رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار المجلد 1

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: موسوي حسيني جزائري، سيد نعمه الله

عنوان واسم المؤلف:ریاض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار المجلد 1

مظهر:3ج

الناشر: موسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان

مقدمة الكتاب: مقدمة الكتاب: مقسم إلى ثلاثة مجلدات كبيرة:

ج1 - هناك ثلاثة أبواب ومواسم وأغراض في معرفة النبي باري وصفاته ، وحياة وفضائل وتحديات ومعارك النبي أكرم وحضرة علي (علیه السلام).

ج2 - في وصف حالات حضرة صدّيقه طاهرة وأبنائها العشرة الأبرياء من الإمام مجتبى إلى الإمام العسكري (علیه السلام)

ج3 - عن حضرة القائم (عج) وغيابه المشرف.

الموضوع:تاریخ معصومین علیهم السلام

رقم الببليوغرافيا الوطنية: ع 514

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ریاض الابرار فی مناقب الائمة الاطهار

تالیف: سید نعمة الله بن عبدالله جزائری

موسسه التاریخ العربی

ص: 3

حقوق الطّبع محفوظة

الطّبعة الأولى

1247 ه-2006 م

موسسه التاریخ العربی

ص: 4

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

الصورة

ص: 7

الصورة

ص: 8

ص: 9

ص: 10

مقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي

الحمد للّه الذي جعل أهل البيت عليهم السّلام كسفينة نوح من ركب فيه نجى و الصلاة على نبيّه و عترته سادات الورى،و بعد فإنّ المذنب الفاني نعمة اللّه الموسوي الحسيني وفّقه اللّه تعالى لمراضيه و جعل مستقبل أحواله خيرا من ماضيه يقول:هذا هو المجلّد[التالي]من كتابنا رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار و هذه الأبواب في مناقب البتول بنت الرسول صلّى اللّه عليه و اله المعصومة المؤيّدة و المنصورة المسدّدة الانسية الحوراء فاطمة الزهراء صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها و في مناقب ولديها سيّدي شباب أهل الجنّة أبي محمّد الحسن و أبي عبد اللّه الحسين و في معجزات الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين و ابنه الإمام باقر العلوم و أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق و الإمام موسى بن جعفر الكاظم و عليّ بن موسى الرضا و محمّد الجواد و عليّ الهادي و الحسن العسكري سلام من الرحمن نحو جنابهم فإنّ سلامي لا يليق ببابهم.

ص: 11

أحوال فاطمة الزهراء

اشارة

أمّا أحوال فاطمة الزهراء ففيه أبواب:

الباب الأوّل: في ولادة فاطمة و أسمائها و بعض معجزاتها و مكارم أخلاقها و مجمل أحوالها

في كتاب الأمالي مسند إلى الصادق قال:إنّ خديجة عليها السّلام لمّا تزوّج بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هجرتها نسوة مكّة فكنّ لا يتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة،فلمّا حملت بفاطمة عليها السّلام كانت تحدّثها من بطنها و تصبّرها فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوما فقال:يا خديجة من تحدّثين؟

قالت:الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني.

قال:هذا جبرئيل يخبرني أنّها انثى و أنّ اللّه تعالى سيجعل نسلي منها و يجعل من نسلها أئمّة خلفاء في أرضه،فلمّا حضرت ولادتها وجّهت إلى النساء قريش لما تليه النساء فأرسلن:

أنت عصيتنا و تزوّجت يتيم أبي طالب فلسنا نجيء،فاغتمّت لذلك،فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهنّ من بني هاشم ففزعت منهنّ فقالت إحداهنّ:لا تخرجي يا خديجة فإنّا رسل ربّك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية و هي رفيقتك في الجنّة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثوم بنت موسى بن عمران بعثنا اللّه إليك لنأمنك ممّا على النساء من النساء،فجلسن حولها،فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة فلمّا سقت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة و لم يبق في الدّنيا موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور و دخل عشرة من الحور العين مع كلّ واحدة طشت و ابريق من الجنّة،و في الإبريق ماء من الكوثر فغسّلتها بماء الكوثر و لفّتها واحدة من النساء الأربع بخرقة بيضاء و قنّعتها باخرى ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة بالشهادتين و قالت:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ أبي سيّد الأنبياء و أنّ بعلي سيّد الأوصياء

ص: 12

و ولدي سيّد الأسباط،ثمّ سلّمت عليهنّ و سمّت كلّ واحدة باسمها و تضاحكن معها و بشّر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة و حدث في السماء نور ظاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة:خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكية ميمونة فتناولتها فألقمتها ثديها فكانت فاطمة عليها السّلام تنمى في اليوم كما ينمى الصبي في الشهر،[و تنمى في الشهر]كما ينمى الصبي في السنة (1).

و في عيون الأخبار بإسناده إلى الهروي عن الرضا عليه السّلام قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:لمّا عرّج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة فناولني من بطنها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي،فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السّلام حوراء إنسية فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة.

و في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى الصيرفي عن الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:خلق نور فاطمة عليها السّلام قبل أن يخلق الأرض و السماء و هي حوراء إنسيّة خلقها من نورها قبل أن يخلق آدم و كانت في حقّة تحت ساق العرش طعامها التسبيح،فلمّا أخرجني من صلب آدم جعلها تفّاحة في الجنّة فأتاني بها جبرئيل قال:يا محمّد كلها ففلقتها فرأيت نورا ساطعا فقال:هذا النور لفاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار و ظلم أعداؤها عن حبّها،انتهى ملخّصا (2).

و في كتاب العلل بإسناده إلى جابر قيل:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنّك تلثم فاطمة،فقال:إنّ جبرئيل أتاني بتفّاحة من تفّاح الجنّة فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي،فواقعت خديجة و حملت عليها السّلام فأنا أشمّ منها رائحة الجنّة (3).

و في ذلك الكتاب أيضا عن ابن عبّاس أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:أكلت رطبة من الجنّة فتحوّلت نطفة في صلبي فواقعت خديجة فحملت بفاطمة،فإذا اشتقت إلى الجنّة شممت رائحتها (4).7.

ص: 13


1- -الأمالي:692 ح 1،و شجرة طوبى:248/2.
2- -معاني الأخبار:107/2،و أمالي الصدوق:546 ح 7.
3- -علل الشرائع:183/1 ح 1،و البحار:5/43 ح 4.
4- -علل الشرائع:184/1 ح 2،و أمالي الصدوق:546 ح 7.

و في كتاب المناقب عن جابر قال:ما رأيت فاطمة تمشي إلاّ ذكرت رسول اللّه،تميل على جانبها الأيمن مرّة و على جانبها الأيسر مرّة،ولدت بعد النبوّة بخمسين سنين و بعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الاخرى و أقامت بمكّة[مع]أبيها ثماني سنين و هاجرت معه إلى المدينة فزوّجها من عليّ عليه السّلام بعد مقدمها المدينة بسنتين أوّل يوم من ذي حجّة و روي يوم السادس،و قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لها ثمانية عشر سنة و سبعة أشهر و ولدت الحسن عليه السّلام و لها اثنا عشر سنة (1).

أقول:و روي غير هذا أيضا ممّا يقاربه و روي أنّ نقش خاتمها عليها السّلام:أنا من المتوكّلين.

و في كتاب الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:لفاطمة عند اللّه عزّ و جلّ تسعة أسماء فاطمة و الصدّيقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدّثة و الزهراء،و سمّيت فاطمة لأنها فطمت من الشرّ و لو لا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام تزوّجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه (2).

أقول:فيه دلالة على أنّ عليّا و الزهراء عليها السّلام أشرف من اولي العزم غير أبيها صلّى اللّه عليه و اله.و أمّا قدح الناصبي الرازي بأنّ نوح و إبراهيم من آبائها فلا نكاح هناك،فلم يكن فيه دلالة على أشرفيّتها عليهما.

فالجواب عنه ظاهر أمّا أولا،فبأنّ المراد الكفوية مع قطع النظر عن الأبوية كما يدلّ عليه ذكر آدم.

و أمّا ثانيا فلعدم الفصل بين نوح و إبراهيم و غيرهما من أولي العزم.

و في كتاب العلل عن الصادق عليه السّلام:سمّيت الزهراء لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام بالنور في اليوم ثلاث مرّات كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور حجراتهم فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فسألون فيرسلون إلى منزل فاطمة فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي و النور سلع من محرابها من وجهها فيعلمونه أنّه من فاطمة فإذا انتصف النهار فتصفرّ ثيابهم و ألوانهم فيسألون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيرسلهم8.

ص: 14


1- -المناقب:132/3،و روضة الواعظين:143.
2- -امالي الصدوق:688 ح 18،و روضة الواعطين:148.

إلى منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها بالصفرة فيعلمون أنّها منها فإذا كان آخر النهار و غربت أحمرّ وجهها عليها السّلام فأشرقت وجهها بالحمرة فرحا و شكرا للّه عزّ و جلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرّ حيطانهم فيسألونه فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها جالسة تسبّح اللّه و تمجّده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ ذلك النور منها فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولدت الحسين عليه السّلام،فهو ينقلب في وجوهها إلى يوم القيامة منّا أهل البيت إمام بعد إمام (1).

أقول:لعلّ النور الأوّل نور المعرفة و اليقين و الثاني نور الخوف و الثالث نور الحياء و وجه المناسبة ظاهر.

و في ذلك الكتاب عنه عليها السّلام سمّيت الزهراء،لأنّ اللّه عزّ و جلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة للّه ساجدين،و قالوا:إلهنا و سيّدنا ما هذا النور؟

فأوحى اللّه إليهم:هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من نور عظمتي أخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء،و أخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري و هم خلفائي في أرضي (2).و فيه أيضا عن أبي الحسن عليه السّلام:سمّيت فاطمة لأنّ اللّه تبارك و تعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يتزوّج في الأحياء و أنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله.

فلمّا ولدت فاطمة سمّاها اللّه عزّ و جلّ فاطمة لما[اخرج منها]و جعل في ولدها ففطمهم عمّا طمعوا،فبهذا سمّيت فاطمة لأنّها فطحت طمعهم إلى قطعته (3).

و عنه عليه السّلام:إنّها فطمت بالعلم و فطمت عن الطمث (4).

و عن أبي جعفر:إنّ لفاطمة وقفة على باب جهنّم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني1.

ص: 15


1- -علل الشرائع:180/1 ح 2،و بحار الانوار:11/43 ح 2.
2- -علل الشرائع:180/1 ح 1،و الامامة و التبصرة:133.
3- -علل الشرائع:187/1 ح 2،و اللمعة البيضاء:95.
4- -عوالي اللئالي:333/1.

كلّ رجل مؤمن أو كافر فيوم بمحب كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّا فتقول:

إلهي سمّيت فاطمة و فطمت من تولاّني من النار و وعدك الحقّ فيقول:صدقت يا فاطمة و وعدي الحقّ،و إنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك و ليظهر لملائكتي و أنبيائي مكانك عندي،فمن قرأت بين عينيه محبّا[فخذي]بيده إلى الجنّة (1).

و عنه عليه السّلام:فاطمة البتول لأنّها لم تر حمرة لأنّه مكروه في بنات الأنبياء.

و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام:سمّيت الزهراء لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلّقة بقدر الجبار لها مائة ألف باب من الملائكة يراها أهل الجنّة كما يرى أحدكم الكواكب الدريّ الزهراء في افق السماء فيقولون هذه الزهراء لفاطمة عليها السّلام (2).

و في إرشاد القلوب مرفوعا إلى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال:كنت عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فدخل عليه العبّاس فقال:يا رسول اللّه بما فضّل علينا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و المعادن واحدة؟

فقال:إنّ اللّه خلقني و خلق عليّا،و لا سماء و لا أرض و لا جنّة و لا نار و لا لوح و لا قلم، فلمّا أراد خلقنا تكلّم بكلمة و كانت نورا ثمّ تكلّم كلمة ثانية فصارت روحا فمزج فيما بينهما فخلقني و خلق عليّا منهما،ثمّ فتق من نوري نور العرش و فتق من نور عليّ نور السماوات و من نور الحسن نور الشمس و من نور الحسين نور القمر فنحن أجلّ منها و كانت الملائكة تسبّح اللّه، فلمّا أراد أن يبلوهم أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها فقالت الملائكة:نسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا،فخلق نور الزهراء كالقنديل و علّقه في فرطي العرش فزهرت السماوات السبع و الأرضون السبع فمن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء و كانت الملائكة تسبّح للّه و تقدّسه فقال اللّه:و عزّتي و جلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحك إلي لمحبّي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها،فخرج العبّاس و ضمّ عليّا على صدره و قال:ما أكرمكم على اللّه. (3)7.

ص: 16


1- -علل الشرائع:189/1 ح 142،و المختصر:132.
2- -المناقب:111/3،و بحار الانوار:16/43 ح 14.
3- -بحار الانوار:17/43 ح 16،و اللمعة البيضاء:107.

و عن أبي عبد اللّه إنّ فاطمة عليها السّلام كانت تكنّى أمّ أبيها (1).

و عنه عليه السّلام:إنّ اللّه اختار من النساء أربعا مريم و آسية و خديجة و فاطمة (2).

و في عيون الأخبار و غيره عن أئمّة الطاهرين عليهم السّلام بالأسانيد المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها.و في لفظ آخر فمن آذاها فقد آذاني (3).

يقول مؤلّف هذا الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ في صحيح البخاري هذا الحديث بعينه و روى بعده بأوراق قليلة إنّ فاطمة خرجت من الدّنيا و هي غاضبة عليهما أعني الشيخين فتحيّروا في وجه الجمع بين الخبرين لصحتها و لم يقعوا عليه.

و في كتاب الأمالي عن عليّ عليه السّلام قال:قالت فاطمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف و يوم الأهوال؟

قال:عند باب الجنّة مع لواء الحمد أشفع لأمّتي إلى ربّي،قالت:يا أبتاه فإن لم ألقك هناك؟

قال:القني على الحوض و أنا أسقي امّتي،قالت:يا أبتاه إن لم ألقك هناك؟

قال:ألقني على الصراط و أنا قائم أقول:ربّ سلّم أمّتي.

قالت:فإن لم ألقك هناك؟

قال:ألقني[عند] (4)شفير جهنّم أمنع شررها و لهبها عن أمّتي فاستبشرت فاطمة بذلك صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها (5).

و فيه أيضا عنه عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخل على ابنته فاطمة عليها السّلام و إذا في عنقها قلادة فأعرض عنها فقطعتها و رمتها و أعطتها سائلا،فقال صلّى اللّه عليه و اله:أنت منّي يا فاطمة (6).

و في الخرائج عن سلمان أنّ فاطمة عليها السّلام كان قدّامها رحى تطحن بها الشعير و على3.

ص: 17


1- -بحار الانوار:19/43 ح 19،و الاصابة:262/8.
2- -بحار الانوار:201/14 ح 11،و تفسير العياشي:215/3.
3- -عيون الاخبار:29/1 ح 6،و أمالي الصدوق:467 ح 1.
4- -في المصدر:عند.
5- -الامالي:أمالي الصدوق:350،و بحار الانوار:35/8 ح 6.
6- -الامالي:552،و المناقب:221/3.

عمود الرحى دم سائل و الحسين في ناحية الدار يتضوّر من الجوع،فقلت:يا بنت رسول اللّه دبّرت كفاك و هذا فضة،فقالت:أوصاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن تكون الخدمة لها يوما فكان أمس يوم خدمتها.

قال سلمان:إنّي مولا عتاقت،أمّا أنا أطحن الشعير أو أسكت الحسين لك،فقالت:أنا بتسكينه أرفق و أنت تطحن الشعير،فطحنت شيئا من الشعير و إذا أنا بالإقامة فمضيت و صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فلمّا فرغت قلت لعليّ:ما رأيت،فبكى و خرج ثمّ عاد فتبسّم فسأله عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:دخلت على فاطمة و هي مستلقية لقفاها و الحسين نائم على صدرها و قدّامها رحى تدور من غير يد فقال:يا علي أما علمت أنّ للّه ملائكة سيّارة في الأرض يخدمون محمّد و آل محمّد إلى أن تقوم الساعة (1).

و فيه أيضا أنّ عليّا عليه السّلام استقرض من يهودي شعيرا فدفع إليه إزار فاطمة عليها السّلام رهنا و كانت من الصوف فوضعها اليهودي في بيت و دخلت امرأته بالليل إلى ذلك البيت فرأت نورا ساطعا فأخبرت زوجها فتعجّب و دخل البيت فرأى الإزار كأنّه يشتعل من بدر منير فأسرع إلى أقاربه و أسرعت إلى أقاربها و كانوا ثمانين من اليهود فرأوا النور فأسلموا كلّهم (2).

و في كتاب الخرائج أنّ اليهود كان لهم عرس فقالوا للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله:لنا معك حقّ الجوار فأرسل ابنتك إلى دارنا حتّى يزداد عرسنا بها،فقال:إنّها زوجة عليّ بن أبي طالب و هي بحكمه و سألوه أن يشفع إلى علي في ذلك،و قد جمع اليهود الأموال و الحلي و الحلل و ظنّوا أنّ فاطمة عليها السّلام تدخل من غير ثياب حسنة و أرادوا استهانة بها فجاء جبرئيل بثياب من الجنّة و حلي و حلل فلبستها فاطمة و تحلّت بها،فلمّا دخلت دار اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها و أسلم بسببها خلقا كثيرا من اليهود (3).

