رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار المجلد 2

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: موسوي حسيني جزائري، سيد نعمه الله

عنوان واسم المؤلف:ریاض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار المجلد 2

مظهر:3ج

الناشر: موسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان

مقدمة الكتاب: مقدمة الكتاب: مقسم إلى ثلاثة مجلدات كبيرة:

ج1 - هناك ثلاثة أبواب ومواسم وأغراض في معرفة النبي باري وصفاته ، وحياة وفضائل وتحديات ومعارك النبي أكرم وحضرة علي (علیه السلام).

ج2 - في وصف حالات حضرة صدّيقه طاهرة وأبنائها العشرة الأبرياء من الإمام مجتبى إلى الإمام العسكري (علیه السلام)

ج3 - عن حضرة القائم (عج) وغيابه المشرف.

الموضوع:تاریخ معصومین علیهم السلام

رقم الببليوغرافيا الوطنية: ع 514

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

كتاب رياض الابرار في مناقب الأئمة الأطهار

تاريخ الأئمة الأبرار عليهم السّلام

من الإمام علي بن الحسين إلى الامام الحسن العسكري

تأليف: السّيّد نعمة اللّه الجزائري

1050-1112 ه-ق

مؤسّسة التاريخ العربي

ص: 3

حقوق الطّبع محفوظة

الطّبعة الأولى

1247 ه-2006 م

ص: 4

صور من الكتاب

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

الصورة

ص: 7

الصورة

ص: 8

الصورة

ص: 9

الصورة

ص: 10

باب فيما يختصّ بالإمام الهمام أبي محمّد زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في أسمائه و سببها و نقش خواتيمه و تاريخ ولادته و أحوال أمّه

و النصّ عليه و بعض معجزاته و استجابة دعواته و مكارم أخلاقه

و أحواله مع عشائره و ما جرى له مع خلفاء زمانه

تسميته زين العابدين عليه السلام

في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عمران بن سليم قال:كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين قال:حدّثني زين العابدين عليّ بن الحسين فقال له سفيان بن عيينة:و لم تقول له:زين العابدين؟

قال:لأنّي سمعت سعيد بن المسيّب يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:

إذا كان يوم القيامة ينادي مناد:أين زين العابدين،فكأنّي أنظر إلى ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف يعني يتمايل في مشيته كالمعجب بنفسه (1).

و في مناقب ابن عبد العزيز أنّه قال يوما و قد قام من عنده عليّ بن الحسين عليهما السّلام:من أشرف الناس؟

ص: 11


1- -علل الشرائع:230/1،و بحار الأنوار:3/46 ح 1.

فقالوا:أنتم،فقال:كلاّ،إنّ أشرف الناس؟هذا القائم من عندي،من أحبّ الناس أن يكونوا منه و لم يحبّ أن يكون من أحد (1).

و في ربيع الأبرار عن الزمخشري روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:للّه من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس،و كان يقول عليّ بن الحسين:أنا ابن الخيرتين لأنّ جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمّه بنت يزدجر الملك،و أنشأ أبو الأسود شعر:

و إنّ غلاما بين كسرى و هاشم *** لأكرم من نيطت عليه التمايم (2)

أقول: التمايم خرزات كانت العرب تعلّقها على أولادها يتّقون بها العين أو الأعمّ منها و من العوذ و الغرض التعميم بأنّه أفضل الخلق.

ألقاه و كناه عليه السلام

و في كتاب المناقب لقبه عليه السّلام زين العابدين و سيّد الساجدين و زين الصالحين و وارث علم النبيّين و وصيّ الوصيّين و خازن وصايا المرسلين و إمام المؤمنين و منار القانتين و الخاشع و المتهجّد و الزاهد و العابد و العدل و البكّاء و السجّاد و ذو الثفنات و إمام الأمّة و أبو الأئمّة و كنيته أبو الحسن و أبو محمّد و أبو القاسم (3).

و روي أنّه يكنّى بأبي بكر.

و في كتاب كشف الغمة أنّ من ألقابه الزكي و الأمين،و قيل:كان السبب في لقبه بزين العابدين إنّه كان ليلة في محرابه قائما في تهجّده فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه فجاء إلى إبهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته.

فلمّا فرغ منها و علم أنّه الشيطان سبّه و لطمه و قال:إخسأ يا ملعون فذهب و قام إلى تمام ورده فسمع صوتا و لا يرى قائله و هو يقول:أنت زين العابدين ثلاثا فظهرت هذه

ص: 12


1- -المناقب:304/3،و بحار الأنوار:3/46 ح 4.
2- -المناقب:304/3،و درر الأخبار:324.
3- -المناقب:310/3،و بحار الأنوار:4/46 ح 5.

الكلمة و اشتهرت له لقبا (1).

في خاتمه

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:كان في خاتم عليّ بن الحسين:الحمد للّه العليّ.

و عن أبي الحسن عليه السّلام:كان خاتم عليّ بن الحسين عليهما السّلام:خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه (2).

علّة لقب سيّد الساجدين

و في كتاب العلل عن الباقر عليه السّلام إنّ أبي عليّ بن الحسين ما ذكر للّه عزّ و جلّ نعمة عليه إلاّ سجد و لا قرأ آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فيها سجود إلاّ سجد و لا دفع اللّه عزّ و جلّ عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلاّ سجد،و لا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد،و لا وفق بين اثنين إلاّ سجد و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السجّاد لذلك (3).

و عنه عليه السّلام كان أبي عليه السّلام في موضع سجوده آثار ناتئة و كان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات فسمّي ذا الثفنات (4).

و عن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره.

و كان عليّ بن الحسين يتختّم بخاتم أبيه (5).

و عن الباقر عليه السّلام؛كان نقش خاتم أبي:العزّة للّه (6).

ص: 13


1- -بحار الأنوار:5/46،و كشف الغمة:286/2.
2- -الكافي:473/6 ح 2،و بحار الأنوار:5/46 ح 7.
3- -علل الشرائع:233/1 ح 166،و بحار الأنوار:368/17.
4- -علل الشرائع:233/1،و بحار الأنوار:6/46 ح 12.
5- -الكافي:474/6 ح 8،و وسائل الشيعة:100/5.
6- -الكافي:473/6 ح 1،و عيون أخبار الرضا:61/1.

حال امّه عليه السلام

و في كتاب كشف الغمة:ولد عليه السّلام بالمدينة في الخميس الخامس من شعبان سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة قبل وفاة جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام بسنتين و امّه امّ ولد اسمها غزالة و قيل شاه زنان بنت يزدجر و كان عمره سبع و خمسين سنة (1).

و في رواية إنّه ولد سنة سبع و ثلاثين و قبض و هو ابن سبع و خمسين سنة أربع و تسعين و كان بقاؤه بعد أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة (2).

و في كتاب عيون الأخبار مسندا إلى سهل بن القاسم النوشجاني قال:قال لي الرضا عليه السّلام بخراسان:إنّ بيننا و بينكم نسبا،قلت:و ما هو؟

قال:إنّ عامر بن عبد اللّه بن كريز لمّا افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجر ملك الأعاجم فبعث بهما إلى عثمان بن عفّان فوهب إحداهما للحسن و الاخرى للحسين عليهما السّلام، فماتتا عندهما نفساوين و كانت صاحبة الحسين عليه السّلام نفست بعليّ بن الحسين فكفل عليّا بعض امّهات ولد أبيه فنشأ و هو لا يعرف امّا غيرها ثمّ علم إنّها مولاته و كان الناس يسمّونها امّه و زعموا أنّه زوج امّه،و معاذ اللّه إنّما زوج هذه على ما ذكرناه و كان سبب ذلك إنّه واقع بعض نسائه ثمّ خرج يغتسل فلقيته امّه هذه فقال لها:إن كان في نفسك من هذا الأمر شيء فاتّق اللّه و اعلميني،فقالت:نعم،فزوّجها،فقال ناس:زوّج عليّ بن الحسين امّه.

قال سهل بن القاسم:ما بقى طالبي عندنا إلاّ كتب هذا الحديث عن الرضا عليه السّلام (3).

و في كتاب الخرائج روى عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا قدمت ابنة يزدجر المدينة على عمر أمر أن ينادي عليها،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يجوز بيع بنات الملوك و إن كنّ كافرات و لكن أعرض عليها أن تختار رجلا من المسلمين فوضعت يدها على منكب

ص: 14


1- -كشف الغمة:286/2،و تهذيب العمال:384/20.
2- -بحار الأنوار:8/46،و كشف الغمة:317/2.
3- -عيون أخبار الرضا:136/1،و بحار الأنوار:8/46.

الحسين عليه السّلام فقال:چه نام دارى اى كينزك يعني ما اسمك يا صبيّة؟

قالت:جهانشاه،فقال:بل شهربانويه،قالت:تلك اختي،قال:راست گفتى،أي صدقت،ثمّ التفت إلى الحسين عليه السّلام و قال:احتفظ بها و احسن إليها فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك فولدت عليّ بن الحسين.

و يروى أنّها ماتت في نفاسها به و إنّما اختارت الحسين عليه السّلام لأنّها رأت فاطمة و أسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين و لها قصّة و هي أنّها قالت:رأيت في المنام قبل ورود عسكر المسلمين كأنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخل دارنا و قعد مع الحسين و خطبني له و زوّجني منه.

فلمّا أصبحت كان ذلك يؤثّر في قلبي و ما كان لي خاطر غير هذا فلمّا كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمّد قد أتتني و عرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثمّ قالت:إنّ الغلبة تكون للمسلمين و انّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين سالمة قالت:و كان من الحال أن خرجت من المدينة ما مسّ يدي إنسان (1).

و في كتاب الإرشاد سأل أمير المؤمنين عليه السّلام شاه زنان بنت كسرى حين أسرت ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟

قالت:حفظت عنه أنه كان يقول:إذا غلب اللّه على أمر ذلّت المطامع دونه و إذا انقضت المدّة كان الحتف في الحيلة،فقال عليه السّلام:ما أحسن ما قال أبوك تذلّ الامور للمقادير حتّى يكون الحتف في التقدير (2).46

ص: 15


1- -الخرائج و الجرائح:750/2،و بحار الأنوار:10/46.
2- -الإرشاد:302/1،و بحار الأنوار:/11/46

تولّده عليه السلام و مدّة عمره

و في كتاب المناقب كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة و كان في سني إمامته بقيّة ملك يزيد و ملك معاوية بن يزيد و ملك مروان و عبد الملك و توفّي في الملك الوليد سمّه الوليد بن عبد الملك (1).

و في كتاب الدران:بابه يحيى ابن امّ الطويل ابن دايته المدفون بواسط قتله الحجّاج (2).

و في الأمالي عن محمّد بن مسلم قال:سألت الصادق عليه السّلام عن خاتم الحسين عليه السّلام إلى من صار و ذكرت له أنّي سمعت أنه أخذ من اصبعه فيما اخذ،قال عليه السّلام:ليس كما قالوا:

إنّ الحسين عليه السّلام أوصى إلى ابنه عليّ بن الحسين و جعل خاتمه في إصبعه و فوّض إليه أمره كما فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأمير المؤمنين و هو بالحسن و الحسن بالحسين ثمّ صار ذلك الخاتم إلى أبي و منه إليّ و أبى لابسه في كلّ جمعة،فرأيته في إصبعه يوم الجمعة نقشه:لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء اللّه (3).

و في كتاب البصائر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا[و وصية ظاهرة و وصية باطنة و كان علي بن الحسين مبطونا لا يرون إلا أنه لما به] (4)فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين و إنّما دفعه إلى فاطمة،لأنّ عليّ بن الحسين كان مبطونا لا يرون انّه إلاّ لما به ثمّ صار ذلك الكتاب إلينا فقلت:فما في ذلك الكتاب؟

فقال:و اللّه جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدّنيا (5).

و عن الفضيل قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:لمّا توجّه الحسين إلى العراق دفع إلى امّ

ص: 16


1- -المناقب:311/3،و بحار الأنوار:13/46.
2- -دلائل الأمامة:193،و بحار الأنوار:16/46.
3- -الأمالي:208،و بحار الأنوار:17/46.
4- -زيادة من المصدر.
5- -بصائر الدرجات:168،و الأمامة و التبصرة:64.

سلمة الوصية و الكتب و غير ذلك و قال لها؛إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك.

فلمّا قتل الحسين عليه السّلام أتى عليّ بن الحسين امّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السّلام (1).

فيه حديث القرصين

و روى الثقة عليّ بن إبراهيم مسندا إلى الزهري قال:كنت عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام فجاءه رجل من أصحابه و قال:يا ابن رسول اللّه إنّي أصبحت و عليّ أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها و لي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به،فبكى بكاء شديدا فقلت:ما يبكيك؟

قال:و هل يعد البكاء إلاّ للمحن الكبار،و أيّ محنة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن حاجة فلا يمكنه سدّها قال فتفرّقوا عن مجلسهم،فقال بعض المخالفين و هو يطعن على عليّ بن الحسين:عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة أنّ السماء و الأرض و كلّ شيء يعطيهم اللّه و لا يردهم عن شيء من طلباتهم ثمّ يعترفون اخرى بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم.

فاتّصل ذلك بالرجل صاحب القصة فجاء إلى عليّ بن الحسين فقال:بلغني عن فلان كذا و كذا و كان ذلك عليّ من محنتي،فقال عليه السّلام:قد أذن اللّه في فرجك يا فلان احملي سحوري و فطوري فحملت قرصتين،فقال:خذهما ليس عندنا غيرهما و اللّه يعطيك بهما خيرا واسعا فأخذهما و دخل السوق لا يدري ما يصنع بهما،فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة و قد أراحت فقال له:سمكتك بائرة عليك و إحدى قرصتي بائرة علي فأعطني سمكتك البائرة و خذ قرصي فأعطاه السمكة و أخذ القرصة ثمّ مرّ برجل معه ملح قليل فأعطاه القرصة الاخرى و أخذ منه ملحا يصلح به السمكة.

فلمّا شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين فحمد اللّه ثمّ بعد ساعة قرع الباب قارع فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقول كلّ واحد له:يا عبد اللّه جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا من هذا القرص فلم تعمل فيه أسنانا و ما نظنّك إلاّ فقيرا و قد رددنا

ص: 17


1- -بحار الأنوار:1846 ح 3.

عليك هذا الخبز و طيّبنا لك ما أخذت منّا فأخذ القرصين.

فلمّا انصرفا قرع الباب قارع فإذا رسول عليّ بن الحسين فقال:يقول لك إنّ اللّه آتاك الفرج فاردد إلينا طعامنا فإنّه لا يأكله غيرنا،و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه و حسنت حاله،فقال بعض المخالفين:ما أشدّ هذا التفاوت بينا عليّ بن الحسين لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم،فقال عليه السّلام:قالت قريش للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله؛كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد فيه من آثار الأنبياء من مكّة و يرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلاّ في اثنا عشر يوما و ذلك حين هاجر منها،ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:جهلوا أمر اللّه و أمر أوليائه إنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسليم للّه و ترك الاقتراح عليه و الرضا بما يدبّرهم به،إنّ أولياء اللّه صبروا على المكاره فجازاهم اللّه بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلاّ ما يريده لهم (1).8.

ص: 18


1- -بحار الأنوار:20/46،و أمالي الصدوق:538.

حال عمر بن عبد العزيز

و في بصائر الدرجات مسندا إلى عبد اللّه التميمي قال:كنت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام في المسجد فمرّ عمر بن عبد العزيز عليه شراك فضّة و كان شابّا،فقال عليه السّلام:

أترى هذا المترف إنّه لن يموت حتّى يلي الناس،[قلت إنا للّه و إنا إليه راجعون] (1)هذا الفاسق؟

قال:نعم،فلا يلبث فيهم إلاّ يسيرا حتّى يموت فإذا هو مات لعنه أهل السماء و استغفر له أهل الأرض.

أقول: قد روى السيّد ابن طاووس طاب ثراه في كتاب الفتن و غيره عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السّلام أخبارا كثيرة تضمّنت الثناء عليه (2).

و في ذلك الكتاب عن الثمالي قال؛كنت مع عليّ بن الحسين في داره و فيها شجرة فيها عصافير فطارت و صوّتت فقال:إنّها تقدّس ربّها و تسأله قوت يومها (3).

و في خبر آخر:أنّ لهنّ وقتا يسألن فيه قوتهن،يا أبا حمزة لا تنام قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك؛إنّ اللّه يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد و على أيدينا يجريها.

أقول: هذا لا ينافي ما روي في العصافير انّها من الطيور الخبيثة التي لم تصدق بولاية أهل البيت و إنّما تحبّ فلانا و فلانا و أنّ القنبرة ممّن أذعن بالولاية و صدّق بها.

و أمّا أنّ الأرزاق تقسم قبل طلوع الشمس فمن نام ذلك الوقت نام عن رزقه كما كان في بني إسرائيل،فذلك وارد في الحديث فإنّه يقاص من رزقه ليوم آخر فيعطى في هذا اليوم بعض رزق يوم الآخر (4).

ص: 19


1- -زيادة من المصدر.
2- -بصائر الدرجات:190،و الثاقب في المناقب:360 ح 298.
3- -بصائر الدرجات:361،و بحار الأنوار:23/46.
4- -بصائر الدرجات:363،و بحار الأنوار:24/46.

فيه أنّ الحيوانات لها نفوس ناطقة

و فيه أيضا عن أبي بصير عن رجل قال:خرجت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى مكّة فرأى غنما و إذا نعجة تخلّفت عن الغنم و هي تثغوا ثغاء شديدا و تلتفت و إذا سخلة خلفها تثغوا و تشتدّ في طلبها فقال عليه السّلام:أتدري ما قالت النعجة؟

قلت:لا،قال:يقول لها الحقي بالغنم فإنّ اختها عام أوّل تخلّفت في هذا الموضع فأكلها الذئب.

أقول: في هذا الحديث و فيما سيأتي دلالة على أنّ الحيوانات لها نفوس ناطقة تدرك ما يدركه الإنسان و هذا مذهب قدماء الحكماء و رجّحناه في كتاب مقامات النجاة و كتاب زهر الربيع و أقمنا عليه كثيرا من الدلائل (1).

و في كتاب الاختصاص بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين مع أصحابه في طريق مكّة فمرّ ثعلب و هم يتغدّون فقال لهم:اعطوني موثقا من اللّه لا تهيجون هذا الثعلب و دعوه حتّى يجيئني فحلفوا له،فقال:يا ثعلب تعال،فجاء حتّى أقعى بين يديه فطرح له عظما فيه لحم فولى به يأكله (2).

و فيه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال:بينا عليّ بن الحسين مع أصحابه إذا أقبلت ظبية من الصحراء حتّى أقامت حذاءه و صوّتت،فقال بعضهم:ما تقول هذه الظبية؟قال:تزعم أنّ فلانا القرشي أخذ خشفها بالأمس و انّها لم ترضعه من أمس،فبعث إليه عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ابعث إليّ بالخشف.

فلمّا رأته صوّتت و ضربت بيديها ثمّ أرضعته فوهبه عليّ بن الحسين لها و كلّمها بنحو من كلامها و انطلقت و الخشف معها،فقالوا:يا ابن رسول اللّه ما لذي قالت:قال يقول:ردّ اللّه

ص: 20


1- -الأختصاص:295،و بحار الأنوار:24/46 ح 6.
2- -الأختصاص:298،و بصائر الدرجات:369.

عليكم كلّ غائب و غفر لعليّ بن الحسين كما ردّ عليّ ولدي (1).

أقول: حديث الظبية تكرّر في الأخبار على هيئات مختلفة لتكرّر المرّات فلا منافاة.

تعدّد العوالم

و في كتابي الاختصاص و البصائر مسندا إلى عبد الصمد بن علي قال:دخل رجل على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال له:من أنت؟

قال:منجّم،قال:فأنت عرّاف ثمّ قال:هل أدلّك على رجل قد مرّ مذ دخلت علينا في أربع عشر عالما كلّ عالم أكبر من الدّنيا ثلاث مرّات لم يتحرّك عن مكانه،قال:من هو؟ قال:أنا و إن شئت أنبأتك بما أكلت و ما ادّخرت في بيتك (2).

أقول: العرّاف الكاهن و هو إشارة إلى قول مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام:المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار،و الكاهن هو الذي يستخدم بعض الجنّ أو الشياطين يأتيه ببعض أخبار السماوات فيضيف إليها أكاذيب و يخبر الناس بها كما كان في عصور الجاهلية،و في وقت ولادته صلّى اللّه عليه و اله منع الشياطين من استراق السمع و حرست السماء بملك يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك يرمون الشياطين بالشهب يحرقون أجنحتهم فهم و إن منعوا من القرب إلى السماء إلاّ أنّهم يطيرون إلى الهوى و ربّما وقع إليهم بعض الأخبار الغريبة يلقونهم إلى أوليائهم هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ (3).

و أمّا دخوله عليه السّلام في تلك العوالم فيمكن أن يكون على طريق الحقيقة بالأبدان المثالية أو على طريق لا نعلمه لكن يجب علينا الإذعان لما لا نتحقّقه و يمكن أن يكون على طريق المجاز و يراد به العلم و الاطّلاع التامّ.

و قوله عليه السّلام:قد مرّ،ربّما كان فيه إشارة إليه و سيأتي الكلام إن شاء اللّه تعالى في تحقيق هذه العوالم من الأخبار الصحيحة.

ص: 21


1- -الأختصاص:299،و بحار الأنوار:25/46.
2- -الأختصاص:320،و دلائل الأمامة:210 ح 23.
3- -سورة الشعراء:221-222.

و في كتاب كمال الدّين مسندا إلى محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام:إنّ حبّابة الوالبية دعا لها عليّ بن الحسين عليهما السّلام فردّ اللّه عليها شبابها و أشار إليه بإصبعه فحاضت لوقتها و لها يومئذ مائة سنة و ثلاثة عشر سنة (1).

موت الفجأة و غيره

و في الخرائج:عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام إن موت الفجأة تخفيف على المؤمن و أسف على الكافر و أنّ المؤمن ليعرف غاسله و حامله فإن كان له عند ربّه خير ناشد حملته أن يعجّلوا به و إن كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به.

فقال ضمرة بن سمرة:لو كان كما يقول،وثب من السرير،و ضحك و أضحك فقال عليه السّلام:اللّهم إنّ ضمرة ضحك و أضحك لحديث رسول اللّه فخذه أخذة أسف فمات فجأة فأتى مولى لضمرة زين العابدين عليه السّلام فقال:آجرك اللّه في ضمرة مات فجأة إنّي لأقسم لك إنّي سمعت صوته و أنا أعرفه كما كنت أعرفه في حياته في الدّنيا و هو يقول:الويل لضمرة حللت بدار الجحيم و بها مبيتي و المقيل،فقال عليّ بن الحسين:اللّه أكبر هذا جزاء من ضحك و أضحك من حديث رسول اللّه (2).

أقول: أمّا إنّ موت الفجأة تخفيف على المؤمن فلأنّه راحة معجّلة و دليل على أنّ المؤمن لم يبق عليه من الذنب ما يحتاج إلى تكفيره،كما ورد في أنّ الأمراض كفّارات للذنوب و أنّ ما يصيب المؤمن من المرض و الوجع قبل حلول الموت فهو كفّارة له،و أمّا إنّه أسف على الكافر فلأنّ الأمراض تبعث إلى الرجوع إلى الحقّ و التوبة عن القبيح فلو لم يمت فجأة لربما دخل في الإسلام فهو يأسف و يندم بعد الموت على ما قصر فيه.نعم،ورد الاستعاذة من موت الفجأة لفوت الأجر المترتّب على المرض و لعدم تدارك الوصية المأمور بها و في تركها تضييع مال الوارث أو مال الناس و لتمتّع أهله بالنظر إليه أيّام المرض و انّهم يرفعون نفوسهم عن حياته شيئا بعد شيء إلى أن يسهل عليهم حكاية موته و موت الفجأة يهجم عليهم بقطع حياته و حلول الموت به.

ص: 22


1- -كمال الدين:537 ح 2،و بحار الأنوار:178/25.
2- -الخرائج و الجرائح:586/2،و مختصر بصائر الدرجات:91.

و في كتاب الخرائج:إنّ زين العابدين عليه السّلام كان يخرج إلى ضيعة له فإذا هو بذئب أمعط ليس عليه شعر قد قطع على الصادر و الوارد فدنا منه و وعوع فقال:انصرف فإنّي أفعل إن شاء اللّه فانصرف الذئب فقيل:ما شأن الذئب؟

قال:أتاني و قال:زوجتي عسر عليها ولادتها فأغثني و أغثها بأن تدعو بتخليصها و لك و اللّه أن لا أتعرّض أنا و لا شيء من نسلي لأحد من شيعتك،ففعلت (1).

و فيه أيضا:أنّ أبا بصير قال:حدّثني الباقر عليه السّلام أنّ عليّ بن الحسين قال:رأيت الشيطان في النوم فواثبني فرفعت يدي فكسرت أنفه فأصبحت و أنا على ثوبي كأثر دم (2).

أقول: روي أيضا أنّ موسى عليه السّلام لطمه على وجهه فاعورّت عينه.

و روي أيضا أنّ إدريس عليه السّلام لمّا كان يخيّط في مسجد الكوفة و أتاه إبليس و سأله حديث البيضة فقال:ادن منّي.

فلمّا دنى منه الشيطان غرز الابرة في عينيه،فقال:ربّي قادر على مثل هذا فاعورّت عينه فهو أعور على كلّ حال.

و فيه أيضا أنّ يدي رجل و امرأة التصقتا على الحجر و هما في الطواف و جهد كلّ أحد على نزعهما فلم يقدر فقال الناس:اقطعوهما،فبينما هم كذلك إذ دخل زين العابدين عليه السّلام و وضع يده عليهما فانحلّتا و افترقتا (3).

أقول: رأيت في مرّة من زياراتي لقبر مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّ يدي رجل التصقت بالشبّاك الشريف و ما انفصلت إلاّ بعد مدّة و طول تضرّع و بكاء من ذلك الرجل و من الزوّار حتّى نوى التوبة النصوح و الظاهر أنّه كان عشّارا.

و فيه أيضا أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان:إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين فكتب إليه عبد الملك:أمّا بعد،فجنّبني دماء بني هاشم و احقنها فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا أولعوا فيها لم يلبثوا أن أزال اللّه الملك منهم،و بعث بالكتاب أيضا سرّا إليه،فكتب عليّ بن الحسين إلى عبد الملك في الساعة التي أنفذ فيها8.

ص: 23


1- -الخرائج و الجرائح:587/2 ح 9،و مدينة المعاجز:417/4.
2- -الخرائج و الجرائح:584/2 ح 3،و بحار الأنوار:28/46 ح 18.
3- -بحار الأنوار:28/46 ح 18.

الكتاب إلى الحجّاج:وقفت على ما كتبت في دماء بني هاشم و قد شكر اللّه لك ذلك و ثبّت لك ملكك و زاد في عمرك،و بعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلى الحجّاج.

فلمّا قدم الغلام و نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقا لتاريخ كتابه فلم يشكّ في صدق زين العابدين ففرح بذلك و بعث إليه بوقر دنانير و سأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه.

و كان في كتابه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتاني في النوم فعرّفني ما كتبت به إليك و ما شكر من ذلك (1).

جزاء الأعمال

أقول: أقسم اللّه سبحانه على نفسه أن لا يضيع عمل عامل و من يرد حرث الدّنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من خلاق،و عبد الملك و أمثاله ممّن لا يرجى لهم جزاء في الآخرة فلا ريب في إيصال الجزاء إليهم في الدّنيا كما قال عليه السّلام من زيادة الملك و طول العمر و ما اشتهر في الكتاب و السنّة و اتّفق عليه أهل العلم من بطلان الطاعات إذا وقعت على غير قانون الشريعة كصلاة الرياء و العبادة بقصد غير وجهه عزّ شأنه،فالمراد بطلان الجزاء الأخروي و إلاّ فما مدّت يد إلى اللّه و رجعت صفرا،ألا ترى أنّ الشيطان لمّا عبد اللّه تعالى في السماوات ستّة آلاف سنة و كان قصده بتلك الصلاة عاجل الدّنيا لما اطلع اللّه عليه في الألواح من أنّه سبحانه لا يضيع عمل عامل بل يجازي إمّا بالدّنيا أو العقبى فرّغ نفسه للطاعة بنيّة الجزاء الدنيوي و إلاّ لو كان مقصده الطاعة الحقيقيّة لما و كّله اللّه إلى نفسه حتّى يختار الشقاوة بل كانت ألطافه سبحانه ترفع بيده إلى أوج الامتثال.

و روي أيضا أنّ من ترك شرب الخمر لغير وجه اللّه سبحانه بل حياء من الناس أو خوفا على بدنه أو نحو ذلك سقاه اللّه تعالى من أنهار الجنّة و شرابها و على هذا ينزل ما ترى من كفّار الهند و نحوهم فإنّهم يرتاضون رياضات يحسبونها عبادات فعند الفراغ منها يترتّب عليها ما أرادوه منها من إقبال الناس عليهم و اخبارهم ببعض الامور الغائبة و غير ذلك.

ص: 24


1- -بحار الأنوار:29/46 ح 19.

و كذلك أيضا عبادات المخالفين و طاعاتهم من الصلاة و الزكاة و الحجّ و نحوها،و لهذا ترى مشايخهم تارة يصنعون الذكر الذي يزعمونه عبادة و يوقدون النار في تلك الحلقة و يدخلون فيها و تارة يأكلون العقارب و الحيات و تارة اخرى يخبرون بالغائبات فربما كان كما قال:و الجاهل يحسب أنّ ذلك من قربهم عند اللّه سبحانه،كلاّ و لكن مشابهة لأخيهم الشيطان.

و كذلك الصوفية من هذا المذهب فإنّهم ينطقون بكلمة الإيمان و يبرؤن من فلان و فلان إلاّ أنّ أعمالهم و أذكارهم من مخترعات الشيطان فهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا أولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.

حكاية المصروع

و في كتاب المناقب عن الباقر عليه السّلام قال:خدم أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام برهة من الزمان ثمّ شكى شدّة شوقه إلى والدته و سأله الإذن في الخروج إليها،فقال عليه السّلام؛يا كنكر إنّه يقدم علينا رجل من أهل الشام له قدر و جاه و مال و ابنة له قد أصابها عارض من الجنّ و هو يطلب معالجا يعالجها و يبذل في ذلك ماله فإذا قدم فصر إليه و قل له:أنا اعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم فإنّه يرضى بقولك.

فلمّا كان من الغد قدم الشامي و طلب معالجا لابنته فقال له أبو خالد:أنا اعالجها بعشرة آلاف درهم فضمن أبوها له ذلك،فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّه سيغدر بك ثمّ قال:انطلق فخذ بإذن الجارية اليسرى و قل:يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين اخرج من هذه الجارية و لا تعد إليها ففعل،ففاقت الجارية من جنونها فطالبه بالمال فدافعه فرجع إلى عليّ بن الحسين فقال:يا أبا خالد غدر بك و لكن سيعود إليها فإذا أتاك فقل إنّما عاد إليها لأنّك لم تف بما ضمنت فإن وضعت عشرة آلاف على يدي عليّ بن الحسين فإنّي اعالجها، فوضع المال على يد عليّ بن الحسين و ذهب أبو خالد إلى الجارية فأخذ باذنها اليسرى و قال:يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين:اخرج من هذه الجارية و إن عدت أحرقتك بنار اللّه الموقدة التي تطّلع على الأفئدة،و أفاقت الجارية و لم يعد إليها فأخذ المال حتّى قدم

ص: 25

على والدته (1).

أقول: ذهب الحكماء و متابعوهم من علماء المسلمين إلى أنّ المصروع و ما يرى من الجنّ كلّها خيالات و أخلاط سودائية تحترق حتّى يخيل إليه الجنّ،و الأخبار المتواترة أبطلت هذا الرأي.

و عن أبي حمزة الثمالي قال:دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فاحتبست في الدار ساعة ثمّ دخلت البيت و هو يلقط شيئا فناوله من وراء الستر،فقلت:أيّ شيء هذا؟قال:

فضلة من زغب الملائكة و انّهم ليزاحمونا على متكائنا (2).

و في كتاب الأنوار أنّه عليه السّلام كان قائما يصلّي فوقف ابنه على بئر في داره بعيدة القعر و سقط فيها فصرخت امّه و قالت:يا ابن رسول اللّه غرق ولدك محمّد و هو لا يلتفت و يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر.

فلمّا طال عليها ذلك قالت:ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول اللّه.

فلمّا فرغ من الصلاة مدّ يده إلى البئر و كانت لا تنال إلاّ بالرشا الطويل فأخرج ابنه محمّد على يديه يناغي و يضحك لم يبتل له ثوب فقال:هاك يا ضعيفة اليقين لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي (3).

أقول: صرّح الفقهاء طيّب ثراهم بوجوب قطع الصلاة عند سقوط نفس محترمة في البئر و نحوه،و الإمام عليه السّلام هنا لم يقطع صلاته،و هل يجوز لغيره أن يقتدي به في مثل هذه الحالة؟

قلنا:لا يجوز،و ذلك أنّ عدم قطعه عليه السّلام للصلاة إمّا لأنّه لم يشعر و لم يعلم بوقوعه في البئر،و إمّا لأنّ توكّله على اللّه سبحانه بلغ إلى حدّ حصل معه العلم القطعي بأنّ اللّه سبحانه سيحفظ ولده في البئر كما حفظ يوسف و هذا المقام لا يحصل لغيره،و لو اتّفق حصوله لأحد لم يجب عليه قطع الصلاة بل يجوز له.

و عن الكابلي قال:أتيت عليّ بن الحسين عليه السّلام أسأله هل عندك سلاح رسول اللّه؟3.

ص: 26


1- -المناقب:286/3،و بحار الأنوار:31/46.
2- -المناقب:277/3،و بحار الأنوار:353/26.
3- -بحار الأنوار:34/46،و المناقب:278/3.

فلمّا بصر بي قال:يا أبا خالد أتريد أن اريك سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدعى بحق كبير و سفط فأخرج لي خاتم رسول اللّه و درعه و سيفه ذا الفقار و عمامته و قال:هذه السحاب و قضيبه السكب و نعليه و رداءه الذي كان يرتدي به يوم الجمعة و أخرج لي شيئا كثيرا (1).

و في كتاب الإرشاد للزهري قال سعيد بن المسيب:كان الناس لا يخرجون من مكّة حتّى يخرج عليّ بن الحسين عليهما السّلام فخرج و خرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلّى ركعتين سبّح في سجوده فلم يبق مدر و لا شجر إلاّ سبّحوا معه ففزعت منه فرفع رأسه فقال:

يا سعيد فزعت؟

قلت:نعم يابن رسول اللّه،قال:هذا التسبيح الأعظم (2).

أقول: الذي يظهر من الأحاديث و الآيات أنّ الجمادات لها شعور التسبيح و التنزيه لخالقها حتّى قيل:إنّ تسبيح الحصا بيده صلّى اللّه عليه و اله ليس معجزة له وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ (3)إنّما الإعجاز في سماع الحاضرين.

و من الحكمماء الشيخ أبو علي بن سينا ذكر في رسالة له:أنّ كلّ شيء يعشق حتّى الجماد و النبات و المعادن،و قد حكينا في كتاب المقامات عن كتب الفلاحة أشياء كثيرة تدلّ على أنّ الأشجار تعشق بعضها بعضا،و أمّا الحيوانات فلا يشكّ فيه أحد و كذلك الطيور و هذا الكتاب لا يناسب ذكرها فيه.

و روي عن إبراهيم بن أدهم و فتح الموصلي قال كلّ واحد منهم:كنت أسيح في البادية فتنحّيت عن القافلة فإذا بصبي يمشي فقلت:سبحان اللّه بادية بيداء و صبي يمشي فدنوت منه و سلّمت عليه فقلت:إلى أين تريد؟

فقال:اريد بيت ربّي،فقلت:إنّك صغير ليس عليك فرض و لا سنّة،فقال:يا شيخ ما رأيت من هو أصغر منّي مات؟

فقلت:أين الزاد و الراحلة؟

قال:زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي،فقلت:ما أرى شيئا من لطعام4.

ص: 27


1- -بحار الأنوار:35/46،و المناقب:278/3.
2- -الصراط المستقيم:246/3.
3- -سورة الأسراء:44.

معك،فقال:هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلى دعوة فتحمل من بيتك الطعام،الذي دعاني إلى بيته يطعمني و يسقيني،فقلت:ارفع رجلك حتّى تدرك،فقال عليّ الجهاد و عليه الإبلاغ أما سمعت قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (1)فبينا نحن كذلك إذ أقبل شاب حسن الوجه عليه ثياب بيض فعانق الصبي و سلّم عليه فقلت للشاب:من هذا الصبي؟

فقال:هذا عليّ بن الحسين،و قلت للصبي:من هذا الشابّ؟قال:هذا أخي الخضر يأتينا كلّ يوم يسلّم علينا،فقلت:أسألك بحقّ آبائك بما تجوز المفاوز بلا زاد؟

قال:بلى أجوز بزاد و زادي فيها أربعة أشياء أرى الدّنيا كلّها مملكة اللّه و أرى الخلق كلّهم عبيد اللّه و إمائه و أرى الأسباب و الأرزاق بيد اللّه و أرى قضاء اللّه نافذا في كلّ أرض اللّه، فقلت:نعم الزاد زادك يا زين العابدين و أنت تجوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدّنيا (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى إنّه ورد في الروايات إنّه عليه السّلام كان إذا سافر إلى الحجّ و العمرة تزوّد من أطيب الزاد من اللوز و السكّر و السويق المحمض و المحلى و هذه المرّة إمّا أنّه عليه السّلام أراد الرياضة على نفسه في ذلك الطريق و تعليما للخلق بأنّه كان يصنع تارة كذا و تارة كذا،و إمّا أنّ محامله و زاده كانت معه لكنّه كما ورد في الأخبار كان يمشي جانبا من الطريق لئلاّ يمشي الناس كلّهم معه فيشقّ عليهم.

و أمّا جوابه في تفسير الزاد و ما وقع منه لإبراهيم بن أدهم و فتح الموصلي فإشارة إلى معنى الزاد الحقيقي المأمور بأخذه من هذه الدّنيا فإنّ خير الزاد التقوى،و إبراهيم و فتح كانا من أهل الرياضة فأرادا إرشادهم إليها.

و في كتاب الكشي عن أبي حمزة الثمالي إنّه دخل عبد اللّه بن عمر على زين العابدين عليه السّلام و قال:يابن الحسين أنت الذي تقول إنّ يونس بن متى إنّما لقى من الحوت ما لقى لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها؟

قال:بلى ثكلتك امّك،قال:فأرني ذلك إن كنت من الصادقين،فأمر بشدّ عينيه بعصابة و شدّ عيني بعصابة ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ بحر تضطرب6.

ص: 28


1- -سورة العنكبوت:69.
2- -المناقب:280/3،و بحار الانوار:38/46.

أمواجه فقال ابن عمر:يا سيّدي دمّي في رقبتك اللّه اللّه في نفسي،فقال:هيه و أريه إن كنت من الصادقين،ثمّ قال:يا أيّتها الحوت،فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول:لبّيك لبّيك يا وليّ اللّه فقال:من أنت؟

قال:أنا حوت يونس،قال:انبأنا بالخبر،قال:يا سيّدي إنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّا إلى أن صار جدّك محمّد إلاّ و قد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم و تخلّص و من توقّف عنها و تتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المعصية و ما لقى نوح من الغرق و ما لقى إبراهيم من النار و ما لقى يوسف من الجبّ و ما لقى أيّوب من البلاء و ما لقى داود من الخطيئة إلى أن بعث اللّه يونس فأوحى إليه:يا يونس تولّى أمير المؤمنين عليّا و الأئمّة الراشدين من صلبه قال:كيف أتولّى من لم أره و أعرفه و ذهب مغتاظا،فأوحى اللّه تعالى إليّ:أن التقمي يونس و لا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين قد قبلت ولاية عليّ بن أبي طالب و الأئمّة الراشدين من ولده.

فلمّا ان آمن بولايتكم أمرني ربّي فقذفته على ساحل البحر،فقال زين العابدين عليه السّلام:ارجع أيّها الحوت إلى و كرك و استوى الماء (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:نوح و إبراهيم على نبيّنا و آله و عليهم السلام من أولوا العزم،و في الأخبار أنّ معنى أولوا العزم انّهم لمّا عرض عليهم ولاية أهل البيت عليهم السّلام بادروا إليها و عزموا عليها و أنّ آدم عليه السّلام لم يكن ممّن بادر إليها مثل مبادرة أولي العزم جاء القرآن فيه فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً أي ترك المبادرة إلى الولاية بهم و لم يكن له عزما مثل عزم غيره،و حينئذ فإدخال نوح و إبراهيم في التوقّف عن الولاية ما معناه.

و يمكن أن يقال كما روي أنّ أخذ الميثاق على العباد و على الأنبياء عليهم السّلام كان في مرّات متعدّدة؛فالمرّة الاولى أخذ فيها على الأنبياء و عرض عليهم ولاية أهل البيت قبل أن يروا أنوارهم فتوقّف عنها بعضهم يعني لم يبادر إليها،و لمّا ظهرت أنوارهم عليه السّلام بادر إليها أولوا العزم و عزموا و قطعوا عليها أعظم و أشدّ من غيرهم حتّى صار هذا القطع أعظم من مبادرة غيرهم أوّلا.5.

ص: 29


1- -المناقب:281/3،و بحار الأنوار:402/14 ح 15.

و يقال:إنّهم بادروا إلى قبولها في كلّ المرّات لكنّهم توقّفوا عمّا هو الأولى في أحوالهم من شدّة العقد عليها و الأنبياء عليه السّلام يؤاخذون على ترك الأولى و لا يلزم من هذا أن يكون غير أولي العزم أفضل منهم لأنّهم فضّلوا على غيرهم بالمبادرة،و يمكن أن يقال فيه وجوه كثيرة ليس هذا محلّها سيأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى في أبواب النبوّات.

و في أمالي الشيخ طاب ثراه قال:خرج عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى مكّة حاجّا حتّى انتهى إلى واد فإذا هو برجل يقطع الطريق فقال لعليّ بن الحسين:انزل اريد أن أقتلك و آخذ مالك،قال:أنا اقاسمك ما معي و أحللك،فقال اللصّ:لا،قال:فدع معي ما أتبلغ به فأبى، قال:فأين ربّك؟

قال:نائم،فإذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه و هذا برجله قال:زعمت أنّ ربّك عنك نائم (1)؟

و روي أنّ رجلا أتى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال:أنا منجّم قائف عرّاف فقال:هل أدلّك على رجل قد مرّ منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم؟

قال:من هو؟

قال:أمّا الرجل فلا أذكره لك و لكن إن شئت أخبرتك بما أكلت و ادّخرت في بيتك قال:نبّأني،قال:أكلت هذا اليوم جبنا و في بيتك عشرون دينارا منها ثلاثة دنانير وازنة يعني صحيحة الوزن،فقال له الرجل:أشهد أنّك الحجّة العظمى و المثل الأعلى و كلمة التقوى، فقال له:و أنت صدّيق امتحن اللّه قلبك بالايمان و أثبت (2).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه؛لعلّ هذا الرجل هو الخضر عليه السّلام أو ما شاكله،و المراد من العرّاف قريب من معنى القايف.

و في كتاب الدلائل لعبد اللّه الحميري:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام في سفر يتغدّى فأقبل غزال في ناحية يتقمم فقال:ادن فكل فأنت آمن،فدنى و أكل فأخذ رجل حصاة رمى بها ظهره فنفر الغزال،فقال عليه السّلام:نقضت ذمّتي لا كلّمتك كلمة أبدا (3).6.

ص: 30


1- -أمالي الطوسي:673،و بحار الأنوار:41/46.
2- -بحار الأنوار:42/46 ح 40.
3- -كشف الغمة:320/2،و وسائل الشيعة:285/6.

و في كتاب الدلائل للطبري قال:خرج عليّ بن الحسين عليه السّلام إلى مكّة في جماعة معه فلمّا بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها فقال لمواليه:كيف ضربتم هذا الموضع و هذا موضع قوم من الجنّ هم شيعتنا و ذلك يضيق عليهم؟فقلنا:ما علمنا ذلك و عمدوا إلى قلع الفسطاط و إذا هاتف نسمع صوته و لا نرى شخصه يقول:يا ابن رسول اللّه لا تحوّل فسطاطك فإنّا نحتمل لك ذلك و هذا الطبق قد أهديناه إليك و نحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك،فإذا جانب الفسطاط طبق عظيم و أطباق معه فيها عنب و رمّان و موز و فاكهة كثيرة فدعى عليه السّلام من كان معه فأكل و أكلوا من تلك الفاكهة (1).

أقول: ظاهره أنّ للجنّ بساتين و فواكه لا أنّهم يأخذونها من أموال الإنس.

و في كتاب البحار روى أنّ رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحجّ البيت في أكثر الأعوام و كان يزور عليّ بن الحسين بالمدينة و يحمل إليه الهدايا و التحف و يأخذ منه مصالح دينه ثمّ يرجع،فقالت له زوجته:أراك تهدي تحفا كثيرة و لا أراه يجاريك عنها بشيء؟

فقال:الذي نهدي إليه هو ملك الدّنيا و الآخرة و جميع ما في أيدي الناس تحت ملكه و هو ابن رسول اللّه و إمامنا فكفّت عن ملامته،ثمّ إنّه تهيّأ للحجّ و قصد دار عليّ بن الحسين عليهما السّلام فدخل و سلّم و قبّل يديه و وجد بين يديه طعاما فأمر بالأكل فأكل،ثمّ دعى بطشت و ابريق فقام الرجل و صبّ الماء على يديه عليه السّلام فقال:يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصبّ الماء على يدي؟

فقال:إنّي لأحبّ ذلك،فقال:إذا أحببت ذلك لأريك ما تحبّ و ترضى،فصبّ الرجل على يديه الماء حتّى امتلأ ثلث الطشت فقال للرجل:ما هذا؟قال:ماء،فقال عليه السّلام بل هو ياقوت أحمر،فنظر الرجل فإذا هو قد صار ياقوتا أحمر بإذن اللّه ثمّ قال له:صبّ الماء فصبّ فامتلأ ثلث الطشت فإذا هو زمرد أخضر ثمّ صبّ على الثلث فإذا هو درّ أبيض فامتلأ الطشت من ثلاثة ألوان درّ و ياقوت و زمرّد فتعجّب الرجل و انكب على يديه فقال:يا شيخ خذ هذه الجواهر عوضا عن هديّتك و اعتذر لنا عند زوجتك لأنّها عتبت علينا،فقال:

يا سيّدي من أنبأك بكلام زوجتي لا أشكّ أنّك من أهل بيت النبوّة:ثمّ صار بالجواهر إلى زوجته و حدّثها بالقصّة فسجدت للّه شكرا و أقسمت على بعلها أن يحملها إليه فحملها معه5.

ص: 31


1- -دلائل الأمامة:212 ح 135.

في السنة القابلة فمرضت في الطريق و ماتت قريبا من المدينة فأتى الرجل باكيا و أخبر الإمام عليه السّلام فقام و صلّى ركعتين و دعى بدعوات ثمّ قال له:ارجع إلى زوجتك فإنّ اللّه تعالى أحياها.

فلمّا دخل الرجل خيمته وجد زوجته جالسة مثل حال صحّتها فقال:كيف أحياك اللّه؟

قالت:لقد جاءني ملك الموت و قبض روحي و همّ أن يصعد بها و إذا برجل صفته كذا و كذا و جعلت تعدّد أوصافه عليه السّلام و بعلها يقول:نعم صدقت هذه صفة سيّدي عليّ بن الحسين.

فلمّا رآه ملك الموت مقبلا انكبّ على قدميه و قال:السلام عليك يا حجّة اللّه في أرضه،السلام عليك يا زين العابدين،فقال:يا ملك الموت أعد روح هذه المرأة في جسدها فإنّها كانت قاصدة إلينا و إنّي قد سألت ربّي أن يبقيها ثلاثين سنة اخرى،فقال الملك:سمعا و طاعة ثمّ أعاد روحي إلى جسدي و أنا أنظر إلى ملك الموت قبّل يده عليه السّلام و خرج عنّي فأخذ الرجل بيد زوجته و أدخلها إليه عليه السّلام و هو ما بين أصحابه فانكبّت على ركبتيه تقبّلهما و هي تقول:هذا و اللّه سيّدي و مولاي،هذا الذي أحياني ببركة دعائه فلم تزل المرأة مع بعلها مجاورين له عليه السّلام بقيّة أعمارهما إلى أن ماتا رحمة اللّه عليهما.

و في كتاب مشارق الأنوار أنّ رجلا قال لعليّ بن الحسين:بماذا فضّلنا على أعدائنا و فيهم من هو أجمل منّا؟

فقال عليه السّلام:تحبّ أن ترى فضلك عليهم؟

قال:نعم،فمسح يده على وجهه فقال:انظر فنظر و اضطرب و قال:جعلت فداك ردّني إلى ما كنت فإنّي لم أر في المسجد إلاّ دبّا و قردا و كلبا فمسح يده فعاد إلى حاله.

يقول مؤلّف الكتاب أعانه اللّه تعالى على طاعته:إنّ اللّه سبحانه رفع عن هذه الامّة بدعاء نبيّها صلّى اللّه عليه و اله المسخ و الخسف و هذا المسخ يكون لها يوم القيامة فأراهم الرجل على ما يكونون عليه يوم القيامة الكبرى و يوم القيامة الصغرى (1).

كما ورد أنّ رجل نسي هميانه بعرفات فرجع إليه بعد انصراف الحاج فرأى أرض6.

ص: 32


1- -بحار الأنوار:49/46.

عرفات كلّها خنازير و قردا و كلابا و حيات و عقارب و صورا هائلة فخاف و رجع فصاح به رجل لا تخف و امض إلى هميانك هذه ذنوب الحاجّ نطفوها،لأنّ اللّه غفرها لهم بسبب هذا الوقوف و لو بقيت عليهم لأتتهم في القبور بهذه الصور.

في كتاب الاحتجاج عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة عبّاد البصري مثل أيّوب السجستاني و حبيب الفارسي.

فلمّا دخلنا مكّة رأينا الماء قليلا لقلّة الغيث ففزع إلينا الناس يسألونا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متذلّلين فمنعنا الإجابة فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل قد أكربته أحزانه و أقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا و قال:يا مالك بن دينار و يا فلان و يا فلان.

قلنا:لبّيك يا فتى،فقال:ما فيكم أحد يجيبه الرحمن؟فقلنا:يا فتى علينا الدّعاء و عليه الإجابة،فقال:ابعدوا عن الكعبة فأتى الكعبة و خرّ ساجدا فقال في سجوده:سيّدي بحبّك لي لأسقيتهم الغيث،فما استتمّ الكلام حتّى أتاهم الغيث كأفواه القرب،فقلت:يا فتى من أين علمت أنّه يحبّك؟

قال:لو لم يحببني لم يستزرني.

فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني فسألته بحبّه لي فأجابني ثمّ ولّى و أنشأ يقول، شعر:

من عرف الربّ فلم تغنه *** معرفة الربّ فذاك الشقيّ

ما ضرّ في الطاعة ما ناله *** في طاعة اللّه و ماذا لقى

ما يصنع العبد بغير التّقى *** و العزّ كلّ العزّ للمتّقي

فقلت:يا أهل مكّة من هذا الفتى؟

قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (1).

أقول: لمّا كان أكثر هؤلاء من صوفية أهل الخلاف الذين يدّعون محبّة اللّه سبحانه لهم و أنّهم ممّن يستجاب دعاءهم بيّن لهم عليه السّلام أنّ اللّه لا يحبّهم و لا يقبل لهم دعاء؛لأنّ القبول فرع المحبّة و إلاّ فما يترتّب على دعاء من لا يحبّه اللّه مثل المخالفين في الأديان6.

ص: 33


1- -الاحتجاج:48/2،و بحار الأنوار:51/46.

و المذاهب ليس من باب القبول بل هو إمّا استدراج لهم أو لأنّه سبحانه لا يحب أن ترفع إليه أصواتهم.

كما جاء في الرواية من تأخير إجابة المؤمن،لأنّ اللّه سبحانه يحبّ أن يسمع صوته و قوله:لم يستزرني فيه طعن عليهم بأنّ اللّه سبحانه لم يأمرهم و لم يطلب منهم زيارة بيته، ثمّ انظر إلى تفاوت مقامات زين العابدين عليه السّلام حيث يقول هنا:سيّدي بحبّك لي و يقول في أدعية الصحيفة:لو قمت لك حتّى ينخلع صلبي و بكيت لك حتّى تتفقّأ حدقتاي إلى قوله:

ما استحققت محو سيّئة واحدة من سيّئاتي و هذه الطريقة أخذها من جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام فإنّه كان يقرب نفسه و ينبسط معها إلى ربّه حتّى يقول:ما عبدتك خوفا من نارك و يبعدها في مقام آخر حتّى ترى أنّه فعل ذنوبا تبلغ به حدّ الاياس و هذه طريقة تخصّهم و ليست هي مورد لكلّ وارد و تحقيق الكلام في المقامين يطلب من محاله و قد كشفنا عنها في شرح كتاب التوحيد لابن بابويه طيّب اللّه ثراه (1).

في كتاب بشائر المصطفى عن محمّد بن جعفر و غيره قالوا:وقف على عليّ بن الحسين عليهما السّلام رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلّمه.

فلمّا انصرف قال لجلسائه:لقد سمعتم ما قال هذا الرجل و أنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه،فقالوا له:نفعل و لقد كنّا نحبّ أن تقول له و يقول فمشى و هو يقول:و الكاظمين الغيظ و العافين عن النّاس و اللّه يحبّ المحسنين،فعلمنا أنّه لا يقول له شيئا فأتى منزل الرجل و صرخ به و قال:قولوا له هذا عليّ بن الحسين،فخرج إلينا طالبا للشرّ و هو لا يشكّ إنّه إنّما جاء مكافيا له على بعض ما كان،فقال له عليّ بن الحسين:يا أخي إنّك قد وقفت عليّ و قلت و قلت فإن كنت قلت،ما فيّ فأستغفر اللّه منه و إن كنت قلت ليس ما فيّ فغفر اللّه لك،فقبّل الرجل بين عينيه و قال:بل قلت ما ليس فيك و أنا أحقّ به.و ذلك الرجل هو الحسن بن الحسن رضى اللّه عنه (2).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:مرّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام على المجذومين و هو راكب حمار و هم يتغدّون فدعوه إلى الغذاء فقال:لولا أنّي صائم لفعلت.6.

ص: 34


1- -بحار الأنوار:58/46 ح 12.
2- -الإرشاد:145/2،و بحار الأنوار:54/46.

فلمّا صار إلى منزله أمر بطعام و أن يتنوقوا فيه ثمّ دعاهم فتغدوه عنده و تغدّى معهم (1).

أقول: و روي مثل هذا عن الحسن عليه السّلام و هذا لا ينافي ما ورد من قوله عليه السّلام:فرّ من المجذوم فرارك الأسد لأنّه مخصوص بنا باعتبار ضعف التوكّل و غلبة الوهم و الجذام من الأمراض المسرية،و أمّا الأئمّة الأطهار عليهم السّلام فهم قاطعون بأنّه لا يتعدّى إليهم.

و في اعلام الورى أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه.

فلمّا أجابه في الثالثة قال له:يا بني أما سمعت صوتي؟

قال:بلى،قال:فما لك لم تجبني؟

قال:امنتك،قال:الحمد للّه الذي جعل مملوكي يأمنني (2).

عن الزهري قال:دخلت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام على عبد الملك بن مروان فاستعظم ما رأى من آثار السجود بين عينيّ عليّ بن الحسين فقال:يا أبا محمّد لقد تبيّن عليك الاجتهاد و لقد سبق لك من اللّه الحسنى و أنت من رسول اللّه ثمّ أطرى عليه فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام كلّما ذكرته و وصفته من فضل اللّه فأين شكره على ما أنعم؛كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقف في الصلاة حتّى تورم قدماه و يظمأ في الصيام حتّى يعصب فوه فقيل له:

يا رسول اللّه ألم يغفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟

فقال:أفلا أكون عبدا شكورا،الحمد للّه على ما أولى،و اللّه لو تقطّعت أعضائي و سالت مقلتاي على صدري أن أقوم للّه بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون لا و اللّه أو يراني اللّه لا يشغلني عن شكره و ذكره في ليل و لا نهار و لا سرّ و لا علانية و لولا أنّ لأهلي حقّا عليّ و لسائر الناس من خاصّهم و عامّهم عليّ حقوقا لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع و الطاقة حتّى أؤدّيها إليهم لرميت بطرفي إلى السماء و بقلبي إلى اللّه ثمّ لم أرددهما حتّى يقضي اللّه على نفسي و هو خير الحاكمين و بكى عليه السّلام و بكى عبد الملك و قال:شتّان بين عبد طلب الآخرة و سعى لها سعيها و بين من طلب الدّنيا من أين جاءته،ما له في الآخرة من خلاق،ثمّ أقبل يسأله عن حاجاته و عمّا قصد له فوصله2.

ص: 35


1- -الكافي:123/2 ح 8،و بحار الأنوار:130/72 ح 30.
2- -أعلام الورى:491/1،و كشف الغمة:299/2.

بمال و شفّعه فيمن شفع به (1).

و في كتاب الأنوار:إنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسين عليهما السّلام و هو قائم يصلّي في صورة أفعى له عشرة رؤوس محدّدة الأنياب متقلّبة الأعين بحمرة فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ثمّ تطاول في محرابه فلم يفزعه ذلك و لم يكسر طرفه إليه فانقضّ على رؤوس أصابعه يعضّها بأنيابه و ينفخ عليها من نار جوفه و هو لا يكسر طرفه إليه و لا يختلجه شكّ و لا و هم في صلاته و لا في قراءته فلم يلبس إبليس حتّى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء.

فلمّا أحسّ به صرخ و قام إلى جانب عليّ بن الحسين في صورته الاولى ثمّ قال:يا عليّ أنت سيّد العابدين كما سمّيت و أنا إبليس و اللّه لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد آدم إليك فما رأيت مثلك و لا مثل عبادتك ثمّ تركه و ولّى في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها (2).

و روي أنّه كانت له قارورة مسك في مسجده فإذا دخل إلى الصلاة أخذ منه و تمسّح به (3).

و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ عليّ بن الحسين استقبله مولى له في ليلة باردة و عليه جبّة خزّ و مطرف (4)خزّ و عمامة خزّ و هو متعطّر بالغالية فقال:جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين؟

فقال:إلى مسجد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخطب الحور العين إلى اللّه عزّ و جلّ.

و عنه عليه السّلام قال:مرض عليّ بن الحسين ثلاث مرضات في كلّ مرضة يوصي بوصيّة فإذا أفاق أمضى وصيّته (5).

و في الأمالي مسندا إلى الباقر عليه السّلام أنّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب لمّا نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها عليّ بن الحسين عليه السّلام بنفسه من التعب في العبادة قالت لجابر الأنصاري:يا3.

ص: 36


1- -بحار الأنوار:57/46،و مستدرك سفينة البحار:25/6.
2- -بحار الأنوار:58/46 ح 11،و مدينة المعاجز:411/4.
3- -بحار الأنوار:58/46.
4- -أي الرداء.
5- -الكافي:516/6 ح 3،و بحار الأنوار:59/46 ح 13.

صاحب رسول اللّه إنّ لنا عليكم حقوقا من حقّنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا في العبادة أن تذكروه اللّه و تدعوه إلى البقيا على نفسه و هذا عليّ بن الحسين بقيّة أبيه قد انخرم أنفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه اجتهادا في العبادة،فأتى جابر باب عليّ بن الحسين و باب أبي جعفر محمّد بن عليّ في غلمان بني هاشم فنظر إليه مقبلا فقال:هذه مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سجيته فمن أنت يا غلام؟

قال:أنا محمّد بن عليّ،فبكى جابر ثمّ قال:أنت و اللّه الباقر عن العلم حقّا،فدنى منه جابر و حلّ أزراره و وضع يده على صدره فقبّله و جعل عليه وجهه و خدّه و قال له:ائذن لي على أبيك فدخل و أخبره بما فعل معه فدخل عليه فوجده في محرابه قد أنضته العبادة فنهض عليّ عليه السّلام و سأله عن حاله سؤالا حفيّا ثمّ أجلسه بجنبه فقال جابر:يا ابن رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالى خلق الجنّة لكم و لمن أحبّكم و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟

قال:يا صاحب رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالى غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر فلم يدع الاجتهاد و تعبّد حتّى انتفخ السّاق و ورم القدم و قيل له:أتفعل هذا و قد غفر اللّه لك الذنوب؟

قال:أفلا أكون عبدا شكورا،يا جابر لا أزال على منهاج أبوي حتّى ألقاهما؟

فقال جابر:ما أرى في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسين إلاّ يوسف بن يعقوب و ذريّة عليّ بن الحسين أفضل من ذرّية يوسف إنّ منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السّلام كانت له خمسمائة نخل كان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين.

و لقد صلّى ذات يوم فسقط الرداء عن منكبيه فلم يسوه حتّى فرغ فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال:ويحك أتدري بين يديّ من كنت؟إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه،فقال الرجل:هلكنا،فقال:كلاّ،إنّ اللّه عزّ وّ جلّ متمّم ذلك بالنوافل.8.

ص: 37


1- -أمالي الطوسي:636 ح 16،و بحار الأنوار:60/46 ح 18.

و كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره و فيه الصرر من الدنانير و الدراهم و ربما حمل على ظهره الطعام و الحطب حتّى يأتي بابا بابا فيقرعه ثمّ يناول من يخرج إليه و كان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه.

فلمّا توفّي فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان عليّ بن الحسين.

و لمّا وضع على المغتسل نظروا إلى وجهه و عليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء.

و لقد كان عليه السّلام يأبى أن يواكل امّه فسئل عن ذلك فقال:إنّي أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه فأكون عاقّا لها (1).

و روي أنّه كان بعد ذلك يضع على الفواكه و نحوها غطاء و يأكل مع امّه و لقد سألت عنه خادمة له بعد موته فقالت:أطنب أو أختصر؟فقيل لها؛بل اختصري،فقالت:ما أتيته بطعام نهارا قطّ و ما فرشت له فراشا بليل قط.

و قد انتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال:إن كنتم صادقين فغفر اللّه لي و إن كنتم كاذبين فغفر اللّه لكم.

و كان إذا جاءه طالب علم فقال:مرحبا بوصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعني من أوصى به رسول اللّه ثمّ يقول:إنّ طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجليه على رطب و لا يابس من الأرض إلاّ سبّحت له إلى الأرضين السابعة و لقد كان يعول مائة بيت و قيل خمسمائة من فقراء المدينة.

و كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى و الزمنى و المساكين و كان يناولهم بيده و من كان منهم له عيال حمل له إلى عياله.

و لقد كان تسقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من سجوده لكثرة صلاته و كان يجمعها فإذا مات دفنت معه.

و لقد بكى على أبيه عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له:يا ابن رسول اللّه أما آن لحزنك أن ينقضي؟

فقال له:ويحك إنّ يعقوب النبيّ عليه السّلام كان له اثنا عشر ابنا فغيّب اللّه عنه واحدا منهم9.

ص: 38


1- -الخصال:517 ح 4،و بحار الأنوار:61/46 ح 19.

فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه و شاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ و كان ابنه حيّا في الدّنيا و أنا نظرت إلى أبي و أخي و عمّي و سبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني (1)؟

و عن الزهري قال:و اللّه ما علمت لعليّ بن الحسين صديقا في السرّ و لا عدوّا في العلانية لأنّي لم أر أحدا و إن كان يحبّه إلاّ و هو لشدّة معرفته بفضله يحسده و لا رأيت أحدا و إن كان يبغضه إلاّ و هو لشدّة مداراته له يداريه.

و روى الشيخ رحمه اللّه عن الثمالي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام أتى مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلّى فيه أربع ركعات ثمّ عاد حتّى ركب راحلته و أخذ الطريق (2).

و في كتاب العلل قال:رأى الزهري علي بن الحسين عليهما السّلام ليلة باردة مطيرة و على ظهره دقيق و حطب و هو يمشي فقال له:يا ابن رسول اللّه ما هذا؟

قال:اريد سفرا أعدّ له زادا لحمله إلى موضع حريز،فقال الزهري:هذا غلامي يحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله،قال:لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري أسألك بحقّ اللّه لما مضيت و تركتني فانصرف عنه.

فلمّا كان بعد أيّام قال له:يا ابن رسول اللّه لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا؟ قال:بلى يا زهري ليس ما ظننت،و لكنّه الموت و له أستعدّ إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام و بذل الندى في الخير.

و قال عليه السّلام:لئن أدخل السوق و معي دراهم أبتاع به لعيالي لحما و قد اشتاقوا إليه أحبّ إليّ من أن أعتق نسمة (3).

و في دعوات الراوندي عن الباقر عليه السّلام قال:قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي عليه السّلام:ما تشتهي؟

فقلت:أشتهي أن أكون ممّن لا اقترح على اللّه ربّي ما يدبّره لي،فقال لي:أحسنت ضاهيت إبراهيم الخليل صلوات اللّه عليه حيث قال له جبرئيل:هل من حاجة؟7.

ص: 39


1- -الخصال:519 ح 4،و بحار الأنوار:149/45.
2- -علل الشرائع:230/1،و بحار الأنوار:64/46 ح 21.
3- -علل الشرائع:231/1،و بحار الأنوار:65/46 ح 27.

فقال:لا أقترح إلى ربّي بل حسبي اللّه و نعم الوكيل (1).

و في الأمالي عن عبد الرزّاق يقول:جعلت جارية لعليّ بن الحسين عليهما السّلام تسكب الماء عليه و هو يتوضّأ للصلاة فنعست فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجّه فرفع رأسه إليها فقالت:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:و الكاظمين الغيظ فقال:قد كظمت غيظي،قالت:

و العافين عن الناس،قال لها:عفى اللّه عنك،قالت:و اللّه يحبّ المحسنين،قال:اذهبي فأنت حرّة (2).

و في عيون الأخبار عن الصادق عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرّة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم:هذا عليّ بن الحسين فوثبوا إليه و قبّلوا يده و رجله و قالوا:

يا ابن رسول اللّه أردت أن تصلينا نار جهنّم لو بدرت منّا إليك يد أو لسان أما كنّا هلكنا إلى آخر الدهر،فما الذي يحملك على هذا؟

قال:إنّي كنت سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما لا أستحقّ فإنّي أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحبّ إليّ.

و روي أنّه قيل لعليّ بن الحسين عليهما السّلام:كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟قال:

أصبحت بثمان،اللّه تعالى يطلبني بالزواج و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بالسنة و العيال بالقوت و النفس بالشهوة و الشيطان باتّباعه و الحافظان بصدق العمل و ملك الموت بالروح و القبر بالجسد فأنا بين هذه الخصال مطلوب (3).

و في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عليهما السّلام:أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يقرأ القرآن فربما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته و أنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس فقيل له:ألم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟

فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يحمل من خلفه ما يطيقون (4).6.

ص: 40


1- -بحار الأنوار:67/46 ح 34،و الأنوار البهية:115.
2- -أمالي الصدوق:269 ح 15،و بحار الأنوار:68/46 ح 36.
3- -عيون أخبار الرضا:156/1،و بحار الأنوار:69/46.
4- -الأحتجاج:170/2،و بحار الأنوار:187/16.

و في كتاب المحاسن مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه يأمر بشاة فتذبح و تطبخ و إذا كان عند المساء أكبّ على القدور حتّى يجد ريح المرق و هو صائم ثمّ يقول:هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان و اغرفوا لآل فلان حتّى يأتي على آخر القدور ثمّ يؤتى بخبز و تمر فيكون ذلك عشاءه.

و فيه أيضا عن هشام بن سالم قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يعجبه العنب فكان ذات يوم صائما.

فلمّا أفطر كان أوّل ما جاءت العنب أتته امّ ولد له بعنقود فوضعته بين يديه فجاء سائل فدفعه إليه فدسّت إلى السائل فاشترته منه فوضعته بين يديه،فجاء سائل آخر فأعطاه ففعلت امّ الولد مثل ذلك حتّى فعل ثلاث مرّات.

فلمّا كان في الرابعة لم يأت سائل فأكله.

و كان عليه السّلام يبتاع الراحلة بمائة دينار يكرم بها نفسه.

و قال عليه السّلام للشيعة:ما زال حبّكم لنا حتّى صار شينا علينا.

أقول: لعلّ المراد النهي عن الغلوّ فإنّ الغلاة لمّا فرطوا في المحبّة بزعمهم كان حبّهم عيبا على دين الشيعة،لأنّ أهل الخلاف ينسبونه إلينا (1).

و روي أنّه عليه السّلام كان يمرّ على المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابّته حتّى ينحيها بيده عن الطريق.

و قد دخل أبو جعفر ابنه عليه فإذا هو قد اصفرّ لونه من السهر و رمصت عيناه من البكاء و دبرت جبهته و انخرم أنفه من السجود و ورمت قدماه من القيام في الصلاة،قال:

فبكيت رحمة له فالتفت إليّ و قال:يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا ثمّ تركها من يده تضجّرا و قال:من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب (2).

و عن طاووس قال:دخلت الحجر في الليل،فإذا عليّ بن الحسين عليهما السّلام قد دخل فقام يصلّي ثمّ سجد فسمعته يقول في سجوده:عبيدك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك6.

ص: 41


1- -المحاسن:547/2 ح 863،و الكافي:350/6 ح 3.
2- -مستدرك سفينة البحار:385/12،و بحار الأنوار:74/46.

بفنائك.قال طاووس:ما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج اللّه عنّي.

و عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال:حججت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام فالتاثت الناقة عليه في سيرها فأشار إليها بالقضيب ثمّ قال:آه لولا القصاص و ردّ يده عنها و وقع حريق في بيت هو فيه ساجد فجعلوا يقولون:يا ابن رسول اللّه النار النار فما رفع رأسه حتّى أطفيت فقيل له بعد قعوده:ما الذي ألهاك عنها؟

قال:ألهتني عنها النار الكبرى (1).

و قال الأصمعي:كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب طريف الشمائل و عليه ذوابتان و هو متعلّق بأستار الكعبة و هو يقول:نامت العيون و غارت النجوم و أنت الملك الحيّ القيّوم،غلقت الملوك أبوابها و أقامت عليها حرّاسها و بابك مفتوح للسائلين،جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين،ثمّ أنشأ يقول،شعر:

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظلم *** يا كاشف الضرّ و البلوى مع السقم

قد نام و فدك حول البيت قاطبة *** و أنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به *** فارحم بكائي بحقّ البيت و الحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنّعم

فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السّلام (2).

و قال طاووس الفقيه:رأيته يطوف من العشاء إلى السحر و يتعبّد.

فلمّا لم ير أحدا رمق السماء بطرفه فقال:إلهي غارت نجوم سماواتك و هجعت عيون أنامك و أبوابك مفتّحات للسائلين،جئتك لتغفر لي و ترحمني و تريني وجه جدّي محمّد صلّى اللّه عليه و اله في عرصات القيامة؟ثمّ بكى ثمّ قال:و عزّتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك و ما عصيتك و أنا بك شاكّ و لا بنكالك جاهل و لا لعقوبتك متعرّض و لكن سوّلت لي نفسي و أعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ فأنا الآن عن عذابك من يستنقذني و بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي،فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفّين جوزوا و للمثقلين حطّوا،أمع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحط،و يلي كلّما طال1.

ص: 42


1- -المناقب:290/3،و بحار الأنوار:80/46.
2- -الصحيفة السجادية:513،و بحار الأنوار:224/41.

عمري كثرت خطاياي و لم أتب،أما آن لي أن أستحيي من ربّي ثمّ بكى و قال:أتحرقني بالنار يا غاية المنى،فأين رجائي ثمّ أين محبّتي أتيت بأعمال قباح رزيّة و ما في الورى خلقا جنا كجنايتي ثمّ بكى و قال عليه السّلام:سبحانك تعصى كأنّك لا ترى و تحلم كأنّك لم تعص تتودّد إلى خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم و أنت يا سيّدي الغنيّ عنهم،ثمّ خرّ إلى الأرض ساجدا فدنوت منه و وضعت رأسه على ركبتي و بكيت حتّى جرت دموعه على خدّيه فاستوى جالسا و قال عليه السّلام:من الذي أشغلني عن ذكر ربّي؟فقلت:أنا طاووس يا ابن رسول اللّه ما هذا الجزع و الفزع و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا و نحن عاصون جافون،[أبوك] (1)الحسين بن عليّ و امّك فاطمة الزهراء و جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فقال:

هيهات يا طاووس دع عنّي حديث أبي و امّي و جدّي خلق اللّه الجنّة لمن أطاعه و أحسن و لو كان عبدا حبشيّا و خلق النار لمن عصاه و لو كان ولدا قرشيّا،أما سمعت قوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ (2)و اللّه لا ينفعك غدا إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح (3).

و من مناجاته عليه السّلام بعد أن ذكر الأسلاف و الأحباب،شعر:

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنهم فيها بوالي ذو أثر

خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم *** و ساقهم نحو المنايا المقادر

و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها *** و ضمّهم تحت التراب الحفائر (4)

و في كتاب سوق العروس عن أبي عبد اللّه الدامغاني أنّه كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يتصدّق بالسكّر و اللوز فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ و أنا أحبّ السكّر و اللّوز فأحببت أن أنفق منه.

و كان عليه السّلام إذا انقضى الشتاء تصدّق بكسوته و إذا انقضى الصيف تصدّق بكسوته و كان يلبس من خزّ اللباس فقيل له:تعطيها من لا يعرف قيمتها و لا يليق به لباسها فلو بعتها3.

ص: 43


1- -زيادة من المصدر.
2- -سورة المؤمنون:10.
3- -الصحيفة السجادية:177،و المناقب:292/3.
4- -الصحيفة السجادية:507،و المناقب:292/3.

و تصدّقت بثمنها؟

فقال:إنّي أكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه (1).

و قال عبد اللّه بن المبارك:حججت إلى مكّة فبينما أنا سائر في عرض الحاج و إذا صبيّ سباعي أو ثماني و هو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد و لا راحلة فسلّمت عليه و قلت له:مع من قطعت البرّ؟

قال:مع البار،فكبر في عيني فقلت:أين زادك و راحلتك؟

فقال:زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي،فقلت:يا ولدي ممّن تكون؟

فقال:مطلّبي،فقال:ابن لي قال:هاشمي فقلت أبن لي قال:علوي فاطمي فقلت:يا سيّدي هل قلت شيئا من الشعر؟فأنشدني شعر: (2)

لنحن على الحوض روّاده *** نذود و نسقي ورّاده

و ما فاز من فاز إلاّ بنا *** و ما خاب من حبّنا زاده

و من سرّنا نال منّا السرور *** و من ساءنا ساء ميلاده

و ما كان غاصبنا حقّنا *** فيوم القيامة ميعاده

ثمّ غاب عن عيني فلمّا أتيت الأبطح رأيته في حلقة مستديرة فسألت عنه فقالوا:

زين العابدين بن الحسين عليه السّلام و يرى له عليه السّلام شعر:

نحن بنو المصطفى ذو غصص *** يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى و آخرنا

يفرح هذا بعيدهم *** و نحن أعيادنا مآتمنا

و الناس في الأمن و السرور و ما *** يأمن طول الزمان خائفنا

و ما خصصنا به من الشرف *** الطائل بين الأنام افتنا

يحكم فينا و الحكم فيه لنا *** جاحدنا حقّنا و غاصبنا (3)

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ أبي ضرب غلاما له قرعه بسوط و كان بعثه في حاجة6.

ص: 44


1- -شرح الأخبار:263/3،و المناقب:294/3.
2- -معجم رجال الحديث:311/11،و بحار الأنوار:92/46.
3- -المناقب:295/3،و بحار الأنوار:92/46.

فأبطأ عليه فبكى الغلام و قال:يا عليّ بن الحسين تبعثني في حاجتك ثمّ تضربني قال:

فبكى أبي و قال:يا بني اذهب إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فصلّ ركعتين ثمّ قل:اللّهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدّين ثمّ قال للغلام:اذهب فأنت حرّ لوجه اللّه فقال أبو بصير:

فقلت له:جعلت فداك كان العتق كفّارة الضرب،فسكت (1).

و روي أنّه عليه السّلام ضرب مملوكا ثمّ دخل إلى منزله فأخرج السوط ثمّ تجرّد له و قال:

اجلد عليّ بن الحسين فأبى عليه فأعطاه خمسين دينارا و قال عليه السّلام:ما عرض لي قط أمران للدنيا و الآخرة فآثرت الدّنيا إلاّ رأيت ما أكره قبل أن أمسي.

و كان عليه السّلام يدعو خدمه كلّ شهر و يقول:إنّي قد كبرت و لا أقدر على النساء فمن أراد منكنّ التزويج أو البيع بعتها أو العتق أعتقتها،فإذا قالت إحداهنّ:لا،قال:اللّهم اشهد حتّى يقول ثلاثا و إن سكتت واحدة منهنّ قال لنسائه:سلوها ما تريد و عمل على مرادها (2).

و في رواية أنّه تنزّه عن الأكل مع المجذومين لمّا عزموا عليه لأنّه كان كسرا من الصدقة لكونه حراما عليه ثمّ صنع طعاما تأنّق فيه و دعاهم فتغدّا معهم.

و قال عليه السّلام لابنه:يا بني لا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعته له (3).

و روي أنّ بعضهم شتم زين العابدين عليه السّلام فقصده غلمانه فقال:دعوه فإنّ ما خفى منّا أكثر ممّا قال،فقال له:ألك حاجة يا رجل؟فخجل الرجل فأعطاه ثوبه و أمر له بألف درهم فانصرف الرجل صارخا يقول:أشهد أنّك ابن رسول اللّه.

و شتمه آخر فقال:يا فتى إنّ بين أيدينا عقبة كؤودا فإن جزت منها فلا ابالي بما تقول و إن أتحيّر فيها فأنا شرّ ممّا تقول (4).

و روي أنّ مولى له كان يتولّى عمارة ضيعة له فأفسد عمارتها فقرعه بسوط ثمّ ندم على ذلك فأرسل في طلب المولى فأتاه فوجده عاريا و السوط بين يديه فخاف أن يعاقبه6.

ص: 45


1- -بحار الأنوار:92/46،و درر الأخبار:628.
2- -المناقب:301/3،و بحار الأنوار:93/46 ح 83.
3- -المناقب:301/3،و بحار الأنوار:94/46.
4- -المناقب:296/3،و بحار الأنوار:96/46.

فقال للمولى:خذ السوط و قد كانت منّي هفوة و زلّة فخذ السوط و اقتصّ منّي،فقال:يا مولاي ظننت أنّك تريد عقوبتي و أنا مستحقّ للعقوبة فكيف أقتصّ منك؟

فقال:ويحك اقتص،قال:معاذ اللّه أنت في حلّ وسعة فكرّر ذلك عليه مرارا و هو يحلّله،فقال:أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك و أعطاه إيّاها (1).

[و عن]الأصمي[أنه] (2)قال:كنت بالبادية و إذا أنا بشابّ في أطمار رثّة و عليه سيماء الهيبة فقلت:لو شكوت حالك إلى هؤلاء يعني الرفقاء لأصلحوا حالك فأنشأ يقول،شعر:

لباسي للدّنيا التجلّد و الصبر *** و لبسي للاخرى البشاشة و الصبر

إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا *** لأنّي من القوم الذين لهم فخر

ألم تر أنّ العرف قد مات أهله *** و أنّ الندى و الجود ضمّهما قبر

على الجود و العرف السلام فما بقى *** من العرف إلاّ الرّسم في الناس و الذكر (3)

فتعرّفته فإذا هو عليّ بن الحسين.

و كان عنده عليه السّلام قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنوّر فسقط السفود على رأس بني لعليّ بن لحسين تحت الدرجة فقتله فقال عليه السّلام للغلام و قد تحيّر:أنت حرّ فإنّك لم تعتمده و أخذ في جهازه و دفنه.

و في كشف اليقين عن اسباط قال:دخلت مسجد الكوفة فإذا شاب يناجي ربّه و يقول في سجوده؛سجد وجهي متعفّرا في التراب لخالقي و حقّ له فقمت إليه فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقلت له:يا ابن رسول اللّه تعذّب نفسك و قد فضّلك اللّه بما فضّلك،فبكى و قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ أربعة:عين بكت من خشية اللّه و عين فقأت في سبيل اللّه،و عين غضّت عن محارم اللّه،و عين باتت ساهرة ساجدة يباهي اللّه بها الملائكة يقول:انظروا إلى عبدي روحه عندي و جسده على طاعتي قد جافى بدنه عن المضاجع يدعوني خوفا من عذابي و طمعا في رحمتي اشهدوا أنّي قد غفرت له (4).6.

ص: 46


1- -المناقب:297/3،و بحار الأنوار:96/46.
2- -زيادة من المصدر.
3- -المناقب:304/3،و بحار الأنوار:97/46.
4- -الصحيفة السجادية:532،و بحار الأنوار:99/46.

و فيه أيضا عن طاووس قال:رأيت رجلا في المسجد الحرام يصلّي تحت الميزاب و يبكي في دعائه فإذا هو عليّ بن الحسين فقلت له:يا ابن رسول اللّه رأيتك على حالة كذا و كذا و لك ثلاثة أرجو أن تأمنك من الخوف أحدها ابن رسول اللّه و الثاني شفاعة جدّك و الثالث رحمة اللّه فقال:يا طاووس أمّا انّني ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلا يؤمنني و قد سمعت اللّه تعالى يقول: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ (1).

و أمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنّني لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى (2)و أمّا رحمة اللّه،فإنّ اللّه تعالى يقول (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) و لا أعلم أنّي محسن (3).4.

ص: 47


1- -سورة المؤمنون:10.
2- -سورة الأنبياء:28.
3- -بحار الأنوار:102/46 ح 89،و ميزان الحكمة:3257/4.

غرائب أحواله عليه السلام

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول:إنّي لأحبّ أن أقدم على ربّي و عملي مستو (1).

أقول: معنى الاستواء ما تقدّم من استحباب المداومة على العمل.

و في كتاب عيون المعجزات للمرتضى رحمه اللّه عن أبي خالد كنكر الكابلي أنّه قال:لقيني يحيى بن امّ الطويل رفع اللّه درجته و هو ابن داية زين العابدين عليه السّلام فأخذ بيدي و صرت معه إليه فرأيته جالسا في بيت مفروش بالمعصفر مزيّن الحيطان عليه ثياب مصبّغة فلم أطل عنده الجلوس.

فلمّا أن نهضت قال:سر إليّ غدا إن شاء اللّه فخرجت من عنده و قلت ليحيى:

أدخلتني على رجل يلبس الصبغات و عزت علي أن لا أرجع إليه ثمّ فكّرت في أنّ رجوعي غير ضائر فرجعت إليه في غد فوجدت الباب مفتوحا فناداني من داخل الدار يا كنكر و هذا اسم سمّتني به امّي لا يعلم أحد فوجدته جالسا في بيت مطين على حصير من البردي و عليه قميص كرابيس و عنده يحيى فقال لي:يا أبا خالد إنّي قريب العهد بعروس و أنّ الذي رأيت بالأمس من رأى المرأة و لم أرد مخالفتها ثمّ قام و أخذ بيدي و يد يحيى و مضى بنا إلى بعض الغدران فوقفنا ننظر إليه فقال:بسم اللّه الرحمن الرحيم و مشى على الماء حتّى رأينا كعبه يلوج فوق الماء فقلت:اللّه أكبر اللّه أكبر أنت الكلمة الكبرى و الحجّة العظمى صلوات اللّه عليك ثمّ قال عليه السّلام:ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم:

المدخل فينا من ليس منّا و المخرج منّا من هو منّا و القائل إنّ لهما في الإسلام نصيبا أعني هذين الصفتين.

أقول: و يحتمل أنّ المراد فلان و فلان (2).

ص: 48


1- -الكافي:83/2 ح 5،و بحار الأنوار:108/46 ح 90.
2- -عيون المعجزات:64،و بحار الأنوار:103/46.

ما يفعله مع عبيده عليه السلام

و عن محمّد بن عجلان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا دخل شهر رمضان لا يقرب عبدا له و لا أمة و كان إذا أذنب العبد و الأمة يكتب عنده أذنب فلان أذنبت فلانة يوم كذا و كذا و لم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب حتّى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم و جمعهم حوله ثمّ أظهر الكتاب ثمّ قال:يا فلان فعلت كذا و لم أؤدّبك أتذكر ذلك؟فيقول:بلى يا ابن رسول اللّه حتّى يأتي على آخرهم ثمّ يقوم وسطهم و يقول لهم:ارفعوا أصواتكم و قولوا:يا عليّ بن الحسين إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّما عملت كما أحصيت علينا كلّما عملنا ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ لا يغادر صغيرة و لا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها و تجد كلّما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلّما عملنا حاضرا لديك فاعف و اصفح كما ترجو من المليك العفو فاعف عنّا تجده عفوّا و بك رحيما و لك غفورا،فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك العدل فاعف و اصفح يعف عنك المليك و هو ينادي بذلك و ينوح على نفسه و يلقّنهم إلى أن يقولون:قد عفونا عنك يا سيّدنا و ما أسأت فيقول لهم:قولوا:اللّهم اعف[عن] (1)عليّ بن الحسين كما عفا عنّا و اعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ ثمّ يقول:اذهبوا فقد عفوت عنكم و أعتقت رقابكم رجاء للعفو عنّي.

فإذا كان يوم الفطر أعطاهم ما يغنيهم عن الناس و ما من سنة إلاّ كان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين عشرين رأسا إلى أقلّ و أكثر و كان يقول:إنّ اللّه تعالى في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلاّ قد استوجب النار.

فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه و إنّي أحبّ أن يراني اللّه و قد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدّنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار.

و ما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أوّل السنة أو وسطها إذا كان ليلة

ص: 49


1- -زيادة من المصدر.

الفطر أعتقهم و استبدل سواهم في الحول الثاني،و هكذا حتّى لحق باللّه تعالى.

و لقدن كان يشتري السودان و ما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسدّ بهم تلك الفرج و الخلال فإذا أفاض أعتقهم و أجاز لهم (1).

و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كانت لعليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه و سائد (2)و أنماط (3)فيها تمثايل يجلس عليها (4).

أقول: جلوسه عليها استهانة بها و هو الذي رفع الكراهة أو خفقها.

و فيه أيضا عن الزهري قال:قال عليّ بن الحسين:لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي و كان إذا قرىء مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يكرّرها حتّى كاد أن يموت (5).

و كان يقول في مناجاته:يا سيّدي تعذّبني و حبّك في قلبي أما و عزّتك لئن فعلت لتجمعنّ بيني و بين قوم طال ما عاديتهم فيك (6).

و في دعوات الراوندي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يلبس الصوف و أغلظ ثيابه إذا قام إلى الصلاة و كان إذا صلّى برز إلى موضع خشن فيصلّي فيه و يسجد على الأرض (7).2.

ص: 50


1- -إقبال الأعمال:444/1،و بحار الأنوار:104/46.
2- -و سد المخدّة.
3- -نمط ضرب من البسط و جمعه أنماط.
4- -الكافي:477/6 ح 4،و وسائل الشيعة:309/5 ح 4.
5- -الكافي:602/2 ح 13،و بحار الأنوار:107/46 ح 101.
6- -الكافي:580/2 ح 10،و بحار الأنوار:297/86.
7- -دعوات الراوندي:32.

الفصل الثاني

اشارة

فيما بقي من أحواله عليه السلام

في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام:بكى عليّ بن الحسين عليهما السّلام عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولاه:جعلت فداك يا ابن رسول اللّه إنّي أخاف أن تكون من الهالكين،قال:إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون،إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة و كيف لا أبكي و قد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع و الوحوش (1).

و في رواية اخرى:و اللّه لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ ما رأيت حتّى قال:يا أسفا على يوسف و انّه فقد ابنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة من أهل بيتي يذبحون حولي.

و كان عليه السّلام يميل إلى ولد عقيل فقيل له:ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟

فقال:إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين فأرقّ لهم (2).

و في الكافي عن أبان بن تغلب قال:لمّا هدم الحجّاج الكعبة فرّق الناس ترابها فلمّا صاروا إلى بنائها خرجت إليهم حيّة فمنعتهم عن البناء فصعد الحجّاج المنبر و قال:رحم اللّه عبدا عنده علم ممّا ابتلينا به،فقام إليه شيخ و قال:علمها عند عليّ ابن الحسين،فقال:

معدن ذلك،فبعث إليه و أخبره بخبر الحيّة فقال له:يا حجّاج عمدت إلى بناء إبراهيم و إسماعيل فألقيته في الطريق و انتهبته كأنّك ترى أنّه تراث لك،اصعد المنبر و انشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ من ترابها إلاّ ردّه.

فلمّا رجع التراب وضع عليه الأساس و أمرهم أن يحفروا فغابت عنهم الحيّة فلمّا

ص: 51


1- -المناقب:303/3،و بحار الأنوار:109/46 ح 1.
2- -كامل الزيارات:214،و بحار الأنوار:110/46.

انتهوا إلى موضع القواعد قال لهم:تنحّوا فدنا منها و غطّاها بثوبه ثمّ بكى و غطّاها بالتراب ثمّ دعلى لفعله فقال:ضعوا بناءكم فوضعوا البناء.

فلمّا ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فألقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج (1).

أقول: هدم الحجّاج الكعبة لمّا قاتل ابن الزبير من قبل عبد الملك بن مروان لأنّه لمّا هلك يزيد بن معاوية لعنة اللّه عليهما بايع أهل الحجاز لعبد اللّه بن الزبير و كان الخليفة في الحجاز.

فلمّا استقلّ الأمر لعبد الملك في الشام سيّر الحجّاج على الحجاز فقاتل ابن الزبير بمكّة شرّفها اللّه تعالى و قتل من قتل من عسكر ابن الزبير و طلب الباقون الأمان من الحجّاج حتّى ولدي ابن الزبير و لمّا أخذوا عليه الطرقات التجأ إلى دخول الكعبة فدخلها و سلّ سيفه و سار يقتل كلّ من دخل إليه فقال الحجّاج:انصبوا على الكعبة المنجنيق فرموها و هدّموا سقفها على ابن الزبير فمات فأمر بإخراجه و صلبه على الخشبة أيّاما كثيرة ينتظر التماس امّ عبد اللّه لأنّها كانت معه بمكّة و هي التي حرّضته على الحرب و أن لا يسالم القوم و هي تراه على الخشبة كلّ ساعة فما طلبت من الحجّاج نزله.

فلمّا طالت الأيّام قالت يوما:ما بال هذا الإمام لم ينزل عن خشبته،فبلغ الحجّاج فأنزله و أرسله إليها فوضعته بين يديها.

و من حبّها له درّ لبنها عليه.

و في الحديث:إنّ اللّه سبحانه لم يجر ابن الزبير لأنّه كان مثل الحجّاج في الفساد و الانحراف عن أهل البيت عليهم السّلام و هو الذي حمل أباه الزبير على حرب الجمل حتّى قال أمير المؤمنين عليه السّلام:ما زال الزبير رجلا منّا حتّى نشأ ولده عبد اللّه فأخرجه منّا.

و ذلك أنّ عائشة خالته فأخذته على مذهبها و جرّ هو أباه (2).1.

ص: 52


1- -الكافي:222/4 ح 8،و علل الشرائع:448/2.
2- -بحار الأنوار:145/41.

حال الحسن البصري

و في الاحتجاج روى أنّ زين العابدين عليه السّلام مرّ بالحسن البصري و هو يعظ الناس بمنى فوقف عليه ثمّ قال له:امسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم أترضاها لنفسك فيما بينك و بين اللّه للموت إذا نزل بك غدا؟

قال:لا،قال:أفتحدّث نفسك بالتحوّل و الانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟فأطرق مليّا ثمّ قال:إنّي أقول ذلك بلا حقيقة،فقال:أفترجوا نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و اله يكون لك معه سابقة؟

قال:لا،قال:أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟

قال:لا،قال:أفرأيت أحدا فيه مسكة عقل رضى لنفسه من نفسه بهذا أنّك على حال لا ترضاها و لا تحدّث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة و لا ترجو نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و اله و لا دارا غير الدار التي أنت فيها فتردّ إليها فتعمل فيها و أنت تعظ الناس.

فلمّا ولّى عليه السّلام قال الحسن البصري:من هذا؟

قالوا؛عليّ بن الحسين،قال:أهل بيت علم،فما رأى الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس (1).

أقول: الحسن البصري هو الذي ابتدع مذهب التصوّف و كان يعارض أمير المؤمنين عليه السّلام في حروبه و نشأ بعده الصوفية في أعصار الأئمّة عليهم السّلام و كانوا يعارضونهم بمعاونة خلفاء الجور و عمّالهم يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم،و نشأ بعدهم الصوفية في أعصار العلماء إلى الآن و شرّهم على الدّين أكثر من شرّ الكفّار على الدّين لأنّهم يقولون القول فيصدقون عليه لدخولهم في المذهب و تقرّبهم إلى العوام من جهة الطاعة و العبادة التي اخترعوها.

و في كتاب الاختصاص أنّ أبا إسحاق الهمداني كان من ثقاة عليّ بن الحسين عليهما السّلام

ص: 53


1- -الأحتجاج:43/2،و بحار الأنوار:146/10.

صلّى أربعين سنة صلاة الغداء بوضوء العتمة و كان يختم القرآن في كلّ ليلة و قبض و له تسعون سنة (1).

فيه حال معاوية بن يزيد بن معاوية لعنهم اللّه

و روي أنّه لمّا نزع معاوية بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة قام خطيبا فقال:أيّها الناس إنّا بلينا بكم و بليتم بنا ألاّ إنّ جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى بالأمر منه في قدمه و سابقته عليّ بن أبي طالب فركب جدّي منه ما تعلمون و ركبتم معه ما لا تجهلون حتّى صار رهين عمله و ضجيع حفرته تجاوز اللّه عنه ثمّ صار الأمر إلى أبي و لقد كان خليقا أن لا يركب سنته إذ كان غير خليق بالخلافة فقلّت مدّته و انقطعت آثاره و خمدت ناره و لقد أنسانا الحزن له على الحزن عليه ثمّ أخفت يترحّم على أبيه و صرت أنا الثالث و ما كنت لأتحمّل آثامكم، شأنكم و أمركم ولّوه من شئتم،فقال له مروان بن الحكم:يا أبا ليلى سنّة عمرية،فقال:يا مروان أتخدعني عن ديني أئتني برجال كرجال عمر أجعلها بينهم شورى و اللّه إن كانت الخلافة مغنما فقد أصبنا منها حظّنا و لئن كانت شرّا فحسب آل أبي سفيان و ما أصابوا منها ثمّ نزل فقالت له امّه:ليتك كنت حيضة،فقال:أنا وددت ذلك و لم أعلم أنّ للّه نارا يعذّب بها من عصاه و أخذ من غير حقّه.

و هلك يزيد و هو ابن ثلاثة و ستّين سنة و ولّى الأمر أربع سنين و هلك معاوية بن يزيد و هو ابن إحدى و عشرين سنة و ولّي الأمر أربعين ليلة (2).

يقول مؤلف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ذهب بعض علمائنا من نزعه نفسه عن الخلافة إلى حسن حاله و أنّه من أهل النجاة و هو كلام لا حقيقة له،فإنّ الواجب عليه أمران:عزل نفسه عن الخلافة و تسليم الخلافة إلى أهلها كما هو مقتضى إرجاع الغصب باعترافه إنّ جدّه و أبيه كانا غاصبين لها من أهلها و هو غصبها بعد أبيه أربعين يوما و لا تبرأ ذمّة الغاصب برفع يده عن العين المغصوبة بل لابدّ من إرجاعها إلى صاحبها على أنّه كان متمكّنا من ذلك و مع ذلك كلّه فقد كان على مذهب أسلافه في حبّ من أحبّوا و بغض من أبغضوا خصوصا

ص: 54


1- -الأختصاص:83،و بحار الأنوار:265/4.
2- -بحار الأنوار:119/46 ح 7،و درر الأخبار:330.

الإفراط في حبّ الشيخين.

و في الحديث:أنّ جبرئيل و ميكائيل لو أحبّوهما لأكبّهما اللّه في النار على وجوههما (1).

و في كتاب فرحة الغري:روى هشام الكلبي عن أبيه قال:أدركت بني أود و هم يعلّمون أبناءهم و نساءهم سبّ عليّ بن أبي طالب و فيهم رجل دخل على الحجّاج يوما فأغلظ له الحجّاج في الجواب فقال:لا تقل هذا أيّها الأمير فلا لقريش و لا لثقيف منقبة يعتدّون بها إلاّ و نحن نعتدّ بمثلها قال له:و ما مناقبكم؟

قال:ما ينقص عثمان و لا يذكر بسوء في مجالسنا قط،قال:هذه منقبة،قال:و ما رأى بنا خارجي قط يعني من الذين خرجوا على الحجّاج و قاتلوه،قال:و منقبة قال:و ما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلاّ رجل واحد فأسقطه ذلك عندنا و أخمله فما له عندنا قدر و لا قيمة قال:و منقبة قال:و ما أراد منّا رجل قط أن يتزوّج امرأة إلاّ سأل عنها هل تحبّ أبا تراب أو تذكره بخير.

فإن قيل إنّها تفعل ذلك اجتنبها فلم يتزوّجها قال:و منقبة قال:فما ولد فينا ذكر فسمّي عليّا و لا حسنا و لا حسينا و لا ولدت فينا جارية فسمّيت فاطمة قال:و منقبة قال:

و نذرت امرأة منّا حين أقبل الحسين إلى العراق إن قتله اللّه أن تنحر جزورا.

فلمّا قتل وفت بنذرها قال:و منقبة قال:و دعى رجل منّا إلى البراءة من عليّ و لعنه فقال:نعم و أزيدكم حسنا و حسينا قال:و منقبة و اللّه قال لنا أمير المؤمنين عبد الملك:أنتم الشعار دون الدثار و أنتم الأنصار بعد الأنصار،قال:و منقبة قال:و ما بالكوفة ملاحة إلاّ ملاحة بني أود فضحك الحجّاج.قال هشام بن الكلبي:قال لي أبي:فسلبهم اللّه ملاحتهم (2).

و في الخرائج روي عن الباقر عليه السّلام:كان عبد الملك يطوف بالبيت و عليّ بن الحسين يطوف بين يديه و لا يلتفت إليه فقال:من هذا الذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت إلينا؟فقيل له:عليّ بن الحسين فقال:ردّوه إلي فردّوه فقال:يا عليّ بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك6.

ص: 55


1- -السرائر:567/3،و درر الأخبار:322.
2- -فرحة الغري:50،و بحار الأنوار:120/46.

فما يمنعك من المصير إليّ،قال:إنّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه و أفسد أبي عليه بذلك آخرته فإن أحببت أن تكون كهو فكن،فقال:كلاّ و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا، فجلس زين العابدين عليه السّلام و بسط رداءه و قال:اللّهم أره حرمة أوليائك عندك فإذا ازاره مملوّة دررا شعاعها يخطف الأبصار،فقال له:من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج إلى دنياك؟ثمّ قال:اللّهم خذها فلا حاجة لي فيها (1).6.

ص: 56


1- -الخرائج و الجرائح:255/1،و بحار الأنوار:120/46.

دعاء دفع البلاء

و في كتاب بشائر المصطفى عن زين العابدين عليه السّلام قال:لم أر مثل التقدّم في الدّعاء و كان ممّا حفظ عنه عليه السّلام من الدعاء حين بلغه توجّه مسرف بن عقبة إلى المدينة:ربّ كم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري و كم من بلية ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني و قلّ عند بلائه صبري فلم يخذلني،يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا و يا ذا النعماء التي لا تحصى عددا صلّ على محمّد و آل محمّد و ادفع عنّي شرّه فإنّي أدرأبك في نحره و أستعيذ بك من شرّه،فقدم مسرف بن عقبة المدينة و كان يقال لا يريد غير عليّ بن الحسين فسلّم عليه فأكرمه و وصله (1).

يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالى:مسرف هو مسلم بن عقبة الذي بعثه يزيد لعنه اللّه لوقعة الحرّة حول المدينة فسمّي بعدها مسرفا لإسرافه في إهراق الدماء،لأنّ يزيد أمره بنهب المدينة و إباحتها للجند ثلاثة أيّام فأفسدوا فيها و أهرق الدماء حتّى جرت الدماء تحت المنبر،ثمّ لمّا رفع السيف عنهم أخذ عليهم البيعة ليزيد أنّهم عبيده و أموالهم و ذراريهم ماله يتصرّف بهم كيف شاء من بيع و شراء،و من أبى عن هذه البيعة قتله حتّى ورد أنّه أخذ البيعة على زين العابدين عليه السّلام بمثل ذلك و كانت هذه الواقعة على أهل المدينة و على الإسلام لا تقصر عن واقعة الطفوف لأنّهم استحلّوا بها فروج النساء و كانت بعد واقعة الطفوف.

و في كتاب المناقب نقلا عن كتاب الحلية و الأغاني و غيرهما:أنّه حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه و أطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين عليهما السّلام من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة بين عينيه سجّادة من طول العبادة فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له فقال شاميّ:من هذا يا أمير المؤمنين؟

ص: 57


1- -الصحيفة السجادية:365،و الإرشاد:152/2.

فقال:لا أعرفه لئلاّ يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق:و لكنّي أعرفه فقال الشامي:

من هو يا أبا فراس فأنشد قصيدته و هي قصيدة:

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم *** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء و طأته *** و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده *** صلّى عليه إلهي ما جرى القلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه *** لخرّ يلثم منه ما وطىء القدم

هذا على رسول اللّه والده *** أمست بنور هداه تهتدي الامم

هذا الذي عمّه الطيّار جعفر *** و المقتول حمزة ليث حبّه قسم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة *** و ابن الوصي الذي في سيفه نقم

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

و ليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف إن أنكرت و العجم

ينمى إلى ذروة العزّ التي حصرت *** عن نيلها عرب الإسلام و العجم

يفضي حياء و يغضي من مهابته *** فما يكلّم إلاّ حين يبتسم

ينجاب نور الدّجى عن نور عزّته *** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

بكفّه خيزران ريحه عبق *** من كفّ أروع في عرنينه شمم

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده *** لولا التشهّد كانت لاءه نعم

مشتقّة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصره و الخيم و الشيم

حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم

إن قال قال بما يهوى جميعهم *** و إن تكلّم يوما زانه الكلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا

اللّه فضّله قدما و شرّفه *** جرى بذاك له في لوحه القلم

من جدّه دان فضل الأنبياء له *** و فضل آبائه دانت لها الامم

عمّ البرية بالإحسان و انقشعت *** عنها العماية و الإملاق و الظلم

ص: 58

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما *** يستو كفّان و لا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره *** يزينه خصلتان الحلّ و الكرم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفنا أريب حين يعترم

من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر *** و قربهم منجا و معتصم

يستدفع السوء و البلوى بحبّهم *** و يستزاد به الإحسان و النّعم

مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كلّ فرض و محتوم به الكلم

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هموا

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** و لا يدانيهم قوم و لا كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت *** و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم

يأبى لهم أن يحلّ الذم ساحتهم *** خيم كريم و أيد بالندى هضم

لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم *** سيّان ذلك إن اثروا و إن عدموا

أهل القبائل ليست في رقابهم *** لأولية هذا أو له نعم

من يعرف اللّه يعرف أولية ذا *** فالدّين من بيت هذا ناله الامم

بيوتهم في قريش يستضاء بها *** و في النايبات و عند الحكم إن حكموا

بجدّه من قريش في ارومتها *** محمّد و عليّ بعده علم

بدر له شاهد و الشعب من احد *** و الخندقان و يوم الفتح قد علموا

و خيبر و حنين يشهدان له *** و في قريضة يوم صيلم قتم

مواطن قد علت في كلّ نايبة *** على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام و قال:هلاّ قلت فينا مثلها،قال:هات جدّا كجدّه و أبا كأبيه و امّا كامّه حتّى أقول فيكم مثلها،فحبسه بعسفان بين مكّة و المدينة فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهما السّلام فبعث إليه باثنا عشر ألف درهم و قال:اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به فردّها و قال:يا ابن رسول اللّه ما قلت الذي قلت إلاّ غضبا للّه و رسوله و ما كنت لآخذ عليه شيئا،فردّها إليه و قال:بحقّي عليك لمّا قبلتها فقد رأى اللّه مكانك و علم نيّتك فقبلها فجعل الفرزدق يهجو هشاما فكان ممّا هجاه،شعر:

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد *** و عينا له حولى باد غيوبها

ص: 59

فأخبر هشام بذلك و أطلقه (1).

يقول المؤلّف عفى اللّه تعالى عنه:و روى الكشّي هذه القصّة و أمّا الكشف عن ألفاظها:

فقوله:تعرف البطحاء المراد به هذا الصحراء و إلاّ فالبطحاء مسيل الماء فيه الحصا و الوطأة هنا بمعنى البأس و الشدّة كقوله صلّى اللّه عليه و اله:اللّهم اشدد و طأتك على مضر،و يجوز أن يراد المشي عليها،تعرفه عرفان بالنصب مفعول له يعني يمسكه لأجل معرفته به أو لأجل العرف أي الطيّب الموجود في راحته و الإغضاء أو ماء الجفون،و الخيزران بضمّ(الزاء) شجر هندي و هو عروق ممتدّة في الأرض،و عبق به الطيب أي لزق به و لم يذهب عنه أيّاما،و الأروع من يعجبك بحسنه و منظره،و العرنين بالكسر الأنف،و الشمم محرّكة ارتفاع قصبة الأنف و حسنها و استواء أعلاها.

و قوله:من كف على طريق التجريد،و(الخيم)بالكسر السجيّة و الطبيعة،و(الشيم) بكسر(الشين)و فتح(الياء)جمع شيمة بالكسر و هي الطبيعة،و فدحه الدين أثقله، استوكف استقطر و البوادر جمع بادرة و هي ما يبدو من حدتك فيى الغضب من قول أو فعل،و النقيبة النفس و العقل و المشورة،و الأريب العاقل و يعترم على المجهول من العرام بمعنى الشدّة يعني أنّه عاقل عند عروض الشدائد و بعد غايتهم بضمّ(الباء)،و الأزمة الشدّة و أزمت بمعنى لزمت،و الشرى كعلى طريق في سلمى كثير الأسد،و احتدم عليه غيظا تحرّق و النار التهبت و في بعض النسخ البأس(بالباء)الموحّدة و في بعضها(بالنون)فعلى الأوّل المراد أنّ شدّتهم و غيظهم ملتهب في الحرب،و على الثاني المراد أنّ الناس محتدمون عليهم حسدا و خيم أي لهم خيم و الندا المطر و يستعار للعطاء الكثير،و هضم ككتب جمع هضوم يقال:يد هضوم أي تجود بما لديها،و يقال أثرى الرجل كثر ماله، و الأرومة الأصل،و قوله:الخندقان يعني به غزوة الخندق،و قال بعض أهل الحديث:لعلّ التثنية باعتبار أنّه محيط بالبلد أو لأنّه كان على قسمين حفر بعضه المهاجرون و الآخر الأنصار،و الضيلم الأمر الشديد،و القتام الغبار و الأقتم الأسود و قتم الغبار ارتفع.و قوله:

مواطن أي له أو هذه،و قوله رزاؤه أي أخذ من ماله.4.

ص: 60


1- -المناقب:307/3،و مدينة المعاجز:397/4.

و قال الزمخشري في الفائق:عليّ بن الحسين مدحه الفرزدق،فقال:في كفّه جهنى ريحه عبق البيت قال القتيبي الجهني:الخيزران و معرفتي هذه الكلمة عجيبة.

و ذلك أنّ رجلا من أصحاب الغريب سألني عنه فلم أعرفه.

فلمّا أخذت من الليل مضجعي أتاني آت في المنام يقول:ألا أخبرته عن الجهني؟ قلت:لم أعرفه،قال:هو الخيزران،فسألته شاهدا فقال:هدية ظريفة في طبق محبه فانتبهت و أنا أكثر التعجّب فلم يلبث إلاّ يسيرا حتّى سمعت من ينشد:في كفّه جهني و كنت أعرفه في كفّه خيزران (1).

و في كتاب الاختصاص عن فرعان من رواة الفرزدق قال:حججت سنة مع عبد الملك بن مروان فنظر إلى عليّ بن الحسين فأراد الاحتقار به فقال:من هو؟

فقال الفرزدق:فقلت على البديهة القصيدة المعروفة و كان عبد الملك يصله كلّ سنة بألف دينار فحرمه تلك السنة فشكى إلى عليّ بن الحسين و سأله أن يكلّمه فقال:أنا أصلك من مالي مثل الذي كان يصلك به عبد الملك وصني عن كلامه،فقال:يا ابن رسول اللّه لا آخذ من مالك شيئا و ثواب اللّه في الآجل أحبّ إليّ من ثواب الدّنيا في العاجل فاتّصل ذلك بمعاوية بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار و كان كريما فقال:يا أبا فراس كم تقدّر الذي بقي من عمرك؟

قال:قدر عشرين سنة قال:فهذه عشرون ألف دينار أعطيكها من مالي و اعف أبا محمّد أعزّه اللّه عن المسألة في أمرك،فقال:لقد لقيت أبا محمّد و بذل لي ماله فأعلمته إنّي أخّرت ثواب ذلك لأجر الآخرة (2).

و روى صاحب الخرائج:أنّ عليّ بن لحسين عليهما السّلام أعطاه لأربعين سنة و قال:لو علمت أنّك تحتاج إلى أكثر من هذا أعطيتك فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة (3).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:يجوز تعدّد الواقعة بأن يكون أنشد القصيدة تارة لعبد الملك و اخرى لابنه هشام.6.

ص: 61


1- -بحار الأنوار:130/46.
2- -الأختصاص:195،و بحار الأنوار:131/46 ح 20.
3- -الخرائج و الجرائح:268/1 ح 10،و بحار الأنوار:141/46.

و قد حدّثني من أثق به أنّ هذه القصيدة أنشدها الفرزدق أوّلا في مدح الحسين عليه السّلام و لمّا رأى المقام مناسبا لإنشادها أنشدها للخليفة في مدح عليّ بن الحسين عليهما السّلام لأنّ صفات المدح متّحدة فيهما.

و في كتاب المناقب نقلا عن الروضة قال:سألت ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن انهاب المدينة قال:نعم،شدّوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و انتهبت المدينة ثلاثا فكنت أنا و عليّ بن الحسين آتى قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيتكلّم بكلام لم أقف عليه فيحال ما بيننا و بين القوم و نصلّي و هم لا يروننا،و قال رجل:و عليه حلل خضر على فرس بيده حربة مع علي بن الحسين عليهما السّلام فكان إذا أومى الرجل إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت من غير أن يصيبه.

فلمّا أن كفّوا عن النهب دخل عليّ بن الحسين عليهما السّلام على النساء فلم يترك قرطا في اذن صبي و لا حليا على امرأة و لا ثوبا إلاّ أخرجه إلى الفارس فقال له الفارس:يا ابن رسول اللّه إنّي ملك من الملائكة من شيعتك و شيعة أبيك لمّا أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربّي في نصرتكم آل محمّد فأذن لي لأن أدّخرها يدا عند اللّه و عند رسوله صلّى اللّه عليه و اله و عندكم أهل البيت إلى يوم القيامة.

و فيه أيضا نقلا من كتاب العقد أنّه كتب الروم إلى عبد الملك:أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة لأغزونّك بجنود مائة ألف و مائة ألف و مائة ألف فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أن يبعث إلى زين العابدين يتهدّده و يتوعّده و يكتب إليه ما يقول، ففعل،فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ للّه لوحا محفوظا يلحظه في كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ليس منها لحظة إلاّ يحيى فيها و يميت و يعزّ و يذلّ و يفعل ما يشاء و إنّي لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة فكتب بها الحجّاج إلى عبد الملك فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الروم.

فلمّا قرأه قال:ما خرج هذا إلاّ من كلام النبوّة.

قال صاحب المناقب:و من رجاله عليه السّلام من التابعين أبو محمّد سعيد بن جبير نزيل مكّة و كان يسمّى جهيد العلماء و يقرأ القرآن في ركعتين.

قيل:و ما على الأرض أحد إلاّ و هو محتاج إلى علمه و كان يأتمّ بعليّ بن الحسين

ص: 62

فكان يثني عليه و ما كان سبب قتل الحجّاج له إلاّ على هذا الأمر.

و ذكر أنّه لمّا دخل على الحجّاج قال:أنت شقيّ بن كسير قال:امّي كانت أعرف بي سمّتني سعيد بن جبير،قال:ما تقول في أبي بكر و عمر هما في الجنّة أو في النار؟قال:لو دخلت الجنّة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها،و لو ركبت النار لعلمت من فيها،قال:فما قولك في الخلفاء؟

قال:لست عليهم بوكيل،قال:أيّهم أحبّ إليك؟

قال:أبيت أن تصدقني قال:بل لم أحبّ أن أكذبك.

أقول: تقدّم أنّ الحجّاج قتل ثلاثمائة ألف و عشرين ألفا و كان آخر من قتل سعيد ابن جبير و لمّا قتله خرجت جراحة من دبره مات منها (1).

و في كتاب فضائل ابن شاذان و كتاب الروضة عن جماعة من الثقاة:أنّه لمّا وردت حرّة بنت حليمة السعدية على الحجّاج قال لها:أنت حرّة بنت حليمة السعدية؟

قالت له:فراسة من غير مؤمن،فقال لها:اللّه جاء بك فقد قيل عنك إنّك تفضّلين عليّا على أبي بكر و عمر و عثمان؟

فقالت:لقد كذب الذي قال إنّي أفضّله على هؤلاء خاصة أنا أفضّله على آدم و نوح و لوط و إبراهيم و موسى و داود و سليمان و عيسى ابن مريم،فقال:ويلك تفضّليه على الصحابة و تزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من اولي العزم؟إن لم تأتيني ببيان ما قلت ضربت عنقك،فقالت:ما أنا فضّلته على هؤلاء الأنبياء و لكنّ اللّه فضّله عليهم في القرآن بقوله عزّ و جلّ في حقّ آدم وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (2)و قال في حقّ عليّ: كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً .

فقال:أحسنت يا حرّة،فبما تفضّليه على نوح و لوط؟

فقالت:اللّه تعالى فضّله عليهما بقوله: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ1.

ص: 63


1- -المناقب:299/3،و بحار الأنوار:133/46.
2- -سورة طه:121.

اَلنّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (1) و عليّ بن أبي طالب[كانت] (2)املاكه تحت سدرة المنتهى زوجته الزهراء التي يرضى اللّه لرضاها و يسخط لسخطها،فقال:أحسنت يا حرّة فبم تفضّليه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل اللّه؟

فقالت:اللّه فضّله بقوله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (3)،و مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين:لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا و هذه كلمة ما قالها أحد قبله و لا بعده،قال:

أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه على موسى كليم اللّه؟

قالت:بقول اللّه عزّ و جلّ: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ (4).

و عليّ بن أبي طالب بات على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم تخف حتّى أنزل اللّه في حقّه: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ،قال الحجّاج:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه على داود و سليمان عليهما السّلام؟

قالت:اللّه تعالى فضّله عليهما بقوله عزّ و جلّ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (5)قال لها:في أيّ شيء كانت حكومته؟

قالت:في رجلين رجل كان له كرم و الآخر له غنم فوقعت الغنم في الكرم فرعته فاحتكما إلى داود عليه السّلام فقال:تباع الغنم و ينفق ثمنها على الكرم حتّى يعود على ما كان عليه،فقال له ولده:لا يا أبت بل يؤخذ من لبنها و صوفها قال اللّه تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ و أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:سلوني عمّا فوق العرش سلوني عمّا تحت العرش قبل أن تفقدوني،و أنّه دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم فتح خيبر،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله للحاضرين:أفضلكم و أعلمكم و أقضاكم عليّ،فقال لها:أحسنت،فبم تفضّليه على سليمان؟6.

ص: 64


1- -سورة التحريم:10.
2- -زيادة من المصدر.
3- -سورة البقرة:260.
4- -سورة القصص:21.
5- -سورة ص:26.

فقالت:اللّه تعالى فضّله عليه بقوله تعالى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي و مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:طلّقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك فعند ذلك أنزل اللّه تعالى فيه: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً (1)،فقال:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه على عيسى ابن مريم؟

قالت:اللّه فضّله بقوله: وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ* (2)ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ الآية فأخّر الحكومة إلى يوم القيامة،و عليّ بن أبي طالب لمّا ادّعوا فيه النصيرية ما ادّعوه لم يعاتبه و لم يؤخّر حكومتهم قال:أحسنت يا حرّة خرجت من جوابك ثمّ أجازها و أعطاها و سرّحها سراحا حسنا رحمة اللّه عليها (3).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ قول الحجّاج لها إنّك تفضّلين عليّا على أبي بكر و عمر ليس إلاّ من باب قولهم:السيف أمضى من العصا و هذا ممّا يعاب به السيف إذ لا اشتراك في فضيلة معهما حتّى تزيد عليهم.

و في الكافي عن العبّاس بن عيسى قال:ضاق عليّ بن الحسين عليهما السّلام فأتى مولى له فقال له:اقرضني عشرة آلاف درهم فقال:اريد وثيقة فنتف له من ردائه هدبة و قال:هذه الوثيقة فكان مولاه كره ذلك فغضب و قال:أنا أولى بالوفاء من حاجب بن زرارة رهن قوسا و هي خشبة على مائة حماله و هو كافر فأعطاه الدراهم و جعل الهدبة في حقّ فسهّل اللّه المال فحمله إلى الرجل ثمّ قال:هات وثيقتي،قال:ضيّعتها،قال:إذا لم تأخذ مالك منّي ليس مثلي يستخفّ بذمّته فأخرج الرجل الحق فإذا فيه الهدبة فأعطاها عليّ بن الحسين فأعطاه الدراهم و أخذ الهدبة فرمى بها و انصرف.

و في كتاب البصائر عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:كانت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام ناقة قد حجّ عليها اثنين و عشرين حجّة ما قرعها بمقرعة قطّ،قال:فجاءت1.

ص: 65


1- -سورة القصص:83.
2- -سورة المائدة:116.
3- -بحار الأنوار:134/46،و مواقف الشيعة:88/1.

بعد موته فما شعرت بها حتّى جاءني بعض الموالي فقال:إنّ الناقة قد خرجت فأتت قبر عليّ ابن الحسين فبركت عليه و هملت عيناها و دلكت برقبتها القبر فقلت:ادركوها فجاؤوني بها و ما كانت رأت القبر فلم تلبث إلاّ ثلاثة أيّام حتّى ماتت فدفنها عليه السّلام لأنّها من نعم الجنّة كما ورد في الرواية.

و في كتاب كشف القمة توفّي عليه السّلام في ثامن عشر من المحرّم سنة أربع و تسعين و قيل:خمس و تسعين و كان عمره عليه السّلام سبعا و خمسين سنة كان منها مع جدّه سنتين و مع عمّه الحسن عشر سنين و أقام مع أبيه بعد عمّه عشر سنين و بعد قتل أبيه تتمّة ذلك (1).

أقول: و قيل فيه غير هذا،و قد سمّه الوليد بن عبد الملك على ما تظافرت به الروايات و في بعضها أنّ هشاما سمّه في خلافة أخيه الوليد عليهما لعاين اللّه و الملائكة و الناس أجمعين.

و في كتاب العدد:أنّ السنة التي مات فيها عليه السّلام تسمّى سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من العلماء و كان زين العابدين عليه السّلام سيّد الفقهاء مات في أوّلها و تنال الناس بعده سعيد بن المسيّب و عروة بن الزبير و سعيد بن جبير و عامّة فقهاء المدينة (2).

ثلاثة أعوام

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عن جرائمه:أشدّ ما وقع في الإسلام بموت أولياء اللّه سبحانه ثلاثة أعوام:الأوّل سمّاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عام الحزن أو عام الأحزان و هو الذي مات فيه عمّه أبو طالب و زوجته خديجة و بعض أعاظم المسلمين.

الثاني:عام الفقهاء و هو هذا العام المذكور،و الثالث العام الذي مات فيه أكابر أهل الحديث مثل الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني و غيره و سمّوه عام تناثر النجوم لتكثر من مات فيه.

ص: 66


1- -كشف الغمة:294/2،و بحار الأنوار:151/46.
2- -العدد:315،و بحار الأنوار:154/46.

الفصل الثالث

اشارة

في أحوال أولاده و أزواجه و أقاربه من الذين خرجوا على بني اميّة

و بني العبّاس و شيء من أحوالهم عليهم السّلام

في كتاب الأمالي قال:سمع عامر بن عبد اللّه بن الزبير و كان من عقلاء قريش ابنا له ينتقص عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له:يا بني لا تنتقص عليّا فإنّ الدّين لم يبن شيئا فاستطاعت الدّنيا أن تهدمه و أنّ الدّنيا لم تبن شيئا إلاّ هدمه الدّين،يا بني إنّ بني اميّة لهجوا بسبّ عليّ بن أبي طالب في مجالسهم و لعنوه على منابرهم فكأنّما يأخذون و اللّه بضبعيه إلى السماء و أنّهم لهجوا بمدايح أقوامهم فكأنّهم يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف فأنهاك عن سبّه (1).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:تقدّم في أحوال مولانا الإمام أبي الحسن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه أنّ بني اميّة سبّوه على منابرهم ثمانين سنة إلى خلافة ابن عبد العزيز و كانوا يقتلون على من اتّهم بحبّه أو مدحه و مع ذلك كلّه كان بين الكتمانين ملأ الخافقين.

و ذلك أنّ اللّه سبحانه أراد أن يوضح لهم أنّ من أعزّه اللّه لا خاذل له،كما أنّ قريش لمّا بذلوا المهج و الأطوال في إطفاء نور محمّد صلّى اللّه عليه و اله ما كان يزداد على ذلك إلاّ ظهورا.

و وجه آخر و هو أنّ الإنسان حريص على ما منع منه فلا منع بنو اميّة من التجاهر بمناقبه عليه السّلام ازداد الناس ولوعا بنقلها و إظهارها و إن وقع القتل عليهم و به فسّر معنى ما ورد في قوله عليه السّلام على ما رواه صاحب نهج البلاغة أمّا أنّه سيليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد ألا فاقتلوه و لن تقتلوه،أما أنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي،أمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة و لكم نجاة،و أمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي فإنّي

ص: 67


1- -أمالي الطوسي:588 ح 6،و بحار الأنوار:314/39 ح 8.

ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإسلام و الهجرة،بأنّ معنى قوله عليه السّلام:لي زكاة يعني أنّه باعث لنموّ مناقبي و زيادة نشر فضائلي من حيث المنع منه كما تقدّم.

و في كتاب المناقب:أبناؤه عشر من امّهات الأولاد إلاّ اثنين محمّد الباقر و عبد اللّه الباهر امّهما امّ عبد اللّه بن الحسن بن علي و أبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة و عمر توأم الحسين الأصغر و عبد الرحمن و سليمان توأم و الحسن و الحسين و عبيد اللّه توأم و محمّد الأصغر فرد و علي و هو أصغر ولده و خديجة فرد،و يقال:لم يكن له بنت،و يقال:ولدت له فاطمة و عليّة و امّ كلثوم أعقب منهم محمّد الباقر و عبد اللّه الباهر و زيد بن علي و عمر بن عليّ و عليّ بن عليّ و الحسن الأصغر.

و قيل:كان له من الأولاد عشر رجال و أربع نسوة (1).

و في كتاب الدرّ:ولد عليّ بن الحسين عليهما السّلام خمسة عشر ولدا ثمّ عدّدهم و الاختلاف كثير في تعدادهم (2).

العيّاشي في التفسير عن المفضّل بن عمر قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (3)فقال:هذه نزلت فينا خاصّة إنّه ليس رجل من ولد فاطمة يموت و لا يخرج من الدّنيا حتّى يقرّ للإمام بإمامته كما أقرّ ولد يعقوب ليوسف حين قالوا:إنّا للّه لقد آثرك اللّه علينا (4).

أقول: يجوز أن يراد أولاد الأئمّة عليهم السّلام كالذين نازعوا اخوتهم و أعمامهم في الإمامة و أنكروا إمامة الإمام منهم فهؤلاء لا يخرجون من الدّنيا حتّى يتوفّقوا للإيمان بهم و الاعتراف بإمامتهم قبل المعاينة حتّى لا يكون الإمام ضروريّا جبريا فإنّه لا ثواب عليه و يجوز أن يراد مطلق الذريّة و هم السادة فإنّه ربّما يوجد فيهم من ينكر الإمامة.

و أمّا جماعة في هذه الأعصار شاهدنا خلقا كثيرا منهم في العراق سيما البصرة و هم من أهل الخلاف و يزعمون السيادة فليس من السادة و لا من ذرّية فاطمة عليهما السّلام و قد تحقّقنا1.

ص: 68


1- -المناقب:311/3،و مستدرك سفينة البحار:319/7.
2- -بحار الأنوار:155/46.
3- -سورة النساء:159.
4- -تفسير العياشي:284/1،و مستدرك سفينة البحار:216/1.

و ذلك بالتتبّع لأحوالهم و ما صار إليه سوء مآلهم مثل قاضي الحرمين الشريفي ابن بنت السيّد شريف على زعمه صاحب نواقض الروافض فإنّه لا يرتاب أحد ممّن نظر في مقاله و عرف حاله إنّه كان واحدا من الاثنين اللّذين قال صلّى اللّه عليه و اله:لا يبغضك يا عليّ إلاّ من ولد من الزنا أو في الحيض الظاهر أنّه من القسم الأوّل.

و في كتاب الأمالي عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام إنّه أقبل زيد بن علي فلمّا نظر إليه و هو مقبل قال:هذا سيّد من أهل بيته و الطالب بأوتارهم لقد أنجبت أمة ولدتك يا زيد (1).

و عن أبي سيابة قال:دفع إليّ الصادق عليه السّلام ألف دينار أمرني أن أقسمها في عيال من اصيب مع زيد بن علي فقسّمتها فأصاب كلّ واحد أربعة دنانير (2).

و في ذلك الكتاب عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله للحسين عليه السّلام:يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطا هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّا محجّلين يدخلون الجنّة بلا حساب (3).

و في عيون الأخبار مسندا إلى الفضيل قال:انتهيت إلى زيد بن علي صبيحة خرج بالكوفة فقال:من يعينني على قتال أنباط الشام فأدخله الجنّة بإذن اللّه.

فلمّا قتل توجّهت نحو المدينة فدخلت على الصادق عليه السّلام فقال:يا فضيل ما فعل عمّي زيد؟

قال:فخنقتني العبرة فقال لي:قتلوه؟

قلت:اي و اللّه،قال:فصلبوه؟

قلت:اي و اللّه،فأقبل يبكي فقال:شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟

قلت:نعم،قال:كم قتلت منهم؟

قلت:ستّة،قال:فلعلّك شاكّ في دمائهم؟

فقلت:لو كنت شاكّا لما قتلتهم،فسمعته و هو يقول:أشركني اللّه في تلك الدماء، مضى و اللّه عمّي زيد و أصحابه شهداء مثل ما مضى عليه عليّ بن أبي طالب و أصحابه.6.

ص: 69


1- -أمالي الصدوق:415 ح 11،و بحار الأنوار:170/46 ح 17.
2- -أمالي الصدوق:416 ح 13،و الإرشاد:173/2.
3- -أمالي الصدوق:409 ح 9،و بحار الأنوار:170/46.

و في كتاب المحاسن روى السيّاري عن رجل من أصحابه قال:ذكر بين يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام من خرج من آل محمّد فقال عليه السّلام:لا زال و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمّد و لوددت أنّ الخارجي من آل محمّد و عليّ نفقة عياله (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:فيه إشعار بأنّ كلّ من خرج على بني اميّة و بني العبّاس من آل محمّد كان محقّا في خروجه و توجيهه أنّ من خرج إن كان مثل زيد فهو كما جاء مستفيضا في الأخبار إنّما دعى إلى أخذ الثأر و إلى الرضا من آل محمّد بأن يرجع الأمر إلى أهله و إن كان طالبا للخلافة فهو أحقّ منهم بها،لأنّ فيه مع الأخذ بالثأر كفّ أيديهم و ظلمهم عن الامّة،و امّا نهي الأئمّة عليهم السّلام لهم عن الخروج فباعتبار ما علموا من عدم تمام الأمر في خروجهم لأنّ بني اميّة كانت مدّة دولتهم ثمانين سنة و كانوا فيها كما قال عليه السّلام:لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه بزوال ملكهم فيكون ذلك النهي اتّقاء على الخارجين،و يجوز أن يكون تقيّة من خلفاء الجور لأنّهم يزعمون أنّ الأئمّة عليهم السّلام يأمرونهم بالخروج عليهم.6.

ص: 70


1- -عيون أخبار الرضا:228/2،و بحار الأنوار:171/46.

فيه حقّية كلّ من خرج من آل محمّد عليهم السلام

الأمالي عن حمزة بن حمران قال:دخلت إلى الصادق عليه السّلام فقال لي:يا حمزة من أين أقبلت؟

قلت:من الكوفة،فبكى،ثمّ قال:ذكرت ما صنع بعمّي زيد ذكرت مقتله و قد أصاب جبينه سهم فجاء ابنه يحيى فقال له:ابشر يا أبتاه فإنّك ترد على رسول اللّه و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم قال:أجل يا بني ثمّ دعى بحدّاد فنزع السهم فكانت نفسه معه فجيء به إلى ساقية تجري فحفر له فيها و دفن و أجرى عليه الماء و كان معهم غلام سندي لبعضهم فذهب إلى يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إيّاه فأخرجه فصلبه في الكناسة أربع سنين ثمّ أمر به فأحرق بالنار و ذرى في الرياح فلعن اللّه قاتله و خاذله و إلى اللّه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيّه بعد موته و به نستعين.

عيون الأخبار عن ابن عبدون عن أبيه قال:لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون و قد كان خرج بالبصرة و أحرق دور ولد العبّاس وهب المأمون جرمه لأخيه عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام و قال له:يا أبا الحسن لئن خرج أخوك و فعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن عليّ فقتل و لولا مكانك منّي لقتلته فليس ما أتاه بصغير،فقال عليه السّلام:يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيد بزيد بن عليّ بن الحسين فإنّه كان من علماء آل محمّد غضب للّه عزّ و جلّ فجاهد أعداءه حتّى قتل في سبيله و كان عمّي جعفر عليه السّلام يقول:رحم اللّه عمّي زيد إنّه دعى إلى الرضا من آل محمّد و لو ظفر لوفى بما دعى إليه و قد استشارني في خروجه فقلت له:يا عمّ إن رضيت أن يكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك،فلمّا ولى قال جعفر بن محمّد:

ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه،فقال المأمون:يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادّعى الإمامة بغير حقّها ما جاء؟

فقال عليه السّلام:إنّ زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحقّ و أنّه كان أتقى من ذاك إنّه قال:

أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد و إنّما جاء ما جاء فيمن يدّعي أنّ اللّه نصّ عليه ثمّ يدعو إلى

ص: 71

غير دين اللّه و يضلّ عن سبيله بغير علم و كان زيد و اللّه ممّن خوطب بهذه الآية: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ (1)(2).

أقول: يستفاد من هذا الحديث أنّ كلّ من خرج من آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله لم يكن مبطلا لأنّه ما كان يعتقد أنّه منصوص على إمامته و ما كان يدعو إلى غير دين اللّه و لا يضلّ أحدا بل كان مقصده دفع خلفاء الجور عن الخلافة في الحقيقة فكلّهم إمّا طالب الإمامة لأهلها كزيد أو طالب الخلافة ليعمل بأحكام اللّه كغيره.

و منهم زيد بن موسى فإنّه لمّا خرج بالبصرة أوّل ما بدا به إحراق دور بني العبّاس من أهل الجور و معيني الظالمين لكنّه عليه السّلام اتّقى المأمون في إظهار بعض الكلمات،لأنّ من كلامه عليه السّلام استشعر المأمون لنفسه إنّه غير مبطل في أمر الخلافة لأنّه لم يدّع النصّ عليه لكنّه ما لحظ أنّه خارج بقوله عليه السّلام:و يضلّ عن سبيل اللّه.

و فيه أيضا عن الرضا عليه السّلام:إنّ إسماعيل قال للصادق عليه السّلام:يا أبتاه ما تقول في المذنب منّا و من غيرنا؟

فقال عليه السّلام: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (3)(4).

و عنه عليه السّلام:من أحبّ عاصيا فهو عاص و من أحبّ مطيعا فهو مطيع و من أعان ظالما فهو ظالم و من خذل عادلا فهو خاذل إنّه ليس بين أحد و بين اللّه قرابة و لا ينال أحد ولاية اللّه إلاّ بالطاعة.

و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لبني عبد المطّلب:ائتوني بأعمالكم لا بأنسابكم و أحسابكم،قال اللّه تعالى: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) (5).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:قوله عليه السّلام:من أحبّ عاصيا فهو عاص ممّا تكثر مضمونه في الأخبار و بليّة عامّة،لأنّ النفوس تحبّ و تميل إلى من أحسن عليها سواء كان صالحا أو طالحا و لهذا قال عليه السّلام:اللّهم لا تجعل لفاجر و لا كافر عليّ نعمة و لا له عندي6.

ص: 72


1- -سورة الحج:78.
2- -أمالي الصدوق:477 ح 3،و بحار الأنوار:172/46.
3- -سورة النساء:123.
4- -عيون أخبار الرضا:260/1 ح 5،و بحار الأنوار:176/46.
5- -بحار الأنوار:241/7،و وسادل الشيعة:185/16.

يدا و أوّله كثيرون بإرادة محبّة العاصي لأجل العصيان كما أوّلوا إعانة الظالم بما لا دخل له في الظلم،و سياق الكلام يأباه على أنّك لو تحقّقت الحال في شأن إعانة الظالم لوجدت مطلق الإعانة معينة على الظلم.

و في كتاب العلل عن الصادق عليه السّلام في حديث قال فيه:إن أتاكم منّا آت يدعوكم إلى الرضا منّا فنحن نستشهدكم انّا لا نرضى أنّه لا يطيعنا اليوم و هو وحده فكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات و الأعلام (1).

و عن أبي سعيد المكاري قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكر زيد و من خرج معه فهمّ بعض أهل المجلس أن يتناوله فانتهره أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:مهلا ليس لكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ و تدركه السعادة قبل أن تخرج نفسه و لو بفواق ناقة يعني مقدار ضمان حلبها (2).

و عنه عليه السّلام قال:ليس بينكم و بين من خالفكم إلاّ المطمر[قلت:رأي شيىء المطمر؟ قال:] (3)و هو الذي تسمّونه التر يعني خيط البناء فمن خالفكم و جازه فابرأوا منه و إن كان علويّا فاطميّا (4).

و في حديث آخر فهو زنديق.

[في]الاحتجاج قيل للصادق عليه السّلام:ما زال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل و يقتل معه خلق كثير؟

قال:إنّ فيهم الكذّابين و في غيرهم المكذّبين.

و عنه صلوات اللّه عليه:ليس منّا أحد إلاّ و له عدوّ من أهل بيته،فقيل له:بنو الحسن لا يعرفون لمن الحقّ؟

قال:بلى و لكن يمنعهم الحسد (5).

و فيه أيضا عن مؤمن الطاق:إنّ زيد بن عليّ بن الحسين بعث إليه و هو مختف قال:0.

ص: 73


1- -علل الشرائع:578/2 ح 2،و بحار الأنوار:178/46 ح 35.
2- -عماني الأخبار:392 ح 39،و بحار الأنوار:179/46 ح 36.
3- -زيادة من المصدر.
4- -معاني الأخبار:213 ح 2،و بحار الأنوار:179/46 ح 38.
5- -بحار الأنوار:180/46 ح 40.

فقال لي:يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منّا أتخرج معه؟

قال:إن كان أبوك أو أخوك خرجت معه،فقال:أنا أريد أن أخرج فتخرج معي؟ قلت:لا،جعلت فداك إنّما هي نفس واحدة فإن كان للّه عزّ و جلّ في الأرض معك حجّة فالمتخلّف عنك ناج و الخارج معك هالك و إن لم يكن للّه معك حجّة فالمتخلّف عنك و الخارج سواء،ثمّ قال:كنت أجلس مع أبي إلى الخوان فيلقمني اللقمة السمينة و يبرد لي اللقمة الحارّة حتّى يبرد شفقة عليّ و لم يشفق عليّ من حرّ النار إذ أخبرك بالدين و لم يخبرني به،فقلت له:من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار و أخبرني فإن قبلته نجوت و إن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ثمّ قلت له:أنتم أفضل أم الأنبياء؟

قال:بل الأنبياء،قلت:لم يقول يعقوب ليوسف: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً (1)لم لم يخبرهم حتّى لا يكيدونه و لكن كتمهم و كذلك أبوك كتمك لأنّه خاف عليك،فقال:أما و اللّه لئن قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك بالمدينة إنّي اقتل و اصلب بالكناسة و أنّ عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي فحدّثت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمقالة زيد و ما قلت له فقال لي:أخذته من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن يساره و من فوق رأسه و من تحت قدميه و لم تترك له مسلكا يسلكه (2).

عن البزنطي قال:ذكر عند الرضا عليه السّلام بعض أهل بيته فقلت له:الجاحد منكم و من غيركم واحد؟

فقال:لا،كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول:لمحسننا حسنتان و لمسيّئنا ذنبان.

عن أبي اليقظان قال:كنّا جماعة عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أيّكم له علم بعمّي زيد إلى أن قال مسجد السهلة كان بيت إبراهيم الذي خرج منه إلى العمالقة و كان بيت إدريس عليه السّلام الذي كان يخيط به و فيه صخرة خضراء فيها صورة وجوه النبيّين و فيه مناخ الراكب يعني الخضر عليه السّلام و لو أنّ عمّي أتاه حين خرج فصلّى فيه و استجار باللّه لأجاره عشرين سنة و ما أتاه مكروب فصلّى فيه ما بين العشائين و دعى اللّه إلاّ فرّج عنه.5.

ص: 74


1- -سورة يوسف:5.
2- -شرح أصول الكافي:104/5.

و عن الوليد بن صبيح قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في ليلة إذ طرق الباب طارق فخرجت الجارية و قالت:هذا عمّك عبد اللّه بن علي فقال:ادخليه،فقال لنا؛ادخلوا البيت فدخلنا بيتا.

فلمّا دخل لم يدع شيئا من القبيح إلاّ قاله في أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ خرج و خرجنا فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه فقال بعضنا:لقد استقبلك هذا بشيء حتّى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به،فقال:مه لا تدخلوا فيما بيننا.

