تقدم أن الأولى هو كون«أبي»مصحّف ابني (3).

[55] و ذكر الثعلبي في تفسير: حم عسق بإسناده قال:«السين»:سناء المهدي، و«القاف»:قوة عيسى حين ينزل،فيقتل النصارى و يخرّب البيع (4).

[56] و عنه:في قصة أصحاب الكهف عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«أن المهدي عليه السّلام يسلّم عليهم2.

ص: 40


1- -البحار:98/51،و كشف الغمة:292/3.
2- -الإمامة و التبصرة:153،و كمال الدين:280 ح 27.
3- -كتاب الغيبة:181،و البحار:103/51.
4- -البحار:367/36،و مستدرك سفينة البحار:440/2.

و يحيهم اللّه عزّ و جلّ له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة» (1).

[57] و روى صاحب كتاب المخفي في مناقب المهدي:مائة و عشرة أحاديث من طرق رجال الأربعة المذاهب من صحيح مسلم و غيره.

و أمّا الذي ورد من طريق الشيعة،فلا يسعه إلاّ مجلدات و نقل إلينا سلفنا نقلا متواترا:أن المهدي المشار إليه ولد ولادة متواترة،لأن حديث تملّكه و دولته و ظهوره على كافة الممالك و العباد و البلاد كان قد ظهر للناس فخيف عليه كما جرت الحال في ولادة إبراهيم و موسى عليهما السّلام و غيرهما.

و أن الشيعة عرفت ذلك لاختصاصها بآبائه عليهم السّلام فإن كل من تلزم بقوم كان أعرف بأحوالهم و أسرارهم من الاجانب،كما أن أصحاب الشافعي أعرف بحاله من أصحاب غيره من رؤساء الأربعة المذاهب.

و قد كان المهدي عليه السّلام ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري عليه السّلام و نقلوا عنه أخبارا و أحكاما شرعية و أسبابا مرضية،و كان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون بأسمائهم و أنسابهم و أوطانهم يخبرون عنه بالمعجزات و الكرامات و جواب المشكلات بكثير ممّا ينقله عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الغائبات،منهم عثمان بن سعيد العمري المدفون بالجانب الغربي من بغداد بقطقطان،و منهم أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري،و منهم أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي،و منهم علي بن محمد السمري رضي اللّه عنهم.

و قد ذكر نصر بن علي الجهضمي رواية رجال الأربعة المذاهب حال هؤلاء الوكلاء و أسمائهم و أنهم كانوا وكلاء المهدي،و لقد لقى المهدي عليه السّلام بعد ذلك خلق كثير من الشيعة و غيرهم،و ظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنه هو عليه السّلام.

و إذا كان عليه السّلام الآن غير ظاهر لجميع شيعته فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه و ينتفعون بمقاله و فعاله و يكتمونه كما جرى الأمر في جماعة من الأنبياء و الأولياء حيث غابوا عن كثير من الأمة لمصالح دينية أوجبت ذلك.

و أمّا استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف،فما يمنع من ذلك إلاّ جاهل6.

ص: 41


1- -العمدة:373 ح 733،و البحار:367/36.

باللّه و بقدرته و بأخبار نبيّنا و عترته،كيف و قد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء و غيرهم من المعمرين،و هذا الخضر باق على طول السنين و هو عبد صالح ليس بنبي و لا حافظ شريعة و لا بلطف في بقاء التكليف،فكيف يستبعد طول حياة المهدي عليه السّلام و هو حافظ شريعة جدّه صلّى اللّه عليه و آله و لطف في بقاء التكليف و المنفعة ببقائه في حال ظهوره و خفائه أعظم من المنفعة بالخضر،و كيف يستبعد ذلك من يصدّق بقصة أصحاب الكهف لأنه مضى لهم ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعا و هم أحياء كالنيام بغير طعام و لا شراب،و بقوا إلى زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث بعث الصحابة ليسملوا عليهم،انتهى كلام السيد قدّس اللّه ضريحه (1).

[58] و في كتاب النصوص:عنه صلّى اللّه عليه و آله أنه قال لعلي عليه السّلام:«بأبي و أمي سميي و شبيه ابن عمران عليه جيوب النور،تتوقد من شعاع القدس كأني بهم آيس ما كانوا نودوا بنداء [يسمع من البعد كما]يسمع من القرب يكون رحمة على المؤمنين و عذابا على المنافقين».

قال علي عليه السّلام:«و ما ذاك النداء؟».

قال:«ثلاثة أصواب في رجب:الأول:ألا لعنة اللّه على الظالمين،الثاني:أزفة الأزفة،الثالث:يرون بدنا بارزا مع قرن الشمس ينادي:ألا إن اللّه قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي عليه السّلام فيه هلاك الظالمين،فعند ذلك يأتي الفرج و يشفي اللّه صدورهم و يذهب غيظ قلوبهم».

قلت:«يا رسول اللّه كم يكون بعدي من الأئمة؟»

قال:«بعد الحسين تسعة و التاسع قائمهم» (2).

[59] كمال الدين:مسندا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«للقائم منّا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه،إلاّ فمن ثبت منهم على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه،فهو معي في درجتي يوم القيامة»

ثم قال عليه السّلام:«إن القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته1.

ص: 42


1- -الطرائف:183،و البحار:107/51.
2- -كفاية الأثر:159،و دلائل الإمامة:461.

و يغيب شخصه» (1).

[60] كتاب المقتضب لابن عيّاش:بإسناده إلى الحارث الهمداني قال:كنّا عند علي بن أبي طالب عليه السّلام فكان إذا أقبل ابنه الحسن عليه السّلام يقول:«مرحبا بابن رسول اللّه».

و إذا أقبل الحسين عليه السّلام يقول:«بأبي أنت و أمي يا أبا ابن خيرة الإماء».

فقيل:يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن و تقول هذا للحسين؟

و من ابن خيرة الإماء؟

فقال:«ذاك الفقيد الطريد الشريد م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا»و وضع يده على رأس الحسين عليه السّلام (2).

[61] نهج البلاغة:قال عليه السّلام:«قد لبس للحكمة جنتها،و أخذها بجميع أدبها،من الاقبال عليها و المعرفة بها و التفرغ لها،و هي عند نفسه ضالته التي يطلبها و حاجته التي يسأل عنها،فهو مغترب إذا اغترب الإسلام و ضرب بعسيب ذنبه و الصق الأرض بجرانه،بقية من بقايا حجته،خليفته من خلائف أنبيائه».

أقول:قوله:مغترب،أي كالغريب يخفي نفسه إذا ظهر الفسق و الجور و اغترب الإسلام بفقد العدل و الصلاح.

و العسيب:عظم الذنب.

و الصاق الأرض بجرانه:كناية عن ضعفه و قلة نفعه،فإن البعير أقل ما يكون نفعه حال بروكه.

و قال ابن أبي الحديد المعتزلي:قالت الإمامية:المراد به الإمام المنتظر عليه السّلام،و الصوفية يزعمون أنه ولي اللّه،و عندهم أن الدنيا لا تخلو عن الأبدال و هم أربعون و عن الأوتاد و هم سبعة و عن القطب و هو واحد،و الفلاسفة يزعمون أن المراد به العارف.

و عند أهل السنّة:هو المهدي الذي سيخلق.

و قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين على أن الدنيا و التكليف لا ينقضي إلاّ على المهدي...

ص: 43


1- -كمال الدين:303 ح 14،و البحار:109/51.
2- -البحار:110/51،و معجم المهدي:43/3..

و قال في موضع آخر من الشرح:فإن قيل:من هذا الرجل الموعود؟

قيل:إن الإمامية يزعمون أنه إمامهم الثاني عشر و أنه ابن أمة اسمها نرجس.

و أمّا أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد و ليس بموجود الآن.

فإن قيل:فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجودا حتى يقول عليه السّلام في أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم؟

قيل:أمّا الإمامية فيقولون بالرجعة،فيزعمون أنه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية و غيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر،و أنه يقطع أيدي أقوام و أرجلهم و يسمل عيون بعضهم و يصلب قوما آخرين و ينتقم من أعداء آل محمد عليهم السّلام المتقدمين و المتأخرين.

و أمّا أصحابنا،فيزعمون أنه سيخلق اللّه تعالى في آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة ينتقم و يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا من الجائرين و ينكل بهم أشد النكال،و أن اسمه كاسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنه يظهر بعد أن يستولي على كثير من الإسلام ملك من أعقاب بني أمية و هو السفياني الموعود به في الخبر الصحيح من ولد أبي سفيان بن حرب بن أمية،و أن الفاطمي يقتله و أشياعه من بني أمية و غيرهم،و حينئذ ينزل المسيح عليه السّلام من السماء و تبدو أشراط الساعة و تظهر دابة الأرض و يبطل التكليف و يتحقق قيام الأجساد عند نفخ الصور كما نطق به الكتاب العزيز.

يقول مؤلف الكتاب أعانه اللّه على طاعته:يزعم بعض أصحابنا أن ابن أبي الحديد من الإمامية،نظر إلى قصائده السبع و أشعاره،و عدّه مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و انتقاص الشيخين و ذكره بعض صفاتهم القبيحة الموجودة فيهم بالاجماع و الاتفاق.

و هذا زعم بعيد،لأن من طالع شرح نهج البلاغة لا يعتريه ريب في أنه من أهل السنّة.

و أمّا قصائده السبع،فقد وجدنا في الكتب أنه أنشأها للتقرب إلى سلطان البصرة و كان من الإمامية و أعطاه صلة جزيلة (1).

روي أنه أعطاه خراج الجزيرة سبع سنين بإزاء كل قصيدة سنة،و مع ذلك فهو معتزلي تفضيلي،و من مذهب الاعتزال تفضيل علي عليه السّلام على المتقدمين و كل فضيلة أنفرد عليه السّلام بها1.

ص: 44


1- -شرح نهج البلاغة:59/7،و البحار:121/51.

فهي طعن على الثلاثة و أضرابه،فمدحه عليه السّلام يستلزم ذمهم لعنهم اللّه و أخزاهم،و في الديوان المنسوب إليه عليه السّلام:

بني إذا ما جاشت الترك فانتظر *** ولاية مهدي يقوم فيعدل

و ذل ملوك الأرض من آل هاشم *** و بويع منهم من يلذ و يهزل

صبي من الصبيان لا رأي عنده *** و لا عنده جدّ و لا هو يعقل

فثم يقوم القائم الحق منكم *** و بالحق يأتيكم و بالحق يعمل

سمي نبي اللّه نفسي فداؤه *** فلا تخذلوه يا بني و عجلوا (1).

[62] كمال الدين:مسندا إلى الحسين عليه السّلام قال:«في التاسع من ولدي سنّة من يوسف و سنّة من موسى بن عمران،و هو قائمنا أهل البيت يصلح اللّه تبارك و تعالى أمره في ليلة واحدة».

أقول:أمّا سنّة موسى و هي خفاء الولادة و قد تقدمت،و أمّا سنّة يوسف فهو قد عرف إخوته و ما عرفوه،و كذلك قائم أهل البيت عليهم السّلام يمشي بين الناس و يخالطهم و لا يعرفونه (2).

[63] و فيه:بإسناده إلى الحسن عليه السّلام قال:«القائم من ولد أخي الحسين عليه السّلام ابن سيدة الإماء يطيل اللّه عمره في غيبته ثم يظهر بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة،و ذلك ليعلم أن اللّه على كل شيء قدير» (3).

[64] و بإسناده:عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«فينا نزلت هذه الآية: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (4)و الإمامة في عقب الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة،و أن للقائم منّا غيبتين:إحداهما أطول من الأخرى،أمّا الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين،و أمّا الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به».

أقول:الترديد في الست،يجوز أن يكون إشارة إلى ما وقع في الغيبة من البداء كما رواه:8.

ص: 45


1- -الصراط المستقيم:264/2،و البحار:102/51.
2- -كمال الدين:28،و البحار:133/51 ح 2.
3- -كمال الدين:316،و البحار:19/44.
4- -سورة الزخرف:28.

[65] الكليني:بإسناده عن الأصبغ في حديث طويل،و فيه:قلت:يا أمير المؤمنين و كم تكون الحيرة و الغيبة؟

فقال:«ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين».

فقلت:و إن هذا لكائن؟

فقال:«نعم كما أنه مخلوق و أنّا لك بهذا الأمر يا أصبغ،أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة».

قلت:ثم ما يكون بعد ذلك؟

فقال:«ثم يفعل اللّه ما يشاء،فإن له بداءات و إرادات و غايات» (1).

و فيه دلالة على أن هذا الأمر قابل للبداء و الترديد قرينة ذلك.

و ذكر شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى:أنه إشارة إلى اختلاف أحواله عليه السّلام في غيبته،فإنه في ستة أيام لم يطلع عليه خواص شيعته،و بعد ست سنين لمّا توفى أبوه عليه السّلام أطلع عليه كثير من شيعته أو أنه بعد إمامته لم يطلع على خبره أحد إلى ستة أيام،ثم أنه بعد ستة أشهر أنتشر أمره و بعد ست سنين ظهر للسفراء و غيرهم (2).

[66] و قال عليه السّلام:«كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا،جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و إسرافيل أمامه،معه راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نشرها لا يهوي بها إلى قوم إلاّ أهلكهم اللّه عزّ و جلّ» (3).

[67] و عن أبي جعفر عليه السّلام مسندا قال:«يا أبا الجارود إذا دار الفلك و قال الناس:مات القائم أو هلك بأي واد سلك،و قال الطالب:أنّى يكون ذلك و قد بليت عظامه فعند ذلك فارجوه،فإذا سمعتم به فاتوه و لو حبوا على الثلج» (4).

أقول:لعل المراد بدور الفلك عكس دوره كما ورد أن الشمس يوم ظهوره عليه السّلام أو ما1.

ص: 46


1- -الكافي:338/1 ح 7،و كمال الدين:324.
2- -الكافي:338/1 ح 7،و كمال الدين:324.
3- -أمالي المفيد:45،و البحار:135/51.
4- -كمال الدين:326 ح 5،و البحار:136/51.

يقرب منه تخرج من المغرب أو تغيب بالمشرق (1).

[68] النعماني في كتاب الغيبة:بإسناده إليه عليه السّلام قال في قوله عزّ و جلّ في محكم كتابه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ (2)و معرفة الشهور-المحرم و صفر و ربيع و ما بعده و الحرم منها هي رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم-[و ذلك]لا يكون دينا قيّما،لأن اليهود و النصارى و المجوس و سائر الملل و الناس جميعا من المنافقين و المخالفين يعرفون هذه الشهور و يعدّونها بأسمائها و ليس هو كذلك،و إنما عنى بهم الأئمة القوّامين بدين اللّه،و الحرم منها أمير المؤمنين عليه السّلام الذي اشتق اللّه سبحانه له اسما من أسمائه العلي كما اشتق لمحمد صلّى اللّه عليه و آله اسما من أسمائه المحمود،و ثلاثة من ولده أسماؤهم علي:علي ابن الحسين و علي بن موسى و علي بن محمد،و لهذا الاسم المشتق من أسماء اللّه عزّ و جلّ حرمة به،يعني أمير المؤمنين عليه السّلام (3).

[69] علل الشرائع:مسندا إلى سدير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«في القائم عليه السّلام سنّة من يوسف».

قلت:كأنك تذكر خبره أو غيبته؟

قال:«و ما تنكر من هذه الأمة أشباه الخنازير،إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا بيوسف و باعوه و خاطبوه و هم إخوته و هو أخوهم،فلم يعرفوه حتى قال لهم يوسف:أنا يوسف،فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون اللّه عزّ و جلّ في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجتة،لقد كان يوسف أحبّ إليه من ملك مصر و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما،فلو أراد اللّه عزّ و جلّ أن يعرّف مكانه لقدر على ذلك،و اللّه لقد سار يعقوب و ولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر،فما تنكر هذه الأمة أن يكون اللّه أن يفعل بحجته ما فعل بيوسف و أن يكون يسير في أسواقهم و يطأ بسطهم و هم لا يعرفونه حتى يأذن اللّه عزّ و جلّ أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال:هل علمتم ما4.

ص: 47


1- -كمال الدين:326 ح 5،و البحار:136/51.
2- -سورة التوبة:36.
3- -غيبة النعماني:87،و البحار:242/24.

فعلتم بيوسف و أخيه إذ أنتم جاهلون.

قالوا:أئنك لأنت يوسف؟

قال:أنا يوسف و هذا أخي» (1).

[70] و قال عليه السّلام:«إن للغائب منّا غيبة يطول أمدها».

فقال سدير:و لم ذلك يابن رسول اللّه؟

قال:«إن اللّه عزّ و جلّ أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم و أنه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدّة غيباتهم قال اللّه عزّ و جلّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (2)أي سننا على سنن من كان قبلكم» (3).

[71] و عنه عليه السّلام مسندا:«من أقرّ بالأئمة من آبائي و ولدي و جحد المهدي من ولدي كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء عليهم السّلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله نبوته»الحديث.

أقول:جحد المهدي عليه السّلام إمّا بإنكار وجوده الآن كما ذهب إليه أكثر المخالفين،و إنكارهم له مثل إنكار اليهود و النصارى محمدا صلّى اللّه عليه و آله،لأنهم يقولون أنه في الأصلاب،و سيأتي بعد هذا.

و إمّا بإنكاره أصلا كما يقوله جماعة ممّن يزعم الإسلام (4).

[72] النعماني في كتاب الغيبة:بإسناده إلى الصادق عليه السّلام قال:«و اللّه ليغيبنّ القائم(سنينا) من الدهر و ليخملن-يعني ذكره-حتى يقال:مات أو هلك بأي واد سلك؟و لتفيضنّ عليه أعين المؤمنين و ليكفأن (5)كتكفئي السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه و كتب الإيمان في قلبه و أيده بروح منه،و لتعرفنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي».ن.

ص: 48


1- -علل الشرائع:244/1،و كمال الدين:144.
2- -سورة الإنشقاق:19.
3- -علل الشرائع:245/1 ح 7،و البحار:143/51.
4- -كمال الدين:338 ح 12،و البحار:145/51 ح 10.
5- -في بعض المصادر:لتكفأن.

قال المفضّل:فبكيت.

فقال:«و ما يبكيك؟»

قلت:جعلت فداك كيف لا أبكي و أنت تقول:[ترفع] (1)اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي؟

قال:فنظر إلى كوة في البيت الذي تطلع فيها الشمس في مجلسه فقال:«أهذه الشمس مضيئة؟».

قلت:نعم.

قال:«و اللّه لأمرنا أضوء منها» (2).

[73] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن القائم إذا قام يقول الناس:أنى ذلك و قد بليت عظامه» (3).

[74] كتاب مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر:بإسناده إلى وهب بن منبه قال:إن موسى عليه السّلام نظر ليلة الخطاب إلى كل شجرة في الطور و كل حجر و نبات تنطق بذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و أثني عشر وصيا له من بعده،فقال موسى عليه السّلام:«إلهي لا أرى شيئا خلقته إلاّ و هو ناطق بذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و أوصيائه الأثني عشر،فما منزلة هؤلاء عندك؟

قال:«يابن عمران إني خلقتهم قبل خلق الأنوار و جعلتهم في خزانة قدسي يرتعون في رياض مشيئتي،و يتنسّمون من روح جبروتي و يشاهدون أقطار ملكوتي،حتى إذا [شيّئت]مشيئتي أنفذت قضاي و قدري.

يابن عمران إني سبقت بهم استباقا حتى ازخرف بهم جناني.

يابن عمران تمسّك بذكرهم،فإنّهم خزنة علمي و عيبة حكمتي و معدن نوري».

قال حسين بن علوان:فذكرت ذلك لجعفر بن محمد عليه السّلام فقال:«حق ذلك هم اثنا عشر من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله:علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و من4.

ص: 49


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كتاب الغيبة:152،و الكافي:336/1 ح 3.
3- -كمال الدين:326 ح 5،و كتاب الغيبة:12154.

شاء اللّه».

قلت:جعلت فداك إنما سألتك لتفتيني بالحق؟

قال:«أنا و أبني هذا-و أومى إلى ابنه موسى-و الخامس من ولده يغيب شخصه و لا يحل ذكره باسمه» (1).

[75] و عن العباس بن عامر قال:سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام يقول:«صاحب هذا الأمر من يقول الناس:لم يولد بعد» (2).

[76] و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في صفة المهدي صلوات اللّه عليه قال:«شبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس».الحديث.

قال شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى:لعل المعنى أن جيوب الأشخاص النورانية من كمل المؤمنين و الملائكة المقرّبين و أرواح المرسلين تشتعل للحزن على غيبته و حيرة الناس فيه،و إنّما ذلك لنور أيمانهم الساطع من شموس عوالم القدس.

و يحتمل أن يكون المراد بجيوب النور:الجيوب المنسوبة إلى النور و التي يسطع منها أنوار فضله و فيضه تعالى (3).

و الحاصل أن عليه عليه السّلام أثوابا قدسيّة و خلقا ربّانية تتقد من جيوبها أنوار فضله و هدايته تعالى.

و يؤيده ما وقع في رواية محمد بن الحنفية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«عليه جلابيب النور».

و يحتمل أن تكون«على»تعليلية،أي:ببركة هدايته و فيضه عليه السّلام يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم و المعارف الربّانية (4).

[77] كتاب كفاية الأثر:مسندا إلى عبد العظيم الحسني قال:قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهما السّلام:إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما3.

ص: 50


1- -مقتضب الأثر:41،و البحار:309/26.
2- -الإمامة و التبصرة:109،و كمال الدين:360 ح 2.
3- -الإمامة و التبصرة:114،و كمال الدين:371 ح 3.
4- -الإمامة و التبصرة:114،و كمال الدين:371 ح 3.

ملئت ظلما و جورا.

فقال:«يا أبا القاسم ما منّا إلاّ قائم بأمر اللّه و هادي إلى دين اللّه،و لست القائم الذي يطهّر اللّه به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأها قسطا و عدلا،و هو الذي يخفى على الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته،و هو سمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيته،و هو الذي تطوى له الأرض و يذل له كل صعب،و يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1).

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل(الاخلاص)ظهر أمره،فإذا كمل العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج بإذن اللّه،فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه تبارك و تعالى».

قال عبد العظيم:قلت له:يا سيّدي و كيف يعلم أن اللّه قد رضى؟

قال:«يلقي في قلبه الرحمة» (2).

[78] و روى البرسي في مشارق الأنوار:عن كعب بن الحارث قال:إن ذايزن الملك أرسل إلى السطيح لأمر شكّ فيه،فلمّا قدم عليه أراد أن يجرّب علمه قبل حكمه،فخبأله دينارا تحت قدمه ثم أذن له فدخل،فقال له الملك:ما خبأت لك يا سطيح؟

فقال سطيح:حلفت بالبيت و الحرم،و الحجر الأصم،و الليل إذا أظلم،و الصبح إذا تبسّم،و بكل فصيح و أبكم،لقد خبأت لي دينارا بين النعل و القدم.

فقال الملك:من أين علمك هذا؟

فقال:من قبل أخ لي جنّي ينزل معي إن نزلت.

فقال الملك:أخبرني عمّا يكون في الدهور.

فقال سطيح:إذا غارت الأخيار،و فازت الأشرار،و كذب بالأقدار،و حمل المال بالأوقار،و خشعت الأبصار لحامل الأوزار،و قطّعت الأرحام،و ظهرت الطغام المستحلي الحرام في حرمة الإسلام،و اختلفت الكلمة،و خفرت الذمة،و ذلك عند طلوع الكوكب الذي0.

ص: 51


1- -سورة البقرة:148.
2- -كمال الدين:378،و البحار:283/52 ح 10.

يفزغ العرب،و له شبيه الذنب،فهناك تنقطع الأمطار،و تغلو الأسعار في جميع الأقطار،ثم تقبل البربر بالرايات الصفر على البراذين السبر حتى ينزلوا مصر فيخرج رجل من ولد صخر فيبدل الرايات السود بالحمر،فيبيح المحرّمات،[و ينزل]النساء بالثدايا معلقات،و هو صاحب نهب الكوفة،فربّ بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفة،قتل زوجها و استحل فرجها،فعندها يظهر ابن النبي المهدي،و ذلك إذا قتل المظلوم بيثرب و ابن عمه في الحرم،فعند ذلك يقبل المشؤوم بجمعة الظلوم،فتظاهر الروم بقتل القروم،فعندها ينكسف كسوف إذا جاء الزحوف و صفّ الصفوف،ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن أبيض كالقطن اسمه حسين أو حسن فيذهب بخروجه غمر الفتن،فهناك يظهر مباركا زكيا و هاديا مهديا و سيّدا علويا،فيكشف بنوره الظلماء،و يظهر به الحق بعد الخفاء،و يفرّق الأموال في الناس بالسواء و يعيش الناس بالهناء،و يغسل بماء عدله عين الدهر من القذى،و يرد الحق على أهل القرى،و يكثر في الناس الضيافة و القرى،كأنه كان غبارا فانجلى،و هو علم للساعة بلا امتراء (1).

[79] و روى ابن عياش في المقتضب:بإسناده إلى النوشجان قال:لمّا جلى الفرس عن القادسية و بلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم و إدالة العرب عليه و ظن أن رستم قد هلك و الفرس جميعا،و جاء مبادر و أخبره بيوم القادسية و انجلائها عن خمسين ألف قتيل،خرج يزدجرد هاربا في أهل بيته و وقف بباب الايوان و قال:السلام عليك أيّها الايوان ها أنا ذا منصرف عنك و راجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه و لا آن أوانه.

قال سليمان الديلمي:فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألته عن ذلك و قلت له:ما قوله أو رجل من ولدي؟

فقال:«ذلك صاحبكم القائم بأمر اللّه عزّ و جلّ،السادس من ولدي قد ولده يزدجرد فهو ولده و منه» (2).

[80] بإسناده إلى الشعبي قال:إن عبد الملك بن مروان دعاني فقال:يا أبا عمرو إن3.

ص: 52


1- -البحار:163/51.
2- -البحار:164/51،و معجم أحاديث المهدي:352/3.

موسى بن نصر العبدي كتب إليّ-و كان عامله على المغرب-يقول:بلغني أن مدينة من صفر كان ابتناها نبي اللّه سليمان بن داود عليه السّلام،أمر الجن أن يبنوها له،فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها،و أنها من عين القطر التي ألانها اللّه لسليمان بن داود عليه السّلام و أنها في مفازة الاندلس، و أن فيها من الكنوز التي استودعها سليمان عليه السّلام،و قد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها،فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنه صعب[لا يقطع] (1)إلاّ بالاستعداد من الظهور و الازواد الكثيرة مع بعد المسافة و صعوبتها،و أن أحدا لم يهتم بها إلاّ قصر عن بلوغها إلاّ دارا بن دارا،فلما قتله الاسكندر قال:و اللّه لقد[جئت] (2)الأرض و الأقاليم كلها و دان لي أهلها،و ما أرض إلاّ و قد و طأتها إلاّ هذه الأرض من الأندلس،فقد أدركها دارا بن دارا و أني لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها دارا.

فتجهز الاسكندر و استعد للخروج عاما،فلمّا ظنّ أنه قد استعد لذلك و قد كان بعث روّاده فأعلموه أن موانعا دونها.

فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصر يأمره بالاستعداد و الاستخلاف على عمله،فاستعد و خرج فرآها و ذكر أحوالها،فلما رجع كتب إلى عبد الملك بحالها.

و قال في آخر الكتاب:فلمّا مضت الأيام و فنيت الأزواد سرنا نحو بحيرة ذات شجر،و سرت مع سور المدينة فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية،فوقفت على قراءته و أمرت بانتساخه فإذا هو شعر:

ليعلم المرء ذو العزّ المنيع و من *** يرجو الخلود و ما حيّ بمخلود

لو أن خلقا ينال الخلد في مهل *** لنال ذاك سليمان بن داود

سالت له القطر عين القطر فائضة *** بالقطر سنّة عطاء غير مصدود

فقال للجن:ابنوا لي به أثرا *** يبقى إلى الحشر لا يبلى و لا يودي

فصيّروه صفاحا ثم هيل له *** إلى السماء بأحكام و تجويد

و افرغ القطر فوق السور منصلتا *** فصار أصلب من صمّاء صيخودت.

ص: 53


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -في المخطوط:جبت.

و بثّ فيه كنوز الأرض قاطبة *** و سوف يظهر يوما غير محدود

و صار في قعر بطن الأرض مضطجعا *** مصمّدا بطوابيق الجلاميد

لم يبق من بعده للملك سابقة *** حتى يضمن رمسا غير أخدود

و هذا ليعلم أن الملك منقطع *** إلاّ من اللّه ذي النعماء و الجود

حتى إذا ولدت عدنان صاحبها *** من هاشم كان منها خير مولد

و خصّه اللّه بالآيات منبعثا *** إلى الخليقة منها البيض و السود

له مقاليد أهل الأرض قاطبة *** و الأوصياء له أهل المقاليد

هم الخلائف اثنا عشرة حججا *** من بعدها الأوصياء و السادة الصيد

حتى يقوم بأمر اللّه قائمهم *** من السماء إذا ما باسمه نودي

فلمّا قرأ عبد الملك الكتاب و أخبره طالب بن مدرك-و كان رسوله إليه-بما عاين من ذلك و عنده محمد بن شهاب الزهري قال:ما ترى في هذا الامر العجيب؟

فقال الزهري:أرى و أظن أن جنّا كانوا موكلين بما في تلك المدينة حفظة لها يخيلون إلى من كان صعدها.

قال عبد الملك:فهل علمت من أمر المنادى باسمه من السماء شيئا؟

قال:إله عن هذا يا أمير المؤمنين.

قال عبد الملك:و كيف ألهو عن ذلك و هو أكبر أو طاري،لتقولنّ بأشدّ ما عندك في ذلك ساءني أم سرّني.

فقال الزهري:أخبرني علي بن الحسين عليه السّلام أن هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فقال عبد الملك:كذبتما،لا تزالان تدحضان في بولكما و تكذبان في قولكما،ذلك رجل منّا.

قال الزهري:أمّا أنا فرويته لك عن علي بن الحسين،فإن شئت فاسأله عن ذلك و لا لوم عليّ فيما قلته لك،فإن يك كاذبا فعليه كذبه،و إن يكن صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم.

فقال عبد الملك:لا حاجة لي إلى سؤال بني أبي تراب،فخفّض عليك يا زهري بعض

ص: 54

هذا القول فلا يسمعه منك أحد.

قال الزهري:لك عليّ ذلك (1).1.

ص: 55


1- -مقتضب الأثر:45،و البحار:166/51.

الفصل الثالث

في دلائل شيخ الطائفة طاب ثراه على الغيبة

و في غيبات الأنبياء عليهم السّلام و أعمار المعمرين و الاستدلال بها على غيبته عليه السّلام

قال الشيخ رحمه اللّه:اعلم أن لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان عليه السّلام طريقين:

أحدهما:

أن نقول:إذا ثبت وجوب الإمامة في كل حال و أن الخلق مع كونهم غير معصومين،لا يجوز أن يخلو من رئيس في وقت من الأوقات،و أن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعا على عصمته،فلا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهرا معلوما أو غائبا مستورا،فإذا علمنا أن كل من يدعى له الإمامة ظاهرا ليس بمقطوع على عصمته بل ظاهر أحوالهم و أفعالهم تنافي العصمة،علمنا أن من يقطع على عصمته غائب مستور،و إذا علمنا أن كل من يدعى له العصمة قطعا ممّن هو غائب من الكيسانية و الناووسية و الفطحية و الواقفة و غيرهم قولهم باطل،علمنا بذلك صحّة إمامة ابن الحسن عليه السّلام و صحّة غيبته و ولايته،و لا نحتاج إلى تكلّف الكلام في اثبات ولادته و سبب غيبته مع ثبوت ما ذكرناه.

ثم استدل طاب ثراه على وجوب الرئاسة بما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية،فصارت واجبة كالمعرفة التي لا يعرى مكلف من وجوبها عليه،لأن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند و يؤدب الجاني وقع الفساد و قل الصلاح،و متى كان لهم رئيس هذه صفته شمل الصلاح و زال الفساد،و العلم بذلك ضروري.

ثم ذكر ما اعترض به بعض المخالفين على كلام المرتضى طاب ثراه:بأن الفائدة في الإمامة هو كونه مبعدا من القبيح على قولكم،و هذا لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل

ص: 56

وجوده من عدمه،و إذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه،لم يقتض دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة.

و أجاب طاب ثراه:بأن انبساط يده عليه السّلام و الخوف من تأديبه إنما فات المكلفين بما يرجع إليهم،لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه و لم يمكّنوه،فأتوا من قبل أنفسهم و جرى ذلك مجرى أن يقول قائل:من لم يحصل له معرفة اللّه تعالى في تكليفه وجه قبح،لأنه لم يحصل له ما هو لطف له من المعرفة،فينبغي أن يقبح تكليفه،فما يقولونه هاهنا:من أن الكافر أتى من قبل نفسه،لأن اللّه قد نصب له الدلالة على معرفته و مكّنه من الوصول إليها،فإذا لم ينظر و لم يعرف أتى في ذلك من قبل نفسه و لم يقبح ذلك تكليفه،فكذلك نقول:انبساط يد الإمام و إن فات المكلف فانما أتى من قبل نفسه و لو مكّنه لظهر و انبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه،لأن الحجة عليه لا له.

ثم قال:فإن قيل:لم زعمتم أنه يجب إيجاده في حال الغيبة،و هلاّ جاز أن يكون معدوما؟.

قلنا:إنما أوجبنا ذلك من حيث إن تصرفه الذي هو لطفنا إذا لم يتم إلاّ بعد وجوده و ايجاده لم يكن في مقدورنا.

قلنا عند ذلك:إنه يجب على اللّه ذلك،و إلاّ أدى إلى أن لا نكون مزاحي العلة بفعل اللطف،فنكون أتينا من قبله تعالى لا من قبلنا،و إذا أوجده و لم نمكّنه من انبساط يده أتينا من قبل نفوسنا،فحسن التكليف و في الأول لم يحسن.

ثم تكلم طاب ثراه على اعتراضات القوم و أجاب عنها و أبطلها ثم قال:فإن قيل:فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟فإن سقطت على الجاني على ما يوجبها الشرع،فهذا نسخ الشريعة و إن كانت باقية فمن يقيمها؟

قلنا:الحدود المستحقة باقية في جنوب مستحقيها،فإن ظهر الإمام و مستحقوها باقون أقامها عليهم بالبينة أو الإقرار،و إن كان فات ذلك بموته كان الإثم في تفويتها على من أخاف الإمام و ألجأه إلى الغيبة،و ليس هذا نسخا لإقامة الحدود،لأن الحدّ إنما يجب إقامته مع التمكّن و زوال المانع و يسقط مع الحيلولة،و إنما يكون ذلك نسخا لو سقط إقامتها مع الإمكان و زوال

ص: 57

المانع،و يقال لهم:ما يقولون في الحال التي لا يتمكن أهل الحل و العقد من اختيار الإمام،ما حكم الحدود؟

فإن قلتم:سقطت فهذا نسخ على ما الزمتموناه،و إن قلتم:هي باقية في جنوب مستحقيها فهو جوابنا بعينه (1).

[81] كمال الدين:بإسناده عن الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن صالحا عليه السّلام غاب عن قومه زمانا،و كان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن حسن الجسم وافر اللحية خميص البطن خفيف العارضين ربعة من الرجال،فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته،فرجع إليهم و هم على ثلاث طبقات:طبقة جاحدة لا ترجع أبدا و أخرى شاكّة فيه و أخرى على يقين،فبدأ عليه السّلام حيث رجع بطبقة الشكاك،فقال لهم:أنا صالح.

فكذبوه و شتموه و زجروه و قالوا:برىء اللّه منك،إن صالحا كان في غير صورتك.

قال:فأتى الجحّاد،فلم يسمعوا منه القول و نفروا منه أشدّ النفور،ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة و هم أهل اليقين فقال لهم:أنا صالح.

فقالوا:أخبرنا خبرا لا نشك فيك معه أنك صالح،فإنّا لا نمتري أن اللّه تبارك و تعالى الخالق ينقل و يحوّل في أي الصور شاء،و قد أخبرنا و تدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء،و إنّما صحّ عندنا إذا أتى الخبر من السماء.

فقال لهم صالح:أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة.

فقالوا:صدقت و هي التي نتدارس،فما علاماتها؟

قال:لها شرب و لكم شرب يوم معلوم.

قالوا:آمنا باللّه و بما جئتنا به.

فعند ذلك قال اللّه تبارك و تعالى:إن صالحا مرسلا من ربّه.

قال أهل اليقين:إنّا بما ارسل به مؤمنون.

قال الذين استكبروا و هم الشكّاك و الجحّاد:إنّا بالذي آمنتم به كافرون».

قلت:هل كان فيهم ذلك اليوم عالم؟1.

ص: 58


1- -كتاب الغيبة:11،و البحار:173/51.

قال:«اللّه أعدل من أن يترك الأرض بغير عالم يدل على اللّه تبارك و تعالى،و لقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماما غير أنهم على ما في أيديهم من دين اللّه عزّ و جلّ كلمتهم واحدة.

فلمّا ظهر صالح عليه السّلام اجتمعوا عليه،و إنما مثل القائم عليه السّلام مثل صالح عليه السّلام» (1).

[82] و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:«في القائم عليه السّلام سنّة من موسى بن عمران عليه السّلام».

فقلت:ما سنّته من موسى بن عمران؟

قال:«خفاء مولده و غيبته عن قومه».

فقلت:و كم غاب موسى عن قومه و أهله؟

قال:«ثماني و عشرين سنة» (2).

[83] و عن أبي بصير قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في صاحب هذا الأمر:«أربع سنن من أربعة أنبياء:سنّة من موسى و سنّة من عيسى و سنّة من يوسف و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله.

فأمّا من موسى فخائف يترقّب،و أمّا من يوسف فالسجن،و أمّا من عيسى فيقال أنه مات و لم يمت،و أمّا من محمد صلّى اللّه عليه و آله فالسيف» (3).

[84] و عن سعيد بن جبير عن سيد العابدين عليه السّلام قال:«في القائم منّا سنن من سنن الأنبياء عليهم السّلام سنّة من آدم و نوح و سنّة من إبراهيم و سنّة من موسى و سنّة من عيسى و سنّة من أيوب و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله،فأمّا من آدم و نوح فهو طول العمر و سنّة من إبراهيم عليه السّلام و هو خفاء الولادة و اعتزال الناس و سنّة من موسى و هو الخوف و الغيبة و سنّة من عيسى و هو اختلاف الناس فيه و سنّة من أيوب و هو الفرح بعد البلوى و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله و هو الخروج بالسيف» (4).4.

ص: 59


1- -كمال الدين:136 ح 6،و البحار:387/11.
2- -الإمامة و التبصرة:109 ح 95،و كمال الدين:152 ح 14.
3- -كمال الدين:152 ح 16،و معجم أحاديث المهدي:240/3.
4- -كمال الدين:322،و البحار:217/51 ح 4.

[85] و عن الباقر عليه السّلام:«إن فيه سنّة من يونس،و هو رجوعه من غيبته و هو شاب بعد كبر السن،و سنّة من عيسى و هو اختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم:ما ولد،و قالت طائفة:مات،و قالت طائفة:قتل و صلب.

و أمّا شبهه من جدّه المصطفى صلّى اللّه عليه و آله فخروجه بالسيف و قتله أعداء اللّه و أعداء رسوله و الجبارين و الطواغيت،و أنه ينصر بالسيف و الرعب و أنه لا ترد له راية،و أن من علامات خروجه:

خروج السفياني من الشام،و خروج اليماني،و صيحة من السماء في شهر رمضان، و مناد ينادي من السماء باسمه و اسم أبيه» (1).

[86] كمال الدين:و عن سدير الصيرفي قال:دخلت أنا و جماعة على الصادق عليه السّلام فرأيناه جالسا على التراب يبكي بكاء بالثكلى و يقول:«سيّدي غيبتك نفت رقادي و ضيّقت عليّ مهادي و ابتزت مني راحة فؤادي.

[سيدي:غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد،و فقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع و العدد،فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني و أنيني يفتر من صدري عن دوارج الرزايا و سوالف البلايا إلاّ مثل بعيني عن غوابر أعظمها و أفظعها،و بواقي أشدّها و أنكرها،و نوائب مخلوطة بغضبك و نوازل معجونة بسخطك]».

قال سدير:فاستطارت عقولنا و قلت:لا أبكى اللّه عينيك أي حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال:فزفر زفرة أنتفخ منها جوفه.

و قال:«ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم،و هو الكتاب المشتمل على علم المنايا و البلايا و علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة،الذي خص اللّه به محمدا و الأئمة من بعده عليه و عليهم السلام،و تأملت منه مولد قائمنا و غيبته و ابطاءه و طول عمره و بلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان،و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته و ارتداد أكثرهم عن دينهم و خلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال اللّه تقدس ذكره: وَ كُلَّ إِنسانٍ1.

ص: 60


1- -كمال الدين:327،و البحار:218/51.

أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ .

يعني الولاية،فأخذتني الرقة و استولت عليّ الأحزان».

قلت:يا بن رسول اللّه شرّفنا في بعض ما أنت تعلمه من ذلك.

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى أدار في القائم منّا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل،قدّر مولده تقدير مولد موسى و قدّر غيبته تقدير غيبة عيسى و قدّر ابطاءه ابطاء نوح،و جعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر عليه السّلام دليلا على عمره».

فقلت له:اكشف لنا يا بن رسول اللّه عن وجوه هذه المعاني.

قال:«و أمّا مولد موسى فإن فرعون لمّا وقف على أن زوال ملكه على يده،أمر بإحضار الكهنة فدلّوه على نسبه و أنه من بني إسرائيل،و لم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود حتى تعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ اللّه تبارك و تعالى إيّاه،و كذلك بنو أمية و بنو العباس لمّا وقفوا على أن زوال ملكهم و ملك الأمراء و الجبابرة على يد القائم منّا،ناصبونا العداوة و وضعوا سيوفهم في[قتل] (1)آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ابادت نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه السّلام،و يأبى اللّه أن ينكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره و لو كره المشركون.

و أمّا غيبة عيسى عليه السّلام فإن اليهود و النصارى اتفقت على أنه قتل،فكذبهم اللّه بقوله: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (2).

كذلك غيبة القائم عليه السّلام فإن الإمة تنكرها،فمن قائل بأنه:لم يولد،و قائل يقول:إنه ولد و مات،و قائل يكفر بقوله أن حادي عشرنا كان عقيما،و قائل يمرق بقوله:إنه يتعدى إلى ثلاث عشر فصاعدا،و قائل يعصي اللّه عزّ و جلّ بقوله:إن روح القائم تنطق في هيكل غيره.7.

ص: 61


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -سورة النساء:157.

و أمّا ابطاء نوح عليه السّلام فإنه لما استنزل العقوبة على قومه[من السماء] (1)،بعث اللّه عزّ و جلّ الروح الأمين عليه السّلام بسبعة نويات فقال:يا نبي اللّه إن اللّه تبارك و تعالى يقول لك:إن هؤلاء خلائقي و عبادي و لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأكيد الدعوة و الزام الحجة،فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه،و اغرس هذا النوى فإن لك في نباتها و بلوغها و ادراكها إذا أثمرت الفرح و الخلاص،فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار و بلغت و أثمرت بعد زمن طويل استنجز من اللّه سبحانه و تعالى العدة،فأمر اللّه تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار و يعاود الصبر و الاجتهاد و يؤكد الحجة على قومه،و أخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل و قالوا:لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وعد من وعد ربّه خلف.

ثم إن اللّه تبارك و تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات،فما زالت تلك الطوائف ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف و سبعين رجلا،فأوحى اللّه عزّ و جلّ عند ذلك إليه و قال:الآن أسفر الصبح عند الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه و صفى من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة،فلو أني أهلكت الكفار و أبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك،لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك و أعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض و أمكّن لهم دينهم و أبدّل خوفهم بالأمن،لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم،و كيف يكون الاستخلاف و التمكين و بدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا و خبث طينتهم و سوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق،فلو أنهم تنسموا مني الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا هلكت أعدائهم لنشقوا روائح صفاته و كاشفوا إخوانهم بالعداوة و حاربوهم على طلب الرئاسة، وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا .

و كذلك القائم تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه و يصفو الإيمان من الكذبى.

ص: 62


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين في عهد القائم عليه السّلام».

قال المفضل:فقلت يا بن رسول اللّه إن النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر و عمر و عثمان و علي.

قال:«لا هدى اللّه قلوب النواصب،متى كان الدين الذي ارتضاه اللّه و رسوله متمكّنا بانتشار الأمن في الأمة و ذهاب الخوف من قلوبها و ارتفاع الشك من صدورها في عهد أحد هؤلاء و عهد علي عليه السّلام مع ارتداد المسلمين و الفتن التي كانت تثور في أيامهم و الحروب التي كانت تنشب بين الكفار و بينهم-ثم تلا الصادق عليه السّلام-: حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا (1).

و أمّا العبد الصالح الخضر عليه السّلام فإن اللّه تعالى ما طول عمره لنبوة قدّرها له و لا لكتاب ينزل عليه و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له،بلى إن اللّه تبارك و تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه السّلام في أيام غيبته ما يقدّر و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول،طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك،إلاّ لعلة الاستدلال به على عمر القائم عليه السّلام و ليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل».انتهى ملخصا (2).

[87] و عن أبي سعيد الخراساني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لأي شيء سمّي القائم؟ قال:«لأنه يقوم بعد ما يموت،أنه يقوم بأمر عظيم يقوم بأمر اللّه سبحانه».

يقول مؤلف الكتاب أيّده اللّه تعالى:جاء في أخبار الآحاد ما يوافق هذا الحديث و هو محمول عند علمائنا طيب اللّه ثراهم على معنى:أنه يموت ذكره و يعتقد أكثر الناس على أنه بلى عظامه،ثم يظهره اللّه تعالى كما أظهر عزير صاحب الحمار،أماته اللّه مائة عام ثم بعثه إلاّ أن موت هذا حقيقي.1.

ص: 63


1- -سورة يوسف:110.
2- -كمال الدين:357،و البحار:222/51.

[88] كمال الدين:قال حدثنا عبد اللّه بن محمد بن عبد الوهاب الشجري عن محمد بن القاسم البرقي و علي بن الحسن اللايكي قال:لقينا بمكة رجلا من المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة و هي سنة تسع و ثلاثمائة،فرأيناه رجلا أسود الرأس و اللحية كأنه شن بال،و حوله جماعة من أولاده و أولاد أولاده و مشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا و شهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آبائهم حكوا عن آبائهم و أجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمّر و اسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مؤيد،و ذكروا أنه همداني و أن أصله من(صفراء اليمن).

فقلنا له:أنت رأيت علي بن أبي طالب عليه السّلام؟

فقال بيده و فتح عينيه و قد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال:رأيته بعيني هاتين و كنت خادما له،و كنت معه في وقعة صفين و هذه الشجة من دابة علي عليه السّلام.

و أرانا أثرها على حاجبه الأيمن،و شهدوا الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ و من حفدته و أسباطه بطول العمر،و أنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة و كذا سمعنا من آبائنا و أجدادنا،ثم إنّا فاتحناه و سألناه عن قصته و سبب طول عمره،فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له و يجيب عنه بلبّ و عقل.

فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل و قرأها،و قد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان و أنها تجري في الظلمات و أنه من شرب منها طال عمره،فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود حسب ما قدّر أنه يكتفي به في مسيره،و أخرجني معه و أخرج معنا خادمين بازلين و عدّة جمال لبون و روايا و زادا،و أنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة،فساربنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها،و كنّا نسير بين الليل و النهار،لأن النهار كان أضوء قليلا و أقل ظلمة[من الليل]،فنزلنا بين جبال و أدوية و ذكوات،و قد كان والدي رحمه اللّه [يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنه] (1)وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوانى.

ص: 64


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

في ذلك الموضع،فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فنى الماء الذي كان معنا و أسقيناه جمالنا، و لو لا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا و تلفنا عطشا،و كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر و يأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا.

فكنّا في تلك البقعة نحو خمسة أيام و والدي يطلب النهر فلا يجده،و بعد الاياس عزم على الإنصراف حذرا من التلف لفناء الزاد و الماء،و الخدم الذين كانوا معنا ضجروا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب،فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم،فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الأنهار و لا بالكبير يجري جريا ليّنا،فدنوت منه و غرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا،فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء، فحملوا ما كان معنا من القرب و الأدوات لنملأها و لم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر،و كان سروري بوجود الماء لما كنّا فيه من عدم الماء،و كان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب،فجهدنا و طفنا ساعة قويّة في طلب النهر،فلم نهتد إليه حتى أن الخدم كذبوني و قالوا لي:لم تصدق.

فلمّا انصرفت إلى الرحل و انصرف والدي أخبرته القصة فقال لي:يا بني الذي أخرجني إلى ذلك المكان و تحمل الخطر كان لذلك النهر،و لم أرزق أنا و أنت رزقته،و سوف يطول عمرك حتى تملّ الحياة.

و رحلنا منصرفين و عدنا إلى أوطاننا و بلدنا،و عاش والدي بعد ذلك سنيّات ثم مات رحمه اللّه،فلمّا بلغ سنّي قريبا من ثلاثين سنة و كان اتصل بنا وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و وفاة الخليفتين بعده،خرجت حاجّا فلحقت آخر أيام عثمان،فمال قلبي من بين أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى علي بن أبي طالب،فأقمت أخدمه و شهدت معه وقائع و في وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته،فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله عليه السّلام فألح عليّ أولاده و حرمه أن أقيم عندهم فلم أقم و انصرفت إلى بلدي،و خرجت أيام بني مروان حاجّا و انصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية،و ما خرجت في سفر إلاّ كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري،فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني و يسألوني عن طول عمري و عمّا شاهدت،و كنت

ص: 65

أتمنى أن أحج حجّة أخرى،فحملوني هؤلاء حفدتي و أسباطي الذين ترونهم حولي.

و ذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة،فسألناه أن يحدّثنا بما سمع من أمير المؤمنين عليه السّلام فذكر أنه لم يكن له حرص و لا همّة في طلب العلم وقت صحبته لعلي عليه السّلام.

قال:فمن فرط ميلي إلى علي عليه السّلام و محبتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته و صحبته،و الذي كنت أتذكره ممّا كنت سمعته منه قد سمعه منّي عالم كثير من الناس ببلاد المغرب و مصر و الحجاز و قد انقرضوا،و هؤلاء أهل بلدي و حفدتي قد دونوه.

فأخرجوا إلينا النسخة،و أخذ يملي علينا من حفظه (1).

[89] حدّثنا أبو الحسن علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن سويد الهمداني المعروف بأبي الدنيا المعمّر المغربي رضى اللّه عنه حيّا و ميتا قال:حدّثنا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من أعان ملهوفا كتب اللّه له عشر حسنات و محى عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات» (2).

[90] ثم قال عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من سعى في حاجة أخيه المسلم للّه فيها رضى و له فيها صلاح،فكأنما خدم اللّه ألف سنة و لم يقع في معصية طرفة عين» (3).

[91] حدّثنا أبو الدنيا معمّر المغربي قال:سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يقول:«أصاب النبي صلّى اللّه عليه و آله جوع شديد و هو في منزل فاطمة.

قال عليّ:فقال لي النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا علي هات المائدة.

فقدمت المائدة،فاذا عليها خبز و لحم مشوي» (4).

[92] حدّثنا أبو الدنيا معمّر قال:سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول:«جرحت في وقعة خيبر خمسا و عشرين جراحة،فجئت إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فلمّا رأى ما1.

ص: 66


1- -كمال الدين:539،و البحار:226/51.
2- -كمال الدين:541،و البحار:228/51.
3- -البحار:228/51،و مستدرك سفينة البحار:456/2.
4- -كمال الدين:542 ح 4،و البحار:228/51.

بي بكى و أخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات،فاسترحت من ساعتي» (1).

[93] و حدّثنا أبو الدنيا قال:حدثني علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من قرأ(قل هو اللّه أحد)مرّة فكأنما قرأ ثلث القرآن،و من قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن،و من قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله» (2).

[94] و حدّثنا أبو الدنيا قال:سمعت علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كنت أرعى الغنم،فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق،فقلت:ما تصنع هاهنا؟

فقال لي:و أنت ما تصنع هاهنا؟

قلت:أرعى الغنم.

قال:ذا الطريق.

قال:فسقت الغنم،فلمّا توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شدّ على شاة فقتلها.

قال:فجئت حتى أخذت بقفاه فذبحته و جعلته على يدي و جعلت أسوق الغنم فلمّا سرت غير بعيد إذا أنا بثلاثة أملاك:جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت صلوات اللّه عليهم،فلمّا رأوني قالوا:هذا محمد بارك اللّه فيه.

فاحتملوني و أضجعوني و شقّوا جوفي بسكين كان معهم و أخرجوا قلبي من موضعه،و غسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتى نقى من الدم ثم ردّوا قلبي إلى موضعه و مرّوا أيديهم على جوفي فالتحم الشق باذن اللّه تعالى،فما أحسست بسكين و لا وجع.

قال:و خرجت أعدو إلى أمي-يعني حليمة داية النبي صلّى اللّه عليه و آله-فقالت لي:أين الغنم؟

فخبّرتها الخبر،فقالت:سوف تكون لك في الجنة منزلة عظيمة».

و كان هذا الشيخ في زمان المقتدر (3).

[95] ثم قال:و أخبرني الحسن بن محمد الحسيني عن الشريف محمد بن الحسنق.

ص: 67


1- -كمال الدين:542 ح 5،و البحار:228/51.
2- -كمال الدين:542 ح 7.
3- -المصدر السابق.

العلوي أنه قال:حججت في سنة ثلاث عشرة و ثلاثمائة،فدخلت مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فاصبت قافلة المصريين و بها أبو بكر المادرائي و معه رجل من أهل المغرب و ذكر أنه رأى[رجلا من] (1)أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاجتمع عليه الناس يتبركون به،فأمر عمّي طاهر بن يحيى غلمانه فأدخلوه إلى داره فأذن للناس و دخلوا،و كان معه خمسة نفر ذكروا أنهم أولاد أولاده و لم يكن [معه]فيهم من هو أصغر منه،و كان إذا رأيته قلت:ابن ثلاثين سنة أو أربعين سنة أسود الرأس و اللحية.

قال أبو محمد العلوي:فحدّثنا هذا الرجل و اسمه علي بن عثمان بجميع ما كتبناه عنه و سمعناه من لفظه،و هو أن الشيخ المغربي حدثنا بدء خروجه من بلده حضرموت و ذكر:أن أباه خرج هو و عمّه و خرجا به معهما يريدون الحج و زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله فخرجوا من بلادهم حضرموت و ساروا أياما ثم أخطأوا الطريق فأقاموا تائهين ثلاثة أيام،فوقعوا في جبال رمل يقال لها:رمل عالج يتصل برمل إرم ذات العماد،فنظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها،فأشرفنا على واد و إذا برجلين قاعدين على بئر أو عين،فلمّا نظرا إلينا قام أحدهما فأخذ دلوا فأدلاه فاستسقى فيه من تلك العين أو البئر و استقبلنا،فجاء إلى أبي فناوله الدلو.

فقال أبي:قد أمسينا ننيخ على هذا الماء و ننظر إن شاء اللّه.

فصار إلى عمي فقال له:اشرب.

فردّ عليه كما ردّ عليه أبي.

فقال لي:اشرب،فشربت.

فقال لي:هنيئا لك،فإنك ستلقى علي بن أبي طالب عليه السّلام فأخبره أيها الغلام بخبرنا و قل له:الخضر و الياس يقرآنك السلام،و ستعمّر حتى تلقى المهدي و عيسى ابن مريم عليه السّلام فإذا لقيتهما فاقرأهما منّا السلام.

ثم قالا:ما يكون هذان منك؟

فقلت:أبي و عمي.

فقالا:أمّا عمك فلا يبلغ مكة،و أمّا أنت و أبوك فستبلغان،و يموت أبوك و تعمّر أنتى.

ص: 68


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

و لستم تلحقون النبي صلّى اللّه عليه و آله لأنه قد قرب أجله.

ثم غابا فما أدري أين مرّا أفي السماء أو في الأرض؟

فنظرنا فإذا لا أثر و لا عين و لا ماء،فسرنا متعجبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران، فاعتل عمي و مات بها و حججت مع أبي و وصلنا المدينة فمات بها،و أوصى بي إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام فأخذني و كنت معه أيام أبي بكر و عمر و عثمان و خلافته حتى قتله ابن ملجم لعنه اللّه.