و في تفسير الثقة العيّاشي عن أبي جعفر قال:إنّ فاطمة عليها السّلام ضمنت لعليّ عليه السّلام عمل البيت و العجين و الخبز و قمّ البيت،و ضمن لها عليّ عليه السّلام ما كان خلف الباب و نقل الحطب و أن3.

ص: 18


1- -الخرائج و الجرائح:531/2،و بحار الانوار:28/43.
2- -الخرائج و الجرائح:537/2،و بحار الانوار:30/43.
3- -الخرائج و الجرائح:538/2،و بحار الانوار:30/43.

يجيئ بالطعام،فقال لها يوما:يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت:لا،قال:أفلا أخبرتني؟

قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نهاني أن أسألك شيئا،قال:لا تسألي ابن عمّك شيئا إن جاءك بشيء و إلاّ فلا تسأليه،فاستقرض من رجل دينارا فلقي المقداد فقال للمقداد:ما أخرجك بهذه الساعة؟

قال:الجوع،فقال عليه السّلام:و هو الذي أخرجني و سأوثرك بهذا الدينار فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا و فاطمة تصلّي و بينهما شيء مقطى،فلمّا فرغت اجترت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز و لحم،و قال:يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه[يرزق من يشاء بغير حساب.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:ألا أحدثك بمثلك و مثلها؟

قالت:بلى.قال:]مثلك و مثلها مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال:يا مريم أنّا لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب،فأكلوا منها شهرا و هي الجفنة التي يأكل منها القائم و هي عندنا (1).

و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال عليّ عليه السّلام و فاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه بينهما برزخ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ الحسن و الحسين رأس البكّائين ثمانية آدم و نوح و يعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين عليهم السّلام.أمّا فاطمة بكت على رسول اللّه حتّى تأذّى بها أهل المدينة فقالوا لها:لقد آذيتنا بكثرة بكاءك إمّا أن تبكي بالليل و إمّا أن تبكي بالنهار،فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي،فقال عليه السّلام:إنّ اللّه اختار من النساء أربعا مريم و عاصية و خديجة و فاطمة و انّها أفضلهنّ و إنّهنّ يمشين أمامها كالحجاب إلى الجنّة و إنّما فضلتهن فاطمة لأنّها ورثت رسول اللّه و نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منها (2)./.

ص: 19


1- -تفسير العياشي:172/1،و بحار الانوار:/19814ح 4.
2- -المناقب:101/3،و بحار الانوار:43:32/.

و روي عن عائشة[أن فاطمة]كانت إذا دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قام لها من مجلسه و قبّل رأسها و أجلسها مجلسه و إذا جاء إليها لقيته و قبّل كلّ واحد منهما صاحبه و جلسا معا (1).

و قال عبد اللّه بن الحسين:دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على فاطمة فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها ثمّ قال:يا بنيّة هذا أوّل خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيّام فجعلت فاطمة عليها السّلام تبكي و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يمسح وجهها بيده.

و في كتاب المناقب عن جابر أنّه افتخر عليّ و فاطمة عليهما السّلام بفضائلهما فأخبر جبرائيل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّهما أطال الخصومة في محبّتك فاحكم بينهما فدخل و قصّ عليهما مقالتهما، ثمّ أقبل على فاطمة فقال:لك حلاوة الولد و له عزّ الرّجال و هو أحبّ إليّ منك،فقالت فاطمة:[و الذي اصطفاك و اجتباك و هداك و هدى بك الأمة]لا زلت مقرّة له ما عشت.

أقول:و في خبر آخر:هي أحبّ إليّ منك و أنت أعزّ عليّ منها (2).

و فيه أيضا:أنّه دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على فاطمة فرآها منزعجة،فقال لها:ما بك؟

قالت:الحميراء:افتخرت على أمّي أنّها لم تعرف رجلا قبلك و إنّ امّي عرفتها مسنّة، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ بطن أمّك كان للإمامة وعاء (3).

و فيه إنّه سئل الصادق عليه السّلام عن معنى(حي على خير العمل)،قال:خير العمل برّ فاطمة و ولدها (4).

و في خبر آخر:الولاية.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تبارك و تعالى الذي يسمّى الثاني زمن خلافته إلى إسقاط هذا الفضل من الأذان هو سماعه لهذا الحديث،فموّه على الناس بأنّ سماعهم حي على خير العمل يوجب ترك الجهاد و الإقبال على الصلاة فقبله العامّة منه.4.

ص: 20


1- -المناقب:113/3،و بحار الانوار:40/43.
2- -مناقب آل أبي طالب:187/2،و كشف الغمة:384/1.
3- -البحار:43/43.
4- -التوحيد:241 ح 2،و البحار:44/43 ح 44.

و فيه عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لمّا خلق اللّه الجنّة خلقها من نور وجهه،ثمّ قذف ذلك النور فأصابني ثلث النور و أصاب فاطمة عليها السّلام ثلث النور و أصاب عليّا و أهل بيته ثلث النور فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (1).

أقول:ظهر من هذا الحديث و غيره أنّ نور فاطمة يعادل نور الجنّة و كذلك نور عليّ و الأئمّة من ولده عليهم السّلام،فإن قيل:إنّ النور الذي يعادل نور الجنّة بل يزيد عليه ينبغي أن يرى فيهم على هيئته،قلنا في الجواب:قد ورد في صحيح البخاري أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته ما كان يظهرون للناس من صفاتهم و حالاتهم إلاّ ما كانوا يحتملونه،و لو رأوا أنوار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته الحسيّة لما أطاقوا النظر إليه و لخيف عليهم العمى و كذلك في درجات العلوم و مراتب الألحان و الأصوات في تلاوة القرآن في الصلاة و غيرها (2).

ص: 21


1- -مناقب آل أبي طالب:106/3،و البحار:44/43.
2- -سبب اخفاء النبي للعلم الربّاني: آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله كانوا يخفون كثيرا من علومهم،حتى أخبروا أنفسهم بالعلّة و هي عدم الكتمان،فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و اللّه لو أن على أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلى شيء، ولكن فيكم الإذاعة،و اللّه بالغ أمره»بحار الأنوار:141/26 ح 13 باب انه لا يحجب عنهم شيء. و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امرىء بما له و عليه»بحار الأنوار: 149/26 ح 34 باب أنه لا يحجب عنهم شيء. و قال الإمام زين العابدين عليه السّلام: إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا و قد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين و وصى قبله الحسنا يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي:أنت ممّن يعبد الوثنا و لاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا الأصول الأصيلة:167،و غرر البهاء الضوي:318،و مشارق انوار اليقين:17،و جامع الأسرار:35 ح 66 و قال الإمام الصادق عليه السّلام لمن سأله عن سبب رفع النبي عليّا عليه السّلام على كتفه؟ فقال:«ليعرف الناس مقامه و رفعته. فقال:زدني؟ فقال عليه السّلام:«ليعلم الناس أنّه أحق بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. فقال:زدني؟ فقال:«ليعلم الناس أنه إمام بعده و العلم المرفوع. فقال:زدني؟ فقال:«هيهات،و اللّه لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي و أنت تقول ان جعفر ابن محمد كاذب في قوله أو مجنون»مشارق انوار اليقين:17. و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«خالطوا الناس بما يعرفون،و دعوهم مما ينكرون،و لا تحملوا على أنفسكم و علينا؛إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان.الأصول الأصيلة:169. و قال عليه السّلام:«لا تذيعوا سرّنا و لا تحدّثوا به عند غير أهله فان المذيع سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا». الخرايج و الجرايح:267 باب 7. و قد بيّن الإمام العسكري عليه السّلام علّة عدم اخبارهم بالامور الغيبية بقوله لموسى الجوهري:«ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب،فنخرج ما علمنا منه إليكم،فيسمعه من لا يطيقه إستماعه فيكفر».الهداية الكبرى:334 باب 13. على أن الظروف التي كان يعيشها النبي صلّى اللّه عليه و اله و كذلك بعض الأئمّة كانت مختلفة فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان في بداية الدعوة الإسلامية و قريب عهد بالجاهلية. بينما أمير المؤمنين عليه السّلام جاء بعده بسنوات،و هكذا الأئمة واحدا بعد واحد. و إذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر الذي يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب:قال بعد أن ذكر توقف الرسالة على علم النبي صلّى اللّه عليه و اله بكل الأشياء: فعلم الرسول بالعالم و إحاطته بما يحدث فيه و قدرته على تعميم الاصلاح للداني و القاصي و الحاضر و الباد؛من أسس تلك الرسالة العامة و قاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة. غير ان الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة صلّى اللّه عليه و اله أن يظهر للامّة تلك القوى القدسية و العلم الربّاني الفيّاض.و كيف يعلن بتلك المواهب و الإسلام غضّ جديد،و الناس لم تتعرّف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟! فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى و تطمئن إلى الإيمان بذلك العلم.بل و لم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ،و ما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلاّ بعد اللتيا و التي و بعد الترهيب و الترغيب».علم الإمام:9-10. أقول:عدم افصاح النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله عن كنه علمه كان بالنسبة لعامّة الناس. و إلاّ فقد أفصح لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته و حقيقة علمه،بل و في بعض الأحيان كان يفصح للكثير من الصحابة عن بعض الأمور الغيبية أو الغامضة الجديدة،كما تقدّم في كثير من الأحاديث حول عالم الأنوار،و انّه كان حول العرش هو و آله،و انه كان نبيا و آدم بين الطين و الماء. إضافة إلى أحاديث أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ الأعظم و علمه و انّه علّمه ألف باب من العلم يفتح منه ما أراد،و الذي يشعر بأنّه ليس تعليما كسبيا،بل إشارة إلى المنحة الربّانية التي أفاضها النبي على آل محمد عليهم السّلام.

ص: 22

و قد روي إنّ ابنة المأمون زوجة الجواد عليه السّلام كانت تراه الأحيان على هيئة من الحسن تعلو وجهه الأنوار منه إلى عنان السماء و ربّما جاءها الحيض ذلك الوقت و كانت تظنّ أنّه ساحر لاختلاف رؤيتها له،و رأته مرّة و أمّها جالسة معها فغشي عليها فحاضت فخرج عليه السّلام و هو يقرأ: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ (1).

قوله:أكبرنه أي حضن،و أمّا أمّها فإنّها رأته على الهيئة المعروفة منه،و كذلك خواصّهم كانوا بعض الأحيان يرونهم على تلك الهيئة الخاصّة كسلمان و أبي ذرّ و عمّار و المقداد و زرارة و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و نحوهم و لا يرون إلاّ ما يطيقون تحمّله.

و روي أنّ الصادق عليه السّلام حدّث الجعفي ستّين ألف حديث من الأسرار لم يحدّث غيره بها و نهاه عن الإذاعة فلم يطق تحمّلها فقال له عليه السّلام:امض إلى الصحراء و احفر حفيرة وضع رأسك فيها و قل حدّثني جعفر بن محمّد حتّى يخلو قلبك ممّا فيه و الأرض تحتمل علومنا، ففعل ما أمره و هان عليه ما كان فيه (2).

و من هذا يظهر لك السبب فيما ورد أنّ الرضا عليه السّلام كان أسمر اللون،و ذلك أنّ عامّة الناس كانت تراه على ذلك الحال لمصالح و حكم لا نعرفها.

و روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ما كان يسمع أصحابه في قراءة الصلاة من الصوت إلاّ ما كانت تحمّله عقولهم (3).

و هذا أصل من الاصول ألقيناه إليك من كلامهم عليهم السّلام في اختلاف خواص أحوالهم و صفاتهم و هيئاتهم فاحمل ما لا تعرفه من حالاتهم على هذا الأصل.

و روي متواترا عن الصادق عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و رواه العامّة متواترا عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ اللّه6.

ص: 23


1- -سورة يوسف:31.
2- -كشف الخفاء:196/1.
3- -أمالي الصدوق:467،و عيون أخبار الرضا:29/1 ح 6.

ليغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها (1).و قد تقدّم.

و فيه دلالة على أنّها معصومة لأنّ غير المعصوم إذا فعل ذنبا لا يرضى اللّه لرضاه و لو غضب غضبا لا يوافق قانون الشريعة لا يغضب اللّه لغضبه.

و فيه أيضا من كتاب ابن مردويه بالإسناد إلى الأوسي قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:حدّثني جبرئيل عليه السّلام إنّ اللّه تعالى لمّا زوّج عليّا عليه السّلام أمر شجرة طوبى فحملت رقاعا لمحبّي آل بيت محمّد ثمّ أمطرها ملائكة من نور بعدد تيك الرقاع فأخذ تلك الملائكة الرقاع،فإذا كان يوم القيامة و استوت بأهلها أهبط اللّه الملائكة بتلك الرقاع،فإذا لقي ملك من تلك الملائكة رجلا من آل بيت محمّد دفع إليه رقعة براءة من النار (2).

و قال ابن عبّاس:بينا أهل الجنّة في الجنّة رأوا نورا أضاء الجنّة فيقولون:يا ربّ إنّك قلت في كتابك لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً (3)فينادي مناد:ليس هذا نور الشمس و لا نور القمر و إنّ عليّا و فاطمة تعجّبا من شيء فضحكا فأشرقت الجنان من نورهما.

و فيه عن عليّ بن معمر قال:خرجت امّ أيمن إلى مكّة لمّا توفيت فاطمة عليها السّلام و قالت:

لا أرى المدينة بعدها فأصابها عطش شديد في الجحفة حتّى خافت على نفسها،فنظرت إلى السماء و قالت:يا رب أتعطشني و أنا خادمة بنت نبيّك فنزل إليها دلو من ماء الجنّة فشربت و لم تجع و لم تطعم سنين (4).

و عن مالك بن دينار قال:رأيت في طريق الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة تقول:لا في بيتي تركتني و لا إلى بيتك حملتني فو عزّتك و جلالك لو فعل بي هذا غيرك لما شكوته إلاّ إليك،فإذا شخص أتاها و في يده زمان ناقة فقال لها:اركبي فركبت و سارت الناقة كالبرق الخاطف،فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها من أنت؟5.

ص: 24


1- -المناقب:109/3،و بحار الأنوار:45/43.
2- -المناقب:109/3،و بحار الأنوار:45/43.
3- -سورة الإنسان:13.
4- -المناقب:117/3،و بحار الأنوار:46/43 ح 45.

فقالت:أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة خادمة الزهراء عليها السّلام (1).

و فيه أيضا أنّ فاطمة عليها السّلام سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خاتما فقال:إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من اللّه خاتما ففعلت فإذا بهاتف يقول:يا فاطمة الذي طلبتي تحت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له فجعلته في اصبعها و فرحت،فلمّا نامت من ليلتها رأت كأنّها في الجنّة فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنّة مثلها قالت:لمن هذه القصور؟

قالوا:لفاطمة بنت محمّد فكأنّها دخلت قصرا من ذلك فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم فقالت:ما لهذا السرير قد مال على ثلاث؟

قالوا:لأنّ صاحبته طلبت من اللّه خاتما فنزع أحد القوائم و صيغ لها خاتما و بقي السرير على ثلاث قوائم،فلمّا أصبحت دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قصّت القصّة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:معاشر آل عبد المطّلب ليس لكم الدّنيا إنّما لكم الآخرة و ميعادكم الجنّة و الدّنيا زائلة غرّارة،فأمرها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أن تردّ الخاتم تحت المصلّى فردّت،ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة فدخلت ذلك القصر فرأت السرير على أربع قوائم فسألت على حاله فقالوا:ردّت الخاتم و رجع السرير إلى هيئته (2).

و فيه أيضا عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه إنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السّلام من منزله خرجت فاطمة حتّى انتهت إلى القبر فقالت:خلّوا عن ابن عمّي فو الذي بعث محمّدا بالحقّ، لأن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأضعنّ قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على رأسي و لأصرخنّ إلى اللّه فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي.

قال سلمان:فرأيت و اللّه أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها ينفذ فدنوت منها فقلت:يا سيّدتي و مولاتي إنّ اللّه تبارك و تعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة،فرجعت الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا (3).8.

ص: 25


1- -المناقب:117/3،و بحار الأنوار:46/43 ح 46.
2- -المناقب:118/3.
3- -المناقب:118/3،و بحار الأنوار:206/28.

و في كتاب الفضائل قال:دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على عليّ عليه السّلام و هو و فاطمة عليهما السّلام يطحنان في الجاروش فقال:أيّكما أعيا؟

فقال عليّ:فاطمة،فقال لها:قومي يا بنيّة فقامت و جلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم موضعها مع عليّ عليه السّلام فواساه في طحن الحبّ (1).

و في كتاب الآل عن العسكري عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لمّا خلق اللّه آدم و حوّاء [جعلا]يتبخترا في الجنّة فقال آدم لحوّاء:ما خلق اللّه خلقا هو أحسن منّا،فأوحى اللّه إلى جبرئيل ائت بعبديّ الفردوس الأعلى،فلمّا دخلا الفردوس الأعلى نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنّة و على رأسها تاج من نور و في اذنيها قرطان من نور و قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال آدم:حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي أشرقت الجنان من حسن وجهها؟

فقال:هذه فاطمة بنت محمّد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان،قال:فما هذا التاج الذي على رأسها؟

قال؛بعلها عليّ بن أبي طالب،قال:فما القرطان في اذنيها؟

قال:ولداها الحسن و الحسين،قال آدم:يا جبرئيل أخلقوا قبلي؟

قال:هم موجودون في غامض علم اللّه قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ورد في صحيح الأخبار أنّ النبيّ و أهل بيته عليهم السلام خلق اللّه سبحانه لهم أجساما مثالية من نور محسوسة تدرك بالأبصار قبل أن يصيروا إلى هذه الأبدان في هذا العالم و كانت أرواحهم في تلك الأجساد النوريّة،فلمّا صاروا إلى هذا العالم خلق لهم أجسادا مثل أجسادهم تدبر كلّ روح من أرواحهم تلك الأجساد الكثيرة.