فلمّا مضى من الليل ما مضى طرق الباب طارق فخرجت الجارية و قالت:عمّك عبد اللّه بن عليّ فقال لنا:عودوا إلى مواضعكم ثمّ أذن له فدخل بنحيب و بكاء و هو يقول:

يا ابن أخي اغفر لي غفر اللّه لك اصفح عنّي صفح اللّه عنك،فقال:غفر اللّه لك يا عمّ ما الذي أحوجك إلى هذا؟

قال:إنّي لمّا آويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ثمّ قال أحدهما للآخر:انطلق به إلى النار فانطلق بي فمررت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت:يا رسول اللّه لا أعود فأمرهما فخلّى عنّي و أنّي لأجد ألم الوثاق،فقال عليه السّلام:اوص،قال:بما أوصي ما لي مال و أن لي عيالا كثيرا و عليّ دين،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:دينك عليّ و عيالك إلى عيالي فأوصى فما خرجنا من المدينة حتّى مات و ضمّ أبو عبد اللّه عليه السّلام عياله إليه و قضى دينه و زوّج ابنه ابنته (1).6.

ص: 75


1- -الخرائج و الجرائح:620/2،و بحار الأنوار:185/46.

أسباب خروج زيد بن عليّ

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ورد في الأخبار أنّ السبب في خروج زيد امور:

الأوّل: إنّه كان يدعو إلى الرضا من آل محمّد و كان يعتقد و يعلم أنّ الإمام كان أخوه ثمّ من بعده ابن أخيه و كان يريد له الخلافة التي كانت حقّه.

الثاني: الطلب بدم الحسين عليه السّلام فإنّ تلك الواقعة الكبرى ما أبقت لأحد من بني هاشم و لا من غيرهم تمتّعا في الحياة و كانوا يطلبون به الموت و يأسفون على ما فرط منهم من التقصير في الجهاد و هي الرزية التي أرغمت الانوف و قرّبت الحتوف.

الثالث: إنّه دخل على هشام بن عبد الملك و قد جمع له أهل الشام و أمرهم أن يتضايقوا له في المجالس حتّى لا يتمكّن من الوصول إلى قربه فقال له زيد:أوصيك بتقوى اللّه،فقال له هشام:أنت المؤهّل نفسك للخلافة و ما أنت و ذاك لا امّ لك و إنّما أنت ابن أمة فقال له زيد:إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند اللّه من نبيّ بعثه و هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام فالنبوّة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة؟و بعد فما يقصر برجل أبوه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن عليّ بن أبي طالب،فوثب هشام و قال لقهرمانه:لا يبيتنّ هذا في عسكري فخرج زيد و هو يقول:إنّه لم يكره قوم قط السيف إلاّ ذلّوا.

فلمّا وصل الكوفة بايعه أهلها ثمّ نقضوا بيعته و أسلموه فقتل و صلب بينهم أربع سنين لم ينكر ذلك أحد منهم و لا دفع عنه بيد و لا لسان.

الرابع: إنّ هشاما كان يستهزء بزيد بل روي أنّه قذفه بأمّه حتّى أنّ السفّاح لمّا أخرج بني اميّة من قبورهم لإحراق عظامهم أمر بجثّة هشام فضربوها حدّ القذف قال:إنّه قذف زيد بن علي و لم يحدّ.

الخامس: ما رواه الحميري في كتاب الدلائل عن جابر قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:لا يخرج على هشام أحد إلاّ قتله فقلنا لزيد هذه المقالة فقال:إنّي شهدت هشاما و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسبّ عنده فلم ينكر ذلك و لم يغيّره فو اللّه لو لم يكن إلاّ أنا و آخر لخرجت

ص: 76

عليه.

و في كتاب أبي القاسم بن قولويه قال:روى بعض أصحابنا قال:كنت عند عليّ ابن الحسين عليهما السّلام و لم يتكلّم حتّى تطلع الشمس فبشّروه بولادة زيد بعد صلاة الفجر فالتفت إلى أصحابه و قال:أيّ شيء اسمّي هذا المولود؟

فقال كلّ رجل منهم اسما فقال:يا غلام عليّ بالمصحف فوضعه في حجره ثمّ فتحه فنظر إلى أوّل الورقة و إذا فيه وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ثمّ طبقه ثمّ فتحه فإذا في أوّل الورقة: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (1)ثمّ قال:هو و اللّه زيد هو و اللّه زيد فسمّي زيدا.

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لزيد بن حارثة:المقتول في اللّه و المصلوب في امّتي و المظلوم من أهل بيتي سميّ هذا،و يقول له:يا زيد زاد اسمك عندي حبّا فأنت سميّ الحبيب من أهل بيتي (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:في هذا الحديث دلالة على جواز[التفاؤل] (3)في القرآن لمثل هذا الأمر من تسمية المولود و نحوه حتّى يسمّى بما يناسب الآية فإنّ حكاية الجهاد تناسب الشجاع و زيد كان معروفا بالشجاعة بين العرب و حينئذ فيحمل ما روي من النّهي عن التفاؤل بالقرآن إمّا على الكراهة أو على ما إذا كان لاستكشاف الغايبات جزما كما إذا كان للتفاؤل عن حال غائب أهو حيّ أم لا،و متى يكون قدومه و كذلك التفاؤل لبرء المريض و متى يبرء و متى يموت و متى يهلك اللّه فلانا،فإنّ هذه الامور إذا لم تقع على وفق التفاؤل يكون فيها نوعا من الوهن في اعتقاد شأن القرآن للّه المثل الأعلى.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أمّا الباكي على زيد فمعه في الجنّة و أمّا الشامت به فشريكر.

ص: 77


1- -سورة التوبة:111.
2- -السرائر:638/3،و بحار الأنوار:192/46.
3- -زيادة في المصدر.

في دمه (1).

أقول: هذا جار على عمومه كما جاء في الرواية و ذلك أنّ من رضي بإراقة دم على غير قانون الشريعة كان شريكا للقاتل في العقاب و إن كان القاتل في المشرق و الراضي في المغرب و هذه مقدّمة عامّة البلوى.

و روى الكشّي عن سليمان بن خالد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:رحم اللّه عمّي زيدا ما قدر أن يسير بكتاب اللّه ساعة من نهار،يا سليمان ما كان عدوّكم عندكم؟

قلنا؛كفّار،قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (2)فجعل المن بعد الإثخان أسرتم قوما ثمّ خلّيتم سبيلهم قبل الإثخان و إنّما جعل اللّه المن بعد الإثخان حتّى خرجوا عليكم من وجه آخر فقاتلوكم (3).

و عنه عليه السّلام:رحم اللّه عمّي زيدا لو ظفر لوفى إنّما دعى إلى الرضا من آل محمّد و أنا الرضا.

و قال عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ ذكره أذن في هلاك بني اميّة بعد إحراقهم زيد بسبعة أيّام (4).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ الأحاديث الناطقة بحسن حال زيد و أنّه من أهل السعادة و كان محقّا في خروجه مستفيضة بل متواترة،فلا ينبغي التعرّض له و لمن خرج بعده إلاّ بخير إلاّ أن يكون حاله ظاهرا كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالى.6.

ص: 78


1- -الغدير:70/3.
2- -سورة محمد:4.
3- -بحار الأنوار:7196/46 ح 6.
4- -شرح الأخبار:287/3،و بحار الأنوار:199/46.

باب في أحوال أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين باقر العلوم صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين و أولاده الغرّ الميامين

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في أحوال ولادته و وفاته و مناقبه و النصّ عليه

[في]اعلام الورى[أنه] (1):ولد عليه السّلام بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة غرّة رجب و قيل:الثالث من صفر و قبض عليه السّلام سنة أربع عشرة و مائة في ذي الحجّة و قيل:في شهر ربيع الأوّل و قد تمّ عمره سبعا و خمسين سنة و امّه امّ عبد اللّه فاطمة بنت الحسن فعاش مع جدّه الحسين عليه السّلام أربع سنين و مع أبيه تسعا و ثلاثين سنة و كان مدّة إمامته ثماني عشر سنة.

و كان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبد الملك و ملك سليمان بن عبد الملك و عمر بن عبد العزيز و يزيد بن عبد الملك و هشام بن عبد الملك و توفّى في ملكه (2).

أقول: و قيل في التاريخ غير هذا أيضا إلاّ أنّ هذا أضبط.

و في السرائر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله و كفنه و دخوله قبره قال:قلت:يا أبتاه ما أرى عليك أثر الموت؟

قال:يا بني أما سمعت عليّ بن الحسين ناداني من وراء الجدران:يا محمّد تعال

ص: 79


1- -زيادة من المصدر.
2- -أعلام الورى:40/2.

عجّل (1).

و في الكافي عنه عليه السّلام قال:إنّ أبي قال لي ذات يوم في مرضه:يا بني ادخل اناسا من قريش من أهل المدينة حتّى أشهدهم قال:فأدخلت عليه اناسا منهم فقال:يا جعفر إذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و ارفع قبري أربع أصابع و رشّه بالماء.

فلمّا خرجوا قلت:يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته و لم ترد أن ادخل عليك قوما تشهدهم،قال:يا بني أردت أن لا تنازع يعني في سنن الغسل أو في الإمامة،لأنّ هذه الوصيّة مستلزمة لتلك الوصية (2).

و روي أنّه عليه السّلام أوصى بثمانمائة درهم لمأتمه و كان يرى ذلك من السنّة،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:اتّخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا (3).

و روي أنّه انقلع ضرسان من أضراسه و خفت عليها الضياع فدفنت واحدا في مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام و واحدا في الحائر الحسيني على من حلّ به أفضل السلام و دفنت الثالث في مشهد الرضا عليه السّلام لأنّي أحببت أن تقسّم أعضائي على أبوابهم و بقي عندي رابع انقلع وقت رجوعي من زيارة مولانا الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه أفضل الصلوات في بلدة استرآباد في القلعة المباركة و يحفظه اللّه لي لأعمل بهذه السنّة.

[في]المناقب،[أن] (4)الباقر عليه السّلام أوّل هاشمي من هاشميّين و علويّ من علويّين و فاطمي من فاطميّين لأنّه أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين عليهم السّلام.

و كانت امّه امّ عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ عليهم السّلام.

و قال أبو جعفر بن بابويه و السيّد ابن طاووس:سمه إبراهيم بن الوليد (5).

و في حديث آخر سمّه هشام بن عبد الملك،و لا منافاة لأنّه يمكن أن إبراهيم سمّه بأمر الخليفة هشام عمّه عليهم لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين (6).6.

ص: 80


1- -كشف الغمة:352/2،و الكافى:260/1.
2- -الكافي:2003 ح 5،و بحار الأنوار:214/46.
3- -الكافي:217 ح 4،و بحار الأنوار:215/46 ح 10.
4- -زيادة من المصدر.
5- -المناقب:338/3،و بحار الأنوار:215/46 ح 13.
6- -بحار الأنوار:153/46.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:قال لي أبي جعفر:اوقف من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى (1).

يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالى:إنّ منى لمّا كانت موضعا لاجتماع الشيعة أراد عليه السّلام أن يناح و يبكى في ذلك المحلّ إعزازا و احتراما له و تحصيلا للثواب لشيعته الباكين عليه،و لعلّ وجه التخصيص بالعشر سنين إرادة استقصاء شيعته النائين في البلاد لإمكانه في امتداد هذا الوقت غالبا.

نقش خواتيمه عليه السلام

[في]عيون الأخبار و الأمالي عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره،و كان عليّ بن الحسين يتختّم بخاتم أبيه الحسين عليهما السّلام و كان محمّد بن عليّ يتختّم بخاتم الحسين عليه السّلام (2).

و عنه عليه السّلام(في عيون الأخبار):كان على خاتم محمّد بن عليّ عليهما السّلام:ظنّي باللّه حسن و بالنبي المؤتمن و بالوصيّ ذي المنن و بالحسين و الحسن (3).

و في التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نقش خاتم أبي العزّة للّه جميعا (4).

[في](بشائر المصطفى)عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولدا من الحسين يقال له محمّد الباقر يبقر علم الدّين بقرا،فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام.

و في القاموس:بقره شقّه و وسعه،و الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين لتبحّره في العلم (5).

في فصول المهمّة:كان عليه السّلام أسمر معتدلا.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:تقدّم في تضاعيف أبواب هذا الكتاب أنّ الإمام

ص: 81


1- -بحار الأنوار:220/46 ح 25.
2- -أمالي الصدوق:543،و بحار الأنوار:221/46 ح 3.
3- -مسند الأمام الرضا:364/2 ح 21،و بحار الأنوار:221/46.
4- -التهذيب:32/1،و وسائل الشيعة:332/1.
5- -الإرشاد:159/2،و بحار الأنوار:222/46 ح 6.

يجب أن يكون أصبح الناس و أحسنهم خلقا و خلقا و هذه السمرة إمّا أنّها لا تنافي الحسن الفايق و إمّا أن يكون راجعا إلى ما سبق تحقيقه في الأخبار من أنّ أغلب الناس كانوا يشاهدونه على هذه الصفة لحكم و مصالح،و الواقع غير هذا كما سيأتي في حديث الجواد عليه السّلام مع زوجته امّ الفضل بنت المأمون.

[في]الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال ذات يوم لجابر:إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام،فدخل جابر إلى عليّ بن الحسين فوجد محمّد بن عليّ عنده غلاما فقال له:يا غلام اقبل فأقبل ثمّ قال له:ادبر،فقال جابر:شمائل رسول اللّه و ربّ الكعبة.قال عليّ ابن الحسين:هذا ابني محمّد الباقر فوقع على قدميه يقبّلهما و يقول:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقرأ عليك السلام فقال:يا جابر على رسول اللّه السلام و عليك بما بلّغت (1).

و في حديث آخر أنّه لقيه في بعض سكك المدينة.

و في رواية اخرى أنّه رآه مع الصبيان في المكتب و أنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام أمره بالاحتجاب بعد ذلك خوفا عليه من الشهرة و الحسد.

و في كتاب الخرائج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ جابر بن عبد اللّه:كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان منقطعا إلينا أهل البيت و كان يقعد في مسجد الرسول فيقول:

يا باقر يا باقر و أهل المدينة يقولون:جابر يهجر،فيقول:لا و اللّه لا أهجر و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:إنّك ستدرك رجلا منّي اسمه اسمي و شمايله شمايلي يبقر العلم بقرا فذلك الذي دعاني إلى ما أقول،ثمّ إنّه أدركه و أبلغه سلام جدّه و كان جابر يأتيه طرفي النهار فلم يلبث أن مضى عليّ بن الحسين عليهما السّلام و كان محمّد بن علي يأتيه لصحبته لرسول للّه:صلّى اللّه عليه و اله فجلس الباقر يحدّثهم عن اللّه فقال أهل المدينة:ما رأينا أحدا قط أجرىء من هذا، فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال أهل المدينة:ما رأينا أحد أكذب من هذا يحدّث عمّن لم يره.

فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه فصدّقوه و كان جابر و اللّه يأتيه فيتعلّم6.

ص: 82


1- -أمالي الصدوق:434 ح 9،و بحار الأنوار:223/46.

منه (1).

يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالى:ينبغي أن يحمل قوله:حدّثهم عن جابر يعني عن علومه التي تحملها عن المعصومين عليهم السّلام كان يقول عن جابر و لا يقول حدّثني جابر، لأنّ كلّما كان يحدّث به عليه السّلام لم يسمعه عن جابر و يجوز أن يكون أخذ منه إجازة عامة كأن يكون قال له:إنّي احدّث عنك تلطّفا إلى تصديق الناس و هذا جائز في علم الدراية و حمله على ظاهره ممكن أيضا بأن يكون عليه السّلام سمع من جابر كلّما كان يحدّث به أوّل الأمر و ذلك أنّ الناس من أهل المدينة و غيرهم إنّما قالوا ذلك القول في ابتداء الأمر.

فلمّا تحقّقوا وسعة علمه و اعتراف جابر بالعجز عنه و انّه كان يأخذ العلم عنه،أقبلوا إلى تصديقه ممّا يحكيه عن اللّه و رسوله و عن عليّ بن أبي طالب و الحسين عليهما السّلام.

و يرشد إليه ما رواه أبو جعفر بن بابويه في حديث طويل قال فيه:بما كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلم فربما غلط جابر فيما يحدّث به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيرد عليه و يذكره فيقبل ذلك منه و يرجع إلى قوله و كان يقول:يا باقر يا باقر أشهد باللّه إنّك قد أوتيت الحكم صبيّا.

[في]البصائر عن الصادق قال:لمّا حضر عليّ بن الحسين الموت أخرج السفط أو الصندوق عنده فقال:يا محمّد احمل هذا الصندوق فحمل بين أربعة.

فلمّا توفّى جاء اخوته يدعون في الصندوق،فقالوا:اعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال:و اللّه ما لكم فيه شيء و كان في الصندوق سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كتبه (2).

و في كتاب النصوص مسندا إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّه قال في مرض موته:

و اعلم يا بني إنّ صلاح الدّنيا بحذافيرها في كلمتين:إصلاح شأن المعايش ملؤ مكيال ثلثاه فطنة و ثلثه تغافل،لأنّ الإنسان لا يتغافل إلاّ عن شيء قد عرفه ففطن له.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:روي مثل هذا في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لابنه إلاّ أنّه قال هناك ثلثان استحسان و ثلثه تغافل،و هذا يكشف عن أنّه ليس المراد من الاستحسان المداراة بل ما تستحسنه العقول و العادات و ينطبق على قوانين الحكمة الإلهية1.

ص: 83


1- -الجرائح و الخرائج:279/1،و المناقب:328/3.
2- -بصائر الدرجات:200،و الكافي:305/1 ح 1.

و ذلك أنّ امور المعاش إذا خرجت عن نظام الشريعة عرض له الزوال و الفساد و كما إذا دخل فيه أخذ الربا و مزجه بمحرمات البيع مثلا فإنّه لا يبقى فينبغي لمن أراد إصلاح شأن معاشه أن يحيل الفكر و الفطنة في أسبابه حتّى يتميّز له الحلال من الحرام و الطاهر من النجس و الواجب من المستحبّ و غير ذلك.نعم،كثيرا من الامور ينبغي التغافل عنها لأنّ في الاستقصاء عليها يكون فسادا في امور المعاش و ربما انجرّ إلى الفساد في امور المعاد.

فضل الهندباء و البنفسج

و في كتاب النصوص عن الظهري قال:دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام في المرض الذي توفّي فيه إذ قدّم إليه طبق فيه الخبز و الهندباء فقال لي:كله و ما من ورقة من الهندباء إلاّ عليها قطرة من ماء الجنّة فيه شفاء من كلّ داء ثمّ رفع الطعام و أتى بدهن البنفسج فقال:ادهن إنّ فضله على سائر الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان ثمّ دخل عليه محمّد ابنه فحدّثه طويلا ثمّ قال:هذا وصيّي و وارثي و عية علمي باقر العلم يختلف إليه خلّص شيعتي و يبقر العلم عليهم بقرا (1).

[في]الأمالي،كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه السّلام و يقول:يا محمّد لا ترى أنّي آتى مجلسك حبّا لك و لا أقول أنّ أحدا في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت و اعلم أنّ طاعة اللّه و رسوله و أمير المؤمنين في بغضكم و لكن أراك رجلا فصيحا لك أدب و حسن لفظ فإنّما اختلافي إليك لهذا،و كان أبو جعفر عليه السّلام يقول له خيرا فلم يلبث الشامي حتّى مرض.

فلمّا ثقل دعى وليّه و قال له:إذا أنا متّ فأت محمّد بن عليّ و سله أن يصلّي عليّ و اعلمه أنّي أمرتك بذلك.

فلمّا كان نصف الليل مات و برد جسده.

فلمّا أصبح أتى إليه و قال:يا أبا جعفر إنّ فلان الشامي قد مات و سألك أن تصلّي عليه فقال:كلاّ،إنّ بلاد الشام باردة و الحجاز بلاد حرّ فلا تعجلن حتّى آتيكم،فصلّى ركعتين ثمّ دعى اللّه تعالى ثمّ سجد حتّى طلعت الشمس ثمّ قام إلى منزل الشامي فدعاه فأجابه ثمّ

ص: 84


1- -بحار الأنوار:232/46،و مستدرك سفينة البحار:560/10.

أجلسه و دعى له بسويق فسقاه و قال لأهله:املأوا جوفه و برّدوا صدره بالطعام البارد ثمّ انصرف فعوفي الشامي فأتى أبا جعفر عليه السّلام فقال:اخلني فأخلاه،فقال:أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه و من أتى غيرك خسر و ضلّ أشهد أنّي عهدت بروحي و عاينت بعيني و سمعت مناديا ينادي ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمّد بن عليّ فقال له:أما علمت أنّ اللّه يحبّ العبد و يبغض عمله و يبغض العبد و يحبّ عمله قال:فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام (1).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه سبحانه:ما معنى قوله عليه السّلام:كلاّ،أي أنّه لم يمت مع أنّ الرجل قد كان مات و رجع إلى الدّنيا بدعائه عليه السّلام قلت:لعلّ معناه راجع إلى التورية يعني أنّه لم يمت موتا لا يمكن معه الرجوع إلى الدّنيا كما في موت غيره أو يكون قوله:كلاّ،راجعا إلى الصلاة أي لم اصلّ عليه لعدم الحاجة إليها لأنّه كان يعلم برجوعه و هذه الدرجة التي نالها الشامي إنّما كانت بسبب تردّده إلى مجلسه عليه السّلام و طلبه الصلاة عليه،و فيه إشعار بأنّ مجالسة أهل الخير خير و إن لم يكن معتقدا فيهم ما لهم من الدرجة بل كان غرضه مجرّد المسامرة و الكلام معهم.

و قوله عليه السّلام:إنّ اللّه يحبّ العبد.الخ،يجوز تطبيق كلّ من الفقرتين على حال الشامي؛ إمّا الاولى فباعتبار أنّ اللّه سبحانه يحبّه لما سبق له في العلم القديم بأن حاله يؤول إلى خير و أنّه من الشيعة و لكن اعترضه الشيطان فصدّه أيّاما و ارتكب الأعمال القبيحة فهو سبحانه يبغضها،و امّا الثانية فباعتبار أنّ اللّه سبحانه يبغضه لخروجه عن الإيمان و يحبّ عمله و هو الاختلاف و التردّد إلى مجلسه عليه السّلام و الوصيّة للصلاة عليه.

تحقيق حسن في تشبيهه عليه السلام بالصخرتين

[في]البصائر،عن سدير قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فمرّبنا رجل من أهل اليمن فقال له:هل تعرف دار كذا و كذا؟

فقال:نعم،و رأيتها قال:هل تعرف صخرة عندها في موضع كذا و كذا؟

قال:نعم و رأيتها.

ص: 85


1- -أمالي الطوسي:411،و مدينة المعاجز:107/5.

فلمّا قام قال لي أبو جعفر عليه السّلام:تلك الصخرة التي غضب موسى فألقى الألواح.

فلمّا ذهب من التوراة التقمته الصخرة.

فلمّا بعث اللّه رسوله أدّته إليه و هي عندنا (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:الذي ذهب من التوراة ما كان مكتوبا على رضاض الألواح التي تكسّرت بسبب ضرب موسى عليه السّلام لها على الصخرة و فيه دلالة على أنّ كتاب التوراة لم يكن كلّه بأيدي امّة موسى عليه السّلام بل سقط منه ما كان في تلك الصخرة،و أمّا التحريف فقد وقع في التوراة بعد موسى عليه السّلام حرّفه علماؤهم،لأنّ أحكام التوراة كانت شاقّة عليهم بسبب تعنّتهم و اقتراحهم على نبيّهم موسى عليه السّلام فكان علماء السوء منهم يأخذن أجرا من الملوك و عوام الناس و يثبتون لهم في التوراة مكان الأحكام الشاقّة أحكاما خفيفة التناول.

و بعموم قوله صلّى اللّه عليه و اله:يجري في هذه الامّة مثل ما جرى في الامم السابقة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة وقع في القرآن الكريم سقط و تحريف في أعصار الثلاثة و من بعدهم حتّى في أعصار القرّاء كما أوضحناه في شرح تهذيب الحديث،و كما كانت الصخرة حافظة لما سقط من التوراة كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام حافظا لما أسقطوه من القرآن و مصحفه الذي جمعه بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يزيد على ما في أيدي الناس بكثير و ما وقع هذا من تشبيه أمير المؤمنين عليه السّلام التشبيه التقديري بالصخرة الحافظة لما سقط من التوراة و ما وقع له من التشبيه التحقيقي بأنّ قاتله كعاقر ناقة صالح إشارة إلى سرّ لطيف؛أمّا الأوّل فبأنّه تواتر عنه عليه السّلام قوله:أنا كتاب اللّه الناطق و القرآن كتاب اللّه الصامت،و كان تولّده عليه السّلام على ما روته المسلمون في كتبهم بطن الكعبة و هي صخور اللّه سبحانه فتلك الصخرة حفظت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام الذي هو الكتاب الناطق حتى انشقّت بعد ثلاثة أيّام أو أقلّ و دفعته إلى من قام بحفظه و هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أبو طالب،فصخرة التوراة حفظت الكتاب الصامت لأنّها كالقرآن و صخرة الكعبة حفظت الكتاب الناطق.

و أمّا الثاني فباعتبار أنّ ناقة صالح كانت آية لصالح اقترحوها عليه حتّى أخرجها من الصخرة و هي و فصيلها و أمير المؤمنين عليه السّلام كان آية اللّه في هذه الامّة أخرجها اللّه سبحانه3.

ص: 86


1- -بصائر الدرجات:157،و بحار الأنوار:224/13.

إليهم من صخرة الكعبة فضلّ و هلك قوم قتلوا الآيتين و تقاربوا في الشبه.

و أمّا الحسين عليه السّلام فهو فصيل أمير المؤمنين عليه السّلام قتلته هذه الامّة كما قتلت قوم صالح فصيل الناقة و لو أنّهم استبقوا الحسين عليه السّلام و ندموا إلى ما أتوا إلى أبيه من الخذلان و قاموا معه إلى الجهاد لعفى اللّه سبحانه عن قديم ذنوبهم كما كان يعفو عن قوم صالح لو استبقوا الفصيل و ندموا على قتل الناقة على أنّ الناقة كانت لهم محض خير كانت تأتي إلى أبوابهم واحد بعد واحد طرفي النهار و تقف حتّى يأخذوا منها ما يكفيهم من اللبن فما عقروها إلاّ تعنّتا على نبيّهم و عنادا له،و كذا كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام كما وصف نفسه طبيب دوّار بطبّه قد أحكم مراهمه و أحمى مواسمه فإنّه عليه السّلام كان يدور عليهم بمراهم علمه يشفي به سقام جهلهم و من كان لا ينتفع به لعناده كان دواءه السيف و السوط التي هي مواسمه عليه السّلام فيقوى الشبه من هذا الوجه.و من جهة اخرى و هو أنّ الحامل لمن عقر الناقة امرأة شمطاء زرقاء و كان الحامل على قتله عليه السّلام قطامة اختها في الكفر و الشبه.وجهة اخرى أيضا و هو أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام كما كان آية للّه بقوله:و أيّ آية للّه أعظم منّي كان آية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان أعظم دلائل النبوّة سيفه عليه السّلام الذي قام به منابر الإسلام و محاريبها و خاف سطوته أهل الملك و الملكوت و أرعد عالم الأمر و عالم الخلق و مع ذلك كلّه كان يقول:أنا عبد من عبيد محمّد.

قال أبو جعفر بن بابويه:يعني عبد طاعة لا عبد رقّ و هو حسن و قد تمّ به ذلك المقام نعم،يبقى الكلام مع الصدوق رحمه اللّه في تأويله و متابعة الأكثر له على الحاجة إليه و هو أنّا نفرض الكلام في محلّ آخر و يظهر منه بنوع من التقريب عدم الحاجة إلى هذا التأويل و هو أنّه ورد عن السادة الأطهار عليهم السّلام:الناس عبيدنا و بنا على الحاجة إلى ذلك التأويل هناك يحتاج إليه هنا،لأنّ الناس ليسوا عبيدا رقاق.

و قال صلّى اللّه عليه و اله يوم الغدير:«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»،و يحمل على ذلك أيضا و عند التحقيق لا حاجة إلى ذلك التأويل و ذلك أنّ عبد الرق يجب طاعته لمولاه لا مطلقا بل موارد خاصّة،و أمّا نحن فيجب علينا طاعتهم عليهم السّلام في جميع الموارد و لو كان بما فيه سفك المهج و خوض الحجج.

و إن قلت:إنّ عبد الرق هو الذي يكون من خواصّه قبول العتق و نحوه؟فنقول:إنّ من

ص: 87

كان مختارا في عتق رقابنا من النار و إبقائها في عذاب الجبّار كان له هذا العتق الظاهري المجازي و إن كان جواز البيع من خصائص عبد الرق؟

قلنا:لا دليل على أنّه لا يجوز بيعنا لهم عليهم السّلام بل الدليل قائم على أنّهم أولى منّا بأنفسنا و أهلينا و أولادنا،و أولادنا فمن كان أولى بالنفس جاز له التصرّف فيها على ما أراد و على أيّ ضرب شاء و منه جواز البيع.

و إن قلت:إنّ الرق له أسباب خاصّة كالشراء و الاستنقاذ من أيدي الكفّار و الاعتراف من المجهول؟

قلنا:هذه الأسباب كلّها حاصلة فينا؛أمّا الأوّل:فما ورد في الأخبار من أنّ الشيعة زمن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام لمّا أذاعوا أسرار الأئمّة عليهم السّلام و أعانوا على قتلهم أراد اللّه سبحانه أن يأخذهم بالموت و العذاب فأوحى ذلك إليه عليه السّلام فقال عليه السّلام:أمّا إذا كان ذلك فأنا أشري شيعتي بنفسي و أقيهم بروحي فقبضه اللّه تلك السنة إليه بدلا عن الشيعة و لا ثمن أعلى و أغلى من هذا الثمن.

و أمّا الثاني:فهم عليه السّلام استنقذونا من كفّار الجنّ و الإنس و مردة الشياطين و أدخلونا دار الإسلام و محلّ الأمان.

و أمّا الثالث فما أعلم أنّ أحدا من الشيعة يعترف بغير ذلك بل يقطع على أنّه عبد رق لهم على أنّ عبوديّتنا للّه سبحانه ليس إلاّ من قبيل عبوديّتنا لهم عليهم السّلام و هناك لا تأويل فليكن هنا أيضا.

و بالجملة فالذي أتحقّقه من تتبّع الأخبار أنّ الناس كلّهم عبيد رقّ لهم عليهم السّلام يجري عليهم ما يجري عليهم.

و أمّا قوله عليه السّلام:أنا عبد من عبيد محمّد؛فإن شئت له تأويل الصدوق طاب ثراه فلا مشاحة و قد تقدّم حسنه.

[في]البصائر،عن ابن حنظلة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:إنّ لي إليك حاجة،قال:

و ما هي؟قلت؛تعلّمني الاسم الأعظم قال:و تطيقه؟

قلت:نعم،قال:فدخل البيت فوضع يده على الأرض فاظلمّ البيت فأرعدت فرائص عمر بن حنظلة فقال:ما تقول أعلّمك؟

ص: 88

فقال:لا،فرفع يده فرجع البيت كما كان (1).

أقول: قد أخفى اللّه سبحانه الاسم الأعظم في جملة أسمائه الحسنى كما أخفى كثيرا من الامور لحكم و مصالح لا يخفى بعضها كليلة القدر و وليّ اللّه.

و ورد في بعض الأخبار أنّ الاسم الأعظم هو اللّه يعني هذا اللفظ،و في بعض آخر أنّه في بسم اللّه الرحمن الرحيم،و في بعضها أنّه في سورة التوحيد إلى غير ذلك،و لعلّ حكمة منه المحافظة على كلّ الأسماء الحسنى حتّى يدخل هو تحتها كما أخفى ليلة القدر في الثلاث المعروفة حتّى يحافظ على العبادة فيها كلّها و كما أخفى وليّه بين الخلق حتى يحترم الجميع إلى غير ذلك.

[في]الخرائج و الجرائح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نزل أبو جعفر عليه السّلام بواد خباه و خرج يمشي حتّى انتهى إلى نخلة يابسة فحمد اللّه عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ثمّ قال:

أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك قال:فتساقط رطب أحمر و أصفر فأكل و معه أبو اميّة الأنصاري فأكل منه و قال؛هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيّا (2).

و في حديث آخر ثمّ انحنت النخلة فأخذ منها رطبا فيكون أرجح من آية مريم عليه السّلام.

و فيه أيضا عن أبي بصير قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام فقلت لهما:أنتما ورثة رسول اللّه؟

قال:نعم،قلت:فرسول اللّه وارث الأنبياء علم كما علموا؟

فقال:نعم،فقلت:تقدرون على أن تحيوا الموتى و تبرأوا الأكمه و الأبرص؟

قال:نعم،فقال:ادن منّي يا أبا محمّد فمسح على عيني و وجهي فأبصرت السماء و الأرض و كلّ شيء في الدار قال:أفتحبّ أن تكون هكذا و لك ما للناس و عليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت و لك الجنّة خالصا؟

قلت:أعودكما كنت،فمسح على عينيّ فعدت كما كنت (3).3.

ص: 89


1- -بصائر الدرجات:230،و بحار الأنوار:27/27 ح 6.
2- -المناقب:321/3،و الخرائج و الجرائح:299/1.
3- -بحار الأنوار:237/46،و الكافي:470/1 ح 3.

أقول: فيه إشعار بأنّ العمى و أمثاله ممّا يكفّر الذنوب كلّها الصغائر منها و الكبائر.

الورشان

و عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كنت عنده يوما إذ وقع عليه زوج ورشان فهد لا هديلهما فرد عليهما كلامهما ثمّ نهضا.

فلمّا صارا على الحائط هدل الذكر على الانثى ساعة ثمّ نهضا،فقلت:جعلت فداك ما حال هذا الطير؟

فقال عليه السّلام:يا ابن مسلم كلّ شيء خلقه اللّه من طير و بهيمة أو شيء فيه روح هو أطوع لنا من ابن آدم إنّ هذان الورشان جاء الذكر يتّهم انثاه بالسوء فحلفت له ما فعلت فلم يقبل فقالت:ترضى بمحمّد بن عليّ فرضيا بي و أخبرته أنّه لها ظالم فصدّقها.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:مرّ أبو جعفر عليه السّلام بالهجين و معه أبو اميّة الأنصاري زميله في محمله فنظر و إذا ورشان في جانب المحمل فرفع يده ليذبّه عنه فقال عليه السّلام:يا أبا اميّة إنّ هذا طائر جاء يستجير بنا أهل البيت و أنّي دعوت اللّه فانصرفت عنه حيّة كانت تأتيه كلّ سنة فتأكل فراخه (1).

مجيء الذئب إليه عليه السلام

و عن محمّد بن مسلم قال:كنت مع أبي جعفر عليه السّلام بين مكّة و المدينة إذ أقبل ذئب حتّى دنى إليه و وضع يده على قربوس السرج و مدّ عنقه إلى اذنه ساعة ثمّ قال له:امض فقد فعلت،فرجع مهرولا قال:أتدري ما قلت؟

قلت:لا،قال:قال لي:يا ابن رسول اللّه زوجتي في ذلك الجبل قد تعسّر عليها ولادتها فادع اللّه أن يخلّصها و لا يسلّط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم،فقلت:قد فعلت،فمرّ عليه السّلام فمكث في ضيعته شهرا.

فلمّا رجع فإذا هو بالذئب و زوجته و جرو عووا في وجهه عليه السّلام فأجابهم بمثل عوائهم بكلام يشبهه ثمّ قال لنا عليه السّلام:قد ولد له جرو ذكر و كانوا يدعون اللّه لي و لكم بحسن الصحابة

ص: 90


1- -مستدرك الوسائل:291/8،و بحار الأنوار:24/62 ح 39.

و دعوت لهم بمثل ما دعوا لي و أمرتهم أن لا يؤذوا لي وليّا و لا لأهل بيتي ففعلوا و ضمنوا لي ذلك (1).

و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة فقال:يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فأنشده قصيدة فقال:يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت ثمّ أنشده قصيدة اخرى فأمر له ببدرة ثمّ أنشده قصيدة ثالثة فأمر له ببدرة من ذلك البيت فقال الكميت:جعلت فداك ما أحبّكم لغرض الدّنيا و ما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدعا له أبو جعفر عليه السّلام ثمّ قال:يا غلام ردّها مكانها فوجدت في نفسي،و قلت:قال ليس عندي درهم و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم فخرج الكميت و قلت له:كيف قلت ما عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم؟

فقال:يا جابر قم و ادخل البيت فدخلت فلم أجد شيئا فخرجت إليه فقال:يا جابر ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا لكم فأخذ بيدي و أدخلني البيت و ضرب برجله الأرض فإذا شبه عنق البعير قد خرجت من ذهب ثمّ قال:انظر إلى هذا و لا تخبر به أحدا إلاّ من تثق به من إخوانك إنّ اللّه أقدرنا على ما نريد و لو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها (2).

فيه عذاب ابن آدم

و عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:إنّ رجلا بالمدينة-يعني نفسه-عليه السّلام قد أتى المكان الذي به ابن آدم فرآه معقولا معه عشرة متوكلين به يستقبلون به الشمس حيث ما دارت بالصيف يوقدون حوله النار،فإذا كان الشتاء صبّوا عليه الماء البارد كلّما هلك رجل من العشرة أقام أهل القرية رجلا مكانه و هو يعذّب في الدّنيا و الآخرة (3).

و في كتاب الاختصاص عن سدير قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا أبا الفضل إنّي لأعرف رجلا من أهل المدينة أخذ قبل مطلع الشمس و قبل مغربها إلى البقية الذين قال اللّه: وَ مِنْ

ص: 91


1- -دلائل الأمامة:260،و المناقب:322/3.
2- -بصائر الدرجات:396،و دلائل الأمامة:224.
3- -الأختصاص:316،و بحار الأنوار:239/11.

قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ (1) لمشاجرة كانت بينهم فأصلح فيما بينهم و رجع و لم يقعد فمر بنطفكم-يعني الفرات-فشرب منه و مرّ على بابك فدق عليك حلقة بابك ثمّ رجع إلى منزله و لم يقعد (2).

أقول: المراد بهما أهل جابلقا و جابرصا الذين تطلع الشمس من دونهما و تغرب قبل الوصول إليهما كما سيأتي بيان أحوالهما إن شاء اللّه تعالى.

حديث درجان

[في]الخرائج،روى ابن عتيبة قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فدخل رجل فقال:أنا من أهل الشام أتولاّكم و أبي كان يتولّى بني اميّة و كان له مال كثير و لم يكن له غيري و كان مسكنه بالرملة و كان له مكان يتحلى فيه.

فلمّا مات طلبت المال و لم أظفر به و لا شكّ أنّه دفنه و أخفاه منّي،قال عليه السّلام:أتحبّ أن تراه و تسأله أين موضع ماله؟

قال:إي و اللّه إنّي لفقير محتاج،فكتب عليه السّلام كتابا و ختمه بخاتم ثمّ قال:انطلق الليلة إلى البقيع ثمّ ناد يا درجان فإنّه يأتيك رجل معتمّ فادفع كتابي و قل أنا رسول محمّد بن عليّ فإنّه سيأتيك فسله عمّا بدا لك،فانطلق بالكتاب.

فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر عليه السّلام لأنظر ما حال الرجل فرأيت الرجل على الباب فدخلنا جميعا فقال الرجل:انطلقت البارحة و فعلت ما أمرت فأتاني الرجل فقال:لا تبرح من موضعك حتّى آتيك به فأتاني برجل أسود فقال:هذا أبوك؟

قلت:ما هو أبي،قال:غيّره اللهب و دخّان الجحيم و العذاب الأليم قلت:أنت أبي؟ قال:نعم كنت أتولّى بني اميّة فعذّبني اللّه بذلك و كنت أنت تتولّى بأهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فكنت أبغضك على ذلك و حرمتك مالي فزويته عنك و أنا من النادمين فانطلق يا بني إلى بستاني و احفر تحت الزيتونة و خذ المال مائة ألف درهم و ادفع إلى محمّد بن عليّ خمسين ألفا و الباقي لك،و أنا منطلق حتّى آخذ المال و آتيك بمالك.

ص: 92


1- -سورة الأعراف:159.
2- -الأختصاص:318،و بحار الأنوار:243/11.

فلمّا كان من قابل أتى بخمسين ألف درهم أنفقها عليه السّلام على نفسه و على أهل الحاجة من أهل البيت (1).

و عن أبي بصير قال:كنت أقرأ امرأة القرآن بالكوفة فمازحتها بشيء.

فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السّلام عاتبني و قال:من ارتكب الذنب في الخلا لم يعبأ اللّه به أيّ شيء قلت للمرأة؟فغطّيت وجهي حياء و تبت،فقال أبو جعفر عليه السّلام؛لا تعد (2).

و عن أبي الصباح الكناني قال:صرت يوما إلى دار أبي جعفر عليه السّلام فقرعت الباب فخرجت إليّ و صيفة ناهد-يعني ارتفع ثديها-فضربت بيدي على رأس ثديها فقلت لها:

قولي لمولاك إنّي بالباب،فصاح من آخر الدار ادخل لا امّ لك،فدخلت و قلت:و اللّه ما قصدت ريبة،فقال:صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذا لا فرق بيننا و بينكم،فإيّاك أن تعاود لمثلها (3).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:ورد في تفسير قوله تعالى: قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (4)إنّ المؤمنين هم أهل البيت عليهم السّلام و أنّ كلّ من يعمل منّا عملا و من غيرنا في مشارق الأرض و مغاربها يرونه وقت ذلك العمل و هذا العصر لصاحب الزمان عليه السّلام فهو الذي يرانا وقت العمل و ينظر إلينا نظر اطّلاع لا خبر،و الويل لنا من هذه الخجالة التي لا يقوم لها قائم.

و روي أيضا في الأحاديث الصحيحة أنّ الملكين اللذين يكتبان أعمال ابن آدم في وقت المساء و الصباح و إذا أرادا العروج بعمل العبد إلى السماء عرضوها أوّلا على أرواح الأئمّة عليهم السّلام واحدا واحدا بعد عرضها على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله حتّى ينتهوا بها إلى إمام العصر عليه السّلام فيقرأها و يصلح ما كان قابلا للإصلاح منها و يستغفر لمن كان من أهل الإستغفار و هذا أيضا تفسير للآية،و الظاهر أنّ عامل القبيح لو تحقّق هذا المعنى بعين بصيرته لكان له زاجرا كما أنّه لو تحقّقه عند نيّة العمل الصالح كان له باعثا.5.

ص: 93


1- -الخرائج و الجرائح:598/2،و بحار الأنوار:245/46.
2- -بحار الأنوار:247/46 ح 35.
3- -الخرائج و الجرائح:273/1 ح 2.
4- -سورة المؤمنون:105.

و عن جابر الجعفي قال:كنّا عند الباقر عليه السّلام نحوا من خمسين رجلا فدخل عليه كثير النوا و كان من المغيرية فجلس و قال:إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أنّ معك ملكا يعرّفك الكافر من المؤمن و شيعتك من أعدائك؟

قال:ما حرفتك؟

قال:أبيع الحنطة،قال:كذبت قال:و ربما أبيع الشعير قال:ليس كما قلت،بل تبيع النوا،قال:من أخبرك بهذا؟

قال:الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي لست تموت إلاّ تائها يعني فاسد العقل.

فلمّا صرنا إلى الكوفة مات بعد ثلاثة.

أقول: المغيريّة أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الذي ادّعى أنّ الإمامة بعد محمّد بن عليّ بن الحسين لمحمّد بن عبد اللّه بن لحسن و زعم أنّه حيّ لم يمت و كان من البترية بتقديم(الباء)الموحّدة لقول الصادق عليه السّلام فيهم:بترونا حقّنا بتر اللّه أعمارهم (1).

و عن أبي بصير قال:كنت مع الباقر في المسجد إذ دخل عمر بن عبد العزيز متّكئا على مولى له فقال عليه السّلام:ليلينّ هذا الغلام فيظهر العدل و يعيش أربع سنين ثمّ يموت فيبكي عليه أهل الأرض و يلعنه أهل السماء،يجلس مجلس لا حقّ له فيه ثمّ ملك و أظهر العدل جهده (2).

يقول المؤلّف عفى اللّه تعالى عنه:تقدّم الكلام في حال ابن عبد العزيز و أنّ الأخبار متعارضة في حاله و نحن من المتوقّفين فيه.

و عن سعد الاسكاف قال:طلبت الإذن على أبي جعفر عليه السّلام فقيل لي:لا تعجل فعنده قوم من إخوانكم فلم ألبث أن خرج اثنا عشر رجلا يشبهون الزط عليهم أقبية طيبات و بتوت و خفاف فسلّموا و مرّوا فدخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقلت:ما أعرف هؤلاء الذين خرجوا،فقال:هؤلاء أقوام من اخوانكم الجنّ،قلت:و يظهرون لكم؟

قال:هل يفدون علينا في حلالهم و حرامهم كما تفدون.6.

ص: 94


1- -الخرائج و الجرائح:275/1،و بحار الأنوار:250/46.
2- -مدينة المعاجز:180/5،و بحار الأنوار:251/46.

أقول: الزط بالفتح جيل من الهند و البت الطيلسان (1).

[عن]محمّد بن مسلم قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:هل ظننتم انّا لا نراكم و لا نسمع كلامكم لبئس ما ظننتم؟

قلت:أرني بعض ما أستدلّ به،قال:وقع بينك و بين زميلك بالربذة حتّى عيّرك بنا و بحبّنا و معرفتنا،قلت:إي و اللّه لقد كان ذلك،قلت:من يحدّثكم بما نحن عليه قال:

أحيانا ينكث في قلوبنا و يوقر في آذاننا و مع ذلك فإنّ لنا خدما من الجنّ مؤمنين و هم لنا شيعة و هم لنا أطوع منكم.

قلنا:مع كلّ رجل واحد منهم؟

قال:نعم يخبرنا بجميع ما أنتم عليه (2).6.

ص: 95


1- -بصائر الدرجات:117،و الخرائج و الجرائح:283/1 ح 16.
2- -الخرائج و الجرائح:288/1،و بحار الأنوار:255/46.

كيفية اقتدارهم عليهم السلام على الأرض

و في كتاب الخرائج عن الأسد بن سعيد قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال:نحن حجّة اللّه و نحن وجه اللّه و نحن عين اللّه في خلقه و نحن ولاة أمر اللّه في عباده ثمّ قال:إنّ بيننا و بين كلّ أرض ترا مثل تر البنا،فإذا أمرنا على الأرض بأمر أخذنا ذلك التر فأقبلت إلينا الأرض بكلتيها و أسواقها و كورها حتّى تتعذ فيها من أمر اللّه ما أمرنا و أنّ الريح كما كانت مسخّرة لسليمان فقد سخّرها اللّه لمحمّد و آله صلّى اللّه عليه و اله (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:التر بالضمّ خيط البنا و الكورة بالضمّ المدينة و الصقح و الجمع كور بضمّ(الكاف)و فتح(الواو).

و في المناقب في حديث جابر الجعفي:أنّه لمّا شكت الشيعة إلى زين العابدين عليه السّلام ما يلقونه من بني اميّة دعى الباقر عليه السّلام و أمره أن يأخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و يحرّكه تحريكا فمضى إلى المسجد فصلّى و دعى و أخرج من كمّه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك و أعطاني طرفا منه فمشيت رويدا فقال عليه السّلام:قف يا جابر فحرّك الخيط تحريكا خفيفا ثمّ قال عليه السّلام:اخرج فانظر ما حال الناس،فخرجت و إذا صياح و صراخ من كلّ ناحية و إذا زلزلة شديدة قد أخربت عامّة دور المدينة و هلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان.

فلمّا خرجنا من المسجد قال عليه السّلام:هذا الخيط من بقيّة ما ترك آل موسى و هارون تحمله الملائكة و يضعه جبرئيل لدينا (2).

أقول: البيوت التي خرّبت بالزلزلة دور بني اميّة و محبّيهم و الّذين ماتوا تحتها منهم لعنة اللّه عليهم.

ص: 96


1- -الخرائج و الجرائح:288/1،و بصائر الدرجات:81.
2- -المناقب:317/3،و نوادر المعجزات:122.

مسخ هذه الامّة

و عن أبي بصير قال:قلت للباقر عليه السّلام:ما أكثر الحجيج و أعظم الضجيج،فقال:بل ما أكثر الضجيج و أقلّ الحجيج،أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله و تراه عيانا؟فمسح يده على عينيه فعاد بصيرا فقال:انظر فنظرت فإذا أكثر الناس قردة و خنازير و المؤمن منهم مثل الكوكب اللاّمع في الظلماء،فقال:صدقت يا مولاي ثمّ دعا فعاد ضريرا فقال:ما بخلنا عليك و إن كان اللّه تعالى ما ظلمك و إنّما خار لك و خشينا فتنة الناس بنا و أن يجهلوا فضل اللّه علينا و يجعلونا أربابا من دون اللّه و نحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته (1).

حكاية الوزغة

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ أبي كان قاعدا في الحجر و معه يحدّثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال:أبى للرجل أتدري ما يقول هذا الوزغ؟

فقال الرجل:لا علم لي بما يقول،فقال:يقول:و اللّه لئن ذكرت الثالث لأسبنّ عليّا حتّى يقوم من هاهنا (2).

و عن أبي بكر الحضرمي قال:لمّا حمل أبو جعفر عليه السّلام إلى الشام إلى هشام و صار ببابه فقال لأصحابه:إذا سكت عن توبيخه فوبّخوه أنتم.

فلمّا دخل عليه قال بيده السلام عليكم،فعمّهم بالسلام ثمّ جلس و لم يسلّم عليه بالخلافة و جلس بغير إذنه فازداد هشام حنقا فقال:يا محمّد بن علي لا تزال تدّعي الإمامة سفها و قلّة علم ثمّ وبّخه القوم.

فلمّا أسكتوا نهض قائما فقال:أين تذهبون و أين يراد بكم؟بنا هدى اللّه أوّلكم و بنا يختم آخركم فإن يكن لكم ملك معجل فإنّ لنا ملكا مؤجّلا و ليس بعد ملكنا ملك لأنّا أهل العاقبة يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فأمر به إلى الحبس.

فلمّا صار بالحبس تكلّم فلم يبق فيه أحد إلاّ ترشفه فحكوا لهشام فأمر به و بأصحابه

ص: 97


1- -المناقب:318/3،و بحار الأنوار:261/46.
2- -الحدائق الناظرة:195/4،و الكافي:323/8 ح 305.

بأن يحمل على البريد ليردّ إلى المدينة و أمر أن لا تخرج لهم الأسواق و حال بينهم و بين الطعام و الشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما و لا شرابا حتّى انتهوا إلى باب المدينة فأغلق باب المدينة دونهم فشكى أصحابه العطش و الجوع فصعد جبلا أشرف عليهم، فقال عليه السّلام بأعلى صوته:يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ و كان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال:يا قوم هذه و اللّه دعوة شعيب عليه السّلام و اللّه لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم و من تحت أرجلكم فصدّقوني هذه المرّة و أطيعوني و كذّبوني فيما تستأنفون فإنّي ناصح لكم فبادروا و أخرجوا له الأسواق (1).

صحيفة الشيعة

علي بن أبي حمزة و أبو بصير قالا:كان لنا موعد[مع] (2)أبي جعفر عليه السّلام فدخلنا عليه فقال:يا سكينة هلمي بالمصباح هلمي بالسفط الذي في موضع كذا،فأتت بسفط هندي أو سندي ففضّ خاتمه ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء فأخذ يدرجها من أعلاها و ينشرها من أسفلها حتّى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ فأرعدت فرائصي فقال:لا بأس عليك ثمّ قال:

ادنه فدنوت فقال لي:ما ترى؟

قلت:اسمي و اسم أبي و أسماء أولاد لي لا أعرفهم،فقال لي:يا عليّ لولا لك عندي ما ليس لغيرك ما أطلعتك،امّا أنّهم سيزدادون على عدد ما هاهنا.قال عليّ بن أبي حمزة:فمكثت بعد ذلك عشرين سنة ثمّ ولد لي الأولاد بعد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة (3).

ص: 98


1- -بحار الأنوار:264/46،و مستدرك سفينة البحار:352/9.
2- -زيادة من المصدر.
3- -المناقب:325/3،و بحار الأنوار:266/46.

حقيقة ملكوت السماوات و الأرض

و عن جابر بن يزيد قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ فدفع عليه السّلام بيده و قال:ارفع رأسك فرفعت فوجدت السقف متفرّقا و رمق ناظري في ثلمة حتّى رأيت نورا حاد عنه بصري فقال:هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات،و انظر إلى الأرض ثمّ ارفع رأسك.

فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان ثمّ أخذ بيدي و أخرجني من الدار و ألبسني ثوبا و قال:أغمض عينيك ساعة،ثمّ قال:أنت في الظلمات التي رآها ذو القرنين ففتحت عيني فلم أر شيئا ثمّ تخطّا خطا و قال:أنت على رأس عين الحياة للخضر ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتّى تجاوزنا خمسه فقال:هذه ملكوت الأرض،ثمّ قال:أغمض عينيك و أخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها و خلع عنّي ما كان ألبسنيه فقلت:جعلت فداك كم ذهب من اليوم؟

فقال:ثلاث ساعات (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان في دار أبي جعفر عليه السّلام فاختة فسمعها و هي تصيح، فقال:تدرون ما تقول هذه الفاختة؟

قالوا:لا،قال:تقول:فقدتكم فقدتكم نفقدها قبل أن يفقدنا ثمّ أمر بذبحها.

الكشي عن إسماعيل بن أبي حمزة قال:ركب أبو جعفر عليه السّلام يوما إلى حائط له من حيطان المدينة فركبت معه و معنا سليمان بن خالد فقال له سليمان:جعلت فداك يعلم الإمام ما في يومه؟

فقال عليه السّلام:يعلم ما في يومه و شهره و سنته؛أما علمت أنّ روحا ينزل عليه ليلة القدر فيعلم ما في تلك السنة إلى مثلها من قابل و ما يحدث في الليل و النهار و السّاعة ترى ما يطمئن إليه قلبك فما سرنا إلاّ نحو ميل حتّى قال:الساعة يستقبلك رجلان قد سرقا سرقة

ص: 99


1- -المناقب:326/3،و بحار الأنوار:268/46.

فما سرنا حتّى استقبلنا الرجلان،فقال لغلمانه:عليكم بالسارقين فأتوا بهما فحلفا ما سرقنا فقال:لئن لم تخرجا ما سرقتما لأبعثنّ إلى الموضع الذي وضعتما فيه سرقتكما و لأبعثنّ إلى الذي سرقتماه حتّى يرفعكما إلى والي المدينة فأبيا أن يردّا ما سرقا قال:فانطلق أنت يا سليمان إلى ذلك الجبل و اصعد أنت و هؤلاء الغلمان فإنّ في قلّة الجبل كهفا و ادخل و استخرج ما فيه فإنّ فيه سرقة لرجل سوف يأتي،فصعدت إلى الكهف و استخرجت منه عيبتين و قر الرجلين فأتيت بهما إليه فرجعنا إلى المدينة.

فلمّا أصبحنا أخذ بأيدينا و أدخلنا على والي المدينة و قد دخل المسروق منه برجال براء فقال:هؤلاء سرقوني فقال عليه السّلام:هؤلاء براء و سرّاقه عندي،ثمّ قال للرجل:ما ذهب لك قال:عيبة فيها كذا و كذا فادّعى ما ليس له فقال عليه السّلام:لم تكذب؟

فقال:أنت أعلم بما ذهب منّي فأمر بعيبته و سلّموها إليه و قال للوالي:عندي عيبة اخرى لرجل آخر من أهل بربر سيأتيك بعد أيّام فارشده إليّ،و أمّا هذان السارقان فاقطعهما فقال أحدهما:لم تقطعنا و لم نقرّ على أنفسنا بشيء؟

فقال:ويلكما شهد عليكما من لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته فلمّا قطعهما قال أحدهما:و اللّه يا أبا جعفر لقد قطعتني بحقّ و ما سرّني أنّ اللّه جلّ و علا أجرى توبتي على يد غيرك و انّ لي جائزة المدينة و أنتم أهل بيت النبوّة تنزل عليكم الملائكة، فرقّ له أبو جعفر عليه السّلام و قال:أنت على خير ثمّ قال:و اللّه لقد سبقته يده قبله إلى الجنّة بعشرين سنة فما لبثنا حتّى جاء البربري إلى الوالي فأرشده إلى أبي جعفر عليه السّلام فأتاه فقال له:

ألا أرشدك إلى ما في عيبتك قبل أن تخبرني؟

فقال:إن أنت أخبرتني علمت أنّك إمام فرض اللّه طاعتك،فقال عليه السّلام:ألف دينار لك و ألف دينار لغيرك و من الثياب كذا و كذا و اسم الرجل محمّد بن عبد الرحمن و هو على الباب ينتظرك.فقال البربري:أشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب اللّه عنكم الرجس و طهّركم تطهيرا،فقال أبو جعفر عليه السّلام:رحمك اللّه،فقال سليمان:حججت بعد ذلك بعشر سنين و كنت أرى الأقطع من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام (1).6.

ص: 100


1- -المناقب:319/3،و بحار الأنوار:272/46.

حال معاوية بعد موته لعنه اللّه

[في]كتاب الاختصاص عن الصادق عليه السّلام قال:كنت أسير مع أبي في طريق مكّة فلمّا صرنا بوادي ضجنان خرج علينا رجل في عنقه سلسلة يسحبها فقال:يا ابن رسول اللّه أسقني سقاك اللّه فتبعه رجل آخر فاجتذب السلسلة و قال:يا ابن رسول اللّه لا تسقه لا سقاه اللّه،فقال:يا جعفر عرفت هذا؟هذا معاوية لعنه اللّه (1).

[و عن]جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كنّا عنده و ذكروا سلطان بني اميّة فقال:لا يخرج على هشام أحد إلاّ قتله و ذكر ملكه عشرين سنة فجزعنا فقال:ما لكم إذا أراد اللّه عزّ و جلّ يهلك سلطان قوم أمر الملك فأسرع بسير الفلك فقدر على ما يريد (2).

أقول: و روي عنه عليه السّلام في حديث آخر:أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق منذ خلق السماوات سنين و لا أيّاما أقصر من سنينهم و أيّامهم إنّ اللّه عزّ و جلّ يأمر الملك الذي في يده الفلك فيطويه طيّا.

قال شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى:يمكن أن يكون طيّ الفلك و سرعته في السير كناية عن تهيئة أسباب زوال ملكهم و أن يكون لكلّ ملك دولة فلك غير الأفلاك المعروفة السير و يكون الإسراء و الإبطاء في حركة ذلك الفلك ليوافق ما قدر لهم من عدد دورانه، انتهى (3).

و يمكن أن يقال:إنّ سرعة الدوران في هذه الأفلاك و أنّ ما ينقص من أعمار غيرهم في مدّة ملكهم يزاد لهم في أعوام اخر حتّى ينتهي العمر كمّا و كيفا،و أمّا الذي يقوله المنجّمون من أنّ الفلك إذا زال عن هذه الحركة اختلط النظام فهو قول الزنادقة كما قال عليه السّلام في بعض الأخبار.

ص: 101


1- -الأختصاص:275،و بحار الأنوار:248/6.
2- -مدينة المعاجز:208.
3- -الكافي:341/8 ح 538،و بحار الأنوار:534/31 ح 41.

[في]الكافي عن النعمان بن بشير قال:كنت مزاملا لجابر الجعفي.

فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السّلام فودّعه،و خرج من عنده و هو مسرور حتّى قربنا الكوفة فإذا نحن برجل طوال أدم معه كتاب فناوله جابرا فقبّله و وضعه على عينيه فإذا هو من محمّد بن علي إلى جابر بن يزيد و عليه طين أسود رطب فقال له:متى عهدك بسيّدي؟

قال:الساعة بعد الصلاة ففكّ الخاتم و أقبل يقرأه و يقبض وجهه حتّى أتى على آخره فما رأيته ضاحكا حتّى دخل الكوفة فبتّ ليلتي فأصبحت و أتيته و قد خرج إليّ و في عنقه كعاب علّقها و قد ركب قصبة و هو يقول:أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور،و أبياتا من نحو هذا فنظر و نظرت إليه و أقبلت أبكي و قد اجتمع علينا الصبيان و الناس و أقبل يدور مع الصبيان و الناس يقولون جنّ جابر فو اللّه ما مضت الأيّام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى و اليه أن انظر رجلا يقال له جابر الجعفي فابعث إليّ برأسه،فقال لجلسائه:من جابر؟

قالوا:كان رجلا له علم و فضل و هو ذا مع الصبيان يلعب و قد جنّ فأشرف عليه و قال:الحمد للّه الذي عافاني من قتله و لم تمض الأيّام حتّى دخل منصور بن جمهور الكوفة و صنع ما كان يقول جابر و لمّا مات هشام رجع إلى حاله الأوّل من العلم و الصلاح (1).6.

ص: 102


1- -الكافي:396/1 ح 7،و بحار الأنوار:282/46.

الفصل الثاني

اشارة

في مكارم أخلاقه و خروجه إلى الشام و أحوال أصحابه عليه السلام

و جملة من مناقبه صلوات اللّه عليه

[في]كتاب الإرشاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ محمّد بن المنكدر قال:أردت أن أعظ محمّد ابن علي فوعظني؛إنّي خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمّد بن علي و كان رجلا بدينا و هو متّك على غلامين أسودين فقلت في نفسي:

شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدّنيا لأعظنّه،فسلّمت عليه و قد تصبّب عرقا فقلت:اللّه أصلحك اللّه شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدّنيا لو جاءك الموت و أنت على هذا الحال؟

فقال عليه السّلام:لو جاءني الموت و أنا على هذا الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات اللّه تعالى كفّ بها نفسي عنك و عن الناس و إنّما كنت أخاف الموت لو جاءني و أنا على معصية من معاصي اللّه،فقلت:يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني (1).

و روي عنه عليه السّلام إنّه سئل عن الحديث ترسله و لا تسنده فقال:إذا حدّثت الحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ.

[عن]أبو نعيم في الحلية قالوا:الكريم بن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و كذلك السيّد ابن السيّد ابن السيّد ابن السيّد محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليه السّلام (2).

و قال له نصراني:أنت بقر،قال:لا،أنا باقر،فقال:أنت ابن الطبّاخة،قال:ذاك

ص: 103


1- -الإرشاد:161/2،و بحار الأنوار:287/46.
2- -مسند الرضا:14،و الإرشاد:167/2.

حرفتها،قال:أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة،قال:إن كنت صدقت غفر اللّه لها و إن كنت كذبت غفر اللّه لك،قال:فأسلم النصراني (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:فقد أبي بغلة له فقال:لئن ردّها اللّه تعالى لأحمدنّه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بها بسرجها و لجامها.

فلمّا استوى عليها و ضمّ إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال:الحمد للّه،ثمّ قال:ما تركت و لا بقيت شيئا جعلت كلّ أنواع المحامد للّه عزّ و جلّ فما من حمد إلاّ و هو داخل فيما قلت.

و كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون حتّى يطعمهم الطعام الطيّب و يكسوهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم و يقول:ما حسنة الدّنيا إلاّ صلة الإخوان و المعارف و كان يجيز بالخمسمائة إلى الألف و قال:اعرف المودّة لك في قلب أخيك بما له في قلبك و كان لا يسمع من داره:يا سائل بورك و لا يا سائل خذ هذا و كان يقول:سمّوهم بأحسن أسمائهم (2).

أحاديث محمّد بن مسلم

[عن]الكشّي،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ثلاثين ألف حديث و سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ستّة عشر ألف حديث (3).

[في]الكافي عن الحكم بن عتيبة قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو في بيت مزيّن و عليه قميص رطب ملحفة مصبوغة و أثر الصبغ على عاتقه فجعلت أنظر إلى البيت و أنظر إلى هيئته فقال:ما تقول في هذا؟

قلت:ما تقول و أنا أراه عليك فإنّما عندنا فإنّما يفعله الشاب المراهق أي المقارب بالذنوب فقال:يا حكم من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده،فأمّا هذا البيت الذي ترى فهو

ص: 104


1- -المناقب:337/3،و بحار الأنوار:289/46 ح 12.
2- -بحار الأنوار:190/46 ح 15،و و تفسير القرآن:288/1.
3- -كتاب الطهارة:248/3،و الأختصاص:201.

بيت المرأة و أنا قريب العهد بالعرس و بيتي البيت الذي تعرف (1).

و عن مالك بن أعين قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و عليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة فتبسّمت حين دخلت فقال:اعلم أنّك ضحكت من هذا الثوب الذي عليّ،إنّ الثقفيّة أكرهتني عليه و أنا أحبّها فأكرهتني على لبسها،ثمّ قال:إنّا لا نصلّي في هذا و لا تصلّوا في المشبع المضرج يعني شديد الحمرة ثمّ دخلت عليه و قد طلّقها.قال:سمعتها تبرأ من عليّ عليه السّلام فطلّقتها.

[عن]الحسن الزيّات،قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام أنا و صاحب لي فإذا هو في بيت مزيّن و عليه ملحفة وردية و قد حفّ لحيته و اكتحل فسألناه عن مسائل و خرجنا فقال:

إذا كان غدا ائت أنت و صاحبك فدخلت عليه من الغد و إذا هو في بيت ليس فيه حصير و إذا عليه قميص غليظ فقال لصاحبي:يا أخا أهل البصرة إنّك دخلت عليّ أمس و أنا في بيت المرأة و كان أمس يومها و البيت بيتها و المتاع متاعها فتزيّنت لي على أن أزيّن لها كما تزيّنت لي فلا يدخل في قلبك شيء،فقال:كان و اللّه دخل في قلبي،فأمّا الآن فقد ذهب و قد علمت أنّ الحقّ فيما قلت (2).

و عن بزيع قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو يأكل خلاّ و زيتا في قصعة سوداء مكتوب في وسطها بصفره:قل هو اللّه أحد فأكلت معه ثمّ حسى من المايلات حسيات حين لم يبق من الخبز شيء ثمّ ناولني فحسوت البقية (3).

أقول: فيه إشعار بأنّه يستحبّ كتابة قل هو اللّه أحد في الإناء الذي يؤكل فيه.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان أبي عليه السّلام إذا أحزنه أمر جمع النساء و الصبيان ثمّ دعا و أمّنوا (4).

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:دخل قوم على أبي جعفر عليه السّلام فرأوه مختضبا فقال:إنّي رجل أحبّ النساء فأتصنّع لهنّ (5).1.

ص: 105


1- -الكافي:446/6 ح 1،و بحار الأنوار:292/46 ح 18.
2- -الكافي:448/6 ح 13،و بحار الأنوار:293/46.
3- -الدعوات:146 ح 381،و الكافي:298/6 ح 14.
4- -الدعوات:29 ح 44،و الكافي:487 ح 3.
5- -منتقى الجمان:122/1.

شدّ الأسنان بالذهب

و عن محمّد بن مسلم قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام يمضغ علكا فقال:يا محمّد نقضت الوسمة أضراسي فمضغت هذا العلك لأشدّها قال:و كانت استرخت فشدّها بالذهب (1).

و عن عبد اللّه بن سليمان قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن العاج،فقال:لا بأس و أنّ لي منه لمشطا (2).

و عن الحكم بن عتيبة قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد أخذ الحنّاء و جعل على أظافيره فقال:يا حكم ما تقول في هذا؟

فقال:ما عسيت أن أقول فيه و أنت تفعله و أنّ عندنا يفعله الشبّان فقال:إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرتها حتّى تشبه أظافير الموتى فغيّرها بالحنّاء (3).

و عن أحمد بن عبدوس قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد خرج من الحمّام و هو من قرنه إلى قدمه مثل الوردة من أثر الحنّاء (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أعتق أبو جعفر عليه السّلام من غلمانه عند موته شرارهم و أمسك خيارهم فقلت:يا أبة تعتق هؤلاء و تمسك هؤلاء؟

فقال:إنّهم قد أصابوا منّي ضربا فيكون هذا بهذا (5).

و عن يونس بن يعقوب عن بعض أصحابنا قال:كان قوم أتوا أبا جعفر عليه السّلام فوافقوا صبيّا له مريضا فرأوا منه اهتماما و غمّا و جعل لا يقرّ فقالوا:و اللّه لئن أصابه شيء إنّا لنتخوّف أن نرى منه ما نكره فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحالة التي كان عليها فقالوا له:قد كنّا نخاف ممّا نرى منك ما يغمّنا فقال:إنّا لنحبّ أن نعافى فيمن نحبّ فإذا جاء أمر اللّه سلّمنا فيمن نحبّ (6).

ص: 106


1- -كتاب الصلاة:353،و الكافي:483/6 ح 3.
2- -الحدائق الناظرة:564/5،و الكافي:489/6 ح 6.
3- -الكافي:509/6 ح 2،و بحار الأنوار:299/46 ح 38.
4- -الكافي:509/6 ح 4،و الحدائق الناظرة:547/5.
5- -الكافي:56/7 ح 13،و الحدائق الناظرة:639/22.
6- -الكافي:226/3 ح 14،و بحار الأنوار:301/46 ح 44.

و عن أبي عبيدة قال:كنت زميل أبي جعفر عليه السّلام و كنت أبدأ بالركوب ثمّ يركب هو فإذا استوينا سلّم و سأل مسائله من لا عهد له بصاحبه فقلت:يا ابن رسول اللّه إنّك لتفعل شيئا ما يفعله من قبلنا و إن فعل مرّة فكثير فقال:أما علمت ما في المصافحة إنّ المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فما تزال الذنوب تتحات عنهما كما تتحات الورق عن الشجر و اللّه ينظر إليهما حتّى يفترقا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:في كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إذا استعملتم ما ملكت أيمانكم في شيء فيشقّ عليهم فاعملوا معهم فيه قال:كان أبي ليأمرهم فيقول كما أنتم فيأتي فينظر فإن كان ثقيلا قال:بسم اللّه ثمّ عمل معهم و إن كان خفيفا تنحّى عنهم (2).

غسل الميّت غسل الجنابة

[في]الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل:سئل عن الميّت لم يغسل غسل الجنابة؟

قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة فإذا تمّت له أربعة أشهر قالوا؛يا ربّ تخلق ماذا؟فيأمرهم بما يريد من ذكر أو انثى،أبيض أو أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه لنطفة بعينها منه كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو انثى فلذلك يغسّل الميّت غسل الجنابة (3).

حديث خروجه إلى الشام

و روى السيّد ابن طاووس رحمه اللّه في كتاب أمان الأخطار مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:حجّ هشام بن عبد الملك و كان قد حجّ تلك السنة محمّد بن علي الباقر و ابنه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام فقال جعفر بن محمّد عليه السّلام:الحمد للّه الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا

ص: 107


1- -الكافي:179/2 ح 1،و بحار الأنوار:302/46 ح 47.
2- -مستدرك الوسائل:459/15 ح 10،و بحار الأنوار:303/46.
3- -الحدائق الناظرة:74/3،و الكافي:162/3.

و أكرمنا به فنحن صفوة اللّه على خلقه و خيرته من عباده و خلفاؤه،فالسعيد من اتّبعنا و الشقيّ من عادانا و خالفنا فسمعه مسلمة أخو هشام فأخبر هشام.

فلمّا انصرف إلى دمشق أرسل إلى عالم المدينة باشخاص أبي و إشخاصي،فلمّا وردنا دمشق حجبنا ثلاثا ثمّ أذن لنا فدخلنا و هو على سرير الملك و جنده و خواصّه وقوف على أرجلهم سماطان متسلحان و قد نصب الغرض حذاه و أشياخ قومه يرمون فقال:يا محمّد ارم مع أشياخ قومك.

فقال أبي:قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني،فقال:لا أعفيك ثمّ أومى إلى شيخ من بني اميّة اعطه قوسك فأعطاه و أخذ منه سهما و رمى وسط الغرض فنصبه فيه ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فواق سهمه إلى نصله ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضا في جوف بعض و هشام يضطرب في مجلسه فقال:أجدت يا أبا جعفر و أنت أرمى العرب و العجم ثمّ أدركته ندامة على ما قال،فهمّ بأبي و أطرق إلى الأرض يتروّى و أنا و أبي واقف حذاه.

فلمّا طال وقوفنا غضب أبي و كان إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه.

فلمّا نظر هشام إلى ذلك من أبي قال:إليّ يا محمّد فصعد أبي السرير و أنا أتبعه فقام إليه و اعتنقه و أقعده عن يمينه ثمّ اعتنقني و أقعدني عن يمين أبي ثمّ قال:يا محمّد لا تزال العرب و العجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك للّه درّك من علّمك هذا الرمي و في كم تعلّمته؟

فقال أبي:قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيّام حداثتي ثمّ تركته فلمّا أراد منّي أمير المؤمنين ذلك عدّت فيه فقال له:ما رأيت مثل هذا الرمي قط منذ عقلت و ما ظننت أنّ أحدا في الأرض أحدا[يرمي] (1)مثل هذا الرمي،أيرمي جعفر مثل رميك؟

فقال:إنّا نحن نتوارث الكمال و التمام اللذين أنزلهما اللّه على نبيّه في قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و الأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الامور التي يقصر غيرنا عنها،فانقلبت عين هشام الحولاء و احمرّ وجهه و كان ذلك علامة غضبه ثمّر.

ص: 108


1- -زيادة من المصدر.

أطرق هنيهة و رفع رأسه فقال لأبي:ألسنا بنو عبد مناف نسبنا و نسبكم واحد؟

فقال أبي:نحن كذلك و لكنّ اللّه خصّنا من مكنون سرّه و خالص علمه بما لم يخصّ به أحدا به غيرنا،فقال:أليس اللّه جلّ ثناؤه بعث محمّدا إلى كافّة الخلق،فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم من العلم؟

فقال:من قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ الذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا أمره اللّه أن يخصّنا به فلذلك ناجا عليّا من دون أصحابه فأنزل اللّه بذلك: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:سألت اللّه أن يجعلها اذنك يا علي،فلذلك قال علي بالكوفة:

علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ألف باب من العلم ففتح كلّ باب ألف باب فكما خصّ اللّه نبيّه عليه السّلام خصّ نبيّه أخاه عليّا من مكنون سرّه فتوارثناه من دون أهلنا،فقال هشام:إنّ عليّا كان يدّعي علم الغيب و اللّه لم يطلع على غيبه أحدا،فمن أين ادّعى ذلك؟

فقال أبي:إنّ اللّه جلّ ذكره أنزل على رسوله كتابا بيّن فيه ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و في قوله: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ و في قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و أوحى اللّه إلى نبيّه أن لا يبقي في غيبه و سرّه و مكنون علمه شيئا إلاّ يناجي به عليّا و أمره أن يؤلف القرآن من بعده و يتولّى تجهيز موته.

و قال لأصحابه:عليّ بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، و لم يكن عند أحد تأويل القرآن بتمامه إلاّ عند عليّ و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:أقضاكم عليّ يعني قاضيكم و قال عمر:لولا عليّ لهلك عمر فأطرق هشام طويلا ثمّ رفع رأسه فقال:

سل حاجتك،فقال:خلّفت أهلي و عيالي مستوحشين لخروجي،فقال:قد آنس اللّه وحشتهم برجوعك إليهم و لا تقم أكثر من يومك،فنهض أبي و نهضت معه و خرجنا إلى بابه؛إذا ميدان ببابه و في آخر الميدان اناس قعود عدد كثير فقال أبي:من هؤلاء؟

قيل:القسيسون و الرهبان و هذا عالم لهم يقعد لهم في كلّ سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم،فلفّ أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه و فعلت أنا مثل أبي فأقبل حتى قعد نحوهم و رفع ذلك الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي،فأقبل عدد من المسلمين أحاطوا بنا و أقبل عالم النصارى قد شدّ حاجبيه بخرقة صفراء حتّى

ص: 109

توسطنا فقام إليه جميع القسيسين و الرهبان مسلّمين عليه فجاء إلى صدر المجلس و قعد فيه و أحاط به أصحابه و أبي و أنا بينهم فأدار نظره ثمّ قال:امنّا امّن هذه الامّة المرحومة فقال:

من الامّة المرحومة؟

فقال:أمن علمائها أم من جهّالها؟

فقال:لست من جهّالها فاضرب اضطرابا شديدا ثمّ قال له:أسألك؟قال أبي:سل، فقال:من أين ادّعيتم أنّ أهل الجنّة يطعمون و يشربون و لا يحدثون و لا يبولون و ما الدليل فيما تدّعونه من شاهد لا يجهل؟فقال أبي:الجنين في بطن امّه يطعم و لا يحدث فاضطرب النصراني فقال:هلاّ زعمت أنّك لست من علمائها؟

فقال له أبي:و لا من جهّالها،فقال:أسألك عن مسألة اخرى،فقال أبي:سل،فقال:

من أين ادّعيتم أنّ فاكهة الجنّة أبدا غضّة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنّة و ما الدليل عليه من مشاهد لا يجهل؟

فقال له أبي:دليل ما ندّعي أنّ سراجنا أبدا يكون غضّا طريّا موجود غير معدوم عند جميع أهل الدّنيا لا ينقطع فاضطرب اضطرابا شديدا فقال له:أسألك عن مسألة فقال له:

سل،فقال:أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل و لا من ساعات النهار؟

فقال له أبي:هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلا و يرقد فيها الساهر و يفيق المغمى عليه جعلها اللّه في الدّنيا رغبة للرّاغبين و في الآخرة للعاملين فصاح النصراني صيحة فقال:بقيت مسألة واحدة لا يهتدى إلى الجواب عنها أبدا قال له أبي:سل.

فقال:أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة و عمر الآخرة مائة و خمسون سنة في دار الدّنيا فقال له أبي:ذلك عزير و عزيرة ولدا في يوم واحد.

فلمّا بلغا مبلغ الرّجال خمسة و عشرين عاما مرّ عزير راكبا على حماره على قرية بانطاكية و هي خاوية على عروشها فقال:أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها و قد كان اصطفاه و هداه.

فلمّا كان قال ذلك القول غضب اللّه عليه فأماته مائة عام سخطا عليه بما قال ثمّ بعثه على حماره بعينه و طعامه و شرابه و عاد إلى داره و عزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه

ص: 110

و بعث إليه ولد عزيرة و ولد ولده و قد شاخوا و عزير شاب في سنّ خمس و عشرين سنة فلم يزل عزير يذكّر أخاه و ولده و هم يذكرون ما يذكّرهم و يقولون:ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون و الشهور حتّى تعارفا فقال:يا عزيرة أنا عزير سخط اللّه عليّ فأماتني مائة سنة ثمّ بعثني لنزداد بذلك يقينا إنّ اللّه على كلّ شيء قدير و هاهو فا حماري و طعامي و شرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده اللّه تعالى كما كان فعندها أيقنوا فأعاشه اللّه بينهم خمس و عشرين سنة ثمّ قبضه اللّه و أخاه في يوم واحد.

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما و قام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم:

جئتموني بأعلم منّي و أقعدتموه معكم حتّى هتكني و فضحني و أعلم المسلمين بأنّ لهم من أحاط بعلومنا و عنده ما ليس عندنا لا و اللّه لا كلّمتكم من رأسي كلمة واحدة و لا قعدت لكم إن عشت سنة،فتفرّقوا و أبي قاعد مكانه.

و رفع الخبر إلى هشام فأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا،لأنّ الناس ماجوا و خاضوا فيما دار بين أبي و بين عالم النصارى فركبنا و قد سبقنا بريد من هشام إلى عامل المدينة على طريقنا إنّ ابني أبي تراب الساحرين محمّد بن علي و جعفر بن محمّد الكذّابين فيما يظهران من الإسلام ما لا إلى الرهبان من النصارى و مرقا من الإسلام إلى الكفر فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي فناد في الناس برئت الذمّة ممّن يشاريهما أو يبايعهما أو يسلّم عليهما فإنّهما ارتدّا عن الإسلام،فورد البريد إلى مدينة مدين.

فلمّا شارفناها قدّم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا و يشروا لدوابنا علفا و لنا طعاما فأغلقوا الباب في وجوهنا و شتمونا و قالوا:أنتم مرتدّون فكلّمهم أبي و قال لهم:اتّقوا اللّه فلسنا كما بلغكم افتحوا الباب في وجوهنا و بايعونا كما تبايعون الكفّار،فقالوا:و لا كرامة لكم حتّى تموتوا على ظهور دوابّكم جياعا،فصعد أبي الجبل المطلّ على مدينة مدين ينظرون إليه ما يصنع.

فلمّا صار في أعلاه استقبل المدينة و وضع اصبعيه في اذنيه ثمّ نادى بأعلى صوته وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (1)إلى قوله: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ4.

ص: 111


1- -سورة هود:84.

لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) .

نحن و اللّه بقيّة اللّه في أرضه فأمر اللّه ريحا سوداء مظلمة فهبّت و احتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرّجال و النساء فصعدوا السطوح و صعد فيهم شيخ من أهل مدين فنظر إلى أبي على الجبل فنادى بأعلى صوته:اتّقوا اللّه يا أهل مدين فإنّه وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السّلام حين دعى على قومه فإن أنتم لم تفتحوا الباب جاءكم من اللّه العذاب ففزعوا و فتحوا الباب و أنزلونا و كتب جميع ذلك إلى هشام فكتب هشام إلى عامل مدين بقتل الشيخ فقتله و كتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سمّ أبي في طعام أو شراب فمضى هشام و لم يتهيّأ في أبي من ذلك شيء (2).

يقول مؤلّف الكتاب أعانه اللّه في طاعته:إنّ صاحب الخرائج روى أنّ الديراني أسلم مع أصحابه على يديه عليه السّلام و ما تضمّنه هذا الخبر من أنّ تلك الساعة ليست من ساعات الليل و لا النهار مع وقوع الإجماع من الشيعة على أنّها من ساعات النهار،فأوّل تارة بإرادة أنّها لا تشبه ساعات الليل و لا ساعات النهار لاعتدال الهواء و الوقت فيها فهي تشبه ساعات الجنّة،و اخرى بأنّه عليه السّلام أجابه على ما هو معتقده و ثابت عنده و هذا جار في كثير من الموارد.

[في]الخرائج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يقول:أنا من ولد الحسن و أولى بذلك لأنّي من ولد الأكبر فقاسمني ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فخاصمه إلى القاضي إلى أن قال:فقال أبي:يا زيد إنّ معك سكّينة قد أخفيتها أرأيت إن نطقت هذه السكّينة فشهدت أنّي أولى بالحقّ منك فتكفّ؟

قال:نعم،و حلف له فقال أبي:أيّتها السكّينة انطقي بإذن اللّه فوثبت السكّينة من يد زيد على الأرض ثمّ قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ منك و لئن لم تكفّ لأقتلنّك فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقام ثمّ قال:يا زيد إن نطقت الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟

قال:نعم،فنطقت الصخرة و قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أولى بالأمر منك فكفّ6.

ص: 112


1- -سورة هود:86.
2- -مستدرك الوسائل:79/14،و بحار الأنوار:307/46.

عنه و إلاّ قتلتك،فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقامه ثمّ قال:يا زيد أرأيت إن نطقت هذه الشجرة أتكفّ؟

قال:نعم،فدعى أبي الشجرة فأقبلت تحذ الأرض حتّى أظلّتهم ثمّ قال:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ بالأمر منك فكفّ عنه و إلاّ قتلتك فغشي على زيد فأقامه أبي و انصرفت الشجرة إلى موضعها،فحلف زيد أن لا يتعرّض لأبي و لا يخاصمه و خرج زيد من يومه إلى عبد الملك و قال:أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه و قصّ ما رأى و كتب عبد الملك إلى عامل المدينة أن ابعث إليّ محمّد بن عليّ مقيّدا و قال لزيد:أرأيتك إن ولّيتك قتله قتلته؟

قال:نعم،فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب أنّ الرجل الذي أردته ليس على وجه الأرض أعفّ منه و لا أزهد و لا أورع و كرهت لأمير المؤمنين التعرّض له.

فلمّا ورد الكتاب على عبد الملك سرّ بما انهي إليه الوالي و علم أنّه قد نصحه فدعى بزيد بن الحسن فأقرأه الكتاب فقال:أعطاه و أرضاه فقال عبد الملك:فهل تعرف أمرا غير هذا؟

قال:نعم عنده سلاح رسول اللّه و سيفه و درعه و خاتمه و عصاه و تركته فاكتب إليه فيه،فإن هو لم يبعث به وجدت إلى قتله سبيلا،فكتب عبد الملك إلى العامل أن احمل إلى محمّد بن علي ألف ألف درهم و ليعطك ما عنده من ميراث رسول اللّه،فأتى العامل منزل أبي فأقرأه الكتاب فقال:أجّلني أيّاما،قال:نعم،فهيّأ أبي متاعا ثمّ حمله و دفعه إلى العامل فبعث به إلى عبد الملك و سرّ به سرورا شديدا فأرسل إلى زيد فعرض عليه،فقال زيد:و اللّه ما بعث إليك من متاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قليلا و لا كثيرا.

فكتب عبد الملك إلى أبي:أنّك أخذت مالنا و لم ترسل إلينا بما طلبنا فكتب إليه أبي:إنّي قد بعثت إليك بما قد رأيت فصدّقه عبد الملك و أهل الشام و قالوا:هذا متاع رسول اللّه ثمّ أخذ زيدا و قيّده و بعث به و قال:لولا أنّي اريد أن لا أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك،و كتب إلى أبي:بعثت إليك بابن عمّك فاحسن أدبه،فلمّا أتى به قال له أبي:

ويحك يا زيد ما أعظم ما تأتي به.

و قال:إنّ عبد الملك إلى الباقر عليه السّلام سرجا مسموما فركب عليه و نزل متورّما فأمر

ص: 113

بأكفان له و مات بعد ثلاثة أيّام و ذلك السرج عند آل محمّد معلّق (1).

أقول: لا يخفى ما فيه من الإشكال و ذلك أنّ الذي سمّه عليه السّلام إنّما كان هشام بن عبد الملك و لذلك قيل:يحتمل أنّه سقط من الرواة أو النسّاخ.

و فيه أيضا عن الباقر عليه السّلام قال:إنّ عبد الملك لمّا نزل به الموت مسخ وزغا فكان عنده أولاده و لم يدروا كيف يصنعون و ذهب ثمّ فقدوه فأجمعوا على أن أخذوا جذعا وضعوه كهيئة رجل و ألبسوا الجذع ثمّ كفّنوه بالأكفان و لم يطّلع عليه أحد إلاّ أولاده و أنا (2).

[في]الاختصاص عن أبي حمزة قال:دخل سعد بن عبد الملك و كان أبو جعفر عليه السّلام يسمّيه سعد الخير و هو من ولد عبد العزيز بن مروان على أبي جعفر عليه السّلام فبينا هو ينشج كما تنشج النساء قال له أبو جعفر عليه السّلام:ما يبكيك يا سعد؟

قال:كيف لا أبكي و أنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له:لست منهم أنت اموي منّا أهل البيت أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ يحكي عن إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (3)(4).

[في]المناقب،قال الباقر عليه السّلام لكثير:امتدحت عبد الملك؟

فقال:ما قلت له يا إمام الهدى و إنّما قلت يا أسد و الأسد كلب و يا جبل و إنّما هو حجر أصمّ،فتبسّم عليه السّلام و أنشأ الكميت بين يديه شعر:

من لقلب متيّم مستهام *** غير ما صبوة و لا أحلام

فلمّا بلغ إلى قوله:

أخلص اللّه لي هواي *** فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي

فقال عليه السّلام:فقد أغرق ترعا و ما تطيش سهامي،فقال:يا مولاي أنت أشعر منّي في هذا المعنى (5).7.

ص: 114


1- -الثاقب في المناقب:389،و الخرائج و الجرائح:602/2.
2- -الخرائج و الجرائح:284/1،و الكافي:232/8 ح 305.
3- -سورة إبراهيم:36.
4- -الأختصاص:85،و بحار الأنوار:337/46 ح 25.
5- -المناقب:337/3،و بحار الأنوار:3378/46 ح 27.

معنى شعر الكميت

أقول: معناه جعل اللّه محبّتي خالصة لكم فما أبالغ في المدح و لا تخطي سهامي فيه،يقال:أغرق النازع في القوس إذا استوفى مدها ثمّ يقال لكلّ من بالغ في شيء قيل إنّما غيّر عليه السّلام شعره لإبهامه التقصير و عدم الاعتناء بمدحهم عليهم السّلام على أنّ المعنى اللطيف هو ما قصده عليه السّلام و ذلك أنّ المادح إذا غرق في المدح تجاوز الحدّ و ارتكب الكذب و طاشت سهامه عن الهدف،أمّا الذي يمدحهم عليهم السّلام فكلّما بالغ و استغرق في مدحهم يكون به صادقا و سهامه صائبة للشيخ كما قال عليه السّلام:قولوا ما شئتم فينا إلاّ الربوبيّة.

حال عبد اللّه بن المبارك

و عن بكر بن صالح:أنّ عبد اللّه بن المبارك أتى أبا جعفر عليه السّلام فقال:إنّي رويت عن آبائك عليهم السّلام أنّ كلّ فتح بضلال فهو للإمام،فقال:نعم،قلت:جعلت فداك انّهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال و قد تخلّصت ممّن ملكوني بسبب و قد أتيتك مسترقا مستعبدا، قال عليه السّلام:قد قبلت ثمّ أعتقه و كتب له كتابا:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب محمّد بن عليّ الهاشمي العلوي لعبد اللّه بن المبارك فتاه إنّي أعتقتك لوجه اللّه و الدار الآخرة لا ربّ لك إلاّ اللّه و ليس عليك سيّد و أنت مولاي و مولى عقبي من بعدي،و كتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة و مائة و وقّع فيه محمّد بن عليّ بخط يده و ختمه بخاتمه (1).

[في]الكافي عن رجل من بني حنيفة من أهل سجستان قال:رافقت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها أوّل خلافة المعتصم فقلت له:إنّ والينا-جعلت فداك-رجل يتولاّكم أهل البيت و يحبّكم و عليّ في ديوانه خراج فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ،فقال:لا أعرفه،فقلت:جعلت فداك هو على ما ذكرت من محبّته لكم فأخذ القرطاس فكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و أنّ مالك من عملك ما أحسنت فيه فاحسن إلى اخوانك و اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ سائلك عن مثاقيل الذرّ و الخردل.

ص: 115


1- -بحار الأنوار:339/46.

فلمّا ورد سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد اللّه النيشابوري و هو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبّله و وضعه على عينيه و قال لي:حاجتك،قلت:خراج عليّ في ديوانك،فأمر بطرحه عنّي و قال:لا تؤدّ خراجا ما دام لي عمل،ثمّ سألني عن عيالي فأخبرته عنهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا فما أدّيت في عمله خراجا و لا قطع عنّي صلته حتّى مات (1).

[في]الاختصاص،عن جابر الجعفي قال:حدّثني أبو جعفر عليه السّلام سبعين ألف حديث لم أحدّث أحدا قط و لا أحدّث أحدا،فقلت له:جعلت فداك إنّك حملتني وقرا عظيما بما حدّثتني به من سرّكم الذي لا احدّث به أحدا و ربما جاش في صدري حتّى يأخذني منه شبه الجنون،قال عليه السّلام:يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبّانة و احفر حفيرة و دل رأسك فيها ثمّ قل:حدّثني محمّد بن علي بكذا و كذا (2).

و في حديث الكافي:ثمّ طمّه،فإنّ الأرض تستر عليك.قال جابر:ففعلت ذلك فخفّف عنّي ما كنت أجده (3).

[في]الفصول المهمّة:صفة الباقر عليه السّلام أسمر معتدل شاعره الكميت و السيّد الحميري و بوّابه جابر الجعفي و نقش خاتمه ربّ لا تذرني فردا (4).

عليك السلام تحيّة الأموات

[عن]ابن فهد الحلّي قيل:إنّ رجلا ورد على الباقر عليه السّلام بقصيدة مطلعها:عليك السلام أبا جعفر،فلم يمنحه شيئا،فقال:لا تمنحني و قد مدحتك؟

فقال:حييتني تحيّة الأموات؛أما سمعت قول الشاعر:

ألا طرقتنا آخر الليل زينب *** عليك سلام لما فات مطلب

فقلت لها حييت زينب خدنكم *** تحيّة ميّت و هو في الحيّ مشرب

ص: 116


1- -الكافي:111/5 ح 6،و بحار الأنوار:340/46.
2- -الأختصاص:67،و بحار الأنوار:340/46.
3- -الكافي:157/8 ح 149،و بحار الأنوار:344/46.
4- -بحار الأنوار:345/46 ح 29،و مستدرك سفينة البحار:؟

مع أنّه كان يكفيك أن تقول:سلام عليك أبا جعفر (1).

مباحثة الخارجي

[في]الكافي عن الأسدي و محمّد بن مبشر:أنّ عبد اللّه بن نافع الأزرق كان يقول:لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أنّ عليّا قتل النهروان و هو غير ظالم لهم لرحلت إليه،فقيل له:ولده،فقال:في ولده عالم،فقيل:هذا أوّل جهلك عالمهم اليوم محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي،فرحل إليه في صناديد أصحابه إلى المدينة فاستأذن عليه فقيل له:هذا عبد اللّه بن نافع فقال:و ما يصنع بي و هو يبرأ منّي و من أبي طرفي النهار فقيل له:جاء مناظرا فقال:يا غلام اخرج فحط رحله و قل له:إذا كان الغد فأتنا.

فلمّا أصبح غدا في أصحابه و بعث أبو جعفر عليه السّلام إلى جميع أبناء المهاجرين و الأنصار فجمعهم ثمّ خرج إلى الناس في ثوبين أحمرين كأنّه فلقة قمر فخطب و قال في خطبته:يا معشر أبناء المهاجرين و الأنصار من كانت عنده منقبة لعليّ بن أبي طالب فليقم و ليتحدّث،فقام الناس:فسردوا تلك المناقب،فقال عبد اللّه:أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء،و إنّما أحدث على الكفر بعد تحكيمه الحكمين حتّى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر:لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه،فقال عليه السّلام:ما تقول في هذا الحديث؟

فقال:هو حقّ لا شكّ فيه و لكن أحدث الكفر بعد،فقال:ثكلتك امّك أخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أحبّ عليّ بن أبي طالب يوم أحبّه و هو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ قال:فإن قلت:لا،كفرت،قال:فقال:قد علم قال:فأحبّه اللّه على أن يعمل بطاعته أو يعمل بمعصيته؟

فقال:على أن يعمل بطاعته،فقال عليه السّلام:فقم مخصوما،فقام و هو يقول:حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر،اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (2).

أقول: حاصل إلزامه عليه السّلام له أنّ اللّه لا يحبّ من يعلم بزعمك الفاسد أنّه يكفر و يحبط

ص: 117


1- -بحار الأنوار:345/46 ح 29.
2- -الكافي:349/8 ح 548،و بحار الأنوار:157/10.

جميع أعماله.

و عن زيد الشحّام قال:دخل قتادة على أبي جعفر عليه السّلام فقال:يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟

فقال:هكذا يزعمون،قال:بلغني أنّك تفسّر القرآن؟

قال:نعم أفسّره بعلم،قال:أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ في قصّة سبأ وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1)؟

قال قتادة:ذاك من خرج من بيته بزاد و راحلة و كرا حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتّى يرجع إلى أهله،فقال عليه السّلام:هل تعلم أنّه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال و كرا حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق و تذهب نفقته و يضرب مع ذلك ضربة فيها هلاكه؟

فقال قتادة:نعم،فقال:ويحك يا قتادة من خرج من بيته بزاد و راحلة و كرا حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه كما قال اللّه عزّ و جلّ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (2)فنحن دعوة إبراهيم من هوانا قلبه قبلت حجّته و إلاّ فلا،فإذا كان ذلك أمن من عذاب جهنّم يوم القيامة.

قال قتادة:و اللّه لا فسّرتها إلاّ هكذا،فقال:ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به (3).

مذهب الاخباريّين

أقول: قتادة من مشاهير المخالفين في الحديث و التفسير و المشهور بين المفسّرين أنّ هذه الآية لبيان حال تلك القرى في زمان قوم سبأ أي قدّرنا سيرهم في القرى على قدر مقيلهم و مبيتهم لا يحتاجون إلى ماء و لا زاد لقرب المنازل و الأمر في قوله:سيروا،متوجّه إليهم على إرادة القول بلسان الحال أو المقال،و يظهر من هذا الحديث و غيره أنّ الأمر

ص: 118


1- -سورة سبأ:18.
2- -سورة إبراهيم:37.
3- -الكافي:312/8،و بحار الأنوار:238/24.

متوجّه إلى هذه الامّة أو إنّه خطاب عام يشملهم أيضا و في ظاهر هذا الحديث دلالة على ما قاله الاخباريّون من أصحابنا من أنّه لا يجوز تفسير القرآن مطلقا محكما و متشابها إلاّ بالنصّ من الحديث و جوّز الفقهاء منهم تفسير المحكم الظاهر الدلالة بما يوافق اللغة و هي معركة عظيمة بينهم و قد حكينا المحاكمة بينهم عن مقالة ذكرها شيخ الطائفة طاب ثراه في التبيان في شرحينا على التهذيب و الاستبصار و لعلّنا نذكرها في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى.

ص: 119

مسائل متفرّقة

[في]الاحتجاج للطبرسي قال:كان مولانا الباقر عليه السّلام جالسا في الحرم إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه فقال لأبي جعفر عليه السّلام:ائذن لي في السؤال،قال:

أذنا لك،قال:متى هلك ثلث الناس؟

قال:وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس و ذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة آدم و حواء و قابيل و هابيل فهلك ربعهم فقال:وهمت أنا فأيّهما كان أبا الناس القاتل أو المقتول؟

قال:و لا واحد منهما بل أبوهم شيث بن آدم قال:فلم سمّي آدم؟

قال:لأنّه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى،قال:فلم سمّيت حواء؟

قال:لأنّها خلقت من ضلع حيّ يعني ضلع آدم،قال:فلم سمّي إبليس؟

قال:لأنّه أيئس من رحمة اللّه فلم يرجوها،قال:فلم سمّي الجنّ جنّا؟

قال:لأنّهم استجنوا فلم يروا،قال:فأخبرني عن أوّل كذبة كذبت من صاحبها؟

قال:إبليس حين قال:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين،قال:فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ و كانوا كاذبين؟

قال:المنافقين حين قالوا:نشهد أنّك لرسول اللّه فأنزل اللّه إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إلى قوله: وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)قال:فأخبرني عن طير طار مرّة و لم يطر قبلها و لا بعدها ذكره اللّه في القرآن ما هو؟

قال:طور سيناء أطاره اللّه على بني إسرائيل حين أظلمهم يحتاج منه فيه ألوان العذاب حتّى قبلوا التوراة و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ (2)الآية قال:فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالى ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة ذكره

ص: 120


1- -سورة المنافقون:1.
2- -سورة الأعراف:171.

اللّه في كتابه،فقال الغراب:حين بعثه اللّه ليرى قابيل كيف يواري سوءة أخيه هابيل حين قتله قال اللّه عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ (1)

قال:أخبرني عمّن أنذر قومه ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة ذكره اللّه في كتابه؟

قال:النملة حين قالت: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ (2)قال:فأخبرني من كذب عليه ليس من الجنّ و لا الإنس و لا الملائكة ذكره اللّه في كتابه؟قال:الذئب الذي كذب عليه اخوة يوسف،قال:فأخبرني عن شيء قليله حلال و كثيره حرام ذكره اللّه عزّ و جلّ في القرآن؟

قال النهر الذي قال: إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (3)قال:أخبرني عن صلاة مفروضة تصلّى بغير وضوء و عن صوم لا يحجز عن أكل و شرب؟

قال:أمّا الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبيّ و آله عليه و عليهم السلام،و أمّا الصوم فقوله عزّ و جلّ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (4)قال:فأخبرني عن شيء يزيد و لا ينقص و عن شيء ينقص و لا يزيد؟

فقال عليه السّلام:أمّا الشيء الذي يزيد و ينقص فهو القمر و الشيء الذي يزيد و لا ينقص فهو البحر و الشيء الذي ينقص و لا يزيد فهو العمر (5).

[في]المناقب،قال الأبرش الكلبي لهشام مشيرا إلى الباقر عليه السّلام:من هذا الذي احتوشه أهل العراق؟

قال:هذا نبي الكوفة و هو يزعم أنّه ابن رسول اللّه و باقر العلم و مفسّر القرآن فاسأله مسألة لا يعرفها،فأتاه و قال:يا ابن عليّ كم الفترة التي كانت بين محمّد و عيسى عليهما السّلام؟

قال:أمّا في قولنا فسبعمائة سنة،و أمّا في قولك فستّمائة سنة.

قال:فأخبرني عن قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ما الذي يأكل الناس6.

ص: 121


1- -سورة المائدة:31.
2- -سورة النمل:18.
3- -سورة البقرة:249.
4- -سورة مريم:26.
5- -الأحتجاج:64/2،و بحار الأنوار:323/46.

و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

قال:يحشر الناس على مثل قرصة التقى فيها أنهار منفجرة يأكلون و يشربون حتّى يفرغ من الحساب.

قال هشام:قل له:ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟

قال:هم في النار اشغل و لم يشغلوا عن أن قالوا:أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه،فنهض الأبرش و هو يقول:أنت ابن بنت رسول اللّه حقّا،ثمّ صار إلى هشام فقال:دعونا منكم يا بني اميّة فإنّ هذا أعلم أهل الأرض فهذا ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1).

و في شرح حجج أهل السنّة:إنّه قال أبو جعفر عليه السّلام لأبي حنيفة:أنت رجل مشهور و لا أحبّ أن تجلس إليّ فلم يلتفت و جلس فقال لأبي جعفر:أنت الإمام؟

قال:لا،قال:فإنّ قوما بالكوفة يزعمون إنّك إمام؟

قال:فما أصنع بهم؟

قال:تكتب إليهم تخبرهم،قال:لا يطيعون إنّما نستدلّ على من غاب عنّا بمن حضر قد أمرتك أن لا تجلس فلم تطعني و كذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني فلم يقدر أبو حنيفة أن يدخل في الكلام (2).

[في]كشف اليقين،روي أنّ عبد اللّه الليثي قال لأبي جعفر عليه السّلام:بلغني أنّك تفتي في المتعة؟قال:أحلّها اللّه في كتابه و سنّها رسول اللّه و عمل بها أصحابه،فقال:قد نهى عنها عمر؟

قال:فأنت على قول صاحبك و أنا على قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،قال عبد اللّه:فيسرّك أنّ نساؤك فعلن ذلك؟

قال:و ما ذكر النساء هنا يا أحمق إنّ الذي أحلّها في كتابه و أباحها أغير منك و ممّن نهى عنها تكلفا بل يسرك أنّ بعض حرئك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا؟قال:لا، قال:فلم تحرّم ما أحلّ اللّه؟

قال:لا أحرّم و لكن الحائك ما هو لي بكفؤ،قال:فإنّ اللّه ارتضى عمله و رغّب فيه6.

ص: 122


1- -المناقب:329/3.
2- -المناقب:331/3،و بحار الأنوار:356/46.

و زوّجه حورا أفترغب عمّن رغب اللّه فيه و تستنكف عمّن هو كفؤ لحور الجنان كبرا و عتوّا، فضحك عبد اللّه و قال:ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم فصار لكم ثمره و للناس ورقه (1).

[في]الكافي،سأل شاب أبا جعفر عليه السّلام قال:يا عمّ ما أكبر الكبائر؟

قال:شرب الخمر؛إنّه يدخل صاحبه في الزنا و السرقة و قتل النفس التي حرّم اللّه و في الشرك باللّه و أفاعيل الخمر تعلو على كلّ ذنب كما يعلو شجرها على كلّ الشجر (2).6.

ص: 123


1- -كشف الغمة:362/2،و بحار الأنوار:356/46.
2- -الكافي:429/6 ح 3،و بحار الأنوار:358/46.

الفصل الثالث

اشارة

في نوادر أخباره و تاريخ أولاده و أزواجه عليه السلام

و ما يتبع ذلك

[في]الأمالي عن المنهال بن عمر قال:جاء رجل إلى الباقر عليه السّلام فقال:و اللّه إنّي لأحبّكم أهل البيت،قال:فاتّخذ للبلاء جلبابا فو اللّه إنّه لأسرع إلينا و إلى شيعتنا من السيل و بنا يبدأ البلاء ثمّ بكم و بنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم (1).

أقول: روى هذا الحديث في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله:من أحبّنا أهل البيت فليعدّ للفقر جلبابا أي ليزهد في الدّنيا و ليصبر على الفقر و القلّة،و الجلباب الإزار و الرداء.

و قيل:هو كالمقنعة تغطّي بها رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابيب كنّى به عن الصبر لأنّه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن.

و قيل:إنّما كنّى بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي،فليلبس إزار الفقر و يكون منه على حالة تعمّه و تشمله،لأنّ الغنا من أحوال أهل الدّنيا و لا يتهيّأ الجمع كذا في النهاية و المعنى الأخير هو الأقرب.

[في]الكافي،عن الحكم بن عتيبة قال:بينا أنا مع أبي جعفر عليه السّلام و البيت غاصّ بأهله إذ أقبل شيخ يتوكّأ على عنزه فقال:السلام عليك يا ابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته فقال أبو جعفر عليه السّلام:و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ أقبل على أهل البيت و قال:

السلام عليكم فردّوا عليه السلام ثمّ قال:يا ابن رسول اللّه ادنني منك جعلني اللّه فداك فو اللّه إنّي لأحبّكم و أحبّ من يحبّكم و أبغض عدوّكم و أحلّ حلالكم و احرّم حرامكم،و أنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني اللّه فداك؟فأقعده إلى جنبه ثمّ قال:إنّ أبي عليّ بن الحسين أتاه رجل فسأله عن مثل هذا فقال:إن تمت ترد على رسول اللّه و على عليّ و الحسن و الحسين

ص: 124


1- -أمالي الطوسي:154 ح 7،و بحار الأنوار:360/46.

و على عليّ بن الحسين و يثلج قلبك و يبرد فؤادك و تقرّ عينك و تستقبل بالروح و الريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا و أهوى بيده إلى حلقه و إن تعش ترى ما يقرّ اللّه به عينك و تكون معنا في السنام الأعلى يعني أهل الجنّة،فقال الشيخ:كيف قلت يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فأقبل الشيخ ينتحب هاهاها حتّى لصق بالأرض و أقبل أهل البيت ينتحبون لما يرون من حال الشيخ و أقبل أبو جعفر عليه السّلام يمسح دموع الشيخ بإصبعه ثمّ رفع رأسه فقال:يا ابن رسول اللّه ناولني يدك جعلني اللّه فداك فناوله يده فقبّلها و وضعها على عينه و خدّه ثمّ حسر عن بطنه و صدره فوضع يده عليهما ثمّ قام فقال:السلام عليكم و أقبل أبو جعفر عليه السّلام ينظر في قفاه و هو مدبر فقال:من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا،فقال الحكم:لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس،انتهى ملخّصا لفظه (1).

أولاده عليه السّلام

[في]الإرشاد:كان أولاده عليه السّلام سبعة منهم أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد و كان يكنّى به و عبد اللّه بن محمّد امّهما امّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر،و إبراهيم و عبيد اللّه ماتا في حياته عليه السّلام امّهما امّ حكيم الثقفية و عليّ و زينب لامّ ولد و امّ سلمة لامّ ولد (2).

و في كتاب البشائر:إنّه لم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفر الإمامة إلاّ في الصادق عليه السّلام خاصّة و كان أخوه عبد اللّه يشار إليه بالفضل و الصلاح و دخل على بعض بني اميّة فأراد قتله فقال:لا تقتلني أكن للّه عليك عونا و اتركني أكن لك على اللّه عونا يريد بذلك أنّه ممّن يشفع إلى اللّه فيشفعه فلم يقبل ذلك منه و قال:لست هناك و سقاه السمّ (3).

و في المناقب له أولاد سبعة درجوا كلّهم إلاّ أولاد الصادق عليه السّلام (4).

ص: 125


1- -الكافي:76/8 ح 30،و بحار الأنوار:361/46.
2- -كشف الغمة:343/2،و الإرشاد:176/2.
3- -كشف الغمة:344/2،و مستدرك سفينة البحار:400/2.
4- -المناقب:340/3،و بحار الأنوار:366/46.

ص: 126

باب أحوال الإمام الصادق مظهر علوم آبائه الطاهرين جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في ولادته و وفاته و مدّة عمره الشريف و أسمائه و نقش خواتيمه

و النصّ عليه و مكارم أخلاقه و استجابة دعواته

[في]الكافي،ولد أبو عبد اللّه عليه السّلام سنة ثلاث و ثمانين و مضى عليه السّلام في شوّال من سنة ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستّون سنة و دفع بالبقيع،و امّه امّ فروة بنت القاسم بن محمّد و امّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (1).

و في الدروس:ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث و ثمانين و قبض في شوّال،و قيل:في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان و أربعين و مائة عن خمس و ستّين سنة،امّه امّ فروة بنت القاسم بن محمّد.و قال الجعفي:اسمها فاطمة و كنيتها امّ فروة.و في مصباح الكفعمي:ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث و ثمانين و كانت ولادته زمن عبد الملك بن مروان،توفّي عليه السّلام يوم الاثنين في النصف من رجب سنة ثمان و أربعين و مائة مسموما في عنب (2).

ص: 127


1- -الكافي:472/1 ح 6،و بحار الأنوار:3/47.
2- -الأنوار البهية:168.

[في]المناقب عن الجوزي قال:بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه و في يده كتاب فرمى الكتاب إليّ و هو يبكي و قال:هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمّد قد مات فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون ثلاثا،و أين مثل جعفر؟ ثمّ قال لي:اكتب إن كان قد أوصى إلى رجل بعينه فقدّمه و اضرب عنقه،فرجع الجواب إليه إنّه أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور و محمّد بن سليمان و عبد اللّه و موسى ابني جعفر و حميدة.فقال المنصور:ليس على قتل هؤلاء سبيل،و كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة أقام مع جدّه اثنتي عشرة سنة و مع أبيه تسع عشرة سنة.

و كان في سني إمامته ملك إبراهيم بن الوليد و مروان الحمار ثمّ صارت المسودة في أرض خراسان مع أبي مسلم سنة اثنى و ثلاثين و مائة و انتزعوا الملك من بني اميّة و قتلوا مروان الحمار.

ثمّ ملك أبو العبّاس السفّاح أربع سنين و ستّة أشهر و أيّاما ثمّ ملك أخوه أبو جعفر المنصور إحدى و عشرين سنة واحد عشر شهرا و أيّاما و قبض بعد مضيّ سنتين من ملكه و قيل عمره خمسين سنة و قيل:ثمان و ستّين سنة و قيل:إحدى و سبعين سنة،و في أدعية شهر رمضان:و ضاعف العذاب على من أشرك في دمه و هو المنصور (1).

[في]الأمالي،عن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم جعفر بن محمّد عليهما السّلام:اللّه وليّي و عصمتي من خلقه (2).

[في]الخرائج:عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام إنّه قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمّد فسمّوه الصادق فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة كاذبا،فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه و المغيّب في حفظ اللّه فكان كما ذكر (3).

[في]المناقب،كان الصادق عليه السّلام ربع القامة أزهر الوجه حالك الشعر يعني أسوده أشمّ الأنف أي أحسنه و هو ارتفاع قصبة الأنف و حسنها،رقيق البشرة على خدّه خال أسود2.

ص: 128


1- -المناقب:435/3،و الكافي:310/1 ح 13.
2- -أمالي الصدوق:543 ح 5،و الكافي:474/6 ح 8.
3- -الخرائج و الجرائح:269/2 ح 12،و الأحتجاج:49/2.

و على جسده حبلان حمرة و كان اسمه جعفر و يكنّى أبا عبد اللّه و أبا إسماعيل و الخاص أبو موسى،و ألقابه:الصادق و الفاضل و الطاهر و القائم و الكافل و المنجي،و إليه تنسب الشيعة الجعفرية و مسجده في الحلّة (1).

و في الفصول المهمّة:نقش خاتمه ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه أستغفر اللّه (2).

و في الكفعمي:نقش خاتمه:اللّه خالق كلّ شيء (3).

و في المكارم،عن أبي الحسن عليه السّلام:كان نقشه:أنت ثقتي فاعصمني من خلقك (4).

و عن إسماعيل بن موسى:يا ثقتي قني شرّ جميع خلقك (5).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:في خاتمي مكتوب:اللّه خالق كلّ شيء (6).

و عن إبراهيم بن عبد الحميد:أنت ثقتي فقني شرّ خلقك (7).

و في الكافي عن الرضا عليه السّلام:أنت ثقتي فاعصمني من الناس،و قيل غير ذلك و لا منافاة،لأنّ خواتيمه عليه السّلام كانت متعدّدة على تعداد الخواتيم المسنونة بل يوجد منها ما هو مكرّر (8).

[في]بشائر المصطفى عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا حضرت أبي الوفاة قال:يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا،قلت:جعلت فداك و اللّه لادعنهم و الرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا (9).6.

ص: 129


1- -المناقب:400/3،و بحار الأنوار:9/47 ح 5.
2- -الكافي:473/6.
3- -بحار الأنوار:10/47 ح 7.
4- -مكارم الأخلاق:89،و دلائل الأمامة:247.
5- -مكارم الأخلاق:91،و بحار الأنوار:10/47.
6- -الكافي:473/6 ح 2،و بحار الأنوار:10/47.
7- -الكافي:473/6 ح 3،و بحار الأنوار:11/47.
8- -الكافي:473/6 ح 4،و بحار الأنوار:11/47.
9- -الكافي:306/1 ح 1،و شرح أصول الكافي 172/66.

فيه مخرج الضحك و العقل و الحزن و النفس

[في]كتاب النصوص عن محمّد بن مسلم قال:كنت عند الباقر عليه السّلام إذ دخل ابنه جعفر و على رأسه ذؤابة و في يده عصا يلعب بها فأخذه الباقر عليه السّلام و ضمّه إليه ثمّ قال:بأبي أنت و امّي لا تلهو و لا تلعب،ثمّ قال:يا محمّد هذا إمامك بعدي فاقتد به و اقتبس من علمه و هو الصادق الذي وصفه لنا رسول اللّه و أنّ شيعته منصورون و أعداءه ملعونون على لسان كلّ نبيّ،فضحك جعفر عليه السّلام و احمرّ وجهه فالتفت إليّ أبو جعفر عليه السّلام و قال لي:سله،قلت:

يابن رسول اللّه من أين الضحك؟

قال:يا محمّد العقل من القلب و الحزن من الكبد و النفس من الرئّة و الضحك من الطحال،فقمت و قبّلت رأسه (1).

[في]الأمالي،عن محمّد الأزدي قال:سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول:

كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام فيقدّم لي مخدّة و يعرف لي قدرا و كان لا يخلو من أحد ثلاث خصال؛إمّا صائما و إمّا قائما و إمّا ذاكرا،و لقد حججت معه سنة.

فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد أن يخرّ من راحلته فقلت:قل يا ابن رسول اللّه،و لابدّ أن يقول،فقال:يابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللّهم لبّيك و أخشى أن يقول عزّ و جلّ:لا لبّيك و لا سعديك.

[في]العلل،عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ترك أبو عبد اللّه عليه السّلام السواك قبل أن يقبض بسنتين و ذلك أنّ أسنانه ضعفت (2).

و عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:نعي إلى الصادق عليه السّلام ابنه إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه فتبسّم ثمّ دعى بطعامه و قطع ندمائه و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيّام و يحدثّ ندماؤه و يضع بين أيديهم و يعجبون منه أن لا يروا

ص: 130


1- -مستدرك سفينة البحار:235/1،و بحار الأنوار:15/47.
2- -أمالي الصدوق:234،و بحار الأنوار:16/47.

للحزن أثرا.

فلمّا فرغ قالوا:يا ابن رسول اللّه لقد رأينا عجبا أصبت بمثل هذا الابن و أنت كما ترى؟

قال:و ما لي لا أكون كما ترون و قد جاءني خبر أصدق الصادقين إنّي ميّت و إيّاكم،إنّ قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم و سلّموا الأمر لخالقهم (1).

و عن معلّى بن خنيس قال:خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام في ليلة قد رشت السماء و هو يريد ظلّة بني ساعدة فاتّبعته فإذا هو قد سقط منه شيء،فقال:بسم اللّه اللّهم ردّه علينا،فأتيته فسلّمت عليه فقال معلى:قلت:نعم،جعلت فداك،فقال:التمس بيدك فما وجدت من شيء فأدفعه إليّ فإذا أنا بخبز منتشر فجعلت أدفع إليه ما وجدت فإذا أنا بجراب من خبز فقلت:جعلت فداك أحمله عنك فقال:لا،أنا أولى به منك و لكن امض معي فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدسّ الرغيف و الرغيفين تحت ثوب كلّ واحد حتّى أتى على آخرهم ثمّ انصرفنا،فقلت:جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ فقال:لو عرفوا لواسيناهم بالدقّة يعني الملح المدقوق (2).

أقول: لعلّهم كانوا من المستضعفين لا يعاندون على الحقّ و لا يعرفونه.

و في بعض الأخبار:أنّ هؤلاء ممّن يرجى لهم النجاة إمّا لضعف عقولهم أو لعدم إتمام الحجّة عليهم.

[في]بصائر الدرجات،عن معاوية بن وهب قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة و هو راكب حماره فنزل و قد كنّا صرنا إلى السوق فنزل و سجد و أطال السجود و أنا أنتظره ثمّ رفع رأسه فقلت:جعلت فداك رأيتك نزلت فسجدت؟

قال:إنّي ذكرت نعمة اللّه عليّ،قلت:قرب السوق و الناس يجيئون و يذهبون؟قال:

إنّه لم يرني أحد (3).

أقول: سجدة الشكر مستحبّة عند كلّ نعمة و دفع كلّ نقمة حتّى أنّه ورد في الحديث7.

ص: 131


1- -مشكاة الأنوار:526،و بحار الأنوار:18/47.
2- -بحار الأنوار:20/47،و ثواب الأعمال:144.
3- -بصائر الدرجات:515،و الخرائج و الجرائح:757/2 و بحار الأنوار:21/47.

إذا كنت في مجالس المخالفين و ذكرت نعمة للّه عليك و لم تتمكّن من سجود الشكر لأنّهم يذهبون إلى أنّها بدعة فضع يدك على بطنك و انحن توهم أنّ في بطنك وجعا،و كذلك إذا كنت راكبا تضع بطنك على القربوس منحنيا و أوّل من فعلها أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا أمره النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بالمبيت على فراشه ليفديه بنفسه فسجد شكرا للّه سبحانه على وقايته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنفسه و مع ذلك قال أهل السنّة سجدة الشكر بعد الصلاة و غيرها بدعة و هي مذهب اليهود و الرافضة.

[في]الخرائج:روى أنّ الباقر عليه السّلام كان في الحجّ و معه ابنه جعفر عليه السّلام إذ أتاه رجل فسلّم عليه و قال:اريد أن أسألك،فقال:سل ابني جعفرا،فتحوّل إليه و قال:أسألك عن رجل أذنب ذنبا عظيما أفطر يوما في شهر رمضان متعمّدا،قال:أعظم من ذلك؟

قال:زنا في شهر رمضان،قال:أعظم من ذلك؟

قال:قتل النفس،قال:إن كان من شيعة عليّ عليه السّلام مشى إلى بيت اللّه الحرام و حلف أن لا يعود و إن لم يكن من شيعته فلا بأس،فقال له الرجل:رحمكم اللّه يا ولد فاطمة ثلاثا هكذا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،ثمّ إنّ الرجل ذهب فالتفت أبو جعفر عليه السّلام[إلى جعفر] (1)فقال:عرفت الرجل؟[قال:لا قال:] (2)ذلك الخضر إنّما أردت أن أعرفكه (3).

أقول: قوله عليه السّلام؛لا بأس،يعني إنّه ليس له كفّارة و لا تنفعه الكفّارة فهو من باب و من عاد فينتقم اللّه منه،و ذلك لأنّ ما هو عليه من ترك الإيمان أعظم ممّا أتى به من الذنب،و أمّا المشي إلى بيت اللّه الحرام فهو من مكمّلات هذه التوبة لعظم الذنب.

[في]الخرائج:روى أنّ أبا عمارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رأيت في النوم كأنّ معي قناة،قال:كان فيها زج؟

قلت:لا،قال عليه السّلام:لو رأيت فيها زجّا لولد لك غلام لكنّه يولد لك جارية ثمّ مكث ساعة ثمّ قال:كم في القناة من كعب؟

قلت:اثنا عشر كعبا،قال:تلد الجارية اثنتي عشرة بنتا،فحدّثت بهذا الحديث7.

ص: 132


1- -زيادة في المصدر.
2- -زيادة من المصدر.
3- -الخرائج و الجرائح:632/2،.و بحار الأنوار:21/47.

العبّاس بن الوليد فقال:أنا من واحدة منهنّ (1).

أقول: فيه دلالة على أنّ تعبير الرؤيا ليس له قانون كلّي يرجع إليه،و لا يعرفه على حقيقته إلاّ من عرف مواليد الخلق و طباعهم و أمزجتهم و لا يكون إلاّ الإمام عليه السّلام،و أمّا أهل تعبير الرؤيا كابن سيرين و نحوه فتعبيرهم للرؤيا إنّما هو بالقياسات و الاعتبارات و هي تصيب تارة و تخطئ اخرى،و لو أنّ أحدا رأى هذه الرؤيا غير أبي عمارة لم يكن فيه هذا التعبير بعينه لاختلاف حالات الأشخاص.نعم،ورد في الحديث إنّ الرؤيا على ما تعبّر.

و روي أيضا أنّ المنام طائر إذا قصّ وقع فلعلّ وقوع ما يوافق التعبير مبنيّ على هذا و قد حقّقنا الكلام في هذا المقام في المجلّدة الثانية من كتاب كشف الأسرار لشرح الاستبصار و القناة و الرمح و الزج بالضم الحديد في أسفله (2).

[في]المحاسن:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام ربّما[أطعما] (3)الغرابي و الأخبصة ثمّ يطعم الخبز و الزيت فقيل له:لو دبّرت أمرك حتّى يعتدل؟

فقال:إنّما تدبيرنا من اللّه إذا وسّع اللّه علينا وسعنا و إذا أقتر قتّرنا.

أقول: الغرابي الخبز فيه السكّر و الخبيص طعام معمول من التمر و السمن.

و عن عبد الأعلى قال:أكلت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فدعى و أتى بدجاجة محشوّة و بخبيص فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:هذه أهديت لفاطمة ثمّ قال:يا جارية ائتينا بطعامنا المعروف،فجاءت بثريد خلّ و زيت (4).

و عن أبي الهياج قال:كان جعفر بن محمّد يطعم حتّى لا يبقي لعياله شيء.

أقول: هذا محمول على طعام خاصّ يتصدّق منه و يبقي لهم من غيره.

[في]كتاب الفنون:نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم فتوهمّ أنّ هميانه سرق فخرج فرأى جعفر الصادق عليه السّلام مصلّيا و لم يعرفه فتعلّق به و قال له:أنت أخذت همياني قال:ما كان فيه (5)؟7.

ص: 133


1- -الخرائج و الجرائح:639/2،و بحار الأنوار:22/47.
2- -التحفة السنية:319.
3- -زيادة من المصدر.
4- -المحاسن:400/2،و بحار الأنوار:22/47 ح 22.
5- -مستدرك الوسائل:206/7،و بحار الأنوار:23/47.

قال:ألف دينار فحمله إلى منزله و وزن له ألف دينار و عاد إلى منزله و وجد هميانه فعاد إلى جعفر عليه السّلام معتذرا بالمال فأبى قبوله،قال:شيء خرج من يدي لا يعود إليّ فسأل الرجل عنه فقيل:هذا جعفر الصادق،قال:لا جرم هذا فعال مثله.

دخل السلمي على الصادق عليه السّلام فوجده عليلا فدعا له فأعطاه أربعمائة و سأله سائل حاجة فقضاها فجعل الرجل يشكر،فقال عليه السّلام،شعر:

إذا ما طلبت خصال الندى *** و قد عظك الدهر من جهده

فلا تطلبنّ إلى كالح *** أصاب اليساره من كدّه

و لكن عليك بأهل العلى *** و من ورث المجد عن جدّه (1)

أقول: هذا الذي أصاب الغنا من التعب و الكدّ يكون شحيحا لأنّه جديد الغنا،و يقال بالفارسية نوكيسه.

و في الحديث عنه عليه السّلام:لئن أدخل يدي في فم التنين إلى المرفق خير من أن أسأل من لم يكن فكان (2).

[في]كتاب الروضة:دخل سفيان الثوري على الصادق عليه السّلام فرآه متغيّر اللون سأله عن ذلك،فقال:كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت فدخلت فإذا جارية من جواري ممّن تربّي بعض ولدي قد صعدت في سلّم و الصبي معها.

فلمّا أبصرت بي ارتعدت و تحيّرت و سقط الصبي إلى الأرض فمات فما تغيّر لوني لموت الصبي و إنّما تغيّر لوني لما أدخلت عليها من الرعب،فقال لها:أنت حرّة لوجه اللّه تعالى لا بأس عليك مرّتين (3).

و عنه عليه السّلام،شعر:

تعصي الأله و أنت تظهر حبه *** هذا لعمر كله في الفعال قبيح

لو كان حبك صادقا لأطعته *** أن المحب لمن يحب مطيع

و عنه عليه السّلام،شعر:7.

ص: 134


1- -المناقب:395/3،و بحار الأنوار:24/47.
2- -السرائر:622/3،و الحدائق الناظرة:40/18.
3- -المناقب:395/3،و بحار الأنوار:24/47.

علم المحبّة واضح لمريده *** و أرى القلوب عن المحجّة في عما

و لقد عجبت لهالك و نجاته *** موجودة و لقد عجبت لمن نجا (1)

و قال عليه السّلام،شعر:

اعمل على مهل فإنّك ميّت *** و اختر لنفسك أيّها الإنسانا

فكأنّما قد كان لم يك إذ مضى *** و كأنّما هو كائن قد كانا (2)

و له عليه السّلام،شعر:

في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا *** و للبرية نحن اليوم برهان

نحن البحور التي فيها لغايصكم *** درّ ثمين و ياقوت و مرجان

مساكن القدس و الفردوس نملكها *** و نحن للقدس و الفردوس خزّان

من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه *** و من أتانا فجنّات و ولدان (3)

قال الصادق عليه السّلام لضريس الكناسي:لم سمّاك أبوك ضريسا؟

قال:كما سمّاك أبوك جعفرا،قال:إنّما سمّاك أبوك ضريسا بجهل،لأنّ لإبليس ابنا يقال له ضريس و إنّ أبي سمّاني جعفرا بعلم على اسم نهر في الجنّة (4).

[عن]ابن أبي حفصة قال:لمّا مات الباقر عليه السّلام قلت لأصحابي:انتظروني حتّى أدخل على جعفر بن محمّد فأعزّيه فدخلت عليه فعزّيته فقلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ذهب و اللّه من كان يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فلا يسأل عمّن بينه و بين رسول اللّه،فسكت ساعة ثمّ قال عليه السّلام:قال اللّه عزّ و جلّ:إنّ من يتصدّق بشقّ تمرة فأربيها له كما يربّي أحدكم فلوه حتّى أجعلها له مثل أحد فخرجت إلى أصحابي فقلت:ما رأيت أعجب من هذا كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بلا واسطة فقال لي أبو عبد اللّه:قال اللّه عزّ و جلّ بلا واسطة (5).

[في]المناقب،ينقل عن الصادق عليه السّلام ما لا ينقل عن أحد و قد جمع أصحاب7.

ص: 135


1- -أمالي الصدوق:578 ح 5،و بحار الأنوار:180/2 ح 2.
2- -أمالي الصدوق:578 ح 6،و بحار الأنوار:180/2 ح 2.
3- -المناقب:397/3،و بحار الأنوار:25/47.
4- -المناقب:397/3،و بحار الأنوار:26/47.
5- -بحار الأنوار:27/47 ح 27.

الحديث أسماء الرواة من الثقاة على اختلافهم في الآراء و المقالات و كانوا أربعة آلاف رجل (1).

و روى عنه مالك و الشافعي و أبو حنيفة.

و كانت امّ أبي حنيفة في حبالة الصادق عليه السّلام.و جاء إليه أبو حنيفة يوما ليسمع منه فخرج عليه السّلام يتوكّأ على عصاء،فقال له أبو حنيفة:يا ابن رسول اللّه ما بلغت من السنّ ما يحتاج معه إلى العصا؟

قال:هو كذلك و لكنّها عصا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أردت التبرّك بها،فوثب أبو حنيفة و قال:اقبّلها يا ابن رسول اللّه،فحسر عليه السّلام عن ذراعه و قال له:و اللّه لقد علمت أنّ هذا بشر رسول اللّه و هذا من شعره فما قبّلته و تقبّل عصاه (2).

و كان أبو يزيد البسطامي خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة.

و قال أبو جعفر الطوسي:كان إبراهيم بن أدهم و مالك بن دينار من غلمانه عليه السّلام.

و دخل إليه سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما أعجبه فقال:هذا و اللّه يا ابن رسول اللّه الجوهر،فقال له:بل هذا خير من الجوهر و هل الجوهر إلاّ حجر (3).

[في]الكافي عن حفص بن غياث قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يتخلّل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضّأ عندها ثمّ ركع و سجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثمّ استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثمّ قال:يا حفص إنّها و اللّه النخلة التي قال اللّه جلّ ذكره لمريم عليها السّلام وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (4).

أقول: مريم عليها السّلام كانت في البيت المقدّس.

فلمّا فاجآها المخاض خرجت من المسجد قالت لها الملائكة:هذا بيت العبادة لا بيت الولادة فأتت تلك الساعة إلى الكوفة طويت لها الأرض حتّى وضعت حملها و حملته معها و رجعت إلى بيت المقدس،و أمّا مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام فكانت امّه فاطمة بنت5.

ص: 136


1- -المناقب:373/3،و اسماء المقال في علم الرجال:152/2،و بحار الأنوار:2747 ح 27.
2- -بحار الأنوار:323/75،و المناقب:373/3.
3- -المناقب:373/3،و بحار الأنوار:29/47.
4- -سورة مريم:25.

أسد تطوف حول الكعبة.

فلمّا جاءها المخاض انشقّ البيت و نوديت ادخلي وضعي الحمل فدخلت الكعبة و وضعت أمير المؤمنين عليه السّلام فهذا فضل أمير المؤمنين عليه السّلام على غيره (1).

و عن محمّد بن راشد قال:حضرت عشاء جعفر بن محمّد عليهما السّلام الصيف فأتي بخوان عليه خبز و أتي بجفنة فيها ثريد و لحم يفور فوضع يده فيها فوجدها حارّة ثمّ رفعها و هو يقول:نستجير باللّه من النار نعوذ باللّه من النار نحن لا نقوى على هذا فكيف النار فجعل يكرّر هذا الكلام حتّى أمكنت القصعة فوضع يده فيها و وضعنا أيدينا فأكلنا ثمّ إنّ الخوان رفع فقال:يا غلام ائتنا بشيء فاتي بتمر في طبق فمددت يدي فإذا هو تمر،فقلت:

أصلحك اللّه هذا زمان الأعناب و الفاكهة فقال:إنّه تمر،ثمّ قال:ارفع هذا و أتنا بشيء فاتي بتمر في طبق فمددت يدي فقلت:هذا تمر،فقال:إنّه طيّب.

و عن هشام بن سالم قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا ذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز و لحم و دراهم فحمله على عاتقه ثمّ ذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم و لا يعرفونه.

فلمّا مضى أبو عبد اللّه عليه السّلام فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان أبو عبد اللّه عليه السّلام (2).

و عن هارون بن خارجة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لمحمّد ابنه:يا بني كم فضل معك من تلك النفقة؟

قال:أربعون دينارا،قال:اخرج فتصدّق بها قال:إنّه لم يبق معي غيرها قال:إنّ اللّه يخلفها أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحا و مفتاح الرزق الصدقة فتصدّق بها ففعل فما لبث أبو عبد اللّه عليه السّلام عشرة حتّى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار فقال:يا بني اعطينا للّه أربعين دينارا فأعطانا اللّه أربعة آلاف دينار (3).

و عن ابن المقدام قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام قد أتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه.7.

ص: 137


1- -الكافي:143/8 ح 111،و بحار الأنوار:208/14 ح 5.
2- -الكافي:164/8 ح 147،و بحار الأنوار:37/47.
3- -الكافي:9/4 ح 3،و بحار الأنوار:38/47.

أقول: الضبّة الفضّة تلصق بالشيء (1).

و عن هارون بن الجهم قال؛كنّا مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة فختن بعض القوّاد ابنا له و صنع طعاما و دعى الناس و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام فيمن دعا فبينما هم على المائدة إذ استسقى رجل منهم ماء فأتي بقدح فيه شراب،فقام أبو عبد اللّه عليه السّلام من المائدة و قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر.

و قال عليه السّلام لأصحابه:أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا.

و نهى عليه السّلام عن استخدام الضيف و كان يقول:الخلّ و الزيت طعامنا و طعام الأنبياء (2).

[في]الكافي،عن بعض أصحابنا قال:شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام الوجع فقال:إذا آويت إلى فراشك فكل سكّرتين ففعلت ذلك فبرأت فأخبرت بعض المتطيبين و كان أعرف أهل بلادنا فقال:من أين عرف أبو عبد اللّه عليه السّلام هذا؟هذا من مخزون علمنا أمّا انّه صاحب كتب فينبغي أن يكون أصابه في بعض كتبه.

و كان عليه السّلام يعجبه الجبن و قال عليه السّلام:نعم الطعام الأرز يوسع الأمعاء و يقطع البواسير و إنّا لنغبط أهل العراق على الارز و البسر فإنّهما يوسّعان الأمعاء و يقطعان البواسير (3).

و عن محمّد بن الحسين الخزّاز عن أبيه قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه و فوقه جبّة صوف و فوقها قميص غليظ فقلت:جعلت فداك إنّ الناس يكرهون لباس الصوف فقال:كلاّ،كان أبي محمّد بن عليّ عليهما السّلام يلبسها و كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه يلبسها و كانوا عليهم السّلام يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة و نحن نفعل ذلك (4).

و عن مسمع بن عبد الملك قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمنى و بين أيدينا عنب نأكله فجاء سائل فسأله فأمر له بعنقود فأعطاه فقال السائل:لا حاجة لي في هذا،قال:يسع4.

ص: 138


1- -الكافي:267/6 ح 6،و بحار الأنوار:39/47 ح 43.
2- -الكافي:278/6 ح 2،و بحار الأنوار:40/47.
3- -مستدرك سفينة البحار:108/1،و الكافي:333/6 ح 5.
4- -بحار الأنوار:256/81 ح 54.

اللّه عليك فذهب ثمّ رجع فقال:ردّوا العنقود فقال:يسع اللّه لك و لم يعطه شيئا ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبد اللّه عليه السّلام ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه فأخذها السائل من يده ثمّ قال:الحمد للّه ربّ العالمين.

فقال عليه السّلام:مكانك،فحثا ملأ كفّيه عنبا فناولها فأخذها إيّاه السائل من يده ثمّ قال:

الحمد للّه ربّ العالمين،فقال عليه السّلام:مكانك يا غلام أيّ شيء معك من الدراهم فإذا معه نحو عشرين درهما فناولها إيّاه فأخذها ثمّ قال:الحمد للّه هذا منك وحدك لا شريك لك، فقال عليه السّلام:مكانك فخلع قميصا كان عليه فقال:البس هذا فلبسه فقال:الحمد للّه الذي كساني و سترني يا أبا عبد اللّه جزاك اللّه خيرا ثمّ انصرف و ذهب قال:فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد اللّه أعطاه (1).

و عن بعض أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خرج علينا أبو عبد اللّه عليه السّلام و هو مغضب فقال:إنّي خرجت فتعرّض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبّيك يا جعفر بن محمّد لبّيك فرجعت إلى منزلي خائفا و سجدت لربّي و عفّرت له وجهي و برئت إليه ممّا هتف بي ثمّ قال:لعن اللّه أبا الخطّاب و قتله بالحديد (2).

أقول: أبو الخطّاب هو الذي خرج بالكوفة و ادّعى الإلهية للصادق عليه السّلام و أنّه أرسله إلى أهل الكوفة.7.

ص: 139


1- -وسائل الشيعة:391/9،و بحار الأنوار:135/93.
2- -شرح أصول الكافي:301/12 ح 286،و بحار الأنوار:43/47.

صورة كتاب العتق

[عن]إبراهيم بن أبي البلاد قال:قرأت عتق أبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا شرحه:هذا ما أعتق جعفر ابن محمّد أعتق فلانا غلامه لوجه اللّه لا يريد عنه جزاء و لا شكورا على أن يقيم الصلاة و يؤدّي الزكاة و يحجّ البيت و يصوم شهر رمضان و يتوالى أولياء اللّه و يتبرّأ من أعداء اللّه شهد فلان و فلان و فلان ثلاثة.

أقول: يستحبّ لمن أعتق مملوكه أن يكتب كتاب عتقه على هذا الوجه (1).

و روى في الكافي أطول من هذا عنه عليه السّلام[أن]حذيفة بن منصور قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العبّاس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض فلبسه ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أمّا إنّي ألبسه و أنا أعلم إنّه لباس أهل النار (2).

كراهة لبس السواد

أقول: السواد لباس بني العبّاس اخترعه لهم أبو مسلم الخراساني أوّل خروجه على بني اميّة لأنّه كان أشدّ هيبة على العدوّ و استمرّ الحال إلى خلافة المأمون فلمّا جعل الرضا عليه السّلام وليّ العهد أمر بلبس البياض و لمّا سمّ الرضا عليه السّلام أرجع السواد إلى حاله و يكره الصلاة في السواد إلاّ الكساء و الخفّ و العمامة.

[عن]الحسين بن المختار:قال أبي عبد اللّه عليه السّلام:اعمل لي قلانس بيضاء و لا تكسرها فإنّ السيّد مثلي لا يلبس المكسر (3).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصا فيه قبّ أي رقعة فجعل ينظر إليه فقال عليه السّلام:ما لك تنظر؟

ص: 140


1- -تتمة الحدائق الناظرة:184/1،و الكافي:182/6 ح 2.
2- -الكافي:449/6 ح 2،و بحار الأنوار:45/47 ح 61.
3- -الكافي:462/6 ح 3،و بحار الأنوار:45/47 ح 62.

فقال:قب في قميصك فقال عليه السّلام:لا إيمان لمن لا حياء له و لا مال لمن لا تقدير له و لا جديد لمن لا خلق له (1).

أقول: معناه أنّ من لا خلق له لا يبقى له ثوب جديد بل تصير كلّها خلقانا بابتذالها كلّ يوم و يجوز أن يكون معناه أنّه مأمور بلبس الخلق فإذا لم يلبسه لم يرزقه اللّه الجديد.

[عن]ابن أبي يعفور قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و هو رافع يده إلى السماء:

ربّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا لا أقلّ من ذلك و لا أكثر،و تحدّرت دموعه على لحيته فقال:يابن أبي يعفور إنّ يونس بن متى و كله اللّه عزّ و جلّ إلى نفسه أقلّ من طرفة عين و أحدث ذلك الذنب،قلت:فبلغ به كفرا؟

قال:لا،و لكن الموت على تلك الحال هلاك (2).