و ذكر:أنه لمّا حوصر عثمان بن عفان في داره،دعاني فدفع إليّ كتابا و نجيبا و أمرني بالخروج إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام و كان غائبا بينبع في ضياعه،فأخذت بالكتاب و سرت به إلى موضع يقال له:جدار أبي عبابة فسمعت قرآنا فإذا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يسير مقبلا و هو يقول: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (1).

فلمّا نظر إليّ قال:أبا الدنيا ما وراءك؟

قلت:هذا كتاب أمير المؤمنين عثمان.

فقرأه فاذا فيه:

فإن كنت مأكولا فكنت أنت آكلي *** و إلاّ فأدركني و لمّا أمزق

فقال:سر،فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان،فمال إلى حديقة بني النجار و جاء الناس إليه ركضا،و قد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد اللّه،فلمّا نظروا إليه أرفضوا إرفضاض الغنم شدّ عليها السبع،فبايعه طلحة ثم الزبير ثم بايعه المهاجرون و الأنصار،فقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل و صفين،و كنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه و أدفعه إليه،و كان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي،فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها و أخذ حفنة من تراب فتركه عليها،فو اللّه ما وجدت لها ألما و لا وجعا.

ثم أقمت معه حتى قتل عليه السّلام و صحبت الحسن بن علي عليهما السّلام حتى ضرب بساباط المدائن ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه و أخدم الحسين عليه السّلام حتى مات الحسن مسموما سمّته5.

ص: 69


1- -سورة المؤمنون:115.

جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي لعنها اللّه دسّا من معاوية،ثم خرجت مع الحسين بن علي عليه السّلام حتى حضر كربلاء و قتل عليه السّلام و خرجت هاربا من بني أمية،و أنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي و عيسى ابن مريم عليهم السّلام.

قال أبو محمد العلوي:و من عجيب ما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان و هو في دار عمي طاهر بن يحيى و هو يحدث بهذه الأعاجيب و بدء خروجه،فنظرت إلى عنفقته و قد أحمرّت ثم ابيضّت،فجعلت أنظر إلى ذلك،لأنه لم يكن في لحيته و لا في رأسه و لا في عنفقته بياض.

فنظر إلى نظري إلى لحيته و عنفقته فقال:أما ترون أن هذا يصيبني إذا جعت،فإذا شبعت رجعت إلى سوادها.

فدعى عمي بطعام و أخرج من داره موائد الطعام،فوضعت واحدة بين يدي الشيخ و كنت أنا أحد من جلس عليها،فأكلت معه و هو يأكل أكل شاب،و أنا أنظر إلى عنفقته و هي تسودّ حتى إذا شبع عادت إلى سوادها.

[96] فحدثنا علي بن عثمان قال:حدثني علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فمن أحبّ أهل اليمن فقد أحبني،و من أبغضهم فقد أبغضني».

[97] حديث عبيد بن شريد الجرهمي:حدّثنا أبو سعيد الشجري:قال:وجدت في كتاب لأخي أبي الحسن بخطه يقول:سمعت بعض أهل العلم ممّن قرأ الكتب و سمع الأخبار أن عبيد بن شريد الجرهمي و هو معروف عاش ثلاثمائة سنة و خمسين سنة فأدرك النبي صلّى اللّه عليه و آله و حسن إسلامه و عمّر بعد ما قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى قدم على معاوية في أيام تغلّبه و ملكه،فقال له معاوية:أخبرني يا عبيد عمّا رأيت و سمعت و من أدركت و كيف رأيت الدهر؟

فقال:أمّا الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت،و لم أدرك أهل زمان إلاّ و هم يذمون زمانهم.

و أمّا ما سمعت:فإنه حدّثني ملك من ملوك حمير أن بعض ملوك التبابعة ممّن دانت له البلاد كان يقال له:ذو سرح،كان أعطي الملك في عنفوان شبابه،و كان حسن السيرة في أهل مملكته،سخيّا فيهم مطاعا،فملكهم سبعمائة سنة،و كان كثيرا ما يخرج في خاصته إلى الصيد

ص: 70

و النزهة،فخرج يوما إلى بعض متنزهه فأتى على حيتين إحداهما بيضاء كلها كأنها سبيكة فضة و الأخرى سوداء كأنها حممة و هما يقتتلان،و قد غلبت السوداء[على]البيضاء و كادت تأتي على أنفاسها،فأمر الملك بالسوداء فقتلت و أمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء يفيء عليها شجرة،فأمر فصب عليها من الماء و سقيت حتى رجع إليها نفسها فأفاقت فخلاّ سبيلها فانسابت الحية و مضت لسبيلها.

و مكث الملك يومئذ في متصيده و نزهته،فلمّا أمسى و رجع إلى منزله و جلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب و لا أحد،فبينا هو كذلك إذ رأى شابا آخذا بعضادتي الباب و عليه من الثياب و الجمال شيء لا يوصف فسلم على الملك،فذعر منه الملك و قال له:من أنت و من أدخلك و أذن لك في الدخول عليّ في هذا الموضع الذي لا يصل إليّ فيه أحدا؟

فقال له الفتى:لا ترع أيها الملك إني لست بإنسي،و لكني فتي من الجن أتيتك لأجازيك على بلائك الحسن الجميل عندي.

فقال الملك:و ما بلائي عندك؟

قال:أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا،و الأسود الذي قتلته و خلصتني منه كان غلاما لنا و قد قتل من أهل بيتي عدة،كان إذا خلا بواحد منّا قتله،فقتلت عدوي و أحييتني،فجئت لأكافئك ببلائك عندي،و نحن أيها الملك الجن لا الجن.

فقال له الملك:و ما الفرق بين الجن و الجن؟

ثم انقطع الحديث الذي كتبه أخي فلم يكن هناك تمامه (1).

[98] و أمّا الربيع بن الفضل الفزازي:فروى الصدوق طاب ثراه بإسناده إلى محمد بن الحسن الأزدي قال:لمّا و فد الناس على عبد الملك بن مروان قدم فيمن قدم عليه الربيع الفزاري و كان أحد المعمرين و معه ابن ابنه وهب بن عبد اللّه بن الربيع شيخا فانيا،قد سقط حاجباه على عينيه و قد عصبهما،فلمّا رآه الآذن-و كانوا يأذنون للناس على أسنانهم-قال له:ادخل أيها الشيخ.3.

ص: 71


1- -كمال الدين:549،و البحار:234/51 ح 3.

فدخل يدبّ على العصا يقيم بها صلبه و لحيته على ركبتيه،فلمّا رآه عبد الملك رقّ له و قال له:اجلس أيها الشيخ.

فقال:كيف يجلس من جدّه على الباب؟

فقال:أنت إذن من ولد الربيع.

قال:نعم أنا وهب بن عبد اللّه بن الربيع.

قال للآذن:أدخل الربيع.

فخرج الآذن فلم يعرفه حتى نادى:أين الربيع؟

فقال:ها أنا.

فقام يهرول في مشيته،فلمّا دخل على عبد الملك سلّم.

فقال عبد الملك:و أبيكم إنه لأشبّ الرجلين،يا ربيع أخبرني عمّا أدركت من العمر؟

فقال:عشت مآتي سنة في الفترة بين عيسى و محمد صلّى اللّه عليه و آله،و عشرين و مائة سنة في الجاهلية،و ستين سنة في الإسلام.

أقول:

[99] ثم ذكر الصدوق طاب ثراه كثيرا من المعمّرين و فيهم من عاش ثلاثة آلاف سنة،و كان من ولد عاد،و لمّا أتى على آخرهم قال طاب ثراه:

هذه الأخبار التي ذكرتها في المعمرين،قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبي و محمد بن إسحاق بن بشار و عوانة بن الحكم[و عيسى بن يزيد بن رئاب و الهيثم بن عدي الطائي] (1).

و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«كلما كان في الأمم السالفة فيكون في هذه الأمة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة».

و قد صحّ هذا التعبير فيمن تقدم،و صحت الغيبات الواقعة بحجج اللّه عليهم السّلام فيما مضى من القرون،فكيف السبيل إلى إنكار القائم عليه السّلام لغيبته و طول عمره مع الأخبار الوارده فيه عنى.

ص: 72


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن الأئمة عليه السّلام (1).

[100] و روى الصدوق قدّس اللّه ضريحه عن الأسواري عن مكي بن أحمد قال:سمعت إسحاق الطوسي يقول-و كان قد أتى عليه سبعة و تسعون سنة-على باب يحيى بن منصور قال:رأيت سربانك ملك الهند في بلد تسمى صوح،فسألناه كم أتى عليك من السنين؟

قال:تسعمائة سنة و خمس و عشرون سنة،و هو مسلم فزعم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنفذ إليه عشرة من أصحابه فأسلم فقلت له:ما طعامك؟

قال:آكل ماء اللحم و الكراث.

و سألته:هل يخرج منك شيء؟

فقال:في كل اسبوع مرة شيء يسير.

و سألته عن أسنانه؟

فقال:أبدلتها عشرين مرة.

و رأيت له في اصطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له:زند فيل.

فقلت:ما تصنع بهذا؟

قال:يحمل ثياب الخدم إلى القصار و مملكته مسيرة أربع سنين في مثلها و مدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها،و على كل باب منها عسكر[في]مائة ألف و عشرين ألفا إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيرها و هو في وسط المدينة.

و سمعته يقول:دخلت إلى[المغرب] (2)فبلغت رمل عالج و صرت إلى قوم موسى عليه السّلام،فرأيت سطوح بيوتهم مستوية،و بيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت و الباقي يتركونه هناك،و قبورهم في دورهم،و بساتينهم من المدينة على فرسخين،ليس فيهم شيخ و لا شيخة،و لم أرفيهم علة و لا يعتلون إلى أن يموتوا،و لهم أسواق إذا أراد الإنسان منهم شراء شيء صار إلى السوق فوزن لنفسه و أخذ ما يصيبه و صاحبه غير حاضر،و إذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا و انصرفوا لا يكون بينهم خصومة و لا كلام يكره إلاّ ذكر اللّه عزّ و جلّ و الصلاةل.

ص: 73


1- -عيون أخبار الرضا:218/1،و الفقيه:203/1،و كمال الدين:23.
2- -في المخطوط:الرمل.

و ذكر الموت.

قال الصدوق رحمه اللّه:اذا كان عند مخالفينا مثل هذا الحال لسربانك ملك الهند،فينبغي أن لا يحيلوا مثل ذلك في حجة اللّه من التعمير،و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم.

أقول:و من المعمّرين عمرو بن عامر ملك من ملوك اليمن،زعموا أنه كان يلبس كل يوم حلتين فيمزقهما بالعشي و يكره أن يعود فيهما،و يأنف أن يلبسهما أحد غيره (1).

[101] عوالي اللئالي للفاضل ابن جمهور الأحسائي:باسناده إلى الشيخ صدر الدين الساوي قال:دخلت على الشيخ بابارتن و قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر،فرفعهما عن عينيه و نظر إليّ و قال:ترى عيني هاتين،طالما نظرتا إلى وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قد رأيته يوم حفر الخندق و كان يحمل على ظهره التراب مع الناس،و سمعته يقول في ذلك اليوم:«اللهم إني أسألك عيشة هنيئة و ميتة سوية و مردا غير مخذولا و لا فاضح».

أقول:ذكر في القاموس:أن بابارتن ظهر في الهندسنة ستمائة،و زعم أنه رأى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كثير من الناس يطعن في دينه (2).

[102] و روى السيد علي بن عبد الحميد في الأنوار المضيئة:يرفعه إلى أبي الحسن الكاتب البصري و كان من الأدباء قال:في سنة أثنتين و تسعين و ثلثمائة منع الأمطار سنتين،و كانت البصرة رخيصة فتسامع البدو بذلك و وردوها من الأقطار البعيدة،فخرجت مع جماعة نتصفح أحوالهم و نلتمس فائدة،فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا و حوله جماعة،فسلمنا عليه فرد التحية و قلنا:جئنا نلتمس الفائدة منك لعلو سنّك.

فقال الشيخ:إن الدنيا شغلتنا عمّا تبغونه مني،فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي و ها بيته.

فقصدنا البيت فوجدنا فيه شيخا[منضجعا]و حوله خدم،فسلمنا عليه و أخبرناه بكلام ابنه.1.

ص: 74


1- -كمال الدين:643،و البحار:521/14.
2- -عوالي اللئالي:29/1،و البحار:258/51.

فقال:حيّاكم اللّه إن الذي أشغل ابني هو الذي أشغلني،و لكن الفائدة تجدونها عند والدي و أشار إلى بيت منيف.

فقلنا فيما بيننا:حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني.

فقصدناه فوجدنا حوله عبيدا و إماء،و إذا على الوسادة رأس شيخ قد بلى،فجهرنا بالسلام فأحسن الرد و قلنا له:إن أولادك أرشدونا إليك للفائدة.

فقال للخدم:أجلسوني.

ثم قال:يا بني أخي احفظوا حديثي:كان والدي لا يعيش له ولد فولدت له على كبر ثم مات ولي سبع سنين فكفلني عمّي،فدخل بي يوما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:إن هذا ابن أخي و أنا كفيل بتربيته و إنني أنفس به على الموت،فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها.

فقال:«أين أنت عن ذات القلاقل».

فقال:يا رسول اللّه و ما ذات القلاقل؟

قال:«أن تعوّذه فتقرأ عليه سورة الجحد و سورة الإخلاص و سورة الفلق و سورة الناس».

و أنا إلى اليوم أتعوّذ بها كل غداة فما أصبت و لا أصيب لي مال و لا مرضت و لا افتقرت،و قد انتهى بي السن إلى ما ترون،فحافظوا عليها و استكثروا من التعوّذ بها.

ثم انصرفنا من عنده.

[103] أقول:و قد ذكر الصدوق و المرتضى قدّس اللّه روحيهما من المعمّرين جماعة كثيرة للاحتجاج على المخالفين في إنكارهم طول عمر المهدي عليه السّلام (1).1.

ص: 75


1- -مستدرك الوسائل:392/4،و البحار:260/51.

الفصل الرابع

في معجزاته و في أحوال سفرائه و تكذيب غيرهم و فيمن رآه

[104] الخرائج و الجرائح:عن ابن أبي روح قال:وجهت إليّ امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت:أنت أوثق من في ناحيتنا دينا و ورعا،و أني أريد أن أودعك أمانة.

فقلت:أفعل.

فقالت:هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله[و لا تنظر فيه] (1)حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه،و هذا قرطي يسوى عشرة دنانير،و فيه ثلاث حبات لؤلؤ تسوى عشرة دنانير،ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

قلت:و ما الحاجة؟

قالت:عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممّن استقرضتها،فإن أخبرك عنها فادفعها إلى من يأمرك بها.

فحملت المال إلى سرّ من رأى،فدنوت من دار أبي محمد عليه السّلام فخرج إليّ خادم فقال:أنت أحمد بن أبي روح؟

قلت:نعم.

قال:هذه الرقعة اقرأها.

فإذا فيها مكتوب:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم

يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك و هو خلاف ما تظن،و قد أديت فيه الأمانة و لم تحل الكيس و لم تدر ما فيه،و فيه ألف درهم

ص: 76


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

و خمسون دينارا،و معك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصين الذين فيه،و فيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير و[هي]تساوي أكثر،فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنّا قد وهبناه لها،و سر إلى بغداد و ادفع المال إلى الحاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك،و أمّا عشرة الدنانير التي زعمت أن أمّها استقرضتها في عرسها و هي لا تدري من صاحبها،بل هي تعلم لمن هي،لكلثوم بنت أحمد و هي ناصبية فتحرّجت أن تعطيها و أحبّت أن تقسمها في إخوانها فاستأذنتنا في ذلك،فلتفرّقها في ضعفاء إخوانها و ارجع إلى منزلك،فإن عدوك قد مات و قد رزقك اللّه أهله و ماله».

فرجعت إلى بغداد و ناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم و خمسون دينارا فناولني ثلاثين دينارا و قال:أمرت بدفعها إليك لنفقتك،فأخذتها و انصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه و قد جاءني من يخبرني أن عمّي قد مات و أهلي يأمروني بالانصراف إليهم،فرجعت فإذا هو قد مات و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم (1).

[105] كتاب الارشاد:عن محمد بن صالح قال:لمّا مات أبي و صار الأمر إليّ كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم-يعني صاحب الأمر عليه السّلام قال الشيخ المفيد:و هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها و يكون خطابها عليه للتقية-.

قال:فكتبت إليه أعلمه.

فكتب إليّ:طالبهم و استقض عليهم.

فقضاني الناس إلاّ رجل واحد و كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار،فجئت إليه أطلبه فاستخف بي ابنه فشكوته إلى أبيه فقال:و كان ماذا؟

فقبضت على لحيته و أخذت برجله و سحبته إلى وسط الدار،فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد يقول:قمّي رافضي قد قتل والدي.

فاجتمع عليّ منهم خلق كثير فركبت دابتي و قلت:أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم،أنا رجل من أهل همدان من أهل السنّة،و هذا ينسبني إلى قم و يرميني بالرفض ليذهب بمالي.1.

ص: 77


1- -الخرائج و الجرائح:700/2،و البحار:296/51.

فمالوا عليه و أرادوا أن يدخلوا[إلى] (1)حانوته حتى سكّنتهم،فطلب إليّ صاحب السفنجة أن آخذ ما فيها و حلف لي بالطلاق أنه يوفيني مالي في الحال فاستوفيت منه (2).

[106] كتاب النجاشي قال:اجتمع علي بن الحسين بن بابويه مع أبي القاسم الحسين بن روح و سأله مسائل،ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب عليه السّلام و يسأله فيها الولد.

فكتب إليه:«قد دعونا اللّه لك بذلك و سترزق ولدين ذكرين خيّرين».

فولد له أبو جعفر و أبو عبد اللّه من أم ولد،و كان الحسين بن عبيد اللّه يقول:سمعت أبا جعفر يقول:أنا ولدت بدعوت صاحب الأمر عليه السّلام و يفتخر بذلك (3).

[107] و عن علي بن أحمد الرازي قال:خرج بعض إخواني من أهل الري مرتادا بعد مضي أبا محمد عليه السّلام فبينا هو في مسجد الكوفة متفكرا يبحث حصى المسجد بيده فخرجت له حصاة فيها مكتوب:محمد،فنظرت فإذا هي كتابة[نابتة] (4)مخلوقة غير منقوشة (5).

[108] و في كتاب المواعظ:مسندا إلى علي بن الحسين الصائغ القمي و محمد بن أحمد الصيرفي القمي و غيرهما من مشايخ أهل قم:أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته ابنة عمّه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولدا،فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضى اللّه عنه أن يسأل الحضرة أن يدعو اللّه أن يرزقه أولادا فقهاء.

فجاء الجواب:«إنك لا ترزق من هذه،و ستملك جارية ديلمية و ترزق منها ولدين فقيهين».

قال:و قال لي أبو عبد اللّه بن سورة حفظه اللّه:و لأبي الحسن بن بابويه رحمه اللّه ثلاثة أولاد محمد و الحسين فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل قم،و لهما أخ6.

ص: 78


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الإرشاد:362/21،و البحار:297/51 ح 13.
3- -معجم أحاديث المهدي:309/4،و البحار:306/51.
4- -في بعض النسخ:ناتئة و في بعض المصادر:ثابتة.
5- -كمال الدين:408 ح 5،و البحار:313/51 ح 36.

اسمه الحسن و هو الأوسط مشتغل بالعبادة و الزهد لا يختلط بالناس و لا فقه له.

قال ابن سورة:كلما روى أبو جعفر و أبو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئا يتعجب الناس من حفظهما و يقولون لهما:هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام عليه السّلام لكما.

و هذا أمر مستفيض في أهل قم (1).

[109] كمال الدين:محمد بن علي الأسود رضى اللّه عنه قال:سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضى اللّه عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رحمه اللّه أن أسأل أبا القاسم الروحي رضى اللّه عنه أن يسأل مولانا صاحب الأمر صلوات اللّه عليه أن يدعو اللّه عزّ و جلّ أن يرزقه ولدا ذكرا.

قال:فسألته فأنهى ذلك،ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعى لعلي بن الحسين و أنه سيولد له ولد مبارك ينفع اللّه به و بعده أولاده.

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الأسود:و سألته في أمر نفسي أن يدعو اللّه لي أن أرزق ولدا ذكرا.

فلم يجبني إليه و قال:«ليس إلى هذا سبيل».

قال:فولد لعلي بن الحسين رضى اللّه عنه تلك السنة ابنه محمد و بعده أولاد و لم يولد لي.

قال الصدوق رحمه اللّه:كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضى اللّه عنه كثيرا ما يقول لي إذا رآني:اختلف الى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى اللّه عنه و ارغب في كتب العلم و حفظه،ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم و أنت ولدت بدعاء الإمام (2).

[110] و قال أبو عبد اللّه ابن بابويه:عقدت المجلس ولي دون العشرين سنة فربّما كان يحضر مجلسي أبو جعفر محمد بن[علي] (3)الأسود فإذا نظر إلى اسراعي في الأجوبة في الحلال و الحرام يكثر التعجب لصغر سنّي ثم يقول:لا عجب لأنك ولدت بدعاء الإمام عليه السّلام (4).

[111] كمال الدين:قال الحسين بن علي البغدادي:رأيت بمدينة السلام امرأة تسألني عن1.

ص: 79


1- -معجم أحاديث المهدي:310/4،و الإمامة و التبصرة:165.
2- -الأمالي:3،و البحار:335/51.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -معاني الأخبار:74،و البحار:336/51 ح 61.

وكيل مولانا المهدي عليه السّلام فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم بن الحسين بن روح.

فدخلت عليه و أنا عنده فقالت له:أيها الشيخ أي شيء معي؟

فقال:ما معك فألقيه في دجلة ثم أئتيني حتى أخبرك.

قال:فذهبت المرأة فألقته في دجلة ثم دخلت عليه.

فقال لمملوكة له:اخرجي إليّ الحقّة.

فأخرجت إليه حقّة،فقال للمرأة:هذه الحقّة التي كانت معك و رميت بها في دجلة،أخبرك بما فيها أو تخبريني؟

فقالت له:بل أخبرني أنت.

فقال:في هذه الحقّة زوج سوار ذهب و حلقة كبيرة فيها جوهرة و حلقتان صغيرتان فيهما جوهر و خاتمان أحدهما فيروزج و الآخر عقيق.

و كان الأمر كما ذكر[لم يغادر منه شيئا] (1).

ثم فتح الحقّة فعرض عليّ ما فيها.

و نظرت المرأة إليه فقالت:هذا الذي حملته بعينه و رميت به في دجلة.

فغشي عليّ و على المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة (2).

[112] و عن محمد بن عيسى قال:رأيت بسرّ من رأى رجلا شابا و ذكر أنه هاشمي[من ولد عيسى بن موسى لم يذكر أبو جعفر اسمه،و كنت أصلي فلما سلّمت قال لي:أنت قمي أو رازي؟

فقلت:أنا قمي مجاور بالكوفة في مسجد أمير المؤمنين عليه السّلام.

فقال لي:أتعرف دار موسى بن عيسى التي بالكوفة؟

فقلت:نعم.

فقال:أنا من ولده.

قال:كان لي أب و له أخوان و كان أكبر الأخوين ذا مال و لم يكن للصغير مال،فدخل على1.

ص: 80


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كمال الدين:519 ح 47،و البحار:342/51.

أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار.

فقال الأخ الكبير:أدخل على الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السّلام و أسأله أن يلطف للصغير لعله يرد مالي فإنه حلو الكلام.

فلمّا كان وقت السحر بدا لي في الدخول على الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السّلام،و قلت:أدخل على أشناس التركي صاحب السلطان فأشكو إليه.

قال:فدخلت على أشناس التركي و بين يديه نرد يلعب به،فجلست انتظر فراغه فجاءني رسول الحسن بن علي فقال لي:أجب.

فقمت معه،فلمّا دخلت على الحسن بن علي عليهما السّلام قال لي:كان لك إلينا أول الليل حاجة ثم بدا لك عنها وقت السحر،اذهب فإن الكيس الذي أخذ من مالك قد ردّ و لا تشك أخاك و أحسن إليه واعطه فإن لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه.

فلمّا خرج تلقاه غلامه يخبره بوجود الكيس.

قال أبو جعفر:فلمّا كان من الغد حملني الهاشمي الى منزله و أضافني ثم] (1)صاح بجاريته و قال:يا غزال.

فإذا بجارية مسنّة،فقال لها:حدّثي مولاك بحديث الميل و المولود.

فقالت:كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي:ادخلي إلى دار أبي الحسن بن علي عليه السّلام فقولي لحكيمة تعطينا شيئا ليستشفى به مولودنا.

فدخلت عليها و سألتها ذلك،فقالت حكيمة:أئتوني بالميل الذي كحّل به المولود الذي ولد البارحة.يعني ابن الحسن بن علي عليه السّلام.

فأتيت بالميل فدفعته إليّ و حملته إلى مولاتي،فكحّلت به المولود فعوفي و بقي عندنا و كنّا نستشفي به ثم فقدناه.

أقول:حملته الملائكة و الجن من خدامهم عليهم السّلام إلى ما كان فيه من المكان عنده عليه السّلام.

[113] و عن محمد بن صالح الهمداني قال:كتبت إلى صاحب الزمان عليه السّلام:إن أهل بيتي يؤذونني و يقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السّلام أنهم قالوا:«خدّامنا و قوّامنا شرارى.

ص: 81


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

خلق اللّه».

فكتب عليه السّلام:«و يحكم أما تقرؤون ما قال اللّه تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً (1).

فنحن و اللّه القرى التي بارك اللّه فيها،و أنتم القرى الظاهرة» (2).

[114] و في ذلك الكتاب:فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم:من نصبه العسكريان عليهما السّلام و هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه اللّه[و كان أسديّا،و إنما سمي العمري لما رواه أبو نصر هبة اللّه بن محمد بن العمري رحمه اللّه قال أبو نصر:كان أسديّا فنسب الى جدّه فقيل:العمري.

و قد قال قوم من الشيعة:إن أبا محمد الحسن بن علي عليه السّلام قال:«لا يجمع على امرىء بين عثمان و أبو عمرو»و أمر بكسر كنيته فقيل:العمري.

و يقال له:العسكري أيضا،لأنه كان من عسكر سرّ من رأى] (3).

و يقال له السمّان،لأنه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر،و كان الشيعة إذا حملوا الى أبي محمد عليه السّلام ما يجب عليهم حمله من الأموال،انفذوا إلى أبي عمرو فيحمله في جراب السمن و زقاقه و يحمله إلى أبي محمد تقية و خوفا.

و قد نصّ الإمام علي بن محمد العسكري عليه السّلام على توثيق عثمان بن سعيد في أخبار كثيرة (4).

[115] و في حديث آخر عن الحسن العسكري عليه السّلام:«اشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي و أن ابنه محمدا وكيل ابني مهديّكم» (5).

و ورد في ابنه محمد توثيق كثير عنه عليه السّلام.5.

ص: 82


1- -سورة سبأ:18.
2- -كمال الدين:483 ح 2،و البحار:343/51 ح 1.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -الغيبة:354 ح 314،و البحار:344/51.
5- -الفقيه:520/2 ح 3115.

[116] قال أبو جعفر محمد بن بابويه:و روى محمد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه أنه قال:و اللّه إن صاحب هذا الأمر عليه السّلام ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه (1).

[117] و عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:سألت محمد بن عثمان رضى اللّه عنه فقلت له:رأيت صاحب هذا الأمر عليه السّلام؟

قال:نعم،و آخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام و هو يقول:«اللهم انجز لي ما وعدتني» (2).

[118] قال محمد بن عثمان:و رأيته صلوات اللّه عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار و هو يقول:«اللهم انتقم لي من أعدائك» (3).

[119] كتاب المواعظ:مسندا إلى علي بن محمد القمي قال:دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان رضى اللّه عنه يوما لأسلّم عليه،فوجدته و بين يديه ساجة و نقّاش ينقش عليها و يكتب آيا من القرآن و أسماء الأئمة عليهم السّلام على حواشيها،فقلت له:يا سيّدي ما هذه الساجة؟

فقال:هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال:أسند إليها،و أنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فاصعد،فإذا كان يوم كذا و كذا من شهر كذا و كذا من سنة كذا و كذا صرت إلى اللّه عزّ و جلّ و دفنت فيه و هذه الساجة معي.

و كان الأمر كما قال.

و أمّا محمد بن عثمان العمري،فمات في آخر جمادي الأول سنة خمس و ثلاثمائة و دفن في باب الكوفة،و لمّا توفى محمد بن عثمان العمري أقام مقامه أبا القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنهما بأمر الإمام صلوات اللّه عليه،و كان يتولى أخذ أموال الإمام عليه السّلام و تخرج التوقيعات من الإمام عليه السّلام إلى الشيعة على يديه،و لمّا مات الحسين بن روح رحمه اللّه أوصى بأمر الإمام عليه السّلام إلى علي بن محمد السمري،فلمّا حضر علي بن محمد السمري الوفاة سئل أن8.

ص: 83


1- -كمال الدين:390 ح 4،و البحار:350/51 ح 3.
2- -كمال الدين:440 ح 9،و الغيبة:251 ح 222.
3- -الغيبة:251 ح 222،و مدارك الأحكام:476/8.

يوصي.

فقال:للّه أمر هو بالغه.

فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري (1).

[120] كمال الدين:عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال:كنت بمدينة السلام في السنة التي توفى فيها الشيخ أبي الحسن علي بن محمد السمري قدّس اللّه روحه،فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج إلى الناس توقيعا نسخته:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

«يا علي بن محمد السمري أعظم اللّه أجر إخوانك فيك،فإنك ميت ما بينك و بين ستة يام،فاجمع أمرك و لا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة،فلا ظهور حتى يأذن اللّه تعالى ذكره،و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب و امتلاء الأرض جورا،و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم»

فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده،فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه و هو يجود بنفسه فقيل له:من وصيك من بعدك؟

فقال:للّه أمر هو بالغه.

و قضى،فهذا آخر كلام سمع منه (2).

[121] و في كتاب المواعظ:أن أول السفراء المرضيين الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصّبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السّلام ثم ابنه الحسن بن علي فتولى القيام بأمرهما حال حياتهما،ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السّلام فلمّا مضى لسبيله قام ابنه محمد بن عثمان مقامه،فلمّا مضى قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني5.

ص: 84


1- -كمال الدين:433 ح 12،و البحار:360/51.
2- -كمال الدين:516 ح 44،و الغيبة:395 ح 365.

نوبخت مقامه،فلمّا مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري و لم يكن بعده أحد (1).

[122] و ذكر في إعلام الورى:براهين على إثبات الحجة عليه السّلام ثم قال:له غيبان صغرى و كبرى.

أمّا الصغرى:فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين و أبوابه معروفين فمنهم:أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري،و محمد بن علي بن بلال،و عثمان بن سعيد السمّان،و ابنه محمد بن عثمان،و عمر الأهوازي،و أحمد بن إسحاق،[و أبو محمد الوجاني] (2)،و إبراهيم بن مهزيار، و محمد بن إبراهيم في جماعة أخر ربّما يأتي ذكرهم عند الحاجة،و كانت مدّة هذه الغيبة أربعا و سبعين سنة،ثم ذكر أحوال السفراء الأربعة نحوا ممّا مرّ.

أقول:الأربعة المذكورون هم السفراء بين الصاحب عليه السّلام و بين الشيعة و غيرهم و كلاؤهم،و تخرج التوقيعات و الأمور منهم إلى غيرهم،و ربّما وقع إليهم التوقيع من الناحية المقدّسة.

و أمّا من أدّعى النيابة و السفارة كذبا و أفتراء.

[123] فقال الشيخ رحمه اللّه في كتاب الغيبة: (3)

أولهم:المعروف بالشريعي:

و كان من أصحاب العسكريين عليهما السّلام،و هو أول من أدّعى مقاما لم يجعله اللّه فيه،و كذّب على اللّه و على حججه عليهم السّلام،و نسب إليهم ما لا يليق بهم،فلعنته الشيعة و تبرأت منه،و خرج التوقيع من الإمام عليه السّلام بلعنه و البراءة منه،ثم ظهر منه القول بالكفر و الالحاد.

و كل هؤلاء المدّعين إنّما يكون كذبهم أولا على الإمام عليه السّلام و يدّعون أنهم و كلاءه فيدّعون الضعف بهذا القول إلى موالاتهم،ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجيّة كما أشتهر من أبي جعفر الشلمغاني و نظرائه عليهم جميعا لعائن اللّه تترى.

و منهم:7.

ص: 85


1- -الإحتجاج:296/2،و البحار:362/51 ح 9.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -كتاب الغيبة:397 ح 367.

[124] محمد بن نصير النميري:كان من أصحاب الحسن العسكري عليه السّلام فلمّا توفي ادّعى مقام محمد بن عثمان العمري و أنه صاحب إمام الزمان عليه السّلام و أدّعى النيابة و فضحه اللّه تعالى بما ظهر له من الإلحاد و الجهل،و كان يدّعي أنه رسول نبي،و أن علي بن محمد عليه السّلام أرسله،و كان يقول بالتناسخ،و يغلو في أبي الحسن عليه السّلام و يقول فيه بالربوبية،و يقول بالاباحة للمحارم،و تحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم،و يزعم أن ذلك من التواضع و الإخبات و التذلل في المفعول به و أنه من الفاعل إحدى الشهوات و الطيبات و أن اللّه عزّ و جلّ لا يحرم شيئا من ذلك.

و كان محمد بن موسى بن الفرات يقوي أسبابه و يعضده (1).

و عن يحيى بن عبد الرحمن:أنه رآه عيانا و غلام له على ظهره قال:فلقيته فعاتبته على ذلك.

فقال:إن هذا من اللذات و هو من التواضع للّه و ترك التجبّر.

و منهم:

[125] أحمد بن هلال الكرخي:و قد خرج التوقيع بلعنه و البراءة منه.

و منهم:

[126] محمد بن علي بن بلال:و كانت عنده أموال الإمام عليه السّلام فامتنع من تسليمها و أدّعى أنه الوكيل حتى لعنه الشيعة،و خرج فيه التوقيع من الإمام عليه السّلام بعد ما أمره عليه السّلام بدفع ما عنده من المال إلى أبي جعفر العمري فامتنع (2).

و منهم:

[127] الحسين بن منصور الحلاج:روي عن هبة اللّه الكاتب قال:لمّا أراد اللّه تعالى أن يكشف أمر الحلاج و يظهر فضيحته،وقع له أن أبا سهل النوبختي ممّن يمكن أن يحتال عليه و ظن أنه مثل غيره من الضعفاء،و قد أراد أن يستجرّه إليه ثم يترقى به إلى غيره من الضعفاء،فكتب إليه:إني وكيل الإمام عليه السّلام و قد أمرت بمراسلتك و إظهار ما تريده من النصرة1.

ص: 86


1- -كتاب الغيبة:398 ح 371،و البحار:368/51.
2- -كتاب الغيبة:398،و البحار:368/51.

لك.

فأرسل إليه أبو سهل:إني أسألك أمرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل و البراهين،و هو أني رجل أحبّ الجواري ولي منهنّ عدّة و الشيب يبعدني عنهنّ و أحتاج أن أخضبه في كل جمعة و أتحمّل منه مشقّة شديدة لأستر عنهنّ ذلك و إلاّ انكشف أمري عنهنّ،و أريد أن تغنيني عن الخضاب و تجعل لحيتي سوادا،فإني صائر إليك وداع إلى مذهبك.

فلمّا سمع ذلك الحلاج علم أنه قد أخطأ في مراسلته و جهل في الخروج إليه بمذهبه فامسك عنه،و صيّره أبو سهل رضى اللّه عنه أحدوثة و مضحكة و شهر أمره عند الصغير و الكبير (1).

[128] و روي أن الحلاج لمّا صار إلى قم،أخرجه الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه منها.

و منهم:

[129] ابن أبي العزاقر:روي عن أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت:كان ابن أبي العزاقر وجيها عند بني بسطام،و ذلك أن الشيخ أبي القاسم رضى اللّه عنه كان قد جعل له عند الناس منزلة و جاها،فكان عند ارتداده يحكي كل كفر و كذب لبني بسطام عن كلامه و أمرهم بلعنه و البراءة منه،فلم ينتهوا و أقاموا على توليه،و ذاك أنه كان يقول لهم:إنني أذعت السرّ و قد أخذ عليّ الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص،لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن،فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر.

فبلغ ذلك أبا القاسم رضى اللّه عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه،فأظهروه له فبكى بكاءا عظيما ثم قال:إن لهذا القول باطنا عظيما،و هو أن اللعنة الإبعاد.

فمعنى قوله:لعنه اللّه،أي باعده اللّه عن العذاب و النار،و الآن قد عرفت منزلتي،و مرّغ خديه على التراب و قال:عليكم بالكتمان لهذا الأمر.

قالت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضى اللّه عنه:و قد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر ابن بسطام قالت لي يوما و قد دخلنا إليها فاستقبلتني وزادت في إعظامي حتى انكبت1.

ص: 87


1- -البحار:368/51.

على رجلي تقبلها فأنكرت ذلك و قلت:مهلا يا ستي فإن هذا أمر عظيم،و أنكببت على يدها فبكت ثم قالت:كيف لا أفعل بك هذا و أنت مولاتي فاطمة عليها السّلام.

فقلت:و كيف ذاك ياستي؟

فقالت لي:إن أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسرّ و كتمانه.

[قالت:فقلت لها:و ما السرّ؟

قالت:قد أخذ علينا كتمانه] (1)،و أخاف إن أنا أذعته عوقبت.

فأعطيتها موثقا أني لا أكشفه لأحد،و أعتقدت في نفسي الاستثناء.

قالت:إن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قال لنا:إن روح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انتقلت إلى أبيك محمد بن عثمان رضى اللّه عنه و روح أمير المؤمنين عليه السّلام انتقلت إلى بدن الحسين بن روح و روح مولاتنا فاطمة عليها السّلام انتقلت إليك،فكيف لا أعظمك يا ستّنا؟

فقلت لها:مهلا لا تفعلي،فإن هذا كذب يا ستّنا.

فقالت لي:سرّ عظيم و قد أخذ علينا أن لا نكشفه لأحد.

فمضيت إلى أبي القاسم بن روح فأخبرته بالقصة.

فقال:يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة،فهذا الذي قالته كفر باللّه و إلحاد و قد أحكمه هذا الرجل الملعون-يعني الشلمغاني-في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقا لأن يقول لهم:بأن اللّه تعالى أتحّد به و حلّ فيه،كما يقول النصارى في المسيح عليه السّلام و يعدو إلى قول الحلاج لعنه اللّه.فهجرت بني بسطام و شاع الحديث و لعن الناس الشلمغاني (2).

[130] و كان هذا الملعون يقول بالضد،و معناه:أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة المولى إلاّ بطعن الضد فيه،لأنه يحمل السامع طعنه على طلب فضيلة فإذا هو أفضل من المولى،إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلاّ به.

و ساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع،لأنهم قالوا:سبع عوالم و سبع أوادم،و نزلوا إلى موسى و فرعون و محمد و علي مع أبي بكر و معاوية.4.

ص: 88


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الغيبة:404.

و أمّا في الضد،فقال بعضهم:الولي ينصب الضد و يحمله على ذلك.

كما قال قوم من أصحاب الظاهر:إن علي بن أبي طالب نصّب أبا بكر في ذلك المقام.

فقال بعضهم:لا،و لكن هو قديم معه لم يزل.

قالوا:و القائم الذي ذكروا أصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فإنه يقوم:معناه إبليس،لأنه قال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ (1)و لم يسجد.

ثم قال: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (2)فدلّ على أنه كان قائما في وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك.

و قوله:يقوم القائم،إنّما هو ذلك القائم الذي أمر بالسجود فأبى و هو إبليس (3).

[131] و قال الشلمغاني لعنه اللّه:الحق واحد،و إنما تختلف قمصه،فيوم يكون في أبيض و يوم يكون في أحمر و يوم يكون في أزرق،و هو قول أصحاب الحلول (4).

[132] ثم ذكر الشيخ الطوسي طاب ثراه جماعة من هذا الباب.

[133] و في كتاب المواعظ:عن الأودي قال:بينا أنا في الطواف و قد طفت ستة و أريد أن أطوف السابعة،فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة و شاب حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب و مع هيبته متقرّب إلى الناس،فتكلم فلم أر أحسن من كلامه و لا أعذب من منطقه،فذهبت أكلمه فزبرني الناس،فسألت بعضهم من هذا؟

فقالوا:هو ابن رسول اللّه يظهر في كل سنة يوما لخواصه فيحدثهم.

فقلت:مسترشدا أتاك فارشدني هداك اللّه.

فناولني حصاة فحولت وجهي،فقال لي بعض جلسائه:ما الذي دفع إليك ابن رسول اللّه؟

فقال:حصاة.1.

ص: 89


1- -سورة الحجر:30.
2- -سورة الأعراف:16.
3- -الغيبة:406 ح 379،و البحار:373/51.
4- -الغيبة:408 ح 480،و البحار:374/51.

فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب،فإذا أنا به قد لحقني فقال:«ثبتت عليك الحجة و ظهر لك الحق و ذهب عنك العمى أ تعرفني؟»

فقلت:اللهم لا.

قال:«أنا المهدي أنا قائم الزمان أنا الذي أملاؤها عدلا كما ملئت جورا،إن الأرض لا تخلو من حجة و لا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل،و قد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها إخوانك من أهل الحق» (1).

[134] و رواه في كتاب الخرائج و الجرائح مثله.

أقول:قوله:أكثر من تيه بني إسرائيل،و قوله:و قد ظهر أيام خروجي.

ممّا قد وقع فيه البداء،و قيل:إنه أخبر بأمر غير حتمي معلق بشرط.

أو المراد بالخروج:ظهور أمره لأكثر شيعته على يدي سفرائه عليه السّلام.

و في كتاب كمال الدين هذه الفقرة ليست موجودة و هو الأظهر.

[135] الخرائج و الجرائح:مسندا إلى يوسف الجعفري قال:حججت سنة ست و ثلاثمائة و جاورت بمكة تلك السنة و ما بعدها إلى سنة تسع و ثلاثمائة ثم خرجت عنها منصرفا إلى الشام،فبينا أنا في بعض الطريق و قد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل و تهيأت للصلاة،فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم،فقال لي أحدهم:مم تعجب و تركت صلاتك و خالفت مذهبك؟

فقلت للذي يخاطبني:و ما علمك بمذهبي؟

فقال:تحبّ أن ترى صاحب زمانك؟

فقلت:نعم.

فأومى إلى أحد الأربعة.

فقلت له:إن له دلائل و علامات.

فقال:أيّما أحبّ إليك أن ترى الجمل و ما عليه صاعدا إلى السماء أو ترى المحمل صاعدا إلى السماء؟2.

ص: 90


1- -الغيبة:253 ح 223،و الخرائج و الجرائح:784/2.

فقلت:أيّهما كان فهي دلالة.

فرأيت الجمل و ما عليه يرتفع إلى السماء.

و كان الرجل أومى إلى رجل به سمرة،و كأن لونه الذهب،بين عينيه سجادة.

أقول:لعل الثلاثة الذين كانوا معه عليه السّلام في المحمل سفراءه المذكورون سابقا.

[136] و عن حبيب بن محمد الصغاني قال:دخلت إلى علي بن إبراهيم الأهوازي فسألته عن الإمام عليه السّلام.

فقال:لقد سألت عن أمر عظيم،حججت عشرين حجة كلاّ أطلب عيان الإمام عليه السّلام فلم أجد إلى ذلك سبيلا،فبينا ليلة أنا نائم إذ رأيت قائلا يقول:يا علي بن إبراهيم قد أذن لي في الحج.

فأصبحت مفكّرا في أمري،فلمّا كان وقت الموسم خرجت متوجها إلى المدينة و منها إلى مكة،فأقمت أياما أطوف بالبيت،فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيّب الرائحة يتبختر في مشيته،طائف حول البيت،فحسّ قلبي به،فقمت نحوه فحككته.

فقال لي:«من أين الرجل؟»

فقلت:من الأهواز.

فقال لي:«تعرف علي بن إبراهيم؟»

قلت:أنا علي بن إبراهيم.

قال:«حيّاك اللّه،ما فعلت بالعلامة التي بينك و بين أبي محمد الحسن بن علي عليه السّلام؟»

فقلت:معي.

قال:«اخرجها».

فأخرجتها،فلمّا أن رآها بكى ثم قال:«أذن لك الآن،صر إلى رحلك فإذا اختلط الظلام صر إلى شعب بني عامر،فإنك ستلقاني هناك».

فسرت إلى منزلي و قدمت راحلتي و أقبلت أجدّ في السير حتى وردت الشعب،فإذا أنا بالفتى فأبدأني بالسلام و قال:«سر بنا يا أخ».

فما زال يحدثني و أحدثه حتى خرقنا جبال عرفة و انفجر الفجر و توسطنا جبال الطائف

ص: 91

فقال:«هل ترى شيئا؟»

فقلت:نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نورا.

فلمّا أن رأيته طابت نفسي و قال لي:«هناك الأمل و الرجاء».

فسرنا إلى أن انحدر من الجبل فقال:«انزل فهاهنا يذل كل صعب و يخضع كل جبار».

فلمّا قربنا من الخباء سبقني بالدخول و أمرني أن أقف حتى يخرج إليّ،ثم قال لي:«ادخل».

فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة و أتزر بأخرى،و هو كأقحوانة أرجوان-يعني في البياض و الحمرة-و إذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان،سمح سخي تقي نقي،ليس بالطويل الشامخ و لا بالقصير اللازق،بل مربوع القامة،مدّور الهامة،صلت الجبين-أي واسعة -أزجّ الحاجبين-أي مقوسهما كالقوس-أقنى الأنف،سهل الخدين،على خدّه الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضه عنبر.

فلمّا أن رأيته بدأته بالسلام فردّ علي و سألني عن أهل العراق.

فقلت:سيّدي قد ألبسوا جلباب الذلة و هم بين القوم أذلاء.

فقال:«لتملكونهم كما ملكوكم و هم يومئذ أذلاء».

فقلت:يا سيّدي لقد بعد الوطن و طال المطلب.

فقال:«إن أبي عهد إليّ أن لا أجاور قوما غضب اللّه عليهم،و أمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ و عرها و من البلاد إلاّ قفرها،و اللّه مولاكم أظهر التقية فوكّلها بي فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج».

فقلت:يا سيّدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال:«إذا حيل بينكم و بين سبيل الكعبة،و اجتمع الشمس و القمر،و استنار بهما الكواكب و النجوم».

فقلت:متى يا بن رسول اللّه؟

فقال لي:«في سنة كذا و كذا تخرج دابة الأرض بين الصفا و المروة،و معه عصا موسى و خاتم سليمان لتسوق الناس إلى المحشر».

ص: 92

فأقمت عنده أياما و أذن لي بالخروج،و خرجت نحو منزلي إلى الكوفة.انتهى ملخصا.

أقول:لعل المراد باجتماع الشمس و القمر كما قال بعض أهل الحديث:رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السّلام.

و بالكواكب و النجوم:الأئمة عليهم السّلام،فإنّهم يظهرون كلهم في عصر المهدي عليه السّلام (1).

[137] و ورد في تفسير قوله تعالى: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها (2).

أن المراد بالشمس:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و بالقمر:أمير المؤمنين عليه السّلام،لأن علمه مكتسب من علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما أن نور القمر مستفاد من نور الشمس (3).

[138] الأمالي:عن الفحّام عن أبي الطيب أحمد بن محمد بن بطة،و كان لا يدخل المشهد و يزور من وراء الشباك فقال لي:جئت يوم عاشوراء نصف النهار و الشمس تغلي و الطريق خال و أنا خائف من أهل البلاد الجفاة،إلى أن بلغت الحائط الذي أمضي منه إلى(الشباك)فرأيت رجلا جالسا على الباب ظهره إليّ كأنه ينظر في دفتر فقال لي:يا أبا الطيب،بصوت يشبه صوت حسين بن علي بن جعفر بن الرضا،فقلت:هذا حسين قد جاء يزور أخاه.

قلت:يا سيّدي أمضي أزور من الشباك و أجيئك.

قال:و لم لا تدخل يا أبا الطيب؟

فقلت له:الدار لها مالك لا أدخلها من غير أذنه.

فقال:يا أبا الطيب تكون مولانا رقّا و توالينا حقّا و نمنعك تدخل الدار؟أدخل يا أبا الطيب.

فجئت إلى الباب و ليس عليه أحد ففتح الخادم لي الباب فدخلت[فكان يقول] (4):أليس كنت تدخل الباب.

فقال:أمّا أنا فقد أذنوا لي و بقيتم أنتم.ل.

ص: 93


1- -الخرائج و الجرائح:467/1،و الغيبة:266،و البحار:12/52.
2- -سورة الشمس:1-2.
3- -شرح أصول الكافي:369/11.
4- -في نسخة:فكنّا نقول.

أقول:الذي أذن له بالدخول هو مولانا الإمام المهدي عليه السّلام،و فيه دلالة على جواز دخول الشيعة الإمامية على ضرائحهم عليهم السّلام لزيارة قبورهم،و بعض علمائنا من أهل الصلاح يزورون من الباب و يرجعون نظرا إلى عدم الإذن في الدخول.

و المستفاد من كيفيّة الزيارات الواردة لأبي عبد اللّه عليه السّلام و لأمير المؤمنين عليه السّلام هو الجواز و يمكن أن يقال:بالفرق،فإن العسكريين عليهما السّلام في بيوتهما و هي بيوتهم إلى هذا الآن.

و أمّا الحسين عليه السّلام و أمير المؤمنين عليه السّلام فلم يدفنا في بيوتهم و إنما هي قباب مجدّده بناها الناس لزوارهما عليهما السّلام و كذلك الكاظميين عليهما السّلام.

و بالجملة:فالظاهر أنّ الرخصة موجودة في جميع ضرائحهم المطهرة (1).

[139] كمال الدين:بإسناده إلى الحسن بن و جناء النصيبي قال:كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع و خمسين حجة بعد العتمة و أنا أتضرّع في الدعاء،إذ حرّكني محرك فقال:قم يا بن و جناء.

قال:فقمت فإذا جارية صفراء،فمشت بين يدي حتى أتت بي دار خديجة عليها السّلام و فيها بيت بابه في وسط الحائط و له درجة ساج يرتقى إليه،فصعدت الجارية و جاءني النداء:اصعد يا حسن.

فصعدت فوقفت في الباب،فقال لي صاحب الزمان عليه السّلام:«يا حسن أتراك خفيت علي،و اللّه ما من وقت في حجّك إلاّ و أنا معك فيه».

ثم جعل يعدّ علي أوقاتي،فوقعت على وجهي،فحسست بيده قد وقعت عليّ،فقال لي:«يا حسن الزم بالمدينة دار جعفر بن محمد عليه السّلام و لا يهمنّك طعامك و شرابك و لا ما يستر عورتك».

ثم دفع إليّ دفترا فيه دعاء الفرج و صلاة عليه.

فقال:«فبهذا فادع و هكذا صل عليّ،فإن اللّه موفقك».

قلت:يا مولاي لا أراك بعدها؟

فقال:«إذا شاء اللّه يا حسن».2.

ص: 94


1- -أمالي الطوسي:288،و البحار:23/52.

فانصرفت من حجتي و لزمت دار جعفر بن محمد عليه السّلام فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلاّ لثلاث خصال:لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار،فأدخل بيتي وقت الإفطار فأصيب كوزا مملوءا ماء و رغيفا على رأسه عليه ما تشتهي نفسي بالنهار،فآكل ذلك فهو كفاية لي و كسوة الشتاء في وقت الشتاء و كسوة الصيف في وقت الصيف،و أني لأدخل بالنهار فأرش البيت بالماء و أدع الكوز فارغا و أوتى بالطعام و لا حاجة لي فيه،فأتصدق به ليلا لكي لا يعلم بي من معي (1).

[140] و في ذلك الكتاب:سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له أحمد بن فارس يقول:سمعت بهمدان حكاية حكيتها لبعض إخواني،و ذلك أن بهمدان ناسا يعرفون ببني راشد و هم على مذهب الإمامية،فسألت عن سبب تشيعهم من بين أهل همدان.

فقال لي شيخ منهم صالح:سبب ذلك أن جدي الذي ننسب إليه خرج حاجّا و لمّا صدروا من الحج ساروا منازل في البادية قال:فمشيت حتى تعبت،و قلت في نفسي:أنام نومة تريحني،فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

قال:فما انتبهت إلاّ بحر الشمس و لم أر أحدا فتوحشت و لم أر طريقا و لا أثرا،فتوكلت على اللّه عزّ و جلّ و قلت:أسير حيث وجهني.

فمشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث،و إذا تربتها أطيب تربة،و نظرت في وسط تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف فقلت:ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده و لم أسمع به،فقصدته فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا ردا جميلا و قالا:اجلس فقد أراد اللّه بك خيرا.

و قام أحدهما فدخل ثم خرج،فقال:قم فادخل.

فدخلت قصرا لم أر أحسن من بنائه،فتقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثم قال لي:ادخل.

فدخلت البيت،فإذا فتى جالس في وسط البيت و قد علق فوق رأسه سيف طويل و الفتى بدر يلوح في ظلام،فسلمت فردّ السلام بألطف الكلام،ثم قال لي:«أتدري من أنا؟»2.

ص: 95


1- -كمال الدين:444،و الخرائج و الجرائح:962/2.

فقلت:لا و اللّه.

قال:،«أنا القائم من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف فأملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما».

فسقطت على وجهي و تعفرت.

فقال:«لا تفعل ارفع رأسك،أنت فلان من مدينة الجبل يقال لها همدان».

قلت:صدقت يا سيّدي.

قال:«فتحبّ أن تؤوب إلى أهلك؟»

قلت:نعم يا سيّدي و أبشرهم بما أتاح اللّه لي.

فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي و ناولني صرة و مضى و مشى معي خطوات.

فنظرت إلى طلال و أشجار و منارة مسجد فقال:«أتعرف هذا البلد؟»

قلت:إن بقرب بلدنا بلدة تعرف[بأسد آباد] (1)و هي تشبهها.

فقال:«هذه أستد آباد امض راشدا».

فالتفت فلم أره و دخلت[أستد آباد]و إذا في الصرة أربعون أو خمسون دينارا،فوردت همدان و جمعت أهلي و بشرتهم بما قدّره و يسره لي اللّه عزّ و جلّ،و لم نزل بخير ما بقى معنا من تلك الدنانير (2).

[141] و روى كامل بن إبراهيم المدني قال:قلت:للصاحب عليه السّلام و هو ابن أربع سنين:لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتك و قال بمقالتك (3).

فقال عليه السّلام:«إذن و اللّه يقلّ داخلها،و اللّه إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقّية».

قلت:يا سيّدي و من هم؟

قال:«قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه لا يدرون ما حقّه و فضله» (4).1.

ص: 96


1- -في نسخة:باستأباد.
2- -كمال الدين:454،و مدينة المعاجز:184/8.
3- -في بعض المصادر:معرفتك و مقالتك.
4- -كتاب الغيبة:247،و الخرائج و الجرائح:459/1.

أقول:لعل المراد بهم المستضعفون من الشيعة و قيل:من المخالفين أو الأعم.

[142] و روى في الخرائج و الجرائح:عن رشيق حاجب المادرائي قال:بعث إلينا المعتضد و نحن ثلاثة نفر،فأمرنا أن نركب كل واحد منّا فرسا و قال:الحقوا بسامراء،[و اكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفى و من رأيتم فيه فآتوني برأسه] (1)و وصف لنا محلة و دارا و قال:إذا اتيتموها تجدوا على الباب خادما أسودا فاكبسوا الدار،فمن رأيتم فيها فأتوني برأسه.

فوافينا سامراء فوجدنا الأمر كما وصفه،و في الدهليز خادم أسود و في يده تكة ينسجها،فسألناه عن الدار و من فيها.

فقال:صاحبها.

و ما التفت إلينا و لم يكترث بنا،فكبسنا الدار فوجدناها دارا سرية،و مقابل الدار ستر ما رأيت مثله،و لم يكن في الدار أحد،فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحرا فيه،و في أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء و فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي،فلم يلتفت إلينا فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطى البيت فغرق في الماء و ما زال يضطرب حتى مددت إليه يدي فخلصته و أخرجته و غشى عليه و بقى ساعة،و عاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك،و بقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت:المعذرة إلى اللّه و إليك فو اللّه ما علمت كيف الخبر و لا إلى من أجيء و أنا تائب إلى اللّه.

فما التفت إلى شيء ممّا قلنا و ما انتقل عمّا كان فيه،فهالنا ذلك فانصرفنا عنه و قد كان المعتضد ينتظرنا،فرأيناه في بعض الليالي فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا.