كما روي أنّ أربعين من الصحابة أضافوا عليّا عليه السّلام في ليلة واحدة و أنّه كان عند كلّ واحد منهم في وقت واحد.

و عليه يحمل ما ورد في الحديث الصحيح من أنّه عليه السّلام يحضر عند الأموات وقت2.

ص: 26


1- -بحار الأنوار:51/43 ح 47.
2- -بحار الأنوار:6/25 ح 8،و كشف الغمة:84/2.

الاحتضار البرّ و الفاجر كما قال عليه السّلام للحارث الهمداني،شعر:

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا (1)

و ربما كان لهم أجساد غير هذه الأجساد كما روي في واقعة الطفوف لمّا قتل ابنه الحسين عليه السّلام و كان يأتي عليه السّلام إلى الأجساد الملقاة على التراب بصورة الأسد فرآه رجل يقبّل جسد الحسين عليه السّلام و يتمرّغ بدمه فسأل الجنّ-الذي كانوا ينوحون على الحسين عليه السّلام و لا يرى إلاّ أصواتهم-من هذا الأسد؟

فقالوا:أبوه أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

مع أنّه يجوز أن يكون اللّه سبحانه أقدرهم على التشكّل بما يريدون من الصور النورانية و الأبدان الجسمانيّة كما أقدر الملائكة على ذلك و هم أجلّ شأنا من الملائكة،و التحقيق السابق دالّ على ذلك (3).

ص: 27


1- -رسائل المرتضى:133/3،و وسائل الشيعة:159/2.
2- -نور البراهين:316/1.
3- -يمكن أن يستدل على ذلك بأمور: حضور آل محمد عند كل ميت: قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له:أمّا ما كنت تحزن من هم الدنيا و حزنها فقد أمنت منه و يقال له:أمامك رسول اللّه و علي و فاطمة عليهم السّلام»-بحار الأنوار:184/6 ح 17 باب ما يعاين المؤمن و الكافر عند الموت،و الكافي:134/3 ح 10. و عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:و الذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم،و حتى يرى ملك الموت ويراني و يرى عليا و فاطمة و الحسن و الحسين..»أهل البيت لتوفيق أبو علم:68-69 الباب الثاني،و بشارة المصطفى:6 ح 7 مع تفاوت بسيط. و في قصة السيد الحميري و رؤيته لامير المؤمنين عليه السّلام عند موته ما يؤيد ذلك و انشد في ذلك شعرا: كذب الزاعمون أن عليا لن ينجي محبه من هنات قد و ربي دخلت جنة عدن و عفا لي الاله عن سيئاتي فابشروا اليوم أولياء علي و تولوا علي حتى الممات ثم من بعده تولوا بنيه واحدا بعد واحد بالصفات كشف الغمة:39/2-40 مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام،و البحار:192/6 ح 42 باب ما يعاني المؤمن و الكافر عند الموت. و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«و يمثل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم عليهم السّلام»بحار الأنوار:196/6 ح 49. و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه السّلام حاضرا عنده و أنشد للحارث الهمداني: يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه و اعرفه بعينه و اسمه و ما فعلا أقول للنار و هي توقد لل عرض ذريه لا تقربي الرّجلا ذريه لا تقربيه إن له حبلا بحبل الوصي متصلا و أنت يا حار إن تمت ترني فلا تخف عثرة و لا زللا اسقيك من بارد على ظمأ تخاله في الحلاوة العسلا شرح النهج لابن أبي الحديد:299/1 الخطبة 20،و رسائل الشريف المرتضى:133/3. و الروايات في ذلك كثير.و هي تثبت حضور أصحاب الكساء عند كل ميت في آن واحد و في أكثر من مكان،و أيضا في إمكان رؤيتهم بروحهم و جسدهم و بمثاله. و قد جوز ابن العربي رؤية النبي محمد صلّى اللّه عليه و اله بجسمه و روحه و بمثاله الآن الحاوي للفتاوى:450/2. و قال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في اكثر من مكان:الرجل الكبير(القطب)يملأ الكون و انشد بعضهم: كالشمس في كبد السماء و ضوؤها يغشى البلاد مشارقا و مغاربا الحاوي للفتاوي:454/2. و صرح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة الرسائل العشرة:18،و شرح الشمائل المحمدية:246/2. و قال في الذخائر المحمدية:إنّ رؤيا النبي صلّى اللّه عليه و سلم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة الذخائر المحمدية:146. و أجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آن واحد من اقطار متباعدة مع أن رؤيته صلّى اللّه عليه و اله حق:بأنه صلّى اللّه عليه و اله سراج و نور الشمس في هذا العالم،مثال نوره في العوالم كلها،و كما أن الشمس يراها من في المشرق و المغرب في ساعة واحدة و بصفات مختلفة،فكذلك النبي صلّى اللّه عليه و اله.و للّه در القائل: كالبدر من أي النواحي جئته يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا المواهب اللدنية:297/2 خصائص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. و استدل عليه الحافظ البرسي في مشارقه ببعض الآيات القرآنية فلتراجع مشارق أنوار اليقين:142. هذا،و تواتر حديث:«من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل مكاني-لا يستطيع أن يتمثل بي-لا يتكون في صورتي-لا يتشبه بي»المواهب اللدنية:293/2 إلى 301 ذكر خصائصه و ذكر جملة من المصادر،و كشف الغمة:269/2. و قال العلماء في معناه:هو في الدنيا قطعا و لو عند الموت لمن وفق لذلك الذخائر المحمدية:147. و روى الإمام الرضا عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي»كشف الغمة:120/3 فضائل الرضا،و الأنوار النعمانية:/4 54. و قال القاضي أبو بكر ابن العربي:رؤيته صلّى اللّه عليه و اله بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة،و رؤيته على غير صفته إدراك للمثال،فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض،و يكون ادراك الذات الكريمة حقيقة،و إدراك الصفات إدراك المثال المواهب اللدنية:294/2 خصائص النبي صلّى اللّه عليه و اله،و ارشاد الساري: 502/14. و قال القسطلاني:فإن قلت:كثيرا يرى على خلاف صورته المعروفة و يراه شخصان في حالة واحدة في مكانين و الجسم الواحد لا يكون إلاّ في مكان واحد. أجيب:بأنه في صفاته لا في ذاته،فتكون ذاته عليه الصلاة و السلام مرئية،و صفاته متخيلة غير مرئية،فالادراك لا يشترط فيه تحديق الابصار و لا قرب المسافة،فلا يكون المرئي مدفونا في الأرض و لا ظاهرا عليها،و إنما يشترط كونه موجودا ارشاد الساري:503/14. و من حال كثير من العلماء و قصصهم يعلم امكان رؤية النبي و أهل بيته عليهم السّلام،و كما ذكر ذلك في محله راجع المواهب اللدنية:297/2-301،و ينابيع المودة:551/2-554،و كشف الغمة:239/1 -383،و إلزام الناصب:340/ إلى 427،و دلائل الامامة:273 إلى 288 و 294 إلى 320. قال الشيخ المرسي:لو حجب عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين.المواهب اللدنية:300/2 خصائص النبي صلّى اللّه عليه و اله. و يؤيد ذلك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء و وجه يلي أهل الأرض، فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم و لا يحجبون عنه»مشارق انوار اليقين:139. و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق»كمال الدين:221/1 باب 22 ح 5،و الانسان الكامل:87. و عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام قال لمن سأله أن يدعو له:«أولست افعل؟و اللّه إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم و ليلة»أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال على النبي ح 4. و أخرج عبد الرزاق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«انتم تعرضون علي باسمائكم و سيمائكم»المصنف:/2 214 ح 3111 عن مجاهد. و اخرج البخاري في الادب المفرد عن أبي ذر أنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «عرضت علي أعمال أمتي-حسنها و سيئها-فوجدت محاسن اعمالهم»الادب المفرد:80 ح 231 باب إمامة الأذى(116). و اخرج الحارث و البزار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«حياتي خير لكم تحدثون و نحدث لكم و موتي خير لكم تعرض علي أعمالكم»المطالب العالية:22/4 ح 3853. و يؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عند ما قال:«سلوني قبل أن تفقدوني،اسألوني عن طرق السموات،فإنّي أعرف بها مني بطرق الأرض». فقام رجل من القوم فقال:يا أمير المؤمنين اين جبرائيل هذا الوقت؟ فقال:«دعني انظر،فنظر إلى فوق و إلى الأرض يمنة و يسرة،فقال عليه السّلام:«أنت جبرائيل». فطار من بين القوم شق سقف المسجد بجناحه،فكبر الناس و قالوا:اللّه أكبر يا أمير المؤمنين من أين علمت أن هذا جبرائيل. فقال:«إني لما نظرت إلى السماء بلغ نظري ما فوق العرش و الحجب،و لما نظرت إلى الأرض خرق بصري طبقات الأرض إلى الثرى،و لما نظرت يمنة و يسرة رأيت ما خلق و لم أر جبرائيل في هذه المخلوقات،فعلمت انه هو»الأنوار النعمانية:32/1. و هذا يدل على إمكان إحاطة الأمير بالكون بأجمعه في لحظة واحدة. و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليهما السّلام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه بأضعاف مضاعفة، فشاهد كل مؤمن و مؤمنة»الهداية الكبرى للخصيبي:270 باب 9. و بذلك يتضح إمكان رؤية آل محمد:الآن و في كل مكان،و تقدم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون،بلحمهم و جسدهم و روحهم. و هذا يدلّ أن الإمام حاضر عند كل انسان لا يغيب عنه شخص من الأشخاص،لذا ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:« إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء و وجه يلي أهل الأرض،فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم و لا يحجبون عنه»(بحار الأنوار:9/27 ح 21 و مشارق أنوار اليقين:139). و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق»(كمال الدين:221/1 باب 22 ح 5،و الإنسان الكامل:87).

ص: 28

ص: 29

و من كتاب مولد فاطمة لابن بابويه عن عليّ عليه السّلام قال:كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:أخبروني أيّ شيء خير للنساء؟

فعيينا بذلك كلّنا حتّى تفرّقنا،فرجعت إلى فاطمة عليها السّلام فأخبرتها فقالت:خير للنساء أن

ص: 30

لا يرين الرّجال و لا يراهن الرّجال،فرجعت و أخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قلت:أخبرتني فاطمة بذلك،فأعجب ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:إنّ فاطمة بضعة منّي،انتهى ملخّصا (1).

و كان صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا ينام حتّى يقبّل وجه فاطمة أو بين ثدييها.

و سألت فاطمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالت:أهل الدّنيا يوم القيامة عراة؟

فقال:نعم يا بنيّة،[فقالت:و أنا عريانة؟

قال:نعم]و أنت عريانة و لا يلتفت فيه أحد فقالت:وا سؤتاه من اللّه يومئذ فما خرجت حتّى قال لي هبط عليّ الروح الأمين فقال:يا محمّد اقرأ فاطمة السلام و اعلمها أنّها استحت من اللّه فاستحى اللّه منها فوعدها أن يكسوها يوم القيامة حلّتين من نور.

قال عليّ:فقلت لها فهلاّ سألته عن ابن عمّك؟

فقالت:فعلت،فقال:إنّ عليّا أكرم على اللّه عزّ و جلّ من أن يعريه يوم القيامة (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ الأخبار جاءت في كيفيّة المحشر على وجوه:

منها؛ما روي من قوله عليه السّلام:تنوقوا بأكفانكم فإنّها زينتكم يوم القيامة (3).

و منها:ما روي من قوله عليه السّلام:يحشر الناس حفاة عراة عزلا و الأعزل الأغلف.

و منها؛ما روي أنّ المؤمن يحشر و عليه ثياب و الكافر يحشر عريانا و لهذا يجمع بين الأخبار أو بالحمل على المواقف المتعدّدة فإنّ الناس يوم القيامة تختلف أحوالهم باختلاف المواقف كما نطقت به الأخبار.

و في ذلك الكتاب عن جابر الأنصاري قال:أقبل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم شيخ من العرب عليه سمل (4)فقال:يا نبيّ اللّه أنا جائع الكبد و عاري الجسد و فقير،فقال:ما أجد لك شيئا ولكنّ الدالّ على الخير كفاعله انطلق إلى حجرة فاطمة،فانطلق الأعرابي مع بلال،فلمّا وقف على باب فاطمة نادى:السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة،فقالت فاطمة:و عليك السلام فمن أنت؟ق.

ص: 31


1- -وسائل الشيعة:20.و بحار الأنوار:54/43.
2- -بحار الأنوار:55/43،و كشف الغمة:118/2.
3- -التفسير الصافي:140/2،و مجمع البحرين:394/4.
4- -السمل:الخلق.

قال:شيخ من العرب عاري الجسد جائع الكبد،و كان لفاطمة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثا ما طعموا،فعمدت فاطمة إلى جلد كبش كان ينام عليه الحسن و الحسين عليهما السّلام فقالت:خذ هذا فقال:أنا جائع فعمدت إلى عقد كان في عنقها فقطعته و نبذته إلى الأعرابي فانطلق به إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:يا رسول اللّه أعطتني فاطمة و قالت بعه فعسى اللّه أن يصنع لك فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:كيف لا يصنع اللّه لك و قد أعطتك فاطمة بنت محمّد سيّدة بنات آدم،فقال عمّار:أتأذن لي يا رسول اللّه بشراء هذا؟

فقال:اشتره يا عمّار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم اللّه بالنار فقال عمّار:بكم العقد يا أعرابي؟

قال:بشبعة من الخبز و اللحم و بردة يمانية أستر بها عورتي و دينار يبلغني إلى أهلي، فقال:لك عشرون دينارا و مائتا درهم و بردة يمانية و راحلتي و شبعك من الخبز و اللحم فوفاه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:فاجز فاطمة بصنيعها.

فقال الأعرابي:اللّهم إنّك إله ما استحدثناك و لا إله لنا نعبده سواك و أنت رازقنا على كلّ الجهات،اللّهم اعط فاطمة ما لا عين رأت و لا اذن سمعت،فأمّن النبيّ على دعائه فعمد عمّار إلى العقد فطيّبه بالمسك و لفّه في بردة يمانية و دفع العقد إلى مملوكه فقال:خذ هذا العقد و ادفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أنت له،فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخبره فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد و أنت لها،فجاء و أخبرها فأخذت العقد و أعتقت المملوك، فقال الغلام:ما رأيت أعظم بركة من هذا العقد أشبع جائعا و كسى عريانا و أغنى فقيرا و أعتق عبدا و رجع إلى ربّه (1)،انتهى ملخّصا.

أقول:و في ذلك الحديث أنّ فاطمة عليها السّلام تسأل في قبرها عن ربّها و نبيّها و إمامها.

و روى الحسين بن سعيد معنعنا عن جعفر عن أبيه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش:يا معشر الخلائق غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب اللّه إلى قصرها فاطمة عليها السّلام و حواليها سبعون ألف حوراء،فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدت الحسن قائما و الحسين قائما مقطوع الرأس،فتقول للحسن:من هذا؟ه.

ص: 32


1- -أي سيّده و صاحبه.

فيقول:هذا أخي إنّ أمّة أبيك قتلوه و قطعوا رأسه،فيأتي النداء من عند اللّه يا بنت حبيب اللّه إنّي إنّما أريتك ما فعلت به أمّة أبيك لأنّي ادّخرت لك عندي تعزية بمحبتك فيه لي جعلت تعزيتك اليوم أن لا أنظر في محاسبة العباد حتّى تدخلي الجنّة أنت و ذرّيتك و شيعتك و من أولاكم معروفا ممّن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد،فيدخل الجنّة كلّهم فهو قول اللّه عزّ و جلّ:لا يحزنهم الفزع الأكبر،قال:هول يوم القيامة و هم فيما اشتهت أنفسهم خالدون،هي و اللّه فاطمة و ذرّيتها و شيعتها و من أولاهم معروفا ممّن هو ليس من شيعتها (1).

أقول:أولادها عليها السّلام من السّادة داخلون في ذرّيتها و شيعتها،و قوله:ممّن هو ليس من شيعتها.

يحتمل أن يراد من الشيعة الكاملون في المتابعة العالمون بالشرائع النبويّة فيكون المراد من ليس من شيعتها فسّاق الشيعة و عوامهم،و يجوز أن يراد من قوله:ممّن هو من شيعتها،محبّوها و محبّوا شيعتها من المستضعفين من أهل الأديان فإنّ بعض مشايخنا من المعاصرين ذهب إلى أنّهم ممّن يرجى لهم النجاة.

و في بعض الأخبار دلالة عليه.