تحيّة الخارج من الحمّام

[عن]عبد اللّه مسكان قال:لقينا أبو عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة خرجنا من الحمّام فقال:أنقى اللّه غسلكم فقلنا له:جعلنا اللّه فداك فدخل الحمّام و نحن ننتظره.

فلمّا خرج قلنا له:أنقى اللّه غسلك،فقال:طهّركم اللّه (3).

[عن]عبد اللّه بن عثمان:إنّه رأى أبا عبد اللّه عليه السّلام أحفى شاربه حتّى ألصقه بالعسيب يعني منبت الشعر (4).

[عن]أبو بصير قال:دخل أبو عبد اللّه عليه السّلام الحمّام،فقال له صاحب الحمّام:اخليه لك؟قال:لا حاجة لي في ذلك،المؤمن أخفّ من ذلك (5).

[عن]حسين بن عبد اللّه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:في كم أقرأ القرآن؟

فقال:اقرأه أخماسا اقرأه أسباعا أمّا إنّ عندي مصحفا مجزئ أربعة عشر جزءا (6).

ص: 141


1- -بحار الأنوار:45/47 ح 62،و الأنوار البهية:159.
2- -الكافي:581/2 ح 15،و بحار الأنوار:387/14 ح 6.
3- -الحدائق الناظرة:539/5،و الكافي:500/6 ح 20.
4- -الكافي:487/6 ح 9،و بحار الأنوار:47/47 ح 68.
5- -الكافي:503/6 ح 37،و بحار الأنوار:47/47 ح 69.
6- -وسائل الشيعة:215/6،و بحار الأنوار:47/47 ح 70.

العطسة و أسبابها

عن رجل من العامّة قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أين تخرج العطسة؟

قلت:من الأنف،فقال لي:أصبت الخطأ،فقلت:جعلت فداك من أين تخرج؟ قال:من جميع البدن كما أنّ النطفة تخرج من جميع البدن و مخرجها من الإحليل أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاؤه و صاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيّام.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ورد في الأخبار عن السادة الأطهار صلوات اللّه عليهم أنّ الإنسان إذا غفل عن ربّه و عن حمده بعث اللّه عزّ و جلّ ملكا يدخل في جوفه و يسوق الرياح المعقدة الفاسدة المضرّة بالأبدان فإذا خرجت ذكر اللّه و حمده على تلك النّعمة و صلّى على محمّد و أهل بيته فيكون في العطسة فوائد متعدّدة؛منها:إخراج ما فيه أضرار بالبدن كالريح.

و منها:تذكّر الربّ عزّ جلاله و حمده على ذلك.

و منها:أنّها علامة صدق الكلام المقارنة له كما جاء في الرواية.

و منها:اخبار الإنسان بامتداد عمره إلى سبعة أيّام و إلاّ فالموت متوقّع في كلّ طرفة عين كما قال عليه السّلام:لا غائب أقرب من الموت (1).

جلسة التورّك

[عن]حمّاد بن عثمان قال:جلس أبو عبد اللّه عليه السّلام متورّكا رجله اليمنى على فخذه اليسرى فقال له رجل:جعلت فداك هذه جلسة مكروهة فقال:لا،إنّما هو شيء قالته اليهود لمّا أن فرغ اللّه عزّ و جلّ من خلق السماوات و الأرض و استوى على العرش جلس هذه الجلسة ليستريح فأنزل اللّه عزّ و جلّ: اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ (2)و بقي أبو عبد اللّه عليه السّلام متورّكا كما هو.

أقول: هذه الجلسة ورد في خبر آخر أنّها جلسة الجبابرة و ورد في وجه الجمع أنّ من

ص: 142


1- -الكافي:657/2 ح 23،و بحار الأنوار:47/47 ح 71.
2- -سورة البقرة:255.

قصد بها التكبير كما هو المعتاد منها كانت مكروهة و إن قصد منها الاستراحة لم تكن مكروهة (1).

[عن]مرازم بن حكيم قال:أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بكتاب في حاجة فكتب ثمّ عرض عليه و لم يكن فيه استثناء فقال:كيف رجوتم أن يتمّ هذا و ليس فيه استثناء انظروا كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.

أقول: الاستثناء هنا المراد منه مشيئة التبرّك و التعليق الواقعي (2).

دواء الشقاق

شكى رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام شقاقا في يديه و رجليه فقال له:خذ قطنة و اجعل فيها نار وضعها في سرّتك،فقال إسحاق بن عمّار:جعلت فداك يجعل البان في قطنة و يجعلها في سرّته؟

فقال:أمّا أنت يا إسحاق فصب البان في سرّتك فإنّها كبيرة.

قال ابن اذينة:لقيت الرجل بعد ذلك فأخبرني أنّه فعله مرّة واحدة فذهب عنه.

[عن]حمزة بن حمران قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يصلّي فعددنا في ركوعه سبحان ربي العظيم و بحمده أربعا و ثلاثين أو ثلاثا و ثلاثين مرّة (3).

[عن]موسى بن أشيم قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فأخبره بها ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأوّل فدخلني من ذلك ما شاء اللّه،فقلت في نفسي:تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في (الواو)و شبهه و جئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه،فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني و أخبر صاحبي فسكنت نفسي و علمت أنّ ذلك تقيّة ثمّ التفت إليّ،فقال:يابن أشيم إنّ اللّه عزّ و جلّ فوضّ إلى سليمان بن داود عليهما السّلام فقال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ و فوّض إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و اله فقال: ما آتاكُمُ

ص: 143


1- -الكافي:661/2 ح 5،و بحار الأنوار:48/47.
2- -السرائر:630/3،و الكافي:673/2 ح 7.
3- -الكافي:523/6 ح 2،و وسائل الشيعة:166/2 ح 3.

اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1) فما فوّض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقد فوّضه إلينا.

أقول: جاء في الحديث إنّه عليه السّلام كان يخالف بين أصحابه في الفتوى باعتبار اختلاف أهل المذاهب من العامّة و أنّ أصحابه كلّ جماعة في بلد من بلدان المخالفين يحتاجون إلى العمل بالتقيّة فيما يوافق مذهب أهل الخلاف في ذلك البلد (2).

قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك بلغني أنّك تفعل في غلّة عين زياد شيئا و أنا أحبّ أن أسمعه منك،فقال لي:نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا و كنت آمرّ في كلّ يوم أن يوضع عشرة قداح يقعد على كلّ قدح عشرة كلّما أكل عشرة جاء عشرة اخرى يلقى لكلّ نفس منهم مدّ من رطب و كنت أمرّ الجيران الضيعة كلّهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدر أن يجيء فيأكل منها لكلّ إنسان منهم مدّ،فإذا كان الجداد وفيت القوّام و الوكلاء و الرجال أجرتهم و أحمل الباقي إلى المدينة ففرعت في أهل البيوتات و المستحقّين الراحلتين و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر على قدر استحقاقهم و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار و كان غلّتها أربعة آلاف دينار (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان بيني و بين رجل قسمة أرض و كان الرجل صاحب نجوم و كان يتوخّى ساعة السعود فيخرج فيها و أخرج أنا في ساعة النحوس،فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين فضرب الرجل بيده اليمنى على اليسرى ثمّ قال:ما رأيت كاليوم قط إنّي أخرجتك في ساعة النحوس و خرجت أنا في ساعة السعود فاقتمسنا فخرج لك خير القسمين،فقلت:حدّثني أبي قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من سرّه أن يدفع اللّه عنه نحس يوم فليفتتح يومه بصدقة يذهب اللّه بها عنه نحس يومه،و من أحبّ أن يذهب اللّه عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع اللّه عنه نحس ليلته فقلت:إنّي افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من علم النجوم (4).4.

ص: 144


1- -سورة الحشر:7.
2- -الكافي:265/1 ح 2،و بحار الأنوار:50/47.
3- -جواهر الكلام:229/15،و الكافي:569/3 ح 2.
4- -وسائل الشيعة:392/9،و بحار الأنوار:52/47 ح 84.

و عنه عليه السّلام قال:المعروف ابتدا و أمّا من أعطيته بعد المسألة فإنّما كافيته بما بذل لك من وجهه يبيت ليلته ارقا متململا يمثل بين الرجاء و الإياس لا يدري أنّ يتوجّه لحاجته ثمّ يعزم القصد لها فيأتيك و قلبه يرجف و فرائصه ترعد قد ترى دمعه في وجهه لا يدري أيرجع بكآبة أم بفرح (1).

و عنه عليه السّلام إنّه كان يتصدّق بالسكّر[فقيل له:أتتصدق بالسكر؟فقال:نعم،] (2)قال:

إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ.أقول:و ذلك كما جاء في الحديث نظرا إلى قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ (3)(4).

[عن]حمّاد بن عثمان قال:قال رجل للصادق عليه السّلام:ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يلبس الخشن و يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك،و نرى عليك اللباس الجديد فقال:إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر و لو لبس مثل ذلك اليوم شهر به فخير لباس كلّ زمان لباس أهله غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السّلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السّلام و سار بسيرة عليّ عليه السّلام (5).

أقول: جاء في حديث دخول الصوفيّة عليه و اعتراضهم بمثل هذا جوابات كثيرة، منها:إنّ المسلمين في صدر الإسلام كانوا في ضيق من العيش و الآن قد اتّسع الوقت و طابت المعيشة و أحقّ الناس بها الأبرار و نحن قوم إذا وسّع اللّه علينا وسّعنا على أنفسنا و إذا ضيّق علينا ضيّقنا على أنفسنا.

و منها:إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان خليفة و سلطانا و سلك في وقته مثل فقراء رعيّته و نحن إذا جاءنا الأمر كنّا مثله كما ذكره في هذا الحديث من قوله:غير أنّ قائمنا أهل البيت.

و منها:امتثال قوله تعالى: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أنّ المراد كما جاء في الحديث التحديث بالفعل بأن يرى اللّه تعالى و يرى الخلق آثار نعمة اللّه سبحانه على عبده و من أعطاه8.

ص: 145


1- -الكافي:23/4 ح 2،و وسائل الشيعة:456/9 ح 1.
2- -زيادة من المصدر.
3- -سورة آل عمران:92.
4- -الكافي:61/4 ح 3،و بحار الأنوار:53/47 ح 86.
5- -الكافي:411/1 ح 4،و بحار الأنوار:336/40 ح 18.

اللّه سبحانه نعمة و لم ير من آثارها عليه كان كعبد يشكو من مولاه عدم العطاء و كان عليه السّلام يلبس ثوبا خشنا تحت ثيابه الجديدة و يقول:هذا تواضعا للّه تعالى و هذا إظهار النعمة.

و عنه عليه السّلام قال:مرّ بي أبي و أنا بالطواف و أنا حدث و قد اجتهدت بالعبادة قرآني و أنا أتصاب عرقا فقال:يا جعفر يا بني إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا أدخله الجنّة و رضي منه باليسير (1).

أقول: جاء في الحديث النهي عن الإنهماك في العبادة و الطاعة و ذكر لها سببان:

الأوّل: إنّه باعث إلى ضعف القوى و انقطاع الاستمرار على تلك العبادة كما قال عليه السّلام:

لا تكن كالمنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى،و المنبت المجدّ في السير المبالغ فيه و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أوائل النبوّة يصلّي الليل كلّه حتّى و رمت قدماه فأنزل عليه قوله عزّ و جلّ: طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2)أي لتتعب هذا التعب الذي أضرّ ببدنك ثمّ فرض عليه القيام لصلاة الليل لا الليل كلّه.2.

ص: 146


1- -بحار الأنوار:55/47 ح 94.
2- -سورة طه:2.

لا تكرهوا العبادة إلى أنفسكم

الثاني: إنّه يكره العبادة إلى النفس ورد في الحديث:لا تكرهوا العبادة إلى أنفسكم، لأنّ الإنهماك في الأمر و المبالغة فيه يدعو إلى[الملل]و ما يدعو إلى[الملل]يكون مكروها و إذا فعل يكون على وجه التكلّف لا على وجه الإقبال،و من ثمّ قال سيّد الموحّدين أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه:إنّ للقلوب إقبالا و إدبارا فإذا أقبلت فأقبلوا على النوافل و إذا أدبرت فدعوها.

و كان الصادق عليه السّلام إذا عرض له الهمّ أو الغمّ ترك النوافل،و ذلك لما قلناه.

و جاء في الأخبار ضروب العبادات و الأدعية المأثورة في وقت لا يتّسع لها و السبب فيه يرجع إلى هذا،و ذلك إنّ رغبة الخلائق و طباعهم في الميل إلى فنون العبادات مختلف فيكون كلّ من يحبّ عبادة و يميل إليها يفعلها حتّى تكون الطاعات قد أتى بها على وجه الرغبة إليها (1).

و جاء في نوادر الأخبار قوله عليه السّلام:اخش اللّه خشية ليست بتعذير،يعني إنّه إذا أتى أحد بفعل و طاعة من باب الخوف فهي خشية تعذير و خشية كراهة فإن رضي به فهي خشية رضاء و خشية محبّة.و حاصل المعنى:أنّه لا يكون خوفك من اللّه عذرا من أمره بالخشية بل يكون من باب التعظيم و الرضا و استحقاقه للخشية فيرجع إلى قوله عليه السّلام:ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك (2).

و قوله عليه السّلام:لو لم يخلق جنّة و لا نارا أما كان يستحقّ العبادة،و ينبغي أن يعلم أنّ الأصل في الطاعات التي يستحقّ بها دخول الجنّة هو إيقاع العبادة على وجه الإخلاص و المحبّة لا التكثّر من العبادة كما ورد أنّه لمّا نزل قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً

ص: 147


1- -شرح أصول الكافي:298/9 ح 17،و بحار الأنوار:293/69.
2- -مستدرك الوسائل:258/7 ح 6،و شرح الأخبار:346/2.

حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ (1) في شأن غزوة تبوك عند تجهيز عسكره صلّى اللّه عليه و اله و مسيره إلى هرقل ملك الرّوم و جاء أهل المدينة بما جاؤوا به من الأموال و كان في المدينة رجل فقير و قد جاء بتمرة واحدة كانت في بيته نفضها من التراب و ألقاها بين التمور التي أتى بها أهل المدينة،و ما نزل قرآن إلاّ في الثناء عليه لأنّه أتى بها على وجه المحبّة و الإخلاص.

و كان أبو بكر يقول:إنّي تصدّقت في الصلاة بسبعين خاتما على أن ينزل فيّ ما نزل بعليّ بن أبي طالب فلم ينزل أيضا (2).

و جاء أيضا في الرواية استحباب تفريق الصلوات و العبادات على البقاع و الأمكنة لتشهد له يوم القيامة كلّها،و لأنّ تفريقها على البقاع يبعث على النشاط في إيقاعها على وجه المحبّة و الإقبال،لأنّ المداومة على إيقاع الشيء في المكان الواحد يدعو إلى[الملل] و السآمة و ينكس الطباع عن الرغبة و الإقبال.

و قال عليه السّلام:إنّ الأرواح تكلّ كما تكلّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة (3).

و كان ابن عبّاس إذا فرغ من التدريس و رواية الأحاديث يقول لتلاميذه:حمضونا حمضونا فيخوضون عند ذلك في الأخبار و الأشعار و الطرائف و الحكم.

و كان صلّى اللّه عليه و اله ينبسط مع أصحابه في المزاح.

و كذلك الأئمّة الطاهرين عليهم أفضل الصلوات و أكمل التسليمات.

[في]الكافي،عن حفص قال:بعث أبو عبد اللّه عليه السّلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج عليه السّلام في اثره فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتّى انتبه فقال له:يا فلان و اللّه ما ذلك لك تنام الليل و النهار،لك الليل و لنا منك النهار (4).

أقول: هذا على وجه الاستحباب و الأولويّة يعني يستحبّ للمولى أن لا يستخدم مملوكه بالليل سيما الاستخدام الطويل بطول الجلوس.

و كان أوثق مشايخنا يأمر عبده أوّل الليل بتهيئة بعض الامور التي يحتاج إليها في أثناء7.

ص: 148


1- -سورة البقرة:245.
2- -مستدرك الوسائل:258/7 ح 6،و شرح الأخبار:346/2.
3- -اللمعة البيضاء:475.
4- -الكافي:112/2 ح 7،و بحار الأنوار:405/67.

المطالعة ثمّ يقول له:اذهب في شأنك النهار لنا و الليل لك.

و كان الصادق عليه السّلام يعطي البضاعة من ماله يتّجر له بها و يقول:ليس لي رغبة في ربحها و لكنّي أحببت أن يراني اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده.

و كان إذا أتى بربح فرح بذلك فرحا شديدا (1).

أقول: ورد أنّ تسعة أعشار الرزق في التجارة.

و روي أيضا أنّ تسعة أعشار الرزق في الزراعة و الجمع بينهما إمّا بإدخال الزراعة في التجارة،و إمّا بالحمل على معنى أنّ من يرتكب التجارة أو الزراعة يحصل له من الرزق ما يوازي تسعة أعشار لو ارتكب غيرهما من حرف الكسب.

[في]الكافي،عن أبي حنيفة سايق الحاج قال:مرّ بنا المفضل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث فقال لنا؛تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها من عنده و قال:أمّا أنّها ليست من مالي و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابي في شيء أن أصلح بينهما و أفتديهما من ماله،فهذا من مال أبي عبد اللّه عليه السّلام.

أقول: خاف عليه السّلام على شيعته إنّهم إذا تنازعوا يصل بهم النزاع و الخصام إلى قضاة العامّة و حكّامهم (2).

و روي أنّه عليه السّلام كان يتلو القرآن في صلاته فغشي عليه.

فلمّا أفاق سئل ما الذي أوجب هذا؟

فقال:ما زلت أكرّر آيات القرآن حتّى كأنّني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها (3).

أقول: روي أنّه عليه السّلام كان يقرأ سورة فاتحة الكتاب في صلاته.

فلمّا بلغ إيّاك نعبد ما زال يكرّرها حتّى قال بعد ذلك:ما زلت أكرّرها حتّى سمعتها من قائلها،و الصوفية لمّا سمعوا هذا الحديث طاروا من الطرب و استفزّهم الفرح و قالوا:إنّ الاتّصال بالحضرة الإلهية واقع للمشايخ من أهل السلوك حتّى أنّ أبا زيد البسطامي كان يقول:انتزعت من جلدي انتزاع الحيّة من اهابها فإذا أنا هو.4.

ص: 149


1- -الكفي:76/5 ح 12،و بحار الأنوار:56/47.
2- -الكافي:209/2 ح 4،و بحار الأنوار:58/47 ح 106.
3- -مستدرك الوسائل:107/4.

و حكي عن الشيخ العطّار أنّه كان يقول:ليس في جبّتي سوى اللّه (1).

و حكى أصحاب عبد القادر الجيلاني أنّ رجلا سأله:لأيّ سبب ما حججت الكعبة؟

فقال له:غمّض عينك فغمّضها ثمّ قال له:افتح عينك.

فلمّا فتحها نظر إلى الكعبة و هي تطوف حول عبد القادر فقال:إذا كان المطاف يطوف حولي كيف أمضي إليه و قد صحّ عندهم هذا الكلام و يلزم من صحّته أن يكون عبد القادر أفضل من الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام لأنّهم بأجمعهم حجّوا البيت و قصدوه من الأمكنة البعيدة و طلبوا الفضل و البركة و قبول الدّعاء في مناسكه و مشاعره.

و أمّا شيخهم و محيّي دينهم ابن عربي،فكان يسمّي إبليس رئيس الموحّدين لأنّه ما أبى عن سجود آدم ترفّعا و تكبّرا على الحضرة الإلهية بل كان مقصده أنّه لا يسجد إلاّ للّه تعالى،و ذكر نكتة اخرى في امتناع إبليس عن السجود و هي أنّه استشعر أنّ الغرض من الأمر بالسجود لآدم أنّ الملائكة إذا اشتغلوا به علّم اللّه سبحانه آدم عليه السّلام الأسماء كلّها و هو أراد تعلّم ذلك العلم،فلذا أبى عن السجود و وقع على ما أراد من العلم و قد ذكرنا جملة وافية من أقوالهم التي لا تنطبق إلاّ على مذاهب الزنادقة و الكفرة في مجلّدات شرح تهذيب الحديث و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

و أمّا الصادق عليه السّلام الذي هو وارث علوم رسول اللّه و أمير المؤمنين و آبائه الطاهرين عليهم أفضل الصلوات فكلامه هذا من باب:لو كشف الغطاء[...ألخ] (2)و قائلها الذي ألقاها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هو الملك جبرئيل عليه السّلام و نحوه و سماعها منه ليس بمستغرب،لأنّ الملائكة كانت تزاحمهم على تكاياهم و كانت تخدمهم و تسعى في حوائجهم.

و أمّا الجهلة من الصوفية و أضرابهم فهم جنود الشيطان لإضلال الإنسان.

[عن]عمر بن يزيد قال:أتى رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام يقتضيه فقال له:ليس عندنا اليوم شيء لكنّه يأتينا خطر و وسم فيباع و نعطيك إن شاء اللّه تعالى،فقال له الرجل:عدني، فقال:كيف أعدك و أنا لما لا أرجو أرجى منّي لما أرجو (3).5.

ص: 150


1- -نور البراهين:104/1،و كتاب الطهارة:81/2.
2- -زيادة من المصدر.
3- -الحدائق الناظرة:198/20،و الكافي:96/5 ح 5.

فيه معنى رزق المؤمن من حيث لا يحتسب

أقول: يستفاد منه أنّ ترك الوعدة في قضاء الدّين أولى منها فيه،و في الحديث:أبى اللّه أن يرزق المؤمن إلاّ من حيث لا يحتسب و لا يدري و له أسباب منها إنّ الإنسان إذا علم بوصول رزقه إليه من جهة خاصّة و سبب خاص اعتمد على تلك الجهة و أعرض عن سؤال الرزق و التضرّع إلى اللّه تعالى بطلبه و هو سبحانه و تعالى يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج و يطلب منه الرزق.و في الحديث القدسي:يا موسى سلني كلّ شيء حتّى ملح الطين.

و منها:أن يعلم أنّ أسباب التقدير لا تجري على ما يوافق التدبير فإنّه دبّر في رزقه أن يجري من ذلك السبب الخاص،و جاء التقدير من غيره فيعلم من هذا أنّ زيادة السعي في طلب الأرزاق لا مدخل له في تحصيلها.و في الحديث القدسي:ابن آدم لو ركضت مثل ركض الغزلان في البرية لم تقع من الرزق إلاّ على ما قدّرت لك.

و جاء في الحديث:إنّ اللّه سبحانه وسّع أرزاق الحمقى ليعلم العاقل أنّ الرزق لا يحصل بالحيلة و التدبير (1).

و منها:ترك الاهتمام في طلب الرزق فإنّ عبيد أهل الدّنيا لا يهتمّون لأرزاقهم بل يعلمون مجملا أنّ مواليهم متكفّلون لأحوالهم فلا غرض لهم إلاّ خدمتهم و السعي في تحصيل مراضيهم و ما يتقرّبون به إلى رضاهم.

[في]الكافي عن معتب قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام و قد تزايد السعر بالمدينة:كم عندنا من طعام؟

قلت:عندنا ما يكفينا أشهر كثيرة،قال:اخرجه و بعه،قلت:ليس بالمدينة طعام، قال:بعه.

فلمّا بعته قال:اشتر مع الناس يوما بيوم.و قال:يا معتب اجعل قوت عيالي نصفا شعيرا و نصفا حنطة فإنّ اللّه يعلم أنّي واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها و لكنّي أحبّ أن

ص: 151


1- -ميزان الحكمة:1069/2،و الأمام جعفر الصادق:357.

يراني اللّه قد أحسنت تقدير المعيشة (1).

أقول: ورد في حديث آخر عن سلمان الفارسي أنّ النفس إذا أحرزت قوت سنتها استقرّت خصوصا في سنة الغلاء و تزايد الأسعار.

و أمّا هو عليه السّلام.

فلمّا كان مستقرّ النفس على كلّ حال و أراد المساواة مع الناس أمر وكيله معتب بما أمره به تطييبا لقلوب الناس و استجلابا لصبرهم على تحمّل مشاق المعيشة كما كان جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام يفعله زمن خلافته،فإنّه ما كان يأكل إلاّ سدّ الرمق و يقول:لعلّ باليمامة و نحوها من أطراف البلاد من لا يتمكّن من شبع بطنه،أيبيت عليّ بن أبي طالب شبعانا و في سلطانه من لا يقدر على الشبع،و كان يقول:أفعل هذا حتّى لا يتبيّغ بالفقير فقره،حتّى لا يغلبه الفقر فيخرجه إلى سوء الظنّ باللّه تعالى نظرا إلى قوله عليه السّلام:كاد الفقر أن يكون كفرا.

و أمّا غيره عليه السّلام فإنّ عرف من نفسه الاستقرار و اطمئنان النفس كان الأولى به أن يقتدي بالصادق عليه السّلام في مساواة الناس و ان عرف من نفسه الاضطراب و عدم الاستقرار و انّه لا يتوجّه في طاعاته إلى جناب الحقّ سبحانه فإن عمل بما يوجب اطمئنان نفسه فلا بأس عليه.

[عن]معمر بن خلاّد قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول:إنّ رجلا أتى جعفرا عليه السّلام ناصحا له فقال:يا أبا عبد اللّه كيف صرت اتّخذت الأموال قطعا متفرّقة و لو كانت في موضع واحد كان أيسر لمنفعتها،فقال عليه السّلام:اتّخذتها متفرّقة فإن أصاب هذا المال شيء سلم هذا و الصرّة تجمع هذا كلّه (2).

أقول: هذا في معايش الدّنيا و أسباب تحصيلها و ورد هذا مثله في تحصيل المثوبات الاخروية و اجورها و انّه ينبغي أن يكون الإنسان كالعطّار يجمع كلّ طيّب و عطر لاختلاف الدّواع في شراء أنواع الطيب و كذلك التاجر فإنّه ينبغي أن يكون عنده المتاع المختلف إن لم يربح في هذا ربح في ذاك،و حينئذ فإذا أتى بالأعمال المتفرّقة كان إذا لم يقبل منه عمل قبل منه آخر و لو كان قليلا كما ورد أنّ من قبل اللّه منه صلاة ركعتين لم يحاسبه بعد ذلك9.

ص: 152


1- -الكافي:166/5 ح 2،و بحار الأنوار:60/47 ح 112.
2- -الكافي:91/5 ح 1،و بحار الأنوار:58/47 ح 109.

على شيء لأنّه سبحانه يقبل القليل و يجازي بالكثير.

روي أنّ رجلين دخلا الجنّة بحجر واحد و هو أنّه كان في طريق المارّة ماء قليل فوضع رجل حجرا يتردّد عليه الناس فدخل الناس بوضعه و لمّا جفّ الماء كان ذلك الحجر مضرّا بالطريق فرفعه رجل آخر فدخل الجنّة برفعه.

و مع هذا فالأعمال المقبولة أعزّ من الكبريت الأحمر.

حدّثني من أثق به أنّ المولى العالم الزاهد أحمد الأردبيلي تغمّده اللّه بغفرانه و أسكنه وسط جنانه لمّا درج إلى رحمة اللّه رآه بعض المجتهدين في المنام على أحسن الحال خارجا من زيارة ضريح أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:يا أحمد أيّ الأعمال بلغ بك إلى هذا الحال حتّى نلزمه و نداوم عليه؟

فقال:يا أخي إنّ سوق الأعمال كاسد في هذا الجانب و المشتري قليل و إنّما بلغ بنا إلى ما ترى هو حبّ صاحب هذا القبر.

[عن]الفضل بن أبي قرّة قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يبسط رداءه و فيه صرر الدنانير فيقول للرسول اذهب بها إلى فلان و فلان من أهل بيته و قلّ لهم:هذه بعث بها إليكم من العراق فيذهب بها الرسول إليهم فيقول ما قال فيقولون:أمّا أنت فجزاك اللّه خيرا بصلتك قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و أمّا جعفر فحكم اللّه بيننا و بينه.قال:فيخرّ أبو عبد اللّه عليه السّلام ساجدا و يقول:اللّهم أذلّ رقبتي لولد أبي (1).

أقول: غرضه عليه السّلام امتثال أفضل الصدقة،الصدقة على ذي الرحم الكاشح أي المعادي و ذلك أنّ الصدقة على مثله إنّما المنظور بها وجه اللّه سبحانه من غير تعلّق لها بالمحبّة البشرية و هو عليه السّلام كان يخفيها عن أقاربه فيحصل له ثواب إخفاء الصدقة،لأنّ الصدقة سرّا أفضل منها جهرا لأنّها تطفئ غضب الربّ،و أمّا كلامهم و أخذهم من عرضه عليه السّلام فله فيه ثواب ثالث و هو عليه السّلام يحلّهم منه حتّى يكون له الأجر و لا يكون عليهم الوزر،و ثواب رابع و هو الانقياد لأوامره سبحانه و الصبر على أذاهم له،و أمّا غيره عليه السّلام فمن عرف من نفسه ذلك الحال كان الأولى به أن يفعل مثل فعله و إلاّ كان الأفضل له إظهارها لهم دفعا للشحناء و جلبا للمحبّة و الائتلاف.4.

ص: 153


1- -بحار الأنوار:60/47 ح 114.

[في]مشارق الأنوار:أنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام[حاجة]فقال لعبده:ما عندك؟قال:

أربعمائة درهم قال:اعطه إيّاها فأخذها و ولّى شاكرا فقال لعبده:ارجعه،فقال:يا سيّدي سألت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟

فقال له:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:خير الصدقة ما أبقت غنى و أنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة (1).

شكر من أنعم عليك

أقول: شكر ذلك الرجل إن كان للّه تعالى فهو عليه السّلام قد عمل بقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و إن كان له عليه السّلام فالسائل قد امتثل قوله عليه السّلام:أشكركم لربّه أشكركم لمن اصطنع إليكم المعروف.

حتّى أنّه جاء في الحديث:إنّ رجلا يؤتى به يوم القيامة فيقول اللّه عزّ و جلّ:عبدي أنعمت عليك فلم تشكرني،فيقول:يا ربّ أنعمت عليّ بكذا فشكرتك بكذا و أنعمت عليّ بكذا فشكرتك يوم كذا فما يزال يعدّد النّعم[و يحصي الشكر] (2)فيقول اللّه سبحانه:نعم عبدي شكرتني ولكنّك ما شكرت من أجريت لك من نعمتي على يديه فكأنّك لم تشكرني.

و قال صلّى اللّه عليه و اله:لعن اللّه قاطعي طريق المعروف و هو أنّ الرجل يصطنع إلى أخيه الإحسان فلا يكافيه و لا يشكره فيقطع ذلك الرجل إحسانه إلى الخلق بسبب منع شكره (3).

ص: 154


1- -مستدرك الوسائل:178/7 ح 4،و بحار الأنوار:61/47 ح 116.
2- -زيادة من المصدر.
3- -أمالي الطوسي:450،و بحار الأنوار:224/7 ح 141.

الفصل الثاني

اشارة

في معجزاته و معالي اموره و جملة من أحواله عليه السلام

و كيفيّة اطّلاع الأئمّة عليهم السّلام على أعمال الخلائق

[في]الأمالي،عن صدير الصيرفي قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيما يرى النائم و بين يديه مغطّى بمنديل فدنوت منه و سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فدنوت منه فقلت:يا رسول اللّه ناولني رطبة فناولني واحدة فأكلتها ثمّ قلت:يا رسول اللّه ناولني اخرى فناولنيها فأكلتها و جعلت كلّما أكلت واحدة سألته اخرى حتّى أعطاني ثمان رطبات فأكلتها ثمّ طلبت منه اخرى فقال:حسبك، فانتبهت من منامي.

فلمّا كان من الغد دخلت على الصادق عليه السّلام و بين يديه طبق مغطّى بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف عن الطبق فإذا فيه رطب،فجعل يأكل منه فعجبت من ذلك و قلت:جعلت فداك ناولني رطبة فناولني فأكلتها ثمّ طلبت اخرى فناولني فأكلتها حتّى أكلت ثماني رطبات ثمّ طلبت اخرى فقال:لو زادك جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لزدناك فأخبرته الخبر فتبسّم تبسّم عارف بما كان (1).

و عن داود الرقي قال:كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ قال لي مبتدئا من قبل نفسه:يا داود لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس فرأيت فيما عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان فسرني ذلك إنّي علمت أنّ صلتك له أسرع لفناء عمره و قطع أجله، قال داود:و كان لي ابن عمّ معاندا خبيثا بلغني عنه و عن عياله سوء حال فكتبت له نفقة قبل خروجي إلى مكّة.

ص: 155


1- -أمالي المفيد:335،و بحار الأنوار:64/47.

فلمّا صرت بالمدينة خبّرني أبو عبد اللّه عليه السّلام بذلك (1).

أقول: ورد في الأخبار أنّ أعمال العباد تعرض كلّ يوم صباحا و مساء على روح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الأئمّة الماضين و إمام الزمان عليهم السّلام كما مرّ في تفسير قوله وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ ،و للإمام عليه السّلام علم بوقوع العمل مقارن لوقوعه،لأنّ الجدران و بعد المسافة لا يحجبه عن النظر،بل الدّنيا و ما فيها بين يدي الإمام عليه السّلام كالدرهم في يد الرجل يقلّبه كيف شاء كما جاء في أحاديث المعراج من أنّه كشف لأمير المؤمنين عليه السّلام حتّى أنّه كان في الأرض و شاهد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في معراجه ما وضع قدما و لا رفعه إلاّ كان ناظرا إليه،و كان المعراج مسير خمسين ألف سنة و قد كشف اللّه هذا الحال للخليل عليه السّلام في قوله: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (2)،و الفرق أنّ ذلك كان مرّة واحدة،و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمّة عليهم السّلام فكان ذلك لهم دائما و بذلك كان مولانا الإمام أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات يقول:

سلوني عمّا فرق العرش و ما تحت الثرى فإنّي أعلم ذلك علم معاينة لا علم خبر.

و على هذا يمكن تنزيل قوله عليه السّلام:لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا،و ذلك أنّ الناس يوم القيامة يكشف لهم عن غطاء الأعين فيبصرون و يشاهدون ما كان مخفيّا مستورا عنهم في الدّنيا كما قال سبحانه: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (3)،و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فلم يزل الغطاء مكشوفا عنه ناظرا بالبصر و البصيرة إلى جميع مخلوقات اللّه سبحانه منذ خلق المخلوقات.

و في كتاب القدسيات أنّه قال جبرئيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ اللّه بعث عليّا معك ظاهرا و بعثه مع الأنبياء باطنا كما قال عليه السّلام في خطبه:أنا نجّيت نوح من الغرق و إبراهيم من نار النمرود و يوسف من الجبّ و علمت موسى التوراة و عيسى الإنجيل و هو في المهد و سخّرت الرياح لسليمان و نصرت محمّدا صلّى اللّه عليه و اله.

[في]بصائر الدرجات عن المفضّل بن عمر قال:حمل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام مال من2.

ص: 156


1- -أمالي الطوسي:413 ح 77،و بحار الأنوار:339/23.
2- -سورة الأنعام:75.
3- -سورة ق:22.

خراسان رجلين من أصحابه[لم يزالا يتفقدان المال] (1)حتى مرّا بالرّي فدفع إليهما رجل [من أصحابهما] (2)كيسا فيه ألفا درهم.

فلمّا قربا من المدينة فقدا الكيس،فقال أحدهما:ما نقول لأبي عبد اللّه عليه السّلام؟

فلمّا دخلا المدينة دخلا عليه بالمال فقال لهما:أين كيس الرازي فأخبراه بالقصّة فقال لهما:إن رأيتما الكيس تعرفانه؟قالا:نعم،قال:يا جارية عليّ بكيس كذا و كذا فأخرجت الكيس فقالا:هو ذاك،قال:إنّي احتجت في جوف الليل إلى مال فوجّهت رجلا من الجنّ من شيعتنا فأتاني بهذا الكيس من متاعكما (3).

و عن ابن أبي حمزة قال:خرجت بأبي بصير إلى باب أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا دخلنا فإذا سفط بين يديه مفتوح فجعلت أرتعد فكلّما نظر في الصحيفة ازدادت رعدتي.

فلمّا خرجنا حكيت لأبي بصير فضرب يده على جبهته و قال:ويحك ألا أخبرتني قبلك،و اللّه الصحيفة التي فيها أسامي الشيعة و لو أخبرتني لسألته أن يريك اسمك فيها.

و عن ابن سنان قال:كنّا بالمدينة حين بعث داود بن علي إلى المعلى بن خنيس فقتله فجلس أبو عبد اللّه عليه السّلام في بيته شهرا لم يأته فبعث إليه خمس نفر من الحرس فقال:ائتوني به و إلاّ فبرأسه فدخلوا و نحن نصلّي معه الزوال فقالوا:أجب و إلاّ أمرنا أن نأتيه برأسك، فقال:ما أظنّكم تقتلون ابن رسول اللّه.

قالوا:ما ندري و ما نعرف إلاّ الطاعة،ثمّ لمّا رآهم لا يرجعون رفع يديه فوضعهما على منكبيه ثمّ بسطهما ثمّ دعا بسبّابته فسمعناه يقول:الساعة الساعة فسمعنا صراخا عاليا فقال لهم:أمّا أنّ صاحبكم قد مات و هذا الصراخ عليه فبعثوا رجلا و رجع فقال:قد مات صاحبكم فانصرفوا،فقلت له:جعلنا اللّه فداك ما حاله؟

قال:قتل مولاي المعلى بن خنيس و بعث إلي الآن ليضرب عنقي فدعوت اللّه باسمه الأعظم فبعث إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله،فقلت له:فرفع اليدين ما0.

ص: 157


1- -زيادة من المصدر.
2- -زيادة من المصدر.
3- -بصائر الدرجات:119،و بحار الأنوار:20/27 ح 10.

هو؟

قال:الابتهال،فقلت:فوضع يديك و جمعهما؟

فقال:التضرّع،قلت:فرفع الاصبع؟

قال:البصبصة (1).

أقول: معلّى بن خنيس كان وكيله عليه السّلام و القائم بخاص خدمته أرسل إليه داود والي المدينة ليدلّه على الشيعة فأبى ثمّ قتله و كان الصادق عليه السّلام إذا ذكره يقول:اف للدّنيا سلّط اللّه فيها عدوّه على وليّه و أنّ للمؤمن دار راحة عنها،فيقال له:و أين تلك الدار؟فيقول:تحت هذه الأرض.

و عن الحارث الأزدي قال:قدم رجل من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمّد ففرقة أجابت و فرقة ورعت و وقفت فخرج من كلّ فرقة رجل حتّى دخلوا على أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان المتكلّم منهم الذي ورع و وقف،قد كان مع بعض القوم جارية فخلا بها الرجل و وقع عليها.

فلمّا تكلّم قال عليه السّلام:أنت من أيّ فرقة؟

قال:أنا من الفرقة التي ورعت و وقفت قال:فأين كان ورعك ليلة كذا و كذا؟فارتاب الرجل (2).

و عن أبي عمير الدياري قال:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان له أخ جارودي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:كيف أخوك؟

قلت:هو مرضي في جميع حالاته إلاّ أنّه لا يقول بكم،قال:و ما يمنعه؟

قلت:يتورّع من ذلك،فقال:إذا رجعت إليه فقل له:أين ورعك ليلة نهر بلخ أن تتورّع؟فرجعت و قلت لأخي ما كانت قصّة ليلة نهر بلخ أن تتورّع من أن تقول بإمامة جعفر عليه السّلام و لا تتورّع من ليلة نهر بلخ،قال:و من أخبرك؟

قلت:أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا أخي كلّمه لا يجوز أن تذكر و اللّه ما علم به أحد من خلق اللّه و ذلك إنّي لمّا فرغت من تجارتي و أنا اريد نهر بلخ صحبني رجل معه جارية حسناء4.

ص: 158


1- -بصائر الدرجات:238،و المناقب:357/3.
2- -مدينة المعاجز:316/5،و بصائر الدرجات:264.

حتّى عبرنا نهر بلخ ليلا فذهب مولى الجارية يحصل لنا شيئا و يقتبس لنا نارا فأخذت الجارية إلى غيظة كانت هناك و واقعتها و انصرفت إلى موضعي ثمّ أتى مولاها و قدمنا العراق و ما علم به أحد ثمّ حججنا من قابل فأدخلته عليه فقال:نستغفر اللّه و لا نعود فاستقامت طريقته (1).

أقول: هذا حاله عليه السّلام في اطّلاعه على كلّ واحد من شيعته و غيرهم،و لعلّ من يتذكّر هذا الحال وقت اكتساب الذنب يرجع عنه و إن كان العالم على الإطلاق موجودا في السرّ و العلن إلاّ أنّ كثيرا من الناس يلاحظ اطّلاع البشر و يخاف منه أشدّ من خوفه من اللّه سبحانه.

و عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان أبو عبد اللّه البلخي معه فانتهى إلى نخلة خاوية فقال:أيّتها النخلة السامعة المطيعة لربّها أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك،قال:

فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه فأكلنا حتّى شبعنا فقال البلخي:جعلت فداك كسنة فيكم سنة مريم (2).

أقول: في خطابه سبحانه للنخلة بالسمع و الطاعة لربّها دلالة على أنّ الجمادات من الأشجار و غيرها لها نوع من المعرفة لخالقها و الإطاعة لربّها عزّ شأنه وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (3)حتّى قالوا:إنّ الإعجاز في تسبيح الحصا بيده صلّى اللّه عليه و اله إنّما كان في إسماع الصحابة لا في أصل التسبيح،و قد صنّف الحكيم أبو علي بن سينا رسالة في أنّ الحيوان يعشق و النبات و الجمادات تعشق و أكثر عليه من الدلائل،و لا شكّ أنّ علم العشق علم خاص فوق كثير من العلوم فمن كان له علم العشق كيف لا يكون له علم المعرفة بالخالق و قد حقّقنا هذا المقام في كتاب زهر الربيع بما لا مزيد عليه و نقلنا الأخبار الدالّة عليه و كلام الحكماء من المتقدّمين و المتأخّرين القائلين به.

و عن أبي بصير قال:حججت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا كنّا في الطواف قلت:يا ابن رسول اللّه يغفر اللّه لهذا الخلق؟

فقال عليه السّلام:يا أبا بصير أكثر من ترى قردة و خنازير،فقلت:أرينيهم،فتكلّم بكلمات4.

ص: 159


1- -بصائر الدرجات:269،و بحار الأنوار:75/47.
2- -دلائل الأمامة:268 ح 35،و بحار الأنوار:76/47 ح 45.
3- -سورة الإسراء:44.

ثمّ مرّ يده على بصري فرأيتهم قردة و خنازير فهالني ذلك ثمّ مرّ يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرّة الاولى ثمّ قال:يا أبا محمّد أنتم في الجنّة تحبرون و بين أطباق النار تطلبون فلا توجدون و اللّه لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا و اللّه و لا اثنان لا و اللّه و لا واحد (1).

مسخ المخالفين

أقول: ورد في الحديث أنّ اللّه سبحانه رفع عن هذه الامّة ببركة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله المسخ و الخسف لكنّه يكون فيهم في القيامة الصغرى و الكبرى،و هذا المسخ باطنا باعتبار ما يؤول إليه حالهم.

[عن]عمر بن يزيد قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فبسط رجليه و قال:اغمزها، فأضمرت في نفسي[أن]أسأله عن الإمام بعده فقال:يا عمر ألا أخبرك عن الإمام بعدي؟

ص: 160


1- -بصائر الدرجات:290،و دلائل الأمامة:282.

دعاء ردّ الأموات

[في]الكافي عن جميل بن درّاج قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخلت عليه امرأة فذكرت أنّها تركت ابنها بالملحفة على وجهه ميّتا،قال لها:لعلّه لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي و صلّي ركعتين و ادعي و قولي:يا من وهبه لي و لم يك شيئا جدّد لي هبته، ثمّ حرّكيه و لا تخبري بذلك أحدا قال:ففعلت فجاءت فحرّكته فإذا هو قد بكى (1).

و عن داود الرقي قال:حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال فداك أبي و امّي إنّ أهلي قد توفّيت و بقيت وحيدا،فقال عليه السّلام:أفكنت تحبّها؟

قال:نعم،قال:ارجع إلى منزلك فإنّك سترجع إلى المنزل و هي تأكل.

فلمّا رجعت من حجّتي و دخلت منزلي رأيتها و بين يديها طبق عليه تمر و زبيب و هي تأكل (2).

أقول: أخصّ معجزات المسيح عليه السّلام هو إحياء الموتى و مباشرته بنفسه له.

و قد ورد في صحيح الأخبار أنّ اللّه سبحانه أحيا الأموات لمن يرسله أمير المؤمنين عليه السّلام و هذان الخبران من ذلك القبيل،و العجب ممّا حكى عن بعض علمائنا أنّه كان يتوقّف في تفضيل أمير المؤمنين عليه السّلام على أولي العزم صلوات اللّه عليهم مع أنّ الأخبار في ذلك متواترة و أولوا العزم سلام اللّه عليهم فضّلوا أمير المؤمنين عليه السّلام على أنفسهم في كثير من الروايات فلا مجال للتوقّف في ذلك،و أمّا من فضّلهم على أمير المؤمنين عليه السّلام فقد أغرب و أعجب.

[في]البصائر عن العبدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أنّه قال لبعض غلمانه في شيء جرى:

لئن انتهيت و إلاّ ضربتك ضرب الحمار،قال:جعلت فداك و ما ضرب الحمار؟

قال:إنّ نوحا عليه السّلام لمّا أدخل السفينة من كلّ زوجين اثنين جاء إلى الحمار فأبى أن

ص: 161


1- -الكافي:479/3 ح 11،و بصائر الدرجات:292.
2- -المناقب:365/3،و بحار الأنوار:80/47 ح 64.

يدخل فأخذ جريدة من نخل فضربه ضربة واحدة و قال له:عبساشاطا أي ادخل يا شيطان (1).

نصائح الشيطان

أقول: ورد في الروايات أنّه لمّا قال نوح عليه السّلام للحمار يا شيطان ادخل تعلّق الشيطان بذنبه و ركب معه في السفينة و نوح عليه السّلام كان مشغولا عنه.

فلمّا جرت السفينة على وجه الماء و أخذ الطوفان الأرض و طبقها نظر و إذا الشيطان قاعد صدر السفينة فقال له نوح عليه السّلام:من أمرك بالركوب؟

قال:أنت قلت يا شيطان ادخل،قال:إنّما قلت للحمار،قال:الحمار ليس اسمه الشيطان،و لكن يا نوح لك عندي معروف اريد أن اكافيك عليه،قال:و ما هو؟

قال:دعوت أنت على قومك بدعوة واحدة فأغرقتهم و دخلوا النار و لو كنت أنا الذي أضلّهم و أدخلهم جهنّم لبقيت على هذا زمانا طويلا،فعلم نوح عليه السّلام أنّ الشيطان شمت به فناح على نفسه أربعين سنة و من ذلك سمّي نوح،ثمّ قال له:لا اريد مكافاتك فأوحى اللّه سبحانه إليه:يا نوح اسمع ما يقول و اقبله فإنّي أجري لك الحقّ على لسانه،فقال و ما المكافات؟

قال: النصيحة الأولى أن لا تكون حريصا طامعا،قال:أباك آدم أباح اللّه سبحانه له كلّها[الجنة] (2)و نهاه عن شجرة واحدة منها فدعاه الحرص و الطمع في الخلود بالجنّة إلى أن أكل منها حتّى اخرج من الجنّة.

النصيحة الثانية: أن لا تكون متكبّرا فإنّ اللّه سبحانه أصعدني إلى سماواته و جعل طائفة من الملائكة تبعا لي ثمّ أمرني بالسجود لآدم فتكبّرت على أمره و أبيت و قلت:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين فرماني بعين الغضب و اخرجت من جوار القرب و جعلت هدفا للعن اللاّعنين إلى يوم القيامة فإيّاك الكبر و العجب فإنّ من أبى عن الأمر الإلهي أصابه ما أصابني.

ص: 162


1- -بصائر الدرجات:355،و بحار الأنوار:329/11 ح 50.
2- -زيادة من المصدر.

النصيحة الثالثة: أن لا تعاهد ربّك على فعل من الأفعال فإنّي أمنعك من فعله و لو أنّ أحدا عاهد ربّه أن لا يضرب رأسه بالجدار سوّلت له الأمر و زيّنته له حتّى يضرب رأسه بالجدار.

النصيحة الرابعة: أن لا تخلو بامرأة ليس من محارمك إلاّ و يكون معكما ثالث فإنّك إذا خلوت بها كنت أنا ثالثكم فما أزال أوقعها في قلبك و أزيّنها في نظرك حتّى تأتي بالفعل القبيح،فأوحى اللّه سبحانه:يا نوح اسمع ما قال إبليس.

و عن محمّد بن أحمد قال:دخل قوم من أهل خراسان على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:

ابتداء:من جمع مالا من مهاوش أذهبه اللّه في نهابر،فقالوا:جعلنا فداك لا نفهم هذا الكلام،فقال عليه السّلام:هر مال كه از بادايد بدم شود (1).

أقول: المهاوش ما غصب و سرق و النهاير المهالك،و حاصل المعنى كلّ مال حصل ظلما و تعدّيا يذهب من غير فائدة ينتفع بها منه كما هو واقع في التجارب.

كلامه ذكر الحمام

و عن فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنت قاعدا عنده إذ نظرت إلى زوج حمام عنده فهدر الذكر على الانثى فقال لي:أتدري ما يقول؟

قلت:لا،قال:يقول يا سكني و عرسي ما خلق أحبّ إليّ منك إلاّ أن يكون مولاي جعفر بن محمّد عليهما السّلام (2).

[عن]سليمان بن خالد قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا بظبي يثغو و يحرّك ذنبه، فقال عليه السّلام:أفعل إن شاء اللّه تعالى،فقال:يقول الظبي إنّ بعض أهل المدينة نصب شبكة لانثاه فأخذها و لها خشفان لم يقويا للرعي فيسألني أن أسألهم أن يطلقوها و ضمن لي إنّها إذا أرضعت خشفيها حتّى يقويا أن يردّها عليهم فاستحلفته فقال:برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف و أنا فاعل به ذلك إن شاء اللّه فقال البلخي:سنّة فيكم كسنّة عيسى ابن

ص: 163


1- -بصائر الدرجات:356،و بحار الأنوار:84/47 ح 77.
2- -دلائل الأمامة:283 ح 65،و الأختصاص:293.

مريم عليهما السّلام (1).

[عن]ابن أبي فاختة قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لنا:خزائن الأرض و مفاتيحها لو شئت أن أقول بإحدى رجلي اخرجي ما فيك من الذهب و قال بإحدى رجليه و خطّها في الأرض فانفجرت الأرض فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها فقال:انظروا فيها حتّى لا تشكّوا فنظروا في الأرض فإذا سبابك في الأرض كثيرة بعضها على بعض تتلألأ فقال له بعضنا:جعلنا فداك أعطيتم كلّ هذا و شيعتكم محتاجون؟

فقال:إنّ اللّه سيجمع لنا و لشيعتنا الدّنيا و الآخرة يدخلهم جنان النعيم و يدخل عدوّنا الجحيم (2).

و عن حفص التمّار قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّام صلب المعلّى بن خنيس فقال:يا حفص إنّي أمرت المعلّى بن خنيس بأمر فخالفني فابتلي بالحديد؛إنّي نظرت إليه يوما و هو كئيب حزين فقلت له:كأنّك ذكرت أهلك و ولدك؟

قال:أجل،قلت:ادن منّي فمسحت وجهه فقلت:أين تراك؟

فقال:أراني في بيتي و هذه زوجتي و هذا ولدي فتركته حتّى تملأ منهم و استترت عنهم حتّى نال منها ما ينال الرجل من أهله ثمّ قلت له:يا معلّى إنّ لنا حديثا من حفظ علينا حفظ اللّه دينه و دنياه و من كتم الصعب من حديثنا جعله اللّه نورا بين عينيه و رزقه اللّه العزّة في الناس و من أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتّى يعضه السلاح،يا معلّى و أنت مقتول فاستعدّ (3).

أقول: الأمر الذي خالفه معلّى هو ما في الحديث من أمره له بالكتمان،فإنّ معلّى كان من الذي ألقى إليهم عليه السّلام الأسرار الغامضة و الأحاديث الصعبة التي لا تحتملها العقول و الأسرار الدقيقة و الامور الصعبة إذا تزاحمت في القلب يصعب تحمّلها و كتمانها.

فلمّا أظهر بعضها و اتّصل الخبر بوالي المدينة أمر بقتله كما مرّ.

[عن]عبد اللّه بن سنان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكوثر،فقال:حوض ما بين4.

ص: 164


1- -الأختصاص:298،و بحار الأنوار:265/27.
2- -الكافي:474/1 ح 4،و الأختصاص:269.
3- -الأختصاص:321،و بحار الأنوار:72/2 ح 34.

بصرى و صنعاء يعني الشام و اليمن،أتحبّ أن تراه؟

قلت:نعم،فأخرجني إلى ظهر المدينة ثمّ ضرب برجله فنظرت إلى نهر يجري لا يدرك حافيته إلاّ الموضع الذي أنا فيه فإنّه شبيه بالجزيرة يجري جانبه ماء أبيض من الثلج و من جانبه لبن أبيض من الثلج و في وسطه خمر أحسن من الخمر بين الماء و اللّبن،فقلت:

من أين يخرج هذا[و من أين مجراه] (1)؟

فقال:هذه العيون التي ذكرها اللّه في كتابه أنهار في الجنّة عين من ماء و عين من لبن و عين من خمر تجري في هذا النهر،و رأيت على حافّته شجرا فيهنّ حور معلّقات و بأيديهنّ آنية لم ير أحسن منها في الدّنيا،فأومى إلى إحداهنّ لتسقيه فمالت لتغرف من النهر فمالت الشجر معها فاغترفت و ناولته فشرب ثمّ أومى إليها فاغترفت و ناولته فناولني فشربت و ما رأيت مثله فنظرت في الكأس و إذا فيه ثلاثة ألوان من الشراب فقال:هذا أقلّ ما جعله اللّه لشيعتنا إنّ المؤمن إذا توفّى صارت روحه إلى هذا النهر و رعت في رياضه و شربت من شرابه،و إنّ عدوّنا إذا توفّى صارت روحه إلى برهوت فأخلدت في عذابه و أطعمت من زقّومه و اسقيت من حميمه فاستعيذوا باللّه من ذلك الوادي (2).

[في]كتاب الاختصاص للمفيد عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده رجل من أهل خراسان و هو يكلّمه بلسان لا أفهمه ثمّ رجع إلى شيء أفهمه فسمعته يقول:

اركض برجلك الأرض فإذا نحن بتلك الأرض على حافّتيها فرسان قد وضعوا رقابهم على قرابيس سروجهم فقال عليه السّلام:هؤلاء من أصحاب القائم عليه السّلام (3).

و عن الحسن بن عطية قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام واقفا على الصفا فقال له عبّاد البصري:أنت قلت:حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البلية؟

قال:قد قلت ذلك،إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال اقبلي أقبلت قال:فنظرت إلى الجبال قد أقبلت فقال لها:قفي على رسلك إنّي لم أردك (4).5.

ص: 165


1- -زيادة من المصدر.
2- -الأختصاص:322،و بحار الأنوار:287/6.
3- -الأختصاص:325.
4- -مدينة المعاجز:16/6،و بحار الأنوار:90/47 ح 95.

ملكوت السماوات و الأرض

و في الاختصاص و البصائر عن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال لي:ارفع رأسك فنظرت إلى السقف قد انفجر حتّى خلص بصري إلى نور ساطع حار بصري دونه فقال:هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض هكذا،ثمّ قال لي:اطرق فأطرقت فقال:ارفع رأسك فإذا السقف على حاله ثمّ أدخلني بيتا آخر و لبس ثيابا غير ثيابه و قال لي:غمّض بصرك فغضضت طرفي ساعة،فقال لي:أنت في الظلمة التي دخلها ذو القرنين،فقال لي:افتح عينك فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها شيئا،فقال:أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر عليه السّلام و خرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه و ساكنه و أهله ثمّ خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأوّل و الثاني حتّى وردنا خمس عوالم فقال:هذه ملكوت الأرض و لم يرها إبراهيم و إنّما رأى ملكوت السماوات و هو اثنا عشر عالما في كلّ عالم كهيئة ما رأيت كلّما مضى منّا إمام سكن أحد هذه العوالم حتّى يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه،فقال:غضّ بصرك فغمضت بصري فأخذ بيدي فإذا نحن في البيت الذي خرجنا منه فنزع تلك الثياب و لبس التي كانت عليه و عدنا إلى مجلسنا فقلت:

جعلت فداك كم مضى من النهار؟

فقال عليه السّلام:ثلاث ساعات (1).

أقول: ينبغي أن يحمل على أنّ الخليل عليه السّلام لم ير ملكوت جميع الأرض بل رأى أرضا واحدة هي هذا العالم و لذا أتى لفظ الأرض في الآية بصيغة الافراد.

و قيل:يجوز أن تكون الأرض بالنصب في قراءة أهل البيت عليهم السّلام.

[في]البصائر عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فركض برجله الأرض فإذا بحرفيه سفن من فضة فركب و ركبت معه حتتى انتهى إلى موضع فيه خيام من فضّة فدخلها ثمّ خرج فقال:رأيت الخيمة التي دخلتها أوّلا؟

فقلت:نعم،قال:تلك خيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الاخرى خيمة أمير المؤمنين و الثالثة

ص: 166


1- -الأختصاص:323،و بحار الأنوار:268/46 ح 65.

خيمة فاطمة و الرابعة خيمة الحسن و الخامسة خيمة الحسين و السادسة خيمة عليّ ابن الحسين و السابعة خيمة أبي و الثامنة خيمتي و ليس أحد منّا يموت إلاّ و له خيمة يسكن فيها (1).

[في]الخرائج عن جابر قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا نحن برجل قد أضجع جديا ليذبحبه فصاح الجدي فقال عليه السّلام:كم ثمن هذا الجدي؟

فقال:أربعة دراهم فحلّها من كمه و دفعها إليه و قال:خلّ سبيله قال:فسرنا فإذا الصقر قد انقض على دراجة فصاحت فأومى عليه السّلام إلى الصقر بكمه فرجع عن الدراجة فقلت:لقد رأينا عجبا من أمرك قال:إنّ الجدي لمّا اضجعه الرجل و بصر بي قال:أستجير باللّه و بكم أهل البيت ممّا يراد منّي،و كذلك قالت الدرّاجة و لو أنّ شيعتنا استقامت لأسمعتكم منطق الطير (2).

أقول: معنى قوله:استقامت يعني لم يحدثوا بما رأوا مخالفينا،لأنّ فيه إيقاع الضرر بنا و بهم،و معنى لأسمعتكم يعني فهمتكم حتّى إذا سمعتم منطق الطير عرفتموه بمجرّد السماع.6.

ص: 167


1- -بصائر الدرجات:425،و بحار الأنوار:245/6.
2- -الخرائج و الجرائح:616/2،و مدينة المعاجز:44/6.

معجزات عظيمة

و عن محمّد بن مسلم قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه المعلّى بن خنيس باكيا،قال:و ما يبكيك؟

قال:بالباب قوم يزعمون أنّه ليس لكم علينا فضل و إنّكم و هم شيء واحد،فدعا بطبق من تمر فأخذ تمرة فشقّها نصفين و أكل التمر و غرس النوى في الأرض فنبتت فحملت بسرا و أخذ منها واحدة فشقّها و أخرج منها رقا و دفعه إلى المعلى و قال:اقرأ فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ المرتضى الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين واحدا واحدا إلى الحسن بن عليّ و ابنه (1).

و روي أنّ إبراهيم المدني قال:خرجت إلى الحجّ و كنت أسير تحت محمل أبي عبد اللّه عليه السّلام فرآني كثير الاختلاف فقال:أبك بطن؟

قلت:نعم،قال:أكلت البارحة سمكا؟

قلت:نعم،قال:فأتبعتها بتمرات؟

قلت:لا،قال:أمّا إنّك لو أتبعتها بتمرات ما ضرّك فسرنا حتّى إذا كان وقت الزوال نزل و توضّأ فإذا هو بجذع نخلة فقال:يا جذع أطعمنا ممّا خلق اللّه فيك،قال:رأيت الجذع يهتزّ ثمّ اخضرّ ثمّ اطلع ثمّ اصفرّ فأكل منه و أطعمني كلّ ذلك أسرع من طرفة عين (2).

و روى عن سيّاف بني العبّاس قال:لمّا جاء أبو الدوانيق بأبي عبد اللّه و إسماعيل يعني ابنه أمر بقتلهما و هما في بيت محبوسان فأتى إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخرجه و ضربه بسيفه حتّى قتله ثمّ أخذ إسماعيل ليقتله فقاتله ساعة ثمّ قتله فجاء إليه و قال:قتلتهما و أرحتك منهما.

فلمّا أصبح أبو عبد اللّه و إسماعيل جالسان فاستأذنا،فقال أبو الدوانيق للرجل:

ص: 168


1- -الخرائج و الجرائح:624/2،و بحار الأنوار:102/47.
2- -الخرائج و الجرائح:625/2،و بحار الأنوار:102/47.

ألست زعمت أنّك قتلتهما؟

قال:بلى لقد أعرفهما كما أعرفك،قال:فاذهب إلى موضع قتلهما،فجاء فإذا جزورين منحورين فبهت و رجع و حكى له فنكس رأسه و قال:لا يسمعن منك هذا أحد فكان كقوله تعالى في عيسى: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (1)(2).

و روي أنّ عيسى بن مهران قال:كان رجل من أهل خراسان موسرا و كان محبّا لأهل البيت و كان يحجّ في كلّ سنة و قد قرّر من ماله لأبي عبد اللّه عليه السّلام ألف دينار و كان تحته ابنة عمّ له مثله في اليسار و الديانة فتجهّزت معه في بعض السنين للحجّ و حملت لعيال أبي عبد اللّه عليه السّلام هدايا كثيرة و جعلت ألف دينار في كيس لأبي عبد اللّه عليه السّلام فورد على المدينة و أعلمه عليه السّلام أنّه حجّ بأهله و سأله الإذن لأهله على أهله عليه السّلام فصارت إليهم و فرّقت عليهم.

فلمّا خرجت قال لها زوجها:احضري الألف دينار التي لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقالت:في موضع كذا،فأتى فلم يجدها فاستقرض ألف دينار و رهن حليّ أهله و صار إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:وصلت إلينا الألف وجّهنا إليها من أتى بها من شيعتنا من الجنّ فاسترجع الحليّ ممّن رهنه ثمّ انصرف إلى منزله فوجد أهله في سكرات الموت فقالوا:أصابها وجع في فؤادها فغمّضها و سجّاها و تقدّم في إحضار الكفن و الكافور و أتى إليه عليه السّلام للصلاة عليها فصلّى عليه السّلام ركعتين و دعا ثمّ قال:انصرف إلى رحلك فإنّ أهلك لم تمت و ستجدها تأمر و تنهى،فرجع فوجدها كما وصف عليه السّلام،ثمّ خرج يريد مكّة و خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام للحجّ فبينما المرأة تطوف بالبيت إذ رأت أبا عبد اللّه عليه السّلام يطوف فقالت لزوجها:من هذا الرجل؟

قال:أبو عبد اللّه قالت:هذا و اللّه الرجل الذي رأيته يشفع لي إلى اللّه حتّى ردّ روحي إلى جسدي (3).

و روي أنّ داود الرقّي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل شاب يبكي و يقول:

إنّي نذرت على أن أحجّ بأهلي.

فلمّا أن دخلت المدينة ماتت قال:اذهب فإنّها لم تمت فخرج و رجع ضاحكا قال:8.

ص: 169


1- -سورة النساء:157.
2- -مستدرك سفينة البحار:419/8.
3- -الثاقب في المناقب:180 ح 8،و الخرائج:629/2 ح 28.

دخلت عليها و هي جالسة قال:يا داود أولم تؤمن؟

قال:بلى و ليطمئن قلبي (1).

[عن]عثمان بن عيسى قال:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:ضيّق عليّ اخوتي و بنو عمّي الدار فلو تكلمت،قال:اصبر سيجعل اللّه لك فرجا فانصرفت من سنتي و عدت من قابل فشكوتهم إليه فقال:اصبر،ثمّ عدت في السفرة الثالثة فماتوا كلّهم فقال:ما فعل أهل بيتك؟

قلت:ماتوا،قال:بما صنعوا لك و لعقوقهم إيّاك و قطعهم رحمك (2).

[عن]العلاء بن سيابة قال:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يصلّي فجاء هدهد حتّى وقع عند رأسه حتّى فرغ فقال:جاءني الهدهد فشكى إليه حيّة تأكل فراخه فدعوت اللّه عليها فأماتها،قلت:يا مولاي إنّي لا يعيش لي ولد،قال:هذا ليس من ذلك الجنس و لكن إذا رجعت إلى منزلك فإنّه تدخل كلبة إليك فتريد امرأتك أن تطعمها فقل للكلبة:إنّ أبا عبد اللّه أمرني أن أقول:أميطي عنّا لعنك اللّه فإنّه يعيش ولدك إن شاء اللّه فعاش أولادي و خلّفت غلمانا ثلاثة (3).

[عن]عليّ بن أبي حمزة قال:خرجت مع الصادق عليه السّلام فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة فحرّك شفتيه و قال:يا نخلة أطعمينا،فتمايلت إليه و عليها أوراقها و فيها الرطب فأكلنا فإذا نحن بأعرابي يقول:ما رأيت سحرا أعظم من هذا،فقال عليه السّلام:نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر بل ندعو اللّه فيجيب فإن أحببت أن أدعو اللّه فيمسخك كلبا تهتدي إلى منزلك و تدخل عليهم و تبصبص لأهلك،فقال بجهله:فادع،فصار كلبا في وقته و مضى على وجهه،فقال عليه السّلام:اتبعه،فصار إلى منزله فجعل يبصبص لأهله و ولده فأخذوا له عصا فأخرجوه فأخبرت الصادق عليه السّلام فبينما نحن في حديثه إذ أقبل حتّى وقف بين يديه، و جعلت دموعه تسيل و تمرّغ في التراب يعوي فرحمه فدعا اللّه فعاد أعرابيّا فقال:هل آمنت يا أعرابي؟1.

ص: 170


1- -بحار الأنوار:104/47.
2- -الخرائج و الجرائح:638/2 ح 41،و بحار الأنوار:107/47 ح 134.
3- -الخرائج و الجرائح:643/2 ح 51،و بحار الأنوار:108/47 ح 141.

قال:نعم ألفا و ألفا (1).6.

ص: 171


1- -الخرائج و الجرائح:296.

إحياء الطيور الأربعة

و في الخرائج أيضا عن يونس بن ظبيان قال:كنت عند الصادق عليه السّلام مع جماعة فقلت:قول اللّه لإبراهيم: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ أكانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس؟

قال:تحبّون أن أريكم مثله؟

قلنا:بلى،قال:يا طاووس فإذا طاووس طار إلى حضرته ثمّ قال:يا غراب فإذا غراب بين يديه ثمّ قال:يا بازي فإذا بازي بين يديه ثمّ قال:يا حمامة فإذا حمامة بين يديه ثمّ أمر بذبحها كلّها و بتقطيعها و نتف ريشها و أن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض ثمّ أخذ برأس الطاووس فرأينا لحمه و عظامه و ريشه يتميّز من غيرها حتّى ألصق ذلك كلّه برأسه و قام الطاووس بين يديه حيّا ثمّ صاح بالغراب كذلك و بالبازي و الحمامة كذلك فقامت كلّها أحياء بين يديه (1).

و فيه عن أبي الصلت الهروي عن الرّضا عليه السّلام قال:قال لي أبي موسى عليه السّلام:كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه بعض أوليائنا فقال:في الباب ركب كثير يريدون الدخول عليك،فقال لي:انظر،فإذا جمال كثيرة عليها صناديق و رجل ركب فرسا فقال:أنا رجل من الهند أردت الإمام جعفر بن محمّد،فأعلمت والدي بذلك،فقال:لا تأذن للخائن فلم يدخل مرة حول حتّى تشفّع له يزيد بن سليمان و محمّد بن سليمان فدخل و جثى بين يديه فقال:أنا رجل من الهند من قبل ملكها بعثني إليك بكتاب مختوم و كنت بالباب حولا لم تأذن لي فما ذنبي هكذا يفعل أولاد الأنبياء؟

فقال:و لتعلمنّ نبأه بعد حين،قال موسى عليه السّلام:فأمرني أبي بأخذ الكتاب و فكّه فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس من ملك الهند؛أمّا بعد فقد هداني اللّه على يديك و أنّه أهدى إلي جارية لم أر أحسن منها و لم أجد أحدا

ص: 172


1- -الثاقب في المناقب:199،و بحار الأنوار:417/2.

يستاهلها غيرك فبعثتها إليك مع شيء من الحليّ و الجوهر و الطيب ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة و اخترت من الألف مائة و من المائة عشرة و اخترت من العشرة واحدا و هو ميزاب بن حبّاب لم أر أوثق منه فبعثت على يده هذه، فقال جعفر عليه السّلام:ارجع أيّها الخائن فما أقبلها لأنّك خنت فيها فحلف أنّه ما خان، فقال عليه السّلام:إن شهد بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه؟قال:

أو تعفيني من ذلك؟

قال:اكتب إلى صاحبك بما فعلت قال الهندي:إن علمت شيئا فاكتب،فكان عليه فروة فأمره بخلعها فقام و ركع ركعتين ثمّ سجد و دعا اللّه تعالى بأن يأذن لفرو الهندي أن ينطق بفعله بلسان عربيّ مبين ثمّ قال:أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من الهندي،فانقبضت الفرو و صارت كالكبش و قالت:يا ابن رسول اللّه ائتمنه الملك على هذه الجارية و ما معها حتّى إذا صرنا إلى بعض الصحاري أصابنا المطر و ابتلّ جميع ما معنا ثمّ طلعت الشمس فنادى خادما كان مع الجارية يخدمها يقال به بشر فقال له:لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام.

فلمّا مضى أمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب ضرب في الشمس فخرجت و كشفت عن ساقيها إذ كان في الأرض و حل فنظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها فأجابته و فجر بها و خانك فخرّ الهندي فقال:ارحمني فقد أخطأت و أقرّ بذلك ثمّ صارت فروة كما كانت و أمره أن يلبسها.

فلمّا لبسها انضمّت في حلقه و خنقته حتّى اسودّ وجهه فقال عليه السّلام:أيّها الفرو خلّ عنه حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون هو أولى به منّا فانحلّ الفرو و قال الهندي:اللّه اللّه فيّ فإنّك إن رددت الهدية خشيت أن ينكر ذلك عليّ،فقال:اسلم أعطك الجارية فأبى فقبل الهدية وردّ الجارية.

فلمّا رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر فيه مكتوب:بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمّد الإمام من ملك الهند؛أمّا بعد فقد أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له ورددت الجارية فأنكر ذلك قلبي و علمت أنّ الأنبياء و أولاد الأنبياء معهم فراسة فنظرت إلى الرسول بعين الخيانة فاخترعت كتابا و أعلمته أنّه أتاني منك الخيانة و حلفت أنّه

ص: 173

لا ينجيه إلاّ الصدق فأقرّ بما فعل و أقرّت الجارية و أخبرت بما كان من الفروة فتعجّبت من ذلك و ضربت أعناقهما و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و اعلم أنّي في أثر الكتاب،فترك ملك الهند و أسلم و حسن إسلامه (1).

[في]الخرائج،عن الفضل بن عمر قال:كنت أمشي مع الصادق عليه السّلام بمكّة أو منى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميّتة و هي مع صبيّة لها تبكيان فقال عليه السّلام:ما شأنك؟قالت:و كنت و صبياي نعيش من هذه البقرة و قد ماتت،قال:أفتحبّين أن يحييها اللّه لك؟

قالت:أو تسخر منّي مع مصيبتي؟

قال:ما أردت ذلك ثمّ دعا بدعاء ثمّ ركضها برجله و صاح بها فقامت البقرة مسرعة سويّة فقالت:عيسى ابن مريم و ربّ الكعبة،فدخل الصادق بين الناس فلم تعرفه المرأة (2).

[في]الخرائج،روي أنّ حمّاد بن عيسى سأل الصادق عليه السّلام أن يدعو اللّه ليرزقه ما يحجّ به كثيرا و أن يرزقه ضياعا حسنة و دارا حسناء و زوجة من أهل البيوتات صالحة و أولادا أبرارا،فقال عليه السّلام:اللّهم ارزق حمّاد بن عيسى ما يحجّ به خمسين حجّة و ارزقه ضياعا و دارا حسناء و زوجة صالحة من قوم كرام و أولادا أبرارا،قال بعض من حضره:دخلت على حمّاد بن عيسى بعد سنين في داره بالبصرة فقال لي؛أتذكر دعاء الصادق عليه السّلام لي؟

قلت:نعم،قال:هذه داري ليس في البلد مثلها و ضياعي أحسن الضياع و زوجتي تعرفها من كرام الناس و أولادي تعرفهم و قد حججت ثمانيا و أربعين حجّة،قال:فحجّ حمّاد بعد ذلك حجّتين.

فلمّا حجّ في الحادية و الخمسين و وصل إلى الجحفة و أراد أن يحرم دخل واديا ليغتسل فأخذه السيل و مرّ به فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميّتا فسمّي حماد غريق الجحفة (3).

و عن أبي الصامت الحلواني قال:قلت للصادق عليه السّلام:اعطني شيئا ينفي الشكّ عن قلبي،قال عليه السّلام:هات المفتاح الذي في كمّك فناولته فإذا المفتاح أسد فخفت قال:خذ لا3.

ص: 174


1- -الخرائج و الجرائح:302/1،و بحار الأنوار:114/47.
2- -الخرائج و الجرائح:294/1،و مدينة المعاجز:394/5.
3- -الخرائج و الجرائح:305/1،و بحار الأنوار:117/47 ح 153.

تخف فأخذته فعاد مفتاحا كما كان (1).

و روي أنّ رجلا شكى إليه الحاجة فقال:إنّ اللّه يسهّل الأمر فخرج فلقي في طريقه هميانا فيه سبعمائة دينار فرجع و أخبر الصادق عليه السّلام بما رأى فقال:اخرج و ناد عليه سنة لعلّك تظفر بصاحبه فخرج الرجل و قال؛لا انادي في الأسواق و لا في مجمع الناس و خرج إلى آخر البلد و قال:من ضاع له شيء؟فإذا رجل قال:ذهب منّي سبعمائة دينار في كذا، قال:معي ذلك فأخذه الرجل و أعطاه سبعين منها فأتى الصادق عليه السّلام فتبسّم و قال لجاريته:

هاتي الصرّة فإذا فيها ستّمائة و ثلاثون فقال عليه السّلام:سبعون حلالا خير من سبعمائة حراما (2).

[عن]محمّد بن راشد عن جدّه قال:قصدت إلى جعفر بن محمّد عليهما السّلام أسأله عن مسألة فقالوا في جنازة الحميري فمضيت إلى المقابر و قلت له:أنت إمام هذا الزمان؟

قال:نعم،قلت:فدليل أو علامة،قال:سلني عمّا شئت أخبرك إن شاء اللّه،قال:

إنّي أصبت بأخ لي قد دفنته في هذه المقابر فأحيه لي بإذن اللّه تعالى قال:ما أنت بأهل لذلك و لكن أخوك كان مؤمنا و كان عندنا اسمه أحمد ثمّ دنا من قبره فانشقّ عنه قبره و خرج إليّ و هو يقول:يا أخي اتبعه و لا تفارقه ثمّ عاد إلى قبره و استحلفني على أن لا أخبر أحدا (3).

[في]كتاب المناقب عن مأمون الرقّي قال:دخل سهل بن الحسن الخراساني على الصادق عليه السّلام فقال:أنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك عن حقّك و أنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بالسيف فقال:اجلس يا خراساني فقال لجاريته:أسجري التنوّر فسجرته حتى صار كالجمر و علا لهبه فقال:يا خراساني قم فاجلس في التنوّر،فقال:يا سيّدي لا تعذّبني بالنار،اعفني،فقال:أعفيتك فأقبل هارون المكّي و نعله في سبّابته فقال عليه السّلام:الق النعل و اجلس في التنوّر فجلس في التنوّر فأقبل عليه السّلام يحدّث الخراساني،ثمّ قال:يا خراساني انظر ما في التنوّر فنظر فإذا الرجل متربّع فخرج إلينا و سلّم علينا فقال:كم تجد بخراسان مثل هذا،فقلت:و لا واحدا،فقال:أمّا أنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة9.

ص: 175


1- -الخرائج و الجرائح:306/1،و بحار الأنوار:117/47 ح 154.
2- -الخرائج و الجرائح:709/2،و بحار الأنوار:117/47 ح 155.
3- -الخرائج و الجرائح:743/2،و بحار الأنوار:117/47 ح 159.

معاضدين لنا (1).

و عن ابن أبي كثير الكوفي قال:كنت لا أختم صلاتي و لا أستفتحها إلاّ بلعنهما فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق فنزل إلى بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثمّ ردّهما إلى الضريح و عاد مرتفعا فسألت:من هذا الطائر و ما هذا الخلوق؟فقيل:هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلقهما فأزعجني ما رأيت و أصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما فدخلت على الصادق عليه السّلام.

فلمّا رآني ضحك و قال:رأيت الطائر؟

فقلت:نعم يا سيّدي،فقال:اقرأ إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها،و اللّه ما هو ملك موكّل بهما لإكرامهما بل هو ملك موكّل بمشارق الأرض و مغاربها إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما لأنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا (2).

أقول: كون هذه النجوى من الشيطان باعتبار أنّه خيّل إليه أنّ ذلك الطائر ملك جاء لإكرامهما كما وقع في الجواب لمّا سئل في المنام و ذلك الذي أجابه شيطان،لأنّ قوله يخلقهما يعني يطيّبهما بالخلوق و هو طيب خاص مركّب من أنواع من الطيب و أكثر ما يطيب به الكعبة.

كلام الحمام و الورشان

و عن مغيث قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام و رآه يضحك في بيته:جعلت فداك لست أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا بجلوسك في بيتي أو ضحكك،قال:إنّه هدر الحمام الذكر على الانثى فقال:أنت سكني و عرسي ما خلق اللّه أحبّ إليّ منك إلاّ هذا الجالس على الفراش و ما حرصي عليك هذا الحرص إلاّ طمعا أن يرزقني اللّه ولدا منك يحبّون أهل البيت.

ص: 176


1- -المناقب:363/3،و مدينة المعاجز:115/6.
2- -المناقب:363/3،و بحار الأنوار:617/31 ح 93.

و عنه عليه السّلام قال:يقول الورشان لأهل ذلك البيت قدستم قدستم (1).

المناقب و الخرائج عن هشام بن الحكم قال:كان رجل من ملوك أهل الجبل.

دار الهمداني في الجنّة

يأتي الصادق عليه السّلام في حجّة كلّ سنة فينزله عليه السّلام في دار من دوره بالمدينة و طال حجّه و نزوله فأعطى أبا عبد اللّه عليه السّلام عشرة آلاف درهم ليشترى له دارا و خرج إلى الحجّ.

فلمّا انصرف قال:جعلت فداك اشتريت لي الدار؟

قال:نعم و أتى بصك فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما اشترى جعفر بن محمّد لفلان بن فلان الجبلي اشترى له دارا في الفردوس حدّها الأوّل دار رسول اللّه و الحدّ الثاني دار أمير المؤمنين و الحدّ الثالث دار الحسن بن عليّ و الرابع دار الحسين بن عليّ.

فلمّا قرأ الرجل ذلك قال:قد رضيت جعلني اللّه فداك،فقال عليه السّلام:إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن و الحسين و أرجو أن يتقبّل اللّه ذلك و يثيبك به الجنّة فانصرف الرجل إلى منزله و كان الصكّ معه ثمّ اعتلّ علّة الموت.

فلمّا حضرته الوفاة جمع أهله و حلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه ففعلوا ذلك فلمّا أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا الصّك على ظهر القبر مكتوب عليه:وفا لي و اللّه جعفر بن محمّد بما قال (2).

ص: 177


1- -مدينة المعاجز:89/6،و بحار الأنوار:124/47.
2- -المناقب:359/3،و بحار الأنوار:134/47.

فيه توبة الأموي

[عن]عليّ بن أبي حمزة قال:كان لي صديق من كتّاب بني اميّة فقال لي:استأذن لي على أبي عبد اللّه فاستأذنت له فدخل و سلّم و جلس و قال:جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا أغمضت في مطالبه،فقال أبو عبد اللّه:لولا أنّ بني اميّة وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا،فقال الفتى:جعلت فداك فهل لي من مخرج منه؟

قال:إپن قلت لك تفعل؟

قال:أفعل،قال:اخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرفه تصدّقت به و أنا أضمن لك على اللّه الجنّة،فأطرق الفتى طويلا فقال:فعلت جعلت فداك،قال ابن أبي حمزة:فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا إلاّ خرج منه حتّى ثيابه التي كانت على بدنه فقسّمنا له قسمة و اشترينا له ثيابا و بعثنا له بنفقة فما أتى عليه أشهر قلائل حتّى مرض فكنّا نعوده فدخلت عليه يوما و هو في السياق ففتح عينيه ثمّ قال:يا علي وفا لي و اللّه صاحبك،ثمّ مات فولّينا أمره فخرجت حتّى دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا نظر إليّ قال:يا عليّ وفينا و اللّه لصاحبك،فقلت:صدقت جعلت فداك هكذا قال لي و اللّه عند موته (1).

[عن]داود الرقي قال:خرج اخوان يريدان مزار قبر أمير المؤمنين أو الحسين عليه السّلام فعطش أحدهما عطشا شديدا حتّى سقط من الحمار فقام الآخر و صلّى و دعا اللّه سبحانه و محمّدا و الأئمّة واحدا واحدا إلى جعفر بن محمّد فلم يزل يدعوه و يلوذ به فإذا هو برجل قد قام عليه فناوله قطعة عود و قال:ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه و استوى جالسا و لا عطش به فمضى حتى زار القبر.

ص: 178


1- -الكافي:106/5 ح 4،و تهذيب الأحكام:332/6 ح 41.

فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدّعاء المدينة فدخل على الصادق عليه السّلام فقال له:ما حال أخيك أين العود؟

فقال:يا سيّدي نسيت العود من الفرح فقال عليه السّلام:أتاني الخضر فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى ثمّ التفت إلى خادم له فأتاه بسفط ففتحه و أخرج منه قطعة العود بعينها فعرفها ثمّ ردّها إلى السّفط.

[عن]داود النيلي قال:خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إلى الحجّ فلمّا كان الظهر قال:

اعدل بنا عن الطريق للصلاة،فقلت:إنّها أرض قفر لا ماء فيها،فقال:اسكت،فعدلنا و نزلنا فركض الأرض برجله فنبع منها عين ماء فصلّينا.

فلمّا أردنا المسير التفت فإذا بجذع نخل فهزّه فاخضرّ من أسفله إلى أعلاه فأطعمنا اثنين و ثلاثين نوعا من أنواع الرطب ثمّ قال:عد نخرا بإذن اللّه تعالى فعاد كسيرته الاولى (1).

[في]أمالي أبو الفضل قال أبو حازم:قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة و أنا معه على عهد المنصور و قدمها جعفر بن محمّد عليهما السّلام فخرج جعفر يريد الرجوع إلى المدينة فشيّعه العلماء و أهل الفضل من أهل الكوفة و كان فيهم سفيان الثوري و إبراهيم بن أدهم فتقدّم المشيّعون له فإذا هم بأسد على الطريق فقال لهم إبراهيم:قفوا حتّى يأتي جعفر فننظر ما يصنع فجاء جعفر عليه السّلام فدنا من الأسد فأخذ باذنه فنحّاه عن الطريق فقال:أمّا أنّ الناس لو أطاعوا اللّه حقّ طاعته لحملوا عليه أثقالهم (2).

[في]كتاب الدلائل للحميري عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ قال:

هل تعرف إمامك؟

قلت:إي و اللّه[الذي لا إله إلا هو] (3)أنت هو،فقال:صدقت فاستمسك به،قلت:

اريد أن تعطيني علامة الإمام لأزداد يقينا،قال:ترجع إلى الكوفة و قد ولد لك عيسى و من بعد عيسى محمّد و من بعدهما ابنتان و اعلم أنّ ابنيك مكتوبان عندنا في الصحيفة الجامعة مع أسماء شيعتنا و أسماء آبائهم و امّهاتهم و أجدادهم و أنسابهم و ما يلدون إلى يوم القيامةر.

ص: 179


1- -دلائل الأمامة:298 ح 90،و بحار الأنوار:139/47.
2- -المناقب:367/3،و بحار الأنوار:139/47.
3- -زيادة من المصدر.

و أخرجها فإذا هي صفراء مدرجة (1).

و عن أبي بصير قال:كان لي جار يتبع السلطان فأصاب مالا فاتّخذ قيانا و كان يشرب المسكر و يؤذيني فشكوته إلى نفسه غير مرّة فلم ينته.

فلمّا ألححت عليه قال:يا هذا أنا رجل مبتلى و أنت رجل معافا فلو عرفّتني لصاحبك رجوت أن يستنقذني اللّه بك،فوقع ذلك في قلبي.

فلمّا صرت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ذكرت له حاله فقال لي:إذا رجعت إلى الكوفة فإنّه سيأتيك فقل له:يقول لك جعفر بن محمّد:دع ما أنت عليه و أضمن لك على اللّه الجنّة، فلمّا رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى فاحتبسته حتّى خلا منزلي فقلت:يا هذا إنّي ذكرتك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:اقرأه السلام و قل له يترك ما هو عليه و أضمن له على اللّه الجنّة،فبكى ثمّ قال اللّه قال لك جعفر هذا؟

قال:فحلفت له أنّه قال لي ما قلت لك فقال لي:حسبك و مضى.

فلمّا كان بعد أيّام بعث إليّ و دعاني فإذا هو خلف باب داره عريان فقال:ما بقي في منزلي شيء إلاّ و خرجت منه و أنا كما ترى فمشيت إلى اخواني فجمعت له ما كسوته ثمّ لم يأت عليه إلاّ أيّام يسيرة حتّى بعث إلي أنّي عليل فأتني فجعلت أختلف إليه و اعالجه حتّى نزل به الموت فكنت عنده جالسا و هو يجود بنفسه ثمّ غشي عليه غشية ثمّ أفاق فقال:يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا ثمّ مات،فحججت فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت عليه.

فلمّا دخلت قال لي مبتدئا من داخل البيت:يا أبا بصير قد وفينا لصاحبك (2).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بين مكّة و المدينة إذا التفت عن يساره فرأى كلبا أسود فقال:ما لك قبّحك اللّه ما أشدّ مسارعتك فإذا هو شبيه الطائر فقال:هذا عثم بريد الجنّ مات هشام الساعة و هو يطير ببغاه في كلّ بلد (3).

أقول: الامور الغريبة مثل موت الأعاظم و وقوع عجائب الامور تنقله الجنّ إلى البلدان و يتصوّرون بصور الرّجال لحكاية ذلك الخبر ثمّ إذا أخذ التأريخ يوجد موافقا8.

ص: 180


1- -دلائل الأمامة:263 ح 29،و مدينة المعاجز:436/5.
2- -الكافي:475/1 ح 5،و مدينة المعاجز:311/5 ح 67.
3- -دلائل الأمامة:279 ح 52،و وسائل الشيعة:388/8.

لوقوعه.

و قد يتّفق مثل هذا كثيرا في قوافل الحاجّ فإنّهم في الطريق يخبرون بما يقع في النواحي البعيدة موافقا لوقوعه.

[في]الكشي بإسناده إلى داود الرقي قال:دخلت على الصادق عليه السّلام فسألته عن الطهارة فقال:واحدة و أضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله واحدة لضعف الناس و من يتوضّأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له،ثمّ دخل داود بن زربى فسأله عن عدّة الطهارة فقال:ثلاثا ثلاثا من نقض فلا صلاة له فارتعدت فرائصي و كاد يدخلني الشيطان،فقال عليه السّلام:اسكن يا داود هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق،فخرجنا من عنده و كان ابن زربى إلى جوار بستان المنصور العبّاسي و كان ألقي إليه أنّ ابن زربى رافضي يختلف إلى جعفر بن محمّد،فقال المنصور:

إنّي مطّلع إلى طهارته فإن توضّأ وضوء جعفر بن محمّد قتلته فاطّلع و هو يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ الوضوء ثلاثا ثلاثا من حيث لا يراه فما تمّ وضوءه حتّى بعث إليه المنصور.

فلمّا دخل عليه قال:يا داود قيل فيك شيء باطل إنّي اطّلعت على طهارتك و ليست طهارة الرافضة فاجعلني في حلّ و أمر له بمائة ألف درهم فقال الرقي:لقيت ابن زربى عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:جعلت فداك حقنت دماءنا في دار الدّنيا و نرجوا أن ندخل ببركتك الجنّة،فقال:فعل اللّه ذلك بك و بإخوانك من المؤمنين فقال:يا داود بن زربى حدّث داود الرقي بما مرّ عليك حتّى تسكن روعته فحدّثه بالأمر كلّه،فقال عليه السّلام:لهذا أفتيته لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ،ثمّ قال:يا داود بن زربى توضّأ مثنى مثنى و لا تزد عليه فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك (1).

أقول: إذا كان الرجل من الشيعة في بلاد المخالفين و هو يتطهّر و يصلّي في بيته أو في موضع يأمن بحسب ظنّه اطّلاعهم عليه،فهل يجب عليه ملازمة التقيّة في السرّ أم لا؟ذهب جماعة من علمائنا المتأخّرين إلى الأوّل و في بعض الروايات دلالة عليه لأنّه قد يتّفق اطّلاعهم عليه من حيث لا يشعركما وقع كثيرا فهو غير جازم بحصول السلامة.

و حدّثني بعض مشايخي أنّ بعض المجتهدين من علمائنا كان قاطنا بمكّة زادها اللّه2.

ص: 181


1- -مدينة المعاجز:130/6 ح 336،و بحار الأنوار:153/47 ح 212.

شرفا و بقي ثلاثين سنة يتطهّر و يصلّي في منزله على طريق الشيعة لظنّه السلامة ثمّ إنّه قضى تلك الأعوام كلّها لأنّه ظهر له من دليل الحكم أنّ الواجب عليه في تلك الأعوام الكثيرة هو الإتيان بطريقة التقيّة.

و عندي في هذا توقّف و لا يمكن الأخذ بالاحتياط هنا إلاّ أنّ أكثر أصحابنا رضوان اللّه عليهم فعلوا العبادات في منازلهم و نحوها في بلاد أهل الخلاف على قانون الشريعة و لعلّ هذا هو الأقوى و الأخبار إن ورد شيء منها دالاّ على الأوّل كان سبيله التأويل بما يرجع إلى هذا الحديث.

[في]الكافي عن إسماعيل القرشي قال:أتى إلى الصادق عليه السّلام رجل فقال:رأيت في منامي كأنّي خارج من الكوفة و كأنّ رجلا منحوتا من خشب يلوح بسيفه و أنا اشاهده فزعا مرعوبا فقال عليه السّلام:أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته فاتّق اللّه،فقال الرجل:أشهد أنّك اوتيت علما من معدنه؛إنّ رجلا من جيراني جاءني و عرض عليّ ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير يعني بنقص عن قيمتها لما عرفت أنّه ليس لها طالب غيري،فقال عليه السّلام:

و صاحبك يتولاّنا و يبرء من عدوّنا؟

فقال:نعم لو كان ناصبيا حلّ لي اغتياله؟

فقال:أدّ الأمانة لمن ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلى قاتل الحسين عليه السّلام (1).

أقول: لا تناسب ظاهرا بين التعبير إلاّ أنّ الدّنيا و معايشها لمّا كانت خيالات و أضغاث أحلام و كان الاغتيال و الغدر هنا واقعا بها جاء التخويف بالشيخ من الخشب و لو كان الاغتيال واقعا في النفوس لكان التخويف بالرجل و الحيوان و نحوهما.

[في]مشارق الأنوار:روي أنّ المنصور العبّاسي دعاه عليه السّلام يوما فركب معه إلى بعض النواحي فجلس المنصور إلى تلّ هناك و هو عليه السّلام إلى جانبه فجاء رجل و همّ أن يسأل المنصور ثمّ أعرض عنه و سأل الصادق عليه السّلام فحثى له من رمل هناك ملأ يده ثلاث مرّات و قال له:اذهب و اغل،فقال له بعض حاشية المنصور:أعرضت عن الملك و سألت فقيرا لا يملك شيئا؟

فقال الرجل:إنّي سألت من أنا واثق بعطائه فجاء بالتراب إلى بيته فقالت له زوجته:8.

ص: 182


1- -الكافي:293/8،و بحار الأنوار:155/47 ح 218.

من أعطاك هذا؟

فقال:جعفر و قال لي:اغل،فقالت:إنّه صادق فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رائحة الغنا،فأخذ الرجل جزوا و مرّ به إلى بعض اليهود فأعطاه فيه عشرة آلاف درهم و قال:ائتني بباقيه على هذه القيمة (1).

[في]عيون المعجزات للسيّد المرتضى طاب ثراه عن داود الرقي قال:كنّا في منزل أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن نتذاكر فضائل الأنبياء فقال مجيبا لنا؛ما خلق اللّه نبيّا إلاّ محمّد صلّى اللّه عليه و اله أفضل منه ثمّ خلع خاتمه و وضعه على الأرض و تكلّم بشيء فانشقّت الأرض بقدرة اللّه تعالى فإذا نحن ببحر عجاج في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء في وسطها قبّة من درّة بيضاء حولها دار خضراء مكتوب عليها:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين،بشّر القائم فإنّه يقاتل الأعداء و ينصره اللّه بالملائكة عدد نجوم السماء،ثمّ تكلّم بكلام فقال:ادخلوا القبّة التي في وسط السفينة فدخلناها فإذا فيها أربعة كراسي من ألوان الجواهر فقعد هو على أحدها و أجلس موسى و إسماعيل كلّ واحد على كرسيّ ثمّ قال للسفينة:سيري بقدرة اللّه تعالى،فسارت في بحر عجاج بين جبال الدرّ و الياقوت ثمّ أدخل يده في البحر و أخرج دررا و ياقوتا و قال:يا داود إن كنت تريد الدّنيا فخذ حاجتك،فقلت:

لا حاجة لي في الدّنيا فرمى به في البحر و سارت السفينة حتّى انتهينا إلى جزيرة عظيمة و إذا فيها قباب من الدرّ الأبيض مفروشة بالسندس و الاستبرق محفوفة بالملائكة فأقرّوا له بالولاية،فقلت:لمن هذه القباب؟

قال:للأئمّة من ذرّية محمّد صلّى اللّه عليه و اله كان إذا قبض إمام صار إلى هذا الموضع إلى الوقت المعلوم،ثمّ قال:قوموا بنا فقمنا و وقفنا بباب إحدى القباب المزيّنة و هي أجلّها و أعظمها و سلّمنا على أمير المؤمنين عليه السّلام و هو قاعد فيها ثمّ عدل بنا إلى قبّة اخرى فسلّمنا على الحسن بن عليّ عليهما السّلام و عدلنا إلى قبّة بإزائها فسلّمنا على الحسين بن عليّ عليهما السّلام ثمّ على عليّ ابن الحسين ثمّ على محمّد بن عليّ ثمّ عدل إلى بيته بالجزيرة و إذا فيها قبّة عظيمة من درّة بيضاء مزيّنة بفنون الفرش و الستور و إذا فيها سرير من ذهب مرصّع بأنواع الجواهر، فقلت:يا مولاي لمن هذه القبّة؟7.

ص: 183


1- -بحار الأنوار:156/47.

فقال:للقائم منّا أهل البيت صاحب الزمان عليه السّلام ثمّ تكلّم بشيء فإذا نحن فوق الأرض بالمدينة في منزله عليه السّلام و أخرج خاتمه و ختم الأرض بين يديه فلم أر فيها صدعا.

أقول: هذا البحر و القباب و ما شاهدوا يجوز أن يكون من جملة وادي السلام جنّة الدّنيا الذي مبدءه ظهر الكوفة،و يجوز أن يكون في غيرها ممّا كان مخصوصا بهم عليهم السّلام و هذه الأسرار و نحوها لا يحتملها عقول أكثر شيعتهم فمن ثمّ ذهبوا فيهم إلى المذاهب البعيدة كالربوبيّة و النبوّة و غير ذلك (1).7.

ص: 184


1- -وفيات الأئمة:229،و بحار الأنوار:159/47.

الفصل الثالث

اشارة

فيما جرى بينه و بين ولاة المخالفين و علمائهم و ما يتبع ذلك

[في]الأمالي،قال:بعث المنصور الدوانيقي إلى الصادق عليه السّلام فقال:حديث حدّثتنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي،قال:نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إنّ الرجل ليصل رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها اللّه ثلاثين سنة و يقطعها و قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها اللّه ثلاثة سنين ثمّ تلا قوله تعالى: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1)قال:هذا حسن يا أبا عبد اللّه و ليس إيّاه أردت،قال:نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:صلة الرحم تعمّر الديار و تزيد في الأعمار و إن كان أهلها غير أخيار.قال:

هذا أحسن يا أبا عبد اللّه و ليس هذا أردت،فقال:نعم،حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:صلة الرحم تهون الحساب و تقي ميتة السوء،قال:

نعم،هذا أردت (2).

و عن الربيع قال:دعاني المنصور يوما فقال:يا ربيع احضر جعفر بن محمّد و اللّه لأقتلنّه،فوجّهت إليه.

فلمّا وافى قلت:يا ابن رسول اللّه إن كان لك وصيّة أو عهد تعهده،فافعل فقال:

استأذن لي عليه.

فلمّا دخل على المنصور رأيته يحرّك شفتيه فقام إليه المنصور و اعتنقه و قال له:ارفع حوائجك فأخرج رقاعا لأقوام و قضيت حوائجه،فقال له المنصور:ارفع حوائج نفسك، فقال:لا تدعني حتّى أجيئك،فقال:ما لي إلى ذلك سبيل و أنت تزعم للناس أنّك تعلم الغيب فقال:من أخبرك بهذا؟

ص: 185


1- -سورة الرعد:39.
2- -أمالي الطوسي:480،و بحار الأنوار:163/47.

قال:هذا الشيخ القاعد،فقال عليه السّلام:أنت سمعتني أقول هذا؟

قال:نعم،قال جعفر للمنصور:أيحلف؟

فقال له المنصور:احلف.

فلمّا بدأ الشيخ في اليمين قال عليه السّلام للمنصور:حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّ العبد إذا حلف باليمين التي ينزّه اللّه عزّ و جلّ فيها و هو كاذب امتنع اللّه عزّ و جلّ عن عقوبته عليها في عاجلته لما نزّه اللّه عزّ و جلّ و لكنّي أنا أستحلفه،فقال المنصور ذلك لك،فقال عليه السّلام للشيخ:قل أبرأ إلى اللّه من حوله و قوّته و ألجأ إلى حولي و قوّتي إن لم أكن أسمعك تقول هذا القول،فتلكّأ الشيخ فرفع المنصور عمودا كان في يده فقال:لئن لم تحلف لأعلونّك بهذا العمود فحلف الشيخ فما أتمّ اليمين حتّى دلع لسانه كما يدلع الكلب و مات لوقته و نهض جعفر (1).

دعاء ردّ القتل

قال الربيع:فقال لي المنصور:ويلك اكتمها الناس لا يفتتنون،فقلت:يا ابن رسول اللّه إنّ المنصور كان قد همّ بأمر عظيم.

فلمّا رآك زال ذلك،فقال:إنّي رأيت البارحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في النوم فقال لي:يا جعفر خفته؟

قلت:نعم يا رسول اللّه،فقال:إذا وقعت عينك عليه فقل ببسم اللّه أستفتح و ببسم اللّه أستنجح و بمحمّد صلّى اللّه عليه و اله أتوجّه،اللّهمّ ذلّل إلي صعوبة أمري و كلّ صعوبة و سهّل حزونة أمري و كلّ حزونة و اكفني مؤونة أمري و كلّ مؤونة (2).

و روى الصدوق في كتاب صفات الشيعة بإسناده قال:قال أبو جعفر الدوانيقي بالحيرة للصادق عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه ما بال الرجل من شيعتكم يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد حتّى يعرف مذهبه؟

ص: 186


1- -أمالي الطوسي:461،و بحار الأنوار:164/47.
2- -أمالي الطوسي:461،و بحار الأنوار:164/47.

قال عليه السّلام:ذلك لحلاوة الإيمان في صدورهم من حلاوته يبدو تبديا (1).

و عن الربيع صاحب المنصور قال يوما المنصور لأبي عبد اللّه عليه السّلام و قد وقع على المنصور ذباب فذبه عنه ثمّ وقع عليه و هكذا ثلاثا فقال:يا أبا عبد اللّه لأيّ شيء خلق اللّه عزّ و جلّ الذباب؟

قال:ليذلّ به الجبّارين.

أقول: سمّي الذباب لأنّه كلّما ذب آب (2).

[في]العلل عن الصادق عليه السّلام قال:كنت عند زياد بن عبيد اللّه و جماعة من أهل بيتي فقال:يا بني عليّ و فاطمة ما فضلكم على الناس؟فسكتوا،فقلت:إنّ من فضلنا على الناس إنّا لا نحبّ أن نكون من أحد سوانا و ليس أحد من الناس لا يحبّ أن لا يكون منّا إلاّ أشرك ثمّ قال:ارووا هذا الحديث (3).

الخلق الذين يسكنون الهواء

[في]الخرائج عن صفوان الجمّال قال:كنت بالحيرة مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ أقبل الربيع و قال:أجب أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد،قلت:أسرعت الانصراف؟

قال:اسأل الربيع فخرجت إلى الربيع و سألته فقال:أخبرك العجب إنّ الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البرّ خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على الخليفة فلمّا رآه قال:نحه و ادع جعفرا فدعوته فقال:يا أبا عبد اللّه أخبرني عن الهوى ما فيه؟

قال في الهوى موج مكفوف،قال:فيه سكّان؟

قال:نعم،قال:فما سكّانه؟

قال:خلق أبدانهم كأبدان الحيتان و رؤوسهم رؤوس الطيور و لهم أعراف كأعراف الديكة و بغابغ كبغابغ الديكة و أجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشدّ بياضا من الفضّة المجلوّة،فقال الخليفة:هلم الطشت،فجئت بها و فيها ذلك الخلق و إذا هو و اللّه كما وصفه

ص: 187


1- -صفات الشيعة:15،و بحار الأنوار:166/47.
2- -علل الشرائع:496/2،و بحار الأنوار:166/47 ح 6.
3- -علل الشرائع:583/2 ح 24،و بحار الأنوار:241/26 ح 4.

جعفر.

فلمّا نظر إليه جعفر قال:هذا هو الخلق الذي يسكن الموج المكفوف فأذن له بالانصراف.

فلمّا خرج قال:ويلك يا ربيع هذا الشجى المعترض في حلقي من أعلم الناس (1).

صلة الأرحام و كيف فعلها في الأعمار

و في كتاب المهج حديث طويل و فيه:أنّ المنصور العبّاسي أشخص الصادق عليه السّلام من المدينة إلى العراق قاصدا قتله فدخل عليه و هو يدعو.

فلمّا وصل إليه سكن غضبه و أجلسه معه على السرير و قال له:يا أبا عبد اللّه إنّما أحضرتك لأشكو إليك أهلك قطعوا رحمي و ألّبوا الناس عليّ،فقال جعفر:يا أمير المؤمنين فأين يعدل بك عن سلفك الصالح؛إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلى فصبر و أنّ يوسف ظلم فغفر و أنّ سليمان أعطى فشكر،فقال المنصور:قد صبرت و غفرت و شكرت ثمّ قال:يا أبا عبد اللّه حدّثنا حديثا كنت سمعته منك في صلة الأرحام،قال:نعم حدّثني أبي عن جدّي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:البرّ و صلة الأرحام عمارة الدّنيا و زيادة الأعمار.

قال:ليس هذا هو قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من أحبّ أن ينسأ في أجله و يعافا في بدنه فليصل رحمه قال:ليس هذا،قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:رأيت رحما متعلّقة بالعرش تشكو إلى اللّه تعالى قاطعها،فقلت:يا جبرئيل كم بينهم؟

قال:سبعة آباء،قال:ليس هذا قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:احتضر بار و في جواره رجل عاق فقال اللّه عزّ و جلّ لملك الموت:كم بقي من أجل العاق؟

قال:ثلاثون سنة قال:حوّلها إلى هذا البار،فقال المنصور:يا غلام ائتني بالغالية يعني الطيب فعطّره بيده و أركبه دابّته و سرّحه إلى منزله،و الدّعاء موجود في ذلك الكتاب (2).

ص: 188


1- -الخرائج و الجرائح:640/2،و بحار الأنوار:170/47 ح 14.
2- -مستدرك الوسائل:244/15 ح 30،و بحار الأنوار:194/47.

دخول الصادق عليه السلام على المنصور العبّاسي لعنه اللّه

و في ذلك الكتاب أيضا عن محمّد بن الربيع الحاجب قال:قعد المنصور يوما في قصره في القبّة الخضراء و كانت قبل قتل محمّد و إبراهيم تدعا الحمراء و كان له يوم يقعد فيه يسمّى يوم الذبح و قد كان أشخص جعفر بن محمّد من المدينة فلم يزل في الحمراء نهاره كلّه حتى مضى أكثر الليل فدعى أبي الربيع فقال:يا ربيع إنّك تعرف موضعك منّي و أنّى يكون لك الخير فسر الساعة إلى جعفر بن محمّد فائتني به على الحال الذي تجده عليه لا تغيّر شيئا ممّا هو عليه،فقلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و إن أتيت به على ما أراه من غضبه قتله و ذهبت الآخرة و إن لم آت به قتلني و قتل نسلي فمالت نفسي إلى الدّنيا.

قال محمّد بن الربيع:فدعاني أبي و كنت أغلظ أولاده قلبا،فقال:امض إلى جعفر ابن محمّد فتسلّق على حائطه و لا تستفتح عليه بابا فيغيّر بعض ما هو عليه فأت به على الحال التي هو فيها فأتيته و قد ذهب الليل إلاّ أقلّه فأمرت بنصب السلاليم و تسلّقت الحائط فوجدته قائما يصلّي و عليه قميص و منديل قد ائتزر به.

فلمّا سلّم من صلاته قلت:أجب أمير المؤمنين فقال:دعني أدعو و ألبس ثيابي، فقلت:ليس إلى[تركك و] (1)ذلك سبيل،قال:فأدخل المغتسل فأتطهر،قلت:لا، فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه و منديله و كان قد جاوز السبعين.

فلمّا مضى بعض الطريق ضعف فرحمته و نعلته نعل رجل كان معنا ثمّ صرنا إلى الربيع فسمعته و هو يقول له:ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل.

فلمّا أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمّد بكى و كان الربيع يتشّيع فقال له عليه السّلام:يا ربيع أعلم ميلك إلينا فدعني اصلّي ركعتين و أدعو،قال:شأنك و ما تشاء،فصلّى ركعتين خفّفهما ثمّ دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه.

فلمّا فرغ أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور.

ص: 189


1- -زيادة من المصدر.

فلمّا صار في صحن الايوان حرّك شفتيه فقال له:يا جعفر ما تدع حسدك و إفسادك على بني العبّاس،فقال:يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا و لقد كنت في ولاية بني اميّة و أنت تعلم أنّهم أعدى الخلق لنا و لكم و لا حقّ لهم في هذا الأمر فما بغيت عليهم و كيف أصنع الآن و أنت ابن عمّي و أكثر الناس بي عطاء و برّا؟فأطرق المنصور ساعة و كان تحت لبدها سيف كان لا يفارقه إذا قعد في القبّة فأخرجه و أخرج إليه كتبا و قال:هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي فقال:ما فعلت و لا أستحلّ ذلك و إنّي لمن يعتقد طاعتك على كلّ حال و قد بلغت من السنّ ما أضعفني عن ذلك لو أردته فصيّرني في بعض جيوشك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب،فقال:لا و لا كرامة ثمّ ضرب يده إلى السيف و سلّ منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه فقلت:إنّا للّه ذهب و اللّه الرجل ثمّ ردّ السيف ثمّ قال:يا جعفر أما تستحيي مع هذه الشيبة أن تنطق بالباطل و تشقّ عصا المسلمين و تطرح الفتنة بين الرعية و الأولياء؟

فقال:ما فعلت و لا هذه كتبي و لا خطّي فانتضئ من السيف ذراعا فقلت:في نفسي إن أمرني بقتله عصيته و ضربت المنصور و إن أتى ذلك عليّ و على ولدي،فأقبل يعاتبه و جعفر يعتذر ثمّ انتضئ السيف و أطرق ساعة ثمّ رفع رأسه و قال:أظنّك صادقا يا ربيع هات الطيب فطيّبه،و أعطاه عشرة آلاف درهم و قال لي:شيّعه إلى منزله مكرّما و خيّره بين المقام عندنا فنكرمه و بين الانصراف إلى مدينة جدّه،فخرجنا من عنده و أنا مسرور بسلامة جعفر عليه السّلام و متعجّب ما أراده به و ما صار إليه من كفايته فلمّا صرنا في الصحن قلت له:يا ابن رسول اللّه إنّي لأعجب ممّا صار إليه أمرك و قد سمعتك تدعو عقيب الركعتين و رأيتك قد حرّكت شفتيك في الصحن،فقال:أمّا الأوّل فدعاء الكرب و الشدائد،و أمّا الذي حرّكت به شفتي فهو دعاء رسول اللّه يوم الأحزاب،فسرت معه إلى المنزل فأملأ عليّ الدّعاء الأوّل و الثاني و وهبني أرضا بالمدينة أعطي بها عشرة آلاف دينار.

قال الربيع:

فلمّا كان بعد أيّام و وجدت خلوة من المنصور قلت:يا أمير المؤمنين رأيت غضبك على جعفر حتّى هممت بقتله ثمّ انجلى عنك ذلك كلّه حتّى طيّبته بالغالية التي لا يتطيّب بها إلاّ أنت؟

ص: 190

فقال:ويحك يا ربيع لا أحبّ أن يبلغ هذا ولد فاطمة فيفتخرون به علينا و لكن لا أكتمك شيئا اخرج من في الدار فأخرجتهم فقال:لئن ألقيت ما أقول لك إلى أحد لأقتلنّك و ولدك و أهلك،قلت؛أعوذ باللّه،قال:كنت مصرّا على قتل جعفر و أن لا أسمع له قولا و لا أقبل له عذرا و كان أمره و إن كان ممّن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهمّ عليّ من أمر عبد اللّه بن الحسن و قد كنت أعلم هذا منه و من آبائه على عهد بني اميّة.

فلمّا هممت به في المرّة الاولى فإذا أنا برسول اللّه متمثّلا لي حائلا بيني و بينه باسط كفّيه حاسر عن ذراعيه قد عبس و قطب في وجهي ثمّ هممت به في المرّة الثانية و انتضيت من السيف أكثر ممّا انتضيت منه في المرّة الاولى فإذا أنا برسول اللّه قد قرب منّي و همّ بي أن لو فعلت لفعل ثمّ تجاسرت و قلت:هذا بعض أفعال الجنّ ثمّ انتضيت السيف في الثالثة فتمثّل لي رسول اللّه باسط ذراعيه حتّى كاد أن يضع يده عليّ فخفت و اللّه لو فعلت لفعل و كان منّي ما رأيت و هؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلاّ جاهل لا حظّ له في الشريعة فإيّاك أن يسمع هذا منك أحد.

قال محمّد بن الربيع:فما حدّثني به أبي حتى مات المنصور و ما حدّثت أنا به حتّى مات المهدي و موسى و هارون و قتل محمّد،انتهى ملخّصا بألفاظه (1).

و في ذلك الكتاب أيضا عن محمّد الكندر قال:كنت من جملة ندماء المنصور و خواصّه فرأيته يوما مغتّما فقلت:ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين؟

فقال:لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة و قد بقي سيّدهم و إمامهم جعفر الصادق،فقلت:إنّه رجل أنحلته العبادة و اشتغل باللّه عن طلب الخلافة،فقال:يا محمّد و قد علمت أنّك تقول به و بإمامته و لكنّ الملك عقيم و قد آليت على نفسي أن لا أمسي عشيّتي هذه حتّى أقتله،قال محمّد:و اللّه لقد ضاقت عليّ الأرض برحبها.ثمّ دعى سيّافا و قال له:إذا أنا أحضرت الصادق و شغلته بالحديث و وضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بيني و بينك فاضرب عنقه،ثمّ حضر أبا عبد اللّه عليه السّلام في تلك الساعة و لحقته بالدار و هو يحرّك شفتيه فرأيت القصر يموج كأنّه سفينة في لجج البحار فرأيت المنصور و هو يمشي بين يديه حافيا مكشوف الرأس قد اصطكّت أسنانه و ارتعدت فرائصه يحمرّ ساعة5.

ص: 191


1- -بحار الأنوار:289/91،و الأنوار البهية:165.

و يصفرّ اخرى و أخذ بعضد أبي عبد اللّه عليه السّلام و أجلسه على سرير ملكه و جثا بين يديه كالعبد بين يدي مولاه،ثمّ قال:يا ابن رسول اللّه ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟

قال:جئتك يا أمير المؤمنين طاعة للّه عزّ و جلّ و لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لأمير المؤمنين أدام اللّه عزّه،قال:ما دعوتك و الغلط من الرسول ثمّ قال:سل حاجتك،قال:أن لا تدعوني لغير شغل،قال:لك ذلك و غير ذلك،ثمّ انصرف و حمدت اللّه كثيرا فنام المنصور إلى نصف الليل.

فلمّا انتبه قال:احدّثك لمّا أحضرت الصادق و هممت بقتله،رأيت تنينا قد حوى بذنبه جميع داري و قد وضع شفته العليا في أعلاها و السفلى في أسفلها و هو يكلّمني بلسان عربيّ:يا منصور إنّ اللّه تعالى بعثني إليك إن أنت أحدثت في أبا عبد اللّه عليه السّلام حدثا فأنا أبتلعك و من في دارك،فطاش عقلي و ارتعدت فرائصي.

قال محمّد:قلت:هذا ليس بعجب يا أمير المؤمنين و عنده من الأسماء و الدعوات التي لو قرأها على الليل لأنار و لو قرأها على النهار لأظلم و لو قرأها على الأمواج في البحور لسكنت.

قال محمّد:فقلت له بعد أيّام:أتأذن لي في زيارة الصادق؟فأجاب،فدخلت عليه و قلت:سألتك باللّه يا مولاي أن تعلّمني الدّعاء الذي كنت تقرأه عند دخولك إلى المنصور.

قال:ذلك لك،فعلّمه الدّعاء و هو مذكور في ذلك الكتاب (1).

و في ذلك الكتاب أيضا عن الربيع الحاجب قال:دعاني المنصور يوما فقال:ما ترى ما يبلغني عن جعفر بن محمّد و اللّه لأقتلنّه فدعا بقائد من قوّاده فقال:انطلق إلى المدينة في ألف رجل فاهجم على جعفر بن محمّد و خذ رأسه و رأس ابنه موسى،فخرج القائد حتّى قدم المدينة فأخبر جعفر بن محمّد فأمر فأتى بناقتين فأوثقهما على باب البيت و دعا بأولاده موسى و إسماعيل و محمّد و عبد اللّه فجمعهم و قعد في المحراب و جعل يهمهم.

قال أبو نصر:فحدّثني سيّدي موسى بن جعفر أنّ القائد هجم عليه و هو يدعو فقال:

خذوا رأسيّ هذين القائمين ففعلوا و انطلقوا إلى المنصور.

فلمّا دخلوا عليه اطّلع المنصور إلى المخلاة التي كان فيها الرأسان فإذا هما رأسا2.

ص: 192


1- -بحار الأنوار:203/47 ح 42.

ناقتين،فقال:أيّ شيء هذا؟

قال:يا سيّدي ما كان بأسرع من أنّي دخلت البيت الذي فيه جعفر فرأيت شخصين قائمين خيّل لي أنّهما جعفر و موسى فأخذت رأسيهما،فقال المنصور:اكتم علي فما حدّث به أحدا حتّى مات.

قال الربيع:فسألت موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الدّعاء فقال:هو دعاء الحجاب و ذكر الدعاء (1).

فيه الرقعة التي كتبها الصادق عليه السلام

[في]اعلام الورى للديلمي روى عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أبيه عن جدّه قال:ولّي علينا بالأهواز رجل من كتّاب يحيى بن خالد و كان عليّ بقايا من خراج كان فيها زوال نعمتي و خروجي من ملكي فقيل له:إنّه ينتحل هذا الأمر فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقّا فيكون فيه زوال نعمتي فهربت و أتيت إلى الصادق عليه السّلام مستجيرا فكتب إليه رقعة صغيرة فيها:بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّ للّه في ظلّ عرشه ظلالا لا يسكنه إلاّ من نفّس عن أخيه كربة و أعانه بنفسه أو صنع إليه معروفا و لو بشقّ تمرة و هذا أخوك المسلم ثمّ ختمها و دفعها إليّ و أمرني أن أوصلها إليه.

فلمّا رجعت إلى بلدي استأذنت عليه و قلت:رسول الصادق بالباب فإذا أنا به و قد خرج إليّ حافيا.

فلمّا بصر بي سلّم عليّ و قبّل ما بين عينيّ،ثمّ قال:يا سيّدي أنت رسول مولاي؟ فقلت:نعم،فقال:هذا عتقي من النار إن كنت صادقا،فأخذني و أجلسني مجلسه و قعد بين يدي ثمّ قال:يا سيّدي كيف خلفت مولاي؟

فقلت:بخير،قال:اللّه اللّه ثمّ ناولته الرقعة فقرأها و قبّلها و وضعها على عينيه ثمّ قال:

يا أخي مر بأمرك فقلت:في ديوانك عليّ كذا و كذا ألف درهم و فيها هلاكي فدعا بالدفتر و محى عنّي كلّما كان عليّ فيه و أعطاني براءة منها ثمّ دعى بصناديق ماله فناصفني عليها ثمّ دعى بدوابه فجعل يأخذ دابّة و يعطيني دابّة ثمّ دعا بغلمانه فجعل يعطيني غلاما و يأخذ

ص: 193


1- -بحار الأنوار:205/47 ح 46.

غلاما ثمّ دعى بكسوته فجعل يأخذ ثوبا و يعطيني ثوبا حتّى شاطرني جميع ما يملك و يقول:هل سررتك؟و أقول:إي و اللّه وزدت على السرور.

فلمّا كان في الموسم،قلت:و اللّه لا كان جزاء هذا الفرج بشيء أحبّ إلى اللّه و إلى رسوله من الخروج إلى الحجّ و الدّعاء له و المصير إلى مولاي الصادق عليه السّلام و شكره عنده و أسأله الدّعاء له فخرجت إلى مكّة و جعلت طريقي إلى مولاي فدخلت عليه و رأيت السرور في وجهه فقلت:يا سيّدي هل سررت بما كان منه إليّ؟

فقال عليه السّلام:إي و اللّه سرّني،إيّ و اللّه لقد سرّ آبائي،إي و اللّه لقد سرّ أمير المؤمنين، إي و اللّه لقد سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،إي و اللّه لقد سرّ اللّه في عرشه (1).

شدّة التقيّة

[في]الكافي عن الصادق عليه السّلام إنّه قال و هو بالحيرة في زمان أبي العبّاس:إنّي دخلت عليه و قد شكّ الناس في الصوم و هو و اللّه من شهر رمضان فقال:يا أبا عبد اللّه أصمت اليوم؟

فقلت:لا و المائدة بين يديه قال:فأدن فكل،قال:فدنوت فأكلت و قلت:الصوم معك و الفطر معك،فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:تفطر يوما من شهر رمضان؟

فقال:إي و اللّه أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه (2).

[في]الاحتجاج،قال أبو حنيفة لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم بين المشرق و المغرب؟قال:

مسيرة يوم بل أقلّ من ذلك فاستعظمه فقال:يا عاجز لم تنكر هذا إنّ الشمس تطلع من المشرق و تغرب من المغرب في أقلّ من يوم (3).

ص: 194


1- -بحار الأنوار:207/47 ح 49.
2- -الكافي:83/4 ح 9،و وسائل الشيعة:95/7.
3- -الأحتجاج:118/2،و بحار الأنوار:213/47 ح 1.

عدد العظام و العروق و الأعصاب

روى سالم الضرير أنّ نصرانيّا سأل الصادق عليه السّلام عن تفصيل الجسم فقال عليه السّلام:إنّ اللّه تعالى خلق الإنسان على اثنى عشر وصلا و على مائتين و ستّة و أربعين عظما و على ثلاثة مائة و ستّين عرقا،فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه و العظام تمسكها و اللحم يمسك العظام و العصب يمسك اللحم و جعل في يديه اثنين و ثمانين عظما في كلّ يد أحد و أربعون عظما منها في كفّه خمسة و ثلاثون عظما و في ساعده اثنان و في عضده واحد و في كفّه ثلاثة و أربعون عظما و كذلك في الاخرى و في رجله ثلاثة و أربعون عظما منها في قدمه خمسة و ثلاثون و في ساقه اثنان و في ركبتيه ثلاثة و في فخذه واحد و في وركه اثنان و كذلك في الاخرى و في صلبه ثماني عشرة فقرة و في كلّ واحد من جنبيه تسعة أضلاع و في وقصته ثمانية و في رأسه ستّة و ثلاثون عظما و في فيه ثمانية و عشرون و اثنان و ثلاثون (1).

أقول: يعني بالعظام التي في فيه الأضراس و هي تكون في قوم ثمانية و عشرون و في آخرين اثنان و ثلاثون،و يدلّ الحديث على أنّ السنّ عظم.

فيه اختلاف الطبائع

و حدّث أبو هفان و ابن ماسويه حاضران جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال:الطبائع أربع الدم و هو عبد و ربّما قتل العبد سيّده و الريح و هو عدوّ إذا سددت له بابا أتاك من آخر،و البلغم و هو ملك يدارى،و المرّة و هي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها،فقال:أعد عليّ فو اللّه ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف (2).

و فيه أنّ زنديقا سأل الصادق عليه السّلام فقال:ما علّة الغسل من الجنابة،و إنّما أتى حلالا و ليس في الحلال تدنيس؟

ص: 195


1- -المناقب:379/3،و بحار الأنوار:218/47.
2- -بحار الأنوار:219/47 ح 5.

فقال عليه السّلام:لأنّ الجنابة بمنزلة الحيض و ذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع إلاّ بحركة غالبة فإذا فرغ تنفّس البدن و وجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك غسل الجنابة (1).

الكتاب الذي كتب على آدم عليه السلام

[في]الكافي عن عبد اللّه بن سنان قال:لمّا قدم الصادق عليه السّلام على أبي العبّاس و هو بالحيرة خرج يوما يريد عيسى بن موسى فاستقبله بين الحيرة و الكوفة و معه ابن شبرمة القاضي فقال له ابن شبرمة:ما تقول يا أبا عبد اللّه في شيء سألني عنه الأمير فلم يكن عندي فيه شيء؟

قال:و ما هو؟

قال:سألني عن أوّل كتاب كتب في الأرض،قال:نعم،إنّ اللّه عزّ و جلّ عرض على آدم ذرّيته عرض العين في صور الذرّ نبيّا فنبيّا و ملكا فملكا و مؤمنا فمؤمنا و كافرا فكافرا.

فلمّا انتهى إلى داود عليه السّلام قال:من هذا الذي نبأته و كرّمته و قصرت عمره؟فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه هذا ابنك داود عمره أربعون سنة و إنّي كتبت الآجال و قسّمت الأرزاق و أنا أمحو ما أشاء و أثبت و عندي امّ الكتاب فإن جعلت له شيئا من عمرك ألحقته له،قال:يا ربّ قد جعلت له من عمري ستّين سنة تمام المائة فقال اللّه عزّ و جلّ لجبرئيل و ميكائيل و ملك الموت:اكتبوا عليه كتابا فإنّه سينسى،فكتبوا عليه كتابا ختموه بأجنحتهم من طينة علّيين.

فلمّا حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت فقال آدم:ما جاء بك؟

قال:جئت أقبض روحك قال:قد بقي من عمري ستّون سنة فقال:إنّك جعلتها لابنك داود و نزل جبرئيل و أخرج له الكتاب فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فمن أجل ذلك إذا خرج الصّك على المديون ذلّ المديون فقبض روحه.

أقول: و في حديث آخر أنّ اللّه سبحانه وفاها داود و لم ينقص من آدم شيئا (2).

ص: 196


1- -المناقب:387/3،و بحار الأنوار:220/47 ح 6.
2- -الكافي:378/7 ح 1،و بحار الأنوار:223/47.

تعبير الرؤيا من الصادق عليه السلام

و عن محمّد بن مسلم قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده أبو حنيفة فقلت:

جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال:يا ابن مسلم هاتها فإنّ العالم بها جالس يعني أبا حنيفة فقلت:رأيت كأنّي دخلت داري و إذا أهلي قد خرجت عليّ فكسرت جوزا كثيرا و نثرته عليّ فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة:أنت رجل تخاصم و تجادل في مواريث أهلك فبعد تعب شديد تنال حاجتك إن شاء اللّه تعالى،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أصبت و اللّه يا أبا حنيفة ثمّ خرج أبو حنيفة من عنده فقلت:جعلت فداك إنّي كرهت تعبير هذا الناصب،فقال:

يا ابن مسلم لا يسؤك فما يوافق تعبيرهم تعبيرنا و لا تعبيرنا تعبيرهم و ليس التعبير كما عبّره فقلت له:جعلت فداك فقولك أصبت و تحلف عليه و هو مخطئ؟

قال:نعم،حلفت أنّه أصاب الخطأ،فقلت:فما تأويلها؟

قال:إنّك تتمتّع بامرأة فتعلم بها أهلك فتخرق عليك ثيابا جددا فإنّ القشر كسوة اللبّ.قال:فو اللّه ما كان بين تعبيره و تصحيح الرؤيا إلاّ صبيحة الجمعة.

فلمّا كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرّت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردّها ثمّ أدخلها داري فتمتّعت بها فأحسّت بي و بها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب فبقيت أنا فمزّقت عليّ ثيابا جددا كنت ألبسها في الأعياد (1).

و روى نوح بن شعيب قال:سئل ابن العوجاء هشام بن الحكم فقال:أليس اللّه حكيما؟

قال:بلى أحكم الحاكمين،قال:فأخبرني عن قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (2)أليس هذا فرض؟قال؛بلى،قال:

فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ؛ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا

ص: 197


1- -شرح أصول الكافي:253/12،و الكافي:292/8 ح 447.
2- -سورة النساء:3.

كُلَّ الْمَيْلِ (1) أي حكيم يتكلّم بهذا؟فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا هشام في غير وقت حجّ و لا عمرة؟

قال:نعم جعلت فداك لأمر أهمّني؛إنّ ابن أبي العوجا سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء فأخبره بالقصّة،فقال عليه السّلام:أمّا قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (2)يعني في النفقة،و أمّا قوله: لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ (3)يعني في المودّة.

فلمّا قدم هشام بهذا الجواب أخبره قال:و اللّه ما هذا من عندك (4).

أقول: ابن أبي العوجاء من رؤساء الزنادقة و حاصل الاعتراض أنّ العدل في الآية الاولى واجب و في الثانية ذكر أنّه غير ممكن فكيف يكون واجبا؟

و أمّا هشام بن الحكم فهو من أفاضل تلاميذه عليه السّلام و كان يمكنه أن يعدّ جوابا من عند نفسه لكن لمّا لم يسمع الجواب من الإمام عليه السّلام لم يقدم على جواب من عنده و يعلم منه أنّ القول في تفسير القرآن من غير نصّ لا يجوز و قد سافر من الكوفة إلى المدينة لتحصيل الجواب عن مسألة واحدة مع أنّه كان يمكنه المكاتبة و هكذا كان العلم عزيزا.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّي لذات يوم عند زياد بن عبيد اللّه الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال:أصلح اللّه الأمير أبي زوّج ابنتي بغير اذني فقال زياد لجلسائه:ما تقولون؟

قالوا:نكاحه باطل ثمّ سألني فقلت للذين أجابوه:أليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنّ رجلا جاء يستعدي على أبيه في مثل هذا فقال رسول اللّه:أنت و مالك لأبيك؟

فقالوا:بلى،فقلت لهم:كيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه؟قال:

فأخذ بقولهم و ترك قولي (5).7.

ص: 198


1- -سورة النساء:129.
2- -سورة النساء:3.
3- -سورة النساء:129.
4- -بحار الأنوار:225/47 ح 13،و تهذيب الأحكام:421/7.
5- -الكافي:395/5 ح 3،و بحار الأنوار:226/47.

علّة كميّة الزكاة

و عن أبي جعفر الأحول قال:سألني رجل من الزنادقة كيف صارت الزكاة من كلّ ألف خمسة و عشرين درهما؟

فقلت له:إنّما ذلك مثل الصلاة ثلاثا و اثنتين و أربعا فقبل منّي،فلقيت بعد ذلك أبا عبد اللّه عليه السّلام فسألته فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كلّ ألف خمسة و عشرين و لو لم يكفيهم لزادهم.

قال:فرجعت إليه فأخبرته فقال:جاءت هذه المسألة على الإبل من الحجاز ثمّ قال:

لو أنّي أعطيت أحدا طاعة لأعطيت صاحب هذا الكلام (1).

دخول الصوفية على أبي عبد اللّه عليه السلام

[في]الكافي عن مسعدة بن صدقة قال:دخل سفيان الثوري على أبي عبد اللّه عليه السّلام فرأى عليه ثيابا بيضاء كأنّها غرقى البيض يعني قشره الأسفل،فقال له:إنّ هذا اللباس ليس من لباسك،فقال له:اسمع ما أقول لك فإنّه خير لك عاجلا و آجلا إن أنت متّ على السنّة و الحقّ و لم تمت على بدعة أخبرك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان في زمان جدب مقفر،فأمّا إذا أقبلت فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها و مؤمنوها لا منافقوها و مسلموها لا كفّارها فما أنكرت يا ثوري فو اللّه إنّني لمع ما ترى ما أتى عليّ مذ عقلت صباح و لا مساء و للّه في مالي حقّ أمرني أضعه موضعا إلاّ وضعته،قال:و أتاه قوم ممّن يظهر التزهّد و يدعو الناس أن يكونوا على مثل الذي هم عليه من التقشّف فقالوا له:إنّ صاحبنا حصر عن كلامك و لم تحصره حججه فقال لهم:فهاتوا حججكم؟

فقالوا:إنّ حججنا من كتاب اللّه يقول اللّه تبارك و تعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (2)فمدح فعلهم.و قال في موضع آخر: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً

ص: 199


1- -الكافي:509/3 ح 4،و بحار الأنوار:228/47 ح 18.
2- -سورة الحشر:9.

وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (1) فنحن نكتفي بهذا،فقال رجل من الجلساء:إنّا رأيناكم تزهدون في الأطعمة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتّى تتمتّعوا أنتم منها،فقال عليه السّلام:

دعوا عنكم ما لا ينتفع به أخبروني ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله هلك من هلك من هذه الامّة؟

قالوا:و بعضه،فأمّا كلّه فلا،فقال لهم:فمن هاهنا أتيتم و كذلك أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأمّا ما ذكرتم من اخبار اللّه أمانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه على اللّه عزّ و جلّ،و ذلك أنّ اللّه سبحانه أمر بخلاف ما عملوا فصار أمره ناسخا لفعلهم و كان نهي اللّه تبارك و تعالى رحمة للمؤمنين لئلا يضرّوا بأنفسهم و عيالاتهم منهما لضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفاني و العجوز الكبيرة الذين لا يبصرون على الجوع فإن تصدّقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعا فمن ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،خمس ثمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان و هو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه ثمّ الثانية على نفسه و عياله ثمّ الثالثة على قرابته الفقراء ثمّ الرابعة على جيرانه الفقراء ثمّ الخامسة في سبيل اللّه و هو أخسّها أجر،و قال صلّى اللّه عليه و اله للأنصاري حين اعتق عند موته خمسة أو ستّة من الرقيق و لم يكن يملك غيرهم و له أولاد صغار لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين يترك صبية صغارا يتكفّفون الناس.

ثمّ قال:حدّثني أبي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ثمّ هنا ما نطق به الكتاب ردّا لقولكم و نهيا عنه مفروضا من العزيز الحكيم قال: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً أفلا ترون أنّ اللّه تبارك و تعالى قال غير ما أريكم تدعون الناس إليه من الإثرة على أنفسهم و سمّى من فعل ما تدعون إليه مسرفا،و في غير آية من كتاب اللّه يقول (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فنهاهم عن الإسراف و نهاهم عن التقتير و لكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو اللّه أن يرزقه فلا يستجيب له (2).7.

ص: 200


1- -سورة الأنسان:8.
2- -الكافي:66/5،و بحار الأنوار:234/47.

أصناف من لا يستجاب دعاؤهم

للحديث الذي جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ أصنافا من امّتي لا يستجاب دعاؤهم؛رجل يدعو على والديه و رجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه و لم يشهد عليه و رجل يدعو على امرأته و جعل اللّه عزّ و جلّ تخلية سبيلها بيده و رجل يقعد في بيته و يقول:

ربّ ارزقني و لا يخرج و لا يطلب الرزق فيقول اللّه عزّ و جلّ له:عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب و الضرب في الأرض بجوارح صحيحة فيكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لا تباع أمري و لكيلا يكون كلاّ على أهلك فإن شئت رزقتك و إن شئت قتّرت عليك و أنت غير معذور عندي،و رجل رزقه اللّه عزّ و جلّ رزقا فأنفقه كلّه فيدعو فيقول اللّه سبحانه:

ألم أرزقك رزقا واسعا فهلاّ اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف كما نهيتك عن الإسراف، و رجل يدعو في قطيعة رحم ثمّ علم اللّه سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله كيف ينفق و ذلك أنّه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فأصبح و ليس عنده شيء و جاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه و كان رحيما رفيقا فأدّب اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله بأمره فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (1)يقول:إنّ الناس قد يسألونك و لا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت عن المال،فهذه أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يصدقها الكتاب و الكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين.

و قال أبو بكر عند موته حيث قيل له:أوص،فقال:أوصي بالخمس و الخمس كثير فإنّ اللّه قد رضي بالخمس و هو كثير فأوصى بالخمس و قد جعل اللّه عزّ و جلّ له الثلث عند موته،و لو علم أنّ الثلث خير له أوصى به ثمّ من قد علمتم بعده في فضله و زهده سلمان و أبو ذرّ رضي اللّه عنهما (2).

ص: 201


1- -سورة الإسراء:29.
2- -الكافي:68/5،و بحار الأنوار:235/47.

سلوك سلمان و أبي ذرّ رضي اللّه عنهما

فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتّى يحضر عطاؤه من قابل فقيل له:يا أبا عبد اللّه أنت في زهدك تصنع هذا و أنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غدا؟ فكان جوابه أن قال:ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت،أما أبو ذر فكانت له نويقات و شويهات يحلبها و يذبح منها إذا اشتهى اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة يجز لهم الجزور أو الشاة على قدر ما يحتاجون من اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ هو كنصيب واحد منهم و من أزهد من هؤلاء و قد قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم و يؤثرون على أنفسهم و عيالاتهم.

و اعلموا أنّي سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال يوما:ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن إن قرض جسده في دار الدّنيا بالمقاريض كان خيرا له و إن ملك مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له و كلّ ما يصنع اللّه عزّ و جلّ به فهو خير له، فليت شعري هل يحق فيكم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم.

أما علمتم أنّ اللّه عزّ وجلّ قد فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من الكافرين ليس له أن يولّي وجهه عنهم و من وليهم يومئذ دبره فقد تبوء مقعده من النار ثمّ حوّلهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة،و أخبروني أيضا عن القضاء أجوره هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال:إنّي زاهد و إنّي لا شيء لي فإن قلتم جورة ظللكم أهل الإسلام،و إن قلتم بل عدول خصمتم أنفسكم و حيث يردون صدقة من تصدّق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث.أخبروني لو كان الناس كلّهم زهادا كالذين تريدون لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يصدّق بكفّارات الايمان و النذور و الصدقات من فرض الزكاة من الذهب و الفضّة و التمر و الزبيب و سائر ما وجب فيه الزكاة من الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك إذا كان الأمر كما تقولون لا ينبغي لأحد أن

ص: 202

يحبس شيئا من عرض الدّنيا إلاّ قدّمه و إن كان به خصاصة فبئس ما ذهبتم فيه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و اله و أحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل و ردّكم إيّاها بجهالتكم،و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالتاريخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الأمر و النهي.

و أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود عليهما السّلام حيث سأل اللّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللّه عزّ و جلّ و كان يقول الحق و يعمل به ثمّ لم نجد اللّه عزّ و جلّ عاب عليه ذلك و لا أحدا من المؤمنين،و داود النبي قبله في ملكه و شدّة سلطانه ثمّ يوسف النبي عليه السّلام حيث قال لملك مصر: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك و ما حولها إلى اليمن و كانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم و كان يقول الحقّ و يعمل به فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه،ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ اللّه فأحبّه طوى له الأسباب و ملّكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول الحقّ به و يعمل به، فتأدّبوا أيّها البقر بآداب اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين و اقتصروا على أمر اللّه و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به وردّوا العلم إلى أهله تؤجروا و تعذروا عند اللّه تبارك و تعالى و كونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما أحلّ اللّه فيه ممّا حرّم فإنّه أقرب لكم من اللّه و أبعد لكم من الجهل و دعوا الجهالة لأهلها فإنّ أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (1)(2).7.

ص: 203


1- -سورة يوسف:76.
2- -الكافي:69/5،و بحار الأنوار:236/47.

بعض أحوال سفيان الثوري

أقول: سفيان الثوري كان من مشايخ الصوفية و لشدّة جهله سمّاه الباقر عليه السّلام بالثوري نسبة إلى الثور في كثرة الجهل كما هو المشهور بين الناس و إلاّ فالثور أعقل منه كما نطق به القرآن العزيز،و كان هذا الرجل معاندا و معارضا للإمامين الصادق و الباقر عليهما السّلام و في كلّ عصر من أعصار الأئمّة عليهم السّلام من زمن خلافة مولانا الإمام أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام إلى آخر أعصارهم كان الصوفية على طرف العناد و الخلاف لهم و بعدهم عارضوا علمائهم و رواة أخبارهم إلى وقتنا هذا.

نعم في هذا العصر خذلهم اللّه تعالى و نكس أعلام ضلالهم و أمر السلطان العادل أن يخرجوا من الأمصار الشاهية و أن لا يعملوا بالبدع التي يزعمونها سننا و ضررهم على أهل الدّين أشدّ من الشياطين و الكافرين،لأنّ عوام المذهب يصدقونهم على أقوالهم بسبب تركهم الدّنيا ظاهرا لأنّهم أرادوا التوصّل إلى تحصيلها بتركها كما قال عليه السّلام:ويلك يا ابن الخطّاب تركت الدّنيا للدّنيا.