فقال:و يحكم لقيكم أحد قبلي؟

قلنا:لا.

فحلف أشدّ أيمان إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا،فما جسرنا أن نحدّث به إلاّ بعد موته (2).

[143] الخرائج:عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال:لمّا وصلت بغداد في3.

ص: 97


1- -زيادة عن المصدر.
2- -الخرائج و الجرائح:460/1،و كشف الغمة:303/3.

السنة التي ردّ القرامطة الحجر إلى مكانه من البيت،كان أكبر همّي من ينصب الحجر،لأن في الكتب لا ينصبه إلاّ الحجة كما في زمان الحجاج نصبه زين العابدين عليه السّلام في مكانه[فاستقر] (1)، فاعتللت علة خفت منها على نفسي و لم يتهيأ لي ما قصدته،فاستنبت ابن هشام و أعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري،و هل يكون الموت في هذه العلة أم لا؟

و قلت:همّي في ايصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه و آخذ جوابه.

فقال ابن هشام:لمّا حصلت بمكة و عزم على اعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه،فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب و لم يستقم،فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله و وضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه،و علت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب،فنهضت من مكاني أتبعه و أدفع الناس حتى انقطع عن الناس،فكنت أسرع المشي خلفه،فلمّا حصل بحيث لا يراه غيري وقف و التفت إليّ و قال:«هات ما معك».

فناولته الرقعة فقال:من غير أن ينظر إليها قل له:«لا خوف عليك في هذه العلة و يكون ما لابدّ منه بعد ثلاثين سنة».

فوقع عليّ الروع و تركني و انصرفت.

قال أبو القاسم:فأعلمني بهذه الجملة،فلما كان ما وعده من السنين اعتلّ و مات رحمه اللّه (2).

[144] و عن أبي أحمد بن راشد عن بعض أصحابه من أهل المدائن قال:كنت مع رفيق لي حاجّا فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء فقومناهما مائة و خمسن دينارا،و في رجله نعل صفراء ما عليها غبار و لا أثر السفر،فدنا منه سائل فتناول من الأرض شيئا فاعطاه،فأكثر السائل الدعاء و قام الشاب و ذهب و غاب،فذنونا من السائل فقلنا:ما أعطاك؟

قال:أعطاني حصاة من ذهب،قدّرناها عشرين مثقالا فقلت لصاحبي:مولانا معنا و لا نعرفه،اذهب بنا في طلبه.

فطلبنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه،و سألنا عنه من كان حوله فقالوا:شاب علوي من2.

ص: 98


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الخرائج و الجرائح:477/1،و البحار:58/52.

المدينة يحج في كل سنة ماشيا (1).

[145] كشف الغمة:قال:و أنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني و حدّثني بهما جماعة من ثقات إخواني:كان في بلد الحلة شخص اسمه إسماعيل بن الحسين الهرقلي من قرية يقال لها هو قل مات في زماني و ما رأيته،حكى لي ولده شمس الدين قال:حكى لي والدي أنه خرج فيه و هو شاب على فخذه الأيسر توثة-و في بعض النسخ لوثة،و هي الجراحة و كانت مقدار قبضة الإنسان-و كانت كل ربيع تتشقق و يخرج منها دم وقيح،و يقطعه ألمها عن كثير من أشغاله و كان مقيما بهرقل،فحضر إلى الحلة يوما و دخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي ابن طاووس رضى اللّه عنه و شكى إليه ما يجده منها و قال:أريد أن أداويها.

فأحضر له أطباء الحلة و أراهم الموضع.

فقالوا:هذه التوثة فوق العرق الأكحل،و متى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين قدّس اللّه روحه:أنا متوجه إلى بغداد و ربّما كان أطباؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فأصحبني،فاصعد معه و أحضر الأطباء،فقالوا كما قال أولئك،فضاق صدره.

فقال له السيد:إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس و لا تغرر بنفسك،فإن اللّه تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله.

فقال له والدي:إذا كان الأمر هكذا فاتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام،ثم أنحدر إلى أهلي.

فحسّن له ذلك،فتوجه.

قال:دخلت المشهد وزرت الأئمة عليهم السّلام و نزلت السرداب و استغثت باللّه تعالى و بالإمام عليه السّلام،و قضيت بعض الليالي في السرداب،و بقيت في المشهد إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت إبريقا كان معي و صعدت أريد المشهد،فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور،و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم،فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط و كل واحد منهم متقلد بسيف2.

ص: 99


1- -الخرائج و الجرائح:665/2،و البحار:60/52.

و شيخا منقبا بيده رمح و الآخر متقلد بسيف و عليه فرجيّة ملونة فوق السيف و هو متحنك.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق و وضع كعب رمحه في الأرض و وقف الشابان عن يسار الطريق و بقي صاحب الفرجيّة على الطريق مقابل والدي،ثم سلموا عليه فردّ عليهم السلام فقال له صاحب الفرجيّة:أنت غدا تروح إلى أهلك.

فقال له:نعم.

فقال له:تقدم حتى أبصر ما يوجعك.

قال:فكرهت ملامستهم و قلت:أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة،و أنا خرجت من الماء و قميصي مبلول،ثم إني مع ذلك تقدمت إليه،فلزمني بيده و مدّني إليه و جعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني،ثم استوى في سرج فرسه فقال لي الشيخ:أفلحت يا إسماعيل.

فتعجبت من معرفته باسمي فقلت:أفلحنا و أفلحتم إن شاء اللّه.

فقال لي الشيخ:هذا الإمام عليه السّلام.

فتقدمت إليه و احتضنته و قبّلت فخذه.

ثم إنه ساق و أنا أمشي معه محتضنه،فقال:ارجع.

فقلت:لا أفارقك أبدا.

فقال:المصلحة رجوعك.

فأعدت عليه مثل القول الأول.

فقال الشيخ:يا إسماعيل أما تستحي يقول لك الإمام مرتين و تخالفه.

فجبهني بهذا القول،فوقف و تقدم خطوات و التفت إليّ و قال:إذا وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك الخليفة المستنصر،فإذا حضرت عنده و أعطاك شيئا فلا تأخذه،و قل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار و أصحابه معه،فلم أزل قائما أبصرهم حتى بعدوا،و حصل عندي أسف لمفارقته،فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد،فاجتمع القوم حولي و قالوا:نرى وجهك متغيرا أوجعك شيء؟

ص: 100

قلت:لا.

قالوا:خاصمك أحد؟

قلت:لا،ليس عندي ممّا تقولون خبر،لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟

فقالوا:هم من الشرفاء أرباب الغنم.

فقلت:بل هو الإمام عليه السّلام.

فقالوا:الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجيّة؟

فقلت:صاحب الفرجيّة.

فقالوا:أريته المرض الذي فيك؟

فقلت:هو قبضه بيده و أوجعني.

ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشك من الدهش،فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئا،فانطبق الناس عليّ و مزقوا قميصي،فأدخلني القوّام خزانة و منعوا الناس عني،و كان الناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة و سأل الخبر فعرّفوه،فجاء إلى الخزانة و سألني منذ كم خرجت من بغداد؟

فقلت:أول الأسبوع.

فبتّ في المشهد و صليت الصبح و خرجت و خرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد،فلمّا وصلت إلى بغداد رأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه،فسألوني فعرّفتهم،فاجتمعوا عليّ و مزّقوا ثيابي و لم يبق لي في روحي حكم،ثم حملوني إلى بغداد،لأن ناظر المشهد الشريف كتب إليهم قصتي فازدحم الناس علي.

و كان الوزير القمي رحمه اللّه قد طلب السعيد رضي الدين رحمه اللّه و تقدم أن يعرّفه صحت الخبر.

قال:فخرج السيد رضي الدين و معه جماعة،فلمّا رآني قال:أعنك يقولون؟

قلت:نعم.

فنزل عن دابته و كشف فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة،و أخذ بيدي و أدخلني على الوزير و هو يبكي و يقول:يا مولانا هذا أخي و أقرب الناس إلى قلبي.

ص: 101

فسألني الوزير عن القصة،فحكيت له،فاحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها.

فقالوا:ما دوائها إلاّ القطع بالحديد و متى قطعها مات.

فقال لهم الوزير:فبتقدير أن تقطع و لا يموت في كم تبرأ؟

فقالوا:في شهرين،و يبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.

فسألهم الوزير:متى رأيتموه؟

قالوا:منذ عشرة أيام.

فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم،فإذا هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا.

فصاح أحد الحكماء:هذا عمل المسيح.

فقال الوزير:حيث لم يكن عملكم،فنحن نعرف من عملها.

ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر،فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلمّا أحضرت قال:خذ هذه فانفقها.

فقال:ما أجسر أن آخذ منه حبة واحدة.

فقال الخليفة:ممّن تخاف؟

فقال:من الذي فعل معي هذا،قال لي:لا تأخذ من أبي جعفر شيئا.

فبكى الخليفة و تكدّر و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.

قال علي بن عيسى رحمه اللّه:كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي،و كان شمس الدين محمد ولده عندي و أنا لا أعرفه،فلمّا انقضت الحكاية قال:أنا ولده لصلبه.

فتعحبت من هذا الاتفاق فقلت له:هل رأيت فخذه و هي مريضة؟

قال:لا لأني أصبو عن ذلك،و لكني رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها و قد نبت في موضعها شعر و كان والدي بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السّلام حتى أنه جاء إلى بغداد و أقام بها في فصل الشتاء و كان كل يوم يزور سامراء و يعود إلى بغداد،فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي[مضى أو يقضي له الحظ بما قضى و من الذي أعطاه دهره الرضا أو

ص: 102

ساعده بمطالبته صرف القضا] (1)فمات بحسرته و انتقل إلى الآخرة بغصته (2).

[146] ثم قال صاحب كتاب كشف الغمة:حكى لي السيد باقي بن عطوة الحسني:أن أباه عطوة كان به أدرة و كان زيدي المذهب،و كان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية و يقول:لا أصدقكم و لا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم-يعني المهدي عليه السّلام-فيبرأني من هذا المرض.

و تكرر هذا القول منه،فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الآخرة إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا.

فأتيناه مسرعين فقال:الحقوا صاحبكم،فالساعة خرج من عندي.

فخرجنا فلم نر أحدا فعدنا إليه و سألناه.

فقال:إنه دخل إليّ شخص فقال:يا عطوة.

فقلت:من أنت؟

فقال:أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك ممّا بك.

ثم مدّ يده فعصر قروتي و مشى،و مددت يدي فلم أر لها أثرا.

قال لي ولده:و بقي مثل الغزال ليس به علة.و قد اشتهرت هذه القصة.

و الأخبار عنه عليه السّلام في هذا الباب كثيرة،و أنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز و غيرها فخلصهم و أوصلهم إلى حيث أرادوا.

[147] و عن عيسى بن مهدي الجوهري قال:خرجت في سنة ثمان و ستين و مائتين إلى الحج و كان قصدي المدينة،حيث صحّ عندنا أن صاحب الزمان عليه السّلام قد ظهر،فاعتللت فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر،فلمّا وردت المدينة بشّروني بظهوره عليه السّلام بصابر، فصرت إلى صابر فلمّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا،فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشائين و أنا أدعو،فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي:يا عيسى ادخل.

فكبّرت و أكثرت من حمد اللّه عزّ و جلّ،فلمّا صرت في صحن القصر رأيت مائدة2.

ص: 103


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كشف الغمة:299/3،و البحار:61/52.

منصوبة،فمرّ بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي:مولاك يأمرك[أن]تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد (1).

فقلت:حسبي بهذا برهانا،فكيف آكل و لم أر سيّدي و مولاي؟

فصاح:«يا عيسى كل من طعامنا،فإنك تراني».

فجلست على المائدة فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه و بجانب التمر لبن.

فقلت في نفسي:عليل و سمك و تمر و لبن.

فصاح بي:«يا عيسى أتشك في أمرنا؟فأنت أعلم بما ينفعك و يضرك».

فبكيت و استغفرت اللّه تعالى و أكلت من الجميع،و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه،فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا،فأكلت منه كثيرا حتى استحيت.

فصاح بي:«لا تستح يا عيسى فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق».

فأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه فقلت:يا مولاي حسبي.

فصاح بي:«اقبل إليّ».

فقلت في نفسي:أتى مولاي و لم أغسل يدي.

فصاح بي:«يا عيسى و هل لما أكلت غمر».

فشممت يدي،فإذا هي أعطر من المسك و الكافور،فدنوت منه عليه السّلام فبدا لي نور غشى بصري و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط.

فقال لي:«يا عيسى ما كان[لكم]أن[تروني] (2)لولا المكذبون القائلون:أين هو،و متى كان،و أين ولد،و من رآه،و ما الذي خرج اليكم منه،و بأي شيء نبأكم،و أي معجزاتكم،أما و اللّه لقد دفعوا أمير المؤمنين عليه السّلام مع ما رووه و قدّموا عليه و كادوه و قتلوه،و كذلك آبائي عليهم السّلام و لم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن.

يا عيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت و إياك أن تخبر عدونا».

فقلت:يا مولاي ادع لي بالثبات.ي.

ص: 104


1- -فيد:قلعة في طريق مكة،و الفيد الموت،أنظر لسان العرب:342/3،و تاج العروس:457/2.
2- -في المخطوط:لك،تراني.

فقال:«لو لم يثبتك اللّه ما رأيتني».

فخرجت أكثر حمدا للّه و شكرا (1).

[148] و روى السيد علي بن عبد الحميد في كتاب(السلطان المفرّج عن أهل الإيمان) القصة المشهورة،قصة أبو راجح الحمامي بالحلة.

قال:كان الحاكم بالحلة شخصا اسمه مرجان الصغير،فرفع إليه:أن أبا راجح هذا يسبّ الصحابة.

فأحضره و أمر بضربه،فضرب ضربا مهلكا،حتى أنه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه، و أخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد،و خرق أنفه و وضع فيه شركة من الشعر،و شدّ فيه حبلا و سلمه إلى جماعة من أصحابه و أمرهم أن يدوروا به أزقة الحلة،و الضرب يأخذ من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض.

فأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله.

فقال الحاضرون:إنه يموت من هذا الضرب و لا تتقلد بدمه.

فخلاّه و قد انتفخ وجهه و لسانه،و لم يشك أهله أنه يموت من ليلته،فلمّا كان من الغد غدا عليه الناس،فإذا هو قائم يصلي على أتم حال و قد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت و اندملت جراحاته و لم يبق لها أثر و الشجة قد زالت من وجهه.

فعجب الناس من حاله و سألوه عن أمره.

فقال:إني لمّا عاينت الموت و لم يبق لي لسان أسأل اللّه به،فكنت أسأله بقلبي و استغثت إلى سيّدي و مولاي صاحب الزمان عليه السّلام.

فلمّا جنّ الليل،فإذا الدار قد امتلأت نورا،و إذا بمولاي صاحب الزمان قد أمرّ يده الشريفة على وجهي و قال لي:«اخرج و كد على عيالك فقد عافاك اللّه تعالى»،فأصبحت كما ترون.

و كان ضعيفا جدا،ضعيف التركيب،أصفر اللون،شين الوجه،مقرض اللحية،فأصبح و قد اشتدت قوته و انتصبت قامته و طالت لحيته و أحمرّ وجهه و عاد كأنّه ابن عشرين سنة،و لم8.

ص: 105


1- -البحار:69/52،و مدينة المعاجز:132/8.

يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة.

و لمّا شاع هذا الخبر،طلبه الحاكم و أحضره عنده،و قد كان رآه بالأمس على تلك الحالة و هو الآن على ضدها،فداخل الحاكم من ذلك رعب عظيم،فصار بعد ذلك يتلطف بأهل الحلة و يتجاوز عن مسيئهم و لم ينفعه ذلك إلى أن مات.

و من ذلك:ما حدّث به الشيخ المحترم العالم العامل شمس الدين محمد قال:كان من أصحاب السلاطين المعمّر بن شمس يضمن القرية المعروفة ببرس و وقف العلويين،و كان له نائب يقال له:ابن الخطيب،و غلام يتولى نفقاته يدعى:عثمان،و كان ابن الخطيب من أهل الصلاح و الإيمان بالضد من عثمان،و كانا دائما يتجادلان،فاتفقا أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل عليه السّلام بمحضر جماعة من الرعية و العوام،فقال ابن الخطيب لعثمان:يا عثمان الآن اتضح الحق أنا أكتب على يدي من أتولاه و هم:علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و اكتب أنت من تتولاه:أبو بكر و عمر و عثمان،ثم تشد يدي و يدك،فأينا احترقت يده بالنار كان على الباطل،و من سلمت يده كان على الحق.

فنكل عثمان و أبي أن يفعل،فأخذ الحاضرون بالصياح عليه.

هذا و كانت أم عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم،فلعنت الحضور الذين كانوا يصيحون على ولدها و شتمتهم،فعميت في الحال،فلمّا أحسّت بذلك نادت إلى رفائقها فصعدن إليها،فإذا هي صحيحة العينين و لكن لا ترى شيئا،فأنزلوها و مضوا بها إلى الحلة و شاع خبرها،فأحضروا لها الأطباء فلم يقدروا على علاجها.

فقال لها نسوة مؤمنات:إن الذي أعماك هو القائم عليه السّلام فإن تشيعتي و توليتي و تبرأتي ضمنا لك العافية على اللّه تعالى.

فرضيت بذلك،فلمّا كانت ليلة الجمعة أدخلنها القبّة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السّلام و بتن بأجمعهن في باب القبة،فلمّا كان ربع الليل،فإذا هي قد خرجت عليهنّ و قد ذهب العمى عنها و هي تعدّهن و تصف ثيابهن،فسررن بذلك و حمدن اللّه سبحانه و قلن لها:كيف كان ذلك؟

فقالت:لمّا جعلتني في القبّة و خرجتن عني،أحسست بيد قد وضعت على يدي و قائل

ص: 106

يقول:«أخرجي قد عافاك اللّه تعالى».

فانكشف العمى عني و رأيت القبّة قد امتلأت نورا و رأيت الرجل فقلت له:من أنت يا سيّدي؟

فقال:«محمد بن الحسن».

ثم غاب عني،فقمن إلى بيوتهن و تشيعت و تشيع ولدها عثمان و اشتهرت القصة.

فاعتقدوا وجود الإمام،و كان ذلك في سنة أربع و أربعين و سبعمائة (1).

[149] و من ذلك:ما روي عن محي الدين الأربلي:أنه حضر عند أبيه و معه رجل فنعّس فوقعت عمامته من رأسه،فبدت في رأسه ضربة هائلة فسألته عنها فقال:هي من صفين.

فقيل له:و كيف ذلك و وقعة صفين قديمة؟

فقال:كنت مسافرا إلى مصر فصاحبني إنسان،فلمّا كنّا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين،فقال لي الرجل:لو كنت في وقعة صفين لرويت سيفي من علي و أصحابه.

فقلت:لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية و أصحابه،و ها أنا و أنت من أصحاب علي و معاوية،فاعتركنا و اضطربنا،فما أحسست بنفسي إلاّ مرميا لما بي،فبينا أنا مرمي و إذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه،ففتحت عيني فنزل إليّ و مسح الضربة فتلائمت فقال:«البث هنا».

ثم غاب قليلا و عاد و معه رأس مخاصمي مقطوعا و الدواب معه،فقال لي:«هذا رأس عدوك و أنت نصرتنا فنصرناك،و لينصرن اللّه من نصره».

فقلت:من أنت؟

فقال:فلان ابن فلان.يعني صاحب الأمر عليه السّلام.

ثم قال لي:«و إذا سئلت عن هذه الضربة فقل:ضربتها في صفين» (2).

[150] كمال الدين:مسندا إلى سعد بن عبد اللّه القمي قال:كنت حريصا على جمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم معيبا للفرق ذوي الخلاف،إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة2.

ص: 107


1- -البحار:72/52.
2- -البحار:75/52.

و أشنعهم سؤالا.

فقال ذات يوم في المناظرة:تبّا لك و لأصحابك يا سعد،إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهما،و تجحدون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إمامتهما،هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته،أما علمتم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلاّ علما منه بأن الخلافة له من بعده،و أنه هو المقلد للتأويل و الملقى إليه أزمة الأمة،كما أشفق على نبوته أشفق على خلافته،إذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب المساعدة إلى مكان يستخفي فيه،فلما رأينا النبي صلّى اللّه عليه و آله متوجها إلى الاستخفاء و لم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد،استبان لنا أن قصده من استصحابه معه الى الغار العلة المذكورة،و إنما أبات عليّا على فراشه لمّا لم يكن يبالي به و لاستثقاله له،و لعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد:فأوردت عليه أجوبة شتى و نقضها كلها.

ثم قال:يا سعد دونكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض،ألستم تزعمون أن الصديق و الفاروق كانا يسرّان النفاق،و استدللتم بليلة العقبة،أخبرني عنهما أسلما طوعا أو كرها؟

قال سعد:فاحتلت لدفع هذه المسألة خوفا من الالزام و حذرا من أني إن أقررت بطواعيتهما للإسلام احتجّ بأن بدو النفاق في القلب لا يكون إلاّ عند القهر و الغلبة و إظهار البأس الشديد في حمل المرء على ما ليس ينقاد له قلبه،نحو قول اللّه عزّ و جلّ: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا .

و إن قلت:أسلما كرها،كان يقصدني بالطعن،إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهم البأس.

قال سعد:فصدرت عنه مزورا قد تقطع كبدي من الكرب،و كنت قد اتخذت طومارا و أثبت فيه نيفا و أربعين مسألة على أن أسأل فيها أحمد بن إسحاق صاحب أبي محمد عليه السّلام فارتحلت خلفه و قد كان قاصدا نحو مولانا بسرّ من رأى،فلمّا تصافحنا قال:لخير لحاقك بي.

قلت:الشوق ثم العادة في الأسئلة.

ص: 108

فقال:و أنا قاصد إلى مولانا للسؤال.

فوردنا بسرّ من رأى فأنتهينا إلى بابه عليه السّلام فأذن لنا بالدخول،و كان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب فيه مائة و ستون صرّة من الدنانير و الدراهم على كل صرّة منها خاتم صاحبها.

قال سعد:فما شبّهت مولانا أبا محمد عليه السّلام حين غشينا نور وجهه إلاّ بدرا قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر،و على فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر،و على رأسه فرق بين و فرتين كأنه(ألف)بين(واوين)،و بين يدي مولانا عليه السّلام رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها،قد كان أهداها إليه بعض رؤساء البصرة و بيده قلم إذا أراد أن يكتب قبض الغلام على إصبعه.

و كان عليه السّلام يدحرج الرمانة بين يديه و يشغله بردها لئلا يصدّه عن كتبة ما أراد عليه السّلام، فسلمنا عليه و ألطف في الجواب و أومى إلينا بالجلوس.

فلمّا فرغ من كتبة البياض أخرج أحمد بن اسحاق جرابه و وضعه بين يديه،فنظر عليه السّلام إلى الغلام و قال له:«يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك».

فقال:«يا مولاي أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟»

فقال عليه السّلام:«يابن اسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل و الأحرم منها».

فأول صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام:«هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على الاثنين و ستين دينارا،فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها و كانت إرثا له من أبيه خمسة و أربعون دينارا،و من أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا،و فيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير».

فقال مولانا عليه السّلام:«صدقت يا بني دلّ الرجل على الحرام منها».

فقال عليه السّلام:«فتش على دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه و قراضة آملية وزنها ربع دينار،و العلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا و ربع من،فاتت على ذلك مدّة فسرق الغزل فأخبر به الحائك صاحبه،فكذّبه و استردّ منه بدل ذلك منّا

ص: 109

و نصف من غزلا أدق ممّا كان دفعه إليه و اتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه».

فلمّا فتح رأس الصرّة،صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه و بمقدارها على حسب ما قال و استخرج الدينار و القراضة بتلك العلامة،ثم اخرج صرّة أخرى فقال الغلام عليه السّلام:«هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم،تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا مسّها».

قال:«و كيف ذلك؟»

قال:«لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على إكارة في المقاسمة،و ذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف و كال ما خص الإكار بكيل نجس».

فقال عليه السّلام:«صدقت يا بني».

فقال:«يا ابن إسحاق احملها لتردها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها،و اتنا بثوب العجوز».

قال أحمد:و كان ذلك الثوب في خرج لي،فنسيته.

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب،نظر إليّ مولانا أبو محمد عليه السّلام فقال:«ما جاء بك يا سعد؟»

فقلت:شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا عليه السّلام.

قال:«و المسائل التي أردت أن تسأل عنها».

قلت:على حالها يا مولاي.

قال:«فسل قرّة عيني»،و أومى إلى الغلام.

فقلت له:مولانا و ابن مولانا إنّا روينا عنكم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السّلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة:

«إنك أرهجت على الإسلام بفتنتك و أوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك،فإن كففت عنّي و إلاّ طلقتك».

و نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد كان طلاقهن وفاته صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 110

قال:«ما الطلاق؟»

قلت:تخلية السبيل.

قال:«فإذا كان وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلى لهن السبيل؟»

قلت:فاخبرني يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوضّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام؟

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى عظّم شأن نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله فخصهنّ بشرف الأمهات،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهنّ ما دمن للّه على الطاعة،فأيهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج و اسقطها من شرف أمومة المؤمنين».

قلت:فاخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها؟

قال:«الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا،فإن المرأة إذا زنت و أقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن تمنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد،و إذا سحقت وجب عليها الرجم،و الرجم خزي،و من قد أمر اللّه عزّ و جلّ برجمه فقد أخزاه و من أخزاه فقد أبعده و من أبعده فليس لأحد أن يقربه».

قلت:فأخبرني يا بن رسول اللّه عن أمر اللّه تبارك و تعالى لنبيّه موسى عليه السّلام:فاخلع نعليك إنك في الوادي المقدّس طوى،فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنه كانت من أهاب الميتة.

فقال عليه السّلام:«من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السّلام و استجهله في نبوته،لأنه ما خلى الأمر فيها من خطبين:إمّا أن تكون صلاة موسى عليه السّلام فيها جائزة أو غير جائزة،فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة،و إن كانت مقدّسة مطهّرة فليس بأقدس و أطهر من الصلاة،و إن كانت صلاته غير جائزة فيها،فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال[من]الحرام،و علم ما جازت فيه الصلاة و ما لم تجز و هذا كفر».

قلت:فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما.

قال عليه السّلام:«إن موسى عليه السّلام ناجى ربّه بالوادي المقدّس و قال:يا ربّ إني قد أخلصت لك المحبّة مني و غسلت قلبي عمّن سواك.

ص: 111

و كان شديد الحبّ لأهله،فقال اللّه تبارك و تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبتك[إليّ] (1)خالصة و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا».

قلت:فأخبرني يا بن رسول اللّه عن تأويل: كهيعص .

قال:«هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريا ثم قصّها على محمد صلّى اللّه عليه و آله و ذلك أن زكريا عليه السّلام سأل ربّه أن يعلمه أسماء الخمسة،فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها فكان زكريا عليه السّلام إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن صلوات اللّه عليهم سرى عنه همّه و انجلى كربه،و إذا ذكر اسم الحسين عليه السّلام خنقته العبرة،فقال ذات يوم:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين عليه السّلام تدمع عيني و تثور زفرتي؟

فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصته و قال: كهيعص .

ف(الكاف):اسم كربلاء،و(الهاء):هلاك العترة:و(الياء):يزيد و هو ظالم الحسين،و(العين):عطشه،و(الصاد):صبره.

فلمّا سمع ذلك زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيه الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب،و كانت ندبته:

إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟.

ثم كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقرّبه عيني على الكبر و اجعله وارثا وصيّا و اجعل محله مني محل الحسين،فإذا ارزقتنيه فافتني بحبّه ثم افجعني به كما تفجع محمدا نبيّك بولده.

فرزقه اللّه يحيى عليه السّلام و فجعه به و كان حمل يحيى عليه السّلام ستة أشهر و حمل الحسين عليه السّلام كذلك».

قلت:فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟

قال:«مصلح أو مفسد؟»ي.

ص: 112


1- -في نسخة:لي.

قلت:مصلح.

قال:«فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟».

قلت:بلى.

قال:«فهذه العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك،أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه و أنزل الكتب عليهم و أيّدهم بالوحي و العصمة إذ هم أعلام الأمم و أهدى إلى الأختيار منهم مثل موسى و عيسى عليهما السّلام هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق و هما يظنان أنه مؤمن؟»

قلت:لا.

قال:«هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشك في إيمانهم و إخلاصهم،فوقعت خيرته على المنافقين قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا إلى قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ .

فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح و هو يظن أنه الأصلح دون الأفسد،علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور و تكن الضمائر و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح».

ثم قال مولانا عليه السّلام:«يا سعد و حين ادعى خصمك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلاّ علما منه أن الخلافة له من بعده و أنه هو الملقى إليه أزمة الأمة،فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته،إذ لم يكن من حكم الأستتار و التواري أن يروم الهارب من[البشر] (1)مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي به،و إنما أبات عليّا عليه السّلام على فراشه لما لم يكن يكترث به و لاستثقاله إيّاه و علمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصبّ.

ص: 113


1- -في نسخة:الشرّ.

غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها؟فهّلا نقضت عليه دعواه بقولك:أليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الخلافة بعدي ثلاثون سنة،فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم،و كان لا يجد بدّا من قوله بلى.

فكنت تقول له حينئذ:أ ليس كما علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن الخلافة بعده لأبي بكر،علم أنها من بعد أبي بكر لعمر و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلي،فكان أيضا لا يجد بدّا من قوله لك:نعم.

ثم كنت تقول له:فكان الواجب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار و يشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر،و لا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم و تخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.

و لمّا قال:أخبرني عن الصدّيق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها؟

لم لم تقل له:بل أسلما طمعا،لأنهما كانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عمّا كانوا يحدثون في التوراة و سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد صلّى اللّه عليه و آله و من عواقب أمره.

فكانت اليهود تذكر أن محمدا صلّى اللّه عليه و آله يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل و لا بدّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه[أنه نبي] (1)،فأتيا محمد صلّى اللّه عليه و آله فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و تابعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت[أمورهما] (2)،فلمّا أيسا من ذلك تلثّما و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه،فدفع اللّه كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا،كما أتى طلحة و الزبير عليا عليه السّلام فبايعاه و طمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد،فلمّا أيسا نكثا بيعته و خرجا عليه،فصرع اللّه كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين».

قال:ثم قام مولانا الحسن عليه السّلام إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما و طلبت أثر أحمده.

ص: 114


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -زيادة من المصدر و في المخطوط:أموره.

ابن اسحاق فاستقبلني باكيا،فقلت:ما أبطاك و أبكاك؟

قال:قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره.

فقلت:لا عليك فأخبره.

فدخل عليه و أنصرف من عنده متبسما.

فقلت:ما الخبر؟

قال:وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السّلام يصلي عليه.

قال سعد:فحمدنا اللّه سبحانه و جعلنا بعد ذلك نختلف إلى[منزل] (1)مولانا عليه السّلام أياما فلا نرى الغلام بين يديه،فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق فقام أحمد بين يديه و قال في كلامه:لا جعل اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك.

فاستعبر عليه السّلام و بكى ثم قال:«يابن اسحاق إنك ملاق اللّه في صدرك هذا».

فخرّ أحمد مغشيا عليه،فلمّا أفاق قال:سألتك بحرمة جدّك إلاّ شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا.

فأدخل عليه السّلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال:«خذها و لا تنفق على نفسك غيرها».

قال سعد:فلمّا سرنا و بلغنا دون حلوان ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق،فلمّا وردنا حلوان نزلنا في خان بها ثم قال أحمد:تفرقوا عني هذه الليلة و اتركوني وحدي.

فتفرقنا عنه،فلمّا قرب الصبح فتحت عيني،فإذا أنا بكافور خادم أبي محمد عليه السّلام و هو يقول:أحسن اللّه بالخير عزّاكم و جبر بالمحبوب رزيتكم،قد فرغنا من غسل صاحبكم و تكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيّدكم.ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و العويل حتى قضينا حقّه و فرغنا من أمره رحمه اللّه.انتهى ملخصا (2).9.

ص: 115


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كمال الدين:457،و دلائل الإمامة:509.

الفصل الخامس

اشارة

في علة غيبته و في النهي عن التوقيت و حصول البداء في ذلك

و في فضل انتظار الفرج و فيمن رآه عليه السّلام في الغيبة الكبرى

[151] علل الشرائع:مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا بدّ للغلام من غيبة».

فقيل له:و لم يا رسول اللّه؟

قال:«يخاف القتل». (1)

[152] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إن اللّه إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم» (2).

[153] و عنه عليه السّلام:«إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها».

فقيل له:و لم ذاك يا بن رسول اللّه؟

قال:«إن اللّه عزّ و جلّ أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم،قال اللّه عزّ و جلّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (3)أي سننا على سنن من كان قبلكم» (4).

[154] كمال الدين:بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها يرتاب فيها كل مبطل».

فقلت له:و لم جعلت فداك؟

قال:«لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم».

ص: 116


1- -البحار:90/52،و علل الشرائع:243/1.
2- -البحار:90/52.
3- -سورة الإنشقاق:19.
4- -البحار:143/51،و علل الشرائع:245/1 ح 7.

قلت:فما وجه الحكمة في غيبته؟

فقال:«وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج اللّه تعالى ذكره،إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره،كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى عليه السّلام إلاّ وقت افتراقهما،يا بن الفضل إن هذا الأمر أمر من أمر اللّه و سرّ من سرّ اللّه و غيب من غيب اللّه،و متى علم أن اللّه عزّ و جلّ حكيم،صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف لنا» (1).

[155] الخرائج:الكليني عن اسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان:

«و أمّا علة ما وقع من الغيبة فإن اللّه عزّ و جلّ يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (2)إنه لم يكم أحد من آبائي عليهم السّلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و إني أخرج حين أخرج و لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي،و أمّا وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب،و إني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء،فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم و لا تتكفلوا علم ما قد كفيتم و اكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم،و السّلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب و على من اتبع الهدى».

أقول:قال شيخنا المحدّث أيده اللّه تعالى:التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يومي إلى:أن نور الوجود و العلم و الهداية يصل إلى الخلق بتوسطه عليه السّلام إذ ثبت بالأخبار أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق،فلولا هم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم،و ببركتهم و الاستشفاع بهم و التوسل إليهم يظهر على الخلق العلوم و المعارف و تنكشف البلايا عنهم،فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب،كما قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ .

و لقد جربنا مرارا لا نحصيها أنه عند انغلاق الأمور و إعضال المسائل و البعد عن جناب1.

ص: 117


1- -كمال الدين:482،و علل الشرائع:246/1.
2- -سورة المائدة:101.

الحق تعالى و انسداد أبواب الفيض،لما استشفعنا بهم و توسلنا بأنوارهم،فيقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم،في ذلك الوقت تنكشف تلك الأمور الصعبة،و هذا معاين لمن أكحل اللّه عين قلبه بنور الإيمان.

ثم أطال الكلام بتحقيق هذا التشبيه (1).

[156] و ذكر لي شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين:أن من جملة فوائد الإمام في حال استتاره:أنه عليه السّلام لا يترك الأمة على الضلال بل يبيّن لهم الحق في كل باب من غير أن يعرفوه،و أنه هو الذي يوقع الخلاف في المسائل بين العلماء حتى لا يجتمعوا على الضلال،و لهذا كانت الأقوال المجهولة القائل عنه أكثر اعتبارا من غيرها،و يقول:إن القائل بذلك القول هو الإمام عليه السّلام.

[157] العلل:عن ابن أبي عمير عمّن ذكره[عن أبي عبد اللّه عليه السّلام] (2)قال:قلت له:ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل مخالفيه في الأول؟

قال:«لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (3).

قال:قلت:و ما يعني بتزايلهم؟

قال:«ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين،و كذلك القائم عليه السّلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عزّ و جلّ،فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء اللّه عزّ و جلّ فقتلهم».

قال الشيخ رحمه اللّه:لا علة تمنع من ظهوره عليه السّلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل،لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار و كان يتحمل المشاق و الأذى،فإن منازل الأئمة و الأنبياء عليهم السّلام إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات اللّه تعالى.

فإن قيل:هلاّ منع اللّه من قتله بما يحول بينه و بين من يريد قتله؟

قلنا:المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه و الأمر بوجوب اتباعه و نصرته5.

ص: 118


1- -الغيبة:292،و البحار:181/53.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -سورة الفتح:25.

و التزام الانقياد و كل ذلك فعله تعالى،و أمّا الحيلولة بينهم و بينه فإنه ينافي التكليف و ينقض الغرض،لأن الغرض بالتكليف استحقاق الثواب و الحيلولة تنافي ذلك،و ربّما كان في الحيلولة و المنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق،فلا يحسن من اللّه فعلها.

فإن قيل:أ ليس آباؤه عليهم السّلام كانوا ظاهرين و لم يخافوا و لا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد.

قلنا:آباؤه عليهم السّلام حالهم بخلاف حاله،لأنه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت و غيرهم أنهم لا يرون الخروج عليهم و لا يعتقدون أنهم يقومون بالسيف و يزيلون الدول،بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهديا لهم،و ليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم،و ليس كذلك صاحب الزمان عليه السّلام،لأن المعلوم منه أنه يقوم بالسيف و يزيل الممالك و يقهر كل سلطان و يبسط العدل و يميت الجور،فمن هذه صفته يخاف جانبه و يتقى فورته فيتبع و يرصد و توضع العيون عليه،فيخاف حينئذ و يحوج إلى التحرّز و الاستظهار،بأن يخفي شخصه عن كل من لا يأمنه من ولي و عدو إلى وقت خروجه.

و أيضا فآباؤه عليهم السّلام إنّما ظهروا،لأنه كان المعلوم أنه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه و يسدّ مسدّه من أولادهم،و ليس كذلك صاحب الزمان عليه السّلام،لأن المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف،فلذلك وجب استتاره و غيبته و فارق حاله حال آبائه،و هذا واضح بحمد اللّه.

فإن قيل:بأي شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره،أ بوحي من اللّه؟فالإمام لا يوحى إليه،أو بعلم ضروري؟فذلك ينافي التكليف،أو بإمارة توجب عليه الظن؟ففي ذلك تعذير بالنفس.

قلنا:عن ذلك جوابان:أحدهما:أن اللّه أعلمه على لسان نبيه صلّى اللّه عليه و آله و أوقفه من جهة آبائه عليهم السّلام زمان غيبته المخوفة و زمان زوال الخوف عنه،فهو يتبع في ذلك ما شرّع له و أوقف عليه،و إنّما أخفي ذلك عنّا لما فيه من المصلحة.

و الثاني:أنه لا يمتنع أن يغلب على ظنه بقوة الإمارات بحسب العادة قوة سلطانه،فيظهر عند ذلك و يكون قد أعلم أنه متى غلب في ظنه كذلك وجب عليه،و يكون الظن شرطا و العلم

ص: 119

عنده معلوما،كما نقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود و العمل على جهات القبلة بسحب الإمارات و الظنون،و إن كان وجوب التنفيذ للحكم و التوجه إلى القبلة معلومين.

و أمّا ما روي في الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة و صعوبة الأمر عليهم و اختبارهم للصبر عليه،فالوجه فيها الأخبار عمّا يتفق[من ذلك] (1)من الصعوبة و المشاق،لأن اللّه تعالى غيّب الإمام ليكون ذلك و كيف يريد اللّه ذلك،بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه و أخبروا بما يتفق في ذلك الحال،و ما للمؤمنين من الثواب على الصبر على ذلك و التمسك بدينه إلى أن يفرج اللّه عنهم.انتهى.

أقول:ما تقدم من علل الغيبة و هو الخوف على نفسه كما دلّت عليه أكثر الأخبار،أو لئلاّ يكون لطاغية زمانه بيعة في عنقه،أو ليخرج المؤمنون من أصلاب الكفار ليكون على سنن الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم،أو ليستكمل سلاطين الجور مدة ملكهم كما ورد في بعض الأخبار،هي العلل الظاهرة التي اقتضت المصلحة اظهارها،و ما تقدم من أن الحكمة في الغيبة خفيّة لا يعلمها إلاّ اللّه سبحانه،فهي الحكمة التي لم يؤمروا عليهم السلام بإظهارها و إن كانت معلومة لهم،و هذا كما ورد في الحكمة الموجودة في تقاعد مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام عن الطلب بحقه من الخلافة،فإن الخوف و قلّة الناصر هي العلة الظاهرة،و أمّا الحكمة الخفيّة فلا يعلمها إلاّ سبحانه و الأئمة عليهم السّلام و لم يأمروا بإظهارها،على أنه إذا ثبتت عصمتهم بالبراهين القاطعة،فيجب علينا القطع بأن أفعالهم كلها واقعة على وجة الحكمة،و إن كانت غير معلومة لنا و لا تصل عقولنا إلى إدراكها (2).

[158] كتاب المواعظ:مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:«و اللّه لتكسرنّ كسر الزجاج و أن الزجاج يعاد فيعود كما كان،و اللّه لتكسرنّ كسر الفخار و أن الفخار لا يعود كما كان،و اللّه لتميزنّ و اللّه لتمحصنّ و اللّه لتغربلنّ كما يغربل الزؤان من القمح،و اللّه لتساطنّ كما يساط القدر فيجعل أعلاكم أسفلكم و أسفلكم أعلاكم».

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه تعالى:هذا التمييز و التمحيص و الابتلاء يكون مقارنا لزمان1.

ص: 120


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -علل الشرائع:147/1،و كمال الدين:641.

ظهوره عليه السّلام و بعده،فإن كثيرا من الناس يميلون إلى متابعة الدجال لما يكون معه من الطعام و الشراب،و كذلك يميل كثير إلى متابعة السفياني عثمان بن عنبسة من أولاد أبي سفيان،يخرج من الشام و يبعث جنوده إلى مكة و المدينة-كما سيأتي تفصيل حاله في الأخبار-لما يكون معه من الأموال و زينة الدنيا،كما ارتدّ الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ميلا إلى الدنيا،فكان موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مميزا بين المؤمنين و المنافقين،و كذلك تكون الفتن في زمان خروج المهدي عليه السّلام (1).

[159] و روي عن علي بن يقطين قال:قال لي أبو الحسن عليه السّلام:«يا علي إن الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة».

و قال يقطين لابنه علي:ما بالنا قيل لنا فكان،و قيل لكم فلم يكن.

فقال له علي:إن الذي قيل لكم و لنا من مخرج واحد،غير أن أمركم حضركم فأعطيتم محضه و كان كما قيل لكم،و أن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني،و لو قيل لنا:إن هذا الأمر لا يكون إلاّ إلى مائتي سنة لقست القلوب و لرجعت عامة الناس عن الإسلام،و لكن قالوا:ما أسرعه و ما أقربه تألفا لقلوب الناس و تقريبا للفرج.

أقول:قوله:تربىّ بالأماني:أي تربيهم و تصلحهم الأئمة عليهم السّلام بأن يمنّوهم بتعجيل الفرج و قرب ظهور دولة القائم عليه السّلام لئلاّ يرتدوا و يحصل لهم الإياس.

و أمّا يقطين،فكان من أتباع بني العباس،و ابنه علي كان من خواص الأئمة عليهم السّلام و من ثم قال عليه السّلام في قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ .

قال:«كما أخرج علي بن يقطين».

و قوله:ما بالنا قيل لنا:يعني أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام أخبروا بظهور دولة بني العباس فكان كما أخبروا،و كذلك أخبروا عن ظهور الدولة المهدية فلم تكن بعد.

فأجابه ابنه علي بالجواب المتين (2).

[160] و عن الفضيل قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام هل لهذا الأمر وقت؟2.

ص: 121


1- -الغيبة:340 ح 289،و البحار:101/52.
2- -الكافي:369/1،و الغيبة:342.

فقال:«كذّب الوقاتون»ثلاثا (1).

[161] و قال عليه السّلام:«ما وقّتنا فيما مضى و لا نوقّت فيما يستقبل» (2).

[162] و قال عليه السّلام لمحمد بن مسلم:«من وقّت لك من الناس شيئا فلا تهابن أن تكذبه فلسنا نوقّت لأحد وقتا» (3).

[163] و عن محمد بن الحنفية في حديث طويل قال:إن لبني فلان ملكا مؤجلا حتى إذا أمنوا و اطمأنوا و ظنوا أن ملكهم لا يزول صيح فيهم صيحة،فلم يبق لهم راع حتى يجمعهم و لا داع يسمعهم و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (4).

قلت:جعلت فداك هل لذلك وقت؟

قال:لا،لأن علم اللّه غلب علم الموقتين،إن اللّه وعد موسى ثلاثين ليلة و أتمها بعشر لم يعلمها موسى و لم يعلمها بنو إسرائيل،فلما جاز الوقت قالوا:غرّنا موسى،فعبدوا العجل،و لكن إذا كثرت الحاجة و الفاقة في الناس و أنكر بعضهم بعضا،فعند ذلك توقعوا أمر اللّه صباحا و مساء.

أقول:بني فلان يعني بني العباس،و الصيحة كناية عن نزول الأمر بهم فجأة (5).

[164] و عن أبي حمزة الثمالي قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام أن عليّا عليه السّلام كان يقول:«إلى السبعين بلاء».

و كان يقول:«بعد البلاء رخاء».

و مضت السبعون و لم نر رخاء.2.

ص: 122


1- -الكافي:368/1.
2- -الغيبة:342 و البحار:103/52 ح 6.
3- -مستدرك سفينة البحار:397/10،و ميزان الحكمة:183/1.
4- -سورة يونس:24.
5- -الغيبة:427 ح 415،و البحار:104/52.

فقال عليه السّلام:«يا ثابت إن اللّه تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين و مائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم قناع الستر،فأخّره اللّه و لم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1).

قال أبو حمزة:و قلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:«قد كان ذلك» (2).

[165] و عن عثمان النوا قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان هذا الأمر فيّ فأخّره اللّه و يفعل بعد في ذريتي ما يشاء».

أقول:هذه الأخبار نقلتها من كتاب الغيبة للشيخ طاب ثراه.

و قوله:(كان هذا الأمر في)يعني القيام بالسيف و الجهاد و القيام بقوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

و هذا لا ينافي ما جاء متواترا في الأخبار من أن القائم عليه السّلام هو المهدي ابن الحسن العسكري عليه السّلام لأن الصادق عليه السّلام إذا قام بالأمر يكون أمره و دولته مستمرة إلى وقت قيام المهدي عليه السّلام فيكون ذلك الزمان كله زمانا لدولتهم عليهم السّلام (3).

[166] تفسير العياشي:أبو لبيد المخزومي قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«يا أبا لبيد إنه يملك من ولد العباس اثنا عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة تصيب أحدهم الذبحة فتذبحه،هم فئة قصيرة أعمارهم قليلة مدتهم خبيثة سريرتهم،منهم الفويسق الملقّب بالهادي و الناطق و الغاوي،يا أبا لبيد إن في حروف القرآن المقطعة لعلما جمّا إن اللّه تعالى أنزل الم ذلِكَ الْكِتابُ فقام محمد صلّى اللّه عليه و آله حتى ظهر نوره و ثبتت كلمته،و ولد يوم ولد و قد مضى من الألف السابع مائة سنة و ثلاث سنين».

ثم قال:«و تبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطعة،إذا عددتها من غير تكرار و ليس من حروف مقطعة حرف:ينقضي الأيام إلاّ و قيام قائم من بني هاشم عند انقضائه».4.

ص: 123


1- -سورة الرعد:39.
2- -الكافي:368/1،و الغيبة:293.
3- -البحار:114/14.

ثم قال:«(لألف)واحد،و(اللام)ثلاثون،و(الميم)أربعون،و(الصاد) تسعون،فذلك مائة واحدى و ستون،ثم كان بدو خروج الحسين بن علي عليه السّلام(الم) اللّه،فلمّا بلغت مدته قام قائم ولد العباس عند(المص)،و يقوم قائمنا عليه السّلام عند انقضائها ب(آلر)فافهم ذلك و عه و اكتمه».

أقول:الذبحة كهمزة وجع في الحلق،و هذا الحديث من المتشابهات،و من ثم أعرض المحدّثون رضوان اللّه عليهم عن الكلام في شرحه و بيانه،و ما رأينا أحدا حام حول الكلام فيه سوى شيخنا صاحب كتاب بحار الأنوار أبقاه اللّه تعالى،فإنه قال في المجلد الثالث عشر من الكتاب المذكور:إن الإمام عليه السّلام أشار إلى أن الحروف المقطعة التي في فواتح السور إشارة إلى ظهور ملك جماعة من أهل الحق و آخرين من أهل الباطل،فاستخرج عليه السّلام ولادة النبي صلّى اللّه عليه و آله من عدد أسماء الحروف المبسوطة بزبرها[و بيناتها] (1)،كما يتلفظ بها عند قرائتها بحذف المكررات،كأن تعد(ألف لام ميم)تسعة و لا تعد مكررة بتكررها في خمس من السور،فإذا عددتها كذلك تصير مائة و ثلاثة أحرف،و هذ يوافق تاريخ ولادة النبي صلّى اللّه عليه و آله،لأنه كان قد مضى من الألف السابع من ابتداء خلق آدم عليه السّلام مائة سنة و ثلاث سنين و إليه أشار بقوله:(و تبيانه)أي بيان تاريخ ولادته صلّى اللّه عليه و آله.

ثم بيّن عليه السّلام أن كل واحدة من تلك الفواتح إشارة إلى ظهور دولة من بني هاشم عند انقضائها،ف(الم)الذي في سورة البقرة إشارة إلى ظهور دولة الرسول صلّى اللّه عليه و آله،لأن أول دولة ظهرت في بني هاشم كانت دولة عبد المطلب،فهو مبدأ التاريخ و من ظهور دولة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و بعثته كان قريبا من إحدى و سبعين الذي هو عدد(ألم)،ف(ألم)ذلك إشارة إلى ذلك،و بعد ذلك في نظم القرآن(ألم)الذي في آل عمران،فهو إشارة إلى خروج الحسين عليه السّلام إذ كان خروجه عليه السّلام في أواخر سنة ستين من الهجرة و كان بعثته صلّى اللّه عليه و آله قبل الهجرة نحوا من ثلاثة عشر سنة،و إنّما كان شيوع أمره صلّى اللّه عليه و آله و ظهوره بعد سنتين من البعثة ثم بعد ذلك في نظم القرآن المص و قد ظهرت دولة بني العباس عند انقضائها،و يشكل هذا بأن ظهور دولتهم و ابتداء بيعتهم كان في سنة اثنتين و ثلاثين و مائة و قد مضى من البعثة مائة و خمس و أربعون سنة فلاى.

ص: 124


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

يوافق ما في الخبر و يمكن التفصي منه بوجوه:

الأول: أن يكون مبدأ هذا التاريخ غير مبدأ(ألم)بأن يكون مبدؤه ولادة النبي صلّى اللّه عليه و آله مثلا،فإن بدو دعوة بني العباس كان في سنة مائة من الهجرة و ظهور بعض أمرهم في خراسان كان في سنة سبع أو ثمان و مائة،و من ولادته صلّى اللّه عليه و آله إلى ذلك الزمان كان مائة و إحدى و ستين سنة.

الثاني: أن يكون المراد بقيام قائم ولد العباس استقرار دولتهم و تمكنهم،و ذلك كان في أواخر زمن المنصور و هو موافق هذا التاريخ من البعثة.

الثالث: أن يكون هذا الحساب مبنيّا على حساب الأبجد القديم الذي ينسب إلى المغاربة.

و فيه(صعفض قرشت ثخذ ظغش)،ف(الصاد)في حسابهم ستون فيكون مائة و إحدى و ثلاثين،و سيأتي التصريح بأن حساب(المص)مبني على ذلك في خبر رحمة بن صدقة في كتاب القرآن،فيوافق تاريخه تاريخ(الم)،إذ في سنة مائة و سبع عشرة من الهجرة ظهرت دعوتهم في خراسان فأخذوا و قتل بعضهم.

و يحتمل أن يكون مبدأ هذا التاريخ زمان نزول الآية،و هي إن كانت مكيّة كما هو المشهور فيحتمل أن يكون نزولها في زمان قريب من الهجرة فيقرب من بيعتهم الظاهرة،و إن كانت مدنيّة فيمكن أن يكون نزولها في زمان ينطبق على بيعتهم بغير تفاوت.

و إذا رجعت إلى ما حققناه في كتاب القرآن في خبر رحمة بن صدقة،ظهر لك أن الوجه الثالث أظهر الوجوه و مؤيد بالخبر.

و مثل هذا التصحيف كثيرا ما يصدر من النساخ،لعدم معرفتهم بما عليه بناء الخبر، فيزعمون أن ستين غلط لعدم مطابقته لما عندهم من الحساب فيصحفونها على ما يوافق زعمهم.

قوله:«فلمّا بلغت مدته»أي كملت المدة المتعلقة بخروج الحسين عليه السّلام،فإن ما بين شهادته صلوات اللّه عليه إلى خروج بني العباس كان من توابع خروجه،و قد انتقم اللّه له من بني أمية في تلك المدة إلى أن استأصلهم.

قوله عليه السّلام:«و يقوم قائمنا عند انقضائهاب(الر)»هذا يحتمل وجوها:

ص: 125

الأول: أن يكون من الأخبار المشروطة البدائية و لم يتحقق،لعدم تحقق شرطه كما تدل عليه أخبار هذا الباب.

الثاني: أن يكون تصحيف(الر)،و يكون مبتدأ التاريخ ظهور أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله قريبا من البعثة،[كما لم يكن] (1)المراد بقيام القائم قيامه بالإمامة تورية،فإن إمامته عليه السّلام كانت في سنة ستين و مائتين فإذا أضيف عليه إحدى عشر سنة قبل البعثة يوافق ذلك.

الثالث: أن يكون المراد جميع أعداد كل(الم)تكون في القرآن و هي خمس،مجموعها ألف و مائة و خمسة و خمسون،و يؤيده أنه عليه السّلام عند ذكر(الم)لتكرره ذكر ما بعده ليتعين السورة المقصودة و تبيّن أن المراد واحد منها،بخلاف(الر)لكون المراد جميعا فتفطن.

و يؤيده أيضا ما سيأتي في خبر العسكري عليه السّلام.

الرابع: أن يكون المراد انقضاء جميع الحروف مبتدأ ب(الر)بأن يكون الغرض سقوط (المص)من العدد أو(الم)أيضا.

و على الأول يكون ألفا و ستمائة و ستة و تسعين،و على الثاني يكون ألفا و خمسمائة و خمسة و عشرين،و على حساب المغاربة يكون على الأول ألفين و ثلثمائة و خمسة و عشرين،و على الثاني ألفين و مائة و أربعة و تسعين،و هذا أنسب بتلك القاعدة الكلية و هي قوله:و ليس من حرف ينقضي،إذ دولتهم عليهم السّلام آخر الدول لكنه بعيد لفظا و لا نرضى به،رزقنا اللّه تعجيل فرجه عليه السّلام (2).

أقول:ما ذكره أيده اللّه تعالى في حل هذا الحديث إنّما هو على سبيل الاحتمال،و قد سمعته منه مرارا عديدة.

[167] و عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (3).

قال:«إذا أخبر اللّه النبي صلّى اللّه عليه و آله بشيء إلى وقت فهو قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ1.

ص: 126


1- -في نسخة:و يكون.
2- -تفسير العياشي:3/2،و البحار:109/52.
3- -سورة النحل:1.

حتى يأتي ذلك الوقت (1).

و قال:«إن اللّه إذا أخبر شيئا كائن فكأنه قد كان» (2).

[168] كمال الدين:مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى و لا علم،يبرأ بعضكم من بعض،فعند ذلك تميّزون و تمحصّون و تغربلون،و عند ذلك اختلاف السنين»أي القحط أو نزول الحوادث.

[169] و في غيبة النعماني:بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«كونوا كالنحل في الطير ليس شيء من الطير إلاّ و هو يستضعفها،و لو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك،خالطوا الناس بألسنتكم و أبدانكم و زائلوهم بقلوبكم و أعمالكم،فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض،و حتى يسمّي بعضكم بعضا كذابين و حتى لا يبقى منكم إلاّ كالكحل في العين و الملح في الطعام،و سأضرب لكم مثلا:و هو مثل رجل كان له طعام فنقّاه و طيبه ثم أدخله بيتا و تركه فيه ما شاء اللّه،ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه سوس فأخرجه و نقّاه و طيبه،ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء اللّه ثم عاد إليه،و لم يزل كذلك حتى بقيت منه بقية قليلة كبقية البيدر لا يضرّه السوس شيئا،و كذلك أنتم تميّزون حتى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرها الفتنة شيئا» (3).