و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لفاطمة:قومي يا فاطمة فاخرجي تلك الصفحة،فقامت فأخرجت صحفة فيها ثريد و لحم يفور فأكل منه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام ثلاثة عشر يوما ثمّ إنّ امّ أيمن رأت الحسين عليه السّلام معه شيء فقالت:من أين لك هذا؟

قال:إنّا نأكله منذ أيّام،فقال؛يا فاطمة إذا كان عند امّ أيمن شيء فإنّما هو لفاطمة و لولدها و إذا كان عند فاطمة شيء فليس لامّ أيمن شيء فأخرجت لها منه و أكلت و نفذت الصحفةفقال لها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أمّا لولا إنّك أطعمتيها لأكلت منها أنت و ذرّيتك إلى أن تقوم الساعة،ثمّ قال عليه السّلام؛و الصحفة عندنا يخرج بها قائمنا عليه السّلام في زمانه (2).5.

ص: 33


1- -بحار الأنوار:336/7 ح 21،و اللمعة البيضاء:56.
2- -الكافي:460/1 ح 7،و بحار الأنوار:63/43 ح 55.

و روى جابر عن أبي جعفر عليه السّلام إنّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد:يا أهل الجمع غضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة،فبعث اللّه سبحانه إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيّروها على باب الجنّة فإذا صارت على باب الجنّة تلتفت فيقول اللّه:يا بنت حبيبي ما التفاتك؟

فيقول:يا ربّ أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم،فيقول:ارجعي و انظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك خذي بيده و ادخليه الجنّة،فتأتي و تلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء،فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلتفتوا فيقول اللّه للشيعة:ما التفاتكم؟فيقولون[يا رب]أحببنا أن نعرف قدرنا في هذا اليوم،فيقول[اللّه]:انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة أو أطعمكم أو كساكم لحبّها أو سقاكم شربة من ماء أو ردّ عنكم غيبة فادخلوه الجنّة،فلا يبقى في النّاس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق،انتهى ملخّصا.و فيه دلالة على ما قلناه.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّه قال: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ،قال:الليلة فاطمة و القدر اللّه فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

و في كتاب المهج بإسناده إلى عبد اللّه بن سلمان الفارسي عن أبيه قال:خرجت من منزلي بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فلقيني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال:يا سلمان جفوتنا بعد رسول اللّه،فقلت:يا أبا الحسن إنّ حزني على رسول اللّه طال فهو الذي منعني من زيارتكم، فقال:ائت منزل فاطمة تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنّة.

قال سلمان:فهرولت إلى منزل فاطمة،فإذا هي جالسة و عليها قطعة عباة إذا خمرت رأسها انجلى ساقها و إذا غطّت ساقها انكشفت رأسها،فلمّا نظرت إليّ اعتجرت قالت:

يا سلمان إنّي كنت بالأمس جالسة و أنا أتفكّر في انقطاع الوحي عنّا فإذا قد دخل عليّ ثلاث جوار لم أر مثلهنّ فسألتهنّ عن أحوالهنّ فقلن:نحن جوار من الحور العين أرسلنا ربّ العزّة إليك يا بنت محمّد فقلت للذي أظنّ أنّها أكبرهنّ سنّا ما اسمك؟

قالت:اسمي مقدودة خلقت للمقداد بن الأسود،و قلت للثانية:ما اسمك قالت:ذرّة

ص: 34

خلقت لأبي ذرّ الغفاري،فقلت للثالثة:ما اسمك؟

قالت:سلمى أنا لسلمان الفارسي،ثمّ أخرجت لي رطبا أبيض من الثلج و أطيب ريحا من المسك،فقالت:يا سلمان أفطر عليه عشيّتك.

ثمّ قالت:يا سلمان هذا نخل غرسه اللّه في دار السلام بكلام علمنيه أبي كنت أقوله غدوة و عشية و إن سرّك أن لا تمسّك الحمى ما عشت فواظب عليه و هو:بسم اللّه النور بسم اللّه نور النور بسم اللّه نور على نور بسم اللّه هو مدبّر الامور بسم اللّه الذي خلق النور من النور، الحمد للّه الذي خلق النور من النور و أنزل النور من النور على الطور في كتاب مسطور في رقّ منشور بقدر مقدور على نبيّ محبور،الحمد للّه الذي هو بالعزّ مذكور و بالفخر مشهور و على السرّاء و الضرّاء مشكور و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين.

قال سلمان:فو اللّه لقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة و مكّة ممّن بهم الحمى،فكلّ برئ من مرضه بإذن اللّه تعالى (1).

و في كتاب المناقب مسندا إلى ابن عبّاس قال:خرج أعرابي من بني سليم إلى البريّة فاصطاد ضبّا و جعله في مكّة و أقبل نحو النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فوقف و نادى:يا محمّد يا محمّد و كان من أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا قيل له يا محمّد قال يا محمّد و إذا قيل له:يا أحمد،قال:يا أحمد،و إذا قيل له:يا أبا القاسم،قال:يا أبا القاسم،و إذا قيل له:يا رسول اللّه،قال:لبّيك و سعديك،و يتهلّل وجهه،فلمّا أن ناداه الأعرابي يا محمّد أجابه يا محمّد فقال له:أنت الساحر الكذّاب الذي ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء من ذي الهجة هو أكذب منك أنت الذي تزعم أنّ لك في هذه الخضراء إلها بعث بك إلى الأبيض و الأسود،و اللاّت و العزّى لولا انّي أخاف أنّ قومي يسمّونني العجول لقتلتك،فوثب إليه عمر ليبطش به فقال له:اجلس يا أبا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبيّا.

فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أخا بني سليم هكذا تفعل العرب يتهجّمون علينا في مجالسنا إنّ أهل السماء يسمّونني أحمد الصادق،يا أعربي أسلم تسلم من النار،فغضب الأعرابي و قال:

و اللاّت و العزّى لا أؤمن بك أو يؤمن هذا الضبّ ثمّ رمى بالضبّ عن كمّه فولّى هاربا فناداه8.

ص: 35


1- -بحار الأنوار:67/43/ ح 59،و اللمعة البيضاء:58.

النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها الضبّ أقبل إليّ فأقبل فقال:من أنا؟فنطق و قال:أنت محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من تعبد؟

قال:أعبد الذي فلق الحبّة و برأ النسمة و اتّخذ إبراهيم خليلا و اصطفاك يا محمّد حبيبا و أنشد فيه أشعارا،فلمّا نظر الأعرابي إلى ذلك قال:و اعجبا ضبّ اصطدته من البريّة لا يفقه و لا يعقل يكلّم محمّدا و يشهد له بهذه الشهادة أنا لا أطلب أثرا بعد عين مدّ يمينك فأسلم.

قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:هل لك شيء من المال؟

فقال:إنّا أربعة آلاف رجل من بني سليم ما فيهم أفقر منّي،فقال لأصحابه:من يحمل الأعرابي على ناقة أضمن له ناقة من نوق الجنّة فأعطاه سعد بن عبادة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

أصف لك ناقتك في الجنّة بدلا من ناقة الأعرابي؛ناقة من ذهب أحمر و قوائمها من العنبر و وبرها من الزعفران و عيناها من ياقوتة حمراء و عنقها من الزبرجد الأخضر و سامها من الكافور الأشهب و ذقنها من الدرّ و خطامها من اللؤلؤ الرطب عليها قبّة من درّة بيضاء يرى باطنها من ظاهرها و ظاهرها من باطنها تطير بك في الجنّة،ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من يتوج الأعرابي أضمن له على اللّه تاج التّقى فنزع عليّ عليه السّلام عمامته فعمّمه بها الاعرابي ثمّ قال:من يزوّد الأعرابي أضمن له زاد التقوى فوثب إليه سليمان فقال:و ما زاد التقوى؟

قال:يا سلمان إذا كان آخر يوم من الدّنيا لقّنك اللّه عزّ و جلّ قول شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،فإن أنت قلتها لقيتني و لقيتك و إن أنت لم تقلها لم تلقني و لم ألقك أبدا فمضى سلمان إلى حجرة فاطمة يطلب شيئا و قصّ عليها قصّة الأعرابي و الضبّ فقالت:يا سلمان أنّ لنا ثلاثا ما طمعنا و أنّ الحسن و الحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع،ولكن خذ درعي هذا و امض إلى شمعون اليهودي و قل له:تقول فاطمة بنت محمّد:خذ هذا و اقرضني عليه صاعا من تمر و صاعا من شعير أرده إليك إن شاء اللّه،فمضى به إلى شمعون ثمّ جعل يقلّبه في كفّه و عيناه تذرفان بالدموع و هو يقول:يا سلمان هذا هو الزّهد في الدّنيا هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة،فأسلم اليهودي و دفع إلى سلمان صاعا من تمر و صاعا من شعير فطحنته و اختبزته فقالت:امض به يا سلمان إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا فاطمة خذي منه قرصا للحسن و الحسين فقالت:يا سلمان هذا شيء أمضيناه للّه لسنا نأخذ منه شيئا،فجاء

ص: 36

به سلمان فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من أين لك هذا؟

قال:من منزل فاطمة،و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لم يطعم طعاما منذ ثلاث فأتى إلى منزل فاطمة فرأى صفار وجهها و تغيّر حدقتيها فسألها فقالت:يا أبه لنا ثلاثا ما طعمنا طعاما،فجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أخذ الحسن على فخذه الأيمن و الحسين على الأيسر و فاطمة بين يديه و عليّ وراءه و رفع طرفه نحو السماء و قال:إلهي و مولاي هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و دخلت فاطمة إلى المخدع و صلّت ركعتين و قالت:اللّهمّ انزل علينا مائدة فإذا هي بصحفة يفور قتارها فأتت بها إلى النبيّ و علي و الحسن و الحسين فقال لها عليّ:من أين لك هذا؟

فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:كل و لا تسأل،الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى رزقني ولدا مثلها مثل مريم بنت عمران،كلّما دخل عليها زكريا بالمحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه.

فأكلوا و تزوّد الأعرابي و ركب راحلته إلى بني سليم و هم أربعة آلاف رجل فناداهم قولوا:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه،فقالوا له:صبوت إلى دين محمّد الساحر الكذّاب فشرح لهم قصّة الضبّ مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أنشدهم أشعاره فأسلموا كلّهم و هم أصحاب الرايات الخضر حول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (1).

و روى في ذلك الكتاب أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كان عليهما ثياب خلق و قد قرب العيد فقالا لامّهما:إنّ بني فلان خيطت لهما الثياب الفاخرة أفلا تخيطين لنا ثيابا للعيد يا امّاه، فقالت:يخاط لكما إن شاء اللّه[فلما إن جاء العيد]جاء جبرئيل عليه السّلام بقميصين من حلل الجنّة و أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقول فاطمة للحسن و الحسين ثمّ قال جبرئيل:قال اللّه تعالى لمّا سمع قولها لا نستحسن أن نكذّب فاطمة بقولها:يخاط لكما إن شاء اللّه (2).

و روى الديلمي عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:بينما أهل الجنّة في الجنّة يتنعّمون إذ بدا لهم نور ساطع فيقول بعضهم لبعض:ما هذا النور لعلّ ربّ العزّة اطّلع فنظر1.

ص: 37


1- -بحار الأنوار:73/43.
2- -بحار الأنوار:75/43،و كلمات الإمام الحسين:21.

إلينا،فيقول لهم رضوان:لا و لكن عليّ عليه السّلام مازح فاطمة عليها السّلام فتبسّمت فأضاء ذلك النور من ثناياها (1).

في كتاب الفردوس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال؛فاطمة سيّدة نساء العالمين ما خلا مريم بنت عمران (2).

أقول:نطقت الأخبار الصحيحة بأنّ الزهراء عليها السّلام أفضل نساء العالمين مريم و غيرها و جاء مثل هذا الحديث في أخبار العامّة،فإن صحّ يمكن تأويله بأنّه لا يشارك فاطمة في سيادة النساء إلاّ مريم لأنّها سيّدة نساء عالمها و لا يلزم منه أن لا تكون فاطمة عليها السّلام أفضل منها.

و في بصائر الدرجات عن الصادق عليه السّلام قال:الجفر جلد ثور مملوّ علما و الجامعة صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه الناس حتّى أرش الخدش،و أمّا مصحف فاطمة،فإنّها مكثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خمسة و سبعون يوما و قد دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل عليه السّلام يأتيها فيحسن عزاها على أبيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و ما يكون بعدها في ذرّيتها و قال لها أمير المؤمنين عليه السّلام:إذا سمعت صوته فاعلميني فأعلمته،فجعل يكتب كلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفا أمّا إنّه ليس من الحلال و الحرام و لكن فيه علم ما يكون (3).

و في كتاب الدلائل مسندا إلى الحسين عليه السّلام قال:حدّتثني امّي فاطمة عليها السّلام قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:ألا أبشّرك إذا أراد اللّه أن يتحف زوجة وليّه في الجنّة بعث إليك،تبعثين [لها]من حليك (4).

و في حديث آخر عن الحسن عليه السّلام إنّها كانت عليها السّلام تدعو ليال الجمع للمؤمنين و المؤمنات فقال لها:يا امّاه لم لا تدعين لنفسك؟3.

ص: 38


1- -اللمعة البيضاء:44.
2- -بحار الأنوار:76/43،و اللمعة البيضاء:181.
3- -بصائر الدرجات:180.
4- -دلائل الإمامة:67 ح 3،و بحار الأنوار:80/43.

فقالت:يا بنيّ الجار ثمّ الدار (1).

و في علل الشرائع مسندا إلى عليّ عليه السّلام قال:إنّ فاطمة عليها السّلام كانت عندي و استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها و طحنت بالرّحى حتّى مجلت يداها و كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها و أوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها،فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها:لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل فأتت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فوجدت عنده جماعة يتحدّثون فاستحت فانصرفت قال:فعلم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّها جاءت لحاجة قال:

فعدا علينا و نحن في لحافنا فقال:السلام عليكم فسكتنا و استحيينا لمكاننا ثمّ قال:السلام عليكم فسكتنا ثمّ قال:السلام عليكم.

فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف،و قد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثا فإن أذن له و إلاّ انصرف فقلت:و عليك السلام يا رسول اللّه أدخل،فجلس عند رؤوسنا فقال:يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟

قال:فخشيت إن لم نجبه أن يقوم.

قال:فأخرجت رأسها و حكت له حالها و سؤالها الخادم،قال:أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم،إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثا و ثلاثين و احمدا ثلاثا و ثلاثين و كبّرا أربعا و ثلاثين،فأخرجت عليها السّلام رأسها فقالت:رضيت عن اللّه و رسوله ثلاثا (2).

أقول:هذا الترتيب خلاف المشهور فيحمل هذا الترتيب الخاصّ إمّا على حالة النوم و الترتيب المشهور على ما إذا كان بعد الصلوات و غيرها،و إمّا على أنّ«الواو»لا تفيد الترتيب فيرجع إلى المشهور.

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا أراد السفر يكون آخر زمن يسلّم عليه فاطمة فيكون وجهه إلى سفره من بيتها و إذا رجع بدأ بها فسافر مرّة و قد أصاب عليّ شيئا من غنيمة فدفعه إلى فاطمة فأخذت سوارين من فضّة و علّقت على بابها سترا،فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من سفره نظر إليها و خرج فبكت و قالت:ما فعل هذا بي إلاّ للسوارين3.

ص: 39


1- -علل الشرائع:182/1 ح 1،و بحار الأنوار:82/43 ح 3.
2- -علل الشرائع:366/2،و بحار الأنوار:83/43.

و الستر فدفعتهما إلى الحسن و الحسين و قالت:قولا له ما أحدثنا من بعدك إلاّ هذا فقبّلهما ثمّ أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعا ثمّ دعى أهل الصفة قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لا أموال فقسّمنه بينهم قطعا،ثمّ جعل يدعو الرجل العاري فيستره و كان ذلك الستر طويلا ليس له عرض فجعل يؤزر الرجال و كانوا من صفر ازارهم إذا ركعوا و سجدوا بدت عورتهم من خلفهم،ثمّ جرت به السنّة أن لا يرفع النساء رؤوسهنّ من الركوع و السجود حتّى يرفع الرجال،الحديث (1).

أقول:هذا الحديث يكشف عن معنى قوله عليه السّلام في حديث آخر:أنّه أمر أن لا يرفعن النساء رؤوسهنّ من السجود قبل الرجال لضيق الازر يعني ازر الرجال لا أزر النساء كما فهم جماعة.

و روى أبو القاسم القشيري في كتابه قال بعضهم:انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة فقلت لها:من أنت؟

قالت:و قل سلام فسوف تعلمون،فسلّمت عليها فقلت لها:ما تصنعين؟

قالت: مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ،فقلت:أمن الجنّ أم من الإنس؟

قالت: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ

فقلت:من أين أقبلت؟

قالت: يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ .

فقلت:أين تقصدين؟

قالت: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ،فقلت:متى انقطعت؟

قالت: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ،فقلت:تشتهين طعاما؟

فقالت: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ،فأطعمتها ثمّ قلت:هرولي و لا تعجلي،فقالت: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها

فقلت:أردفك،قالت؛ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا ،فنزلت فأركبتها.

فقالت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ،فلمّا أدركنا القافلة قلت:هل لك أحد فيها؟6.

ص: 40


1- -مكارم الأخلاق:94،و بحار الأنوار:83/43 ح 6.

قالت: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ ، يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ ، يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ فصحت بهذه الأسماء فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين إليها فقلت:من هؤلاء منك؟

قالت: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ،فلمّا أتوها قالت: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ،فكافؤني بأشياء.

فقالت: وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ فزادوا عليّ،فسألتهم عنها فقالوا:هذه امّنا فضّة جارية الزهراء عليها السّلام ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن (1).