و كان أوّل الصوفية عمر بن الخطّاب زمن خلافته و قبلها و الثاني الحسن البصري ثمّ استمرّوا في الدولة الأموية و العبّاسية و عظّمهم الخلفاء و العمّال و بنوا لهم أماكن الرقص و الغناء في الأذكار المبتدعة و وقفوا لهم الأموال و قطعوهم الأراضي و البساتين كلّ ذلك ليعارضوا أئمّة الدّين و يطفئوا نور اللّه بأفواههم( وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) و آخر الصوفية عبد السلام البصري و من عاصره.

و أمّا ما يدّعي التشيّع منهم و هو بريء منه فقد دخل في أعمالهم و حاذاهم بأعظم اعتقادهم فهو في الآخرة معهم في درك الجحيم يصلى من عذاب اللّه الأليم.

و روي في آخر هذا الحديث من طريق آخر أنّه عليه السّلام لمّا ألزم سفيان و أصحابه الحجّة كشف ردن جبّته فإذا تحتها جبّة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن و قال:يا ثوري لبسنا هذا للّه تعالى و هذا لكم و ما كان للّه أخفيناه و ما كان لكم أبديناه،ثمّ

ص: 204

إنّه عليه السّلام جذب سفيان إليه فأخرج من تحت ثيابه الخشنة ثوبا ناعما رقيقا يلي بدنه فقال:ما هذا يا ثوري؟و كان ذلك الثوب لا يرى من تحت ثيابه،فقال:أخفيت هذا لتنعم بذلك و أظهرت هذه الثياب الخشنة جلبا لقلوب العوام،ففضحه اللّه تعالى على يدي خيار خلقه (1).

الذي تصدّق من سرقته

[في]الاحتجاج عن الصادق عليه السّلام قال:(اهدنا الصراط المستقيم)يقول:ارشدنا للزوم الطريق المؤدّي إلى محبّتك و المبلغ إلى جنّتك من أن نتّبع أهواءنا فنعطب فإنّ من اتّبع هواه و أعجب به:كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه و تصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محلّه فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامّة فوقفت مغشيا بلثام أنظر إليه و إليهم فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم و فارقهم فتفرّقت العوام عنه و تبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فتغفّله فأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي لعلّه معاملة ثمّ مرّ من بعده بصاحب رمّان فما زال به حتّى تغفله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي لعلّه معاملة،ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرغيفين و الرمّانتين بين يديه و مضى و تبعته حتّى استقرّ في بقعة من صحراء،فقلت له:يا عبد اللّه لقد سمعت بك و أحببت لقاك فلقيتك لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي و أنّي سائلك عنه ليزول شغل قلبي،فقال:ما هو؟

قلت:رأيتك مررت بخبّاز فسرقت منه رغيفين ثمّ بصاحب الرمّان فسرقت منه رمّانتين،فقال لي:قبل كلّ شيء حدّثني من أنت؟

قلت:رجل من ولد آدم من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله،قال:حدّثني ممّن أنت؟

قلت:رجل من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،قال:أين بلدك؟

قلت:المدينة،قال:لعلّك جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب؟

قلت:بلى،قال:فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم

ص: 205


1- -بحار الأنوار:221/47 ح 7،و كشف الغمة:369/2.

جدّك و أبيك،لأنّ لا شكر ما يجب أن يحمد و يمدح فاعله،قلت:فما هو؟

قال:القرآن،قلت:و ما الذي جهلت؟

قال:قول اللّه عزّ و جلّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها (1)و إنّي لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين و لمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين فهذه أربع سيّئات.

فلمّا تصدّقت بكلّ واحد منها كانت أربعين حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات بقي لي ستّ و ثلاثون،قلت:ثكلتك امّك أنت الجاهل بكتاب اللّه أما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ إنّك لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين و لمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين و لمّا دفعتهما إلى غير صاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنّما أضفت أربع سيّئات و لم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيّئات فجعل يلاحيني فانصرفت و تركته (2).

أقول: ورد في حديث آخر أنّ مثل هذه التأويلات كان معاوية لعنه اللّه يجريها في آيات القرآن و يصدّقه أهل الشام عليها و يجعلونها أسبابا لحروب علي عليه السّلام و للغلبة على أموال المسلمين.

اللاّ شيء ما هو؟

[في]كتاب الاختصاص للمفيد عن سماعة قال:سأل رجل أبا حنيفة عن اللاّشيء و عن الذي لا يقبل اللّه غيره فعجز عن لا شيء فقال:اذهب بهذه البغلة إلى إمام الرافضة فبعها منه بلا شيء و اقبض الثمن فأخذ بعذارها و أتى بها أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال عليه السّلام له:هل استأمرت أبا حنيفة في بيع هذه البغلة؟

قال:نعم،أمرني ببيعها،قال:بكم؟

قال:بلا شيء،قال:اشتريتها منك بلا شيء،فأمر غلامه أن يدخلها المربط،فقال:

إذا كان الغداة من غد فتعال لقبض الثمن فرجع إلى أبي حنيفة فأخبره و سرّ بذلك،فلمّا كان

ص: 206


1- -سورة الأنعام:16.
2- -الأحتجاج:129/2،و معاني الأخبار:34.

من الغد أتى أبو حنيفة فقال عليه السّلام:جئت تقبض ثمن البغلة؟

قال:نعم،فركب عليه السّلام البغلة و ركب أبو حنيفة بعض الدواب فتصحرا جميعا.

فلمّا ارتفع النهار نظر أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى السراب يجري قد ارتفع كأنّه الماء الجاري فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا أبا حنيفة ما هذا الذي عند الميل كأنّه يجري؟

قال:ذاك الماء يا ابن رسول اللّه.

فلمّا وافيا الميل و جداه أمامهما فتباعد،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:اقبض ثمن البغلة، قال اللّه تعالى: كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ (1)قال:فخرج أبو حنيفة إلى أصحابه حزينا فقالوا له:ما لك يا أبا حنيفة؟

قال:ذهبت البغلة هدرا و كان قد اعطي بالبغلة عشرة آلاف درهم (2).

أقول: كان السائل لأبي حنيفة كان من أهل الكتاب،و كان في كتابهم تفسير اللاّشيء بالسراب كما هو الوارد في القرآن العزيز و فيه دلالة على جواز أن يكون الثمن من قبيل اللاّشيء و به يصحّ البيع و تملك السلعة لأنّه يؤول إلى كون الثمن تعليم مسألة علمية فيدخل تحت الإجارات و إن وقع بصيغة البيع.

[في]كنز الفوائد ذكروا أنّ أبا حنيفة أكل طعاما مع الصادق عليه السّلام.

فلمّا فرغ من الأكل قال:الحمد للّه ربّ العالمين اللّهم إنّ هذا منك و من رسولك فقال أبو حنيفة:يا أبا عبد اللّه أجعلت مع اللّه شريكا؟

فقال له؛ويلك إنّ اللّه يقول في كتابه: وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (3)و يقول في موضع آخر: وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ (4)فقال أبو حنيفة:و اللّه لكأنّي ما قرأتهما قط من كتاب اللّه و لا سمعتهما إلاّ في هذا الوقت.فقال عليه السّلام:بل قرأتهما و لكن اللّه تعالى أنزل فيك و في أشباهك أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها و قال: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (5).4.

ص: 207


1- -سورة النور:39.
2- -الأختصاص:190.
3- -سورة التوبة:74.
4- -سورة التوبة:59.
5- -سورة المطفيفين:14.

الفصل الرابع

اشارة

في أحوال أولاده و أزواجه و أقربائه و مدائحه عليه السلام

و أحوال أصحابه و تفاضلهم في المراتب

في كتاب كشف الغمة عن محمّد بن طلحة؛و أمّا أولاده فكانوا سبعة ستّة ذكور و بنت واحدة و قيل أكثر من ذلك و أسماء أولاده موسى و هو الكاظم و إسماعيل و محمد و علي و عبد اللّه و إسحاق و امّ فروة.

و قال عبد العزيز بن الأخضر:ولد جعفر بن محمّد إسماعيل الأعرج و عبد اللّه و امّ فروة و امّهم فاطمة بنت الحسين الأثرم بن حسن بن علي بن أبي طالب،و موسى بن جعفر الإمام و امّه حميدة امّ ولد و إسحاق و محمّد و فاطمة امّهم امّ ولد و يحيى و العبّاس و أسماء و فاطمة الصغرى و هم لامّهات أولاد شتّى (1).

و في كتاب بشائر المصطفى:كان لأبي عبد اللّه عليه السّلام عشرة أولاد إسماعيل و عبد اللّه و امّ فروة امّهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام و موسى و إسحاق و محمّد لامّ ولد و العبّاس و علي و أسماء و فاطمة لامّهات أولاد شتّى.

و كان إسماعيل أكبر اخوته و كان أبوه شديد المحبّة له و كان قوم من الشيعة يظنّون أنّه القائم بعد أبيه إذ كان أكبر اخوته سنّا و لإكرام أبيه له،فمات في حياة أبيه بالعريض و حمل على رقاب الرّجال إلى المدينة و دفن بالبقيع و جزع عليه أبوه جزعا شديدا و تقدّم سريره بغير حذاء و لا رداء و أمر بوضع سريره على الأرض مرارا كثيرة و كان يكشف عن وجهه و ينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانّين خلافته له من بعده و إزالة الشبهة عنه في حياته،و لمّا مات إسماعيل رحمه اللّه انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ به ذلك

ص: 208


1- -كشف الغمة:373/2،و بحار الأنوار:241/47 ح 1.

و أقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه و لا من الرواة عنه بل كانوا من الأباعد و الأطراف.

فلمّا مات الصادق عليه السّلام انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى عليه السّلام و افترق الباقون فرقتين فريق منهم رجعوا إلى حياة إسماعيل و قالوا بإمامة ابنه محمّد بن إسماعيل بظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه و أنّ الابن أحقّ بها من الأخ،و فريق ثبتوا على حياة إسماعيل و هم اليوم شذاذ لا يعرف أحد منهم و هذان الفريقان يسمّيان الإسماعيلية و المعروف أنهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده و ولد ولده إلى آخر الزمان.

و كان عبد اللّه بن جعفر أكبر اخوته بعد إسماعيل و لم يكن له منزلة عند أبيه مثل اخوته و كان متّهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد فيقال أنّه كان يخالط الحشوية و يميل إلى مذاهب المرجئة و ادّعى بعد أبيه الإمامة و احتجّ بأنّه أكبر اخوته الباقين فتابعه جماعة من أصحاب أبيه،ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة موسى عليه السّلام لقوّة برهانه و أقام نفر يسير منهم و هم الملقبة بالفطحية،لأنّ عبد اللّه كان أفطح الرجلين،أو لأنّ داعيهم إلى إمامة عبد اللّه رجل يقال له عبد اللّه بن أفطح.

و كان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل و الصلاح يقول بإمامة أخيه موسى.

و كان محمّد بن جعفر سخيّا شجاعا يصوم يوما و يفطر يوما و يرى رأي الزيدية بالخروج بالسيف و قالت زوجته:ما خرج من عندنا محمّد يوما في ثوب فرجع به حتّى يكسوه و كان يذبح في كلّ يوم كبشا لضيوفه و خرج على المأمون بمكّة و اتّبعته الزيدية الجارودية فظفر به المأمون ثمّ بعد ذلك أكرمه و احترمه و كان معه في خراسان و توفي محمّد بن جعفر في خراسان مع المأمون فخرج المأمون في جنازته و صلّى عليه و دفنه و بنى عليه و قضى دينه و هو خمسة و عشرون ألف دينار و أوصى إلى ابنه يحيى.

و كان علي بن جعفر رضى اللّه عنه راوية للحديث شديد الورع كثير الفضل و لزم موسى أخاه و روى عنه.

و كان العبّاس بن جعفر فاضلا.

و أمّا موسى عليه السّلام فكان هو الإمام و فيه اجتمع براهين الإمامة (1).1.

ص: 209


1- -الغيبة:225،و بحار الأنوار:213/51.

و عن عنبسة بن بجاد قال:لمّا مات إسماعيل بن جعفر و فرغنا من جنازته جلس الصادق عليه السّلام و جلسنا حوله و هو مطرق ثمّ رفع رأسه فقال:أيّها الناس إنّ هذه الدّنيا دار فراق و دار التواء لا دار استواء على أنّ لفراق المألوف حرقة لا تدفع و لوعة لا تردّ و إنّما يتفاضل بحسن العزاء و صحّة الفكرة فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه و من لم يقدم ولدا كان هو المقدّم ثمّ تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه مرثية:

و لا تحسبي إنّي تناسيت عهده *** و لكنّ صبري يا اميم جميل (1)

و في عيون الأخبار عن عمير بن بريد قال:كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السّلام فذكر محمّد بن جعفر فقال:إنّي جعلت على نفسي أن لا يظلّني و إيّاه سقف بيت،فقلت في نفسي:هذا يأمرنا بالبرّ و الصلة و يقول هذا لعمّه فنظر إليّ فقال:هذا من البرّ و الصلة إنّه متى يأتيني و يدخل عليّ فيقول فيّ فيصدّقه الناس و إذا لم يدخل عليّ و لم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال (2).

أقول: يستفاد منه أنّ مثل هذا الفرض اليمين لأجل مثل هذا الغرض ينعقد لرجحانه شرعا و دينا،لأنّ هذه المهاجرة تحمله على عدم الكلام فيه لأنّه لم يجد مصدقا و إن تكلّم فيه لم يصدّقه أحد لمكان المهاجرة،و محمد بن جعفر هذا مات بجرجان يعني استراباد.

و عن الوليد بن صبيح قال:جاءني رجل فقال لي:تعال اريك ابن الرجل فذهبت معه فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر فخرجت مغموما فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ أستار الكعبة بدموعه فرجعت أشتدّ فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه،قال:

فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثّل في صورته (3).

أقول: اقتدار الشيطان على التمثيل بصورته دليل على إنّه ليس بإمام.

و عن الحسن بن راشد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إسماعيل فقال:عاص لا يشبهني و لا يشبه أحدا من آبائي.6.

ص: 210


1- -أمالي الصدوق:309 ح 4،و بحار الأنوار:246/47 ح 3.
2- -عيون الأخبار:221/1 ح 1،و بصائر الدرجات:257.
3- -الأمامة و التبصرة:71 ح 59،و بحار الأنوار:247/47 ح 6.

أقول: أراد عليه السّلام بهذا الكلام نفي الإمامة عنه لا ذمّه يعني إنّه ممّن يصدر عنه العصيان كغيره فلا يشبهني أنا و لا يشبه آبائي الأئمّة عليهم السّلام في العصمة من الذنوب.

و عن سعيد الأعرج قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لمّا مات إسماعيل أمرت به و هو مسجّى بأن يكشف عن وجهه فقبّلت جبهته و ذقنه و نحره و أمرت به فغطّى ثمّ قلت:اكشفوا فقبّلت أيضا جبهته و ذقنه و نحره ثمّ أمرتهم فغطّوه ثمّ أمرت به فغسل ثمّ دخلت عليه و قد كفّن فقلت:اكشفوا عن وجهه فقبّلت جبهته و ذقنه و نحره و عوّذته بالقرآن ثمّ قلت:

ادرجوه (1).

قال الصدوق طاب ثراه:قوله عليه السّلام:أمرت به فغسّل يبطل إمامة إسماعيل،لأنّ الإمام لا يغسله إلاّ امام إذا حضره.

و روي أنّه عليه السّلام كتب في حاشية الكفن:إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه (2).

أقول: ثمّ زاد الأصحاب رضوان اللّه عليهم في الكتابة و المكتوب و هو خير و زيادة الخير خير.

و في كتاب كمال الدّين عن الحسن بن زيد قال:ماتت ابنة لأبي عبد اللّه عليه السّلام فناح عليها سنة ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أصلحك اللّه يناح في دارك فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:لكن حمزة لا بواكي عليه (3).

و فيه أيضا إنّه لمّا حضر إسماعيل الوفاة جزع أبو عبد اللّه عليه السّلام جزعا شديدا.

فلمّا أن غمّضه دعا بقميص جديد فلبسه ثمّ تشرّح و خرج يأمر و ينهى فقال له بعض أصحابه:لقد ظننا أنّا لا ننتفع بك زمانا لما رأينا من جزعك،قال:إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا (4).

أقول: لعلّ من أسباب الجزع استرحام اللّه سبحانه على كشف النازلة فإذا وقع الأمر4.

ص: 211


1- -من لا يحضره الفقيه:161/1،و بحار الأنوار:247/47 ح 10.
2- -شرح اللمعة:423/1،و الحدائق الناظرة:49/4.
3- -كمال الدين:73،و الحدائق الناظرة:166/4.
4- -كمال الدين:73،و الحدائق الناظرة:166/4.

كان الأولى هو الصبر،و جزعهم عليهم السّلام ليس من قبيل جزعنا عند المصيبة التي يحبط الأجر كخدش الوجه و الضرب على الفخذ و نتف الشعر و نحو ذلك و الكلام بما لا يرضاه اللّه عزّ و جلّ بل هو من باب البكاء و الحزن و الأسف و نحو ذلك ممّا فعله الأنبياء عليهم السّلام.

و روي أنّ الصادق عليه السّلام تقدّم سرير إسماعيل بلا حذاء و لا رداء.

ص: 212

دخول النار للكاظم عليه السلام

[في]الخرائج عن الفضل بن عمر قال:لمّا مات الصادق عليه السّلام كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى الكاظم عليه السّلام فادّعى أخوه عبد اللّه الإمامة و كان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك و هو المعروف بالأفطح فأمر موسى عليه السّلام بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلى أخيه عبد اللّه يسأله أن يصير إليه.

فلمّا صار عنده و مع موسى جماعة من وجوه الإمامية.

فلمّا جلس إليه أخوه عبد اللّه أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب فاحترق كلّه و لا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب جمرا ثمّ قام موسى و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدّث الناس ساعة ثمّ قام فنفض ثوبه و رجع إلى المجلس فقال لأخيه عبد اللّه:

إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس،قالوا:فرأينا عبد اللّه قد تغيّر لونه فقام يجرّ رداءه حتّى خرج من دار موسى (1).

أقول: تعارف في هذه الأعصار أنّ طوائف من المخالفين بل و من الشيعة يدخلون النار و يقبضون الحيّات و الأفاعي و يأتون بمثل هذه الأفعال الغريبة و هو محمول على ما إذا لم يقارن تحدّي دلائل الإمامة فإنّه إذا قارنه كما في هذا الحال لم يمكن جريانه على أيديهم فرقا بين الإمام و المدّعي و النبيّ و المتنبّي.

و حدّثني جماعة أنّ رجلا من صوفية المخالفين ممّن تعوّد دخول النار افتخر على رجل من الإمامية و أنّ مذهبه هو الصحيح بسبب دخول النار فأوقدوا نارا و دخلوها فاحترق المخالف و بقي المؤمن فيها حتّى خرج و النار عليه برد و سلام و ذلك لأنّه كان الغرض من ذلك الدخول تمييز الأديان لا مفارقة الأبدان.

و روى الكشي عن علي بن جعفر قال:قال لي رجل أحسبه من الواقفة:ما فعل أخوك أبو الحسن؟

ص: 213


1- -الخرائج و الجرائح:309/1،و بحار الأنوار:251/47.

قال:قد مات و نطق الناطق من بعده،قال:و من الناطق من بعده؟

قلت:ابنه علي،قال:فما فعل؟

قلت:قد مات و نطق الناطق من بعده،قال:و من الناطق؟

قلت؛أبو جعفر ابنه فقال:أنت في سنّك و قدرك و أبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام؟

قال:قلت:ما أراك إلاّ شيطانا[قال:] (1)ثمّ أخذ بلحيته فرفعها إلى السماء ثمّ قال:

فما حيلتي إن كان اللّه رآه أهلا لهذا و لم ير هذه الشيبة أهلا لهذا،يعني الإمامة (2).

و روي أنّ الطبيب أتى إلى أبي جعفر عليه السّلام يفصده و كان علي بن جعفر عنده فقال:يا سيّدي الطبيب يبدأ بي ليكون حدّة الحديد فيّ قبلك ففصده قبله (3).

أقول: علي بن جعفر رحمه اللّه كان على طرف الخلاف من عقيل لقول أمير المؤمنين عليه السّلام:ما زلت مظلوما حتّى من أخي عقيل كان أرمد فقال:لا تذروني حتّى تذروا عليا و كانوا يذروني و ما بي رمد.

[في]التهذيب في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأ عليه فقال:ادن هذه امّ إسماعيل جاءت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي احيط اللّه فيه حجّها عام أوّل كنت أردت الإحرام فقلت:ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها فقلت:اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذ لزوجة (4)الماء فحلقت رأسها و ضربتها فقلت لها:هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّك.

أقول: فيه دلالة على وقوع الإحباط أي إبطال الأعمال بعضها بعضا الطاعة بالمعصيةء.

ص: 214


1- -زيادة من المصدر.
2- -مسائل علي بن جعفر 7:24،و بحار الأنوار:263/47.
3- -وسائل الشيعة:259/20.
4- -أي لزجة،صفة للماء.

و المعصية بالطاعة،و نقول إنّ كلّ متأخّر يسقط متقدّمه كما ذهبت إليه طائفة من علماء المسلمين لما يلزم من الظلم تعالى اللّه عن ذلك فإنّ من عبد اللّه تعالى مائة سنة صائما نهاره قائما ليله ثمّ شرب آخر عمره قطرة من الخمر أو كذب مرّة يلزم أن يبطل جميع عباداته التي وقعت في الأعصار المتمادية،و من هذا صرّح جماعة من علمائنا المتكلّمين بأنّ الإحباط باطل و أنّ من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره بل نقول معنى الإحباط كما قاله طائفة من المعتزلة هو الموازنة بين الأعمال فيبطل ما وقع التعارض فيه و يبقى الزائد لصاحبه أو عليه و يصدق على هذا العامل أنّه رأى خير عمله بإسقاط ما قابله من الشرّ و شرّ عمله بمنعه ذلك الخير الساقط و الآيات و الأخبار دالّة على وقوع الإحباط فلا معنى لإنكاره.

ص: 215

أحوال شارب الخمر

[في]الكافي في الصحيح عن حريز قال:كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه عليه السّلام دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن فقال إسماعيل:يا أبه إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن و عندي كذا و كذا دينارا أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟

فقال عليه السّلام:أما بلغك إنّه يشرب الخمر؟

فقال إسماعيل:هكذا يقول الناس،فقال:يا بنيّ لا تفعل،فعصى إسماعيل أباه و دفع إليه دنانيره فاستهلكها و لم يأته بشيء منها،فخرج إسماعيل و قضى أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام حجّ و حجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول:اللّهم أجرني و اخلف عليّ فلحقه أبو عبد اللّه عليه السّلام فهمزه بيده من خلفه و قال له:مه يا بني فلا و اللّه ما لك على اللّه هذا و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنّه يشرب الخمر،فقال له:يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون،فقال:يا بني إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه:

يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يقول:يصدق اللّه و يصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم و لا تأتمن شارب الخمر فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ و أيّ سفيه أسفه من شارب الخمر إنّ شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب و لا يشفّع إذا شفع و لا يؤتمن على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على اللّه أن يأجره و لا يخلف عليه (1).

و في كتاب التمحيص عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت معتبا يحدّث أنّ إسماعيل ابن أبي عبد اللّه عليه السّلام حمّ حماء شديدة فأعلموا أبا عبد اللّه عليه السّلام بحماه فقال:آتيه فسله أيّ شيء عملت اليوم من سوء فجعل اللّه عليك العقوبة؟

قال:فأتيته فإذا هو موعوك فسألته عمّا عمل فسكت و قيل لي:إنّه ضرب بنت زلفى اليوم بيده فوقعت على دراعة الباب فعقر وجهها فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بما قالوا،

ص: 216


1- -الكافي:300/5 ح 1،و وسائل الشيعة:83/19.

فقال:الحمد للّه إنّا أهل بيت يعجّل لأولادنا العقوبة في الدّنيا ثمّ دعى بالجارية فقال:

اجعلي إسماعيل في حلّ فوهب لها أبو عبد اللّه عليه السّلام شيئا ثمّ قال لي:اذهب فانظر ما حاله، فأتيته و قد تركته الحمّى (1).2.

ص: 217


1- -كتاب التمحيص:37 ح 32.

حال أولاد الحسن الذين خرجوا على الدوانيقي

[في]الكافي عن معتب قال:بعث عبد اللّه بن الحسن إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول لك أبو محمّد أنا أشجع منك و أنا أسخى منك و أنا أعلم منك،فقال لرسوله:أمّا الشجاعة فما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك،و أمّا السخي فهو الذي يأخذ الشيء فيضعه في حقّه،و أمّا العلم فقد أعتق أبوك عليّ بن أبي طالب ألف مملوك فسم لنا خمسة منهم و أنت عالم فعاد إليه فأعلمه ثمّ عاد إليه فقال:ما يقول إنّك رجل صحفي،فقال عليه السّلام؛قل اي و اللّه صحف إبراهيم و موسى و عيسى ورثتها عن آبائي (1).

أقول: الذين خرجوا على المنصور العبّاسي من آل الحسن نهاهم الصادق عليه السّلام النهي البليغ و حملوا نهيه لهم تارة على الحسد و اخرى على التقية و منهم من آذاه عليه السّلام حتّى أنّهم حبسوه عندهم لمّا لم يوافقهم على الخروج و لم يبايع لمحمّد بن عبد اللّه بن الحسن لمّا أراد الخروج على المنصور و نهبوا أكثر أمواله و مع ذلك فإنّه عليه السّلام لمّا وقع الحرب و أخذهم جنود المنصور و حملوهم على الحامل كالاسراء بكى عليه السّلام على أحوالهم و لعن الأنصار حيث لم يعاونوهم و حم بعد رجوعه إلى منزله عشرين يوما و كتب إليهم كتابا في الصبر و التعزية على حكم القضاء و وصفهم بأوصاف الأولياء و الصالحين و بالجملة فلا يجوز لنا الخوض في أعراضهم و لا الكلام فيها إلاّ بالتي هي أحسن و من أقلّ من تتبّع الأحاديث أكثر في الطعن عليهم و هو جرءة على أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و من الأخبار الدالّة عليه ما رواه أبو الفرج الاصفهاني عن يحيى بن عبد اللّه الذي سلم من الذين تخلّفوا في الحبس من بني الحسن فقال:حدّثنا عبد اللّه بن فاطمة الصغرى عن فاطمة عن أبيها عن جدّتها فاطمة بنت رسول اللّه قالت؛قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يدفن من ولدي سبعة بشط الفرات لم يسبقهم الأوّلون و لم يدركهم الآخرون،فقلت:نحن ثمانية فقال:هكذا سمعت.

ص: 218


1- -الكافي:364/8 ح 553،و بحار الأنوار:298/47.

فلمّا فتحوا الباب وجدوهم موتى و أصابوني و بي رمق و سقوني ماء و أخرجوني فعشت (1).

[في]عيون الأخبار عن محمّد النيشابوري ذكر بسنده أنّه لمّا بنى المنصور الأبنية ببغداد و جعل يطلب العلوية طلبا شديدا و يحمل من ظفر به منهم في الاسطوانات المجوّفة من الجص و الآجر فظفر بغلام منهم حسن الوجه من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام فسلّمه إلى البنّاء الذي كان يبني له و أمره أن يجعله في جوف اسطوانة و يبني عليه و وكّل به من ثقاته من يراعي ذلك حتّى يجعله في جوف اسطوانة بمشهده فجعله البنّاء في الاسطوانة فدخلته رقّة عليه و رحمة له فترك في الاسطوانة فرجة يدخل منها الروح،و قال للغلام:لا بأس عليك فاصبر فإنّي سأخرجك من جوف هذه الاسطوانة إذا جنّ الليل،و لمّا جنّ الليل جاء البنّاء و أخرج ذلك العلوي من جوف تلك الاسطوانة و قال له:اتّق اللّه في دمي و دم الفعلة الذين معي و غيّب شخصك فإنّي إنّما أخرجتك لأنّي خفت إن تركتك يكون رسول اللّه يوم القيامة خصمي ثمّ أخذ من شعره و قال له:انج بنفسك و لا ترجع إلى امّك.قال الغلام:فإن كان هذا هكذا فعرّف امّي إنّي قد نجوت و هربت لتطيب نفسها و يقلّ جزعها و بكاءها و إن لم يكن لعودي إليها وجه،فهرب الغلام و لا يدرى أين قصد من أرض اللّه و لا إلى أي بلد وقع قال ذلك البنّاء و قد كان الغلام عرّفني مكان امّه و أعطاني العلامة من شعره فانتهيت إليها في الموضع الذي كان دلّني عليه فسمعت دويّا كدويّ النحل من البكاء فعلمت أنّها امّه فدنوت منها و عرّفتها خبر ابنها و أعطيتها شعره و انصرفت.

أقول: المنصور العبّاسي لعنه اللّه باب من أبواب جهنّم (2).7.

ص: 219


1- -دلائل الأمامة:72 ح 11،و بحار الأنوار:302/47.
2- -عيون أخبار الرضا:102/2،و بحار الأنوار:306/47.

أبواب جهنّم السبعة و أركانها

روى صاحب كتاب الاستدراك بإسناده إلى الأعمش أنّ المنصور حين طلبه فتطهّر و تكفّن و تحنّط قال له:حدّثني بحديث سمعته أنا و أنت جعفر بن محمّد في بني حمان، قال:قلت له:أي الأحاديث؟

قال:حديث أركان جهنّم،قال:قلت:أو تعفيني؟

قال:ليس إلى ذلك سبيل،قال:قلت:حدّثنا جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن لجهنّم سبعة أبواب و هي الأركان لسبعة فراعنة ثمّ ذكر الأعمش نمرود بن كنعان فرعون الخليل و مصعب الوليد فرعون موسى و أبا جهل بن هشام و الأوّل و الثاني و السادس يزيد قاتل ولدي،ثمّ سكت فقال لي الفرعون السابع؟

قلت:رجل من ولد العبّاس يلي الخلافة يلقّب بالدوانيقي اسمه المنصور قال:فقال لي:صدقت هكذا حدّثنا جعفر بن محمّد قال:فرفع رأسه و إذا على رأسه غلام أمرد ما رأيت أحسن وجها منه فقال:إن كنت أحد أبواب جهنّم فلم أستبق هذا و كان الغلام علويا حسينيا فقال له الغلام:سألتك يا أمير المؤمنين بحقّ آبائي ألا عفوت عنّي فأبى ذلك و أمر المرزبان به.

فلمّا مدّ يده حرّك شفتيه بكلام لم أعلمه فإذا هو كأنّه طير قد طار عنه.

قال الأعمش:فمرّ عليّ بعد أيّام فقلت:أقسمت عليك بحقّ أمير المؤمنين لمّا علّمتني الكلام،قال:ذاك دعاء المحنة لنا أهل البيت و هو الذي دعا به أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا نام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ ذكر الدعاء (1).

دعاء النجاة

قال الأعمش:و أمر المنصور في رجل بأمر غليظ فحبس في بيت لينفذ فيه أمره ثمّ

ص: 220


1- -بحار الأنوار:309/47 ح 29.

فتح عنه فلم يوجد فقال المنصور:أسمعتموه يقول شيئا؟

فقال الموكّل:سمعته يقول:يا من لا إله غيره فأدعوه و لا ربّ سواه فأرجوه نجّني الساعة،فقال:و اللّه لقد استغاث بكريم فنجّاه (1).

فوائد هذه الآية

و في الأمالي عن العسكري عليه السّلام إنّ أشجع السلمي دخل على الصادق عليه السّلام و مدحه بأشعار و أجازه ثمّ قال له السلمي:يا سيّدي قد أغنيتني و أنا كثير الأسفار و أحصل في المواضع المفزعة فتعلّمني ما آمن به على نفسي،قال:فإذا خفت أمرا فاترك يمينك على امّ رأسك و اقرأ برفيع صوتك أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (2).

قال أشجع:فحصلت في واد نعتت فيه الجنّ فسمعت قائلا يقول؛خذوه فقرءتها فقال قائل:تأخذوه و قد احتجزنا بآية طيّبة (3).

ص: 221


1- -بحار الأنوار:309/47 ح 29.
2- -سورة آل عمران:83.
3- -أمالي الطوسي:282،و بحار الأنوار:311/47 ح 1.

حال السيّد الحميري عند الموت

و فيه أيضا عن الحسين بن أبي حرب قال:دخلت على السيّد الحميري عائدا في علّته التي مات فيها فوجدته يساق به و وجدت عنده جماعة من جيرانه كانوا عثمانية و كان السيّد جميل الوجه فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثمّ لم تزل تزيد و تنمي حتّى طبقت وجهه سوادا فاغتمّ لذلك من حضره من الشيعة و ظهر من الناصبية سرور و شماتة فلم يلبث بذلك إلاّ قليلا حتّى بدت في ذلك المكان في وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا حتّى أسفر وجهه و أشرق و افتر السيّد ضاحكا و أنشأ يقول شعر:

كذب الزاعمون أنّ عليّا *** لن ينجي محبّه من هنات

قد و ربّي دخلت جنّة عدن *** و عفا لي الإله عن سيّئاتي

فابشروا اليوم أولياء عليّ *** و تولّوا عليّ حتّى الممات

ثمّ من بعده تولّوا بنيه *** واحدا بعد واحد بتلك الصفات

ثمّ أتبع قوله هذا:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه حقّا حقّا أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا حقّا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ثمّ غمض عينه لنفسه فكأنّما كانت روحه ذبالة طفيت فانتشر هذا القول في الناس فشهدوا جنازته (1).

أقول: أمّا السبب في اسوداد وجهه فيما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار عن السيّد الحميري قال:كنت أقول بالغلوّ و أعتقد غيبة محمّد بن الحنفية قد ضللت في ذلك زمانا فمنّ اللّه عليّ بالصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام و أنقذني به من النار حتّى قال قصيدة أوّلها، شعر:

فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا *** استجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر

القصيدة.

و روى في المناقب عن داود الرقي أنّه ذكر عند الصادق عليه السّلام فقال السيّد كافر فأتاه

ص: 222


1- -أمالي الطوسي:628،و المناقب:23/3.

و قال:يا سيّدي أنا كافر مع شدّة حبّي لكم و معاداتي الناس فيكم؟

قال:و ما ينفعك و أنت كافر بحجّة الدهر و الزمان ثمّ أخذ بيده و أدخله بيتا و إذا في البيت قبر فصلّى ركعتين ثمّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعا فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه و لحيته فقال له الصادق عليه السّلام:من أنت؟

قال:أنا محمّد بن علي المسمّى بابن الحنفية،فقال:فمن أنا؟

قال:جعفر بن محمّد حجّة الدهر و الزمان،فخرج السيّد يقول:تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا (1).

و روي أيضا أنّه كان يشرب الخمور لكنّه تاب بعد ذلك.

و روي أنّ الباقر عليه السّلام دعا للكميت لمّا أراد أعداء آل محمّد أخذه و إهلاكه و كان متواريا فخرج في ظلمة الليل هاربا و قد أقعدوا على كلّ طريق جماعة.

فلمّا أراد أن يسلك الطريق المأخوذ عليه أتاه أسد و منعه منه حتّى دلّه على طريق الأمان و كذلك كان السيّد الحميري دعا له الصادق عليه السّلام لمّا هرب من أبويه و قد خرشا السلطان عليه لنصبهما فدلّه سبع على طريق و نجا منهما (2).

و روى الكشي قال:دخل الكميت على الصادق عليه السّلام فقال:يا سيّدي أسألك عن مسألة،فقال:سل،فقال:أسألك عن الرجلين فقال:يا كميت بن زيد ما اهريق في الإسلام محجمة من دم و لا اكتسب مال من غير حلّه و لا نكح فرج حرام إلاّ و ذلك في أعناقهم إلى يوم القيامة حتّى يقوم قائمنا و نحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا و صغارنا بسبّهما و البراءة منهما.

أقول: الرجلان هما رمع و صاحبه (3).7.

ص: 223


1- -المناقب:370/3،و مدينة المعاجز:376/5 ح 155.
2- -الخرائج و الجرائح:942/2،و بحار الأنوار:20/47 ح 10.
3- -وسائل الشيعة:47/12،و بحار الأنوار:323/47 ح 17.

السبب في لحوق الذنوب للشيخين الفاسقين

و أمّا السبب في أنّ ما وقع في الدّنيا من عظائم الذنوب فهو في أعناقهما فله وجوه:

الأوّل:إنّهما السبب في وقوع هذه الامور،لأنّ الخلافة لو بقيت لأهلها لاستقام الناس على طريق الهداية و انتظم نظام الإسلام على قانون العدل و ارتفع الفسوق و العصيان.

فلمّا غصبا الخلافة و شاع الظلم و الجهل كانا هما السبب في كلّ ما يقع من الفساد.

الأسباب في لحوق العذاب لفلان و فلان بسبب لعن اللاّعنين

الوجه الثاني:إنّ اللّه سبحانه قرّر عذابا لمن غصب الخلافة بازاء غصبه لها و ذنبا آخر بشراكة المذنبين و أسمعهما ذلك على لسان النبي صلّى اللّه عليه و اله فمن ثمّ كان ما يقع من الذنوب عقابه عليهما من غير أن ينقص الفاعل لشيء و بهذا يجاب عمّا ورد من الإشكال في أنّه كيف يكون سببا لزيادة عذابه و حاصله أنّه سبحانه قرّر لهم عذابين عذابا بإزاء ظلمهم و عذابا بإزاء لعن اللاّعنين لهم فليس هاهنا ظلم و لا جور،و جواب آخر و هو أنّ كلّ من يلعنهم فقد ظلموه بأنواع متعدّدة منها استتار الإمام عليه السّلام و شيوع الجهل و ترك من يرجع إليه في الأحكام حتّى حصل الخلاف و الاختلاف في أكثر المسائل و بقي الناس حيارى في سكرات الجهل،فلعن اللاّعن لهم من باب دعاء المظلوم على ظالمه فلم يكن هنا جور و لا وزر غيرهم لحقهم بل تحمّلوا وزر أنفسهم و يدخل تحت هذا الكلام الجواب عمّا روي من أنّ المهدي عليه السّلام إذا ظهر أخرجهما من قبريهما و ألزمهما بقتل قابيل هابيل و برمي إبراهيم عليه السّلام في النار و طرح اخوة يوسف له في الجب إلى غير ذلك ممّا جرى على الأنبياء و الأئمّة و الأولياء و الصلحاء و ذلك لأنّهم سمعوا أنّ من وثب على حقوق آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله جرى عليه مثل هذا فهو قد كان مقترفه و كان السبب في تحصيله و أن ليس للأنسان إلاّ ما سعى.

الوجه الثالث:إنّهم نصبوا خلفاء و حكّاما و قضاة و عمّالا و أئمّة جور كمعاوية و عثمان و أضرابهم هتكوا حجاب اللّه أحلّوا المحارم و حرّموا المحللات ثمّ تتابعت بدايعهم حتّى

ص: 224

حصل منها الفقهاء الأربعة أبو حنيفة و الشافعي و مالك و ابن حنبل الذين خربوا الدّين بآرائهم و اجتهادهم خصوصا أبي حنيفة في قياساته و تلوّنه في ضروب الاجتهاد حتّى قيل إنّ قوله:و بوله سواء و قد تتبّعت في بلاد المخالفين كبغداد و البصرة أنواع الظلم و الفساد الذي يجري من حكّامهم فما كان من واقعة ظلم إلاّ و كانت منوطة بفتوى من فتاوى أبي حنيفة و ناهيك بأبي حنيفة إنّه كان يفتي في مسجد الكوفة يقول:قال عليّ و أنا أقول يعني الخلاف عليه،و لا ريب أنّ قول عليّ عليه السّلام هو قول اللّه سبحانه،فإذن أبو حنيفة شريك للّه سبحانه في الأحكام الإلهية.؟!

و من ثمّ جاء في الآيات و الأخبار إطلاق الشرك على المخالفين و انّهم يحشرون يوم القيامة معهم.و وجه آخر لإطلاق الشرك عليهم ورد في الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم و هو أنّهم عزلوا الإمام الذي نصّبه النبي صلّى اللّه عليه و اله بالوحي و نصبوا أئمّة من عند أنفسهم فهم قد أشركوا في الإمامة و بهذا المعنى ورد إطلاق المشركين على سائر فرق المخالفين.

[في]الكشي عن كميل الشاعر الأسدي قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقال:و اللّه يا كميت لو كان عندنا مالا لأعطيناك منه و لكن لك ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لحسّان:لا يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا (1).9.

ص: 225


1- -وسائل الشيعة:594/14 ح 2،و بحار الأنوار:324/47 ح 19.

قصيدة امّ عمر و منام الرضا عليه السلام

و فيه أيضا عن فضيل الرسان قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ما قتل زيد بن علي فقال لي:يا فضيل قتل عمّي زيد رحمه اللّه أما أنّه كان مؤمنا و لو ملك لعرف كيف يضعها، لت:يا سيّدي ألا أنشدك شعرا؟

قال:امهل ثمّ أمر بستور فسدلت و بأبواب ففتحت ثمّ قال:انشد،فأنشدته:

لامّ عمر باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

إلى آخرها.

فلمّا بلغت إلى قوله؛

و راية قائدها حيدر *** كأنّه الشمس إذا تطلع

سمعت نحيبا من وراء الستر قال:من قال هذا الشعر؟

قلت:السيّد الحميري.

قال:رحمه اللّه،فقلت:إنّي رأيته يشرب النبيذ،قال:رحمه اللّه،قلت؛إنّي رأيته يشرب نبيذ الرستاق،قال:يعني الخمر،قلت:نعم،قال:رحمه اللّه و ما ذلك على اللّه أن يغفر لمحبّ علي (1).

و في كتاب بحار الأنوار وجدت في بعض تأليفات أصحابنا أنّه روى بإسناده عن سهيل بن ذبيان قال:دخلت على الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام فقال لي:مرحبا بك الساعة أراد رسولنا أن يأتيك فقلت:لماذا يا ابن رسول اللّه؟

فقال:المنام رأيته البارحة و قد أزعجني و أرقني،قلت:خيرا يكون إن شاء اللّه فقال:

يا ابن ذبيان رأيت كأنّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة فصعدت إلى أعلاه فقلت:يا مولاي اهنيك بطول العمر و ربما تعيش مائة سنة لكلّ مرقاة سنة،فقال عليه السّلام:ما شاء اللّه كان ثمّ قال:

ص: 226


1- -مستدرك الوسائل:391/10،و بحار الأنوار:326/47.

فلمّا صعدت إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يرى ظاهرها من باطنها و رأيت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا فيها و إلى يمينه و شماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما و رأيت امرأة بهيّة الخلقة و رأيت بين يديه شخصا بهيّ الخلقة جالسا عنده و رأيت رجلا واقفا بين يديه و هو يقرأ هذه القصيدة:لامّ عمرو باللوى مربع.

فلمّا رآني النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسى الرضا سلّم على أبيك عليّ فسلّمت عليه ثمّ قال:سلّم على امّك فاطمة الزهراء فسلّمت عليها ثمّ قال لي:

سلّم على أبويك الحسن و الحسين فسلّمت عليهما ثمّ قال لي:و سلّم على شاعرنا و مادحنا في دار الدّنيا السيّد إسماعيل الحميري فسلّمت عليه و جلست،فالتفت النبيّ إلى السيّد إسماعيل و قال له:عد إلى ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة فأنشد يقول:

لامّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

فلمّا بلغ إلى قوله:و وجهه كالشمس إذ تطلع،بكى النبيّ و فاطمة عليهما السّلام و من معه، فلمّا بلغ إلى قوله:قالوا له لو شئت أعلمتنا إلى من الغاية و المفزع رفع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يديه و قال:

إلهي أنت الشاهد عليّ و عليهم إنّي أعلمتهم بأنّ الغاية و المفزع عليّ بن أبي طالب و أشار بيده إليه و هو جالس بين يديه.

قال الرضا عليه السّلام:

فلمّا فرغ السيّد الحميري من إنشاد القصيدة التفت لنبيّ صلّى اللّه عليه و اله إليّ و قال:يا علي بن موسى احفظ هذه القصيدة و مر شيعتنا بحفظها و اعلمهم أنّ من حفظها و أد من قراءتها ضمنت له الجنّة على اللّه تعالى.

قال الرضا عليه السّلام؛و لم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه و القصيدة،هذه قصيدة:

لامّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

تروح عنه الطير وحشية *** و الأسد من خيفته تفزع

برسم دار ما بها مؤنس *** إلاّ صلال في الثرى وقع

رقش يخاف الموت نفثاتها *** و السمّ في أنيابها منقع

لمّا وقفنا العيس من في رسمها *** و العين من عرفانه تدمع

ص: 227

ذكرت من كنت ألهو به *** فبتّ و انقلب شج موجع

كأنّ بالنار لمّا تنضّى *** من حبّ أروى كبد تلذع

عجبت من قوم أتوا أحمدا *** بخطبة ليس لها موضع

قالوا له لو شئت أعلمتنا *** إلى من الغاية و المفزع

إذا توفّيت و فارقتنا *** و فيهم في الملك من يطمع

فقال لو أعلمتكم مفزعا *** كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذ فارقوا *** هارون فالترك له أودع

و في الذي قال بيان لمن *** كان اذن يعقل أو يسمع

ثمّ أتته بعد ذا عزمة *** من ربّه ليس لها مدفع

أبلغ و إلاّ لم تكن مبلّغا *** و اللّه منهم عاصم يمنع

فعندها قام النبي الذي *** كان بما يأمره يصدع

يخطب مأمورا و في كفّه *** كفّ عليّ ظاهرا يلمع

رافعها أكرم بكفّ الذي *** يرفع و الكفّ الذي ترفع

يقول و الأملاك من حوله *** و اللّه فيهم شاهد يسمع

من كنت مولاه فهذا له مولى *** فلم يرضوا و لم يقنعوا

فاتّهموه و خبت فيهم *** على خلاف الصادق الأصلع

و ضلّ قوم غاظهم فعله *** كأنّما أنافهم تجدع

حتّى إذا واروه في قبره *** و انصرفوا عن دفنه ضيّعوا

ما قال بالأمس و أوصى به *** و اشتروا الضرّ بما ينفع

و قطعوا أرحامه بعده *** فسوف يجزون بما قطعوا

و أزمعوا غدرا بمولاهم *** تبّا بما كان به أزمعوا

لا هم عليه يردوا حوضه غدا *** و لا هو فيهم يشفع

حوض له ما بين صنعا إلى ايلة *** و العرض به أوسع ينصب

فيه علم للهدى *** و الحوض من ماء له منزع

يفيض من رحمته كوثر *** أبيض كالفضّة أو أنصع

ص: 228

حصاه ياقوت و مرجانة *** و لؤلؤ لم تجنه اصبع

بطحائه مسك و حافاته *** يهتزّ منها مونق مربع

أخضر ما دون الورى ناضر *** وفاقع أصفر أو أنصع

فيه أباريق و قدحانه *** يذبّ عنها الرجل الأصلع

يذبّ عنها ابن أبي طالب *** ذبك كجربا إبل شرّع

و العطر و الريحان أنواعه *** ذاك و قد هبّت به زعزع

ريح من الجنّة مأمورة *** ذاهبة ليس لها مرجع

إذا دنوا منه لكي يشربوا *** قال لهم تبّا لكم فارجعوا

دونكم فالتمسوا منهلا *** يرويكم أو مطمعا يشبع

هذا لمن والى بني أحمد *** و لم يكن غيرهم يتبع

فالفوز للشارب من حوضه *** و الويل و الذلّ لمن يمنع

و الناس يوم الحشر راياتهم خمس *** فنهاها لك أربع

فرايته العجل و فرعونها *** و سامري الامّة المشنع

و راية يقدمها أدلم *** عبد لئيم لكع أكوع

و راية يقدمها جنتر *** للزور و البهتان قد أبدعوا

و راية يقدمها نعثل *** لا برّد اللّه له مضجع

أربعة في سقر أودعوا *** ليس لهم من قعرها مطلع

و راية يقدمها حيدر *** و وجهه كالشمس إذ تطلع

غدا يلاقي المصطفى حيدر *** و راية الحمد له ترفع

مولى له الجنّة مأمورة *** و النار من إجلاله تفزع

إمام صدق له شيعة *** يرووا من الحوض و لم يمنعوا

بذاك جاء الوحي من ربّنا *** يا شيعة الحقّ فلا تجزع

الحميري مادحكم لم يزل *** و لو يقطع اصبع اصبع

و بعدها صلّوا على المصطفى *** و صنوه حيدر الأصلع (1)5.

ص: 229


1- -بحار الأنوار:329/47 و مستدرك سفينة البحار:492/5.

أقول: روى هذه القصيدة بهذا الإسناد من أصحابنا المتأخّرين السيّد الجليل الفاضل جامع العلوم نور اللّه الشوشتري طيّب اللّه ثراه في كتابه مجالس المؤمنين،و امّ عمرو يكنّى به عن مطلق الحبيبة

يا امّ عمرو جزاك اللّه مكرمة *** ردّي عليّ فؤادي أينما كانا

و اللوى ما استدقّ من الرمل و المربع منزل القوم في الربيع و الطموس الدروس و الانمحاء و البلقع الأرض القفراء،و كنّى بامّ عمرو هنا عن أهل البيت عليه السّلام عليهم السّلام فإنّهم معشوق الأنام و بالمربع و اللوى و ما في البيت عن منازلهم و مدارس علومهم التي كانت مهبطا للوحي و محلاّ لنزول الملائكة و ما كان لهم من الملك و السلطان و وجوب الطاعة على الخاص و العام فيكون هذا من باب قول دعبل:مدارس آيات خلت من تلاوة..البيت، و قوله:يروا فيئهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات،و من أجل هذا بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عند إنشاد السيّد هذا البيت تذكّرا لما جرى على أولاده و أهل بيته من بعده.

و قوله:تروح عنه الطير وحشية البيت فالرواح هو الوقت من زوال الشمس إلى الليل سمّي به لاستراحة الناس فيه عن الأعمال غالبا و اتّسع فيه فقيل راح القوم و تروّحوا إذا ساروا أيّ وقت كان.

قال الأزهري:يقال:راح إلى المسجد أي مضى و يتوهّم كثير من الناس أنّ الرواح لا يكون إلاّ في آخر النهار و ليس ذلك بشيء،لأنّ الرواح و الغدوّ عند العرب يستعملان في السير أي وقت كان من ليل أو نهار،انتهى.

و قوله:وحشية حال عن الطير أي حال كونها مستوحشة منه فيكون المراد كلّ الطيور،لأنّ الطير جمع محلّى با(للاّم)جمع طاير كصحب و صاحب و يجوز أن يكون حالا بمعنى الصفة أي الطير الوحشية التي لا تسكن إلاّ الخراب دائما كالبوم و نحوه فإذا كانت الطيور الوحشية لا تألفه فالطيور الانسية بالطريق الأولى فيكون أبلغ في القفار و الخلوّ.

قيل:و يحتمل أن يراد بالطير الملائكة فإنّها قد نفرت عن مهابط الوحي و منازل لرسول صلّى اللّه عليه و اله و أهل بيته لما نزلها و تمكن فيها أئمّة الجور و غاصبوا الخلافة فتكون(الألف) و(اللاّم)في الطير للعهد الخارجي.

و قوله:و الأسد أي و كذلك الأسد تفزع من خيفته مع كونها غاية في الجرأة.

ص: 230

قيل:و يحتمل أن يراد بالأسد الأئمّة عليهم السّلام أو هم مع خيار شيعتهم فإنّهم كانوا يتّقون من أعدائهم الغاصبين للخلافة و استمرّ الحال إلى هذا الآن و جملة هذا البيت صفة اخرى لمربع.

و قوله:برسم دار ما بها مؤنس،البيت(الباء)إمّا للمصاحبة أو للظرفية أي أنّ ذلك المربع الخالي مصاحبا لما بقي من رسوم الدار و آثارها أو أنّ ذلك المربع كائنا في تلك الدار التي لم يبق إلاّ رسومها.

و قوله:الاصلال يجوز فيه الاتّصال و الانقطاع و الصلال جمع صل بالكسر و هو الحيّة الرقيقة الصفراء أو التي لا ينفع فيها الرقي و هي شديدة الفساد و تحرق كلّما مرّت عليه و لا ينبت حول حجرها شيء من الزرع و إذا حاذى مسكنها طائر سقط و تقتل بصفيرها على غلوة سهم و من وقع عليه بصرها و لو من بعد هلك و يحكى أنّ فارسا ضربها برمحه فمات هو و فرسه و يقال:إنّها كثيرة في بلاد الترك.

و في حياة الحيوان أنّها الملكة و هي حيّة طولها شبر على رأسها خطوط بيض يشبه التاج إذا صفرت يموت من صفيرها كلّ حيوان يسمع ذلك بعد ما ينتفخ و يسيل منه الصديد.قال جالينوس:إنّها حيّة شعراء على رأسها ثلاث قنازع كالتاج و هي قليلة الظهور للناس و الثرى الأرض الندية و وقع جمع واقع أي أنّ الحيات ساقطة في تلك الأرض لا تدخل إلى جحورها لأمنها من مرور الناس عليها.

و قيل:المراد أنّها من جوعها ساقطة على الأرض لا تقدر على دخول الأجحار أو أنّها واقعة على الأرض للوثوب على من يمرّ عليها،و لعلّه أشار بذلك إلى من غصب الخلافة من الامويّة و العبّاسية و حكّامهم و عمّالهم الذين كان ضررهم على الدّين و أهله أشدّ من ضرر سموم الحيات على من قرب منها.

و قوله:رقش يخاف الموت نفثاتها البيت،رقش جمع أرقش الحيّة المنقّطة خصّها لكثرة السمّ فيها و النفث النفخ مع الريق القليل و منه النفاثات في العقد يعني أنّ الموت الذي يهلك الناس و يخافه كلّ أحد يخاف من السمّ الناقع في أنيابها و هذا منطبق على شرار أهل الخلاف الذين توقّى شرّهم مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام مع أنّه كان في حروبه هو الموت الأحمر و ما دخل في حرب إلاّ كان ملك الموت في ركابه.

ص: 231

و قوله:لمّا وقفت العيس في رسمها البيت،وقفت من وقف يتعدّى و لا يتعدّى يقال:

وقفته وقفا و(التاء)ضمير المتكلّم و العيس بالكسر الإبل البيض التي يخالط بياضها شيء من الشقرة.

و قوله:و العين أي عيني أي أنّ عيني تبكي من معرفة حال ذلك الرسم.

و قوله:ذكرت من قد كنت ألهو به البيت،أي ذكرت الحبيب الذي كان في تلك الدار و كان مورد شغلي و سروري.

و قوله:كان بالنار لما شفني البيت،أي كان قلبي يحرق بالنار لما شفني أي أحزنني من تذكّر الحبيبة التي اسمها أروى و أروى هنا مثل أمّ عمرو كناية عن كلّ معشوقة و إن أردت تطبيقه على الحقيقة فليكن المراد بأروى أهل البيت عليهم السّلام لأنّهم المحبوب الحقيقي.

و قوله:عجبت من قوم أتوا أحمد البيت أحمد من أعلام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و هو منقول من افعل الذي هو اسم تفضيل من لفعل المجهول أي أكثر محمودية لكثرة خصاله الحميدة أو المعلوم أي أكثر حمدا للّه سبحانه أو بمعنى أكسب للحمد لكثرة الخصالة المحمودة.

و قوله:بخطبه بالضم بمعنى الكلام الطويل أي أنّ ذلك الكلام الذي كلّموا به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من تعيين الخليفة و النصّ عليه ممّا لا يحتاج إليه لأنّهم سمعوا منه صلّى اللّه عليه و اله في مدّة عمره الشريف النصّ عليه بالخلافة و غيرها،و لأنّ صفات الخلافة التي ورد بها النصّ من الكتاب و السنّة ما كانت موجودة إلاّ فيه و إن كان مرادهم من ذلك الكلام النصّ على أحدهم فأعجب لأنّه لم يكن فيهم من صفات الخلافة و لوازمها شيء فكيف يسألونه تعيين أحدهم لها و في قوله بخطبة إشارة إلى سوء أدبهم،لأنّ الخطبة ما اشتمل على المواعظ و النصائح.

و قوله:كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا أي كنتم عسيتم أي أتوقّع أمركم أن تصنعوا في شأن ذلك الملجأ مثل صنيع عبدة العجل حين فارقوا هارون الذي جعله موسى خليفة له و جعله مفزعهم ففارقوه إلى عبادة العجل و هذه الامّة فعلت مثل ما فعله بنو إسرائيل فإنّهم التجأوا بعد مفارقة موسى إلى صاحب العجل و هو السامريّ و تركوا أخاه و وصيّه هارون و هذه الامّة تركت وصيّه عليه السّلام و التجأوا إلى أبي الفصيل و هو أبو بكر،لأنّ البكر الفصيل من الإبل أعني الجمل الصغير فذاك أبو الثور الصغير و هذا أبو الجمل الصغير.

و قوله:فالترك له أودع من الدعة بمعنى الخفض و السعة أي إذا كان الأمر كذلك فترك

ص: 232

الأعلام أوسع لكم من الاعلام إن فرض فيه سعة و ذلك أنّ تارك الخليفة المنصوص عليه كافر مرتدّ كما وقع ذلك الأمر بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فإنّ الناس كلّهم ارتدّوا ما خلا ثمانية أو خمسة.

روى أخطب خوارزم عن ابن مسعود قال:كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد أصحر فتنفّس الصعداء فقلت:يا رسول اللّه ما لك تتنفّس؟

قال:يا ابن مسعود نعيت إليّ نفسي،قلت:استخلف يا رسول اللّه،قال:من؟

قلت:أبا بكر،فسكت،ثمّ تنفّس فقلت:ما لي أراك تتنفّس يا رسول اللّه؟

قال:نعيت إليّ نفسي،فقلت:استخلف يا رسول اللّه،قال:من؟

قلت:عمر،فسكت،ثمّ تنفّس فقلت:ما لي أراك تتنفّس يا رسول اللّه؟

قال:نعيت إليّ نفسي،فقلت:استخلف يا رسول اللّه،قال:من؟

قلت:عليّ بن أبي طالب قال:اواه لن تفعلوه إذا أبدا و اللّه لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنّة (1).

و قوله:و في الذي قال بيان لمن البيت حاصله أنّه صلّى اللّه عليه و اله ردّهم بما يتضمّن النصّ على ما سألوه عنه من المفزع بعده و ذلك لأنّه لمّا قال إنّي أخاف عليكم أن تصنعوا بخليفتي ما صنعت عبدة العجل بهارون دلّ على أنّ خليفته من هو من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بمنزلة هارون من موسى و ما هو إلاّ عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و النصوص عليه متواترة بين الطرفين، لكن إبليس أغواهم و صيّرهم عميا و بكما فلا سمعا و لا بصرا.و حديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسى متواتر لفظا و معنى.

و قوله:ثمّ أتته بعد ذا عزمة البيت؛العزم و العزيمة الإرادة المتأكّدة لفعل و عقد القلب عليه و المراد هنا الكلام المشتمل عليها و بمعناه قوله في قصيدته البائية التي شرحها المرتضى قدّس اللّه ضريحه شعر:

و نجم إذ قال الإله بعزمه *** قم يا محمّد بالولاية فاخطب

و العزمة هنا هي قوله تعالى في حكاية غدير خمّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ9.

ص: 233


1- -المناقب:582/2،و مائة منقبة:29.

إِلَيْكَ (1) في عليّ الآية،و هكذا نزلت.

و قوله:ليس لها مدفع إشارة إلى أنّه أتاه عزمة و تأكيد و قد كان دفعه جائزا له كما سيأتي بيانه.

و قوله:ابلغ و إلاّ لم تكن مبلغا إلى قوله:فلم يرضوا و لم يقنعوا إمّا ما اشتمل عليه من لفظ المولى فقد ورد له في كلام العرب معاني كثيرة؛منها الأولى بالشيء و هو أصل معانيها و عمادها و الأكثر وقوعا في كلامهم،و منها:مالك الرق،و منها المعتق،و منها ابن العمّ، و منها الناصر،و منها ضامن الجريرة،و منها الحليف،و منها الجار،و منها السيّد المطاع، و منها العاقبة و عليه حمل قوله تعالى: مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ (2)،و منها العبد،و منها الصاحب،و منها القريب،و منها الابن،و منها العمّ،و منها النزيل،و منها الشريك،و منها ابن الاخت،و منها الربّ،و منها المنعم،و منها المنعم عليه،و منها المحبّ،و منها التابع، و منها الصهر،و منها ما يلي الشيء مثل خلفه و قدّامه و لا يناسب المراد هنا إلاّ الأوّل كما سيأتي بيانه.

و تفصيل هذه الجملة ما رواه صاحب كتاب الاحتجاج بإسناده إلى محمّد بن علي الباقر عليه السّلام أنّه قال:حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من المدينة و قد بلّغ جميع الشرائع قومه غير الحجّ و الولاية فأتاه جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني و كثير حجّتي و قد بقي عليك فريضتان فريضة الحجّ و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك فإنّي لم أخل أرضي من حجّة و لن أخليها أبدا فإنّ اللّه جلّ ثناؤه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ تحجّ معك كلّ من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب و يعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم و توقفهم من ذلك على مثال الذي وقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع.

قال:فنادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في الناس؛ألا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يريد الحجّ و أن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرائع دينكم و يوقفكم من ذلك على مثل ما5.

ص: 234


1- -سورة المائدة:67.
2- -سورة الحديد:15.

أوقفكم عليه من غيره،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خرج معه الناس فحجّ بهم و بلغ من حجّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى عليه السّلام السبعين ألفا الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل و السامري،و كذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخذ البيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالخلافة على عدد أصحاب موسى عليه السّلام فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل سنّة بسنّة و مثلا بمثل و اتّصلت التلبية ما بين مكّة و المدينة.

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السّلام عن اللّه تعالى فقال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:إنّه قد دنى أجلك و أنا مستقدمك على ما لابدّ منه فاعهد عهدك و قدّم وصيّتك و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلّمها إلى وصيّك و خليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب،فأقمه للناس علما و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم به و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء إلاّ من بعد إكمال ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي و طاعته،و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير قيّم ليكون حجّة لي على خلقي،فاليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي بوليّي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة على عبدي و وصيّ نبيّي و الخليفة من بعده و حجّتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي.

من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني و أنّي جعلته علما بيني و بين خلقي، من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من أشرك ببيعته كان مشركا و من لقيني بولايته دخل الجنّة و من لقيني بعداوته دخل النار،فأقم يا محمّد عليّا علما و خذ عليهم البيعة و جدّد عهدي و ميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ،قال:

فخشى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قومه و أهل النفاق و الشقاق أن يتفرّقوا و يرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السّلام من البغضة و الشحناء.

و سأل جبرئيل أن يسأل ربّه عزّ و جلّ العصمة من الناس و انتظر أن يأتيه جبرئيل عليه السّلام

ص: 235

بالعصمة من الناس من اللّه جلّ اسمه فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده و يقيم عليّا علما للناس يهتدون به و لمّا لم يأته بالعصمة من اللّه جلّ جلاله بالذي أراد حتّى أتى كراع الغميم موضع بين مكّة و المدينة فأتاه جبرئيل و أمره بالذي أتاه به من قبل اللّه سبحانه و لم يأته أيضا بالعصمة فقال:يا جبرئيل إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني و لا يقبلوا قولي في عليّ أخي و ابن عمّي قال:فرحل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلمّا بلغ غدير خمّ و هو قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السّلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار و العصمة من الناس فقال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في علي و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته و اللّه يعصمك من الناس.

و كان أوائلهم قريبا من الجحفة فأمره بأن يرد من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليّا للناس علما و يبلغهم ما أنزل اللّه تعالى في علي،و أخبره أنّ اللّه عزّ و جلّ قد عصمه من الناس فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عندما جاءته العصمة مناديا ينادي بالناس الصلاة جامعة و يردّ من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر و تنحّى عن يمين الطريق و نزل إلى جنب مسجد الغدير و كان في الموضع سلمان فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يقمّ ما تحتهنّ و ينصب له أحجارا كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس و احتبس أوائلهم على آخرهم في ذلك المكان لا يزولون فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فوق تلك الأحجار ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه فقال:الحمد للّه الذي على في توحيده إلى آخر الخطبة.

و هي خطبة طويلة تشتمل على أمره تعالى بإقامة علي عليه السّلام بالخلافة بعده فقبضه بيده و رفعه حتّى كانت أرجل علي عليه السّلام عند ركبتيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:ألست أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا:بلى،قال:من كنت مولاه فعليّ مولاه إلى آخره،و نصّ عليه نصّا لا يحتمل التأويل (1).

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من هذه الخطبة رؤى في الناس رجل جميل طيّب الرائحة فقال:تاللّه ما رأيت كاليوم ما أشدّ ما يؤكّد لابن عمّه و أنّه لعقد له عقدا لا يحلّه إلاّ كافر باللّه العظيم و برسوله ويل طويل لمن حلّ عقده قال:فالتفت إليه عمر7.

ص: 236


1- -بحار الأنوار:132/37.

فأعجبته هيئته ثمّ التفت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و قال له:ما سمعت ما قال هذا الرجل؟

قال:كذا و كذا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أتدري من ذلك الرجل؟

قال:لا،قال:ذاك الروح الأمين جبرئيل فإيّاك أن تحلّه فإنّك إن فعلت فاللّه و رسوله و الملائكة و المؤمنون منك برآء و قد تقدّم في المجلّد الأوّل تمام الكلام في هذا المقام (1).

و قوله؛فاتّهموه و خبت فيهم البيت،و خبت با(لخاء)المعجمة و(الباء)الموحّدة التحتانيه من الخبو و هو سكون لهب النار و المعنى أنّهم لمّا لم يرضوا بما قاله لهم اتّهموه و قالوا ليس ذلك عن وحي و إنّما كان هوى من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سكنت أضلاعهم على هذا الخلاف.

قيل:و يجوز أن يكون ما في البيت حنت بالمعجمة و(النون)الموحّدة الفوقانية من الحنوّ و هو الإعوجاج أي أنّ أضلاعهم كان إعوجاجها على خلافه صلّى اللّه عليه و اله و هذا كناية مشهورة عن شدّة العداوة و البغضاء.

و عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بغدير خمّ نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ و قال:من كنت مولاه فعليّ مولاه،شاع ذلك في البلاد فبلغ الحارث الفهري فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على ناقته فقال:يا محمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه فقبلناه منك و أمرتنا بالصلاة و الصوم و الحجّ فقبلناه ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا و قلت:من كنت مولاه فعلي مولاه و هذا شيء منك أم من اللّه فقال:و اللّه الذي لا إله إلاّ هو أنّه من اللّه فولّى الحارث و هو يقول:اللّهم إن كان ما يقوله محمّد حقّا فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فما وصل إلى راحلته حتّى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره و أنزل اللّه تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2)(3).

و قوله:و ظلّ قوم غاظه فعله إلى قوله:تبّا لما كان به أزمعوا ظلّ هنا بمعنى صار.

و قوله:حتّى إذا واروه في قبره إلى آخره،يظهر منه أنّ تضييعهم لقوله عليه السّلام إنّما كان1.

ص: 237


1- -الأحتجاج:84/1،و بحار الأنوار:219/37.
2- -سورة المعارج:1-2.
3- -المناقب:241/2،و العمدة:101.

بعد الدفن و أنّهم كانوا حاضرين وقت الدفن و ليس كذلك فإنّهم اجتمعوا في السقيفة و غصبوا الخلافة و بايعوا أبا بكر قبل دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لم يحضروا دفنه و لا الصلاة عليه، و حينئذ فيحمل على أنّ تمام الأمر لهم و غصب الخلافة كان بعد الدفن فإنّ كثيرا من الناس ما بايع إلاّ بعد الدفن و في الزمن الطويل.

و قوله:لا هم عليه يردوا حوضه إلى قوله:ذاهبة ليس لها مرجع صنعاء بالمدّ قصبة من اليمن وايلة جبل بين مكّة و المدينة قرب ينبع و موضع بين ينبع و مصر و قال:محيي السنّة هي بلدة على الساحل من آخر بلاد الشام ممّا يلي بحر اليمن و المراد بالكوثر حوض الكوثر.

و عن ابن عبّاس قال:لمّا نزل إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1)قال عليّ عليه السّلام:ما الكوثر يا رسول اللّه؟قال:نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى ماؤه أشدّ بياضا من اللبن و أحلى من العسل و ألين من الزبد حصاه الزبرجد و الياقوت و المرجان حشيشه الزعفران ترابه المسك الأذفر قواعده تحت عرش اللّه تعالى ثمّ ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يده على جنب أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:يا علي إنّ هذا النهر لي و لك و لمحبّيك من بعدي و الناصع الخالص من كلّ شيء (2).

و قوله؛لم تجنه من جنى الثمرة و المراد هنا إخراج اللؤلؤ من الصدف و مونق من أنق بمعنى أعجب و مربع أي مخصب يقال:ربع فلان إذا أخصب أي نال الخصب.

و قوله:اخضر(ما)دون ما هنا موصولة أو موصوفة و دون يقال هذا دون فلان أي أدنى مكانا منه و الورى الخلق و النضر الحسن و البهاء و الفقوع شدّة الصفرة و الصلع محرّكة انحسار شعر مقدّم الرأس و المراد به هنا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.و عنه عليه السّلام:إذا أراد اللّه بعبد خيرا رماه بالصلع فتحات الشعر عن رأسه و ها أنا ذا.

و قال عليه السّلام:لا تجد في أربعين كوسجا رجلا صالحا و لا تجد في أربعين أصلعا رجل سوء و أصلع سوء أحبّ إليّ من كوسج صالح.

و قال عليه السّلام:و أمّا صلع رأس فمن إدمان الحديد و مجالدة الأقران و الزعزعة تحريك5.

ص: 238


1- -سورة الكوثر:1.
2- -التفسير الصافي:382/5.

الريح الشجرة،و قوله:اخضر صفة اخرى لمونق أو لمربع و ما دون الورى تأكيد الضمير المستكن في اخضر فإنّه بمعنى كلّه و دون الورى ظرف مستقرّ صلة أو صفة(لما)و(ما)ان كانت موصوفة كانت في التقدير مضافا إليها لكلّ و نحوه أي كلّ شيء يكون دون الورى و لابدّ من تقدير ضمير يرجع إلى ما رجع إليه ضمير اخضر أي ما دون الورى منه إذ لابدّ في التأكيد ممّا يرجع إلى المأكد.

و قوله:ذاك اسم إشارة مبتدأ محذوف الخبر أي ذاك كذلك و الإشارة إلى ما ذكر من أوصاف الحوض.

و معنى قوله؛بطحاؤه مسك البيت و ما بعده أنّ مسيله مسك و أطرافه كذلك حال كونها تتحرّك من الغضارة مبتديا منها أو عندها نبات أو مكان معجب موقع للخلق في الخصب أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد الخضرة و شديد الصفرة أو خالص اللون أصفر فاقع أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه الصفر من الأشياء بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر.

و قوله:ليس لها مرجع أي لا ترجع عمّا أمرت به.

و قيل:إنّه إشارة إلى سعة المكان فإنّه إذا ضاق المكان الذي تهب فيه الريح رجعت إذا وصلت إلى منتهاها إلاّ إذا سكنت فكأنّه قال:إنّه لا منتهى لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون لا ترجع.

ص: 239

حوض الكوثر

و في كامل الزيارة بإسناده عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال في قلبه حتّى يرد علينا الحوض،و أنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، و من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل أحلى من العسل و ألين من الزبد و أصفى من الدمع و أذكى من العنبر،يخرج من تسنيم و يمرّ بأنهار الجنان يجري على رضراض الدرّ و الياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام قدحانه من الذهب و الفضّة و ألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فايحة حتّى يقول الشارب منه ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا و لا عنه تحويلا،أمّا أنّك يا كردين ممّن تروى منه و ما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر و سقيت منه من أحبّنا و أنّ الشارب منه ليعطى من اللذّة و الطعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السّلام و في يده عصاء من عوسج يحطّمن بها أعداءنا فيقول الرجل منهم:إنّي أشهد الشهادتين فيقول:انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول:تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول:ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاّه و تقدّمه على الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع فيقول:إنّي أهلك عطشا فيقول:زادك اللّه ظمأ و عطشا،قلت:

جعلت فداك و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ترك أشياء اجترئ عليها غيره و ليس ذلك لحبّنا و لا لهوى منه لنا و لكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته و لما قد شغل به نفسه من ذكر الناس فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و أتّباعه أهل النصب و ولاية الماضين و تقديمه لهما على كلّ واحد (1).

ص: 240


1- -كامل الزيارات:205 ح 1،و بحار الأنوار:23/8.

و في حديث آخر عنه صلّى اللّه عليه و اله:أنّ الكوثر نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ (1).

و عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله صلّى الغداة ثمّ التفت إلى عليّ عليه السّلام فقال:يا علي ما هذا النور الذي أراه قد غشيك؟

قال:يا رسول اللّه أصابتني جنابة في هذه الليلة فأخذت بطن الوادي و لم أصبّ الماء.

فلمّا ولّيت ناداني مناديا يا أمير المؤمنين فالتفتّ فإذا ابريق مملو من ماء فاغتسلت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أمّا المنادي فجبرئيل و الماء من نهر الكوثر عليه اثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة و ستّون غصنا،فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح فما من شجرة و لا غصن إلاّ و هو أحلى صوتا من الآخر و لولا أنّ اللّه كتب على أهل الجنّة أن لا يموتوا لماتوا فرحا من شدّة حلاوة تلك الأصوات و هذا النهر في جنّة عدن و هو لي و لك و لفاطمة و الحسن و الحسين و ليس لأحد فيه شيء (2).

أقول: لعلّ المعنى أنّه ليس لأحد من غير هذه الامّة أو من غير الشيعة بقرينة ما تقدّم.

-و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب أنّ الكوثر نهر في الجنّة طوله و عرضه ما بين المشرق و المغرب.

أقول: اختلفت الأخبار في تحديده و الجمع بوجوه:

منها:أن يكون كلّها كناية عن السّعة كما أنّ السبعين عندهم كناية عن الكثرة.

و منها:أنّ نهر الكوثر يجري على أمكنة لا يحصى لأنّه يجيء من أرض القيامة جاريا إلى أن يدخل الجنّة فيكون له في كلّ مكان يجري فيه نوع من التحديد.

و منها:أن يكون المراد من العرض أقصر الامتدادات فيكون طوله أطول من عرضه فاختلاف التحديد لذلك أيضا.

و منها:ما قيل:إنّ لكلّ واحد من الشيعة حظّا منه و يختلف ذلك باختلاف الأعمال7.

ص: 241


1- -بحار الأنوار:25/8 ح 24.
2- -مدينة المعاجز:451/2،و بحار الأنوار:26/8 ح 27.

فيختلف تحديده باختلاف العاملين له.

و منها:أن يراد بالعرض الجانب و يكون له جوانب شتّى متفاوتة (1).

و قوله:فالتمسوا منهلا البيت،المنهل المورد و في البيت دلالة على أنّ ماء الكوثر يشبع و يروى كما جاء في الأخبار.

و قوله:و الويل في الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:الويل واد في جهنّم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا ثمّ يهوى فيه كذلك أبدا.

و قوله:و الناس يوم الحشر راياتهم إلى قوله:و وجهه كالشمس إذ تطلع و المراد بالعجل كما قاله جماعة من أهل الحديث أبو بكر لأنّه خالف الوصي أوّلا و هو عجل و ثور في الحمق و الجهالة فهو كالعجل الذي اتّخذه السامري.

و عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام:الأوّل بمنزلة العجل و الثاني بمنزلة السامري (2).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله في خبر طويل:يا علي إنّ أصحاب موسى اتّخذوا بعده عجلا و خالفوا خليفته و ستتّخذ امّتي بعدي عجلا ثمّ عجلا ثمّ عجلا و يخالفونك و أنت خليفتي و فيه تسمية الثلاثة بالعجل و وجه الشبه ظاهر و فرعون لقب لمن ملك مصر و غلب على فرعون موسى،و السامري رجل منافق كان في بني إسرائيل أغواهم بعبادة العجل منسوب إلى سامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض الأحكام (3).

و قيل:كان من قوم يعبدون البقر و المراد به عمر بن الخطّاب على ما نطق به الخبر لأنّه أغوى هذه الامّة هو أبو موسى الأشعري لأنّه كان يقول:لا قتال كما كان يقول السامري:

لا مساس.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:المراد بسامري هذه الامّة الحسن البصري لأنّه كان يقول:لا قتال،كما كان السامري يقول:لا مساس و لا تنافي بين هذه الأخبار و لا أخبار العجل فإنّ هذا من باب التشبيه،فكلّ من يكون له شبه بالمسمّى جاز أن يطلق عليه كما يطلق حاتم على9.

ص: 242


1- -المناقب:12/2،و بحار الأنوار:24/8 ح 20.
2- -مجمع النورين:103،و مستدرك سفينة البحار:106/7.
3- -تفسير الأمام العسكري:409.

الجواد و يجوز أن يكون إطلاق السامري على الحسن البصري مثلا باعتبار أنّه سامري أهل البصرة و على أبي موسى باعتبار أنّه سامري أهل الكوفة و من حضر صفّين و على أبي بكر و عمر لأنّهما سامري جميع الامّة،و حينئذ فيمكن أن يريد الناظم رحمه اللّه بالثلاثة واحدا و أن يراد بكلّ منها غير ما يراد من الآخران يريد بالاثنين واحدا و الباقي غيره (1).

و قوله:المشنع على صيغة الفاعل من أشنعت الناقة إذا أسرعت في السير أي المسرع في الفساد و الشرّ أو بمعنى الداخل في الشناعة و القباحة أو على صيغة المفعول بمعنى المشنع عليه و المنسوب إلى القبح و الشناعة.

و الأدلم الطويل الشديد السواد و اللكع كصرد اللئيم البخيل.

و الأكوع المعوج و يراد به هنا الاعوجاج في الدّين لا في الجوارح و الأعضاء و هو في اللغة بمعنى المعوج كوعه أي طرف الزند منه.

قيل:و لعلّ المراد به هنا يزيد بن أبيه الذي ذكره الحسين عليه السّلام لمعاوية في كتاب كتبه إليه و أنّه سلّطه على أهل الكوفة فقتل و أفسد و ظلم.

و في ذلك الكتاب:أو لست المدّعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد عبد ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:الولد للفراش و للعاهر الحجر،و في بعض الأخبار نصّ على أنّ إحدى الرايات راية زياد (2).

و قوله:حبتر،الحبتر الثعلب و هو معروف بالمكر و الحيلة و الجبن فسمّى به من يشابهه.

قيل:الظاهر أنّ المراد به هنا أبو موسى الأشعري للخبر الناصّ على أنّ إحدى الرايات رايته.

و النعثل الذكر من الضباع و الشيخ الأحمق و أسلم يهودي كان بالمدينة فأسلم،طويل اللحية و المراد به في البيت عثمان لأنّه كان يقال له ذلك إذا عيّر و كانت عائشة تسمّيه به و تقول:اقتلوا نعثلا قتله اللّه،شبّهته بذلك اليهودي في طول لحيته و حمقه و في الأغلب أنّهما مثلا زمان أو لعظم بطنه لأنّه كان يأكل أموال المسلمين و لا يشبع حتّى قتل.0.

ص: 243


1- -مستدرك سفينة البحار:386/5.
2- -العوالم:91،و الغدير:161/10.

و المضجع مكان الاضطجاع و المراد القبر و ينبغي أن يكون منصوبا و رفعه للضرورة.

و قوله:في سقر قيل:اسم لجهنّم نار خاصّة و قيل:اسم للنار ثمّ قيل:إنّه اسم أعجمي فلم يصرف للعجمية و العلمية و قيل:بل عربي من صقرته النار إذا لوحته فعدم الانصراف للتأنيث و العلمية.

و عن الصادق عليه السّلام:إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر شكى إلى اللّه شدّة حرّه و سأله أن يأذن له أن يتنفّس فتنفّس فأحرق جهنّم (1).

و في حديث آخر عن الباقر عليه السّلام:إنّ في جهنّم لجبلا يقال له الصعدي و أنّ في صعدى لواديا يقال له سقر و أنّ في سقر لجبّا يقال له هبهب كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ أهل النار من حرّه و ذلك منازل الجبّارين (2).

و قوله:و راية يقدمها حيدر الحيدير و الحيدرة الأسد و هو من أسماء أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.

و في معاني الأخبار:معناه الحازم الرأي الحبر النقاب النظار في دقائق الأشياء،و أمّا أخبار الرايات فرويت من طرق كثيرة منها ما رواه السيّد الأجلّ رضيّ الدّين علي ابن طاووس نوّر اللّه ضريحه بإسناده إلى أبي ذرّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:امّتي ترد على الحوض على خمس رايات أولها راية العجل فأقوم فآخذ بيده فيسودّ وجهه و ترجف أقدامه و كذلك من تبعه فأقول ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟فيقولون:كذّبنا الأكبر و مزّقناه و اضطهدنا الأصغر و ابتززنا حقّه،فأقول:اسلكوا ذات الشمال فيصرفون ظماء مسودّة وجوههم،ثمّ ترد على راية فرعون امّتي فيهم أكثر الناس فأخذ بيد صاحبهم فيسودّ وجهه و ترجف قدماه و كذلك أتباعه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟

فيقولون:مزّقنا الأكبر و قاتلنا الأصغر فقتلناه،فأقول:اسلكوا طريق أصحابكم فيصرفون عطاشا مسودّة وجوههم.

ثمّ ترد عليّ راية فلان و هو إمام خمسين ألفا من امّتي فأقوم فآخذ بيده فيسودّ وجهه و ترجف قدماه و كذلك بأتباعه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟فيقولون:كذبنا9.

ص: 244


1- -المحاسن:123/1،و بحار الأنوار:294/8 ح 38.
2- -المحاسن:123/1 ح 138،و بحار الأنوار:297/8 ح 49.

الأكبر و عصيناه و خذلنا الأصغر و خذلنا عنه،فأقول:اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون مسودّة وجوههم ثمّ يرد على المخدج برايته و هو امام سبعين ألفا من امّتي فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه و رجفت قدماه و كذلك أتباعه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فأقول:كذبنا الأكبر و عصيناه و قاتلنا الأصغر و قتلناه،فأقول:اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون عطاشا مسودّة وجوههم ثمّ يرد عليّ أمير المؤمنين و قائد الغرّ المحجّلين فأقوم فآخذ بيده فيبيض وجهه و وجوه أصحابه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون:اتّبعنا الأكبر و صدّقناه و وازرنا الأصغر و نصرناه و قتلنا معه،فأقول لهم:اشربوا فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبدا امامهم كالشمس الطالعة و وجوههم كالقمر ليلة البدر (1).

و في رواية اخرى لأبي ذرّ أيضا إنّ الراية الثالثة راية ذو الثدية إمام الخوارج و يفعل بهم صلّى اللّه عليه و اله كما فعل بأهل الرايتين الأولتين.

و عن أبي ذرّ أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إنّ شرّ الأوّلين و الآخرين اثنا عشر ستة من الأوّلين و ستّة من الآخرين ثمّ سمّى من الأوّلين ابن آدم الذي قتل أخاه و فرعون و هامان و قارون و السامري و الدجّال اسمه في الأوّلين و يخرج في الأخيرين و سمّى من الآخرين ستّة العجل و هو عثمان و فرعون و هو معاوية و هامان و هو زياد بن أبي سفيان و قارون و هو سعد بن أبي وقّاص و السامري و هو أبو موسى الأشعري يقول:لا قتال و السامري يقول:لا مساس و الأبتر و هو عمرو بن العاص لا دين له و لا نسب ثمّ ذكر في هذا الحديث الرايات الخمس لكن ذكر الراية الثالثة باسم عبد اللّه بن قيس و هو أبو موسى الأشعري (2).

و قوله:و راية الحمد له ترفع أي لأمير المؤمنين عليه السّلام أو للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله و حاملها على التقديرين هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

روى صاحب المناقب عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل و معه لواء الحمد و هو سبعون شقّة،الشقّة منه أوسع من الشمس و القمر و أنا على كرسي من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فآخذه و أدفعه إلى عليّ بن أبي طالب،فوثب عمر7.

ص: 245


1- -معاني الأخبار:167/2،و بحار الأنوار:15/8.
2- -بحار الأنوار:342/37.

و قال:يا رسول اللّه كيف يطيق علي حمل اللواء؟

فقال عليه السّلام:إذا كان يوم القيامة يعطي اللّه عليّا من القوّة مثل قوّة جبرئيل، الحديث (1).

و في رواية أحمد بن حنبل عنه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أنت أوّل من يدعى بك لقرابتك و منزلتك عندي و يدفع إليك لوائي و طوله مسيرة ألف سنة سنانه ياقوتة حمراء له ثلاث ذوائب من نور ذوابة في المشرق و ثلاثة في المغرب و الثالثة وسط الدنيا مكتوب عليه ثلاثة أسطر الأوّل بسم اللّه لا إله إلاّ اللّه الرحمن الرحيم،الثاني الحمد للّه ربّ العالمين،الثالث لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه طول كلّ سطر ألف سنة فتسير باللواء و الحسن عن يمينك و الحسين عن يسارك حتّى تقف بيني و بين إبراهيم في ظلّ العرش ثمّ تكسى حلّة خضراء من الجنّة ثمّ ينادي مناد تحت العرش نعم الأب أبوك إبراهيم و نعم الأخ أخوك عليّ، الحديث (2).

و عن معاذ بن جبل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:أعطاني في علي:أنّي أعطى يوم القيامة أربعة ألوية فلواء الحمد بيدي و أدفع لواء التهليل إلى عليّ عليه السّلام و أوجّهه في أوّل فوج و هم الذين يحاسبون حسابا يسيرا و أدفع لواء التكبير إلى حمزة و أوجّهه في الفوج الثاني و أدفع لواء التسبيح إلى جعفر و أوجّهه في الفوج الثالث و لا تعارض بين الأخبار،لأنّ للقيامة مواقف كثيرة فيمكن أن يكون هذا في بعض مواطنها و ما تقدّم من دفع لواء الحمد إلى عليّ عليه السّلام في البعض الآخر (3).

و قوله:مولى له الجنّة مأمورة البيت،يعني أنّ الجنّة و النار يوم القيامة مأمورتان بإطاعته.

روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري في بشارة المصطفى لشيعة المرتضى بإسناده إلى ابن عبّاس.

و ذكر حديث الجارية التي نام عليه السّلام و رأسه في حجرها فرأته فاطمة و اتّهمته بذلك8.

ص: 246


1- -المناقب:27/3،و بحار الأنوار:3/8 ح 3.
2- -بحار الأنوار:341/38،و المناقب:140.
3- -بحار الأنوار:7/8 ح 11،و تفسير فرات الكوفي:548.

الأمر و شكته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأتى جبرائيل عليه السّلام و نزهه مما ظننت به فلما رجعت تقول أرغم أنفي لرضاك،قال:شكوتني إلى حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و احياءه فأعتق الجارية لرضا فاطمة و تصدّق بخمسمائة درهم كانت عنده لا يجد غيرها فقال جبرائيل:وهبه اللّه الجنّة بحذافيرها بعتقه الجارية في مرضاة فاطمة فيدخل من يشاء و يمنع من يشاء و وهبت له النار بحذافيرها بالصدقة في مرضاة فاطمة فإذا كان يوم القيامة يدخل من يشاء و يمنع من يشاء، فهو قسيم الجنّة و النار (1).2.

ص: 247


1- -الجواهر السنية:277،و مستدرك سفينة البحار:56/2.

مفاتيح الجنّة و النار بيد علي عليه السلام

روى ابن شيرويه الديلمي في الفردوس عن كتاب الإحن و المحن للصفواني في خبر طويل عن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال؛ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:و ينزل الملكان يعني رضوان و مالكا فيقول مالك:إنّ اللّه أمرني بلطفه أن أسعر النيران فسعرتها و أن أغلق أبوابها فغلقتها و أن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد، فأقول:قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ثمّ أدفعها إلى علي عليه السّلام ثمّ يقول رضوان إنّ اللّه أمرني بمنّه و لطفه أن أزخرف الجنان فزخرفتها و أن أغلق أبوابها فغلقتها و أن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد فأقول:قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ثمّ أدفعها إلى علي،فينزل علي و معه مفاتيح الجنّة و مقاليد النار فيقف عندها و يأخذ بزمامها و قد تطاير شررها و علا زفيرها و تلاطمت أمواجها فتناديه النار:جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي فيقول لها علي عليه السّلام:اتركي هذا وليّي و خذي هذا عدوّي و أنّ جهنّم يومئذ لأطوع لعليّ من غلام أحدكم لصاحبه.و الأخبار بهذا المعنى كثيرة.

ص: 248

معنى الشيعة

و قوله:إمام حقّ و له شيعة..البيت،شيعة الرجل أعوانه و أنصاره و شيعة عليّ عليه السّلام له معنيان مستفادان من النصوص:

الأوّل:و هو المشهور أنّه من والاه و اعتقد أنّه الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و الثاني:و هو الذي دلّت عليه الأخبار الكثيرة أنّه من تابعه في الأقوال و الأفعال و لم يخالف أوامره و نواهيه.

ففي تفسير الإمام العسكري عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في حديث طويل يذكر فيه أنّ من محبّيه و محبّي علي صلوات اللّه عليهما من يدخل جهنّم،قال في آخره ليس هؤلاء يسمّون بشيعتنا و لكنّهم يسمّون بمحبّينا و الموالين لأوليائنا و المعادين لأعدائنا،انّ شيعتنا من شيّعنا و اتّبع آثارنا و اقتدى بأعمالنا.

و يمضمون هذا الخبر أخبار كثيرة في ذلك الكتاب و غيره و لا منافاة،لأنّ التشيّع هو الإيمان.

و جاء في الأخبار الصحيحة:أنّ للأيمان درجات فيكون المعنى الثاني من أعلى تلك الدرجات،و أمّا المعنى الأوّل فهو داخل تحت الإيمان و التشيّع و صدق سلبه عنه لسلب الدرجة العالية عنه.

و قوله:يا شيعة الحقّ فلا تجزعوا،يعني لا تحزنوا لما أصابكم في الدنيا من النكبات هذا آخر ما تعلّق بشرح هذه القصيدة على سبيل الاختصار،و قد كتب عليها بعض الأفاضل من المعاصرين شرحا مبسوطا وافيا حقّق فيه ألفاظها و معانيها و ما تعلّق بها من فنون العلوم.

و روى الكشّي عن محمّد بن النعمان قال:دخلت على السيّد الحميري و هو لمّا به قد اسودّ وجهه و ازرقت عيناه و عطش كبده و هو يومئذ يقول بمحمّد بن الحنفية و كان ممّن يشرب المسكر و جئت و قد قدم أبو عبد اللّه عليه السّلام الكوفة فدخلت عليه فقلت:جعلت فداك

ص: 249

قد فارقت السيّد الحميري قد اسودّ وجهه و عطش كبده و سلب الكلام فإنّه كان يشرب المسكر فقال عليه السّلام:اسرجوا حماري،فركب و مضيت معه حتّى دخل على السيّد فقال:يا سيّد،ففتح عينه ينظر إليه و لا يمكنه الكلام قد اسودّ وجهه فحرّك عليه السّلام شفتيه فنطق السيّد فقال:جعلني اللّه فداك بأوليائك يفعل هذا؟

فقال عليه السّلام:يا سيّد قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك و يدخلك الجنّة،فقال في ذلك:

تجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر،فلم يبرح عليه السّلام حتّى قعد السيّد (1).

و روي أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لقى السيّد الحميري فقال:سمّتك امّك سيّدا و وفقت في ذلك و أنت سيّد الشعراء ثمّ أنشد السيّد في ذلك شعر:

و لقد عجبت لقائل لي مرّة *** علامة فهم من الفقهاء

سمّتك امّك سيّدا صدقت به *** أنت الموفّق سيّد الشعراء

ما أنت حين تخصّ آل محمّد *** بالمدح منك و شاعر بسواء

مدح الملوك ذوي الغنا لعطائهم *** و المدح منك لهم بغير عطاء

فابشر فإنّك فايز في حبّهم *** لو قد وردت عليهم بجزاء

ما يعدل الدّنيا جميعا كلّها *** من حوض أحمد شربة من ماء (2)

و روى ابن بابويه طاب ثراه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:أربعة أحبّ الناس إليّ أحياء و أمواتا:بريد العجلي وزارة بن أعين و محمّد بن مسلم و الأحول أحبّ الناس إلي أحياء و أمواتا (3).1.

ص: 250


1- -بحار الأنوار:327 ح 23،و معجم رجال الحديث:93/4.
2- -بحار الأنوار:328/47،و الغدير:232/20.
3- -بحار الأنوار:357/47،و مستدرك سفينة البحار:362/1.

لعن أرض البصرة

و روى الكشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ عليّا عليه السّلام لمّا أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها ثمّ قال:لعنك اللّه يا أنتن الأرض ترابا و أسرعها خرابا و أشدّها عذابا،فيك الدوي،قيل:يا أمير المؤمنين ما هو؟

قال:كلام القدر فيه الفرية على اللّه و بغضنا أهل البيت.

حديث الجارية التي عفّ عنها الرجل

و في الكافي عن زرعة قال:كان رجل بالمدينة و كان له جارية نفيسة فوقعت في قلب رجل و أعجب بها فشكى إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له:تعرض لرؤيتها و كلّما رأيتها فقلت:

أسأل اللّه من فضله ففعل فما لبث إلاّ يسيرا حتّى عرض لوليّها سفر فجاء إلى الرجل فقال:يا فلان أنت جاري و أوثق الناس عندي و قد عرض لي سفر و أنا أحبّ أن أودعك فلانة جاريتي تكون عندك،فقال الرجل:ليس لي امرأة فكيف تكون جاريتك عندي؟

فقال:اقوّمها عليك بالثمن و تضمنه لي يكون لي عندك فإذا قدمت فبعنيها أشتريها منك و إن نلت منها نلت ما يحلّ لك ففعل و غلظ عليه في الثمن و خرج الرجل و مكثت عنده ما شاء اللّه حتّى قضى و طره منها ثمّ قدم رسول لبعض خلفاء بني اميّة يشتري له جواري فكانت هي فيمن يسمّى أن يشترى فبعث الوالي إليه فقال له:جارية فلان،فقال:

فلان غايب فقهره على بيعها و أعطاه من الثمن ما كان فيه ربح.

فلمّا أخذت الجارية و أخرج بها من المدينة قدم مولاها فسأله عن الجارية فأخبره بخبرها و أخرج إليه المال كلّه الذي قوّمه عليه و الذي ربح فقال:هذا ثمنها فخذه فأبى الرجل،فقال:لا آخذ إلاّ ما قوّمت عليك و ما كان من فضل فخذه لك هنيئا فصنع اللّه له بحسن نيّته (1).

ص: 251


1- -الكافي:560/5،و بحار الأنوار:359/47.

في قضاء الدّين

و فيه أيضا قال:دخل محمّد بن بشر الوشاء على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسأله أن يكلّم شهابا أن يخفّف عنه حتّى ينقضي الموسم و كان له عليه ألف دينار لم تذهب في بطن و لا فرج و إنّما ذهبت دينا على الرجال و وضايع وضعها و أنا أحبّ أن تجعله في حلّ فقال:لا أجعله في حلّ،فقال:لعلّك ممّن يزعم أنّه يقتصّ من حسناته فتعطاها فقال:كذلك في أيدينا فقال عليه السّلام:اللّه أكرم و أعدل من أن يتقرّب إليه عبده فيقوم في الليلة الباردة أو يصوم في اليوم الحار أو يطوف بهذا البيت ثمّ يسلبه ذلك فتعطاه،و لكن للّه فضل كثير يكافئ المؤمن،فقال:فهو في حلّ (1).

أقول: لعلّ هذا الدّين لمّا لم يكن مصرفه في المعاصي بل و لا في المباحات كالأكل و النكاح لم يرد التقاص عليه يوم القيامة كما ورد على غيره من الديون روى أنّه يوم القيامة تؤخذ سبعمائة صلاة على درهم واحد.

و قال عليه السّلام:الدين مذلّة بالنهار مفكرة بالليل قضاء في الدّنيا قضاء في الآخرة و قدموا السؤال بالكفّ عليه،نعم،جوّزوه لمن كان له وجه يقضي منه دينه أو وليّ يثق به في القضاء كما كان في الأئمّة عليهم السّلام عند موتهم و بقاء الدّين عليهم فإنّهم واثقون بأوليائهم في القضاء.

[عن]كمال الدّين عن الهمداني قال:قلت للرضا عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حقّ أبيك عليه السّلام؟

فقال:نعم،فقلت له:فلم بعث ابنه عبيدا ليتعرّف الخبر إلى من أوصى هل كان يعرف حقّ أبيك عليه السّلام؟

فقال:زرارة كان يعرف أمر أبي عليه و إنّما بعث ابنه ليعرف من أبي عليه السّلام هل يجوز أن يرفع التقية في إظهار أمره و نصّ أبيه عليه و أنّه لمّا أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السّلام فلم يجب أن يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف و قال:اللّهم إنّ إمامي من

ص: 252


1- -الكافي:36/4 ح 2،و بحار الأنوار:364/47 ح 80.

أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد عليه السّلام (1).

أقول: زرارة من جملة الأركان الأربعة الذين قال الصادق عليه السّلام فيهم:إنّهم امناء اللّه على حلاله و حرامه و علمه لولاهم اندرست آثار النبوّة،زرارة بن أعين و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و بريد العجلي.

و كان الصادق عليه السّلام يطلعهم على أسماء الأئمّة عليهم السّلام في الصحائف و الكتب التي كانت مخزونة عنده،فكيف يشتبه على زرارة أنّ الإمام بعد الصادق عليه السّلام هل هو موسى الكاظم عليه السّلام أو عبد اللّه يعني الأفطح؟

و روى الشيخ محمّد بن الحسن بإسناده إلى أبي الطيّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّه كان في يدي شيء فتفرّق قال لي:ألك حانوت في السوق؟

فقلت:نعم و قد تركته،قال:إذا أردت أن تخرج إلى سوقك فصلّ ركعتين أو أربع ركعات ثمّ قل في دبر صلاتك:توجّهت بلا حول منّي و لا قوّة و لكن بحولك يا ربّ و قوّتك و أبرأ من الحول و القوّة إلاّ بك فأنت حولي و منك قوّتي اللّهمّ فارزقني من فضلك الواسع رزقا كثيرا طيّبا و أنا خافض في عافيتك فإنّه لا يملكها أحد غيرك،قال:ففعلت ذلك و كنت أخرج إلى دكّاني حتّى خفت أن يأخذني الجابي بأجرة دكّاني و ما عندي شيء قال:فجاء حالب بمتاع فقال لي:تكريني نصف بيتك فأكريته نصف بيتي بكري البيت كلّه قال:

و عرض متاعه فأعطى به شيئا لم يبعه فقلت له:هل لك أن تبيعني عدلا من متاعك هذا أبيعه و آخذ فضله و أدفع إليك ثمنه؟

قال:خذ عدلا منها فأخذته[و رقمته] (2)و جاء برد شديد فبعت المتاع من يومي و دفعت إليه الثمن فأخذت الفضل فما زلت آخذ عدلا و أبيعه و آخذ فضله و أردّ عليه رأس المال حتّى ركبت الدواب و اشتريت الرقيق و بنيت الدور (3).

و في الكافي عن محمّد بن جمهور قال:كان النجاشي و هو رجل من أهل الدهاقين عاملا على الأهواز و فارس،فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ في ديوان النجاشي4.

ص: 253


1- -كمال الدين:75،و بحار الأنوار:338/47 ح 18.
2- -زيادة من المصدر.
3- -الكافي:474/3 ح 3،و بحار الأنوار:368/47 ح 84.

عليّ خراج و هو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن يكتب لي إليه كتابا فكتب إليه عليه السّلام:بسم اللّه الرحمن الرحيم سرّ أخاك يسرّك اللّه فدخل عليه و هو في مجلسه و قال:هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السّلام فقبّله و وضعه على عينيه و قال له:ما حاجتك؟

قال:خراج عليّ في ديوانك فقال:و كم هو؟

قال:عشرة آلاف درهم فدعا كاتبه و أمره بأدائها عنه ثمّ أخرجه منها و أمره أن يثبتها له لقابل ثمّ قال:سررتك؟

فقال:نعم جعلت فداك،ثمّ أمر بمركب و جارية و غلام و أمر له بتخت ثياب في كلّ ذلك يقول:هل سررتك؟فيقول:نعم،فكلّما قال نعم زاده زاده حتّى فرغ ثمّ قال له:احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه و ارفع إليّ حوائجك ففعل و خرج الرجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ذلك فحدّثه بالحديث على جهته فجعل يسرّ بما فعل فقال الرجل:يا ابن رسول اللّه كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟

فقال:إي و اللّه لقد سرّ اللّه و رسوله (1).1.

ص: 254


1- -الكافي:190/2 ح 9،و وسائل الشيعة:572/11.

فيه عدد الشيعة الكاملين

و عن سدير الصيرفي قال:دخلت على أبي عبد اللّه فقلت له:و اللّه ما يسعك القعود لكثرة مواليك و شيعتك و لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الأنصار ما طمع فيه تيم و لا عدي فقال:يا سدير و كم عسى أن تكونوا؟

قلت:مائة ألف و نمائتي ألف و نصف الدّنيا فسكت ثمّ قال:يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟

قلت:نعم،فأمر بحمار و بغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال:يا سدير ترى أن تؤثرني بالحمار؟

قلت:البغل أزين قال:الحمار أرفق بي،فركب الحمار و ركبت البغل و مضينا فسرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء فقال:و اللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود،و نزلنا و صلّينا.

فلمّا فرغنا من الصلاة عطفت إلى الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.

فأقول:المراد هنا من الشيعة من يوطّن نفسه على الجهاد و القتل في الطاعة كما مرّ في خبر الذي ادّعى أنّه من أنصاره و شيعته فأمر عليه السّلام بالتنوّر فأسجر ثمّ قال له:ادخل التنوّر، فقال:اعفني يا ابن رسول اللّه فجاء الرجل المكّي و أمره عليه السّلام بدخوله فدخله و نعله بيده إلى أن طفيت النار (1).

و في حديث آخر عنه عليه السّلام أنّه قال:و اللّه ما لناصب لنا حربا بأشدّ علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره يعني به مراعاة التقيّة في القول (2).

[في]الكافي عن زكريا بن إبراهيم قال:كنت نصرانيا فأسلمت و حججت فلمّا دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت:كنت على النصرانية و أسلمت فقال:أيّ شيء رأيت في

ص: 255


1- -بحار الأنوار:373/47 ح 93.
2- -الكافي:223/2،و شرح الأخبار:507/3.

الإسلام؟

قلت:قول اللّه عزّ و جلّ: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ فقال:لقد هداك اللّه ثمّ قال:اللّهم اهده ثلاثا سل عمّا شئت يا بني، فقلت:إنّ أبي و امّي على النصرانية و أهل بيتي،و امّي مكفوفة البصر فأكون معهم و آكل في آنيتهم؟فقال:يأكلون لحم الخنزير؟

فقلت:لا و لا يمسّونه،فقال:لا بأس فانظر امّك فبرّها فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك كن أنت الذي تقوم بشأنها و لا تخبر أنّك أتيتني حتّى تأتيني بمنى إن شاء اللّه تعالى،قال:

فأتيته بمنى و الناس حوله كأنّه معلّم صبيان هذا يسأله و هذا يسأله.

فلمّا قدمت الكوفة لطفت لامّي و كنت أطعمها و أفلي ثوبها و رأسها و أخدمها فقالت لي:يا بني ما كنت تصنع بي هذا و أنت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟

فقلت:رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا،فقالت:هذا الرجل هو نبيّ؟

فقلت:لا،و لكنّه ابن نبي فقالت:يا بني هذه وصايا الأنبياء،فقلت:يا امه إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ و لكنه ابنه فقالت:يا بني دينك خير دين اعرضه عليّ فعرضته عليها فدخلت في الإسلام و علّمتها فصلّت الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة ثمّ عرض لها عارض في الليل فقالت:يا بني أعد عليّ ما علّمتني فأعدته عليها فأقرّت به و ماتت.

فلمّا أصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها و كنت أنا الذي صلّيت عليها و نزلت في قبرها (1).7.

ص: 256


1- -الكافي:161/2،و بحار الأنوار:347/47 ح 97.

حديث التي عثرت

و في بعض كتب أصحابنا المتقدّمين و كتب بعض المتأخّرين حديث رووه بأسانيد متعدّدة تنتهي كلّها إلى بشّار المكاري قال:دخلت على الصادق عليه السّلام الكوفة و قد تقدّم له طبق رطب و هو يأكل فقال:يا بشّار ادن فكل فقلت:هنأك اللّه و جعلني فداك قال:أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي و بلغ منّي فقال لي:بحقّي لما دنوت فأكلت فقال لي:حديثك قلت:رأيت جلوازا (1)يضرب رأس امرأة و يسوقها إلى الحبس و هي تنادي بأعلى صوتها المستغاث باللّه و رسوله و لا يغيثها أحد،قال:و لم فعل بها ذلك؟

قال:سمعت الناس يقولون:إنّها عثرت فقالت:لعن اللّه ظالميك يا فاطمة فارتكب منها ما ارتكب.

قال:فقطع الأكل و لم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله و لحيته و صدره بالدموع ثمّ قال:يا بشّار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا اللّه عزّ و جلّ و نسأله خلاص هذه المرأة،و وجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان ليأتي بالخبر فصرنا إلى مسجد السهلة و صلّى كلّ واحد منّا ركعتين ثمّ رفع الصادق عليه السّلام يده إلى السماء و قال:أنت اللّه،الخ فخرّ ساجدا فرفع رأسه ثمّ قال:

أطلقت المرأة فخرجنا ثمّ آتانا الرجل الذي وجّهناه إلى باب السلطان و قال:اطلق عنها لأنّه خرج حاجب السلطان و قال لها:ما الذي تكلّمت؟قالت:عثرت فقلت:لعن اللّه ظالميك يا فاطمة ففعل بي ما فعل،قال:فأخرج مائتي درهم و قال:خذي هذه و اجعلي الأمير في حلّ فأبت أن تأخذهما.

فلمّا رأى ذلك منها قال:انصرفي إلى بيتك فانصرفت و قال:اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقريها منّي السلام فادفع إليها هذه الدنانير فذهبنا فأقرأناها السلام فقالت:باللّه اقرأني جعفر بن محمّد السلام فقلت لها:و اللّه نعم فشقّت جيبها و وقعت مغشيّة عليها فصبرنا حتّى أفاقت و قالت:أعدها عليّ فأعدناها عليها حتّى فعلت ذلك ثلاثا ثمّ قلنا لها

ص: 257


1- -جلواز:أعوان الظلمة.

خذي ما أرسل إليك فأخذته منّا و قالت:سلوه أن يستوهب أمته من اللّه فما أعرف أحدا أتوسّل به إلى اللّه أكثر منه و من آبائه و أجداده عليهم السّلام،قال:فرجعنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فجعلنا نحدّثه بما كان منها فجعل يبكي و يدعو لها ثمّ قلت:ليت شعري متى أرى فرج آل محمّد؟

قال:يا بشّار إذا توفّى وليّ اللّه و هو الرابع من ولدي في أشدّ البقاع بين أشرار العباد فعند ذلك يصل إلى ولد بني فلان مصيبة سوداء فإذا رأيت ذلك التقت حلقة البطان و لا مردّ لأمر اللّه.

أقول: المخالفون يعلمون أنّ أبا بكر و عمر ظلما فاطمة عليهما السّلام و أنّ لعن ظالميها متوجّه إليهما (1).7.

ص: 258


1- -بحار الأنوار:442/97.

حديث فاطمة بضعة منّي و حديث أنّها خرجت غاضبة عليهما

و قد حدّثني أوثق مشايخي عن بهاء الملّة و الدّين أنّه لمّا كان بالشام متنكّرا و يظهر أنّه على مذهب الشافعي قال له يوما بعض أئمّتهم من أهل العلم:ما يقول علماء الرافضة في الشيخين؟

فقال:القول كثير،قال:قل بعضه؟

قال:يقولون إنّه في صحيح البخاري حديث صحيح عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه و من آذى اللّه فهو كافر ثمّ نقل بعده بخمس أوراق حديثا آخر أنّ فاطمة عليها السّلام خرجت من الدنيا و هي غاضبة عليهما يعني أبا بكر و عمر فكيف يكون حالهما؟

فقال:دعني هذه الليلة اراجع صحيح البخاري فإنّ الرافضة تكذب في روايتها،قال:

فأتيه في اليوم الثاني فتبسّم ضاحكا و قال:ألم أقل لك أنّ الرافضة تكذب في نقل الحديث راجعت الكتاب فكان بين الحديثين سبع ورقات و كان هذا هو الجواب في تناقض الخبرين و أمّا علماؤهم أهل التأويل فيعلمون ذلك و لكن ما يقدرون على التصريح بأنّهما ظلماها و بعضهم و إن صرّح به إلاّ أنّه يقول إنّهما تابا إليها عند موتها و قبلت توبتهما فخرجا من ظلمها.

و روي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سأله رجل عن الشيخين فقال عليه السّلام:كانت لنا امّ صالحة خرجت من الدنيا غاضبة عليهما و لم يبلغنا خبر أنّها رضيت عنهما و نقول أيضا إنّ ظلمهما لها دراية و توبتهما إليها رواية و عند الكلّ أنّ الرواية لا تعارض الدراية فالناس يلعنونهما على هذا الظلم حتى يثبت عندهم قبولها عليها السّلام توبتهما و ثبوتها محال،لأنّ المخبر الصادق أخبر به فلا ينبغي أن يؤاخذ الشيعة به على اعتقادكم،و المراد ببني فلان بني العبّاس،و كان ابتداء ضعف دولتهم عند وفاة أبي الحسن العسكري عليه السّلام و البطان للقتب الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير و يقال:التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتدّ.

ص: 259

[في]كتاب التمحيص عن فرات بن أحنف قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال:و اللّه لأسوءنّه في شيعته،فقال:يا أبا عبد اللّه أقبل إليّ فلم يقبل إليه قالها ثلاثا فقال:قل و لن تقول خيرا فقال:إنّ شيعتك يشربون النبيذ المسكر فقال:إنّ شيعتنا أزكى و أطهر من تن يجري للشيطان في أمعائهم شيء و إن فعل ذلك المخذول بهم فيجدوا ربّا رؤوفا عطوفا و وليّا و كوفا و أصحابك ببرهوت مكوفا يعني مجموعون فيه فأفحم الرجل و سكت (1).

[في]الكافي عن جعفر البجلي:قال:شكوت إلى أبي عبد اللّه حالي فقال لي:إذا قدمت الكوفة فبع و سادة من بيتك بعشرة دراهم و ادع اخوانك و أعد لهم طعاما و سلهم يدعون اللّه لك قال:ففعلت و ما أمكنني ذلك حتى بعت و سادة و اتّخذت طعاما كما أمرني و سألتهم أن يدعوا اللّه تعالى فو اللّه ما مكثت إلاّ قليلا حتى أتاني غريم لي و صالحني من مال كثير كنت أحسبه نحوا من عشرة آلاف درهم قال:ثمّ أقبلت الأشياء إليّ (2).

و عن سعيد الجعفي قال:خرجت إلى مكّة و أنا من أشدّ الناس حالا فشكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا خرجت من عنده وجدت على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار فرجعت إليه فأخبرته فقال:يا سعيد اتّق اللّه و عرفه في المشاهد و كنت رجوت أن يرخص لي فخرجت و أنا مغتمّ فأتيت منّى و تنحّيت عن الناس في بيت بعيد ثمّ قلت:من يعرف الكيس فأوّل صوت صوته إذا رجل على رأسي يقول:أنا صاحب الكيس،فقلت في نفسي:أنت فلا كنت و أخبرني بعلامة الكيس فدفعته إليه ثمّ أعطاني سبعين دينارا و قال:خذها حلالا خير من سبعمائة حراما فأخذتها ثمّ دخلت على الصادق عليه السّلام فأخبرته كيف تنحّيت و كيف صنعت؟

فقال:أمّا أنّك حين شكوت إليّ أمرنا لك بثلاثين دينارا يا جارية هاتيها فأخذتها و أنا من أحسن الناس حالا (3).6.

ص: 260


1- -بحار الأنوار:381/47.
2- -الكافي:314/5 ح 42،و بحار الأنوار:382/47 ح 104.
3- -تذكرة الفقهاء:261/2،و الكافي:138/5 ح 6.

و في الكافي أيضا عن سماعة قال:تعرض رجل من ولد عمر بن الخطّاب لجارية رجل عقيلي فقالت له:إنّ هذا العمري قد آذاني فقال لها:عديه و ادخليه الدهليز فأدخلته و شدّ عليه فقتله و ألقاه في الطريق فاجتمع البكريون و العمريّون و العثمانيّون و قالوا ما لصاحبنا كفؤ لن نقتل به إلاّ جعفر بن محمّد و ما قتل صاحبنا غيره و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قد مضى نحو قبا فلقيته بما اجتمع القوم عليه فقال:دعهم فجاؤوا إليه و قالوا:ما نقتل بصاحبنا أحدا غيرك فأخذ بأيدي جماعة منهم و أدخلهم المسجد فخرجوا و هم يقولون:شيخنا جعفر بن محمّد معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا انصرفوا فمضيت معه فقلت:جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم،فقال:نعم دعوتهم،فقلت:امسكوا و إلاّ أخرجت الصحيفة فقلت:و ما هذه الصحيفة؟

فقال:إنّ امّ الخطّاب كانت أمة للزبير بن عبد المطّلب فشطر بها نفيل فأحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف فخرج الزبير خلفه ثمّ خرج إلى الشام و خرج الزبير في تجارة إلى الشام فدخل على ملك الرّوم فقال له الملك:لي إليك حاجة و هو أنّ رجلا من أهلك قد أخذت ولده فأحبّ أن تردّه عليه قال:ليظهر لي حتّى أعرفه.

فلمّا كان من الغد دخل إلى الملك.

فلمّا رآه الملك ضحك فقال:ما يضحك الملك؟

قال:ما أظنّ هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلته لم يملك استه أن جعل يضرط فقال:أيّها الملك إذا صرت إلى مكّة قضيت حاجتك.

فلمّا قدم الزبير تحمل إليه ببطون قريش أن يدفع إليه ابنه فأبى ثمّ تحمل عليه بعبد المطّلب فقال:أما علمتم ما فعل في ابني-يعني العبّاس-و لكن امضوا أنتم إليه فكلّموه، فقال لهم الزبير:إنّ الشيطان له دولة و أنّ ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا و لكن ادخلوه من باب المسجد على أن أحمي له حديدة و أخطّ في وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه أن لا يتصدّر في مجلس و لا يتآمر على أولادنا و لا يضرب معنا بسهم ففعلوا،و خطّ وجهه بالحديدة و كتب عليه الكتاب و ذلك الكتاب عندنا،فقلت لهم:إن أمسكتم و إلاّ أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا (1).2.

ص: 261


1- -الكافي:259/8،و بحار الأنوار:269/22.

نسب العبّاس و امّه

و توفّى مولى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العبّاس أبا عبد اللّه عليه السّلام و كان هشام بن عبد الملك حجّ في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي:الولاء لنا و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بل الولاء لي،فقال داود بن علي:إنّ أباك قاتل معاوية فقال:إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظّ أبيك فيه الأوفر ثمّ فرّ بجنايته فقال:لأطوّقنّك و اللّه غدا طوق الحمامة فقال له داود بن علي:كلامك هذا أهون عليّ من بعرة في وادي الأزرق،فقال:أمّا أنّه واد ليس لك و لا لأبيك فيه حقّ،قال هشام:إذا كان غدا جلست لكم.

فلمّا أن كان من الغد خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام و معه كتاب في كرباسة و جلس لهم هشام فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام الكتاب بين يديه.

فلمّا قرأه قال:ادعوا جندل الخزاعي و عكاشة الضميري و كانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمى الكتاب إليهما فقال:تعرفان هذه الخطوط؟قالا:نعم هذا خطّ العاص بن اميّة و هذا خط فلان و فلان من قريش و هذا خط حرب بن اميّة فقال هشام:يا أبا عبد اللّه أرى خطوط أجدادي عندكم،فقال:نعم،قال:قد قضيت بالولاء لك،قال:فخرج و هو يقول:

إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة قال:فقلت:ما هذا الكتاب جعلت فداك؟

قال:فإنّ نثيلة كانت أمة لامّ الزبير و لأبي طالب و عبد اللّه فأخذها عبد المطّلب و أولدها فلانا يعني العبّاس،فقال له الزبير:هذه الجارية ورثناها من امّنا و ابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش قال:فقال:قد أجبتك على خلّة على أن لا يتصدّر ابنك هذا في مجلس و لا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا و أشهد عليه فهو هذا الكتاب.

أقول: جلالة شأن عبد المطّلب لا يناسب هذا المعنى،نعم يمكن أن يقال إنّ امّ الزبير أحلّتها له و أباحتها و كانت حلالا عليه في الواقع و لم يعلم به الزبير و عامله بالظاهر و مع هذا ففي الخاطر خدشة من نسب العبّاس و قد ظهرت في أولاده الخلفاء بل و غيرهم (1).

ص: 262


1- -الكافي:259/8،و بحار الأنوار:269/22.

الرافضة اسم للشيعة

[في]كتاب الاختصاص عن أبي بصير قال:أتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت فداك إنّا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا و ماتت له أفئدتنا و استحلّت به الولاة دماءنا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء،فقال:الرافضة؟

قلت:نعم فقال:و اللّه ما سمّوكم بل اللّه سمّاكم أما علمت أنّه كان مع فرعون سبعون رجلا من بني إسرائيل يدينونه بدينه.

فلمّا استبان لهم ضلال فرعون و هدى موسى رفضوا فرعون و لحقوا بموسى فكانوا في عسكر موسى أشدّ أهل ذلك العسكر عبادة و أشدّهم اجتهادا إلاّ أنّهم رفضوا فرعون فأوحى اللّه بطاعة العالم و وجدنا الإجماع واقع على عليّ عليه السّلام بأنّه كان أعلم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان جميع الناس يسألونه و يحتاجون إليه و كان مستغنيا عنهم هاذ من الشاهد و الدليل عليه من القرآن قوله عزّ و جلّ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1)فما اتّفق يوما أحسن منه و دخل في هذا الأمر عالم كثير (2).

ص: 263


1- -سورة يونس:35.
2- -الأخنصاص:104،و الكافي:34/8.

مكالمات مؤمن الطاق لأبي حنيفة

و قد كان لمؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة؛فمن ذلك ما روي أنّه قال يوما:إنّكم تقولون بالرجعة؟

قال:نعم،قال أبو حنيفة:فاعطني الآن ألف درهم حتّى أعطيك ألف دينار إذا رجعت،فقال الطاقي:اعطني كفيلا بأنّك ترجع إنسانا و لا ترجع خنزيرا.

و قال له يوما آخر:لم لم يطالب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بحقّه بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إن كان له حقّ؟

فقال مؤمن الطاق:خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة ابن شعبة.

و كان أبو حنيفة يمشي مع مؤمن الطاق في سكّ من سكك الكوفة إذا بمنادي ينادي من يدلّني على صبيّ ضال فقال مؤمن الطاق:أمّا الصبيّ الضال فلم نره و إن أردت شيخا مضلاّ فخذ هذا يعني أبا حنيفة.

و لمّا مات الصادق عليه السّلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له:مات إمامك،قال:نعم أمّا إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم (1).

ص: 264


1- -بحار الأنوار:399/47،و مواقف الشعية:332/1.

مباحثة فضال مع أبي حنيفة

و فيه أيضا أنّه مرّ فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه فقال لصاحب كان معه:و اللّه لا أبرح أو أخجل أبو حنيفة،فقال صاحبه:إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله و ظهرت حجّته قال:مه هل رأيت حجّة ضال علت حجّة مؤمن؟

ثمّ دنا منه فقال:يا أبا حنيفة إنّ أخا لي يقول:إنّ خير الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب و أنا أقول أبو بكر خير الناس و بعده عمر فما تقول أنت؟فأطرق مليّا ثمّ قال:

كفى بمكانهما من رسول اللّه كرما و فخرا أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره فأي حجّة تريد أوضح من هذا؟

فقال له فضّال:إنّي قد قلت ذلك لأخي فقال:إن كان الموضع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقد أساؤوا ما أحسنا إذ رجعا في هبتهما و نسيا عهدهما،فأطرق أبو حنيفة ساعة ثمّ قال:لم يكن له و لا لهما خاصّة و لكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.

فقال له فضال:قد قلت له ذلك فقال:أنت تعلم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مات عن تسع نساء و نظرنا و إذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك و بعد ذلك فما بال عائشة و حفصة يرثان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة بنته تمنع الإرث.

فقال أبو حنيفة:يا قوم نحّوه عنّي فإنّه رافضي خبيث (1).

[في]كتاب المناقب قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحشكم:الدليل على صحّة معتقدنا و بطلان معتقدكم ككثرتنا و قلّتكم مع كثرة أولاد علي و ادّعائهم،فقال هشام:لست

ص: 265


1- -بحار الأنوار:400/47 ح 2،و اللمعة البيضاء:804.

إيّانا أردت بهذا القول إنّما أردت الطعن على نوح عليه السّلام حيث لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا و نهارا و ما آمن معه إلاّ قليل (1).

و سأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلّمين فقال:أخبروني حين بعث اللّه محمّدا بعثه بنعمة تامّة أو بنعمة ناقصة؟

فقالوا:بنعمة تامّة،قال:فأيّما أهم أن يكون في أهل بيت واحد نبوّة و خلافة أو يكون نبوّة بلا خلافة؟

قالوا:بل يكون نبوّة و خلافة قال:فلم ذا جعلتموها في غيرهم فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف،فأفحموا.

و عن محمّد بن نوفل قال؛دخل علينا أبو حنيفة فدار بيننا الكلام في أمير المؤمنين فقال أبو حنيفة:قد قلت لأصحابنا لا تقرّوا لهم بحديث غدير خمّ فيخصموكم فقال الهيثم:

يا نعمان أمّا هو عندك؟

قال:هو عندي و قد رويته لكنّك تعلم أنّ الناس قد غلا فيهم قوم فقال الهيثم يقوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يخطب به و ننفيه نحن لغلوّ غال أو قول قائل فقطع الحديث.

[في]الكشي عن الأحمسي قال:خرج الضحّاك من الخوارج فحكم و تسمّى بإمرة المؤمنين فأتاه مؤمن الطاق فقال:إنّي على بصيرة من ربّي و سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك.

فقال الضحّاك لأصحابه:إن كان هذا معكم نفعكم ثمّ أقبل مؤمن الطاق على الضحّاك فقال:لم تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب و استحللتم قتله و قتاله و البراءة منه.قال:نعم بسبب التحكيم يوم صفّين قال:فأخبرني عن الدّين الذي جئت أناظرك عليه لأدخل معك فيه إن غلبت حجّتي حجّتك أو حجّتك حجّتي من يوقف المخطئ على خطأه و يحكم للمصيب بصوابه فلابدّ لنا من إنسان يحكم بيننا.

قال؛فأشار الضحّاك إلى رجل من أصحابه فقال:هذا الحكم بيننا فهو عالم بالدّين، قال:و قد حكّمت هذا في الدين الذي جئت اناظرك فيه؟

قال:نعم،فأقبل مؤمن الطاق على أصحابه فقال:إنّ هذا صاحبكم قد حكم في دين3.

ص: 266


1- -المناقب:236/1،و بحار الأنوار:401/47 ح 3.

اللّه فشأنكم به فضربوا الضحّاك بأسيافهم حتّى سكت (1).

و عن مؤمن الطاق قال:قال ابن أبي العوجاء مرّة:أ ليس من صنع شيئا و أحدثه حتّى يعلم أنّه من صنعته فهو خالقه،قلت:بلى،قال:فأجّلني شهرا أو شهرين ثمّ تعال حتّى أريك فحججت فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أمّا أنّه قد هيّأ لك شاتين و هو جاء معه بعده من أصحابه ثمّ نخرج لك الشاتين قد امتلأ دودا و يقول لك هذا الدود يحدث من فعلي فقل له:إن كان من صنعك و أنت أحدثته فميّز ذكوره من إناثه و أخرج إلي الدود فقلت له:

ميّز الذكور من الإناث فقال:هذه و اللّه ليست من إبزارك هذه التي حملتها الإبل من الحجاز، الحديث (2).

[في]الكافي أنّه سأل أبو حنيفة مؤمن الطاق قال:يا أبا جعفر ما تقول في المتعة تزعم أنّها حلال؟

قال:نعم،قال:فما منعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن و يكتسبن عليك؟قال:ليس كلّ الصناعات يرغب فيها و إن كانت حلالا و للناس أقدار و مراتب يرفعون أقدارهم،و لكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنّه حلال؟قال:نعم،قال:فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكسبن عليك؟قال أبو حنيفة:واحدة بواحدة و سهمك أنفذ (3).

و عن شريك القاضي قال:حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها فبينا أنا عنده إذ دخل ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و أبو حنيفة فسألوه عن حاله فذكر ضعفا شديدا و أدركته رقّة من الذنوب فبكى فقال له أبو حنيفة:يا أبا محمّد اتّق اللّه فإنّك في آخر يوم من أيّام الدّنيا و قد كنت تحدّث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيرا لك،قال الأعمش:مثل ماذا يا نعمان؟

قال:مثل حديث عباية:«أنا قسيم النار»قال:أو لمثلي تقول هذا يا يهودي اقعدوني سنّدوني؛حدّثني موسى بن طريف عن جارية بن ربعي قال:سمعت عليّا أمير المؤمنين يقول:أنا قسيم النار أقول هذا وليّي دعيه و هذا عدوّي خذيه.7.

ص: 267


1- -بحار الأنوار:401 ح 3،و مواقف الشيعة:333/1.
2- -اختيار معرفة الرجال:430/2،و معجم رجال الحديث:39/18.
3- -الكافي:45/5 ح 8،و بحار الأنوار:411/47 ح 17.

و عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إذا كان يوم القيامة أقعد أنا و عليّ على الصراط و يقال لنا:ادخلا الجنّة من آمن بي و أحبّكما و ادخلا النار من كفر بي و أبغضكما.

فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه و قال:قوموا بنا لا يجيبنا أبو محمد بأطم من هذا (1).9.

ص: 268


1- -المناقب:528/2،و أمالي الطوسي:629.

باب في بيان أحوال الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام عليه و على آبائه أفضل الصلوات

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في تاريخ ولادته و أسمائه و نقش خواتيمه و النصّ عليه و معجزاته

و غرائب اموره و عبادته و علمه و ما يتبع ذلك

[في]اعلام الورى:ولد عليه السّلام بالأبواء-منزل بين مكّة و المدينة-لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مائة و قبض عليه السّلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب.

و قيل:لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة و له يومئذ خمس و خمسون سنة و امّه امّ ولد يقال لها حميدة البربرية،و كانت مدّة إمامته عليه السّلام خمسا و ثلاثين سنة و قام بالأمر و له عشرون سنة و كانت في أيّام إقامته بقيّة ملك المنصور ثمّ ملك ابنه المهدي عشر سنين و شهرا،ثمّ ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة و شهرا ثمّ ملك الرشيد و استشهد بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموما و دفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش (1).

[في]البصائر عن أبي بصير قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى.

ص: 269


1- -أعلام الورى:6/2،و مستدرك سفينة البحار:318/10.

فلمّا نزلنا الأبواء وضع أبو عبد اللّه عليه السّلام لنا الغداء و أكثر و أطاب فبينا،نحن نتغدّى إذ أتاه رسول حميدة أنّ الطلق قد ضربني و أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا فقام فرحا مسرورا فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّة فقلنا:أضحك اللّه سنّك و أقرّ عينك ما صنعت حميدة؟

قال:وضعت غلاما و هو خير من خلق اللّه و لقد خبّرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها ذكرت أنّه لمّا وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأخبرتها أنّ تلك أمارة الإمام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقلنا؛و كيف تلك علامة الإمام؟

فقال:إنّه لمّا كان في الليلة التي علق بجدي فيها أتى آت جد أبي و هو راقد فأتاه بكأس فيها شربة أرقّ من الماء و أبيض من اللبن و ألين من الزبد و أحلى من الشهد و أبرد من الثلج فسقاه إيّاه و أمره بالجماع فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدّي و لمّا كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدّي فسقاه كما سقا جدّ أبي و أمره بالجماع فجامع فعلق بأبي و لمّا كان في الليلة التي علق بي فيها أتى آت أبي فسقاه و أمره كما أمرهم فجامع و علق بي و لمّا كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا أتاني آت كما أتاهم فسقاني و أمرني كما أمرهم فعلق بابني هذا،فدونكم فهو و اللّه صاحبكم من بعدي (1).

[في]الخرائج قال:دخل ابن عكاشة على أبي جعفر عليه السّلام و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قائما عنده فقدّم إليه عنبا،فقال:حبّة حبّة تأكله الشيخ الكبير أو الصبي الصغير و ثلاثة و أربعة من يظنّ أنّه لا يشبع فكله حبّتين حبّتين فإنّه يستحبّ فقال لأبي جعفر:لأي شيء لا تزوّج أبا عبد اللّه فقد أدرك التزويج و بين يديه صرّة مختومة فقال:سيجيء نخّاس من أهل بربر ينزل دار ميمون فنشتري له بهذه الصرّة جارية فدخلنا بعد ذلك يوما فقال النخّاس الذي ذكرت لكم قدم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية فأتينا النخّاس فقال:بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين أحدهما أمثل من الاخرى فأخرجهما فقلنا:بكم تبيع هذه الجارية؟

قال:بسبعين دينارا،فقلنا:نشتريها بهذه الصرّة ففكنا الخاتم و إذا الدنانير سبعون لا تزيد و لا تنقص فأدخلنا الجارية على أبي جعفر عليه السّلام و أبو عبد اللّه عليه السّلام عنده فقال لها:ما اسمك؟5.

ص: 270


1- -بصائر الدرجات:460،و بحار الأنوار:42/25.

قالت:حميدة فقال:حميدة في الدّنيا محمودة في الآخرة أخبريني عنك أبكر أم ثيّب؟

قالت:بكر لأنّ النخّاس كان يجيء فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس و اللحيّة فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي ففعل بي مرارا و فعل به الشيخ مرارا،فقال:يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر،و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الاملاك تحرسها حتّى أدّيت إليّ كرامة من اللّه لي و الحجّة من بعدي (1).

[في]العلل عن ربيع بن عبد الرحمن:كان و اللّه موسى بن جعفر من المتوسّمين يعلم من يقف عليه بعد موته و يجحد الإمام بعده إمامته فكان يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فسمّي الكاظم لذلك (2).

[في]الكافي عن الرضا عليه السّلام قال:كان نقش خاتم أبي الحسن عليه السّلام:حسبي اللّه و فيه وردة و هلال في أعلاه (3).

و في بشائر المصطفى:كان يكنّى بأبي إبراهيم و أبي الحسن و أبي علي و يعرف بالعبد الصالح و الكاظم عليه السّلام (4).

و في المناقب:كنيته عليه السّلام أبو الحسن الأوّل و أبو الحسن الماضي و يعرف بالنفس الزكيّة و زين المجتهدين و الوفي و الصابر و الأمين و الزاهر سمّي بذلك لأنّه زهر بأخلاقه الشريفة (5).

و في الفصول المهمّة:صفته أسمر،نقش خاتمه:الملك للّه وحده (6).

و عن طاهر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:رأيته يلوم عبد اللّه ولده و يعظه و يقول له:ما يمنعك أن تكون مثل أخيك فو اللّه إنّي لأعرف النور في وجهه فقال عبد اللّه:و كيف8.

ص: 271


1- -الخرائج و الجرائح:286/1،و بحار الأنوار:42/25.
2- -علل الشرائع:235/1،و وسائل الشيعة:179/12.
3- -الكافي:473/6 ح 4،و وسائل الشيعة:443/4 ح 1.
4- -بحار الأنوار:11/48 ح 7.
5- -المناقب:437/3،و مستدرك سفينة البحار:319/10.
6- -بحار الأنوار:11/48.

أليس أبي و أبوه واحدا،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّه من نفسي و أنت ابني (1).

[في]بشائر المصطفى عن أبي السرّاج قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو واقف على رأس أبي الحسن موسى و هو في المهد فجعل يساره طويلا.

فلمّا فرغ قال:ادن إلى مولاك فسلّم عليه فسلّمت عليه فردّ عليّ بلسان فصيح ثمّ قال لي:اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس فإنّه اسم يبغضه اللّه و كانت ولدت لي بنت فسمّيتها بالحميراء فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:انته إلى أمره ترشد فغيّرت اسمها (2).

و عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صاحب هذا الأمر يعني بعده عليه السّلام فقال:صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب،و أقبل أبو الحسن عليه السّلام و هو صغير و معه بهمة و يقول لها:اسجدي لربّك فأخذه أبو عبد اللّه عليه السّلام و ضمّه إلى صدره و قال:بأبي و امّي من لا يلهو و لا يلعب (3).

و عن الرضا عليه السّلام:أنّ موسى بن جعفر عليه السّلام تكلّم يوما بين يدي أبيه عليه السّلام فأحسن فقال له:يا بني الحمد للّه الذي جعلك خلفا من الآباء و سرورا من الأبناء و عوضا عن الأصدقاء (4).

و عن عيسى شلقان قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا أريد أن أسأله عن أبي الخطّاب،فقال لي مبتدئا قبل أن أجلس قال:يا عيسى ما منعك أن تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسى:فذهبت إلى العبد الصالح و هو قاعد في الكتاب و على شفتيه أثر المداد فقال لي مبتدئا:يا عيسى إنّ اللّه أعار قوما الإيمان زمانا ثمّ سلبهم إيّاه و أنّ أبا الخطّاب ممّن اعير الإيمان ثمّ سلبه اللّه فقبّلت ما بين عينيه فقلت:بأبي أنت و امّي ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم،ثمّ رجعت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و حكيت له و علمت أنّه صاحب هذا الأمر بعد أبيه (5).1.

ص: 272


1- -الأمامة و التبصرة:37 ح 2،و الخرائج و الجرائح:896/2.
2- -شرح أصول الكافي:180/6 ح 11،و وسائل الشيعة:389/21 ح 3.
3- -الكافي:311/1 ح 15،و دلائل الأمامة:509.
4- -بحار الأنوار:24/48 ح 39،و مسند الإمام الرضا:154/1 ح 217.
5- -قرب الأسناد:335،و دلائل الأمامة:330 ح 31.

كتاب الوصية مع الخواتيم

[في]الكافي مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الوصية نزلت من السماء على محمّد صلّى اللّه عليه و آله كتابا لم ينزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله كتابا مختوما إلاّ الوصية فقال جبرئيل عليه السّلام:يا محمّد هذه وصيّتك في امّتك عند أهل بيتك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أي أهل بيتي يا جبرئيل؟

فقال:عليّ و ذريّتك من صلبه و كان عليها خواتيم ففتح عليّ عليه السّلام الخاتم الأوّل و مضى لما فيها ثمّ فتح الحسن عليه السّلام الخاتم الثاني و مضى لما أمر به فيها.

فلمّا توفي الحسن عليه السّلام فتح الحسين عليه السّلام الخاتم الثالث فوجد فيها:أن قاتل فتقتل و تقتل و يخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلاّ معك ففعل عليه السّلام.

فلمّا مضى دفعها إلى عليّ بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها:أن اصمت و اطرق لما حجب العلم.

فلمّا توفّي دفعها إلى محمّد بن عليّ عليه السّلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها:أن فسّر كتاب اللّه و صدّق أباك و ورّث ابنك و اصطنع آلامه و قم بحقّ اللّه عزّ و جلّ و قل الحقّ في الخوف و الأمن و لا تخش إلاّ اللّه،ففعل ثمّ دفعها إلى الذي يليه قال:قلت جعلت فداك فأنت هو؟قال:فقال ما بي إلاّ أن تذهب[يا معاذ] (1)فتروي علي،فقلت:أسأل اللّه الذي رزقك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات،قال:قد فعل اللّه ذلك،قلت:

و من هو جعلت فداك؟

قال:هو هذا الراقد فأشار بيده إلى العبد الصالح و هو راقد (2).

أقول: هذا الحديث المشتمل على هذه الوصية المتضمّنة للخواتيم و أنّ كلّ إمام مأمور بأمور خاصة يكشف عن سبب تعدّد حالاتهم عليهم السّلام في ارتكاب تعدّد الأعمال و أنّ كلّ إمام كان له عمل خاص من القيام بالجهاد أو القيام بنشر العلوم أو ملازمة العبادة و الصمت أو مخالطة خلفاء الجور و الدخول معهم.

ص: 273


1- -زيادة من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
2- -الكافي:279/1 ح 1،و بحار الأنوار:27/48 ح 46.

دعاء ردّ الضالّة

[في]دلائل الحميري عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنّا مع أبي الحسن عليه السّلام حين قدم به البصرة و كان خلفنا سفينة فيها امرأة تزفّ إلى زوجها فما لبثنا أن سمعنا صيحة قالوا؛ ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت فقال:احبسوا فحبسنا و حبس ملاّحهم فاتّكأ على السفينة و همس قليلا و قالوا قولوا لملاّحهم يتّزر و ينزل يتناول السوار فنظرنا فإذا السوار على وجه الأرض و إذا ماء قليل فنزل الملاّح فأخذ السوار و قال:

اعطها و قل لها فلتحمد اللّه ثمّ سرنا فقال له أخوه إسحاق جعلت فداك الدعاء الذي دعوت به علّمنيه قال:لا تعلّمه إلاّ من كان من شيعتنا ثمّ قال:اكتب يا سابق كلّ فوت يا سامعا لكلّ صوت قويّ أو خفيّ يا محيي النفوس بعد الموت لا يشغله دعوة داع من السماء يا من له عند كلّ شيء من خلقه سمع سامع و بصر نافذ يا من لا تغلطه كثرة المسائل و لا يبرمه إلحاح الملحّين،يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه و بقائه يا من سكن العلى و احتجب عن خلقه بنوره يا من أشرقت لنوره دجاء الظّلم أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك صلّ على محمّد و أهل بيته ثمّ اسأل حاجتك (1).

دعاء لبس الثوب الجديد

و عن خالد قال:خرجت و أنا أريد أبا الحسن عليه السّلام فدخلت عليه في عرصة داره و قد كنت أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل فالتفت إليّ و قال:

ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمرّ يده عليه و يقول:الحمد للّه الذي كساني ما اواري به عورتي و أتجمّل به بين الناس،و إذا أعجبه شيء فلا يكثر ذكره فإنّ ذلك ممّا يهده، و إذا كانت لأحدكم إلى أخيه حاجة و وسيلة لا يمكنه قضاؤها فلا يذكره إلاّ بخير فإنّ اللّه يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته.

أقول: كثرة ذكر ما يعجبه و يحبّه يؤذن برفع قدره في نظره حتّى أنّه يوافق قلبه و لسانه

ص: 274


1- -بحار الأنوار:30/48،و كشف القمة:32/3.