[170] كتاب المحتضر:للحسين بن سليمان تلميذ الشهيد رحمة اللّه عليهما قال:روي أنه وجد بخط مولانا أبي محمد العسكري عليه السّلام ما صورته:

«قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة و الولاية-و ساقه إلى أن قال-:و سيسفر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام(ألم)و(طه)و الطواسين من السنين».

أقول:في هذه الأخبار دلالة على أن الامتحان و التمحيص يكون في وقت غيبته عليه السّلام و لا ينافي ما تقدم من أنه يكون في ظهوره،لوجودهما معا كل منهما في وقت.

و قوله:«لتمام(ألم)».2.

ص: 127


1- -كمال الدين:348 ح 36،و الإمامة و التبصرة:130 ح 9.
2- -تفسير العياشي:254/2 ح 2،و البحار:109/52.
3- -غيبة النعماني:210 و البحار:116/52.

قال صاحب بحار الأنوار:يحتمل أن يكون المراد كل(ألم)و كل من اشتمل عليها من المقطعات أي(المص)،و المراد جميعها مع(طه)و الطواسين ترتقي إلى ألف و مائة و تسعة و خمسين و هو قريب من أظهر الوجوه التي ذكرناها في خبر أبي لبيد،ثم إن هذه التوقيتات على تقدير صحة أخبارها لا تنافي النهي عن التوقيت على الحتم،لا على وجه يحتمل البداء كما وقع في الأخبار السابقة أو عن التصريح به،فلا ينافي الرمز و البيان على وجه يحتمل لوجوه كثيرة أو يخصص بغير المعصوم عليه السّلام،و ينافي الأخير بعض الأخبار و الأول أظهر.

و غرضنا من ذكر تلك الوجوه ابداء احتمال لا ينافي ما مرّ من هذا الزمان،فإن مرّ هذا الزمان و لم يظهر الفرج و العياذ باللّه كان من سوء فهمنا و اللّه المستعان،مع أن أحتمال البداء قائم في كل محتملاتها كما مرّت الإشارة إليه في خبر ابن يقطين و الثمالي فأحذر من وساوس الشيطان.انتهى.

و التوقيتات المذكورة في طي تلك الرموز قد أشار إليها بعض من تقدم عصرنا،و هي إنّما تذكر على سبيل الاحتمال و التخمين (1).

[171] عيون الأخبار:عن الرضا عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أفضل أعمال أمتي انتظار فرج اللّه تعالى» (2).

[172] الاحتجاج:عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«تمتد الغيبة بولي اللّه الثاني عشر،و أن أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان،لأن اللّه تعالى أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة،و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسيف،أولئك المخلصون حقا و شيعتنا صدقا و الدعاة إلى دين اللّه سرّا و جهرا» (3).0.

ص: 128


1- -البحار:121/52.
2- -صحيفة الرضا:293،و الإمامة و التبصرة:163.
3- -الإحتجاج:50/2،و كمال الدين:320.

[173] و قال عليه السّلام:«انتظار الفرج من أعظم الفرج» (1).

[174] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية».

فقيل له:جعلت فداك و ما طوبى؟

قال:«شجرة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السّلام و ليس من مؤمن إلاّ و في داره غصن من أغصانها،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ» (2).

[175] البصائر:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و عنده جماعة من أصحابه:اللهم لقّني إخواني».

فقال من حوله من أصحابه:أما نحن إخوانك يا رسول اللّه؟

فقال:«لا،إنكم أصحابي،و إخواني قوم في آخر الزمان آمنوا بي و لم يروني،و لقد عرّفنيهم اللّه بأسمائهم و أسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم و أرحام أمهاتهم» (3).

[176] و عنه عليه السّلام في قوله تعالى: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (4).

قال:«[المتّقون:شيعة علي عليه السّلام] (5)،و الغيب:الحجة الغائب» (6).

[177] المحاسن:السندي عن جدّه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظرا له؟

قال:«هو بمنزلة من كان مع القائم عليه السّلام في فسطاطه».1.

ص: 129


1- -المصدر السابق.
2- -معاني الأخبار:112،و البحار:123/52 ح 6.
3- -البحار:124/52،و ميزان الحكمة:180/1.
4- -سورة البقرة:2.
5- -زيادة عن نسخة أخرى.
6- -كمال الدين:18،و البحار:52/51.

ثم سكت هنيهة ثم قال:«هو كمن كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

يقول مصنف الكتاب أيده اللّه تعالى:إن ما ورد في هذه الأخبار من أن المنتظر لهذا الأمر إذا مات قبل خروجه عليه السّلام يكتب في ديوان الشهداء معه عليه السّلام:منزّل على ما روي من قوله عليه السّلام:

«نية المؤمن خير من عمله»فإن هذا نوى أنه لو ظهر عليه السّلام جاهد معه،فأثيب على تلك النية، و لو بقى إلى زمان العمل لعله يكون مقصرا فيه بوجه من الوجوه التي تقصر به عن درجة الشهداء (1).

[178] و كان عليه السّلام يقول:«إني لا أخرج نفسي من عداد شهداء كربلاء،لأن في نيتي أني لو شهدت الواقعة لجاهدت مع الحسين عليه السّلام».

و كذلك يورد الجزء الثاني من الحديث و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله:«ونية الكافر شرّ من عمله» و ذلك أنه ورد:أن المهدي عليه السّلام إذا ظهر يخرج من بني أمية و غيرهم من كان في واقعة الطفوف حتى أبنائهم و ذراريهم ممّن شهد الواقعة و يعذبهم بفعال آبائهم،لأنهم سمعوا بفعل آبائهم و رضوا به،و لو كانوا حاضرين معهم لأتوا مثل فعالهم.

و كذلك ينزّل تلك الأخبار على ما روي من أن ثواب الطاعة يكتب بمجرد النيّة لها،و قد نوى صاحب هذا الأمر أنه إذا خرج مولاه المهدي عليه السّلام يجاهد بين يديه (2).

[179] المحاسن:بإسناده إلى الحكم بن عيينة قال:لما قتل أمير المؤمنين عليه السّلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال:[يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف و قتلنا معك هؤلاء الخوارج] (3).

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و الذي فلق الحبة و برىء النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق اللّه آباءهم و لا أجدادهم بعد».

فقال الرجل:و كيف يشهدنا قوم لم يخلقوا؟

قال:«بلى،قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه و يسلمون لنا،ى.

ص: 130


1- -محاسن البرقي:173/1 ح 146،و البحار:125/52 ح 14.
2- -البحار:381/81،و ميزان الحكمة:3417/4.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.

فأولئك شركاؤنا فيما كنّا فيه حقّا حقّا».

أقول:شراكة من لم يأتي بعد إمّا باعتبار التسليم و الانقياد و الرضا بما فعل عليه السّلام،و من رضى بفعل سمعه يشارك أمّا في الثواب أو في العقاب،كما روي:أنه لو قتل رجل ظلما و سمع به من في المشرق و المغرب و رضوا بقتله كانوا كلهم شركاء في الذنب مع القاتل،و هذا الذنب ممّا تعم به البلوى لميل الناس إليه،فإن من سمع أن ظالما قتل رجلا غير محبوب السامع كان ذلك السامع ممّن يرضى لذلك الظالم،بل و يحسن فعله مع أن المقتول من الشيعة الإمامية سيّما إذا أتى ذنبا لا يوجب عليه القتل.

و إمّا باعتبار ما سبق من النية،و أنه لو شهد واقعة الخوارج مثلا لجاهدهم مع أمير المؤمنين عليه السّلام.

و يؤيد الأول قوله:«و يسلمون» (1).

[180] كمال الدين:بإسناده إلى أبي بصير قال:قال الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً (2).

قال:«يعني يوم خروج القائم عليه السّلام المنتظر منّا».

ثم قال عليه السّلام:«يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته و المطيعين له في ظهوره،أولئك أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون».

يقول مصنف الكتاب أيده اللّه تعالى:تفسير الآية على ما ورد في هذا الخبر موجود في كثير من الأخبار،و لا يخفى ما يرد هناك من الإشكال و هو:أن قيامه عليه السّلام إنّما هو لمضمون قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ و هو لا يكون إلاّ بدخول الكافرين في الإسلام،فإذا لم ينفع الإيمان ذلك الوقت فما يكون فائدة الجهاد و الخروج بالسيف؟

و يمكن التقصي عنه بوجوه:

منها:ما روي أن اللّه سبحانه يخرج من القبور من كل طائفة جماعة مخصوصين،و هو8.

ص: 131


1- -محاسن البرقي:262/1 ح 322،و البحار:131/52 ح 32.
2- -سورة الأنعام:158.

المراد من قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا و هؤلاء المحشورون[في] (1)القبور لمّا شاهدوا أحوال القبر و عذابه صار الإيمان ضروريا عندهم،و كانوا ملجأون إليه إلى سبيل الاضطرار،فيكون إيمانهم عند خروجه عليه السّلام إيمانا عند رؤية البأس كما آمن فرعون،و هذا إيمان لا ينفع صاحبه.

و منها:أن المراد الإيمان الظاهر كالذي كان في عصر النبوة،فإن أكثرهم كانوا منافقين،حتى أنه جاء في الرواية أن النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا سار في عسكره إلى تبوك و كانوا عشرين ألفا و خمسة آلاف رجل قال لكاتبه:«أتعرف المؤمنين منهم؟»

قال:المؤمنون منهم خمسة و عشرين رجلا.

يعني أن الباقين منافقون،و كان ذلك الإيمان ينفعهم و عليه مدار أمور دنياهم.

و أمّا في عصر المهدي عليه السّلام فذلك الإيمان الظاهري غير نافع لهم و لا مقبول عنده و لا يقبل منهم إلاّ ما يعرفه منهم بعلمه الذي علّمه اللّه تعالى و اطلعه على بواطنهم،و ذلك أن إيمانهم في أعصاره عليه السّلام لا يكون إلاّ بالسيف و الخوف،و مثل هذا الإيمان غير نافع لصاحبه و لا ينجيه من النار و لا يقبل منه حتى يجرى عليه أحكام المؤمنين،بل يعاملهم فيه معاملة الكفّار بالقتل أو أخذ الجزية أو غير ذلك (2).

[181] و فيه عن عبد اللّه بن سنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى و لا إمام هدى،لا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق».

قلت:و كيف دعاء الغريق؟

قال:«يقول:يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك» (3).

[182] الخرائج:خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري في حديث طويل قال فيه:«و سيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة،ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذّاب مفتر،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم».2.

ص: 132


1- -في المخطوط:من.
2- -كمال الدين:357 ح 54،و البحار:149/52.
3- -كمال الدين:352،و البحار:149/52.

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه تعالى:قال بعض أهل الحديث:لعله محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة و إيصال الأخبار من جانبه عليه السّلام إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت،و ستأتي فيمن رآه عليه السّلام،انتهى.

و الأظهر أن يراد:من يدّعي المشاهدة من غير دليل و لا برهان،فإن من تقدم ممّن رآه عليه السّلام أقام على رؤيته الإمارات و الدلائل حتى وقع الجزم بأنه هو عليه السّلام (1).

[183] كمال الدين:بإسناده إلى ابن فضّال عن الرضا عليه السّلام قال:«إن الخضر عليه السّلام شرب من ماء الحياة،فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور،و أنه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته و لا نرى شخصه،و أنه ليحضر حيث ذكر،فمن ذكره منكم فليسلّم عليه،و أنه ليحضر الموسم(كل سنة)فيقضي جميع المناسك و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين،و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته».

أقول:قوله عليه السّلام:«و أنه ليحضر حيث ذكر»يستفاد منه أن ما يفعله الناس لا يخلو من نوع صحة و هو:أنهم يعمدون إلى بعض الأوقات الخاصة يصلّون و يصومون و يصنعون نوعا من الحلوى و يأتون بشيء من الطاعات و العبادات باسم الخضر عليه السّلام،و يضعون طحينا خاصا في بيت مغلق بالأقفال في تلك الليلة،فإذا أصبح النهار و فتحوا الباب وجدوا أثر أصابع يد وضعت على ذلك الطحين يقولون:إنها يد الخضر عليه السّلام.

و وجهه:أنهم لمّا كانوا يذكرونه في ذلك الوقت يكون حاضرا،و إذا حضر يجوز أن يضع يديه على ذلك الطحين ليكون أثرا يستدل به على حضوره (2).

[184] كتاب الغيبة للشيخ الطوسي طاب ثراه:بإسناده إلى عبد الأعلى مولى آل سام قال:خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فلمّا نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاّ عليها فقال لي:«ترى هذا الجبل؟هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس،أحبّنا فنقله اللّه إلينا،أما إن فيه كل شجرة مطعم و نعم،أمان للخائف،أما إن لصاحب هذا الأمر غيبتين:واحدة قصيرة3.

ص: 133


1- -الخرائج و الجرائح:1129/3،و كمال الدين:516 ح 44.
2- -كمال الدين:390 ح 4،و الخرائج و الجرائح:1174/3.

و الأخرى طويلة» (1).2.

ص: 134


1- -كتاب الغيبة:163 ح 123،و البحار:153/52.

قصة الجزيرة الخضراء

فأئدة جليلة:.

[185] قال صاحب كتاب بحار الأنوار:وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض،و أورد الرسالة بعينها و لفظها،و نحن نذكرها على طريق التلخيص و الاختصار:

قال صاحب الرسالة بعد الحمد و الصلاة:

و بعد،فقد وجدت في خزانة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بخط الشيخ الفاضل الفضل بن يحيى الكوفي:الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله و سلم و بعد،فيقول الفقير إلى عفو اللّه الفضل بن يحيى الإمامي الكوفي:قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين،الشيخ شمس الدين الحلي و الشيخ جلال الدين الحلي في مشهد أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام سنة تسع و تسعين و ستمائة،حكاية ما سمعاه من الشيخ الفاضل التقي زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري،حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين بسرّ من رأى و حكى لهما ما شاهده في البحر الأبيض و الجزيرة الخضراء من الغرائب،فمرّ بي باعث الشوق إلى رؤياه في الاستماع لهذا الخبر منه،فاتفق أن الشيخ زين الدين انحدر إلى الحلة من سرّ من رأى ليمضي إلى المشهد الغروي،فلمّا سمعت بدخوله إلى الحلة قصدته فوجدته راكبا يريد دار السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي،فاتبعته إلى دار السيد فدخلت عليه و طلبت منه شرح ما حدّث به الرجلان الفاضلان الشيخ شمس الدين و الشيخ جلال الدين الحلّيّان،فقصّ لي القصة بحضور السيد فخر الدين و جماعة من علماء الحلة،و هذا صورة ما سمعته من لفظه:

قال:قد كنت مقيما في دمشق الشام منذ سنين مشتغلا بطلب العلم عند الشيخ زين الدين الأندلسي المالكي،و كان ليّن الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث و لا في المذهب،فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق إلى الديار المصرية فصحبني معه إلى مصر،فلمّا وصلنا مدينة مصر المعروفة بالفاخرة أقام بالمسجد الأزهر يدرّس مدة تسعة أشهر،و إذا بقافلة من الأندلس و مع

ص: 135

رجل منها كتاب من والده يعرّفه فيه بمرض شديد قد عرض له و أنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات.

فرّق الشيخ من كتاب أبيه و بكى،و صمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس،فأخذني معه فحين وصلنا إلى أول قرية من الجزيرة المذكورة عرضت لي حمّى منعتني عن الحركة،فرّق لي الشيخ و أعطى خطيب تلك القرية عشرة دراهم و أمره أن يتعاهدني حتى إذا منّ اللّه بالعافية اتبعه إلى بلده،ثم مضى إلى بلاد الأندلس،و مسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام،فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام و في اليوم الثالث فارقتني الحمّى و خرجت أدور في القرية،و رأيت قفلا قد وصل إليها،فسألت عن حالهم.

فقيل:إنهم يجيئون من قريب أرض البربر و هي قريبة من جزائر الرافضة.

فحين سمعت بذلك جذبني باعث الشوق إلى أرضهم.

و قيل لي:إن المسافة خمسة و عشرون يوما و القرى متصلة.

فاكتريت معهم من رجل حمارا،فلمّا وصلنا أرضهم العامرة قيل لي:إن جزيرة الروافض قد بقي بينك و بينها ثلاثة أيام.

فمضيت و وصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة و لها أبراج محكمات شاهقات،و تلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطىء البحر،فدخلت من باب كبيرة يقال لها:باب البربر،و سألت عن المسجد فهديت إليه،و دخلته و جلست لاستريح و إذا بالمؤذن يؤذن للظهر و نادى بحيّ على خير العمل و دعى بالفرج للإمام صاحب الزمان عليه السّلام.

فأخذتني العبرة بالبكاء،فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد و شرعوا في الوضوء،و إذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة عليه السكينة و الوقار،فتقدم إلى المحراب و أقام الصلاة و صلّى بهم إماما صلاة كاملة بالأركان المنقولة عن أئمتنا عليهم السّلام،و من شدّة ما لقيت من تعب السفر لم يمكني أن أصلي معهم الظهر،فلمّا فرغوا و رأوني أنكروا عليّ عدم اقتدائي بهم.

فتوجهوا نحوي بأجمعهم و سألوني عن حالي و عن مذهبي.

فشرحت لهم حالي و أني عراقي الأصل،و أمّا مذهبي فإني رجل مسلم أقول

ص: 136

بالشهادتين:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه.

فقالوا لي:لم تنفعك هاتان الشهادتان إلاّ لحقن دمك في دار الدنيا،لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة؟

فقلت لهم:و ما تلك الشهادة اهدوني إليها؟

فقال لي إمامهم:هي أن تشهد أن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و الأئمة الأحد عشر من ولده عليهم السّلام أوصياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلفاؤه من بعده بلا فاصلة.

فلمّا سمعت مقالتهم،حمدت اللّه سبحانه على ذلك و عرّفتهم أني على مذهبهم،فتوجهوا إليّ توجه إشفاق و عيّنوا لي مكانا في زوايا المسجد،و ما زالوا يتعاهدوني بالعزّة و الإكرام و صار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا و لا نهارا،فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي إليهم،فإني لا أرى لهم أرضا مزروعة؟

فقال:تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض،من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر عليه السّلام.

فقلت له:كم تأتيكم ميرتكم في السنة مرة؟

فقال:مرتين،و قد أتت مرة و بقى الأخرى.

فقلت:كم بقى حتى تأتيكم؟

قال:أربعة أشهر.

فتأثرت لطول المدة و مكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعوا اللّه بتعجيل مجيئها،ففي آخر يوم من الأربعين خرجت إلى شاطىء البحر أنظر إلى الجهة التي تأتي منها ميرتهم،فرأيت شبحا من بعيد يتحرك،فسألت عن ذلك الشبح و قلت:هل يكون في البحر طير أبيض؟

فقالوا لي:لا،فهل رأيت شيئا؟

قلت:نعم.

فاستبشروا و قالوا:هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام عليه السّلام.

فما كان إلاّ قليل حتى قدمت تلك المراكب،و كان مجيئها في غير الميعاد،فقدم مركب كبير و تبعه آخر حتى صارت سبعة،فصعد من المركب الكبير شيخ بهي المنظر حسن الزي

ص: 137

و دخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل و صلّى الظهرين،فلمّا فرغ من صلاته التفت إليّ مسلما،فرددت عليه فقال:ما اسمك؟و أظن أن اسمك عليّ؟

فقلت:صدقت.

فحادثني محادثة من يعرفني فقال:ما اسم أبيك؟و يوشك أن يكون فاضلا؟

قلت:نعم.

و لم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام إلى مصر.

فقلت:أيها الشيخ ما أعرفك بي و بأبي؟هل كنت معنا حين سافرنا من الشام إلى مصر و من مصر إلى الأندلس؟

قال:لا و مولاي صاحب العصر عليه السّلام.

قلت له:و من أين تعرفني باسمي و اسم أبي؟

قال:اعلم أنه قد تقدم إليّ وصفك و أصلك و معرفة اسمك و شخصك و هيئتك و اسم أبيك رحمه اللّه و أنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء.

فسررت بذلك حيث قد ذكرت ولي عندهم اسم،و كان من عادته أن لا يقيم عندهم إلاّ ثلاثة أيام،فأقام أسبوعا و أوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم،فلمّا أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم عزم على السفر و حملني معه و سرنا في البحر،فلمّا كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماءا أبيضا فنظرت إليه،فقال لي الشيخ و أسمه محمد:مالك تنظر إلى هذا الماء؟

فقلت:إنه على غير لون ماء البحر.

فقال لي:هذا هو البحر الأبيض و تلك الجزيرة الخضراء،و هذا الماء يدور حولها مثل السور،و بحكمة اللّه تعالى أن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت ببركة إمامنا صاحب الزمان عليه السّلام.

فشربت منه فإذا هو كماء الفرات،فوصلنا إلى الجزيرة الخضراء و صعدنا إليها و دخلنا البلد،فرأيته محصّنا بقلاع و أبراج و أسوار سبعة واقعة على شاطىء البحر،ذات أنهار و أشجار مشتملة على أنواع الفواكه،و فيها أسواق كثيرة و حمامات عديدة،و أكثر عمارتها برخام شفاف،و أهلها في أحسن الزي و البهاء،فاستطار قلبي سرورا.

ص: 138

ثم مضى بي محمد إلى الجامع الأعظم،فرأيت فيه جماعة كثيرة و في وسطهم شخص جالس عليه من المهابة و السكينة و الوقار ما لا يوصف،و الناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم،و يقرؤون عليه في القرآن و الفقه و العربية بأقسامها و أصول الدين،و الفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر عليه السّلام مسألة مسألة و قضية قضية و حكما حكما،فلمّا مثلت بين يديه رحّب بي و أجلسني في القرب منه،و أحفى السؤال عن تعبي في الطريق،و عرّفني أنه تقدم إليه كل أحوالي و أن الشيخ محمد رفيقي إنّما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال اللّه بقاه،ثم أمر لي بتخلية بيت في المسجد،فمضيت إلى ذلك الموضع و استرحت فيه إلى وقت العصر،و إذا أنا بالموكّل بي أتى إلىّ و قال لي:لا تبرح حتى يأتيك السيد و أصحابه لأجل العشاء معك.

فأقبل مع أصحابه و مدّت المائدة فأكلنا و نهضنا إلى المسجد لأجل صلاة المغرب و العشاء،فلمّا فرغنا من الصلاة ذهبت إلى مكاني و أقمت في صحبته سلّمه اللّه ثمانية عشر يوما،فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد صلّى ركعتين فريضة واجبة،فلمّا فرغت قلت:يا سيّدي قد رأيتكم صليتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة.

قال:نعم لأن شروطها المعلومة قد حضرت لأني النائب الخاص بأمر الإمام عليه السّلام.

فقلت:يا سيّدي هل رأيت الإمام؟

قال:لا،و لكن حدثني أبي أنه سمع حديثه و لم ير شخصه،و أن جدي رحمه اللّه سمع حديثه و رأى شخصه.

فقلت له:و لم ذاك يا سيّدي يختص بذلك رجل دون آخر؟

فقال:إن اللّه سبحانه يؤتي الفضل من يشاء من عباده،كما اختص جماعة بالنبوة و الإمامة.

ثم إن السيد سلّمه اللّه أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم و سار معي نحو البساتين،فرأيت فيها أنهارا جارية و بساتين كثيرة فيها أنواع الفواكه،فبينما نحن في البساتين إذ رأينا رجلا بهي الصورة مشتمل ببردتين من صوف أبيض فسلّم علينا،فقلت للسيد:من هذا الرجل؟

فقال:انظر إلى هذا الجبل الشاهق إن في وسطه لمكانا حسنا و فيه عين جارية تحت

ص: 139

شجرة و عندها قبّة مبنية،و إن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبّة،و أنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة و أزور الإمام عليه السّلام منها و أصلي ركعتين،و أجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين فأعمل به،فينبغي لك أن تذهب إلى هناك و تزور الإمام عليه السّلام من القبّة.

فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي،و وجدت هناك خادمين فرحّب بي الذي مرّ علينا و أنكرني الآخر و قال له:لا تنكره فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم.

فرحّب بي،و حادثاني فسألتهما عن رؤية الإمام عليه السّلام.

فقالا لي:الرؤية غير ممكنة و ليس معنا أذن في إخبار أحد.

فنزلت من ذلك الجبل إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب،فحكيت له مسيري إلى الجبل و إنكار الخادم عليّ.

فقال لي:ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين و أمثاله.

فسألته عن أحوال السيد شمس الدين.

فقال:إنه من أولاد الإمام عليه السّلام و أن بينه و بين الإمام عليه السّلام خمسة آباء،و أنه النائب الخاص عن أمر صدر من الإمام عليه السّلام.

فاستأذنت السيد شمس الدين في نقل بعض المسائل و قراءة القرآن المجيد.

فقال:ابدأ أولا بقراءة القرآن.

فكلما قرأت شيئا فيه خلاف بين القرّاء أقول له:قرأ حمزة كذا و قرأ الكسائي كذا و قرأ أبو عاصم كذا و أبو عمرو بن كثير كذا.

فقال السيد سلمه اللّه:نحن لا نعرف هؤلاء و إنّما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة،و بعدها لمّا حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمد أتل عليّ القرآن حتى أعرّفك أوائل السور و أواخرها و شأن نزولها.

فاجتمع إليه عليّ بن أبي طالب و ولده الحسن و الحسين عليهم السّلام و أبي بن كعب و عبد اللّه

ص: 140

ابن مسعود و حذيفة بن اليمان و جابر بن عبد اللّه الأنصاري و أبو سعيد الخدري و حسان بن ثابت،و جماعة من الصحابة من المنتجبين منهم،فقرأ النبي صلّى اللّه عليه و آله القرآن من أوله إلى آخره، و كلّما مرّ بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرائيل عليه السّلام و أمير المؤمنين عليه السّلام يكتب ذاك في درج من أدم،فالجميع قراءة أمير المؤمنين عليه السّلام.

فقلت له:يا سيّدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها و بما بعدها،و كان فهمي القاصر لم يصل إلى غورية ذلك.

فقال:نعم،الأمر كما رأيته،و ذلك لمّا انتقل سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله من دار الفناء إلى دار البقاء و فعل صنما قريش ما فعلاه من غصب الخلافة الظاهرية،جمع أمير المؤمنين عليه السّلام القرآن كله و وضعه في إزاره و أتى به إليهم و هم في المسجد،فقال لهم:«هذا كتاب اللّه سبحانه أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أعرضه عليكم لقيام الحجة عليكم يوم العرض بين يدي اللّه تعالى».

فقال له فرعون هذه الأمة و نمرودها:لسنا محتاجين إلى قرآنك.

فقال عليه السّلام:«قد أخبرني حبيبي بقولك هذا،و إنّما أردت بهذا إلقاء الحجة عليكم».

فرجع أمير المؤمنين عليه السّلام به إلى منزله و هو يقول:«لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك لا راد لما سبق في علمك و لا مانع لما أقبضته حكمتك،فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك».

فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين و قال لهم:كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها.

فجاءه أبو عبيدة بن الجراح و عثمان و سعد بن أبي وقاص و معاوية بن أبي سفيان و عبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبد اللّه و أبو سعيد الخدري و حسان بن ثابت و جماعات من المسلمين،و جمعوا هذا القرآن و أسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد وفاة سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله،فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة،و القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السّلام بخطه محفوظ عند صاحب الأمر عليه السّلام فيه كل شيء حتى أرش الخدس،و أمّا هذا القران فلا شك و لا شبهة في صحته و أنه كلام اللّه سبحانه،هكذا صدر عن صاحب الأمر عليه السّلام.

و نقلت عن السيد شمس الدين مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة،و هي عندي

ص: 141

جمعتها في مجلد سميتها بالفوائد الشمسية.

فلمّا كانت الجمعة الثانية و فرغنا من الصلاة و جلس السيد في مجلس الإفادة،و إذا أنا أسمع هرجا و جزلة عظيمة خارج المسجد،فقال لي السيد:إن أمراء عسكرنا يركبون كل جمعة من وسط كل شهر و ينتظرون الفرج.

فخرجت لرؤيتهم،فإذا هم جمع كثير يسبحون اللّه و يحمدونه و يهللونه جلّ و عزّ و يدعون بالفرج للإمام عليه السّلام م ح م د صاحب الزمان عليه السّلام،فعدت إلى المسجد،فقال لي السيد:هل رأيت العسكر؟

قلت:نعم.

قال:فهل عددت أمراءهم؟

فقلت:لا.

قال:عدّتهم ثلاثمائة ناصر و بقي ثلاثة عشر ناصرا و يعجّل اللّه الفرج.

قلت:يا سيّدي و متى يكون الفرج؟

قال:يا أخي إنّما العلم عند اللّه،و الأمر متعلق بمشيئته سبحانه و تعالى،حتى أنه ربّما كان الإمام عليه السّلام لا يعرف ذلك،بل له علامات و إمارات تدل على خروجه من جملتها:

أن ينطق ذو الفقار،بأن يخرج من غلافه و يتكلم بلسان عربي مبين:قم يا ولي اللّه على اسم اللّه،فاقتل بي أعداء اللّه.

و منها:ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم،الصوت الأول:أزفة الأزفة يا معشر المؤمنين.

و الصوت الثاني:ألا لعنة اللّه على الظالمين لآل محمد عليهم السّلام،و الثالثة:بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول:إن اللّه بعث صاحب الأمر م ح م د بن الحسن المهدي فاسمعوا له و اطيعوا.

فقلت:يا سيّدي قد روينا عن مشايخنا أحاديثا رويت عن صاحب الأمر عليه السّلام أنه قال:لما أمر بالغيبة الكبرى:«من رآني بعد غيبتي فقد كذب».

فكيف من يراه؟

ص: 142

فقال:صدقت إنه عليه السّلام إنّما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته و غيرهم من فراعنة بني العباس،حتى أن الشيعة يمنع بعضهم بعضا عن التحدث بذكره،و في هذا الزمان تطاولت المدة و أيس منه الأعداء و بلادنا بعيد عنهم و عن ظلمهم و عنادهم،و ببركته عليه السّلام لا يقدر أحد من الأعداء[على]الوصول إلينا.

قلت:يا سيّدي قد روت علماء الشيعة حديثا عن الإمام عليه السّلام أنه عليه السّلام أباح الخمس لشيعته.

قال:نعم أباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السّلام و قال:«هم في حلّ من ذلك».

قلت:و هل رخص للشيعة أن يشتروا الإماء و العبيد من سبي العامة؟

قال:نعم و من سبي غيرهم لأنه عليه السّلام قال:«عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم».

و قال السيد سلمه اللّه:إنه يخرج من مكة بين الركن و المقام في سنة وتر،فليرتقبها المؤمنون.

فقلت:يا سيّدي قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن اللّه بالفرج.

قال:يا أخي تقدم إليّ كلام تعود إلى وطنك و لا يمكنني و إياك المخالفة،لأنك ذو عيال و قد غبت عنهم مدة مديدة،و لا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا.

فتأثرت من ذلك و بكيت و قلت:يا مولاي،و هل تجوز المراجعة في أمري؟

قال:لا.

قلت:يا مولاي،و هل تأذن لي في أن أحكي كلمّا قد رأيته و سمعته؟

قال:لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم إلاّ كيت و كيت،و عيّن ما لا أقوله.

فقلت:يا سيّدي ما يمكن النظر إلى جماله و إلى بهائه عليه السّلام.

قال:لا،و لكن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام و لا يعرفه.

فقلت:يا سيّدي أنا من جملة عبيده المخلصين و لا رأيته.

فقال لي:بل رأيته مرتين،مرة منها لمّا أتيت إلى سرّ من رأى و هي أول مرة جئتها و سبقك أصحابك و تخلفت عنهم حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه،فحضر عندك فارس على فرس شهباء و بيده رمح طويل و له سنان دمشقي،فلمّا رأيته خفت على ثيابك،فلمّا وصل إليك قال

ص: 143

لك:«لا تخف اذهب إلى أصحابك،فإنّهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة».

فأذكرني و اللّه ما كان فقلت:قد كان ذلك يا سيّدي.

قال:و المرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي و انقطعت عن القافلة و خفت خوفا شديدا،فعارضك فارس على فرس غراء محجّلة و بيده رمح أيضا و قال لك:«سر و لا تخف إلى قرية على يمينك و نم عند أهلها الليلة و أخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه و لا تتق منهم،فإنّهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب و الأئمة المعصومين من ذريته عليه السّلام».

كان ذلك يابن فاضل؟

قلت:نعم،و ذهبت إلى أهل تلك القرية و نمت عندهم فأعزّوني،و سألتهم عن مذهبهم فقالوا من غير تقية:نحن على مذهب أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة المعصومين.

فقلت لهم:من أين لكم هذا المذهب؟

قالوا:أبو ذر الغفاري رضى اللّه عنه حين نفاه عثمان إلى الشام و نفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمتّنا بركته.

فلمّا أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة،فجهزوا معي رجلين الحقاني بها بعد أن صرّحت لهم بمذهبي.

فقلت له:يا سيّدي هل يحج الإمام عليه السّلام في كل مدة؟

قال لي:يا بن فاضل الدنيا خطوة مؤمن،فكيف بمن لم تقم الدنيا إلاّ بوجوده و وجود آبائه عليهم السّلام؟نعم يحج في كل عام و يزور آباءه بالمدينة و العراق و طوس على مشرفيها السلام، و يرجع إلى أرضنا هذه.

ثم إن السيد شمس الدين حث عليّ بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق و عدم الاقامة في بلاد المغرب،و ذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه محمد بن الحسن قائم بأمر اللّه.

و أعطاني السيد منها خمسة دراهم-و هي محفوظة عندي للبركة-ثم إنه وجهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أن وصلنا تلك البلدة،التي أول ما دخلتها من أرض البربر،و كان قد

ص: 144

أعطاني حنطة و شعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة و أربعين دينارا،فتوجهت إلى طرابلس من أرض المغرب و سافرت منها إلى الحج و حججت و جئت إلى العراق و أريد المجاورة في الغري إلى الممات،و لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكرا سوى خمسة:السيد المرتضى الموسوي،و الشيخ أبو جعفر الطوسي،و محمد بن يعقوب الكليني،و ابن بابويه،و الشيخ أبو القاسم جعفر بن[إسماعيل] (1)الحلي قدس اللّه أرواحهم.

و هذا آخر ما سمعته من الشيخ الفاضل التقي علي بن فاضل أدام اللّه أفضاله و كثّر من علماء الدهر و أتقيائه أمثاله.

الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللّه على خير خلقه سيد البرية محمد و على آله الطاهرين المعصومين و سلم تسليما كثيرا (2).

جوهرة عالية:

[186] وجدت في بعض كتب علمائنا قدّس اللّه أرواحهم حكاية مسندة بهذه الألفاظ:عن المولى الفاضل الملقّب بالرضا علي بن فتح اللّه القاشاني رحمه اللّه قال:روى الشريف الزاهد أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي الحسيني في كتابه[التعازي] (3)،بإسناده عن الأجل العالم الحافظ حجة الإسلام سعيد بن أحمد بن الرضي،عن الشيخ الأجل المقريء خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث،أنه حكى في داري بالظفريه بمدينة السلام في ثامن عشر شعبان سنة أربع و أربعين و خمسمائة قال:حدثني شيخي العالم أبو القاسم عثمان بن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي في سابع عشر جمادي الآخر سنة ثلاث و أربعين و خمسمائة قال:حدثني الأجل العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث و أربعين و خمسمائة قال:كنّا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدّم ذكرها و عنده جماعة،فلمّا أفطر من كان

ص: 145


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -البحار:173/52.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.

حاضرا أردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده،و كان في مجلسه تلك الليلة شخص لا أعرفه،و رأيت الوزير يكثر إكرامه و يصغي إليه و يسمع قوله دون الحاضرين،فتجارينا الحديث و المذاكرة فتحادثنا في الأديان و المذاهب و رجعنا إلى دين الإسلام و تفرّق المذاهب فيه،فقال الوزير:أقل طائفة مذهب الشيعة.

و أخذ يذم أحوالهم و يحمد اللّه على قلّتهم في أقاصي الأرض.

فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه،فقال:أدام اللّه أيامك أحدّث بما عندي؟

فقال:قل ما عندك.

قال:خرجت مع والدي سنة اثنين و عشرين و خمسمائة من مدينتا و هي المعروفة بالباهية و فيها ضياع كثيرة و كلهم نصارى،و اتفق أننا سرنا في البحر و تعدينا الجهات التي كنا نصل إليها،و وصلنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار،فأول مدينة وصلنا إليها سألنا الناخذاه:أي شيء هذه الجزيرة؟

فقال:لم أصل إليها و لا أعرفها.

فلمّا أرسينا بها و صعد التجّار،سألنا ما اسمها؟

فقيل:هي المباركة،و سلطانها اسمه الطاهر،و سرير ملكه بالزاهرة،و بينكم و بينها مسيرة عشرة ليال في البحر،و هم قوم مسلمون.

فقلنا:من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع و الابتياع؟

قالوا:تحضرون عند نائب السلطان.

فجاء معنا من أدخلنا داره،فرأينا رجلا صالحا عليه عباءة و تحته عباءة مفترشها،فسلّمنا ورد علينا السّلام،فقال:من أين أقبلتم؟

فقلنا:من كذا و كذا.

فقال:كلكم مسلمون؟

فقلنا:لا،بل فينا المسلم و اليهودي و النصراني.

قال:يزن اليهودي جزيته و النصراني جزيته و يناظر المسلم عن مذهبه.

فوزن والدي عن خمسة نفر نصارى عنه و عني و عن ثلاثة نفر كانوا معه،ثم وزن تسعة

ص: 146

نفر كانوا يهودا.

و قال للمسلمين:هاتوا مذاهبكم.

فشرعوا معه في مذاهبهم،فقال:لستم مسلمين و إنما أنتم خوارج و أموالكم تحل للمسلم المؤمن،و ليس بمسلم من لم يؤمن باللّه و رسوله و بالوصي و الأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان عليه السّلام.

فضاقت بهم الأرض و لم يبق إلاّ أخذ أموالهم،ثم قال لنا:يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث أخذت منكم الجزية.

فلمّا عرف أولئك أن أموالهم معرّضة للنهب،سألوه أن يحملهم إلى سلطانهم،فأجاب سؤالهم و تلى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ .

فقلنا للربان-أي الدليل-و الناخذاه:هؤلاء قوم عاشرناهم و ما نحب أن نتخلف عنهم،إنّما يجب أن نكون معهم حتى نعلم ما يستقر حالهم.

فقال الربان:و اللّه ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه.

فأستأجرنا ربانا و رجالا،و سرنا ثلاثة عشر يوما حتى كان قبل طلوع الشمس قال الربان:هذه و اللّه أعلام الزاهرة و منائرها و جدرها قد بانت.

فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها،و لا أخف على القلب،و لا أطيب من هواها،و لا أعذب من مائها،و هي راكبة البحر على جبل من صخر أبيض كأنه لون الفضة،و عليها سور إلى ما يلي البحر،و الأنهار منحرفة في وسطها،يشرب منها أهل الدور و الأسواق و تأخذ منها الحمامات،و مدى الأنهار فرسخ و نصف،و تحت ذلك الجبل بساتين المدينة و أشجارها و مزارعها عند العيون،و ثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها،و يرعى الذئب و النعجة عيانا،و لو قصد قاصد إلى تخلية دابته في زرع غيره لما رعته و لا قطعت منه،و لقد شاهدت السباع و الهوام رابضة في جنب تلك المدينة و بنو آدم يمرّون عليها،فلمّا قدمنا المدينة صعدنا فرأينا مدينة عظيمة كثيرة الخلق فيها الأسواق الكثيرة،و يرد إليها الخلق من البر و البحر و أهلها على أحسن الوجوه،و لا يوجد على وجه الأرض من الأمم و الأديان مثلهم و أمانتهم،حتى أن المشتري و البائع يزن لنفسه المتاع و الثمن،لا يسمع منهم لغو المقال

ص: 147

و لا النميمة و لا الغيبة،و إذا نادى المؤذن للأذان لا يتخلف منهم أحد ذكر أو أنثى إلاّ سعى إلى الصلاة،يصلون كل صلاة في وقتها،فلمّا دخلنا المدينة أمر بحضورنا عند السلطان فدخلنا إلى بستان في وسطه قبّة من فضة و السلطان في تلك القبة و عنده جماعة،فلم تنظر عيني أخضع منه للّه و لا ألين جانبا لرعيته،فلمّا قضيت الصلاة التفت و قال:هؤلاء القادمون؟

قلنا:نعم.

و كانت تحية الناس له و مخاطبتهم:يابن صاحب الأمر،فقال:أنتم تجار أم أضياف؟

فقلنا:تجار.

فقال:من فيكم المسلم و من فيكم من أهل الكتاب؟

فعرفناه ذلك،فقال:إن الإسلام فرقا و شعبا،فمن أي قبيل أنتم؟

و كان معنا شخص يعرف بالمقري اسمه آذربهان بن أحمد الأهوازي يزعم أنه على مذهب الشافعي،فقال:أنا رجل شافعي.

قال:فمن على مذهبك في الجماعة؟

قال:كلنا إلاّ هذا حسان بن غيث فإنه رجل مالكي.

فقال:أنت تقول بالاجماع و تعمل بالقياس.

قال:نعم.

قال:يا شافعي باللّه عليك تلوت ما أنزل يوم المباهلة؟

قال:نعم.

قال:ما هو؟

قال:قوله تعالى: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (1).

فقال:باللّه عليك من أبناء الرسول و من نساؤه و من نفسه؟

فأمسك آذربهان.

فقال:باللّه هل بلغك أن غير الرسول و الوصي و البتول و السبطين دخل تحت الكساء.1.

ص: 148


1- -سورة آل عمران:61.

قال:لا.

قال:و اللّه لم تنزل هذه الآية إلاّ فيهم و لا خصّ بها سواهم.

ثم قال:باللّه عليك هل تلوت قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

قال:نعم.

قال:من عنى بذلك؟

فأمسك.

فقال:و اللّه ما عنى بها إلاّ أهلها،ثم بسط لسانه و تحدث بحديث أمضى من السهام و أقطع من الحسام،فقطع الشافعي و وافقه عند ذلك فقال:عفوا عفوا يابن صاحب الأمر أنسب لي نفسك.

فقال:أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام الذي أنزل فيه: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ .

و نحن الذي أنزل اللّه في حقّنا: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2).

يا شافعي نحن ذرية الرسول نحن أولوا الأمر.

فخرّ الشافعي مغشيّا عليه ثم أفاق و آمن به و قال:الحمد للّه الذي منحني الإسلام و الإيمان و نقلني من التقليد إلى اليقين.

ثم أمر لنا بإقامة الضيافة فبقينا على ذلك ثمانية أيام،و لم يبق في المدينة أحد إلاّ جاء إلينا و حدّثنا،فلمّا انقضت الأيام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة،ففتح لهم في ذلك فكثرت الأطعمة و الفواكه و عملت لنا الولائم و بقينا في تلك المدينة سنة كاملة،فعلمنا و تحققنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين،و بعدها مدينة أسمها الرائقة سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر مسيرة ملكها شهرين و هي على تلك القاعدة و لها دخل عظيم،و بعدها مدينة أسمها الصافية4.

ص: 149


1- -سورة الأحزاب:33.
2- -سورة آل عمران:34.

سلطانها إبراهيم ابن صاحب الأمر،و بعدها مدينة أخرى أسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمن ابن صاحب الأمر مسيرة رستاقها و ضياعها شهران،و بعدها مدينة أخرى أسمها عناطيس سلطانها هاشم ابن صاحب الأمر و هي أعظم المدائن و أكبرها و مسير ملكها أربعة أشهر،فيكون مسيرة هذه المدن الخمس و المملكة مقدار سنة،لا يوجد في أهل تلك الخطط و الضياع و الجزائر غير المؤمن الشيعي الموحّد القائل بالبرائة و الولاية،الذي يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،سلاطينهم أولاد إمامهم يحكمون بالعدل و به يأمرون،و لو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر عددا منهم على اختلاف الأديان و المذاهب،و لقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الأمر إليهم،لأنهم زعموا أنها سنة وروده،فلم يوفقنا اللّه للنظر إليه.

فأمّا آذربهان و حسان،فإنهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته،و قد كنّا لمّا استكثرنا هذه المدن و أهلها و دخلها سألنا عنها،فقيل:إنها عمارة صاحب الأمر و استخراجه.

فلمّا سمع عون الدين نهض و دخل حجرة لطيفة،فأمر باحضارنا واحدا واحدا و قال:إياكم إعادة ما سمعتم و التكلم به،و تأكد علينا فخرجنا من عنده و لم يعد أحد منّا ممّا سمعه حرفا واحدا حتى هلك،و كنّا إذا حضرنا موضعا و أجتمع أحدنا بصاحبه قال:أتذكر شهر رمضان؟

فيقول:نعم.

فيقول:[سترا لحال شرط] (1).

فهذا ما سمعته و رويته،و الحمد للّه ربّ العالمين (2).3.

ص: 150


1- -ظاهر المخطوط:ستر الحلال،و ما أثبتناه من البحار.
2- -البحار:220/53.

خاتمة

[187] قال شيخنا في بحار الأنوار:و لنلحق بعض حكايات صدرت في عصرنا أو ما قرب منه:

فمنها:

ما أخبرني به جماعة عن السيد الفاضل أمير علام قال:كنت في بعض الليالي في صحن الروضة العلوية المرتضوية الغروية على مشرّفها ألف ألف صلواة و ألف ألف تحية أدور فيها،فإذا أنا بشخص مقبل إلى الروضة المقدسة فدنوت منه،فإذا هو استاذنا الفاضل التقي المولى أحمد الأردبيلي قدّس اللّه ضريحه،فأخفيت نفسي عنه حتى أتى باب الروضة و كان مغلقا،فلمّا وصل إليه انفتح له الباب فدخل الروضة،فسمعته يناجي و يتكلم مع رجل ثم خرج و تغلقت الأبواب،فمشيت خلفه حتى خرج من الغري و قصد مسجد الكوفة و كنت خلفه بحيث لا يراني،فلمّا صار إلى محراب أمير المؤمنين عليه السّلام مكث طويلا يتكلم مع شخص ثم أقبل إلى النجف،فلمّا قرب إلى الحنّانة أخذني سعال فالتفت إليّ و قال:أمير علام؟

قلت:نعم.

قال:ما تصنع هاهنا؟

قلت:كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن،و أقسم عليك بحق صاحب القبر إلاّ ما أخبرتني بما كان.

فقال:أخبرك على أن لا تخبر به أحدا ما دمت أنا حيّا.

فلمّا توثّق منّي بالأيمان قال:كنت أفكر في بعض المسائل و قد أغلقت عليّ،فوقع في قلبي أن أتي أمير المؤمنين عليه السّلام و أسأله عن ذلك،فلمّا وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة و عرضت عليه،فسمعت صوتا من القبر المقدّس:أن أئت مسجد الكوفة واسأل مولاك القائم عليه السّلام فإنه هناك.

ص: 151

فأتيت المحراب و سألته و حصل الجواب بحمد اللّه و توفيقه.

و منها:

ما أخبرني به والدي رحمه اللّه قال:كان في زماننا رجل شريف صالح يقال له:أمير إسحاق الاسترابادي و كان قد حجّ أربعين حجة ماشيا و أشتهر أنه كان تطوى له الأرض،فورد بعض السنين بلدة أصفهان،فأتيته و سألته عمّا اشتهر فيه.

فقال:كان سبب ذلك أني كنت في بعض السنين مع الحاج،فلمّا بلغنا إلى موضع كان بيننا و بين مكة شرّفها اللّه تعالى سبعة منازل أو تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب حتى غابت عني و ضللت عن الطريق و تحيرت و غلبني العطش حتى أيست من الحياة فناديت:يا صالح يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم اللّه.

فرأيت شبحا فقرب إلي،فإذا هو رجل شاب حسن الوجه نقي الثياب أسمر على هيئة الشرفاء راكبا على جمل و معه إداوة،فشربت ثم قال:تريد أن تلحق القافلة؟

قلت:نعم.

فأردفني خلفه و توجه نحو مكة،و كان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم، فأخذت في قراءته فقال عليه السّلام في بعض المواضع:اقرأ هكذا،فما مضى لي إلاّ زمان يسير حتى قال لي:تعرف هذا الموضع؟

فنظرت فإذا أنا بالأبطح،فقال:انزل.

فلمّا نزلت رجع و غاب عني،فعند ذلك علمت أنه القائم عليه السّلام فندمت على مفارقته و عدم معرفته،فلمّا كان بعد سبعة أيام أتت القافلة فرأوني في مكة بعد ما أيسوا من حياتي،فلهذا اشتهرت بطي الأرض.

قال والدي رحمه اللّه:فقرأت عنده الحرز اليماني و صححته و أجازني و الحمد للّه.

و منها:

ما أخبرني به جماعة عن جماعة عن السيد الفاضل ميرزا محمد الاسترابادي نوّر اللّه مرقده قال:إني كنت ذات ليلة أطوف حول بيت اللّه الحرام،إذ أتى شاب حسن الوجه فأخذ في الطواف فلمّا قرب مني أعطاني طاقة ورد أحمر في غير أوانه فأخذت منه و شممته و قلت له:من

ص: 152

أين يا سيّدي؟

قال:من الخرابات.

ثم غاب عني فلم أره.

و منها:

ما أخبرني به جماعة من أهل الغري على مشرّفه السلام:أن رجلا من أهل قاشان أتى إلى النجف متوجها إلى الحج،فاعتل علة شديدة حتى يبست رجلاه و لم يقدر على المشي،فخلفه رفقاؤه و تركوه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة و ذهبوا إلى الحج،فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كل يوم و يذهب إلى الصحارى لأجل النزاهة.

فقال له في بعض الأيام:إني قد ضاق صدري،فاذهب بي معك و اطرحني في مكان و اذهب حيث شئت.

فحملني معه إلى مقام القائم عليه السّلام خارج النجف،فأقعدني هناك و غسل قميصه و طرحه على شجرة كانت هناك و ذهب إلى الصحراء،و بقيت وحدي مغموما أفكر في أمري،فإذا أنا بشاب صبيح الوجه أسمر اللون دخل الصحن و سلم عليّ و ذهب إلى بيت المقام و صلّى عند المحراب ركعات بخضوع و خشوع،فلمّا فرغ من الصلاة أتاني و سألني عن حالي.

فقلت له:ابتليت بهذا البلاء،فلا شفاء و لا موت أستريح.

فقال:لا تحزن سيعطيك اللّه كليهما.

و ذهب،فلمّا خرج رأيت القميص وقع على الأرض،فقمت و أخذته و غسلته و طرحته على الشجرة و تفكرت في أمري و قلت:إني لا أقدر على القيام فكيف صرت أقدر؟و نظرت إلى نفسي فلم أجد شيئا ممّا كان بي،فعلمت أنه كان القائم عليه السّلام فخرجت إلى الصحراء فلم أر أحدا،فلمّا أتى صاحب الحجرة و سألني عن حالي و تحير في أمري فأخبرته بما جرى،فتحسر على ما فات منه و مني و مشيت معه إلى الحجرة.

قالوا:و كان هذا الرجل سليما حتى قدم الحاج و رفقائه،فلمّا رآهم بقي معهم قليلا فمرض و مات و دفن في الصحن،و ظهر صحت ما أخبره به عليه السّلام من وقوع الأمرين.

ص: 153

و هذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد.

و منها:

ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام قال:أخبرني بعض من أثق به يرويه عمّن يثق به و يطريه أنه قال:لمّا كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج،جعلوا و إليها رجلا من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها و أصلح بحال أهلها،و كان هذا الوالي من النواصب و له وزيرا أشدّ منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم أهل البيت عليهما السّلام و يحتال في إهلاكهم و إضرارهم بكل حيلة،فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي و بيده رمانة فأعطاها الوالي،فكان مكتوب عليها:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أبو بكر و عمر و عثمان و علي خلفاء رسول اللّه.

فتأمّل الوالي،فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر،فتعجب من ذلك و قال للوزير:هذه آية بيّنة و حجة قوية على إبطال مذهب الرافضة،فما رأيك في أهل البحرين؟

فقال له:إن هؤلاء جماعة متعصبون و ينكرون البراهين و ينبغي لك أن تحضرهم و تريهم الرمانة،فإن قبلوا و رجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك،و إن أبوا إلاّ المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث:إمّا أن يؤدوا الجزية و هم صاغرون،أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها،أو تقتل رجالهم و تسبي نساؤهم و أولادهم و تأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه و أرسل إلى العلماء و الأفاضل الأخيار و السادة الأبرار من أهل البحرين،فأحضرهم و أراهم الرمانة و أخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل و الأسر و أخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفار.

فتحيروا في الجواب،فقال كبراؤهم:أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بالجواب و إلاّ فاحكم بنا ما شئت.

فأمهلهم،فخرجوا خائفين متحيرين،فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحائهم عشرة ثم اختاروا من العشرة ثلاثة.

فقالوا لأحدهم:اخرج الليلة إلى الصحراء و اعبد اللّه فيها و استغث بإمام الزمان لعله يبيّن

ص: 154

لك ما هو المخرج من هذه الداهية.

فخرج و بات على عبادة و بكاء و خشوع فلم ير شيئا،فأصبح و قد أتى إليهم و أخبرهم.

فبعثوا الثاني فأتاهم كالأول،فازداد قلقهم و جزعهم،فاحضروا الثالث و كان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسى،فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسرا الرأس إلى الصحراء،و كانت ليلة مظلمة فدعا و بكى و توسل إلى اللّه تعالى و استغاث بصاحب الزمان عليه السّلام.

فلمّا كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه:يا محمد بن عيسى مالي أراك إلى هذه الحالة؟

فقال:أيها الرجل دعني،فإني خرجت لأمر عظيم لا أذكره إلاّ للإمام و لا أشكوه إلاّ إلى من يقدر على كشفه عني.

فقال:يا محمد بن عيسى أنا صاحب الزمان،فاذكر حاجتك.

فقال:إن كنت هو فأنت تعلم حاجتي.

فقال:نعم،خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة و ما كتب عليها و ما أوعدكم الأمير به.

قال:فلمّا سمعت ذلك توجهت إليه و قلت له:نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا و أنت إمامنا و ملجأنا.

فقال عليه السّلام:يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه اللّه في داره شجرة رمان،فلمّا حملت تلك الشجرة عمد و صنع شيئا من الطين على هيئة الرمانة و جعلها نصفين و كتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعها على الرمانة و شدّهما عليها و هي صغيرة فأثر فيها و صارت هكذا،فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له:جئتك بالجواب و لكني لا أظهره إلاّ في دار الوزير،فإذا دخلتم داره فانظر عن يمينك غرفة فاصعد أنت و الوالي إليها و سيأبى الوزير فلا تقبل،و اصعد معه و لا تتركه يتقدم عليك،فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض فحلّه ترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة،فضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها ليكشف له جليلة الحال.

و أيضا يا محمد بن عيسى قل للوالي:لنا معجزة أخرى و هي أن هذه الرمانة ليس فيها إلاّ الرماد و الدخان و إن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها،فإذا كسرها طار الرماد و الدخان في وجهه و لحيته.

ص: 155

فلمّا سمع ذلك محمد بن عيسى من الإمام عليه السّلام فرح فرحا شديدا و قبّل ما بين يديه من الأرض و انصرف إلى أهله بالبشارة.

فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي و فعل محمد بن عيسى كلما أمره الإمام عليه السّلام و ظهر كلما أخبره،فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى و قال له:من أخبرك بهذا؟

فقال:إمام زماننا و حجة اللّه علينا.

فقال:فأخبره بالأئمة واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر عليه السّلام.

فقال الوالي:مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا عبده و رسوله و أن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه السّلام.

ثم أقرّ بالأئمة عليهما السّلام إلى آخرهم و حسن إيمانه و أمر بقتل الوزير و اعتذر إلى أهل البحرين و أحسن إليهم،و هذه القصة مشهورة عند أهل البحرين و قبر محمد بن عيسى عندهم معروف يزورونه و يتبركونه و الحمد للّه (1).2.

ص: 156


1- -البحار:180/52.

الفصل السادس

اشارة

في علامات خروجه عجل اللّه تعالى فرجه

و فيما يحدث يوم خروجه و في مدة ملكه و ما يلحق ذلك

[188] قرب الإسناد:هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليه السّلام:«إن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:كيف بكم إذا فسد نساؤكم و فسق شبّانكم و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر؟

فقيل له:و يكون ذلك يا رسول اللّه؟

قال:نعم و شرّ من ذلك،كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟

قيل:يا رسول اللّه و يكون ذلك؟

قال:نعم و شرّ من ذلك،كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا؟» (1).