و من كتاب زهد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لأبي جعفر القمّي لمّا نزلت وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ بكى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و بكت أصحابه لبكائه و لم يدروا ما نزل،و كان صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا رأى فاطمة فرح فانطلق سلمان إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيرا تطحنه و تقول: وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى فأخبرها ببكاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فالتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت اثنى عشر مكانا بسعف النخل،فلمّا خرجت نظر سلمان إلى الشملة و بكى و قال:و ا حزناه انّ قيصر و كسرى لفي السندس و الحرير و ابنة محمّد عليها هذه الشملة،فلمّا دخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قالت:إنّ سلمان يعجب من لباسي،و الذي بعثك بالحقّ مالي و لعلي منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا،فإذا كان الليل افترشناه و إنّ مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا سلمان إنّ ابنتي لفي الخيل السوابق،ثمّ قالت:يا أبه فديتك ما الّذي أبكاك،فذكّرها ما نزل به جبرئيل من الآيتين فسقطت على وجهها و هي تقول:الويل ثمّ الويل لمن دخل النار فسمعها سلمان فقال:يا ليتني كنت كبشا لأهلي فأكلوا لحمي و مزّقوا و لم أسمع بذكر النّار.و قال أبو ذرّ:يا ليت امّي كانت عاقرا و لم تلدني و لم أسمع بذكر النّار.و قال عمّار:يا ليتني كنت طائرا في القفار و لم يكن عليّ حساب و لا عقاب.

و قال عليّ عليه السّلام:يا ليت السباع مزّقت لحمي و ليت امّي لم تلدني.ثمّ وضع عليّ عليه السّلام يده على رأسه و جعل يبكي و يقول:وا بعد سفراه وا قلّة زاداه في سفر القيامة[يذهبون في النار2.

ص: 41


1- -بحار الأنوار:87/43 ح 8،و مجمع النورين:32.

و يتخطفون] (1)مرضى لا يعاد سقيمهم و جرحى لا يداوى جرائحهم و أسرى لا يفكّ [أسيرهم] (2)من النار يأكلون و منها يشربون و بين طبقاتها يتقلّبون و بعد لبس القطن مقطعات النار يلبسون و بعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرنون (3).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً .

روى مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان سبب نزول هذه الآية أنّ فاطمة عليها السّلام رأت في منامها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم همّ أن يخرج هو و فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام من المدينة فخرجوا حتّى جاوزوا من حيطان المدينة فتعرّض لهم طريقان،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ذات اليمين حتّى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم شاة في أحد اذنيها نقط فأمر بذبحها،فلمّا أكلوا ماتوا في مكانهم،فانتبهت فاطمة باكية،فلمّا أصبحت جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بحمار فأركب عليه فاطمة و أمر أن يخرج أمير المؤمنين و الحسن و الحسين من المدينة كما رأت فاطمة من نومها،فلمّا خرجوا من حيطان المدينة عرض له طريقان فأخذ ذات اليمين حتّى انتهوا إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى شاة و ذبحت و شويت،فلمّا أرادوا أكلها تنحّت فاطمة تبكي مخافة أن يموتوا،قال:ما شأنك يا بنيّة؟

قالت:رأيت كذا و كذا في نومي فتنحّيت لئلاّ أراكم تموتون فناجى ربّه فنزل جبرئيل و قال:يا محمّد هذا شيطان يقال له الدّهار أرى فاطمة هذه الرؤيا و هو يؤذي المؤمنين في نومهم،فجاء به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فبزق عليه ثلاث بزقات و شجّه في ثلاث مواضع ثمّ قال جبرئيل:قل يا محمّد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين:أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه المقرّبون و أنبياء اللّه المرسلون و عباده الصالحون من شرّ ما رأيت و من رؤياي،و يقرأ الحمد و المعوّذتين و قل هو اللّه أحد و يتفل عن يساره ثلاث تفلات فإنّه لا يضرّه5.

ص: 42


1- -زيادة من المصدر.
2- -في المصدر:أسيرهم.
3- -بحار الأنوار:8843/،و بيت الأحزان:45.

ما رأى (1).

و في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:رأت فاطمة في منامها كأنّ الحسن و الحسين ذبحا أو قتلا فأحزنها ذلك فأخبرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رؤيا فتمثّلت بين يديه قال:أنت أريت فاطمة هذا البلاء؟

قالت:لا،فقال:يا أضغاث أنت أريت فاطمة هذا البلاء؟

قالت:نعم يا رسول اللّه.

قال:فما أردت بذلك؟

قالت:أردت أن أحزنها،فقال:يا فاطمة اسمعي ليس هذا بشيء (2).

و في نوادر الراوندي قال:استأذن أعمى على فاطمة فحجبته فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لم حجبتيه و هو لا يراك؟

فقالت:إن لم يكن يراني فأنا أراه و هو يشمّ الريح،فقال:أشهد أنّك بضعة منّي (3).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:ليس على وجه الأرض بقلة أنفع من[الفرقح] (4)و هو بقلة فاطمة صلوات اللّه عليها،لعن اللّه بني اميّة سمّوها بقلة الحمقى بغضا لنا و عداوة لفاطمة عليها السّلام (5).

و عنه عليه السّلام:بقلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الهندباء و بقلة أمير المؤمنين عليه السّلام الباذروج و بقلة فاطمة عليها السّلام[الفرفح] (6)(7).2.

ص: 43


1- -تفسير القمي:356/2،و بحار الأنوار:199/73.
2- -تفسير العياشي:179/2 ح 31،و بحار الأنوار:91/43 ح 15.
3- -كتاب النوادر:119،و بحار الأنوار:91/43.
4- -في المصدر:الفرفح.
5- -الكافي:367/6 ح 1،و بحار الأنوار:89/43 ح 11.
6- -ظاهر المخطوط:الفرفخ،و هو نبت الفرفحين.
7- -الكافي:364/6 ح 10،و كفاية الأثر:242.

الباب الثاني: في تزويج فاطمة صلوات اللّه عليها

قال الشيخ المفيد رحمه اللّه في كتاب الحدائق ليلة إحدى و عشرين من المحرّم و كانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة:كان زفاف فاطمة عليها السّلام يستحبّ صومه شكرا للّه تعالى لما وفّق من جمع حجّته و صفوته (1).

و في كتاب الأمالي عن عليّ عليه السّلام قال:أتاني أبو بكر و عمر فقالوا:لو أتيت رسول اللّه فذكرت فاطمة،فأتيته،فلمّا رآني ضحك قال:ما جاء بك يا أبا الحسن؟فذكرت له قرابتي و نصرتي و جهادي فقال:يا عليّ صدقت،فقلت:زوّجني فاطمة،فقال:إنّه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها و لكن اجلس حتّى أخرج إليك و دخل عليها فقال:يا فاطمة إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته و إنّي قد سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه و أحبّهم إليه و قد ذكر من أمرك شيئا،فسكتت و لم تول وجهها فقام و هو يقول:سكوتها إقرارها فأتاه جبرئيل و قال:يا رسول اللّه زوّجها عليّ بن أبي طالب،فزوّجني رسول اللّه ثمّ أتاني فأخذ بيدي فأقعدني عندها و دعى لنا (2).

و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عليّا فاطمة دخل عليها و هي تبكي فقال لها:ما يبكيك؟فو اللّه لو كان في أهل بيتي خير منه زوّجتك،و ما أنا زوّجتك و لكنّ اللّه زوّجك و أصدق عنك الخمس ما دامت السماوات و الأرض.

قال عليّ عليه السّلام:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:قم فبع الدّرع،فبعته و أخذ الدراهم فقبض قبضة أعطاها بلال و قال:ابتع لفاطمة طيبا ثمّ قبض قبض بكلتا يديه و قال لأبي بكر و أردفه بعمّار و جماعة و قال:ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت،و كان ممّا اشتروه قميص

ص: 44


1- -مسار الشيعة للمفيد:36،و بحار الأنوار:345/95.
2- -الأمالي:40،و بحار الأنوار:93/43.

بسبعة دراهم و خمار بأربعة دراهم و قطيفة سوداء و سرير حباله من خوص النخل و فراشين فرش أحدهما ليف و حشو الآخر صوف و أربع مرافق من أديم الطائف حشوها أذخر و ستر من صوف و حصير و رحى لليد و مركن من نحاس و سقا من أدم وقعب للبن و شن للماء و مطهرة مزفته و جرّة خضراء و كيزان خزف،فحمل أبو بكر و من معه المتاع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فجعل يقلّبه بيده و يقول:بارك اللّه لأهل البيت،قال عليّ:فأقمت بعد ذلك شهرا لا أقول شيئا،ثمّ قلن أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:ألا نطلب لك من رسول اللّه دخول فاطمة عليك فقلت:

أفعلن؟

فقالت له امّ أيمن:لو أنّ خديجة باقية لقرّت عينها بزفاف فاطمة،و أنّ عليّا يريد أهله فقرّ عيوننا بذلك،فقال:فما بال عليّ لا يطلب منّي زوجته فقد كنّا نتوقّع ذلك منه،فقال عليّ:الحياء يمنعني يا رسول اللّه،فقال لأزواجه:هيّئوا لها حجرة امّ سلمة من حجره صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أمر أن تزيّن و يصلحن من شأنها.

قالت امّ سلمة:فسألت فاطمة هل عندك طيب اذخرتيه؟

فقالت:نعم،فأتت بقارورة فشممت منها رائحة ما شممت مثلها فقلت:ما هذا؟

قالت:كان دحية الكلبي يدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيقول لي:يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّك فأطرح الوسادة فيجلس عليها فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه،فسأل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن ذلك فقال:هو عبير يسقط من أجنحة جبرئيل عليه السّلام،ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عليّ اصنع لأهلك طعاما فاضلا من عندنا اللحم و الخبز و عليك التمر و السمن،فاشتريت تمرا و سمنا فحسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن ذراعه و جعل يشدخ التمر في السمن حتّى اتّحد حيا و بعث إلينا كبشا سمينا فذبح و خبز لنا خبز كثير ثمّ قال:ادع من أحببت،فأتيت المسجد و هو غاصّ بأهله فعلوت ربوة و ناديت:أجيبوا إلى وليمة فاطمة فجاء الناس فأكلوا عن آخرهم و دعوا لي بالبركة و هم أكثر من أربعة آلاف رجل و لم ينقص من الطعام شيء.

ثمّ دعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بالصحاف فملئت و وجّه بها إلى منازل أزواجه واحدة صحفة و جعل فيها طعاما و قال:هذا لفاطمة و بعلها حتّى إذا غربت الشمس قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أمّ

ص: 45

سلمة هلمي فاطمة،فأتت بها و هي تسحب أذيالها و قد تصبّبت عرقا حياء من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم[فعثرت] (1)فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أقالك اللّه العثرة في الدّنيا و الآخرة،فلمّا وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتّى رآها عليّ عليه السّلام ثمّ أخذ يدها فوضعها في يد عليّ عليه السّلام و قال:بارك اللّه لك في ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم انطلقا إلى منزلكما و لا تحدثا أمرا حتّى آتيكما فانطلقت بها حتّى جلست في جانب الصفة و جلست في جانبها و هي مطرقة إلى الأرض حياء منّي و أنا مطرق حياء منها،فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأجلس فاطمة من جانبه ثمّ قال:يا فاطمة آتيني بماء فأتته به فأخذ جرعة فتمضمض بها ثمّ مجّها في القعب و صبّ منها على رأسها و نضح بين ثدييها و كتفيها و دعى لهما ثمّ قال:ادخل بأهلك[بارك اللّه بأهلك]بارك اللّه لك (2).

و في كتاب الأمالي:أنّها دخل بها لأيّام خلت من شوّال،و روي أنّه دخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجّة (3).

أقول:فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هذا لعليّ عليه السّلام لعلل و أسباب منها:جريان السنّة بين الأمة فإنّ العرب و إلى الآن كانت تستنكف منه و منها إفراطه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في محبّة ابن عمّه و منها أنّه لم يكن لعليّ عليه السّلام أحد من أهله يتولّى ذلك له.و أمّا قول جبرئيل عليه السّلام:اطرحيها لعمّك،فقد ورد تفسيره في حديث آخر و هو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و جبرئيل خلقا من النور فهما اخوان،و أيضا أنّ جبرئيل أخا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه دخلت امّ أيمن على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و في مكحفتها شيء، فقال:ما هذا؟

قالت:إنّ فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها ثمّ بكت امّ أيمن و قالت:

يا رسول اللّه فاطمة زوّجتها و لم تنثر عليها فقال:يا امّ أيمن إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا زوّجت فاطمة عليّا أمر أشجار الجنّة أن تنثر عليهم من حليّها و حللها و ياقوتها و درّها و زمردها0.

ص: 46


1- -في المصدر:فتعثرت.
2- -أمالي الطوسي:43 ح 14،و بحار الأنوار:96/43.
3- -أمالى الطوسي:43 ح 16،و وسائل الشيعة:240/20.

و استبرقها فأخذوا منها ما لا يعلمون،و لقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة عليها السّلام فجعلها في منزل عليّ عليه السّلام (1).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم قال:كانت فاطمة عليها السّلام لا يذكرها أحد لرسول اللّه إلاّ أعرض عنه حتّى أيس الناس منها،فلمّا أراد أن يزوّجها من عليّ أسرّ إليهم فقالت:يا رسول اللّه أنت أولى بما ترى غير أنّ نساء قريش تحدّثني عنه إنّه رجل دحداح و هو القصير السمين عظيم البطن طويل الذراعين أنزع عظيم العينين ضاحك السنّ لا مال له،فقال:يا فاطمة أما علمت أنّ اللّه أشرف على الدّنيا فاختارني على رجال العالمين ثمّ اطلع فاختار عليّا على رجال العالمين ثمّ أطلع فاختارك على نساء العالمين،و إنّه لمّا اسري بي إلى السماء وجدت مكتوبا بأعلى صخرة بيت المقدس:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أيّدته بوزيره و نصرته بوزيره فقلت لجبرئيل:و من وزيره؟

قال:عليّ بن أبي طالب.

فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها:إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي محمّد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره و نصرته بوزيره عليّ بن أبي طالب،و رأيت مكتوبا على قائمة من قوائم العرش:لا إله إلاّ أنا محمّد حبيبي أيّدته بوزيره عليّ بن أبي طالب،فلمّا دخلت الجنّة رأيت شجرة طوبى أصلها في دار علي و لا في الجنّة قصر و لا منزل إلاّ و فيه غصن منها و أعلاها اسفاط حلل من سندس و استبرق يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط في كلّ سفط مائة ألف حلّة على ألوان مختلفة وسطها ظلّ ممدود يسير الراكب في ذلك الظلّ مائة عام فلا يقطعه،و أسفلها ثمار أهل الجنّة و طعامهم متدل في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة ممّا رأيتم في دار الدّنيا و ما لم تروه و كلّما يقطع منها شيء ينبت مكانه و يجري نهر في أصل تلك الشجرة تنفجر منها الأنهار،أنهار من ماء غير آسن و أنهار من لبن لم يتغيّر طعمه،و أنهار من خمر لذّة للشاربين،و أنهار من عسل مصفّى.

و أمّا قولك:إنّه بطين،فإنّه مملوّ من العلم الذي خصّه اللّه،و أمّا إنّه عظيم العينين فإنّ اللّه خلقه بصفة آدم عليه السّلام،و أمّا طول يديه فإنّ اللّه طوّلها يقتل بها أعداء اللّه و أعداء رسول اللّه8.

ص: 47


1- -حياة أمير المؤمنين:96/1 ح 8.

و به يفتح اللّه الفتوح و يقاتل المشركين على تنزيل القرآن و المنافقين من أهل البغي و النكث و الفسوق على تأويله،و يخرج اللّه من صلبه سيّدي شباب أهل الجنّة و يزيّن بهما عرشه.

[يا فاطمة ما بعث اللّه نبيا إلاّ جعل له ذرية من صلبه و جعل ذريتي من صلب علي، و لو لا علي ما كان لي ذرية].

فقالت فاطمة:ما أختار عليه أحدا (1).

أقول:في هذا الحديث إشعار بأنّه يجوز للبنت إظهار ما يعتقد عيبا في الزوج لوليها، و يجوز للولي أن يمتنع عن تزويجها للكفؤ مع وجود جميع تلك الصفات في الزوج أو بعضها و إن لم يكن من العيوب الشرعية.

و في الأمالي عن عليّ عليه السّلام في حديث قال فيه:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعد ما ضحك:إنّ اللّه كفاني ما قد كان أهمّني من أمر تزويجك،قلت:و كيف ذلك؟

قال:أتاني جبرئيل و معه من سنبل الجنّة و قرنفلها فشممتها فقال:إنّ اللّه تعالى أمر سكّان الجنان من الملائكة و من فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها و أشجارها و أثمارها و قصورها،و أمر ريحها فهبّت بأنواع العطر و الطيب و أمر حور عينها بقراءة سورة طه و طواسين و يس و حمعسق،ثمّ نادى مناد من تحت العرش:ألا إنّ اليوم يوم وليمة عليّ بن أبي طالب ألا أنّي أشهدكم إنّي قد زوّجت فاطمة من عليّ بن أبي طالب رضى منّي،ثمّ بعث اللّه سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها و زبرجدها و يواقيتها و قامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنّة و قرنفلها و هذا ممّا نثرت،ثمّ أمر اللّه ملكا يقال له راحيل و ليس في الملائكة أبلغ منه فقال له:

اخطب،فخطب بخطبة لم يسمع مثلها أهل السماء و لا أهل الأرض ثمّ نادى مناد:ألا يا ملائكتي باركوا على عليّ بن أبي طالب و فاطمة ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرّجال إليّ..الحديث (2).