على تعظيمه (1).

و في الحديث:ما رفعتم من شيء إلاّ وضعه اللّه،و لهذا تسرع العين إلى التأثير في الأعيان المستحسنة لعظم وقعها في تلك العيون فيحقرها اللّه سبحانه إمّا بالتلف أو النقصان بعيب و نحوه ليعلم أنّ الكمال على الإطلاق و الحسن الذي لا نقص فيه ليس هو إلاّ ذاته تعالى،و لو تصفّحت الامور الكائنة في الدّنيا لوجدت التلف و النقصان إنّما يعرض غالبا للامور التي لها وقع في الأنظار فلو كان عندك من الأولاد سبعة مثلا لا يموت غالبا و لا يعرض له العيب من الجدري مثلا إلاّ من كان القلب إليه أميل و لو كان لك ألف كتاب ترى الأرضة لا تأكل إلاّ من تعبت في تصحيحه و حواشيه و لو كان لك أربع نساء لما أسرع التلف غالبا إلاّ إلى صغيرتهنّ محبوبة القلب و كذلك احمل على هذا جميع محبوبات الناس فلا تهوى شيئا إلاّ هو سبحانه و من أمر بحبّه و الميل إليه و هذا مجمل فصّلناه في كتاب مقامات النجاة،و أمّا الحاجة التي لا يقضيها لك أخوك المؤمن فليس السبب غالبا إلاّ منافرة القلوب و تباعد الهوى فإذا ميّلته إلى قلبك بذكر الخير و تعوّدت ذلك على لسانك مال إليه قلبك،لأنّ الجوارح و إن كانت من توابع القلب و جنوده إلاّ أنّها إذا تعوّدت فعل شيء يميل القلب إليه تدريجيا فيحصل ذلك الأثر في قلب أخيك المؤمن فيحبّك كما تحبّه فيبادر إلى قضاء حاجتك.

و كان بعض الأعاظم من الأفاضل يقول لولده:احمل نفسك على التسبّب إلى وقوع محبّة الأكابر في قلبك حتّى يحبّوك و ذلك أنّ من الامور الثابتة بالبرهان و الشرع و العادة و الطباع أنّه لا يكون العشق من جانب واحد و لابدّ من ميل المعشوق إلى العاشق و ان تفاوت زيادة و نقصانا و كتمانا و إسرارا.

[في]اعلام الورى عن محمّد بن الفضل قال:اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء:هو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع؟فكتب علي ابن يقطين إلى الكاظم عليه السّلام:أنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه فكتب إليه عليه السّلام:الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلّل شعر لحيتك و تمسح رأسك2.

ص: 275


1- -بحار الأنوار:31/48،و مستدرك سفينة البحار:460/2.

كلّه و تمسح ظاهر اذنيك و باطنها و تغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك إلى غيره.

فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم فيه ممّا أجمع العصابة على خلافه ثمّ قال:مولاي اعلم بما قال و أنا ممتثل أمره و كان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ و يخالف الشيعة امتثالا لأمره عليه السّلام و سعى بعليّ بن يقطين إلى الرشيد.

و قيل:إنّه رافضي مخالف لك،فقال الرشيد:لقد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين و ميله إلى الرفض و لست ترى في خدمته تقصيرا و أحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر،فقيل له:إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فامتحنه من حيث لا يعلم فقال:

أجل ثمّ تركه مدّة و ناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة و كان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته.

فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حايط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين و هو لا يراه فتوضّأ كما أمره أبو الحسن عليه السّلام و الرشيد ينظر إليه.

فلمّا رآه و قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه:كذب يا عليّ بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة و صلحت حاله عنده ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام:ابتدأ من الآن يا عليّ بن يقطين فتوضّأ كما أمر اللّه و اغسل وجهك مرّة فريضة و اخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك بفضل نداوة وضوءك فقد زال ما كان يخالف عليك و السلام (1).

المرأة التي صار وجهها قفاها

[في]العيّاشي عن سليمان بن عبد اللّه قال:كنت عند الكاظم عليه السّلام فإذا بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمنى في جنبها و يده اليسرى في خلف ذلك ثمّ عصر وجهها ثمّ قال:إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم فرجع وجهها فقال:احذري أن تفعلين كما فعلت،قالوا:يا ابن رسول اللّه و ما فعلت؟

فقال:ذلك مستور إلاّ أن تتكلّم به فسألوها فقالت:كانت لي ضرّة فقمت اصلّي

ص: 276


1- -أعلام الورى:21/2،و بحار الأنوار:38/48 ح 14.

فظننت أنّ زوجي معها فالتفت إليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها فرجع وجهها على ما كان (1).

حكاية الطالقاني

و فيه أيضا عن خالد السمّان أنّه دعى الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني و قال له:أنت الذي يقول:إنّ السحاب حملتك من بلاد الصين إلى طالقان؟

قال:نعم،قال:فحدّثنا كيف كان،قال:كسر مركبي في لجّة البحر فبقيت ثلاثة أيّام على لوح تضربني الأمواج فألقتني إلى البرّ فإذا أنا بأنهار و أشجار فنمت تحت ظلّ شجرة فسمعت صوتا هائلا فانتبهت فإذا بدابّتين يقتتلان على هيئة الفرس.

فلمّا بصرا بي دخلا في البحر ثمّ رأيت طائرا عظيم الخلق فوقع في كهف جبل فدنوت منه لأتأمّله فطار فجعلت أقفوا أثره.

فلمّا قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تلاوة قرآن فناداني مناد من الكهف ادخل يا عليّ بن صالح الطالقاني رحمك اللّه فدخلت و سلّمت فإذا رجل فقال لي:

يا علي أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف لولا أنّ اللّه رحمك في هذا اليوم فأنجاك و سقاك و لقد علمت الساعة التي ركبت فيها و كم أقمت في البحر و حين كسر بك المركب و كم لبثت تضربك الأمواج و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك و الساعة التي نجوت فيها و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين و اتّباعك للطائر الذي رأيته واقعا.

فلمّا رآك صعد طائرا إلى السماء،فهلم فاقعد فقلت:سألتك باللّه من علّمك بحالي؟ قال:عالم الغيب و الشهادة،ثمّ قال:أنت جائع،فتكلّم بكلام فإذا بمائدة عليها منديل فكشفه و قال:هلم إلى ما رزقك اللّه فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ثمّ سقاني ماء ما رأيت ألذّ منه و لا أعذب ثمّ صلّى ركعتين و قال:يا عليّ أتحبّ الرجوع إلى بلدك؟

فقلت:و من لي بذلك،فقال:و كرامة بأوليائنا أن نفعل بهم ذلك ثمّ دعا بدعوات و رفع يده إلى السماء و قال:الساعة الساعة فإذا سحاب قد أظلّت باب الكهف قطعا قطعا

ص: 277


1- -تفسير العياشي:205/2،و بحار الأنوار:56/6 ح 3.

و كلّما وافت سحابة قالت:سلام عليك يا وليّ اللّه و حجّته فيقول:و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته أيّتها السحابة المطيعة ثمّ يقول لها:أين تريدين؟فتقول:أرض كذا فيقول:

لرحمة أو سخط؟فتقول:لرحمة أو سخط،فتمضي حتّى جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت:السلام عليك يا وليّ اللّه و حجّته قال:و عليك السلام أين تريدين؟

قالت:أرض طالقان فقال:لرحمة أو سخط؟

قالت:لرحمة،فقال لها:احملي ما حملت مودعا في اللّه فقالت:سمعا و طاعة قال لها:فاستقرّي بإذن اللّه على وجه الأرض فاستقرّت فأخذ بعضدي فأجلسني عليها فعند ذلك قلت له:سألتك باللّه العظيم و بحقّ محمّد خاتم النبيّين و عليّ سيّد الوصيّين و الأئمّة الطاهرين من أنت؟

فقال:ويحك يا عليّ بن صالح إنّ اللّه لا يخلي أرضه من حجّة طرفة عين إمّا باطن و إمّا ظاهر و أنا حجّة اللّه الظاهرة و حجّته الباطنة أنا المؤدّي الناطق عن الرسول في وقتي هذا أنا موسى بن جعفر فذكرت إمامته و إمامة آبائه و أمر السحاب بالطيران فطارت،فو اللّه ما وجدت ألما و لا فزعت فما كان بأسرع من طرفة عين حتّى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية فقتله الرشيد و قال:لا يسمع بهذا أحد.

ص: 278

الصورة التي أكلت الساحر

[في]الأمالي و عيون الأخبار مسندا إلى عليّ بن يقطين قال:استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام و يقطعه و يخجله في المجلس فانتدب له رجل مغرم.

فلمّا حضرت المائدة عمل ناموسا أي صورة على الخبز فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السّلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه و ضحك هارون و فرح فلم يلبث أبو الحسن عليه السّلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض التكايا فقال:يا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه قال:فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المغرم فخرّ هارون و ندماؤه على وجوههم مغشيّا عليهم و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه فلمّا أفاقوا بعد حين قال هارون لأبي الحسن عليه السّلام:أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل فقال:إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيّهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل فكان ذلك أعمل الأشياء في أفاته نفسه (1).

و عن أبي بصير عن الكاظم عليه السّلام:أنّ من علامات الإمام أن يكلّم الناس بكلّ لسان،فما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية فقال له الخراساني:أصلحك اللّه ما منعني أن أكلّمك بكلامي إلاّ انّي ظننت أنّه لا تحسن فقال:سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك (2).

[في]البصائر عن بعض أصحابنا قال:دخلت على أبي الحسن الماضي عليه السّلام و هو محموم و وجهه إلى الحائط فتناول بعض أهل بيته يذكره فقلت في نفسي:هذا خير خلق اللّه في زمانه يوصينا بالبرّ و يقول في رجل من أهل بيته هذا القول،قال:فحوّل وجهه فقال:إنّ

ص: 279


1- -أمالي الطوسي:212،و مدينة المعاجز:316/6 ح 97.
2- -الكافي:285/1 ح 7،و شرح أصول الكافي:106/6 ح 7.

الذي سمعت من البراني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله و إن لم أقل هذا صدّقوا قوله عليّ (1).

و فيه أيضا عن محمّد الرافعي قال:كان لي ابن عمّ يقال له الحسن بن عبد اللّه و كان من أعبد أهل زمانه و دخل أبو الحسن عليه السّلام يوما المسجد فرآه فأدنى إليه و قال:ما أسرّني بك إلاّ أنّك ليست لك معرفة فاذهب فاطلب المعرفة فلم يزل يترصّد أبا الحسن عليه السّلام حتّى خرج إلى ضيعة له فتبعه و لحقه في الطريق إلى أن قال:فمن الإمام اليوم؟

قال:أنا هو،قال:فشيء أستدلّ به؟

قال:اذهب إلى تلك الشجرة و أشار إلى امّ غيلان فقال:يقول لك موسى بن جعفر اقبلي،قال:فرأيتها و اللّه تجبّ الأرض جبوبا حتّى وقفت بين يديه ثمّ أشار إليها فرجعت فأقربه ثمّ لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك و كان من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة و ترى له ثمّ انقطعت عنه الرؤيا فرأى ليلة أبا عبد اللّه عليه السّلام فيما يرى النائم فشكى إليه انقطاع الرؤيا فقال:لا تغتمّ فإنّ المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفعت عنه الرؤيا.انتهى ملخّصا (2).

أقول: في هذا إشارة إلى أنّ أعمال غير المؤمن يجازي صاحبها عليها في دار الدّنيا و من جملة جزاء أعمال ذلك الرجل أنّه كان يرى الرؤيا الحسنة و تارة يراها غيره له و يحكيها له و للناس فيرتفع اعتبارا في الأنظار و لمّا منّ اللّه عليه بالإيمان كان جزاء أعماله ذخيرة له يوم القيامة،و من هنا يظهر أنّ الطاعات و العبادات الواقعة على غير القانون المستحسن شرعا كأن لا يكون مؤمنا أو يوقعه بقصد نيّة فاسدة لا يمنع أن يثاب عليه في الدنيا و أن يجري اللّه سبحانه له ما يوجب له رفعة و شأنا في الدنيا،و من تصفّح أحوال كفّار الهند في عباداتهم و الثواب عليها يتّضح له هذا المعنى.5.

ص: 280


1- -بصائر الدرجات:258،و بحار الأنوار:50/48 ح 43.
2- -الصراط المستقيم:193/2 ح 23،و بصائر الدرجات:275.

البقرة التي أحياها الكاظم عليه السلام

[في]البصائر عن علي بن المغيرة قال:مرّ العبد الصالح عليه السّلام بامرأة بمنى و هي تبكي و صبيانها حولها يبكون و قد ماتت بقرة لها فقال:ما يبكيك يا أمة اللّه؟

قالت:يا عبد اللّه إنّ لي صبيانا أيتاما فكانت لي بقرة معيشتي و معيشة صبياني كان منها و قد ماتت فقال:يا أمة اللّه هل لك أن أحييها؟

قالت:نعم،فصلّى ركعتين و حرّك شفتيه ثمّ ضرب البقرة برجله فقامت فصاحت المرأة:عيسى ابن مريم و ربّ الكعبة فخالط الناس و مضى بينهم (1).

كلام الحمام

و فيه أيضا قال:دخل رجل على أبي الحسن عليه السّلام فقال:جعلت فداك أحبّ أن تتغدّى عندي فمضى معه و جلس على سرير في البيت و تحت السرير زوج حمام فهدر الذكر على الانثى فضحك عليه السّلام و قال:إنّ الذكر يقول لها:يا سكني و عرسي و اللّه ما على وجه الأرض أحد أحبّ إليّ منك ما خلا هذا القاعد على السرير،قلت:جعلت فداك تفهم كلام الطير؟

قال:نعم علمنا منطق الطير و اوتينا من كلّ شيء (2).

كلام الفرس

و عن هارون بن موفّق مولى أبي الحسن عليه السّلام قال:كنّا معه عليه السّلام في متنزّه على جدول ماء فحمحم فرسه عليه السّلام فضحك عليه السّلام و نطق بالفارسية فأخذ بغرفها و قال:اذهبي فمرّ يتخطّا الجداول و الزرع إلى براح يعني أرضا خالية حتّى بال و رجع فقال:إنّه لم يعط داود و آل داود

ص: 281


1- -بصائر الدرجات:292 و الدعوات:69 ح 167،و الكافي:484.
2- -دلائل الأمامة:283 ح 65،و البصائر:362.

شيئا إلاّ و قد أعطي محمّد و آل محمّد أكثر منه (1).

كلام الأسد

[في]الخرائج و بشائر المصطفى قال:خرج موسى بن جعفر عليه السّلام في بعض الأيّام إلى ضيعة له فصحبته و كان على بغلة و أنا راكب على حمار.

فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فخفت و قدم أبو الحسن عليه السّلام فرأيت الأسد يتذلّل له ويهمهم و وضع يده على كفل بغلته ثمّ حرّك عليه السّلام شفتيه بدعاء لم أفهمه ثمّ أومى إلى الأسد أن امض فهمهم الأسد طويلا و أبو الحسن يقول:آمين آمين،فقلت:

جعلت فداك ما شأن هذا الأسد فقد خفته عليك؟

قال:إنّه جاء يشكو عسر الولادة على لبوته و سألني أن أدعوا اللّه ليفرّج عنها ففعلت ذلك و ألقي في روعي أنّها ولدت له ذكرا فخبرته بذلك فقال لي:امض في حفظ اللّه فلا سلّط اللّه عليك و لا على ذرّيتك و لا على أحد من شيعتك شيئا من السباع،فقلت:آمين (2).

حكاية علي بن يقطين مع الرشيد

و في الخرائج أيضا عن ابن يقطين قال:كنت واقفا عند الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم و كان فيها دراعة ديباج سوداء منسوجة بالذهب لم أر أحسن منها فرآني أنظر إليها فوهبها لي و بعثتها إلى أبي الحسن و مضت لها تسعة أشهر و انصرفت يوما من عند هارون.

فلمّا دخلت داري جاءني خادمي بمنديل و كتاب لطيف ختمه رطب ففضضت الكتاب فإذا هو كتاب مولاي أبي الحسن عليه السّلام و فيه:يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدّراعة و قد بعثتها إليك فرأيتها و عرفتها و دخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال:أجب أمير المؤمنين،فركبت و دخلت عليه و عنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه فقال:ما فعلت الدّراعة الرومية التي وهبتك؟

فقلت:ألبسها في أوقات و اصلّي فيها ركعات و قد كنت دعوت بها عند منصرفي من

ص: 282


1- -المناقب:447/3،و بحار الأنوار:57/49 ح 72.
2- -الخرائج و الجرائح:649/2،و الإرشاد:229/2.

دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها فنظر إلى عمر بن بزيع فقال:قل له يحضرها،فأرسلت خادمي جاء بها.

فلمّا رآها قال:يا عمر ما ينبغي أن تنقل على عليّ بعد هذا شيئا،قال:فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدّراعة إلى داري و كان الساعي ابن عمّ لي فسوّد اللّه وجهه.

و في حديث آخر أنّ أبا الحسن عليه السّلام طلب منه الدراعة بعد ذلك فأرسلها إليه مع الدراهم (1).

و فيه أيضا عن عليّ بن أبي حمزة قال:بعثني أبو الحسن عليه السّلام في حاجة فجئت و إذا معتب على الباب فقلت:اعلم مولاي بمكاني فدخل معتب و مرّت بي امرأة فقلت:لولا أنّ معتب دخل فأعلم مولاي بمكاني لاتّبعت هذه المرأة فتمتعت بها فخرج معتب و قال:

ادخل فدخلت عليه و هو على مصلاّه فأخرج من تحته صرّة فناولنيها و قال:الحق المرأة فإنّها على دكّان العلاّف تقول:يا عبد اللّه قد حبستني فذهبت إليها و تمتّعت بها (2).1.

ص: 283


1- -الخرائج و الجرائح:656/2.
2- -الخرائج و الجرائح:319/1،و بحار الأنوار:6248 ح 81.

إحياء الحمار

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:أخذ بيدي موسى بن جعفر عليه السّلام يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء فإذا نحن برجل يبكي و بين يديه حمار ميّت و رحله مطروح فقال عليه السّلام:ما شأنك؟

قال:كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري هاهنا و بقيت متحيّرا،فقال:لعلّه لم يمت،قال:أما ترحمني حتّى تلهو بي قال:إنّ عندي رقية جيّدة قال:تستهزء بي فدنا من الحمار و نطق بشيء لم أسمعه و أخذ قضيبا فضربه فوثب الحمار صحيحا سليما فقال:يا مغربي ترى هنا شيئا من الاستهزاء و الحق بأصحابك،قال علي بن أبي حمزة:فكنت واقفا على بئر زمزم بمكّة فإذا المغربي هناك فأقبل إليّ و قبّل يديّ فرحا مسرورا فقلت له:ما حال حمارك؟

فقال:هو و اللّه صحيح و ما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ اللّه عليّ به فأحيا حماري بعد موته؟

فقلت له:قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته (1).

[في]كتاب المناقب عن شقيق البلخي قال:خرجت حاجّا سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان و قد جلس منفردا،فقلت في نفسي:هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم لأمضينّ إليه و لأوبّخنّه.

فلمّا رآني مقبلا قال:يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم و مضى، فقلت في نفسي:إنّ هذا لأمر عظيم تكلّم بما في نفسي و نطق باسمي و ما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنّه و لأسألنّه أن يحللني فأسرعت في اثره فغاب عن عيني.

ص: 284


1- -الخرائج و الجرائح:314/1،و بحار الأنوار:71/48 ح 95.

فلمّا نزلنا واقصة فإذا به يصلّي و دموعه تجري فقلت:هذا صاحبي أمضي أستحلّه.

فلمّا رآني مقبلا قال:يا شقيق اتل وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (1)و مضى.

فقلت:إنّ هذا لمن الأبدال لقد تكلّم على سرّي مرّتين.

فلمّا نزلنا زبالة إذا بالفتى قائم على البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة في البئر فرمق السماء و قال:أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء و قوتي إذا أردت الطعام، اللّهم سيّدي مالي غيرها فرأيت ماء البئر ارتفع حتّى مدّ يده و أخذ الركوة و ملأها فتوضّأ و صلّى أربع ركعات ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يطرح من الرمل في الركوة و يشرب فسلّمت عليه و قلت:اطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك فقال:يا شقيق لم تزل نعم اللّه علينا ظاهرة و باطنة فأحسن ظنّك بربّك ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هي سويق و سكّر فما شربت ألذّ منه و أقمت أيّاما لا أشتهي طعاما و لا شرابا ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكّة فرأيته إلى جنب قبّة الشراب قائما يصلّي بخشوع و أنين و بكاء فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل.

فلمّا صلّى الغداة و إذا له موال و غواش و هو على خلاف ما رأيته في الطريق و دار به الناس يسلّمون عليه فقلت لرجل:من هذا الفتى؟

قال:هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام فقلت:قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيّد و نظمه بعضهم في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال شعر:

غسل شقيق البلخي عنه و ما *** عاين منه و ما الذي كان أبصر

قال:لمّا حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر سائرا وحده و ليس له زاد فما زلت دائما أتفكّر و توهّمت أنّه يسأل الناس و لم أدر أنّه الحجّ الأكبر،ثمّ عاينته و نحن نزول دون قيد على الكثيب الأحمر يضع الرمل في الإناء و يشربه فناديته و عقلي متحيّر اسقني شربة فناولني منه فعاينته سويقا و سكّر فسألت الحجيج من يك هذا؟ قيل:هذا الإمام موسى بن جعفر (2).2.

ص: 285


1- -سورة طه:82.
2- -المناقب:275،و بحار الأنوار:80/48 ح 102.

[في]كشف الغمّة قال:لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة،و هي أنّ من عظماء الخلفاء من كان له نايب في ممالكه و كان ذا سطوة و جبروت فلمّا مات دفنه الخليفة قرب ضريح الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام و كان بالمشهد المقدّس نقيب معروف بالصلاح فذكر النقيب أنّه بات بالمشهد الشريف فرأى في منامه أنّ القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و رائحة خبيثة ملأت المشهد و أنّ الإمام موسى عليه السّلام واقف فصاح بالنقيب و قال:قل لهذا الخليفة لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم فاستيقظ النقيب و هو يرعد خوفا فكتب ورقة فيها صورة الواقعة إلى الخليفة فلمّا جنّ الليل جاء الخليفة إلى المشهد بنفسه و دخل الضريح مع النقيب و أمر بكشف ذلك القبر و نقل المدفون إلى موضع آخر فلمّا كشفوه و جدوا به رماد الحريق و لم يجدوا للميّت أثرا (1).3.

ص: 286


1- -كشف القمة:6/3،و بحار الأنوار:83/48 ح 103.

مكان المخالفين

-عيون المعجزات عن داود الرّقي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:حدثني عن أعداء أمير المؤمنين و أهل بيت النبوّة عليهم السّلام فقال:الحديث أحبّ إليك أم المعاينة؟

فقال لأبي الحسن عليه السّلام:ايتني بالقضيب فأحضره فقال:يا موسى اضرب به الأرض و أرهم أعداء أمير المؤمنين فضرب به الأرض فانشقّت عن بحر أسود ثمّ ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء فضرب الصخرة فانفتح منها باب فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم و وجوههم مسودّة و أعينهم زرق كلّ واحد مصفّد مشدود في جانب من الصخرة و هم ينادون يا محمّد و الزبانية تضرب وجوههم و تقول لهم:كذبتم ليس محمّد لكم و لا أنتم له فقلت:جعلت فداك من هؤلاء؟

فقال:الجبت و الطاغوت و الرجس و اللعين ابن اللعين و لم يزل يعدّدهم حتّى أتى على أصحاب السقيفة و أصحاب الفتنة و بني الأزرق و الأوزاع و بني اميّة جدّد اللّه عليهم العذاب بكرة و أصيلا،ثمّ قال عليه السّلام للصخرة:انطبقي عليهم إلى يوم الوقت المعلوم.

أقول: يجوز أن تكون هذه الصخرة مكانا لبعض الأعداء و المخالفين لما ورد من أنّ مكانهم برهوت واد في حضرموت و يجوز أن تكون هذه الصخرة من صخر ذلك الوادي نقلت إلى ذلك البحر وقت الرّوية و ضرب الأرض و يجوز أن يكون ملائكة العذاب يحوّلونهم و ينقلونهم إلى الأمكنة المختلفة و لهم في كلّ مكان نوع من أنواع العذاب،و أمّا أصحاب الفتنة فهم طلحة و الزبير و فلانة و أتباعهم و بنو الأزرق معاوية و أصحابه و الأوزاع الجماعات المختلفة (1).

ص: 287


1- -عيون المعجزات:86،و بحار الأنوار:629/31 ح 129.

حجتّه عليه السلام لعليّ بن يقطين

و من ذلك الكتاب أنّ إبراهيم الجمّال استأذن على عليّ بن يقطين فحجبه فحجّ عليّ ابن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر عليه السّلام فحجبه فرآه ثاني يومه و قال:يا سيّدي ما ذنبي؟قال:حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال و قد أبى اللّه أن يشكر سعيك حتّى يغفر لك إبراهيم الجمّال.

فقلت:سيّدي و مولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت و أنا بالمدينة و هو بالكوفة؟

فقال:إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك و اركب نجيبا هناك مسرّجا فوافى البقيع و ركب النجيب و لم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة فقرع الباب و قال:أنا عليّ بن يقطين فقال إبراهيم:و ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟

فقال عليّ بن يقطين:أمري عظيم و أقسم عليه أن يأذن له فلمّا دخل قال لإبراهيم:

إنّ المولى عليه السّلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي فقال:يغفر اللّه لك.فآلى عليّ بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع إبراهيم فآلى عليه ثانيا ففعل،فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه و علي بن يقطين يقول:اللّهم اشهد،ثمّ انصرف و ركب النجيب و أناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السّلام بالمدينة فأذن له و دخل عليه فقبّله (1).

و في مشارق الأنوار عن صفوان بن مهران قال:أمرني سيّدي أبو عبد اللّه عليه السّلام يوما أن أقدّم ناقته إلى باب الدار فجئت بها فخرج أبو الحسن موسى عليه السّلام مسرعا و هو ابن ستّ سنين فاستوى على ظهر الناقة و أثارها،و غاب عن بصري فقلت:إنّا للّه و انّا إليه راجعون و ما أقول لمولاي إذا خرج يريد الناقة فلمّا مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنّها شهاب و هي ترفض عرقا فنزل عنها و دخل الدار فخرج الخادم و قال:أعد الناقة مكانها و أجب مولاك ففعلت ما أمرني فدخلت عليه فقال:يا صفوان إنّما أمرتك بإحضار الناقة

ص: 288


1- -عيون المعجزات:90،و بحار الأنوار:85/48 ح 105.

ليركبها مولاك أبو الحسن،فقلت في نفسك:كذا و كذا،فهل علمت يا صفوان أين بلغ عليها في هذه الساعة إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين و جاوزه أضعافا مضاعفة و أبلغ كلّ مؤمن و مؤمنة سلامي (1).

و عن إبراهيم بن عبد الحميد قال:دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السّلام بيته الذي كان يصلّي فيه،فإذا ليس في البيت شيء إلاّ خصفة يعني بورية و سيف معلّق و مصحف و اعتمر أربع عمر بعياله و كان يمشي فيها من المدينة إلى مكّة و كان يتفقّد فقراء المدينة ليلا فيحمل إليهم الزبيل فيه العين و الورق و الادقة و التمور فيوصل إليهم ذلك و لا يعلمون من أيّ جهة هو (2).

[في]اعلام الورى:أنّ رجلا من أولاد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي الكاظم عليه السّلام و يسبّه إذا رآه و يشتم عليا،فقال له بعض حاشيته يوما:دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك و سئل عن العمري،فذكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة فركب إليه فوجده في مزرعته فجلس عنده و باسطه و ضاحكه قال:كم تصيب بزرعك هذا؟قال:أقدر مائة دينار فأخرج عليه السّلام صرّة فيها ثلاثمائة دينار و قال:هذا زرعك هذا على حاله و اللّه يرزقك فيه ما ترجو،فقام العمري فقبّل رأسه و سأله أن يصفح عن فارطه،فراح إلى المسجد فوجد العمري فلمّا نظر إليه قال: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (3)فوثب إليه أصحابه و قالوا:ما قصّتك كنت تقول غير هذا؟

فقال لهم:قد سمعتم ما قلت الآن و جعل يدعو لأبي الحسن عليه السّلام فخاصموه و خاصمهم،فلمّا رجع أبو الحسن عليه السّلام إلى داره،قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري أيما كان خيرا ما أردتم أم ما أردت إنّي أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم و كفيت به شرّه و كان يصل بالمأتي دينار إلى الثلاثمائة و كان صرار موسى عليه السّلام مثلا.

و لمّا حجّ الرشيد تقدّم إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا ابن عمّ مفتخرا بذلك على غيره،فتقدّم أبو الحسن عليه السّلام فقال:السلام عليك4.

ص: 289


1- -مدينة المعاجز:381/6،و بحار الأنوار:99/48.
2- -بحار الأنوار:102/48 ح 5،و مستدرك سفينة البحار:186/3.
3- -سورة الأنعام:124.

يا رسول اللّه،السلام عليك يا أبت،فخجل الرشيد.

و يقال:إنّ هذا كان ممّا أعان على قتله (1).

و كان عليه السّلام إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير.

[في]المناقب عن هشام بن الحكم،قال موسى بن جعفر عليه السّلام لأبرهة النصراني:كيف علمك بكتابك؟قال:أنا عالم به و بتأويله،فابتدأ موسى عليه السّلام يقرأ الإنجيل،فقال ابرهة:

و المسيح لقد كان يقرأها هكذا و ما قرأ هكذا إلاّ المسيح و أنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة فأسلم على يديه (2).

و روى أنّه حجّ المهدي العبّاسي فلمّا صار في قصر العبادي ضجّ الناس من العطش فأمر أن يحفر بئر فلمّا بلغوا قريبا من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم فأعطى عليّ بن يقطين الرجلين عطاء كثيرا ليحفرا فنزلا فأبطآ ثمّ خرجا مرعوبين قد ذهب ألوانهما فسألهما عن الخبر فقالا:رأينا آثارا و أثاثا و رجالا و نساء فكلّما أومأنا إلى شيء منهم صار هباء فصار المهدي يسأل عن ذلك،فقال موسى بن جعفر عليه السّلام:هؤلاء أصحاب الأحقاف غضب اللّه عليهم فساحت بهم ديارهم و أموالهم.

و سأله أبو حنيفة و هو صغير السنّ،فقال:ممّن المعصية؟

فقال:إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعا،فإن كانت من اللّه تعالى فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولى بإنصاف عبده الضعيف و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجّه النهي و له حقّ الثواب و العقاب و وجبت الجنّة و النار،فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ الآية (3).

أقول: ردّ عليه السّلام بهذا القول الحقّ على أبي حنيفة و أصحابه،فإنّ الجمهور أطبقوا على أنّ أفعال العباد كلّها من اللّه و هم مجبورون على فعلها و مع ذلك يستحقّون العذاب عليها و نفوا الحسن و القبح العقليّين و لمّا رأوا شناعة هذا المذهب التجأوا إلى القول بالكسب8.

ص: 290


1- -أعلام الورى:26/2،و بحار الأنوار:103/48.
2- -المناقب:426/3،و الكافي:227/1.
3- -المناقب:426/3،و بحار الأنوار:105/48.

الذي حكوه عن أبي موسى الأشعري و هو معنى لا يعقل له معنى عندهم كما قاله المفيد طيّب اللّه ثراه و لا يخرج عن حدّ الجبر و لذا قالوا:إنّ فرار الأشعري من الجبر إلى الكسب مثل من فرّ من المطر إلى الميزاب و من الدّخان إلى النار،لأنّه قول بالجبر مع زيادة معنى لا يعقل و لا يفهمه حتّى القائل به.

[عن]الخطيب في تاريخ بغداد و غيره قال:كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم السّلام لما روى عنه قال:حدّثني موسى بن جعفر قال:حدّثني أبي جعفر بن محمّد و هكذا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله ثمّ قال أحمد:و هذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق.

و لقيه أبو نؤاس يوما فقال شعر:

إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب

و لو أنّ ركبا يمّموك لقادهم *** نسمّيك حتّى يستدلّ بك الركب

جعلتك حسبي في اموري كلّها *** و ما خاب من أضحى و أنت له حسب (1)8.

ص: 291


1- -مناقب آل أبي طالب:432/3،و بحار الأنوار:107/48 ح 8.

أحوال الكاظم عليه السلام في الحبس

و عن أحمد بن عبد اللّه عن أبيه قال:دخلت على الفضل بن الربيع و هو جالس على سطح،فقال لي:اشرف على هذا البيت و انظر ما ترى،فقلت:ثوبا مطروحا فقال:انظر حسنا،فتأمّلت فقلت:رجل ساجد فقال:هو موسى بن جعفر أتفقّده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على هذه الحالة إنّه يصلّي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس و قد و كلّ من يترصّد أوقات الصلوات فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء و هو دأبه،فإذا صلّى العتمة أفطر ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر.

و قال بعض عيونه:كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه:اللّهم إنّك تعلم أنّني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك اللّهم و قد فعلت،فلك الحمد.و هذا كلّه كان و هو في المحبس لأنّه حبس أوّلا عند الفضل بن الربيع (1).

[في]المناقب:حكى أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل إليه،فقال عليه السّلام:إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلم أجد لهذا العيد خبرا و أنّه سنة للفرس و محاها الإسلام و معاذ اللّه أن تحيي ما محاه الإسلام فقال المنصور:إنّما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك باللّه العظيم إلاّ جلست فجلس و دخلت عليه الملوك و الامراء و الجند يهنّونه و يحملون إليه الهدايا و التحف و على رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل إليه،فدخل في آخر الناس شيخ كبير السنّ فقال:يابن بنت رسول اللّه إنّي رجل لا مال لي أتحفك،و لكن أتحفك بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه السّلام شعر:

عجبت لمصقول علاك فريدة *** يوم الهياج و قد علاك غبار

و لا سهم نفذتك دون حرائر *** يدعون جدّك و الدموع غزار

ص: 292


1- -عيون أخبار الرضا:98/2،و المناقب:433/3.

الاّ تفضضت السهام و عاقها *** عن جسمك الإجلال و الإكبار

قال:قبلت هديتك اجلس بارك اللّه فيك،و قال للخادم:امض إلى أمير المؤمنين و عرّفه بهذا المال و ما يصنع به،فمضى الخادم و عاد و هو يقول كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد،فقال موسى عليه السّلام للشيخ:اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك (1).

أقول: قوله عليه السّلام:لم أجد لهذا العيد خبرا محمول على التقية،لأنّ العامة أنكروه و جحدوا ما ورد في فضله من الأخبار،و ستأتي الأحاديث الواردة في فضائل ما ورد فيه إن شاء اللّه تعالى.

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي فأجلسني أبي بين يديه و قال:يا بني اكتب:تنح عن القبيح و لا ترده،ثمّ قال:اجزه-يعني أتمّه- فقلت:و من أوليته حسنا فزده ثمّ قال:ستلقى من عدوّك كلّ كيد فقلت:إذا كان العدوّ فلا تكده فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (2).

[في]الكافي عن بعض أصحابنا قال:أولم أبو الحسن عليه السّلام على بعض ولده فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيّام الفالوذجات في الجفان في المساجد و الأزقّة،الحديث (3).

و عن موسى بن بكر قال:كان أبو الحسن الأوّل عليه السّلام كثيرا ما يأكل السكّر عند النوم.

و كان عليه السّلام إذا أراد دخول الحمّام أمر أن يوقد عليه ثلاثا فكان لا يمكنه دخوله حتّى يدخله السودان فيلقون له السود،فإذا دخله فمرّة قاعد و مرّة قائم فخرج يوما من الحمّام فاستقبله رجل من آل الزبير و بيده أثر حنّاء،فقال:ما هذا الأثر بيدك؟

فقال:أثر حنّاء ويلك حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من دخل الحمّام فأطلى ثمّ اتبعه بالحنّاء من قرنه إلى قدمه كان أمانا له من الجنون و الجذام و البرص و الأكلة إلى مثله من النورة (4).

[في]الكافي عن عاصم عن أبيه قال:دخلت على أبي إبراهيم عليه السّلام و في يده مشط1.

ص: 293


1- -المناقب:219/3،و مستدرك الوسائل:386/10.
2- -المناقب:434/3،و بحار الأنوار:109/48 ح 10.
3- -الكافي:271/6 ح 1،و بحار الأنوار:110/48 ح 12.
4- -وسائل الشيعة:73/2 ح 1،و الكافي:509/6 ح 1.

عاج يتمشّط به،فقلت له:جعلت فداك إنّ عندنا بالعراق من يزعم أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج قال:و لم،قد كان لأبي مشط أو مشطان،فقال:تمشّطوا بالعاج فإنّ العاج يذهب بالوباء (1).1.

ص: 294


1- -الكافي:488/6 ح 3،و وسائل الشيعة:123/2 ح 1.

فيه كيفيّة البخور

و عن أحمد مولاه قال:كنّ نساء أبي الحسن إذا تخبرن أخذن نواة من نوى الصيحاني ممسوحة من التمر و القشارة فألقينها على النار قبل البخور،فإذا دخّنت النواة أدنى دخّان رمين النواة و تبخرن من بعد و كن يقلن:هو أعبق و أطيب للبخور و كن يأمرن بذلك.

أنواع طعام الأئمّة عليهم السلام

و عن العاصمي أيضا قال:حججت مع جماعة من أصحابي فأتيت المدينة فاستقبلنا أبو الحسن عليه السّلام على حمار أخضر يتبعه طعام و نزلنا بين النخل و أتى بالطشت و الماء فبدأ بغسل يديه و أدير عن يمينه حتّى بلغ آخرنا،ثمّ اعيد على يساره حتّى أتى إلى آخرنا ثمّ قدّم الملح فبدأ بالملح ثمّ قال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،ثمّ ثنّى بالخلّ ثمّ أتى بكتف مشوي فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ أتي بالخل و الزيت فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب فاطمة عليها السّلام ثمّ أتي بسكباج فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين عليه السّلام،ثمّ اتي بلحم مقلي فيه باذنجان فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسن عليه السّلام،ثمّ اتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسين عليه السّلام،ثمّ اتي بجبن مبرز فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب على بن الحسين عليه السّلام،ثمّ أتي بتور فيه بيض كالعجة فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب أبا جعفر عليه السّلام،ثمّ اتي بحلواء فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام يعجبني و رفعت المائدة فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها فقال عليه السّلام:إنّما ذلك في المنازل تحت السقوف،فأمّا في مثل هذا الموضع فهو للطير و البهائم،ثمّ اتي بالخلال فقال:من حقّ الخلال أن تدير لسانك في فمك فما أجابك ابتلعته و ما امتنع أخرجته بالخلال ألقطه،و اتي بالطشت و الماء فابتدئ

ص: 295

بأوّل من على يساره حتّى انتهى إليه فغسل ثمّ غسل من على يمينه حتّى أتى على آخرهم ثمّ قال:يا عاصم كيف أنتم في التبار و التواصل،فقال:على أفضل ما كان عليه فقال:يأتي أحدكم عن الضيقة منزل أخيه فلا يجده فيأمر بإخراج كيسه فيخرج فينفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته فلا ينكر عليه قال:لا قال:لستم على ما أحبّ من التواصل و الضيقة و الفقر (1).

و عن الحسين بن أبي العرند قال:رأيت أبا الحسن عليه السّلام بمنى و هو متكئ على يمينه فأتي بصحفة فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل و هو متكئ على يمينه،فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا فقال:لقد حدّثني سليمان بن خالد أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:صاحب هذا الأمر[كلتا يديه] (2)يمين (3).

[في]عيون الأخبار عن سفيان بن نزار قال:كنت يوما على رأس المأمون فقال:

أتدرون من علّمني التشيّع؟علّمنيه الرشيد،قيل:و كيف ذلك و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟قال:كان يقتلهم على الملك و لقد حججت معه سنة فلمّا صار إلى المدينة تقدّم إلى حجابه و قال:لا يدخلن عليّ رجل إلاّ نسب نفسه،فكان الرجل إذا دخل قال:أنا فلان بن فلان حتّى ينتهي إلى جدّه من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري فيصله على قدر شرفه فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال:يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،فأقبل علينا و نحن قيام على رأسه و الأمين و المؤتمن و سائر القوّاد فقال:احفظوا على أنفسكم ثمّ قال:

ائذن له و لا ينزل إلاّ على فراشي،فأنا كذلك إذ دخل شيخ قد أنهكته العبادة كأنّه شن بال قد كلم السجود وجهه و أنفه.

فلمّا رأى الرشيد رمى بنفسه عن الحمار،فصاح الرشيد:لا و اللّه إلاّ على بساطي فسار إلى البساط و الحجاب و القوّاد محدقون به،فقام إليه الرشيد و استقبله و قبّل وجهه و عينه فأجلسه في مكانه و جعل يحدّثه عن أحواله فقال:يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟ قال:يزيدون على الخمسمائة أكثرهم موالي و حشم،و أمّا الولد فلي نيف و ثلاثون الذكران7.

ص: 296


1- -مكارم الأخلاق:145،و بحار الأنوار:118/48.
2- -زيادة من المصدر.
3- -جواهر الكلام:466/36،و بحار الأنوار:119/48 ح 37.

منهم كذا و النسوان منهم كذا،قال:فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ؟قال:اليد تقصر عن ذلك إلى أن قال:أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران و النسوان و تقضي الدّين؟

فقال عليه السّلام:وصلتك رحم يا ابن عمّ ثمّ تكلّم و أراد القيام فقام الرشيد لقيامه و قبّل وجهه،ثمّ أقبل عليّ و على الأمين و المؤتمن فقال:امضوا مع عمّكم خذوا بركابه و شيّعوه إلى منزله فأقبل أبو الحسن عليه السّلام سرّا بيني و بينه و بشّرني بالخلافة و قال لي:إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي،ثمّ انصرفنا فلمّا خلا المجلس قلت:يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظّمته و أجللته و أمرتنا بأخذ الركاب له؟قال:هذا إمام الناس و حجّة اللّه على خلقه و خليفته في عباده فقلت:يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلّها لك و فيك؟

فقال:أنا إمام بالغلبة و القهر و موسى بن جعفر إمام حقّ و هو أحقّ بمقام رسول اللّه منّي و من الخلق جميعا،و و اللّه لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإنّ الملك عقيم،فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلى مكّة أمر له بصرّة فيها مائة دينار و أرسلها مع الفضل ابن الربيع،فقلت:يا أمير المؤمنين تعطي ما لا يعرف حسبه خمسة آلاف دينار و تعطي موسى بن جعفر و قد أعظمته و أجللته أخسّ عطيّة؟

فقال:اسكت لا امّ لك لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمن أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه،و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم،فلمّا نظر إلى ذلك مخارق المغنّي دخله من ذلك غيظ،فقام إلى الرشيد و قال:يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة و أكثر أهلها يطلبون منّي شيئا و ان خرجت و لم أقسم فيهم شيئا لم يظهر لهم تفضّل أمير المؤمنين عليّ و منزلتي عنده فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال:

هذا لأهل المدينة و عليّ دين أحتاج أن أقضيه،فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى ثمّ قال:يا أمير المؤمنين بناتي اريد أن أزوّجهنّ فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى فقال:يا أمير المؤمنين لابدّ من غلّة تعطينيها تردّ عليّ و على بناتي و أزواجهنّ القوت،فأمر له باقطاع ما تبلغ غلّته في السنة عشرة آلاف دينار و أمر أن يعجّل له ذلك من ساعته ثمّ قصد مخارق من فوره و قصد موسى بن جعفر و قال له:قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون و ما أمر لك به و قد احتلت عليه لك و أخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار و اقطاعا تغل في السنة عشرة

ص: 297

آلاف دينار،و لا و اللّه ما أحتاج إلى شيء من ذلك و ما أخذته إلاّ لك و أنا أشهد لك بهذه الاقطاع و قد حملت المال إليك،فقال:بارك اللّه لك في مالك و أحسن جزاك ما كنت آخذ منه درهما واحدا و لا من هذه الاقطاع و قد قبلت صلتك و برّك،فانصرف راشدا و لا تراجعني في ذلك فقبّل يده و انصرف (1).

و فيه أيضا مختصرا إلى العبدي بإسناده رفعه إلى موسى بن جعفر عليه السّلام قال:لمّا دخلت على الرشيد قال:يا موسى بن جعفر خليفتي يجبي إليهما الخراج،فقلت:أعيذك باللّه أن تبوء بإثمي و إثمك و تقبل الباطل من أعدائنا علينا فقد علمت أنّه كذب علينا منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتأذن لي أن أحدّثك؟

فقال:نعم،فقلت:أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إنّ الرحم إذا مسّت تحرّكت و اضطربت،فناولني يدك جعلني اللّه فداك فأخذ بيدي و جذبني إلى نفسه و عانقني و قال:اجلس يا موسى فلا بأس عليك،فنظرت فإذا قد دمعت عيناه و قال:

صدقت و صدق جدّك رسول اللّه لقد تحرّك دمي و اضطربت عروقي حتّى غلبت عليّ الرقّة و فاضت عيناي و أنا أريد عن أشياء تتلجلج في صدري فإن أجبتني خلّيت عنك و لم أقبل قول أحد فيك و عليك الأمان إن تركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة،فقال:

أخبرني لم فضّلتم علينا و نحن شجرة عبد المطّلب إنّا بنو العبّاس و أنتم ولد أبي طالب و هما عمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قرابتهما منه سواء؟

قلت:نحن أقرب لأنّ عبد اللّه و أبا طالب لأب و أمّ و أبوكم العبّاس ليس من امّهما، قال:فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبيّ و العمّ يحجب ابن العمّ؟

فقلت؛لقول علي بن أبي طالب:إنّه ليس مع ولد الصلب لأحد سهم إلاّ للأبوين و الزوج أو الزوجة،و العمّ ليس له ميراث مع الولد إلاّ أنّ تيما وعديا و بني اميّة قالوا:العم والد رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.و من قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء هذا نوح بن دراج قاضي المصرين البصرة و الكوفة يقول بقول عليّ، و ذكر غيره من العلماء و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:عليّ أقضاكم.

قال:زدني يا موسى قلت:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية8.

ص: 298


1- -مستدرك الوسائل:271/8،و بحار الأنوار:130/48.

حتّى يهاجر لقوله سبحانه: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا (1)

و أنّ عمّي العبّاس لم يهاجر.ثمّ قال:لم جوّزتم للعامّة و الخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه و يقولون لكم يا بني رسول اللّه و أنتم بنو عليّ و إنّما ينسب المرء إلى أبيه،و فاطمة إنّما هي وعاء و النبي جدّكم من قبل امّكم فقلت:لو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

فقال:نعم و أفتخر به على العرب و العجم،فقلت:لكنّه لا يخطب إليّ و لا ازوّجه لأنّه ولدني و لم يلدك،فقال:أحسنت يا موسى ثمّ قال:كيف قلتم إنّا ذرّية النبيّ و النبي لم يعقب و إنّما العقب للذكر لا للانثى و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب؟فقلت:أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى (2)من أبو عيسى؟

فقال:ليس له أب،فقلت:إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم عليها السّلام و كذلك ألحقنا بذراري النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من قبل امّنا فاطمة،أزيدك يا أمير المؤمنين قول اللّه عزّ و جلّ:

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (3) و لم يدع أحد أنّه أدخل تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكان تأويل أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب،فقال:أحسنت يا موسى ارفع إلينا حوائجك،فقلت:أن تأذن لي بالرجوع إلى حرم جدّي،فقال:ننظر إن شاء اللّه (4).

فروي أنّه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنّه توفّى عنده.

[في]كتاب قضاء حقوق المؤمنين قال:استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم عليه السّلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له فقال:لا تفعل فإنّ لنا بك انسا و لإخوانك بك عزّا و عسى8.

ص: 299


1- -سورة الأنفال:72.
2- -سورة الأنعام:84-85.
3- -سورة آل عمران:61.
4- -بحار الأنوار:129/48.

أن يجبر اللّه بك كسرا و يكسر بك نايرة المخالفين عن أوليائه،يا عليّ كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم اضمن لي واحدة و أضمن لك ثلاثا؛اضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائك إلاّ قضيت حاجته و أكرمته و اضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبدا و لا ينالك حدّ سيف أبدا و لا يدخل الفقر بيتك أبدا،يا عليّ من سرّ مؤمنا فباللّه بدأ و بالنبيّ صلّى اللّه عليه و اله ثنا و بنا ثلث.

أقول: في حديث آخر ضمن له الجنّة (1).

[في]المناقب:لمّا بويع محمّد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل و قال:إنّ إخلاص أبيك و أخيك فينا أظهر من الشمس و حالك عندي موقوف،فقال:أفديك بالمال و النفس،فقال هذا لسائر الناس،قال:أفديك بالروح و المال و الأهل و الولد،فلم يجبه المهدي،قال:أفديك بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين،فقال:للّه درّك فعاهده على ذلك و أمره بقتل الكاظم عليه السّلام في السجن بغتة فنام فرأى في منامه عليّا عليه السّلام يشير إليه و يقرأ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (2)فانتبه مذعورا و نهى حميدا عمّا أمره و أكرم الكاظم و وصله (3).6.

ص: 300


1- -بحار الأنوار:136/48 ح 10.
2- -سورة محمد:22.
3- -المناقب:418/3،و مدينة المعاجز:426/6.

حديث الصورة

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:كان يتقدّم الرشيد إلى خدمه:إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه و كانوا يهمّون به فيتداخلهم من الهيبة،فلمّا طال ذلك أمرهم بتمثال من خشب و جعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر و كانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين فكانوا يفعلون ذلك أبدا،فلمّا كان في بعض الأيّام جمعهم في الموضع و هم سكارى و أخرج سيّدي إليهم فلمّا بصروا به همّوا به على رسم الصورة فلمّا علم منهم ما يريدون كلّمهم بالخزرية و التركية فرموا من أيديهم السكاكين و وثبوا إلى قدميه فقبّلوها و تضرّعوا إليه و تبعوه و شيّعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه،فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا:إنّ هذا الرجل يصير إلينا في كلّ عام فيقضي أحكامنا و يرضي بعضنا عن بعض و نستسقي به إذا قحط بلدنا و إذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه فعاهدهم أن لا يأمرهم بذلك فرجعوا (1).

و عن أيّوب الهاشمي:أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له نقيع الأنصاري و حضر موسى بن جعفر عليه السّلام على حمار له فتلقّاه الحاجب بالإكرام،فقال الأنصاري:من هذا الشيخ؟قال:موسى بن جعفر،قال:إن خرج لأسوءنّه،فقال له عبد العزيز:لا تفعل فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم في الخطاب إلاّ و سموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر،قال:و خرج موسى و أخذ الأنصاري بلجام حماره و قال:من أنت يا هذا؟ قال:إن كنت تريد النسب أنا ابن محمّد حبيب اللّه بن إسماعيل ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه،و إن كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللّه على المسلمين و عليك إن كنت منهم الحجّ إليه،و إن كنت تريد المفاخرة فو اللّه ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفّاء لهم حتّى قالوا؛يا محمّد اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش،و إن كنت تريد الاسم و الصيت فنحن الذين أمر اللّه بالصلاة علينا في الصلوات المفروضات بقول:اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد،خل عن الحمار،فخلّى عنه و يده ترعد فانصرف مخزى،فقال له عبد العزيز:ألم أقل لك (2).

ص: 301


1- -مدينة المعاجز:426/6،و بحار الأنوار:140/48.
2- -بحار الأنوار:144/48 ح 19.

حدود فدك و الجمع بينها

و في كتاب أخبار الخلفاء:أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر:حدّ فدك حتّى أردّها عليك فيأبى حتّى ألحّ عليه فقال عليه السّلام:لا أحدّها إلاّ بحدودها قال:و ما حدودها؟قال:إن حدّدتها لم تردّدها قال:بحقّ جدّك ألا فعلت،قال:أمّا الحدّ الأوّل فعدن فتغيّر وجه الرشيد قال:و الحدّ الثاني سمرقند فاغبر وجهه،قال:و الحدّ الثالث افريقية فاسودّ وجهه قال:و الرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر و أرمينيّة.قال الرشيد:فلم يبق لنا شيء فتحوّل إلى مجلسي،قال موسى عليه السّلام:قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها فعند ذلك عزم على قتله (1).

و في رواية ابن أسباط أنّه قال:أمّا الحدّ الأوّل فعريش مصر و الثاني دومة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال:هذا كلّه هذه الدّنيا فقال عليه السّلام:هذا كان في أيدي اليهود فأفاءها اللّه على رسوله بلا خيل و لا ركاب و أمره اللّه أن يدفعه إلى فاطمة عليها السّلام.

أقول: المشهور في التحديد هو الثاني و لعلّ التحديد الأوّل إشارة إلى أنّ تلك البلدان الكثيرة حكمها حكم فدك في أنّها مال أولاد فاطمة الأئمّة عليهم السّلام لأنّها فتحت في أعصار الخلفاء المتقدّمين (2).

[في]كتاب نزهة الكرام و بستان العوام لمحمّد بن الحسين الرازي:روى أنّ الرشيد أرسل إلى موسى بن جعفر عليه السّلام فلمّا حضر عنده قال:إنّ الناس ينسبونكم يا أبن فاطمة إلى علم النجوم،و فقهاء العامّة يقولون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إذا ذكر أصحابي فاسكتوا و إذا ذكر القدر فاسكتوا و إذا ذكر النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذرّيته الأئمّة كانوا عارفين بها،فقال له موسى عليه السّلام:هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه و اللّه تعالى قد مدح النجوم و لولا أنّ النجوم صحيحة لما مدحها اللّه عزّ و جلّ، و الأنبياء عليهم السّلام كانوا عالمين بها و قد قال اللّه سبحانه في حقّ إبراهيم: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ

ص: 302


1- -المناقب:435/3،و بحار الأنوار:200/29.
2- -المناقب:435/3،و بحار الأنوار:201/29.

مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1) .

و قال: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (2)فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال:إنّي سقيم،و إدريس عليه السّلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و اللّه تعالى أقسم بمواقع النجوم و نحن نعرف هذا العلم،فقال له هارون:يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهّال و عوام الناس حتّى لا يشنّعوا عليك به و بحقّ قرابتك من رسول اللّه،أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك؟لأنّك تعرف هذا من علم النجوم،فقال عليه السّلام:أنا أموت قبلك و وفاتي قريب،فقال هارون:قد بقي مسألة اخرى خبرني أنّكم تقولون:إنّ جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا و أنّكم تقولون من يكون لنا عليه حقّ و لا يوصله إلينا فليس بمسلم،فقال عليه السّلام:كذب الذين زعموا أنّنا نقول ذلك و إذا كان الأمر كذلك فكيف يصحّ البيع و الشراء عليهم و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم و نشتري المملوك و نقول له:يا بني و للجارية يا أبنتي،فلو أنّهم عبيد و جواري ما صحّ البيع و الشراء و هذا الذي سمعته دعوى باطلة،و لكن نحن ندّعي ولاء جميع الخلائق لنا يعني ولاء الدين و هؤلاء الجهّال يظنّونه ولاء الملك و نحن ندّعي ذلك لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم غدير خمّ:«من كنت مولاه»فعليّ مولاه و ما كان يطلب بذلك إلاّ ولاء الدّين و الذي يوصلونه إلينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا،و أمّا الغنائم و الخمس بعد موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقد منعونا ذلك و نحن محتاجون إلى ما في أيدي بني آدم الذين لنا ولاءهم بولاء الدّين ليس بولاء الملك،فإن أنفد إلينا أحد هدية و لا يقول إنّها صدقة نقبلها لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:«لو دعيت إلى كراع لأجبت»و لو اهدي إليّ كراع لقبلت.

و الكراع اسم القرية و الكراع يد الشاة و ذلك سنّة إلى يوم القيامة،ثمّ إنّ هارون أذن له في الانصراف فتوجّه إلى الرقّة،ثمّ تقوّلوا عليه أشياء فاستعاده هارون و أطعمه السمّ فتوفّى صلّى اللّه عليه (3).

أقول: قوله:إذا ذكر أصحابي فاسكنوا(بالنون)أي اسكنوا إلى قولهم أو اسكنوا عن4.

ص: 303


1- -سورة الأنعام:75.
2- -سورة الصافات:88-89.
3- -فقه الصادق:162/16،و منهاج الفقاهة:276/4.

الكلام فيهم،و الأوضح أنّه با(لتاء)المثنّاة مثل الأخيرين،و قد وضعوا هذا الحديث لعجزهم عن الجواب في السؤال الوارد عليهم بحروب الصحابة مع أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّه يلزمهم أنّ أحدهم محقّ و الآخر مبطل و لا يقولون إنّ عليّا عليه السّلام مبطل لأنّه خلاف البراهين القاطعة و لا يذهبون إلى محاربة مبطل لأنّه خلاف المذهب،و إنّما يقبلون بهذا الحديث و أمثاله و يقولون.

و أمّا عن حروب الصحابة فلا نتكلّم فيه و هم أعرف بما فعلوا و بعضهم لمّا حاول الجواب أجاب،أمّا عن حروب البصرة فبأنّ الزبير خرج من المعركة و قتل من غير حرب و أمّا طلحة فقد بايع لمّا أشرف على الموت و السهام في بدنه.

و أمّا عائشة فقد تابت و ندمت على ما فعلت.

و أمّا حروب صفّين فالجمهور منهم على أنّهما محقّان في تلك الحروب و قد اجتهدا فيه إلاّ أنّ عليّا عليه السّلام كان اجتهاده صوابا و معاوية كان اجتهاده خطأ و المجتهد المخطئ لا عقاب عليه بل هو مثاب في الجملة و إن لم يكن على حدّ المصيب و هذا كلّه ظاهر البطلان كما اعترف به جماعة منهم و قد تقدّم الكلام فيه.

و أمّا ما دلّ عليه هذا الحديث من حقّية علم النجوم و أنّه من العلوم السماوية و من جملة علوم الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الامّة.نعم،وقع الخلاف في جواز تعلّمه و تعليمه و النظر في أحكامه و العمل بما أدّت إليه فأكثر الأخبار دالّة على النهي عن ذلك حتّى أنّه قال أمير المؤمنين عليه السّلام فيما تواتر عنه:المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا على اسم اللّه.

و ذكر بعض المحقّقين:أنّه يجوز أن تكون العلّة فيه رعاية احترام معجزات الأنبياء و كرامات الأولياء لئلا تستحقر في أنظار العوام،لأنّ المنجّم يشاركهم في الأخبار بالمغيبات و جماعة من أصحابنا جمعوا بين الأخبار بحمل ما دلّ على النهي على اعتقاد تأثيرها في هذا العالم كما يقوله كثير من أهل النجوم،أمّا اعتقاد أنّها علامات على أوضاع مخصوصة جعلها اللّه سبحانه بقدرته أسبابا خاصّة على مسبّبات خاصّة،فلا حرج فيه و لا منع منه و الاحتياط في الدّين يقتضي الإعراض عن هذا العلم رأسا إلاّ ما رخّص فيه ممّا يهتدى به في برّ أو بحر و معرفة برج العقرب و نحو ذلك ممّا وردت به الأخبار.

ص: 304

و أمّا قوله عليه السّلام:إنّ لنا ولاء الدّين لا ولاء الملك،فهذا هو المعروف من المذهب و قد سبق في تضاعيف أبواب هذا الكتاب أنّ لهم عليهم السّلام ولاء الملك و أنّهم أحقّ من الناس بأنفسهم و أموالهم و ذراريهم و أنّ طاعتهم على الخلق أشدّ من الذي أوجبه اللّه على العبيد بالنسبة إلى مواليهم،فيكون هذا الحديث محمولا على التقية كما هو الظاهر منه.

[في]المهج قال أبو الوضّاح:حدّثني أبي قال:كان جماعة من خاصّة الكاظم عليه السّلام من أهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه و معهم في أكمامهم ألواح أبنوس لطاف و أميال،فإذا نطق أبو الحسن عليه السّلام بكلمة و أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك (1).

و فيه أيضا قال الفضل بن الربيع:سكر الرشيد يوما فاستدعى حاجبه و قال له:امض إلى عليّ بن موسى الرضا و اخرجه من الحبس و ألقه في بركة السباع و قال:لئن لم تلقه لألقينّك عوضه،قال:فمضيت إليه و قلت له:إنّ أمير المؤمنين أمرني بكذا و كذا.

قال:افعل و أقبل بهذه العوذة و هو يمشي إلى أن انتهيت إلى البركة ففتحت بابها و أدخلته فيها و فيها أربعون سبعا و عندي من الغمّ و القلق أن يكون قتل مثله على يدي،فلمّا انتصف الليل أتاني خادم الرشيد فصرت إليه فقال:لعلّي أخطأت البارحة فإنّي رأيت مناما هالني و ذلك إنّي رأيت جماعة من الرجال في أيديهم السلاح دخلوا عليّ و في أوسطهم رجل كأنّه القمر فقيل لي:هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فتقدّمت إليه لأقبّل قدميه فصرفني عنه و قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (2)ثمّ حوّل وجهه و انتبهت مذعورا،فقلت:إنّك أمرتني أن ألقى علي بن موسى للسباع و قد ألقيته.

فقال:امض و انظر ما حاله،فرأيته قائما يصلّي و السباع حوله فأخبرته فلم يصدّقني فمضى معي فشاهده في تلك الحال،فقال:السلام عليك يا ابن عمّ،قال:و عليك السلام يابن عمّ قال:أقلني فإنّي معتذر إليك،قال:قد نجّانا اللّه تعالى بلطفه ثمّ أمر بإخراجه فعانقه و حمله إلى مجلسه و سيّره إلى المدينة فقلت:يا سيّدي إن رأيت أن تطول عليّ بالعوذة، قال:فاحتفظ بها فكتبتها في دفتر و شددتها في منديل في كمّي فما دخلت على الرشيد إلاّ2.

ص: 305


1- -الأنوار البهية:187،و بحار الأنوار:153/48.
2- -سورة محمد:22.

ضحك إليّ و قضى حوائجي،و لا سافرت إلاّ كانت حرزا و أمانا من كلّ مخوف،و لا وقعت في شدّة إلاّ دعوت اللّه بها ففرّج عنّي ثمّ ذكرها و هي في ذلك الكتاب.

و قال السيّد رحمه اللّه:لربّما كان هذا الحديث عن الكاظم عليه السّلام لأنّه كان محبوسا عند الرشيد،لكنّي ذكرت هذا كما وجدته،انتهى ملخّصا (1).

و عن علي بن يقطين قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:ما تقول في أعمال هؤلاء؟قال:

إن كنت لابدّ فاعلا فاتّق أموال الشيعة.

قال إبراهيم بن أبي محمود:فأخبرني علي أنّه كان يأخذها من الشيعة علانية و يردّها عليهم في السرّ (2).2.

ص: 306


1- -بحار الأنوار:155/48،و وفيات الأئمة:284.
2- -الكافي:110/5،و جواهر الكلام:194/22.

الفصل الثاني

اشارة

في أحوال عشائره و أصحابه عليه السلام

و في إحتجاجات هشام بن الحكم

[عن]الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال:رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادّا يديه إلى السماء و دموعه تسيل على خدّه حتّى تبلغ الأرض،فلمّا انصرف الناس قلت له:يا أبا محمّد ما رأيت موقفا أحسن من موقفك،قال:

و اللّه ما دعوت إلاّ لاخواني.

و في ذلك:أنّ موسى بن جعفر عليه السّلام أخبرني أنّه من دعى لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف مثله،فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونه لواحد لا أدري يستجاب أم لا (1).

أقول: ورد في قبول دعاء المؤمن لأخيه:أنّ المدعو له لم يعص اللّه تعالى بلسان الداعي و إنّما عصاه بلسانه و الذنوب هي الحائلة في قبول الدعاء.

[في]المهج،قال أبو الوضّاح أخبرني أبي قال:لمّا قتل الحسين بن علي صاحب فخ و هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن[بن الحسن] (2)بفخ و تفرّق الناس عنه حمل رأسه و الأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي-يعني به الهادي الخليفة-قبل الرشيد و هو أخوه الأكبر قتل جماعة من ولد أمير المؤمنين عليه السّلام و جعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر عليه السّلام فنال منه و قال:و اللّه ما خرج حسين إلاّ عن أمره لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني اللّه إن أبقيت عليه و لولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل لنبشت قبره و أحرقته بالنار.

ص: 307


1- -الكافي:508/2 ح 6،و أمالي الصدوق:540.
2- -زيادة من المصدر.

فقال أبو يوسف القاضي:نساؤه طوالق و عتق جميع ما يملك و عليه المشي إلى بيت اللّه إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج و لا هو مذهب أحد من ولده،و أمّا هذه العصابة من الزيدية فقد خرجوا مع حسين و ظفر بهم أمير المؤمنين و لم يزل يرفق به حتّى سكن غضبه،قال:و كتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام بصورة الأمر،فلمّا ورد الكتاب أحضر أهل بيته و شيعته فاطلعهم على الخبر و قال لهم:ما تشيرون؟قالوا:نشير أنّ تباعد شخصك عن هذا الجبّار فإنّه لا يؤمن شرّه،فتبسّم عليه السّلام ثمّ تمثّل ببيت كعب بن مالك:

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها *** فليطلبن مغالب الغلاّب

ثمّ أقبل على من حضره،فقال:لا تخافوا إنّه لا يرد أوّل كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي و حرمة هذا القبر مات في يومه هذا سأخبركم بذلك،بينما أنا جالس في مصلاّي بعد فراغي من وردي إذ تنوّمت عيناي فسنح جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي و ذكرت ما جرى منه في أهل بيته و أنا مشفق من غوائله فقال لي:لتطب نفسك يا موسى فما جعل اللّه لموسى عليك سبيلا و قد أهلك اللّه عدوّك فليحسن للّه شكرك،ثمّ استقبل أبو الحسن عليه السّلام القبلة و جعل يدعو و ذكر الدعاء قال:ثمّ قمنا إلى الصلاة و تفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي و البيعة لهارون الرشيد (1).

و في الكافي عن عبد اللّه بن المفضّل قال:لمّا خرج الحسين بن علي المقتول بفخ و احتوى على المدينة دعى موسى بن جعفر عليه السّلام إلى البيعة فأتاه،فقال:يابن عمّ لا تكلّفني ما كلّف ابن عمّك أبا عبد اللّه،فقال له الحسين:إن كرهته لم أحملك عليه،و لما ودّعه قال له أبو الحسن عليه السّلام:يابن عمّ إنّك مقتول فأجد الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيمانا و يسرّون شركا و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أحتسبكم عند اللّه من عصبة،ثمّ خرج الحسين فقتلوا كلّهم.

و لمّا قتل الحسين هذا نعاه الجنّ و رثوه بأبيات (2).

و عن محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال:مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بفخ فنزل فصلّى ركعتين و لمّا صلّى الثانية بكى و هو في الصلاة فبكى الناس و قالوا:بكينا لبكائك يا رسول اللّه قال:نزل8.

ص: 308


1- -أمالي الصدوق:459،و بحار الأنوار:150/48.
2- -الكافي:366/1 ح 18،و بحار الأنوار:161/48.

على جبرئيل لمّا صلّيت الركعة الاولى،فقال لي:يا محمّد إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدين (1).

و عن النضر بن قرواش قال:أكريت جعفر بن محمّد عليه السّلام من المدينة،فلمّا رحلنا من بطن مر،قال لي:إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني فإنّي أخشى أن تغلبني عيني،فلمّا بلغت حركت المحمل فجلس فقال:حلّ محملي فتنحّيت عن الجادّة و أنخت بعيره فتوضّأ و صلّى ثمّ ركب فقلت:جعلت فداك أفهو من مناسك الحجّ؟قال:لا و لكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم في الجنّة (2).

أقول: هذه الأخبار دالّة على أنّهم محقّون في الخروج و إن سبق إليهم نهي من الإمام عليه السّلام فإنّما هو اتّقاء عليهم لعلمه بأنّهم يقتلون و أنّه لا يتمّ لهم الأمر،و حينئذ فالتكلّم في أعراض من خرج من الذرّية العلوية جرأة على اللّه و رسوله و على أهل البيت عليهم السّلام كما تقدّم الكلام فيه.

و روى عن أبي حنيفة قال:أتيت الصادق عليه السّلام لأسأله عن مسائل،فقيل لي:نايم فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيّا جميل المنظر ذا هيئة حسنة قالوا:

هذا موسى بن جعفر فقلت:يا ابن رسول اللّه ما تقول في أفعال العباد ممّن هي؟فجلس ثمّ تربّع و جعل كمّه الأيمن على الأيسر و قال:يا نعمان قد سألت فاسمع و إذا سمعت فعه و إذا وعيت فاعمل:إنّ أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال:

إمّا من اللّه بانفراده أو من اللّه و العبد شركة أو من العبد بانفراده،فإن كانت من اللّه بانفراده فما له سبحانه يعذّب عبده على ما لم يفعله مع عدله و رحمته و حكمته،و إن كانت من اللّه و العبد شركة فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه على ما قد شركه فيه و أعانه عليه فاستحال الوجهان يا نعمان قال:نعم،فقال له:فلم يبق إلاّ أن يكون من العبد على انفراده ثمّ أنشأ يقول شعر:

لم تخل أعمالنا الآتي نرم بها *** إحدى ثلاث خصال حين تبديها

اما تفرّد بارينا بصنعتها *** فيسقط اللوم عنها حين نأتيها8.

ص: 309


1- -مقاتل الطالبيين:290،و شرح الأخبار:328/3.
2- -مقاتل الطالبيين:290،و بحار الأنوار:170/48.

أو كان يشركنا فينا فيلحقه *** ما كان يلحقنا من لايم فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب *** فما الذنب إلاّ ذنب جانيها (1)

أقول: الكلام في أنّ هذا ردّ على أبي حنيفة و جمهور المخالفين القائلين بأنّ أفعال العباد من اللّه تعالى و العبد لا مدخل له في أفعاله،و أمّا أنّه يعذّبه عليها مع أنّها ليست من فعل العبد فاستندوا فيه إلى قوله تعالى: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ و هذه الآية حجّة عليهم و دليل لنا لأنّ قوله تعالى: وَ هُمْ يُسْئَلُونَ يعني عن أفعالهم فدلّ على أنّ لهم أفعالا يسألون عنها فيكون له سبحانه أفعالا و لهم أفعال،و الفرق إنّما هو بالسؤال و عدمه.8.

ص: 310


1- -بحار الأنوار:175/48 ح 18.

حديث الطوسي في قتل العلويّين

[في]عيون الأخبار عن عبيد اللّه النيشابوري قال:كان بيني و بين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة فرحلت إليه في بعض الأيّام فبلغه خبر قدومي فطلبني و عليّ ثياب السفر و ذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر،فلمّا دخلت عليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فجلست و أتي بطشت و ابريق فغسل يديه ثمّ أمرني فغسلت يدي و أحضرت المائدة و ذهب عنّي إنّي صائم و أنّي في شهر رمضان ثمّ ذكرت و أمسكت يدي،فقال لي حميد:ما لك لا تأكل؟فقلت:أيّها الأمير هذا شهر رمضان و ليس بي علّة توجب الإفطار و لعلّ الأمير له عذر في ذلك،أو علّة توجب الإفطار ثمّ دمعت عيناه و بكى فقلت:ما يبكيك؟قال:أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب،فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تنقد و سيفا أخضر مسلولا و بين يديه خادم واقف فلمّا قمت بين يديه قال لي:

كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟فقلت:بالنفس و المال،فأطرق ثمّ أذن لي في الانصراف فلم ألبث في منزلي حتّى عاد الرسول إليّ و قال:أجب أمير المؤمنين،فقلت في نفسي:إنّا للّه أخاف أن يكون قد عزم على قتلي و أنّه لمّا رآني استحيا منّي فعدت إلى بين يديه فرفع رأسه فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد فتبسّم ضاحكا ثمّ أذن في الاصراف،فلمّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليّ فقال:أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه و هو على حاله فرفع رأسه إليّ فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟

فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين فضحك ثمّ قال:خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به هذا الخادم،فأخذ السيف و ناولنيه و جاء إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه و ثلاث بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور و الذوائب شيوخ و كهول و شبّان مقيّدون،فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء و كانوا كلّهم علوية من ولد عليّ و فاطمة عليهما السّلام فجعل يخرج إليّ واحدا بعد

ص: 311

واحد فأضرب عنقه حتّى أتيت على آخرهم ثمّ رمى بأجسادهم و رؤوسهم في تلك البئر ثمّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه عشرون نفسا من العلوية من ولد علي و فاطمة مقيّدون،فقال:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء،فقتلتهم كلّهم و رمى بهم في البئر ثمّ فتح البيت الثالث فإذا فيه عشرون نفسا من ولد علي و فاطمة مقيّدون عليهم الشعور،فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضا فقتلت منهم تسعة عشر و بقي منهم شيخ عليه شعر،فقال لي:تبّا يا مشؤوم أيّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد قتلت من أولاده ستّين نفسا قد ولدهم علي و فاطمة فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي،فنظر إليّ الخادم مغضبا و زبرني فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته و رمى به في تلك البئر،فإذا كان فعلي هذا و قد قتلت ستّين نفسا من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فما ينفعني صومي و صلاتي و أنا لا أشكّ أنّي مخلّد في النار (1).

أقول: هذا الرجل الفاجر ممّن طبع اللّه على قلبه و أغفله عن أنّ التوبة مفتوحة للمذنبين على تعاظم ذنوبهم،و لو أنّه تاب و علم اللّه منه التوبة لكان فيمن يرجى له النجاة لمّا روى أنّ امرأة قتلت ولدها فأتت تائبة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقال لها:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو أنّ رجلا قتل سبعين نبيّا و تاب إلى اللّه تعالى و علم منه التوبة لقبل توبته لكن أمثال هذا الرجل لا يوفّق للتوبة و لذا وقع منه القنوط و الإياس،فعامله اللّه سبحانه معاملة من يظنّ باللّه ظنّ السوء.

و روي أيضا أنّ اللّه سبحانه يقبل الشفاعة و التوبة بمن أتى بذنوب الثقلين ما[عدا] (2)قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب.

[في]كتاب الاختصاص قال أبو حنيفة يوما لموسى بن جعفر عليه السّلام:أخبرني أيّ شيء أحبّ إلى أبيك العود أم الطنبور؟فسأل عن ذلك،فقال:يحبّ عود البخور و يبغض الطنبور.

للكشي عن عمر بن يزيد قال:كان ابن أخي و هو هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم،فسألني أن أدخله على أبي عبد اللّه عليه السّلام ليناظره فاستأذنته عليه السّلام فأذن فقمت و خطوت خطوات و رجعت فذكرت رداءته و خبثه فانصرفت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلامر.

ص: 312


1- -عيون الأخبار:100/2.
2- -زيادة من المصدر.

فحدّثته برداءته و خبثه فقال عليه السّلام:يا عمر تتخوّف عليّ،فخجلت من قولي و علمت أنّي قد عثرت فخرجت مستحثّا لهشام فبادر هشام فدخل عليه فسأله عليه السّلام عن مسألة،فحار فيها هشام و سأله أن يؤجّله فخرج و اضطرب في طلب الجواب أيّاما فلم يقف عليه فرجع فأخبره عليه السّلام بها و سأله عن مسائل اخرى فيها فساد دينه و عقد مذهبه فخرج هشام من عنده مغتّما متحيّرا،قال:فبقيت أيّاما لا أفيق من حيرتي.

قال عمر بن يزيد:فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخلت فقال عليه السّلام:لينتظرني في موضع سمّاه بالحيرة لألتقي معه غدا،فأخبرت هشام فسبقه إلى الموضع ثمّ رأيت هشاما فسألته بعد ذلك فأخبرني أنّه كان في ذلك الموضع فإذا أبو عبد اللّه عليه السّلام على بغلة قال:فلمّا قرب منّي هالني منظره و أرعبني حتّى بقيت لا أجد شيئا أتكلّم به و لا انطلق لساني لمّا أردت مناطقته و وقف عليه السّلام طويلا ينتظر ما اكلّمه و كان وقوفه لا يزيدني إلاّ هيبة و تحيّرا،فلمّا رأى ذلك منّي ضرب بغلته و سار و تيقّنت أنّ ما أصابني من هيبته لم يكن إلاّ من قبل اللّه عزّ و جلّ من عظم موقعه و مكانه من الربّ الجليل.

قال عمر:فانصرف هشام إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و ترك مذهبه و دان بالحقّ وفاق أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام كلّهم.

و اعتلّ هشام بن الحكم علّته التي مات فيها،و كان يقول للأطبّاء:علّتي قرع القلب ممّا أصابني من الخوف و كان قدّم ليضرب عنقه،ففزع قلبه من ذلك حتّى مات (1).2.

ص: 313


1- -الأختصاص:90،و بحار الأنوار:179/48 ح 22.

مناظرات هشام بن الحكم

أقول: الأخبار الواردة في ذمّ هشام و الطعن على مذهبه محمولة على هذا المذهب الذي كان عليه قبل التشيّع مثل ما رواه الصقر بن دلف قال:سألت الرضا عليه السّلام عن التوحيد و قلت له:إنّي أقول بقول هشام بن الحكم فغضب عليه السّلام ثمّ قال:ما لكم و لقول هشام إنّه ليس منّا من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ جسم و نحن منه براء في الدّنيا و الآخرة.

[عن]علي الأسواري قال:كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلّ فرقة و ملّة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم فبلغ ذلك الرشيد،فقال ليحيى:ما هذا المجلس الذي يحضره المتكلّمون؟

فقال:يا أمير المؤمنين ما عندي أحسن منه و أنّه يحضره كلّ قوم مع اختلاف مذاهبهم و يعرف المحقّ منهم،فقال الرشيد:أحبّ أن أحضر هذا المجلس و أسمع كلامهم من غير أن يعلموا بحضوري و لا يظهرون مذاهبهم،فبلغ الخبر إلى المعتزلة فتشاوروا في ما بينهم و عزموا أن لا يكلّموا هشاما إلاّ في الإمامة لعلمهم بإنكار الرشيد على من قال بالإمامة فحضروا و حضر هشام و حضر عبد اللّه بن يزيد الأباضي و كان من أصدق الناس لهشام و شريكا له في التجارة،فلمّا دخل سلّم على عبد اللّه بن يزيد من بينهم،فقال يحيى لعبد اللّه:

كلّم هشاما و ما اختلفتم فيه من الإمامة،فقال هشام:أيّها الوزير ليس لهم علينا جواب و لا مسألة،هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ثمّ فارقونا بلا علم و لا معرفة،فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقّ و لا حين فارقونا علمونا على ما فارقونا فليس لهم علينا مسألة و لا جواب،فقال بيان،و كان من الحرورية:أنا أسألك يا هشام أخبرني عن أصحاب علي يوم حكّموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟

قال هشام:كانوا ثلاثة أصناف صنف مؤمنون و صنف مشركون و صنف ضلاّل،فأمّا المؤمنون،فمن قال مثل قولي الذين قالوا إنّ عليّا إمام من عند اللّه و معاوية لا يصلح لها فآمنوا بما قال اللّه عزّ و جلّ في عليّ و أقرّوا به.

ص: 314

و أمّا المشركون،فقوم قالوا علي إمام و معاوية يصلح لها فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع عليّ.

و أمّا الضلاّل فقوم خرجوا على الحمية و العصبية للقبائل و العشائر لم يعرفوا شيئا من هذا و هم جهّال،قال:و أصحاب معاوية ما كانوا؟

قال:كانوا ثلاثة أصناف؛صنف كافرون و صنف مشركون و صنف ضلاّل؛فأمّا الكافرون فالذين قالوا:إنّ معاوية إمام و علي لا يصلح لها فكفروا من جهتين:

أن جحدوا إماما من اللّه و نصبوا إماما ليس من اللّه.

و أمّا المشركون فقوم قالوا:معاوية إمام و علي يصلح لها،فأشركوا معاوية مع علي، و أمّا الضلاّل:فعلى سبيل ذلك خرجوا للحمية و العصبية للقبائل و العشائر،فانقطع بيان عند ذلك فقال ضرار:أنا أسألك يا هشام في هذا،فقال هشام:أخطأت لأنّكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي و قد سألني هذا عن مسألة و ليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليّ حتّى أسألك يا ضرار عن مذهب في هذا الباب،قال ضرار:فسل،قال نقول:إنّ اللّه عدل لا يجور،قال:

نعم.

قال:فلو كلّف الأعمى قراءة المصاحف و الكتب أتراه كان عادلا أم جائرا؟قال:لو فعل ذلك لكان جائرا قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ كلّف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه و لا يقبل لهم إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم قال:بلى قال:فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدّين أو كلّفهم ما لا دليل على وجوده فيكون بمنزلة الأعمى قراءة الكتب،فسكت ضرار ساعة ثمّ قال:لابدّ من دليل و ليس بصاحبك،قال:فضحك هشام و قال:تشيّع شطرك و صرت إلى الحقّ ضرورة و لا خلاف بيني و بينك إلاّ في التسمية،قال ضرار:فإنّي أرجع إليك في هذا القول،قال:هات،قال ضرار:و كيف تعقد الإمامة على عليّ؟قال هشام:كما عقد اللّه النبوّة،قال:فإذا هو نبي.

قال هشام:لا،لأنّ النبوّة يعقدها أهل السماء و الإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوّة بالملائكة و عقد الإمامة بالنبي و العقدان جميعا بإذن اللّه عزّ و جلّ،قال ضرار:فما الدليل على ذلك؟

قال هشام:الاضطرار،لأنّ الكلام في هذا لا يخلو من أحد ثلاثة وجوه:

ص: 315

إمّا أن يكون عزّ و جلّ رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلّى اللّه عليه و اله فلم يأمرهم و لم ينهاهم و صاروا بمنزلة البهائم التي لا تكليف عليها،أتقول هذا يا ضرار؟قال:لا أقول هذا.

قال هشام و الوجه الثاني:ينبغي أن يكون الناس المكلّفون قد استحالوا بعد الرسول علما في مثل حدّ الرسول في العلم حتّى لا يحتاج أحد إلى أحد فيكونوا كلّهم قد إستغنوا بأنفسهم و أصابوا الحقّ الذي لا اختلاف فيه،أتقول هذا يا ضرار.

قال:لا أقول هذا قال:فبقي الوجه الثالث:و هو أنّه لابدّ لهم من علم يقيمه الرسول لهم لا يسهو و لا يغلط و لا يحيف معصوم من الذنوب يحتاج إليه و لا يحتاج إلى أحد،قال:

فما الدليل عليه.

قال هشام:ثمان دلالات أربع في نعت لنسبه و أربع في نعت نفسه؛فأمّا الأربع التي في نعت نسبه بأن يكون معروف الجنس معروف القبيلة معروف البيت و أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إليه إشارة،فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملّة و الدعوة الذي ينادى باسمه في كلّ يوم خمس مرّات على الصوامع:

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّد رسول اللّه،فتصل دعوته إلى كلّ برّ و فاجر و عالم و جاهل و مقرّ و منكر في شرق الأرض و غربها.

و لو جاز أن يكون الحجّة من اللّه على هذا الخلق من غير هذا الجنس لأتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده و لجاز أن يطلبه في أجناس هذا الخلق من العجم و غيرهم و كان من حيث أراد اللّه صلاحا أن يكون فسادا و لا يجوز هذا في حكم اللّه تعالى و عدله أن يفرض على الناس فريضة لا توجد،فلمّا لم يحز ذلك إلاّ أن يكون في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الدعوة لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملّة و هي قريش،و لمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلاّ في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملّة و الدعوة،و لمّا كثر من أهل هذا البيت و تشاجروا في الإمامة لعلوّها و شرفها ادّعاها كلّ واحد منهم فلم يجز إلاّ أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إليه إشارة بعينه و اسمه و نسبه لئلاّ يطمع فيها غيره.

و أمّا الأربع التي في نعت نفسه فبأن يكون أعلم الناس كلّهم بفرائض اللّه و أحكامه حتى لا يخفى عليه منها دقيق و لا جليل،و أن يكون معصوما من الذنوب كلّها،و أن يكون

ص: 316

أشجع الناس،و أن يكون أسخى الناس.

قال:من أين قلت إنّه أعلم الناس؟قال:لأنّه إن لم يكن عالما بجميع أحكام اللّه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود،فمن وجب عليه القطع حدّه و من وجب عليه الحدّ قطعه فلا يقيم حدّ اللّه على ما أمره به فيكون من حيث أراد اللّه صلاحا أن يكون فسادا.

قال:فمن أين قلت إنّه معصوم من الذنوب؟

قال:لأنّه إن لم يكن معصوما دخل في الخطأ،فلا يؤمن أن يكتم على نفسه و يكتم على حميمه و قريبه و لا يحتج اللّه عزّ و جلّ بمثل هذا على خلقه.

قال:فمن أين قلت:إنّه أشجع الناس؟

قال:لأنّه فئة للمسلمين الذين يرجعون إليه في الحروب و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ (1)فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من اللّه حجّة للّه على خلقه.

قال:فمن أين قلت:إنّه أسخى الناس؟قال:لأنّه خازن المسلمين فإن لم يكن سخيّا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها فكان خائنا،و لا يجوز أن يحتجّ اللّه على خلقه بخائن.

قال ضرار:فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟

فقال صاحب القصر أمير المؤمنين-يعني الرشيد-و كان هارون قد سمع الكلام كلّه قال فعند ذلك قال:أعطانا و اللّه من جراب النورة،ويحك يا جعفر من يعني بهذا؟

قال:يعني موسى بن جعفر قال:ما عنى بها غير أهلها ثمّ عضّ على شفته،و قال:

مثل هذا حي و يبقى لي ملكي ساعة واحدة،فو اللّه للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف و علم يحيى أنّ هشاما قد هلك ثمّ خرج إلى هشام فغمزه فعلم هشام أنّ الرشيد يريد قتله فقام كأنّه يقضي حاجة و انسل و مرّ بأولاده و أمرهم بالتواري و هرب إلى الكوفة و نزل على بشير النبّال فأخبره الخبر ثمّ اعتلّ علّة شديدة،فلمّا حضره الموت قال لبشير:إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة و اكتب رقعة و قل:هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه.

و كان هارون قد بعث إلى إخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به،فلمّا أصبح أهل الكوفة6.

ص: 317


1- -سورة الأنفال:16.

رأوه و حضر القاضي و العامل و المعدلون بالكوفة و كتبوا إلى الرشيد بذلك.

فقال:الحمد للّه الذي كفانا أمره فخلى عمّن كان أخذ به. (1)

أقول: مناظرات هشام كثيرة مع أهل الخلاف مذكورة في محالّها.8.

ص: 318


1- -كمال الدين:364،و بحار الأنوار:199/48.

الفصل الثالث

اشارة

في شهادته و ما تقدّمها من أحوال حبسه عليه السلام

و إبطال مذهب الواقفة بعد موته عليه السّلام

[في]المصباح:في الخامس و العشرين من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام (1).

[في]الكافي:قبض عليه السّلام لستّ خلون من رجب من سنة ثلاث و ثمانين و مائة و هو ابن أربع أو خمس و خمسين سنة،و قبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك.

و كان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوّال سنة تسع و سبعين و مائة، و قد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ثمّ شخص هارون إلى الحجّ و حمله معه ثمّ انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر ثمّ أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك،فتوفّى عليه السّلام في حبسه و دفن ببغداد في مقبرة قريش.

أقول: الذين سعوا بموسى بن جعفر عليه السّلام إلى الرشيد جماعة منهم يحيى بن خالد البرمكي و كان أشدّهم عليه،و منهم عليّ بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السّلام و ذلك أنّ يحيى ابن خالد أعطاه مالا على إظهار حال عمّه عليه السّلام فأظهر له أنّ الشيعة تعطيه الأموال و تسلّم عليه بالإمامة و الخلافة و بلّغه إلى هارون،و منهم أخوه محمّد بن جعفر (2).

روى الصدوق طاب ثراه في عيون الأخبار عن علي بن جعفر قال:جاء محمّد بن إسماعيل بن جعفر و ذكر لي أنّ محمّد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلّم عليه بالخلافة.

ثمّ قال له:ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلّم

ص: 319


1- -مصباح المجتهد:812،و بحار الأنوار:206/48 ح 1.
2- -الكافي:476/1،و بحار الأنوار:206/48 ح 2.

عليه بالخلافة،و ممّن سعى بموسى عليه السّلام يعقوب بن داود و كان يرى رأي الزيدية (1).

و روى ابن بابويه طاب ثراه عن إبراهيم بن أبي البلاد عن يعقوب بن داود:أنّه أخبره في الليلة التي أخذ في صبيحتها موسى بن جعفر قال:كنت عند الوزير يحيى بن خالد فحدّثني أنّه سمع الرشيد يقول عند رسول اللّه كالمخاطب له:بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه إنّي أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه إنّي أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأنّي خشيت أن يلقى بين امّتك حربا يسفك فيها دماءهم و أنا أحسب أنّه سيأخذه غدا،فلمّا كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع و هو قائم في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأمر بالقبض عليه و حبسه (2).

و في عيون الأخبار عن الفضل بن الربيع قال:كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري،فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك،فإذا مسرور الكبير قد فتح الباب و دخل علي،فقال لي:أجب و لم يسلّم عليّ،فيأست من نفسي و قلت:

ما هو إلاّ القتل و كنت جنبا،فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتّى أغتسل فأتيت فسلّمت على الرشيد و هو في مرقده فردّ عليّ السلام فسقطت فقال:تداخلك رعب؟قلت:نعم،فقال:

صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر و ادفع إليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع و احمله على ثلاثة مراكب و خيّره بين المقام عندنا أو الرحيل أين شاء،فقلت:تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ثلاثا؟

فقال لي:نعم أتريد أن أنكث العهد؟فقلت:و ما العهد؟قال:بينا أنا في مرقدي هذا إذ وثب عليّ أسود ما رأيت أعظم منه فقعد على صدري و قبض على حلقي و قال:حبست موسى بن جعفر ظالما له؟فقلت:أطلقه و أخلع عليه،فأخذ عليّ عهد اللّه عزّ و جلّ و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج فوافيت موسى بن جعفر و هو في حبسه قائما يصلّي و أعلمته بالذي أمرني به الرشيد،فقال:إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله، فقلت:لا و حقّ جدّك رسول اللّه،فقال:لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال إذا كانت فيه حقوق الأمة.3.

ص: 320


1- -عيون أخبار الرضا:73/2 ح 3،و بحار الأنوار:21/48،و مسائل علي بن جعفر:315.
2- -حياة الأمام الرضا:79/1،و بحار الأنوار:213/48 ح 13.

فقلت:ناشدتك باللّه ألا تردّه فيغتاظ.

فقال:اعمل ما أحببت فأخرجته من السجن.

أقول: ثمّ علّمه الدعاء و العمل الذي عمله حتّى جاء الأسود إلى هارون.

و في ذلك الكتاب أيضا عن الفضل بن الربيع قال:كنت أحجب الرشيد فأقبل عليّ يوما غضبانا و بيده سيف يقلّبه،فقال:يا فضل بقرابتي من رسول اللّه لئن لم تأتني بموسى بن جعفر لأقتلنّك.

فقلت:أفعل،ثمّ قال:ائتني بسوطين و جلاّدين،فأتيته بذلك و مضيت إلى منزل موسى عليه السّلام فأتيت إلى كوخ من جرائد النخل في خربة،فإذا بغلام أسود فقلت:استأذن لي على مولاك فقال لي:ادخل ليس له حاجب و لا بوّاب،فدخلت عليه فإذا بغلام أسود بيده مقصّ يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة السجود فقلت:السلام عليك يابن رسول اللّه أجب الرشيد فقال:ما للرشيد،و مالي أما تشغله نعمته عنّي،فقام مسرعا فقلت له:

استعدّ للعقوبة فقال:أليس معي من يملك الدّنيا و الآخرة و لم يقدر اليوم على سوء بي إن شاء اللّه تعالى،فرأيته قد دار يده يلوّح بها على رأسه ثلاث مرّات فدخلت على الرشيد فإذا هو كأنّه امرأة ثكلى قائم حيران فلمّا رآني قال:جئتني بابن عمّي؟قلت:نعم،قال:لا تكون أزعجته؟

قلت:لا.

قال:إنّي هيّجت على نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول،فلمّا دخل عليه وثب إليه قائما و عانقه و قال:مرحبا بابن عمّي و أخي و وارث نعمتي ثمّ أمر بالطيب فطيّبه و أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير،فقال عليه السّلام:لولا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثمّ تولّى و هو يقول:الحمد للّه ربّ العالمين،فقال الفضل:يا أمير المؤمنين أردت تعاقبه فخلعت عليه فقال:يا فضل إنّك لمّا خرجت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون:إن آذى ابن رسول اللّه خسفنا به و إن أحسن إليه انصرفنا عنه،فتبعته عليه السّلام فقلت:ما الذي قلت حتّى كفيت أمر الرشيد؟

فقال:دعاء جدّي علي بن أبي طالب عليه السّلام كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلاّ هزمه

ص: 321

و لا إلى فارس إلاّ قهره و هو دعاء كفاية البلاء،قلت:و ما هو؟قال:قلت:اللّهم بك اساور و بك احاول و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا،أسلمت نفسي إليك و فوّضت أمري إليك لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،اللّهم إنّك خلقتني و رزقتني و سترتني و عن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني،و إذا هويت رددتني و إذا عثرت قوّمتني و إذا مرضت شفيتني و إذا دعوت أجبتني،يا سيّدي ارض عنّي فقد أرضيتني (1).

أقول: و روى أنّه قبض على موسى بن جعفر عليه السّلام عند رأس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و هو قائم يصلّي،فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول:إليك أشكو ما ألقى يا رسول اللّه،و أقبل الناس من كلّ جانب يبكون و يضجّون،فلمّا حمل إلى ما بين يدي الرشيد شتمه و جفاه و لمّا جنّ عليه الليل أرسله في قبّة خفية إلى البصرة مع حسّان السروري و وجّه قبّة اخرى علانية نهارا إلى الكوفة معها جماعة ليعمى على الناس أمر موسى عليه السّلام فقدم حسّان البصرة فدفعه إلى عيسى بن جعفر و كان أميرها دفعه علانية حتّى شاع أمره،فحبسه عيسى في بيوت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه و أقفل عليه و شغله عنه العيد لأنّه أدخل التروية بيوم فكان لا يفتح عنه الباب إلاّ في حالتين:حال يخرج فيها إلى الطهور،و حال يدخل إليه فيها الطعام،فما مضت إلاّ أيّام يسيرة حتّى حمل عليه السّلام سرّا إلى بغداد و حبس ثمّ أطلق ثمّ حبس لدى السندي بن شاهك فحبسه و ضيّق عليه ثمّ بعث إليه الرشيد بسمّ في رطب و أمره أن يقدّمه إليه و يحتم عليه في الأكل منه،ففعل فمات عليه السّلام.

[في]عيون الأخبار عن عمر بن واقد:أنّ الرشيد لمّا ضاق صدره ممّا كان يظهر له من فضل موسى عليه السّلام و ما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته و اختلافهم إليه سرّا خشية على نفسه و ملكه،ففكّر في قتله بالسمّ فدعا برطب و أكل منه ثمّ أخذ صينيّة فوضع فيها عشرين رطبة و أخذ خيطا فدلكه بالسمّ و أدخله في سمّ الخياط و أخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل الردد إليه ذلك السمّ بذلك الخيط حتّى علم أنّه قد حصل السمّ فيها،فاستكثر منه ثمّ ردّها في ذلك الرطب و قال لخادم له:احمل هذه الصينيّة إلى موسى بن جعفر و قل له:إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب و تنغص لك به و هو يقسم عليك بحقّه لما أكلتها عن آخر رطبة فإنّي اخترتها لك بيدي و لا تتركه يبقي منه شيئا و لا يطعم منها أحدا،فأتاه الخادم بها و أبلغه6.

ص: 322


1- -عيون أخبار الرضا:76/2،و مدينة المعاجز:320/6.

الرسالة فقال له:ائتني بخلال،فناوله خلالا و هو قائم بإزائه،و كانت للرشيد كلبة تعزّ عليه فجذبت نفسها و خرجت تجرّ سلاسلها من جوهر و ذهبت حتّى حاذت موسى عليه السّلام فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة و رمى بها إلى الكلبة فأكلتها،ثمّ تهرت قطعة قطعة و استوفى باقي الرطب و حمل الغلام الصينيّة و قال:إنّه أكل الرطب عن آخره قال:ما أنكرت عليه شيئا؟

قال:لا ثمّ ورد عليه خبر الكلبة و أنّها ماتت،فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا و وقف على الكلبة فوجدها متهرية بالسمّ،فأحضر الخادم و استخبره فحكى له أنّه رمى بالرطبة إلى الكلبة فأكلتها و أكل هو باقي الرطب.

فقال الرشيد:ما ربحنا من موسى إلاّ انّا أطعمناه جيّد الرطب وضيّعنا سمّنا و قتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة،ثمّ إنّه عليه السّلام دعا بالمسيب و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيّام و كان موكلا به،فقال له:يا مسيب قال:لبّيك يا مولاي قال:إنّي ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأعهد إلى ابني ما عهده أبي إليّ و أجعله وصيّي و خليفتي،قلت:

الأبواب مغلقة و الحرس معي على الأبواب فقال:يا مسيب ضعف يقينك في اللّه عزّ و جلّ و فينا.

فقلت:لا يا سيّدي ادع اللّه أن يثبّتني فقال:اللّهم ثبّته ثمّ قال:ادعوا اللّه باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتّى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل أن يرتدّ إليه طرفه حتّى يجمع بيني و بين ابني عليّ بالمدينة فدعا عليه السّلام،ففقدته عن مصلاّه فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيته قد عاد إلى مكانه و أعاد الحديد إلى رجليه فقال:يا مسبّب إنّي راحل إلى اللّه عزّ و جلّ في ثالث هذا اليوم فبكيت،فقال:لا تبك فإنّ عليّا ابني هو إمامك و مولاك بعدي ثمّ دعاني في الليلة اليوم الثالث،فقال:إنّي على ما عرّفتك من الرحيل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها و ارتفع بطني و اصفرّ لوني و اخضرّ و تلوّن ألوانا فخبّر الطاغية بوفاتي،فإذا رأيت بي هذا الحدث فإيّاك أن تظهر عليه أحدا إلاّ بعد وفاتي فلم أزل أرقب وعده حتّى دعا بالشربة فشربها ثمّ قال:يا مسيب أنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّى غسلي و دفني و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا،فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات و لا

ص: 323

تأخذوا من تربتي شيئا لتتبرّكوا به،فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي بن أبي طالب،فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعلها شفاء لشيعتنا.

قال:ثمّ رأيت شخصا أشبه الأشخاص به عليه السّلام جالسا إلى جانبه و كان عهدي بسيّدي الرضا عليه السّلام و هو غلام فأردت سؤاله،فصاح بي سيّدي موسى عليه السّلام و قال لي:أليس قد نهيتك يا مسيّب،فلم أزل صابرا حتّى مضى و غاب الشخص ثمّ أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك،فو اللّه لقد رأيتهم بعيني و هم يظنّون أنّهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه و يظنّون أنّهم يحنّطونه و يكفّنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا و رأيت ذلك الشخص يتولّى غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم و لا يعرفونه،فلمّا فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص:يا مسيّب مهما شككت فيه فلا تشكّن فيّ،فإنّي إمامك حجّة اللّه عليك بعد أبي، يا مسيّب مثلي مثل يوسف الصدّيق عليه السّلام و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون ثمّ حمل عليه السّلام حتّى دفن في مقابر قريش و لم يرفع قبره أكثر ممّا أمر به،ثمّ رفعوا قبره بعد ذلك و بنوا عليه (1).

أقول: هذا يكشف عن كلية الحديث الوارد بأنّه لا يغسل الإمام إلاّ إمام مثله،و ذلك أنّ علي بن موسى عليه السّلام و إن كان وقت موت أبيه بالمدينة إلاّ أنّه حضر عنده بأن طويت له الأرض بالاسم الأعظم و التقت أرض المدينة و أرض بغداد كما وقع ذلك في إحضار سرير بلقيس،و حينئذ فاستبعاد بعض علمائنا حضور من بالمدينة عند من ببغداد في لحظة واحدة لا وجه له و لا يحتاج إلى تخصيص ذلك الحديث بحالة الإمكان،و سيأتي تمام الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى في أحوال الرضا عليه السّلام لمّا حضر عنده ابنه الجواد بطوس مع أنّه كان بالمدينة.

و عن عمر بن واقد قال:أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني،فلمّا وصلت إليه قال لي:أتعرف موسى بن جعفر؟

فقلت:نعم و بيني و بينه صداقة فقال:من هاهنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله؟ فسمّيت له أقواما فجاء بهم فأصبحنا في الدار نيف و خمسون رجلا فدخل كاتبه و كتب أسماءنا فخرج السندي،فقال لي:قم فدخلنا فقال:اكشف الثوب عن وجه موسى بن7.

ص: 324


1- -عيون أخبار الرضا:96/2،و مدينة المعاجز:109/7.

جعفر،فكشفته فرأيته ميّتا فبكيت و استرجعت ثمّ قال للقوم:انظروا إليه فنظروا ثمّ كشف عن بدنه فقال:أترون به أثرا[تنكرونه] (1)؟قالوا:لا ما نراه إلاّ ميّتا،قال:فلا تبرحوا حتّى تغسلوه و أكفّنه و أدفنه،ففعلنا حتّى دفناه و كان عمر بن واقد يقول:ما أحد أعلم بموسى بن جعفر منّي كيف يقولون إنّه حيّ و أنا دفنته (2).

و عن عبد اللّه الصيرفي قال:توفّى موسى بن جعفر عليه السّلام في يد السندي بن شاهك فحمل على نعش و نودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه،فلمّا أتى به مجلس الجند أقام أربعة نفر فنادوا:ألا من أراد أن يرى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج و خرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط فسمع الصياح،فقال لولده و غلمانه:ما هذا؟ قالوا:السندي بن شاهك ينادي على نعش موسى بن جعفر،فقال لولده و غلمانه:يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد يعني ثيابهم،فلمّا عبروا نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا ثيابهم و وضعوه في مفرق أربعة طرق و أقام المنادي ينادون:

ألا من أراد أن ينظر إلى الطيّب بن الطيّب فلينظر إلى موسى بن جعفر،فخرج الناس فغسّل و خنّط بحنوط فاخر و كفّن بكفن فيه حبرة استعمل له بألفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كلّه و احتفى و مشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه هناك و كتب بخبره إلى الرشيد،فكتب إلى سليمان:وصلتك رحم يا عمّ و أحسن اللّه جزاك و اللّه ما فعل السندي لعنه اللّه ما فعل عن أمرنا (3).

و روي أنّهم لمّا رأوه بعد الموت كان في رجله أثر الحنّاء (4).

أقول: فيه دلالة على جواز كتابة القرآن على الكفن بل استحبابه و لا يقدح في ذلك وضعه على التراب،فإنّ الغرض تحصيل البركة لا الاستحقاق.

[في]المناقب،عن محمّد المهلبي قال:لمّا حبس الرشيد موسى عليه السّلام و أظهر2.

ص: 325


1- -زيادة من المصدر.
2- -الأنوار البهية:200،و بحار الأنوار:226/48.
3- -بحار الأنوار:227/48،و كمال الدين:38.
4- -مستدرك سفينة البحار:444/2.

الدلائل و المعجزات و هو في الحبس تحيّر الرشيد،فقال ليحيى بن خالد البرمكي:يا أبا علي ما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ألاّ تدبّر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمّه.

فقال له يحيى:أرى أن تمنّ عليه و تصل رحمه و كان يحيى يتولاّه و هارون لا يعلم ذلك فقال هارون:انطلق إليه و أطلق عنه الحديد و ابلغه عنّي السلام و قل له:يقول لك ابن عمّك إنّه قد سبق منّي فيك يمين الاّ أخليك حتّى تقرّ لي بالإساءة و تسألني عمّا سلف منك و هذا يحيى وزيري فسله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا.

،فلمّا بلغه يحيى قال له:يا أبا علي أنا ميّت و إنّما بقي من أجلي اسبوع أكتم موتي و أتني يوم الجمعة عند الزوال و صلّ عليّ أنت و أوليائي فرادى فانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقّة و عاد إلى العراق لا يراك و لا تراه و احذر لنفسك فإنّي رأيت في نجمك و نجمه إنّه يأتي عليكم فاحذروه.

ثمّ قال:يا أبا علي ابلغه عنّي يقول لك موسى بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى و ستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي اللّه من الظالم و المتعدّي على صاحبه و السلام،فخرج يحيى من عنده و احمرّت عيناه من البكاء حتّى دخل على هارون فأخبره بقصّته و ما ورد عليه.

فقال هارون لعنه اللّه:إن لم يدع النبوّة بعد أيّام فما أحسن حالنا،فلمّا كان يوم الجمعة توفّى عليه السّلام و قد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك فأخرج إلى الناس حتّى نظروا إليه ثمّ دفن و رجع الناس،فافترقوا فرقتين:فرقة تقول مات و فرقة تقول لم يمت (1).

[في]البصائر،[عن]عبّاد بن سليمان عن سعد بن سعد عن أحمد بن عمر قال:

سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول:إنّي طلّقت امّ فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي بيوم،قلت له:جعلت فداك طلّقتها و قد علمت موت أبي الحسن؟

قال:نعم (2).

أقول: هذا لا يخلو من إشكال و قد ذكر له أهل الحديث وجوها:6.

ص: 326


1- -الغيبة:25،و بحار الأنوار:230/48.
2- -بصائر الدرجات:487،و دلائل الأمامة:370 ح 26.

الأوّل: إنّ هذا الطلاق بعد الموت مبني على أنّ العلم الذي هو مناط الأحكام الشرعية هو العلم الظاهر على الوجه المتعارف.

الثاني: إنّه من خصائصهم عليهم السّلام لإزالة شرف الزوجية كما طلّق أمير المؤمنين عليه السّلام عائشة يوم الجمل لتخرج من عداد امّهات المؤمنين و لعلّه عليه السّلام إنّما طلّقها لعلمه بإرادتها التزويج و لا يمكنه منعها عن ذلك تقيّة،فطلّقها ليجوز لها ذلك.

الثالث: أن يكون المراد من الطلاق هنا معناه اللغوي أي جعلت أمرها إليها تذهب حيث شاءت.

الرابع: إنّه عليه السّلام علم صلاحها في تزويجها قريبا فأخبرها بالموت لتعتدّ عدّة الوفاة و طلّقها ظاهرا لعدم تشنيع العامّة في ذلك.

و في ذلك الكتاب أيضا عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرضا عليه السّلام:الإمام يعلم إذا مات؟

قال:نعم يعلم بالتعليم حتّى يتقدّم في الأمر.

قلت:علم أبو الحسن بالرطب و الريحان المسمومين بعث إليه يحيى بن خالد؟

قال:نعم،قلت:يعلم فيكون معينا؟قال:أنسأه لينفذ فيه الحكم (1).

أقول: ما روي في هذا الخبر يكون وجها للجمع بين ما دلّ على أنّهم عليهم السّلام يعلمون بموتهم و أسبابه مع أنّهم يتعرّضون لها و يفعلونها و بين ما ورد من عدم جواز إلقاء النفس إلى التهلكة،و حاصله أنّه وقت تناول ذلك السبب المؤدّي إلى الهلاك يغفلهم اللّه تعالى و ينسيهم أنّه ذلك السبب حتّى تجري مقادير اللّه سبحانه على أنّ المستفاد من الأخبار أن تكاليفهم عليهم السّلام مغايرة لتكاليفنا و أنّهم مكلّفون بأن يقدموا على ما يعلمونه و إن كان فيه موتهم كما وقع ذلك للحسين عليه السّلام حين وروده إلى العراق،فإنّه عليه السّلام كان عالما بما صار إليه أمره و كان يقول شاء اللّه أن تكون نسائي أسارى.

و في لفظ آخر أن يرى نسائي أسارى و هم عليهم السّلام كانوا عالمين بجميع الحوادث التي صدرت عليهم،فلو كان الاحتراز واجبا عليهم لما كان ينبغي أن يصل إليهم مكروها و محتومات اللّه سبحانه و مقدّراته لابدّ أن تجري عليهم كما تجري على غيرهم،و الفرق بيننا1.

ص: 327


1- -بصائر الدرجات:501،و بحار الأنوار:285/27 ح 1.

و بينهم بالعلم و الجهل لا يرد القضاء المحتوم على أنّه عليهم السّلام لو احترز عن ذلك السمّ الذي كان في الرطب لكان الملعون هارون يقتله بطريق آخر أشدّ و أفحش من هذا لأنّه كان عازما جازما على قتله و احترازه عليه السّلام عن خصوص ذلك السمّ ما كان يرفع عنه القتل بالكلّية مع أنّه عليه السّلام معصوم من الذنوب و هو أعلم بأفعاله كما هو أعلم بأفعال غيره،و هذا الكلام كلّه توجيه لتحرير الكلام و إلاّ فالعصمة كافية في الجواب.

ص: 328

الجارية التي أرسلها الرشيد لموسى عليه السلام

[في]المناقب،قال العامري:إنّ الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن،فقال عليه السّلام:قل له:بل أنتم بهديّتكم تفرحون لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها،قال:فاستطار هارون غضبا و قال:ارجع إليه و قل له:ليس برضاك حبسناك و اترك الجارية عنده و انصرف،قال:فمضى و رجع ثمّ قام هارون عن مجلسه و أنفد الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها تقول:قدّوس قدّوس سبحانك سبحانك،فقال هارون:سحرها و اللّه موسى بن جعفر بسحره،عليّ بها،فأتى بها و هي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها،فقال:ما شأنك؟قالت:شأني الشأن البديع إنّي كنت عنده واقفة و هو يصلّي ليله و نهاره،فلمّا انصرف عن صلاته و هو يسبّح اللّه و يقدّسه قلت:يا سيّدي هل لك حاجة أعطيكها؟قال:و ما حاجتي إليك و ما بال هؤلاء،فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري،فيها مجالس مفروشة بالوشا و الديباج و عليها وضعا و وصايف لم أر مثل وجوههم حسنا و لا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الاخضر و الأكاليل و الدرّ و الياقوت و في أيديهم الأباريق و المناديل و من كلّ الطعام فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم،فرأيت نفسي حيث كنت،قال هارون:يا خبيثة لعلّك سجدت فرأيت هذا في منامك،قالت:لا و اللّه يا سيّدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك،فقال الرشيد:اقبض هذه الخبيثة إليك فلا يسمع هذا منها أحد،ثمّ قالت:إنّي لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتّى ندخل عليه فنحن له دونك،فما زالت كذلك حتّى ماتت قبل موت موسى بأيّام يسيرة (1).

[في]الكشي،عن عبد اللّه بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر؟قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة و قلت:فما كان يعلم أنّها مسمومة؟ قال:غاب عنه المحدث قلت:و من المحدث؟قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان

ص: 329


1- -المناقب:415/3،و مدينة المعاجز:423/6.

مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد ثمّ قال:إنّك ستعمّر فعاش مائة سنة (1).

أقول: هذا هو معنى ما سبق من قوله:أنساه لينفذ فيه الحكم،لأنّ المحدث لمّا لم يوجد وقت أكل الرطب كان باعثا للغفلة عن أكل الرطب و هذا الملك هو إمّا روح القدس الذي كان مع النبيّ و أهل بيته صلوات اللّه عليهم يعلّمهم و يسدّدهم عن الخطأ في الأقوال و الأفعال و الروح المراد من قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ و يحتمل الاتّحاد كما قيل.

[في]الكافي،عن مسافر قال:إنّ موسى بن جعفر عليه السّلام-حين أخرج به-أمر ابنه عليّ الرضا أن ينام على بابه في كلّ ليلة أبدا مادام حيّا إلى أن يأتيه خبره،قال:فكنّا كلّ ليلة نفرش لأبي الحسن عليه السّلام في الدهليز ثمّ يأتي بعد العشاء فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله فمكث على هذه الحال أربع سنين،فلمّا كان ليلة ما أتى كما كان يأتي فاستوحش العيال و ذعروا و دخلنا أمر عظيم من إبطائه،فلمّا كان الغد أتى الدار و دخل إلى العيال و قصد إلى امّ أحمد فقال لها:هاتي الذي أودعك أبي فصرخت و لطمت وجهها و شقّت جيبها و قالت:

مات و اللّه سيّدي فكفّها و قال:لا تكلّمي بشيء حتّى يجيء الخبر إلى الوالي فأخرجت إليه سفطا و ألفي دينار فدفعته إليه دون غيره و قالت:إنّه قال لي فيما بيني و بينه-و كانت أثيرة عنده-احتفظي بهذه الوديعة لا تطلعي عليها أحدا حتّى أموت فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه و اعلمي أنّه قد متّ،فقبض ذلك منها و أمرهم بالإمساك إلى أن ورد الخبر و لم يعد إلى المبيت كما كان يفعل،فلمّا جاء الخبر بنعيه كان في ذلك الوقت الذي قبض فيه الوديعة (2).

[في]عيون المعجزات،عن الصيمري:أنّ السندي بن شاهك حضر بعد ما كان بين يديه السمّ في الرطب و أنّه عليه السّلام أكل منها عشر رطبات،فقال له السندي:تزداد قال:حسبك بلغت ما تحتاج إليه فيما أمرت به ثمّ إنّه أحضر القضاة و العدول قبل وفاته بأيّام و أخرجه إليهم و قال:إنّ الناس يقولون:إنّ أبا الحسن موسى في ضنك و ضرّوها هو لا علّة به و لا8.

ص: 330


1- -بحار الأنوار:242/48،و مسند الأمام الرضا:444/2 ح 23.
2- -الكافي:381/1 ح 6،و بحار الأنوار:246/48.

مرض و لا ضرّ،فالتفت عليه السّلام فقال:اشهدوا عليّ أنّي مقتول بالسمّ منذ ثلاثة أيّام اشهدوا إنّي صحيح الظاهر لكنّي مسموم و سأحمرّ في آخر هذا اليوم حمرة شديدة و أبيضّ بعد غد و أمضي إلى رحمة اللّه و رضوانه،فمضى عليه السّلام كما قال في آخر اليوم الثالث سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و كان سنّة عليه السّلام أربعا و خمسين سنة أقام منها مع أبيه عليه السّلام عشرين سنة و تفرّد بالإمامة أربعا و ثلاثين سنة (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:إنّ اللّه ينتقم لأوليائه من أعدائه،أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك و ما انتقم اللّه لأبي الحسن عليه السّلام (2).

أقول: تقدّم في الأخبار أنّ آل برمك سيّما يحيى هو الذي سعى في قتل الكاظم عليه السّلام لعلل و أغراض كثيرة.

و روى محمّد بن يعقوب بإسناده إلى يوسف بن عبد الرحمن قال:مات أبو إبراهيم عليه السّلام و ليس من قومه أحد إلاّ و عنده المال الكثير و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته طمعا في الأموال،كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار و عند علي بن أبي حمزة البطاني ثلاثون ألف دينار،ثمّ قال يونس:إنّهما ضمنا لي على الوقف عشرة آلاف دينار فلم أقبل (3).

و روى الثقاة أنّ أوّل من أظهر الوقف علي بن أبي حمزة البطائني و زياد بن مروان القندي و عثمان بن عيسى الرواسي مالوا إلى حطام الدّنيا و استمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا ممّا اختانوه من الأموال نحو حمزة بن بزيع و ابن المكاري و كرام الخثعمي و أمثالهم.

و قال الصدوق رحمه اللّه:لم يكن موسى بن جعفر عليه السّلام ممّن يجمع المال و لكنّه قد حصل في وقت الرشيد و كثر أعداؤه و لم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلاّ على القليل ممّن يثق بهم في كتمان السرّ،فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك و أراد أن لا يحقّق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد و يقول:إنّه تحمل إليه الأموال و تعقد له الإمامة و يحمل على الخروج عليه و لولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال على أنّها لم تكن أموال الفقراء2.

ص: 331


1- -الأنوار البهية:197،و بحار الأنوار:247/48.
2- -الكافي:224/2 ح 10،و وسائل الشيعة:492/11.
3- -حياة الأمام الرضا:214/2.

و إنّما كانت أمواله يصل بها مواليه إكراما منه لهم (1).

و قال في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام بعد ذكر الأخبار الدالّة على وفاته عليه السّلام:إنّما أوردت هذه الأخبار ردّا على الواقفة على موسى بن جعفر،فإنّهم يزعمون أنّه حيّ و ينكرون إمامة الرضا عليه السّلام و إمامة من بعده و في صحّة وفاة موسى عليه السّلام إبطال مذهبهم و لهم في هذه الأخبار كلام،يقولون:إنّ الصادق عليه السّلام قال:الإمام لا يغسله إلاّ إمام،فلو كان الرضا عليه السّلام إماما لغسّله.

و في هذه الأخبار أنّ موسى عليه السّلام غسّله غيره و لا حجّة لهم علينا في ذلك،لأنّ الصادق عليه السّلام إنّما نهى أن يغسل الإمام إلاّ من يكون إماما،فإن دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده و لم يقل عليه السّلام إنّ الإمام لا يكون إلاّ الذي يغسل من قبله من الأئمّة رحمه اللّه فبطل تعلّقهم علينا بذلك على أنّا قد روينا في بعض هذه الأخبار أنّ الرضا عليه السّلام غسّل أباه موسى بن جعفر عليه السّلام من حيث خفي على الحاضرين لغسله غير من اطّلع عليه و لا تنكر الواقفة أنّ الإمام يجوز أن يطوي اللّه له البعد حتّى يقطع المسافة البعيدة في المدّة اليسيرة (2).8.

ص: 332


1- -عيون أخبار الرضا:104/2،و علل الشرائع:236/1.
2- -عيون أخبار الرضا:97/2،و بحار الأنوار:254/48.

خاتمة

في بيان أولاده عليه السلام

[في]كتاب بشائر المصطفى:كان لأبي الحسن عليه السّلام سبعة و ثلاثون ولدا ذكرا و انثى منهم علي بن موسى الرضا عليه السّلام و إبراهيم و العبّاس و القاسم لامّهات أولاد،و إسماعيل و جعفر و هارون و الحسن لامّ ولد و عبد اللّه و إسحاق و عبيد اللّه و زيد و الحسن و الفضل و سليمان لامّهات أولاد،و فاطمة الكبرى و فاطمة الصغرى و رقية و حكيمة و امّ أبيها و رقية الصغرى و كلثم و امّ جعفر و لبانة و زينب و خديجة و علية و آمنة و حسنة و بريهة و عائشة و امّ سلمة و ميمونة و امّ كلثوم،و كان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان أحمد كريما جليلا ورعا و كان أبوه يحبّه و يقدّمه و يقال:إنّ أحمد أعتق ألف مملوك و كان محمّد بن موسى صاحب صلاة و كان إبراهيم بن موسى سخيّا كريما،و لكلّ واحد من ولد موسى عليه السّلام فضل و منقبة مشهورة (1).

و في كتاب المناقب:أنّ أولاده عليه السّلام ثلاثون فأبناؤه ثمانية عشر و الباقي بنات (2).

و في عمدة الطالب ولد عليه السّلام ستّين ولدا سبعا و ثلاثين بنتا و ثلاثا و عشرين ابنا درج منهم خمسة لم يعقبوا و هم عبد الرحمن و عقيل و القاسم و يحيى و داود،و منهم ثلاثة لهم إناث و ليس لأحد منهم ذكر و هم سليمان و الفضل و أحمد و منهم خمسة في أعقابهم خلاف و هم الحسين و إبراهيم الأكبر و هارون و زيد و الحسن و منهم عشرة أعقبوا بغير خلاف و هم علي و إبراهيم الأصغر و العبّاس و إسماعيل و محمّد و إسحاق و حمزة و عبد اللّه و عبيد اللّه و جعفر هكذا قال شيخنا أبو نصر البخاري.

و قال النقيب تاج الدّين:أعقب موسى الكاظم منه ثلاثة عشر رجلا أربعة منهم

ص: 333


1- -الإرشاد:244/2،و بحار الأنوار:283/48 ح 1.
2- -المناقب:438/3،و بحار الأنوار:288/48 ح 4.

مكثرون و هم علي الرضا و إبراهيم المرتضى و محمّد العابد و جعفر،و أربعة متوسّطون و هم، زيد النار و عبد اللّه و عبيد اللّه و حمزة،و خمسة مقلّون و هم العبّاس و هارون و إسحاق و إسماعيل و الحسن و قد تمّ ما أردنا نقله من أحوال الإمام موسى ابن جعفر الكاظم عليه السّلام و يتلوه إن شاء اللّه تعالى أحوال ولده الرضا علي بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه و بتمام أحواله و مناقبه عليه السّلام و أحوال الجواد و الهادي و العسكري عليهم أفضل الصلوات يتمّ المجلّد الثاني من كتاب رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبّار ما اعتقب الليل و النهار.

قال هذه الأحرف بلسانه و حرّرها ببنانه مؤلّف الكتاب نعمت اللّه الموسوي الحسيني الجزائري عفى اللّه تعالى عن سيّئاته في دار السلطنة اصفهان عصر يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة الحرام من عام الثامن بعد المائة و الألف الهجرية على مشرّفها و آله ألف ألف صلاة و ألف ألف تحية حامدا مصلّيا مسلّما (1).5.

ص: 334


1- -عمدة الطالب:197،و الفوائد الرجالية:425.

باب في مناقب الإمام مولانا الرضا أبي الحسن عليه السلام علي بن موسى الرضا سلام اللّه عليه

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في ولادته و ألقابه و نقش خاتمه و النصّ عليه و غرائب معجزاته

في الكافي عن الرضا عليه السّلام قال:نقش خاتمي ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه.و فيه أنّه عليه السّلام ولد سنة ثمان و أربعين و مائة و قبض عليه السّلام في صفر من سنة ثلاث و مائتين و هو ابن خمس و خمسين سنة،و قد اختلف في تاريخه إلاّ أنّ هذا التاريخ هو الأقصد إن شاء اللّه و امّه امّ ولد يقال لها امّ البنين (1).

و قال كمال الدّين بن طلحة:عمره تسعا و أربعين سنة و مدّة بقائه مع أبيه عليهما السّلام أربعا و عشرين سنة و أشهر و بعده خمسا و عشرين سنة،و امّه سبيكة النوبية.

و في اعلام الورى:ولد عليه السّلام بالمدينة لإحدى عشر ليلة خلت من ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثلاث و خمسين و مائة و امّه امّ ولد اسمها نجمة و يقال:سكن،و يقال:تكتم، و كان في أيّام إمامته بقيّة ملك الرشيد و ملك محمّد الأمين بعده ثلاث سنين و خمسة و عشرين يوما ثمّ خلع الأمين و أجلس عمّه إبراهيم بن المهدي أربعة و عشرين يوما،ثمّ أخرج محمّد ثانية و بويع له و بقي بعد ذلك سنة و سبعة أشهر و قتله طاهر بن الحسين ثمّ

ص: 335


1- -الكافي:486/1 ح 9،و بحار الأنوار:2/49 ح 2.

ملك المأمون عشرين سنة و استشهد عليه السّلام في أيّام ملكه (1).

[في]عيون الأخبار مسندا إلى البزنطي قال:قلت لأبي جعفر محمّد بن علي بن موسى عليه السّلام:إنّ قوما من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك عليه السّلام إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده،فقال:كذبوا و اللّه و فجروا بل اللّه تبارك و تعالى سمّاه الرضا لأنّه عليه السّلام كان رضا للّه عزّ و جلّ في سمائه و أرضه و رضا لرسول اللّه و الأئمّة من بعده عليهم السّلام في أرضه،فقلت:ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله و للأئمّة؟

فقال:بلى،فقلت:فلم سمّي أبوك بالرضا من بينهم؟قال:إنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه،و لم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم السّلام فلذلك سمّي من بينهم بالرضا (2).

و فيه أيضا عن علي بن ميثم قال:اشترت حميدة المصفّاة و هي امّ أبي الحسن موسى ابن جعفر و كانت من أشراف العجم جارية مولدة و اسمها تكتم و كانت أديبة مع مولاتها فقالت لابنها موسى عليه السّلام:يا بني إنّ تكتم،ما رأيت جارية أفضل منها و لست أشكّ أنّ اللّه تعالى سيظهر نسلها و قد وهبتها لك فاستوص بها خيرا،فلمّا ولدت الرضا عليه السّلام سمّاها الطاهرة (3).

و فيه أيضا عن هشام بن أحمد قال:قال أبو الحسن الأوّل عليه السّلام:هل علمت أحدا من أهل المغرب قد قدم؟قلت:بلى،قال:فانطلق معنا حتّى أتينا إلى الرجل فإذا هو من أهل المغرب معه رقيق فعرض علينا تسع جوار.

فقال عليه السّلام:لا حاجة لي فيها ثمّ قال:ما عندي إلاّ جارية مريضة و أبى أن يعرضها فأرسلني من الغد إليه،فقال لي:قل له:كم غايتك فيها فإذا قال:كذا و كذا فخذها منه فأتيته و أخذتها بما قال،ثمّ قال:من الرجل الذي كان معك بالأمس؟فقلت:رجل من بني هاشم فقال:أخبرك عن هذه الوصيفة إنّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب،فقالت:ما هذه الوصيفة معك؟فقلت:اشتريتها لنفسي فقالت:ما ينبغي أن يكون9.

ص: 336


1- -أعلام الورى:40/2.
2- -علل الشرائع:237/1،و مسند الأمام الرضا:10/1.
3- -عيون أخبار الرضا:24/2،و بحار الأنوار:5/49.

هذه عند مثلك إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلاّ قليلا حتّى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض و غربها،قال:فأتيته بها فلم تلبث عنده إلاّ قليلا حتّى ولدت عليا عليه السّلام.

و كان يقال له:الرضا و الصادق و الصابر و الفاضل و قرّة أعين المؤمنين و غيظ الملحدين و الرضي و الوفي (1).

و فيه أيضا عن عليّ بن ميثم عن أبيه قال:سمعت امّي تقول؛سمعت نجمة امّ الرضا عليه السّلام تقول:لمّا حملت بابني عليّ لم أشعر بثقل الحمل و كنت أسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تمجيدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع شيئا،فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السّلام فقال:هنيئا لك يا نجمة كرامة ربّك،فناولته إيّاه في خرقة بيضاء فأذّن في اذنه الأيمن و أقام في الأيسر و دعا بماء الفرات فحنّكه به ثمّ ردّه إليّ و قال:خذيه فإنّه بقية اللّه تعالى في أرضه (2).

[في]عيون الأخبار عن يزيد بن سليط الزيدي قال:لقيت الكاظم عليه السّلام فقلت:

أخبرني عن الإمام بعدك بمثل ما أخبر به أبوك،فقال:كان أبي في زمن ليس هذا مثله قال يزيد:فقلت:من يرضى منك بهذا فعليه لعنة اللّه،فضحك ثمّ قال:إنّي خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بنيّ و أشركتهم مع عليّ ابني و أفردته بوصيّتي في الباطن و لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام و أمير المؤمنين عليه السّلام معه و معه خاتم و سيف و عصاء و كتاب و عمامة فقلت له:ما هذا؟

فقال:أمّا العمامة فسلطان اللّه عزّ و جلّ،و أمّا السيف فعزّة اللّه عزّ و جلّ،و أمّا الكتاب فنور اللّه عزّ و جلّ،و أمّا العصا فقوّة اللّه عزّ و جلّ،و أمّا الخاتم فجامع هذه الامور،ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:الأمر يخرج إلى عليّ ابنك ثمّ قال بعد كلام:يا يزيد إنّي أوخذ في هذه السنة و عليّ ابني سمّي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و سمّي علي بن الحسين عليه السّلام أعطى فهم الأوّل و علمه و بصره و رداءه و ليس له أن يتكلّم إلاّ بعد هارون بأربع سنين،فإذا مضت أربع9.

ص: 337


1- -مسند الأمام الرضا:13/1،و المناقب:471/3.
2- -مسند الأمام الرضا:13/1،و بحار الأنوار:9/49.

سنين فسله عمّا شئت يجبك إن شاء اللّه تعالى (1).

أقول: لعلّ المراد بالرداء الأخلاق الجميلة لاشتمالها على صاحبها و أنّها تزيّنه كما أنّ الأخلاق القبيحة تشينه.

و في الحديث القدسي نصّ على إمامة الرضا عليه السّلام من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و من علي و من أبيه موسى بن جعفر عليه السّلام و النصوص عليه متواترة و مذكورة في محالّها.

و عن الريان بن الصلت قال:كنت بباب الرضا عليه السّلام بخراسان فقلت لمعمر:إن رأيت أن تسأل سيّدي أن يكسوني ثوبا من ثيابه و يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه فأخبرني معمّر أنّه دخل على أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:فابتدأني فقال:يا معمر ألا يريد الريان أن نكسوه من ثيابنا أو نهب له من دراهمنا؟

قال:فقلت:سبحان اللّه هذا كان قوله لي الساعة بالباب،قال؛فضحك ثمّ قال:

المؤمن موفّق قل له فليدخل،فأدخلني عليه فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام و دعا لي بثوبين من ثيابه فدفعهما إليّ،فلمّا قمت وضع في يدي ثلاثين درهما.

[في]عيون الأخبار عن عبد اللّه الهاشمي قال:دخلت على المأمون يوما فأجلسني و أخرج من كان عنده ثمّ دعا بالطعام فطعمنا ثمّ دعا بستارة فضربت،فقال لبعض من كان في الستارة باللّه لما رثيت لنا من بطوس،فأخذت تقول شعر:

سقيا لطوس من أضحى بها قطنا *** من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

ثمّ بكى و قال لي:يا عبد اللّه يلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرضا علما فو اللّه لأحدّثنك بحديث تعجب منه،يوما جئته فقلت:جعلت فداك إنّ أباك موسى و جعفرا و محمّدا و علي بن الحسين كان عندهم علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة و أنت وصيّ القوم و وارثهم و عندك علمهم ولي إليك حاجة قال:هاتها،فقلت:هذه الزاهرية جاريتي لا أقدّم عليها أحدا من جواري و قد حملت غير مرّة و أسقطت و هي الآن حامل فدلّني على ما تعالج به فتسلم،فقال:لا تخف من إسقاطها فأنّها تسلم و تلد غلاما أشبه الناس بامّه و يكون له خنصر زائدة في يده اليمنى ليست بالمدّة و في رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة،فقلت في نفسي:أشهد أنّ اللّه على كلّ شيء قدير،فولدت الزاهرية1.

ص: 338


1- -عيون أخبار الرضا:34/2،و الكافي:314/1.

غلاما أشبه الناس بامّه و كان كما وصفه الرضا عليه السّلام فمن يلومني على نصبي إيّاه.

أقول: من هذا الحديث و ما بمعناه ذهب بعض علمائنا إلى أنّ المأمون ما فعل مع الرضا عليه السّلام مكروها و لا اغتاله بالسمّ و لا غيره،و هذا القول غريب مع تواتر الأخبار و كتب السير و التواريخ على أنّه سمّ الرضا عليه السّلام (1).

و في ذلك الكتاب عن البزنطي قال:بعث الرضا عليه السّلام إليّ بحماره فركبته و أتيته و أقمت عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء اللّه،فلمّا أراد أن ينهض قال لي:لا أراك تقدر على الرجوع فبت عندنا الليلة،قلت:أجل جعلت فداك فقال:يا جارية افرشي له فراشي و اطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها وضعي تحت رأسه مخدّتي،فقلت في نفسي:من أصاب مثل ما أصبت في ليلتي هذه لقد جعل لي من المنزلة عنده و أعطاني من الفخر ما لم يعطه أحدا من أصحابنا بعث لي حماره و فرش لي فراشه،فقال و هو قاعد معي و أنا احدّث نفسي:يا أحمد أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتى زيد بن صوحان في مرضه يعوده فأكرمه و وضع يده على جبهته و جعل يلاطفه فلمّا أراد النهوض قال:يا صعصعة لا تفخرن على إخوانك بما فعلت،فإنّي إنّما فعلت جميع ذلك لأنّه كان تكليفا لي فلا تذهبن نفسك إلى الفخر و تذلّل للّه عزّ و جلّ،و اعتمد على يده فقام (2).

أقول: فيه دلالة على أنّ الافتخار بتوجّه الإمام عليه السّلام ممّا لا ينبغي،نعم،لو كان الغرض من الإظهار إظهار نعمة اللّه سبحانه و الشكر عليها كان حسنا بل مأمورا به،و أمّا بنعمة ربّك فحدّث،و لا ريب أنّ ما فعله عليه السّلام مع البزنطي ممّا لا تعاد لها نعمة و قوله:فاعتمد على يده فقام فيه إشعار باستحباب هذه الكيفيّة،لأنّ فيها نوعا من التذلّل و الانكسار و إلاّ فهو عليه السّلام ما كان محتاجا إليها لعدم بلوغه ذلك السنّ.

و عن محمّد بن الفضيل قال:نزلت ببطن مر فأصابني العرق المدني في جنبي و في رجلي فدخلت على الرضا عليه السّلام بالمدينة،فقال:ما لي أراك متوجّعا؟فحكيت له فأشار إلى الذي في جنبي و تكلّم بكلام و تفل عليه و قال:ليس عليك بأس من هذا و نظر إلى الذي في رجلي،فقال:قال أبو جعفر عليه السّلام:من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب اللّه عزّ و جلّ له مثل7.

ص: 339


1- -عيون أخبار الرضا:241/1،و بحار الأنوار:29/49.
2- -عيون أخبار الرضا:230/1،و مدينة المعاجز:68/7.

أجر ألف شهيد،فقلت في نفسي:لا أبرء و اللّه من رجلي أبدا،فما زال يعرج منها حتّى مات (1).

و عن مسافر قال:كنت مع الرضا عليه السّلام بمنى فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من البرمك فقال:مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة ثمّ قال:هاه و أعجب من هذا هارون و أناكهاتين و ضمّ بإصبعيه.قال مسافر:فو اللّه ما عرفت معنى حديثه حتّى دفناه معه.

[في]البصائر،عن إبراهيم بن موسى قال:ألححت على أبي الحسن الرضا عليه السّلام في شيء أطلبه منه و كان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة و كنت معه أنا و ليس معنا ثالث فقلت:جعلت فداك هذا العيد قد أظلّنا و لا و اللّه ما أملك درهما،فحك بسوطه الأرض ثمّ ضرب بيده فتناول بيده سبيكة ذهب.

فقال:انتفع بها و اكتم ما رأيت (2).

[في]الخرائج عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت في مجلس الرضا فعطشت عطشا شديدا و تهيبته أن أستسقي في مجلسه فدعا بماء فشرب منه جرعة ثمّ قال:يا أبا هاشم اشرب فشربت ثمّ عطشت عطشة اخرى فنظر إلى الخادم و قال:شربة من ماء سويق سكر، قال له:بلّ السويق و انثر عليه السكّر بعد بلّه و قال:اشرب يا أبا هاشم فإنّه يقطع العطش (3).

و عن إسماعيل بن الحسن قال:كنت مع الرضا عليه السّلام و قد مال بيده إلى الأرض كأنّه يكشف شيئا فظهرت سبايك ذهب ثمّ مسح بيده على الأرض فغابت،فقلت في نفسي:لو أعطاني واحدة منها،قال:لا إنّ هذا الأمر لم يأت وقته (4).

أقول: هذه السبائك من معادن الأرض و خزائنها التي يخرجها اللّه سبحانه لمولانا المهدي عليه السّلام و هو المراد من قوله:لم يأت وقته.

و عن أحمد بن عمر قال:خرجت إلى الرضا عليه السّلام و امرأتي حبلى فقلت له:إنّي قد خلّفت أهلي و هي حامل فادع اللّه أن يجعله ذكرا،فقال لي:و هو ذكر فسمّه عمر،فقلت:3.

ص: 340


1- -عيون أخبار الرضا:239/1،و مدينة المعاجز:88/7.
2- -الكافي:491/1 ح 9،و عيون أخبار الرضا:245/1 ح 2.
3- -الخرائج و الجرائح:661/2 ح 3،و بحار الأنوار:18/49 ح 47.
4- -كشف الغمة:97/3.

نويت أن اسمه عليّا و أمرت الأهل به قال عليه السّلام:سمه عمر فوردت الكوفة و قد ولد لي ابن و سمّي عليّا فسمّتيه عمر،فقال لي جيراني:لا نصدّق بعد هذا أحدا عليك بشيء،فعلمت أنّه كان أنظر لي من نفسي (1).

أقول: سمّى الأئمّة عليهم السّلام أولادهم بأسماء لا يحبّونها كعمر و عثمان و نحوهما لفوائد كثيرة منها رعاية التورية و التقية عند الحاجة إليها،و منها ترغيب الشيعة في هذه التسمية إبقاء عليهم و دفعا عنهم،و إلاّ فأيّ أحد من الشيعة يقدم على تلك الأسماء الخبيثة و لو قطّع إربا إربا و حكاية أبو بكر سبزوار مشهورة.

و عن الوشاء عن الرضا عليه السّلام قال لي بخراسان:إنّي حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتّى أسمع ثمّ فرّقت فيهم اثنى عشر ألف دينار ثمّ قال:أمّا إنّي لا أرجع إلى عيالي أبدا (2).

و عن عبد اللّه بن سرمة قال:مرّ بنا الرضا عليه السّلام فاختصمنا في إمامته،فلمّا خرج خرجت أنا و تميم بن يعقوب و نحن مخالفون له نرى رأي الزيدية فلمّا صرنا بالصحراء و إذا نحن بظباء فأومأ عليه السّلام إلى خشف منها فجاء حتّى وقف بين يديه فأخذ عليه السّلام يمسح رأسه و دفعه إلى غلام فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه فكلّمه الرضا عليه السّلام بكلام لا نفهم فسكن،ثمّ قال:يا عبد اللّه أو لم تؤمن؟

قلت:بلى يا سيّدي أنت حجّة اللّه على خلقه و أنا تائب إلى اللّه،ثمّ قال للظبي:

اذهب فجاء الظبي و عيناه تدمعان فتمسّح بأبي الحسن عليه السّلام ورعى،فقال عليه السّلام:تدري ما يقول؟قلنا:اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم قال:يقول دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك و أحزنتني حين أمرتني بالذهاب (3).1.

ص: 341


1- -بحار الأنوار:52/49 ح 55،و مسند الأمام الرضا:249/1.
2- -عيون أخبار الرضا:235/1 ح 28،و الخرائج و الجرائح:363/1.
3- -الثاقب في المناقب:176،و الخرائج و الجرائح:364/1.