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه على طاعته:الأمر الأول:منشأه المداهنة و المسامحة في أمور الدين،و يكون السبب فيه عدم استقرار الإيمان و ثباته و أنه ليس بكامل حتى يتأثر من رؤية الذنوب و المعاصي.

و أمّا الأمر الثاني:و هو الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف،فمتولد من الميل و الحرص على مطامع الدنيا و لذاتها حتى إذا كان المنكر متضمنا لهما أمر به و نهى عن المعروف المفقودين فيه.

و أمّا الثالث:فسببه الطبع على قلبه بسبب ارتكاب المعاصي،كما روي:أن قلب ابن آدم فيه نقطة بيضاء و نقطة سوداء فإذا عمل صالحا زاد البياض و هكذا حتى يأخذه نور البياض، فيكون المراد من قوله عليه السّلام:«اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه»و إذا ارتكب المعاصي زاد

ص: 157


1- -قرب الإسناد:178/55،و الكافي:59/5 ح 14.

السواد حتى يستغرق قلبه،فإذا انهمك في المعاصي انتكس قلبه فيسمى القلب المنكوس،فعند ذلك يرى السنّة بدعة و البدعة سنّة و المعروف منكر و المنكر معروفا،و هكذا يكون منتهى الزمان الذي يقارنه ظهور صاحب الزمان عليه و على آبائه السلام.

[189] و في ذلك الكتاب:عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال:«قدّام هذا الأمر قتل بيوح».

قلت:و ما البيوح؟

قال:«دائم لا يفتر» (1).

[190] معاني الأخبار:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّا و آل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في اللّه،قلنا:صدق اللّه و قالوا:كذب اللّه،قاتل أبو سفيان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه السّلام و قاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السّلام و السفياني يقاتل القائم عليه السّلام» (2).

[191] كمال الدين:بإسناده إلى محمد بن مسلم قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«القائم منّا منصور بالرعب مؤيّد بالنصر،تطوى له الأرض و تظهر له الكنوز،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب،و يظهر اللّه عزّ و جلّ به دينه على الدين كله و لو كره المشركون،فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمّر،و ينزل روح اللّه عيسى ابن مريم عليه السّلام فيصلي خلفه».

فقلت له:يا بن رسول اللّه متى يخرج قائمكم؟

قال:«إذا تشبّه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء و ركب ذوات الفروج السروج و قبلت شهادات الزور وردت شهادات العدول و استخف الناس بالدماء و ارتكاب الزنا و أكل الربا و اتقى الأشرار مخافة ألسنتهم،و خرج السفياني من الشام و اليماني من اليمن و خسف بالبيداء و قتل غلام من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله بين الركن و المقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية،و جاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه و في شيعته،فعند ذلك خروج قائمنا عليه السّلام فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة و اجتمع إليه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و أول ما ينطق به هذه الآية: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ1.

ص: 158


1- -قرب الإسناد:384 ح 1353،و البحار:182/52 ح 6.
2- -معاني الأخبار:346،و البحار:308/31.

ثم يقول:أنا بقية اللّه في أرضه[و خليفته و حجته عليكم،فلا يسلّم عليه مسلّم إلاّ قال:السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه] (1)،فإذا اجتمع إليه العقد و هو عشرة آلاف رجل،خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون اللّه عزّ و جلّ من صنم و غيره إلاّ وقعت فيه نار فاحترق،و ذلك بعد غيبة طويلة،ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب و يؤمن به» (2).

[192] و في غيبة النعماني:في حديث طويل عن الباقر عليه السّلام ذكر فيه خروج الدجال و افتتان الخلق فيه ثم قال:«عليكم بمكة-إذا خرج الدجال-فإنها مجمعكم،و إنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر» (3).

أقول:هذه المدة معظم فتنته،و إلاّ فمن وقت خروجه إلى وقت صلبه ممّا يزيد على هذا بكثير.

[193] كمال الدين:مسندا إلى النزال بن سبرة قال:خطبنا علي بن أبي طالب عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:«سلوني قبل أن تفقدوني».

فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال:يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال؟

فقال عليه السّلام:«إن لذلك علامات و إن شئت أنبأتك بها».

قال:نعم يا أمير المؤمنين.

فقال:«احفظ،فإن علامة ذلك:إذا أمات الناس الصلاة و تركوا الأمانة و استحلوا الكذب و أكلوا الربا و أخذوا الرشا و شيدوا البنيان و باعوا الدين بالدنيا و استعملوا السفهاء و شاوروا النساء و قطعوا الأرحام و اتبعوا الأهواء و استخفوا الدماء،و كان الحلم ضعفا و الظلم فخرا،و كانت الأمراء فجرة و الوزراء ظلمة و العرفاء خونة-أي القائمين بأمور الناس -و القرّاء فسقة،و حليت المصاحف و زخرفت المساجد و طولت المنارات و اكرم الأشرار و ازدحمت الصفوف و اختلف[القلوب] (4)و نقضت العقود،و شارك النساء أزواجهن فيء.

ص: 159


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كمال الدين:331 ح 16،و البحار:192/52 ح 24.
3- -غيبة النعماني:301 ح 3،و البحار:141/52 ح 51.
4- -في نسخة:الأهواء.

التجارة حرصا على الدنيا،و علت أصوات الفسّاق و أستمع منهم،و كان زعيم القوم أرذلهم -أي سيد القوم و كبيرهم-و أتقى الفاجر مخافة شرّه و صدق الكاذب و ائتمن الخائن،و اتخذت القيان-أي النساء المغنيات-و المعازف-يعني آلات اللهو كالعود و الطنبور-و شهد الشاهد من غير أن يستشهد و شهد الآخر قضاء لحق الذمام بغير حق عرفه -و الذمام الحق و الحرمة كالجوار و المصاحبة و القرابة-و تفقه لغير الدين و لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب-يعني بهم القلندرية أو الأعم-فعند ذلك الوحى الوحى العجل العجل،خير المساكن يومئذ بيت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه».

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال:يا أمير المؤمنين من الدجال؟

فقال:«ألا إن الدجال صائد بن الصيد،فالشقي من صدّقه و السعيد من كذّبه،يخرج من بلدة يقال لها:أصبهان،من قرية تعرف باليهودية،عينه اليمنى ممسوحة و الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم،بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب و أمي،يخوض البحار و تسير معه الشمس،بين يديه جبل من دخان و خلفه جبل أبيض يرى الناس أنه طعام يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر-يعني يميل إلى الخضرة-خطوة حماره ميل،تطوى له الأرض منهلا منهلا،لا يمرّ بماء إلاّ غار إلى يوم القيامة،ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الإنس و الشياطين يقول:إليّ أوليائي أنا الذي خلق فسوى و قدّر فهدى أنا ربّكم الأعلى.

و كذب عدو اللّه إنه الأعور،يطعم الطعام و يمشي في الأسواق و أن ربّكم عزّ و جلّ ليس بأعور و لا يطعم و لا يمشي و لا يزول،ألا و إن أكثر أشياعه يومئذ أولاد الزنا و أصحاب الطيالسة الخضر-الطيلسان شبه الرداء يوضع على الرأس و الكتفين و الظهر يستعمله الآن علماء النصارى و العبّاد منهم-يقتله اللّه عزّ و جلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي عيسى ابن مريم عليه السّلام خلفه،ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى».

قلنا:و ما ذاك يا أمير المؤمنين؟

ص: 160

قال:«خروج دابة من الأرض من عند الصفا،معها خاتم سليمان و عصى موسى عليهما السّلام تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فيطبع فيه:هذا مؤمن حقا،و يضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه:هذا كافر حقا،حتى أن المؤمن لينادي:الويل لك يا كافر،و أن الكافر ينادي:طوبى لك يا مؤمن،وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزا عظيما.

ثم ترفع الدابة رأسها فيريها من بين الخافقين بإذن اللّه تعالى بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة،فلا توبة تقبل و لا عمل يرفع و لا ينفع نفسا أيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا».

ثم قال عليه السّلام:«لا تسألوني عمّا يكون بعد ذلك،فإنه عهد إليّ حبيبي صلّى اللّه عليه و آله أن لا أخبر به غير عترتي».الحديث (1).

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه تعالى:تضمّن هذا الحديث أن خروج الدجال من أصبهان،و قرية اليهودية إلى الآن معروفة هناك،نعم صارت الآن من أجزاء البلد و أطرافها،و فيها بئر معروف بينهم أن خروج الدجال يكون منه و قد طمّوه بالحجارة و أنا شاهدته مطموما معمورا،و في كثير من الأحاديث أن خروجه من سجستان،لأن جماعة من الخوارج موجودون فيها حتى الآن،و يجمع بين الأخبار بأن مبدأ خروجه من أحديهما و ظهوره و انتشاره من الأخرى.

[194] و فيه أيضا:بإسناده إلى نافع عن ابن عمر و بسند آخر عن محمد بن مسلم قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلى ذات يوم بأصحابه الفجر ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة،فقالت:ما تريد يا أبا القاسم؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«يا أم عبد اللّه استأذني لي على عبد اللّه».

فقالت:يا أبا القاسم و ما تصنع به؟فو اللّه إنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه و أنه ليراودني على الأمر العظيم.

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«استأذني لي عليه».

فقالت:أعلى ذمتك؟2.

ص: 161


1- -البحار:195/52.

قال:«نعم».

قالت:ادخل.

فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم فيها،فقالت أمه:اسكت و اجلس هذا محمد قد أتاك.

فسكت فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ما لها لعنها اللّه لو تركتني لأخبرتكم أهو هو».

ثم قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ما ترى؟»

قال:أرى حقا و باطلا و أرى عرشا على الماء.

فقال:«اشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه».

فقال:بل تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه،فما جعلك اللّه بذلك أحق منّي.

فلمّا كان اليوم الثاني صلّى صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب.

فقالت أمّه:ادخل.

فدخل،فإذا هو في نخلة يغرد فيها.

فقالت أمّه:اسكت و انزل هذا محمد قد أتاك.

فسكت،فقال النبي:«ما لها لعنها اللّه لو تركتني لأخبرتكم أ هو هو».

فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى أتوا ذلك المكان فإذا هو في غنم ينعق بها.

فقالت له أمّه:اسكت و اجلس هذا محمد قد أتاك.

قد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان،فقرأها بهم النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الغداة ثم قال:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه».

فقال:بل أنت تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه،و ما جعلك اللّه بذلك أحق مني.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إني قد خبأت لك خباء فما هو؟».

قال:الدخ الدخ.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إخسأ فإنك لن تعدو أجلك و لن تبلغ أملك و لن تنال إلاّ ما قدّر لك».

ثم قال لأصحابه:«أيها الناس ما بعث اللّه عزّ و جلّ نبيّا إلاّ و قد أنذر قومه الدجال،و أن

ص: 162

اللّه عزّ و جلّ قد أخره إلى يومكم هذا،فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربّكم ليس بأعور،إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل،يخرج و معه جنّة و نار و جبل من خبز و نهر من ماء،أكثر أتباعه اليهود و النساء و الأعراب،فيدخل آفاق الأرض كلها إلاّ مكة و لابتيها و المدينة و لابتيها» (1).

أقول:قولها:إنه لمجهود في عقله،يعني أنه مخبط العقل،و قولها:على الأمر العظيم،تعني الوقوع عليها و الزنا بها،و قيل:المراد منها إظهار دعوى الألوهية و النبوة،و لهذا أبت عن رؤية النبي صلّى اللّه عليه و آله لابنها،و أما الهينمة فهي الصوت الخفي.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«لو تركتني لأخبرتكم»يجوز أن يكون اشارة إلى قول أمّ الدجال:أعلى ذمتك.فيكون معناه:أفلي عهد منك بأن لا تخبر أحدا بحقيقة هذا الولد و منتهى عاقبة أمره و ما يصدر منه،فتكون عالمة بأحواله على سبيل الإجمال،فلمّا أعطاها صلّى اللّه عليه و آله ذلك العهد و الزمام أولا منعه من بيان أحواله لأصحابه مفصلا.

و قول الدجال:أرى عرشا على الماء،يجوز أن يراد به السماء فيكون معنى حقا،و يجوز أن يكون اشارة إلى قوله تعالى: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فأسنده إلى نفسه لما سيأتي في أحواله من ادعائه الألوهية.

و في روايات العامة قال:أرى عرشا على الماء (2).

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ترى عرش إبليس على البحر» (3).

و قوله:الدخ،بضم(الدال)و فتحها و(الخاء)المعجمة،قال الجزري:المراد به الدخان،و فسّر الحديث أنه أراد بذلك يوم تأتي السماء بدخان مبين.

و قيل:إن الدجال يقتله عيسى عليه السّلام بجبل الدخان،فيحتمل أن يكون أراد تعريضا بقتله.

و جاء الدخ بمعنى الذل،فيكون معناه:أنك خبأت لي الذل،و هو أن تكون أمتك ذليلة لي و مسخرة لأمري.2.

ص: 163


1- -كمال الدين:529.
2- -الخرائج و الجرائح:1140/3،و البحار:197/52.
3- -الخرائج و الجرائح:1140/3،و البحار:197/52.

فقال عليه السّلام:«إخسأ».

فإن مدة ملكه قليلة كما تقدم أنها تسعة أشهر.

«و لن تبلغ أملك»:و هو استيلاؤك على البلاد و العباد و اطاعة الناس لك بدعوى الألوهية.

قال الصدوق رحمه اللّه بعد ايراد هذا الخبر:

إن أهل العناد و الجحود يصدقون بمثل هذا الخبر و يروونه في الدجال و غيبته و طول بقاه المدة الطويلة و بخروجه في آخر الزمان،و لا يصدقون بأمر القائم عليه السّلام و أنه يغيب مدة طويلة ثم يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما بنص النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و أخبارهم بطول غيبته،إرادة لإطفاء نور اللّه و إبطالا لأمر ولي اللّه،و يأبى اللّه إلاّ أن يتم نوره و لو كره المشركون،و أكثر ما يحتجّون به في دفعهم لأمر الحجة عليه السّلام أنهم يقولون:لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه و لا نعرفها.

و كذا يقول من يجحد نبوّة نبينا صلّى اللّه عليه و آله من الملحدين و البراهمة و اليهود و النصارى،و أنه ما صحّ عندنا شيء ممّا تروونه من معجزاته و دلائله و لا نعرفها،فنعتقد بطلان أمره لهذه الجهة.

و متى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف و هم أكثر عددا منهم.

و يقولون أيضا:ليس في موجب عقولنا أن يعمّر أحد في زماننا هذا عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان،فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان (1).

فنقول لهم:أتصدقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمّر عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان و كذلك إبليس،و لا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد عليه السّلام مع النصوص الواردة في الغيبة و طول العمر،و الظهور بعد ذلك للقيام بأمر اللّه عزّ و جلّ،و ما روي في ذلك من الأخبار التي ذكرتها في هذا الكتاب و مع ما صحّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«كلما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة».

و قد كان فيمن مضى من أنبياء اللّه عزّ و جلّ و حججه عليهم السّلام معمّرون،أمّا نوح فإنه عاش ألفي سنة و خمسمائة سنة،و نطق القرآن بأنه لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما،و قد روي2.

ص: 164


1- -كمال الدين:530،و البحار:200/52.

في الخبر الذي أسندته في هذا الكتاب:أن في القائم سنّة من نوح و هي طول العمر،فكيف يدفع أمره و لا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شيء منها في موجب العقول بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،و هكذا يلزم الإقرار بالقائم عليه السّلام من طريق السمع،و في موجب أي عقل من العقول أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلثمائة سنين و ازدادوا تسعا،هل وقع التصديق بذلك إلاّ من طريق السمع؟فلم لا يقع التصديق بأمر القائم عليه السّلام أيضا من طريق السمع؟

و كيف يصدقون بما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه و عن كعب الأحبار في المحالات التي لا يصحّ منها شيء في قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لا في موجب العقول؟

و لا يصدقون بما يرد عن النبي و الأئمة عليهم السّلام في القائم و غيبته و ظهوره،بعد شك أكثر الناس في أمره و ارتدادهم عن القول به كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم السّلام هل هذا إلاّ مكابرة في دفع الحق و جحوده،و كيف لا يقولون أنه لمّا كان في الزمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنّة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقا لقول صاحب الشريعة صلّى اللّه عليه و آله،و لا جنس أشهر من جنس القائم عليه السّلام،لأنه مذكور في الشرق و الغرب على ألسنة المقربين به و ألسنة المنكرين له و متى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السّلام مع الروايات الصحيحة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه أخبر بوقوعها به عليه السّلام بطلت نبوته،لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به و متى صحّ كذبه في شيء لم يكن نبيّا،و كيف يصدق في أمر عمّار فيما أخبر به أنه يقتله الفئة الباغية،و في أمير المؤمنين عليه السّلام أنه تخضّب لحيته من دم رأسه،و في الحسن بن علي عليه السّلام أنه مقتول بالسم،و في الحسين بن علي عليه السّلام أنه مقتول بالسيف،و لا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم عليه السّلام و وقوع الغيبة به و النص عليه باسمه و نسبه،بل هو عليه السّلام صادق في جميع أحواله و لا يصح أيمان عبد حتى لا يجد حرجا ممّا قضى و يسلم له في جميع الأمور.

و من أعجب العجب:أن مخالفينا يروون أن عيسى ابن مريم عليه السّلام مرّ بأرض كربلاء فرأى عدة من الضباء هناك مجتمعة،فأقبلت إليه و هي تبكي و أنه جلس و جلس الحواريون،فبكى و بكى الحواريون و قالوا:يا روح اللّه ما يبكيك؟

ص: 165

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد عليه السّلام و فرخ الطاهرة البتول،شبيهة أمّي هي أطيب من المسك،و هذا الضباء تكلمني و تقول:إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده الى بعر تلك الضباء فشمّها و قال:اللهم أبقها أبدا حتى يشمّها أبوه فتكون له عزا و سلوة.

و أنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين عليه السّلام حتى شمّها و بكى و أبكى،و أخبر بقصتها لمّا مرّ بكربلاء (1).

فيصدقون بأن بعر تلك الضبا يبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيرها الأمطار و الرياح و مرور الأيام و الليالي،و لا يصدقون بأن القائم من آل محمد عليه السّلام يبقى حتى يخرج بالسيف فيقتل أعداء اللّه و يظهر دين اللّه مع الأخبار الواردة عن النبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم بالنص عليه باسمه و غيبته المدة الطويلة و جري سنن الأولين فيه بالتعمير،هل هذا إلاّ عناد و جحود للحق؟ (2)

[195] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أن قدّام القائم علامات تكون من اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين».

قلت:و ما هي؟

قال:«قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين قبل خروج القائم عليه السّلام وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ (3).

قال:«نبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم،و الجوع بغلاء أسعارهم،و نقص من الأموال كساد التجارات و قلة الفضل،و نقص من الأنفس،قال:موت سريع،و نقص من الثمرات قلة ريع ما يزرع،و بشر الصابرين عند ذلك بتعجيل الفرج».5.

ص: 166


1- -كمال الدين:532،و البحار:202/52.
2- -كمال الدين:530-532،و البحار:202/52.
3- -سورة البقرة:155.

ثم قال لي:«يا محمد هذا تأويله أن اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (1).

[196] و قال عليه السّلام:«ليس بين قيام قائم آل محمد و بين قتل النفس الزكية إلاّ خمسة عشر ليلة» (2).

[197] و قال عليه السّلام:«لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس،أشقر أحمر أزرق يقول:يا ربّ ثأري ثلاثا،و لقد بلع من خبثه أنه يدفن أم ولد له و هي حيّة مخافة أن تدلّ عليه» (3).

[198] و عن ابن أبي منصور قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اسم السفياني؟

قال:«و ما تصنع باسمه،إذا ملك[كنوز] (4)الشام الخمس:دمشق و حمص و فلسطين و الأردن و قنسرين،فتوقعوا عند ذلك الفرج».

قلت:يملك تسعة أشهر؟

قال:«لا،و لكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما» (5).

[199] و عنه عليه السّلام:«أنه ينادي مناد من السماء أول النهار:ألا إن الحق في علي و شيعته،ثم ينادي إبليس لعنه اللّه في آخر النهار:ألا إن الحق في السفياني و شيعته،فيرتاب عند ذلك المبطلون» (6).

[200] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«آيتان بين يدي هذا الأمر:خسوف القمر لخمس،و خسوف الشمس لخمسة عشرة،و لم يكن ذلك منذ هبط آدم إلى الأرض و عند2.

ص: 167


1- -الإمامة و التبصرة:129،كمال الدين:649 ح 2.
2- -كمال الدين:649،و البحار:203/52.
3- -شرح أصول الكافي:389/12 ح 412.
4- -في المصدر:كور.
5- -الإمامة و التبصرة:134/130،و كتاب الغيبة 304.
6- -كمال الدين:652 ح 14،و البحار:206/52.

ذلك يسقط حساب المنجمين» (1).

[201] و عن سليمان بن خالد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«قدّام القائم عليه السّلام موتان:موت أحمر و موت أبيض حتى يذهب من كل سبعة خمسة،الموت الأحمر السيف و الموت الأبيض الطاعون».

[202] كتاب الغيبة للشيخ الطوسي طاب ثراه:بإسناده إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقوم الساعة حتى يخرج نحو من ستين كذّابا كلهم يقول أنا نبي» (2).

[203] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لا يخرج القائم حتى يخرج إثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه» (3).

[204] و عنه عليه السّلام:«إذا هدم حائط مسجد الكوفة مؤخره ممّا يلي دار عبد اللّه بن مسعود فعند ذلك زوال ملك بني فلان،أما إن هادمه لا يبنيه» (4).

[205] و قال محمد بن الحنفية في كلام طويل:أنى يكون هذا الأمر و لم يقم الزنديق من قزوين فيهتك ستورها و يغّير سورها و يذهب ببهجتها،من فرّ منه أدركه و من حاربه قتله و من اعتزله افتقر و من تابعه كفر،حتى يقوم باكيان:باك يبكي على دينه،و باك يبكي على دنياه (5).

[206] و فيه:عن ابن بشير قال:قلت لعلي بن الحسين عليه السّلام:صف لي خروج المهدي عليه السّلام و عرّفني دلائله و علاماته.

قال:«يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له:عوف السلمي بأرض الجزيرة،و يكون مأواه تكريت و قتله بمسجد دمشق،ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند،ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس و هو من ولد عتبة بن أبي1.

ص: 168


1- -كمال الدين:655،و البحار:207/52 ح 41.
2- -كتاب الغيبة:434 ح 424.
3- -كتاب الغيبة:437 ح 428،و البحار:209/52.
4- -كتاب الغيبة:277 ح 57،و البحار:210/52.
5- -شرح الأخبار:396/3،و البحار:212/52 ح 61.

سفيان،فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي عليه السّلام ثم يخرج بعد ذلك» (1).

[207] و في ذلك الكتاب:روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«يخرج رجل بقزوين اسمه اسم نبي فيسرع الناس إلى طاعته المشرك و المؤمن،يملأ الجبال خوفا» (2).

يقول مصنف الكتاب أيده اللّه تعالى:ذكر جماعة من أهل الحديث من مشايخنا المعاصرين:أن المراد منه شاه إسماعيل أنار اللّه برهانه،فإن خروجه كان من تلك الناحية،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى حديث آخر فيه تفصيل أكثر من هذا،حملوه على هذا التأويل (3).

[208] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن قدّام القائم لسنة[غيداقة] (4)يفسد التمر في النخل فلا تشكّوا في ذلك».

[209] و عن أبي لبيد قال:تغيّر الحبشة البيت فيكسرونه و يؤخذ الحجر فينصب في مسجد الكوفة (5).

[210] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كأن بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه:من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم،فيثب الجار على جاره و يقول:هذا منهم،فيضرب عنقه و يأخذ ألف درهم،أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا،و كأني أنظر إلى صاحب البرقع».

قلت:و من صاحب البرقع؟

قال:«رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع،فيحوشكم فيعرفكم و لا تعرفونه،فيغمز بكم رجلا رجلا،أما إنه لا يكون إلاّ ابن بغي» (6).2.

ص: 169


1- -كتاب الغيبة:444،و البحار:213/52.
2- -مستدرك سفينة البحار:518/8.
3- -مستدرك سفينة البحار:518/8.
4- -الغيداق:المطر الكثير العام،أو المطر الكبار القطر.
5- -كتاب الغيبة:449 ح 451،و البحار:215/52.
6- -كتاب الغيبة:450 ح 453،و البحار:215/52.

[211] كشف اليقين:بإسناده إلى أنس بن مالك قال:لمّا رجع أمير المؤمنين عليه السّلام من قتال أهل النهروان نزل براثا،و كان بها راهب في صومعة و كان اسمه الحباب،فلمّا سمع الراهب الصيحة و العسكر أشرف من صومعته إلى الأرض فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين عليه السّلام فاستفظع ذلك فقال:من رئيس هذا العسكر؟

قالوا:أمير المؤمنين رجع من قتال الخوارج.

فجاء إليه و قال:السلام عليك يا أمير المؤمنين حقا حقا.

فقال:«و ما علمك بأني أمير المؤمنين حقا حقا؟»

قال:أخبرنا علماؤنا و أحبارنا.

فقال له:«يا حباب».

فقال له الراهب:و ما علمك باسمي؟

فقال:«أعلمني بذلك حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

فقال له الحباب:مدّ يدك،فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا رسول اللّه و أنك علي بن أبي طالب وصيه.

فقال عليه السّلام:«ابن هنا مسجدا و سمّه باسم بانيه».

فبناه رجل اسمه(براثا)فسمّي المسجد ببراثا،ثم قال:«يا حباب سيبنى جنب مسجدك هذا مدينة و تكثر الجبابرة فيها و يعظم البلاء حتى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام،فإذا عظم بلاءهم سلّط عليهم رجلا من أهل السفح لا يدخل بلدا إلاّ أهلكه و أهلك أهله».

ثم ذكر عليه السّلام خروج السفياني و الحديث طويل (1).

[212] الارشاد:قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان القائم عليه السّلام و حوادث تكون أمام قيامه فمنها:

خروج السفياني،و ركود الشمس عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر،و طلوعها من المغرب،و قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين،و ذبح رجل هاشمي بين3.

ص: 170


1- -اليقين:423،و معجم أحاديث المهدي:114/3.

الركن و المقام،و هدم حائط مسجد الكوفة،و إقبال رايات سود من قبل خراسان،و خروج اليماني،و ظهور المغربي بمصر و تملكه الشامات،و نزول الترك الجزيرة،و نزول الروم الرملة،و طلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه،و نار تظهر بالمشرق طويلا و تبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام،و خلع العرب أعنّتها و تملكها البلاد و خروجها عن سلطان العجم،و قتل أهل مصر أميرهم،و خراب الشام و اختلاف ثلاث رايات فيه،و بثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة،و خوف يشمل أهل العراق و بغداد،و موت ذريع-أي سريع-فيه،و جراد يأتي على الزرع و الغلاّت،و اختلاف صنفين من العجم و سفك دماء كثيرة فيما بينهم.

و خروج العبيد عن طاعات ساداتهم و قتلهم مواليهم،و مسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة و خنازير،و غلبة العبيد على بلاد السادات،و نداء من السماء يسمعه أهل الأرض كل[أهل] (1)لغة بلغتهم،و وجه و صدر يظهران للناس في عين الشمس،و أموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها و يتراؤون ثم يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة،فتحيى به الأرض بعد موتها،و يزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السّلام،فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتجهون نحوه لنصرته،و من جملة هذه الأحداث محتومة و منها مشروطة،و اللّه أعلم،انتهى ملخصا (2).

[213] و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السّلام عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء و حمرة تجلل السماء،و خسف ببغداد و خسف ببلدة البصرة و دماء تسفك بها و خراب دورها و فناء يقع في أهلها،و شمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار» (3).

[214] تفسير العياشي:عن عجلان أبي صالح قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا تمضي الأيام و الليالي حتى ينادي مناد من السماء:يا أهل الحق اعتزلوا يا أهل الباطل اعتزلوا،فيعزل هؤلاء من هؤلاء و يعزل هؤلاء من هؤلاء».3.

ص: 171


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الإرشاد:368/2،و روضة الواعظين:262.
3- -الإرشاد:378/2،و كشف الغمة:261/3.

قال:قلت:أصلحك اللّه يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النداء؟

قال:«كلاّ إنه يقول في الكتاب: ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» (1)(2).

[215] غيبة النعماني:بإسناده عن الصادق عليه السّلام عن أبيه:أن أمير المؤمنين عليه السّلام حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم عليه السّلام فقال الحسين:«يا أمير المؤمنين متى يطهر اللّه الأرض من الظالمين؟»

قال:«لا يطهّر اللّه الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام».

ثم ذكر أمر بني أمية و بني العباس في حديث طويل و قال:«إذا قام القائم عليه السّلام بخراسان و غلب على أرض كوفان و الملطان و جاز جزيرة بني كاوان و قام منّا قائم بجيلان و أجابته الأبر و الديلم و ظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار و الحرمات و كانوا بين هنات و هنات إذا خربت البصرة و قام أمير الأمرة».

فحكى عليه السّلام حكاية طويلة ثم قال:«إذا جهّزت الألوف و صفّت الصفوف و قتل الكبش الخروف،هناك يقوم الآخر و يثور الثائر و يهلك الكافر ثم يقوم القائم المأمول و الإمام المجهول له الشرف و الفضل،و هو من ولدك يا حسين لا ابن مثله يظهر بين الركنين في دريسين،يظهر على الثقلين و لا يترك في الأرض الاذين،طوبى لمن أدرك زمانه و لحق أوانه و شهد أيامه» (3).

أقول:قال شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى في المجلد الثالث عشر من كتاب بحار الأنوار:القائم بخراسان هلاكو خان أو جنكيز خان،و كاوان جزيرة في بحر البصرة،ذكره الفيروز آبادي،و القائم بجيلان السلطان إسماعيل نوّر اللّه مرقده،و الآبر:قرية قرب استراباد،و الخروف كصبور الذكر من أولاد الضأن،و لعل المراد بالكبش:شاه عباس الأول طيّب اللّه رمسه حيث قتل ولده صفي ميرزاده،و قيام الآخر بالثأر:يحتمل أن يكون إشارة إلى ما2.

ص: 172


1- -سورة آل عمران:179.
2- -تفسير العياشي:207/1 ح 157،و تفسير نور الثقلين:414/1.
3- -كتاب الغيبة:275،و البحار:236/52.

فعل السلطان صفي تغمده اللّه برحمته ابن المقتول بأولاد القاتل من القتل و سمل العيون و غير ذلك،و قيام القائم عليه السّلام بعد ذلك لا يلزم أن يكون بلا واسطة،و عسى أن يكون قريبا مع أن الخبر مختصر من كلام طويل،فيمكن أن يكون سقط بين الكلامين وقائع،(و قوله:هنات و هنات:أي حروب كثيرة،و الذر اليسير:الجماعة القليلة)انتهى،و هذا على طريق الإحتمال.

[216] و عن الباقر عليه السّلام في حديث طويل أنه قال:«الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان و هي صيحة جبرائيل عليه السّلام من السماء باسم القائم و اسم أبيه،و لا يبقى أحد إلاّ سمعه،و ذلك في ليلة ثلاث و عشرين ليلة جمعة من شهر رمضان،و في آخر النهار ينادي إبليس اللعين من الأرض:ألا إن فلانا-يعني عثمان-قتل مظلوما،ليشكك الناس و يفتنهم،فكم[في] ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار» (1).

[217] و عنه عليه السّلام:«إذا خرج السفياني من الشام بعث جيشا إلى الكوفة عدّتهم سبعون ألفا،فيصيبون من أهل الكوفة قتلا و صلبا و سبيا،فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان تطوي المنازل طيّا حثيثا و معهم نفر من أصحاب القائم عليه السّلام،ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعف فيقتله أمير جيش السفياني،و يبعث السفياني بعثا إلى المدينة فيفر المهدي منها إلى مكة،فيبعث السفياني جيشا على أثره فلا(يدركه)حتى يدخل مكة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران-قال-:و ينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء:يا بيداء أبيدي القوم،فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة نفر يحوّل اللّه وجوههم إلى أقفيتهم و هم من كلب،و فيهم نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها (2)الآية.

قال:«و القائم يومئذ بمكة و قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به فينادي:أيها الناس إنّا أهل بيت نبيكم محمد صلّى اللّه عليه و آله».

ثم قال:«فيجمع اللّه عليه أصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و يجمعهم على غير ميعاد،و هي يا جابر الآية التي ذكرها اللّه في كتابه: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ7.

ص: 173


1- -البحار:230/52.
2- -سورة النساء:47.

عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فيبايعونه بين الركن و المقام».الحديث (2).

[218] غيبة النعماني:مسندا إلى أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:«كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ثم يطلبونه فلا يعطونه،فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا،و لا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم قتلاهم شهداء،أما أني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر».

أقول:قال صاحب بحار الأنوار أبقاه اللّه تعالى:لا يبعد أن يكون إشارة إلى الدولة الصفوية و يدل على أن هذه الدولة شيّد اللّه أركانها تتصل بدولة المهدي عليه السّلام (3).

[219] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن اللّه مائدة بقرقيسيا،يطلع مطلع من السماء فينادي:يا طير السماء و يا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين» (4).

[220] و بيانه في حديث آخر عن الباقر عليه السّلام:«إن لولد العباس و المروان لوقعة بقرقيسيا يشيب فيها الغلام،و يرفع اللّه عنهم النصر و يوحي إلى طير السماء و سباع الأرض:أشبعي من لحوم الجبارين،ثم يخرج السفياني» (5).

[221] جامع الأخبار:جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:حججت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجة الوداع فلمّا قضى الحج أتى مودع الكعبة فلزم حلقة الباب و نادى برفع صوته:«أيها الناس» فاجتمع أهل المسجد و أهل السوق فقال:«اسمعوا إني قائل ما هو بعدي كائن،فليبلغ شاهدكم غائبكم»ثم بكى و بكى الناس فقال:«اعلموا رحمكم اللّه إن مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلى أربعين و مائة سنة ثم يأتي من بعد ذلك شوك و ورق إلى مائتي سنة،ثم يأتي بعد ذلك شوك لا ورق فيه حتى لا يرى فيه إلاّ سلطان جائر أو غني بخيل أو عالم راغب في المال أو فقير كذّاب أو شيخ فاجر أو صبي وقح أو امرأة رعناء».3.

ص: 174


1- -سورة البقرة:148.
2- -البحار:239/52.
3- -كتاب الغيبة:273 ح 50،و البحار:83/51.
4- -كتاب الغيبة:278 ح 63،و البحار:246/52.
5- -البحار:251/52،و معجم أحاديث الشيعة:272/3.

ثم بكى صلّى اللّه عليه و آله.

فقام إليه سلمان و قال:يا رسول اللّه أخبرنا متى يكون ذلك؟

فقال:«إذا قلّت علماؤكم و ذهب قرّاؤكم و قطعتم زكاتكم و أظهرتم منكراتكم و علت أصواتكم في مساجدكم و جعلتم الدنيا فوق رؤوسكم و العلم تحت أقدامكم و الكذب حديثكم و الغيبة فاكهتكم و الحرام غنيمتكم،و لا يرحم كبيركم صغيركم و لا يوقّر صغيركم كبيركم،فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم و تجعل بأسكم بينكم،فإذا أوتيتم هذه الخصال توقعوا الريح الحمراء أو مسخا أو قذفا بالحجارة،و تصديق ذلك في كتاب اللّه عزّ و جلّ:

قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (1) .

فقام إليه جماعة من الصحابة فقالوا:يا رسول اللّه أخبرنا متى يكون ذلك؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«عند تأخير الصلوات و اتّباع الشهوات و شرب القهوات و شتم الآباء و الإمهات حتى ترون الحرام مغنما و الزكاة مغرما،و أطاع الرجل زوجته و جفا جاره و قطع رحمه،و ذهبت رحمة الأكابر و قلّ حياء الأصاغر،و شيدوا البنيان و ظلموا العبيد و الإماء و شهدوا بالهوى و حكموا بالجور،و يسب الرجل أباه و يحسد الرجل أخاه و يقابل الشركاء بالخيانة،و قل الوفاء و شاع الزنا و تزين الرجل بثياب النساء و سلب عنهن قناع الحياء و دبّ الكبر في القلوب كدبيب السم في الأبدان،و قل المعروف و ظهرت الجرائم و هونت العظائم و طلبوا المدح بالمال و قل الورع و كثر الطمع و الهرج و المرج،و أصبح المؤمن ذليلا و المنافق عزيزا.

مساجدهم معمورة بالآذان و قلوبهم خالية من الإيمان،بما استخفوا بالقرآن،فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين و قلوبهم قلوب الشياطين،كلامهم أحلى من العسل و قلوبهم أمرّ من الحنظل،فهم ذئاب و عليهم ثياب،ما من يوم إلاّ يقول اللّه تبارك و تعالى:أفبي تغترون أم علي تجترؤن أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا5.

ص: 175


1- -سورة الأنعام:65.

تُرْجَعُونَ (1) .

فوعزتي و جلالي لو لا من يعبدني مخلصا ما أمهلت من يعصيني طرفة عين و لو لا ورع الورعين من عبادي،لما أنزلت من السماء قطرة و لا أنبت ورقة خضراء،فواعجبا لقوم آلهتهم أموالهم و طالت آمالهم و قصرت آجالهم هم يطمعون في مجاورة مولاهم،و لا يصلون إلى ذلك إلاّ بالعمل و لا يتم العمل إلاّ بالعقل» (2).

أقول:الوقاحة:قلّة الحياء،و الرعناء:الحمقاء،و القهوة:الخمر،و بعض المتأخرين لمّا ذهب إلى تحريم القهوة المتعارفة في هذه الأعصار إمّا لاحتراقها أو لغيره،استدل بهذا الخبر و قال:إن لفظ القهوة و إن كان مشتركا بين الخمرة و القهوة،إلاّ أن القرينة تخصه بالثاني،لأن تعاطي الخمر و تناوله كان معروفا في الأعصار كلها،و ظاهر الحديث:أنه يأتي زمان يتعاطى فيه شرب القهوات فيكون هذا الزمان و هو كما ترى.

[222] كتاب العدد:قد ظهر من العلامات عدة كثيرة مثل:خراب حائط مسجد الكوفة،و قتل أهل مصر أميرهم،و زوال ملك بني العباس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم،و موت عبد اللّه آخر ملوك بني العباس،و خراب الشامات،و مدّ الجسر ممّا يلي الكرخ ببغداد،كل ذلك في مدة يسيرة،و انشقاق الفرات،و سيصل الماء إن شاء اللّه تعالى إلى أزقة الكوفة (3).

[223] و روى الشيخ أحمد بن فهد في كتاب المهذب و غيره في غيره بأسانيدهم عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:قال:«يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت و ولاة الأمر،و يظفره اللّه تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة» (4).

[224] و في كتاب المختصر:للحسن بن سليمان حديث طويل يسنده إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و فيه1.

ص: 176


1- -سورة المؤمنون:115.
2- -البحار:264/52.
3- -البحار:175/52 ح 169،و مجمع النورين:298.
4- -البحار:276/52 ح 171.

إن من جملة علامات[ظهوره عليه السّلام] (1)أن اللّه سبحانه أوحى إليه:أن خراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج.

أقول:قد وقع هذا في زمن دولة بني العباس،خرج من شرقي البصرة و حارب الخلفاء مدة عشرين سنة و أوقع السيف في البصرة و ما والاها و قتل ما يزيد على المائة ألف،و اختلف النسابون في تصحيح نسبه،و أنه هل هو من الذرية المحمدية أم من غيرهم؟و في الأخبار اختلاف فيه أيضا و هذا الحديث يدل على سيادته و أنه من الذرية العلوية،و قد تقدم ما يدل على نفيه عنهم و لعله الأصح.

و يستفاد من هذا الحديث و غيره أن علامات خروجه متقسمة على طول الأزمان،بمعنى أنه يجب وقوعها كلها قبل خروجه،و إن كان منها ما هو قريب أو مقارن لظهوره عليه السّلام،و منها ما هو بعيد عنه (2).

[225] علل الشرائع:بإسناده إلى الصادق عليه السّلام في وصف الحجر و الركن الذي وضع فيه قال عليه السّلام:«و من ذلك الركن يهبط الطير على القائم عليه السّلام،فأول من يبايعه ذلك الطير و هو و اللّه جبرئيل عليه السّلام و إلى ذلك المقام يسند ظهره،و هو الحجة و الدليل على القائم عليه السّلام و هو الشاهد لمن وافى ذلك المكان».

أقول:قوله:«و هو الشاهد»يعني:الركن الذي فيه الحجر،لأن الحجر فيه و ورد في صحيح الأخبار:أن الحجر كان من أعظم ملائكة الجنة و قد أودع فيه العهود التي أخذها من الخلائق في عالم الذر،فيشهد لكل من حجّ و وافاه،و يأتي يوم القيامة و له لسان طلق ذلق يشهد للخلائق.

و قول عمر بن الخطاب:إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ و لا تنفع و لكن أقبّلك لأن رسول اللّه قبّلك.من عظيم جهله و أنه لم يسمع الأخبار من النبي صلّى اللّه عليه و آله الواردة في شأنه،أو أنه سمعها غير مصدّق بها لعدم اعتقاده بالنبوة كما جاءت به الروايات (3).0.

ص: 177


1- -في نسخة:خروجه.
2- -كمال الدين:251،و البحار:70/51.
3- -علل الشرائع:426/2،و البحار:229/40.

[226] تفسير الثقة القمي:بإسناده إلى يحيى الخثعمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:«حم عسق:عداد سني القائم عليه السّلام و قاف:جبل محيط بالدنيا من زمرّد أخضر،فخضرة السماء من ذلك الجبل و علم علي عليه السّلام كل شيء في(عسق)» (1).

أقول:ورد في الأخبار:أن اللّه سبحانه خلق بحرا في الهوى،و كسوف الشمس و القمر يكون بالقائهما في ذلك البحر،و أن خضرة السماء تكون من مائه و لا منافاة بينهما لجواز أن تكون خضرة السماء مسببة عن الأمرين.

[227] الاحتجاج:بإسناده إلى الحسن بن علي عن أبيه عليه السّلام قال:«يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان يؤيده اللّه بملائكته و يدين له عرض البلاد و طولها،لا يبقى كافر إلاّ آمن به و لا طالح إلاّ صلح،و تصطلح في ملكه السباع،و تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما،فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه» (2).

أقول:جاءت الأحاديث مختلفة في تحديد أيام ملكه عليه السّلام،و جمع بينها بعض مشايخنا من أهل الحديث بأن بعضها محمول على جميع مدّة ملكه،و بعضها على زمان استقرار دولته،و بعضها على حساب ما عندنا من السنين و الشهور،و بعضها على سنينه و شهوره الطويلة،و اللّه يعلم.

[228] كمال الدين:بإسناده إلى المفضّل الجعفي،بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث يذكر فيه ظهور المهدي عليه السّلام و قال:«و لترفعن إثنتا عشرة راية مشتبهة و لا يدري أي من أي».

قال:فبكيت لمكان الاشتباه،فنظر عليه السّلام إلى شمس داخلة في الصفة فقال:«ترى هذه الشمس؟»

قلت:نعم.

قال:«و اللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس».

[229] و فيه أيضا:مسندا إلى عبد العظيم الحسني قال:قلت لمحمد بن علي بن موسى عليه السّلام ثم ذكر كلاما طويلا و قال عليه السّلام:«إن القائم هو الذي يحرم على الناس تسميته و هو4.

ص: 178


1- -تفسير القمي:268/2،و البحار:279/52.
2- -الإحتجاج:11/2،و البحار:21/44.

سمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيّه،و هو الذي تطوى له الأرض،يجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (1)فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر اللّه أمره،فإذا كمل له العقد و هو عشرة الآف رجل خرج بإذن اللّه عزّ و جلّ» (2).

[230] و عن الرضا عليه السّلام:«إن القائم عليه السّلام إذا خرج يكون شيخ السن شاب المنظر حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها،و أن من علامته أن لا يهرم بمرور الأيام و الليالي حتى يأتي أجله» (3).

[231] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أول من يبايعه جبرئيل عليه السّلام ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثم يضع رجلا على بيت اللّه الحرام و رجلا على بيت المقدس،ثم ينادي بصوت طلق ذلق تسمعه الخلائق:أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه» (4).

[232] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«يخرج يوم السبت يوم عاشوراء،اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام» (5).

[233] و عنه عليه السّلام:«سيأتي في مسجدكم-يعني مسجد مكة-ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة،فيبعث اللّه تبارك و تعالى ريحا فتنادي بكل واد:هذا المهدي يقضي بقضاء داود و سليمان عليهما السّلام لا يريد عليه بيّنة» (6).

[234] و قال عليه السّلام:«نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم عليه السّلام قوله عزّ2.

ص: 179


1- -سورة البقرة:148.
2- -البحار:283/52.
3- -كمال الدين:652 ح 12،و البحار:285/52 ح 16.
4- -كتاب الغيبة:235،و كمال الدين:671 ح 18.
5- -البحار:190/95 ح 3.
6- -كمال الدين:671 ح 19،و البحار:286/52.

و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (1)إنهم لمفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكة و بعضهم يسير في السحاب نهارا يعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه».

قال:فقلت:جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا؟

قال:«الذي يسير في السحاب نهارا» (2).

[235] و عن حذيفة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذكر المهدي فقال:«إنه يبايع بين الركن و المقام اسمه أحمد و عبد اللّه و المهدي،فهذه أسماؤه ثلاثتها» (3).

[236] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يملك القائم ثلاثمائة و تسع سنين كما لبث أهل الكهف و يقتل الناس حتى لا يبقى إلاّ دين محمد صلّى اللّه عليه و آله،يسير بسيرة سليمان بن داود عليه السّلام» (4).

[237] و عن عبد الكريم الخثعمي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم يملك القائم عليه السّلام؟ قال:«سبع سنين تكون سبعين سنة من سنينكم هذه» (5).

[238] و عنه عليه السّلام:«لا يخرج القائم عليه السّلام إلاّ في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع» (6).

[239] غيبة النعماني:مسندا إلى هشام بن سالم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«هما صيحتان:صيحة في أول الليل،و صيحة في آخر الليلة الثانية».

فقلت:و كيف ذلك؟

فقال:«واحدة من السماء و واحدة من إبليس».

فقلت:كيف تعرف هذه من هذه؟2.

ص: 180


1- -سورة البقرة:148.
2- -كمال الدين:672،و البحار:286/52 ح 21.
3- -كتاب الغيبة:454 ح 463،و البحار:291/52 ح 33.
4- -دلائل الإمامة:456 ح 39،و الغيبة:474 ح 496.
5- -روضة الواعظين:263،و الغيبة:453 ح 460.
6- -الغيبة:265 ح 31،و البحار:295/52.

فقال:«يعرفها من كان يسمع بها قبل أن تكون» (1).

أقول:يجب على المؤمن أن يعرف علامات ظهوره عليه السّلام و يتحققها من الأحاديث المروية عنهم عليهم السّلام حتى يكون على خبر منها و على علم بها عند وقوعها،كي لا تشتبه عليه الأمور و يتحيّر في التمييز بينها و بين علامات المبطلين من المخالفين.

[240] الكافي:عن يعقوب السراج قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:متى فرج شيعتكم؟

قال:«إذا اختلف ولد العباس،و وها سلطانهم،و خلع العرب أعنتها،و ظهر الشامي،و تحرك الحسني،و خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

فقلت:و ما تراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

قال:«سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و درعه و عمامته و بردته و قضيبه و رايته و لامته و سرجه،حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده و يلبس الدرع و ينشر الراية و البردة و العمامة و يتناول القصيب بيده،و يستأذن اللّه في ظهوره،فيطلّع على ذلك بعض موإليه،فيأتي الحسني فيخبره الخبر،فيبتدر الحسني إلى الخروج،فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه و يبعثون برأسه إلى الشام،فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه الناس و يتبعونه،و يبعث الشامي عند ذلك جيشا إلى المدينة،فيهلكهم اللّه عزّ و جلّ دونها و يهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السّلام الى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر و يقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق و يبعث جيشا إلى المدينة،فيأمن أهلها و يرجعون إليها» (2).

[241] كتاب الاختصاص:بإسناده إلى حذيفة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إذا كان عند خروج القائم عليه السّلام ينادي مناد من السماء:أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين،و ولي الأمر خير أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله فالحقوا بمكة،فيخرج النجباء من مصر،و الأبدال من الشام،و عصائب العراق،رهبان بالليل ليوث بالنهار،كأن قلوبهم زبر الحديد،فيبايعونه بين الركن و المقام».5.

ص: 181


1- -كتاب الغيبة:265،و البحار:295/52.
2- -شرح أصول الكافي:255/6 ح 5.

قال عمران بن الحصين:يا رسول اللّه صف لنا هذا الرجل.

قال:«هو رجل من ولد الحسين عليه السّلام عليه عباءتان قطوانيتان اسمه اسمي،فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها،و الحيتان في بحارها،و تمد الأنهار،و تفيض العيون،و تنبت الأرض ضعف أكلها،ثم يسير مقدمته جبرئيل و ساقيه إسرافيل عليهما السّلام،فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما» (1).

[242] و عن علي بن الحسين عليه السّلام:«إنه يخرج معه خمسون من أهل الكوفة و باقي الثلاثمائة و النيف من سائر الناس،يجتمعون في ساعة واحدة من غير تعارف بينهم» (2).

[243] و في خبر آخر أنه:«ما من بلدة إلاّ و يخرج معه منهم طائفة،إلاّ أهل البصرة فإنه لا يخرج معه منها أحد» (3).

[244] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«له-أي للقائم عليه السّلام-كنز بالطالقان ما هو بذهب و لا فضة،و راية لم تنشر منذ طويت،و رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات اللّه أشد من الحجر،لو حملوا على الجبال لأزالوها،لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خربوها كأن على خيولهم العقبان،يتمسحون بسرج الإمام عليه السّلام يطلبون بذلك البركة،و يحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب و يكفونه ما يريد،فيهم رجال لا ينامون الليل،لهم دوي في صلواتهم كدوي النحل يبيتون قياما على أطرافهم و يصبحون على خيولهم،رهبان بالليل ليوث بالنهار،هم أطوع له من الأمة لسيّدها،كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل،و هم من خشية اللّه مشفقون يدعون بالشهادة و يتمنون أن يقتلوا في سبيل اللّه،شعارهم يالثارات الحسين عليه السّلام،إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر،بهم ينصر اللّه إمام الحق» (4).

[245] و روى الشيخ أحمد في المهذب:بإسناده إلى المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت عليه السّلام و ولاة الأمر،و يظفره1.

ص: 182


1- -الإختصاص:208،و البحار:304/52 ح 73.
2- -البحار:103/9.
3- -شرح الأخبار:366/3،و البحار:307/52.
4- -البحار:308/52 ح 82،عصر الظهور:231.

اللّه تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة،و ما من يوم نيروز إلاّ و نحن نتوقع فيه الفرج،لأنه من أيامنا،حفظته الفرس و ضيعتموه» (1).

أقول:جاءت الأخبار متضافرة في فضل يوم النيروز،و ستأتي مفصّلة إن شاء اللّه تعالى.

[246] قرب الإسناد:عن الباقر عليه السّلام:«إذا قام قائمنا عليه السّلام اضمحلت القطائع فلا قطائع» (2).

أقول:القطائع:هي الأراضي من العراق و غيرها من المفتوحة عنوة،كان خلفاء بني أمية و بني العباس يقطعون بعضها لأمرائهم و نحوهم و يخصونهم بها لأجل يزرعونها أو يتخذون فيها الحدائق و البساتين،و كانت تسمى في تلك الأعصار:قطائع،و لمّا انقرضت الدولتان الأموية و العباسية و انتقل الملك إلى تيمورخان سمّوها:السور غال،و استمر لها الاسم و المعنى إلى الدولة الصفوية إلى هذا اليوم و إلى يوم القيامة إن شاء اللّه تعالى،و أكثر ما يخصون بها العلماء و أجلاّء السادة العلويين و من يحذي حذوهم،و أمّا أخذه عليه السّلام القطائع،فلأن شيعته لا يحتاجون إليها بما يمتحنهم اللّه تعالى من الكنوز و من أموال المخالفين،و أمّا المخالفون فهم يكونون في عصره عليه السّلام يحتاجون إلى كل شيء،حتى يأكل العذرة و به فسّر قوله تعالى: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (3).

[247] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لو قد قام القائم عليه السّلام لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله:يقتل الشيخ الزاني،و يقتل مانع الزكاة،و يورّث الأخ أخاه في الأظلة» (4).

أقول:يقتل الشيخ الزاني إذا كان مستوجبا للجلد،و يقتل مانع الزكاة إذا منعه من غير استحلال المنعة،و أمّا توريث الأخ أخاه في اللّه،فقد كان في صدر الإسلام ثم نسخه آية: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (5).5.

ص: 183


1- -المهذب:195/1،و البحار:276/52 ح 171.
2- -قرب الإسناد:80 ح 260،و البحار:309/52.
3- -سورة طه:124.
4- -الخصال:169 ح 223،و البحار:309/52 ح 2.
5- -سورة الأنفال:75.

و عالم الأظلة:هو عالم الأرواح الذي وقع التعارف فيه كما قال صلّى اللّه عليه و آله:«الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف».

و لمّا تعلقت الأرواح بهذه الأجسام و اشتغلت بتدبيره و علائقه،عزب عنها ذلك العالم القديم لكنها إذا رأت في هذا العالم من آخته في عالم الأرواح،بادرت إلى الإقبال إليه و مالت إلى محبّته،و تفكرت في أنها أين رأته و أين اجتمعت معه،و هي إنما رأته و تحابت معه في ذلك العالم القديم،و أمّا إنكارها في هذا العالم لم تنكره،و عدم ميلها إليه مع كثرة المعاشرة،فسببه التناكر في عالم الأرواح،و هذا مجمل ما فصلناه في شرحنا على كتاب التوحيد (1).

[248] و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«إن للقائم عليه السّلام علما إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عزّ و جلّ فناداه العلم:اخرج يا ولي اللّه فاقتل أعداء اللّه،و هما[رايتان] (2)و علامتان» (3).

[249] عيون الأخبار:عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام أنه قال:«إذا خرج القائم عليه السّلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائهم».

فقال عليه السّلام:«هو كذلك».

فقلت:و قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4)ما معناه؟

قال:«صدق اللّه في جميع أقواله،و لكن ذراري قتلة الحسين عليه السّلام يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه،و لو أن رجلا قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل،و إنّما يقتلهم القائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم».

قال:قلت له:بأي شيء يبدأ القائم عليه السّلام منكم إذا قام؟4.

ص: 184


1- -شرح أصول الكافي:196/9 ح 1،و البحار:265/2 ح 18.
2- -في بعض المصادر:آيتان.
3- -عيون الأخبار:65/2،و كمال الدين:155.
4- -سورة الأنعام:164.

قال:«يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم،لأنهم سرّاق بيت اللّه عزّ و جلّ» (1).

[250] و روى أنه دخل أبو حنيفة على الصادق عليه السّلام فقال له عليه السّلام:«أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (2)أين ذلك من الأرض؟»

قال:«أحسبه ما بين مكة و المدينة.

فالتفت أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى أصحابه فقال:«أتعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة و مكة فتؤخذ أموالهم و لا يأمنون على أنفسهم».

قال:فسكت أبو حنيفة.

فقال عليه السّلام:«يا أبا حنيفة أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (3)أين ذلك من الأرض؟»

قال:الكعبة.

قال:«أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟»

قال:فسكت.

فلمّا خرج قال أبو بكر الحضرمي:جعلت فداك الجواب في المسألتين.

فقال:«يا أبا بكر سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ -فقال-:مع قائمنا أهل البيت،و أمّا قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (4)فمن بايعه و دخل معه في عقد أصحابه كان آمنا» (5).

[251] علل الشرائع:عن عبد الرحيم القصير قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:«أما لو قام قائمنا عليه السّلام لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحدّ و حتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السّلام2.

ص: 185


1- -مسند الإمام الرضا:147/1 ح 195.
2- -سورة سبأ:18.
3- -سورة سبأ:18.
4- -سورة آل عمران:97.
5- -البحار:294/52.

منها».

قلت:جعلت فداك و لم يجلدها الحدّ؟

قال:«لفريتها على أم إبراهيم عليها السّلام».

قلت:كيف أخرّه اللّه للقائم؟

فقال:«إن اللّه تبارك و تعالى بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله رحمة و بعث القائم عليه السّلام نقمة» (1).