و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام قال:كان فراش عليّ و فاطمة عليهما السّلام اهاب كبش إذا أرادا أن يناما عليه قلباه فناما عليه.3.

ص: 48


1- -تفسير القمي:338/2،و بحار الأنوار:101/43.
2- -الأمالي:654،و بحار الأنوار:102/43.

و عن جابر الأنصاري قال:لمّا زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاطمة من عليّ أتاه اناس من قريش فقالوا:إنّك زوّجت عليّا بمهر خسيس فقال:ما أنا زوّجت عليّا ولكن اللّه زوّجه ليلة اسري بي عند سدرة المنتهى،فأوحى اللّه إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدرّ و الجوهر و المرجان فالتقطنه حور العين،فهنّ يتهادينه و يتفاخرن و يقلن:هذا من نثار فاطمة،فلمّا كانت ليلة الزفاف أتى ببغلة شهباء و ثنى عليها قطيفة و أركبها و أمر سلمان أن يقودها و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يسوقها فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم صوت الملائكة فقال:ما أهبطكم إلى الأرض؟

قالوا:جئنا نزف فاطمة إلى عليّ بن أبي طالب،فكبّر جبرئيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و كبّر محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فوقع التكبير على العرايس من تلك الليلة.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ نثار سدرة المنتهى كان مقدّما على الأملاك و الزفاف هو مقدّمات الأملاك أعني الخطبة إلى الولي،و يقال له بالفارسية:نام زد،و على هذا يحمل ما ورد من اختلاف الأخبار في يوم التزويج و شهره بأن تحمل بعض تلك الأخبار على بعضها و بعضها على يوم الأملاك و بعضها على يوم أمر أن يشترى فيه الأثاث لها و بعضها على يوم الزفاف،فترجع الأخبار كلّها متوافقة غير متنافية.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى أمهر فاطمة ربع الدّنيا،فربعها لها و أمهرها الجنّة و النار تدخل أعداءها النار و تدخل أولياءها الجنّة،و على معرفتها دارت القرون الأولى.

أقول:المراد برفعها الربع الذي يسكنه أهلها و هو الربع المعمور منها فتكون الأرض المعمورة كلّها لفاطمة عليها السّلام فمن سكن الأرض من غير شيعتها سكن في المكان المغصوب، و نكح و صلّى و صام في الأرض المغصوبة كما نطقت به الأخبار.

و عنه عليه السّلام أنّ رسول اللّه زوّج عليّا فاطمة على درع له حطمية تسوى ثلاثين درهما (1).

و في تزويج الجواد عليه السّلام ابنة المأمون ذكر أنّه تزوّجها و بذل لها من الصداق مهر جدّته5.

ص: 49


1- -بحار الأنوار:105/43،و اللمعة البيضاء:255.

فاطمة و هي خمسمائة درهم جياد (1).

أقول:يمكن الجمع بحمل قوله:تسوى ثلاثين على أنّها قيمتها في الواقع لكنّها بيعت بخمسمائة درهم لرغبة الناس فيها.

و في كتاب الخرائج حديث في ليلة الزفاف قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال لامّ سلمة:

املأي القعب ماء فقال:يا عليّ اشرب نصفه[و] (2)قال لفاطمة:اشربي و أبقي،فأخذ الباقي و صبّه على وجههما و نحرهما،و يستفاد منه استحباب أن يفعل هذا في العرايس مع ما تقدّم من صبّ الماء بين كتفيها،و لم يذكره الفقهاء في كتب الفقهيّة (3).

قال المفضّل:العاقد بين فاطمة و بين عليّ هو اللّه تعالى و القابل جبرئيل و الخاطب راحيل و الشهود حملة العرش و صاحب النثار رضوان و طبق النثار شجرة طوبى،و النثار الدرّ و الياقوت و المرجان،و الرّسول هو المشاطر و وليد هذا النكاح الأئمّة عليهم السّلام.

و روي أنّ جبرائيل عليه السّلام أتى بحلّة قيمتها الدّنيا،فلمّا لبستها فاطمة[تحيّر] (4)نسوة قريش منها و قلن:من أين لك هذا؟

قالت:هذا من عند اللّه (5).

أقول:اختلفت الأحاديث بين العامّة و الخاصّة في المهر.فروي أنّه أربعمائة و ثمانين درهما.و روي أربعمائة مثقال فضّة.و روي أنّه برد حبرة و اهاب شاة.و الصحيح أنّه كان خمسمائة درهم.

و روى ابن مردويه أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال لعليّ:تكلّم خطيبا لنفسك،فقال:الحمد للّه الذي قرب من حامديه و دنا من سائليه و وعد الجنّة و وعد الجنّة من يتّقه و أنذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم إحسانه و أياديه حمد من يعلم أنّه خالقه و باريه و مميته و محييه و مسائله3.

ص: 50


1- -الحدائق الناظرة:353/18،و روضة الواعظين:239.
2- -في المصدر:ثم.
3- -الخرائج و الجرائح:535/2،و بحار الأنوار:106/43 ح 21.
4- -في المصدر:تحيرت.
5- -المناقب:130/3،و بحار الأنوار:115/43.

عن مساويه و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نستكفيه و نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له شهادة تبلغه و ترضيه و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلاة تزلفه و تخطيه و ترفعه و تصطفيه، و النكاح ممّا أمر اللّه به و يرضيه و اجتماعنا ممّا قدّره اللّه و أذن فيه (1).

أقول:يستحبّ قراءة هذه الخطبة قبل العقد في جميع العقود.

و روي أنّه كان عند زفافها النبيّ عليه السّلام و حمزة و عقيل و جعفر و أهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم و نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قدّامها يرتجزن فأنشأت امّ سلمة شعر:

سرن بعون اللّه جاراتي *** و اشكرنه في كلّ حالات

و اذكرن ما أنعم ربّ العلى *** من كشف مكروه و آفات

فقد هدانا بعد كفر و قد *** أنعشنا ربّ السماوات

و سرن مع خير نساء الورى *** تفدى بعمّات و خالات

يا بنت من فضّله ذو العلى *** بالوحي منه و الرسالات

ثمّ ارتجزت عائشة و حفصة و غيرهنّ من النساء (2).

و روي أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لمّا زفّت فاطمة قال:مرحبا ببحرين يلتقيان و نجمين يقترنان.و باتت عندها أسماء بنت عميس اسبوعا بوصية خديجة إليها ثمّ أتاهما صلّى اللّه عليه و اله في صبيحتهما و قال:

السلام عليكم أدخل رحمكما اللّه،ففتحت أسماء الباب و كانا نائمين تحت كساء[فقال:على حالكما]فأدخل رجليه بين أرجلهما فسأل عليّا كيف وجدت أهلك؟

قال:نعم العون على طاعة اللّه،و سأل فاطمة فقالت:خير بعل،فقال:اللّهمّ اجمع شملهما و ألّف بين قلوبهما ثمّ أمر بخروج أسماء،ثمّ خلا بها بإشارة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و روي أنّه كان صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعس فيه لبن فقال لفاطمة:

اشربي فداك أبوك،و قال لعليّ:اشرب فداك ابن عمّك (4).4.

ص: 51


1- -المناقب:127/3،و بحار الأنوار:112/43.
2- -المناقب:130/3،و بحار الأنوار:115/43.
3- -المناقب:131/3،و بحار الأنوار:117/43.
4- -المناقب:132/3،و بحار الأنوار:117/43 ح 24.

و في رواية أنّه بعد أن خطب عليّ عليه السّلام الخطبة المتقدّمة أمر صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بطبق بسر و أمر بنهبه و دخل حجرة النساء و أمر بضرب الدفّ (1).

[في]كشف اليقين عن أسماء بنت عميس قالت:سمعت سيّدتي فاطمة عليها السّلام تقول ليلة دخل بي عليّ بن أبي طالب:أفزعني لأنّ الأرض كانت تحدّثه و يحدّثها فأصبحت و أخبرت والدي فسجد سجدة طويلة ثمّ رفع رأسه و قال:أبشري بطيب النسل[و إنّ اللّه] (2)أمر الأرض أن تحدّثه بأخبارها و ما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها (3).

و فيه أيضا عن بلال بن حمامة قال:طلع علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و وجهه مشرق كالقمر، فقال له عبد الرحمن بن عوف:ما هذا النور؟

قال:بشارة من ربّي أتتني في أخي و ابن عمّي و ابنتي،و أنّ اللّه زوّج عليّا من فاطمة و أمر رضوان خادم الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبّي أهل بيتي و أنشأ من تحتها ملائكة من نور و دفع إلى كلّ ملك صكّا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّا فيه فكاكة من النار بأخي و ابن عمّي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من امّتي من النار (4).

و في رواية:أنّه يكون في الصكوك براءة من العليّ الجبّار لشيعة عليّ و فاطمة من النار (5).

و في كتاب المناقب عن امّ سلمة و سلمان و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قالوا:لمّا أدركت فاطمة بنت رسول اللّه مدرك النساء خطبها أكابر قريش،فأعرض عنهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لقد خطبها أبو بكر ثمّ عمر فقال:أمرها إلى ربّها فقال أبو بكر و عمر و سعد بن معاذ:إنّ عليّ بن أبي طالب لم يخطبها و لا يمنعه من ذلك إلاّ قلّة اليد،فقاموا إلى عليّ و كان ينضح ببعيره على1.

ص: 52


1- -بحار الأنوار:112/43،و شجرة طوبى:2522/.
2- -في المصدر:فإنّ اللّه فضّل بعلك على سائر خلقه،و.
3- -كشف الغمة:289/1،و بحار الأنوار:272/41 ح 26.
4- -بحار الأنوار:117/27،و المناقب:181.
5- -المناقب:123/3،و بحار الأنوار:124/43 ح 31.

نخل رجل من الأنصار باجرة فلمّا رآهم قال:ما حاجتكم؟

قال أبو بكر:يا أبا الحسن لم يبق خصلة من خصال الخير إلاّ و لك فيها سابقة و أنت من رسول اللّه بالمكان الذي عرفت و قد خطب الأشراف ابنته فاطمة فردّهم فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه،فإنّي أرجو أن يكون اللّه و رسوله إنّما يحبسانها عليك فتغرغرت عينا عليّ بالدموع و قال:قد هيّجت منّي ساكنا و اللّه ما يمنعني إلاّ قلّة ذات اليد،فقال:إنّ الدّنيا عند اللّه و رسوله كهباء منثور،ثمّ حلّ ناضحه و أقبل إلى رسول اللّه و كان في بيت امّ سلمة فدق الباب فقالت امّ سلمة:من بالباب؟

فقال لها رسول اللّه:قومي و افتحي،فهذا رجل يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله هذا أخي و ابن عمّي ففتحت فإذا هو عليّ بن أبي طالب فما دخل حتّى علم أنّي رجعت إلى خدري فقال:السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته.

فقال:و عليك السلام يا أبا الحسن اجلس،فجلس و جعل ينظر الأرض كأنّ له حاجة يستحي من إظهارها فقال له:يا أبا الحسن أتيت لحاجة فكلّ حاجة لك مقضيّة فقال عليّ:

فداك أبي و أمّي إنّك أخذتني من عمّك أبي طالب و فاطمة بنت أسد و أنا صبيّ لا عقل لي فغذّيتني بغذائك و أدبتني بأدبك و أنت ذخري في الدّنيا و الآخرة،فقد أحببت أن يكون لي بيت و زوجة أسكن إليها و قد أتيتك خاطبا لفاطمة،فهل أنت مزوّجني؟

فتبسّم في وجه عليّ فقال:و هل معك شيء أزوّجك به؟

قال:ما يخفى عليك من أمري شيء أملك سيفي و درعي و ناضحي فقال:أمّا سيفك فتجاهد به في سبيل اللّه و ناضحك تنضح به على نخلك و تحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوّجتك بالدرع،و أبشرك يا عليّ أنّ اللّه تعالى قد زوّجكها من السماء و لقد هبط عليّ ملك قبل أن تأتيني له وجوه شتّى لم أر مثله فبشّرني باجتماع الشمل و طهارة النسل اسمه سيطائيل موكّل بإحدى قوائم العرش،قال:سألت ربّي أن يأذن لي في بشارتك و هذا جبرئيل في أثري يخبرك بكرامة اللّه لك،فما استتمّ كلامه حتّى نزل جبرئيل فسلّم عليّ و وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنّة و فيها سطران مكتوبان بالنور فقلت:ما هذه الحريرة و الخطوط فقال:يا محمّد إنّ اللّه اختارك للرسالة و جعل لك أخا و وزيرا فزوّجه ابنتك فاطمة

ص: 53

و هو أخوك في الدّنيا و ابن عمّك في النسب عليّ بن أبي طالب،و أنّ اللّه أوحى إلى الجنان فتزخرفت و إلى شجرة طوبى احملي الحلل و الحلي و تزيّنت الحور العين و أمر اللّه الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند خطب عليه آدم يوم عرض الأسماء على الملائكة و هو منبر من نور،فأوحى إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له راحيل أن يعلو ذلك المنبر و أن يحمده بمحامده و يمجّده و أن يثني عليه بما هو أهله و ليس في الملائكة أحسن منطقا منه،فعلا المنبر و أثنى عليه بما هو أهله فارتجّت السماوات فرحا و سرورا.

قال جبرائيل:ثمّ أوحى إليّ أن اعقد عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة،و أمرني ربّي أن أعرضها عليك و أن أدفعها إلى رضوان،و لمّا أشهد اللّه سبحانه الملائكة على التزويج أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحليّ و الحلل فنثرت ما فيها فالتقطه الملائكة و الحور العين و أمرني أن آمرك أن تزوّج عليّا في الأرض و تبشّرهما بغلامين زكيّين ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛ما عرج الملك من عندي حتّى دققت الباب و أنا منفذ ما أمرني ربّي امض أمامي،فأنا خارج إلى المسجد و مزوّجك على رؤوس الناس و ذاكر من فضلك ما تقرّ به عينك و عين محبّيك فخرجت مسرورا فلقيني أبو بكر فقلت:

زوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ابنته و أخبرني أنّ اللّه زوّجنيها من السماء و هذا رسول اللّه في اثري، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:يا بلال اجمع لي المهاجرين و الأنصار فجمعهم،ثمّ رقى درجة من المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:

معاشر المسلمين إنّ جبرئيل أخبرني أنّ اللّه زوّج أمته فاطمة من عبده عليّ بن أبي طالب و أمرني أن أزوّجه في الأرض و اشهدكم على ذلك،ثمّ جلس و قال لعلي:اخطب لنفسك ثمّ قام و خطب ثمّ عقد لنفسه ثمّ قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من عليّ الدرع و انصرف إلى أزواجه و أمرهن بضرب الدفوف،فقال:يا أبا الحسن انطلق فبع درعك و ائتني بثمنه فبعته من عثمان بأربعمائة درهم سود،فلمّا قبضت الدراهم وهبني الدرع فطرحت الدرع و الدراهم بين يديه فأمر أبو بكر و جماعة بشراء ما يصلحنا من الثياب و أثاث البيت و مكثت بعد ذلك شهرا لا اعاوده في أمر فاطمة استحياء غير أنّي كنت إذا خلوت برسول اللّه يقول:يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك و أجملها أبشر يا أبا الحسن،فلمّا مضى شهر كلّمت امّ أيمن مولاته بحضور

ص: 54

نسائه،فأمر بإحضاره و خلّى به فقال:أتحبّ أن تدخل عليك زوجتك؟

فقلت:نعم فداك أبي و أمّي،فأمر أزواجه أن يزينّ فاطمة و يفرشن لها بيتا ففعلن ذلك، ثمّ أمر بالوليمة و زفّت فاطمة إليّ و مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعد ذلك ثلاثا لا يدخل علينا فدخل علينا في الرابع فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس فقال:ما يقفك و في الحجرة رجل؟

فقالت:جعلت فداك إنّ الفتاة إذا زفّت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعاهدها و تقوم بحوائجها و إنّ امّها خديجة أوصتني بذلك،فدعى لها بخير.

قال عليّ:و كانت غداة قرّة و كنت أنا و فاطمة تحت الهبا،فلمّا سمعنا الكلام أردنا أن نقوم فقال؛بحقّي عليكما لا تفترقا حتّى أدخل عليكما،فرجعنا إلى حالنا و جلس عند رؤوسنا و أدخل رجليه فيما بيننا فأخذت رجله اليمنى و ضممتها إلى صدري و أخذت فاطمة رجله اليسرى فضمّتها إلى صدرها و جعلنا ندفئ رجليه من البرد.

ثمّ ذكر في الحديث ما تقدّم من رشّه الماء عليها بعد شربها منه ثمّ قال:قالت فاطمة:يا أبه لا طاقة لي بخدمة البيت فأخدمني خادما،فقال:أفلا تريدين خيرا من الخادم؟

فقالت:بلى.

قال:تسبّحين اللّه عزّ و جلّ في كلّ يوم ثلاثا و ثلاثين مرّة و تحمدينه ثلاثا و ثلاثين مرّة و تكبرينه أربعا و ثلاثين مرّة فذاك مائة في اللسان و ألف حسنة في الميزان،و إذا قلت في صبيحة كلّ يوم كفاك اللّه ما أهمّك من أمر الدّنيا و الآخرة.