النمل يحمي الذهب

و عن أحمد بن عمر الحلال قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّي أخاف عليك من صاحب الرقّة قال:ليس عليّ منه بأس إنّ للّه بلاد أنبتت الذهب قد حماها بأضعف خلقه بالذر،فلو رأتها الفيلة ما وصلت إليها،قال الوشاء:إنّي سألته عن هذه البلاد و قد سمعت الحديث قبل مساءلتي فأخبرت أنّه بين بلخ (1)و التبت (2)و أنّها تنبت الذهب و فيها نمل كبار اشباه الكلاب على خلقها،فليس يمرّ بها الطير فضلا عن غيره تكمن بالليل في جحرها و تظهر بالنهار فربّما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخا في ليلة فيوقرون أحمالهم و يخرجون و إذا النمل خرجت في الطلب فلا يلحق شيئا إلاّ قطعته تشبه بالريح من سرعتها و ربما شغلوهم باللحم يتّخذ لها إذا لحقتهم يطرح لها في الطريق و إن لحقتهم قطعتهم و دوابّهم (3).

و عن محمّد الرازي قال:كنت في خدمة الرضا عليه السّلام لمّا جعله المأمون ولي عهده فأتاه رجل من الخوارج في كفّه مدية مسمومة و قد قال لأصحابه:لآتين هذا الذي يزعم أنّه ابن رسول اللّه و قد دخل لهذه الطاغية فيما دخل فأسأله عن حجّته،فإن كان له حجّة و إلاّ أرحت الناس منه،فدخل عليه،فقال:أجيبك عن مساءلتك بشرط إن أقنعتك أن تكسر الذي في كمّك،فتحيّر الخارجي و أخرج المدية و كسرها ثمّ قال:أخبرني عن دخولك لهذه الطاغية فيما دخلت له و هم عندك كفّار و أنت ابن رسول اللّه ما حملك على هذا؟

فقال عليه السّلام:أرأيتك هؤلاء أكفر أم عزيز مصر و أهل مملكته،أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحّدون و أولئك لم يوحّدوا اللّه و لم يعرفوه و يوسف بن يعقوب نبيّ ابن نبيّ قال لعزيز مصر و هو كافر اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ كان يجالس الفراعنة

ص: 342


1- -مدينة بخرسان.
2- -هي مملكة متاخمة للصين و بالتبت جبل يقال له جبل السمّ إذا مر به أحد يضيق نفسه فمنهم من يموت و منهم من يثقل لسانه،معجم البلدان:101/1.
3- -الخرائج و الجرائح:269/1 ح 27،و بحار الأنوار:54/49.

و أنا رجل من ولد رسول اللّه أجبرني على هذا الأمر و أكرهني عليه،فما الذي أنكرت و نقمت عليّ فقال:لا عتب عليك أنّي أشهد أنّك ابن نبيّ اللّه و أنّك صادق (1).

في المناقب قال:أتى رجل من ولد الأنصار بحقّة فضّة مقفل عليها و قال:لم يتحفك أحد بمثلها ففتحها عليه السّلام و أخرج منها سبع شعرات،و قال:هذا شعر النبيّ عليه السّلام فميز الرضا عليه السّلام أربع طاقات منها.

قال:هذا شعره،فقبل في ظاهره دون باطنه فأخرجه الرضا عليه السّلام من الشبهة بأن وضع الثلاثة على النار فاحترقت ثمّ وضع الأربعة فصارت كالذهب (2).

و عن مفيد بن جنيد الشامي قال:دخلت على الرضا عليه السّلام فقلت له:قد كثر الخوض فيك و في عجايبك فلو شئت أتيت بشيء و حدّثته عنك،فقال:و ما تشاء؟قال:تحيي إليّ أبي و امّي فقال:انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما،فانصرفت و اللّه و هما في البيت أحياء فأقاما عندي عشرة أيّام ثمّ قبضهما اللّه تبارك و تعالى (3).

[في]كشف الغمة قال محمّد بن طلحة من مناقبه عليه السّلام:أنّه لمّا جعل المأمون الرضا عليه السّلام ولي عهده كان في حاشية المأمون اناس كرهوا ذلك و خافوا خروج الخلافة من بني العبّاس إلى بني فاطمة فحصل عندهم من الرضا نفور و كان إذا جاء إلى دار المأمون يبادر من بالدهليز إلى السلام عليه و رفع الستر ليدخل فتواصوا[فيما بينهم] (4)و قالوا إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه و لا ترفعوا الستر فجاء عليه السّلام فلم يملكوا أنفسهم أن سلّموا عليه و رفعوا الستر[على عادتهم،فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتفقوا عليه،و قالوا:التوبة] (5)الآتية.

فلمّا كان في ذلك اليوم جاء و لم يرفعوا الستر فأرسل اللّه ريحا شديدة دخلت الستر، فرفعته أكثر ممّا كانت ثمّ دخل فسكنت الريح فلمّا خرج رفعته الريح،فقالوا:هذا رجل له عند اللّه منزلة و سخّر له الريح كما سخّرها لسليمان لخدمته فرجعوا و زادت عقيدتهم فيه.ر.

ص: 343


1- -بحار الأنوار:55/49 ح 67.
2- -المناقب:458/3،و مدينة المعاجز:236/7.
3- -نوادر المعجزات:168 ح 6،و دلائل الأمامة:363 ح 11.
4- -زيادة من المصدر.
5- -زيادة من المصدر.

و كان بخراسان امرأة تسمّى زينب فادّعت أنّها من سلالة فاطمة عليها السّلام و كانت تصول على أهل خراسان بنسبها و لم يعرفها الرضا عليه السّلام،فلمّا حضرت ردّ نسبها و قال:هذه كذّابة فقالت:كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك،فقال عليه السّلام لوالي خراسان و كان له موضع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين:هذه المرأة كذّابة و ليست من نسل علي و فاطمة فإنّ من كان حقّا فإنّ لحمه حرام على السباع فالقوها في بركة السباع قالت:فأنزل أنت إلى السباع،فقام عليه السّلام و الناس معه فنزل إلى السباع فأقعت على أذنابها و مسح يده على وجه كلّ واحد و رأسه فطلع و الناس يبصرونه ثمّ قال للسلطان:انزل هذه الكذّابة فامتنعت ثمّ القوها إلى السباع و افترسوها و شاع اسمها بزينب الكذّابة (1).

و عن علي بن محمّد القاشاني قال:أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى الرضا عليه السّلام مالا له خطر فلم أره سرّ به فاغتممت و قلت في نفسي:قد حملت هذا المال و ما سرّ به فقال:يا غلام الطشت و الماء و قعد على كرسي و قال للغلام صبّ علي الماء فجعل يسيل من بين أصابعه في الطشت ذهب ثمّ التفت إليّ و قال:من كان هكذا لا يبالي بالذي حمل إليه (2).

و روى الكشي بإسناده إلى عبد اللّه بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهما؟

قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة قلت له:فما كان يعلم أنّها مسمومة قال قد غاب عنه المحدّث،قلت:و من المحدّث؟قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد ثم قال:إنّك ستعمّر فعاش مائة سنة (3).

أقول: تقدّم الكلام في هذا المطلب و أنّ هذا الحديث و ما بمعناه يكشف عن جواب الشبهة الواردة في قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .

[في]عيون المعجزات،عن الحسن بن علي الوشاء قال:شخصت إلى خراسان3.

ص: 344


1- -كشف الغمة:53/3،و بحار الأنوار:61/49.
2- -الكافي:491/1 ح 10،و بحار الأنوار:63/49.
3- -بحار الأنوار:242/48 ح 50،و اختيار معرفة الرجال:864/2 ح 1123.

و معي حلل و شيء للتجارة فوردت مدينة مرو ليلا و كنت أقول بالوقف على موسى بن جعفر عليه السّلام فوافق نزولي غلام أسود كأنّه من أهل المدينة،فقال لي:يقول لك:سيّدي:وجّه إليّ الحبرة التي معك لأكفّن بها مولى لنا قد توفّي،فقلت:و من سيّدك؟قال:علي بن موسى الرضا،فقلت:ما معي حبرة و لا حلّة إلاّ و قد بعتها في الطريق،فمضى ثمّ عاد إليّ فقال لي:قد بقيت الحبرة قبلك فقلت له:إنّي ما أعلمها معي،فمضى و عاد الثالثة فقال لي:

هي في عرض السفط الفلاني،فقلت في نفسي:إن صحّ قوله فهي دلالة و كانت ابنتي قد دفعت إليّ حبرة و قالت لي:ابتع بثمنها شيئا من الفيروزج و الشيح من خراسان و نسيتها فقلت لغلامي:هات هذا السفط الذي ذكره فأخرجه إليّ و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه فدفعتها إليه و قلت:لا آخذ لها ثمنا فعاد إليّ و قال:تهدي ما ليس لك؟دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا و شيحا فابتع لها ما سألت.

و وجّه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان فعجبت ممّا ورد عليّ و قلت:

و اللّه لأكتبنّ له مسائل أنا شاكّ فيها و لأمتحنّنه بمسائل سئل أبوه عنها،فأثبتت تلك المسائل في درج وعدت إلى بابه و المسائل في كمّي فلمّا وافيت بابه رأيت العرب و القوّاد و الجند يدخلون إليه فجلست ناحية داره و قلت في نفسي:متى أنا أصل إلى هذا و طال قعودي فخرج خادم يتصفّح الوجوه و يقول:أين ابن بنت الياس؟فقلت:ها أنا ذا فأخرج من كمّه درجا و قال:هذا جواب مسائلك و تفسيرها ففتحته و إذا فيه المسائل التي في كمّي و جوابها و تفسيرها،فقلت:اشهد اللّه و رسوله على نفسي أنّك حجّة اللّه و أستغفر اللّه و أتوب إليه و قمت (1).

[في]الخرائج قال:إنّ الرضا عليه السّلام لمّا قدم من خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف و كان علي بن اسباط قد توجّه إليه بهدايا و تحف،فأخذت القافلة و أخذ ماله و هداياه و ضرب على فيه فانتثرت نواجده فرجع إلى قرية هناك فنام فرأى الرضا عليه السّلام في منامه و هو يقول:لا تحزن إنّ هداياك و مالك وصلت إلينا،و أمّا فمك بثناياك فخذ من السعد المسحوق واحش به فاك،فانتبه مسرورا و أخذ من السعد وحشى به فاه فردّ اللّه عليه5.

ص: 345


1- -عيون المعجزات:98،و دلائل الأمامة:374 ح 35.

نواجده،فلمّا دخل على الرضا عليه السّلام قال:قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّا،فادخل هذه الخزانة فانظر فدخل،فإذا ماله و هداياه كلّها على حدّته (1).

[في]دعوات الراوندي عن محمّد بن علي عليه السّلام قال:مرض رجل من أصحاب الرضا عليه السّلام فعاده،فقال:كيف نجدك؟

قال:لقيت الموت بعدك يعني شدّة المرض قال:ما لقيت الموت إنّما لقيت ما يتقدّمه و يعرفك بعض حاله إنّما الناس رجلان[رجل]مستريح[و رجل]مستراح منه فجدّد الإيمان باللّه و بالولاية تكن مستريحا،ففعل الرجل ذلك ثمّ قال:يابن رسول اللّه هذه ملائكة ربّي بالتحيّات و التحف يسلّمون عليك و هم قيام بين يديك فأذن لهم في الجلوس فقال الرضا عليه السّلام:اجلسوا ملائكة ربّي،ثمّ قال للمريض:سلهم ثمّ أمروا بالقيام بحضرتي،فقال المريض:سألتهم فذكروا أنّه لو حضرك كلّ من خلقه اللّه من ملائكته لقاموا لك و لم يجلسوا حتّى تأذن لهم هكذا أمرهم اللّه عزّ و جلّ ثمّ غمض عينيه و قال:السلام عليك يابن رسول اللّه هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمّد و من بعده من الأئمّة عليهم السّلام و قضى الرجل.

أقول: يستفاد منه أنّ الذي يحضر الميّت هو مثالهم عليهم السّلام لا هم أنفسهم و أشخاصهم و أمثلتهم كثيرة كلّ واحد منهم له نفس قويّة عالمة فاضلة تدبر أشباحا متعدّدة،فمن هذا قال أمير المؤمنين عليه السّلام شعر:

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا

و قد سبق الكلام فيه (2).6.

ص: 346


1- -مدينة المعاجز:231/7 ح 182،و بحار الأنوار:72/49 ح 95.
2- -دعوات الراوني:248 ح 698،و بحار الأنوار:155/6.

الفصل الثاني

اشارة

في كيفيّة وروده عليه السلام البصرة و الكوفة

و في استجابة دعواته و علمه بجميع اللغات و مكارم أخلاقه

و ما أنشده من الأشعار الحكميّة

[في]الخرائج،عن محمّد بن الفضل الهاشمي قال:لمّا توفّى موسى بن جعفر أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه السّلام فسلّمت عليه بالأمر و أوصلت إليه ما كان معي و قلت:إنّي صائر إلى البصرة و عرفت كثرة خلاف الناس و قد نعي إليهم موسى و ما أشكّ أنّهم سيسألوني عن براهين الإمام و لو أريتني شيئا من ذلك،فقال الرضا عليه السّلام:لم يخف عليّ هذا فابلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها إنّي قادم عليهم و لا قوّة إلاّ باللّه،ثمّ أخرج إلي جميع ما كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله عند الأئمّة عليهم السّلام من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك،فقلت:و متى تقدم عليهم؟قال:بعد ثلاثة أيّام من وصولك و دخولك البصرة،فلمّا قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم:إنّي أتيت موسى بن جعفر قبل وفاته بيوم واحد،فقال:إنّي ميّت لا محالة فإذا و اريتني في لحدي فلا تقيمن و توجّه إلى المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلى ابني علي بن موسى فهو وصيّي و صاحب الأمر بعدي،ففعلت ما أمرني به و هو يوافيكم إلى ثلاثة أيّام من يومي هذا فاسألوه عمّا شئتم،فابتدر الكلام عمرو بن هذاب من القوم و كان ناصبيّا ينحو نحو التزيد و الاعتزال فقال:يا محمّد أنّ الحسن بن محمّد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه و علمه و سنّه و ليس هو شاب مثل علي بن موسى و لعلّه لو سئل عن شيء من معضلات الأحكام لحار في ذلك،فقال الحسن بن محمّد و كان حاضرا:لا تقل ذلك فإنّ عليّا على ما وصفه من الفضل يقول إنّه يقدم إلى ثلاثة أيّام و كفاك به دليلا و تفرّقوا،فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا عليه السّلام قد وافى،فقصد منزل الحسن بن محمد

ص: 347

و أخلا له داره و قام بين يديه بأمره و نهيه.

فقال:يا محمّد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمّد بن الفضل و غيرهم من شيعتنا و احضر جاثليق النصارى و رأس الجالوت و مر القوم يسألوا عمّا بدا لهم،فجعمهم كلّهم و الزيدية و المعتزلة و هم لا يعلمون لما يريدهم الحسن بن محمّد،فلمّا تكاملوا أثنى للرضا عليه السّلام و سادة جلس عليها ثمّ قال:السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟

قالوا:لا،قال:لتطمئن أنفسكم،قالوا:من أنت يرحمك اللّه؟قال:أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و ابن رسول اللّه، صلّيت اليوم الفجر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مع والي المدينة و اقراني بعد أن صلّينا كتاب صاحبه إليه و استشارني في كثير من اموره،فأشرت عليه بما فيه الحظّ له و وعدته أن يصير إلى بعد العصر من هذا اليوم ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه و أنا واف له بما وعدته فقالت الجماعة:يابن رسول اللّه مع هذا الدليل برهانا و أنت عندنا الصادق القول،فقاموا لينصرفوا فقال:لا تتفرّقوا فإنّي إنّما جمعتكم لتسألوا عمّا شئتم من آثار النبوّة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلاّ عندنا أهل البيت فهلمّوا مسائلكم،فابتدأ عمرو بن هذاب فقال:

إنّ محمّد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب أخبرنا عنك أنّك تعرف كلّما أنزله اللّه و أنّك تعرف كلّ لسان و لغة.

فقال عليه السّلام:صدق.

قال:فإنّا نختبرك بالألسن و اللغات و هذا روميّ و هذا هندي و فارسي و تركي، فأحضرناهم فقال:فليتكلّموا فتكلّموا فأجابهم بلغاتهم ثمّ نظر إلى ابن هذاب فقال:إن أنا اختبرتك إنّك ستبتلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك كنت مصدّقا؟قال:لا،فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ اللّه،قال عليه السّلام:أو ليس اللّه يقول: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فرسول اللّه عند اللّه مرتضى و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللّه على ما يشاء من غيبه فعلّمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة و أنّ الذي أخبرتك يابن هذاب لكائن إلى خمسة أيّام،فإن لم يصحّ ما قلت فإنّي كاذب و إن صح فتعلم أنّك الكاذب على اللّه و رسوله،و دلالة اخرى أمّا أنّك ستصاب ببصرك و تكون أعمى و هذا كائن بعد أيّام،

ص: 348

و دلالة اخرى أنّك تحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص.

قال محمّد بن الفضل:تاللّه لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب،فقيل له:صدق الرضا أم كذب؟قال:و اللّه لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن و لكنّي كنت أتجلّد،ثمّ إنّه عليه السّلام التفت إلى الجاثليق فقال:هل دلّ الإنجيل على نبوة محمد؟.

قال:لو دلّ ما جحدناه.

فقال:أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث؟

فقال الجاثليق:اسم من أسماء اللّه و لا يجوز لنا أن نظهره.

قال عليه السّلام:فإن قررتك أنّه اسم محمّد و ذكره و أقرّ به عيسى و أنّه بشّر بني إسرائيل بمحمّد لتقرّ به و لا تنكر به.قال الجاثليق:إن فعلت أقررت،قال عليه السّلام:فخذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمّد و بشارة عيسى بمحمّد،قال الجاثليق:هات،فأقبل الرضا عليه السّلام يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتّى بلغ ذكر محمّد،فقال:يا جاثليق من هذا الموصوف؟ قال:صفه،قال:لا أصفه إلاّ بما وصفه اللّه هو صاحب الناقة و العصا و الكساء اَلنَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ (1)يهدي إلى الطريق الأقصد و المنهاج الأعدل و الصراط الأقوم،سألتك يا جاثليق بحقّ عيسى روح اللّه و كلمته هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيّ؟فأطرق الجاثليق مليّا و علم أنّه إن جحد الإنجيل كفر،فقال:نعم هذه الصفة في الإنجيل و قد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبيّ و لم يصحّ عند النصارى أنّه صاحبكم.

فقال الرضا عليه السّلام:أمّا إذا لم تكفر بجحود الإنجيل و أقررت بما فيه من صفة محمّد فخذ عليّ في السفر الثالث،فإنّي أوجدك ذكره و ذكر وصيّه و ذكر ابنته فاطمة و ذكر الحسن و الحسين؟

فلمّا سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أنّ الرضا عليه السّلام عالم بالتوراة و الإنجيل فقالا:و اللّه قد أتى بما لا يمكننا ردّه إلاّ بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور و لقد بشّر به موسى و عيسى جميعا و لكن لم يتقرّر عندنا بالصحّة أنّه محمّد هذا،فأمّا اسمه فمحمّد فلا يجوز لنا7.

ص: 349


1- -سورة الأعراف:157.

أن نقرّ لكم بنبوّته و نحن شاكّون أنّه محمّدكم أو غيره.

فقال الرضا عليه السّلام:احتججتم بالشكّ فهل بعث اللّه قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّا اسمه محمّد أو تجدونه في شيء من الكتب الذي أنزلها اللّه على جميع الأنبياء غير محمّد؟فأحجموا عن جوابه و قالوا:لا يجوز لنا أن نقرّ لك بأنّ محمّدا هو محمّدكم،لأنّا إن أقررنا لك بمحمّد و وصيّه و ابنته و ابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها،فقال الرضا عليه السّلام:أنت يا جاثليق آمن في ذمّة اللّه و ذمّة رسوله انّه لا يبدءك منّا شيء تكرهه،قال:

أمّا إذا آمنتني فإنّ هذا النبيّ الذي اسمه محمّد و هذا الوصيّ الذي اسمه علي و هذه البنت التي اسمها فاطمة و هذان السبطان اللّذان اسمهما الحسن و الحسين في التوراة و الإنجيل و الزبور،فلمّا أخذ عليه السّلام إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت:فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود.

قال:هات بارك اللّه عليك و على من ولدك فتلا عليه السّلام السفر الأوّل من الزبور حتّى انتهى إلى ذكر محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين،فقال لرأس الجالوت:سألتك باللّه هذا في زبور داود و لك منّي الأمان و الذمّة و العهد ما قد أعطيته الجاثليق،فقال:نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم،قال الرضا عليه السّلام:بحقّ العشر الآيات التي أنزلها اللّه على موسى ابن عمران هل تجد في التوراة صفة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين منسوبين إلى العدل و الفضل؟قال:نعم،قال:فخذ الآن في سفر كذا من التوراة،فأقبل الرضا عليه السّلام ليتلو التوراة و رأس الجالوت يتعجّب من تلاوته و بيانه و فصاحته حتى إذا بلغ ذكر محمّد قال رأس الجالوت:نعم هذا احماد و اليا و بنت احماد و شبير و شبّر و تفسيرها بالعربية محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين.

فلمّا فرغ من تلاوته قال رأس الجالوت:و اللّه يابن محمّد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد و اتّبعت أمرك فما رأيت أقرأ للتوراة و الإنجيل و الزبور منك،فلم يزل الرضا عليه السّلام معهم إلى وقت الزوال فقال:أنا اصلّي و أصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه و أعود إليكم بكرة إن شاء اللّه،فصلّى و انصرف،فلمّا كان من الغد عاد إلى مجلسه فأتوه بجارية رومية فكلّمها بالرومية و الجاثليق يسمع،فقال الرضا عليه السّلام بالرومية:أيّما أحبّ إليك عيسى أم محمد؟فقالت فيما مضى:

ص: 350

عيسى حين لم أكن عرفت محمّدا فبعد أن عرفته صار أحبّ إليّ من كلّ نبيّ فدخلت في دين محمّد.

ثمّ قال الجاثليق:يابن محمّد هذا رجل سندي نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسندية فاحضره و تكلّم معه بالسندية،فحاجّه و نقله من شيء إلى شيء في النصرانية فسمعناه يقول:ثبطي ثبطله،فقال الرضا عليه السّلام:قد وحّد اللّه بالسندية ثمّ كلّمه في عيسى و مريم فدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و قطع الرضا عليه السّلام زناره بيده.

و قال لمحمّد بن الفضل الهاشمي:خذ السندي إلى الحمّام و طهّره و اكسه و عياله و احملهم جميعا إلى المدينة،فلمّا فرغ من كلام القوم،قال:قد صحّ عندكم صدق ما كان محمّد بن الفضل يقول.فلمّا أصبح و دّع الجماعة و أوصاني بما أراد و مضى و تبعته حتّى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق ثمّ قال:غمّض طرفك فغمضته ثمّ قال:افتح عينيك ففتحتها،فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة و لم أر الرضا عليه السّلام و كان فيما أوصاني في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي:صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك و اعلمهم أنّي قادم عليهم،فصرت إلى الكوفة و أعلمت الشيعة أنّ الرضا عليه السّلام قادم عليكم فرأيت يوما سلام خادم الرضا عليه السّلام فعلمت أنّه قد قدم فبادرت إليه،فقال لي عليه السّلام:احتشد من طعام تصلحه للشيعة،فقلت:قد فعلت فجمعنا الشيعة،فلمّا أكلوا قال عليه السّلام:يا محمّد انظر من بالكوفة من المتكلّمين و العلماء فأحضرناهم،فقال لهم:إنّي اريد أن أجعل لكم حظّا من نفسي كما جعلته لأهل البصرة و أنّ اللّه قد علّمني كلّ كتاب أنزله ثمّ أقبل على الجاثليق و كان معروفا بالجدل و العلم و الإنجيل،فقال عليه السّلام:يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلّقها في عنقه إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على اللّه باسم واحد من الخمسة الأسماء أن تطوى له الأرض فيصير من المغرب إلى المشرق و من المشرق إلى المغرب في لحظة،فقال الجاثليق:لا علم لي فيها،و أمّا الأسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل اللّه بها أو بواحد منها يعطيه اللّه ما يسأله قال:اللّه أكبر إذ لم تنكر الأسماء،فأمّا الصحيفة فلا يضرّ أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا على قوله ثمّ قال:يا معاشر الناس أليس أنصف الناس من حاجّ خصمه بملّته و كتابه و نبيّه و شريعته؟

ص: 351

قالوا:نعم،قال عليه السّلام:فاعلموا أنّه ليس بإمام بعد محمّد إلاّ من قام بما قام به محمّد حين يفضي الأمر إليه،و لا يصلح للإمامة إلاّ من حاجّ الامم بالبراهين للإمامة.

فقال رأس الجالوت:و ما الدليل على الإمام؟قال:أن يكون عالما بالتوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن الحكيم فيحاجّ أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم و أهل القرآن بقرآنهم و أن يكون عالما بجيمع اللغات حتّى لا يخفى عليه لسان واحد فيحاجّ كلّ قوم بلغتهم ثمّ يكون مع هذه الخصال تقيّا نقيّا من كلّ دنس طاهرا من كلّ عيب عادلا منصفا حكيما رؤوفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارّا طاهرا أمينا مأمونا راتقا فاتقا،فقام إليه نصر بن مزاحم فقال:ما تقول في جعفر بن محمّد؟

فقال:ما أقول في إمام شهدت امّة محمّد قاطبة بأنّه كان أعلم أهل زمانه،قال:فما تقول في موسى بن جعفر؟قال:كان مثله قال:فإنّ الناس قد تحيّروا في أمره،قال:إنّ موسى بن جعفر عمّر برهة من الزمان فكان يكلّم الناس بلغاتهم و كتبهم،فلمّا نفدت مدّته و كان وقت وفاته أتاني مولى له برسالته يقول:يا بني إنّ الأجل قد نفد و المدّة قد انقضت و أنت وصيّ أبيك،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لمّا كان وقت وفاته دعى عليا و أوصاه و دفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خصّ اللّه بها الأنبياء و الأوصياء ثمّ قال:يا علي ادن منّي فغطّى رأس علي عليه السّلام ثمّ قال له:اخرج لسانك فأخرجه فختمه بخاتمه ثمّ قال:يا علي اجعل لساني في فمك فمصّه و أبلغ عنّي كلّ ما تجد في فيك،ففعل عليّ ذلك،فقال:إنّ اللّه قد فهمك ما فهّمني و بصّرك ما بصّرني و أعطاك من العلم ما أعطاني إلاّ النبوّة فإنّه لا نبيّ بعدي ثمّ كذلك إمام بعد إمام،فلمّا مضى موسى علمت كلّ لسان و كلّ كتاب (1).

[في]عيون الأخبار مسندا إلى الهروي قال:رفع إلى المأمون أنّ الرضا عليه السّلام يعقد مجالس الكلام و الناس يفتتنون بعلمه فأمر حاجبه فطرد الناس عن مجلسه و أحضره،فلمّا نظر إليه زبره و استخف به فخرج عليه السّلام مغضبا و هو يدمدم بشفتيه و يقول:و حقّ المصطفى و المرتضى و سيّدة النساء لأستنزلن من حول اللّه عزّ و جلّ بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب أهل هذه الكورة إيّاه و استخفافهم به و بخاصّته و عامّته،ثمّ توضّأ و صلّى ركعتين و دعا في قنوته دعاء طويلا فما استتمه حتّى ارتجّ البلد و ارتفعت الصيحة،فقال عليه السّلام:اصعد7.

ص: 352


1- -الخرائج و الجرائح:351/1،و مدينة المعاجز:215/7.

السطح فإنّك سترى امرأة بغيّة مهيجة الأشرار يسمّيها أهل هذه الكورة سمانة لتهتكها قد اسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا و هي تقود الجيوش إلى قصر المأمون و منازل قوّاده فصعدت السطح فلم أر إلاّ نفوسا تنزع بالعصيّ و هامات ترضخ بالأحجار و لقد رأيت المأمون متدرّعا قد برز من قصره متوجّها للهرب،فما شعرت إلاّ بشاجرد الحجّام قد رمى من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون فأسقطت بيضته بعد أن شقّت جلدة هامته.

فقال لقاذف اللبنة بعض من عرف المأمون:ويلك أمير المؤمنين،فسمعته سمانة فقالت:اسكت لا امّ لك ليس هذا يوم التميّز و المحاباة و لا يوم أنزل الناس على طبقاتهم، فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلّط ذكور الفجّار على فروج الأبكار و طرد المأمون و جنوده أسوء طرد بعد إذلال و استخفاف شديد (1).

و في المناقب في آخر الحديث:و نهبوا أمواله فصلب المأمون أربعين غلاما و علم ذلك من الاستخفاف بالرضا عليه السّلام فانصرف و دخل عليه و حلّفه أن لا يقوم و قبّل رأسه و جلس بين يديه و قال:لم تطب نفسي بعد مع هؤلاء فما ترى؟

فقال عليه السّلام:اتّق اللّه في امّة محمّد و ما ولاّك من هذا الأمر و خصّك به،فإنّك قد ضيّعت امور المسلمين و فوّضت ذلك إلى غيرك (2).

و فيه أيضا عن الهروي قال:كان الرضا عليه السّلام يكلّم الناس بلغاتهم و كان و اللّه أفصح الناس و أعلمهم بكلّ لسان و لغة،فقلت له يوما:يابن رسول اللّه إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها،فقال:يا أبا الصلت أنا حجّة اللّه على خلقه و ما كان اللّه ليتّخذ حجّة على قوم و هو لا يعرف لغاتهم،أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السّلام:اوتينا فصل الخطاب،فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات (3).

أقول: كلّما ورد في تفسير فصل الخطاب يرجع عند التحقيق إلى معرفة اللغات لأنّه ليس المراد معرفة التكلّم و النطق بها فقط بل هذا مع بيانها و تميّز الحقّ منها من الباطل7.

ص: 353


1- -عيون أخبار الرضا:184/1،و مدينة المعاجز:146/7.
2- -عيون أخبار الرضا:170/1،و بحار الأنوار:84/49 ح 2.
3- -عيون أخبار الرضا:251/1،و مدينة المعاجز:124/7.

و البلاغة الراجعة إليها و فصاحتها إلى غير ذلك ممّا يتعلّق بها.

[في]البصائر،عن الجعفري قال:دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فقال:يا أبا هاشم كلّم هذا الخادم بالفارسية فإنّه يزعم أنّه يحسنها،فقلت للخادم:(زانويت چيست)؟فلم يجبني.

فقال عليه السّلام:يقول ركبتك،ثمّ قلت:(نافت چيست)؟فلم يجبني،فقال عليه السّلام:يقول سرّتك.

و فيه أيضا عن سليمان الجعفري قال:كنت مع أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حايط له إذ جاءت عصفورة فوقعت بين يديه و أخذت تكثر الصياح،فقال:تدري ما تقول؟فقلت:اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم،قال:إنّها تقول أنّ حيّة تريد أكل فراخي في البيت،فقم فخذ تلك العصا و ادخل البيت و اقتل الحيّة،فأخذت العصا و دخلت البيت و إذا حيّة تجول في البيت،فقتلتها (1).

[في]الأمالي عن إبراهيم بن العبّاس قال:كان الرضا عليه السّلام يختم القرآن في كلّ ثلاث و يقول:لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت و لكنّي ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها و في أيّ شيء انزلت و في أيّ وقت،فلذلك صرت أختم في كلّ ثلاث (2).

[في]عيون الأخبار عن رجاء بن الضحّاك قال:بعثني المأمون في إشخاص الرضا عليه السّلام من المدينة و أمرني أن أخذ به على طريق البصرة و الأهواز و فارس و لا آخذ به على طريق قم فكنت معه من المدينة إلى مرو،ثمّ ذكر عبادته في الطريق في حديث طويل نقي الألفاظ مهذّب العبارات ما رأيت حديثا مثله في التهذيب و التحرير و الطول يشتمل على الفرائض و النوافل و الأوقات و كيفيّات الصلاة و جملة من أحكام الصلاة ذكرها بعض فقهائنا و اعترف آخرون بأنّها خالية من النصّ و لا دليل عليها مع أنّ دليلها في هذا الحديث و هو مذكور بتمامه في الكتاب المذكور،و بعض المعاصرين من مشايخنا الثقاة أفرده بكتاب على حدته لكثرة ما فيه من الفوائد (3).1.

ص: 354


1- -بصائر الدرجات:358،و مسند الأمام الرضا:254/1.
2- -أمالي الصدوق:758 ح 14،و أخبار الرضا:193/1
3- -عيون أخبار الرضا:194/1،و مسند الأمام الرضا:40/1.

و فيه أيضا عن إبراهيم بن العبّاس قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:حلفت بالعتق و لا أحلف بالعتق إلاّ أعتقت رقبة و أعتقت بعدها جميع ما أملك إن كنت أرى أنّي خير من هذا و أومى إلى عبد أسود من غلمانه،بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلاّ أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل به منه (1).

أقول: روى هذا الحديث بألفاظ غير هذه الألفاظ و قد حصل منه تعقيد احتاج أصحاب الحديث إلى تأويله و التكلّف له و ما هنا هو الأصحّ،نعم فيه الإشكال من جهة الحلف بالعتق و هو ليس من مذهبنا،نعم هو من مذهب المخالفين فيحمل على التقية،و أمّا عتق باقي المماليك فيكون تبرّعا منه عليه السّلام أو كفّارة لذلك الحلف.

[في]المناقب،عن اليقطيني قال:لمّا اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السّلام جمعت من مسائله ممّا سئل عنه و أجاب عنه ثمانية عشر ألف مسألة (2).9.

ص: 355


1- -عيون أخبار الرضا:262/1،و بحار الأنوار:95/49 ح 9.
2- -المناقب:461/3،و غيبة الطوسي:73 ح 79.

كيفيّة أكل الكاظم عليه السلام

[في]المحاسن،عن أبي خلاّد قال:كان أبو الحسن الرضا عليه السّلام إذا أكل اتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به،فيأخذ من كلّ شيء شيئا فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين ثمّ يتلو هذه الآية: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ثمّ يقول:علم اللّه عزّ و جلّ أن ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنّة (1).

و عن موسى بن سيّار قال عليه السّلام:أما علمت انّا معاشر الأئمّة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا و مساء،فما كان من التقصير في أعمالنا سألنا اللّه تعالى الصفح لصاحبه و ما كان من العلو سألنا اللّه الشكر لصاحبه (2).

و في المناقب:أنّ الرضا عليه السّلام دخل الحمّام،فقال له بعض الناس:دلّكني فجعل يدلكه فعرفوه،فجعل الرجل يستعذر منه و هو يطيّب قلبه و يدلكه (3).

و مرّ رجل بأبي الحسن الرضا عليه السّلام فقال له:اعطني على قدر مروّتك قال:لا يسعني ذلك،فقال:على قدر مروّتي،فقال:أمّا ذا،فنعم،ثمّ قال:يا غلام اعطه مائتي دينار، و فرّق عليه السّلام بخراسان ماله كلّه يوم عرفة،فقال له الفضل بن سهل:إنّ هذا المغرم أي الإسراف فقال:بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتغيت به أجرا و كرما (4).

[في]الكافي،عن اليسع بن حمزة قال:دخل على الرضا عليه السّلام رجل طوال أدم فقال:

أنا من محبّيك مصدري من الحجّ و قد افتقدت نفقتي فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تعطيني عنك فلست موضع صدقة،فقال:اجلس رحمك اللّه فجلس حتّى تفرّق الناس و بقى سليمان الجعفري و خيثمة و أنا،فدخل الحجرة و أخرج يده

ص: 356


1- -المحاسن:392/2،و الكافي:52/4 ح 12.
2- -المناقب:452/2،و مدينة المعاجز:229/7 ح 179.
3- -المناقب:471/3،و بحار الأنوار:99/49 ح 16.
4- -المناقب:470/3،و بحار الأنوار:100/49 ح 16.

من أعلى الباب و قال:أين الخراساني؟فناوله مائتي دينار،فقال:اخرجها في نفقتك و لا تصدق بها عنّي و اخرج فلا أراك و لا تراني ثمّ خرج،فقال سليمان:لقد أجزلت و رحمت فلم ذا سترت وجهك عنه؟

فقال:مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته،أما سمعت حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة و المذيع بالسيّئة مخذول و المستتر بها مغفور،أما سمعت قول الأوّل شعر:

متى آته يوما لأطلب حاجة *** رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه

انتهى ملخّصا (1).

و فيه عن البغدادي عمّن أخبره قال:نزل بالرضا عليه السّلام ضيف و كان يحدّثه في بعض الليل فتغيّر السّراج فمدّ الرجل يده ليصلحه فزبره أبو الحسن عليه السّلام ثمّ بادر بنفسه فأصلحه و قال:إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا (2).

و عن ياسر الخادم قال:أكل الغلمان يوما فلم[يستقصوا] (3)أكلها و رموا بها فقال عليه السّلام:سبحان اللّه إن كنتم استغنيتم،فإنّ اناسا لم يستغنوا اطعموا من يحتاج إليه.

و عنه قال:قال لنا الرضا عليه السّلام:إن قمت على رؤوسكم و أنتم تأكلون فلا تقوموا حتّى تفرغوا (4).

و فيه عن الجعفري قال:دخلت على الرضا عليه السّلام و بين يديه تمر برني و هو يأكله بشهوة،فقال:ادن و كل فأكلت معه فقلت:إنّك تأكل هذا التمر بشهوة؟قال:نعم إنّي لأحبّه، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان تمريا و كان سيّد العابدين عليه السّلام تمريا و كان أبو جعفر عليه السّلام تمريا و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام تمريا و كان أبي تمريا و إنّي تمريّ و شيعتنا يحبّون التمر،لأنّهم خلقوا من طينتنا و أعداؤنا يحبّون المسكر لأنّهم خلقوا من مارج من نار (5).

و فيه عن البزنطي:أنّ الرضا عليه السّلام كان يترب الكتاب.3.

ص: 357


1- -الكافي:24/4 ح 3،و المناقب:470/3.
2- -الكافي:283/6 ح 2،و بحار الأنوار:102/49 ح 20.
3- -زيادة من المصدر.
4- -الكافي:297/6 ح 8،و بحار الأنوار:102/49 ح 21.
5- -وسائل الشيعة:136/25 ح 3،و بحار الأنوار:103/49 ح 23.

أقول: معناه أنّه يذر التراب على الكتاب قبل جفاف المداد ليجفّ و قيل:كناية عن التواضع فيه و قيل:معناه جعله على الأرض عند تسليمه إلى الحامل و هما بعيدان.

و عن محمّد بن الفضيل عن الرضا عليه السّلام أنّه قال لبعض مواليه يوم الفطر و هو يدعو له:

يا فلان تقبّل اللّه منك و منّا،ثمّ أقام حتّى إذا كان يوم الأضحى فقال له:يا فلان تقبّل اللّه منّا و منك،قال:فقلت له:يابن رسول اللّه قلت في الفطر شيئا و تقول في الأضحى غيره؟

فقال:نعم،إنّي قلت في الفطر تقبّل اللّه منك و منّا لأنّه فعل مثل فعلي و تواسينا في الفعل،و قلت له في الأضحى:تقبّل منّا و منك لأنّا يمكنّا أن نضحى فقد فعلنا نحن غير فعله (1).

و عن سليمان الجعفري قال:دخلت مع الرضا عليه السّلام داره فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين المعالف أو غيرها و فيهم أسود ليس منهم،فقال:ما هذا الرجل؟قالوا:يعاوننا و نعطيه شيئا،قال:قاطعتموه على اجرته؟قالوا:لا،يرضى منّا بما نعطيه،فأقبل عليهم يضربهم بالسّوط و غضب لذلك غضبا شديدا و قال:إنّي نهيتهم عن هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد حتّى يقاطعوه اجرته و اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثمّ زدته ثلاثة أضعاف على اجرته إلاّ ظنّ أنّك نقصته اجرته و إذا قاطعته ثمّ أعطيته اجرته حمدك على الوفاء،فإن زدته حبّة عرف ذلك و رأى أنّك قد زدته (2).

[في]عيون الأخبار،عن الرضا عليه السّلام إنّ المأمون قال له:هل رويت من الشعر شيئا؟

فقال:قد رويت منه الكثير،فقال:انشدني أحسن ما رويته في الحلم،فقال عليه السّلام شعر:

إذا كان دوني من بليت بجهله *** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل

و إن كان مثلي في محلّي من النهىّ *** أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

و إن كنت أدنى منه في الفضل و الحجى *** عرفت له حقّ التقدّم و الفضل

قال له المأمون:ما أحسن هذا،هذا من قاله؟قال بعض فتياننا،قال:فانشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل و ترك عتاب الصديق،فقال عليه السّلام شعر:4.

ص: 358


1- -الكافي:181/4 ح 4،و بحار الأنوار:105/49 ح 33.
2- -الكافي:288/5 ح 1،و بحار الأنوار:106/49 ح 34.

إنّي ليهجرني الصديق بحبّنا *** فأراه أنّ لهجره أسبابا

و أراه إن عاتبته أغريته *** و أرى له ترك العتاب عتابا

و إذا بليت بجاهل متحكّم *** يجد المحال من الامور صوابا

أوليته منّي السكوت و ربّما *** كان السكوت عن الجواب جوابا

فقال له المأمون:ما أحسن هذا من قاله؟

فقال عليه السّلام:بعض فتياننا،قال:انشدني أحسن ما رويته في استجلاب العدوّ حتّى يكون صديقا فقال عليه السّلام شعر:

و ذي علّة سالمته فقهرته *** فأوقرته منّي بعفو التجمّل

و من لا يدافع سيّئات عدوّه بإحسانه *** لم يأخذ الطول من عليّ

و لم أر في الأشياء أسرع مهلكا *** لغمر قديم من وداد معجّل

فقال له المأمون:ما أحسن هذا،من قاله؟قال:بعض فتياننا،قال:فانشدني أحسن ما رويته في كتمان السرّ،فقال عليه السّلام شعر:

و انّي لأنسى السرّ كيلا أذيعه *** فيا من رأى سرّا يصان بأن ينسا

مخافة أن يجري ببالي ذكره *** فينبذه قلبي إلى ملتوى الحشا

فيوشك من لم يفش سرّا و جال فيّ خواطره *** أن لا يطيق له حبسا

فأمر له المأمون بثلاثمائة ألف درهم (1).

قال الصدوق رحمه اللّه بعد إيراد هذا الخبر:كان سبيل ما يقبله الرضا عليه السّلام من المأمون سبيل ما كان يقبله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من الملوك و سبيل ما كان يقبله الحسن عليه السّلام من معاوية و سبيل ما كان يقبله الأئمّة من آبائه عليهم السّلام من الخلفاء و ما كانت الدّنيا كلّها له فغلب عليها ثمّ أعطى بعضها،فجائز له أن يأخذه.

أقول: لعلّ الأشعار المذكورة له عليه السّلام و قوله:بعض فتياننا في الكلّ مشعر به كما لا يخفى.

و فيه أيضا عن ابن المغيرة قال:سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول شعر:

إنّك في دار لها مدّة *** يقبل فيها عمل العامل9.

ص: 359


1- -عيون أخبار الرضا:188/1،و بحار الأنوار:108/49.

ألا ترى الموت محيطا بها *** يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذنب لما تنتهي *** و تأمل التوبة في قابل

و الموت يأتي أهله بغتة *** ما ذاك فعل الحازم العاقل (1)

و قال الريّان:أنشدني الرضا عليه السّلام لعبد المطّلب شعر:

يعيب الناس كلّهم زمانا *** و ما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا و العيب فينا *** و لو نطق الزمان بنا هجانا

و أنّ الذئب يترك لحم ذئب *** و يأكل بعضنا بعضا عيانا (2)

و عن إبراهيم بن العبّاس قال:كان الرضا عليه السّلام ينشد كثيرا شعر:

إذا كنت في خير فلا تغترر به *** و لكن قل اللّهم سلّم و تمّم (3)9.

ص: 360


1- -عيون أخبار الرضا:189/1،و الأختصاص:98.
2- -عيون أخبار الرضا:190/1،و بحار الأنوار:111/49.
3- -عيون أخبار الرضا:191/1،و بحار الأنوار:111/49 ح 9.

الفصل الثالث

اشارة

فيما جرى بينه و بين هارون و أتباعه في كيفيّة طلب المأمون له

من المدينة و في وروده نيسابور و في ولاية العهد و قبوله عليه السّلام لها

و فيما جرى بينه و بين المأمون

[في]عيون الأخبار عن صفوان بن يحيى قال:لمّا مضى الكاظم عليه السّلام و تكلّم الرضا عليه السّلام خفنا عليه من ذلك،فقلت له:إنّك قد أظهرت أمرا عظيما و إنّما نخاف عليك هذا الطاغي فقال:ليجهد جهده فلا سبيل له عليّ،قال صفوان:فأخبرنا الثقة أنّ يحيى بن خالد قال للطاغي:هذا عليّ ابنه قد قعد و ادّعى الأمر لنفسه فقال:ما يكفينا ما صنعنا بأبيه تريد أن نقتلهم جميعا و لقد كانت البرامكة مبغضين لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مظهرين العداوة لهم (1).

و فيه عن أبي الحسن الطّبيّب قال:لمّا توفّي الكاظم عليه السّلام دخل الرضا عليه السّلام السوق فاشترى كلبا و كبشا و ديكا،فلمّا كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون قال:قد أمنا جانبه و كتب الزبيري:أنّ علي بن موسى قد فتح بابه و دعى إلى نفسه،فقال هارون:و اعجبا من هذا يكتب أنّ عليّ بن موسى قد اشترى كلبا و ديكا و كبشا و يكتب فيه ما يكتب (2).

[عن]حمزة الارجاني قال:خرج هارون من المسجد الحرام مرّتان و خرج الرضا عليه السّلام مرّتان فقال عليه السّلام:ما أبعد الدار و أقرب اللقاء يا طوس ستجمعني و إيّاه (3).

[في]الكافي عن محمّد بن سنان قال:قلت لأبي الحسن الرضا في أيّام هارون:إنّك قد شهرت نفسك بهذا الأمر و جلست مجلس أبيك و سيف هارون يقطر الدم قال:جرّأني

ص: 361


1- -عيون أخبار الرضا:246/1،و الكافي:487/1 ح 2.
2- -مناقب آل أبي طالب:478/3،و عيون أخبار الرضا:222/1.
3- -الثاقب في المناقب:492 ح 7،و مدينة المعاجز:78/7.

على هذا ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بنبيّ و أنا أقول لكم:إن أخذ هارون من رأسي شعرة،فاشهدوا أنّي لست بإمام (1).

[في]عيون الأخبار عن أبي الحسن الصايغ عن عمّه قال:خرجت مع الرضا عليه السّلام إلى خراسان أو آمره في قتل رجاء بن أبي الضحّاك الذي حمله إلى خراسان فنهاني عن ذلك فقال:تريد أن تقتل نفسا مؤمنة بنفس كافرة فلمّا صار إلى الأهواز مرض و قال لأهل الأهواز:

اطلبوا لي قصب سكّر،فقال بعض أهل الأهواز ممّن لا يعقل:اعرابي لا يعلم أنّ القصب لا يوجد في الصيف،فقالوا:يا سيّدنا القصب لا يكون في هذا الوقت إنّما يكون في الشتاء، فقال:بلى اطلبوه فإنّكم ستجدونه،فقال إسحاق بن محمّد:و اللّه ما طلب سيّدي إلاّ موجودا،فأرسلوا إلى جميع النواحي فجاء أكرة إسحاق فقالوا:عندنا شيء ادّخرناه لبذره نزرعه و كانت هذه إحدى براهينه (2).

و عن خديجة بنت حمدان بن بسنده قالت:لمّا دخل الرضا عليه السّلام نيشابور نزل محلّة العزفى ناحية تعرف بلاشاباد في دار جدّي بسنده،و إنّما سمّي بسنده لأنّ الرضا عليه السّلام ارتضاه من بين الناس،و بسنده هي كلمة فارسية معناها مرضيّ،فلمّا نزل عليه السّلام دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار فأثمرت في سنة فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة فمن أصابته علّة تبرّك بالتناول من ذلك اللوز فعوفي،و من أصابه رمد جعل ذلك اللوز على عينه فعوفي و كانت الحامل إذا عسر عليها ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخفّ عليها الولادة و تضع من ساعتها،و إذا أخذ دابّة القولنج أخذ من قضبان تلك الشجرة فأمرّ على بطنها فتعافى،فمضت الأيّام على تلك الشجرة و يبست فجاء جدّي حمدان فقطع أغضانها فعمى،و جاء ابن لحمدان و قطع تلك الشجرة من وجه الأرض فذهب ماله كلّه، و كان لولد حمدان ولدان فأرادا عمارة تلك الأرض و قلعا الباقي من أصل الشجرة و هما لا يعلمان ما يتولّد عليهما،فماتا جميعا في أقلّ من سنة (3).

و فيه عن الصفواني قال:خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم1.

ص: 362


1- -الكافي:257/8 ح 371،و بحار الأنوار:59/49.
2- -عيون أخبار الرضا:222/1،و مدينة المعاجز:53/7 ح 52.
3- -عيون أخبار الرضا:141/1 ح 1.

الطريق فأخذوا منهم رجلا اتّهموه بكثرة المال فبقي في أيديهم مدّة يعذّبونه ليفتدى منهم نفسه و أقاموه في الثلج فشدّوه و ملأوا فاه من ذلك الثلج،فرحمته امرأة من نسائه فأطلقته و هرب فانفسد فمه و لسانه حتّى لم يقدر على الكلام،ثمّ انصرف إلى خراسان و سمع أنّ الرضا عليه السّلام بنيشابور فرأى فيما يرى النائم أنّه شكى إلى الرضا عليه السّلام علّته فقال له:خذ الكمّون و السعتر و الملح و دقّه و خذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثا فإنّك تعافى،فانتبه الرجل و لم يعتدّ بما رأى حتّى قصد الرضا عليه السّلام و دخل عليه و حكى له علّته،فقال عليه السّلام:اذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك و هو الملح و السعتر و الكمّون فإنّك ستعافى فاستعمله الرجل مرّتين أو ثلاثا فعوفي (1).

قدور خراسان و البركة فيها

و عن الهروي قال:لمّا خرج الرضا عليه السّلام من نيشابور إلى المأمون فبلغ القرب القرية الحمراء قيل له:يابن رسول اللّه قد زالت الشمس أفلا تصلّي؟فنزل و قال:ائتوني بماء، فقيل:ما معنا ماء فبحث عليه السّلام بيده الأرض فنبع الماء فتوضّأ هو و من معه و أثره باق إلى اليوم فلمّا دخل سناباد استند إلى الجبل الذي ينحت منه القدور،فقال:اللّهم انفع به و بارك فيما يجعل فيما ينحت منه ثمّ أمر عليه السّلام فنحت له قدور من الجبل و قال:لا يطبخ ما آكله إلاّ فيها و كان عليه السّلام خفيف الأكل قليل الطعم فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم و قد ظهرت بركة دعائه فيه،ثمّ دخل دار حميد بن قحطبة الطائي و دخل القبّة التي فيها قبر هارون ثمّ خطّ بيده إلى جانبه ثمّ قال:هذه تربتي و فيها أدفن و سيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي و أهل محبّتي و اللّه ما يزورني منهم زائر و لا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلاّ وجب اللّه له غفران اللّه و رحمته (2).

ص: 363


1- -بحار الأنوار:124/49 ح 6.
2- -عيون أخبار الرضا:147/1 ح 1،و بحار الأنوار:125/49 ح 1.

حديث خروجه من نيشابور

[في]كشف الغمّة عن المولى السعيد عماد الدّين الوزّان:أنّ الرضا عليه السّلام لمّا دخل إلى نيشابور كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضّة و ذهب فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية:أبو زرعة و محمد بن أسلم الطوسي رحمهما اللّه، فقالا:أيّها السيّد ابن السادة بحقّ آبائك الأطهرين ألاّ أريتنا وجهك المبارك و رويت لنا حديثا عن آبائك،فرفع المظلّة و الناس على طبقاتهم قيام بين صارخ و باك و ممزّق ثوبه و متمرّغ في التراب و مقيل حزام بغلته إلى أن انتصف النهار و جرت الدموع كالأنهار و سكنت الأصوات و صاحت الأئمّة و القضاة:معاشر الناس اسمعوا و عوا و لا تؤذوا رسول اللّه في عترته فأملى صلوات اللّه عليه هذا الحديث و عدّ من المحابر أربع و عشرون ألفا سوى الدّوي و المستملي أبو زرعة الرازي و محمّد بن أسلم الطوسي،فقال:حدّثني أبي موسى بن جعفر الكاظم قال:

حدّثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال:حدّثني أبي محمّد بن علي الباقر قال:حدّثني أبي عليّ بن الحسين زين العابدين قال:حدّثني أبي الحسين بن علي الشهيد بأرض كربلاء قال:حدّثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد الكوفة قال:حدّثني أخي و ابن عمّي محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:حدّثني جبرئيل عليه السّلام قال:سمعت ربّ العزّة سبحانه و تعالى يقول:كلمة لا إله إلاّ اللّه حصني فمن قالها دخل حصني،و من دخل حصني أمن من عذابي.

قال الاستاذ أبو القاسم القشيري:إنّ هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض امراء السّامانية فكتبه بالذهب و أوصى أن يدفن معه،فلمّا مات رأي في المنام فقيل:ما فعل اللّه بك؟

فقال:غفر اللّه لي بتلفّظي بلا إله إلاّ اللّه و تصديقي محمّدا رسول اللّه مخلصا و أنّي كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما و احتراما (1).

ص: 364


1- -كشف الغمة:102/3،و مستدرك الوسائل:485/2.

أقول: روى في حديث الأمالي من قال:لا إله إلاّ اللّه مخلصا بها دخل حصني،قالوا:

يابن رسول اللّه و ما إخلاص الشهادة للّه؟قال:طاعة اللّه و طاعة رسوله و ولاية أهل بيته عليه السّلام عليهم السّلام.

و في حديث آخر:فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها و أنا من شروطها،فدلّ على أنّ كلمة التوحيد لا تكون منجية من النار إلاّ بولاية الأئمّة عليهم السّلام و اعتقاد أنّهم أئمّة تجب إطاعتهم كطاعة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيكون من خالفنا في الاعتقاد غير داخل في التوحيد و إذا لم يدخل في التوحيد يكون داخلا في الشرك و الكفر كما مرّ الكلام عليه.

و روينا في شرح كتاب توحيد الصدوق أنّ الحديث بهذا السند ما قرئ على مصروع إلاّ برئ و لا على مريض إلاّ عوفي و قد جرّب في المصروع و المريض،فإذا كانت هذه الأسماء المباركة تشفي من أسقام الأبدان فيكون شفاؤها من أسقام الذنوب و الأرواح بالطريق الأولى لشدّة المناسبة بينها و بين الأرواح.

و من ثمّ لم يقبل اللّه سبحانه التوبة من آدم عليه السّلام إلاّ لمّا توسّل إليه بها،و هي الكلمات التي تلقّاها من ربّه فتاب عليه (1).6.

ص: 365


1- -مستمسك العروة:183/4،و بحار الأنوار:7/3 ح 16.

سبب قبول ولاية العهد

[في]علل الشرائع عن أبي الصلت الهروي قال:إنّ المأمون قال للرضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و عبادتك و أراك أحقّ بالخلافة منّي،إلى أن قال:فإنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة و أجعلها لك و ابايعك،فقال عليه السّلام:إن كانت هذه الخلافة لك و جعلها اللّه لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسك اللّه و تجعله لغيرك،و إن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك،فقال له المأمون:يابن رسول اللّه لابدّ لك من قبول هذا الأمر،فقال:لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أيّاما حتّى يئس من قبوله،فقال له:فإن لم تقبل الخلافة و لم تحبّ مبايعتي فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي،فقال عليه السّلام:لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنّي أخرج من الدّنيا قبلك مقتولا بالسمّ مظلوما تبكي عليّ ملائكة السماوات و ملائكة الأرض و ادفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد،فبكى المأمون ثمّ قال له:و من ذا الذي يقدر على قتلك و أنا حيّ،فقال:أمّا أنّي لو أشاء أن أقول من ذا الذي يقتلني لقلت،فقال:يابن رسول اللّه إنّما تريد بقولك هذا دفع هذا الأمر عنك ليقول الناس إنّك زاهد في الدّنيا؟

فقال الرضا عليه السّلام:و اللّه ما كذبت منذ خلقني ربّي و ما زهدت في الدنيا للدنيا و أنّي لأعلم ما تريد،فقال المأمون:و ما اريد؟قال:الأمان على الصدق؟قال:لك الأمان،قال:

تريد بذلك أن يقول الناس إنّ عليّ بن موسى لم يزهد في الدّنيا بل زهدت الدّنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة،فغضب المأمون و قال:إنّك تلقّاني أبدا بما أكرهه و قد أمنت سطواتي فباللّه أقسم لئن قبلت ولاية العهد و إلاّ أجبرتك على ذلك،فإن فعلت و إلاّ ضربت عنقك،فقال عليه السّلام:قد نهاني اللّه عزّ و جلّه أن ألقي بيدي إلى التهلكة فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدالك و أنا أقبل ذلك على أنّي لا أولّي أحدا و لا أعزل أحدا و لا أنقض رسما و لا سنّة و أكون في الأمر من بعيد مشيرا،فرضي منه بذلك و جعله وليّ عهده

ص: 366

على كراهة منه عليه السّلام لذلك (1).

[في]الأمالي عن الريان قال:دخلت على الرضا عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه إنّ الناس يقولون:إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدّنيا؟

فقال عليه السّلام:قد علم اللّه كراهتي لذلك،فلمّا خيّرت بين قبول ذلك و بين القتل اخترت القبول على القتل،ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السّلام كان نبيّا رسولا فلمّا رفعته الضرورة تولّى خزائن العزيز،فقال له: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (2)و دفعتني الضرورةإلى قبول ذلك على إكراه و إجبار بعد الإشراف على الهلاك على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه فإلى اللّه المشتكى و هو المستعان (3).

و فيه عن الحسن بن الجهم عن أبيه قال:صعد المأمون المنبر ليبايع الرضا عليه السّلام فقال:

أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام و اللّه لو قرئت هذه الأسماء على الصمّ و البكم لبرئوا بإذن اللّه عزّ و جلّ.

[في]عيون الأخبار عن أبي طاهر قال:أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرّب إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسوله صلّى اللّه عليه و اله بصلة رحمه بالبيعة لعليّ بن موسى ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم و ما كان يقدر على خلافه في شيء فوجّه من خراسان و أشخص الرضا عليه السّلام إلى مرو و ولاّه العهد من بعده و أمر للجند برزق سنة و كتب إلى الآفاق بذلك و سمّاه الرضا عليه السّلام و ضرب الدراهم باسمه و أمر الناس بلبس الخضرة و ترك السواد و زوّجه ابنته امّ حبيبة و زوّج ابنه محمّد بن عليّ عليه السّلام ابنته امّ الفضل بنت المأمون و تزوّج هو بنوران بنت الحسن بن سهل كلّ هذا في يوم واحد و ما كان يحب أن يتمّ العهد للرضا عليه السّلام بعده.

أقول: و وجه ذلك أنّ الفضل النوبختي كان عالما بالنجوم فكتب إلى المأمون سرّا أنّ البيعة و عقدها هذا الوقت لا يتمّ من جهة علم النجوم فكتب المأمون إليّ إيّاك أن تخبر به أحدا و قل للفضل ذي الرياستين أن يعقد البيعة هذا الوقت،فعرفت أنّ المأمون لا يريد تمام الأمر في البيعة للرضا عليه السّلام و يدلّ عليه أنّه بعد عقد البيعة للرضا عليه السّلام من الناس حضر العيد1.

ص: 367


1- -علل الشرائع:237/1 ح 1،و أمالي الصدوق:126.
2- -سورة يوسف:55.
3- -أمالي الصدوق:130 ح 3،و علل الشرائع:239/1.

فبعث المأمون إلى الرضا عليه السّلام يسأله أن يحضر العيد للصلاة و يخطب لتطمئن قلوب الناس و يعرفوا فضله فبعث إليه الرضا عليه السّلام قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر.

فقال المأمون:إنّما أريد بهذا الأمر أن يرسخ في قلوب العامّة و الجند هذا الأمر فلم يزل يراده الكلام في ذلك،فلمّا ألحّ عليه قال:إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ و إن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السّلام قال المأمون:اخرج كما تحبّ و أمر المأمون القوّاد و الناس أن يبكروا إلى باب الرضا عليه السّلام فقعد الناس في الطرقات و السطوح من الرجال و النساء و الصبيان و اجتمع القوّاد على بابه،فلمّا طلعت الشمس اغتسل عليه السّلام و تعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه و تشمّر و أمر مواليه بمثل فعله و أخذ بيده عكازة و خرج و نحن بين يديه و هو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة،فلمّا قام و مشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء و كبّر أربع تكبيرات فخيّل إلينا أنّ الهوى و الحيطان تجاوبه و القوّاد و الناس على الباب قد تزيّنوا و لبسوا السلاح[و تهيئوا بأحسن هيئة] (1)فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصورة[حفاة قد تشمرنا و طلع الرضا عليه السّلام] (2)و وقف الرضا عليه السّلام وقفة على الباب و رفع صوته و رفعنا أصواتنا بالتكبير تزعزعت مرو من البكاء و الصياح،قالها ثلاث مرّات فسقط القوّاد عن دوابّهم و رموا بخفافهم و صارت مرو ضجّة واحدة و كان عليه السّلام يمشي و يقف في كلّ عشر خطوات وقفة و يكبّر اللّه أربع مرّات فيتخيّل إلينا أنّ السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه و بلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل:يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا عليه السّلام المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله الرجوع،فسأله الرجوع فدعا عليه السّلام بخفّه و لبسه و رجع.

رواه ابن بابويه طاب ثراه في عيون الأخبار و فيه كثير من الآداب و السنن في كيفيّة الخروج إلى صلاة العيد لم يذكرها الأصحاب قدّس اللّه أرواحهم في كتبهم،و قوله في المواضع السابقة:يتخيّل إلينا أنّ السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه،ليس على ما ظنّه خيالا بل هو على الحقيقة و إنّ من شيء إلاّ يسبّح بحمده و يكون اسماعهم تكبير السماء و الأرضر.

ص: 368


1- -زيادة من المصدر.
2- -زيادة من المصدر.

و الحيطان و نحوها من معجزاته عليه السّلام كما كان إسماع الحاضرين تسبيح الحصى من معجزات النبيّ صلّى اللّه عليه و اله (1).

و في عيون الأخبار أيضا عن الريّان بن الصلت:قال أكثر الناس في بيعة الرضا عليه السّلام من القوّاد و العامّة و من لا يحبّ ذلك و قالوا:إنّ هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين سمّي به لأنّه كان وزيرا و تولّى رياسة الجند فبلغ المأمون ذلك فبعث إليّ،فقال ريان:بلغني أنّ الناس يقولون إنّ بيعة الرضا عليه السّلام من تدبير الفضل،فقلت:نعم،فقال:ويحك أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة استقامت له الامور فيقول له:ادفع الخلافة إلى غيرك؟قلت:لا، قال:سأخبرك بالسبب و ذلك أنّه كتب إلى محمّد أخي بالقدوم عليه أبيت فعقد لعليّ بن عيسى و أمره أن يقيّدني و يجعل الغلّ في عنقي فورد عليّ الخبر و فسدت عليّ الامور و ما كان لي قوّة على مقاومته فأردت أن ألحق بحاكم كابل ثمّ قلت:رجل كافر إذا بذل له الامور يدفعني إليه،فلم أجد وجها من أن أتوب إلى اللّه من ذنوبي و أستعين على هذه الامور فصببت الماء على بدني و لبست ثوبين أبيضين و صلّيت أربع ركعات و دعوت اللّه عزّ و جلّ و عاهدته عهدا وثيقا ان أفضى اللّه بهذا الأمر إلى أن أضعه في موضعه الذي وضعه اللّه فيه، ثمّ قوى قلبي فأحببت أن أفي اللّه بما عاهدته عليه و لم أر أحدا أحقّ بهذا الأمر من الرضا عليه السّلام فوضعتها فيه،فلم يقبلها إلاّ على ما قد علمت فهذا كان سببها،الحديث (2).

أقول: ما ذكره من السبب هو أحد الأسباب للمأمون في جعله الرضا عليه السّلام ولي عهده لأنّه أراد أن يفي للّه بعهده كيلا يخرج اللّه سبحانه الأمر منه إلى غيره بهذه الحيلة التي تخيّلها حيلة شرعية،و هو أن يجعله وليّ عهده مدّة قليلة و يحتال عليه في القتل مضافا إلى ما سمع من الرضا عليه السّلام أنّه يموت قبله و هو عنده صادق فتكون حيلة على اللّه سبحانه،و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

و من الأسباب:أنّ العلويّين كانوا يخرجون عليه في ملكه،فأراد أن يوهمهم رجوع الخلافة إليهم ليسكنوا عن الخروج عليه و قد اتّفق له ذلك و منها ما صرّح به عليه السّلام له من قصده أن يقول الناس زهدت الرضا في الرضا عليه السّلام و لم يزهد فيها و لهذا وثب عليها لمّا2.

ص: 369


1- -عيون أخبار الرضا:162/1،و الكافي:489/1.
2- -عيون أخبار الرضا:162/1،و بحار الأنوار:137/49 ح 12.

تمكّن منها.

و منها غيض بني العبّاس،فإنّ بعضهم وافق أخاه محمّد الأمين،و بعضهم كإبراهيم عمّه خرج إليه فأراد أن يوهمهم بأنّ أفعالهم معه كانت باعثة إلى إخراجه الأمر عنهم إلى غير ذلك من الأغراض الفاسدة.

و عن ياسر الخادم قال:كان الرضا عليه السّلام إذا رجع يوم الجمعة من الجامع و قد أصابه العرق و الغبار رفع يديه و قال:اللّهم إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة و لم يزل مغموما مكروبا إلى أن قبض (1).

و عن محمّد بن عرنة قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟

فقال:ما حمل جدّي أمير المؤمنين عليه السّلام على الدخول في الشورى (2).

أقول: ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا سئل عن دخوله في الشورى قال:أردت تكذيبهم لأنّهم رووا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:لا تجتمع النبوّة و الخلافة في بيت واحد،و بهذا الحديث وثبوا على الخلافة فيكون المعنى هنا أن يعلم الناس أنّ المخالفين مقرّون و معترفون باستحقاقهم عليهم السّلام الخلافة و قيل:يحتمل أن يكون التشبيه في أصل الاشتمال على المصالح الخفيّة على الناس.

و عن معمّر بن خلاّد أنّه قال المأمون للرضا عليه السّلام:انظر بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي قد فسدت علينا،قال الرضا عليه السّلام:فقلت له:تفي لي و أفي لك،فإنّي إنّما دخلت فيما دخلت على أنّي لا آمر فيه و لا أنهي و لا أعزل و لا أولّي و لا أشير حتّى يقدمني اللّه قبلك فو اللّه أنّ الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي و لقد كنت في المدينة أتردّد في طرقها على دابّتي و أنّ أهلها و غيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم فيصيرون كالأعمام لي و أنّ كتبي لنافذة في الأمصار و ما زدتني في نعمة هي عليّ من ربّي،فقال:أفي لك (3).

[في]علل الشرائع عن الريّان قال:لمّا أراد المأمون أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة0.

ص: 370


1- -بحار الأنوار:140/49 ح 13،و حياة الأمام الرضا:372/2.
2- -عيون أخبار الرضا:152/1 ح 4،و بحار الأنوار:140/49 ح 14.
3- -بحار الأنوار:144/49 ح 20.

المؤمنين و للرضا عليه السّلام بولاية العهد و للفضل بن سهل بالوزراة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم و قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر و يخرجون حتّى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى الأعلى فتبسّم الرضا عليه السّلام و قال:كلّ من بايعنا[بايع] (1)بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنّه بايعنا بعقدها،فقال المأمون:و ما يفسخ البيعة من عقدها؟قال:عقد البيعة من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام و فسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر،قال:فماج الناس في ذلك و أمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه الرضا عليه السّلام و قال الناس:

كيف يستحقّ الإمامة من لا يعرف عقد البيعة،فحمل المأمون ذلك على ما فعله من سمّه (2).

أقول: و في بشائر المصطفى أنّ العبّاس بن المأمون أوّل من بايع فرفع الرضا عليه السّلام يده فتلقّى بظهرها وجه نفسه و بطنها وجوههم،فقال له المأمون:ابسط يدك للبيعة،قال عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هكذا كان يبايع فبايعه الناس و يده فوق أيديهم و وضعت البدر و قامت الخطباء و الشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السّلام و ما كان من المؤمن في أمره و أنشد دعبل قصيدته المشهورة،شعر:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

و أنشده إبراهيم بن العبّاس شعر:

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد *** مصارع أولاد النبيّ محمّد (3)

و أنشد أبو نؤاس شعر:

مطهّرات نقيّات ثيابهم *** تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويّا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر

اللّه لمّا برا خلقا فأتقنه *** صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم *** علم الكتاب و ما جاءت به السور7.

ص: 371


1- -زيادة من المصدر.
2- -علل الشرائع:239/1،و عيون أخبار الرضا:265/1.
3- -عيون أخبار الرضا:154/1،و دلائل الأمامة:357.

قال الرضا عليه السّلام:قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها،يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟

فقال:ثلاثمائة دينار،فقال:اعطها إيّاه،ثمّ قال:يا غلام سق إليه البغلة (1).

و قال المرتضى رضى اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل:كيف تولّى عليه السّلام العهد للمأمون و تلك جهة لا يستحقّ الإمامة منها أو ليس هذا إيهاما فيما يتعلّق بالدّين؟

قلنا:قد مضى من الكلام في سبب دخول أمير المؤمنين عليه السّلام في الشورى ما هو أصل لهذا الباب،و جملته:أنّ ذا الحقّ له أن يتوصّل إليه من كلّ جهة و سبب لا سيّما إذا كان يتعلّق بذلك الحقّ تكليف عليه فإنّه يصير واجبا عليه التوصّل و التمحل بالتصرّف و الإمامة يستحقّها الرضا عليه السّلام بالنصّ من آبائه عليهم السّلام فإذا دفع عن ذلك و جعل إليه من وجه آخر وجب عليه أن يجيب إلى ذلك الوجه ليصل منه إلى حقّه و ليس في هذا إيهام،لأنّ الأدلّة الدالّة على استحقاقه عليه السّلام للإمامة بنفسه يمنع من دخول الشبهة بذلك و إن كان فيه بعض الإيهام يحسنه دفع الضرورة إليه كما حملته و آبائه على إظهار مبايعة الظالمين و القول بإمامتهم، و لعلّه عليه السّلام أجاب إلى ولاية العهد للتقيّة و الخوف لأنّه لم يؤثر الامتناع على من ألزمه ذلك و حمله عليه فيفضي الأمر إلى المجاهرة و المباينة و الحال لا يقتضيهما و هذا بيّن (2).

[في]عيون الأخبار عن إبراهيم الحسني قال:بعث المأمون إلى الرضا عليه السّلام جارية فلمّا دخلت عليه اشمأزت من الشيب،فلمّا رأى كراهتها ردّها إلى المأمون و كتب إليه بهذه الأبيات،شعر:

نعى نفسي إلى نفسي المشيب *** و عند الشيب يتّعظ اللبيب

فقد ولّى الشباب إلى مداه *** فلست أرى مواضعه تؤوب

سأبكيه و أندبه طويلا *** و أدعوه إلي عسى يجيب

و هيهات الذي قد فات منّي *** تمنيني به النفس الكذوب

وراع الغانيات بياض رأسي *** و من مدّ البقاء له يشيب

أرى البيض الحسان يحدن عنّي *** و في هجرانهنّ لنا نصيب9.

ص: 372


1- -عيون أخبار الرضا:155/1،و بحار الأنوار:148/49 ح 24.
2- -تنزيه الأنبياء:232،و بحار الأنوار:156/49.

فإن يكن الشباب مضى حبيبا *** فإنّ الشيب أيضا لي حبيب

سأصحبه بتقوى اللّه حتّى *** يفرّق بيننا الأجل القريب (1)

و عن ياسر الخادم قال:كان الرضا عليه السّلام إذا خلا جمع حشمه كلّهم عنده الصغير و الكبير فيحدّثهم و يأنس بهم و يؤنسهم،و كان عليه السّلام إذا جلس على المائدة لا يدع صغيرا و لا كبيرا إلاّ أقعده معه على مائدته (2).

و عن ياسر الخادم أنّ الرضا عليه السّلام أشار على المأمون بالخروج من مرو إلى العراق و أشار عليه ذو الرياستين بترك الخروج و قال له:هاهنا مشايخ قد خدموا الرشيد و عرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك مثل علي بن أبي عمران و ابن مونس و الجلودي و هؤلاء هم الذين نقموا بيعة الرضا عليه السّلام فحبسهم المأمون بهذا السبب،فلمّا كان من الغد جاء أبو الحسن عليه السّلام إلى المأمون و حكى له المأمون قول ذي الرياستين و دعا المأمون بهؤلاء النفر فأخرجهم من الحبس فأوّل من دخل عليه علي بن أبي عمران فنظر إلى الرضا عليه السّلام بجنب المأمون،فقال:

أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله اللّه لكم و خصّكم به إلى أعدائكم و من كان آباؤك يقتلونهم و يشرّدونهم في البلاد،قال المأمون له:و أنت يابن الزانية بعد على هذا قدّمه يا حرسي و اضرب عنقه فضربت عنقه و دخل ابن مونس،فلمّا نظر إلى الرضا عليه السّلام بجنب المأمون قال:يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك و اللّه صنم يعبد من دون اللّه.

قال المأمون:و أنت يابن الزانية بعد على هذا يا حرسي اضرب عنقه،فضربت عنقه ثمّ ادخل الجلودي و كان الجلودي في خلافة الرشيد لمّا خرج محمّد بن جعفر بن محمّد بالمدينة بعثه الرشيد و أمره أن يضرب عنقه إذا ظفر به و أن يغير على دور آل أبي طالب و أن يسلب نساءهم و لا يدع على واحدة منهنّ إلاّ ثوبا واحدا،ففعل الجلودي ذلك فهجم على دار الرضا عليه السّلام مع خيله،فلمّا نظر إليه جعل عليه السّلام النساء كلّهن في بيت و وقف على باب البيت فقال الجلودي:لابدّ من أن أدخل البيت فأسلبهنّ كما أمرني الرشيد.

فقال عليه السّلام:أنا أسلبهنّ لك و أحلف أنّي لا أدع عليهنّ شيئا إلاّ أخذته،فلم يزل يطلب5.

ص: 373


1- -عيون أخبار الرضا:191/1 ح 8،و بحار الأنوار:164/49 ح 4.
2- -عيون أخبار الرضا:170/1 ح 24،و بحار الأنوار:164/49 ح 5.

إليه و يحلف له حتّى سكن و دخل الرضا عليه السّلام فلم يدع عليهنّ شيئا حتّى أقراطهنّ و خلاخيلهنّ و أزرهنّ إلاّ أخذه منهنّ و جميع ما كان من قليل و كثير،فلمّا كان في هذا اليوم و أدخل الجلودي على المأمون قال الرضا عليه السّلام:يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ.

فقال المأمون:يا سيّدي هذا الذي فعل ببنات رسول اللّه ما فعل من سلبهنّ،فنظر الجلودي يكلّم المأمون و يسأله أن يعفو عنه و يهبه له فظنّ أنّه يعين عليه لما كان الجلودي فعله معه،فقال:يا أمير المؤمنين أسألك باللّه و بخدمتي الرشيد أن لا تقبل قول هذا فيّ.

فقال المأمون:يا أبا الحسن قد استعفى و نحن نبرّ قسمه،ثمّ قال:لا و اللّه لا أقبل فيك قوله الحقوه بصاحبيه فقدّم و ضرب عنقه،فلمّا قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرياستين أنّه قد عزم على الخروج،فلمّا كانوا في بعض المنازل ورد على ذي الرياستين كتاب من أخيه الحسن بن سهل:إنّي نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم و وجدت فيه أنّك تذوق حرّ الحديد و حرّ النار في شهر كذا يوم الأربعاء و أرى أن تدخل أنت و الرضا و أمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم فتحتم فيه و تصبّ الدم على بدنك لزوال نحسه عنك،فبعث الفضل إلى المأمون و سأله أن يدخل الحمّام معه و يسأل الرضا عليه السّلام ذلك،فكتب المأمون إلى الرضا عليه السّلام رقعة في ذلك،فكتب عليه السّلام إليه:لست بداخل غدا الحمّام و لا أرى لك و لا للفضل دخول الحمّام غدا.

فكتب المأمون إلى الرضا عليه السّلام:لست بداخل و الفضل أعلم بما يفعله.

قال ياسر:فلمّا غابت الشمس قال لنا الرضا عليه السّلام؛قولوا:نعوذ باللّه من شرّ ما ينزل في هذه الليلة و كذلك قال لنا لمّا أصبح.فلمّا قرب طلوع الشمس قال عليه السّلام:اصعد السطح فاستمع الضجّة و النحيب فأتى المأمون يقول:يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل و كان دخل الحمّام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه و كانوا ثلاثة أحدهم ابن خالة الفضل ذو القلمين.

قال:و اجتمع القوّاد و الجند و من كان من رجال ذي الرياستين على باب المأمون فقالوا:اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه،فقال المأمون للرضا عليه السّلام:يا سيّدي ترى أن تخرج إليهم و تفرّقهم؟

قال ياسر:فركب الرضا عليه السّلام فلمّا خرج من الباب نظر إليهم و قد اجتمعوا و جاؤوا

ص: 374

بالنيران ليحرقوا الباب،فصاح بهم بأن تفرّقوا فأقبل الناس يقع بعضهم على بعض و قال:إنّه لمّا قتل الفضل جاء المأمون إلى الرضا عليه السّلام و قال:هذا وقت حاجتي إليك فتنظر في الأمر و تقيني،فقال:عليك التدبير و علينا الدعاء،فلمّا خرج قال محمّد بن أبي عبادة للرضا عليه السّلام:

لم أبيت أعزّك اللّه؟

فقال:لو آل الأمر إلى ما تقول و أنت منّي كما أنت ما كان نفقتك إلاّ في كمك و كنت كواحد من الناس.

أقول: قوله عليه السّلام:ما كانت نفقتك إلاّ في كمك،كناية عن قلّتها لأنّه عليه السّلام يساوي بين الناس في العطاء من غير فرق بين صديق و غيره،و أمّا الخلفاء فهم يفضّلون في العطاء و أوّل من ابتدعه عمر بن الخطّاب و وضع ديوان العطاء أوقد عدّ من جملة مطاعنه لخلافه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و على أخيه أبي بكر ثمّ اقتدي من بعده بسنّة من بني اميّة و بني العبّاس و هو الذي جرئ أهل الشام على أهل العراق،لأنّ معاوية كان يفضّل الشريف على الوضيع و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يساوي بينهم في العطاء و ما كان الشرفاء يجدون للقتال و الوضيع تبع للشريف و لأنّهم كانوا يعلمون أنّ معاوية إذا استولى على العراق فعل بهم مثل فعله بأهل الشام من تنزيل الناس على الرتب اللائقة بها حتّى آل الأمر في أواخر حرب صفّين أنّهم أرادوا تسليمه عليه السّلام إلى معاوية إن لم يرض بالمصالحة،فصالحه على الكره منه لذلك الصلح.

[في]كشف الغمّة،أتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية،فلمّا رآه أسلم فغاضه ذلك و سأل الفقهاء فقالوا:هدر الإسلام ما قبله،فسأل الرضا عليه السّلام فقال له:اقتله لأنّه أسلم حين رأى البأس،قال اللّه عزّ و جلّ: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ (1)إلى آخر السورة.

و قال المأمون:أخبرني عن جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بأيّ وجه هو قسيم الجنّة و النار؟

فقال:ألم ترو عن آبائك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:حبّ عليّ إيمان و بغضه كفر؟

فقال:بلى،قال عليه السّلام:فهو قسيم الجنّة و النار،فقال المأمون:لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا4.

ص: 375


1- -سورة غافر:84.

الحسن،أشهد أنّك وارث علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

قال الهروي:فلمّا رجع عليه السّلام إلى منزله أتيته فقلت:يابن رسول اللّه ما أحسن ما أجبت به المأمون فقال:يا أبا الصلت أنا كلّمته من حيث هو و لقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ عليه السّلام قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أنت قسيم الجنّة و النار يوم القيامة تقول للنار:هذا لي و هذا لك (1).

أقول: تقدّم السبب في استحقاقه عليه السّلام كونه قسيم الجنّة و النار.

[في]عيون الأخبار عن الحسن النوفلي قال:لمّا قدم الرضا عليه السّلام على المأمون أمر الفضل ابن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئين و الهربذ الأكبر و أصحاب زرهشت و نسطاس الرومي و المتكلّمين،فجمعهم الفضل و أدخلهم على المأمون،فقال لهم:إذا كان غدا فبكّروا عليّ لتناظروا ابن عمّي المدني، فدخل ياسر على الرضا عليه السّلام و يقول:إنّ ابن عمّك أمير المؤمنين يقول:اجتمع إليّ أهل المقالات من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم،فقال عليه السّلام:أجيء إن شاء اللّه.

قال النوفلي:فالتفت إلينا و قال:يا نوفلي أنت عراقي ورية العراقي غير غليظة يعني أنّه ذو فهم لا بلاهة و غباوة فما عندك في جمع المأمون علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات؟

فقلت:يريد الامتحان و لقد بنى على أساس غير وثيق،فقال:و ما بناؤه في هذا الباب؟

قلت:إنّ أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء و ذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر و أصحاب المقالات أصحاب إنكار و مباهية فاحذرهم جعلت فداك،فتبسّم و قال:أتخاف أن يقطعوني على حجّتي؟قلت:و اللّه ما خفت عليك قط و إنّي لأرجو أن يظفرك اللّه بهم، فقال:أتحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟

قلت:نعم قال عليه السّلام:إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم و على أهل الإنجيل بإنجيلهم و على أهل الزبور بزبورهم و على أهل الصابئين بعبرايتهم و على أهل2.

ص: 376


1- -بحار الأنوار:194/39،و مسند الأمام الرضا عليه السّلام:132/2.

الهرابذة بفارسيتهم و على أهل الروم بروميّتهم و على أصحاب المقالات بلغاتهم،فإذا قطعت كلّ صنف و دحضت حجّته و رجع إلى قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو فيه لا يستحقّه فعند ذلك تكون الندامة و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،فلمّا أصبحنا توضّأ وضوء الصلاة و أتينا جميعا إلى المأمون فإذا المجلس غاصّ بأهله و محمّد بن جعفر في جماعة الطالبيّين و القوّاد حضور،فقام المأمون و بنو هاشم و القوّاد فما زالوا وقوفا و الرضا عليه السّلام جالس مع المأمون حتّى أمرهم بالجلوس فالتفت المأمون إلى الجاثليق فقال:

هذا ابن عمّي علي ابن موسى من ولد فاطمة بنت نبيّنا و عليّ بن أبي طالب فأحبّ أن تحاجّه،فقال:كيف احاجّ رجلا يحتجّ بكتاب أنا منكره و نبيّ لا أؤمن به؟

فقال:يا نصراني،فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟

قال:و هل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل،فقرأ عليه السّلام الإنجيل و أثبت عليه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مذكور فيه و أخبره به بعدد حواري عيسى عليه السّلام و أحوالهم و احتجّ عليه بحجج كثيرة أقرّ بها و قرأ عليه كتاب شعيا و غيره إلى أن قال الجاثليق:ليسألك غيري،فلا و حقّ المسيح ما ظننت أنّ في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت عليه السّلام إلى رأس الجالوت و احتجّ عليه بالتوراة و الزبور و كتاب شعيا و حيقوق حتّى أفحم و احتجّ على الهربذ الأكبر و احتجّ عليه حتّى انقطع مكانه.ك

فقال عليه السّلام:يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي و كان واحدا في المتكلّمين،فقال:يا عالم الناس لقد دخلت الكوفة و البصرة و الشام و الجزيرة و لقيت المتكلّمين،فلم أقع على أحد يثبت التوحيد، قال عليه السّلام:إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو،قال:أنا هو قال:سل،فازدحم الناس و ضمّ بعضهم إلى بعض فاحتجّ عليه السّلام و طال الكلام بينهما إلى الزوال،فقال عليه السّلام للمأمون:حضرت الصلاة،قال عمران:يا سيّدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي قال عليه السّلام:نعود بعد الصلاة ثمّ عاد إلى مجلسه و دعا بعمران فسئل عن الصانع و صفاته فأجابه عليه السّلام إلى أن قال:أفهمت يا عمران؟

قال:نعم يا سيّدي و أشهد أنّ اللّه على ما وصفت و أنّ محمّدا عبده المنعوت بالهدى

ص: 377

ثمّ أسلم.

فلمّا نظر المتكلّمون إلى عمران الصابي و كان جدلا لم يقطعه أحدا عن حجّته لم يدن من الرضا أحد منهم فانصرف الناس و دخل الرضا عليه السّلام و المأمون،فبعث إليّ محمّد بن جعفر و أتيته فقال:يا نوفلي ما رأيت ما جاء به صديقك ما ظننت أنّ عليّ بن موسى خاض في شيء من هذا قطّ و لا عرفناه أنّه كان يتكلّم بالمدينة.

قلت:قد كان الحاج يسألونه عن الحلال و الحرام فيجيبهم،فقال:إنّي أخاف أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة،فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء.

فقلت:لا يقبل منّي و ما أراد المأمون إلاّ امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه قال:قل له:إنّ ابن عمّك قد كره هذا الباب،فأتيت إليه و أخبرته بقول عمّه فتبسّم ثمّ قال:

حفظ اللّه عمّي ما أعرفني به لم كره ذلك،ثمّ أرسلني إلى عمران الصابي فأتيته به فخلع عليه خلعة و وصله بعشرة آلاف درهم،فقلت:حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

هكذا يحبّ،فتعشّينا و قال لعمران:بكّر علينا نطعمك طعام المدينة،فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم،و ولاّه الرضا عليه السّلام صدقات بلخ فأصاب الرغايب (1).

و فيه أيضا أنّه قدم سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فوصله و قال له:إنّ ابن عمّي علي بن موسى يحبّ الكلام و أصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته،فقال سليمان:إنّي أكره أن أسأله في مجلسك فينتقص عند القوم[إذا كلمني و لا يجوز الأستقصاء عليه] (2).

فقال المأمون:ليس مرادي إلاّ هذا فوجّه المأمون إلى الرضا عليه السّلام و استدعاه، فقال عليه السّلام لي و لعمران:تقدّما فأتينا و دخلنا على المأمون و قلنا:خلّفنا الرضا عليه السّلام يلبس ثيابه ثمّ قال لعمران:يا عمران لم تمت حتّى صرت من بني هاشم،فقال:الحمد للّه الذي شرّفني بكم،فتكلّم مع سليمان في مسألة البداء و أطالا الكلام حتّى دخل الرضا عليه السّلام فاحتجّ على سليمان و قطع حجّته.ر.

ص: 378


1- -حياة الأمام الرضا:103/1،و التوحيد:427.
2- -زيادة من المصدر.

قال الصدوق رحمه اللّه:كان المأمون يجلب على الرضا عليه السّلام من متكلّمي العراق و أهل الأهواء حرصا على انقطاع الرضا عليه السّلام عن الحجّة و قال:لا يكلّمه أحد إلاّ أقرّ له بالفضل و جلب عليه علي بن الجهم فسأله عن عصمة الأنبياء و ما ورد في ظاهر القرآن فأجابه عليه السّلام و أوّل له الآيات تأويلات اعترف بقبولها هو و المأمون (1).

و في كتاب العيون أيضا عن العسكري عليه السّلام أنّ الرضا عليه السّلام:لمّا جعله المأمون وليّ عهده احتبس المطر،فقال المعاندون:لمّا صار علي بن موسى ولي العهد احتبس عنّا المطر فاشتدّ ذلك على المأمون،فقال للرضا عليه السّلام:قد احتبس المطر فلو دعوت اللّه عزّ و جلّ أن يمطر الناس.

قال الرضا عليه السّلام:نعم،أفعل يوم الاثنين،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:يا بني ابرز إلى الصحراء يوم الاثنين،فلمّا كان يوم الاثنين غدا إلى الصحراء و خرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر و دعى اللّه ثمّ قال:و ليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم و مقامهم فو اللّه لقد نسجت الرياح الغيوم و أرعدت و أبرقت و تحرّك الناس يريدون التنحّي عن المطر،فقال:قفوا ليس هذا الغيم لكم إنّما هو لأهل بلد كذا فعبرت السحابة ثمّ جاءت سحابة اخرى تشتمل على رعد و برق فتحرّكوا،فقال:قفوا إنّما هي لأهل بلد كذا،فما زال حتّى جاء عشر سحابات و غبرت و هو يقول:قفوا ثمّ جاءت سحابة حادية عشر،فقال:أيّها الناس هذه بعثها اللّه لكم فاشكروا اللّه و قوموا إلى منازلكم فإنّها تمكّنكم أن تدخلوا منازلكم،فلمّا قربوا من منازلهم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية و الحياض و الغدران،فجعل الناس يقولون:هنيئا لولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كرامات اللّه عزّ و جلّ ثمّ برز إليهم و قال:اتّقوا اللّه في نعم اللّه فلا تنفروها عنكم بمعاصيه و عاونوا إخوانكم فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قيل له:هلك فلان يعمل من الذنوب كيت و كيت.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:قد نجا و لا يختم اللّه عمله إلاّ بالحسنى و سيمحوا اللّه عنه السيّئات و يبدلها له حسنات؛أنّه كان مرّة يمرّ في طريق فعرض له مؤمن قد انكشفت عورته و هو لا يشعر فسترها عليه و لم يخبره بها مخافة أن يخجل،ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه فقال له:0.

ص: 379


1- -مسند الأمام الرضا:105/2،و بحار الأنوار:329/10.

أجزل اللّه لك الثواب و أكرم لك المآب و لا ناقشك اللّه الحساب فاستجاب اللّه له فيه فهذا العبد لا يختم له إلاّ بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتّصل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بهذا الرجل فتاب و أقبل على طاعة اللّه،فلم يأت عليه سبعة أيّام حتّى اغير على سرح المدينة فوجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في أثرهم فاستشهد فيهم،ثمّ إنّه كان للرضا عليه السّلام من يحسده على ولاية العهد، فقال بعضهم للمأمون:أعيذك باللّه أن يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف من بيت العبّاس إلى بيت علي و لقد أعنت على نفسك جئت بهذا الساحر ولد السحرة و قد كان خاملا فأظهرته و منسيّا فذكرته قد ملأ الدّنيا مخرفة بهذا المطر الوارد عند دعائه ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلى زوال نعمتك.

فقال المأمون:قد كان هذا الرجل مستترا عنّا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا و ليعترف بالملك و الخلافة لنا و ليعتقد فيه المفتونون به أنّه ليس ممّا ادعى في قليل و لا كثير و أنّ هذا الأمر لنا من دونه،و قد خشينا إن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا فسده و الآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا و أخطأنا في أمره بما أخطأنا فليس يجوز التهاون في أمره لكنّنا نحتاج أن نضعه بالتدريج حتّى نصوّره عند الرعية بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه.

قال الرجل:ولّني يا أمير المؤمنين مجادلته فإنّي أفحمه و أضع من قدره.

قال المأمون:ما شيء أحبّ إليّ من هذا قال:فاجمع وجوه أهل المملكة و القوّاد و القضاة لأبيّن نقصه بحضرتهم،فأمر بإحضارهم و أقعد الرضا عليه السّلام في مرتبته.

فقال ذلك الحاجب:إنّ الناس قد أسرفوا في وصفك بما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إليهم منه فأوّل ذلك أنّك دعوت اللّه في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه معجزة لك و أنّه لا نظير لك في الدّنيا و هذا أمير المؤمنين لا يوازن بأحد إلاّ رجح و قد أحلك المحلّ الذي عرفت فليس من حقّه عليك أن تسوغ الكاذبين لك و عليه ما يتكذّبونه،فقال الرضا عليه السّلام:ما أدفع عباد اللّه عن التحدّث بنعم اللّه عليّ و إن كنت لا أبغي أشرا و لا بطرا، و أمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني فما أحلّني إلى المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السّلام و كانت حالهما ما قد علمت.

فغضب الحاجب و قال:يابن موسى لقد عدوت طورك أن بعث اللّه تعالى بمطر مقدّر

ص: 380

وقته و جعلته آية تستطيل بها كأنّك جئت بمثل آية الخليل عليه السّلام في إحياء الطير،فإن كنت صادقا فيما توهم فأحيي هذين و سلّطهما عليّ،و أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون و كانا متقابلين على المسند فغضب الرضا عليه السّلام و صاح بالصورتين دونكما الفاجر فافترساه و لا تبقيا له عينا و لا أثرا،فوثبت الصورتان و قد عدتا صورتين فتنا و لا الحاجب و عضاه و رضّاه و أكلاه و لحسا دمه و القوم ينظرون متحيّرين،فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السّلام و قالا:يا وليّ اللّه ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟يشيران إلى المأمون،فغشي عليه فقال عليه السّلام:قفا فوقفا.

فقال عليه السّلام:صبّوا عليه ماء ورد و طيّبوه ففعل ذلك به و عاد الأسدان يقولان:أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟قال:لا،فإنّ للّه عزّ و جلّ فيه تدبيرا هو ممضيه،فقالا:ماذا تأمرنا؟قال:عودا إلى مقرّكما،فعادا إلى المسند و صارا صورتين كما كانتا،فقال المأمون:

الحمد للّه الذي كفاني شرّ حميد بن مهران يعني الرجل المفترس،ثمّ قال عليه السّلام للمأمون:لو شئت لما ناظرتك فإنّ اللّه أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين الا جهّال بني آدم فإنّهم و إن خسروا حظوظهم فللّه عزّ و جلّ فيهم تدبير،و قد أمرني بترك الاعتراض عليك و إظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف عليه السّلام بالعمل من تحت يد فرعون مصر،فما زال المأمون خائفا إلى أن قضى في أمر الرضا عليه السّلام ما قضى،انتهى ملخّصا (1).

و فيه أيضا عن هرثمة بن أعين قال:دخلت على سيّدي الرضا عليه السّلام في دار المأمون و كان قد ظهر في دار المأمون أنّ الرضا عليه السّلام قد توفّي و لم يصحّ هذا القول،فدخلت أريد الإذن عليه،و كان في بعض ثقاة خدم المأمون غلام يقال له صبيح الديلمي و كان يتولّى الرضا عليه السّلام فلمّا رآني قال لي:يا هرثمة ألست تعلم أنّي ثقة المأمون على سرّه و علانيّته؟

قلت:بلى.

قال:إنّ المأمون دعاني و ثلاثين غلاما من ثقاته في الثلث الأوّل من الليل فدخلنا عليه و بين يديه الشموع و سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعانا غلاما غلاما و أخذ علينا العهد و الميثاق فحلفنا له قال:فليأخذ كلّ واحد منكم سيفا و ادخلوا على الرضا في حجرته1.

ص: 381


1- -عيون أخبار الرضا:183/1،و دلائل الأمامة:381.

فإن وجدتموه قاعدا أو قائما فلا تكلّموه وضعوا أسيافكم عليه اخلطوا لحمه و دمه ثمّ اقلبوا عليه بساطه و امسحوا أسيافكم به و صيّروا إليّ و قد جعلت لكلّ واحد عشر بدر دراهم و عشر ضياع منتخبة،فأخذنا الأسياف بأيدينا و دخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلّب يديه و يتكلّم بكلام لا نعرفه،فبادر الغلمان إليه بالسيوف و وضعت سيفي و أنا قائم أنظر إليه و كأنّه قد علم بمصيرنا إليه فلبس على بدنه ما لا يعمل فيه السيوف فطووا عليه بساطه و خرجوا حتّى دخلوا على المأمون و قالوا:فعلنا ما أمرتنا به.

فقال:اكتموا فلمّا طلع الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلول الإزار و أظهر وفاته وقعد للتعزية ثمّ قام حافيا فمشى لينظر إليه و أنا بين يديه،فلمّا دخل عليه حجرته سمع همهمة فأرعد ثمّ قال من عنده؟قلت:لا علم لنا،فقال:اسرعوا و انظروا،قال صبيح:فأسرعنا إلى البيت فإذا سيّدي جالس في محرابه يصلّي و يسبّح فقلت:يا أمير المؤمنين هو ذا نرى شخصا في محرابه يصلّي و يصبح،فانتفض المأمون و ارتعد ثمّ قال:غررتموني لعنكم اللّه فالتفت إليّ و قال:يا صبيح أنت تعرفه فانظر إليه فدخلت و رجع المأمون،فلمّا صرت عند عتبة الباب قال لي:يا صبيح.

قلت:لبّيك يا مولاي.فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (1)فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل،فقلت له:هذا الرضا جالس في حجرته فشدّ إزاره و أمر بردّ أثوابه و قال:قولوا إنّه غشي عليه و أنّه أفاق.

قال هرثمة:فشكرت اللّه عزّ و جلّ ثمّ دخلت على سيّدي فقال:يا هرثمة لا تحدّث بما حدّثك به صبيح أحدا إلاّ من امتحن اللّه قلبه للايمان بمحبّتنا و ولايتنا،فقلت:نعم يا سيّدي،ثمّ قال:يا هرثمة لا يضرّنا كيدهم شيئا حتّى يبلغ الكتاب أجله (2).

و عن الشيخ المفيد طاب ثراه قال:روي أنّه لمّا سار المأمون إلى خراسان و كان معه الرضا عليه السّلام فقال له:يا أبا الحسن إنّي فكّرت في أمرنا و أمركم و نسبنا و نسبكم فوجدت الفضيلة واحدة و رأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على العصبية،فقال عليه السّلام:إنّ لهذا الكلام جوابا،فقال:قل الجواب،قال:أنشدك اللّه لو أنّ اللّه تعالى بعث نبيّه أحمدا صلّى اللّه عليه و اله1.

ص: 382


1- -سورة التوبة:32.
2- -عيون أخبار الرضا:232/1،و دلائل الأمامة:361.

فخرج علينا من وراء هذه الآكام يخطب إليك ابنتك،أكنت مزوّجه إيّاها؟

فقال:أفخر بذلك،قال الرضا عليه السّلام:أفتراه كان يحلّ له أن يخطب إليّ؟قال:فسكت المأمون ثمّ قال:أنتم أمسّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رحما (1).

و قال يوما:أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السّلام يدلّ عليها القرآن؟

فقال قول اللّه جلّ جلاله: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ الآية،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الحسن و الحسين فكانا ابنيه و دعا فاطمة فكانت في هذا الموضع نساءه و دعا أمير المؤمنين عليه السّلام فكان نفسه بحكم اللّه عزّ و جلّ،و ثبت أنّه ليس أحد من خلق اللّه تعالى أجلّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أفضل،فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بحكم اللّه عزّ و جلّ.

فقال المأمون:أليس قد ذكر اللّه تعالى الأبناء بلفظ الجمع و إنّما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ابنيه خاصّة و ذكر النساء بلفظ الجمع و إنّما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ابنته وحدها،فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السّلام ما ذكرت من الفضل؟

فقال عليه السّلام:ليس يصحّ ما ذكرت،و ذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعيا لغيره كما أنّ الآمر آمر لغيره و لا يصحّ أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة و إذا لم يدع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رجلا في المباهلة إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها اللّه سبحانه في كتابه و جعل حكمه ذلك في تنزيله،فقال المأمون:إذا ورد الجواب سقط السؤال (2).

و عن إسحاق بن حمّاد قال:كان المأمون يعقد مجالس النظر و يجمع المخالفين لأهل البيت عليهم السّلام و يكلّمهم في إمامة علي بن أبي طالب و تفضيله على جميع الصحابة تقرّبا إلى الرضا عليه السّلام،و كان الرضا عليه السّلام يقول لأصحابه الذين يثق بهم لا تغترّوا بقوله فما يقتلني و اللّه غيره،و لكنّه لابدّ لي من الصبر حتّى يبلغ الكتاب أجله (3).2.

ص: 383


1- -الفصول المختارة:37،و بحار الأنوار:242/25.
2- -الفصول المختارة:38،و بحار الأنوار:350/10.
3- -بحار الأنوار:189/49 ح 1،و حياة الأمام الرضا:274/2.

مباحثات المأمون مع المخالفين

[في]عيون الأخبار عن إسحاق بن حمّاد قال:جمعنا يحيى بن أكثم القاضي،قال:

أمرني المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث و من أهل الكلام و النظر،فجمعت له أربعين رجلا و أدخلتهم عليه،فقال:إنّي اريد أن أجعلكم بيني و بين اللّه تعالى في يومي هذا حجّة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إليّ حاجته و سلوا أخفافكم وضعوا أرديتكم،ففعلوا ما أمروا به فقال لهم:إنّما استحضرتكم لأحتجّ بكم عند اللّه فاتّقوا اللّه و لا تمنعكم جلالتي من قول الحقّ و اشفقوا على أنفسكم من النار و ناظروني بجميع عقولكم إنّي رجل أزعم أنّ عليّا خير البشر بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله،فإن كنت مصيبا فصوّبوا قولي و إن كنت مخطئا فردّوا عليّ و هلمّوا فإن شئتم سألتكم و إن شئتم سألتموني،فقال أهل الحديث:بل نسأل،فقال:هاتوا و قلّدوا رجلا منكم فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد و إن أتى بخلل فسدّدوه،فقال قائل منهم:أمّا نحن فنزعم أنّ خير الناس بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أبو بكر من قبل أنّ الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله قال:اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر و هو لا يأمر إلاّ بالاقتداء بخير الناس.

فقال المأمون:الرواية كثيرة و لابدّ من أن تكون كلّها باطلا أو كلّها حقّا أو بعضها حقّا و بعضها باطلا،فلو كانت كلّها حقّا كانت كلّها باطلا من قبل أن ينقض بعضها بعضا و لو كانت كلّها باطلا كان في بطلانها بطلان الدّين،فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث و إذا كان كذلك فلابدّ من دليل على ما يحقّ منها،فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقّا كان أولى ما اعتقد و أخذ به و روايتك هذه من الأخبار التي أدلّتها باطلة في أنفسها و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أولى الخلق بالصدق و أبعد الناس من الأمر بالمحال و حمل الناس على التديّن بالخلاف و ذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مختلفين،فإن كانا متّفقين من كلّ جهة كانا واحدا في العدد و الصورة و الجسم و هذا معدوم في الوجود،و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما لأنّه تكليف ما لا يطاق لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر،و الدليل

ص: 384

على اختلافهما أنّ أبا بكر سبى أهل الردّة و ردّهم عمر أحرارا و أشار عمر على أبي بكر بعزل خالد و بقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه،و حرّم عمر المتعة و لم يفعل ذلك أبو بكر و وضع عمر ديوان العطية و لم يفعله أبو بكر،و استخلف أبو بكر و لم يفعل ذلك عمر و لهذا نظائر كثيرة.

قال الصدوق رضى اللّه عنه:في هذا فضل لم يذكره المأمون لخصمه و هو أنّهم لم يرووا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر،و إنّما رووا أبو بكر و عمر و منهم من روى أبا بكر و عمر،فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب:اقتدوا بالذين من بعدي كتاب اللّه و العترة يا أبا بكر و عمر،و معنى قوله بالرفع:اقتدوا أيّها الناس و أبو بكر و عمر بالذين من بعدي كتاب اللّه و العترة،رجعنا إلى حديث المأمون،فقال آخر من أصحاب الحديث:فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا.

فقال المأمون:هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم أنّه عليه السّلام آخا بين أصحابه و أخّر عليّا عليه السّلام،فقال له في ذلك فقال:ما أخّرتك إلاّ لنفسي،فأيّ الروايتين تثبت بطلت الاخرى.

قال آخر:إنّ عليّا قال على المنبر:«خير هذه الامّة بعد نبيّها أبو بكر و عمر».

قال المأمون:هذا مستحيل من قبل،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لو علم أنّهما أفضل ما ولّى عليهما مرّة عمرو بن العاص و مرّة اسامة بن زيد،و ممّا يكذب هذه الرواية قول عليّ عليه السّلام:قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و أنا بمجلسه أولى منّي بقميصي و لكنّي أشفقت أن يرجع الناس كفّارا.

و قوله عليه السّلام:أنّى يكونان خير امّتي و قد عبدت اللّه عزّ و جلّ قبلهما و عبدته بعدهما.

قال آخر:فإنّ أبا بكر أغلق بابه و قال:هل من مستقيل فأقيله؟

فقال عليّ عليه السّلام:قدّمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فمن ذا يؤخّرك.

فقال المأمون:هذا باطل من قبل أنّ عليّا عليه السّلام قعد عن بيعة أبي بكر و رويتم أنّه قعد عنها حتّى قبضت فاطمة و أنّها أوصت أن تدفن ليلا لئلاّ يشهدا جنازتها،و وجه آخر و هو أنّه إن كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله استخلفه،فكيف جاز له أن يستقبل و هو يقول:الأنصار قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة و عمر.

قال آخر:إنّ عمرو بن العاص قال:يا نبيّ اللّه من أحبّ الناس إليك من النساء؟

ص: 385

فقال:عائشة،قال:من الرجال؟

فقال:أبوها.

فقال المأمون:هذا باطل من قبل أنّكم رويتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله وضع بين يديه طائر مشويّ،فقال:اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك فكان عليّ عليه السّلام،فأي روايتكم تقبل؟

فقال آخر:فإنّ عليّا عليه السّلام قال:من فضّلني على أبي بكر و عمر جلدته حدّ المفتري.

قال المأمون:كيف يجوز أن يقول علي أجلد الحدّ من لا يجب الحدّ عليه،فيكون متعدّيا لحدود اللّه عزّ و جلّ عاملا بخلاف أمره و ليس تفضيل من فضّله عليهما فرية و قد رويتم عن إمامكم أنّه قال:ولّيتكم و لست بخيركم،فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو عليّ عليه السّلام على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه و لابدّ له في نفسه من أن يكون صادقا أو كاذبا،فإن كان صادقا فأنّى عرف ذلك أبو حي،فالوحي منقطع أو بالنظر فالنظر متحيّر،و إن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين كذّاب.

قال آخر:فقد جاء،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:أبو بكر و عمر سيّدا كهول أهل الجنّة.

قال المأمون:هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنّة كهل و يروى أنّ أشجعية كانت عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقال:لا يدخل الجنّة عجوز فبكت،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً (1).

فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شابّا إذا دخل الجنّة فقد رويتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال للحسن و الحسين إنّهما شباب أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين و أبوهما خير منهما.

قال آخر:قد جاء أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

قال المأمون:هذا محال لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (2)و قال عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (3)فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثا و من أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخّرا؟7.

ص: 386


1- -سورة الواقعة:35-37.
2- -سورة النساء:163.
3- -سورة الأحزاب:7.

قال آخر:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نظر إلى عمر يوم عرفة،فتبسّم و قال:إنّ اللّه تعالى باهى بعباده عامّة و بعمر خاصّة.

فقال المأمون:فهذا مستحيل من قبل،أنّ اللّه تعالى لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيّه عليه السّلام فيكون عمر في الخاصّة و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في العامّة و ليست هذه الرواية بأعجب من روايتكم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:دخلت الجنّة فسمعت خفق نعلين،فإذا بلال مولى أبي بكر قد سبقني إلى الجنّة و إنّما قالت الشيعة:عليّ خير من أبي بكر،فقلتم:مولى أبي بكر خير من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأنّ السابق أفضل من المسبوق،و كما رويتم أنّ الشيطان يفرّ من حسّ عمر و ألقى على لسان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّهنّ الغرانيق العلى،ففرّ من عمر و ألقى على لسان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بزعمكم الكفر.

قال آخر:قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطّاب.

قال المأمون:هذا خلاف الكتاب نصّا لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (1)فجعلتم عمر مثل الرسول.

قال آخر:فقد شهد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لعمر بالجنّة في عشرة من الصحابة.

فقال:لو كان هذا كما زعمت كان لا يقول لحذيفة:نشدتك باللّه أمن المنافقين أنا فإن كان قد قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أنت من أهل الجنّة و لم يصدقه حتّى زكّاه حذيفة و صدق حذيفة و لم يصدّق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله،فهذا على غير الإسلام و إن كان قد صدّق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلم سأل حذيفة و هذان الخبران متناقضان في أنفسهما.

فقال آخر:فقد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:وضعت امّتي في كفّة الميزان و وضعت في اخرى فرجحت بهم ثمّ وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ثمّ عمر فرجح بهم ثمّ رفع الميزان.

فقال المأمون:هذا محال من قبل أنّه لا يخلو من أن تكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فهو محال لأنّه لا ترجّح أجسامهم بأجسام الامّة و إن كانت أعمالهم فلم يكن بعد،فكيف يرجّح بما ليس.

ثمّ قال:انظروا فيما روت أئمّتكم في فضائل علي عليه السّلام و قايسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنّة،فإن كانت جزء من أجزاء كثيرة فالقول قولكم3.

ص: 387


1- -سورة الأنفال:33.

و إن كانوا قد رووا في فضائل عليّ عليه السّلام أكثر فخذوا عن أئمّتكم ما رووا،فأطرق القوم جميعا فقال:ما لكم سكتّم؟قالوا:قد استقصينا.

قال المأمون:فإنّي أسألكم خبّروني أيّ الأعمال كان أفضل يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله؟

قالوا؛السبق إلى الإسلام لأنّ اللّه تعالى يقول: اَلسّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (1)قال:فهل علمتم أحدا أسبق من عليّ عليه السّلام إلى الإسلام؟قالوا:إنّه سبق حدثا لم يجز عليه حكم و أبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم و بين هاتين الحالتين فرق.

قال المأمون:فخبّروني عن إسلام علي عليه السّلام بإلهام من قبل اللّه عزّ و جلّ أم بدعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله؛فإن قلتم:بإلهام فقد فضّلتموه على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ داعيا و معرفا.

و إن قلتم:بدعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فهل دعاه من قبل نفسه أم بأمر اللّه عزّ و جلّ،فإن قلتم من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف اللّه به نبيّه صلّى اللّه عليه و اله في قوله: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى و إن كان من قبل اللّه عزّ و جلّ،فقد أمر اللّه سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله بدعاء عليّ عليه السّلام من بين صبيان الناس ثقة به و علما بتأييد اللّه تعالى إيّاه،ثمّ قال:و خلّة اخرى هل رأيتم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله دعا أحدا من صبيان أهله و غيرهم فيكون اسوة علي عليه السّلام فإن زعمتم أنّه لم يدع غيره فهذه فضيلة له على جميع الصبيان،ثمّ قال:أيّ الأعمال أفضل بعد السبق إلى الإيمان؟قالوا:الجهاد في سبيل اللّه،قال:فهل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعلي عليه السّلام في جميع مواقف النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هذه بدر قتل فيها نيفا و عشرين و أربعون لسائر الناس فقال قائل:كان أبو بكر مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في عريشه يدبّرها.

فقال المأمون:لقد جئت بها عجيبة أكان يدبّر دون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو معه فيشركه أو لحاجة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلى رأي أبي بكر أي الثلاث أحبّ إليك؟

فقال:أعوذ باللّه من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو يشركه أو بافتقار من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

قال:فما الفضيلة في العريش،فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب فيجب أن يكون كلّ متخلّف فاضلا أفضل من المجاهدين و اللّه عزّ و جلّ يقول: لا يَسْتَوِي1.

ص: 388


1- -سورة الواقعة:10-11.

اَلْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (1) الآية.

قال إسحاق:ثمّ قال لي:اقرأ هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (2)فقرأت حتّى بلغت: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (3)إلى قوله: وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (4).

فقال:فيمن نزلت هذه الآيات؟

قلت:في عليّ عليه السّلام قال:فهل بلغك أنّ عليّا عليه السّلام قال حين أطعم المسكين و اليتيم و الأسير:إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء و لا شكورا،فقلت:لا،قال:فإنّ اللّه عزّ و جلّ عرف سريرة عليّ عليه السّلام و نيّته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه،فهل علمت أن اللّه عزّ و جلّ وصف في شيء ممّا وصف في الجنّة ما في هذه السورة،قلت:لا،ثمّ قال:ألست يا إسحاق ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنّة؟فقلت:بلى،قال:أرأيت لو أنّ رجلا قال:ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا كان عندك كافرا؟قلت:لا،قال:أفرأيت لو قال:ما أدري أهذه السورة قرآن أم لا أكان عندك كافرا؟قلت:بلى،قال:أرى فضل الرجل يتأكّد.

أخبرني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أصحيح عندك؟قلت:بلى،قال:بان و اللّه عنادك لا يخلو هذا من أن يكون كما دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو يكون مردودا أو عرف اللّه الفاضل من خلقه و كان المفضول أحبّ إليه أو تزعم أنّ اللّه لم يعرف الفاضل من المفضول فأيّ الثلاث أحبّ إليك أن تقول به؟

قال إسحاق:فأطرقت ساعة ثمّ قلت:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في أبي بكر: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا (5)فنسبه اللّه سبحانه إلى صحبة نبيّه عليه السّلام.

فقال:سبحان اللّه ما أقلّ علمكم باللغة و الكتاب أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن؟أما0.

ص: 389


1- -سورة النساء:95.
2- -سورة الأنسان:1.
3- -سورة الأنسان:3.
4- -سورة الأنسان:22.
5- -سورة التوبة:40.

سمعت قوله تعالى: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ (1)فقد جعله له صاحبا و قال الهذلي شعر:

و لقد غدوت لصاحبي وحشية *** تحت الرداء بصيرة بالمشرق

و أمّا قوله: إِنَّ اللّهَ مَعَنا فإنّه تعالى مع البرّ و الفاجر،أما سمعت قوله عزّ و جلّ: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ (2)الآية،و أمّا قوله: لا تَحْزَنْ ،فخبّرني عن حزن أبي بكر كان طاعة أو معصية،فإن زعمت أنّه كان طاعة فقد جعلت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نهى عن الطاعة و إن زعمت أنّه معصية فأيّ فضيلة للعاصي.

و خبّرني عن قوله عزّ و جلّ: فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ (3)على من؟قلت:على أبي بكر؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان مستغنيا عن السكينة.

قال:فخبّرني عن قوله عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (4).

و المراد به هنا سبعة من بني هاشم لمّا انهزم الناس يوم حنين و همّ علي عليه السّلام يضرب بسيفه و العبّاس آخذ بلجام بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الخمسة محدقون به خوفا من أن يناله سلاح الكفّار حتّى أعطى اللّه رسوله الظفر،فمن كان أفضل من كان مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و نزلت السكينة على النبيّ و عليه أو من كان في الغار أو من كان على مهاده و وقاه بنفسه حتّى تمّ للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله ما عزم عليه من الهجرة إنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و اله أن يأمر عليّا بالنوم على فراشه و وقايته بنفسه فأمره بذلك،فقال عليّ عليه السّلام:أتسلم إذن يا نبيّ اللّه؟

قال:نعم،قال:سمعا و طاعة،ثمّ أتى مضجعه و تسجّى بثوبه و أحدق المشركون به لا يشكّون في أنّه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و قد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطن من قريش رجل ضربة لئلاّ يطالب الهاشميّون بدمه و عليّ عليه السّلام يسمع ما القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه6.

ص: 390


1- -سورة الكهف:37.
2- -سورة المجادلة:7.
3- -سورة التوبة:40.
4- -سورة التوبة:25-26.

ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار و هو مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و علي عليه السّلام وحده فلم يزل صابرا محتسبا فبعث اللّه تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش فلمّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا:أين محمّد؟

قال:و ما علمي به،قالوا:أنت غررتنا ثمّ لحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلم يزل يتزايد على الفضل خيرا حتّى قبضه اللّه إليه،ثمّ أطال في الاستدلال على فضيلة أمير المؤمنين عليه السّلام بالأخبار القاطعة،ثمّ أقبل على أصحاب النظر و الكلام و ناظرهم حتّى اعترفوا بالقصور إلى أن قال:أليس روت الامّة بإجماع منها أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:من كذّب عليّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النار؟

قالوا:بلى و رووا عنه عليه السّلام أنّه قال:من عصى اللّه بمعصية صغرت أو كبرت ثمّ اتّخذها دينا و مضى مصرّا عليها فهو مخلّد بين أطباق الجحيم؟قالوا:بلى،قال:فخبّروني عن رجل يختاره العامّة فتنصبه خليفة هل يجوز أن يقال له خليفة رسول اللّه و من قبل اللّه و لم يستخلفه الرسول فإن قلتم:نعم،كابرتم و إن قلتم:لا،وجب أنّ أبا بكر لم يكن خليفة رسول اللّه و أنّكم تكذبون على نبيّ اللّه و أنّكم متعرّضون لدخول النار،و خبّروني في أيّ قولكم صدقتم مضى صلّى اللّه عليه و اله و لم يستخلف أوفي قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول اللّه،فإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر فاتّقوا اللّه و دعوا التقليد.

ثمّ قال؛خبّروني عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هل استخلف حين مضى أم لا؟فقالوا:لم يستخلف.

قال:فتركه هذا هدى أم ضلال؟قالوا:هدى،قال:فعلى الناس أن يتّبعوا الهدى و يتنكّبوا الضلالة فلم استخلف الناس بعده فإنّ أبا بكر استخلف و لم يفعله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و لم جعل عمر الأمر شورى بين المسلمين فخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خالف صاحبه،فخبّروني أيّهما أفضل ما فعله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف،و هل يجوز أن يكون تركه من الرسول صلّى اللّه عليه و اله هدى و فعله من غيره هدى فيكون هدى ضدّ هدى فأين الضلال حينئذ،فسكت القوم،فقال لهم:لم سكتمّ؟

قالوا:لا ندري ما نقول.

قال:يكفيني هذه الحجّة عليكم ثمّ أمر بإخراجهم.

ص: 391

قال؛فخرجنا متحيّرين خجلين،فنظر المأمون إلى الفضل بن سهل فقال:هذا أقصى ما عند القوم فلا يظنّ ظانّ أنّ جلالتي منعتهم من النقض عليّ (1).

أقول: هذا محصّل المناظرة و تمامها مذكور في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام.9.

ص: 392


1- -عيون أخبار الرضا:215/1،و بحار الأنوار:208/49.

الفصل الرابع

اشارة

في أحوال أزواجه و أولاده و عشائره و مدائحه و أحوال أهل زمانه

و مناظراتهم و أخبار آبائه عليهم السّلام بشهادته و ما يتبع ذلك

[في]عيون الأخبار عن ابن أبي عبدون عن أبيه قال:لمّا جيء بزيد بن موسى أخي الرضا عليه السّلام إلى المأمون و قد خرج في البصرة و أحرق دور العبّاسيّين فسمّي زيد النار،قال له المأمون:يا زيد خرجت بالبصرة و تركت أن تبدأ بدور أعدائنا من اميّة و ثقيف و آل زياد و قصدت دور بني عمّك؟

فقال و كان مزّاحا:أخطأت يا أمير المؤمنين من كلّ جهة و إن عدت بدأت بأعدائنا، فضحك المأمون و بعث به إلى أخيه الرضا عليه السّلام و قال:قد وهبت جرمه لك،فلمّا جاؤوا به عنّفه و خلّى سبيله و حلف أن لا يكلّمه أبدا ما عاش (1).

و في حديث آخر:أنّه لمّا ادخل على الرضا قال عليه السّلام:يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة،إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيتها على النار و اللّه ما ذاك إلاّ للحسن و الحسين و ولد بطنها خاصّة،و إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه و تدخل الجنّة و موسى بن جعفر أطاع اللّه و دخل الجنّة فأنت أكرم على اللّه من موسى بن جعفر،فقال له زيد:أنا أخوك و ابن أبيك،فقال عليه السّلام:أنت أخي ما أطعت اللّه إنّ نوحا قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ فقال: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (2)فأخرجه اللّه من أن يكون من أهله بمعصيته و كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول:لمحسننا كفلان من الأجر و لمسيّئنا ضعفان من العذاب (3).

ص: 393


1- -عيون أخبار الرضا:258/1 ح 2،و بحار الأنوار:286/48.
2- -سورة هود:45.
3- -عيون أخبار الرضا:257/1 ح 1،و بحار الأنوار:230/43 ح 2.

[في]كشف الغمّة؛له من الولد خمسة رجال و ابنة واحدة،هم:محمّد الإمام و أبو محمّد الحسن و جعفر و إبراهيم و الحسين و عائشة (1).

و في كتاب الدّر:مضى الرضا عليه السّلام و لم يترك ولدا إلاّ أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام و كان سنّة يوم وفاة أبيه سبع سنين و أشهر (2).

و في كتاب الكشي:أنّ الرضا عليه السّلام دخل على عليّ بن عبيد اللّه بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فلمّا خرج و كانت امّ سلمة امرأة علي بن عبيد اللّه من وراء الستر تنظر إليه خرجت و انكبّت على الموضع الذي كان أبو الحسن فيه جالسا تقبّله و تتمسّح به،قال سليمان الجعفري:فأخبرت الرضا عليه السّلام بما صنعت امّ سلمة،فقال:يا سليمان إنّ علي بن عبيد اللّه و امرأته و ولده من أهل الجنّة،يا سليمان إنّ ولد عليّ و فاطمة إذا عرفهم اللّه هذا الأمر لم يكونوا كالناس (3).

أقول: قوله:لم يكونوا كالناس،يعني في الثواب كما تقدّم من قوله عليه السّلام:لمحسننا كفلان من الأجر،و يجوز أن يكون المعنى أنّهم يزيدون على الناس في الإخلاص و المحبّة كما فعلت امّ سلمة.

[في]عيون الأخبار عن النوفلي قال:قال إنّ المأمون لمّا جعل الرضا عليه السّلام ولي عهده و أنّ الشعراء قصدوا المأمون و وصلهم بأموال جمّة حين مدحوا الرضا عليه السّلام و صوّبوا رأي المأمون دون أبي نواس فإنّه لم يقصده و لم يمدحه و دخل على المأمون،فقال له:يا أبا نواس قد علمت مكان الرضا منّي و ما أكرمته به،فلماذا ادّخرت مدحه و أنت شاعر زمانك و سيّد دهرك؟فأنشأ يقول:شعر:

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا *** في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدرّ في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** و الخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام *** كان جبريل خادما لأبيه9.

ص: 394


1- -كشف الغمة:60/3،و بحار الأنوار:221/49 ح 11.
2- -بحار الأنوار:222/49 ح 13،و مسند الأمام الرضا:141/1.
3- -وسائل الشيعة:267/20،و بحار الأنوار:223/49.

فقال المأمون:أحسنت،و وصله من المال بمثل الذي وصل به كافّة الشعراء و فضّله عليهم (1).

و عن محمّد بن يزيد المبرّد قال:خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر راكب و قد حاذاه،فسأل عنه و لم ير وجهه فقيل:إنّه عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام فأنشأ يقول شعر:

إذا أبصرتك العين من بعد غاية *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب

و لو أنّ قوما أمّموك لقادهم *** نسيمك حتّى يستدلّ بك الركب

(2) و روي أنّه دخل عبد اللّه بن مطرف على المأمون يوما و عنده الرضا عليه السّلام فقال له المأمون:ما تقول في أهل البيت؟

فقال عبد اللّه:ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة و غرست بماء الوحي هل ينفخ منها إلاّ مسك الهدى و عنبر التّقى،قال:فدعا المأمون بحقّة فيها لؤلؤ فحشا فاه (3).

و عن الهروي قال:سمعت دعبل الخزاعي يقول:أنشدت الرضا عليه السّلام قصيدتي التي أوّلها:مدارس آيات،فلمّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات

يميز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النّعماء و النقمات

بكى الرضا عليه السّلام بكاء شديدا،ثمّ قال لي:يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين،فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم؟فقلت:لا يا مولاي إلاّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلا،فقال:يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني و بعد محمّد ابنه علي و بعد علي ابنه الحسن و بعد الحسن ابنه الحجّة المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلاكما ملئت جورا،و أمّا متى فاخبار عن الوقت (4).

و لقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه السّلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قيل له:يا رسول اللّه6.

ص: 395


1- -عيون أخبار الرضا:154/1 ح 9،و بحار الأنوار:235/49.
2- -المناقب:432/3،و بحار الأنوار:8107/48.
3- -عيون أخبار الرضا:155/1 ح 10،و بحار الأنوار:237/49 ح 5.
4- -عيون أخبار الرضا:297/1 ح 35،و كمال الدين:372 ح 6.

متى يخرج القائم من ذرّيتك؟

فقال:مثله مثل الساعة(لا يجليها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة) (1).

و عن أخي دعبل الخزاعي قال:خلع سيّدي الرضا عليه السّلام على أخي دعبل قميص خزّ أخضر و خاتما فضّة عقيق و دفع إليه دراهم رضوية و قال له:احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة في كلّ ليلة ألف ركعة و ختمت فيه القرآن ألف ختمة.

و عن الهروي قال دعبل بن علي الخزاعي دخلت على الرضا عليه السّلام بمرو،فقال له:

يابن رسول اللّه إنّي قد قلت فيك قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقال عليه السّلام:هاتها فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات

فلمّا بلغ إلى قوله هذا بكى الرضا عليه السّلام و قال له:صدقت يا خزاعي،فلمّا بلغ إلى قوله:

إذا و تروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل عليه السّلام يقلّب كفّيه و يقول:أجل و اللّه منقبضات،فلمّا بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الأمن من بعد وفاتي

قال الرضا عليه السّلام:آمنك اللّه يوم الفزع الأكبر،فلما انتهى الى قوله:

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمنّها الرحمن بالغرفات

قال الرضا عليه السّلام أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال:بلى يابن رسول اللّه،فقال عليه السّلام:

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** تتوقّد بالاحشاء في الحرقات

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الهمّ و الكربات

فقال دعبل:يابن رسول اللّه هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الرضا عليه السّلام:قبري و لا تنقضي الأيّام و الليالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي6.

ص: 396


1- -عيون أخبار الرضا:297/1 ح 5،و بحار الأنوار:238/49 ح 6.

و زوّاري،ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له،ثمّ نهض الرضا عليه السّلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة فدخل الدار و خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية،فقال له:يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك.

فقال دعبل:و اللّه ما لهذا جئت و لا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء وردّ الصرّة و سأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السّلام ليتبرّك به و يتشرّف به فأرسل إليه جبّة خزّ مع الصرّة و قال للخادم:قل له خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها و لا تراجعني فيها،فأخذ دعبل الصرّة و الجبّة و انصرف و سار من مرو في قافلة فلمّا بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة كلّها و كتّفوا أهلها و كان دعبل فيمن كتّف و ملك اللصوص القافلة و جعلوا يقسّمونها بينهم،فقال رجل من القوم متمثّلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل،فقال لهم:لمن هذا البيت؟

فقال:لرجل من من خزاعة يقال له دعبل بن علي،قال دعبل:فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت،فوثب الرجل إلى رئيسهم و كان يصلّي على رأس تل و كان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل فقال:انشدني القصيدة فأنشدها فحلّ كتافه و كتاف أهل القافلة وردّ عليهم أموالهم لكرامة دعبل،و صار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة،فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فاجتمعوا فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال و الخلع بشيء كثير و اتّصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك.

فقالوا له:بعنا شيئا منها بألف دينار فأبى عليهم و سار من قم،فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب و أخذوا الجبّة فرجع دعبل إلى قم و سألهم ردّ الجبّة عليه،فامتنع الاحداث من ذلك و عصوا المشايخ في أمرها و قالوا له:لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار فأبى عليهم فلمّا يئس من ردّهم الجبّة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأعطوه بعضها و دفعوا إليه ثمن الباقي ألف دينار و انصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباع المائة دينار من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم و ذكر قول الرضا عليه السّلام:إنّك ستحتاج إليها و كانت له جارية يحبّها فرمدت،فقال أهل الطبّ

ص: 397

أمّا العين اليمنى فقد ذهبت و أمّا اليسرى فنجتهد في معالجتها فاغتمّ لذلك دعبل،ثمّ ذكر فضل الجبّة فعصّبها بعصابة منها فأصبحت و عيناها أصحّ ممّا كانتا ببركة الرضا عليه السّلام (1).

و عن داود البكري قال:سمعت علي بن دعبل الخزاعي يقول:لمّا حضر أبي الوفاة تغيّر لونه و انعقد لسانه و اسودّ وجهه فكدت أن أرجع عن مذهبه فرأيته بعد ثلاث فيما يرى النائم و عليه ثياب بيض و قلنسوة بيضاء،فقلت له:يا أبه ما فعل اللّه بك؟

فقال:يا بني إنّ الذي رأيته من اسوداد وجهي و انعقاد لساني كان من شرب الخمر في دار الدّنيا و لم أزل كذلك حتّى لقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليه ثياب بيض و قلنسوة بيضاء فقال لي:أنت دعبل؟قلت:نعم يا رسول اللّه قال:فانشدني قولك في أولادي،فأنشدته قولي:

لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت *** يوما و آل رسول اللّه قد قهروا

مشرّدون نفوا عن عقر دارهم *** كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر

فقال لي:أحسنت و شفع فيّ و أعطاني ثيابه و هاهي،و أشار إلى ثياب بدنه (2).

[في]كشف الغمّة،عن أبي الصلت الهروي قال:دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا عليه السّلام بمرو،فقال له:يابن رسول اللّه إنّي قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك،فقال الرضا عليه السّلام:هاتها فأنشد قصيدة:

تجاوبن بالأرنان و الزفرات *** نوايح عجم اللفظ و النطقات

يخبّرن بالأنفاس عن سرّ أنفس *** اسارى هوى ماض و آخرات

فأسعدن أو اسعفن حتّى تقرّضت *** صفوف الدّجى بالفجر منهزمات

على العرصات الخاليات من المها *** سلام شجّ صبّ على العرصات

فعهدي بها خضر المعاهد مألفا *** من العطرات البيض و الخطرات

ليالي يعدين الوصال على القلى *** و تعدى تدانينا على الغربات

و إذ هنّ يلحظن العيون سوافرا *** و يسترن بالأيدي على الوجنات

و إذ كلّ يوم لي بلحظى نشوة *** يبيت بها قلبي على نشواتي6.

ص: 398


1- -عيون أخبار الرضا:296/1،و بحار الأنوار:241/49.
2- -عيون أخبار الرضا:298/1 ح 36.

فكم حسرات هاجها بمحسر *** وقوفي يوم الجمع من عرفات

ألم تر للأيّام ما جرّ جورها *** على الناس من نقص و طول شتات

و من دول المستهزئين و من غدا *** بهم طالبا للنور في الظلمات

فكيف و من أنّى بطالب زلفة *** إلى اللّه بعد الصوم و الصلوات

سوى حبّ أبناء النبيّ و رهطه *** و بغض بني الزرقاء و العبلات

و هند و ما أدّت سميّة و ابنها *** أولوا الكفر في الإسلام و الفجرات

هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه *** و محكمه بالزور و الشبهات

و لم تك إلاّ محنة كشفتهم *** بدعوى ضلال من هن و هنات

تراث بلا قربى و ملك بلا هدى *** و حكم بلا شورى بغير هدات

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة *** وردت اجاجا طعم كلّ فرات

و ما سهلت تلك المذاهب فيهم *** على الناس إلاّ بيعة الفلتات

و ما قبل أصحاب السقيفة جهرة *** بدعوى تراث في الضلال ثبات

و لو قدروا الموصى إليه امورها *** لزمّت بمأمون على العثرات

أخي خاتم الرسل المصفّى من القذى *** و مفترس الأبطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** و بدر و احد شامخ الهضبات

و آي من القرآن تتلى بفضله *** و إيثاره بالقوت في اللزبات

و عز خلال أدركته بسبقها *** مناقب كانت فيه موتنقات

مناقب لم تدرك بخير و لم تنل *** بشيء سوى حدّ القنا الذربات

نجى لجبريل الأمين و أنتم *** عكوف على العزى معا و منات

بكيت لرسم الدار من عرفات *** و أذريت دمع العين بالعبرات

و بان عزى صبري و هاجت صبابتي *** رسوم ديار قد عفت و عرات

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول اللّه بالخيف من منى *** و بالبيت و التعريف و الجمرات

ديار لعبد اللّه بالخيف من منى *** و للسيّد الداعي إلى الصلوات

ديار عليّ و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجّاد ذو الثفنات

ص: 399

ديار لعبد اللّه و الفضل صنوه *** نجيّ رسول اللّه في الخلوات

و سبطي رسول اللّه و ابني وصيّه *** و وارث علم اللّه و الحسنات

منازل وحي اللّه ينزل بيتها *** على أحمد المذكور في الصلوات

منازل قوم يهتدى بهداهم *** فيؤمن منهم زلّة العثرات

منازل كانت للصلاة و للتّقى *** و للصوم و التطهير و الحسنات

منازل لا تيم تحلّ بربعها *** و لا ابن صهّاك فاتك الحرمات

ديار عفاها جور كلّ منابذ *** و لم تعف للأيّام و السنوات

قفا نسأل الدار التي خفّ أهلها *** متى عهدها بالصوم و الصلوات

و أين الاولى شطّت بهم غربة النوى *** أفانين في الأقطار مفترقات

هم أهل ميراث النبيّ إذا اعتزوا *** و هم خير سادات و خير حمات

إذا لم نناج اللّه في صلواتنا *** بأسمائهم لم يقبل الصلوات

مطاعيم للاعصار في كلّ مشهد *** لقد شرّفوا بالفضل و البركات

و ما الناس إلاّ غاضب و مكذّب *** و مضطغن ذو إحنة و ترات

إذا ذكروا قتلى ببدر و خيبر *** و يوم حنين أسبلوا العبرات

فكيف يحبّون النبيّ و رهطه *** و هم تركوا أحشاءهم و غرات

لقد لا ينوه في المقال و أضمروا *** قلوبا على الأحقاد منطويات

فإن لم يكن إلاّ بقربى محمّد *** فهاشم أولى من هن و هنات

سقى اللّه قبرا بالمدينة غيثه *** فقد حلّ فيه الأمن و البركات

نبيّ الهدى صلّى عليه مليكه *** و بلغ عنّا روحه التحفات

و صلّى عليه اللّه ما درّ شارق *** و لاحت نجوم الليل مبتدرات

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** و قد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلات

قبور بكوفان و اخرى بطيبة *** و اخرى بفخ نالها صلوات

و اخرى بأرض الجوزجان محلّها *** و قبر بباخمرى لدى الغربات

ص: 400

و قبر ببغداد لنفس زكيّة *** تضمّنها الرحمن في الغرفات

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** ألحّت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الغمّ و الكربات

علي بن موسى أرشد اللّه أمره *** و صلّى عليه أفضل الصلوات

فأمّا الممضات التي لست بالغا *** مبالغها منّي بكنه صفات

قبور ببطن النهر من جنب كربلا *** معرّسهم منها بشط فرات

توفّوا عطاشا بالفرات فليتني *** توفّيت فيهم قبل حين وفات

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم *** سقتني بكأس الثكل و القطعات

أخاف بأن إذ دارهم فتشوقني *** مصارعهم بالجزع في النحلات

تغشاهم ريب المنون فما ترى *** لهم عقرة مغشية الحجرات

خلا أنّ منهم بالمدينة عصبة *** مدينين انضاء من اللزبات

قليلة زوّار سوى أنّ زوّرا *** من الضبع و العقبان و الرخمات

لهم كلّ يوم تربة بمضاجع *** ثوت في نواحي الأرض مفترقات

تنكّب لاواء السنين جوارهم *** و لا تصطليهم جمرة الجمرات

و قد كان منهم بالحجاز و أرضها *** مفاوير نحارون في الأزمات

حمى لم تزره المذنبات و أوجه *** تضيء لدى الأستار و الظلمات

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا *** مساعير حرب أفحموا العمرات

فإن فخروا يوما أتوا بمحمّد *** و جبريل و الفرقان و السورات

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات

و حمزة و العبّاس ذا الهدى و التّقى *** و جعفرها الطيّار في الحجبات

أولئك لا ملقوح هند و خربها *** سميّة من نوكى و من قذرات

ستسأل تيم عنهم و عدّيها *** و هم تركوا الأبناء رهن شتات

و هم عدلوها عن وصيّ محمّد *** فبيعتهم جاءت على العذرات

وليّهم صنو النبيّ محمّد *** أبو الحسن الفرّاج للغمرات

ملامك في آل النبي فإنّهم *** أحبّاي ما داموا و أهل ثقات

ص: 401

تحيرتهم رشد التقسي أنّهم *** على كلّ خير خيرة الخيرات

نبذت إليهم بالمودّة صادقا *** و سلمت نفسي طايعا لولاتي

فيارب زدني في هواي بصيرة *** و زد حبّهم يا ربّ في حسنات

سأبكيهم ما حجّ للّه راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات

و أنّي لمولاهم و قال عدوّهم *** و أنّي لمحزون بطول حيات

بنفسي أنتم من كهول و فتية *** لفك عناة أو لحمل ديات

و للخيل لما قيد الموت خطوها *** فأطلقتم منهنّ بالذربات

أحبّ قصي الرحم من أجل حبّكم *** و أهجر فيكم زوجتي و بنات

و أكتم حميكم مخافة كاشح عنيد *** لأهل الحقّ غير موات

فيا عين بكيّهم وجودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و الهملات

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الامن بعد وفات

ألم تراني مذ ثلاثون حجّة *** أروح و أغدو دائم الحسرات

أر فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات

و كيف أداوي من جوى بي و الجوى *** أمية أهل الكفر و اللّعنات

و آل زياد في القصور مصونة *** و آل رسول اللّه منهتكات

سأبيكيهم ما ذرّ في الأفق شارق *** و نادى مناد الخير بالصلوات

و ما طلعت شمس و حان غروبها *** و بالليل أبكيهم و بالغدوات

ديار رسول اللّه أصبحن بلقعا *** و آل زياد تسكن الحجرات

و آل رسول اللّه تدمى نحورهم *** و آل زياد ربة الحجلات

و آل رسول اللّه تسبى حريمهم *** و آل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّا عن الأوتار منقبضات

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد *** تقطّع نفسي اثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات

فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس أبشري *** فغير بعيد كلّما هو آت

ص: 402

و لا تجزعي من مدّة الجور أنّني *** أرى قوتي قد أذنت بثبات

فإن قرب الرحمن من تلك مدّتي *** و أخّر من عمري و وقت وفات

شفيت و لم أترك لنفسي غصّة *** و رويت منهم منصل و قنات

فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم *** حياة لدى الفردوس غير تبات

عسى اللّه أن يرتاح للخلق أنّه *** إلى كلّ قوم دائم اللحظات

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر *** و عظوا على التحقيق بالشبهات

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم *** كفاني ما ألقى من العبرات

أحاول نقل الصمّ عن مستقرّها *** و إسماع أحجار من الصلدات

فحسبي منهم أن أبوء بغصّة *** تردّد في صدري و في لهوات

فمن عارف لم ينتفع و معاند *** تميل به الأهواء للشهوات

كأنّك بالأضلاع قد ضاق ذرعها *** لما حملت من شدّة الزفرات

أقول: في شرح بعض أبيات القصيدة:قوله:عجم اللفظ؛الأعجم الذي لا يفصح و لا يبيّن كلامه و منه الحيوانات العجم و به سمّي العجم و هم خلاف العرب لأنّهم لا يفهمون اللغة العربية التي هي الأصل في لغات هذا الدّين المحمّدي على مشرّفه و على آله أفضل الصلوات،و المراد هنا الطيور و نغماتها التي تتجاوب بالرنّة و النوح في أطلال ديار الأحباب.