أقول:أمّا فريتها على أمّ إبراهيم القبطية جارية النبي صلّى اللّه عليه و آله فقد تقدم في المجلد الأول أنها:اتهمت مارية بأن إبراهيم من يوسف القبطي،لأنه كان يدخل على أمّ إبراهيم في غرفتها،و لمّا سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله كلامها اشتدّ غضبه و أمر أمير المؤمنين أن يأخذ سيفه و يأته برأس يوسف،و لمّا مضى علي عليه السّلام إليه رآه يوسف مغضبا فخاف و صعد نخلة أو جدارا،فوقع من فوقه لشدّة خوفه فكشف عن عورته فإذا هو مجبوب،فأتى به إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و كشّفه فرآه خصيّا فنزلت آية الإفك ناعية على الحميراء تهمتها لأمّ إبراهيم،و أمّا تأخير جلدها فلمصلحة و حكمة إلهية لا تخفى على أولي العقول و الألباب.

و كذلك ورد أنه عليه السّلام يجلدها على ما أتت به في طريق البصرة.

[252] و في الخصال:عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«إذا قام قائمنا عليه السّلام أذهب اللّه عزّ و جلّ عن شيعتنا العاهة و جعل قلوبهم كزبر الحديد،و جعل قوّة الرجل منهم قوة أربعين رجلا و يكونون حكام الأرض و سنامها» (2).

[253] قصص الأنبياء للراوندي طاب ثراه:بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم عليه السّلام في مسجد السهلة بأهله و عياله و هو منزل إدريس عليه السّلام و ما بعث اللّه نبيّا إلاّ و قد صلّى فيه،و المقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما من مؤمن و لا مؤمنة إلاّ و قلبه يحنّ إليه و ما من يوم و لا ليلة إلاّ و الملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون اللّه فيه،و لو كنت بالقرب منكم ما صليت إلاّ فيه» (3).2.

ص: 186


1- -علل الشرائع:580/2 ح 17.
2- -الخصال:541 ح 14،و روضة الواعظين:296.
3- -مستدرك الوسائل:417/3،و البحار:317/52.

[254] البصائر:عن رفيد مولى أبي هبيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:«يا رفيد كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم عليه السّلام قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة ثم أخرج المثال الجديد على العرب شديد».

قال:قلت:جعلت فداك ما هو؟

قال:«الذبح».

قال:قلت:بأي شيء يسير فيهم،أ يسير فيهم بما سار علي بن أبي طالب عليه السّلام في أهل السواد؟

قال:«لا يا رفيد إنّ عليّا سار بما في الجفر الأبيض و هو الكف و هو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده،و أن القائم عليه السّلام يسير بما في الجفر الأحمر و هو الذبح و هو يعلم أنه لا يظهر على شيعته» (1).

أقول:السواد هي أرض العراق،سمّيت به لأن الناظر إليها من بعيد يراها سودا لإشتباك نخلها و أشجارها،و المراد بها هنا أرض البصرة،و أمّا سيرته عليه السّلام فيها برد أموال أهلها بعد حيازة العسكر لها و أمره عليه السّلام لمالك الأشتر أن لا يجهز على جريحهم و لا يتبع مدبرهم،و من طلب الأمان فله الأمان،فليس على طريق استحقاقهم لما صنع معهم،بل هو استصلاح لشيعته لعلمه بأنهم يكون لهم دولة بعده،فأراد أن يصنع إلى شيعته كما صنع إليهم و ما وفوا له عليه السّلام.

[255] البصائر:مسندا إلى الباقر عليه السّلام قال:«كانت عصى موسى لآدم عليه السّلام فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى عليه السّلام،و أنها لعندنا و أن عهدي بها آنفا و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها،و أنها لتنطق إذا استنطقت أعدّت لقائمنا عليه السّلام ليصنع بها كما كان موسى عليه السّلام يصنع بها،و أنها لتروغ و تلقف ما يأفكون(و تصنع ما تؤمر،و أنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون،تفتح لها شفتان أحداهما في الأرض و الأخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا،و تلقف ما يأفكون بلسانها)» (2).

[256] و فيه:عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك إني أريد أن أمسّ3.

ص: 187


1- -بصائر الدرجات:175،و البحار:318/52 ح 18.
2- -الإمامة و التبصرة:116 ح 108،و البصائر:203.

صدرك؟

فقال:«افعل».

فمسست صدره و مناكبه،فقال:«و لم يا أبا محمد؟»

فقلت:جعلت فداك إني سمعت أباك و هو يقول:«إن القائم واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما».

فقال:«يا أبا محمد إن أبي عليه السّلام لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانت تسحب على الأرض و أني لبستها فكانت و كانت-يعني قريبة من الاستواء-و أنها تكون من القائم كما كانت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مشمرة»أي مرتفعة أذيالها من الأرض (1).

[257] و فيه:عن معاوية الدهني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ (2).

فقال:«يا معاوية ما يقولون في هذا؟»

قلت:يزعمون أن اللّه تبارك و تعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة،فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم و أقدامهم فيلقون في النار.

فقال لي:«و كيف يحتاج الجبار تبارك و تعالى إلى معرفة خلق أنشأهم(و هم خلقه)؟»

فقلت:جعلت فداك و ما ذلك؟

قال:«لو قام قائمنا أعطاه اللّه السيماء،فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم و أقدامهم ثم يخبط بالسيف خبطا».أي يضرب ضربا شديدا (3).

[258] و فيه:عن سورة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«أما إن ذا القرنين قد خيّر السحابين فاختار الذلول و ذخر لصاحبكم الصعب».

قلت:و ما الصعب؟

قال:«ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة و برق فصاحبكم يركبه،أما إنه سيركب6.

ص: 188


1- -البصائر:209،و البحار:319/52.
2- -سورة الرحمن:41.
3- -البصائر:376،و البحار:312/52 ح 26.

السحاب و يرقي في الأسباب،أسباب السماوات السبع(و الأرضين السبع)خمس عوامر و اثنتان خرابان» (1).

أقول:أسباب السماوات:هي طرقها،و محال الملائكة منه،فإنه عليه السّلام يرقى إلى السماء يرى فيها آثار القدرة الإلهية و يتشرف برؤيته ملائكة السماوات،و أمّا الأرضون السبع:فهي الأقاليم السبع التي بعضها عمران و بعضها خراب.

[259] و عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي محمد عليه السّلام فقال:«إذا قام القائم أمر بهدم المنار و المقاصير التي في المساجد،لأنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة» (2).

أقول:أمّا المنار:فهي من محدثات المجوس قبل الإسلام،كانوا يضعون على رأسها نار العبادة ليسجد لها أهل البلد،و لما جاء الفتح في زمن خلافة الثاني أمر أمير المؤمنين عليه السّلام بهدمها لأنها من سنن المجوس مع أن فيها الإشراف على بيوت المسلمين،فسوّل الخليفة الثاني للناس و قال:إن المؤذن يؤذن فوقها ليبلغ صوته إلى أقاصي البلاد،لأنه كان باطنا يدين بدين الكفّار و يحبّ إبقاء آثارهم،كما فعله بالحجر الأسود و غيره.

و أمّا المقاصير في المساجد:فقد أحدثها الخلفاء الجبّارون من بني أمية و بني العباس،و كانوا في حال الصلاة يقفون فيها و يغلقون بابها،و الناس يصلّون خلف بابها على طريق الإقتداء خوفا من أن يغتالوا في أثناء الصلاة،و صلاة من خلف الباب باطلة لعدم مشاهدة الإمام،و المقاصير و هي كالبيوت في المساجد الجامعة القديمة موجودة إلى الآن،رأيناها في كثير من البلاد.

[260] كمال الدين:عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«إذا قام القائم من مكة ينادي مناديه:ألا لا يحملن أحد طعاما و لا شرابا،و حمل معه حجر موسى بن عمران عليه السّلام و هو وقر بعير،فلا ينزل منزلا إلاّ انفجرت منه عيون،فمن كان جائعا شبع و من كان ظمآنا روي و رويت دوابهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة» (3).2.

ص: 189


1- -البصائر:429،و البحار:182/12.
2- -مستدرك الوسائل:384/3 ح 23،و البحار:323/52 ح 32.
3- -كمال الدين:671 ح 17،البحار:324/52.

[261] و فيه:مسندا إلى المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول:«أتدري ما كان قميص يوسف عليه السّلام؟»

قال:قلت:لا.

قال:«إن إبراهيم عليه السّلام لمّا أوقدت له النار نزل إليه جبرائيل عليه السّلام بالقميص و ألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ و لا برد،فلمّا حضرته الوفاة جعله في تميمة و علقه على إسحاق عليه السّلام و علقه إسحاق على يعقوب عليه السّلام فلمّا ولد يوسف عليه السّلام علقه عليه،و كان في عضده حتى كان من أمره ما كان،فلمّا أخرجه يوسف عليه السّلام بمصر من التميمة وجد يعقوب عليه السّلام ريحه و هو قوله عزّ و جلّ: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (1)فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة».

قلت:جعلت فداك،فإلى من صار هذا القميص؟

قال:«إلى أهله،و هو مع قائمنا عليه السّلام إذا خرج».

ثم قال:«كل نبي ورّث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله» (2).

[262] و عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع اللّه تبارك و تعالى له كل منخفض من الأرض و خفض له كل مرتفع،حتى تكون الدنيا عنده بمزلة راحته،فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟» (3).

[263] كامل الزيارات:بإسناده إلى أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كأني بالقائم على نجف الكوفة و قد لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يركب فرسا أدهم بين عينيه غرّة بيضاء،لا يبقى أهل بلاد إلاّ و هم يرون أنه معهم في بلادهم،فينشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا هزّها لم يبق مؤمن إلاّ صار قلبه كزبر الحديد و يعطى المؤمن قوة أربعين رجلا،و لا يبقى مؤمن ميت إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره،و يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بقيام القائم عليه السّلام،فينحط عليه عشرة آلاف ملك و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكا،و هم الذين كانوا مع6.

ص: 190


1- -سورة يوسف:94.
2- -علل الشرائع:53/1 ح 2،و البحار:144/17 ح 30.
3- -كمال الدين:674 ح 29،و البحار:328/52 ح 46.

نوح في السفينة و مع موسى عليه السّلام حين فلق البحر و مع عيسى عليه السّلام حين رفعه اللّه إليه،و أربعة آلاف ملك مع النبي صلّى اللّه عليه و آله مسوّمين و ألف مردفين و ثلاثمائة و ثلاثة عشر بدريين،و أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام فلم يأذن لهم في القتال،فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له:منصور،فلا يزوره زائر إلاّ استقبلوه و لا يودعه مودّع إلاّ شيّعوه و لا يمرض مريض إلاّ عادوه و لا يموت ميت الاّ صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته،و كل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه عليه السّلام» (1).

[264] غيبة الشيخ الطوسي:بإسناده إلى المفضل بن عمر قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها،و استغنى العباد من ضوء الشمس،و يعمّر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى،و يبني في ظهر الكوفة-يعني بالغري-مسجدا له ألف باب،و تتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء و بالحرة،حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سريعة السير يريد الجمعة فلا يدركها» (2).

[265] و في حديث آخر:«و يحفر من خلف قبر الحسين عليه السّلام لهم نهرا يجري الماء إلى الغريين حتى ينبذ في النجف،و يعمل على فوهته قناطر و ارحاء في السبيل،و كأني بالعجوز و على رأسها مكتل فيه برّ حتى تطحنه بكربلاء» (3).

[266] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«من أدرك منكم قائمنا فليقل حين يراه:السلام عليكم يا أهل بيت النبوة و معدن العلم و موضع الرسالة» (4).

[267] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القائم عليه السّلام يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى أساسه،و يردّ البيت إلى موضعه و يقيمه على5.

ص: 191


1- -كامل الزيارات:233 ح 5،و البحار:328/52.
2- -الغيبة:468،و البحار:330/52.
3- -الغيبة:469،و البحار:331/52.
4- -كمال الدين:653 ح 18،و البحار:36/51 ح 5.

أساسه،و يقطع أيدي بني شيبة السرّاق و يعلقها على الكعبة» (1).

[268] و في حديث رواه أبو بصير:«إذا قام القائم دخل الكوفة و أمر بهدم المساجد الأربعة،و يسيّرها عريشا كعريش موسى عليه السّلام،و تكون المساجد كلها جماء كما كانت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعا،و يهدم كل مسجد على الطريق و يسد كل كوّة إلى الطريق و كل جناح و كنيف و ميزاب إلى الطريق،و يأمر اللّه الفلك في زمانه فيبطىء في دوره حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة أيام و السنة كعشر سنين من سنينكم،و يفتح كابل شاه و هي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره،فيفتحها ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها و تكون داره» (2).

[269] الخرائج:عن أبي الربيع الشامي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا عليه السّلام إذا قام مدّ اللّه لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم،حتى لا يكون بينهم و بين القائم عليه السّلام بريد يكلمهم فيسمعون و ينظرون إليه و هو في مكانه» (3).

[270] و عنه عليه السّلام قال:«العلم سبعة و عشرون حرفا،فجميع ما جاءت به الرسل حرفان،فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين،فإذا قام قائمنا عليه السّلام أخرج الخمسة و العشرين حرفا فبثّها في الناس و ضمّ إليها الحرفين حتى يبثّها سبعة و عشرين حرفا» (4).

[271] الارشاد:عن الخثعمي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم يملك القائم عليه السّلام؟

قال:«سبع سنين تطول له الأيام و الليالي حتى تكون السنة مقدار عشر سنين من سنيكم،و إذا قام مطر الناس جمادي الآخرة و عشرة أيام من رجب مطرا لم تر الخلائق مثله ،فينبت اللّه به لحوم المؤمنين و أبدانهم في قبورهم،و كأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب،و في زمانه تظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها و يطلب الرجل منكم من يصله بماله و يأخذ منه زكاته،فلا يوجد أحد يقبل منه3.

ص: 192


1- -روضة الواعظين:265،و الغيبة:472 ح 492.
2- -الغيبة:475 ح 498،و البحار:333/52.
3- -الخرائج و الجرائح:841/2 ح 58،و مختصر بصائر الدرجات:117.
4- -البصائر:117،و البحار:336/52 ح 73.

ذلك،استغنى الناس بما رزقهم اللّه من فضله» (1).

[272] و عنه عليه السّلام:«إذا قام القائم من آل محمد عليه السّلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم يفعل ذلك ست مرات».

قلت:و يبلغ عدد هؤلاء هذا؟

قال:«نعم منهم و من مواليهم» (2).

[273] و قال عليه السّلام:«دولتنا آخر الدول،و لم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا،لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا:إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء،و هو قول اللّه تعالى: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (3)» (4).

[274] و قال عليه السّلام:«إن القائم عليه السّلام إذا قام لم يترك بدعة إلاّ أزالها و لا سنّة إلاّ أقامها،فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه،ثم يفعل اللّه ما يشاء».

قيل له:جعلت فداك كيف تطول السنون؟

قال:«يأمر اللّه تعالى الفلك باللبوث و قلّة الحركة،فتطول الأيام لذلك».

قال أبو بصير:قلت له:إنهم يقولون إن الفلك إن تغير فسد؟

قال:«ذلك قول الزنادقة،فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك،و قد شق اللّه القمر لنبيه صلّى اللّه عليه و آله ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون،و أخبر بطول يوم القيامة و أنه كألف سنة ممّا تعدّون».

أقول:الزنادقة هم حكماء الفلاسفة و المنجمون فإنّهم يقولون:الفلك لا يقبل الخرق و الالتئام و يلزم على هذا إنكار المعراج و انشقاق القمر و نحو ذلك من المعجزات،و أجابوا عن2.

ص: 193


1- -الإرشاد:381/2،و الغيبة:474 ح 497.
2- -روضة الواعظين:265،و البحار:338/52 ح 80.
3- -سورة الأعراف:128.
4- -روضة الواعظين:265،و الإرشاد:385/2.

المعراج بأنه معراج روحاني لا جسماني،و هو خلاف الاجماع و الضرورة من دين الإسلام (1).

[275] العياشي:عن ابن بكير قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قوله تعالى: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (2).

قال:«نزلت في القائم عليه السّلام إذا ظهر أخرج اليهود و النصارى و الصابئين و الزنادقة و أهل الردّة و الكفّار في شرق الأرض و غربها فعرض عليهم الإسلام،فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة و الزكاة و ما يؤمر به المسلم،و من لم يسلم يضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق و المغارب أحد إلاّ وحّد اللّه».

قلت له:جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك؟

فقال:«إن اللّه إذا أراد أمرا قلّل الكثير و كثّر القليل» (3).

[276] و روي حديثا طويلا عن الباقر عليه السّلام و فيه:«إن القائم عليه السّلام لا يقبل الجزية كما قبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو قول اللّه: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (4).

قال عليه السّلام:«يقاتلون و اللّه حتى يوحّد اللّه و لا يشرك به شيئا،و حتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب فلا يصحبها أحد» (5).

[277] و قال عليه السّلام:«إذا قام قائم آل محمد عليه السّلام استخرج من ظهر الكعبة سبعة و عشرين رجلا،خمسة عشر من قوم موسى الذين(يهدون)بالحق و به يعدلون،و سبعة من أصحاب الكهف،و يوشع وصي موسى،و مؤمن آل فرعون،و سلمان الفارسي،و أبا دجانة الأنصاري،و مالك الأشتر» (6).

[278] غيبة النعماني:عن سدير الصيرفي عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على0.

ص: 194


1- -تفسير نور الثقلين:176/5.
2- -سورة آل عمران:83.
3- -تفسير العياشي:184/1 ح 82،و البحار:320/52.
4- -سورة الأنفال:39.
5- -البحار:126/109.
6- -البحار:326/52،و تفسير العياشي:320/2 ح 90.

نفسه نذرا في جارية،و جاء بها إلى مكة قال:فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها،و جعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلاّ قال:جيئني بها و قد وفى اللّه نذرك.

فدخلني من ذلك وحشة شديدة،فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة.

فقال لي:انظر الرجل الذي يجلس عند الحجر الأسود و حوله الناس،و هو محمد بن علي بن الحسين عليه السّلام فأته فاخبره بهذا الأمر فانظر ما يقول لك فاعمل به.

فأتيته فأخبرته بالنذر و بما قال لي الحجبة فقال:«يا عبد اللّه إن البيت لا يأكل و لا يشرب،فبع جاريتك و انظر أهل بلادك ممّن حجّ هذا البيت،فمن عجز منهم عن نفقته فاعطه حتى يقوى عاى العود إلى بلاده».

ففعلت ذلك ثم أقبلت لا ألقى أحدا من الحجبة إلاّ قال:ما فعلت بالجارية.

فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر عليه السّلام.

فقالوا:هذا كذّاب جاهل لا يدري ما يقول.

فذكرت مقالتهم لأبي جعفر عليه السّلام فقال:«قد بلّغتني،فبلّغ عني،قل لهم:يقول لكم أبو جعفر:كيف بكم لو قد قطعت أيديكم و أرجلكم و علقت في الكعبة ثم يقال لكم نادوا:نحن سرّاق الكعبة».

فلمّا ذهبت لأقوم قال:«إنني لست أنا أفعل ذلك،و إنما يفعله رجل مني» (1).

[279] و فيه عن الباقر عليه السّلام قال:«إنمّا سمّي المهدي،لأنه يهدي إلى أمر خفي،و يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه عزّ و جلّ من غار أنطاكية،و يحكم بين أهل التوراة بالتوراة و بين أهل الإنجيل بالإنجيل و بين أهل الزبور بالزبور و بين أهل القرآن بالقرآن،و تجتمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض و ظهرها فيقول للناس:تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام و سفكتم فيه الدم الحرام،فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله،و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

أقول:قوله عليه السّلام:«و يحكم بين أهل التوراة»إلى آخره،يدل على أن أهل الكتب في6.

ص: 195


1- -كتاب الغيبة:237 ح 25،و البحار:350/52 ح 102.
2- -مستدرك سفينة البحار:505/10،كتاب الغيبة:237 ح 26.

زمانه عليه السّلام يبقون على مذاهبهم و مللهم و يحتاجون إلى المحاكمة بينهم،و يكون عليه السّلام هو الذي يحكم بينهم،و كذا ورد أنه عليه السّلام يقبل منهم الجزية،و هو مناف لما تقدم من أنه عليه السّلام لا يقبل من أحد إلاّ الإسلام أو السيف و القتل،و أن طوائف المسلمين و أهل الملل و غيرهم من الكفّار كلهم يوحّدون اللّه تعالى و يرجعون عمّا كانوا عليه من الخلاف،و كذلك روي أن شيعته عليه السّلام يكونون في زمانه ولاة و حكاما في الأمصار،و أن أهل الخلاف من النواصب و غيرهم يكونون رعية لهم في القرى و المزارع و يخدمونهم بما يحتاجون إليه،و هذا بظاهره ينافي دخول الناس كلهم في دين الشيعة الإمامية،لأنهم إذا صاروا كلهم مؤمنين فأين الرعية لهم و أهل الخدمة لما يراد منهم؟

قلت:جاءت الأخبار على تكثيرها مختلفة في كيفية خروجه عليه السّلام و في سيرته مع الناس و أنه عليه السّلام هل يقبل منهم شيئا غير الإسلام أم لا؟و يمكن الجمع بوجوه:

الأول: أن يكون قبوله الجزية من أهلها و غيرها من غيرهم في ابتداء دولته و أوائل ظهوره،ثم إذا مكّنه اللّه سبحانه من فتح البلدان و انقياد الخلائق له حملهم على الدخول في الإسلام فلا يقبل منهم غيره.

الثاني: أن يكون حكمه عليه السّلام بين أهل التوراة بتوراتهم و كذلك أهل الكتب و الأديان،حجة عليهم و على دخولهم في الإسلام،ليعلموا أنه الإمام الحجة،العالم بجميع الكتب السماوية،و قد تقرّر عندهم أنه لا يعلم الكتب الإلهية كلها إلاّ الأنبياء و أوصيائهم،فيكون هذا معجزة له عليه السّلام كما كان معجزة لجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإن اليهود و النصارى كانوا يمتحنونه بما في كتبهم،فإذا أخبرهم بما هو عندهم في التوراة و الإنجيل دخلوا في الإسلام.

الثالث: إن المخالف إذا استبصر في زمانه استبصارا عن حقيقة و يقين،يكون حكمه حكم شيعته عليه السّلام،و من استبصر خوفا و اتصف بشعائر الشيعة تقيّة،يكونون رعية و خدمة للشيعة و يأخذون منهم الأموال مثل أهل الذمة،لأنه عليه السّلام كما تقدم يعرف الناس بسيماهم و يميّز بين مؤمنهم و منافقهم،و كذلك خلّص شيعته عليه السّلام يميّزون بين الطيب من الناس و الخبيث منهم،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى وجوه أخر في تضاعيف الأبواب.

ص: 196

[280] الارشاد:روى جابر عن أبي جعفر عليه السّلام:«إذا قام قائم آل محمد عليه السّلام ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن على ما أنزله اللّه جلّ جلاله،فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم،لأنه يخالف فيه التأليف» (1).

[281] غيبة النعماني:بإسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا ظهر القائم عليه السّلام ظهر براية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خاتم سليمان و حجر موسى عليه السّلام و عصاه،ثم يأمر مناديه فينادي:ألا لا يحمل رجل منكم طعاما و لا شرابا و لا علفا.

فيقول أصحابه:إنه يريد أن يقتلنا و يقتل دوابنا من الجوع و العطش.

فيسير و يسيرون معه،فأول منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام و شراب و علف فيأكلون و يشربون و دوابهم حتى ينزل النجف بظهر الكوفة» (2).

أقول:يستفاد منه أنه عليه السّلام يكون حكمه في الملك حكم سليمان عليه السّلام و يزيد عليه أنه يركب على السحاب كما ركب سليمان على البساط،و كما سخّرت ريح الصبا تحمل سليمان عليه السّلام غدوّها شهر و رواحها شهر تسخّر له عليه السّلام ريح القدرة يتمكّن معها من طواف الدنيا كلها قبل أن يرتدّ طرف الإنسان إليه،بل يجلس عليه السّلام في مكانه و الدنيا كلها في قبضته يراها و ما فيها و يخاطب أهلها و يخاطبونه،و أنه عليه السّلام يحكم على الجنّ و الإنس و الطيور و الوحوش و الهواء،و يزيد عليه:حكمه على الملائكة و أهل السماوات و ما خلق اللّه سبحانه.

[282] و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن عليّا عليه السّلام قال:كان لي أن أقتل المولّي-يعني المدبر-و أجهز على الجريح،و لكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا،و القائم له أن يقتل المولّي و يجهز على الجريح» (3).

أقول:فيه دلالة على ما هو الأصح من القولين بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم و هو:أن ما صنعه عليه السّلام معهم بعد التمكن إنما كان من باب المنّ عليهم لا للاستحقاق و الوجوب كما هو القول الآخر،و ما ورد في بعض الأخبار من أنه عليه السّلام يسير إذا ظهر بسيرة أمير0.

ص: 197


1- -الإرشاد:386/2،البحار:339/52 ح 85.
2- -كتاب الغيبة:238 ح 28،و البحار:351/52.
3- -الغيبة:232 ح 15،و البحار:353/52 ح 110.

المؤمنين عليه السّلام،فالمراد كما ورد في غير حديث:أنه يأكل الجشب و يأكل الخشن و يقوم بالسيف و الجهاد و العبادة مثل أمير المؤمنين عليه السّلام.

و من ثم جاء في صحيح الأخبار الأئمة تسعة[أفضلهم] (1)قائمهم.

[283] و عنه عليه السّلام قال:«بينا الرجل على رأس القائم عليه السّلام يأمره و ينهاه إذ قال:أديروه فيديرونه إلى قدّامه فأمر بضرب عنقه،فلا يبقى في الخافقين شيء إلاّ خافه» (2).

أقول:و ذلك أنه عليه السّلام إذا خرج يحمل بعلمه في الأحكام و غيرها،و من عمل منه النفاق جاز له قتله حتى يخافه الناس،و لأنه يدعوا المنافقين إلى تطهير قلوبهم من رذائل الأخلاق.

[284] و فيه:مسندا إلى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:«ألا أريك قميص القائم عليه السّلام الذي يقوم عليه؟».

فقلت:بلى.

فدعى بقمطر-و هو ما يصان به الكتب-ففتحه و أخرج منه قميص كرابيس فنشره،فإذا في كمّه الأيسر دم فقال:«هذا قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذي كان عليه يوم ضربت رباعيته،و فيه يقوم القائم عليه السّلام».

فقبّلت الدم و وضعته على وجهي،ثم طواه أبو عبد اللّه عليه السّلام و رفعه.

أقول:هذا قميصه صلّى اللّه عليه و آله الذي لبسه في واقعة أحد،و خصّ هذا القميص بخروج القائم عليه السّلام به للاقتصاص ممّن حارب النبي صلّى اللّه عليه و آله في تلك الواقعة و أجرى الدم من رباعيته و من رأسه،فإن المشركين شجّوه شجّة عظيمة حتى سال دمه على لحيته و وجهه،و كان يتلقى الدم بيده و يرمي به نحو السماء و الملائكة تختطفه و تتبرك به،و قال له في ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:«إن دمي إذا وقع على الأرض يغضب اللّه سبحانه و تعالى على أهل الأرض و يهلكهم بالعذاب،و قد بعثني ربّي رحمة للأمة فلا أكون نقمة عليها».

و كان في تلك الحالة يدعوا لهم و يقول:«اللهم اهد قومي فإنّهم جهلوا قدري».

و هو كالاعتذار لهم عمّا أتوه،و أين رحمته صلّى اللّه عليه و آله لأمته من قول نبي اللّه نوح على نبينا و آله7.

ص: 198


1- -كذا في المخطوط،و ورد في رواية في غيبة النعماني:67.
2- -الغيبة:239 ح 32،و البحار:355/52 ح 117.

و عليه السلام:ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا.

[285] و فيه:عنه عليه السّلام:«إذا قام القائم عليه السّلام نزلت الملائكة ثلاثمائة و ثلاثة عشر،ثلث على خيول شهب و ثلث على خيول بلق و ثلث على خيول حمر» (1).

[286] و فيه:عن المفضل قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بالطواف فنظر إليّ و قال:«يا مفضل مالي أراك مهموما متغير اللون؟»

فقلت:جعلت فداك نظري إلى بني العباس و ما في أيديهم من هذا الملك و السلطان و الجبروت فلو كان ذلك لكم لكنّا فيه معكم.

فقال:«يا مفضل أمّا لو كان ذلك لم يكن إلاّ قيام الليل و سياحة النهار و أكل الجشب و لبس الخشن شبه أمير المؤمنين عليه السّلام و إلاّ فالنار،فزوي ذلك عنّا فصرنا نأكل و نشرب،و هل رأيت ظلامة يجعلها اللّه نعمة مثل هذا» (2).

أقول:قبل أن تنتهي الخلافة الظاهرة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام كان يأكل الطعام اللذيذ و يلبس الفاخر من الثياب و يأكل حتى يشبع إلى غير ذلك،و لمّا صار خليفة قتّر على نفسه في المأكل و الملبس و جميع الأمور،فقيل له في ذلك،فأجاب عليه السّلام بجوابين أحدهما:أن لا يشق على الفقير فقره،لأنه إذا رأى إمامه و خليفة اللّه سبحانه يقتصد في أموره مع ما هو فيه من الملك و السلطان و يسلك في أموره مسالك الفقراء هان على الفقير فقره و صبر عليه.

و ثانيهما:أنه عليه السّلام قال لمّا سئل عن ذلك:«أبيت شبعانا و لعل في اليمامة و أطراف البلاد من يبيت جائعا لا يشبع».

و ينبغي أن يكون سلوك الإمام في سلطانه مثل أفقر الرعية،و القائم عليه السّلام يقتدي بأمير المؤمنين عليه السّلام،لأنه صاحب ملك و سلطان،و أمّا باقي الأئمة عليهم السّلام فكانوا يتأنقون في المطاعم و الملابس و غير ذلك،لأن الخلافة كانت في أيدي غيرهم من أهل الظلم و الجور،و بهذا أجاب الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام الصوفية و هم سفيان الثوري و أصحابه،لمّا دخلوا عليه المسجد و رأوه في زي حسن من الثياب و قالوا له:كيف تلبس هذه الثياب الفاخرة2.

ص: 199


1- -الغيبة:244 ح 44،و البحار:356/52.
2- -الكافي:410/1 ح 2،البحار:359/52.

مع أن جدّك أمير المؤمنين عليه السّلام كان يرقع مدرعته حتى كان يستحي من راقعها؟

و جواب آخر قاله عليه السّلام و هو أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان في زمن ضنك على المسلمين و كان يسلك في أموره مثلهم،أمّا الآن و هو اتساع الأمور بين الناس و الخصب و الرخاء،فلو كان أمير المؤمنين عليه السّلام موجودا لسلك مسالك الناس و تزيّا بزيهم،و إلاّ لأشتهر بين الناس بالرياء و التقشف و أحسن زي الرجال ما يوافق[أهل]ذلك الزمان.

[287] و فيه:عن الفضيل قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشدّ ما استقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من جهّال الجاهلية،لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتى الناس و هم يعبدون الحجارة و الصخور و العيدان و الخشب المنحوتة،و أن قائمنا عليه السّلام إذا قام أتى الناس و كلهم يتأوّل عليه كتاب اللّه و يحتج عليه به» (1).

أقول:هذه إشارة إلى ما روي عنه عليه السّلام:«يا علي أنا قاتلت الناس على تنزيل القرآن و أنت تقاتلهم بعدي على تأويله» (2).

و معناه:أنه صلّى اللّه عليه و آله قاتل قريشا و غيرهم من الكفار على إنكارهم القرآن و تنزيله و قالوا:إنه أساطير الأولين و أنه من قول محمد لم ينزل به جبرئيل من الربّ الجليل.

و أمّا الناس بعده صلّى اللّه عليه و آله فكانوا مصدّقين بالقرآن و مكذبين في تأويل معانيه،و كانوا يتأولون آياته على ما يوافق أغراضهم و مطالبهم،فقاتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام لأجل يردهم عن تلك التأويلات الباطلة إلى تأويلاته التي هي مراد اللّه عزّ و جلّ من آيات القرآن.

[288] و فيه:عنه عليه السّلام أنه قال:«ثلاثة عشر مدينة و طائفة يحارب القائم عليه السّلام أهلها و يحاربونه:أهل مكة و أهل المدينة و أهل الشام و بنو أمية و أهل البصرة و أهل دميسان- و هي قرية بالهراة-و الأكراد و الأعراب و ضبّة و غنى و باهلة و أزد و أهل الري» (3).

[289] و قال:«إذا خرج القائم عليه السّلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه أهله و دخل في2.

ص: 200


1- -البحار:362/52.
2- -الأمالي:547،و الإحتجاج:191/1.
3- -الغيبة:299 ح 6،و البحار:363/52.

سنّته عبدة الشمس و القمر» (1).

أقول:هذا تأويل ما روي من قوله عليه السّلام:«و اللّه لتغربلنّ غربلة و لتبلبلنّ بلبلة و لتساطنّ سوط القدر حتى يجعل أعلاكم أسفلكم و أسفلكم أعلاكم».

و قد تغربلت هذه الأمة بعد نبيّها صلّى اللّه عليه و آله مرتين:مرّة في وقت غصب الخلافة و ارتداد الناس كلهم إلاّ ثمانية،فإن جماعات كثيرة كانوا من أهل السابقة و الطاعة و قصّروا في النصرة لأمير المؤمنين عليه السّلام حتى وقعوا بالارتداد و التقصير،و المرّة الثانية:في واقعة كربلاء،فإن الذين خرجوا على الحسين عليه السّلام كانوا أنصار أبيه و جنوده الذين قاتل بهم أهل الشام،و بقيت المرّة الثالثة في عصر القائم عليه السّلام،فإنه قد تقدم ما فيه من الابتلاء و التمحيص و رجوع كثير إلى متابعة الدجال و السفياني.

[290] و فيه:مسندا إلى ابن نباتة قال:سمعت عليّا عليه السّلام يقول:«كأني بالعجم و فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما أنزل.

قلت:يا أمير المؤمنين أ و ليس هو كما أنزل؟

فقال:«لا،محي منه سبعون من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما ترك أبو لهب إلاّ للازراء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأنه عمّه» (2).

أقول:روي مستفيضا في الأخبار أنه كان في القرآن لعن بني أمية و جماعة من قريش بأسمائهم فأسقطوهم من قرآن عثمان و من باقي المصاحف التي كانت في أعصار معاوية،حتى أنه روى عمرو بن العاص لمّا كان واليا على مصر من قبل عثمان قال يوما على المنبر:انظروا إلى إنصاف بني أمية قد كان في القرآن ألف آية نزلت في لعنهم و الطعن عليهم و أعطوا القرّاء على كل آية درهما فرفعوها من المصاحف،و أنا أعطيت مائة ألف درهم على أن يرفع من القرآن إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)فما رفعوها.

فلمّا اتصل الخبر بمعاوية كتب إليه:3.

ص: 201


1- -كتاب الغيبة:317 ح 1.
2- -الغيبة:318 ح 5،و البحار:364/52.
3- -سورة الكوثر:3.

مالك و هذ الكلام،لا تعد إليه.

[291] و فيه:عن الصادق عليه السّلام قال:«إذا قام القائم في أقاليم الأرض عيّن في كل إقليم رجلا يقول:عهدك كفّك فإذا ورد عليك ما لا تفهمه و لا تعرف القضاء فيه،فانظر إلى كفّك و اعمل بما فيها».

قال:«و يبعث جندا إلى القسطنطينية،فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا و مشوا على الماء،فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا:هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟

فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون» (1).

[292] و فيه:عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ليعد أحدكم لخروج القائم عليه السّلام و لو سهما،فإن اللّه إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه و يكون من أعوانه و أنصاره» (2).

أقول:قوله عليه السّلام:«و لو سهما»محمول على الحقيقة و المبالغة،فيكون أقلّه السهم و أكثره ما فوق السهم،و يشمل كلما يصلح للحرب من السيف و الرمح و الفرس و الدرع و غير ذلك من الآلة،و المراد:أنه يهيء عنده آلة و ينوي بقلبه أو يلفظ بكلامه أنه تملّكها أو عزلها من ماله لأجل إعانة صاحب الزمان عليه السّلام إمّا بنفسه أو يعطيها غيره،و ربّما استفيد منه جواز الوقف على هذه الجهة الخاصة.7.

ص: 202


1- -مستدرك سفينة البحار:545/8.
2- -مستدرك سفينة البحار:112/7.

[293] الاختصاص للمفيد طاب ثراه:بإسناده إلى بريد العجلي قال:قيل لأبي جعفر عليه السّلام:إن أصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة فلو أمرتهم لأطاعوك و اتبعوا أمرك.

فقال:«يجيء أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته؟»

فقال:لا.

قال:«فهم بدمائهم أبخل».

ثم قال:«إن الناس في هدنة تناكحهم و توارثهم و تقيم عليهم الحدود و تؤدي أمانتهم حتى إذا قام القائم عليه السّلام جاءت المزايلة و يأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه».

[294] تفسير ابن الفرات من علمائنا:قال رجل لجعفر بن محمد عليه السّلام:نسلّم على القائم عليه السّلام بأمرة المؤمنين؟

قال:«لا،ذلك اسم سمّاه اللّه أمير المؤمنين عليه السّلام لا يسمّى به أحد قبله و لا بعده إلاّ كافر».

قال:فكيف نسلّم عليه؟

قال:«تقول:السلام عليك يا بقية اللّه-ثم قرأ عليه السّلام-: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)» (2).

أقول:أول من تسمّى بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ولايته،لأن الناس كانوا يخاطبون أبا بكر:خليفة رسول اللّه،فلمّا مضى إلى التابوت و استخلف بعده عمر،كانوا يخاطبونه:يا خليفة خليفة رسول اللّه،فموّه عليهم أن هذا الاسم يطول و لكن أنتم المؤمنون و أنا أميركم فسمّوني أمير المؤمنين،فسمّوه به ثم تعاطاه الخلفاء من بعده،و هو شريك في ذنب كل من تسمّى به،و هاهنا ورد أن الذي يتسمّى به كافر.5.

ص: 203


1- -سورة هود:86.
2- -البحار:373/52 ح 165.

[295] و روى الثقة العياشي:عند تفسير قوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً (1).

إنه ما تسمّى أحد بأمير المؤمنين غير علي عليه السّلام إلاّ كان ممّن يؤتى في دبره و له حظ من الأنوثية،و هذا المعنى قد شاع عن عمر بين الفريقين و روي في الأخبار أيضا.

[296] و قال الصادق عليه السّلام:«إن لنا حقّا ابتزه منّا معادن الابن» (2).

و هو عام في خلفاء الجور العباسية و الأموية و غيرهم من المخالفين،و قد صنّف شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين كتاب في إثبات هذه الحالة لجميع الخلفاء و أولادهم بالدلائل و التواريخ و القصائد،ليكون تفصيلا لما في الحديث من الاجماع.

[297] حكي عن قاضي بغداد أنه قال يوما:و ما أظن ولدا بلغ الحلم إلاّ و قد فعل به.

فقيل له:كيف تكون هذه القضية عامة و مولانا القاضي غير داخل فيها؟

فقال:إن حلفت لكم أنه ما فعل بي تصدقوني؟

يعني لا ينبغي لكم تصديقي،و قد ذكرنا حكايات غريبة من هذا القبيل في كتاب زهر الربيع من أراده راجعه من هناك.

[298] و في ذلك الكتاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قام القائم عليه السّلام عرضوا عليه كل ناصب فإن أقرّ بالإسلام و هي الولاية و إلاّ ضربت عنقه،أو أقرّ بالجزية فأداها كما يؤدون أهل الذمة» (3).

[299] و روى الشيخ طاب ثراه في التهذيب:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف مسجد الكوفة:في وسطه عين من لبن و عين من ماء شراب للمؤمنين».5.

ص: 204


1- -سورة النساء:117.
2- -شجرة طوبى:69/1.
3- -البحار:373/52،و معجم أحاديث الشيعة:290/5.

[300] و في كتاب الاختصاص:عن الصادق عليه السّلام قال:«إذا قام القائم عليه السّلام أتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا-و أومىء بيده إلى موضع ثم قال:احفروا هاهنا.

فيحفرون فيستخرجون اثنى عشر ألف درع و اثنى عشر ألف سيف و اثنى عشر ألف بيضة لكل بيضة وجهين،ثم يدعو اثنى عشر ألف رجل من الموالي و العجم فيلبسهم ذلك ثم يقول:من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه» (1).2.

ص: 205


1- -الإختصاص:334،و البحار:377/52.

فائدة

[301] قال شيخنا الطبرسي طاب ثراه في كتاب أعلام الورى:فإن قيل:إذا حصل الاجماع على أن لا نبي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنتم قد زعمتم أن القائم عليه السّلام إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب و أنه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين و يأمر بهدم المساجد و المشاهد و أنه يحكم بحكم داود عليه السّلام لا يسأل بيّنة و أشباه ذلك ممّا ورد في آثاركم،و هذا يكون نسخا للشريعة و إبطالا لأحكامها،فقد أتيتم معنى النبوة و إن لم تتلفظوا باسمها،فما جوابكم عنها؟

الجواب:إنّا لم نعرف ما تضمنه السؤال من أنه عليه السّلام لا يقبل الجزية من أهل الكتاب و أنه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين،فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به.

فأمّا هدم المساجد و المشاهد،فقد يجوز أن يختص بهدم ما بني من ذلك على غير تقوى اللّه تعالى و على خلاف ما أمر اللّه سبحانه،و هذا مشروع قد فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و أمّا ما روي من أنه عليه السّلام يحكم بحكم داود عليه السّلام لا يسأل عن بينة،فهذا أيضا غير مقطوع به و إن صحّ فتأويله:أنه يحكم بعلمه فيما يعلمه،و إذا علم الإمام و الحاكم أمرا من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه و لا يسأل عنه،و ليس في هذا نسخ للشريعة،على أن هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية و استماع البيّنة إن صحّ لم يكن نسخا للشريعة،لأن النسخ هو ما تأخر دليله عن الحكم المنسوخ و لم يكن مصطحبا له،فأمّا إذا اصطحب الدليلان فلا يكون ذلك نسخا لصاحبه و إن كان مخالفه في المعنى،و لهذا اتفقنا على أن اللّه سبحانه لو قال:الزموا السبت إلى وقت كذا ثم لا تلزموه.

لا يكون نسخا،لأن الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب،و إن صحت هذه الجملة و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله قد أعلمنا بأن القائم عليه السّلام من ولده يجب اتباعه و قبول أحكامه،فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا-و إن خالف بعض الأحكام المتقدمة-غير عاملين بالنسخ،لأن النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل،انتهى.

ص: 206

[302] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قدم القائم عليه السّلام وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر-يعني قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله-فيبعث اللّه تعالى ريحا شديدة و صواعق و رعودا،حتى يقول الناس إنّما ذا لذا،فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد،فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول،ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه و يضرب المعول بيده،فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه فيهدمون الحائط،ثم يخرجهما غضين رطبين فيلعنهما و يتبرأ منهما و يصلبهما ثم ينزلهما و يحرقهما ثم يذريهما في الريح» (1).

أقول:الرعد و البرق حال نبش قبري فلان و فلان،و اخراجهما غظين طريين،إنما هو من جملة الامتحان و الابتلاء الذي يتمحّص و يتميز به المخلصين من غير المخلصين،و لذا ورد في الحديث أنه«يبقى من كل عشرة واحد».

[303] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يقدم القائم عليه السّلام حتى يأتي النجف،فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني و أصحابه و الناس معه و ذلك يوم الاربعاء،فيدعوهم و يناشدهم حقّه و يخبرهم أنه مظلوم.

فيقولون:ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك.

فيتفرقون من غير قتال،فإذا كان يوم الجمعة فيعاود،و يجيء سهم فيصيب رجلا من المسلمين فيقتله،فيقال:إن فلانا قد قتل،فعند ذلك ينشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر،فإذا زالت الشمس هبّت الريح له،فيحمل عليهم هو و أصحابه فيمنحهم اللّه أكتافهم و يولون،فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة و ينادي مناديه:ألا لا تتبعوا مواليا و لا تجهزوا على جريح،و يسير بهم كما سار علي عليه السّلام يوم البصرة» (2).

[304] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا بلغ السفياني أن القائم عليه السّلام قد توجه إليه من ناحية الكوفة،يتجرد بخيله حتى يلقى القائم عليه السّلام فيخرج فيقول:اخرجوا إليّ ابن عمّي.

فيخرج إليه السفياني فيكلمه القائم عليه السّلام فيجيء السفياني فيبايعه ثم ينصرف إلى أصحابه فيقولون له:ما صنعت؟فيقول:أسلمت و بايعت.5.

ص: 207


1- -البحار:386/52.
2- -البحار:387/52 ح 205.

فيقولون له:«قبّح اللّه رأيك بينما أنت خليفة متبوع فصرت تابعا.

فيستقبله فيقاتله ثم يمسون تلك الليلة ثم يصبحون للقتال فيقتلون يومهم ذلك،ثم إن اللّه تعالى يمنح القائم و أصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم،حتى أن الرجل يختفي في الشجرة و الحجرة،فتقول الشجرة و الحجرة:يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله،فيقتله،فتشبع السباع و الطيور من لحومهم،فيقيم بها القائم عليه السّلام ما شاء،ثم يعقد راية لواء إلى القسطنطينية فيفتحها و لواء إلى الصين فيفتحها و لواء إلى جبال الديلم فتفتح له.

و ينهزم قوم كثير من بني أمية حتى يلحقوا بأرض الروم،فيطلبوا إلى ملكها أن يدخلوا إليه.

فيقول لهم الملك:لا ندخلكم حتى تدخلوا في ديننا و تنكحونا و ننكحكم و تأكلوا لحم الخنازير و تشربوا الخمر و تعلقوا الصلبان في أعناقكم و الزنانير في أوساطكم.

فيقبلون ذلك فيدخلونهم،فيبعث إليهم القائم عليه السّلام:أن أخرجوا هؤلاء الذين أدخلتموهم.

فيقولون:قوم رغبوا في ديننا و زهدوا في دينكم.

فيقول عليه السّلام:إنكم إن لم تخرجوهم وضعنا السيف فيكم.

فيقولون له:هذا كتاب اللّه بيننا و بينكم.

فيقول:قد رضيت به.

فيخرجون إليه،فيقرأ عليهم و إذا في شرطه الذي شرط عليهم أن يدفعوا إليه من دخل إليهم مرتدا عن الإسلام،و لا يردّ إليهم من خرج من عندهم راغبا في الإسلام،فإذا قرأ عليهم الكتاب و رأوا هذا الشرط لازما لهم أخرجوهم إليه،فيقتل الرجال و يبقر بطون الحبالى و يرفع الصلبان في الرماح و يقتسمون أموالهم،ثم تسلم الروم على يده فيبني فيهم مسجدا و يستخلف عليهم رجلا من أصحابه ثم ينصرف» (1).

[305] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يقضي القائم عليه السّلام بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف و هو قضاء آدم عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم،ثم يقضي الثانية6.

ص: 208


1- -البحار:389/52 ح 206.

فينكرها قوم آخرون ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف و هو قضاء داود عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم،ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف و هو قضاء إبراهيم عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم،ثم يقضي الرابعة و هو قضاء محمد صلّى اللّه عليه و آله فلا ينكرها أحد عليه» (1).

[306] و عن أبي الجارود قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا الأمر؟

قال:«يمسي من أخوف الناس و يصبح من آمن الناس،يوحى إليه هذا الأمر ليله و نهاره».

قال:قلت:يوحى إليه يا أبا جعفر؟

قال:«إنه ليس بوحي نبوة،و لكن يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران و إلى أم موسى و إلى النحل» (2).

أقول:الوحي هنا بمعنى الإلهام،لأنه نوع من أنواع الوحي و إن كان المراد على يدي الملائكة فيكون غير جبرائيل عليه السّلام،لأنه الذي يجيء الأنبياء عليهم السّلام و إن كان جبرئيل عليه السّلام فيكون تبليغه بتأكيد ما عنده عليه السّلام من كتاب الجفر و الجامعة و سائر الكتب السماوية لا أن ما يأتي به أحكام مبتدأ كأحكام النبوة.

[307] و روى السيد الأعظم علي بن طاووس طاب ثراه في كتاب الفتن:هو عندي بخطه و موضوعه الملاحم عن المعصومين:في الأخبار عن أحوال القائم عليه السّلام حديثا يسنده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في أسماء الثلثمائة و ثلاثة عشر رجلا الذين يخرجون أولا مع القائم عليه السّلام و أسماء بلدانهم،قال عليه السّلام:«رجلان من البصرة،و رجل من الأهواز،و رجل من مدينة تستر،و رجل من دورق،و رجلان من عمان محمد و الحسن،و ثلاثة من شيراز حفص و يعقوب و علي،و أربعة من أصفهان موسى و علي و عبد اللّه و غلفان،و رجل من الكرخ اسمه عبد اللّه،و رجل من نهاوند اسمه عبد الرزاق،و ثلاثة من همدان جعفر و إسحاق3.

ص: 209


1- -البحار:389/52 ح 207،و معجم أحاديث المهدي:309/3.
2- -البحار:389/52 ح 207،و معجم أحاديث المهدي:290/3.

و موسى،و عشرة من قم أسماؤهم على أسماء بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و رجل من خراسان اسمه دريد،و رجل من جرجان،و رجل من هراة،و رجل من بلخ،و رجل من عانة،و رجل من دامغان،و رجل من ساوه،و رجل من سمرقند،و أربعة و عشرين من الطالقان و هم الذين ذكرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:في خراسان كنوز لا ذهب و لا فضة و لكن رجال يجمعهم اللّه و رسوله،و رجلان من قزوين،و رجل من فارس،و رجل من أبهر،و ثلاثة من مراغة،و ثلاثة من واسط،و عشرة من الزوراء،و أربعة من الكوفة،و رجل من القادسية،و رجل من سورا،و رجل من الصراة،و رجل من النيل،و رجل من جرجان،و رجل من الأنبار،و رجل من عكبرا،و ثلاثة من عبادان،و رجل من الموصل،و رجل من الرقّة،و ثلاثة من طرسوس،و رجل من انطاكية،و ثلاثة من حلب،و رجلان من حمص،و أربعة من دمشق،و رجلان من بيت المقدس،و رجل من عسقلان،و رجل من الاسكندرية،و خمسة من[السوس] (1)الأقصى،و عشرة من مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و أربعة من مكة،و رجل من الطائف،و رجل من الدبر،و رجل من الشيروان،و رجل من القطيف،و رجل من هجر،و رجل من اليمامة،و رجل من الأحساء».

قال علي عليه السّلام:«أحصاهم لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعدد أصحاب بدر،جمعهم اللّه من مشرقها إلى مغربها في أقل ممّا(تنمّ الرجل عيناه)عند بيت اللّه الحرام،فإذا انجلى الصباح خرج إليهم المهدي عليه السّلام من تحت ستارة الكعبة فيبايعونه» (2).

[308] و روى في ذلك الكتاب حديثا آخر عن الصادق عليه السّلام و فيه:«إن من الترمذ رجلان،و من الصامغان رجلان،و من طوس خمسة رجال،و من مرو اثنا عشر رجلا،و من نيسابور سبعة عشر رجلا،و من سجستان ثلاثة رجال،و من الري سبعة رجال،و من هرات اثنا عشر رجلا،و من طبرستان أربعة رجال،و من قم ثمانية عشر رجلا،و من همدان أربعة رجال،و من حلب أربعة رجال،و من دمشق أربعة رجال،و من بعلبك رجل،و من فارس رجل،و من الربذة رجل،و من صنعاء رجلان،و من الكوفة أربعة عشر رجلا،و من حلوان3.

ص: 210


1- -في نسخة:الشوش.
2- -معجم أحاديث المهدي:106/3.

رجلان،و من البصرة ثلاثة رجال».

و باقي الرجال مذكورة في ذلك الحديث،إلاّ أن أسماء بلدانهم لم نسمع بها،فمن ثم وقع الإختصار.

ص: 211

الفصل السابع

اشارة

فيما يكون عند ظهوره عجل اللّه تعالى فرجه

[309] رواية المفضل بن عمر،قال:سألت سيّدي الصادق عليه السّلام:هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السّلام من وقت موقّت يعلمه الناس؟

فقال:«حاش للّه أن يوقّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا».

قلت:يا سيّدي و لم ذاك؟

قال:«لأنه هو الساعة التي قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ،ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1).

و هو الساعة التي قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها و قال: عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ (2)و لم يقل:إنها عند أحد.

و قال: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (3)الآية و قال: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (4).

و قال: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (5).

ص: 212


1- -سورة الأعراف:187.
2- -سورة لقمان:34.
3- -سورة محمد:18.
4- -سورة القمر:1.
5- -سورة الأحزاب:63.

قلت:فما معنى يمارون؟

قال:«يقولون متى ولد؟و من رأه؟و أين يكون؟و متى يظهر؟و كل ذلك استعجالا لأمر اللّه و شكّا في قضائه و دخولا في قدرته،أولئك الذين خسروا الدنيا».

قلت:أفلا يوقّت له وقت؟

فقال:«يا مفضل لا أوقّت له وقتا و لا يوقّت له وقت،إن من وقّت لمهدينا وقتا فقد شارك اللّه تعالى في علمه و ادّعى أنه ظهر على سرّه».

قال المفضل:يا مولاي فكيف[يبدأ]ظهور المهدي عليه السّلام و إليه التسليم؟

قال عليه السّلام:«يا مفضل يظهر في[سنة من السنين] (1)فيعلو ذكره و ينادى باسمه و يكثر ذلك على أفواه الموافقين و المخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به،على إنّا قد دللنا عليه و سمّيناه و كنيناه و قلنا:سمي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيّه،لئلاّ يقول الناس ما عرفنا له اسما و لا كنية و لا نسبا،و اللّه ليتحقق الايضاح به و باسمه و نسبه و كنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم،ثم يظهره اللّه كما وعد به جدّه صلّى اللّه عليه و آله في قوله عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (2).

قال المفضّل:يا مولاي فما تأويل قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ؟

قال عليه السّلام:«هو قوله تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (3).

فو اللّه يا مفضّل ليرفع عن الملل و الأديان الاختلاف و يكون الدين كله واحدا كما قال جلّ ذكره: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ و قال: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (4).

قال المفضّل:قلت:يا سيّدي و الدين الذي في آبائه إبراهيم و نوح و موسى و عيسى5.

ص: 213


1- -ظاهر عبارة المخطوط:شبهة ليستبين.
2- -سورة التوبة:33.
3- -سورة البقرة:193.
4- -سورة آل عمران:85.

و محمد صلّى اللّه عليه و عليهم هو الإسلام؟

قال:«نعم يا مفضّل هو الإسلام لا غير».

قلت:يا مولاي أتجده في كتاب اللّه؟

قال:«نعم من أوله إلى آخره و منه هذه الآيات: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (1)و قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (2).

و منه قوله تعالى في قصة إبراهيم و إسماعيل: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (3)و قوله تعالى في قصة فرعون: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (4)و في قصة سليمان و بلقيس: قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (5)و قولها: وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (6)و قول عيسى عليه السّلام: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ (7)و قوله عزّ و جلّ: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (8)و قوله في قصة لوط عليه السّلام: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (9)و قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (10)و قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ -إلى قوله - وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (11)».3.

ص: 214


1- -سورة آل عمران:19.
2- -سورة الحج:78.
3- -سورة البقرة:128.
4- -سورة يونس:90.
5- -سورة النمل:38.
6- -سورة النمل:44.
7- -سورة آل عمران:52.
8- -سورة آل عمران:83.
9- -سورة الذاريات:36.
10- -سورة البقرة:136.
11- -سورة البقرة:133.

قلت:يا سيّدي كم الملل؟

قال:«أربعة و هي شرائع».

قال المفضل:قلت:يا سيّدي المجوس لم سمّوا المجوس؟

قال عليه السّلام:«لأنهم تمجّسوا في السريانية و ادّعوا على آدم و شيث عليهما السّلام و هو هبة اللّه أنهما أطلقا لهم نكاح الأمهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمات و المحرمات من النساء،و أنهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء،و لم يجعلا لصلواتهم وقتا و إنما هو افتراء على اللّه الكذب و على آدم و شيث».

قال المفضل:قلت:يا سيّدي لم سمّي قوم موسى اليهود؟

قال عليه السّلام:«لقول اللّه عزّ و جلّ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ أي اهتدينا إليك».

قال:فالنصارى؟

قال عليه السّلام:«لقول عيسى مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ ،الآية فسمّوا النصارى لنصرة دين اللّه».