أقول:قال صاحب المناقب نقلا عن محمد بن يوسف ذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح،لأنّ أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب تزوّجها بعده أبو بكر فولدت له محمّد،فلمّا مات أبو بكر تزوّجها عليّ بن أبي طالب،و إنّ أسماء التي حضرت في عرس فاطمة إنّما هي أسماء بنت يزيد الأنصاري و أنّ أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة قدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع و كان زواج فاطمة عليها السّلام بعد وقعة بدر بأيّام يسيرة.

و لأسماء بنت يزيد أخبار كثيرة روتها عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلاّ أنّ الأخبار الدالّة على أنّها بنت عميس كثيرة و بعضها لا يقبل التأويل كقوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أسماء امّا إنّك تزوّجين بهذا الغلام

ص: 55

و تلدين له غلاما.

و روى أنّه لمّا زفّت فاطمة عليه السّلام نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و معهم سبعون ألف ملك و قدمت بغلة رسول اللّه الدلدل و عليها فاطمة عليها السّلام مشتملة بكساء و أمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب،و أمسك ميكائيل[بالثفر] (1)و رسول اللّه من يسوي عليها الثياب،فكبر جبرائيل و كبر إسرافيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و جرت السنّة بالتكبير إلى يوم القيامة.

و في كتاب العلل و المناقب و البشائر مسندا إلى أبي ذرّ قال:كنت أنا و جعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم،فلمّا قدمنا المدينة أهداها لعليّ عليه السّلام تخدمه فجعلها في منزل فاطمة،فدخلت فاطمة يوما فنظرت إلى رأس عليّ عليه السّلام في حجر الجارية فقالت:يا أبا الحسن فعلتها،فقال:لا و اللّه يا بنت محمّد ما فعلت شيئا فما الذي تريدين؟

قالت:تأذن لي في المصير إلى منزل أبي،فأذن لها فتجلّلت و تبرقعت و أرادت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فهبط جبرئيل فقال:يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول لك:إنّ هذه فاطمة قد أقبلت تشكو عليّا فلا تقبل منها في عليّ شيئا،فدخلت فاطمة فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

جئت تشكي عليّا؟

قالت:إي و ربّ الكعبة،فقال لها:ارجعي إليه فقولي له:رغم أنفي لرضاك،فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فقالت له:يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك،تقولها ثلاثا.

فقال لها عليّ:شكوتيني إلى خليلي و حبيبي رسول اللّه وا سؤتاه من رسول اللّه أشهد اللّه يا فاطمة أنّ الجارية حرّة لوجه اللّه و انّ الأربعمائة درهم التي فضلت من عطائي صدقة على فقراء أهل المدينة.

ثمّ أراد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فهبط جبرئيل فقال:يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول لك:قل لعليّ قد أعطيتك الجنّة بعتقك الجارية في رضا فاطمة و النار بالأربعمائة درهم التي تصدّقت بها،فادخل الجنّة من شئت برحمتي و اخرج من النار من شئت بعفوي فعندها قال عليّ عليه السّلام:ر.

ص: 56


1- -مصورة المخطوط لا تقرأ،و ما أثبتناه من المصدر.

أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار (1).

أقول:ما صدر من الزهراء عليها السّلام إنّما كان لمثل تحصيل هذه الخصلة العظيمة لابن عمّها و إلاّ فهي أجلّ قدرا من ذلك على أنّ الغيرة مركوزة في طباع النساء على الرّجال كما هي مركوزة في طباع الرجال عليهنّ.

و في دعوات الراوندي عن سويد بن غفلة قال:أصابت عليّ شدّة فأتت فاطمة عليها السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فدقّت الباب فقال:أسمع حسّ حبيبتي بالباب يا امّ أيمن قومي و افتحي فدخلت فقال:لقد جئتي في وقت ما كنت تأتينا في مثله،فقالت:يا رسول اللّه ما طعام الملائكة عند ربّنا؟

فقال:التحميد فقالت:ما طعامنا؟

قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛و الذي نفسي بيده ما اقتبس في آل محمّد شهرا نارا،و اعلّمك خمس كلمات علمنيهنّ جبرئيل عليه السّلام:يا ربّ الأوّلين و الآخرين يا ذا القوّة المتين و يا راحم المساكين و يا أرحم الراحمين،و رجعت.فلمّا أبصرها عليّ قال:بأبي أنت و أمّي ما وراءك يا فاطمة؟

قالت:ذهبت للدّنيا و جئت للآخرة.

قال عليّ عليه السّلام:خير أيّامك (2).

و في الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:حرّم اللّه عزّ و جلّ على عليّ النساء ما دامت فاطمة حيّة لأنّها طاهر لا تحيض (3).

أقول:لعلّ المراد أنّها لا تمنعه حاجته كما في غيرها و به شرع عقد الأزواج،و قيل:

المقصود جلالتها و عظمتها لكن عبّر عنه باللاّزم.

و في كتاب المناقب سئل عالم فقيل:إنّ اللّه تعالى قد أنزل هَلْ أَتى (4)في أهل1.

ص: 57


1- -علل الشرائع:164/1 ح 2،و بحار الأنوار:148/43.
2- -الدعوات:48 ح 117،و اللمعة البيضاء:285.
3- -بحار الأنوار:16/43،و المناقب:110/3.
4- -سورة الإنسان:1.

البيت و ليس شيء من نعيم الجنّة إلاّ و ذكر فيه إلاّ الحور العين قال:ذلك إجلالا لفاطمة (1).

و عن أبي صالح في قوله: وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (2)قال:ما من مؤمن يوم القيامة إلاّ إذا قطع الصراط زوّجه اللّه على باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدّنيا و سبعين ألف حوريّة من حور الجنّة إلاّ علي بن أبي طالب،فإنّه زوج البتول فاطمة في الدّنيا و هو زوجها في الآخرة ليست له زوجة في الجنّة غيرها من نساء الدّنيا،لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء (3).8.

ص: 58


1- -المناقب:106/3،و بحار الأنوار:153/43.
2- -سورة التكوير:7.
3- -المناقب:106/3،و مجمع النورين:38.

الباب الثالث: فيما جرى على فاطمة من الظلم بعد أبيها و في كيفيّة محبّيها يوم القيامة و ما يتبع ذلك

اشارة

في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:البكّاؤن خمسة:آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة [بنت] (1)محمّد و عليّ بن الحسين عليهم السّلام،فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه أمثال الأودية،و أمّا يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره،و أمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذى به أهل السجن،فقالوا:إمّا أن تبكي الليل أو النهار فصالحهم على واحد منها،و أمّا فاطمة فبكت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى تأذى به أهل المدينة،فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء تبكي حتّى تقضي حاجتها فترجع،و أمّا عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليهما السّلام عشرين سنة و أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له:

يابن رسول اللّه إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين،قال:إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون،إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة (2).

و عن عبد اللّه بن عبّاس قال:لمّا حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الوفاة بكى،فقيل له في ذلك،فقال:أبكي لذرّيتي و ما يصنع بهم شرار امّتي من بعدي كأنّي بابنتي فاطمة و قد ظلمت من بعدي و هي تنادي يا أبتاه فلا يعينها أحد من امّتي،فسمعت ذلك فاطمة فبكت فقال:لا تبكين يا بنيّة.

فقالت:لست أبكي لما يصنع بي بعدك ولكنّي أبكي لفراقك يا رسول اللّه.

فقال:أبشري فإنّك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي (3).

ص: 59


1- -في المصدر:ابنة.
2- -الأمالي:204،و روضة الواعظين:170.
3- -الأمالي:188،و بحار الأنوار:41/28 ح 4.

و في حديث آخر:لا تبكين بعدي إلاّ اثنين و سبعين يوما و نصف يوم.و في حديث آخر:خمس و سبعين يوما.

و في كتاب دلائل الإمامة للطبري بإسناده إلى الصادق عليه السّلام قال:قبضت فاطمة عليها السّلام جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون من سنة إحدى عشر من الهجرة و كان سبب وفاتها أنّ قنفذ مولى عمر لكزها بنصل السيف بأمره فأسقطت محسنا و مرضت من ذلك.

و لمّا توفّيت أخرجها أمير المؤمنين عليه السّلام إلى البقيع في الليل و صلّى عليها و دفنها بالروضة و أعمى موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة دفنت و فيه أربعون قبرا جددا،و لمّا علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور فضجّ الناس و تلاوموا و قالوا:لم يخلف نبيّكم فيكم إلاّ بنتا واحدة تموت و تدفن و لم تحضروها و لا الصلاة عليها و لا تعرفوا قبرها.

فقال ولاة الأمر منهم:هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتّى نجدها و نصلّي عليها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه و عليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كلّ كريهة و هو متوكّل على سيفه ذي الفقار حتّى ورد البقيع فخاف الناس و قالوا:قد أقسم لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف فيكم،فتلقّاه عمر و أصحابه و قالوا:و اللّه لننبش قبرها و لنصلّينّ عليها فضرب عليّ عليه السّلام إلى جوامع ثوبه فهزّه ثمّ ضرب به الأرض و قال له:يابن السوداء أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم و أمّا قبر فاطمة فلئن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم،فتلقّاه أبو بكر فقال:يا أبا الحسن بحقّ رسول اللّه إلاّ خلّيت عنه فإنّا غير فاعلين شيئا تكرهه،فخلّى عنه و تفرّق الناس و لم يعودوا إلى ذلك (1).

و روى ورقة بن عبد اللّه قال:بينمنا أنا أطوف و إذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه عذبة الكلام و هي تنادي:اللّهمّ ربّ الكعبة الحرام و ربّ محمّد خير الأنام أن تحشرني مع ساداتي الكرام،فقلت:يا جارية إنّي لأظنّك من موالي أهل البيت عليهم السّلام؟3.

ص: 60


1- -دلائل الإمامة:136،و بحار الأنوار:171/43.

فقالت:أجل أنا فضّة أمة الزهراء صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها،فقلت لها:

مرحبا بك يا فضّة أخبريني عن الزهراء عند وفاتها.

فلمّا سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدّموع فقالت:هيّجت عليّ حزنا ساكنا يا ورقة لمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كثر عليه البكاء و لم يكن أعظم عليه حزنا من فاطمة الزهراء فجلست سبعة أيّام لا يسكن أنينها،فلمّا كان اليوم الثالث أبدت ما كتمت من الحزن و صرخت و ضجّ الناس بالبكاء و خيل إلى[النسوان] (1)أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قد قام من قبره و هي تنادي:

وا ابتاه وا محمّداه أمن للقبلة و المصلّى و من لابنتك الثكلى،ثمّ أقبلت تعثر في أذيالها و لا تبصر شيئا من عثرتها حتّى دنت من قبر أبيها،فلمّا نظرت إلى الحجرة علا بكاؤها إلى أن اغمي عليها فنضحن النساء الماء عليها حتّى أفاقت،فلمّا أفاقت و هي تقول:رفعت قوّتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و الحزن قاتلي يا أبتاه،بقيت و الهة وحيدة و حيرانة فريدة تنغص عيشتي و تكدر دهري بعدك فقد فنى بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محلّ ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب ثمّ قالت شعر:

إنّ حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي و اللّه صب عتيد

إنّ قلبا عليك بألف صبرا *** أو عزاء فإنّه لجليد

ثمّ نادت:يا أبتاه اسودّت بعدك الدّنيا،يا أبتاه زال نومي منذ وقع الفراق،يا أبتاه أي دمعة لفراقك لا تهمل و أيّ حزن عليك لا يتصل و أي جفن بعدك بالنوم يكتحل؟

و كيف لا تتزلزل الأرض بعدك؟.

يا أبتاه منبرك بعدك مستوحش و محرابك خال من مناجاتك و قبرك فرح بموالاتك و الجنّة مشتاقة إليك،يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا إليك.

ثمّ زفرت زفرة و قالت:

قلّ صبري و بان عنّي عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء

قد بكتك الجبال و الوحش جمعا *** و الطير و الأرض بعد بكى السماءة.

ص: 61


1- -في المصدر:النسوة.

يا إلهي عجّل وفاتي سريعا *** قد تنغّصت بالحياة يا مولاي

ثمّ رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء ليلها و نهارها،و اجتمع شيوخ أهل المدينة إلى أمير المؤمنين فقالوا؛إنّ فاطمة تبكي الليل و النهار فلا أحد منّا يتهنّا بالنوم و العيش،فأمّا أن تبكي ليلا أو نهارا.

فأخبرها أمير المؤمنين عليه السّلام بما قالوا فقالت:يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم فو اللّه لا أسكت ليلا و لا نهارا حتّى ألحق بأبي،فبنى لها بيتا في البقيع خارج المدينة يسمّى بيت الأحزان،و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين أمامها و خرجت إلى البقيع باكية بين القبور،فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام و ساقها بين يديه إلى منزلها و لم تزل على ذلك إلى أن مضى بها بعد موت أبيها سبعة و عشرون يوما فاعتلّت فبقيت إلى يوم الأربعين و قد صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام الظهر و أقبل إلى المنزل فاستقبله الجواري باكيات حزينات فقالوا:

ادرك بنت عمّك الزهراء و ما نظنّك تدركها فدخل عليها مسرعا و هي ملقاة على فراشها تتقلّب يمينا و شمالا فألقى العمامة عن رأسه و أخذ رأسها و ناداها يا بنت محمّد المصطفى فلم تكلّمه ثمّ قال:يا فاطمة كلّميني ففتحت عينها و نظرت إليه و بكت و بكى فقال:فما الذي تجدينه؟

قالت:يابن العمّ أجد الموت و أنا أعلم إنّك بعدي لا تصبر عن التزويج،فإذا تزوّجت امرأة اجعل لها يوما و ليلة و اجعل لأولادي يوما و ليلة و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين،فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما و اليوم يفقدان امّهما ثمّ قالت شعرا:

ابكني إن بكيت يا خير هادي *** و اسبل الدمع فهو يوم فراق

ابكني و ابك لليتامى و لا *** تنسى قتيل العدى بطف العراق

فقال لها:فمن أين لك يا بنت رسول اللّه هذا الخبر و الوحي قد انقطع عنّا؟

قالت:رقدت الساعة فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في قصر من الدرّ الأبيض،فلمّا رآني قال:هلمي يا بنية فإنّي إليك مشتاق فقلت و اللّه إنّي لأشدّ شوقا فقال:أنت الليلة عندي و هو الصادق المصدّق فإذا أنت قرأت يس أكون قد قضيت نحبي فغسّلني و لا تكشف عنّي فإنّي طاهرة مطهّرة و ليصلّ عليّ من أهلك الأدنى فالأدنى فادفني ليلا في قبري.

قال عليّ عليه السّلام:فلمّا غسّلتها و كفنتها و أردت عقد الرداء ناديت:يا امّ كلثوم يا زينب

ص: 62

يا سكينة يا فضّة يا حسن يا حسين هلمّوا تزوّدوا من امّكم،فهذا الفراق و اللقاء في الجنّة.

فأقبل الحسن و الحسين يناديان و احسرة لا تنطفئ أبدا من فقدنا جدّنا محمّد و امّنا فاطمة الزهراء يا امّنا إذا لقيت جدّنا فاقرأيه منّا السلام و قولي له[بقينا]بعدك يتيمين في دار الدّنيا.

فقال أمير المؤمنين:إنّها قد حنت و أنّت و مدّت يديها و ضمّتهما إلى صدرها مليا و إذا بهاتف ينادي من السماء يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب قال:فرفعتهما عن صدرها و أقبل بها إلى قبر أبيها و نادى:السلام عليك يا رسول اللّه منّي و من ابنتك النازلة عليك و إنّ الوديعة قد استردّت و الرهينة قد اخذت، فواحزناه على الرسول و من بعده على البتول و لقد اسودّت عليّ الغبراء و بعدت عنّي الخضراء،فواحزناه ثمّ وا أسفاه.

ثمّ عدل بها على الروضة فصلّى عليها في أهله و أصحابه،فلمّا ألحدها في لحدها قال شعر:

أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة *** و صاحبها حتّى الممات عليل

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة *** و إنّ بقائي بعدكم لقليل

و إنّ افتقادي فاطم بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل (1)

و في المناقب:قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لها يومئذ ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنان و سبعون يوما و قيل أربعة أشهر و قيل أربعين يوما توفّيت ليلة الأحد ثلاث عشر ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشر من الهجرة و مشهدها بالبقيع و قالوا:إنّها دفنت في بيتها و قيل بين القبر و المنبر (2).

و روي أنّها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة،و يقول لولديها:أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما ثمّ مرضت و دعت امّ أيمن و أسماء بنت عميس و عليّ بن أبي طالب و أوصت عليّ بثلاث؛أن3.

ص: 63


1- -المناقب:139/3،و الأنوار العلوية:304.
2- -المناقب:132/3،و بحار الأنوار:180/43.

يتزوّج امامة بنت اختها زينب لحبّها لأولادها،و أن يتّخذ لها نعشا لأنّها كانت رأت الملائكة فصوّرت لها صورته،و أن لا يشهد أحد جنازتها ممّن ظلمها و لا يصلّي عليها أحد منهم (1).

و روى الواقدي أنّ فاطمة لمّا حضرتها الوفاة أوصت عليّا أن لا يصلّي عليها أبو بكر و عمر،فعمل بوصيّتها و سوّى قبرها مع الأرض مستويا و سوّى حواليها قبورا مزوّرة سبعة أو أربعين حتّى لا يعرف قبرها فيصلّوا عليها.