و قوله:اسارى هوا ماض...الخ،يعني أنّ تلك الأنفس أسيرات في عشق الأحباب الماضين و الآتين،و لعلّ المراد من الآتي هذا الدولة المهدوية على القائم بها أفضل الصلوات (1).

و قوله:و اسعدن أو اسعفن...الخ؛الإسعاد الإعانة و الإسعاف الإيصال إلى البغية و الضمير يرجع إلى الطيور النايحة و قيل إلى العشّاق و هو بعيد،قيل:و الأصوب فاصعدن و أسففن من اسف الطائر إذا دنى من الأرض في طيرانه يعني،يطرن تارة صعودا و اخرى هبوطا و التقوّض التفرّق.

و قوله:على العرصات الخاليات من المها...الخ،المها بقر الوحش و رجل شج أي حزين و الصب العاشق المشتاق.1.

ص: 403


1- -كشف الغمة:11/3،و مسند الأمام الرضا:186/1.

و قوله:على العرصات ثانيا تأكيد للأوّل أو متعلّق بشج و صب و هو الأولى.

و قوله:خضر المعاهد...الخ؛أي كنت أعهد أماكنها خضرة و هي مألف للنساء البيض و الحقر بالتحريك شدّة الحياء[نصبا] (1)على التمييز.

و قوله:يعدين الوصال على القلى...الخ؛من أعداه عليه أي أعانه عليه أي،يجعلن الوصل غالبا على الهجر لما يكون فيها من أسباب الوصال و كذلك تلك الليالي تعين القرب على الاغتراب و تجعل الأحباب في الأوطان،و الغربات مفارقة الديار،و لعلّ المراد هنا ما كان الأئمّة عليهم السّلام عليه من الاجتماع في أعصار النبوّة و في أعصار خلافة أمير المؤمنين ثمّ وقع عليهم التفرّق و الاغتراب من واقعة الطفوف حتّى«تفرّقوا أيدي سبأ» (2).

و قوله:يلحظن العيون...الخ؛العيون،و قوله:نشوة أي سكرة،و قوله:بمحسر أراد به وادي المحسر المشهور،و قوله:ما جر جورها...الخ،قيل:إنّ ما جرّ من الجريرة و هي الجناية العظيمة و الظاهر أنّه فعل ماض من الجرّ و هو السحب في الأرض.

و قوله؛طالبا للنور الخ،يعني أنّ الناس يطلبون الهداية من أئمّة الجور و أعوانهم و هم ظلمات و شبهات فكيف يطلب منها نور الهداية.

و قوله:بني الزرقاء و العبلات،الزرقة أبغض الألوان إلى العرب لأنّه لون أعدائهم الروم و عبله اسم اميّة الصغرى و هم من قريش يقال لهم العبلات بالتحريك و سميّة أم زياد ابن أبيه.

و قوله:و لم تلك إلاّ محنة...الخ،أي لم يكن ما وقع بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلاّ امتحانا ظهر به كفرهم و نفاقهم بدعوى الضلال من الشيء القبيح،لأنّ هن و هنات كناية عنه.

و قوله:و ما قيل أصحاب السقيفة جهرة...الخ،(ما)مصدرية و(هو)و ما بعده مصدر خبره نتات من النتو بمعنى الارتفاع أي،قول أصحاب السقيفة الذي وقع عقد البيعة بها لأبي بكر و هو ادّعاء الخلافة بالوراثة و هو احتجاجهم على الأنصار بأنّهم من قريش و من أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بعائشة و حفصة قول غريب،لأنّ هذا الاحتجاج أين مبلغه من بنوّة الحسنين و فاطمة و اخوة أمير المؤمنين عليه السّلام و عمومته.ق.

ص: 404


1- -زيادة من المصدر.
2- -هو مثل يضرب للتفرّق.

و قوله:لزمت...الخ،من الزمام و هو كناية عن انتظام الامور و اتّساقها.

و قوله:شامخ الهضبات،الشامخ العالي،و الهضبات الجبال المنبسطة على وجه الأرض،و اللزيات جمع لزية بالتحريك و هو الشدّة و القحط.

و قوله:موتنفات أي،طريات جديدات لم يسبق إليها من قولهم روضة أنف كعنق أي لم ترع و كاس أنف أي لم يشرب و أمر انف مستأنف،و قوله:لم تدرك بخير أي بمال أي أنّها مناقبة إلهية ذاتية ليست مثل مناقب الملوك و السلاطين التي يدركونها ببذل الأموال.

و الذربات جمع ذربة و هي الحدّة.

و قوله:و أذريت دمع العين،أي سكبته و صببته و الذرى اسم الدمع المصبوب.

و قوله:قفا نسأل الدار،قد شاع في أشعار العرب هذا النوع من الخطاب قيل:إنّ العرب تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين و قيل:هو للتأكيد من قبيل لبّيك أي قف،و قيل خطاب إلى أقلّ ما يكون معه من جمل و عبد.

و قوله:شطت،أي بعدت و النوى الوجه الذي ينويه المسافر و الأفانين الأغصان، و المطاعيم جمع المطعام و هو كثير الاطعام.

و قوله:و مضطفن ذو احنة و ترات،المضطفن المنطوي على الأحقاد،و الاحنة بالكسر الحقد و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه.

و قوله:و غرات أي تغلي غليان القدر.

و قوله:الا بقربى محمّد،إشارة إلى ما احتجّ به المهاجرون على الأنصار في السقيفة بكونهم أقرب من الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

و قوله:و اخرى بفخّ،إشارة إلى القتل بفخ في زمن الهادي العبّاسي أخي الرشيد فإنّه تولّى الخلافة قبله و قتل في ذلك المكان الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و سليمان بن عبد اللّه بن الحسن و أتباعهما لمّا خرجوا في زمنه.

و قوله:بأرض الجوزجان،إشارة إلى قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليه السّلام فإنّه قتل بجوزجان و صلب بها في زمن الوليد و كان مصلوبا على ظهر أبو مسلم فأنزله و دفنه.

و باخمرا:اسم موضع على ستّة عشر فرسخا من الكوفة قتل فيه إبراهيم بن عبد اللّه ابن الحسن.

ص: 405

و الممضات من قولهم امضه الجرح أي أوجعه يعني لا أبلغ كنه صفاتي أن أصف أنّها بلغت منّي أي مبلغ من الحزن.

و لوعة الحبّ حرقته،و ازدار افتعل من الزيارة،و شاقني حبّها أهاجني يعني إنّي أخاف من زيارتهم أن لا أصبر عند رؤية مصارعهم فيورث جزعي و تحول جسمي.

و العقر بالضم و الفتح محلّة القوم و وسط الدار و أصلها أي ليس لهم دار و ساحة تأتي الناس حجراتها.

و قوله:مدينين أي مقيمين أيضا أي مهزولين أو مجرّدين.

و العقبان جمع العقاب و الرخمات جمع الرخمة أي لا يزور قبورهم سوى هذه الطيور.

و اللاء و الشدّة أي لا يجاورهم لاواء السنين لسرعة فراقهم الدّنيا.و رجل مغوار كثير الغارات و غارهم اللّه بخير أصابهم بخصب و مطر.

و قوله:لم تزره المذنبات أي لم تقربه إلاّ المطهّرات من الذنوب،و المسعر بكسر (الميم)الخشب الذي تسعر به النار و منه قيل للرجل إنّه مسعر حرب أي تحمى به الحرب.

و النوكى الحمقى.و قوله:ملامك بالنصب أي كفّ عنّي ملامك.و قوله:عناة أي أسارى أي كانوا معدين مرجوّين لفكّ الأسارى و حمل الديات عن القوم.

قوله:قصيّ الرحم،أي أحبّ من كان بعيدا من جهة الرحم إذا كان محبّا لكم و اهجر زوجتي و بناتي إذا كنّ مخالفات لكم.

و قوله:حبيكم،أي حبّي إيّاكم،و المواطاة المطاوعة المثافقة و هملت عينه فاضت.

و الجوى:الحرقة،و شدّة الوجد من عشق أو حزن،و البلقع الأرض الخالية.

و ربّة الحجلات المربوبة فيها و فلان آمن في سربه أي في نفسه و فلان واسع السرب أي رخي البال.

و قوله:إذا وتروا البيت،معناه إذا قتل منهم قتيل و أرادوا الأخذ بدمه مدّوا أيديا ممنوعات عن أخذ الثأر لعدم تمكّنهم منه،و قيل:منقبضات عن أوتار الملاهي فيكون وصف أيديهم بالطهارة.

قوله:غير بتات،أي غير منقطع و يقال:ارتاح اللّه لفلان أي رحمه و يقال:باء بغضب

ص: 406

أي رجع به.

قال صاحب الأغاني:إنّ دعبل الخزاعي كتب قصيدته هذه على ثوب و أحرم فيه و أمر بأن يكون في كفنه،و لم يزل دعبل مرهوب اللّسان و يخاف من هجائه الخلفاء.قال ابن المدبر:لقيت دعبلا،فقلت له:أنت أجسر الناس حيث تقول للمأمون شعر:

إنّي من القوم الذين سيوفهم *** قتلت أخاك و شرّفتك بمقعد

رفعوا محلّك بعد طول خموله *** و استنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال:يا أبا إسحاق إنّي أجد خشبتي مذ أربعين سنة و لا أجد من يصلبني عليها (1).

أقول: أراد بالقوم الذين قتلوا أخاه الأمين عبد اللّه بن طاهر الخزاعي،فإنّه كان مقدم عساكر المأمون و هو الذي فتح له البلدان و قتل أخاه الأمين و مكّنه من الملك و الخلافة و كانت قبائل خزاعة معه.

[في]كتاب العلل عن محمّد بن إبراهيم قال:إنّما كانت عداوة ابن حنبل مع علي بن أبي طالب عليه السّلام:أنّ جدّه ذا الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب عليه السّلام يوم النهروان كان رئيس الخوارج (2).

و قال علي بن حشرم:كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجرى ذكر علي بن أبي طالب عليه السّلام،فقال:لا يكون الرجل سنيّا يبغض عليا قليلا،قال علي بن حشرم:فقلت:لا يكون الرجل سنيا حتّى يحبّ عليّا كثيرا فضربوني و طردوني من المجلس.

و في كتاب مناقب الأبرار:أنّ معروف الكرخي كان من موالي علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان أبواه نصرانيين سلّما معروفا إلى المعلم و هو صبي،فكان المعلّم يقول له:

قل ثالث ثلاثة و هو يقول بل هو الواحد فضربه المعلّم ضربا مبرحا فهرب و مضى إلى الرضا عليه السّلام و أسلم على يده،ثمّ إنّه أتى داره فدقّ الباب،فقال أبوه:من بالباب؟

فقال:معروف،فقال:على أيّ دين؟قال:على دين الحنفي،فأسلم أبوه ببركات الرضا عليه السّلام،قال معروف:فعشت زمانا ثمّ تركت كلّما كنت فيه إلاّ خدمة مولاي علي بن3.

ص: 407


1- -بحار الأنوار:260/49 ح 14،و العدد القوية:292 ح 16.
2- -بحار الأنوار:261/49 ح 1،و علل الشرائع:467/2 ح 23.

موسى الرضا عليه السّلام (1).

و عن الريّان بن الصلت قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ العبّاسي أخبرني أنّك رخّصت في سماع الغناء؟

فقال:كذب الزنديق ما هكذا كان إنّما سألني عن سماع الغناء،فأخبرته أنّ رجلا أتى أبا جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليه السّلام فسأله عن سماع الغناء،فقال له:أخبرني إذا ميّز اللّه تبارك و تعالى بين الحقّ و الباطل مع أيّهما يكون الغناء؟

فقال الرجل:مع الباطل.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام:حسبك فقد حكمت على نفسك فهكذا كان قولي له (2).

أقول: لم يذهب أحد من الإمامية رضوان اللّه عليهم إلى جواز سماع الغناء سوى صاحب الوافي من المعاصرين،فإنّه صرّح بجوازه و هو عجيب.8.

ص: 408


1- -المناقب:471/3،و بحار الأنوار:262/49 ح 4.
2- -بحار الأنوار:263/49 ح 6،و مستدرك سفينة البحار:31/8.

حديث سعوط المجانين

[في]عيون الأخبار عن محمّد بن عبد اللّه بن طاهر قال:كنت واقفا على رأس أبي و عنده أبو الصلت الهروي و إسحاق بن راهويه و أحمد بن محمّد بن حنبل،فقال أبي:

ليحدّثني كلّ رجل منكم بحديث،فقال أبو الصلت:حدّثني علي بن موسى الرضا عليه السّلام -و كان و اللّه رضي سمّي-عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

الإيمان قول و عمل،فلمّا خرجنا قال أحمد بن محمّد بن حنبل:ما هذا الاسناد؟

فقال له أبي:هذا سعوط المجانين إذا سعّط بن المجنون أفاق (1)

صفوان الجمّال كان يعمل عن أصحابه

[في]كتاب الاختصاص للمفيد طاب ثراه قال:ذكر محمّد بن جعفر المؤدّب:أنّ صفوان بن يحيى كان من أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث و كان يصلّي كلّ يوم خمسين و مائة ركعة و يصوم في السنة ثلاثة أشهر و يخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرّات، و ذلك أنّه اشترك هو و عبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان في بيت اللّه الحرام،فتعاقدوا جميعا إن مات واحد منهم صلّى من بقي منهم صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه و يزكّي عنه ما دام حيّا فمات صاحباه و بقي صفوان بعدهما و كان يفي لهما بذلك يصلّي عنهما و يزكّي عنهما و يحجّ عنهما و كلّ شيء من البرّ و الصلاح يفعله لنفسه كذلك يفعله لصاحبيه.

و قال بعض جيرانه من أهل الكوفة بمكّة:يا أبا محمّد تحمل لي إلى المنزل دينارين فقال له:إنّ جمالي بكرى حتّى أستأمر فيه جمالي (2).

أقول: قد وقع مثل هذا الورع من الفاضل الزاهد المولى أحمد الأردبيلي قدّس اللّه

ص: 409


1- -مسند الأمام الرضا:259/1 ح 10،و بحار الأنوار:270/49 ح 13.
2- -الأختصاص:88،و بحار الأنوار:273/49.

ضريحه فإنّه استأجر حمارا من النجف الى مشهد الكاظم عليه السّلام فلما رجع أودعه رجل من أهل بغداد رسالة الى أهله في النجف فوضعها في جيبه و ساق الحمار من بغداد الى النجف و لم يركبه فقيل له في ذلك قال:كيف أركب الحمار و الخط في جيبي و ما استأمرت صاحبه.

حال محمّد بن سنان

و عن عبد اللّه بن جندب و كان وكيلا للكاظم و الرضا عليهما السّلام قال:دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسمعته يقول:جزى اللّه محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد وفى لي (1).

و عن علي بن الحسين بن داود قال:سمعت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يقول:رضى اللّه عن محمّد بن سنان برضاي عنه،فما خالفني و لا خالف أبي قط (2).

و في كتاب الكشي:ثمّ سمعت من يذكر طعنا على محمّد بن سنان و لعلّه لم يقف إلاّ على الطعن عليه و لم يقف على تزكيته و الثناء عليه و كذلك يحتمل أكثر الطعون.

فقال شيخنا المعظّم المأمون المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب كمال شهر رمضان لمّا ذكر محمّد بن سنان،ما هذا لفظه:على أنّ المشهور عن السادة عليهم السّلام من الوصف لهذا الرجل خلاف ما به شيخنا أتاه و وصفه و الظاهر من القول ضدّ ما له به ذكر كقول أبي جعفر عليه السّلام فما رواه عبد اللّه بن الصلت القمي قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فسمعته يقول:جزى اللّه محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد وفا لي،و كقوله عليه السّلام:رضى اللّه عن محمّد ابن سنان برضاي عنه فما خالفني و لا خالف أبي قط هذا مع جلالته في الشيعة و علوّ شأنه و رياسته و عظم قدره و لقائه من الأئمّة عليهم السّلام ثلاثة،و روايته عنهم و كونه بالمحلّ الرفيع منهم الكاظم و الرضا و الجواد عليهم أفضل الصلوات و مع معجز أبي جعفر عليه السّلام التي أكرمه بها،فيما رواه محمّد بن الحسين بن الخطّاب:أنّ محمّد بن سنان كان ضرير البصر فتمسّح بأبي جعفر الثاني عليه السّلام فعاد إليه بصره بعد ما كان افتقده (3).

أقول: فمن جملة أخطار الطعون على الأخبار:أن يقف الإنسان على طعن و لم

ص: 410


1- -موسوعة الأمام الجواد:473/1،و الفوائد الرجالية:254/3.
2- -وسائل الشيعة:330/20 ح 1049،و بحار الأنوار:276/49.
3- -بحار الأنوار:277/49،و الفوائد الرجالية:254/3.

يستوف النظر في أخبار المطعون عليه كما ذكرناه عن محمّد بن سنان رحمة اللّه عليه فلا يعجل طاعن فيما أشرنا إليه أو يقف من كتبنا عليه،فلعلّ لنا عذرا ما اطلع الطاعن عليه.

أقول: رويت بإسنادي عن الحسين المالكي قال:قلت لأحمد الكرخي:أخبرني عمّا يقول في محمّد بن سنان من أمر الغلوّ،فقال:معاذ اللّه هو و اللّه علّمني الطهور و حبس العيال و كان متقشّفا متعبّدا،انتهى.

أقول: طعن أكثر أصحابنا من أهل الرجال في محمّد بن سنان و نسبوه إلى الغلو و ارتفاع القول و ضعفوا الأسانيد الواقع فيها و وثّقه المفيد و السيّد ابن طاووس و الكشي كما عرفت و هو الأصحّ؛و ذلك أنّ جماعة من خواص الأئمّة عليهم السّلام كالمفضل بن عمر و محمّد ابن سنان و جابر بن يزيد الجعفي و أضرابهمن كانوا عليهم السلام يلقون إليهم من أسرار علومهم و مشكلات أخبارهم ما لا يلقونه إلى غيرهم و كانوا يتّهمونهم عن رواية أكثر الأخبار، لأنّ الناس لا يتحمّلونها،و قد مرّ أنّ الجعفي روى عن محمّد بن علي الباقر عليه السّلام سبعين ألف حديث لم يحدّث بها إلاّ الأرض،فإذا سمع الشيعة منهم أخبارا من النوادر لم يروها غيرهم اتّهموهم و نسبوهم إلى الغلوّ سيّما إذا كان ذلك الحديث في بواطن أسرار الأئمّة عليهم السّلام و امورهم الغريبة كما قالوا عليهم السّلام:أمرنا صعب مستصعب.

و في لفظ آخر:حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبي مرسل أو ملك مقرّب أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان.

و في الكافي عن الحسن الأنباري قال:كتبت إلى الرضا عليه السّلام أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان،فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف على خيط عنقي و أنّ السلطان يقول:إنّك رافضي و لسنا نشكّ في أنّك تركت العمل للسلطان للترفّض،فكتب إلي أبو الحسن عليه السّلام قد فهمت كتبك و ما ذكرت من الخوف على نفسك،فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ يصير أعوانك و كتابك أهل ملّتك،فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى يكون واحدا منهم كان ذا بذا و إلاّ فلا (1).

أقول: فيه إشارة إلى عدم الرخصة له في عمل السلطان و إن أدّى إلى الخوف على النفس،و ذلك أنّ شرطه عليه السّلام لا يتّفق إلاّ نادرا.6.

ص: 411


1- -الكافي:111/5 ح 4،و تهذيب:335/6.

[في]كشف الغمّة من كتاب نثر الدرّ قال:دخل على الرضا عليه السّلام بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له:إنّ أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاّه اللّه من الأمر فرآكم أهل البيت أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك و الامّة تحتاج إلى من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض،قال:و كان الرضا عليه السّلام متّكئا فاستوى جالسا ثمّ قال:

كان يوسف نبيّا يلبس أقبية الديباج المزرّرة بالذهب و يجلس على متكئات آل فرعون و يحكم،إنّما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز،إنّ اللّه لم يحرّم لبوسا و لا مطعما و تلى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ (1)(2).

أقول: الصوفية هذا ديدانهم في معارضة الأئمّة عليهم السّلام في أعصارهم ثمّ عارضوا العلماء في أعصارهم و استمرّوا على الخلاف و العناد معهم إلى هذا العصر و ما بعده إلى يوم القيامة.

و يعجبني نقل لطيفة في هذا الموضع،و هي:أنّ رجلا سأل الفاضل قاضي عضد هل ذكر اللّه المشايخ في القرآن؟

فقال:نعم ذكرهم مع العلماء في آية واحدة و هي قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (3).

[في]الاحتجاج عن أبي الهذيل العلاّف أنّه قال:دخلت الرقة فذكر لي أنّ الدير فيه مجنون حسن الكلام فأتيته،فإذا أنا برجل حسن الهيئة جالسا على و سادة يسرّح رأسه و لحيته فسلّمت عليه وردّ عليّ،ثمّ قال لي:ممّن يكون الرجل؟قلت:من أهل العراق، قال:نعم أهل الطرب و الأدب،قال:من أيّها أنت؟قلت:من أهل البصرة،قال:أهل التجارب و العلم،و قال:أيّهم أنت؟قلت:أبو الهذيل العلاّف،قال:المتكلّم؟قلت:بلى، فوثب عن و سادته و أجلسني عليها ثمّ قال:ما تقول في الإمامة؟قلت:أيّ الإمامة تريد؟ قال:من تقدّم بعد النبيّ عليه السّلام؟9.

ص: 412


1- -كشف الغمة:103/3،و بحار الأنوار:120/67.
2- -سورة الأعراف:32.
3- -سورة الزمر:9.

قلت:من قدّمه رسول اللّه،قال:و من هو؟قلت:أبو بكر قال:و لم قدّمتموه؟

قلت:لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:قدّموا خيركم و ولّوا أفضلكم و تراض الناس به جميعا، قال:يا أبا الهذيل هاهنا وقعت،أمّا قولك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:قدّموا خيركم فإنّي أوجدك أنّ أبا بكر صعد المنبر و قال:ولّيتكم و لست بخيركم،فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله و إن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لا يصعده الكذّابون،و أمّا قولك إنّ الناس تراضوا به فإنّ أكثر الأنصار قالوا:منّا أمير و منكم أمير،و أمّا المهاجرون فإنّ الزبير ابن العوّام قال:لا ابايع إلاّ عليّا فأمر به فكسر سيفه و جاء أبو سفيان بن حرب فقال:يا أبا الحسن إن شئت لأملانّها خيلا و رجالا يعني المدينة،فخرج سلمان،فقال:كردند و نه كردند و ندانند كه چه كردند و المقداد و أبو ذرّ لم يرضوا.

أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر و قوله:إنّ لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني لا أقع في اشعاركم و ابشاركم،فهو يخبركم على المنبر أنّه مجنون و كيف يحلّ لكم أن تولّوا مجنونا،و أخبرني يا أبا هذيل عن قيام عمر على المنبر و قوله:وددت أنّي شعرة في صدر أبي بكر،ثمّ قال بعدها بجمعة،فقال:إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فبينا هو يودّ أن يكون شعرة في صدر أبي بكر و بينا هو يقتل من بايع مثله،فأخبرني يا أبا الهذيل بالذي زعم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يستخلف و أنّ أبا بكر استخلف عمر و أنّ عمر لم يستخلف،فأرى أمركم بينكم متناقضا (1).

و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيّرها شورى في ستّة و زعم أنّهم من أهل الجنّة فقال:إن خالف الاثنان الأربعة فاقتلوا الاثنين و إن خالف ثلاثة الثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف،فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنّة،و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لمّا طعن دخل عليه عبد اللّه بن العبّاس قال:فرأيته جزعا،فقلت:يا أمير المؤمنين ما هذا الجزع؟

فقال:يابن عبّاس ما جزعي لأجلي و لكن لهذا الأمر من يليه بعدي،قال:قلت:و لّها طلحة بن عبيد اللّه،قال رجل له حدّة كان النبي يعرفه:فلا أولي أمور المسلمين حديدا قال:

قلت:و لها الزبير بن العوّام قال:رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل فلا أولي5.

ص: 413


1- -الأحتجاج:152/2،و بحار الأنوار:280/49 ح 35.

أمور المسلمين بخيلا قال:قلت:ولّها سعد بن أبي وقّاص،قال:رجل صاحب فرس و قوس و ليس من رجال الخلافة،قلت:ولّها عبد الرحمن بن عوف قال:رجل ليس يحسن أن يكفي عياله،قال:قلت:ولّها عبد اللّه بن عمر قال:أولّي رجلا لم يحسن أن يطلّق امرأته، قلت:ولها عثمان بن عفّان قال:و اللّه لئن ولّيته ليحملن آل أبي معيط على رقاب المسلمين و أوشك إن فعلنا أن يقتلوه قالها ثلاثا،قال:ثمّ سكت لما أعرف من معاندته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثمّ قال لي:يابن عبّاس أذكر صاحبك قال:قلت:ولها عليّا قال:و اللّه ما جزعي إلاّ لما أخذنا الحقّ من أربابه و اللّه لئن ولّيته ليحملنّهم على المحجّة العظمى و إن يطيعوه يدخلهم الجنّة،فهو يقول هذا ثمّ صيّرها شورى بين الستّة،فويل له من ربّه.

قال أبو الهذيل:بينا هو يكلّمني إذ اختلط و ذهب عقله فأخبرت المأمون بقصّته، و كان من قصّته أن ذهب بماله و ضياعه حيلة و غدرا فبعث إليه المأمون فجاء به و عالجه و كان قد ذهب عقله بما صنع به فردّ عليه ماله و ضياعه و صيّره نديما،فكان المأمون يتشيّع لذلك و الحمد للّه ربّ العالمين على كلّ حال (1).

[في]الكشي محمّد بن مسعود عن أبي علي المحمودي عن أبيه قال:قلت لأبي الهذيل العلاّف أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال أبو الهذيل:

قد أكمل لنا الدّين،فقال شيخي:فخبّرني إن سألتك عن مسألة لا تجدها في كتاب اللّه و لا في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لا في قول الصحابة و لا في حيلة فقهائهم ما أنت صانع؟

فقال:هات،فقال شيخي:خبّرني عن عشرة كلّهم وقعوا في طهر واحد بامرأة و هم مختلفوا الأمر،فمنهم من وصل إلى نصف حاجته و منهم من قارب حسب الإمكان منه هل في خلق اللّه اليوم من يعرف حدّ اللّه في كلّ رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطبة فيقيم عليه الحدّ في الدنيا و يطهّره منه في الآخرة و لنعلم ما يقول في أنّ الدّين قد أكمل لك، فقال:هيهات خرج آخرها في الإمامة (2).

أقول: هذه الآية الشريفة باتّفاق جمهور المفسّرين نزلت في حكاية الغدير ما نصب عليّا عليه السّلام علما للناس و حكى الفاضل النيشابوري أنّه لمّا نزلت هذه الآية اهتمّ أعاظم6.

ص: 414


1- -الأحتجاج:154/2،و بحار الأنوار:354/31.
2- -المناقب:214/1،و بحار الأنوار:282/49 ح 36.

الصحابة و قالوا:إنّه ما تمّ أمر إلاّ بدا نقصه ثمّ توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد ثمانين ليلة،و ظنّي أنّ أعاظم الصحابة إنّما عرض لهم الهمّ،لأنّ الآية نزلت في خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام لا لما أظهروه فإنّه تمويه على الناس.

[في]الأمالي عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه:قال رجل من أهل خراسان للرضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام كأنّه يقول لي:كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي و استحفظتم وديعتي و غيب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضا عليه السّلام:أنا المدفون في أرضكم و أنا بضعة من نبيّكم و أنا الوديعة و النجم،ألا فمن زارني و هو يعرف ما أوجب اللّه تبارك و تعالى من حقّي و طاعتي،فأنا و آبائي شفعاؤه يوم القيامة و من كنّا شفعاؤه يوم القيامة نجا و لو كان عليه مثل وزر الثقلين الجنّ و الإنس (1).

و لقد حدّثني أبي عن جدّي عن أبيه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رآني في منامه فقد رآني،لأنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي و لا في صورة أحد من شيعتهم و أنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوّة (2).

و عن الهروي قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:و اللّه ما منّا إلاّ مقتول شهيد،فقيل له:

فمن يقتلك يابن رسول اللّه؟قال:شرّ خلق اللّه في زماني يقتلني بالسمّ ثمّ يدفنني في دار مضيقة و بلاد غربة،ألا فمن زارني في غربتي كتب اللّه له أجر مائة ألف شهيد و مائة ألف صدّيق و مائة ألف حاج و معتمر و مائة ألف مجاهد و حشر في زمرتنا و جعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا (3).

و عن النعمان بن سعد قال:قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلما اسمه اسمي و اسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السّلام ألا فمن زاره في غربته غفر اللّه له ذنوبه ما تقدّم منها و ما تأخّر و لو كانت مثل عدد النجوم8.

ص: 415


1- -أمالي الصدوق:121،و بحار الأنوار:283 ح 1.
2- -من لا يحضره الفقيه:585/2،و أمالي الصدوق:121 ح 10.
3- -من لا يحضره الفقيه:585/2،و أمالي الصدوق:120 ح 8.

و قطر الأمطار و ورق الأشجار (1).

أقول: قد سبق الفضل في ثواب زيارته عليه السّلام بل روي أنّ ثوابها أفضل من ثواب زيارة الحسين عليه السّلام لأنّ الحسين عليه السّلام يزوره كلّ الناس و الرضا عليه السّلام لا يزوره إلاّ الكاملون من الشيعة و ذلك أنّ كلّ من قال بإمامة الرضا عليه السّلام قال بباقي الأئمّة عليهم السّلام،و أمّا باقي فرق الشيعة من أهل الضلال فهم الواقفون على إمامة من قبله من الأئمّة عليهم السّلام أو من أولادهم.5.

ص: 416


1- -من لا يحضره الفقيه:584/2،و أمالي الصدوق:182 ح 5.

الفصل الخامس

اشارة

في شهادته عليه السلام و أسبابها و فيما أنشد فيه من المراثي

و ما ظهر من بركات الروضة المقدّسة

[في]علل الشرائع،عن محمّد بن سنان قال:كنت عند مولاي الرضا عليه السّلام بخراسان فبينا هو قاعد مع المأمون إذ رفع إليه أنّ رجلا من الصوفية سرق،فلمّا نظر إليه رأى بين عينيه آثار السجود،فقال:سوءة لهذه الآثار الجميلة و لهذا الفعل القبيح،قال:فعلت ذلك اضطرارا حين منعتني حقّي من الفيء و الخمس و ذكر له آية الفيء و آية الخمس،فقال المأمون:أعطّل حدّا من حدود اللّه لأجل أساطيرك،فقال الصوفي:ابدأ بنفسك فطهّرها ثمّ طهّر غيرك و أقم حدّ اللّه عليها ثمّ على غيرها،فالتفت المأمون إلى الرضا عليه السّلام فقال:ما يقول؟قال:يقول سرقت،فسرق!فغضب المأمون شديدا ثمّ قال للصوفي:لأقطعنّك،فقال الصوفي:تقطعني و أنت عبد؟؟

فقال المأمون:و من أين؟

قال:لأنّ امّك اشتريت من مال المسلمين،فأنت عبد من في المشرق و المغرب حتّى يعتقوك و أنا لم أعتقك،و الاخرى أنّ الخبيث لا يطهر خبيثا مثله إنّما يطهّره طاهر و من في جنبه حدّ لا يقيم الحدّ على غيره حتّى يبدأ بنفسه أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ فالتفت المأمون إلى الرضا عليه السّلام فقال:ما ترى في أمره؟

فقال:إنّ اللّه جلّ جلاله قال:(فللّه الحجّة البالغة)و هي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه و الدّنيا و الآخرة قائمتان بالحجّة و قد احتجّ الرجل،فعند ذلك أمر المأمون بإطلاق الصوفي و احتجب عن الناس و اشتغل بالرضا عليه السّلام حتّى سمّه فقتله،

ص: 417

و قد كان قتل الفضل بن سهل و جماعة من الشيعة (1).

و عن أحمد الأنصاري قال:سألت أبو الصلت الهروي فقلت:كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السّلام مع إكرامه و محبّته له و ما جعل له من ولاية العهد بعده؟

فقال:إنّ المأمون إنّما كان يكرمه و يحبّه لمعرفته بفضله و جعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس أنّه راغب في الدّنيا فيسقط محلّه من نفوسهم،فلمّا لم يظهر منه إلاّ ما ازداد به فضلا عند الناس جلب عليه من المتكلّمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محلّه عند العلماء و يشتهر نقصه عند العامّة فكان لا يكلّمه أحد إلاّ قطعه عن حجّته و كان الناس يقولون إنّه أولى بالخلافة من المأمون و كانوا يرفعون ذلك إلى المأمون فيغتاظ و يشتدّ حسده و كان الرضا عليه السّلام لا يحابي المأمون من حقّ و كان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيحقده عليه و لا يظهره،فلمّا أعيته الحيلة اغتاله فقتله بالسمّ (2).

و عن القاسم بن إسماعيل قال:سمعت إبراهيم بن العبّاس يقول:لمّا عقد المأمون البيعة للرضا عليه السّلام قال له الرضا:يا أمير المؤمنين إنّ النصح واجب لك و الغشّ لا ينبغي لمؤمن إنّ العامّة تكره ما فعلت بي و الخاصّة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل و الرأي لك أن تبعدنا عنك حتّى يصلح لك أمرك،قال إبراهيم:فكان و اللّه قوله هذا السبب في الذي آل الأمر إليه (3).

[في]بشائر المصطفى:قبض الرضا عليه السّلام بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث و مائتين و له يومئذ خمس و خمسون سنة و مدّة إمامته بعد أبيه عشرون سنة (4).

و في الكافي:توفّي و هو ابن تسع و أربعين سنة (5).

و قال الشيخ الكفعمي طاب ثراه:توفّي عليه السّلام سابع عشر شهر صفر يوم الثلاثة سنة ثلاث و مائتين سمّه المأمون في عنب و كان له إحدى و خمسون سنة.و قيل:توفّي عليه السّلام في9.

ص: 418


1- -علل الشرائع:240/1،و بحار الأنوار:288/49 ح 1.
2- -عيون أخبار الرضا:265/1 ح 3،و بحار الأنوار:290/49 ح 2.
3- -عيون أخبار الرضا:157/1 ح 15،و مسند الأمام الرضا:70/1.
4- -مسند الأمام الرضا:131/1.
5- -الكافي:492/1 ح 11،و بحار الأنوار:292/49.

الثالث و العشرين من ذي القعدة (1).

و في كتاب المناقب:يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان و قيل غير ذلك م (2).

[في]عيون الأخبار عن هرثمة بن أعين قال:دعاني مولاي الرضا عليه السّلام نصف الليل فدخلت عليه و هو جالس في صحن داره،فقال:يا هرثمة اسمع وع هذا أوان رحيلي إلى اللّه و لحوقي بجدّي و آبائي عليهم السّلام و قد بلغ الكتاب أجله و قد عزم هذا الطاغية على سمّي في عنب و رمّان،فأمّا العنب فإنّه يغمس السلك في السمّ و يجذبه بالخيط في العنب،و أمّا الرمّان فإنّه يطرح السمّ في كفّ بعض غلمانه و يفرك الرمّان بيده ليلطخ به في ذلك السمّ و أنّه سيدعوني في اليوم المقبل و يقرّب إليّ الرمّان و العنب و يسألني أكلهما فآكلهما،ثمّ يحضر القضاة فإذا أنا متّ فسيقول:أنا أغسله بيدي،فإذا قال ذلك فقل له:إنّه قال لي لا تتعرّض لغسلي و لا تكفيني و لا دفني فإنّك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخّر عنك فإنّه سينتهي،فإذا خلّى بينك و بين غسلي فيجلس في علوّ من أبنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتّى ترى فسطاطا أبيض قد ضربت في جانب الدار،فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه و لا تكشف عن الفسطاط حتّى تراني فتهلك،فإنّه سيشرف عليك و يقول لك:يا هرثمة أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسله إلاّ إمام مثله فمن يغسل الرضا و ابنه محمّد بالمدينة، فقل له:إنّا نقول إنّ الإمام لا يجب أن يغسله إلاّ إمام فإن تعدّى متعدّ فغسّل الإمام لا تبطل إمامته لتعدّي غاسله و لا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه و لو ترك الرضا عليه السّلام بالمدينة لغسّله ابنه محمّد ظاهرا مكشوفا و لا يغسله الآن أيضا إلاّ هو من حيث يخفى،فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعش فاحملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنّه سيجعل قبر أبيه هارون قبلة لقبري و لن يكون ذلك أبدا،فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض فإذا صعب عليهم،فقل له عنّي:إنّي أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر هارون فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور و ضريح قائم فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلي منه ذلك القبر ثمّ1.

ص: 419


1- -بحار الأنوار:293/49 ح 4،و مسند الأمام الرضا:132/1.
2- -مسند الأمام الرضا:132/1.

يضطرب فيه حوت بطوله،فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلاّ إذا غاب الحوت و غار الماء فانزلني في ذلك القبر و الحدني في ذلك الضريح و لا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه عليّ فإنّ القبر ينطبق من نفسه و يمتلي.

قلت:نعم يا سيّدي.

قال هرثمة:فخرجت باكيا حزينا،فدعاني المأمون فدخلت و قمت إلى ضحى النهار فقال:امض إلى أبي الحسن الرضا و قل له يصير إلينا فأتيت إليه و أخبرته،فقال:قدّموا نعلي فقد علمت ما أرسلك به فلمّا دخل المجلس قام إليه المأمون و عانقه و أجلسه على سريره و جعل يحادثه ساعة،ثمّ قال لبعض غلمانه:يؤتى بعنب و رمّان.

قال هرثمة:فلمّا سمعت ذلك رأيت الرعدة أخذت بدني فخرجت و رميت بنفسي في موضع من الدار،فلمّا زالت الشمس خرج مولاي إلى داره،ثمّ رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطبّاء،و قالوا:علّة عرضت للرضا عليه السّلام فكان الناس في شكّ و أنا في يقين لما أعرف منه،فلمّا كان الثلث الثاني من الليل علا الصياح و سمعت الأصوات من الدار فأسرعت فإذا أنا بالمأمون مكشوف الرأس محلّل الأزرار قائما على قدميه ينتحب و يبكي فوقفت أتنفّس الصعداء،ثمّ أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثمّ قام و مشى إلى الموضع الذي فيه الرضا عليه السّلام فقال:اصلحوا لنا موضعا فإنّي اريد أن أغسله،فدنوت منه فقلت له ما قاله سيّدي بسبب الغسل و التكفين و الدفن،.

فقال:لست أعرض لذلك ثمّ قال:شأنك يا هرثمة فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب فوقفت من ظاهره و كلّ من في الدار دوني و أنا أسمع التكبير و التهليل و التسبيح و تردّد الأواني و صبّ الماء و تضوّع الطبيب الذي لم أشمّ أطيب منه،فإذا أنا بالمأمون قد أشرف عليّ من بعض أعالي داره فصاح بي:يا هرثمة أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسله إلاّ مثله فأين محمّد ابنه و هو بالمدينة؟فأجبته بما قال لي مولاي،فسكت عنّي ثمّ ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيّدي مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثمّ حملناه،فصلّى عليه المأمون و جميع من حضر ثمّ رجعنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون بالمعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره و المعاول تنبو عنه،فقال لي:ويحك يا هرثمة أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟

ص: 420

فقلت له:إنّه أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك لا أضرب غيره،قال:

فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا؟قلت:إنّه أخبر أنّه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره فإن أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه،فقال المأمون:لأعجب من أمر أبي الحسن فاضرب يا هرثمة حتى نرى،فأخذت المعول و ضربت في قبلة قبر هارون فنفذ إلى قبر محفور و لحد ظاهر في وسطه و الناس ينظرون إليه،فقال:انزله يا هرثمة.

فقلت:إنّ سيّدي أمرني أن لا أنزل إليه حتّى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر حتّى يكون الماء مع وجه الأرض ثمّ يضطرب فيه حوت بطول القبر،فإذا غاب الحوت و غار الماء وضعته على جانب قبره و خلّيت بينه و بين لحده،قال:فافعل يا هرثمة،فانتظرت ظهور الماء و الحوت فظهر ثمّ غاب و غار الماء و الناس ينظرون إليه ثمّ جعلت النعش إلى جانب قبره فغطّى قبره بثوب أبيض لم أبسطه ثمّ انزل به إلى قبره بغير يدي و لا يد أحد ممّن حضر.

فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا التراب بأيديكم فاطرحوه فيه،فقلت:لا تفعل أخبرني أنّ القبر يمتلي من ذات نفسه ثمّ ينطبق و يتربّع على وجه الأرض فكفّ الناس،ثمّ امتلأ القبر و انطبق و تربّع على وجه الأرض فانصرف المأمون و انصرفنا ثمّ دعاني المأمون و خلا بي ثمّ قال:سألتك باللّه يا هرثمة لمّا صدقتني عن أبي الحسن عليه السّلام بما سمعته،قلت:

قد أخبرتك قال:غير هذا،فقلت:أي شيء؟

قال:يا هرثمة هل أسرّ إليك غير هذا؟

قلت:نعم خبر العنب و الرمّان،فصار المأمون يتلوّن ألوانا يصفرّ و يحمرّ و يسودّ ثمّ تمدّد مغشيا عليه فسمعته في غشيته و هو يهجر و يقول:ويل للمأمون من اللّه،ويل له من رسوله،ويل له من عليّ ويل للمأمون من فاطمة،ويل له من الحسن و الحسين،ويل للمأمون من عليّ بن الحسين،ويل له من محمّد بن علي،ويل للمأمون من جعفر بن محمّد،ويل له من موسى بن جعفر،ويل له من عليّ بن موسى الرضا،هذا و اللّه هو الخسران المبين،يقول هذا القول و يكرّره،فولّيت عنه و جلست في بعض نواحي الدار فدعاني و هو جالس كالسكران،فقال:ما أنت أعزّ عليّ منه و اللّه لئن بلغني أنّك أعدت

ص: 421

بعد ما سمعت ليكوننّ هلاكك فيه.

فقلت:لك ذلك،فأخذ منّي عهدا و أكّده عليّ،فلمّا ولّيت عنه صفق بيديه و قال:

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (1) ،انتهى ملخّصا (2).

و عن ياسر الخادم قال:لمّا كان بيننا و بين طوس سبعة منازل اعتلّ الرضا عليه السّلام فدخلنا و قد اشتدّت به العلّة فبقينا بطوس أيّاما فكان المأمون يأتيه في كلّ يوم مرّتين،فلمّا كان في آخر اليوم الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذلك اليوم،فقال لي بعدما صلّى الظهر:يا ياسر أكل الناس شيئا؟قلت:يا سيّدي من يأكل هاهنا مع ما أنت فيه فانتصب ثمّ قال:هاتوا المائدة و لم يدع من حشمه أحدا إلاّ أقعده معه على المائدة يتفقّد واحدا واحدا،فلمّا أكلوا قال:

ابعثوا إلى النساء بالطعام،فحمل الطعام إلى النساء فلمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه و ضعف فوقعت الصيحة و جاء جواري المأمون و نساؤه حافيات حاسرات و وقعت الصيحة بطوس و جاء المأمون حافيا حاسرا يضرب على رأسه و يقبض على لحيته و يتأسّف و يبكي،فوقف على الرضا عليه السّلام و قد أفاق،فقال:يا سيّدي و اللّه ما أدري أيّ المصيبتين أعظم عليّ فقدي لك و فراقي إيّاك و تهمة الناس لي إنّي اغتلتك و قتلتك فرفع طرفه إليه ثمّ قال:أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر،فإنّ عمرك و عمره هكذا و جمع بين سبّابتيه،فلمّا كان من تلك الليلة قضى عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه،فلمّا أصبح اجتمع الخلق و قالوا:هذا قتله و اغتاله يعني المأمون و قالوا:قتل ابن رسول اللّه و أكثروا القول.

و كان محمّد بن جعفر عمّ الرضا عليه السّلام مع المأمون،فقال له:اخرج إلى الناس و اعلمهم أنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم و كره أن يخرجه فتقع الفتنة،فخرج محمّد بن جعفر إلى الناس فقال:أيّها الناس تفرّقوا فإنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم،فتفرّق الناس و غسّل في الليل و دفن.

و عن أبي الصلت الهروي قال:بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليه السّلام إذ قال لي:يا أبا الصلت ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون و ائتني بتراب من أربعة جوانبها،فأتيت به و هو من عند الباب فأخذه و شمّه ثمّ رمى به و قال:سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع7.

ص: 422


1- -سورة النساء:108.
2- -عيون أخبار الرضا:279/1،و مدينة المعاجز:175/7.

عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها و الذي عند الرأس مثل ذلك ثمّ قال:ناولني من هذا التراب فهو من تربتي،ثمّ قال:سيحفر لي في هذا الموضع،فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل و أن تشقّ لي ضريحا فإن أبوا إلاّ أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا فإنّ اللّه تعالى سيوسعه ما يشاء،فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة فتكلّم بالكلام الذي أعلمك فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلي اللحد و ترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنّها تلتقطه،فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شيء ثمّ تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء فإنّه ينضب و لا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون،ثمّ قال:يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك،و إن خرجت و أنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني، فلمّا أصبحنا من الغد دخل عليه غلام المأمون،فقال له:أجب أمير المؤمنين.

فقام و أنا معه حتّى دخل على المأمون و بين يديه طبق عليه عنب و أطباق فاكهة و بيده عنقود عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه،فقام إلى الرضا عليه السّلام و عانقه و أجلسه معه ناوله العنقود و قال:ما رأيت عنبا أحسن من هذا فكل منه،قال عليه السّلام:تعفيني منه،فقال:لابدّ من ذلك و ما يمنعك لعلّك تتّهمنا بشيء،فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حبّات ثمّ رمى به و قام،فقال المأمون:إلى أين؟

فقال:إلى حيث وجّهتني،و خرج مغطّى الرأس فلم أكلّمه حتّى دخل الدرا فأمر أن يغلق الباب ثمّ نام على فراشه و مكثت واقفا في صحن الدار محزونا،فبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا عليه السّلام فبادرت إليه و قلت:من أين دخلت الدار و الباب مغلق؟

فقال:الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق،فقلت له:و من أنت؟

قال:أنا حجّة اللّه عليك يا أبا الصلت أنا محمّد بن علي ثمّ مضى نحو أبيه فدخل و أمرني بالدخول معه،فلمّا نظر إليه الرضا عليه السّلام وثب عليه و عانقه و ضمّه إلى صدره ثمّ سحبه سحبا في فراشه و أكبّ عليه محمّد بن علي يقبّله و يساره بشيء لم أفهمه و رأيت إلى شفتي الرضا عليه السّلام زبدا أشدّ بياضا من الثلج و رأيت أبا جعفر عليه السّلام يلحسه بلسانه ثمّ أدخل

ص: 423

يده بين ثوبه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر عليه السّلام و مضى الرضا عليه السّلام،فقال أبو جعفر:يا أبا الصلت قم ائتني بالمغتسل و الماء من الخزانة،فقلت:ما في الخزانة مغتسل و لا ماء،فقال لي:انته إلى ما آمرك به،فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل و ماء فأخرجته و شمّرت ثيابي لأغسله معه،فقال لي:تنح يا أبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك فغسّله ثمّ قال لي:ادخل الخزانة فاخرج إلي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه و صلّى عليه ثمّ قال:ائتني بالتابوت،فقلت:أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت قال:قم فإنّ في الخزانة تابوتا فدخلت فوجدت تابوتا لم أره قط،فأتيته به،فأخذ الرضا عليه السّلام بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت وصفّ قدميه و صلّى ركعتين لم يفرغ منهما حتّى علا التابوت فانشقّ السقف فخرج منها التابوت و مضى،فقلت:يابن رسول اللّه الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا عليه السّلام فما نصنع؟

فقال لي:اسكت،فإنّه سيعود يا أبا الصلت ما من نبيّ يموت بالمشرق و يموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع اللّه تعالى بين أجسادهما و أرواحهما،فما أتمّ الحديث حتّى انشق السقف و نزل التابوت فقام عليه السّلام فاستخرج الرضا عليه السّلام من التابوت و وضعه على فراشه كأنّه لم يغسّل و لم يكفّن ثمّ قال لي:قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون و الغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه و لطم رأسه و هو يقول:يا سيّداه فجعت بك يا سيّدي ثمّ دخل و جلس عند رأسه و قال:خذوا في تجهيزه فحفروا فلم تعمل المعاول إلى أن قال:انتهوا إلى قول أبي الصلت فحفروا،فلمّا رؤوا ما ظهر من النداوة و الحيتان و غير ذلك قال المأمون:لم يزل الرضا عليه السّلام يرينا عجايبه في حياته حتّى أرايناها بعد وفاته أيضا، فقال له وزير كان معه:أتدري ما أخبرك بها الرضا عليه السّلام؟

قال:لا.

قال:إنّه أخبرك أنّ ملككم يا بني العبّاس مع كثرتكم و طول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتّى إذا فنيت آجالكم و انقطعت آثاركم و ذهبت دولتكم سلّط اللّه تعالى عليكم رجلا منّا فأفناكم عن آخركم،قال له:صدقت ثمّ قال لي:يا أبا الصلت علّمني الكلام التي تكلّمت به،قلت:و اللّه لقد نسيت الكلام من ساعتي و قد كنت صدقت،فأمر بحبسي و دفن

ص: 424

الرضا عليه السّلام فحبست سنة فضاق عليّ الحبس و سهرت الليلة و دعوت اللّه بدعاء ذكرت فيه محمّدا و آله صلوات اللّه عليهم و سألت اللّه تعالى بحقّهم أن يفرّج عنّي،فلم أستتمّ الدعاء حتّى دخل عليّ أبو جعفر عليه السّلام فقال:يا أبا الصلت ضاق صدرك؟قلت؛إي و اللّه قال:قم فاخرجني ثم ضرب بيده إلى القيود ففكّها و أخذ بيدي و أخرجني من الدار و الحرسة و الغلمة يروني فلم يستطيعوا أن يكلّموني و خرجت من باب الدار،ثمّ قال لي:امض في ودايع اللّه فإنّك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا،قال أبو الصلت:فلم التق مع المأمون إلى هذا الوقت (1).

و عن عليّ بن الحسين الكاتب:أنّ الرضا عليه السّلام حمّ فعزم على الفصد فركب المأمون و قد كان قال لغلام له:فت هذا بيدك لشيء أخرجه من تربته و هي إناء من خزف ففته في صينية ثمّ قال:كن معي و لا تغسل يدك و ركب إلى الرضا عليه السّلام و جلس حتّى فصد بين يديه و قيل بل أخّر فصده و قال المأمون لذلك الغلام:هات من ذلك الرمّان و كان الرمّان في شجرة في دار الرضا عليه السّلام فقطف منه.

فقال:اجلس ففته ففت منه في جام فأمر بغسله ثمّ قال للرضا عليه السّلام:مصّ منه شيئا، فقال حتّى يخرج أمير المؤمنين،فقال:لا و اللّه إلاّ بحضرتي و لولا خوفي أن يرطّب معدتي لمصصته معك،فمصّ منه ملاعق و خرج المأمون فما صلّيت العصر حتّى قام الرضا عليه السّلام خمسين مجلسا و زاد الأمر في الليل فأصبح عليه السّلام ميّتا فكان آخر ما تكلّم به قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ (2)و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.

و بكّر المأمون من الغد فأمر بغسله و تكفينه و مشى خلف جنازته حافيا حاسرا يقول:

يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك و غلب القدر تقديري فيك،فشقّ لحد الرشيد فدفنه معه و قال:أرجو أن ينفعه اللّه تبارك و تعالى بقربه (3).

و عن الحسن بن عبّاد كاتب الرضا عليه السّلام في حديث قال فيه أنّ الرضا عليه السّلام قال:إنّكم ستحفرون قبري و تجدون صورة سمكة من نحاس و عليها كتابة بالعبرانية قال:فوجدنا1.

ص: 425


1- -عيون أخبار الرضا:274/1،و مسند الأمام الرضا:196/1 ح 319.
2- -سورة آل عمران:154.
3- -عيون أخبار الرضا:267/1،و مسند الأمام الرضا:129/1.

السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية:هذه روضة عليّ بن موسى عليه السّلام و تلك حفرة هارون الجبّار فدفناها معه في لحده كما قال (1).

[في]بشائر المصطفى،عن عبد اللّه بن بشر قال:أمرني المأمون أن أطوّل أظفاري على العادة و لا أظهر ذلك لأحد،ففعلت ثمّ استدعاني فأخرج إليّ شيئا يشبه التمر الهندي، فقال لي:اعجن هذا بيديك جميعا،ففعلت ثمّ قام و تركني و دخل على الرضا عليه السّلام و قال له:

ما خبرك،لأنّه أكل معه طعاما فاعتلّ الرضا عليه السّلام و تمارض هو،فقال عليه السّلام:أرجو أن أكون صالحا قال له:أنا اليوم بحمد اللّه أيضا صالح،فهل جاءك أحد من الأطبّاء في هذا اليوم؟ قال:لا،فغضب المأمون فصاح على غلمانه ثمّ قال:فخذ ماء الرمّان الساعة فإنّه ممّا لا يستغنى عنه ثمّ دعاني فقال:ائتني برمّان فأتيته به،فقال لي:اعصر بيديك،ففعلت و سقاه المأمون الرضا عليه السّلام.و كان ذلك سبب وفاته فلم يلبث إلاّ يومين حتّى مات عليه السّلام (2).

و روي عن محمّد بن الجهم قال:كان الرضا عليه السّلام يعجبه العنب فأخذ له منه شيئا فجعل في موضع أعماقه الإبر أيّاما ثمّ نزع وجيء به إليه فأكل منه و هو في علّته التي ذكرنا فقتله و ذكر أنّ ذلك من لطيف السموم (3).

[في]كشف الغمّة عن ابن علي قال:قال أبو جعفر:يا معمّر اركب فركبت معه و انتهينا إلى واد،فقال لي:قف هاهنا فوقفت فأتاني،فقلت له:جعلت فداك أين كنت؟ قال:دفنت أبي الساعة و كان بخراسان (4).

[في]اعلام الورى،عن اميّة بن علي قال:كنت بالمدينة أختلف إلى أبي جعفر عليه السّلام و الرضا عليه السّلام بخراسان فدعا يوما الجارية،فقال:قولي لهم يتهيّأون للمآتم و كان أهل بيته و عمومته يأتونه و يسلّمون عليه،فلمّا تفرّقوا قالوا:ألا سألناه مأتم من؟فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك،فقالوا:مأتم من.

قال:مأتم خير من على ظهرها،فأتانا خبر أبي الحسن عليه السّلام بعد ذلك بأيّام فإذا هو قد0.

ص: 426


1- -بحار الأنوار:324/49.
2- -المناقب:481/3،و الأنوار البهية:234.
3- -روضة الواعظين:232،و مقاتل الطلبين:378.
4- -كشف الغمة:156/3،و بحار الأنوار:310/49 ح 20.

مات في ذلك اليوم (1).

أقول: يظهر من هذه الأخبار أنّ المأمون لعنه اللّه سمّ الرضا عليه السّلام مرارا كثيرة.

و قال دعبل في مراثيه عليه السّلام مرثية:

ألا يا لعين بالدموع استهلت *** و لو نقرت ماء الشؤون لقلت

على من بكته الأرض فاسترجعت *** له رؤوس الجبال الشامخات و ذلّت

و قد اعولت تبكي السماء لفقده *** و أنجمها ناحت عليه و كلّت

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكاء *** لمرزية عزت علينا و جلّت

رزينا رضي اللّه سبط نبيّنا *** فأخلفت الدنيا له و تولّت

و ما خير دنيا بعد آل محمّد *** ألا لا نباليها إذا ما اضمحلّت

تجلّت مصيبات الزمان و لا أرى *** مصيبتنا بالمصطفين تجلّت (2)

و قال أيضا مرثية:

اميّة معذورين إن قتلوا *** مولى أرى لبني العبّاس من عذر

أولاد حرب و مروان و اسرتهم *** بنو معيط ولاة الحقد و الوغر

قوم قتلتم على الإسلام أوّلهم *** حتّى إذا استمسكوا جازوا على الكفر

أربع بطوس على قبر الزكيّ به *** إن كنت تربع من دين علي وطر

قبران في طوس خير الناس كلّهم *** و قبر شرّهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ و ما *** على الزكيّ يقرب النجس من ضرر

هيهات كلّ امرىء رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر (3)

و عن عليّ بن الحسن قال:لقبت رجلا من أهل مصر،فذكر أنّه خرج زائرا إلى مشهد الرضا عليه السّلام و أنّه لمّا دخل المشهد ليلا و زار و صلّى سأل الخادم أن يغلق عليه الباب و يدعه في المشهد ليصلّي فيه،فغلق عليه الباب و كان يصلّي وحده إلى أن أعيا فجلس و وضع رأسه على ركبتيه ليستريح ساعة فلمّا رفع رأسه رأى في الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها6.

ص: 427


1- -أعلام الورى:100/2،و دلائل الأمامة:401 ح 19.
2- -المناقب:484/3،و مسند الأمام الرضا:175/1.
3- -عيون أخبار الرضا:281/1،و أمالي الصدوق:759 ح 16.

هذان البيتان،شعر:

من سرّه أن يرى قبرا برؤيته *** يفرّج اللّه عمّن زاره كربة

فليأت ذا القبر إنّ اللّه أسكنه *** سلالة من نبيّ اللّه منتجبة

قال:فقمت و أخذت في الصلاة إلى وقت السحر ثمّ جلست كجلستي الاولى و وضعت رأسي على ركبتي،فلمّا رفعت رأسي لم أر ما على الجدار شيئا و كان الذي أراه مكتوبا رطبا كأنّه كتب في تلك الساعة،فانفجر الصبح و فتح الباب (1).

و في عيون الأخبار عن علي بن أحمد المعدل قال:رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم الرسول صلّى اللّه عليه و اله فقال له:يا رسول اللّه من أزور من أولادك؟

فقال:إنّ من أولادي من أتاني مسموما و أنّ من أولادي من أتاني مقتولا،فقلت له:

فمن أزور منهم يا رسول اللّه مع تشتّت أماكنهم؟

قال:من هو أقرب منك بالمجاورة و هو مدفون بأرض الغربة،فقلت:يا رسول اللّه يعني الرضا،فقال:قل صلّى اللّه عليه و آله قل:صلّى اللّه عليه و آله قل:صلّى اللّه عليه و آله (2).

و عن محمّد بن عبد اللّه الحكمي،قال:دخل رجل من أهل الري إلى زيارة قبر الرضا عليه السّلام و قال لخدّام المشهد:اخلوا لي المشهد هذه الليلة و ادفعوا إليّ مفاتحه ففعلوا ذلك،قال:فصلّيت ما شاء اللّه و ابتدأت في قراءة القرآن من أوّله فكنت أسمع صوتا بالقرآن كما أقرأ فقطعت صلاتي وزرت المشهد كلّه و طلبت نواحيه فلم أر أحدا فعدت إلى مكاني و أخذت في القرآن من أوّل القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا ينقطع فسكت هنيهة و أصيغت باذني،فإذا الصوت من القبر فكنت أسمع مثل ما أقرأ حتّى بلغت آخر سورة مريم عليها السّلام فقرأت: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً* وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (3)فسمعت الصوت من القبر«يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا و نسوق المجرمون إلى جهنم وردا»حتى ختمت القرآن و ختم فلما أصبحت رجعت الى توقان6.

ص: 428


1- -عيون أخبار الرضا:313/1،و مسند الأمام الرضا:158/1.
2- -عيون الأخبار:314/1 ح 5،و مسند الأمام الرضا:159/1.
3- -سورة مريم:85-86.

فسألت من بها من القراء عن هذه القراءة فقال هذا في اللفظ و المعنى مستقيم لكنا لا نعرف في قراءة أحد.

قال:فرجعت الى نيشابور فسألت من بها من القراء عن هذه القراءة فقلت:من قرأ (يوم يحشر المتّقون الى الرحمن وفدا و نسوق المجرمون الى جهنم وردا)فقال لي:من أين جئت بهذا؟

فقلت:وقع لي احتياج بمعرفتها في أمر حدث.

فقال:هذه قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من رواية أهل البيت عليهم السّلام ثمّ استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القراءة فقصصت عليه القصّة و صحّت لي القراءة (1).

و عن محمّد الهروي قال:حضر المشهد رجل من أهل بلخ و معه مملوك له،فقام الرجل عند رأس الرضا عليه السّلام يصلّي و قام مملوكه عند رجليه،فلمّا فرغا من الصلاة سجدا و أطالا السجود فرفع الرجل رأسه من السجود و دعا بالمملوك،فقال:تريد الحرية؟قال:

نعم،قال:أنت حرّ لوجه اللّه تعالى و مملوكتي فلانة حرّة لوجه اللّه تعالى و قد زوّجتها منك بكذا و كذا من الصّداق و ضمنت لها ذلك عنك وضيعتي الفلانية وقف عليكما و على أولادكما و أولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام عليه السّلام:فبكى الغلام و حلف باللّه و بالإمام أنّه ما كان يسأل في سجوده إلاّ هذه الحاجة بعينها و قد تعرّفت الإجابة من اللّه عزّ و جلّ بهذه السرعة (2).

و عن محمّد بن أحمد النيسابوري قال:كنت في خدمة الأمير أبي نصر الصغاني و كان محسنا إليّ و كان أصحابه يحسدونني على ميله إليّ،فسلّم إليّ يوما كيسا مختوما فيه ثلاثة آلاف درهم و أمرني أن أسلّمه في خزانته فخرجت من عنده و جلست في المكان الذي يجلس فيه الحجّاب فسرق الكيس منّي و كان للأمير غلام يقال له:خطلخ ناش و كان حاضرا و قال الحاضرون:ما نعلم الكيس و لا خبره،فكرهت تعريف الأمير ذلك خشية أن يتّهمني و كان أبي إذا وقع له أمر يحزنه فزع إلى مشهد الرضا عليه السّلام:يفرّج عنه،فقلت للأمير:تأذن لي بالخروج إلى طوس،لأنّ غلامي الطوسي هرب منّي و قد فقدت الكيس و أنا أتّهمه به،فقال:1.

ص: 429


1- -عيون الأخبار:314/1 ح 6،و مسند الأمام الرضا:160/1.
2- -عيون الأخبار:315/1 ح 7،و مسند الأمام الرضا:161/1.

و من يضمن لي الكيس إن تأخّرت؟

فقلت:إن لم أعد بعد أربعين يوما فمنزلي و ملكي بين يديك،فكتب عليّ كتابا و أذن لي فأتيت حتّى وافيت المشهد فدعوت اللّه عند رأس القبر أن يطلعني على موضع الكيس فذهب بي النوم فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام،فقال لي:الكيس سرقة خطلخ ناش و دفنه تحت الكانون في بيته و هو هناك بختم الأمير،فانصرفت إلى الأمير قبل الميعاد بثلاثة أيّام،فلمّا دخلت عليه قلت:قد قضيت حاجتي،فقال:الحمد للّه،فقلت:الكيس مع خطلخ تاش فقال:من أين علمت؟

قلت:أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامي عند قبر الرضا عليه السّلام،فاقشعرّ بدنه لذلك و أمر بإحضار خطلخ تاش،فقال له:أين الكيس؟فأنكر و كان من أعزّ غلمانه فأمر أن يهدّد بالضرب،فقلت:أيّها الأمير لا تأمر بضربه فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخبرني بموضع الكيس قال:

و أين هو؟قلت:في بيته مدفون تحت الكانون،فوجّه إلى منزله و حفروا فوجدوه بختم الأمير فوضع بين يديه،فقال:يا أبا نصر لم أكن عرفت فضلك قبل هذا الوقت و سأزيدك في برّك و إكرامك،ثمّ خفت من الأتراك أن يحقدوا عليّ بما جرى فجلست في الحانوت أبيع التين (1).

و عن محمّد بن أبي الفضل قال:خرج حمويه صاحب جيش خراسان ذات يوم بنيشابور لينظر إلى من كان معه من القوّاد فمرّ به رجل،فقال لغلامه:ردّه إلى الدار حتّى أعوده فلمّا عاد مع قوّاده و حضر الطعام استدعى بالرجل فأكل على المائدة،فلمّا فرغ قال له:معك حمار؟قال:لا،فأمر له بحمار ثمّ قال له:معك دراهم النفقة؟قال:لا فأمر له بألف درهم و بزوج جواليق خوزبه و بسفرة و آلات ذكرها ثمّ التفت الأمير إلى القوّاد،فقال:

اعلموا أنّي كنت في شبابي زرت الرضا عليه السّلام و علي اطمار رثة و رأيت هذا الرجل هناك و كنت أدعوا اللّه عزّ و جلّ عند القبر أن يرزقني ولاية خراسان و سمعت هذا الرجل يسأل اللّه عزّ و جلّ ما قد أمرت له به،فرأيت حسن إجابة اللّه سبحانه لي ببركة ذلك المشهد فأحببت أن أرى حسن إجابة اللّه تعالى لهذا الرجل على يدي و لكن بيني و بينه قصاص و هو أنّ هذا الرجل لمّا رآني و عليّ تلك الأطمار الرثة و سمع طلبي لشيء عظيم فصغر عنده محلّى في9.

ص: 430


1- -بحار الأنوار:332/49.

الوقت و ركلني برجله و قال لي:مثلك بهذا الحال يطمع في ولاية خراسان و قود الجيش؟

فقال له القوّاد:أيّها الأمير اعف عنه حتّى تكون قد أكملت الصنيعة إليه،فقال:قد فعلت (1).

و عن عامر بن عبد اللّه و كان من أصحاب الحديث قال:حضرت مشهد الرضا عليه السّلام فرأيت رجلا تركيا قد دخل القبّة و وقف عند الرأس و جعل يبكي و يدعو بالتركية و يقول:

يا ربّ إن كان ابني حيّا فاجمع بيني و بينه و إن كان ميّتا فاجعلني من خبره على علم،فقلت له بالتركية:أيّها الرجل ما لك؟قال:كان معي ابني في حرب إسحاقاباد ففقدته و لا أعرف خبره و لم أزل أديم البكاء عليه فأنا أدعو اللّه تعالى هاهنا لأنّي سمعت أنّ الدّعاء في هذا المشهد الشريف مستجاب،فرحمته و أخذت بيده و أخرجته لأضيّفه ذلك اليوم فلمّا خرجنا من المسجد لقينا رجلا طويلا مخيطا عليه مرقعة،فلمّا بصر بذلك التركي وثب إليه و عانقه و بكى و عرف كلّ واحد منهما صاحبه فإذا هو ابنه،فسألته كيف وقعت إلى هذا الموضع؟

فقال:قد وقعت إلى طبرستان بعد حرب اسحاقاباد و ربّاني ديلمي هناك و الآن لمّا كبرت خرجت في طلب أبي و امّي،فقال التركي:قد ظهر لي من أمر هذا المشهد ما صحّ لي به يقيني،و قد آليت على نفسي أن لا افارق هذا المشهد ما بقيت (2).1.

ص: 431


1- -عيون الأخبار:319/1 ح 13،و مسند الأمام الرضا:165/1.
2- -عيون الأخبار:320/1 ح 13،و مسند الأمام الرضا:166/1.

حكاية غريبة

يقول مؤلّف الكتاب نعمت اللّه الحسيني الموسوي أعانه اللّه سبحانه على طاعته:إنّه وقت تأليف هذا الكتاب و هو سنة ثمان بعد المائة و الألف الهجرية كنت قاصدا إلى زيارة المشهد الرضوي على ساكنه من الصلوات أكملها و من التحيّات أسناها و أجزلها،و لمّا منّ اللّه سبحانه بحصول المطلوب رجعت على طريق استراباد فأقمت فيه أيّاما و كان ذلك بعد أن غار الأتراك على تلك البلاد و نهبوا الأموال و أسروا الأولاد و النساء و كان ذلك في عشر الثمانين بعد الألف غار عليهم الملعون انوشه حاكم اركبخ،و كان أهل تلك البلاد يمضون إلى بلاد الترك يشترون أولادهم و نساءهم.

و حدّثني رجل من أفاضل السادة و صلحائها في تلك البلدة أنّ امرأة كانت لها صبيّة أسرت في جملة الاسارى و بقيت تبكي عليها أيّاما و شهورا ثمّ قالت يوما:إنّ الرضا عليه السّلام ضمن الجنّة لمن زاره فأنا أمضي إلى زيارته و أدعو اللّه تحت قبّته أن يرد عليّ ابنتي، فقصدت المشهد الشريف و صارت تدعو اللّه سبحانه،و أمّا ابنتها فإنّها لمّا أسرتها الترك اشتراها تاجر من أهل بخارى فوقعت هناك و كان في بخارى رجل مؤمن من التجّار فرأى ليلة في المنام كأنّه وقع في لجّة بحر محيط و هو يسبّح فبعد أن أعيا وقع إلى الجرف و ما استطاع الخروج فرأى صبيّة واقفة على الجرف فمدّت يدها إليه و أخرجته من البحر فتأمّلها في المنام و عرف صورتها فانتبه مذعورا،فلمّا صار الصباح غدا إلى الخان ليشتري متاعا، فقال له رجل تاجر:إنّ عندي جارية أسيرة و اريد بيعها فمضى معه ينظر إليها،فلمّا كشف عن وجهها تحقّق أنّها التي رآها في المنام و قد أخرجته من البحر فاشتراها و أتى بها منزله فرحا مسرورا،فقال لها:من أيّ الأسارى أنت؟

قالت:من أسارى استراباد،فرقّ لها و بكى و قال لها:عندي أولاد فمن أردتيه أزوّجك به و تكونين عندي بمنزلة البنت،قالت:كلّ من يشرط لي أن يحملني إلى زيارة مشهد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام أرضين به،فقبل ذلك الشرط واحد من أولاده و زوّجه بها

ص: 432

ثمّ حملها معه إلى المشهد الرضوي فتمرّضت في الطريق و لمّا دخل البلد الشريف استأجر دارا و كان يمرّض الجارية و بقى على ذلك أيّاما حتّى أعياه ذلك الحال،فدعى اللّه تعالى تحت القبّة أن يقع على امرأة تقوم بتمريضها و تحتاج إليه فلمّا خرج من القبّة المباركة رأى عجوزا تمشي في المشهد فأظهر لها الالتماس بأن تأتي معه إلى داره و تقوم على امرأته أيّام مرضها و أن يحسن إليها.

فقالت له:أنا امرأة غريبة و أنت رجل غريب،فأقوم بتمريض امرأتك لأجل هذا الإمام المفترض الطاعة،فأخذها معه إلى منزله و كانت امرأته نائمة من الألم و على وجهها ثوب،فلمّا دخلت العجوز عليها كشفت الثوب عن وجهها،فلمّا نظرت إليها غشي عليها، و أمّا الجارية فإنّها لمّا فتحت عينها نظرت إلى العجوز فعرفتها أنّها امّها فتعارفا و تباكيا فتحيّر الرجل،فلمّا أفاقا أطلعاه على حالهما ففرح الرجل و سرّ بذلك و بقيت المرأة مع ابنتها و زوجها،و أمّا الملعون انوشا فإنّه لمّا فعل ذلك الفعل الشنيع سلّط اللّه عليه ولده ففقأ عينيه و أخرجه من الملك و تملّك ثمّ غار الترك على الولد و قتلوه و ملك بعده ولده الآخر فقتلوه أيضا،و انتقل الملك إلى غيرهم و أحوجه اللّه سبحانه حتّى جاء إلى تبريز و كان بها يتجرّع غصّة الزمان إلى هذا الوقت و هو أوائل عام التاسع بعد المائة و الألف،ثمّ مضى إلى جوار الزبانية في أشدّ العذاب و الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 433

ص: 434

باب في أحوال الإمام التاسع و السيّد الشافع حجّة اللّه على العباد أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليه و على آبائه و أبنائه أفضل الصلوات إلى يوم التناد

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

في مولده و وفاته و أسمائه و أولاده و النصّ عليه

و شيء من معجزاته

[في]الكافي:ولد عليه السّلام في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة،و قبض عليه السّلام سنة عشرين و مائتين في آخر ذي القعدة و هو ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما،و دفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسى عليه السّلام.و كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أوّل هذه السنة التي توفّى فيها،و امّه امّ ولد يقال لها سبيكة نوبية و قيل إنّ اسمها كان خيزران،و روي أنّها كانت من أهل بيت مارية امّ إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و في كتاب الروضة:ولد عليه السّلام بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان،و يقال:للنصف من شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة،و قبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذي القعدة و قيل:وفاته يوم السبت لستّ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين و مائتين (1).

[عن]العياشي زرقان صاحب ابن أبي داود قال:رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند

ص: 435


1- -الكافي:492/1 ح 11،و بحار الأنوار:1/5 ح 1.

المعتصم و هو مغتمّ،فقلت له في ذلك،فقال:وددت اليوم أنّي قد متّ منذ عشرين سنة، قلت:و لم ذاك؟قال:لمّا كان من هذا الأسود أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين قال:قلت:و كيف ذلك؟قال:إنّ سارقا أقرّ على نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه،فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه و قد أحضر محمّد بن عليّ فسألني عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟قال:فقلت:من الكرسوع (1)قال:

و ما الحجّة في ذلك؟

قال:قلت:لأنّ اليد هي الأصابع و الكفّ إلى الكرسوع لقول اللّه في التيمّم:

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ (2) و اتّفق معي على ذلك قوم و قال قوم:بل يجب القطع من المرفق قال:و ما الدليل على ذلك؟قالوا:لأنّ اللّه لمّا قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (3)في الغسل دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق،فالتفت إلى محمّد بن علي،فقال:ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟

فقال عليه السّلام:قد تكلّم القوم يا أمير المؤمنين،قال:دعني ممّا تكلّموا به،قال عليه السّلام:

أعفني عن هذا،قال:أقسمت عليك باللّه لما أخبرت بما عندك فيه،فقال عليه السّلام:أمّا إذا أقسمت عليّ باللّه إنّي أقول:إنّهم أخطأوا فيه السنّة،فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصل الأصابع فيترك الكفّ قال:و ما الحجّة في ذلك؟قال:قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:السجود على سبعة أعضاء الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين،فإذا قطع يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها،و قال اللّه تبارك و تعالى وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (4)يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا تدعو مع اللّه أحدا و ما كان للّه لم يقطع،فأعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع.

قال ابن أبي داود:تمنّيت أنّي لم أك حيّا فصرت إلى المعتصم بعد ثالثة،فقلت:إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليه السّلام عليّ واجبة و أنا اكلّمه بما أعلم إنّي أدخل به النار،قال:و ما هو؟8.

ص: 436


1- -الكرسوع:طرف رأس الزند أعلى الخنصر.
2- -سورة النساء:43.
3- -سورة المائدة:6.
4- -سورة الجن:18.

قلت:إذا جمع أمير المؤمنين مجلسه فقهاء رعيّته لأمر واقع من امور الدّين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك،و قد حضر مجلسه أهل بيته و قوّاده و وزراءه و قد تسامع الناس بذلك،ثمّ تترك أقاويلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامّة بإمامته و يدّعون أنّه أولى منه بمقامه ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء،فتغيّر لونه و انتبه لما نبّهته له،فقال:جزاك اللّه عن نصيحتك خيرا،فأمر اليوم الرابع فلانا من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه و قال عليه السّلام:لا أحضر مجالسكم.

فقال:إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام و أحبّ أن تدخل منزلي فأتبرّك بذلك فقد أحبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه،فلمّا طعم منها أحسّ بالسمّ،فدعى بدابّته فسأله ربّ المنزل أن يقيم قال عليه السّلام:خروجي من دارك خير لك فلم،يزل يومه ذلك و ليلته حتّى قبض عليه السّلام (1).

و في المناقب:أنّه أقام مع أبيه سبع سنين و أربعة أشهر و يومين و بعده ثمانية عشر سنة إلاّ عشرين يوما،و كان سني إمامته بقيّة ملك المأمون ثمّ ملك المعتصم و الواثق و في ملك الواثق استشهد (2).

و قال ابن بابويه:سمّ المعتصم محمّد بن علي،و أولاده عليّ الإمام و موسى و حكيمة و خديجة و امّ كلثوم،و قد كان زوّجه المأمون و لم يكن له منها ولد.

و لمّا بويع المعتصم جعل يتفقّد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيّات أن ينفذ إليه التقى و امّ الفضل،فأنفذهما إليه و بعث إليه شراب حماض الاترج و ألحّ عليه بالشرب منه على يدي الرسول فشربها عالما بفعلهم (3).

و كان عليه السّلام شديد الأدمة فشكّ فيه المرتابون و هو بمكّة فعرضوه على القافة فلمّا نظروا إليه خرّوا لوجوههم سجّدا ثمّ قاموا،فقالوا:يا ويحكم أمثل هذا الكوكب الدّري و النور الظاهر تعرضون علينا هذا و اللّه الحسب الزكيّ و النسب المهذّب الطاهر ولدته النجوم الزواهر و الأرحام الطواهر و اللّه ما هو إلاّ من ذرّية النبيّ و أمير المؤمنين و هو في ذلك الوقت2.

ص: 437


1- -تفسير العياشي:320/1،و مدينة المعاجز:405/7.
2- -المناقب:487/3.
3- -بحار الأنوار:8/50 ح 1،و مستدرك سفينة البحار:404/2.

ابن خمس و عشرين شهرا فنطق بلسان أرهف من السيف بقول:الحمد للّه الذي خلقنا من نوره و اصطفانا من بريّته و جعلنا امناء على خلقه و وحيه عاشر الناس أنا محمّد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي سيّد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن فاطمة الزهراء بن محمّد المصطفى عليهم السلام أجمعين،في مثلي يشكّ و على اللّه تبارك و تعالى و على جدّي يفترى، فأعرض على القافة أنّي أعلم ما في سرائرهم و خواطرهم ثمّ ذكر كلاما آخر (1).

و روي أنّ امرأته امّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل،فلمّا أحسّ بذلك قال لها:أبلاك اللّه ببلاء لا دواء له،فوقعت الاكلة في فرجها و كانت ترجع إلى الأطبّاء و يشيرون بالدواء عليها،فلا ينفع ذلك حتّى ماتت من علّتها (2).

و عن حكيمة بنت الكاظم عليه السّلام قالت:لمّا حضرت ولادة الخيزران امّ أبي جعفر عليه السّلام دعاني الرضا عليه السّلام فقال:يا حكيمة احضري ولادتها و أدخلني و إيّاها و القابلة بيتا و وضع لنا مصباحا و أغلق الباب علينا،فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح و بين يديها طشت فاغتمّت بطفئ المصباح فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السّلام في الطشت و إذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت فأخذته و وضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء،فجاء الرضا عليه السّلام ففتح الباب و قد فرغنا من أمره فأخذه فوضعه في المهد و قال لي:

يا حكيمة الزمي مهده،فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ نظر يمينه و يساره ثمّ قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه السّلام فقلت له:لقد سمعت من هذا الصبي عجبا و أخبرته الخبر،فقال:يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر (3).

و في تاريخ أبي شجاع الوزير:أنّه لمّا حرقوا القبور بمقابر قريش حاولوا حفر ضريح أبي جعفر محمّد بن علي عليه السّلام و إخراج رمّته و تحويلها إلى مقابر أحمد،فحال تراب الهدم8.

ص: 438


1- -المناقب:487/3.
2- -المناقب:497/3،و بحار الأنوار:10/50 ح 9.
3- -المناقب:499/3،و بحار الأنوار:316/48.

و رماد الحريق بينهم و بين معرفة قبره (1).

و في المصباح قال ابن عيّاش:خرج على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضى اللّه عنه:اللّهم إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمّد بن علي الثاني و ابنه علي بن محمّد المنتجب الدعاء (2).

و ذكر ابن عيّاش:أنّه كان يوم العاشر من رجب مولد أبي جعفر الثاني عليه السّلام.

و ذكر الكفعمي في حواشي بلد الأمين بعد ذكر كلام الشيخ و بعض أصحابنا كأنّهم لم يقفوا على هذه الرواية فأوردوا هنا سؤالا و أجابوا عنه و صفتهما ان قلت:إنّ الجواد و الهادي عليهما السّلام لم يلدا في شهر رجب،فكيف يقوم الإمام الحجّة عليه السّلام في رجب؟قلت:إنّه أراد التوسّل بهما في هذا الشهر لكونهما ولدا فيه،قلت:و ما ذكروه غير صحيح أمّا أوّلا:

فلأنّه إنّما يتأتّى قولهم على بطلان رواية ابن عيّاش و قد ذكرها الشيخ.

و أمّا ثانيا: فلأنّ تخصيص التوسّل بهما في رجب ترجيح من غير مرجّح لولا الولادة.

و أمّا ثالثا: فلأنّه لو كان كما ذكره لقال عليه السّلام الإمامين و لم يقل المولودين،انتهى ملخّص كلامه رحمه اللّه (3).

[في]معاني الأخبار:سمّي محمّد بن علي الثاني عليه السّلام التقيّ،لأنّه اتّقى اللّه عزّ و جلّ فوقاه شرّ المأمون لمّا دخل عليه بالليل سكران فضربه بسيفه حتّى ظنّ أنّه قد قتله فوقاه اللّه شرّه (4).

[في]عيون المعجزات:لمّا خرج أبو جعفر عليه السّلام و زوجته ابنة المأمون حاجّا و خلّف ابنه عليّا في المدينة و سلّم إليه المواريث و السلاح و نصّ عليه بمشهد ثقاته و أصحابه،و كان خرج المأمون إلى بلاد الروم فمات بالبدندون في رجب سنة ثمان عشرة و مائتين و بويع المعتصم أبو إسحاق محمّد بن هارون في شعبان،ثمّ إنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر عليه السّلام و أشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن3.

ص: 439


1- -بحار الأنوار:11/50 ح 10،و موسوعة الأمام الجواد:95/1.
2- -مصباح المتهجد:805،و بحار الأنوار:116/50.
3- -بحار الأنوار:1450 ح 14.
4- -معاني الأخبار:65،و بحار الأنوار:16/50 ح 23.

أبي جعفر عليه السّلام و شدّة غيرتها عليه لتفضيله امّ أبي الحسن ابنه عليها و لأنّه لم يرزق منها ولد فأجابته إلى ذلك و جعلت سمّا في عنب رازقي و وضعته بين يديه،فلمّا أكل منه ندمت و جعلت تبكي،فقال عليه السّلام:ما بكاؤك و اللّه ليضربنّك اللّه ببلاء لا يداوى،فماتت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسورا فأنفقت مالها و جميع ما ملكته على تلك العلّة حتّى احتاجت إلى الاسترفاد،و روي أنّ الناصور كان في فرجها (1).

[في]بشائر المصطفى،عن صفوان بن يحيى قال:قلت للرضا عليه السّلام:قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر،فكنت تقول:يهب اللّه لي غلاما،فقد وهب اللّه لك و أقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك فإن كان كون فإلى من؟فأشار بيده إلى أبي جعفر و هو قائم بين يديه،فقلت له:جعلت فداك هو ابن ثلاث سنين؟قال:و ما يضرّ من ذلك قد قام عيسى بالحجّة و هو ابن أقلّ من ثلاث سنين (2).

و عن الحسن بن الجهم قال:كنت مع الرضا عليه السّلام جالسا فدعا بابنه و هو صغير فأجلسه في حجري و قال لي:جرّده و انزع قميصه فنزعته،فقال لي:انظر بين كتفيه،فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم ثمّ قال لي:أترى هذا مثله في هذا الموضع كان من أبي عليه السّلام (3).

[في]الكافي عن محمّد بن الحسن بن عمّار قال:كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالسا بالمدينة أكتب عنه ما سمعه من أخيه موسى عليه السّلام إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن علي الرضا مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء و لا رداء فقبّل يده و عظمه،فقال له أبو جعفر:يا عمّ اجلس رحمك اللّه،فقال:يا سيّدي كيف أجلس و أنت قائم،فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه و يقولون:أنت عمّ أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل،فقال:اسكتوا إذا كان اللّه عزّ و جلّ و قبض لحيته لم يؤهل هذه الشيبة و أهل هذا الفتى و وضعه حيث وضعه أنكر فضله نعوذ باللّه ممّا تقولون بل أنا له5.

ص: 440


1- -عيون المعجزات:117،و بحار الأنوار:16/50 ح 26.
2- -الكافي:321/1 ح 10،و الإرشاد:276/2.
3- -الكافي:321/1 ح 8،و بحار الأنوار:120/25.

عبد (1).

[في]بصائر الدرجات عن علي بن خالد و كان زيديّا قال:كنت في العسكر-يعني سرّ من رأى-فبلغني أنّ هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا بالحديد،و قالوا:إنّه تنبّأ فتوصّلت إليه فإذا رجل له فهم،فقلت:ما قصّتك؟قال:كنت رجلا بالشام أعبد اللّه في الموضع الذي يقال له موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص،فقال:قم بنا فقمت معه فبينا أنا معه إذ أنا بمكّة فلم أزل معه حتّى قضى مناسكه و قضيت مناسكي معه فبينا أنا معه إذ أنا بموضعي الذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام و مضى الرجل،فلمّا كان عام قابل أيّام الموسم إذ أتاني و فعل بي مثل فعلته الاولى فلمّا فرغنا من مناسكنا و ردّني إلى الشام و همّ بمفارقتي،قلت:سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت ألا أخبرتني من أنت؟فأطرق مليّا ثمّ قال:أنا محمّد بن عليّ بن موسى فتراقى الخبر حتّى انتهى إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات فأخذني و قيّدني بالحديد و حملني إلى العراق و حبسني كما ترى،فقلت له:ارفع قصّتك إلى محمّد بن عبد الملك،فذكر في قصّته ما كان فوقع في القصة[قال] (2):قل للذي أخرجك في ليلة من الشام إلى الكوفة و من الكوفة إلى المدينة و من المدينة إلى مكّة و من مكّة إلى مكانك أن يخرجك من حبسك،قال علي:

فغمّني أمره و رققت له و أمرته بالصبر ثمّ بكّرت عليه يوما فإذا الجند و صاحب السجن يتفحّصون عن حاله،فقلت:ما هذا؟قالوا:المحمول من الشام الذي تنبّأ افتقد البارحة لا ندري خسف به الأرض و اختطفه الطير في الهواء و كان عليّ بن خالد هذا زيديا،فقال بالإمامة بعد ذلك و حسن اعتقاده (3).

أقول: اقتدارهم عليهم السّلام على قطع المسافة البعيدة بالمدّة القليلة يكون على وجوه:

منها:أنّ الأرض تطوى لهم كما ورد في إحضار عرش بلقيس بين يدي سليمان عليه السّلام بما تلاه آصف بن برخيا من الأسم الأعظم فانخسفت التي بين سليمان عليه السّلام و عرش بلقيس حتى تلاقت الأرضان،و آصف كان عنده بعض حروف ذلك الاسم و هم عليهم السّلام يعلمون كلّ1.

ص: 441


1- -الكافي:322/1 ح 12،و بحار الأنوار:266/49 ح 35.
2- -زيادة من المصدر.
3- -بصائر الدرجات:422،و الكافي:492/1 ح 1.

حروفه و هو ثلاثة و سبعون حرفا فقد استأثر اللّه سبحانه بحرف واحد.

و منها:أنّ اللّه سبحانه أقدرهم على قطع تلك المسافة البعيدة بالمدّة القليلة كما أقدر الأمين جبرئيل عليه السّلام يقطع ما بين العرش و مجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في أقلّ من ساعة مع أنّ المسافة مقدار خمسين ألف سنة و هم عليهم السّلام كانوا أفضل من جبرئيل و أعلم منه،لأنّ جبرئيل عليه السّلام نوع من أنواع علومهم،و قد وقع مثل هذا في حكاية المعراج.

و منها:أنّ اللّه سبحانه قد سخّر لهم أجراما خفيفة تحملهم إلى الأماكن القاصية في طرفة العين و ما فوقها كالهواء و السحاب و الملائكة كما ورد في حديث حمل جماعة من الصحابة على السحابة إلى أهل الكهف بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

و منها:أنّ اللّه سبحانه قد سخّر لهم جميع مخلوقاته بالطاعة لهم و الحضور بين يديهم كما كانت الجبال و الأشجار و نحوها من الأجرام العلوية و السفلية تنقلع و تنتقل من أماكنها و تحضر بين يديهم،فيكون قطعهم المسافات المتباعدة عبارة عن انتقالها من مواضعها و حضورها عندهم،و هذه الطرق الأربعة و غيرها كلّها وقعت بالنسبة إليهم عليهم السّلام.

[في]الخرائج،قال أبو هاشم:جاء رجل إلى محمّد بن علي بن موسى،فقال:يابن رسول اللّه أنّ أبي قد مات و كان له مال و لست أقف على ماله و لي عيال كثيرون و أنا من مواليكم فأغثني،فقال أبو جعفر عليه السّلام:إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد،و آل محمّد فإنّ أباك يأتيك بالنوم و يخبرك بأمر المال ففعل الرجل ذلك فرأى أباه في النوم، فقال:يا بنيّ مالي في موضع كذا فخذه و اذهب إلى ابن رسول اللّه فأخبره أنّي دللتك على المال،فذهب الرجل فأخذ المال و أخبر الإمام عليه السّلام بأمر المال و قال:الحمد للّه الذي أكرمك و اصطفاك.

أقول: يجوز أن يكون هذا على طريق العموم و أنّ كلّ من أراد رؤية الميّت ليدلّه على أمر من الامور،فليعمل هذا العمل و يكون تخلّفه إن وقع باعتبار فقد شرط من شرائطه مثل غيره ممّا ورد في الأخبار،و يجوز أن تكون مشافهته عليه السّلام لذلك الرجل له مدخل في وجوده بنوع من الإعجاز يختصّ به (1).

و عن صالح اليعقوبي قال:لمّا توجّهنا في استقبال المأمون إلى ناحية الشام أمر أبو8.

ص: 442


1- -الخرائج و الجرائح:665/2،و بحار الأنوار:42/50 ح 8.

جعفر عليه السّلام أن يعقد أبو جعفر ذنب دابّته و ذلك في يوم صائف شديد الحرّ لا يوجد الماء فقال بعض من كان معه:لا عهد له بركوب الدّواب،فإنّ موضع عقد ذنب البرذون غير هذا، قال:فما مررنا إلاّ يسيرا حتّى ضللنا الطريق بمكان كذا و وقعنا في و حل كثير ففسدت ثيابنا و ما معنا و لم يصبه شيء من ذلك (1).

أقول: الذي علم بالوحل كان يعلم الطريق لكنّه عليه السّلام أراد إظهار نوع من الإعجاز أظهر من نوع آخر إذ دلالة الطريق لا إعجاز فيه عرفا.

و عن ابن ارومة قال:إنّ المعتصم دعى جماعة من وزرائه،فقال:اشهدوا لي على محمّد بن علي بن موسى زورا و اكتبوا أنّه أراد أن يخرج ثمّ دعاه،فقال:إنّك أردت أن تخرج عليّ،فقال:و اللّه ما فعلت شيئا من ذلك قال:إنّ فلانا و فلانا و فلانا شهدوا عليك فأحضروا، فقالوا:نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك،قال:و كان جالسا في بيت فرفع عليه السّلام يده و قال:اللّهم إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم،فنظرنا إلى ذلك البيت كيف يرجف و يذهب و يجيء و كلّما قام واحد وقع.فقال المعتصم:يابن رسول اللّه إنّي تائب ممّا قلت،فادع ربّك أن يسكنه،فقال:اللّهم سكّنه إنّك تعلم أنّهم أعداؤك و أعدائي،فسكن (2).

و عن القاسم بن المحسن قال:كنت بين مكّة و المدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال فسألني فرحمته فأخرجت له رغيفا فناولته إيّاه،فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت و لا أين مرّت،فلمّا دخلت المدينة أتيت إلى أبي جعفر الرضا عليه السّلام فقال لي:يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق؟قلت:نعم،قال:يا غلام اخرج إليه عمامته فأخرج إليّ عمامتي بعينها،قلت:يابن رسول اللّه كيف صارت إليك؟ قال:تصدّقت على أعرابي فشكره اللّه لك،فردّ إليك عمامتك و أنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين (3).

و في كتاب المناقب:قال عسكر مولى أبي جعفر عليه السّلام:دخلت عليه،فقلت في نفسي:ما أشدّ سمرة مولاي و أضوى جسده قال:فو اللّه ما استتمت الكلام في نفسي حتّى4.

ص: 443


1- -مدينة المعاجز:381/7،و بحار الأنوار:45/50 ح 15.
2- -الخرائج و الجرائح:671/2،و مدينة المعاجز:383/7.
3- -الخرائج و الجرائح:377/1،و بحار الأنوار:47/50 ح 24.

تطاول و عرض جسده و امتلأ به الايوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه ثمّ رأيت لونه و قد اظلّم حتّى صار كالليل المظلم ثمّ صار كأبيض ما يكون من الثلج ثمّ احمرّ حتّى صار كالعلق المحمرّ ثمّ اخضرّ حتّى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة ثمّ تناقص جسمه حتّى صار في صورته الاولى و عاد لونه الأوّل و سقطت لوجهي ممّا رأيت،فصاح بي:يا عسكر تشكّون فننبّئكم و تضعفون فنقوّيكم،و اللّه لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلاّ من منّ اللّه علينا و ارتضاه لنا وليّا (1).

و في ذلك الكتاب أيضا:أنّ المأمون اجتاز بابن الرضا عليه السّلام و هو بين صبيان فهربوا سواه فقال:عليّ به،فقال له:مالك لا هربت في جملة الصبيان قال:ما لي ذنب فأفرّ منه و لا الطريق ضيّق فأوسعه عليك سرّ حيث شئت،فقال:من تكون أنت؟قال:محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،فقال:ما تعرف من العلوم؟

قال:سلني عن أخبار السماوات،فودّعه و مضى و على يده باز أشهب يطلب به الصيد،فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا و الباز يثب عن يده فأرسله فطار يطلب الافق حتّى غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه فقد صاد حيّة فوضع الحيّة في بيت الطعم و قال لأصحابه:قد دنى حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي ثمّ عاد و ابن الرضا في جملة الصبيان،فقال:ما عندك من أخبار السماوات؟

فقال:نعم يا أمير المؤمنين،حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عن جبرئيل عن ربّ العالمين أنّه قال:بين السماء و الهواء بحر عجاج تتلاطم به الأمواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء،فقال:صدقت و صدق أبوك و صدق جدّك و صدق ربّك،فأركبه ثمّ زوّجه امّ الفضل (2).

و روي أنّه عليه السّلام استدعى فاصدا في أيّام المأمون،فقال له:افصدني في العرق الزاهر فقال له:ما أعرف هذا العرق يا سيّدي و لا سمعت به فأراه إيّاه،فلمّا فصده خرج منه ماء أصفر فجرى حتّى امتلأ الطشت ثمّ قال له:امسكه فأمر بتفريغ الطشت ثمّ قال:حلّ عنه0.

ص: 444


1- -المناقب:493/3،و بحار الأنوار:55/50 ح 31.
2- -المناقب:494/3،و بحار الأنوار:56/50.

فخرج دون ذلك،فقال:شدّه الآن فلمّا شدّ يده أمر له بمائة دينار فأخذه و جاء إلى يوحنّا بن يختيشوع فحكى له ذلك،فقال:و اللّه ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ و لكن هنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون فامض بنا إليه فإن كان عنده علمه و إلاّ لم نقدر على من يعلمه،فمضيا و دخلا عليه و قصّا عليه القصّة فأطرق مليّا ثمّ قال:يوشك أن يكون هذا الرجل نبيّا أو من ذرّية نبيّ (1).

و روي أنّ أبا جعفر عليه السّلام لمّا صار إلى شارع الكوفة نزل عند دار المسيّب و كان في صحّته نبقة لا تحمل فدعى بكوز فيه ماء فتوضّأ في أسفل النبقة و قام فصلّى بالناس المغرب و العشاء الآخرة و سجد سجدتي الشكر ثمّ خرج،فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا فتعجّبوا من ذلك و أكلوا منها فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له و ودّعوه و مضى إلى المدينة.قال الشيخ المفيد:و قد أكلت ثمرها و كان لا عجم له (2).

[في]الخرائج،عن حكيمة بنت الرضا عليه السّلام قالت:لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضا عليه السّلام صرت يوما إلى امرأته امّ الفضل فبينما نحن نتذاكر فضل محمّد و كرمه و علمه إذ قالت امرأته امّ الفضل:يا حكيمة أخبرك عنه بإعجوبة لم يسمع أحد بمثلها،قلت:و ما ذاك؟

قالت:إنّه ربّما كان أغارني مرّة بجارية و مرّة بتزويج فكنت أشكوه إلى المأمون، فيقول:يا بنيّة احتملي فإنّه ابن رسول اللّه،فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة،فقلت:

من أنت؟فكأنّها قضيب بان أو غصن خيزران؟قالت:أنا زوجة لأبي جعفر بن الرضا و أنا امرأة من ولد عمّار بن ياسر،فدخل عليّ من الغيرة ما لم أملك نفسي فنهضت من ساعتي و صرت إلى المأمون و قد كان ثملا من الشراب و قد مضى من الليل ساعات فأخبرته بحالي و قلت له:يشتمني و يشتمك و يشتم العبّاس و ولده،و قلت ما لم يكن،فغاظه ذلك منّي جدّا و لم يملك نفسه من السكر و قام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه و حلف أنّه يقطعه بهذا السيف و صار إليه.

قالت:فندمت عند ذلك و قلت في نفسي:ما صنعت هلكت و أهلكت فعدوت0.

ص: 445


1- -مدينة المعاجز:389/7 ح 86،و بحار الأنوار:57/50.
2- -مدينة المعاجز:358/7،و بحار الأنوار:57/50.

خلفه لأنظر ما يصنع فدخل إليه و هو نائم فوضع فيه السيف فقطّعه قطعة قطعة ثمّ وضع سيفه على حلقه فذبحه و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم،و انصرف و هو يزيد مثل الجمل فلمّا رأيت ذلك هربت على وجهي إلى منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت فلمّا أصبحت دخلت إليه و هو يصلّي و قد أفاق من السكر،فقلت له:يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟قال:لا و اللّه،قلت:فإنّك صرت إلى ابن الرضا و هو نائم فقطعته إربا إربا و ذبحته بسيفك.قال:ويلك ما تقولين؟فصاح:يا ياسر ما تقول هذه الملعونة؟

قال:صدقت فيما قالت،قال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون هلكنا و افتضحنا بادر إليه و ائتني بخبر فركض ثمّ عاد مسرعا،فقال:يا أمير المؤمنين البشرى،دخلت فإذا هو قاعد يستاك و عليه قميص فبقيت متحيّرا في أمره ثمّ أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر فقلت له:أحبّ أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرّك به فنظر إليّ و تبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك،فقال:أكسوك كسوة فاخرة،فقلت:لست أريد غير هذا القميص الذي عليك،فخلعه و كشف لي بدنه كلّه فو اللّه ما رأيت أثرا،فخرّ المأمون ساجدا و وهب لياسر ألف دينار و قال:الحمد للّه الذي لم يبتليني بدمه ثمّ قال:يا ياسر كلّما كان من مجيء هذه الملعونة إليّ و بكائها بين يديّ فأذكره،و أمّا مصيري إليه فلست أذكره.

فقال ياسر:و اللّه ما زلت تضربه بالسيف و أنا و هذه ننظر إليك و إليه حتّى قطّعته قطعة قطعة ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته و أنت تزبد كما يزبد البعير،فقال:الحمد للّه ثمّ قال لي:و اللّه لئن عدت بعدها في شيء ممّا جرى لأقتلنّك ثمّ قال لياسر:احمل إليه عشرة آلاف دينار و برذوني الفلاني و سله الركوب إليّ مع بني هاشم،فلمّا دخل عليه تلقّاه و قبّل ما بين عينيه و أقعده على المقعد في الصدر فجعل يعتذر إليه،فقال له أبو جعفر عليه السّلام:لك عندي نصيحة فاسمعها منّي،قال:هاتها قال:اشير عليك بترك المسكر،قال:فداك ابن عمّك قد قبل نصيحتك.

أقول: حيث إنّ عليّ بن عيسى صاحب كتاب كشف الغمّة صار إلى أنّ المأمون لم يوقع مكروها لا بالرضا عليه السّلام و لا بابنه أبي جعفر ردّ هذه القصّة و استبعدها بوجوه بعيدة مع رواية أهل الحديث لها في أكثر الكتب و تصحيحهم لها (1).7.

ص: 446


1- -الخرائج و الجرائح:375/1،و مدينة المعاجز:370/7.

الفصل الثاني

في تزويجه امّ الفضل بنت المأمون و فيما جرى في المجلس

[في]مهج الدعوات،عن النوفلي و كان خادما للرضا عليه السّلام قال:لمّا زوّج المأمون أبا جعفر محمّد بن الرضا عليه السّلام ابنته كتب إليه:إنّ لكلّ زوجة صداقا من مال زوجها و قد جعل اللّه أموالنا في الآخرة مؤجّلة مذخورة هناك كما جعل أموالكم معجّلة في الدّنيا و كنزها هاهنا و قد أمهرت ابنتك الوسايل إلى المسايل و هي مناجاة دفعها إليّ أبي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ أبي موسى.

قال عليه السّلام:دفعها إليّ أبي جعفر،قال عليه السّلام:دفعها إليّ محمّد أبي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ عليّ بن الحسين.

قال عليه السّلام:دفعها إليّ الحسين أبي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ الحسن أخي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:دفعها إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال عليه السّلام:دفعها إليّ جبرئيل عليه السّلام قال:يا محمّد ربّ العزّة يقرئك السلام و يقول لك:هذه مفاتيح كنوز الدّنيا و الآخرة فاجعلها و سائلك إلى مسائلك تصل إلى بغيتك و تنجح في طلبتك فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظّ من آخرتك و هي عشر وسائل تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح و تطلب بها الحاجات فتنجح و هذه نسختها،ثمّ ذكر الأدعية و هي مذكورة في ذلك الكتاب (1).

أقول: أمهرها مهرين هذا أحدهما و سيأتي الآخر.

و في الاحتجاج عن الريّان بن شبيب قال:لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته محمّد بن علي غلظ ذلك على العبّاسيّين و خافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السّلام فقالوا له:ننشدك اللّه أن يقيم على هذا الأمر من تزويج ابن الرضا،فإنّا نخاف أن يخرج به أمر قد ملّكناه اللّه و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من

ص: 447


1- -موسوعة الأمام الجواد:141/2،و بحار الأنوار:74/50.

تحقيرهم و تبعيدهم و قد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا فكفانا اللّه المهمّ من ذلك فإنّ للّه أن تردّنا إلى غمّ رفعه اللّه عنّا و اصرف رأيك عن ابن الرضا إلى من تراه من أهل بيتك.

فقال المأمون:أمّا ما بينكم و بين آل أبي اطلب فأنتم السبب فيه و لو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم،و أمّا ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم و أعوذ باللّه من ذلك و واللّه ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي فأبى و كان أمر اللّه قدرا مقدورا،و أمّا أبو جعفر محمّد بن علي فقد اخترته لشرفه على كافّة أهل الفضل مع صغر سنّة و الاعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلمون أنّ الرأي ما رأيت.

فقالوا:إنّ هذا الفتى و إن أعجبك منه هديه فإنّه صبيّ لا معرفة له و لا فقه فامهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك،فقال لهم:ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم و أنّ أهل هذا البيت علمهم من اللّه تعالى و مواده و إلهامه لم تزل آباؤه أغنياء في الدّين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال،فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر عليه السّلام بما يظهر لكم حاله،قالوا؛ قد رضينا لك و لأنفسنا بامتحانه فخلّ بيننا و بينه لنصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة،فإن أصاب في الجواب لم يكن لنا اعتراض في أمره و ظهر للخاصّة و العامّة سديد رأيك فيه و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه،فقال لهم المأمون:شأنكم و ذلك،فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها و وعدوه بأموال نفيسة و سألوا المأمون يوما للاجتماع فاجتمعوا في ذلك اليوم و حضر معهم يحيى و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست و يجعل فيه مسورتان ففعل ذلك و خرج أبو جعفر عليه السّلام و هو يومئذ ابن تسع سنين فجلس و جلسوا و قام الناس في مراتبهم،فقال يحيى بن أكثم للمأمون:يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟

فقال:استأذنه في ذلك فاستأذنه فأقبل عليه و أذن له،فقال:ما تقول يا أبا جعفر في محرم قتل صيدا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:قتله في حلّ أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ حرّا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان

ص: 448

الصيد أم من غيرها أمن صغار الصيد أم من كبارها مصرّا على ما فعل أو نادما في الليل كان قتله للصيد أم في النهار محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما،فتحيّر يحيى و بان الاحتجاج بوجهه حتّى عرفه الحاضرون.

فقال المأمون:الحمد للّه على هذه النعمة،فقال لأهل بيته:أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟

ثمّ أقبل على أبي جعفر عليه السّلام فقال له:اخطب لنفسك و إنّي مزوّجك ابنتي امّ الفضل و إن رغم قوم لذلك،فخطب و أمهرها مهر جدّته فاطمة عليها السّلام خمسمائة درهم جياد.

قال الريان:فسمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاّحين،فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضّة مشدودة بالحبال من الابريسم على عجلة يعني عرابة مملؤّة من الطيّب فتطيّب الخاصّة و العامّة و وضعت الموائد فأكل الناس و خرجت الجوائز إلى كلّ قوم على قدرهم،فلمّا تفرّق الناس و بقي من الخاصّة من بقي قال المأمون لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك إن رأيت أن تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه و نستفيده، ففصّلها عليه السّلام و ذكر جميع شقوق المسألة،فقال المأمون:أحسنت يا أبا جعفر فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك،فقال عليه السّلام ليحيى:أسألك؟

قال:ذلك إليك جعلت فداك فإن عرفته و إلاّ استفدته منك.

فقال عليه السّلام:أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له فلمّا زالت الشمس حرمت عليه فلمّا كان وقت العصر حلّت له فلمّا غربت الشمس حرمت عليه فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له،فلمّا كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه،فلمّا طلع الفجر حلّت له ما حال هذه المرأة و بما حلّت له و حرمت عليه؟

فقال له يحيى:لا و اللّه لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال فإن رأيت أن تفيدناه، فقال عليه السّلام:هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النهار و ابتاعها من مولاها فحلّت له فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه فلمّا كان عند العصر تزوّجها فحلّت له،فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له فلمّا كان نصف الليل طلّقها

ص: 449

واحدة فحرمت عليه فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له.

فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته،فقال لهم:هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟قالوا:لا و اللّه إنّ أمير المؤمنين أعلم و ما رأى،فقال:ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا بما ترون من الفضل و أنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال،أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و هو ابن عشر سنين و قبل منه الإسلام و حكم له به و لم يدع أحدا في سنّة غيره و بايع الحسن و الحسين و هما دون الستّ سنين و لم يبايع صبيّا غيرهما،أو لا تعلمون ما اختصّ اللّه به هؤلاء القوم و أنّهم ذرّية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟

فقالوا:صدقت يا أمير المؤمنين ثمّ نهض القوم،فلمّا كان من الغد أحضر الناس و حضر أبو جعفر عليه السّلام و صار القوّاد و الحجّاب و الخاصّة و العمّال لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السّلام فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و اقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم فكان كلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها فأعطي ما فيها و انصرف الناس و هم أغنياء بالعطايا،و تقدّم المأمون بالصدقة على كافّة المسلمين و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السّلام مدّة حياته يؤثره على ولده و جماعة أهل بيته (1).

و في كتاب الاحتجاج:روى أنّ المأمون بعدما زوّج ابنته امّ الفضل أبا جعفر عليه السّلام كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السّلام و يحيى بن أكثم و جماعة كثيرة،فقال له يحيى:ما تقول يابن رسول اللّه في الخبر الذي روي أنّه نزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:سل أبا بكر هل هو عنّي راض فإنّي عنه راض،فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في حجّة الوداع:«قد كثرت عليّ الكذّابة و ستكثر فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار،فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي فما وافق كتاب اللّه و سنّتي فخذوا به و ما خالف كتاب اللّه و سنّتي فلا تأخذوا به»و ليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه،قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما7.

ص: 450


1- -الأحتجاج:242/2،و مدينة المعاجز:351/7.

تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فاللّه عزّ و جلّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه؟هذا مستحيل في العقول.

ثمّ قال يحيى بن أكثم:و قد روي أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء،فقال:و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه،لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان للّه مقرّبان لم يعصيا اللّه قط و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة،و هما قد أشركا باللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك فمحال أن يشبههما بهما (1).

و قد روي أيضا أنّهما سيّدا كهول الجنّة فما تقول فيه؟ (2)

فقال عليه السّلام:و هذا الخبر محال أيضا،لأنّ أهل الجنّة يكونون كلّهم شبابا و لا يكون فيهم كهل،و هذا الخبر وضعه بنو اميّة لمضادّة الخبر الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في الحسن و الحسين:أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال يحيى بن أكثم:و روي أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة،فقال عليه السّلام:و هذا أيضا محال،لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقرّبين و آدم و نوح و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضيء بأنوارهم حتّى تضيء بنور عمر.

فقال يحيى:و قد روي أنّ السكينة تنطق بلسان عمر،فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل عمر و لكن أبا بكر أفضل من عمر و قال على رأس المنبر:إنّ لي شيطانا يعتريني فإذا ملت فسدّدوني.

فقال يحيى:و قد روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو لم أبعث لبعث عمر،فقال عليه السّلام:كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث يقول اللّه في كتابه: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه و كان الأنبياء عليهم السّلام لم يشكّوا طرفة عين،فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك و كان أكثر أيّامه مع الشرك باللّه،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:نبّأت و آدم بين الروح و الجسد.

فقال يحيى:و قد روي أيضا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:ما احتبس الوحي عنّي قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطّاب،فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا فإنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ في2.

ص: 451


1- -الأحتجاج:246/2،و بحار الأنوار:80/50 ح 6.
2- -الأحتجاج:247/2.

نبوّته،قال اللّه تعالى: يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.

قال يحيى:روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر،قال عليه السّلام:

و هذا أيضا محال إنّ اللّه تعالى يقول: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ،فأخبر أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما داموا يستغفرون اللّه تعالى (1).

و في مشارق الأنوار عن أبي جعفر الهاشمي قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام ببغداد،فدخل عليه ياسر الخادم يوما و قال:يا سيّدنا إنّ سيّدتنا امّ جعفر تستأذنك أن تصير إليها،فقال للخادم:ارجع فإنّي في الأثر ثمّ قام و ركب البغلة حتّى قدم الباب فخرجت امّ جعفر اخت المأمون و سلّمت عليه و سألته الدخول على امّ الفضل بنت المأمون و قالت:

يا سيّدي أحبّ أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقرّ عيني فدخل و الستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعا و هو يقول: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ثمّ جلس و خرجت امّ جعفر تعثر في ذيولها،فقالت:يا سيّدي أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها،فقال لها: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ أنّه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى امّ الفضل فاستخبريها عنه فرجعت امّ جعفر فأعادت عليها ما قال.

فقالت:يا عمّة و ما أعلمه بذاك؟

ثمّ قالت:كيف لا أدعو على أبي و قد زوّجني ساحرا؟ثمّ قالت:و اللّه يا عمّة أنّه لمّا طلع عليّ جماله أحدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي و ضممتها،فبهتت امّ جعفر من قولها ثمّ خرجت مذعورة و قالت:يا سيّدي ما حدثت لها؟قال:هو من أسرار النساء.

فقالت:يا سيّدي تعلم الغيب؟قال:لا،قالت:فنزل إليك الوحي؟قال:لا،قالت:

فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلاّ اللّه و هي؟

فقال:و أنا أيضا أعلمه من علم اللّه،فلمّا رجعت امّ جعفر قالت:يا سيّدي و ما كان4.

ص: 452


1- -الأحتجاج:247/2،و درر الأخبار:374.

إكبار النسوة؟قال:هو ما حصل لامّ الفضل من الحيض (1).

أقول: هذا نصّ فيما قلناه من أنّهم عليهم السّلام يظهرون للناس على ما تحتمله عقولهم من الصور و الحالات و أنّ الجواد عليه السّلام لمّا ظهر لامّ الفضل على غير الحالة المعتادة أخذها الشوق و أتاها ما يأتي النساء عند رؤية الصور الحسان كما وقع للنسوة لمّا رأين الصدّيق عليه السّلام و هذه الرؤية ترجع إلى سرّ خفيّ،و هو أنّ الذي رأته امّ الفضل من الجمال إمّا أنّه هو الصورة التي كان عليها لكنّها تختلف بالتشكّلات على ما يريده عليه السّلام كتشكّل الملائكة و نحوهم،و إمّا أنّها صورة اخرى نورانية من صورة عليه السّلام الملكوتية تدبّرها نفسه البشرية و غوامض أحوالهم عليهم السّلام من أجل أن تتلوّث بخواطر البشر.0.

ص: 453


1- -مدينة المعاجز:403/7 ح 103،و بحار الأنوار:84/50.

الفصل الثالث

في جوامع أحواله عليه السلام

[في]كتاب الاختصاص للمفيد طاب ثراه عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال:لمّا مات الرضا عليه السّلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السّلام و قد حضر خلق من الشيعة من كلّ بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه السّلام فدخل عمّه عبد اللّه بن موسى و كان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب حسنة و بين عينيه سجّادة،فجلس و خرج أبو جعفر عليه السّلام من الحجرة و عليه قميص قصب ورداء قصب و نعل حذو بيضاء فقام عبد اللّه فاستقبله و قبّل بين عينيه و قامت الشيعة و قعد أبو جعفر عليه السّلام على كرسيّ و نظر الناس بعضهم إلى بعض تحيّرا لصغر سنّة فانتدب رجل من القوم،فقال لعمّه:أصلحك اللّه ما تقول في رجل أتى بهيمة؟

فقال:يقطع يمينه و يضرب الحدّ،فغضب أبو جعفر عليه السّلام ثمّ نظر إليه و قال:يا عمّ اتّق اللّه إنّه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي اللّه عزّ و جلّ،فيقول لك:لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟

فقال له عمّه:يا سيّدي أليس قال هذا أبوك صلوات اللّه عليه؟

فقال عليه السّلام:إنّما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها،فقال أبي:يقطع يمينه للنبش و يضرب حدّ الزنا فإنّ حرمة الميتة كحرمة الحيّة،فقال:صدقت يا سيّدي و أنا أستغفر اللّه،فتعجّب الناس و قالوا:يا سيّدنا أتأذن لنا أن نسألك؟

فقال:نعم،فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها و له تسع سنين (1).

[في]الخرائج و الجرائح،عن الكرماني قال:أتيت ابن الرضا عليه السّلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا،فجلست عند مسافر حتّى زالت الشمس فلمّا صلّيت إذا أبو

ص: 454


1- -الأختصاص:102،و بحار الأنوار:85/5.

جعفر عليه السّلام[فسرت اليه] (1)فقبّلت كفّه ثمّ جلس و قال:سلّم،فقلت:قد سلّمت فأعاد عليّ فقلت:سلّمت و رضيته فأجلى اللّه ما كان في قلبي من الشكّ فعدت من الغد فارتفعت من الباب الأوّل فلم أجد أحدا يرشدني إليه حتّى اشتدّ الحرّ و الجوع،فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام و غلام آخر عليه طشت و ابريق حتّى وضع بين يديّ و قالا:آمرك أن تأكل فأكلت فلمّا فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس و بالأكل فأكلت، فقال للغلام:كل معه ينشط حتّى إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام فقال:مه و مه ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة و ما كان في البيت فالقطه،ثمّ قال:سل،قلت:جعلت فداك ما تقول في المسك؟قال:إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في قارورة فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك عليه،فكتب:يا فضل أما علمت أنّ يوسف كان يلبس ديباجا مزرّرا بالذهب و يجلس على كراسي الذهب فلم ينتقص من حكمته شيئا و كذلك سليمان ثمّ أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم،ثمّ قلت:ما لمواليكم في موالاتكم.

فقال:إنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس و معه بغلته إذ أقبلت رفقة من خراسان،فقال له رجل من الرفقة:هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملوكا و أجعل لك مالي كلّه فإنّي كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه و أنا مقيم معه مكانك،فقال:اسأله ذلك،فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:جعلت فداك تعرف صحبتي و طول صحبتي فإن ساق اللّه لي خيرا تمنعنيه.

قال:أعطيك من عندي و أمنعك من غيري؟فحكى له قول الرجل،فقال:إن زهدت في خدمتنا و رغب الرجل فينا قبلناه و أرسلناك فلمّا ولّى عنه دعاه،فقال له:أنصحك لطول الصحبة فإذا كان يوم القيامة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله متعلّقا بنور اللّه و كان أمير المؤمنين متعلّقا برسول اللّه و كان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين عليه السّلام و كان شيعتنا متعلّقين بنا يدخلون مدخلنا و يردون موردنا،فقال الغلام:بل اقيم في خدمتك و أؤثر الآخرة على الدّنيا و خرج الغلام إلى الرجل و حكى له قوله و أدخله على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقبل ولاءه و ألف للغلامر.

ص: 455


1- -زيادة من المصدر.

بألف دينار الحديث (1).

و في كتاب المناقب:أنّه قام إليه رجل،فقال:ما تقول في رجل أتى حمارة؟قال:

يضرب دون الحدّ و يغرم ثمنها و يحرم ظهرها و نتاجها و تخرج إلى البرية حتّى تأتي عليها منيّتها سبع أكلها ذئب أكلها (2).

[في]كشف الغمّة،قال محمّد بن طلحة:إنّ محمّد بن علي لمّا توفّي والده الرضا عليه السّلام و قدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتّفق أنّه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه و الصبيان يلعبون و محمّد واقف معهم و كان عمره يومئذ إحدى عشر سنة، فلمّا أقبل المأمون هرب الصبيان و وقف أبو جعفر مكانه فنظر إليه و كان عليه مسحة من الجمال،فقال له:يا غلام ما منعك من الانصراف؟

فقال:لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي و لم يكن لي جريمة فأخشاها و ظنّي بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له فوقفت،فأعجبه كلامه و وجهه،فقال له:ما اسمك؟قال:محمّد بن علي الرضا،فترحّم على أبيه و ساق جواده إلى وجهته و كان معه بزاة فلمّا بعد عن العمارة أرسل بازا على دراجة فغاب عن عينه ثمّ عاد من الجوّ و في منقاره سمكة صغيرة و بها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك ثمّ أخذها في يده و عاد إلى داره في الطريق،فلمّا وصل ذلك المكان انصرف الصبيان إلاّ ذلك الصبي،فقال له:يا محمّد ما في يدي؟

فقال:إنّ اللّه تعالى خلق بمشيّئته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك فيختبرون بها سلالة أهل النبوّة،فعجب من كلامه و قال:أنت ابن الرضا حقّا و ضاعف إحسانه (3).

أقول: لا منافاة بين هذا الحديث و ما تقدّمه من حكاية الحيّة لأنّه يجوز أن يكون امتحان المأمون له عليه السّلام وقع مرّتين.

[في]التهذيب،روى علي بن مهزيار قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام و شكوت إليه0.

ص: 456


1- -الخرائج و الجرائح:389/1،و من لا يحضره الفقيه:356/3.
2- -المناقب:490/3،و بحار الأنوار:91/50.
3- -كشف الغمة:136/3،و بحار الأنوار:92/50.

كثرة الزلازل في الأهواز و قلت:ترى في التحوّل عنها؟فكتب عليه السّلام:لا تتحوّلوا عنها و صوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة و اغتسلوا و طهّروا ثيابكم و ابرزوا يوم الجمعة و ادعوا اللّه فإنّه يدفع عنكم،قال:ففعلنا فسكنت الزلازل (1).

[في]مشارق الأنوار:روى أنّه جيء بأبي جعفر عليه السّلام إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد أبيه و هو طفل،فجاء إلى المنبر و رقى منه درجة ثمّ نطق فقال:أنا محمّد بن علي الرضا أنا الجواد أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب أنا أعلم بسرائركم و ظواهركم و ما أنتم صائرون إليه علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين و بعد فناء السماوات و الأرضين،و لو تظاهر أهل الباطل و دولة أهل الضلال و وثوب أهل الشكّ لقلت قولا تعجّب منه الأوّلون و الآخرون،ثمّ وضع يده الشريفة على فيه و قال:يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك من قبل (2).2.

ص: 457


1- -التهذيب:294/3 ح 18،و مستدرك سفينة البحار:303/4.
2- -بحار الأنوار:108/50،و مستدرك سفينة البحار:403/2.

ص: 458

باب أحوال الإمام العاشر و النور الزاهر أبي الحسن الثالث علي بن محمّد التقي الهادي صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في أسمائه الشريفة و ميلاده المبارك و النصّ عليه بالخصوص

و مكارم أخلاقه و مناقبه

[في]علل الشرائع:سمعت مشايخنا رضي اللّه عنهم يقولون:إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد و الحسن بن عليّ عليهما السّلام بسرّ من رأى تسمّى عسكر،فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكري (1).

أقول: و في القاموس إنّ بلدة سرّ من رأى تسمّى بالعسكر فنسب إليها العسكريان، و بعض المعاصرين توهّم غير هذا،و سيأتي الكلام فيه.

و في كتاب المناقب:اسمه عليّ و كنيته أبو الحسن لا غيرهما و ألقابه النجيب المرتضى الهادي النقي العالم الفقيه الأمين المؤتمن الطيّب المتوكّل العسكري،و كان أطيب الناس مهجة و أصدقهم لهجة و أملحهم من قريب و أكلمهم من بعيد إذا صمت عليه هيبة الوقار و إذا تكلّم سيماء البهاء،و هو من بيت الرسالة و الإمامة و مقرّ الوصية و الخلافة شعبة من دوحة النبوّة منتضاة مرتضاة و ثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة ولد بصريا من المدينة النصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة و مائتين (2).

ص: 459


1- -بحار الأنوار:113/50،و علل الشرائع:241/1.
2- -المناقب:505/3،و بحار الأنوار:113/50 ح 2.

[عن]ابن عيّاش ولد يوم الثلاثاء الخامس من رجب سنة أربع عشرة،و قبض بسرّ من رأى الثالث من رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و قيل يوم الاثنين ثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار و ليس عنده إلاّ ابنه أبو محمّد و له يومئذ أربعون سنة و قيل:

أحد و أربعون و سبعة أشهر،امّه امّ ولد يقال لها سمانة المغربيّة أقام مع أبيه ستّ سنين و خمسة أشهر و بعده مدّة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة و يقال:تسعة أشهر و مدّة مقامه بسرّ من رأى عشرين سنة.

و توفّي فيها و قبره في داره،و كان في سنّي إمامته بقيّة ملك المعتصم ثمّ الواثق و المتوكّل و المنتصر و المستعين و المعتزّ،و في آخر ملك المعتزّ استشهد مسموما سمّه المعتزّ لعنه اللّه (1).

أقول: و روي في الكتب الاختلاف في ميلاده و وفاته و مدّة عمره الشريف،كما روي في أحوال آبائه عليهم السّلام إلاّ أنّ المعتمد ما ذكرناه.

[في]الفصول المهمّة صفته أسمر اللون،نقش خاتمه:اللّه ربّي و هو عصمتي من خلقه.

و قال الكفعمي:نقش خاتمه حفظ العهود من أخلاق المعبود،كانت له سرية لا غير و كان له خمسة أولاد،سمّه المعتزّ و بابه عثمان بن سعيد (2).

و في كتاب كمال الدين عن الصقر بن دلف قال:سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا عليه السّلام يقول:إنّ الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري و قوله قولي و طاعته طاعتي و الإمامة بعده في ابنه الحسن (3).

أقول: الأخبار الواردة بالنصّ عليه من آبائه من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مستفيضة بل متواترة.

[في]الأمالي عن كافور الخادم قال:كان يونس النقّاش يخدم الإمام عليه السّلام فجاء يوما يرعد فقال:يا سيّدي أوصيك بأهلي خيرا،قال:و ما الخبر؟قال:عزمت على الرحيل، قال:و لم يا يونس؟1.

ص: 460


1- -بحار الأنوار:84/50 ح 2،و المناقب:505/3.
2- -دلائل الأمامة:411،و بحار الأنوار:117/50.
3- -كمال الدين:378،و بحار الأنوار:239/50 ح 1.

قال:إنّ موسى بن بغا وجّه إليّ بفصّ ليس له قيمة أقبلت أنقشه فكسرته باثنين و موعده غدا إمّا ألف سوط أو القتل،قال:امض إلى منزلك إلى غد فما يكون إلاّ خيرا،فلمّا كان من الغد وافى بكرة يرعد،فقال:قد جاء الرجل يلتمس الفصّ،قال:امض إليه فما ترى إلاّ خيرا فمضى و عاد يضحك قال:قال لي:يا سيّدي الجواري اختصموا فيمكنك أن تجعله نصفين حتّى تغنيك،فقال عليه السّلام:لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّا فأيش قلت له؟ قال:قلت له:امهلني حتّى أتأمّل أمره كيف أعمله،فقال:أصبت (1).

خراب سرّ من رأى و تدارك عمارتها

و فيه عن الفحّام عن النصوري عن عمّ أبيه قال:قال يوما الإمام عليّ بن محمّد عليه السّلام:

يا موسى أخرجت إلى سرّ من رأى كرها و لو أخرجت عنها أخرجت كرها،قال:قلت:و لم يا سيّدي؟

قال:لطيب هوائها و عذوبة مائها و قلّة دائها،ثمّ قال:تخرب سرّ من رأى حتّى يكون فيها خان و بقال للمارة و علامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهد من بعدي.

أقول: سرّ من رأى هي خراب و ما فيها سوى سور المشهد و هو خراب أيضا و مدارس الخلفاء،و قبل تاريخ كتابة هذه الكلمات بعامين احترق الضريح المقدّس و المحجّر و الصندوق و لم يبق في القبّة الشريفة شيء من آثار القبور.

و في هذه الأوقات أمر السلطان العادل شاه سلطان حسين شيّد اللّه قواعد ملكه و سلطانه و أفاض على الأنام بحار جوده و إحسانه أن يصنع المحجّر و الصندوق و أن يعمّر الضريح المقدّس و يتبعه إن شاء اللّه تعالى تعمير القبّة و المشهد،و لعلّه يكون إن شاء اللّه تعالى من علامات ظهور المهدوية أو استيلاء سلطان الشيعة المذكور على بغداد و ما والاها و قد كان تاريخ كتابة هذه الكلمات أوائل العام التاسع بعد المائة و الألف الهجرية (2).

[في]بصائر الدرجات،عن صالح بن سعيد قال:دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فقلت:جعلت فداك في كلّ الامور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان

ص: 461


1- -أمالي الطوسي:288،و المناقب:528/3.
2- -أمالي الطوسي:281،و المناقب:519/3.

الأشنع خان الصعاليك يعني الفقراء أو اللصوص؟

فقال:هاهنا أنت يابن سعيد ثمّ أومئ بيده،فقال:انظر فنظرت،فإذا بروضات ناضرات فيهنّ حوريّات عطرات و ولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون و أطيار و ظباء و أنهار تفور، فحار بصري،فقال:حيث كنّا فهذا لنا موجود و لسنا في خان الصعاليك (1).

و عن أبي هاشم الجعفري قال:دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فكلّمني بالهندية فلم أحسن أن أردّ عليه و كان بين يديه حصا فتناول حصاة و وضعها في فيه و مصّها مليّا ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمي،فو اللّه ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة و سبعين لسانا أوّلها الهندية (2).

و عنه أيضا قال:كنت عند أبي الحسن عليه السّلام و هو مجدر،فقلت للمتطّيب:آب گرفت ثمّ التفت إليّ و تبسّم و قال:تظنّ أنه لا يحسن الفارسية غيرك؟

فقال له المتطيّب:جعلت فداك تحسنها؟

فقال:أمّا فارسية هذا فنعم،قال لك:احتمل الجدري ماء (3).

و روى أنّ أبا هاشم الجعفري كان منقطعا إلى أبي الحسن عليه السّلام بعد أبيه أبي جعفر و جدّه الرضا عليهم السّلام فشكى إلى أبي الحسن عليه السّلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد،ثمّ قال:يا سيّدي ادع اللّه لي فربّما لم أستطع ركوب الماء فسرت إليك على الظهر و ما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه،فادع اللّه أن يقوّيني على زيارتك، فقال:قوّاك اللّه يا أبا هاشم و قوّى برذونك.

قال الراوي:كان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد و يسير على ذلك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرّ من رأى و يعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون،فكان هذا من عجيب الدلائل التي شوهدت (4).

[في]الخراج عن أبي هاشم الجعفري قال:خرجت مع أبي الحسن عليه السّلام إلى ظاهر0.

ص: 462


1- -بصائر الدرجات:426،و الأختصاص:324.
2- -المناقب:512/3،و بحار الأنوار:136/50 ح 17.
3- -الخرائج و الجرائح:675/2 ح 5،و بحار الأنوار:137/50 ح 18.
4- -الخرائج و الجرائح:672/2،و بحار الأنوار:138/50.

سرّ من رأى فطرح لأبي الحسن عليه السّلام غاشية السرج فجلس عليها و نزلت عن دابّتي فجلست بين يديه فشكوت إليه ضيق حالي فمدّ يده إلى رمل كان جالسا عليه فناولني منه كفّا و قال:

اتسع بهذا يا أبا هاشم و اكتم ما رأيت فخبأته معي و رجعنا فأبصرته فإذا هو ينقد كالنيران ذهبا أحمر،فدعوت صايغا إلى منزلي و قلت له:اسبك لي هذه السبيكة فسبكها و قال:ما رأيت ذهبا أجود من هذا و هو كهيئة الرمل،فمن أين لك هذا؟

قلت:كان عندي قديما.

و عن محمّد بن علوية قال:كان باصفهان رجل يتشيّع يقال له عبد الرحمن،فقيل له:

ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقي دون غيره من أهل الزمان؟قال:

شاهدت ما أوجب عليّ ذلك و ذلك أنّي كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين،فكنّا بباب المتوكّل يوما إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا،فقلت لبعض من حضر:من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟

فقيل:هذا رجل علوي يقول الرافضة بإمامته ثمّ قيل:إنّ المتوكّل يحضره للقتل، فأقبل راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفّين ينظرون إليه،فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شرّ المتوكّل،فأقبل يسير بين الناس لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا دائم الدعاء،فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه و قال:استجاب اللّه دعاك و طوّل عمرك و كثّر مالك و ولدك،فارتعدت و وقعت بين أصحابي فسألوني ما شأنك؟ فلم أخبر بذلك فانصرفنا إلى اصفهان ففتح اللّه عليّ وجوها من المال حتّى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى ما لي خارج داري و رزقت عشرة من الأولاد و قد بلغت الآن من عمري نيفا و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي و استجاب اللّه دعاؤه فيّ ولي (1).

أقول: قوله كان باصفهان رجل يتشيّع،يدلّ على ما تقدّم في تضاعيف هذا الكتاب من أنّ أهل اصفهان كانوا كلّهم على دين الخلاف و لم يكن بينهم أحد من الشيعة.

و قد روي أنّ رجلا من علماء الإمامية رضوان اللّه عليهم ألّف كتابا في مناقب أمير0.

ص: 463


1- -الخرائج و الجرائح:393/1،و بحار الأنوار:142/50.

المؤمنين عليه السّلام و تعهّد أنّه لا يباحث في ذلك الكتاب إلاّ في بلدة لا يوجد فيها أحد من الشيعة،فقال له أصحابه:عليك باصفهان،فأتى إليها فوجدها كما قالوا ليس فيها من يتشيّع فخاف القتل لو أظهر ذلك الكتاب،فوقع الخبر إلى أهل قم فأرسلوا من أخذه مع كتابه خوفا عليه،و أمّا الآن فبحمد اللّه اصفهان مجمع علماء الإماميّة و صلحائهم و أهل الفضل و الكمال منهم و منها انتشر العلم في أقطار الأرض و ما ذلك إلاّ بسبب الدولة الصفويّة ثبّت اللّه قواعدها إلى يوم النفخة الصوريّة.

و قد روى عنه صلّى اللّه عليه و اله:«طائفتان إذا صلحتا صلحت أمّتي و إذا فسدت فسدت أمّتي، العلماء و الأمراء» (1).

و من ثمّ ورد في صحيح الأخبار:أنّه يغفر للجاهل سبعين ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد،و ذلك أنّ العالم إذا زلّ زلّة زلّ بها عالم كثير،و إنّه يموت و آثاره من الخير و الشرّ باق إلى يوم القيامة (2).

و جاء في الحديث:«إنّ الشيطان ربّما أطال البكاء و التعزية على موت بعض العلماء، فيقول له أولاده لم تبكي على هذا و هو من العلماء؟

فيقول:إنّه كان شريكي في اغواء الناس،و من أجل هذا جاء في الرواية أنّ نوم العالم خير من عبادة العابد،و إنّه يوم القيامة يوزن مداد العلماء مع دماء الشهداء فيرجح مداد العلماء،و ذلك أنّ العابد إنّما يكون سعيه في نجاة نفسه و العالم يكون كدّه و جهده في إنقاذ الناس من النار الموجودين منهم و من سيوجد إلى يوم القيامة،و أمّا الشهيد فهو،و إن كان جهاده يدفع به غلبة الكافرين على المسلمين إلاّ أنّ معظم القصد هو حفظ الأبدان و أمّا العلماء فهم محافظون على الأديان،يمنعون الشياطين من إضلال الخلق و هلاكهم بنار اللّه الموقدة،و العلماء كما جاء في الحديث مرابطون في ثغور المسلمين يمنعون الأبالسة و الشياطين من الجنّ و الأنس من أن يدخلوا حصن الإسلام فيثلموا منه ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة كما قال عليه السّلام:«إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة»لأنّ كلّ من يأتي من العلماء فإنّما يسدّ الثلمة التي تليه،و أمّا مداد العلماء فأثره باق9.

ص: 464


1- -أمالي الصدوق:448 ح 11،و مستدرك الوسائل:253/4 ح 13.
2- -خاتمة المستدرك:247/5،و سعد السعود:89.

بعدهم،بخلاف دماء الشهداء،فمن ثمّ رجح عليه (1).

و أمّا ما جاء في الخبر من قوله صلّى اللّه عليه و اله:«علماء أمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل»، فالظاهر أنّ المراد من العلماء في الحديث الأئمّة المعصومين(صلوات اللّه عليهم)،و في ذلك الكتاب أيضا عن يحيى بن هرثمة قال:دعاني المتوكّل قال اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و أخرجوا على طريق المدينة فاحضروا علي بن محمد بن الرضا إلى عندي مكرما معظّما.

ففعلت فخرجنا،و كان في أصحابنا قائد من الشراة أي الخوارج و كان لي كاتب يتشيّع و أنا على مذهب الحشويّة و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب في الطريق،قال الشاري للكاتب:أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب أنّه ليس من الأرض بقعة إلاّ و هي قبر أو ستكون قبرا،فانظر إلى هذه التربة أين من يموت فيها حتّى يمتلي قبورا،و تضاحكنا ساعة إذا انخذل الكاتب في أيدينا و سرنا حتّى دخلنا المدينة،فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد الرضا فقرأ كتاب المتوكّل،فقال انزلوا و ليس من جهتي خلاف،فلمّا صرت إليه من الغد و كنّا في تمّوز أشد ما يكون من الحرّ،فإذا بين يديه خيّاط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه.

ثمّ قال للخيّاط:إجمع عليها جماعة من الخيّاطين و اعمد إلى الفراغ منها يومك هذا و بكّر بها إليّ في هذا الوقت،ثمّ نظر إليّ و قال:يا يحيى اقضوا و طركم من المدينة في هذا اليوم و الرحيل غدا.

فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الخفاتين و أقول في نفسي:نحن في تمّوز و الحجاز و إنّما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام:فيما يصنع بهذه الثياب؟

ثمّ قلت في نفسي:هذا رجل لم يسافر و هو يقدّر أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب و العجب من الرافضة حيث يقولون بإمامته هذه مع فهمه هذا فعدت عليه في الغد، فإذا الثياب قد أحضرت.

فقال لغلمانه:ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس.

ثمّ قال الرجل:ارحل يا يحيى.1.

ص: 465


1- -الذريعة:56/21.

فقلت في نفسي هذا أعجب من الأوّل أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتّى أخذ معه اللبابيد و البرانس فخرجت و أنا استصغر فهمه،فعبرنا حتّى وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور و ارتفعت سحابة و أسودّت و أرعدت و أبرقت حتّى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور و قد شدّ على نفسه و على غلمانه الخفاتين و لبسوا اللبابيد و البرانس.

فقال لغلمانه:ادفعوا إلى يحيى لبّادة و إلى الكاتب برنسا و يجمعنا و البرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت،و رجع الحرّ كما كان.

فقال لي:يا يحيى انزل من بقى من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك،فهكذا يملأ اللّه البريّة قبورا.

فرميت نفسي عن دابتي و عدت إليه،فقبّلت ركابه و رجله و قلت:أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله و أنّكم خلفاء اللّه في أرضه،و قد كنت كافرا و إنّي الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي.

قال يحيى:و تشيّعت و لزمت خدمته إلى أن مضى (1).

و روى هبة اللّه الموصلي أنّه كان بدار ربيعة كاتب نصراني يسمّى يوسف بن يعقوب فوافى منزل والدي لصداقة بينهما،فقال له:ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟

قال:دعيت إلى حضرة المتوكّل و لا أدري ما يراد منّي إلاّ أنّي أشتريت نفسي من اللّه بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن الرضا.

فقال له والدي:قد وفّقت في هذا،و خرج إلى حضرة المتوكّل و انصرف إلينا بعد أيام مستبشرا.

فقال له والدي:حدّثني حديثك،قال:سرت إلى سرّ من رأى و ما دخلتها قط،فنزلت في دار و قلت:أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى باب المتوكّل،فعرفت أنّ المتوكّل قد منعه من الركوب،فقلت:كيف أصنع،رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا،فخفت ففكّرت فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه من حيث يذهب،لعليّ أقف على داره من غير أن أسأل أحدا فجعلت الدنانير في كاغذه في كمي0.

ص: 466


1- -الثاقب في المناقب:552،و بحار الأنوار:143/50.