فقلت:يا سيّدي فلم سمّي الصابئون؟

فقال عليه السّلام:«لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء و الرسل و الملل و الشرائع و قالوا:كلّما جاؤوا به باطل،فجحدوا توحيد اللّه تعالى و نبوّة الأنبياء و رسالة المرسلين و وصية الأوصياء،فهم بلا شريعة و لا كتاب و لا رسول و هم معطلة العالم».

قال:فقلت:سبحان اللّه ما أجلّ هذا من علم.

قال:«نعم،يا مفضّل فالقه إلى شيعتنا لئلا يشكوا في الدين».

قال:قلت:يا سيّدي ففي أي بقعة يظهر المهدي عليه السّلام؟

قال عليه السّلام:«لا تراه عين في وقت ظهوره إلاّ رأته كل عين،فمن قال لكم غير هذا فكذبوه».

قال المفضّل:يا سيّدي و لا يرى وقت ولادته؟

قال:«بلى و اللّه ليرى من ساعة ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع و خمسين و مائتين إلى يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأول من سنة

ص: 215

ستين و مائتين و هو يوم وفاة أبيه بالمدينة التي بشاطىء دجلة يبنيها المتكبر الجبار المسمّى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل و هو المتآكل لعنه اللّه تعالى،و هي مدينة تدعى بسرّ من رأى و هي ساء من رأى،يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين و مائتين و لا يراه المشكك المرتاب و ينفذ فيها أمره و نهيه و يغيب عنها،فيظهر بجانب المدينة في حرم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيراه هناك من يسعده اللّه تعالى بالنظر إليه،ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست و ستين و مائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد و كل عين».

قال:قلت:يا سيّدي فمن يخاطبه و لمن يخاطب؟

قال عليه السّلام:«تخاطبه الملائكة و المؤمنون من الجنّ و يخرج أمره و نهيه إلى ثقاته و ولاته و وكلائه و يقعد ببابه محمد بن نصير النميري،ثم يظهر بمكة و كأني أنظر إليه دخل مكة و عليه بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المخصوفة و في يده هراوته عليه السّلام يسوق بين يديه عنازا عجافا حتى يصل بها نحو البيت ليس ثم أحد يعرفه و يظهر و هو شاب».

قال:قلت:فمن أين يظهر و كيف يظهر؟

قال عليه السّلام:«يا مفضّل يظهر وحده و يأتي البيت وحده و يلج الكعبة وحده و يجنّ عليه الليل وحده،فإذا نامت العيون و غسق الليل نزل إليه جبرئيل و ميكائيل عليهما السّلام و الملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل عليه السّلام:يا سيّدي قولك مقبول و أمرك جائز،فيمسح يده على وجهه و يقول:الحمد للّه الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين،و يقف بين الركن و المقام فيصرخ صرخة فيقول:يا معشر نقبائي و أهل خاصتي و من ذخرهم اللّه لنصرتي قبل ظهوري أئتوني طائعين.

فترد صيحته عليه السّلام عليهم و هم في محاريبهم و على فرشهم في شرق الأرض و غربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل،فيجيئون نحوها و لا يمضي لهم إلاّ كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه عليه السّلام بين الركن و المقام،فيأمر اللّه عزّ و جلّ النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء فيستضىء به كل مؤمن على وجه الأرض و يدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور و هم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه السّلام ثم يصبحون وقوفا بين يديه و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا بعدّة أصحاب

ص: 216

بدر».

قال:قلت:يا سيّدي فالاثنان و سبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام يظهرون معهم؟

قال:«يظهر منهم أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام في اثني عشر ألفا مؤمنين من شيعة علي عليه السّلام و عليه عمامة سوداء».

قال:قلت:يا سيّدي فبغير سنّة القائم عليه السّلام بايعوا له قبل ظهوره و قبل قيامه؟

فقال عليه السّلام:«يا مفضّل كل بيعة قبل ظهور القائم عليه السّلام فبيعته كفر و نفاق و خديعة لعن اللّه المبايع لها و المبايع له،بل يا مفضّل يسند القائم عليه السّلام ظهره إلى الحرم و يمدّيده فترى بيضاء من غير سوء و يقول:هذه يد اللّه و عن اللّه و بأمر اللّه،ثم يتلو هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (1)الآية.

فيكون أول من يقبّل يده جبرائيل عليه السّلام ثم يبايعه و تبايعه الملائكة و نجباء الجن ثم النقباء،و يصبح الناس بمكة فيقولون:من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟و ما هذا الخلق الذي معه؟و ما هذه الآية التي رأيناها الليلة و لم نر مثلها؟

فيقول بعضهم لبعض:هو صاحب العنيزات.

فيقول بعضهم لبعض:انظروا هل تعرفون أحدا ممّن معه؟

فيقولون:لا نعرف أحدا منهم إلاّ أربعة من أهل مكة و أربعة من أهل المدينة،و هم فلان و فلان،و يعدونهم بأسمائهم و يكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم،فإذا طلعت الشمس صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السموات و الأرضين:يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد-و يسميه باسم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يكنيه و ينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي-بايعوه تهتدوا.

فأول من يقبّل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء و يقولون:سمعنا و أطعنا،و لا يبقى ذو أذن من الخلائق إلاّ سمع ذلك النداء،و يقبل الخلائق من البدو و البر و البحر يحدّث بعضهم بعضا و يستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم،فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ0.

ص: 217


1- -سورة الفتح:10.

من مغربها:يا معشر الخلائق قد ظهر ربّكم بوادي اليابس من أرض فلسطين و هو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم اللّه فبايعوه تهتدوا و لا تخالفوا عليه فتضلوا.

فترد عليه الملائكة و الجن و النقباء قوله و يكذبونه،و يقولون له:سمعنا و عصينا.

و لا يبقى ذو شك و لا مرتاب و لا منافق و لا كافر إلاّ ضلّ بالنداء الأخير،و سيدنا القائم عليه السّلام مسند ظهره إلى الكعبة و يقول:يا معشر الخلائق ألا و من أراد أن ينظر إلى آدم و شيث فها أنا ذا آدم و شيث،ألا و من أراد أن ينظر إلى نوح و ولده سام فها أنا ذا نوح و سام،ألا و من أراد أن ينظر إلى إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام فها أنا ذا إبراهيم و إسماعيل،ألا و من أراد أن ينظر إلى موسى و يوشع فها أنا ذا موسى و يوشع،ألا و من أراد أن ينظر إلى عيسى و شمعون فها أنا ذا عيسى و شمعون.

ألا و من أراد أن ينظر إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام فها أنا ذا محمد و أمير المؤمنين،ألا و من أراد أن ينظر إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام فها أنا ذا الحسن و الحسين،ألا و من أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين عليه السّلام فها أنا ذا الأئمة عليهم السّلام،اجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به و ما لم تنبأوا به،و من كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع مني،ثم يبتدأ بالصحف التي أنزلها اللّه على آدم و شيث عليهم السّلام و تقول أمة آدم و شيث و هو هبة اللّه:هذه و اللّه هي الصحف حقا و لقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها و ما كان خفي علينا و ما كان أسقط منها و ما بدّل و حرّف،ثم يقرأ صحف نوح و صحف إبراهيم عليهما السّلام و التوراة و الإنجيل و الزبور.

فيقول أهل التوراة و الإنجيل و الزبور:هذه و اللّه صحف نوح و إبراهيم عليهما السّلام حقا و ما أسقط منها و بدّل و حرّف منها،هذه و اللّه التوراة الجامعة و الزبور التام و الإنجيل الكامل و أنها أضعاف ما قرأنا منها،ثم يتلوا القرآن فيقول المسلمون:هذا و اللّه القرآن حقا الذي أنزله اللّه على محمد صلّى اللّه عليه و آله و ما أسقط منه و حرّف و بدّل،ثم تظهر الدابة بين الركن و المقام فيكتب في وجه المؤمن مؤمن و في وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم عليه السّلام رجل وجهه إلى قفاه و قفاه إلى صدره و يقف بين يديه فيقول:يا سيّدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن إلحق بك و أبشّرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء.

ص: 218

فيقول له القائم عليه السّلام:بيّن قصتك و قصّة أخيك.

فيقول الرجل:كنت و أخي في جيش السفياني و خرّبنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء و تركناها جما،و خرّبنا الكوفة و خرّبنا المدينة و كسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خرجنا منها و عددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت و قتل أهله،فلمّا صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح بنا صائح:يا بيداء أبيدوا القوم الظالمين،فانفجرت الأرض فابتلعت كل الجيش،فو اللّه ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري و غير أخي،فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى،فقال لأخي:و يلك يا نذير امض إلى الملعون السفياني بدمشق فانذره بظهور المهدي من آل محمد عليه السّلام و عرّفه أن اللّه قد أهلك جيشه بالبيداء،و قال لي:يا بشير ألحق بالمهدي بمكة و أبشره بهلاك الظالمين و تب على يده فإنه يقبل توبتك.

فيمرّ القائم عليه السّلام يده على وجهه فيردّه سويا كما كان و يبايعه و يكون معه».

قال المفضّل:يا سيّدي و تظهر الملائكة و الجن للناس؟

قال:«اي و اللّه يا مفضّل و يخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته و أهله».

قلت:يا سيّدي و يسيرون معه؟

قال:«اي و اللّه يا مفضّل و لينزلن أرض الهجرة بين الكوفة و النجف و عدد أصحابه حينئذ ستة و أربعون ألفا من الملائكة و ستة آلاف من الجن».

و في رواية أخرى:«و مثلها من الجن بهم ينصره اللّه و يفتح على يديه».

قال المفضّل:فما يصنع بأهل مكة؟

قال:«يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة فيطيعونه و يستخلف فيهم رجل من أهل بيته و يخرج يريد المدينة».

قال المفضّل:و ما يصنع بالبيت؟

قال:«ينقضه فلا يدع منه إلاّ القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السّلام و الذي رفعه إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام عنها،و أن الذي بنى بعدهما لم يبنه نبي و لا وصي،ثم يبنيه كما يشاء اللّه و ليعفينّ آثار الظالمين بمكة و المدينة و العراق و سائر الأقاليم

ص: 219

و ليهدمنّ مسجد الكوفة و ليبنيه على بنائه الأول،و ليهدمنّ القصر العتيق،ملعون ملعون من بناه».

قال المفضّل:يا سيّدي يقيم بمكة؟

قال:«لا يا مفضّل بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها و ثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون و يتضرعون فيقولون:يا مهدي آل محمد التوبة التوبة.

فيعظهم و يحذرهم و يستخلف عليهم منهم خليفة فيسير،فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن و النقباء و يقول لهم:ارجعوا فلا يتقوا منهم بسرّ إلاّ من آمن.

فيرجعون إليهم،فو اللّه لا يسلم من المائة منهم واحد و لا من الألف واحد».

قال:قلت:يا سيّدي،فأين تكون دار المهدي و مجمع المؤمنين؟

قال:«دار ملكه الكوفة و مجلس حكمه جامعها و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة و موضع خلواته الذكوات البيض من الغريين».

قال المفضّل:يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟

قال:«إي و اللّه،لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها،و ليبلغن مربط شاة فيها ألفي درهم،إي و اللّه و ليودّن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب-و السبع خطة من خطط همدان-و لتصيرنّ الكوفة أربعة و خمسين ميلا و ليجاوزنّ قصورها كربلاء و ليصيرنّ اللّه كربلاء معقلا و مقاما تختلف فيه الملائكة و المؤمنون،و ليكون لها شأنا من الشأن و ليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن و دعا ربّه بدعوة لأعطاه اللّه بدعوته واحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة».

ثم تنفس أبو عبد اللّه و قال:«يا مفضّل إن بقاع الأرض تفاخرت،ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى اللّه إليها:أن أسكتي كعبة البيت الحرام و لا تفتخري على كربلاء،فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى عليه السّلام منها من الشجرة،و إنها الربوة التي أوت إليها مريم و المسيح عليه السّلام،و فيها الدالية التي غسلت فيها رأس الحسين عليه السّلام،و فيها غسلت مريم عيسى عليه السّلام و اغتسلت من ولادتها،و أنها خير بقعة عرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منها».

ص: 220

قال المفضّل:يا سيّدي ثم يسير المهدي عليه السّلام إلى أين؟

قال:«إلى مدينة جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب،يظهر فيه سرور المؤمنين و خزي الكافرين».

قال المفضّل:يا سيّدي ما هو ذاك؟

قال:«يرد إلى قبر جده صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا معاشر الخلائق هذا قبر جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فيقولون:نعم يا مهدي آل محمد.

فيقول:و من معه في القبر؟

فيقولون:صاحباه و ضجيعاه أبو بكر و عمر.

فيقول و هو أعلم بهما و الخلائق كلهم جميعا يسمعون:من أبو بكر و عمر؟و كيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟و عسى المدفون غيرهما.

فيقول الناس:يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما،إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبوا زوجتيه.

فيقول للخلق بعد ثلاث:اخرجوهما من قبريهما.

فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما و لم يشحب لونهما،فيقول:هل فيكم من يعرفهما؟

فيقولون:نعرفهما بالصفة و ليس ضجيعا جدك غيرهما.

فيقول:هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟

فيقولون:لا.

فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام،ثم ينشر الخبر في الناس و يحضر المهدي و يكشف الجدران عن القبرين و يقول للنقباء:ابحثوا عنهما و انبشوهما.

فيبحثون بأيديهم حتى يصلوا اليهما فيخرجان غضّين طريين كصورتهما،فيكشف عنهما أكفانهما و يأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها،فتحيى الشجرة و تورق و يطول فرعها.

فيقول المرتابون من أهل ولايتهما:هذا و اللّه الشرف حقا،و لقد قرنا بمحبّتهما

ص: 221

و ولايتهما،و يخبر من أخفى نفسه ممّن في نفسه مقياس حبّة من محبّتهما و ولايتهما فيحضرونهما و يرونهما و يفتتنون بهما،و ينادي مناد المهدي عليه السّلام:كل من أحبّ صاحبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ضجيعيه فلينفرد جانبا.

فتتجزء الخلق جزءين:أحدهما موال و الآخر متبرء منهما،فيعرض المهدي عليه السّلام على أوليائهما البراءة منهما.

فيقولون:يا مهدي آل رسول اللّه،نحن لم نتبرأ منهما و لسنا نعلم أن لهما عند اللّه و عندك هذه المنزلة،و هذا الذي بدا لنا من فضلهما أنتبرأ الساعة منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حياة الشجرة بهما؟بل و اللّه نبرأ منك و ممّن لا يؤمن بهما و من صلبهما و أخرجهما و فعل بهما ما فعل.

فيأمر المهدي عليه السّلام ريحا سوداء،فتهبّ عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية،ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بأذن اللّه تعالى،و يأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور و دور،حتى يقص عليهم قتل هابيل ابن آدم عليه السّلام،و جمع النار لإبراهيم عليه السّلام،و طرح يوسف عليه السّلام في الجب،و حبس يونس عليه السّلام في بطن الحوت،و قتل يحيى عليه السّلام،و صلب عيسى عليه السّلام،و عذاب جرجيس و دانيال عليهما السّلام،و ضرب سلمان الفارسي،و إشعال النار على باب أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام لإحراقهم،و ضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة عليها السّلام بالسوط،و رفس بطنها،و اسقاطها محسنا،و سم الحسن عليه السّلام،و قتل الحسين عليه السّلام و ذبح أطفاله و بني عمّه و أنصاره،و سبي ذراري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و إراقة دماء آل محمد عليهم السّلام،و كل دم سفك و كل فرج نكح حراما و كل ريّن و خبث و فاحشة و ظلم و إثم و جور و غشم،منذ عهد آدم إلى وقت قائمنا عليه السّلام.

كل ذلك يعدّده عليه السّلام عليهما و يلزمهما إياه،فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر،ثم يصلبهما على الشجرة و يأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما و الشجرة،ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليمّ نسفا».

قال المفضّل:يا سيّدي ذلك آخر عذابهما؟

قال:«هيهات يا مفضل،و اللّه ليردن و ليحضرنّ السيد الأكبر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 222

و الصديق الأكبر أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام،و كل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا،و ليقتصنّ منهما لجميعهم،حتى أنهما ليقتلان في كل يوم و ليلة ألف قتلة فيردّان إلى ما شاء ربّهما.

ثم يسير المهدي عليه السّلام إلى الكوفة و ينزل ما بين الكوفة و النجف و عنده أصحابه في ذلك اليوم ستة و أربعون ألفا من الملائكة،و مثلها من الجنّ و النقباء ثلاثمائة و ثلاثة عشر نقيبا».

قال المفضّل:يا سيّدي كيف تكون الزوراء في ذلك الوقت؟

قال:«في لعنة اللّه و سخطه،تخربها الفتن و تتركها جماء،فالويل لها و لمن بها كل الويل من الرايات الصفر،و رايات المغرب،و من يجلب بالجزيرة،و من الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد،و اللّه لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره،و لينزلنّ بها من العذاب ما لا عين رأت و لا أذن سمعت بمثله،و لا يكون طوفان أهلها إلاّ بالسيف،فالويل لمن أتخذ بها مسكنا،فإن المقيم بها يبقى لشقائه و الخارج منها برحمة اللّه،و اللّه ليصيرنّ أمرها في الدنيا حتى يقال إنها هي الدنيا،و إن دورها و قصورها هي الجنّة،و إن بناتها من الحور العين،و إن ولدانها هم الولدان،و ليظننّ أن اللّه لم يقسم رزق العباد إلاّ بها،و ليظهرن فيها من الافتراء على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و الحكم بغير كتابه،و من شهادات الزور،و شرب الخمور،و(إتيان)الفجور،و أكل السحت،و سفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلها إلاّ دونه.

ثم ليخرّبها اللّه تعالى بتلك الفتن و تلك الرايات حتى ليمرّ عليها المار فيقول:ههنا كانت الزوراء،ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح،الذي نحو الديلم يصيح،بصوت له فصيح:يا آل محمد اجيبوا الملهوف و المنادى من حول الضريح.

فتجيبه كنوز اللّه بالطالقان،كنوز و أي كنوز،ليست من فضة و لا ذهب،بل هي رجال كزبر الحديد،على البراذين الشهب بأيديهم الحراب،و لم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة و قد صفا أكثر الأرض،فيجعلها له معقلا فيتصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السّلام و يقولون:يا بن رسول اللّه من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟

ص: 223

فيقول:اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو و ما يريد؟

و هو و اللّه يعلم أنه المهدي عليه السّلام،و أنه ليعرفه و لم يرد بذلك الأمر إلاّ يعرّف أصحابه من هو،فيخرج الحسني فيقول:إن كنت مهدي آل محمد صلّى اللّه عليه و آله فأين هراوة جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خاتمه و بردته و درعه الفاضل و عمامته السحاب و فرسه اليربوع و ناقته العضباء و بغلته الدلدل و حماره و اليعفور و نجيبه البراق و مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام؟

فيخرج له ذلك،ثم يأخذ الهراوة و يغرسها في الحجر الصلد و تورق،و لم يرد ذلك إلاّ أن يرى أصحابه فضل المهدي عليه السّلام حتى يبايعونه.

فيقول الحسني:اللّه أكبر مدّ يدك يا بن رسول اللّه حتى نبايعك.

فيمدّ يده فيبايعه و يبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني،إلاّ أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية،فإنّهم يقولون ما هذا إلاّ سحر عظيم.

فيختلط العسكران،فيقبل المهدي عليه السّلام على الطائفة المنحرفة فيعظهم و يدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون إلاّ طغيانا و كفرا،فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا،ثم يقول لأصحابه:لا تأخذوا المصاحف و دعوها تكون عليهم حسرة كما بدلّوها و غيّروها و حرّفوها،و لم يعلموا بما فيها».

قال المفضّل:يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي عليه السّلام؟

قال:«يثّور سرايا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه و يذبحونه على الصخرة،ثم يظهر الحسين عليه السّلام في اثني عشر ألف صدّيق و أثنين و سبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء،فيالك عندها من كرّة زهراء بيضاء،ثم يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و ينصب له القبة بالنجف و يقام أركانها،ركن بالنجف و ركن بهجر و ركن بصنعاء و ركن بأرض طيبة،لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء و الأرض كأضوء من الشمس و القمر،فعندها تبلى السرائر و تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ (1)إلى آخر الآية،ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أنصاره و المهاجرين و من آمن به و صدّقه و استشهد معه،و يحضر مكذبوه و الشاكّون فيه و الرادون عليه و القائلون فيه أنه2.

ص: 224


1- -سورة الحج:2.

ساحر و كاهن و مجنون و ناطق عن الهوى و من حاربه و قاتله حتى يقتصّ منهم بالحق،و يجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ظهور المهدي عليه السّلام مع إمام إمام و وقت و وقت،و يحق تأويل هذه الآية: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).

قال المفضّل:يا سيّدي و من فرعون و هامان؟

قال عليه السّلام:«أبو بكر و عمر».

قال المفضّل:يا سيّدي و رسول اللّه و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما يكونان معه؟

فقال:«لا بد أن يطأ الأرض إي و اللّه حتى ما وراء الحاف-أي جبل قاف المحيط بالدنيا-إي و اللّه و ما في الظلمات و ما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ و طياه و أقاما فيه الدين الواجب للّه تعالى،ثم لكأني أنظر يا مفضّل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نشكوا إليه ما نزل بنا من الأمة بعده،و ما نالنا من التكذيب و الرد علينا و سبّنا و لعننا و تخويفنا بالقتل،و قصد طواغيتهم الولاة ترحيلنا عن الحرمين إلى دار ملكهم و قتلهم إيانا بالسم و الحبس.

فيبكي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا بني ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم قبلكم،ثم تبتدئ فاطمة عليها السّلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر،و أخذ فدك منها،و مشيها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار،و خطابها له في أمر فدك و ما ردّ عليها من قوله:إن الأنبياء لا تورّث، و احتجاجها بقول زكريا و يحيى عليهما السّلام و قصة داود و سليمان عليهما السّلام،و قول عمر:هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك،و إخراجها الصحيفة و أخذه إيّاها منها و نشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار و سائر العرب و تفله فيها و تمزيقه إيّاها،و بكاؤها و رجوعها إلى قبر أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باكية حزينة تمشى على الرمضاء قد أقلقتها،و استغاثتها باللّه و بأبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تمثلها بقول رقية بنت صيفي:

قد كان بعدك أنباء و هنبثة *** لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب6.

ص: 225


1- -سورة القصص:6.

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختل أهلك فاشهدهم و لا تغب

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لمّا نأيت و حالت دونك الحجب

لكل قوم لهم قرب و منزلة *** عند الإله على الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا *** أمل أناس ففازوا بالذي طلبوا.

و تقصّ عليه قصّة أبي بكر و انفاذه خالد بن الوليد و قنفذ و عمر بن الخطاب و جمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السّلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة،و اشتغال أمير المؤمنين عليه السّلام بنساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جمع القرآن و قضاء دينه و انجاز عداته و هي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده و طارفه و قضاها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قول عمر:اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون و إلاّ قتلناك،و قول فضة جارية فاطمة عليها السّلام:إن أمير المؤمنين عليه السّلام مشغول و الحق له إن أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه،و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم عليهم السّلام و فضة،و إضرامهم النار على الباب،و خروج فاطمة عليها السّلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها:و يحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله؟تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللّه و اللّه متم نوره؟

و إشهاره لها و قوله:كفى يا فاطمة فليس محمد حاضرا و لا الملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند اللّه،و ما علي إلاّ كأحد من المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا.

فقالت و هي باكية:اللهم إليك نشكو فقد نبيّك و رسولك و صفيك و ارتداد أمته علينا و منعهم إيانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل.

فقال لها عمر:دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء،فلم يكن اللّه ليجمع لكم النبوّة و الخلافة.

و أخذت النار في خشب الباب،و ادخال قنفذ لعنه اللّه يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود،و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه،و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد

ص: 226

وصفعه خدّها،حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و هي تقول:وا أبتاه وا رسول اللّه ابنتك فاطمة تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها،و خروج أمير المؤمنين عليه السّلام من داخل الدار محمرّ العين حاسرا حتى ألقى ملاءته عليها و ضمّها إلى صدره،و قوله لها:

يا بنت رسول اللّه قد علمت أن أباك بعثه اللّه رحمة للعالمين فاللّه اللّه أن تكشفي خمارك و ترفعي ناصيتك،فو اللّه يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى اللّه على الأرض من يشهد أن محمدا رسول اللّه و لا موسى و لا عيسى و لا إبراهيم و لا نوح و لا دابة تمشي على الأرض و لا طائر في السماء إلاّ أهلكه اللّه.

ثم قال:يابن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه،أخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة.يعني ما بقي منها.

فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار،و صاح أمير المؤمنين عليه السّلام بفضة:يا فضة مولاتك،فاقبلي منها ما تقبله النساء.

فقد جاءها المخاض من الرفسة وردت الباب،فأسقطت محسنا عليه السّلام.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:فانه لا حق بجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيشكو إليه.

و حمل أمير المؤمنين عليه السّلام لها في سوداء الليل و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم عليهم السّلام إلى دار المهاجرين و الأنصار يذكرّهم باللّه و رسوله و عهده الذي بايعوا اللّه و رسوله،و بايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تسليمهم عليه بأمرة المؤمنين في جميعها،فكل يعده بالنصر في اليوم المقبل،فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو إليه أمير المؤمنين عليه السّلام المحن العظيمة التي امتحن بها بعده و قوله:لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل،و قولي كقوله لموسى عليه السّلام:يابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء و لا تجعلني مع القوم الظالمين، فصبرت محتسبا و سلمت راضيا،و كانت الحجة عليهم في خلافي،و نقضهم عهدي الذي عاهدتم عليه يا رسول اللّه،و احتملت يا رسول اللّه ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الأوصياء من سائر الأمم،حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم اللعين،و كان اللّه الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي و خروج طلحة و الزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج و العمرة،و سيرهم

ص: 227

بها إلى البصرة و خروجي إليهم و تذكيري لهم اللّه و إياك و ما جئت به يا رسول اللّه،فلم يرجعا حتى نصرني اللّه عليهما،حتى أهرقت دماء عشرين ألف من المسلمين،و قطعت سبعون كفّا على زمام الجمل،فما لقيت في غزواتك يا رسول اللّه و بعدك أصعب منه يوما أبدا،لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها و أهولها و أعظمها،فصبرت كما أدّبني اللّه بما أدّبك به يا رسول اللّه في قوله عزّ و جلّ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (1)و قوله: وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ (2).

و حق اللّه يا رسول اللّه تأويل الآية التي أنزلها اللّه في الأمة من بعدك في قوله عزّ و جلّ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (3).

يا مفضّل و يقوم الحسن عليه السّلام إلى جدّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا جدّاه كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللّه، فوصاني بما وصيته يا جدّاه و بلغ اللعين معاوية قتل أبي،فأنفذ الداعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف و خمسين ألف مقاتل،فأمر بالقبض عليّ و على أخي الحسين و سائر إخواني و أهل بيتي و شيعتنا و موالينا،و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه اللّه فمن يأبى منّا ضرب عنقه و سيّر إلى معاوية رأسه،فلمّا علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة و رقأت المنبر و اجتمع الناس فحمدت اللّه و أثنيت عليه و قلت:

معشر الناس عفت الديار و محيت الآثار و قل الاصطبار،فلا قرار لي على همزات الشياطين و حكم الخائنين الساعة،و اللّه صحّت البراهين و فصلت الآيات و بانت المشكلات،و لقد كنّا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ4.

ص: 228


1- -سورة الأحقاف:35.
2- -سورة النحل:127.
3- -سورة آل عمران:144.

اَللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (1) فلقد مات و اللّه جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قتل أبي صلوات اللّه عليه،و صاح الوسواس الخناس في قلوب الناس،و نعق ناعق الفتنة و خالفتم السنّة،فيا لها من فتنة صمّا عميا لا يسمع لداعيها و لا يجاب مناديها و لا يخالف واليها،ظهرت كلمة النفاق،و تكالبت جيوش أهل المراق من الشام و العراق هلمّوا رحمكم اللّه إلى الافتتاح و النور الوضاح.

أيها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة،فلأن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية و نيّات مخلصة لأجاهدنّ بالسيف قدما قدما و لأضيقنّ من السيوف جوانبها و من الرماح أطرافها و من الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم اللّه.

فكأنما الجموا بلجام الصمت عن اجابة الدعوة،إلاّ عشرون رجلا فإنّهم قاموا إليّ فقالوا:يابن رسول اللّه ما نملك إلاّ أنفسنا و سيوفنا،فها نحن بين يديك لأمرك طائعون و عن رأيك صادرون فمرنا بما شئت.

فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت:لي أسوة بجدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين عبد ربّه سرا و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا،فلمّا أكمل اللّه له الأربعين صار في عدة و أظهر أمر اللّه،فلو كان معي عدتهم جاهدت في اللّه حق جهاده.

ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت:

اللهم إني قد دعوت و أنذرت و أمرت و نهيت،و كانوا عن اجابة الداعي غافلين و عن نصرته قاعدين و عن طاعته مقصرين و لأعدائه ناصرين،اللهم فأنزل عليهم رجزك و بأسك و عذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين.

و نزلت ثم خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة،فجاؤوني يقولون:إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار و الكوفة و شنّ غاراته على المسلمين،و قتل من لم يقاتله و قتل النساء و الأطفال،فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم،فانفذت معهم رجالا و جيوشا و عرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية و ينقضون عهدي و بيعتي،فلم يكن إلاّ ما قلت لهم و أخبرتهم.

ثم يقوم الحسين عليه السّلام مخضّبا بدمه هو و جميع من قتل معه،فإذا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله4.

ص: 229


1- -سورة آل عمران:144.

بكى و بكى أهل السموات و الأرض لبكائه،و تصرخ فاطمة عليها السّلام فتزلزل الأرض و من عليها،و يقف أمير المؤمنين عليه السّلام و الحسن عن يمينه و فاطمة عليها السّلام عن شماله و يقبل الحسين عليه السّلام فيضمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى صدره و يقول:يا حسين فديتك قرّة عيناك و عيناي فيك.

و عن يمين الحسين عليه السّلام حمزة أسد اللّه في أرضه،و عن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار،و يأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السّلام و هن صارخات،و أمّه فاطمة تقول:

هذا يومكم الذي كنتم توعدون،اليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا».

قال:فبكى الصادق عليه السّلام حتى أخضبت لحيته بالدموع ثم قال:«لا عين لا تبكي عند هذه الذكرى».

قال:و بكى المفضّل بكاءا طويلا،ثم قال:يا مولاي ما في الدموع؟

فقال:«ما لا يحصى إذا كان من محق».

فقال:يا مولاي ما تقول في قوله تعالى: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (1).

قال:«يا مفضّل الموؤدة و اللّه محسن،لأنه منّا لا غير،فمن قال غير هذا فكذبوه».

ثم قال المفضّل:ثم ماذا يا مولاي؟

فقال عليه السّلام:«تقوم فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتقول:اللهم انجز وعدك و موعدك لي فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و أجزعني بكل أولادي.

فتبكيها ملائكة السموات السبع و حملة العرش و سكان الهواء و من في الدنيا و من تحت أطباق الثرى صائحين صارخين إلى اللّه تعالى،فلا يبقى أحد ممّن قاتلنا و ظلمنا و رضى بما جرى علينا إلاّ قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل اللّه،فإنه لا يذوق الموت و هو كما قال عزّ و جلّ: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ9.

ص: 230


1- -سورة التكوير:8-9.

أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ» (1) .

قال المفضّل:يا مولاي فإن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟

فقال عليه السّلام:«أما سمعوا قول جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن سائر الأئمة نقول:و لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر،فالعذاب الأدنى عذاب الرجعة و العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي تبدل الأرض غير الأرض و السموات و برزوا للّه الواحد القهار».

قال المفضّل:يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار اللّه في قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (2)و قوله: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (3)و قوله: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (4).

قال الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل فأين نحن في هذه الآية؟».

قال المفضّل:قول اللّه: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (5)و قوله: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (6)و قوله عن إبراهيم: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ .

و قد علمنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام ما عبدا صنما و لا وثنا و لا أشركا باللّه طرفة عين،و قوله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (7)و العهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.

قال:«يا مفضّل و ما علمك بأن الظالم لا ينال عهد الإمامة؟».

قال المفضّل:يا مولاي لا تمتحنني بما لا طاقة لي به و لا تختبرني و لا تبتليني،فمن4.

ص: 231


1- -سورة البقرة:38.
2- -سورة الأنعام:83.
3- -سورة الأنعام:124.
4- -سورة آل عمران:33-34.
5- -سورة آل عمران:68.
6- -سورة الحج:78.
7- -سورة البقرة:124.

علمكم علمت و من فضل اللّه عليكم أخذت.

قال الصادق عليه السّلام:«صدقت يا مفضّل و لولا اعترافك بنعمة اللّه عليك في ذلك لما كنت هكذا فأين يا مفضّل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم».

قال:نعم يا مولاي قوله تعالى: وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ (1)و الكافرون هم الفاسقون و من كفر و فسق و ظلم لا يجعله اللّه للناس إماما.

قال الصادق عليه السّلام:«أحسنت يا مفضّل فمن أين قلت،برجعتنا و مقصرة شيعتنا تقول معنى الرجعة أن يرد اللّه إلينا ملك الدنيا و أن يجعله للمهدي،و يحهم متى سلبنا الملك حتى يرده علينا».

قال المفضّل:لا و اللّه ما سلبتموه و لا تسلبونه،لأنه ملك النبوة و الرسالة و الوصية و الإمامة.

قال عليه السّلام:«يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكّوا في فضلنا،أما سمعوا قوله عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2).

و اللّه يا مفضّل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل و تأويلها فينا و أن فرعون و هامان:تيم و عدي».

قال المفضّل:يا مولاي فالمتعة؟

قال عليه السّلام:«المتعة حلال طلق،و الشاهد بها قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً (3)أي مشهودا،و القول المعروف هو المشتهر بالولي و الشهود،و إنما احتيج إلى الولي و الشهود في النكاح ليثبت النسل و يصح النسب و يستحق الميراث و قوله: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً5.

ص: 232


1- -سورة البقرة:255.
2- -سورة القصص:5-6.
3- -سورة البقرة:235.

مَرِيئاً (1) .

و جعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلاّ بشاهدين ذوي عدل من المسلمين،و قال في سائر الشهادات على الدماء و الفروج و الأموال و الأملاك: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ (2).

و بيّن الطلاق عزّ ذكره فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ (3) .

و لو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل،لما قال تعالى: وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ إلى قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ .

و قوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (4)هو نكر يقع بين الزوج و الزوجة فتطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي عدل،و حدّ وقت التطليق هو آخر القروء،و القرء هو الحيض،و الطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة و الحمرة و إلى التطليقة الثانية و الثالثة ما يحدث اللّه بينهما عطفا أو زوال ما كرهاه،و هو قوله: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (5).8.

ص: 233


1- -سورة النساء:4.
2- -سورة البقرة:282.
3- -سورة الطلاق:1.
4- -سورة الطلاق:3.
5- -سورة البقرة:228.

هذا لقوله في إن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة،إن ارادوا اصلاحا و للنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك،ثم بيّن تبارك و تعالى فقال: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و في الثالثة فإن طلقها الثالثة و بانت فهو قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (1)ثم يكون كسائر الخطّاب لها،و المتعة التي أحلها اللّه في كتابه و أطلقها الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه لسائر المسلمين فهي قوله عزّ و جلّ: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (2).

و الفرق بين الزوجة و المتعة:أن للزوجة صداقا و للمتعة أجرة،فتمتع سائر المسلمين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الحج و غيره و أيام أبي بكر و أربع سنين في أيام عمر،حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل،فأغضب و أرعد و أزبد و أخذ الطفل على يده و خرج حتى أتى المسجد ورقى المنبر و قال:نادوا في الناس الصلاة جامعة.

و كان غير وقت صلاة،فعلم الناس أنه لأمر يريده عمر فحضروا،فقال:معاشر الناس من المهاجرين و لأنصار و أولاد قحطان،من منكم يحبّ أن يرى المحرمات عليه من النساء و لها مثل هذا الطفل قد خرج من أحشائها و هو يرضع على ثديها و هي غير متبعّلة؟

فقال بعض القوم:ما نحبّ هذا.

فقال:ألستم تعلمون أن أختي عفراء بنت خثيمة أمي و أبي الخطاب غير متبعّلة؟

قالوا:بلى.

قال:فإني دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها،فناشدتها أنى لك هذا؟

فقالت:تمتعت.4.

ص: 234


1- -سورة البقرة:230.
2- -سورة النساء:24.

فاعلموا سائر الناس أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد رأيت تحريمها،فمن أبى ضربت جنبيه بالسوط.

فلم يكن في القوم منكر قوله و لا راد عليه و لا قائل:لا يأتي رسول بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو كتاب بعد كتاب اللّه لا نقبل خلافك على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و على كتابه،بل سلموا و رضوا».

قال المفضّل:قلت:يا مولاي فما شرائط المتعة؟

قال:«يا مفضّل لها سبعون شرطا من خالف منها شرطا واحدا ظلم نفسه».

قال:قلت:قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغيّة،و لا مشهورة بفساد،و لا مجنونة،و أن ندعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها،و إن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدّة؟فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحلّ،و إن خلت فتقول لها:متعيني على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحا غير سفاح أجلا معلوما بأجرة معلومة،و هي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر،و الأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم و الدنانير أو عرض ترضى به،فإن وهبت له حل له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات الذين قال اللّه تعالى فيهنّ: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1).

ثم يقول لها:على أن لا ترثيني و لا أرثك،و على أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء،و عليك الاستبراء خمسة و أربعون يوما أو محيضا واحدا،فإذا قالت:نعم،أعدتّ القول ثانية و عقدت النكاح،فإن أحببت و أحبّت هي الاستزادة في الأجل زدتما فيه،فإن كانت تفعل فعليها ما تولت من الإخبار عن نفسها و لا جناح عليك.

و قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«لعن اللّه ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلاّ شقي أو شقيّة»لأنه كان يكون للمسلمين غنى للمتعة عن الزنا ثم تلا عليه السّلام: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها4.

ص: 235


1- -سورة النساء:4.

وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (1) ».

ثم قال:«إن من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفّارة،و إن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها،فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه.

ثم يقوم جدّي علي بن الحسين و أبي الباقر عليهما السّلام فيشكوان إلى جدّهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل بهما،ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل المنصور بي،ثم يقوم ابني موسى عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به الرشيد،ثم يقوم علي بن موسى عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المأمون،ثم يقوم محمد بن علي عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المتوكل،ثم يقوم علي بن محمد عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المتوكل،ثم يقوم الحسن بن علي عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المعتز.

ثم يقوم المهدي عليه السّلام سمي جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليه قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مضرّجا بدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم شجّ جبينه و كسرت رباعيته و الملائكة تحفّه حتى يقف بين يدي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا جدّاه وصفتني و دللت عليّ و نسبتني و سميتني و كنيتني فجحدتني الأئمة و تمردت و قالت:ما ولد و لا كان و أين هو و متى كان و أين يكون و قد مات و لم يعقب و لو كان صحيحا ما أخّره اللّه تعالى إلى هذا الوقت المعلوم؟

فصبرت محتسبا و قد أذن اللّه لي فيها بإذنه[يا جدّاه] (2).

فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الحمد للّه الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوء من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين.

و يقول:جاء نصر اللّه و الفتح و حق قول اللّه سبحانه و تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (3).3.

ص: 236


1- -سورة البقرة:205.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -سورة التوبة:33.

و يقرأ: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً» (1).

فقال المفضّل:يا مولاي أي ذنب كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

فقال الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:اللهم حمّلني ذنوب شيعة أخي و أولادي الأوصياء ما تقدم منها و ما تأخر إلى يوم القيامة و لا تفضحني بين الأنبياء و المرسلين من شيعتنا،فحمّله اللّه إياها و غفر جميعها».

قال المفضّل:فبكيت بكاءا طويلا و قلت:يا سيّدي هذا بفضل اللّه علينا فيكم.

فقال:«يا مفضّل ما هو إلاّ أنت و أمثالك،بلى يا مفضّل لا تحدّث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلمون على هذا الفضل و يتركون العمل،فلا يغني عنهم من اللّه شيئا،لأنا كما قال اللّه تعالى فينا: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» (2).

قال المفضّل:يا مولاي فقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (3)ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ظهر على الدين كله؟

قال:«يا مفضّل لو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية و لا يهودية و لا صابئة و لا فرقة و لا خلاف و لا شك و لا شرك و لا عبدة أصنام و لا أوثان و لا اللات و العزى و لا عبدة الشمس و القمر و لا النجوم و لا النار و لا الحجارة.

و إنّما قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة،و هو قوله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (4)».

قال المفضّل:أشهد أنكم من علم اللّه علمتم و بقدرته قدرتم و بحكمه نطقتم و بأمره تعملون.3.

ص: 237


1- -سورة الفتح:1-3.
2- -سورة الأنبياء:28.
3- -سورة التوبة:33.
4- -سورة البقرة:193.

ثم قال الصادق عليه السّلام:«ثم يعود المهدي عليه السّلام إلى الكوفة و تمطر السماء بها جرادا من ذهب كما أمطرها اللّه في بني إسرائيل على أيوب عليه السّلام،و يقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها و لجينها و جوهرها».

قال المفضّل:يا مولاي من مات من شيعتكم و عليه دين لإخوانه و أضداده،فكيف يكون؟

قال الصادق عليه السّلام:«أول ما يبتدىء المهدي عليه السّلام أن ينادي في جميع العالم:ألا من له عند أحد من شيعتنا دين،فيذكره حتى يرد الثومة و الخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الأملاك،فيوفيه إياه».

قال المفضّل:يا مولاي ثم ماذا يكون؟

قال:«يأتي القائم عليه السّلام بعد أن يطأ شرق الأرض و غربها الكوفة و مسجدها،و يهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنهما اللّه لمّا قتل الحسين بن علي عليه السّلام،و مسجد ليس للّه ملعون ملعون من بناه».

قال المفضّل:يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السّلام؟

فقال عليه السّلام:«قال اللّه عزّ و جلّ: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ (1)فأمّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها مادامت السموات و الأرض إلاّ ما شاء ربّك إن ربك فعّال لما يريد،و أمّا الذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السموات و الأرض إلاّ ما شاء ربّك إن ربك عطاء غير مجذوذ،و المجذوذ:المقطوع،أي عطاء غير مقطوع عنهم بل هو دائم أبدا و ملك لا ينفذ و حكم لا ينقطع و أمر لا يبطل،إلاّ باختيار اللّه و مشيئته و ارادته التي لا يعلمها إلاّ هو.

ثم القيامة و ما وصفه اللّه عزّ و جلّ في كتابه،و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على خير خلقه محمد النبي و آله الطيبين الطاهرين» (2).

أقول:روى الشيخ حسن بن سلمان في كتاب منتخب البصائر هذا الخبر هكذا:3.

ص: 238


1- -سورة هود:105.
2- -البحار:34/53.

[310] حدثني الأخ الصالح الرشيد محمد بن إبراهيم بن محسن المطارابادي:أنه وجد بخط أبيه الرجل الصالح إبراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره،و أراني خطه و كتبته منه و صورته:

الحسين بن حمدان و ساق الحديث كما مرّ إلى قوله:

«لكأني أنظر إليهم على البراذين الشهب،بأيديهم الحراب يتعاوون شوقا إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب،أميرهم رجل من تميم يقال له:شعيب بن صالح،فيقبل الحسني فيهم وجهه كدائرة القمر يروع الناس جمالا،فيبقى على أثر الظلمة فيأخذ سيفه الصغير و الكبير و الوضيع و العظيم ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة و قد جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلا،ثم يتصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السّلام فيقولون له:

يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذا الذي نزل بساحتنا؟

فيقول الحسين:اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو و ما يريد؟

و هو يعلم و اللّه أنه المهدي عليه السّلام و أنه لم يرد بذلك الأمر إلاّ اللّه،فيخرج الحسني و بين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف و عليهم المسوح متقلدين بسيوفهم،فيقبل الحسني حتى ينزل بقرب المهدي عليه السّلام فيقول:سائلوا عن هذا الرجل من هو و ماذا يريد؟

فيخرج بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي فيقول:أيها العسكر الجائل من أنتم حيّاكم اللّه و من صاحبكم هذا و ماذا يريد؟

فيقول أصحاب المهدي عليه السّلام:هذا مهدي آل محمد عليه السّلام و نحن أنصاره من الجنّ و الإنس و الملائكة.

ثم يقول الحسني:خلوا بيني و بين هذا.

فيخرج إليه المهدي عليه السّلام فيقفان بين العسكريين فيقول الحسني:إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

يعني عصاه و خاتمه و بردته و درعه الفاضل و عمامته السحاب و فرسه و ناقته العضباء و بغلته الدلدل و حماره يعفور و نجيبه البراق و تاجه و المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السّلام بغير تغيير و لا تبديل.

ص: 239

فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه».

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أنه كان كله في السفط،و تركات جميع النبيين،حتى عصى آدم و نوح عليهما السّلام،و تركة هود و صالح عليهما السّلام،و مجموع إبراهيم عليه السّلام،و صاع يوسف،و مكيال شعيب و ميزانه،و عصا موسى و تابوته الذي فيه بقيّة ما ترك آل موسى و آل هارون تحمله الملائكة،و درع داود و خاتمه،و خاتم سليمان و تاجه،و رحل عيسى و ميراث النبيين و المرسلين عليهم السّلام في ذلك السفط.

و عند ذلك يقول الحسني:يابن رسول اللّه أسألك أن تغرز هراوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا الحجر الصلد و تسأل اللّه أن ينبتها فيه.

و لا يريد بذلك إلاّ أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السّلام حتى يطيعوه و يبايعوه.

و يأخذ المهدي الهراوة فيغرزها فتنبت فتعلو و تفرع و تورق،حتى تظل عسكر الحسني.

فيقول الحسني:اللّه أكبر يابن رسول اللّه،مدّ يدك حتى أبايعك.

فيبايعه الحسني و سائر عسكره إلاّ أربعة آلاف من أصحاب المصاحف و المسوح الشعر المعروفون بالزيدية،فإنّهم يقولون:ما هذا إلاّ سحر عظيم».

ثم ساق الحديث إلى قوله:«إن أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه»نحوا ممّا مرّ و لم يذكر بعده شيئا (1).

فائدة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف:

أمّا تاريخ الولادة،فهو خلاف المشهور كما عرفت،و أمّا سرّ من رأى فالمشهور أنه بناها المعتصم و لعل المتوكل أتم بناءها و تعميرها،فلهذا نسبت إليه.

و في القاموس:سرّ من رأى:بضم(السين)و(الراء)،أي سرور،و بفتحهما و بفتح الأول و ضم الثاني و سامرا،و مدّه البحتري في الشعر و كلاهما لحن،و ساء من رأى بلد لمّا شرع في بنائه المعتصم،ثقل ذلك على عسكره،فلمّا انتقل بهم إليها سرّ كل منهم برؤيتها فلزمها هذا

ص: 240


1- -البحار:35/53،و مجمع النورين:322.

الاسم.

و قوله:«بغير سنّة القائم»يعني:أن الحسني كيف يظهر قبل القائم عليه السّلام بغير سنته؟

فأجاب عليه السّلام:«أن ظهوره بعد القائم عليه السّلام إذ كل بيعة قبله ضلالة».

و قوله عليه السّلام:«فها أنا ذا آدم»يعني:في فضله و أخلاقه الذي استحق المتابعة بها،و شحب لونه ككرم تغيّر.

أمّا قوله عليه السّلام:«يلزمهما إياه»فالعلة و السبب فيما تأخر عنهما من الذنوب و الآثام ظاهر،لأنهما السبب فيه،و ذلك أن غصب الخلافة عن أهلها سبب لاستيلاء أهل الجور و الظلم من بني أمية و غيرهم إلى يوم القيامة،و لو كان الإمام مبسوط اليد لرفع الظلم و نشر العدل و شاع العلم و ارتفع الجهل،فهما اللذان أسسا أساس الظلم و الفساد و من جاء بعدهم بنى عليه.

و أني كلما أشكل عليّ حكم من أحكام الشريعة أو مسألة من مسائل الخلاف ألزمت نفسي لعنهما و البراءة منهما،لأنهما العلة و السبب في استتار الإمام عليه السّلام و غيبته،و لو كان ظاهرا لرجعت إليه في كل ما لا أعلم.

و أمّا ما تقدم عليهما من ذنوب من سببهما من أهل الظلم و الجور مع الأنبياء و غيرهم،ففيه وجوه:

الأول:

أنهما كانا راضيين بتلك الأفعال،و لهذا اقتديا بهم واتيا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته مثل أفعال الفراعنة و غيرهم بالنسبة إلى الأنبياء و الأولياء،و من رضي بفعل من الأفعال كان شريكا لصاحبه في العقاب كما يكون شريكه في الثواب،و في الآيات دلالة عليه و ذلك أن اللّه سبحانه نسب أفعال اليهود إلى أبنائهم و ذمهم عليها،و أمّا الأخبار الدالة على هذا من طريقنا و طريق العامة فهي أكثر من أن تحصى،و قد سبق أنه جاء في الحديث أنه:لو قتل رجل بالمشرق فرضي به من في المغرب كان شريكا له في الإثم.

الوجه الثاني:

قاله شيخنا المحدّث سلّمه اللّه تعالى من أنه:لا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخل لأفعال تلك الأمور عن الأشقياء السالفين،كما أن الأرواح المقدّسة من النبي و أهل بيته عليهم السّلام لها

ص: 241

مدخل في أفعال الخير السابقة مع الأنبياء و غيرهم،كما روى مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله:«أنا الذي أنجيت نوحا من الغرق و كنت معه في السفينة،و أنجيت إبراهيم من نار النمرود،و أنجيت يوسف من الجبّ».الحديث.

فأرواحهم الخبيثة كانت تأتي إلى أشباحهم في القوالب المثاليه،أو وحدها بناء على ما هو الأصحّ من عدم تجرّد النفوس و تزيّن لهم تلك الأفعال القبيحة فهم شركاء هم فيها.

الوجه الثالث:

يمكن أن يراد أنه يلزمهم مثل فعالهم و مثل العقاب المترتب عليها لعظم ذنوبهم كما قال عليه السّلام:«لا تنظر إلى صغر معصيتك،و لكن انظر إلى من عصيت».

و شتان بين من آذى محمد صلّى اللّه عليه و آله في نفسه و أهل بيته،و بين من آذى غيره من الأنبياء و غيرهم.

الوجه الرابع:

أنه يجوز أن يكون اللّه سبحانه أسمعهما على لسان نبيه صلّى اللّه عليه و آله:أن من غصب حق أمير المؤمنين و فاطمة و أولادهما صلوات اللّه عليهم استحق أن يشارك من تقدم من أهل الذنوب و المعاصي،فإذا فعلا بعد أن سمعا استحقّا ما يلزمهما به عليه السّلام فهو من باب العدل و لا ظلم ههنا.

و أمّا قوله:«فمنهم شقي و سعيد»إلى آخره،فالذي صار إليه صاحب بحار الأنوار أيّده اللّه تعالى هو أنه عليه السّلام فسّر قوله تعالى: إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ بزمان الرجعة،بأن يكون المراد الجنّة و النار ما يصيب الأشقياء و السعداء في عصره عليه السّلام من النكال و النعيم،فهما مقيمون على هذين الحالين دائما،إلاّ أن يشاء اللّه سبحانه أن ينقلهم إلى حالة أخرى و هي يوم القيامة،و يرشد إليه قوله عليه السّلام:«ثم القيامة»فالقيامتان الصغرى و الكبرى مذكورتان في الآية و في قوله:«غير مقطوع عنهم»دلالة عليه،إذ المراد به حال الشيعة في عصر القائم عليه السّلام.

و أمّا تحريمه المتعة بسبب أخته عفراء و أنها تمتعت و أتت له بالولد،ففيه مكر و حيلة و تمويه،و ذلك أن أخته لمّا لم يكن لها بعل-و الظاهر أنها جاءت به من الجيران-اعتذرت بالتمتع،لأنه من أظهر الأعذار،و عمر أراد أن يستر على أخته حتى لا تفتضح بالزنا،فمن ثم أخذ الولد معه إلى المسجد و أظهر عذرها و أنها جاءت به من التمتع،و هذا تمويه لأنها لو كانت

ص: 242

صادقة لأظهرت أباه و أنها بمن تمتعت حفظا على الأنساب،فهو بهذه الحيلة أراد تحريم ما حلله اللّه،لأنه من شعار الجاهلية،فوقع عليه و أراد ابداء عذر أخته و تبعيدها عن الزنا،فصدّقه عليه من لا يعرف حيلته و غدره في دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و إلاّ فهو كان عالما بأن الذي جاءت به أخته كالذي أتت به أمّه،لأن العامة ذكروا أن من جملة من تولد من الزنا عمر بن الخطاب،و لكنه لا ينافي استحقاق الخلافة بزعمهم،و لذا وضعوا الحديث و هو قوله:«صل خلف كل برّ و فاجر»،و ما اشتهر بين الناس من قولهم:الولد الحلال يشبه الخال.فلا تخصيص فيه لأن الولد الحرام هنا أشبه الخال.

و لو تلونا عليك ما وقع في نسبه الشريف من القوادح،لتحيرت في الكشف عنه و في تصحيحه.

ص: 243

الفصل الثامن

في الرجعة و كيفيتها

[311] مختصر بصائر الدرجات:مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أول من تنشق الأرض عنه و يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السّلام و أن الرجعة ليست بعامة و هي خاصة لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا» (1).

[312] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«أن رسول اللّه و عليا صلوات اللّه عليهما سيرجعان» (2).

[313] [و عنه أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ] (3).

قال:«ما من أحد من المؤمنين قتل إلاّ سيرجع حتى يموت و لا أحد من المؤمنين مات إلاّ سيرجع حتى يقتل».

[314] و قال عليه السّلام:«كأني بحمدان بن أعين و ميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا و المروة» (4).

[315] و عنه عليه السّلام و تلا هذه الآية: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الآية.

قال:«ليؤمنن برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لينصرنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام».

قال:«نعم و اللّه من لدن آدم عليه السّلام فهلمّ جرّا،فلم يبعث اللّه نبيّا و لا رسولا إلاّ ردّ

ص: 244


1- -مختصر بصائر الدرجات:24،و البحار:39/53 ح 1.
2- -مختصر البصائر:24،و البحار:39/53 ح 2.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -البحار:40/53 ح 5،و ميزان الحكمة:1038/2.

جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام» (1).

[316] و عنه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ (2).

«يعني بذلك محمدا صلّى اللّه عليه و آله و قيامه في الرجعة ينذر فيها» (3).

[317] و في قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ (4)في الرجعة.

[318] و عنه عليه السّلام قال:«إن إبليس قال:انظرني إلى يوم يبعثون فأبى اللّه ذلك عليه فقال: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (5)و هي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه السّلام».

فقلت:و أنها لكرّات؟

قال:«نعم،إنها لكرّات و كرّات،ما من إمام في قرن إلاّ و يكرّ معه البرّ و الفاجر في دهره حتى يديل اللّه المؤمن من الكافر،فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين عليه السّلام في أصحابه و جاء إبليس في أصحابه،و يكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها:الروحا قريب من كوفتكم،فيقتلون قتالا لم يقتل مثله منذ خلق اللّه عزّ و جلّ العالمين،فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين عليه السّلام قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مائة قدم،و كأني أنظر إليهم و قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات،فعند ذلك يهبط الجبار عزّ و جلّ في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمامه بيده حربة من نور،فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقري ناكصا على عقبيه فيقول أصحابه:أين تريد و قد ظفرت.

فيقول:إني أرى ما لا ترون،إني أخاف اللّه ربّ العالمين.

فيلحقه النبي صلّى اللّه عليه و آله فيطعنة طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه و هلاك جميع أشياعه،فعند8.

ص: 245


1- -مختصر بصائر الدرجات:26،و مدينة المعاجز:100/3.
2- -سورة المدثر:1-2.
3- -مختصر بصائر الدرجات:17،و البحار:244/9.
4- -سورة سبأ:28.
5- -سورة الحجر:37-38.

ذلك يعبد اللّه عزّ و جلّ و لا يشرك به شيئا،و يملك أمير المؤمنين عليه السّلام أربعا و أربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي عليه السّلام ألف ولد من صلبه ذكرا في كل سنة ذكرا،و عند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة و ما حوله بما شاء اللّه» (1).

أقول:هبوط الجبار:كناية عن نزول آيات عذابه.

[319] و عن الرضا عليه السّلام:«إن الآية هكذا نزلت(إلاّ أن يأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام) (2)» (3).

و من ثم قيل:إن(الواو)هنا في قوله:(و الملائكة)من زيادات النسّاخ سهوا،أو نظرا إلى تلاوة الآية (4).

[320] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السّلام فأما يوم القيامة،فإنما هو بعث إلى الجنة و بعث إلى النار».

أقول:لعل المراد أن الحسين عليه السّلام يحاسب الناس في الرجعة على ما أتيا إليه و إلى أصحابه و أهل بيته و شيعته و أعقابهم،فإن من الناس من حضر واقعة الطفوف و منهم من كان حيّا لم يحضر،لكنه سمع و رضي،و أمّا ذراريهم ممّن وجد و سيوجد إلى يوم القيامة فقد مضى أنه عليه السّلام يعذبهم بفعال آبائهم،لأنهم رضوا به،و منهم من منعه النصرة مع التمكن منها فهو عليه السّلام يحاسبهم كلهم و يعذبهم هو و أهل بيته و شيعته،بأن يقتلوهم ثم يحييهم اللّه تعالى كما تقدم،فيكون هذا العذاب شفاء للغيظ.

و أمّا يوم القيامة فلا حاجة بهم إلى الحساب،بل اذا حشروا بعثوا إلى النار،كما أن شيعته عليه السّلام ممّن حضر الواقعة و نظراءهم ممّن لم يحضرها يبعثون إلى الجنّة من غير حساب (5).7.

ص: 246


1- -مدينة المعاجز:101/3،و البحار:42/53.
2- -و في المصحف:(إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام)سورة البقرة:210.
3- -البحار:319/3.
4- -بحار الأنوار:319/3.
5- -معجم أحاديث المهدي:90/4،و بصائر الدرجات:27.

[321] روى أن أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ بكربلاء أخذ ترابا منها فشمّه و قال:«[إيها] (1)لك أيتها التربة يحشر منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب» (2).

[322] و عن أبي جعفر عليه السّلام يقول لحمدان:«أول من يرجع لجاركم الحسين عليه السّلام فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر» (3).

[323] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ .

قال:«يكسرون في الكرّة كما يكسر الذهب،حتى يرجع كل شيء إلى شبهه».يعني إلى حقيقته (4).

أقول:قوله عليه السّلام:«يكسرون في الكرّة»يجوز أن يكون إشارة إلى ما تقدم من الابتلاء و التمحيص حتى يرجع من رجع و يثبت على الدين من يثبت،و يجوز أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار من حكاية المزج بين الطينتين،و أن ماء كل طينة سرت إلى الطينة الأخرى فبالرجعة تتميز الطينتان،أمّا من رجع بعد الموت فتمييزه بعزل الطينتين حقيقة،و أمّا من قامت عليه القيامة الصغرى و هو في الحياة فتمييزه يرجع إلى الوجه الأول.

[324] و عن سليمان الديلمي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً .

فقال:«الأنبياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إبراهيم و إسماعيل و ذريته عليه السّلام و الملوك الأئمة عليهم السّلام».

قال:فقلت:و أي ملك اعطيتم؟

فقال:«ملك الجنّة و ملك الكرّة» (5).8.

ص: 247


1- -في المصدر:واها.
2- -البحار:419/32.
3- -البحار:56/51،و معجم أحاديث المهدي:219/5.
4- -مختصر بصائر الدرجات:28،و البحار:44/53 ح 15.
5- -البحار:46/53 ح 18.

[325] و عنه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (1).

قال:«نبيكم صلّى اللّه عليه و آله راجع اليكم» (2).

اقول:ورد أن هذه الآية تقرأ في إذن المسافر ليرجع إلى أهله.

[326] و من ذلك الكتاب:مسندا إلى عاصم بن حميد عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إن اللّه تبارك و تعالى أحد واحد،تفرّد في وحدانيته،ثم تكلم بكلمة فصارت نورا،ثم خلق من ذلك النور محمدا صلّى اللّه عليه و آله و خلقني و ذريتي،ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه اللّه في ذلك النور و أسكنه في أبداننا،فنحن روح اللّه و كلماته،فبنا احتجّ على خلقه فما زلنا في[ظلة خضراء] (3)لا شمس و لا قمر و لا ليل و لا نهار و لا عين تطرف،نعبده و نقدّسه و نسبّحه و ذلك قبل أن يخلق الخلق،و أخذ ميثاق الأنبياء بالأيمان و النصر لنا،و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (4)يعني لتؤمننّ بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و لتنصرنّ وصيه عليه السّلام،و سينصرونه جميعا.

و أن اللّه أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلّى اللّه عليه و آله بالنصرة بعضنا لبعض،فقد نصرت محمدا صلّى اللّه عليه و آله و جاهدت بين يديه و قتلت عدوّه و وفيت للّه بما أخذ عليّ من الميثاق و العهد و النصرة لمحمد صلّى اللّه عليه و آله،و لم ينصرني أحد من أنبياء اللّه و رسله و ذلك لمّا قبضهم اللّه إليه، و سوف ينصروني و يكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها،و ليبعثهم اللّه أحياء من آدم عليه السّلام إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله،كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات و الأحياء و الثقلين جميعا،فيا عجبا و كيف لا أعجب من أموات يبعثهم اللّه أحياء،يلبّون زمرة زمرة بالتلبية:

لبيك لبيك يا داعي اللّه،قد تخللوا سكك الكوفة،قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة و جبابرتهم و أتباعهم من جبابرة الأولين و الآخرين حتى ينجز اللّه ما1.

ص: 248


1- -سورة القصص:85.
2- -مختصر البصائر:29،و البحار:46/53 ح 19.
3- -ظاهر المخطوط:ظلمة و ما أثبتناه من المصدر.
4- -سورة آل عمران:81.

و عدهم في قوله عزّ و جلّ: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (1).

أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادي ليس عندهم تقية،و أن لي الكرّة بعد الكرّة و الرجعة بعد الرجعة،و أنا صاحب الرجعات و الكرّات،و صاحب الصولات و النقمات و الدولات العجيبات،و أنا قرن من حديد،و أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أنا أمين اللّه،و خازنه،و عيبة سرّه،و حجابه،و وجهه،و صراطه،و ميزانه،و أنا الحاشر إلى اللّه، و أنا كلمة اللّه التي يجمع بها المفترق و يفرّق بها المجتمع،و أنا أسماء اللّه الحسنى و أمثاله العليا و آياته الكبرى،و أنا صاحب الجنّة و النار أسكّن أهل الجنّة الجنّة و أسكّن أهل النار النار،و إليّ تزويج أهل الجنّة،و إليّ عذاب أهل النار،و إليّ إيّاب الخلق جميعا.

و أنا الإياب الذي يؤب إليه كل شيء،و أنا صاحب الهناة،و أنا المؤذن على الأعراف،و أنا دابة الأرض،و أنا قسيم النار،و أنا خازن الجنان،و أنا أمير المؤمنين،و يعسوب المتقين،و آية السابقين،و لسان الناطقين،و خاتم الوصيين،و وارث النبيين،و خليفة ربّ العالمين،و صراط ربّي المستقيم،و فسطاطه،و الحجة على أهل السموات و الأرضين و ما فيهما و ما بينهما،و أنا الذي احتجّ اللّه به عليكم في ابتداء الخلق،و أنا الشاهد يوم الدين،و أنا الذي علّمت علم المنايا و البلايا و القضايا و فصل الخطاب و الأنساب،و استحفظت آيات النبيين المستحفظين،و أنا صاحب العصا و الميسم،و أنا الذي سخرت لي السحاب و الرعد و البرق و الظلم و الأنوار و الرياح و الجبال و البحار و النجوم و الشمس و القمر،و أنا فاروق الأمة،و أنا الهادي،و أنا الذي أحصيت كل شيء عددا بعلم اللّه الذي أودعنيه،و بسرّه الذي أسرّه إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله،و أسرّه النبي صلّى اللّه عليه و آله إليّ،و أنا الذي أنحلني ربّي اسمه و كلمته و حكمته و علمه و فهمه.

يا معشر الناس:اسألوني قبل أن تفقدوني،اللهم إنّي أشهدك و أستعديك عليهم،و لا5.

ص: 249


1- -سورة النور:55.

حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم و الحمد للّه متّبعين أمره» (1).

أقول:قرن الحديد:الحصن.

[327] أمالي الصدوق:باسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تضعوا علي بن أبي طالب دون ما وضعه اللّه و لا ترفعوا عليّا فوق ما رفعه اللّه،كفى بعلي عليه السّلام أن يقاتل أهل الكرّة و أن يزوج أهل الجنّة» (2).

أقول:الذي وضعه عن درجته هم الخوارج و المخالفون،فإن الخوارج حكموا بكفره حتى أنه روي أن المراد بالإنسان في قوله عزّ و جلّ: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ علي بن أبي طالب عليه السّلام يعني ما الذي صار سببا في كفره حتى جوّزوا قتله و حكموا به،و أمّا المخالفون فأخّروه عن درجته إلى الدرجة الرابعة و قالوا:إنه رابع الخلفاء.مع أنه لا خليفة إلاّ هو و أولاده الأئمة المعصومين عليهم السّلام،و الذي رفعه فوق ما رفعه اللّه لهم:الغلاة و من قاربهم في المقالات، و هم فرق متعددة و منهم الغرابية كانوا يقولون:إن محمدا يشبه عليّا مشابهة الغراب للغراب، فأرسل اللّه تعالى الأمين جبرائيل عليه السّلام بالرسالة و الوحي إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فغلط و جعلها في محمد صلّى اللّه عليه و آله،فمن ثم كانوا يطعنون على الأمين جبرائيل عليه السّلام في التبليغ و يقولون:إنه خان الوحي و أدى الرسالة إلى غير من هي له.

[328] و روى علي بن إبراهيم:مسندا عن شهر بن حوشب قال:قال لي الحجاج:يا شهر آية في كتاب اللّه قد أعيتني.

فقلت:أيها الأمير أي آية هي؟

فقال:قوله: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (3)و اللّه إني لآمر باليهودي و النصراني فتضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفيته حتى يخمد.

فقلت:أصلح اللّه الأمير ليس على ما تأولت.

قال:كيف هو؟9.

ص: 250


1- -مختصر بصائر الدرجات:33،البحار:10/15.
2- -بصائر الدرجات:435،و أمالي الصدوق:284 ح 314.
3- -سورة النساء:159.

قلت:إن عيسى عليه السّلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي و لا غيره إلاّ آمن به قبل موته و يصلي خلف المهدي عليه السّلام.

قال:و يحك أنى لك هذا؟و من أين جئت به؟

فقلت:حدّثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام.

فقال:جئت و اللّه بها من عين صافية (1).

[329] و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه سبحانه: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (2).

قال:«هي و اللّه للنصاب».

قال معاوية بن عمار:جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا.

قال:«ذاك و اللّه في الرجعة يأكلون العذرة» (3).

[330] و فيه:عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (4).

قالا:«كل قرية أهلك اللّه أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة[فهذه الآية من أعظم الدلالات في الرجعة،لأن أحدا من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون] (5)إلى القيامة من هلك و من لم يهلك،فقوله: لا يَرْجِعُونَ عنى في الرجعة،فأمّا إلى القيامة،فهم يرجعون حتى يدخلوا النار» (6).

[331] و فيه:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو نائم في المسجد قد جمع رملا و وضع رأسه عليه،فحرّكه برجله ثم قال:قم يا دابة اللّه.

فقال رجل من أصحابه:يا رسول اللّه أ نسمّي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟1.

ص: 251


1- -البحار:195/9 ح 45،و مستدرك سفينة البحار:398/2.
2- -سورة طه:124.
3- -البحار:51/53،و مستدرك سفينة البحار:83/4.
4- -سورة الأنبياء 95.
5- -زيادة عن نسخة أخرى.
6- -البحار:52/53،و تفسير القمي:25/1.

فقال:لا و اللّه ما هو إلاّ له خاصة،و هو الدابة التي ذكر اللّه في كتابه: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (1).

ثم قال:يا علي إذا كان اخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة،و معك ميسم تسم به أعداءك».

فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إن العامة يقولون هذه الدابة تكلمهم.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«كلمهم اللّه في نار جهنم،إنما هو يكلمهم من الكلام،و الدليل على أن هذا في الرجعة قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّى إِذا جاؤُ قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2).

قال:«الآيات أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام».

فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إن العامة تزعم أن قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً عنى في القيامة.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أفيحشر اللّه يوم القيامة من كل أمّة فوجا و يدع الباقين؟لا و لكنه في الرجعة،و أمّا آية القيامة فهي: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (3)».

[332] و قال عليه السّلام:«قال رجل لعمار بن ياسر:يا أبا اليقظان آية في كتاب اللّه قد أفسدت قلبي و شككتني.

قال عمار:و أية آية هي؟

قال:قول اللّه: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ فأي دابة هذه؟

قال عمار:و اللّه ما أجلس و لا آكل و لا أشرب حتى أريكها.

فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يأكل تمرا و زبدا فقال:يا أبا اليقظان هلمّ.9.

ص: 252


1- -سورة النمل:82.
2- -سورة فصّلت:19-20.
3- -كتاب سليم بن قيس:130،و البحار:243/39.

فجلس عمار و أقبل يأكل معه،فتعجب الرجل منه فلمّا قام عمار قال له الرجل:سبحان اللّه يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل و لا تشرب و لا تجلس حتى ترينيها.

قال عمار:قد أريتكها إن كنت تعقل» (1).

[333] و قال الثقة علي بن إبراهيم في قوله: وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ يعني أمير المؤمنين و الأئمة صلوات اللّه عليهم في الرجعة فإذا رأوهم قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ أي جحدنا بما أشركناهم فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (2).

أقول:في هذا إشارة إلى وجه آخر غير ما قدّمناه للجمع بين الأخبار و الآيات التي ظاهرها متعارض في أنه عليه السّلام لا يقبل الإيمان،فمن لم يؤمن قبل خروجه كما روي في قوله تعالى:

يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (3) و بين ما روي من أنه يؤمن الكفّار من أهل الكتاب و غيرهم و لا يقبل منهم إلاّ الإسلام و الإيمان،حاصل وجه الجمع أنه عليه السّلام لا يقبل الإيمان الفرعوني الذي أتى به حين الغرق،مثل بنو أمية و نظرائهم من أهل النصب و العناد،و إذا آمنوا عند حصول البأس و رؤية العذاب لا يقبل إيمانهم،لأنه إيمان لساني حصل عند حصول البأس و يقبله من غيرهم (4).

[334] الخرائج:بإسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال:«قال أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لي:يا بني إنك ستساق إلى العراق،و هي أرض قد التقى فيها النبيون و أوصياء النبيين و هي أرض تدعى عمورا،و إنك تستشهد بها و يستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد،و تلا: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (5)تكون الحرب بردا عليك و عليهم.9.

ص: 253


1- -البحار:285/26،و مدينة المعاجز:92/3.
2- -سورة غافر:85.
3- -سورة الأنعام:158.
4- -البحار:56/53 ح 37،و تفسير القمي:261/2.
5- -سورة الأنبياء:69.

فأبشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا،ثم أمكث ما شاء اللّه فأكون أول من تنشقّ الأرض عنه،فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين عليه السّلام و قيام قائمنا عليه السّلام و حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثم لينزلنّ عليّ وفد من السماء من عند اللّه لم ينزلوا إلى الأرض قط،و لينزلنّ إليّ جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل عليهم السّلام و جنود من الملائكة،و لينزلنّ محمد و علي صلوات اللّه عليهما و أنا و أخي و جميع من منّ اللّه عليه في حمولات من حمولات الربّ،خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق.

ثم ليهزنّ محمد صلّى اللّه عليه و آله لواءه و ليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه،ثم إنّا نمكث بعد ذلك ما شاء اللّه،ثم إن اللّه يخرج من مسجد الكوفة عينا من ذهب و عينا من ماء و عينا من لبن،ثم إن أمير المؤمنين عليه السّلام يدفع إليّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يبعثني إلى المشرق و المغرب،فلا آتي على عدو إلاّ أهرقت دمه و لا أدع صنما إلاّ أحرقته،حتى أقع إلى الهند فأفتحها.

و أن دانيال و يوشع عليهما السّلام يخرجان إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و يبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم،و يبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم.

ثم لأقتلنّ كل دابة حرّم اللّه لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيب،و أعرض على اليهود و النصارى و سائر الملل،و لأخيرنّهم بين الإسلام و السيف،فمن أسلم مننت عليه و من كره الإسلام أهرق اللّه دمه.

و لا يبقى رجل من شيعتنا إلاّ أنزل اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب و يعرفّه أزواجه و منزله في الجنّة،و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلاّ كشف اللّه بلاءه بنا أهل البيت،و لينزلنّ البركة من السماء إلى الأرض حتى أن الشجرة لتنقصف بما يريد اللّه فيها من الثمر،و لتأكلنّ ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء،و ذلك قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (1).

ثم إن اللّه ليهب لشيعتنا كرامة،لا يخفى عليهم شيء في الأرض و ما كان فيها،حتى6.

ص: 254


1- -سورة الأعراف:96.

أن الرجل منهم يريد أن يعلم أهل بيته،فيخبرهم بعلم ما يعملون» (1).

[335] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أيام اللّه ثلاثة:يوم يقوم القائم عليه السّلام،و يوم الكرّة،و يوم القيامة» (2).

[336] و قال عليه السّلام:«أول من يكرّ في الرجعة الحسين بن علي عليه السّلام و يمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه» (3).

[337] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«ليس من مؤمن إلاّ و له قتلة و موتة،أنه من قتل نشر-يعني في الرجعة-حتى يموت،و من مات نشر حتى يقتل» (4).

[338] و قال عليه السّلام:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (5).

قال:هو أنا إذا خرجت أنا و شيعتي و خرج عثمان بن عفان و شيعته و نقتل بني أمية،فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين» (6).

[339] و في كتاب مختصر البصائر:نقلا عن كتاب سليم بن قيس الهلالي:بإسناده إلى أبي الطفيل قال:سألت أمير المؤمنين عليه السّلام عن قوله تعالى: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (7).

ما الدابة؟

قال:«يا أبا الطفيل من أخبرك عن هذا؟»2.

ص: 255


1- -الخرائج و الجرائح:850/2 ح 63،و البحار:82/45 ح 6.
2- -روضة الواعظين:392،و البحار:61/7 ح 13.
3- -البحار:64/53 ح 54،و معجم أحاديث المهدي:87/4.
4- -البحار:371/35 ح 15،و معجم أحاديث المهدي:256/5.
5- -سورة الحجر:2.
6- -مختصر بصائر الدرجات:18،و البحار:65/53 ح 56.
7- -سورة النمل:82.

فقلت:يا أمير المؤمنين أخبرني به؟

قال:«هي دابة تأكل الطعام و تمشي في الأسواق و تنكح النساء».

فقلت:يا أمير المؤمنين من هو؟

قال:«هو ربّ الأرض الذي تسكن الأرض به».

قلت:يا أمير المؤمنين من هو؟

قال عليه السّلام:«صدّيق هذه الأمة و فاروقها و ربّيها و ذو قرنيها».

قلت:يا أمير المؤمنين من هو؟

قال:«الذي قال اللّه تعالى: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1)، وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (2)وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ (3)و الناس كلهم كافرون و غيره.

قلت:يا أمير المؤمنين فسمّه لي؟

قال:«قد سمّيته لك يا أبا الطفيل،و اللّه لو دخلت على عامة شيعتي الذين أقرّوا بطاعتي و سمّوني أمير المؤمنين و استحلوا جهاد من خالفني،فحدثتهم ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرائيل عليه السّلام على محمد صلّى اللّه عليه و آله،لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة من الحق قليل،أنت و أشباهك من شيعتي».

ففزعت و قلت:يا أمير المؤمنين أنا و أشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك؟

قال:«بل تثبتون».

ثم أقبل عليّ،فقال:«إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه و لا يقرّ به إلاّ ثلاثة:ملك مقرّب،أو نبي مرسل،أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللّه قلبه للإيمان،يا أبا الطفيل إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبض فارتدّ الناس ضلالا و جهالا إلاّ من عصمه اللّه بنا أهل البيت عليهم السّلام» (4).

أقول:قوله عليه السّلام:«و ربيّها»بكسر(الراء)إشارة إلى قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ3.

ص: 256


1- -سورة هود:17.
2- -سورة الرعد:43.
3- -سورة الزمر:33.
4- -مختصر البصائر:41،و البحار:70/53.

مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا (1) .

أي:ربانيون علماء أتقياء عابدون لربّهم.

[340] و فيه:عن حبّة العرني قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحيرة فقال:«لتصلنّ هذه بهذه-و أومى بيده إلى الكوفة و الحيرة-حتى يباع الذراع بينهما بدنانير،و ليبنينّ في الحيرة مسجدا له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم،لأن مسجد الكوفة ليضيق منهم،و ليصلينّ فيه اثنا عشر إماما عدلا».

قلت:يا أمير المؤمنين و يسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟

قال:«تبنى له أربع مساجد:مسجد الكوفة أصغرها و هذا و مسجدان في طريق الكوفة من هذا الجانب»و أومى بيده نحو نهر البصرة و الغريين (2).

[341] و فيه:عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:اخبرني عن قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء».

فقال:«يا محمد إذا قام القائم استأنف دعاءا جديدا كما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (3).

أقول:حاصله أن الإسلام لمّا بدأ في دعوته صلّى اللّه عليه و آله كان غريبا لقلّة أهله،و إذا أظهر القائم عليه السّلام دعوته يدعو إلى الإسلام و الولاية،و الذين تقوم عليهم هذه الدعوة قليلون.

[342] و قال عليه السّلام:«لمّا التقى أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل البصرة،نشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتزلزلت أقدامهم و طلبوا الأمان فعند ذلك قال:لا تقتلوا أسيرا و لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا،و من ألقى سلاحه فهو آمن و من أغلق بابه فهو آمن،و لمّا كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم،فتحمّلوا عليه بالحسن و الحسين و عمّار بن ياسر فقال للحسن عليه السّلام:يا بني إن للقوم مدّة يبلغونها و أن هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم عليه السّلام و إذا نشرها لم يبق في المشرق و المغرب أحد إلاّ لقيها،و يسير الرعب قدّامها شهرا و عن يمينها8.

ص: 257


1- -سورة آل عمران:146.
2- -تهذيب الأحكام:254/3 ح 19،و البحار:374/52.
3- -كمال الدين:66،و البحار:120/8.

شهرا و عن يسارها شهرا» (1).

[343] الاحتجاج:بإسناده إلى الحسن بن علي عن أبيه عليه السّلام قال:«يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان يؤيده اللّه بملائكته و يدين له عرض البلاد و طولها،لا يبقى كافر إلاّ آمن به و لا طالح إلاّ صلح،و تصطلح في ملكه السباع،و تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما،فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه» (2).

أقول:جاءت الأحاديث مختلفة في تحديد أيام ملكه عليه السّلام،و جمع بينها بعض مشايخنا من أهل الحديث بأن بعضها محمول على جميع مدّة ملكه،و بعضها على زمان استقرار دولته،و بعضها على حساب ما عندنا من السنين و الشهور،و بعضها على سنينه و شهوره الطويلة،و اللّه يعلم.4.

ص: 258


1- -البحار:367/52.
2- -الإحتجاج:11/2،و البحار:21/44.

[344] العياشي:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لقد تسموا باسم ما سمّى اللّه به أحدا إلاّ علي بن أبي طالب عليه السّلام و ما جاء تأويله».

قلت:جعلت فداك متى يجيء تأويله؟

قال:«إذا جاء،جمع اللّه إمامة النبيين و المؤمنين حتى ينصروه و هو قول اللّه: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ -إلى قوله- وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ (1)فيومئذ يدفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللواء إلى علي بن أبي طالب،فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين،و يكون الخلائق كلهم تحت لوائه و يكون هو أميرهم،فهذا تأويله» (2).

[345] كتاب مختصر البصائر:بإسناده إلى خالد بن يحيى قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:سمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبا بكر صديقا؟

فقال:«نعم،إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة.

فقال له أبو بكر:و أنك لتراها؟

قال:نعم.

فقال:يا رسول اللّه تقدر أن ترينيها؟

فقال:ادن مني.

فدنا منه،فمسح يده على عينيه ثم قال له:انظر.

فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر ثم نظر إلى قصور أهل المدينة،فقال في نفسه:الآن صدّقت أنك ساحر.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:صدّيق أنت».

فقلت له:لما سمّى عمر الفاروق؟

قال:«نعم،ألا ترى أنه قد فرّق بين الحق و الباطل و أخذ الناس بالباطل».

فقلت:فلم سمّى سالما الأمين؟8.

ص: 259


1- -سورة آل عمران:18.
2- -تفسير العياشي:181/1،و مدينة المعاجز:69/1 ح 18.

قال:«لمّا كتبوا الكتب و وضعوها على يد سالم فصار الأمين».

فقلت:قال:«اتقوا دعوة سعد».

قال:«نعم».

قلت:و كيف ذلك؟

قال:«إن سعدا يكرّ فيقاتل عليّا عليه السّلام» (1).

[346] و روى الثقة العياشي:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أن أول من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السّلام و أصحابه و يزيد بن معاوية عليه لعائن اللّه و أصحابه،فيقتلهم حذو القذة بالقذة» (2).

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (3)».

[347] تفسير علي بن إبراهيم:بإسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام،قال أبو سلمة:سألته عن قول اللّه تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (4).

قال:«نعم نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام،أي ماذا فعل و أذنب حتى قتلوه،ثم نسب أمير المؤمنين عليه السّلام فنسب خلقه و ما أكرمه اللّه به فقال: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يقول:من طينة الأنبياء عليهم السّلام خلقه فَقَدَّرَهُ للخير ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ يعني سبيل الهدى ثُمَّ أَماتَهُ ميتة الأنبياء عليهم السّلام ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (5)قال:«يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما أمره» (6).

[348] و في كتاب المختصر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سئل عن الرجعة:أ حق هي؟

قال:«نعم».6.

ص: 260


1- -مختصر البصائر:30،و البحار:617/31 ح 91.
2- -تفسير العياشي:282/2 ح 23،و البحار:76/53.
3- -سورة الإسراء:6.
4- -سورة عبس:17.
5- -سورة عبس:22.
6- -تفسير القمي:406/2،و البحار:174/36.

فقيل له:من أول من يخرج؟

قال:«الحسين عليه السّلام يخرج على أثر القائم عليه السّلام».

قلت:و معه الناس كلهم؟

قال:«لا،بل كما ذكر اللّه تعالى في كتابه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (1)قوم بعد قوم» (2).

[349] و عنه عليه السّلام:«و يقبل الحسين عليه السّلام في أصحابه الذين قتلوا معه و معه سبعون نبيّا كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السّلام فيدفع إليه القائم عليه السّلام الخاتم،فيكون الحسين عليه السّلام هو الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و يواريه في حفرته» (3).

[350] و عن جابر الجعفي قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«و اللّه ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا».

قلت:متى يكون ذلك؟

قال:«بعد القائم عليه السّلام».

قلت:و كم يقوم القائم عليه السّلام في عالمه؟

قال:«تسع عشرة سنة،ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا و هو الحسين عليه السّلام فيطلب بدمه و دم أصحابه،فيقتل و يسبي حتى يخرج السفاح[و هو أمير المؤمنين عليه السّلام] (4)» (5).

[351] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر اللّه مقداره في القرآن: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (6).

«و هي كرّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة،و يملك أمير4.

ص: 261


1- -سورة النبأ:18.
2- -مختصر البصائر:48،و البحار:103/53.
3- -معجم أحاديث المهدي:89/4.
4- -زيادة عن نسخة أخرى.
5- -مختصر البصائر:39،و البحار:100/53 ح 121.
6- -سورة المعارج:4.

المؤمنين عليه السّلام في كرّته أربعا و أربعين سنة» (1).

[352] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا ظهر القائم عليه السّلام و دخل الكوفة بعث اللّه تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صدّيق فيكونون في أصحابه و أنصاره» (2).

[353] كامل الزيارات:بإسناده إلى بريد العجلي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يابن رسول اللّه أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حين يقول: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (3)أكان إسماعيل بن إبراهيم؟

قال:«لا،بل هو إسماعيل بن حزقيل النبي،بعثه اللّه إلى قومه فكذبوه و قتلوه و سلخوا فروة وجهه،فغضب اللّه عليهم فوجّه إليه اسطاطائيل ملك العذاب،فقال له:يا إسماعيل إني اسطاطائيل ملك العذاب وجّهني ربّ العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت.

فقال له إسماعيل:لا حاجة لي في ذلك يا اسطاطائيل.

فأوحى اللّه إليه:و ما حاجتك يا إسماعيل؟

فقال إسماعيل:يا ربّ إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية و لمحمد بالنبوة و لأوصيائه بالولاية،و أخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين عليه السّلام من بعد نبيّها،و أنك وعدت الحسين عليه السّلام أن تكرّه إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك،فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي كما تكرّ الحسين عليه السّلام (4).

فوعد اللّه إسماعيل بن حزقيل ذلك،فهو يكرّ مع الحسين عليه السّلام».

[354] و فيه:مسندا إلى حريز قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق اليكم؟

فقال:«إن لكل واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته،فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أن أجله قد حضر،و أتاه النبي صلّى اللّه عليه و آله ينعى إليه نفسه و أخبره بما له3.

ص: 262


1- -مختصر البصائر:49،و البحار:104/53.
2- -البحار:39/53،و معجم أحاديث المهدي:324/3.
3- -سورة مريم:84.
4- -مختصر البصائر:177،و البحار:391/13.

عند اللّه،و أن الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى،و بقي منها أشياء لم تنقض،فخرج إلى القتال فكانت تلك الأمور التي بقيت:أن الملائكة سألت اللّه في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال و تأهبت لذلك حتى قتل،فنزلت و قد انقطعت مدته و قتل عليه السّلام فقالت الملائكة:يا ربّ أذنت لنا في الانحدار و أذنت لنا في نصرته فانحدرنا و قد قبضته؟

فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليهم:أن الزموا قبّته حتى ترونه قد خرج،فانصروه و أبكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته،و أنكم خصصتم بنصرته و البكاء عليه.

فبكت الملائكة حزنا و جزعا على ما فاتهم من نصرته،فإذا خرج عليه السّلام يكونون أنصاره» (1).

[355] تأويل الآيات:بإسناده إلى سليمان بن خالد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ (2).

قال:«الراجفة:الحسين بن علي عليه السّلام،و الرادفة:علي بن أبي طالب عليه السّلام،و أول من ينفض من رأسه التراب الحسين بن علي عليه السّلام و معه خمسة و سبعين ألفا،و هو قوله تعالى: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ (3)» (4).

[356] و عن عبد اللّه اليماني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (5).

قال:«النعيم الذي أنعم اللّه به عليكم بمحمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله» (6).2.

ص: 263


1- -شرح أصول الكافي:101/6،و البحار:106/53.
2- -سورة النازعات:6.
3- -سورة الرعد:25.
4- -البحار:106/53،و مختصر البصائر:211.
5- -سورة التكاثر:8.
6- -البحار:56/24،تأويل الآيات:851/2.

[357] و في قوله تعالى: كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (1).

قال:«مرّة بالكرّة و أخرى يوم القيامة» (2).

[358] الخرائج و النجاشي:كانت لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات كثيرة فمنها:

أنه قال له يوما:يا أبا جعفر تقول بالرجعة؟

قال:نعم.

فقال له:اقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار فإذا عدت أنا و أنت رددتها إليك.

فقال له في الحال:أريد[ضمينا] (3)يضمن لي أنك تعود إنسانا،و أني أخاف أن تعود قردا فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني (4).6.

ص: 264


1- -سورة التكاثر:3.
2- -مختصر البصائر:204،و البحار:107/53 ح 135.
3- -كذا في المخطوط.
4- -رجال النجاشي:326،و البحار:107/53 ح 136.

[359] مختصر البصائر:بإسناده إلى كرام قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لو كان الناس رجلين كان أحدهم الإمام».

و قال:«إن آخر من يموت الإمام عليه السّلام لئلا يحتج أحد على اللّه أنه تركه بغير حجة عليه».

قال:المراد بالإمام هنا الذي هو آخر من يموت الجنس،لأن الحجة تقوم على الخلق بمنذر أو هاد في الجملة،دون المشار إليه صلّى اللّه عليه و آله على ما ورد عنهم صلوات اللّه عليهم فيما تقدم من أن الحسين عليه السّلام هو الذي يغسّل المهدي عليه السّلام و يحكم بعده في الدنيا ما شاء اللّه،و يجب على من يقرّ لآل محمد بالإمامة و فرض الطاعة أن يسلّم إليهم فيما يقولون و لا يردّ شيئا من حديثهم المروي عنهم إذا لم يخالف الكتاب و السنّة (1).

[360] و من كتاب البشارة:للسيد رضي الدين علي بن طاووس:وجدت في كتاب تأليف جعفر بن محمد بن مالك الكوفي بإسناده إلى حمران قال:عمر الدنيا مائة ألف سنة،لسائر الناس عشرون ألف سنة،و ثمانون ألف سنة لآل محمد عليهم السّلام (2).

[361] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«كأني بسرير من نور و قد وضع،و قد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكلله بالجواهر،و كأني بالحسين عليه السّلام جالسا على ذلك السرير و حوله تسعون ألف قبة خضراء،و كأني بالمؤمنين يزورونه و يسلمون عليه،فيقول اللّه عزّ و جلّ لهم:أوليائي سلوني،فطالما أوذيتم و ذللتم و اضطهدتم،فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ قضيتها لكم.

فيكون أكلهم و شربهم من الجنة،فهذه و اللّه الكرامة» (3).

أقول:سؤال حوائج الدنيا يدل على أن هذا في الرجعة،إذ هي لا تسأل في الآخرة.

[362] و روى الحاكم النيشابوري في تاريخه في حديث حسام بن عبد الرحمن عن أبيه3.

ص: 265


1- -مختصر البصائر:211،و الإمامة و التبصرة:16/30.
2- -البحار:116/53،و مستدرك سفينة البحار:375/3.
3- -كامل الزيارات:259،و البحار:116/53.

عن جدّه و كان قاضي نيشابور،دخل عليه رجل،فقيل له:إن عند هذا حديثا عجيبا.

فقال:يا هذا ما هو؟

قال:اعلم أني كنت رجلا نبّاشا أنبش القبور،فماتت امرأة فذهبت لأعرف قبرها فصليت عليها،فلمّا جنّ الليل ذهبت لأنبش عنها و ضربت يدي إلى كفنها لأسلبها، فقالت:سبحان اللّه رجل من أهل الجنّة تسلب امرأة من أهل النار؟

ثم قالت:أ لم تعلم أنك ممّن صليت عليّ؟و أن اللّه عزّ و جلّ قد غفر لمن صلّى عليّ (1).

أقول:إن فيه دلالة على جواز الرجعة،و إن هذه المرأة رجعت إلى الدنيا لغرض لم يهتم به و رجوع القائم عليه السّلام إلى الدنيا و رجوع بعض من مات لأغراض مهمة،فكيف تجوّز العامة ذلك و تنكر هذا؟

و العجب من بين علمائنا حيث يأوّل الرجعة بأن معناها:رجوع الدولة و الأمر و النهي، من دون رجوع الأشخاص و إحياء الأموات،و ذلك أنهم لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة و بيان جوازها و أنها تنافي التكليف عوّلوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة،و هذا منهم غير صحيح،لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويلات إليها،و إنما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية على معناها:أن اللّه تعالى يحيي أمواتا عند قيام القائم عليه السّلام من أوليائه و أعدائه على ما بيّناه،فكيف يطرق التأويل على ما هو معلوم.9.

ص: 266


1- -البحار:141/53،و مستدرك سفينة البحار:530/9.

الفصل التاسع

في خلفاء المهدي عليه السلام و ما يكون بعده

و فيما خرج منه من التوقيعات

[363] كمال الدين:بإسناده إلى أبي بصير قال:قلت للصادق عليه السّلام:يا بن رسول اللّه سمعت من أبيك صلوات اللّه عليه أنه قال:«يكون بعد القائم عليه السّلام اثنا عشر مهديّا».

فقال:«إنما قال:اثنا عشر مهديّا و لم يقل:اثنا عشر إماما،و لكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا و معرفة حقنا» (1).

[364] و في حديث آخر عنه عليه السّلام:«إن منّا بعد القائم عليه السّلام أحد عشر مهديّا من ولد الحسين عليه السّلام» (2).

[365] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«و اللّه ليمكّن منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا».

قال جابر الجعفي:قلت:متى يكون ذلك؟

قال:«بعد القائم عليه السّلام».

قلت:و كم يقوم القائم في عالمه؟

قال:«تسع عشر سنة،ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السّلام و دماء أصحابه،فيقتل و يسبي حتى يخرج السفاح» (3).

ص: 267


1- -كمال الدين:358 ح 56،و البحار:115/53.
2- -الغيبة:478 ح 504،و البحار:145/53 ح 2.
3- -البحار:100/53 ح 121،و مختصر البصائر:39.

[366] و في حديث آخر:«أن المنتصر الحسين عليه السّلام و السفاح أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه» (1).

[367] الارشاد:ليس بعد القائم عليه السّلام لأحد دولة إلاّ ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء اللّه ذلك،و لم ترد على القطع و الثبات،و أكثر الروايات أنه لا يمضي مهدي الأمة إلاّ قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج،و علامة خروج الأموات و قيام الساعة للحساب و الجزاء (2).

أقول:هذه الأخبار مخالفة للمشهور و ذكروا في طريق تأويلها أحد وجهين:

الأول:أن يكون المراد بالاثني عشر مهديّا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سائر الأئمة سوى القائم عليه السّلام بأن يكون ملكهم بعد القائم عليه السّلام.

و أوّلها الحسن بن سليمان بجميع الأئمة عليهم السّلام و قال برجعة القائم عليه السّلام أيضا بعد موته.

و به أيضا يمكنه الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدة ملكه عليه السّلام.

و الثاني:أن يكون هؤلاء المهديون من أوصياء القائم عليه السّلام هادين للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا،لئلا يخلو الزمان من حجة،و إن كان أوصياء الأنبياء و الأئمة أيضا حججا و اللّه تعالى يعلم.

إذا عرفت هذا،فاعلم أن الأخبار متعارضة ظاهرا في ترتيب دولهم عليهم السّلام و في مدتها و في المقتدى به منهم عند حضورهم.

و يمكن أن يقال:إن دولتهم عليهم السّلام دولة واحدة و حكم واحد،يجوز نسبتها إلى كل واحد منهم و كذلك الحال في المقتدى به منهم على أن أقطار الدنيا و أقاليمها كثيرة،فيكون كل واحد منهم عليهم السّلام واليا في قطر من الأقطار،و إذا أرادوا الاجتماع كان في طرفة عين،و اللّه العالم و حججه عليهم السّلام.

[368] و في كتاب الغيبة:للشيخ الطوسي طاب ثراه توقيعات كثيرة في مسائل متعددة خرجت عن القائم عليه السّلام منها:

[ما]روي في ثواب القرآن و الفرائض و غيرها:أن القائم عليه السّلام قال:«عجبا لمن لم يقرأ3.

ص: 268


1- -البحار:101/53 ح 123،و نهج السعادة:83/8.
2- -الإرشاد:387/2،و البحار:145/53.

في صلاته إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و كيف تقبل صلاته؟» (1).

و روي:«ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو اللّه أحد» (2).

و روي:«أن من قرأ في فرائضه(الهمزة)أعطى من الدنيا» (3).

فهل يجوز أن يقرأ الهمزة و يدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي:أنه لم تقبل صلاة و لا تزكو إلاّ بهما؟

التوقيع:«الثواب في السور على ما قد روي،و إذا ترك سورة ممّا فيها الثواب و قرأ (قل هو اللّه أحد)و(إنا أنزلناه)عالما بفضلهما،أعطى ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك،و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامة،و لكن يكون قد ترك الفضل».

و عن وداع شهر رمضان متى يكون؟قد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول:يقرأ في آخر ليلة منه،و بعضهم يقول:هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شهر شوال.

التوقيع:«العمل في شهر رمضان في لياليه و الوداع يقع في آخر ليلة منه،فإن خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين».

و هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟

الجواب:

«جائز».

و عن الرجل من وكلاء الوقف يكون مستحّلا لما في يده لا يرع عن أخذ ماله،ربّما نزلت في قرية و هو فيها أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه،فإن لم آكل من طعامه عاداني و قال:فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا.

فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و أتصدق بصدقة؟و كم مقدار الصدقة؟

و إن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر،فأحضر فيدعوني أن أنال منها و أنا أعلم أن2.

ص: 269


1- -الغيبة:377،و الإحتجاج:302/2.
2- -المصدر السابق.
3- -الغيبة:377،و الإحتجاج:303/2.

الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده،فهل فيه شيء إن أنا نلت منه؟

الجواب:«إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و أقبل برّه،و إلاّ فلا».

و عن الرجل يقول بالحق و يعرف المتعة و يقول بالرجعة إلاّ أن له أهلا موافقة له في جميع أمره،و قد عاهدها أن لا يتزوج عليها و لا يتسّرى،و قد فعل هذا منذ بضع عشرة سنة و وفى بقوله،فربّما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع و لا تتحرك نفسه أيضا لذلك،و هو لا يحرّم المتعة بل يدين اللّه بها،فهل عليه في ترك ذلك إثم أم لا؟

الجواب:«في ذلك يستحب له أن يطيع اللّه تعالى ليزول عنه الحلف في المعصية و لو مرة واحدة».

[369] و في ذلك التوقيع:«و أمّا الخبر المروي في سجدة الشكر بعد صلاة المغرب و الاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع،فإن فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل،كفضل الفرائض على النوافل و السجدة دعاء و تسبيح،و الأفضل أن تكون بعد الفرض،فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز».

[370] و في كتاب الاحتجاج:توقيع خرج من الناحية المقدسة إلى محمد بن عبد اللّه الحميري و فيه:أنه سأل عن أهل الجنة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟

فأجاب عليه السّلام:«إن الجنّة لا حمل فيها للنساء و لا ولادة و لا طمث و لا نفاس و لا شقاء بالطفولية،و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين،كما قال اللّه سبحانه فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه اللّه عزّ و جلّ بغير حمل و لا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عليه السّلام عبرة» (1).

و سئل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره،هل يجوز ذلك أم لا؟

فكتب:«يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه».

و سأل فقال:روى لنا عن الصادق عليه السّلام:أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه:إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه،فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟3.

ص: 270


1- -الإحتجاج:310/2،و البحار:163/53.

فأجاب عليه السّلام:

«يجوز ذلك».

و سئل:هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟و هل فيه فضل؟

فأجاب عليه السّلام:«يسبّح الرجل به،فما من شيء من التسبيح أفضل منه،و من فضله:أن الرجل ينسى التسبيح و يدير السبحة فيكتب له ثواب التسبيح».

و سئل عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السّلام فهل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟

و هل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلام أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة،أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟

و هل يجوز أن يتقدم القبر و يصلي و يجعل القبر خلفه أم لا؟

فأجاب عليه السّلام:

«أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا في فريضة و لا زيارة،و الذي عليه العمل:

أن يضع خدّه الأيمن على القبر.

«و أمّا الصلاة:فإنها خلفه و يجعل القبر أمامه،و لا يجوز أن يصلي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره،لأن الإمام عليه السّلام لا يتقدم عليه و لا يساوى».

و سئل فقال:هل يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة و بيده السبحة أن يديرها و هو في الصلاة؟

فأجاب:«يجوز ذلك إذا خاف السهو و الغلط».

و سئل فقال:روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور:إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم،فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه،فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب عليه السّلام:«إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه،و إن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين إن شاء اللّه».

و سئل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات،فبعض يروي:أن قراءة

ص: 271

الحمد وحدها أفضل،و بعض يروي:أن التسبيح فيهما أفضل،فالفضل لأيهما نستعمله؟

فأجاب عليه السّلام:«قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح،و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السّلام:(كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج)-يعني ناقصة-إلاّ للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه».

و سئل عن صلاة جعفر بن أبي طالب رضى اللّه عنه في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه؟

و هل فيها قنوت؟و إن كان ففي أي ركعة منها؟

فأجاب عليه السّلام:«أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة،ثم في أي الأيام شئت و أي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز،و القنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع و الرابعة».

و سئل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله و أن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجا،أ يصرف ذلك عمّن نواه له إلى قرابته؟

فأجاب عليه السّلام:

«يصرفه إلى أدناهما و أقربهما من مذهبه،فإن ذهب إلى قول العالم عليه السّلام:(لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج)فليقسم بين القرابة و بين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله».

و سأل فقال:قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة،فقال بعضهم:إذا أدخل بها سقط المهر و لا شيء لها،و قال بعضهم:هو لازم في الدنيا و الآخرة،فكيف ذلك؟و ما الذي يجب فيه؟

فأجاب عليه السّلام:«إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا و الآخرة،و إن كان عليه كتاب فيه ذكر الصدقات سقط إذا دخل بها و إن لم يكن عليه كتاب،فإذا دخل بها سقط باقي الصداق».

و سئل عن المسح على الرجلين:بأيهما يبدأ باليمين؟أو يمسح عليهما جميعا معا؟

فأجاب عليه السّلام:«يمسح عليهما جميعا معا،فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلاّ باليمين».

[371] و في الاحتجاج:ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها اللّه و رعاها في أيام

ص: 272

بقيت من صفر سنة عشر و أربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان قدّس اللّه روحه و نوّر ضريحه،ذكر موصلة أنه تحمله من ناحية متصلة بالحجاز نسخته:الأخ السديد الولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان أدام اللّه إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

أمّا بعد:

سلام اللّه عليك أيها الولي المخلص في الدين،المخصوص فينا باليقين،فإنّا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو و نسأله الصلاة على سيدنا و مولانا و نبيّنا محمد و آله الطاهرين، و نعلمك أدام اللّه توفيقك لنصرة الحق،و أجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق،أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة و تكليفك ما تؤديه عنّا إلى موالينا قبلك،أعزهم اللّه بطاعته و كفاهم المهمة برعايته لهم و حراسته،فقف أيّدك اللّه بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره،و اعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء اللّه نحن.

و إن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي أراد اللّه تعالى لنا من الصلاح و لشيعتنا من المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين،فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شيء من أخباركم و معرفتنا بالذل الذي أصابكم،مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا-يعني بعيدا-و نبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

إنّا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم،و لولا ذلك لنزل بكم اللاواء و اصطلمكم الأعداء،فاتقوا اللّه جلّ جلاله و ظاهرونا على انتياشكم-أي تناولكم-من فتنة قد أنافت عليكم،يهلك فيها من حمّ أجله و يحمى عنها من أدرك أمله».

ثم ذكر التوقيع،و ذكر بعد توقيعات أخرى وردت على الشيخ المفيد طيّب اللّه رمسه يوم الخميس الثالث و العشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و أربعمائة مذكور بتمامه في

ص: 273

ذلك الكتاب (1).

[372] و في ذلك الكتاب عن الأسدي،عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه،في جواب مسائل إلى صاحب الزمان عليه السّلام:

«أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها،فلئن كان كما يقولون:الشمس تطلع من بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان،فما أرغم أنف الشيطان بشيء مثل الصلاة،فصلّها و أرغم أنف الشيطان.

و أمّا ما سألت عنه من أمر المصلي و النار و الصورة و السراج بين يديه،هل تجوز صلاته؟

فإن الناس اختلفوا في ذلك قبلك،فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان و النيران أن يصلي و الصورة و السراج بين يديه،و لا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان و النيران» (2).

[373] كمال الدين:عن أبي القاسم ابن روح قدّس اللّه روحه أنه سأله رجل ما معنى قول العباس للنبي صلّى اللّه عليه و آله:إن عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل-و عقد بيده ثلاثة و ستين-.

قال:«عنى بذلك إله أحد جواد (3).

و تفسير ذلك:أن(الألف)واحد،و(اللام)ثلاثون،و(الهاء)خمسة،و(الألف) واحد،و(الحاء)ثمانية،و(الدال)أربعة،و(الجيم)ثلاثة،و(الواو)ستة،و(الألف) واحد،و(الدال)أربعة،فذلك ثلاثة و ستون» (4).

أقول:و هذا ردّ على المخالفين،فإنّهم زعموا أن أبا طالب مات كافرا،و ليس ذلك إلاّ حسدا منهم و عداوة لابنه أمير المؤمنين عليه السّلام حتى لا يفضل الشيخين بالآباء،لأن آباءهم كانوا كفّارا،و الأخبار مستفيضة بل متواترة بإسلام أبي طالب رضى اللّه عنه،و أن اللّه سبحانه يؤتيه على3.

ص: 274


1- -الإحتجاج:323/2،و تهذيب الأحكام:37/1.
2- -البحار:182/53،و كمال الدين:520 ح 49.
3- -كمال الدين:520 ح 48،و مجمع البحرين:219/3.
4- -كمال الدين:520 ح 48،و مجمع البحرين:219/3.

إسلامه أجرين:أجر لإسلامه و أجر لكتمانه،لأنه كتم إسلامه لأجل حماية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لو علم قريش منه الإسلام لما سمعوا منه و لما قبلوا منه ما كان يكفهم و يمنعهم عنه من إيذاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قد سبق في المجلدة الأولى من هذا الكتاب،الأحاديث و الدلائل الدالة على إسلام أبي طالب رضى اللّه عنه فانظرها من هناك ينظر اللّه إليك بعين رحمته،اللهم ارحمنا برحمتك و انظر إلينا بعين عنايتك إنك على كل شيء قدير.

تمّ بحمد اللّه

ص: 275

الفهارس

فهرس الآيات

آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) 211

(إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ) 29

(إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ) 241

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ 233

(الم ذلِكَ الْكِتابُ) 122

(الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) 128

(إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) 266

(إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً 236

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ) 213

(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) 247

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) 216

(إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 230

(إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ) 260

(إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ) 214

(إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا) 230

ص: 276

(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) 200

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ) 46

(إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) 38

(إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ) 148

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) 29

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً) 203

(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) 189

(أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) 39

(أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) 125

(أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) 68

(أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) 175

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ... وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) 213

(أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً) 178-179

(أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 50-173

(اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ) 211

(بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) 157-202

(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ) 223

(تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) 147

(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ) 232

(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) 257

(ثُمَّ أَماتَهُ) 257

ص: 277

(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) 257

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) 261

(جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) 246

(حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 121

(حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ) 213

(حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) 62

(حم عسق) 39

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 148

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) 254

(سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ) 184

(طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ) 128

(عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ) 211

(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) 111

(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) 234

(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) 233

(فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) 244

(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) 182-250

(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ) 21

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ) 88

(فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) 29

(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا) 107

(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ)

ص: 278

اَلْكافِرُونَ) 252

(فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ) 237

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) 211

(قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ) 252

(قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) 213

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) 249-257

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ) 228

(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 252

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) 174

(كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) 261

(كهيعص) 111

(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) 232

(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) 88

(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ) 213

(لا يَرْجِعُونَ) 250

(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) 47-115

(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) 112

(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)» 117

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) 130-236-212

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) 30-38-122

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) 146

ص: 279

(ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)» 171

(مُدْهامَّتانِ) 29

(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) 213

(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) 230

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ) 214

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنّا) 213

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) 257

(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) 230

(وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) 232

(وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً) 213

(وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) 229

(وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) 230

(وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) 251-254

(وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ -إلى قوله- وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ) 256-243-247

(وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) 232

(وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ) 255

(وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها) 92

(وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 192

(وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ) 231

(وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى) 29

ص: 280

(وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) 233

(وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) 232

(وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى) 30

(وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) 37-249

(وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) 182

(وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ) 232

(وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) 213

(وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) 230

(وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ) 112

(وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا) 259

(وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ) 227

(وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) 61

(وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) 23

(وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) 81

(وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) 44

(وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) 250

(وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) 251

(وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) 248

ص: 281

(وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ) 193-212-236

(وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) 162

(وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا) 256

(وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) 60

(وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) 148

(وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ) 230

(وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) 183

(وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) 231

(وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) 236

(وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ) 28

(وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ) 165

(وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) 253

(وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً) 193-213

(وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ) 244

(وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) 60

(وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ) 116

(وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ) 227

ص: 282

(وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ) 227

(وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ) 211

(وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)» 166

(وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) 235

(وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) 184

(وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) 255

(وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) 212

(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا) 14-224-231

(وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ) 252

(وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّى إِذا جاؤُ قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) 251-131

(وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) 243

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) 212-235

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) 116

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) 172

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) 244

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ) 232

(يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) 29

ص: 283

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) 120

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ،ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) 211

(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ) 187

(يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) 122

(يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ) 260

(يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) 259

(يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ) 246

(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) 230-25-130

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) 258

ص: 284

فهرس الأشعار

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختل أهلك فاشهدهم و لا تغب 225

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لمّا نأيت و حالت دونك الحجب 225

بني إذا ما جاشت الترك فانتظر *** ولاية مهدي يقوم فيعدل 44

حتى إذا ولدت عدنان صاحبها *** من هاشم كان منها خير مولد 53

حتى يقوم بأمر اللّه قائمهم *** من السّماء إذا ما باسمه نودي 53

سالت له القطر عين القطر فائضة *** بالقطر سنّة عطاء غير مصدود 53

سمي نبي اللّه نفسي فداؤه *** فلا تخذلوه يا بني و عجلوا 44

صبي من الصبيان لا رأي عنده *** و لا عنده جدّ و لا هو يعقل 44

فإن كنت مأكولا فكنت أنت آكلي *** و إلاّ فأدركني و لمّا أمزق 68

فثم يقوم القائم الحق منكم *** و بالحق يأتيكم و بالحق يعمل 44

فصيّروه صفاحا ثم هيل له *** إلى السماء بأحكام و تجويد 53

فقال للجن:ابنوا لي به أثرا *** يبقى إلى الحشر لا يبلى و لا يودي 53

قد كان بعدك أنباء و هنبثة *** لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب 224

لكل قوم لهم قرب و منزلة *** عند الإله على الأدنين مقترب 225

لم يبق من بعده للملك سابقة *** حتى يضمن رمسا غير أخدود 53

لو أن خلقا ينال الخلد في مهل *** لنال ذاك سليمان بن داود 52

له مقاليد أهل الأرض قاطبة *** و الأوصياء له أهل المقاليد 53

ليعلم المرء ذو العزّ المنيع و من *** يرجو الخلود و ما حيّ بمخلود 52

و افرغ القطر فوق السور منصلتا *** فصار أصلب من صمّاء صيخود 53

و بثّ فيه كنوز الأرض قاطبة *** و سوف يظهر يوما غير محدود 53

ص: 285

و خصّه اللّه بالآيات منبعثا *** إلى الخليقة منها البيض و السود 53

و ذل ملوك الأرض من آل هاشم *** و بويع منهم من يلذ و يهزل 44

و صار في قعر بطن الأرض مضطجعا *** مصمّدا بطوابيق الجلاميد 53

و هذا ليعلم أن الملك منقطع *** إلاّ من اللّه ذي النعماء و الجود 53

هم الخلائف اثنا عشرة حججا *** من بعدها الأوصياء و السادة الصيد 53

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا *** أمل أناس ففازوا بالّذي طلبوا 225

ص: 286

فهرس المحتويات

[مقدمة المصنف]:11

الفصل الأول

في ولادة الإمام المهدي و أحوال أمّه و أسمائه و ألقابه عليه السّلام 12

الفصل الثاني

فيما ورد من إخبار اللّه عزّ و جلّ و رسوله و الأئمة و غيرهم عن القائم 31

الفصل الثالث

في دلائل شيخ الطائفة طاب ثراه على الغيبة 55

الفصل الرابع

في معجزاته و في أحوال سفرائه و تكذيب غيرهم و فيمن رآه 75

الفصل الخامس

في علة غيبته و في النهي عن التوقيت و حصول البداء في ذلك 115

[قصة الجزيرة الخضراء]134

ص: 287

جوهرة عالية:144

خاتمة 150

الفصل السادس

في علامات خروجه عجل اللّه تعالى فرجه 156

فائدة 205

الفصل السابع

فيما يكون عند ظهوره عجل اللّه تعالى فرجه 211

فائدة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف:239

الفصل الثامن

في الرجعة و كيفيتها 243

الفصل التاسع

في خلفاء المهدي عليه السّلام و ما يكون بعده 264

فهرس الآيات 26

فهرس الأشعار 26

فهرس المحتويات 26

ص: 288

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.