و ركبت،فكان الحمار يتخرّق الشوارع و الأسواق إلى أن صرت إلى باب دار فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل،فقلت للغلام:سل لمن هذه الدار؟فقيل:هذه دار ابن الرضا، فقلت:اللّه أكبر دلالة و اللّه مقنعة،قال:و إذا خادم أسود،فقال:أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت:نعم،قال:انزل فأقعدني في الدهليز فدخل،فقلت:هذا دلالة اخرى من أين عرف هذا الغلام اسمي،ثمّ خرج الخادم،فقال:المائة دينار التي في كمّك في الكاغذ هاتها فناولته إيّاها،قلت؛و هذه ثالثة ثمّ رجع إليّ و قال:ادخل فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده.

قال عليه السّلام:يا يوسف،ما آن لك؟فقلت:يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية، فقال عليه السّلام:هيهات أنّك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا،يا يوسف إنّ أقواما يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم كذبوا و اللّه إنّها تنفع أمثالك،امض فيما وافيت له فإنّك سترى ما تحبّ،قال:فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت:فنلت أردت فانصرفت.

قال هبة:فلقيت ابنه بعد موت والده و اللّه و هو مسلم حسن التشيّع،فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانية و أنّه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول:أنا بشارة مولاي عليه السّلام (1).

و روى أبو القاسم البغدادي عن زرارة حاجب المتوكّل أنّه قال:وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكّل يلعب بلعب الحقّ لم ير مثله و كان المتوكّل لعّابا،فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا،فقال لذلك الرجل:إن أنت خجلته أعطيك ألف دينار،قال:تقدّم بأن تخبز رقاق خفاف و اجعلها على المائدة،و أقعدني إلى جنبه ففعل،و أحضر علي بن محمّد عليه السّلام و كانت له مسورة عن يساره كان عليها صورة أسد و جلس اللاّعب إلى جنب المسورة فمدّ علي بن محمّد عليه السّلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلى اخرى فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلى اخرى فطيّرها فتضاحك الناس،فضرب علي بن محمّد عليه السّلام على تلك الصورة.

فقال عليه السّلام:خذه فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل و عادت في المسورة كما كانت فتحيّر الجميع و نهض علي بن محمّد عليه السّلام فقال له المتوكّل:سألتك إلاّ جلست ورددته،فقال:و اللّه لا يرى بعدها،أتسلّط أعداء اللّه على أولياء اللّه و خرج من عنده0.

ص: 467


1- -الخرائج و الجرائح:397/1،و بحار الأنوار:145/50.

فلم ير الرجل بعد (1).

و عن زرارة حاجب المتوكّل قال:أراد المتوكّل أن يمشي علي بن محمّد الرضا عليه السّلام فقال له وزيره:إنّ في هذا شناعة عليك فلا تفعل،قال:لابدّ من هذا،قال:فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد و الأشراف كلّهم حتّى لا يظنّ الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره ففعل و مشى عليه السّلام و كان الصيف،فوافى الدهليز و قد عرق فأجلسته و مسحت وجهه بمنديل و قلت:ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تغضب عليه،فقال:إيها عنك أي اسكت و كفّ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (2).

قال زرارة:و كان عندي معلّم يتشيّع و كنت كثيرا امازحه بالرافضي،فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء و قلت:تعال يا رافضي حتّى أحدّثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم، قال لي:و ما سمعت؟فأخبرته بما قال.

فقال:أقول لك فاقبل نصيحتي قلت:هاتها،قال:إن كان علي بن محمّد قال بما قلت فاحترز و اخزن كلّ ما تملكه فإنّ المتوكّل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيّام،فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يديّ فخرج،فلمّا خلوت بنفسي تفكّرت و قلت:ما يضرّني أن آخذ بالحزم،فركبت إلى دار المتوكّل فأخرجت كلّ ما كان لي فيها و فرّقت كلّما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم و لم أترك في داري سوى حصيرا أقعد عليه،فلمّا كانت الليلة الرابعة قتل المتوكّل و سلمت أنا و مالي و تشيّعت عند ذلك فصرت إليه و لزمت خدمته و سألته أن يدعو لي و تواليته حقّ الولاية (3).

و في ذلك الكتاب أيضا عن أبي القاسم بن القاسم عن خادم علي بن محمّد عليه السّلام قال:كان المتوكّل يمنع الناس من الدخول إلى علي بن محمّد فخرجت يوما و هو في دار المتوكّل فإذا جماعة من الشيعة جلوس خلف الدار،فقلت:ما شأنكم؟قالوا:ننتظر مولانا لنسلّم عليه،فقلت لهم:إذا رأيتموه تعرفونه؟قالوا:كلّنا نعرفه،فلمّا وافى قاموا و سلّموا عليه و نزل فدخل داره و أرادوا الانصراف فقلت؛أليس قد رأيتم مولاكم؟قالوا:نعم،قلت:1.

ص: 468


1- -بحار الأنوار:146/50 ح 30.
2- -سورة هود:65.
3- -الخرائج و الجرائح:402/1.

فصفوه،فقال واحد:هو شيخ أبيض الرأس أبيض مشرب بحمرة و قال آخر:لا تكذب ما هو إلاّ أسود أسمر اللحية و قال الآخر:لا لعمري ما هو كذلك هو كهل ما بين البياض و السمرة،فقلت:أليس زعمتم أنّكم تعرفونه انصرفوا في حفظ اللّه (1).

أقول: هذا يوضح ما تقدّم غير مرّة في هذا الكتاب من أنّهم صلوات اللّه عليهم يظهرون على الناس بالصور المختلفة بما يناسب أحوال الناس و تحتمله عقولهم لحكم و مصالح لا تبلغها عقولنا.

و عن أحمد بن هارون قال:كنت جالسا أعلّم غلاما من غلمانه في مفازة داره إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السّلام راكبا على فرس له،فقمنا إليه فسبقنا فنزل قبل أن ندنوا منه فأخذ عنان فرسه بيده فعلّقه في طنب من أطناب الخيمة و أقبل يسألني عن انصرافي إلى المدينة متى يكون و أنّه أراد أن يكتب معي كتابا إلى بعض التجّار فأرسل غلاما يأتيه بالدواة و القرطاس، فلمّا غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه،فقال له بالفارسية:ما هذا القلق؟فصهل الثانية فضرب بيده،فقال له بالفارسية:اقلع فامض إلى ناحية البستان و بل هناك ورث و ارجع وقف مكانك،فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه ثمّ مضى إلى ناحية البستان حتّى لا نراه في ظهر الخيمة فبال وراث و عاد إلى مكانه فدخلني من ذلك ما اللّه به عليم و وسوس الشيطان في قلبي،فقال:يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت إنّ ما أعطى اللّه محمّدا و آل محمّد أكثر ممّا أعطى داود و آل داود.

قلت:صدق ابن رسول اللّه فما قال لك و ما قلت له فقد فهمته فقال:قال لي الفرس:

قم فاركب إلى البيت حتّى تفرغ عنّي،قلت:ما هذا القلق،قال:قد تعبت،قلت:لي حاجة اريد أن أكتب كتابا إلى المدينة،فإذا فرغت ركبتك قال:إنّي اريد أن أروث و أبول و أكره أن أفعل ذلك بين يديك،فقلت:اذهب إلى ناحية البستان فافعل ما أردت ثمّ عد إلى مكانك ففعل الذي رأيت،الحديث (2).

أقول: في هذا الحديث دلالة على أنّ الحيوانات لها شعور و كلام و لغة يفهم بعضها من بعض و أنّ لها نفوسا ناطقة كما ذهب إليه قدماء الحكماء و الأخبار الصحيحة صريحة به.7.

ص: 469


1- -الخرائج و الجرائح:403/1،و بحار الأنوار:148/50.
2- -الخرائج و الجرائح:409/1،و مدينة المعاجز:480/7.

و عن محمّد بن الفرج قال:قال لي عليّ بن محمّد عليه السّلام:إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك و دعه ساعة ثمّ اخرجه و انظر قال:ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا فيه (1).

و في كتاب الوسائل للكليني:عمّن سمّاه قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أنّ الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي إلى ربّه،قال:فكتب إن كان لك حاجة فحرّك شفتيك فإنّ الجواب يأتيك (2).

[في]الخرائج:روي أنّ المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر و هم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى أن يملأ كلّ واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر و يجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك ففعلوا،فلمّا صار مثل الجبل العظيم و اسمه تلّ المخالي صعد فوقه و استدعى أبا الحسن عليه السّلام و استصعده و قال:استحضرتك لنظارة خيولي و قد كان أمرهم أن يلبسوا التخافيف و يحملوا الأسلحة و قد عرضوا بأحسن زينة و أتمّ عدّة و أعظم هيبة و كان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه و كان خوفه من أبي الحسن عليه السّلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج إلى الخليفة،فقال له أبو الحسن عليه السّلام:

و هل أعرض عليك عسكري؟قال:نعم،فدعى اللّه سبحانه فإذا بين السماء و الأرض من المشرق و المغرب ملائكة لابسون الصلاح فغشي على الخليفة،فلمّا أفاق قال له أبو الحسن عليه السّلام:نحن لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظنّ (3).

أقول: توهّم بعضهم من هذا الحديث أنّه عليه السّلام سمّي العسكري لهذا و هو توهّم فاسد، لأنّ النسبة سابقة على هذا و هي حكاية عن أبي الحسن وحده و النسبة إليه و إلى ابنه عليه السّلام.

و روى أبو محمّد البصري عن ابن العبّاس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمّد قال:كنّا أجرينا ذكر أبي الحسن عليه السّلام فقال لي:يا أبا محمّد لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب على أخي و على أهل هذا القول بالذمّ و الشتم إلى أن كنت بالوفد الذين أوفد المتوكّل0.

ص: 470


1- -الخرائج و الجرائح:419/1،و بحار الأنوار:155/50 ح 41.
2- -بحار الأنوار:155/50 ح 42.
3- -الخرائج و الجرائح:415/1 ح 19،و بحار الأنوار:156/50.

إلى المدينة في إحضار أبي الحسن،فلمّا خرج و صرنا في بعض الطريق طوينا المنزل و كان منزلا صايفا شديد الحرّ فسألناه أن ينزل.

فقال:لا،فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب فلمّا اشتدّ الحرّ و الجوع و العطش و نحن إذ ذلك في ملساء لا نرى شيئا و لا ظلاّ و لا ماء فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه،قال:ما لكم أحسبكم جياعا و قد عطشتم؟

فقلنا:إي و اللّه يا سيّدي قد عيينا قال:انزلوا و كلوا و اشربوا فتعجّبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه و لا نرى ماء و لا ظلاّ فقالوا:ما لكم انزلوا فابتدرت إلى القطار لأنج فإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظلّ تحتهما عالم من الناس و إنّي لأعرف موضعهما أنّه أرض براح قفر و إذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء و أبرده فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا،و أنّ فينا من سلك ذلك الطريق مرارا فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب و جعلت أحد النظر إليه و إذا نظرت إليه تبسّم و زوى وجهه عنّي،فقلت في نفسي:و اللّه لأعرفنّ هذا كيف هو؟فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي و وضعت عليه حجرين و تغوّطت في ذلك الموضع و تهيّأت للصلاة،فقال أبو الحسن:استرحتم؟قلنا:

نعم.

قال:فارتحلوا على اسم اللّه فارتحلنا،فلمّا أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فرأيت الموضع فوجدت الأثر و السيف كما وضعت و العلامة و كأنّ اللّه لم يخلق ثمّ شجرة و لا ماء و لا ظلالا و لا بللا فتعجّبت من ذلك و رفعت يدي إلى السماء فسألت اللّه الثبات على المحبّة و الإيمان به و المعرفة منه و أخذت الأثر فلحقت القوم،فالتفت لي أبو الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا العبّاس فعلتها؟قلت:نعم يا سيّدي لقد كنت شاكّا و أصبحت أنا عند نفسي من أغنى الناس في الدّنيا و الآخرة قال:هو كذلك هم معدودون معلومون لا يزيد رجل و لا ينقص (1).

أقول: المراد أنّ شيعتنا معدودون عندنا مكتوبة أسماءهم في كتاب لا يزيدون و لا ينقصون و أنّك كنت منهم،و أمّا أنّ الشيطان أوقعك في الشكّ زمانا ثمّ رجعت إلى ما كنت عليه،فلا يقدح في كونك من الشيعة كما روي في الأخبار.

و في كتاب المناقب:قال أبو عبد اللّه الزيادي:لمّا سمّ المتوكّل نذر للّه إن رزقه العافية0.

ص: 471


1- -الخرائج و الجرائح:416/1،و بحار الأنوار:157/50.

أن يتصدّق بمال كثير،فلمّا عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه:إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك؟قال:عشرة آلاف درهم و إلاّ ضربتك مائة مقرعة،قال:قد رضيت فأتى أبا الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك فقال:قل له يتصدّق بثمانين درهما،فأخبر المتوكّل فسأله ما العلّة؟فأتاه فسأله قال:إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (1)فعددنا مواطن رسول اللّه فبلغت ثمانين موطنا فرجع إليه فأخبره ففرح و أعطاه عشرة آلاف درهم (2).

و قال المتوكّل لابن السكيت:سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال:لم بعث اللّه موسى بالعصا و اليد البيضاء و بعث عيسى بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى و بعث محمّدا بالقرآن و السيف؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:بعث اللّه موسى بالعصا و اليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر،فأتاهم من ذلك ما قهرهم و بهرهم و أثبت الحجّة عليهم.و بعث عيسى بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى بإذن اللّه في زمان الغالب على أهله الطبّ فأتاهم من إبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى بإذن اللّه فقهرهم و بهرهم.

و بعث محمّدا بالقرآن و السيف في زمان الغالب على أهله السيف و الشعر فأتاهم من القرآن الزاهر و السيف القاهر ما بهر به شعرهم و بهر سيفهم و أثبت الحجّة به عليهم.

قال ابن السكيت:فما الحجّة الآن؟قال:العقل يعرف به الكاذب على اللّه فيكذب فقال يحيى بن أكثم:ما لابن السكيت و مناظرته و إنّما هو صاحب نحو و شعر و لغة و رفع قرطاسا فيه مسائل،فأملى علي بن محمّد عليه السّلام على ابن السكيت جوابها و أمره أن يكتب:

سألت عن قول للّه تعالى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ (3)فهو آصف بن برخيا و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف و لكنّه أحبّ أن يعرّف امّته من الجنّ و الإنس أنّه الحجّة من بعده و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر اللّه ففهمه ذلك لئلاّ يختلف في إمامته و ولايته من بعده و لتأكيد الحجّة على الخلق،ثمّ ذكر مسائل كثيرة و الجواب عنها.0.

ص: 472


1- -سورة التوبة:25.
2- -المناقب:506/3،و بحار الأنوار:162/50.
3- -سورة النمل:40.

ثمّ قال يحيى بن أكثم للمتوكّل:ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي فإنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها و في ظهور علمه تقوية للرافضة (1).

و روى جعفر بن رزق اللّه قال:قدم إلى المتوكّل رجل نصراني فجرّ بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم،فقال يحيى بن أكثم:الإيمان يمحو ما قبله،و قال بعضهم:يضرب ثلاثة حدود،فكتب المتوكّل إلى علي بن محمّد يسأله،فلمّا قرأ الكتاب كتب:«يضرب حتّى يموت»فأنكر الفقهاء ذلك،فكتب إليه يسأله عن العلّة فقال: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ (2)السورة.فأمر المتوكّل، فضرب حتّى مات (3).

[في]كشف الغمة قال محمّد بن طلحة:خرج عليه السّلام يوما من سرّ من رأى إلى قرية فجاء إليه رجل من الأعراب و قال:أنا رجل من أعراب الكوفة المستمسكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب عليه السّلام و قد ركبني دين فادح،فقال عليه السّلام:طب نفسا فأنزله،فلمّا أصبح قال عليه السّلام له:اريد منك حاجة لا تخالفني فيها قال:لا،فكتب عليه السّلام ورقة بخطّه معترفا فيها أنّ عليه للأعرابي مالا عيّنه فيها يرجح على دينه،فقال:خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سرّ من رأى احضر إليّ و عندي جماعة فطالبني به و أغلظ القول عليّ في ترك إبقائك إيّاه،فقال:

أفعل و أخذ الخط فلمّا وصل أبو الحسن عليه السّلام إلى سرّ من رأى و حضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر ذلك الرجل و أخرج الخطّ و طالبه و قال كما أوصاه فألان أبو الحسن عليه السّلام القول له و وعده بالوفاء فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكّل،فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن عليه السّلام ثلاثون ألف درهم،جاء الرجل فحملت إليه فقال:اقض منه دينك و انفق الباقي على عيالك و اعذرنا،فقال الأعرابي:و اللّه يابن رسول اللّه إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا و لكنّ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته،و أخذ المال و انصرف (4).

[في]عيون المعجزات عن أبي جعفر بن حرير الطبري عن عبد اللّه بن محمّد البلوي3.

ص: 473


1- -المناقب:509/3،و بحار الأنوار:172/50.
2- -سورة غافر:84.
3- -الكافي:238/7 ح 2،و بحار الأنوار:172/50.
4- -كشف الغمة:167/3.

عن هاشم بن زيد قال:رأيت علي بن محمّد صاحب العسكر و قد أتي بأكمه فأبراه و رأيته يهيّىء من الطين كهيئة الطير و ينفخ فيه فيطير،فقلت له:لا فرق بينك و بين عيسى عليه السّلام فقال:أنا منه و هو منّي (1).

و عن محمّد بن سنان الرامزي رفع اللّه درجته قال:كان أبو الحسن علي بن محمّد عليه السّلام حاجّا و لمّا كان في انصرافه إلى المدينة وجد رجلا خراسانيا واقفا على حمار له ميّت يبكي و يقول:على ماذا أحمل رحلي فاجتاز به عليه السّلام فقيل له:هذا الرجل الخراساني ممّن يتولاّكم أهل البيت فدنا عليه السّلام من الحمار الميّت،فقال:لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم على اللّه تعالى منّي و قد ضربوا ببعضها الميّت فعاش ثمّ ركزه برجله اليمنى و قال:قم بإذن اللّه،فتحرّك الحمار ثمّ قام فوضع الخراساني رحله عليه و أتى به المدينة و كلّما مرّ عليه السّلام أشاروا إليه بإصبعهم و قالوا:هذا الذي أحيا حمار الخراساني (2).

و روي أنّ رجلا من أهل المدائن كتب إليه يسأله عمّا بقي من ملك المتوكّل فكتب عليه السّلام قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ (3)،فقتل في أوّل الخامس عشر (4).3.

ص: 474


1- -مدينة المعاجز:458/7،و عيون المعجزات:120.
2- -بحار الأنوار:185/50 ح 63.
3- -سورة يوسف:49.
4- -مدينة المعاجز:461/7 ح 46،و بحار الأنوار:186/50 ح 63.

الفصل الثاني

اشارة

فيما جرى بينه و بين الخلفاء و تاريخ وفاته

و أحوال أصحابه و أهل زمانه

[في]اعلام الورى عن الحسين بن محمّد،قال:كان لي صديق مؤدّب لولد بغا،فقال لي:قال لي الأمير عند منصرفه من دار الخليفة:حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون ابن الرضا اليوم و دفعه إلى علي بن كركر فسمعته يقول:أنا أكرم على اللّه من ناقة صالح تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ و ليس يفصح بالآية و لا بالكلام أي شيء هنا؟ قال:قلت:أعزّك اللّه توعدا انظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام،فلمّا كان من الغد أطلقه و اعتذر إليه،فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز و يغلون و تامش و جماعة معهم فقتلوه و أقعدوا المنتصر ولده خليفة (1).

[في]المناقب أبو محمّد الفحّام قال:سأل المتوكّل بن الجهم:من أشعر الناس؟فذكر شعراء الجاهلية و الإسلام،ثمّ إنّه سأل أبا الحسن عليه السّلام،فقال:الحماني حيث يقول شعر:

لقد شاعرتنا من قريش عصابة *** بمطّ خدود و امتداد أصابع

فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا *** شهيد بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا *** عليهم جهير الصوت في كلّ جامع

فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا *** و نحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال:و ما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،جدّي أم جدّك؟فضحك المتوكّل ثمّ قال:هو جدّك لا ندفعك عنه (2).

ص: 475


1- -أعلام الورى:122/2،و بحار الأنوار:189/50.
2- -المناقب:510/3،و بحار الأنوار:190/50 ح 2.

[عن]الكشي،عن ابن مشمون قال:خرج أبو محمّد عليه السّلام في جنازة أبي الحسن عليه السّلام و قميصه مشقوق،فكتب إليه ابن عون الأبرش:من رأيت أو بلغك من الأئمّة شقّ ثوبه في مثل هذا،فكتب إليه أبو محمّد عليه السّلام:يا أحمق و ما يدريك ما هذا قد شقّ موسى على هارون (1).

و في كتاب المصباح عن أبي هاشم القمّي قال:توفّي أبو الحسن علي بن محمّد صاحب العسكر عليه السّلام يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له إحدى و أربعون سنة (2).

و عن الصقر الكرخي قال:سألت عن الحسن العسكري عليه السّلام فقلت:يا سيّدي حديث يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لا أعرف معناه،قال:و ما هو؟قال:قلت:قوله:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم،فقال:نعم،الأيّام نحن ما قامت السماوات و الأرض،فالسبت اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السّلام و الاثنين الحسن و الحسين و الثلاثاء عليّ بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و الأربعاء موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمّد بن علي و أنا و الخميس ابني الحسن بن علي و الجمعة ابن ابني تجمع عصابة الحقّ و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فهذا معنى الأيّام فلا تعادوهم في الدّنيا فيعادوكم في الآخرة (3).

تحقيق في هذا الباب

أقول: هذا الحديث روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الناس لا يفهمون إلاّ ظاهره حتّى فسّره العسكري عليه السّلام و هذا ينافي ما تقرّر في الاصول و برهن عليه من أنّ الحكيم لا يجوز أن يخاطب بما لا يفهم و لا يراد ظاهره إلاّ بالقريبة المفهمة لمعناه،و ثبت أيضا أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز أيضا و قد تضمّن حكما شرعيا و هو النهي عن المعاداة فكيف جاز تأخيره من أعصار النبوّة إلى آخر أعصار الإمامة،و من هذا الباب كثير من الأخبار و بعض

ص: 476


1- -بحار الأنوار:191/50 ح 3،و الأنوار البهية:299.
2- -بحار الأنوار:192/50 ح 5.
3- -مستدرك سفينة البحار:623/10،و أدب الضيافة:175.

أهل الحديث لمّا نظر إلى ما قلناه طعن في الحديث و قال:إنّه من الموضوعات لكن لمّا كان مشهورا بين الناس خصوصا العامّة طلب له عليه السّلام طويلا يخرجه عن الكذب و لم يصرّح بوضعه إمّا للتقية أو لغيرها من الحكم،و جعل من هذا الباب كثيرا من الأحاديث و أيّد هذا بما روى في يوم الاثنين من أنّه عيد بني اميّة و في الأربعاء لا تدور إلى غير ذلك ممّا يجوز معاداة الأيّام،فيكون معارضة لحديث:«لا تعادوا الأيّام فتعاديكم»،و الأولى عندي في هذا المقام هو أن نقول:إنّه ورد في الأخبار أنّ كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مثل القرآن له ظاهر و باطن و محكم و متشابه و عام و خاصّ و مطلق و مقيّد و ناسخ و منسوخ و مجمل و مبيّن إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة،فقوله صلّى اللّه عليه و اله:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم،و أمثاله لا نحكم عليه بالوضع،لأنّ فتح هذا الباب يؤدّي إلى طرح كثير من الأخبار بل نقول:إنّ الحديث له ظاهر و له باطن،فالظاهر هو المفهوم المراد من ظاهر اللفظ و يكون معناه أنّ معاداة الأيّام كما يفعله أهل النجوم و مقلّدوهم يصير باعثا على التضرّر و وقوعه في ذلك الأيّام و ذلك أنّ القوّة الوهمية إذا قدمت على أمر تخافه و يتوهّم منه الضرر جريا على امور العادات من تأثّر النفوس من الامور التي يتوهّم منها كما يشاهد فيمن توهّم من فعل شيء و القمر في العقرب مثلا و فعله فإنّ في الغالب أنّه يتضرّر به،و أمّا من قويت نفسه في التوكّل الإلهي فإنّه لا يتأذّى بأمر من تلك الامور و حينئذ فما ذكره أبو الحسن عليه السّلام من معنى الحديث هو تأويله و باطنه و يرشد إليه أنّ صاحب كتاب الخرائج رواه عن ابن أورمة هكذا قلت لأبي الحسن عليه السّلام حديث رسول اللّه:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم؟

قال:نعم إنّ لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تأويلا،أمّا السبب فرسول اللّه إلى آخره،فقوله:

تأويلا،يعني باطنا فكأنّه هذا و هو لا ينافي إرادة الظاهر كما هو الجاري في آيات القرآن فاجعل هذا قانونا لك و اعمل عليه في كلّما يرد عليك من أشباهه.

[في]الخرائج،روى أبو سعيد سهل بن زياد قال:حدّثنا أبو العبّاس فضل بن أحمد الكاتب و نحن في داره بسامرة فجرى ذكر أبي الحسن،فقال:يا أبا سعيد إنّي احدّثك بشيء حدّثني به أبي قال:كنّا مع المعتزّ و كان أبي كاتبه فدخلنا الدار فإذا المتوكّل على سريره قاعد،فسلّم المعتزّ و وقف و وقفت خلفه و كان عهدي به إذا دخل رحّب به و يأمره بالقعود فأطال القيام و هو لا يأذن له بالقعود و نظرت إلى وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة و يقبل على

ص: 477

الفتح بن خاقان و يقول هذا الذي فيه ما تقول و يردّد القول و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب عليه يا أمير المؤمنين و هو يتلظّى و يقول:و اللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق و هو يدّعي الكذب و يطعن في دولتي ثمّ قال:جئني بأربعة من الخزر فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن و يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه و هو يقول:و اللّه لأحرقنّه بعد القتل،فدخل أبو الحسن و بادر الناس قدّامه و قالوا:

قد جاء،فنظرت فإذا شفتاه يتحرّكان و هو غير مكروب و لا جازع فلمّا بصر به المتوكّل رمى بنفسه عن السرير إليه و انكبّ عليه يقبل بين عينيه و يده و سيفه بيده و هو يقول:يا سيّدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يابن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن،و أبو الحسن يقول:أعيذك يا أمير المؤمنين باللّه من هذا،فقال:ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟قال:جاءني رسولك قال:كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيّدي[من حيث جئت] (1).

يا فتح!يا عبيد اللّه!يا معتزّ شيّعوا سيّدكم و سيّدي،فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّدا مذعنين،فلمّا خرج دعاهم المتوكّل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون،ثمّ قال لهم:لم لم تفعلوا ما أمرتم؟قالوا:هيبة منه رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأمّلهم فمنعنا ذلك عمّا أمرت به و امتلأت قلوبنا من ذلك،فقال المتوكّل:يا فتح هذا صاحبك،و ضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه و قال:الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أنا رجحته (2).7.

ص: 478


1- -زيادة من المصدر.
2- -الخرائج و الجرائح:418/1،و مدينة المعاجز:490/7.

دواء المتوكّل و نذر امّه

[في]اعلام الورى،عن إبراهيم الطاهري قال:مرض المتوكّل من خراج خرج به فأشرف منه على التلف فلم يجرؤ أحد أن يمسّه بحديدة،فنذرت امّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمّد مالا جليلا من مالها و قال الفتح بن خاقان:لو بعثت إلى أبي الحسن فسألته فإنّه ربّما عنده صفة شيء يفرّج اللّه به عنك.

قال:ابعثوا إليه،فمضى الرسول و رجع و قال:خذوا كسب الغنم يعني بعرها المتلبّد فديفوه بماء ورد وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن اللّه،فجعل من بحضرته يهزء من قوله فقال لهم الفتح:و ما يضرّ من تجربة ما قال،فو اللّه إنّي لأرجو الصلاح به فعمل و وضع على الخراج فانفتح و خرج ما كان فيه و بشّرت امّ المتوكّل بعافيته،فحملت إلى أبي الحسن عشرة آلاف دينار تحت ختمها و عوفي المتوكّل فلمّا كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن إلى المتوكّل فقال:عنده سلاح و أموال فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه و يأخذ ما يجد عنده من الأموال و السلاح و يحمل إليه.

فقال الحاجب:صرت إلى دار أبي الحسن بالليل و معي سلّم فصعدت منه على السطح و نزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلم فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن من الدار:يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة،فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة من صوف و قلنسوة منها و سجّادة على حصير بين يديه و هو مقبل على القبلة،فقال لي:دونك البيوت،فدخلتها و فتّشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم امّ المتوكّل و كيسا مختوما معها.

فقال عليه السّلام:دونك المصلّى فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس فأخذت ذلك و صرت إليه،فلمّا نظر إلى خاتم امّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة فأخبرت أنّها قالت له:كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي على الكيس و فتح الكيس الآخر و كان فيه أربعمائة دينار

ص: 479

فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرّة اخرى،و قال لي:احمل ذلك إلى أبي الحسن و اردد عليه السيف و الكيس بما فيه،فحملت ذلك إليه و استحييت منه و قلت:يا سيّدي عزّ عليّ دخول دارك بغير إذنك و لكنّي مأمور به،فقال لي: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (1)(2).

[في]المناقب،عن أبي شعيب الحنّاط قال:كانت زينب الكذّابة تزعم أنّها بنت علي بن أبي طالب فأحضرها المتوكّل و قال:اذكري نسبك،فقالت:أنا زينب بنت علي و أنّها كانت حملت إلى الشام فوقعت إلى بادية من بني كلب فأقامت بين ظهرانيهم،فقال لها المتوكّل:إنّ زينب بنت علي قديمة و أنت شابّة.

فقالت:لحقتني دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأن يردّ شبابي في كلّ خمسين سنة،فدعى المتوكّل وجوه آل أبي طالب،فقال:كيف يعلم كذبها؟

فقال الفتح:لا يخبرك بهذا إلاّ ابن الرضا،فأمر بإحضاره و سأله فقال عليه السّلام:إنّ في ولد عليّ علامة قال:و ما هي؟

قال:لا تعرض لهم السباع فالقها إلى السباع فإن لم تعرض لها فهي صادقة،فقالت:يا أمير المؤمنين اللّه اللّه فيّ فإنّما أراد قتلي و ركبت الحمار و جعلت تنادي ألا أنّني زينب الكذّابة (3).

و في رواية أنّه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسّباع فأكلتها،فقال علي بن الجهم:جرّب هذا على قائله،فاجيعت السباع ثلاثة أيّام ثمّ دعى الإمام عليه السّلام فلمّا رأته لاذت و تبصبصت بأذانها فلم يلتفت الإمام إليها و صعد السقف و قعد عند المتوكّل ثمّ نزل من عنده و السباع تلوذ به و تبصبص حتّى خرج عليه السّلام و قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:حرّم لحوم أولادي على السباع (4).

أقول: ظاهر الرواية أنّ لحوم الذرّية العلوية حرام على جميع السباع و ما سمعنا و لا رأينا السباع أكلت لحم علويّ أو حسيني أو حسني و إن تعرّضت لواحد أو لاثنين بجرح3.

ص: 480


1- -أعلام الورى:121/2،و الخرائج و الجرائح:678/2.
2- -سورة الشعراء:227.
3- -المناقب:518/3،و بحار الأنوار:204/50 ح 14.
4- -المناقب:518/3.

و نحوه و إن كان فيه زهاق الروح.

و قال أبو جنيد:أمرني أبو الحسن العسكري عليه السّلام بقتل فارس بن حاتم القزويني فناولني دراهم و قال:اشتر بها سلاحا و اعرضها عليّ فاشتريت سيفا فعرضته عليه،فقال:

ردّ هذا و خذ غيره قال:و رددته و أخذت مكانه ساطورا فعرضته عليه،فقال:هذا نعم فجئت إلى فارس و قد خرج من المسجد بين صلاتيّ المغرب و العشاء فضربته على رأسه فسقط ميّتا و رميت الساطور و اجتمع الناس و أخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري فلم يروا معي سلاحا و لا سكّينا و لا أثر الساطور و لم يروا بعد ذلك فخلّيت (1).

أقول: كان فارس القزويني وضّاعا للحديث.

و في المناقب في آخر ملك المعتمد:استشهد مسموما و قال ابن بابويه:و سمّه المعتزّ (2).

و في أدعية شهر رمضان:و ضاعف العذاب على من أشرك في دمه و هو المتوكّل (3).

[في]اعلام الورى:قبض عليه السّلام بسرّ من رأى في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له أحد و أربعون سنة و أشهر،و كان المتوكّل أشخصه من المدينة إلى سرّ من رأى فأقام بها حتّى مضى لسبيله.

و كانت مدّة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة كان في أيّام إمامته بقيّة ملك المعتصم ثمّ الملك الواثق خمسين سنة و سبعة أشهر ثمّ الملك المتوكّل أربع عشرة سنة ثمّ ملك المنتصر أشهرا ثمّ ملك المستعين أحمد بن محمّد بن المعتصم سنتين و تسعة أشهر ثمّ ملك المعتزّ و هو الزبيري المتوكّل ثمان سنين و ستّة أشهر.و في آخر ملكه استشهد وليّ اللّه علي بن محمّد عليه السّلام و دفن بداره،و كان مقامه بسرّ من رأى عشرين سنة و أشهرا (4).

و قال المسعودي في مروج الذهب:إنّ المتوكّل أحضر علي بن محمّد عليه السّلام و كأس الشراب في يده،فقال له:انشدني شعرا،فقال عليه السّلام:إنّي قليل الرواية للشعر،فقال:لابدّ،3.

ص: 481


1- -مدينة المعاجز:508/7 ح 83.
2- -المناقب:506/3،و بحار الأنوار:114/50 ح 2.
3- -بحار الأنوار:216/27.
4- -أعلام الورى:109/2،و كشف الغمة:169/3.

فأنشده شعرا:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم *** و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارح من بعد دفنهم *** أين الأساور و التيجان و الحلل

أين الوجوه التي كانت منعّة *** من دونها تضرب الأستار و الكلل

فأفصح القبر عنها حين سائله *** تلك الوجوه عليها الدود تقتتل

قد طال ما أكلوا قدما و قد شربوا *** و أصبح اليوم بعد الأكل قد اكلوا

قال:فبكى المتوكّل حتّى بلّت لحيته دموع عينيه،و بكى الحاضرون و دفع إلى عليّ عليه السّلام أربعة آلاف دينار وردّه إلى منزله مكرّما (1).

[في]كتاب الاستدراك عن البختري قال:كنت بحضرة المتوكّل إذ دخل عليه رجل من أولاد محمّد بن الحنفية حلو العينين حسن الثياب فوقف بين يديه و المتوكّل مقبل على الفتح يحدّثه،فلمّا طال وقوف الفتى بين يديه و هو لا ينظر إليه قال له:يا أمير المؤمنين إن [كنت قد] (2)أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب و إن كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا،فقال له المتوكّل:و اللّه يا حنفي لولا ما يثنيني عليك من اوصال الرحم و يعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك بيدي و لفرّقت بين رأسك و جسدك،و لو كان بمكانك محمّد أبوك،ثمّ التفت إلى الفتح فقال:أما تراه ما تلقاه من آل أبي طالب،اما حسني يجذب إلى نفسه تاج عزّ نقله اللّه إلينا أو حسينيّ يسعى في بعض ما أنزله اللّه إلينا أو حنفي يدلّ بجهله أسيافنا على سفك دمه.

فقال له الفتى:و أي حلم تركته لك الخمور و إدمانها أم العيدان و فتيانها و متى عطفك الرحم على أهلي و قد ابتززتهم فدكا إرثهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فورثها أبو حرملة،و أمّا ذكرك محمّد أبي فقد طفقت تضع من عزّ رفع اللّه و رسوله و تطاول شرفا تقصر عنه و لا تطوله، فأنت كما قال الشاعر،شعر:

فغض الطرف إنّك من نمير *** فلا كعبا بلغت و لا كلابار.

ص: 482


1- -بحار الأنوار:211/50،و مستدرك الوسائل:180/13 ح 14.
2- -زيادة من المصدر.

ثمّ ها أنت تشكو إلى ملجأك هذا ما تلقاه من الحسنيّ و الحسينيّ و الحنفيّ فلبئس المولى و لبئس العشير،ثمّ مدّ رجله و قال:هاتان رجلاي لقيدك و هذه عنقي لسيفك فبوء بظلمي و تحمل ظلمي فليس هذا أوّل مكروه أوقعته أنت و سلفك بهم،يقول اللّه تعالى:

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (1) فو اللّه ما أجبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن مسألته و لقد عطفت بالمودّة على غير قرابته فعمّا قليل ترد الحوض فيذودك أبي و يمنعك جدّي صلوات اللّه عليهما،فبكى المتوكّل ثمّ قام فدخل إلى قصر جواريه،فلمّا كان من الغد أحضره و أحسن جائزته و خلّى سبيله (2).

و عن ابن المتوكّل قيل له:إنّ أبا الحسن يعني علي بن محمّد بن علي الرضا يفسّر قول اللّه تعالى: يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ (3)الآيتين في الأوّل و الثاني،قال:فكيف الوجه في أمره؟

قالوا:تجمع له الناس و تسأله بحضرتهم،فإن فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره و إن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه،قال:فوجّه إلى القضاة و بني هاشم و الأولياء و سئل عليه السّلام فقال:هذان رجلان كنّى اللّه عنهما و منّ بالستر عليهما،أفيحبّ أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره اللّه؟

فقال:لا أحبّ (4).

أقول: ورد في الحديث:إنّ الظالم أبو بكر يعضّ بعد الموت على ما فعله من غصب الخلافة و يقول:ليتني في الدّنيا لم أتّخذ عمر معاونا و خليلا.

[في]الأمالي عن سهل بن يعقوب الملقّب بأبي نواس المؤدّب بسرّ من رأى،لأنّه كان يتخالع و يتطيّب مع الناس و يظهر التشيّع على الطيبة فيأمن على نفسه،قال:فلمّا سمع الإمام عليه السّلام لقبي بأبي نواس قال:يا أبا السّرى أنت أبو نواس الحقّ و من تقدّمك أبو نواس الباطل،قال:فقلت له ذات يوم:يا سيّدي قد وقع إليّ اختيارات الأيّام عن سيّدنا3.

ص: 483


1- -سورة الشورى:23.
2- -بحار الأنوار:213/50 ح 26،و مواقف الشيعة:230/1.
3- -سورة الفرقان:27.
4- -بحار الأنوار:246/30 ح 113.

الصادق عليه السّلام في كلّ شهر فأعرضه عليك،فقال لي:افعل فلمّا عرضته عليه و صحّحته قلت:يا سيّدي في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من التحذير و المخاوف فتدلّني عن الاحتراز عن المخاوف فيها فإنّما تدعوني الضرورة إلى التوجّه في الحوائج فيها، فقال لي:يا سهل إنّ لشيعتنا بولايتنا العصمة لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة و سباسب البيد الغايرة بين سباع و ذئاب و أعادي الجنّ و الإنس لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا،فثق باللّه عزّ و جلّ و اخلص في الولاء لأئمّتك الطاهرين فتوجّه حيث شئت (1).

أقول: حاصله أنّ توكّل المؤمن على اللّه و اعتماده على ولاية أهل البيت عليهم السّلام تدفع عنه نحوسات الأيّام.

و كذلك روي أنّ الصدقة تدفعه و قراءة آية الكرسي أمام السعي في الحاجة تذهبه أيضا.

و في القاموس:النوّاس ككتّان المضطرب المسترخي.

[في]الأمالي،الفحّام قال:كان أبو الطيّب أحمد بن محمّد بن بوطير رجلا من أصحابنا و كان جدّه غلام الإمام أبي الحسن علي بن محمّد و هو سمّاه بهذا الاسم،و كان ممّن لا يدخل المشهد و يزوره من وراء الشبّاك و يقول:للدار صاحب حتّى يأذن له و كان متأدّبا يحضر الديوان،و كان إذا طلب من الإنسان حاجة فإن أنجزها شكر و سرّ و إن وعده عاد إليه ثانية فإن أنجزها و إلاّ عاد الثالثة فإن أنجزها و إلاّ قام في مجلسه إن كان ممّن له مجلس أو جمع الناس فأنشد شعرا:

على الصراط تريد رعية ذمّتي *** أم في المعاد تجود بالإنعام

إنّي لدنيائي أريدك فانتبه *** يا سيّدي من رقدة النوّام (2)6.

ص: 484


1- -أمالي الطوسي:276 ح 67،و بحار الأنوار:215/50.
2- -أمالي الطوسي:299 ح 37،و بحار الأنوار:219/50 ح 6.

الفصل الثالث

في أحوال جعفر و أولاده عليهم السلام

[في]الاحتجاج للكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه اللّه أن يوصل إليه عليه السّلام[كتاب] (1)سألته فيه عن مسائل أشكلت عليّ،فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام:أمّا ما سألت عنه ثبّتك اللّه و أرشدك من أمر المنكرين من أهل بيتنا و بني عمّنا،فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ و جلّ و بين أحد قرابة و من أنكرني فليس منّي و سبيله سبيل ابن نوح،و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده فسبيل اخوة يوسف عليه السّلام (2).

و عن أبي خالد الكابلي قال:سألت عليّ بن الحسين عليه السّلام:من الحجّة و الإمام بعدك؟

فقال:ابني محمّد و اسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا هو الحجّة و الإمام بعدي و من بعد محمّد ابنه جعفر و اسمه عند أهل السماء الصادق،فقلت له:يا سيّدي كيف صار اسمه الصادق و كلّكم صادقون فقال:حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق،فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه و كذب عليه فهو عند اللّه جعفر الكذّاب المفتري على اللّه المدّعي لما ليس له بأهل،المخالف عليه أبيه و الحاسد لأخيه ذلك الذي يكشف سرّ اللّه عند غيبتة وليّ اللّه،ثمّ بكى عليّ بن الحسين بكاء شديدا،ثمّ قال:كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه و المغيّب في حفظ اللّه و التوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته و حرصا على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه،الحديث (3).

ص: 485


1- -زيادة من المصدر.
2- -الأحتجاج:283/2،و بحار الأنوار:227/50.
3- -بحار الأنوار:386/36،و أعلام الورى:195/2.

و عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق الأشعري رحمة اللّه عليه،أنّه جاء بعض أصحابنا يعلمه بأنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه و يعلمه أنّه القيّم بعد أخيه و أنّ عنده من علم الحلال و الحرام ما يحتاج إليه،و غير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن إسحاق:فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السّلام و صيّرت كتاب جعفر في درجه،فخرج إليّ الجواب في ذلك:بسم اللّه الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك اللّه و الكتاب الذي في درجه و أحاطت معرفتي بما تضمّنه على اختلاف ألفاظه و تكرّر الخطأ فيه و لو تدبّرته لوقفت على ما بعض ما وقفت عليه منه،و الحمد للّه ربّ العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا و فضله علينا أبي اللّه عزّ و جلّ للحقّ إلاّ تماما و للباطل إلاّ زهوقا و هو شاهد عليّ بما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا بيوم لا ريب فيه و سألنا عمّا نحن فيه مختلفون و أنّه لم نجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه و لا عليك و لا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة و لا طاعة و لا ذمّة،و سأبيّن لكم جملة يكتفون بها إن شاء اللّه يا هذا يرحمك اللّه.

إنّ اللّه تعالى لم يخلق الخلق عبثا و لا أمهلهم سدا بل خلقهم بقدرته و جعل لهم أسماعا و أبصارا و قلوبا و ألبابا ثمّ بعث إليهم النبيّين عليهم السّلام مبشّرين و منذرين يأمرونهم بطاعته و ينهونهم عن معصيته و يعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم و دينهم،و أنزل عليهم كتابا و بعث إليهم ملائكة و باين بينهم و بين من بعثهم إليه بالفضل الذي لهم عليه و ما آتاهم من الدلائل الظاهرة و البراهين الباهرة و الآيات الغالبة،فمنهم من جعل عليه النار بردا و سلاما و اتّخذه خليلا و منهم من كلّمه تكليما و جعل عصاه ثعبانا مبينا و منهم من أحيا الموتى بإذن اللّه،و منهم من علّمه منطق الطير و اوتي من كلّ شيء،ثمّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و اله رحمة للعالمين و تمّم به نعمته و ختم به أنبياءه و أرسله إلى الناس و أظهر من صدقه ما ظهر و بيّن من آياته و علاماته ما بيّن.

ثمّ قبضه حميدا سعيدا و جعل الأمر من بعده إلى أخيه و ابن عمّه و وصيّه و وارثه علي بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحد بعد واحد أحيا بهم دينه و أتمّ بهم نوره و جعل بينهم و بين اخوتهم و بني عمّهم و الأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا تعرف به الحجّة من المحجوج و الإمام من المأموم بأن عصمهم من الذنوب و برءهم من

ص: 486

العيوب و طهّرهم من الدنس و نزّههم من اللبس و جعلهم خزّان علمه و مستودع حكمته و موضع سرّه و أيّدهم بالدلائل،و لولا ذلك لكان الناس على سواء و لادّعى أمر اللّه عزّ و جلّ كلّ واحد و لما عرف الحقّ من الباطل و لا العلم من الجهل،و قد ادّعى هذا المبطل المدّعي على اللّه الكذب بما ادّعاه فلا أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه أبفقه في دين اللّه فو اللّه ما يعرف حلالا من حرام و لا يفرّق بين خطأ و صواب،أم بعلم فما يعلم حقّا من باطل و لا محكما من متشابه و لا يعرف حدّ الصلاة و وقتها،أم بورع فاللّه شهيد على تركه لصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعبذة و لعلّ خبره تأدّى إليكم و هاتيك ظروف مسكره منصوبة و آثار عصيانه للّه عزّ و جلّ مشهورة قائمة،أم بآية فليأت بها أم بحجّة فليقمها أم بدلالة فليذكرها،قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه العزيز: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَ إِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (1)فالتمس تولّى اللّه توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت له و امتحنه و اسأله آية من كتاب اللّه يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها و ما يجب فيها لتعلم حاله و مقداره و يظهر لك عواره و نقصانه و اللّه حسبه حفظ اللّه الحقّ على أهله و أقرّه في مستقرّه،و قد أبى اللّه عزّ و جلّ أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام و إذا أذن اللّه لنا في القول ظهر الحقّ و اضمحل الباطل و انحسر عنكم،و إلى اللّه أرغب في الكفاية و جميل الصنع و الولاية و حسبنا اللّه و نعم الوكيل (2).

في اعلام الورى:[و له عليه السلام من الأولاد:ابنه] (3)محمد ابنه و هو الإمام بعده و الحسين و محمّد و جعفر[الملقب] (4)الكذّاب[و ابنته عالية] (5)(6).2.

ص: 487


1- -سورة الأحقاف:1-4.
2- -الغيبة:289،و بحار الأنوار:230/50.
3- -زيادة من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
4- -زيادة من المصدر.
5- -زياد من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
6- -اعلام الورى:127/2.

و الأخبار الواردة في ذمّ جعفر الكذّاب مستفيضة و مع هذا فلا ينبغي التجرّي على لعنه و الحكم عليه بالكفر و دخول النار لما تقدّم من قوله عليه السّلام:إنّ سبيله سبيل اخوة يوسف عليه السّلام،و يظهر أنّ أولاد الأئمّة عليهم السّلام من غير فاصل لهم من الاحترام بتلك النسبة بما لا يجوز معه تناول أعراضهم،و الأولى أن نكل امورهم و أحوالهم إلى اللّه سبحانه و رسوله و الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين.

ص: 488

باب في أحوال الإمام الحادي عشر السيّد الرضي الزكي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه و على آبائه الكرام و على ابنه خاتم الأئمّة عليهم السّلام

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

في ولادته و أسمائه و جملة من أحواله و النصّ عليه

[في]بشائر المصطفى:كان مولد أبي محمّد عليه السّلام بالمدينة شهر ربيع الأوّل سنة ثلاثين و مائتين و امّه امّ ولد يقال لها حديث،و كانت مدّة خلافته ستّ سنين (1).

و في المناقب:ألقابه الصامت الهادي الرفيق الزكي التقي،كنيته أبو محمّد و كان هو و أبوه و جدّه يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا و ولده القائم لا غير،ميلاده يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الآخر بالمدينة و قيل ولد بسرّ من رأى سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين، مقامه مع أبيه ثلاث و عشرون سنة و بعد أبيه ستّ سنين و كان في سني إمامته بقيّة أيّام المعتزّ أشهر ثمّ ملك المهتدي و المعتمد،و بعد مضيّ خمس سنين من ملك المعتمد قبض و يقال:استشهد،و دفن مع أبيه بسرّ من رأى و قد كمل عمره تسعة و عشرين سنة و يقال:

ثمان و عشرين،مرض أوّل شهر ربيع الأوّل سنة ستّين و مائتين و توفّي يوم الجمعة لثمان

ص: 489


1- -كشف الغمة:226/3،و بحار الأنوار:238/50.

خلون منه (1).

و في اعلام الورى:ذهب كثير من أصحابنا إلى أنّه عليه السّلام قتل مسموما و كذلك أبوه و جدّه و جميع الأئمّة عليهم السّلام خرجوا من الدّنيا على الشهادة و استدلّوا في ذلك بما روي عن الصادق عليه السّلام من قوله:و اللّه ما منّا إلاّ مقتول شهيد (2).

[في]الفصول المهمّة:صفته عليه السّلام بين السمرة و البياض،خاتمه سبحان من له مقاليد السماوات و الأرض (3).

و قال الشيخ الكفعمي:ولد عليه السّلام يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و قيل:في عاشر ربيع الثاني،نقش خاتمه:أنا للّه شهيد،بابه عثمان بن سعيد (4).

و في كتاب التوحيد:عن عبد العظيم الحسين عن علي بن محمّد عليه السّلام أنّه قال:الإمام من بعدي الحسن ابني،فكيف الناس بالخلف من بعده (5).

و في حديث آخر،فقلت:و لم جعلني اللّه فداك؟

فقال:لأنّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه،قلت؛فكيف نذكره؟قال:

قولوا الحجّة من آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله (6).

أقول: اختلف العلماء في جواز ذكره باسمه فبعضهم على المنع مطلقا حتّى يظهر كما هو الوارد في كثير من الأخبار و بعضهم قيّده بحال التقية في أعصار الخلافة و نحوها فالاحتياط في الدين أن لا يذكر مطلقا[كما يأتي] (7)في بابه عليه السّلام.

و عن أبي هاشم الجعفري قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أواخذ إلا في هذا.

فقلت في نفسي:هذا لهو الدقيق ينبغي للرجل أن يتفقّد من أمره و من نفسه كلّص.

ص: 490


1- -المناقب:523/3،و بحار الأنوار:236/50 ح 6.
2- -اعلام الورى:132/2،و بحار الأنوار:209/27 ح 7.
3- -بحار الأنوار:238/50 ح 9،و مستدرك سفينة البحار:307/2.
4- -بحار الأنوار:238/50 ح 12.
5- -التوحيد:82،و تفسير نور الثقلين:564/4.
6- -التوحيد:82،و بحار الأنوار:268/3.
7- -زياد لتقويم النص.

شيء،فقال لي أبو محمّد:[إن]ما حدّثت به نفسك فإنّ الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفاء في الليلة المظلمة[و من دبيب الذر على المسح الأسود] (1).

أقول: قوله:لا تغفر،يعني إلاّ بالتوبة و العلّة فيه أنّ استصغار المعصية يتضمّن [إهانة] (2)من تعصيه.و لذا ورد في الحديث:لا تنظر إلى صغر معصيتك و لكن انظر إلى من عصيت.

..... (3)و محقّرات الذنوب و هو قول الرجل:طوبى الي لو لم يكن لي غير هذا ...... (4)يدلّ على أنّ الشرك أنواع كثيرة منها جليّ و منها خفيّ كما نطقت به الأخبار و أشار إليه المحقّقون من العلماء الأخيار.

النوع الأوّل: من أشرك مع اللّه تعالى معبودا يعبده كمشركي الكفّار،فإنّ منهم من يعبد الأصنام و منهم من يعبد الكواكب على اختلافها و اختلاف تلك الفرق،و منهم من يعبد الماء،و منهم عبدة الأشجار و الحيوانات و غير ذلك.

الثاني: كفرة أهل الكتاب من اليهود و النصارى و المجوس القائلين عزيز بن اللّه و المسيح ابن اللّه،و عبدة النار منهم كالمجوس و شرك آخر أشار إليه القرآن في قوله تعالى:

اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ (5) إلى قوله: فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ .

الثالث: جماهير المسلمين الذين قدّموا على الإمام المنصوب من اللّه و رسوله و هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام من لم يكن إماما و دانوا لهم بالإمامة و الطاعة،فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنّهم مشركون و أنّهم في الآخرة يحشرون مع من تقدّم من أهل الشرك و ضرر هؤلاء على دين الإسلام أشدّ من ضرر اليهود و المشركين لأنّهم يقولون القول و يصدقون عليه لإظهارهم كلمتي الشهادة.

الرابع: من ينتسب إلى الشيعة من الفرق غير الإمامية المحقّة،فإنّه جاء في الرواية أنّ من أنكر إماما من اللّه كان كمن أنكر الأئمّة عليهم السّلام جميعا و في إنكارهم إنكار النبوّة و جحد4.

ص: 491


1- -مستدرك الوسائل:351/11 ح 3،و بحار الأنوار:359/70 ح 78.
2- -زيادة لتقويم النص و مصورة المخطوط لا تقرأ.
3- -كلام غير مقروء.
4- -كلام غير مقروء.
5- -سورة آل عمران:64.

الإلهية.

الخامس: الشرك في صفاته تعالى شأنه كمن قال بزيادة الصفات من فرق المسلمين فإنّ هذا القول ينتهي إلى تعدّد القديم و هو أقبح من شرك اليهود و النصارى،فإنهم قالوا بقديمين و هؤلاء يقولون بثمانية لذات الصفات.

السادس: الرياء في الطاعات فإنّه من أعظم الشرك،و جاء في الروايات إنّ اللّه سبحانه يقول:ابن آدم عملت هذا العمل لي و لغيري و أنا أسمح الشريكين،فليكن عملك لشريكي و خذ ثوابك منه.

السابع: العجب بالعمل فإنّه و إن لم يقارن العمل إلاّ أنّه شرك متأخّر عنه.

الثامن: الشرك في القول كأن يقول الرجل:لولا فلان لمتّ جوعا أو عرى أو لما بقيت أو نحو ذلك من العبارات الموهمة،أمّا لو قال:لو لم يمنّ اللّه عليّ بفلان لمتّ أو لتعبت أو نحو ذلك لم يكن شركا و كان جائزا كما جاء في الرواية.

التاسع: الشرك في الجوارح كالسجود لغير اللّه تعالى كما يفعله الناس للسلاطين و الملوك،قال اللّه تعالى: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً (1).

عن الصادق عليه السّلام:إنّ المراد من المساجد الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا يجوز استعمالها لغير اللّه تعالى،و لو انحنى و تطأطأ للغير في المواضعة حتّى وصل إلى حدّ الرّاكع فلا أستحسنه،بل قيل:إنّه داخل تحت نوع من أنواع الشرك.

العاشر: الشرك بالاستعانة بغير اللّه سبحانه قال اللّه سبحانه تعالى: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ (2)أي نخصّك بالعبادة لا تطلب الاستعانة إلاّ منك فمن استعان في مهمّاته بأحد غير اللّه سبحانه و زعم أنّه القاضي لها كان قد جعله شريكا له تعالى في قضائها،أمّا لو اعتقد أنّ اللّه سبحانه أجرى قضاءها على يده كان جائزا و خرج من حدّ الشرك،لأنّ ذلك الغير آلة لقضاء اللّه سبحانه ذلك الأمر كالمنشار و القدوم.

و في الأثر:أنّ محمود بن عمر الخوارزمي لمّا صنّف كتاب الكشّاف حمله إلى الغزالي لينظره بعين الاستحسان و المدح،قال له؛كيف فسّرت إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ؟5.

ص: 492


1- -سورة الجن:18.
2- -سورة الفاتحة:5.

فقال:ذكرت أنّ تقديم المفعول للاختصاص أي لا نستعين في امورنا و مهمّاتنا إلاّ بك،فقال له الغزالي:إذن أنت من علماء القشر فحمّله كتابه و قام.

الحادي عشر: الشرك في المكروهات،كما جاء في الحديث:«إنّ الرضا عليه السّلام كان يتوضّأ فقام رجل ليصبّ عليه الماء،فنهاه و قال:أما قرأت قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (1)و له أنواع كثيرة و مداخل ضيّقة و استقصاءها يوجب الإطناب و الإملال.

و عن أبي الهيثم بن سيابة عن محمّد الشاكري و كان خادما للحسن العسكري عليه السّلام قال:كان أستاذي أصلح من رأيت من العلويّين و الهاشميّين،كان يجلس في المحراب و يسجد فأنام و أنتبه و أنام[و أنتبه] (2)،و هو ساجد و كان قليل الأكل كان يحضره التين و العنب و الخوخ و ما شاكله فيأكل منه الواحدة و الاثنتين و يقول:احمل يا محمّد هذا إلى صبيانك، فأقول:هذا كلّه؟فيقول:خذه و قد أكثر في هذا الحديث من قوله:قال أستاذي و فعل أستاذي و حكى أستاذي-يعني به الإمام عليه السّلام-و لم أر إطلاق هذا اللفظ على الإمام عليه السّلام في حديث آخر و لا بأس به (3).

و عن محمّد الأنصاري قال:دخلت على سيّدي أبي محمّد فنظرت إلى ثياب بيضاء ناعمة عليه،فقلت في نفسي:وليّ اللّه و حجّته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الاخوان و ينهاها عن لبس مثله،فقال متبسّما و حسر عن ذراعيه فإذا مسح اسود خشن على جلده،فقال:هذا للّه و هذا لكم (4).

أقول: شأن الأئمّة عليهم السّلام هذا إذا لبسوا ناعم الثياب و قد مرّ مثله عند دخول الصوفية على الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام.

[في]الخرائج قال أبو هاشم:قلت في نفسي:أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمّد في القرآن أهو مخلوق[أو إنه غير مخلوق] (5)؟ر.

ص: 493


1- -سورة الكهف:110.
2- -زيادة من المصدر.
3- -دلائل الأمامة:431،و بحار الأنوار:253/50.
4- -وسائل الشيعة:21/5 ح 2،و دلائل الأمامة:505 ح 95.
5- -زيادة من المصدر.

فأقبل عليّ،فقال:أما بلغك ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا نزلت: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ خلق لها أربعة آلاف جناح،فما كانت تمرّ بملأ من الملائكة إلاّ خشعوا لها و قال هذه نسبة الربّ تبارك و تعالى (1).

أقول: ذهب الأشاعرة على أنّ القرآن قديم لأنّه كلام اللّه و كلام اللّه عندهم قديم قائم بذاته تعالى و المفاسد اللازمة على هذا القول كثيرة جدّا مذكورة في علم الكلام،و ذهب الإمامية رضوان اللّه عليهم و المعتزلة إلى أنّ كلام اللّه سبحانه حادث مخلوق يخلقه اللّه تعالى في جسم من الأجسام كشجرة الطور التي سمع الكليم عليه السّلام الكلام منها من جميع الجهات.

و قال أبو هاشم:سأله الفهفكي:ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرجل سهمين؟

قال:لأنّ المرأة ليس لها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة إنّما ذلك على الرجال،فقلت في نفسي:قد كان قيل لي إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب،فأقبل عليّ،فقال:نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا،و أوّلنا و آخرنا في العلم و الأمر سواء و لرسول اللّه و أمير المؤمنين فضلهما.

قال أبو هاشم:سمعته يقول:إنّ في الجنّة بابا يقال له المعروف لا يدخله إلاّ أهل المعروف،فحمدت اللّه في نفسي و فرحت بما أتكلّف من حوائج الناس،فنظر إليّ،و قال:

نعم فدم على ما أنت عليه،فإنّ أهل المعروف في الدّنيا أهل المعروف في الآخرة جعلك منهم يا أبا هاشم و رحمك (2).

أقول: أهل المعروف هم أهل الإحسان إلى الناس بقضاء حوائجهم وصلتهم بالمال و الأخلاق و نحو ذلك.

و قد روي في حديث آخر:أنّ معنى كون أهل المعروف في الدّنيا هم أهل المعروف في الآخرة أنّهم يعطون حسناتهم للمذنبين كرما على الناس كما كانوا في الدنيا و يعوّضهم6.

ص: 494


1- -الخرائج و الجرائح:686/2 ح 6،و مدينة المعاجز:631/7.
2- -الخرائج و الجرائح:689/2 ح 12،و بحار الأنوار:258/50 ح 16.

اللّه تعالى،فهم الأسخياء في الدّنيا و الآخرة.

و روى أبو هاشم أنّه ركب أبو محمّد عليه السّلام يوما إلى الصحراء و ركبت معه فبينما هو يسير قدّامي و أنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله فجعلت أفكّر في أيّ وجه قضاؤه،فالتفت إليّ و قال عليه السّلام:اللّه يقضيه ثمّ انحنى على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض،فقال عليه السّلام:يا أبا هاشم انزل فخذ و اكتم فنزلت و إذا سبيكة ذهب فوضعتها في خفّي و سرنا فعرض لي الفكر،فقلت:إن كان فيها تمام الدّين و إلاّ فإنّي أرضى صاحبه بها و نحبّ أن ننظر في وجه نفقة الشتاء و ما نحتاج إليه فيه من كسوة و غيرها فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الاولى ثمّ قال عليه السّلام:انزل و خذ و اكتم قال:فنزلت فإذا سبيكة من ذهب فجعلتها في الخفّ الآخر فوصلت إلى منزلي فخرجت سبيكة الدين بقسط الدين ما زادت و لا نقصت و كذلك سبيكة نفقة الشتاء (1).

و في ذلك الكتاب:عن بطريق متطبّب بالرّي قد أتى عليه مائة سنة و نيف قال:كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكّل و كان يصطفيني:فبعث إليه الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن الرضا عليه السّلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده فاختارني و قال:قد طلب منّي ابن الرضا من يفصده فصر إليه و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به،فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة و قال:كن إلى أن أطلبك.

قال:و كان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّد محمود للفصد،فدعاني في وقت غير محمود له و أحضر طشتا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطشت.

ثمّ قال لي:اقطع فقطعت و غسل يده و شدّها و ردّني إلى الحجرة و قدّم من الطعام الحارّ و البارد شيئا كثيرا و بقيت إلى العصر ثمّ دعاني،فقال:صرّح و دعا بذلك الطشت فسرحت و خرج الدم إلى أن امتلأ الطشت،فقال:اقطع فقطعت و شدّ يده و ردّني إلى الحجرة فبتّ بها،فلمّا أصبحت و ظهرت الشمس دعاني و أحضر ذلك الطشت و قال:سرح فسرّحت فخرج مثل اللّبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت،فقال:اقطع فقطعت و شدّ يده و قدّم لي تخت ثيابه و خمسين دينارا و قال:خذ هذا و اعذر و انصرف،فأخذت و قلت4.

ص: 495


1- -الخرائج و الجرائح:421/1،و مدينة المعاجز:637/7 ح 104.

يأمرني السيّد بخدمة؟قال:نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول،فصرت إلى يختيشوع و قلت له القصّة فقال:اجتمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة امنا من الدم و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا و أعجب ما فيه اللبن، ففكّر ساعة ثمّ مكث ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصّة ذكرا في العالم فلم نجد،ثمّ قال:لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول،فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى فخرجت و ناديته فأشرف عليّ و قال:من أنت؟قلت:صاحب بختيشوع قال:معك كتابه؟قلت:نعم،فأرخى لي زبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب و نزل من ساعته فقال:أنت الرجل الذي فصدت؟قلت:نعم،قال:طوبى لامّك، و ركب بغلا و مرّ فوافينا سرّ من رأى و قد بقي من الليل ثلاثة،قلت:أين تحبّ دار استادنا أو دار الرجل؟قال:دار الرجل،فصرنا إلى بابه قبل الأذان ففتح الباب و خرج إلينا غلام أسود و قال:أيّكما راهب دير العاقول؟

فقال:أنا جعلت فداك،فقال:انزل،و قال لي الخادم:احتفظ بالبغلتين و أخذ بيده فدخلا،فأقمت إلى أن أصبحنا و ارتفع النهار ثمّ خرج الراهب و قد رمى بثياب الرهبانية و لبس ثيابا بيضاء و قد أسلم،فقال:خذني الآن إلى دار استادك فصرنا إلى دار بختيشوع فلمّا رآه بادر يعدو إليه ثمّ قال:ما الذي أزالك عن دينك؟قال:وجدت المسيح فأسلمت على يده فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها إلاّ المسيح و هذا نظيره في آياته و براهينه،ثمّ انصرف إليه و لزم خدمته إلى أن مات (1).

و عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال:حججت سنة فدخلت على أبي محمّد عليه السّلام بسرّ من رأى و قلت:إنّ شيعتك بجرجان يقرؤون عليك السلام قال:أو لست منصرفا بعد فراغك من الحجّ؟

قلت:بلى،قال:فإنّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة و سبعين يوما و تدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أوّل النهار،فأعلمهم أنّي اوافيهم في ذلك اليوم لآخر النهار،قال:فسرت و وافيت جرجان ذلك اليوم و جاءني أصحابنا يهنّوني فوعدتهم أنّ الإمام وعدني أن يوافيكم آخر هذا اليوم[فتناهبوا ما]0.

ص: 496


1- -بحار الأنوار:262/50.

تحتاجون إليه من المسائل و الحوائج،فلمّا صلّوا الظهر و العصر اجتمعوا كلّهم في داري فو اللّه ما شعرنا إلاّ و قد وافانا أبو محمّد عليه السّلام فدخل إلينا و نحن مجتمعون فسلّم علينا فاستقبلناه و قبّلنا يده،ثمّ قال:إنّي وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم هذا اليوم فصلّيت الظهر و العصر بسرّ من رأى و صرت إليكم لأجدّد بكم عهدا و ها أنا قد جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم و حوائجكم كلّها،فأوّل من ابتدأ المسألة النضر بن جابر،قال:يابن رسول اللّه إنّ ابني جابرا اصيب ببصره منذ شهر فادع اللّه أن يردّ عليه عينيه،قال:فهاته فمسح على عينيه فعاد بصيرا ثمّ تقدّم رجل فرجل يسألونه حوائجهم و أجابهم إلى كلّ ما سألوه حتّى قضى حوائج الجميع و دعا لهم بخير و انصرف من يومه ذلك،انتهى ملخّصا (1).

أقول: هذا نوع من أنواع التبليغ إلى الامّة يجري من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الأئمّة عليهم السّلام بأن تطوى لهم الأرض فيحضرون البلد الذي يحتاج أهله إلى تبليغ الأحكام،لأنّ تبليغ الدعوة واجب على صاحب الشرع و النبيّ و الأئمّة صلوات اللّه عليهم لم ينتقلوا من أماكنهم ظاهرا فكيف بلغوا من في أقطار الأرض إلاّ بهذا و أشباهه.

[في]كتاب المناقب عن الحسن بن ظريف قال:اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمّد،فكتبت أسأله عن القائم إذا قام[بالناس بم] (2)يقضي؟ [يقضي] (3)بعلمه كقضاء داود و لا يسأل البيّنة.

و كنت أردت أن تسأل عن حمى الربع،فاكتب ورقة و علّقها على المحموم:يا نار كوني بردا و سلاما،فكتبت و علّقت على المحموم فبرأ (4).

و عن أحمد القزويني قال:كنت مع أبي بسرّ من رأى و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمّد عليه السّلام و كان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا و كبرا،و كان يمنع ظهره و اللجام و جمع الرواض فلم يكن لهم حيلة في ركوبه،فقال له بعض ندمائه:ألا تبعت إلى الحسن بن الرضا حتّى يجيء فإمّا أن يركبه و إمّا أن يقتله فبعث إلى أبي محمّد عليه السّلام و مضى3.

ص: 497


1- -الخرائج و الجرائح:426/1 ح 4.
2- -زيادة من المصدر.
3- -زيادة من المصدر.
4- -الثاقب في المناقب:565،و المناقب:531/3.

معه أبي،فلمّا دخل الدار نظر أبو محمّد عليه السّلام إلى البغل في صحن الدار فوضع يده على كتفه فعرف البغل ثمّ صار إلى المستعين فرحّب به و قال:إلجم هذا البغل،فقال أبو محمد عليه السّلام لأبي:إلجمه،فقال المستعين:إلجمه أنت فقام عليه السّلام فألجمه ثم رجع الى مجلسه،فقال يا أبا محمد أسرجه.

فقال أبو محمّد لأبي:اسرجه،فقال المستعين:اسرجه أنت يا أبا محمّد فقام ثانية و أسرجه،فقال:ترى أن تركبه؟

فقال:نعم،فركبه أبو محمّد عليه السّلام من غير أن يمتنع عليه ثمّ ركضه[في الدار] (1)ثمّ حمله على[الهملجة] (2)فمشى أحسن مشي ثمّ نزل فرجع إليه،فقال المستعين:قد حملك عليه أمير المؤمنين،فقال أبو محمّد لأبي:خذه فأخذه و قاده (3).

و عن علي بن زيد قال:كان لي فرس و كنت معجبا به أذكره في المجالس فدخلت على أبي محمّد عليه السّلام يوما،فقال:ما فعل فرسك؟قلت:هو ذا على بابك،فقال:استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخّر ذلك،قال:فقمت مفكّرا و مضيت إلى منزلي و أخبرت أخي بذلك،فقال:لا أدري ما أقول في هذا و شححت به فلمّا صلّيت العتمة جاءني السايس و قال:نفق فرسك الساعة فاغتممت و علمت أنّه عنى هذا ثمّ دخلت على أبي محمّد و أنا أقول في نفسي:ليته أخلف على دابة،فقال قبل أن أتحدّث:نعم نخلف عليك،يا غلام اعطه برذوني الكميت ثمّ قال:هذا خير من فرسك و أطول عمرا و أوطأ (4).

أقول: إذا علم عليه السّلام موته تلك الليلة فكيف يجوّز عليه السّلام بيعه و يكون التلف على المشتري،و اجيب تارة بأنّه عليه السّلام يعلم أنّه لا يبيعه و يكون الغرض إظهار علمه و إعجازه و اخرى بأنّه لو باعه لم يمت عند المشتري أو أنّ ذلك المشتري يكون من المخالفين.

و في الخرائج عن علي بن الحسن بن سابور قال:قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن الأخير عليه السّلام فأمر الخليفة الحاجب و أهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء2.

ص: 498


1- -زيادة من المصدر.
2- -زيادة من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ،و الهملجة:ضرب من المشي،معرب فارسي.
3- -الكافي:507/1 ح 4،و بحار الأنوار:265/50 ح 25.
4- -الإرشاد:333/2،و إعلام الورى:138/2.

فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية يستسقون و يدعون فما سقوا،فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء و معه النصارى و الرهبان و كان فيهم راهب فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر فشكّ أكثر الناس و تعجّبوا و مالوا إلى دين النصرانية فأنفذ الخليفة إلى الحسن عليه السّلام و كان محبوسا فاستخرجه من محبسه و قال:إلحق امّة جدّك فقد هلكت،فقال:إنّي خارج في الغد و مزيل الشكّ إن شاء اللّه فخرج الجاثليق في اليوم الثالث و الرهبان معه و خرج الحسن عليه السّلام في نفر من أصحابه،فلمّا بصر بالراهب و قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين اصبعيه ففعل و أخذ من بين سبّابتيه عظما أسود و أخذه الحسن بيده ثمّ قال له:استسق الآن فاستسقى و كان السماء متغيّما فتقشّعت و طلعت الشمس بيضاء،فقال الخليفة:ما هذا العظم يا أبا محمّد؟قال:هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من الأنبياء فوقع إلى يده هذا العظم و ما كشف عن عظم نبيّ إلاّ و هطلت السماء بالمطر (1).

أقول: و روى مثله أنّ أهل الشوش-و هو الآن من أعمال الجويزة-شكوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله أو إلى أمير المؤمنين عليه السّلام كثرة الأمطار،فكتب عليه السّلام إليهم:إنّ عظام أخي دانيال عندكم تحت السماء،و السماء تبكي عليه فوروها في القبر و دلّهم عليها فلمّا دفنوها سكنت الأمطار و قبره الآن معروف في الشوش على جرف النهر الذي حفره شابور وصلنا إلى زيارته مرارا و الناس يتبرّكون به.

و عن محمّد بن عبد اللّه قال:وقع أبو محمّد عليه السّلام و هو صغير في بئر الماء و أبو الحسن في الصلاة و النسوان يصرخن،فلمّا سلم قال:لا بأس فرأوه و قد ارتفع الماء إلى رأس البئر و أبو محمّد على رأس الماء يلعب بالماء (2).

و من معجزاته عليه السّلام:أنّ قبور الخلفاء من بني العبّاس بسرّ من رأى عليها من ذرق الخفافيش و الطيور ما لا يحصى و تنقى منها كلّ يوم و من الغد تكون القبور مملؤّة ذرقا و لا يرى على رأس قبّة العسكريين و لا علي قباب مشاهد آبائهما ذرق طير فضلا على قبورهم إلهاما للحيوانات،و إجلالا لهم،صلوات اللّه عليهم. (3)4.

ص: 499


1- -الخرائج و الجرائح:441/1 ح 23،و بحار الأنوار:270/50.
2- -الخرائج و الجرائح:451/1،و بحار الأنوار:274/50 ح 45.
3- -الخرائج و الجرائح:454/1،و مدينة المعاجز:629/7 ح 94.

و عن عيسى بن صبيح قال:دخل الحسن العسكري علينا الحبس،فقال:هل رزقت من ولد؟قلت:لا،قال:اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا فنعم العضد الولد ثمّ تمثّل،شعر:

من كان ذا عضد يدرك ظلامته *** إنّ الذليل الذي ليست له عضد

قلت:ألك ولد؟قال:إي و اللّه سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا و عدلا،فأمّا الآن فلا،ثمّ تمثّل شعر:

لعلّك يوما أن تراني كأنّما *** بنى حوالي الأسود اللوابد

فإن تميما قبل أن يلد الحصا *** أقام زمانا و هو في الناس واحد (1)5.

ص: 500


1- -الخرائج و الجرائح:479/1،و وسائل الشيعة:99/15.

الفصل الثاني

اشارة

في مناقبه و شيء من معاني أخلاقه عليه السلام

[في]بشائر المصطفى:محمّد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال:ضاق بنا الأمر فقال لي أبي:امض بنا إلى أبي محمّد فإنّه قد وصف عنه سماحة،فقلت:تعرفه؟قال:

أعرفه و لا رأيته فقصدناه،فقال أبي و هو في طريقه:ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتي درهم للكسوة و مائتي درهم للدقيق و مائة درهم للنفقة،و قلت في نفسي:ليته أمر لي بثلاثمائة درهم؛مائة أشتري منه حمارا و مائة للنفقة و مائة للكسوة و أخرج إلى الجبل،فلمّا وافينا الباب خرج إلينا غلامه و قال:يدخل علي بن إبراهيم و ابنه محمّد فلمّا دخلنا عليه و سلّمنا قال لأبي:يا علي ما خلفك عنّا في هذا الوقت؟قال:يا سيّدي استحييت أن ألقاك على هذه الحالة،فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة و قال:هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة و مائتان للدقيق و مائة للنفقة و أعطاني صرّة و قال:هذه ثلاثمائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار و مائة للكسوة و مائة للنفقة و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سورا قال:فصار إلى سورا و تزوّج امرأة منها فدخله اليوم أربعة آلاف دينار و مع هذا يقول بالوقف.

قال محمّد بن إبراهيم الكردي:أتريد أمرا أبين من هذا؟

فقال:صدقت و لكنّا على أمر قد جرينا عليه (1).

و عن إسماعيل بن محمّد قال:قعدت لأبي محمّد عليه السّلام على ظهر الطريق فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة و حلفت أنّه ليس عندي درهم فما فوقه و لا غداء و لا عشاء،فقال:

تحلف باللّه كاذبا و قد دفنت مائتي دينار و ليس قولي هذا دفعا لك على العطية،اعطه يا غلام ما معك.

ص: 501


1- -بحار الأنوار:278/50 ح 52،و وفيات الأئمة:407.

فأعطاني غلامه مائة دينار ثمّ أقبل عليّ،فقال:إنّك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها و صدق عليه السّلام و ذلك أنّني أنفقت ما وصلني به و اضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فنظرت،فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب فما قدرت على شيء منها (1).

[في]كتاب الدلائل،حدث محمّد بن الأقرع قال:كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الإمام هل يحتلم؟و قلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب:الاحتلام شيطنة و قد أعاذ اللّه أولياءه من ذلك،فورد الكتاب:الأئمّة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغيّر النوم منهم شيئا قد أعاذ اللّه أولياءه من لمّة الشيطان كما حدّثتك نفسك (2).

و عن محمّد بن صالح الخثعمي قال:كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن البطيخ و كنت به مشغوفا،فكتب إليّ:لا تأكله على الريق فإنّه يولد الفالج،و كنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة فنسبت حتّى نفذ كتابي إليه فوقع صاحب الزنج ليس من أهل البيت (3).

أقول: صاحب الزنج هو الذي أشار إلى خروجه مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في ملاحمه المذكورة في نهج البلاغة،و خروجه كان في زمن دولة بني العبّاس خرج عليهم في شرقي البصرة و بنى بها القلاع و بقي يحاربهم عشرين سنة و استولى على البصرة و الأهواز و نواحيها و خرّب البلدان و بالغ في إراقة الدماء و أوّل من بايعه العبيد الزنوج و ملّكهم نساء مواليهم و جعل مواليهم عبيدهم،و كان خراب الأهواز منه لأنّهم لم يرجعوا بعدما هربوا و بقيت أموالهم و ما كان يعزّ عليهم و إلى الآن أهل تلك النواحي إذا وردوا الأهواز خصوصا وقت المطر يلقطون منها الذهب و الفضّة و الصفر و نحو ذلك لأنّها خرّبت فجأة على أهلها و لم يتمكّنوا من نقل أموالهم،نعم تمكّنوا من دفنها و بقيت تحت الأرض إلى يومنا هذا و الناس يظنّون أنّ خراب الأهواز من العقارب الجرّارة التي تحصل من ثفل قصب السكّر و هو غلط.5.

ص: 502


1- -الكافي:510/1 ح 14،و المناقب:532/3.
2- -جواهر الكلام:73/13،و كشف الغمة:219/3.
3- -وسائل الشيعة:177/25.

و حدّثني من أثق به من العلويّين أنّه لقط من الأهواز درهما عريضا ثقيلا منقوش عليه السلطان ابن السلطان،ابن السلطان السلطان العادل عماد الدّين خان،فقال:فحفظته إلى أن اتّصلت بصحبة سلطان البصرة لأجل الطبّ و هو علي باشا فحكيت له يوما صفة ذلك الدرهم و أنّه موجود عندي،فقال لي:إن كان نقشه ما ذكرت فهو ذهب مموّه بالفضّة فأرسل من يأتي به،فلمّا حضر ورآه أمر الصايغ أن يذيبه،فلمّا أذابه كان كما قال:من أنّ داخله ذهب و خارجه فضّة فسألته،فقال:إنّ سلطانا كان في زمن عماد الدّين خان يغشّ الدراهم بالصفر فأمر عماد الدين خان أن يجعل في دراهمه موضع الصفر ذهبا و جرت دراهمه في أعصاره على ذلك الحال و هذا الدرهم منها.

صفة الكحل

[في]كشف الغمّة:قال محمّد بن الحسن:لقيت من علّة عيني شدّة فكتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أسأله أن يدعو لي،فلمّا نفذ الكتاب قلت في نفسي:ليتني كنت سألته أن يصف لي كحلا أكحلها فوقّع بخطّه يدعو لي بسلامتها و كتب بعده:أردت أن أصف لك كحلا عليك بصبر مع الأثمد و كافورا و توتيا فإنّه يجلو ما فيها من الغشا و ييبس الرطوبة،قال:

فاستعملت ما أمرني به فصحّت و الحمد للّه (1).

دعاء شريف

و عن أبي إبراهيم قال:كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلّمه دعاء،فكتب إليه أن ادع بهذا الدعاء:يا أسمع السامعين و يا أبصر المبصرين و يا عزّ الناظرين و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين و يا أحكم الحاكمين صلّ على محمّد و آل محمّد و اوسع لي في زرقي و مدّ لي في عمري و امنن عليّ برحمتك و اجعلني ممّن تنتصر به لدينك و لا تستبدل بي غيري.

قال أبو هاشم:فقلت في نفسي:اللّهم اجعلني في حزبك و في زمرتك،فأقبل عليّ أبو محمّد عليه السّلام فقال:أنت في حزبه و في زمرته إذ كنت باللّه مؤمنا و لرسوله مصدّقا و لأوليائه

ص: 503


1- -المناقب:534/3،و مدينة المعاجز:605/7.

عارفا و لهم تابعا،فأبشر ثمّ أبشر (1).

[في]عيون المعجزات عن أبي هاشم قال:دخلت على أبي محمّد عليه السّلام و كان يكتب كتابا فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده و قام عليه السّلام إلى الصلاة فرأيت القلم يمرّ على باقي القرطاس من الكتاب و يكتب حتّى انتهى إلى آخره فخررت ساجدا،فلمّا انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده و أذن للناس (2).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عن جرائمه:إنّي قبل الاطّلاع على هذا الحديث بيوم كنت أفكّر كثيرا بأنّ الأئمّة صلوات اللّه عليهم لهم فنون المعجزات و كلّ شيء كان يطيعهم و يقوم بأمرهم،و لم يتّفق هذا النوع من الاعجاز و هو كتابة القلم بنفسه و كنت كثير الشوق إلى الاطّلاع على مثله حتّى منّ اللّه سبحانه بإعجازهم على الاطّلاع على هذا الحديث بعده بيوم.

و عن إسحاق بن أبان قال:كان أبو محمّد عليه السّلام و هو في الحبس يبعث إلى أصحابه و شيعته صيروا إلى موضع كذا و كذا و إلى دار فلان بن فلان العشاء و العتمة في ليلة كذا فإنّكم تجدوني هناك و كان الموكّلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليه السّلام بالليل و النهار و كان يعزل في كلّ خمسة أيّام الموكلين به و يولّي آخرين بعد أن يجدّد عليهم الوصية بحفظه،فكان أصحابه و شيعته يصيرون إلى الموضع و كان عليه السّلام قد سبقهم إليه فيرفعون حوائجهم إليه فيقضيها لهم على منازلهم و طبقاتهم و ينصرفون إلى أماكنهم بالآيات و المعجزات و هو في حبس الأضداد (3).

[في]مشارق الأنوار عن علي بن عاصم الأعمى الكوفي قال:دخلت على أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام فقال لي:يا علي بن عاصم انظر ما تحت قدميك فإنّك على بساط قد جلس فيه من النبيّين و المرسلين و الأئمّة الراشدين قال:فقلت:يا سيّدي لا أتنعّل ما دمت في الدّنيا إكراما لهذا البساط،فقال:يا علي أنّ هذا النعل الذي في رجلك نعل نجس ملعون لا يقرّ بولايتنا قال:فقلت في نفسي:ليتني أرى هذا البساط،فعلم ما في0.

ص: 504


1- -مدينة المعاجز:571// ح 38،و بحار الأنوار:299/50.
2- -عيون المعجزات:123،و بحار الأنوار:304/50 ح 80.
3- -مدينة المعاجز:602/7،و بحار الأنوار:304/50 ح 80.

ضميري،فقال:ادن منّي فدنوت منه فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا قال:

فرأيت في البساط أقداما و صورا،فقال:هذا قدم آدم و موضع جلوسه و هذا أثر هابيل و هذا أثر شيث و هذا أثر نوح و هذا أثر قيذار و هذا أثر مهلائيل و هذا أثر ياره و هذا أثر اخنوخ و هذا أثر إدريس و هذا أثر متوش و هذا أثر سام و هذا أثر فخشد و هذا أثر هود و هذا أثر صالح و هذا أثر لقمان و هذا أثر إبراهيم و هذا أثر لوط و هذا أثر إسماعيل و هذا أثر الياس و هذا أثر إسحاق و هذا أثر يعقوب و هذا أثر يوسف و هذا أثر شعيب و هذا أثر موسى و هذا أثر يوشع بن نون و هذا أثر طالوت و هذا أثر داود و هذا أثر سليمان و و هذا أثر الخضر و هذا أثر دانيال و هذا أثر اليسع و هذا أثر ذا القرنين الاسكندر و هذا أثر شابور ابن أردشير و هذا أثر لؤي و هذا أثر كلاب و هذا أثر قصيّ و هذا أثر عدنان و هذا أثر عبد مناف و هذا أثر عبد المطّلب و هذا أثر عبد اللّه و هذا أثر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هذا أثر أمير المؤمنين عليه السّلام و هذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهدي عليه السّلام لأنّه قد وطأه و جلس عليه ثمّ قال:انظر الآثار،و اعلم أنّها آثار دين اللّه و أنّ الشاكّ فيهم كالشاك في اللّه و من جحدهم كمن جحد اللّه ثمّ قال:اخفض يا علي فرجعت محجوبا كما كنت (1).

أقول: قوله لا يقرّ بولايتنا لعلّه كان من جلد حيوان غير مأكول اللحم فإنّه روي أنّ كثيرا من الحيوانات التي لا تزكّى لم تقرّ بالولاية حين عرضت ولاية الأئمّة عليهم السّلام على المخلوقات كلّها و كان فيهم من أقرّ و فيهم من أنكر و لمّا دخلوا هذا العالم كان إيمانهم و إنكارهم على وفق ما جرى لهم في عالم الأرواح و قد سبق تحقيقه فارجع إليه لئلا يزلّ بك القدم.

ثواب اللعن

و روى هذا الحديث بطريق آخر،و في آخره قال علي بن عاصم فأهويت على الأقدام كلّها فقبّلتها و قبّلت يد الإمام عليه السّلام و قلت له إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي و ليس أملك غير موالاتكم و البراءة من أعدائكم و اللّعن لهم في خلواتي،فكيف حالي يا سيّدي؟

فقال:حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من ضعف عن نصرتنا أهل البيت و لعن في خلواته أعداءنا بلغ اللّه صوته إلى جميع الملائكة فكلّما لعن أحدكم أعداءنا

ص: 505


1- -بحار الأنوار:34/11 ح 27،و قصص الأنبياء:7.

عدته الملائكة و لعنوا من لا يلعنهم،فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له و أثنوا عليه و قال:اللّهم صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده و لو قدر على أكثر من ذلك لفعل،فإذا النداء من قبل اللّه يقول:يا ملائكتي إنّي قد أجبت دعاءكم في عبدي و صلّيت على روحه مع أرواح الأبرار و جعلته من المصطفين الأخيار (1).9.

ص: 506


1- -بحار الأنوار:316/50،و مستدرك سفينة البحار:264/9.

الفصل الثالث

في نوادر أحواله عليه السّلام

رسالته عليه السلام إلى علي بن بابويه

[في]كتاب المناقب:ذكر فيه رسالة كتبها عليه السّلام إلى أهل قم و أثنى عليهم بالمدح بالإيمان و حسن الاخلاص من سلف منهم و من كان موجودا ثمّ قال:و ممّا كتب عليه السّلام إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمي:اعتصمت بحبل اللّه بسم اللّه الرحمن الرحيم و الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتّقين و الجنّة للموحّدين و النار للملحدين و لا عدوان إلاّ على الظالمين و لا إله إلاّ اللّه أحسن الخالقين و الصلاة على خير خلقه محمّد و عترته الطاهرين و عليك بالصبر و انتظار الفرج،فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:أفضل أعمال امّتي انتظار الفرج و لا تزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي و أمر جميع شيعتي بالصبر،فإنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين و السلام عليك و على جميع شيعتنا و رحمة اللّه و بركاته و صلّى اللّه على محمّد و آله (1).

[في]الكشي عن أحمد المراغي قال:ورد على القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال و كان ابتداء ذلك أن كتب عليه السّلام إلى قوّامه بالعراق:احذروا الصوفي المتصنّع قال:و كان من شأن أحمد بن هلال أنّه قد كان حجّ أربعا و خمسين حجّة عشرون منها على قدميه،و ذكر عليه السّلام في هذا الحديث لعنه و البراءة منه و أمر الشيعة باجتنابه و لعنه و فيه دلالة على أنّ الأعمال لا تنفع إلاّ قارنت الاعتقاد الصحيح و النيّة المستقيمة (2).

و عن أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان و هو عامل السلطان على الخراج بقم قال:لمّا اعتلّ

ص: 507


1- -المناقب:527/3،و بحار الأنوار:318/50.
2- -مستدرك الوسائل:318/12،و بحار الأنوار:318/50 ح 15.

الحسن بن علي بعث السلطان إلى أبي أنّ ابن الرضا قد اعتلّ.فركب إلى دار الخلافة ثمّ رجع و معه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين من ثقاته و خاصّته فمنهم نحرير،و أمرهم بلزوم دار الحسن بن علي و تعرّف خبره و حاله و بعث إلى نفر من المتطبّبين بلزومه و بعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به فبعث بهم إلى دار الحسن و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا.

فلم يزالوا هناك حتّى توفي عليه السّلام لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين و مائتين فصارت سرّ من رأى ضجّة واحدة مات ابن الرضا و بعث السلطان إلى داره من يفتّش حجرها و ختم على جميع ما فيها و طلبوا أثر ولده و جاؤوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهنّ و ذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل فأمر بها فجعلت في حجرة و وكّل بها نحرير الخادم و أصحابه و نسوة معهم،ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته و عطّلت الأسواق و ركب الناس إلى جنازته فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيها بالقيامة،فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى فأمره بالصلاة عليه فلمّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العبّاسية و القوّاد و الكتّاب و القضاة و قال:هذا الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و من المتطبّبين فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان ثمّ غطّى وجهه و قام فصلّى عليه و دفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.

فلمّا تفرّق الناس اضطرب السلطان في طلب ولده و كثر التفتيش في المنازل و الدور و توقّفوا عن قسمة ميراثه و لم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتّى تبيّن لهم بطلان الحبل فقسّم ميراثه بين امّه و أخيه جعفر و ادّعت امّه وصيّته و ثبت ذلك عند القاضي و السلطان على ذلك بطلب أثر ولده فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي و قال له:اجعل لي مرتبة أبي و أخي و أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار فزبره أبي و قال:يا أحمق إنّ السلطان أعزّه اللّه جرّد سيفه و سوطه في الذين زعموا أنّ أباك و أخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يقدر عليه و لم يتهيّأ له صرفهم عن هذا القول فيها و جهد أن يزيل أباك و أخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيّأ له ذلك،فإن كنت عند

ص: 508

شيعة أبيك و أخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها و استقلّه عند ذلك و أمر أن يحجب و لم يأذن له بالدخول عليه و خرجنا و الأمر على تلك الحال و السلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي حتى اليوم (1).

[في]كمال الدين،حدّثنا أبو الأديان قال:كنت أخدم الحسن بن علي عليه السّلام و أحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها،فكتب معي كتابا و قال:تمضي بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر و تسمع الواعية في داري و تجدني على المغتسل فقلت:يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟

قال:من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي.

فقلت:زدني،فقال:من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي،فقلت:زدني،فقال:من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان و خرجت بالكتب إلى المدائن و أخذت جواباتها و دخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السّلام فإذا أنا بالواعية في داره و إذا أنا بجعفر أخيه بباب الدار و الشيعة حوله يعزّونه و يهنّونه،فقلت في نفسي:إن يكن هذا الإمام فقد حالة الإمامة لأنّي كنت أعرفه بشرب النبيذ و يلعب بالطنبور فعزّيت و هنّيت فلم يسألني عن شيء ثمّ خرج عقيد.

فقال:يا سيّدي قد كفّن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي و الشيعة من حوله يقدمهم السمان و الحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة فلمّا صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه السّلام على نعشه فتقدّم جعفر ليصلّى على أخيه،فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر و قال:تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي فتأخّر جعفر فتقدّم الصبي فصلّى عليه ثمّ قال:يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه و قلت في نفسي هذه اثنتان بقي الهميان ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي و هو يزفر،فقال له الوشاء:يا سيّدي من الصبي؟

فقال:و اللّه ما رأيته قط و لا عرفته،و نحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته فقالوا:فمن[نعزي] (2)؟ر.

ص: 509


1- -الكافي:506/1 ح 1،و بحار الأنوار:329/50 ح 1.
2- -زيادة من المصدر.

فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه و عزّوه و هنّوه و قالوا:معنا كتب و مال.

فقالوا:ممّن الكتب و كم المال؟فقام ينفض أثوابه و يقول:يريدون منّا أن نعلم الغيب،قال:فخرج الخادم فقال:معكم كتب فلان و فلان و هميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلية،فدفعوا الكتب و المال و قالوا الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام فدخل جعفر بن علي على المعتمد و كشف له ذلك فوجّه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية و طالبوها بالصبي فأنكرته و ادّعت حملا بها لتغطّي على حال الصبي فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي و بغتهم موت ابن خاقان و خروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية،فخرجت عن أيديهم و الحمد للّه ربّ العالمين (1).

[في]بشائر المصطفى:مرض أبو محمّد الحسن في أوّل شهر ربيع الأوّل سنة ستّين و مات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر و له يوم وفاته ثمان و عشرون سنة و خلّف ابنه المنتظر لدولة الحقّ و كان قد أخفى مولده لصعوبة الوقت و شدّة طلب سلطان الزمان و اجتهاده في البحث عن أمره لما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه و عرف من انتظارهم له،فلم يظهر ولده عليه السّلام في حياته و لا عرفه الجمهور بعد وفاته و تولّى جعفر أخذ تركته و سعى في حبس جواري أبي محمّد عليه السّلام و اعتقال حلائله و شنّع على أصحابه بانتظارهم لولده و قطعهم بوجوده و القول بإمامته و أغرى بالقوم حتّى أخافهم و جرى على مخلفي أبي الحسن عليه السّلام بسبب ذلك كلّ عظيمة من اعتقال و حبس و استخفاف و لم يظفر السلطان منهم بطايل و حاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد عليه السّلام و اجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك و لا اعتقدوه فيه،فصار جعفر إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه و بذل مالا جليلا و تقرّب بكلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به فلم ينتفع بشيء من ذلك و لجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى (2).

[في]كتاب النصوص،عن أبي غانم قال:سمعت أبا محمّد عليه السّلام يقول في سنة مائتين و ستّين تفترق شيعتي و فيها قبض عليه السّلام و تفرّقت شيعته و أنصاره،فمنهم من انتهى إلى جعفر و منهم من أتاه و شكّ و منهم من وقف على الحيرة و منهم من ثبت على دينه بتوفيق2.

ص: 510


1- -كمال الدين:476،و بحار الأنوار:68/52.
2- -روضة الواعظين:266،و الإرشاد:336/2.

اللّه عزّ و جلّ (1).

و قال الشيخ الكفعمي:توفّى عليه السّلام أوّل يوم من ربيع الأوّل،سمّه المعتمد لعنه اللّه تعالى و كان من مولده إلى وقت مضيّه تسع و عشرون سنة (2).

و قد تمّ هنا المجلّد الثاني من كتاب رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار سلام اللّه عليهم و المرجوّ من اللّه سبحانه أن تشفعهم في مؤلّفه كاتب هذه الكلمات،و كان الفراغ يوم الأحد تاسع عشر ربيع الأوّل من شهور السنة التاسعة بعد المائة و الألف في محروسة دار السلطنة اصفهان حفظت من طوارق الزمان زمن دولة السلطان المؤيّد الشاه سلطان حسين زاد اللّه سبحانه في عمره و ملكه و أجرى في بحار التأييد فلكه،و الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.

فرغت من كتابته يوم الثلاثاء ثالث شهر ذي حجّة الحرام من شهور سنة الثالثة و العشرين بعد المائة و الألف من الهجرة النبوية المحمّدية على مهاجرها ألف من الثناء و التحية،و أنا المحتاج إلى رحمة اللّه الغنيّ ابن عنايت اللّه القاضي محمّد تقي.0.

ص: 511


1- -كمال الدين:408 ح 6،و بحار الأنوار:334/50 ح 6،و المحاسن:14/1.
2- -الأنوار البهية:322،و بحار الأنوار:335/50.

الفهارس

فهرس الآيات

(اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) 203-342-367

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) 120

(إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) 121

(السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) 388

(اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) 289

(اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ) 142

(النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ) 349

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) 108-414

(إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) 238

(إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً) 386

(إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) 386

(إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) 393

(إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) 77

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) 200

(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) 176

(إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) 206

(إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) 47

(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) 121

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) 205

(إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ) 492

(أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) 417

(أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) 452

(أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً) 221

(أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ) 263

(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ

ص: 512

وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى) 487

(بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) 112

(تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا) 65

(تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) 468-47

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ) 330

(ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا) 389

(حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا) 78

(فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ) 172

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) 290

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) 293

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) 65

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) 237

(سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) 480

(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ) 63

(طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) 146

(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) 348

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) 118

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) 72

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) 43

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) 436

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ) 198-197

(فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) 390

(فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) 121

(فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) 491

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) 64

(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) 64

(فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) 156

(فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) 356

(فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) 47

ص: 513

(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ) 375

(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ) 473

(فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) 452

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) 114

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا) 299-383

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) 493

(فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) 29

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) 303

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) 300-305

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) 472

(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً) 474

(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) 390

(قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) 93

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) 483

(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) 425

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ) 412

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) 412

(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) 494

(كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) 207

(كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) 207

(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) 154

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ) 109

(لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) 74

(لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ) 310

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) 389

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) 472

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ) 43-145

(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) 72

ص: 514

(ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) 144

(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) 109

(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) 256

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) 50

(مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) 234

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى) 206

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) 148

(وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ) 386

(وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ) 64

(وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي) 65

(وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) 120

(وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى) 299

(وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) 200

(وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) 28

(وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 97

(وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) 120

(وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا) 111

(وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) 68

(وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ) 27

(وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) 159

(وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) 285

(وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) 145

(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ) 436

(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً) 492

(وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) 436

(وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) 109

(وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ) 72

(وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) 77

(وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) 203

ص: 515

(وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ) 118

(وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) 156

(وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) 389

(كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) 63

(وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ) 99

(وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) 156-166-303

(وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ) 201

(وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) 344

(وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) 216

(وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى) 47

(وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ) 451

(وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا) 197

(وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ) 207

(وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) 169

(وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ) 387-452

(وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ) 207

(وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) 388

(وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ) 64

(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ) 299

(وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ) 91

(وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ) 317

(وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) 136

(وَ هُمْ يُسْئَلُونَ) 310

(وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) 204

(وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً) 200

(وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) 390

(وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ) 199

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) 389

ص: 516

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ) 21

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) 234

(يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ) 121

(يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) 64

(يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) 393

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ) 382

(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا) 422

(يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ) فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة)452

(يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) 185

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) 121

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً* وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ) 428-428

(يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) 483

(يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) 216

ص: 517

فهرس الأشعار

و إنّ غلاما بين كسرى و هاشم *** لأكرم من نيطت عليه التمايم 12

من عرف الربّ فلم تغنه *** معرفة الربّ فذاك الشقيّ 33

ما ضرّ في الطاعة ما ناله *** في طاعة اللّه و ماذا لقى 33

ما يصنع العبد بغير التّقى *** و العزّ كلّ العزّ للمتّقي 33

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظلم *** يا كاشف الضرّ و البلوى مع السقم 42

قد نام وفدك حول البيت قاطبة *** و أنت وحدك يا قيّوم لم تنم 42

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به *** فارحم بكائي بحقّ البيت و الحرم 42

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنّعم 42

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنهم فيها بوالي ذو أثر 43

خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم *** و ساقهم نحو المنايا المقادر 43

و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها *** و ضمّهم تحت التراب الحفائر 43

لنحن على الحوض روّاده *** نذود و نسقي ورّاده 44

و ما فاز من فاز إلاّ بنا *** و ما خاب من حبّنا زاده 44

و من سرّنا نال منّا السرور *** و من ساءنا ساء ميلاده 44

و ما كان غاصبنا حقّنا *** فيوم القيامة ميعاده 44

نحن بنو المصطفى ذو غصص *** يجرعها في الأنام كاظمنا 44

عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى و آخرنا 44

يفرح هذا بعيدهم *** و نحن أعيادنا مآتمنا 44

و الناس في الأمن و السرور و ما *** يأمن طول الزمان خائفنا 44

و ما خصصنا به من الشرف *** الطائل بين الأنام افتنا 44

يحكم فينا و الحكم فيه لنا *** جاحدنا حقّنا و غاصبنا 44

لباسي للدّنيا التجلّد و الصبر *** و لبسي للاخرى البشاشة و الصبر 46

إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا *** لأنّي من القوم الذين لهم فخر 46

ألم تر أنّ العرف قد مات أهله *** و أنّ الندى و الجود ضمّهما قبر 46

على الجود و العرف السلام فما بقى *** من العرف إلاّ الرّسم في الناس و الذكر 46

ص: 518

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم *** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا 59

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم 59

هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم 59

هذا الذي أحمد المختار والده *** صلّى عليه إلهي ما جرى القلم 59

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه *** لخرّ يلثم منه ما وطىء القدم 59

هذا على رسول اللّه والده *** أمست بنور هداه تهتدي الامم 59

هذا الذي عمّه الطيّار جعفر *** و المقتول حمزة ليث حبّه قسم 59

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة *** و ابن الوصي الذي في سيفه نقم 59

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم 59

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم 59

و ليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف إن أنكرت و العجم 59

ينمى إلى ذروة العزّ التي حصرت *** عن نيلها عرب الإسلام و العجم 59

يفضي حياء و يغضي من مهابته *** فما يكلّم إلاّ حين يبتسم 59

ينجاب نور الدّجى عن نور عزّته *** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم 59

بكفّه خيزران ريحه عبق *** من كفّ أروع في عرنينه شمم 59

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده *** لولا التشهّد كانت لاءه نعم 59

مشتقّة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصره و الخيم و الشيم 59

حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم 59

إن قال قال بما يهوى جميعهم *** و إن تكلّم يوما زانه الكلم 59

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا 59

اللّه فضّله قدما و شرّفه *** جرى بذاك له في لوحه القلم 59

من جدّه دان فضل الأنبياء له *** و فضل آبائه دانت لها الامم 59

عمّ البرية بالإحسان و انقشعت *** عنها العماية و الإملاق و الظلم 59

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما *** يستو كفّان و لا يعروهما عدم 59

سهل الخليقة لا تخشى بوادره *** يزينه خصلتان الحلّ و الكرم 59

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفنا أريب حين يعترم 59

من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر *** و قربهم منجا و معتصم 59

يستدفع السوء و البلوى بحبّهم *** و يستزاد به الإحسان و النّعم 59

مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كلّ فرض و محتوم به الكلم 59

ص: 519

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هموا 59

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** و لا يدانيهم قوم و لا كرموا 59

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت *** و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم 59

يأبى لهم أن يحلّ الذم ساحتهم *** خيم كريم و أيد بالندى هضم 59

لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم *** سيّان ذلك إن اثروا و إن عدموا 59

أهل القبائل ليست في رقابهم *** لأولية هذا أو له نعم 59

من يعرف اللّه يعرف أولية ذا *** فالدّين من بيت هذا ناله الامم 59

بيوتهم في قريش يستضاء بها *** و في النايبات و عند الحكم إن حكموا 59

بجدّه من قريش في ارومتها *** محمّد و عليّ بعده علم 59

بدر له شاهد و الشعب من احد *** و الخندقان و يوم الفتح قد علموا 59

و خيبر و حنين يشهدان له *** و في قريضة يوم صيلم قتم 59

مواطن قد علت في كلّ نايبة *** على الصحابة لم أكتم كما كتموا 59

من لقلب متيّم مستهام *** غير ما صبوة و لا أحلام 114

أخلص اللّه لي هواي *** فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي 114

ألا طرقتنا آخر الليل زينب *** عليك سلام لما فات مطلب 116

فقلت لها حييت زينب خدنكم *** تحيّة ميّت و هو في الحيّ مشرب 116

تعصي الأله و أنت تظهر حبه *** هذا لعمر كله في الفعال قبيح 134

لو كان حبك صادقا لأطعته *** أن المحب لمن يحب مطيع 134

علم المحبّة واضح لمريده *** و أرى القلوب عن المحجّة في عما 135

و لقد عجبت لهالك و نجاته *** موجودة و لقد عجبت لمن نجا 135

اعمل على مهل فإنّك ميّت *** و اختر لنفسك أيّها الإنسانا 135

فكأنّما قد كان لم يك إذ مضى *** و كأنّما هو كائن قد كانا 135

في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا *** و للبرية نحن اليوم برهان 135

نحن البحور التي فيها لغايصكم *** درّ ثمين و ياقوت و مرجان 135

مساكن القدس و الفردوس نملكها *** و نحن للقدس و الفردوس خزّان 135

من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه *** و من أتانا فجنّات و ولدان 135

و لا تحسبي إنّي تناسيت عهده *** و لكنّ صبري يا اميم جميل 210

كذب الزاعمون أنّ عليّا *** لن ينجي محبّه من هنات 222

قد و ربّي دخلت جنّة عدن *** و عفا لي الإله عن سيّئاتي 222

ص: 520

فابشروا اليوم أولياء عليّ *** و تولّوا عليّ حتّى الممات 222

ثمّ من بعده تولّوا بنيه *** واحدا بعد واحد بتلك الصفات 222

فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا *** استجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر 222

لامّ عمر باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع 226

و راية قائدها حيدر *** كأنّه الشمس إذا تطلع 226

لامّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع 227

تروح عنه الطير وحشية *** و الأسد من خيفته تفزع 227

برسم دار ما بها مؤنس *** إلاّ صلال في الثرى وقع 227

رقش يخاف الموت نفثاتها *** و السمّ في أنيابها منقع 227

لمّا وقفنا العيس من في رسمها *** و العين من عرفانه تدمع 227

ذكرت من كنت ألهو به *** فبتّ و انقلب شج موجع 228

كأنّ بالنار لمّا تنضّى *** من حبّ أروى كبد تلذع 228

عجبت من قوم أتوا أحمدا *** بخطبة ليس لها موضع 228

قالوا له لو شئت أعلمتنا *** إلى من الغاية و المفزع 228

إذا توفّيت و فارقتنا *** و فيهم في الملك من يطمع 228

فقال لو أعلمتكم مفزعا *** كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا 228

صنيع أهل العجل إذ فارقوا *** هارون فالترك له أودع 228

و في الذي قال بيان لمن *** كان اذن يعقل أو يسمع 228

ثمّ أتته بعد ذا عزمة *** من ربّه ليس لها مدفع 228

أبلغ و إلاّ لم تكن مبلّغا *** و اللّه منهم عاصم يمنع 228

فعندها قام النبي الذي *** كان بما يأمره يصدع 228

يخطب مأمورا و في كفّه *** كفّ عليّ ظاهرا يلمع 228

رافعها أكرم بكفّ الذي *** يرفع و الكفّ الذي ترفع 228

يقول و الأملاك من حوله *** و اللّه فيهم شاهد يسمع 228

من كنت مولاه فهذا له مولى *** فلم يرضوا و لم يقنعوا 228

فاتّهموه و خبت فيهم *** على خلاف الصادق الأصلع 228

و ضلّ قوم غاظهم فعله *** كأنّما أنافهم تجدع 228

حتّى إذا واروه في قبره *** و انصرفوا عن دفنه ضيّعوا228

ما قال بالأمس و أوصى به *** و اشتروا الضرّ بما ينفع 228

ص: 521

و قطعوا أرحامه بعده *** فسوف يجزون بما قطعوا 228

و أزمعوا غدرا بمولاهم *** تبّا بما كان به أزمعوا 228

لا هم عليه يردوا حوضه غدا *** و لا هو فيهم يشفع 228

حوض له ما بين صنعا إلى ايلة *** و العرض به أوسع ينصب 228

فيه علم للهدى *** و الحوض من ماء له منزع 228

يفيض من رحمته كوثر *** أبيض كالفضّة أو أنصع 228

حصاه ياقوت و مرجانة *** و لؤلؤ لم تجنه اصبع 229

بطحائه مسك و حافاته *** يهتزّ منها مونق مربع 229

أخضر ما دون الورى ناضر *** و فاقع أصفر أو أنصع 229

فيه أباريق و قد حانه *** يذبّ عنها الرجل الأصلع 229

يذبّ عنها ابن أبي طالب *** ذبك كجربا إبل شرّع 229

و العطر و الريحان أنواعه *** ذاك و قد هبّت به زعزع 229

ريح من الجنّة مأمورة *** ذاهبة ليس لها مرجع 229

إذا دنوا منه لكي يشربوا *** قال لهم تبّا لكم فارجعوا 229

دونكم فالتمسوا منهلا *** يرويكم أو مطمعا يشبع 229

هذا لمن والى بني أحمد *** و لم يكن غيرهم يتبع 229

فالفوز للشارب من حوضه *** و الويل و الذلّ لمن يمنع 229

و الناس يوم الحشر راياتهم خمس *** فنهاها لك أربع 229

فرايته العجل و فرعونها *** و سامري الامّة المشنع 229

و راية يقدمها أدلم *** عبد لئيم لكع أكوع 229

و راية يقدمها جنتر *** للزور و البهتان قد أبدعوا 229

و راية يقدمها نعثل *** لا برّد اللّه له مضجع 229

أربعة في سقر أودعوا *** ليس لهم من قعرها مطلع 229

و راية يقدمها حيدر *** و وجهه كالشمس إذ تطلع 229

غدا يلاقي المصطفى حيدر *** و راية الحمد له ترفع 229

مولى له الجنّة مأمورة *** و النار من إجلاله تفزع 229

إمام صدق له شيعة *** يرووا من الحوض و لم يمنعوا 229

بذاك جاء الوحي من ربّنا *** يا شيعة الحقّ فلا تجزع 229

الحميري مادحكم لم يزل *** و لو يقطع اصبع اصبع 229

ص: 522

و بعدها صلّوا على المصطفى *** و صنوه حيدر الأصلع 229

يا امّ عمرو جزاك اللّه مكرمة *** ردّي عليّ فؤادي أينما كانا 230

و نجم إذ قال الإله بعزمه *** قم يا محمّد بالولاية فاخطب 233

و لقد عجبت لقائل لي مرّة *** علامة فهم من الفقهاء 250

سمّتك امّك سيّدا صدقت به *** أنت الموفّق سيّد الشعراء 250

ما أنت حين تخصّ آل محمّد *** بالمدح منك و شاعر بسواء 250

مدح الملوك ذوي الغنا لعطائهم *** و المدح منك لهم بغير عطاء 250

فابشر فإنّك فايز في حبّهم *** لو قد وردت عليهم بجزاء 250

ما يعدل الدّنيا جميعا كلّها *** من حوض أحمد شربة من ماء 250

غسل شقيق البلخي عنه و ما *** عاين منه و ما الذي كان أبصر 285

إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب 291

و لو أنّ ركبا يمّموك لقادهم *** نسمّيك حتّى يستدلّ بك الركب 291

جعلتك حسبي في اموري كلّها *** و ما خاب من أضحى و أنت له حسب 291

عجبت لمصقول علاك فريدة *** يوم الهياج و قد علاك غبار 292

و لا سهم نفذتك دون حرائر *** يدعون جدّك و الدموع غزار 292

الاّ تفضضت السهام و عاقها *** عن جسمك الإجلال و الإكبار 293

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها *** فليطلبن مغالب الغلاّب 308

لم تخل أعمالنا الآتي نرم بها *** إحدى ثلاث خصال حين تبديها 309

اما تفرّد بارينا بصنعتها *** فيسقط اللوم عنها حين نأتيها 309

أو كان يشركنا فينا فيلحقه *** ما كان يلحقنا من لايم فيها 310

أو لم يكن لإلهى في جنايتها ذنب *** فما الذنب إلاّ ذنب جانيها 310

سقيا لطوس من أضحى بها قطنا *** من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا 338

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا 346

متى آته يوما لأطلب حاجة *** رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه 357

إذا كان دوني من بليت بجهله *** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل 358

و إن كان مثلي في محلّي من النهىّ *** أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل 358

و إن كنت أدنى منه في الفضل و الحجى *** عرفت له حقّ التقدّم و الفضل 358

إنّي ليهجرني الصديق بحبّنا *** فأراه أنّ لهجره أسبابا 359

و أراه إن عاتبته أغريته *** و أرى له ترك العتاب عتابا 359

ص: 523

و إذا بليت بجاهل متحكّم *** يجد المحال من الامور صوابا359

أوليته منّي السكوت و ربّما *** كان السكوت عن الجواب جوابا359

و ذي علّة سالمته فقهرته *** فأوقرته منّي بعفو التجمّل 359

و من لا يدافع سيّئات عدوّه بإحسانه *** لم يأخذ الطول من عليّ 359

و لم أر في الأشياء أسرع مهلكا *** لغمر قديم من وداد معجّل 359

و انّي لأنسى السرّ كيلا أذيعه *** فيا من رأى سرّا يصان بأن ينسا 359

مخافة أن يجري ببالي ذكره *** فينبذه قلبي إلى ملتوى الحشا 359

فيوشك من لم يفش سرّا و جال فيّ خواطره *** أن لا يطيق له حبسا 359

إنّك في دار لها مدّة *** يقبل فيها عمل العامل 359

ألا ترى الموت محيطا بها *** يكذب فيها أمل الآمل 360

تعجّل الذنب لما تنتهي *** و تأمل التوبة في قابل 360

و الموت يأتي أهله بغتة *** ما ذاك فعل الحازم العاقل 360

يعيب الناس كلّهم زمانا *** و ما لزماننا عيب سوانا 360

نعيب زماننا و العيب فينا *** و لو نطق الزمان بنا هجانا 360

و أنّ الذئب يترك لحم ذئب *** و يأكل بعضنا بعضا عيانا 360

إذا كنت في خير فلا تغترر به *** ولكن قل اللّهم سلّم و تمّم 360

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات 371

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد *** مصارع أولاد النبيّ محمّد 371

مطهّرات نقيّات ثيابهم *** تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا 371

من لم يكن علويّا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر 371

اللّه لمّا برا خلقا فأتقنه *** صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر 371

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم *** علم الكتاب و ما جاءت به السور 371

نعى نفسي إلى نفسي المشيب *** و عند الشيب يتّعظ اللبيب 372

فقد ولّى الشباب إلى مداه *** فلست أرى مواضعه تؤوب 372

سأبكيه و أندبه طويلا *** و أدعوه إلي عسى يجيب 372

و هيهات الذي قد فات منّي *** تمنيني به النفس الكذوب 372

وراع الغانيات بياض رأسي *** و من مدّ البقاء له يشيب 372

أرى البيض الحسان يحدن عنّي *** و في هجرانهنّ لنا نصيب 372

فإن يكن الشباب مضى حبيبا *** فإنّ الشيب أيضا لي حبيب 373

ص: 524

سأصحبه بتقوى اللّه حتّى *** يفرّق بيننا الأجل القريب 373

و لقد غدوت لصاحبي وحشية *** تحت الرداء بصيرة بالمشرق 390

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا *** في فنون من الكلام النبيه 394

لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدرّ في يدي مجتنيه 394

فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** و الخصال التي تجمّعن فيه 394

قلت لا أهتدي لمدح إمام *** كان جبريل خادما لأبيه 394

إذا أبصرتك العين من بعد غاية *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب 395

و لو أنّ قوما أمّموك لقادهم *** نسيمك حتّى يستدلّ بك الركب 395

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات 395

يميز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النّعماء و النقمات 395

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات 396

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات 396

إذا و تروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفا عن الأوتار منقبضات 396

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الأمن من بعد وفاتي 396

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمنّها الرحمن بالغرفات 396

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** تتوقّد بالاحشاء في الحرقات 396

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الهمّ و الكربات 396

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات 397

لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت *** يوما و آل رسول اللّه قد قهروا 398

مشرّدون نفوا عن عقر دارهم *** كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر 398

تجاوبن بالأرنان و الزفرات *** نوايح عجم اللفظ و النطقات 398

يخبّرون بالأرنان و الزفرات *** نوايح عجم اللفظ و النطقات 398

فأسعدن أو اسعفن حتّى تقرّضت *** صفوف الدّجى بالفجر منهزمات 398

على العرصات الخاليات من المها *** سلام شجّ صبّ على العرصات 398

فعهدي بها خضر المعاهد مألفا *** من العطرات البيض و الخطرات 398

ليالي يعدين الوصال على القلى *** و تعدى تدانينا على الغربات 398

و إذ هنّ يلحظن العيون سوافرا *** و يسترن بالأيدي على الوجنات 398

و إذ كلّ يوم لي بلحظى نشوة *** يبيت بها قلبي على نشواتي 398

فكم حسرات هاجها بمحسر *** وقوفي يوم الجمع من عرفات 399

ص: 525

ألم تر للأيّام ما جرّ جورها *** على الناس من نقص و طول شتات 399

و من دول المستهزئين و من غدا *** بهم طالبا للنور في الظلمات 399

فكيف و من أنّى بطالب زلفة *** إلى اللّه بعد الصوم و الصلوات 399

سوى حبّ أبناء النبيّ و رهطه *** و بغض بني الزرقاء و العبلات 399

و هند و ما أدّت سميّة و ابنها *** أولوا الكفر في الإسلام و الفجرات 399

هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه *** و محكمه بالزور و الشبهات 399

و لم تك إلاّ محنة كشفتهم *** بدعوى ضلال من هن و هنات 399

تراث بلا قربى و ملك بلا هدى *** و حكم بلا شورى بغير هدات 399

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة *** وردت اجاجا طعم كلّ فرات 399

و ما سهلت تلك المذاهب فيهم *** على الناس إلاّ بيعة الفلتات 399

و ما قبل أصحاب السقيفة جهرة *** بدعوى تراث في الضلال ثبات 399

و لو قدروا الموصى إليه امورها *** لزمّت بمأمون على العثرات 399

أخي خاتم الرسل المصفّى من القذى *** و مفترس الأبطال في الغمرات 399

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** و بدر و احد شامخ الهضبات 399

و آي من القرآن تتلى بفضله *** و إيثاره بالقوت في اللزبات 399

و عز خلال أدركته بسبفها *** منناقب كانت فيه موتنقات 399

مناقب لم تدرك بخير و لم تنل *** بشيء سوى حدّ القنا الذربات 399

نجى لجبريل الأمين و أنتم *** عكوف على العزى معا و منات 399

بكيت لرسم الدار من عرفات *** و أذريت دمع العين بالعبرات 399

و بان عزى صبري و هاجت صبابتي *** رسوم ديار قد عفت و عرات 399

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات 399

لآل رسول اللّه بالخيف من منى *** و بالبيت و التعريف و الجمرات 399

ديار لعبد اللّه بالخيف من منى *** و للسيّد الداعي إلى الصلوات 399

ديار عليّ و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجّاد ذو الثفنات 399

ديار لعبد اللّه و الفضل صنوه *** نجيّ رسول اللّه في الخلوات 400

و سبطي رسول اللّه و ابني وصيّه *** و وارث علم اللّه و الحسنات 400

منازل وحي اللّه ينزل بيتها *** على أحمد المذكور في الصلوات 400

منازل قوم يهتدي بهداهم *** فيؤمن منهم زلّة العثرات 400

منازل كانت للصلاة و للتّقى *** و للصوم و التطهير و الحسنات 400

ص: 526

منازل لا تيم تحلّ بربعها *** و لا ابن صهّاك فاتك الحرمات 400

ديار عفاها جور كلّ منابذ *** و لم تعف للأيّام و السنوات 400

قفا نسأل الدار التي خفّ أهلها *** متى عهدها بالصوم و الصلوات 400

و أين الاولى شطّت بهم غربة النوى *** أفانين في الأقطار مفترقات 400

هم أهل ميراث النبيّ إذا اعتزوا *** و هم خير سادات و خير حمات 400

إذا لم نناج اللّه في صلواتنا *** بأسمائهم لم يقبل الصلوات 400

مطاعيم للاعصار في كلّ مشهد *** لقد شرّفوا بالفضل و البركات 400

و ما الناس إلاّ غاضب و مكذّب *** و مضطغن ذو إحنة و ترات 400

إذا ذكروا قتلى ببدر و خيبر *** و يوم حنين أسبلوا العبرات 400

فكيف يحبّون النبيّ و رهطه *** و هم تركوا أحشاءهم و غرات 400

لقد لا ينوه في المقال و أضمروا *** قلوبا على الأحقاد منطويات 400

فإن لم يكن إلاّ بقربى محمّد *** فهاشم أولى من هن و هنات 400

سقى اللّه قبرا بالمدينة غيثه *** فقد حلّ فيه الأمن و البركات 400

نبيّ الهدى صلّى عليه مليكه *** و بلغ عنّا روحه التحفات 400

و صلّى عليه اللّه ما درّ شارق *** و لاحت نجوم الليل مبتدرات 400

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** و قد مات عطشانا بشطّ فرات 400

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات 400

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلات 400

قبور بكوفان و اخرى بطيبة *** و اخرى بفخ نالها صلوات 400

و اخرى بأرض الجوزجان محلّها *** و قبر بباخمرى لدى الغربات 400

و قبر ببغداد لنفس زكيّة *** تضمّنها الرحمن في الغرفات 401

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** ألحّت على الأحشاء بالزفرات 401

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الغمّ و الكربات 401

علي بن موسى أرشد اللّه أمره *** و صلّى عليه أفضل الصلوات 401

فأمّا الممضات التي لست بالغا *** مبالغها منّي بكنه صفات 401

قبور ببطن النهر من جنب كربلا *** معرّسهم منها بشط فرات 401

توفّوا عطاشا بالفرات فليتني *** توفّيت فيهم قبل حين وفات 401

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم *** سقتني بكأس الثكل و القطعات 401

أخاف بأن إذ دارهم فتشوقني *** مصارعهم بالجزع في النحلات 401

ص: 527

تغشاهم ريب المنون فما ترى *** لهم عقرة مغشية الحجرات 401

خلا أنّ منهم بالمدينة عصبة *** مدينين انضاء من اللزبات 401

قليلة زوّار سوى أنّ زوّرا *** من الضبع و العقبان و الرخمات 401

لهم كلّ يوم تربة بمضاجع *** ثوت في نواحي الأرض مفترقات 401

تنكّب لاواء السنين جوارهم *** و لا تصطليهم جمرة الجمرات 401

و قد كان منهم بالحجاز و أرضها *** مفاوير نحارون في الأزمات 401

حمى لم تزره المذنبات و أوجه *** تضيء لدى الأستار و الظلمات 401

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا *** مساعير حرب أفحموا العمرات 401

فإن فخروا يوما أتوا بمحمّد *** و جبريل و الفرقان و السورات 401

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات 401

و حمزة و العبّاس ذا الهدى و التّقى *** و جعفرها الطيّار في الحجبات 401

أولئك لا ملقوح هند و خربها *** سميّة من نوكى و من قذرات 401

ستسأل تيم عنهم و عديّها *** و هم تركوا الأبناء رهن شتات 401

و هم عدلوها عن وصيّ محمّد *** فبيعتهم جاءت على العذرات 401

وليّهم صنو النبيّ محمّد *** أبو الحسن الفرّاج للغمرات 401

ملامك في آل النبي فإنّهم *** أحبّاي ما داموا و أهل ثقات 401

تحيرتهم رشد التقسي أنّهم *** على كلّ خير خيرة الخيرات 402

نبذت إليهم بالمودّة صادقا *** و سلمت نفسي طايعا لولاتي 402

فيارب زدني في هواي بصيرة *** و زد حبّهم يا ربّ في حسنات 402

سأبكيهم ما حجّ للّه راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات 402

و أنّي لمولاهم و قال عدوّهم *** و أنّي لمحزون بطول حيات 402

بنفسي أنتم من كهول وفتية *** لفك عناة أو لحمل ديات 402

و للخيل لما قيد الموت خطوها *** فأطلقتم منهنّ بالذربات 402

أحبّ قصي الرحم من أجل حبّكم *** و أهجر فيكم زوجتي و بنات 402

و أكتم حميكم مخافة كاشح عنيد *** لأهل الحقّ غير موات 402

فيا عين بكيّهم و جودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و الهملات 402

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الامن بعد وفات 402

ألم تراني مذ ثلاثون حجّة *** أروح و أغدو دائم الحسرات 402

أر فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات 402

ص: 528

و كيف أداوي من جوى بي و الجوى *** أمية أهل الكفر و اللّعنات 402

و آل زياد في القصور مصونة *** و آل رسول اللّه منهتكات 402

سأبيكهم ما ذرّ في الأفق شارق *** و نادى مناد الخير بالصلوات 402

و ما طلعت شمس و حان غروبها *** و بالليل أبكيهم و بالغدوات 402

ديار رسول اللّه أصبحن بلقعا *** و آل زياد تسكن الحجرات 402

و آل رسول اللّه تدمى نحورهم *** و آل زياد ربة الحجلات 402

و آل رسول اللّه تسبى حريمهم *** و آل زياد آمنوا السربات 402

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّا عن الأوتار منقبضات 402

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد *** تقطّع نفسي اثرهم حسرات 402

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات 402

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات 402

فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس أبشري *** فغير بعيد كلّما هو آت 402

و لا تجزعي من مدّة الجور أنّني *** أرى قوتي قد أذنت بثبات 403

فإن قرب الرحمن من تلك مدّتي *** و أخّر من عمري و وقت وفات 403

شفيت ولم أترك لنفسي غصّة *** و رويت منهم منصل و قنات 403

فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم *** حياة لدى الفردوس غير تبات 403

عسى اللّه أن يرتاح للخلق أنّه *** إلى كلّ قوم دائم اللحظات 403

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر *** وعظوا على التحقيق بالشبهات 403

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم *** كفاني ما ألقى من العبرات 403

أحاول نقل الصمّ عن مستقرّها *** و إسماع أحجار من الصلدات 403

فحسبي منهم أن أبوء بغصّة *** تردّد في صدري و في لهوات 403

فمن عارف لم ينتفع و معاند *** تميل به الأهواء للشهوات 403

كأنّك بالأضلاع قد ضاق ذرعها *** لما حملت من شدّة الزفرات 403

إنّي من القوم الذين سيوفهم *** قلت أخاك و شرّفتك بمقعد 407

رفعوا محلّك بعد طول خموله *** و استنقذوك من الحضيض الأوهد 407

ألا يا لعين بالدموع استهلت *** و لو نقرت ماء الشؤون لقلت 427

على من بكته الأرض فاسترجعت *** له رؤوس الجبال الشامخات و ذلّت 427

و قد اعولت تبكي السماء لفقده *** و أنجمها ناحت عليه و كلّت 427

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكاء *** لمرزية عزت علينا و جلّت 427

ص: 529

رزينا رضيّ اللّه سبط نبيّنا *** فأخلفت الدنيا له و تولّت 427

و ما خير دنيا بعد آل محمّد *** ألا لا نباليها إذا ما اضمحلّت 427

تجلّت مصيبات الزمان و لا أرى *** مصيبتنا بالمصطفين تجلّت 427

اميّة معذورين إن قتلوا *** مولى أرى لبني العبّاس من عذر 427

أولاد حرب و مروان و اسرتهم *** بنو معيط ولاة الحقد و الوغر 427

قوم قتلتم على الإسلام أوّلهم *** حتّى إذا استمسكوا جازوا على الكفر 427

أربع بطوس على قبر الزكيّ به *** إن كنت تربع من دين علي وطر 427

قبران في طوس خير الناس كلّهم *** و قبر شرّهم هذا من العبر 427

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ و ما *** على الزكيّ يقرب النجس من ضرر 427

هيهات كلّ امرىء رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر 427

من سرّه أن يرى قبرا برؤيته *** يفرّج اللّه عمّن زاره كربة 428

فليأت ذا القبر إنّ اللّه أسكنه *** سلالة من نبيّ اللّه منتجبة ب 428

لقد شاعرتنا من قريش عصابة *** بمطّ خدود و امتداد أصابع 475

فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا *** شهيد بما نهوى نداء الصوامع 475

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا *** عليهم جهير الصوت في كلّ جامع 475

فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا *** و نحن بنوه كالنجوم الطوالع 475

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم تنفعهم القلل 482

و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم *** و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا 482

ناداهم صارح من بعد دفنهم *** أين الأساور و التيجان و الحلل 482

أين الوجوه التي كانت منعّمة *** من دونها تضرب الأستار و الكلل 482

فأفصح القبر عنها حين سائله *** تلك الوجوه عليها الدود تقتتل 482

قد طال ما أكلوا قدما و قد شربوا *** و أصبح اليوم بعد الأكل قد اكلوا 482

فغض الطرف إنّك من نمير *** فلا كعبا بلغت و لا كلابا 482

على الصراط تريد رعية ذمّتي *** أم في المعاد تجود بالإنعام 484

إنّي لدنيائي أريدك فانتبه *** يا سيّدي من رقدة النوّام 484

من كان ذا عضد يدرك ظلامته *** إنّ الذليل الذي ليست له عضد 500

لعلّك يوما أن تراني كأنّما *** بنى حوالي الأسود اللوابد 500

فإن تميما قبل أن يلد الحصا *** أقام زمانا و هو في الناس واحد 500

ص: 530

فهرس الموضوعات

باب فيما يختصّ بالإمام الهمام أبي محمّد زين العابدين

الفصل الأوّل

في أسمائه و سببها و نقش خواتيمه و تاريخ ولادته و أحوال امّه 11

تسميته زين العابدين عليه السلام 11

ألقاه و كناه عليه السلام 12

في خاتمه 13

علّة لقب سيّد الساجدين 13

حال امّه عليه السلام 14

تولّده عليه السلام و مدّة عمره 16

فيه حديث القرصين 17

حال عمر بن عبد العزيز 19

فيه أنّ الحيوانات لها نفوس ناطقة 20

تعدّد العوالم 21

موت الفجأة و غيره 22

جزاء الأعمال 24

حكاية المصروع 25

غرائب أحواله عليه السلام 48

ما يفعله مع عبيده عليه السلام 49

الفصل الثاني

فيما بقي من أحواله عليه السلام 51

حال الحسن البصري 53

فيه حال معاوية بن يزيد بن معاوية لعنهم اللّه 54

دعاء دفع البلاء 57

ص: 531

ثلاثة أعوام 66

الفصل الثالث

في أحوال أولاده و أزواجه و أقاربه من الذين خرجوا على بني اميّة 67

فيه حقّية كلّ من خرج من آل محمّد عليهم السلام 71

أسباب خروج زيد بن عليّ 76

باب في أحوال أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين

الفصل الأوّل:

في أحوال ولادته و وفاته و مناقبه و النصّ عليه 79

نقش خواتيمه عليه السلام 81

فضل الهندباء و البنفسج 84

تحقيق حسن في تشبيه عليه السلام بالصخرتين 85

الورشان 90

مجيء الذئب إليه عليه السلام 90

فيه عذاب ابن آدم 91

حديث درجان 92

كيفية اقتدارهم عليهم السلام على الأرض 96

مسخ هذه الامّة 97

حكاية الوزغة 97

صحيفة الشيعة 98

حقيقة ملكوت السماوات و الأرض 99

حال معاوية بعد موته لعنه اللّه 101

الفصل الثاني

في مكارم أخلاقه و خروجه إلى الشام و أحوال أصحابه عليه السلام 103

أحاديث محمّد بن مسلم 104

شدّ الأسنان بالذهب 106

غسل الميّت غسل الجنابة 107

ص: 532

حديث خروجه إلى الشام 107

معنى شعر الكميت 115

حال عبد اللّه بن المبارك 115

عليك السلام تحيّة الأموات 116

مباحثة الخارجي 117

مذهب الاخباريّين 118

مسائل متفرّقة 120

الفصل الثالث

في نوادر أخباره و تاريخ أولاده و أزواجه عليه السلام 124

أولاده عليه السّلام 125

باب أحوال الإمام الصادق مظهر علوم آبائه الطاهرين

الفصل الأوّل

في ولادته و وفاته و مدّة عمره الشريف و أسمائه و نقش خواتيمه 127

فيه مخرج الضحك و العقل و الحزن و النفس 130

صورة كتاب العتق 140

كراهة لبس السواد 140

تحيّة الخارج من الحمّام 141

العطسة و أسبابها 142

جلسة التورّك 142

دواء الشقاق 143

لا تكرهوا العبادة إلى أنفسكم 147

فيه معنى رزق المؤمن من حيث لا يحتسب 151

شكر من أنعم عليك 154

الفصل الثاني

في معجزاته و معالي اموره و جملة من أحواله عليه السلام 155

مسخ المخالفين 160

ص: 533

دعاء ردّ الأموات 161

نصائح الشيطان 162

كلامه ذكر الحمام 163

ملكوت السماوات و الأرض 166

معجزات عظيمة 168

إحياء الطيور الأربعة 172

كلام الحمام و الورشان 176

دار الهمداني في الجنّة 177

فيه توبة الأموي 178

الفصل الثالث

فيما جرى بينه و بين ولاة المخالفين و علمائهم و ما يتبع ذلك 185

دعاء ردّ القتل 186

الخلق الذين يسكنون الهواء 187

صلة الأرحام و كيف فعلها في الأعمار 188

دخول الصادق عليه السلام على المنصور العبّاسي لعنه اللّه 189

فيه الرقعة التي كتبها الصادق عليه السلام 193

شدّة التقيّة 194

عدد العظام و العروق و الأعصاب 195

فيه اختلاف الطبائع 195

الكتاب الذي كتب على آدم عليه السلام 196

تعبير الرؤيا من الصادق عليه السلام 197

علّة كمّية الزكاة 199

دخول الصوفية على أبي عبد اللّه عليه السلام 199

أصناف من لا يستجاب دعاؤهم 201

سلوك سلمان و أبي ذرّ رضي اللّه عنهما 202

بعض أحوال سفيان الثوري 204

الذي تصدّق من سرقته 205

اللاّ شيء ما هو؟ 206

ص: 534

الفصل الرابع

في أحوال أولاده و أزواجه و أقربائه و مدائحه عليه السلام

دخول النار للكاظم عليه السلام 213

أحوال شارب الخمر 216

حال أولاد الحسن الذين خرجوا على الدوانيقي 218

أبواب جهنّم السبعة و أركانها 220

دعاء النجاة 220

فوائد هذه الآية 221

حال السيّد الحميري عند الموت 222

السبب في لحوق الذنوب للشيخين الفاسقين 224

الأسباب في لحوق العذاب لفلان و فلان بسبب لعن اللاّعنين 224

قصيدة امّ عمر و منام الرضا عليه السلام 226

حوض الكوثر 240

مفاتيح الجنّة و النار بيد علي عليه السلام 248

معنى الشيعة 249

لعن أرض البصرة 251

حديث الجارية التي عفّ عنها الرجل 251

في قضاء الدّين 252

فيه عدد الشيعة الكاملين 255

حديث التي عثرت 257

حديث فاطمة بضعة منّي و حديث أنّها خرجت غاضبة عليهما 259

نسب العبّاس و امّه 262

الرافضة اسم للشيعة 263

مكالمات مؤمن الطاق لأبي حنيفة 264

مباحثة فضال مع أبي حنيفة 265

باب في بيان أحوال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

ص: 535

الفصل الأوّل

في تاريخ ولادته و أسمائه و نقش خواتيمه و النصّ عليه و معجزاته 269

كتاب الوصية مع الخواتيم 273

دعاء ردّ الضالّة 274

دعاء لبس الثوب الجديد 274

المرأة التي صار وجهها قفاها 276

حكاية الطالقاني 277

الصورة التي أكلت الساحر 279

البقرة التي أحياها الكاظم عليه السلام 281

كلام الحمام 281

كلام الفرس 281

كلام الأسد 282

حكاية علي بن يقطين مع الرشيد 282

إحياء الحمار 284

مكان المخالفين 287

حجتّه عليه السلام لعليّ بن يقطين 288

أحوال الكاظم عليه السلام في الحبس 292

فيه كيفيّة البخور 295

أنواع طعام الأئمّة عليهم السلام 295

حديث الصورة 301

حدود فدك و الجمع بينها 302

الفصل الثاني

في أحوال عشائره و أصحابه عليه السلام 307

حديث الطوسي في قتل العلويّين 311

مناظرات هشام بن الحكم 314

الفصل الثالث

في شهادته و ما تقدّمها من أحوال حبسه عليه السلام 319

ص: 536

الجارية التي أرسلها الرشيد لموسى عليه السلام 329

خاتمة

في بيان أولاده عليه السلام 333

باب في مناقب الإمام مولانا الرضا أبي الحسن عليه السلام

الفصل الأوّل

في ولادته و ألقابه و نقش خاتمه و النصّ عليه و غرائب معجزاته 335

النمل يحمي الذهب 342

الفصل الثاني

في كيفيّة وروده عليه السلام البصرة و الكوفة 347

كيفيّة أكل الكاظم عليه السلام 356

الفصل الثالث

فيما جرى بينه و بين هارون و أتباعه في كيفيّة طلب المأمون له 361

قدور خراسان و البركة فيها 363

حديث خروجه من نيشابور 364

سبب قبول ولاية العهد 366

مباحثات المأمون مع المخالفين 384

الفصل الرابع

في أحوال أزواجه و أولاده و عشائره و مدائحه و أحوال أهل زمانه 393

حديث سعوط المجانين 409

صفوان الجمّال كان يعمل عن أصحابه 409

حال محمّد بن سنان 410

الفصل الخامس

في شهادته عليه السلام و أسبابها و فيما أنشد فيه من المراثي 417

ص: 537

حكاية غريبة 432

باب في أحوال الإمام التاسع و السيّد الشافع حجّة اللّه على العباد

الفصل الأوّل

في مولده و وفاته و أسمائه و أولاده و النصّ عليه 435

الفصل الثاني

في تزويجه امّ الفضل بنت المأمون و فيما جرى في المجلس 447

الفصل الثالث

في جوامع أحواله عليه السلام 454

باب أحوال الإمام العاشر و النور الزاهر أبي الحسن الثالث علي بن محمّد

الفصل الأوّل

في أسمائه الشريفة و ميلاده المبارك و النصّ عليه بالخصوص 459

خراب سرّ من رأى و تدارك عمارتها 461

الفصل الثاني

فيما جرى بينه و بين الخلفاء و تاريخ وفاته 475

تحقيق في هذا الباب 476

دواء المتوكّل و نذر امّه 479

الفصل الثالث

في أحوال جعفر و أولاده عليهم السلام 485

باب في أحوال الإمام الحادي عشر السيّد الرضي الزكي أبي محمّد

الفصل الأوّل

ص: 538

في ولادته و أسمائه و جملة من أحواله و النصّ عليه 489

الفصل الثاني

في مناقبه و شيء من معاني أخلاقه عليه السلام 501

صفة الكحل 503

دعاء شريف 503

ثواب اللعن 505

الفصل الثالث

في نوادر أحواله عليه السّلام 507

رسالته عليه السلام إلى علي بن بابويه 507

فهرس الآيات 512

فهرس الأشعار 518

فهرس الموضوعات 531

ص: 539

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.