و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام:من غسل فاطمة؟

فقال:غسّلها أمير المؤمنين لأنّها كانت صدّيقة لم يكن ليغسلها إلاّ صدّيق و المراد بالصدّيق هنا المعصوم (2).

و في الكافي بإسناده إلى الحسين عليه السّلام قال:لمّا قبضت فاطمة عليها السّلام دفنها أمير المؤمنين عليه السّلام سرّا و حوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك من ابنتك و زائرتك و البايتة في الثرى ببقعتك و المختار اللّه لها سرعة اللحاق بك،قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري و عفى عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي على أنّ في التأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ،فلقد و سدتك في ملحودة قبرك و فاضت نفسك بين نحري و صدري إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول اللّه،أمّا حزني فسرمد و أمّا ليلي فمسهد و همّ لا يبرح قلبي أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح و همّ مهيج سرعان ما فرّق بيننا،و إلى اللّه أشكو و ستنبّؤنك ابنتك بتظافر امّتك على هضمها،فاحفها السؤال و استخبرها الحال،فكم من عليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا و ستقول و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين،و السلام عليكما سلام مودّع لا قال و لا سائم فإن أنصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصابرين واها واها و الصبر أيمن و أجمل فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّا و تهضم حقّها و تمنع إرثها و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر،و إلى اللّه يا رسول اللّه8.

ص: 64


1- -بحار الأنوار:619/31 ح 97،و اللمعة البيضاء:861.
2- -اللمعة البيضاء:863،و بحار الأنوار:255/78.

المشتكى و فيك يا رسول اللّه أحسن العزاء صلّى اللّه عليك و عليها السلام و الرضوان (1).

و في كتاب الاحتجاج فيما احتجّ به الحسن عليه السّلام على معاوية و أصحابه إنّه قال لمغيرة بن شعبة:أنت ضربت فاطمة بنت رسول اللّه حتّى أدميتها و ألقت ما فيها انتها كالحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (2).0.

ص: 65


1- -الكافي:459/1 ح 3،و دلائل الإمامة:138.
2- -بحار الأنوار:645/31 ح 172،و اللمعة البيضاء:870.

[إحراق بيت فاطمة عليها السلام]

و في كتاب سليم بن قيس عن سلمان و ابن عبّاس قالا:توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فلم يوضع في حفرته حتّى ارتدّ الناس و أجمعوا على الخلاف و اشتغل عليّ عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى فرغ من غسله و وضعه في حفرته،ثمّ أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال عمر لأبي بكر أنّ:الناس بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته فابعث إليه فقال:يا قنفذ انطلق إلى عليّ فقل أجب خليفة رسول اللّه فأبى أن يأتي فوثب عمر غضبا و نادى خالد بن الوليد و قنفذا فأمرهما أن يحملا حطبا و نارا ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب عليّ،و فاطمة قاعدة خلف الباب فضرب عمر الباب ثمّ نادى يابن أبي طالب افتح الباب.

فقالت فاطمة:يا عمر ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه قال:افتحي الباب و إلاّ أحرقناه عليكم،فقالت:يا عمر أما تتّقي اللّه عزّ و جلّ تهجم على داري،ثمّ دعى عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب،ثمّ دفعه عمر فاستقبلته فاطمة و قالت:يا أبتاه يا رسول اللّه،فرفع السيف و هو في غمده فوجئ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه،فوثب عليّ بن أبي طالب فأخذ بتلابيب عمر فصرعه و وجئ أنفه و رقبته و همّ بقتله فذكر قول رسول اللّه و ما أوصاه به من الصبر و الطاقة،فقال:يابن الصهّاك لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنّك لا تدخل بيتي،فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار فكاثروه و ألقوا في عنقه حبلا،فحالت بينهم و بينه فاطمة عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و أنّ في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه اللّه فالجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت[من ذلك] (1)

ص: 66


1- -زيادة من المصدر.

شهيدة،الحديث (1).

و في كتاب المصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال له رجل:هل تشيّع الجنازة بنار و يمشي معها بمجمرة و قنديل أو غير ذلك ممّا يضاء به؟فاستوى جالسا ثمّ قال:إنّه جاء شقيّ من الأشقياء إلى فاطمة بنت محمّد فقال:أما علمت أنّ عليّا قد خطب بنت أبي جهل؟

فقالت:حقا ما تقول؟

قال:حقّا ما أقول ثلاث مرّات فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها،و ذلك أنّ اللّه تعالى كتب على النساء غيرة و كتب على الرجال جهاد،فاشتدّ غمّ فاطمة من ذلك و بقيت متفكّرة حتّى أمست فحملت الحسن على عاتقها الأيمن و الحسين على عاتقها الأيسر و أخذت بيد امّ كلثوم ثمّ تحوّلت إلى حجرة أبيها،فجاء عليّ فلم ير فاطمة فعظم ذلك عليه و لم يعلم القصّة ما هي فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد و جمع شيئا من الكثيب فاتّكى عليه،فلمّا رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ما بفاطمة من الحزن دخل المسجد و دعى اللّه أن يذهب ما بفاطمة من الحزن و ذلك أنّه خرج من عندها و هي تتقلّب و تتنفّس الصعداء،فلمّا رآها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا يهنها اليوم قال لها:قومي يا بنيّة،و حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و حملت فاطمة الحسين و أخذت بيد امّ كلثوم فانتهى إلى عليّ و هو نائم فوضع رجله على رجله و قال:قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجته ادع لي أبا بكر و عمر و طلحة فاجتمعوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا علي أما علمت أنّ فاطمة بضعة منّي و أنا منها فمن آذاها فقد آذاني و من آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي.

فقال علي:بلى يا رسول اللّه قال:فما دعاك إلى ما صنعت؟

فقال:و الذي بعثك بالحقّ نبيّا ما كان منّي ممّا بلغها شيء و لا حدّثت بها نفسي،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:صدقت صدقت،ففرحت فاطمة عليها السّلام بذلك و تبسّمت حتّى يرى ثغرها فقال أحدهما لصاحبه:إنّه لعجب ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة فأخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بيد علي و أدخله مع فاطمة و أولادها البيت و وضع عليهم قطيفة و خرج.

فلمّا مرضت فاطمة عليها السّلام أتاها أبو بكر و عمر عايدين و استأذنا عليها فأبت أن تأذن1.

ص: 67


1- -كتاب سليم بن قيس:151،و الإحتجاج:109/1.

لهما،فلمّا رأى ذلك أبو بكر أعطى اللّه عهدا لا يظلّه سقف بيت حتّى يدخل على فاطمة و يتراضاها فبات ليلة في الصقيع (1)ما أظلّه شيء،ثمّ إنّ عمر أتى عليّا فقال:إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب و قد كان مع رسول اللّه في الغار فله صحبة و قد أتينا فاطمة مرارا نتراضاها فلم تأذن،فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل فدخل عليها عليّ عليه السّلام و قال:يا بنت رسول اللّه قد كان من أمر هذين الرجلين ما قد رأيت و قد سألاني أن أستأذن لهما عليك.

فقالت:و اللّه لا آذن لهما و لا اكلّمهما كلمة من رأسي حتّى ألقى أبي فأشكوهما إليه.

قال عليّ:فإنّي ضمنت لهما ذلك.

قالت:إن كنت قد ضمنت فالبيت بيتك فأذن لمن أحببت فأذن لهما فدخلا و سلّما عليها فلم ترد عليهما و حوّلت وجهها عنهما فتحوّلا إلى الجانب الآخر و هكذا مرارا فقال أبو بكر:إنّما أتيناك نسألك أن تصفحي عنّا فالتفتت إلى عليّ فقالت:لا اكلّمهما حتّى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول اللّه فإن صدقاني رأيت رأيي فقالا لها ذلك.

فقالت:أنشدكما باللّه هل سمعتما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه؟

قالوا:اللّهم نعم.

فقالت:اللّهم إنّي أشهدك فاشهدوا يا من حضر أنّهما قد آذياني في حياتي و عند موتي و اللّه لا اكلّمهما حتّى ألقى ربّي فأشكوهما إليه فدعا أبو بكر بالويل و الثبور و قال:ليت امّي لم تلدني.

فقال عمر:عجبا للناس كيف ولّوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها و قاما و خرجا،فلما نعي إلى فاطمة نفسها قالت:يا عليّ إذا قضيت نحبي فاخرجني أيّ ساعة من ليل أو نهار و لا يحضرن من أعداء اللّه و رسوله للصلاة عليّ،فلمّا قضت نحبها أخذ في جهازها من ساعته في جوف اللّيل و أشعل النار في جريد النخل و مشى مع الجنازة بالنار حتّى صلّى عليها و دفنها ليلا،فلمّا أصبح أبو بكر و عمر عادوا عايدين فاطمة فقالوا لرجل:من أين أقبلت؟ء.

ص: 68


1- -الصقيع:شبيه الثلج يسقط من الماء.

قال:عزّيت عليّا بفاطمة فإنّها ماتت و دفنت في جوف الليل،فجزعا ثمّ أقبلا على عليّ فقالا:ما تركت شيئا من غوايلنا و ما هذا إلاّ من شيء في صدرك علينا،و هل هذا إلاّ كما غسّلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم دوننا و كما علّمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن انزل عن منبر أبي.

فقال لهما:أتصدقاني إن حلفت لكما؟

قالا:نعم،فحلف فقال:إنّ رسول اللّه[أمر]أن لا يطلع أحد على عورته إلاّ ابن عمّه فكنت أغسله و الملائكة تقلّبه و الفضل بن العبّاس يناولني الماء و هو مربوط العينين بالخرقة و لقد أردت أن أنزع القميص فصاح بي صايح:لا تنزع القميص،فأدخلت يدي من تحت القميص و غسّلته ثمّ قدّم إليّ الكفن فكفّنته ثمّ نزعت القميص بعدما كفنّته.

و أمّا الحسن ابني فقد تعلمان و يعلم أهل المدينة أنّ الحسن كان يسعى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو ساجد فيركب ظهره فيقوم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يده على ظهر الحسن و الاخرى على ركبته حتّى تتمّ الصلاة،قالا:نعم علمنا ذلك ثمّ قال:و تعلمان أنّه كان يركب على رقبة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يدلي الحسن رجليه على صدر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد و النبيّ يخطب و لا يزال على رقبته حتّى يفرغ،فلمّا رأى الصبيّ عن منبر أبيه غيره شقّ عليه ذلك و اللّه ما أمرته بذلك.

و أمّا فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها و لقد رأيتما ما كان و لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها و لا الصلاة عليها و ما كنت الذي اخالف أمرها فقال عمر:دع عنك هذه الهمهمة أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى اصلّي عليها،فقال عليّ عليه السّلام:لو ذهبت تروم شيئا من ذلك لكنت لا اعاملك إلاّ بالسيف[قبل أن تصل إلى شيء من ذلك] (1)،فوقع بينهما كلام و اجتمع المهاجرون و الأنصار ثمّ تفرّقا،انتهى ملخّصا (2).

أقول:وقع الاختلاف في مدّة حياتها بعد أبيها.قال أبو الفرج في مقاتل الطالبين:

المكثر يقول ثمانية أشهر و المقلّل يقول أربعين يوما إلاّ أنّ الثبت في ذلك ما روي عن الباقر عليه السّلام إنّها توفّيت بعده بثلاثة أشهر.3.

ص: 69


1- -زيادة من المصدر.
2- -علل الشرائع:69/3،و بحار الأنوار:205/43.

و في الكفعمي أنّها توفّيت في الثالث من جمادى الآخرة.و في مصباح الشيخ رحمه اللّه أنّها توفّيت في اليوم الحادي و العشرين من رجب (1).

و قال بعض أهل الحديث:لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة و الوفاة و مدّة عمرها و لا بين تواريخ الوفاة و بين ما ورد في الخبر الصحيح أنّها عليها السّلام عاشت بعد أبيها خمسا و سبعين يوما،إذا لو كان وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في الثامن و العشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أوسط جمادى الأولى و لو كان في ثاني عشر ربيع الأوّل كما ترويه العامّة كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى.

و ما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السّلام من كون مكثها عليها السّلام بعده ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة بأن يكون عليه السّلام لم يتعرّض للأيّام الزائدة لقلّتها،انتهى.

و يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة بحمل الأقلّ على أيّام الصحّة و الأكثر منه على مجموع أيّام الصحّة و المرض.و في بعض الأخبار إشارة إليه.

و في كتاب ثواب الأعمال بإسناده إلى الصادق عليه السّلام قال:إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السّلام قبّة من نور و أقبل الحسين عليه السّلام رأسه على يده،فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا عبد مؤمن إلاّ بكى لها،فيمثّل اللّه عزّ و جلّ رجلا لها في أحسن صورة و هو يخاصم قتلته بلا رأس فيجمع اللّه قتلته و من شرك في قتله فيقتلهم حتّى يأتي على آخرهم ثمّ ينشرون فيقتلهم الحسن عليه السّلام ثمّ ينشرون،فيقتلهم الحسين عليه السّلام ثمّ ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام،و لا يبقى أحد من ذريّتنا إلاّ قتلهم قتلة فعند ذلك يكشف اللّه الغيظ و ينسي الحزن،ثمّ قال:رحم اللّه شيعتنا و اللّه هم المؤمنين فقد و اللّه شاركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة (2).

و في حديث آخر:إنّ اللّه يأمر نارا يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت لا يدخلها روح أبدا و لا يخرج منها غم أبدا،فيقال لها:التقطي قتلة الحسين عليه السّلام،فتلتقطهم7.

ص: 70


1- -شرح الأخبار:69/3،و بحار الأنوار:215/43.
2- -ثواب الأعمال:217،و بحار الأنوار:222/43 ح 7.

فإذا صاروا في حوصلتها شهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها،فينطقون[بألسنة ذلقة] (1)يا ربّنا بما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟فيأتيهم الجواب عن اللّه عزّ و جلّ أنّ من علم ليس كمن لا يعلم (2).

و في ذلك الكتاب أيضا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يمثّل لفاطمة عليها السّلام متشحّطا بدمه فتصيح:وا ولداه وا ثمرة فؤاداه فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة.و إنّ فاطمة في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنّة يحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و الثناء على ربّ العالمين،ثمّ ينادي مناد من بطنان العرش يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم،فهذه فاطمة بنت محمّد تمرّ على الصراط فتمرّ و شيعتها على الصراط كالبرق الخاطب[قال النبي:] (3)[و تلقي] (4)أعداءها و أعداء ذرّيتها في جهنّم (5).

و في حديث آخر:أنّه لا ينظر إليها إلاّ أولادها الطاهرون.

و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:كلّ بني امّ ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة،فإنّي أنا أبوهم و عصبتهم (6).

و عن عامر الشعبي قال:بعث إليّ الحجّاج ذات ليلة فخشيت و توضّأت و أوصيت ثمّ دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور و السيف مسلول فسلّمت وردّ السلام و قال:لا تخف و أتى برجل مقيّد فقال:إنّ هذا الشيخ يقول:إنّ الحسن و الحسين كانا ابني رسول اللّه ليأتيني بحجّة من القرآن و إلاّ أضرب عنقك،فقال:أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ إلى قوله: وَ يَحْيى وَ عِيسى .

و عيسى كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده،فالحسن و الحسين أولى أن ينسب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مع قربهما منه،فأمر له بعشرة آلاف دينار و أذن له في الرجوع فأتيت إليه غدا2.

ص: 71


1- -زيادة من المصدر.
2- -بحار الأنوار:127/7،و درر الأخبار:88.
3- -زيادة من المصدر.
4- -في المصدر:و يلقى.
5- -ثواب الأعمال:220.
6- -بحار الأنوار:307/16،و كشف الخفاء:119/2.

فإذا هو في المسجد و تلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشرا عشرا و يتصدّق بها ثمّ قال:هذا ببركة الحسن و الحسين لئن كنّا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا و أرضينا اللّه و رسوله (1).

و في كتاب معاني الأخبار مسندا إلى الحسن البغدادي قال:كنت بخراسان مع الرضا عليه السّلام في مجلسه و زيد بن موسى أخوه حاضر،و قد أقبل على جماعة في المسجد يفتخر عليهم و يقول:نحن و نحن،فالتفت إليه فقال:يا زيد أغرّك قول بقّالي الكوفة إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيتها على النار و اللّه ما ذلك إلاّ الحسن و الحسين و ولد بطنها،فأمّا أن يكون موسى بن جعفر عليه السّلام يطيع اللّه و يصوم نهاره و يقوم ليله و تقصيه أنت ثمّ تجيئان يوم القيامة سواء،لأنت أعزّ على اللّه[عز و جل]منه،إنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام كان يقول:لمحسننا كفلان من الأجر و لمسيّئنا ضعفان من العذاب،فقال:يا حسن كيف تقرؤون هذه الآية: قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فقد نفاه عن أبيه فقال عليه السّلام:كلاّ لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى اللّه عزّ و جلّ نفاه اللّه عن أبيه،و كذا من كان منّا لم يطع اللّه فليس منّا،و أنت إذا أطعت اللّه فأنت منّا أهل البيت (2).

و عن ياسر قال:خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن عليه السّلام بالمدينة و أحرق و قتل و كان يسمّى زيد النار،فبعث إليه المأمون فأسر و حمل إلى المأمون،فقال المأمون:اذهبوا به إلى أبي الحسن،فلمّا ادخل عليه قال:يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة ثمّ ساق الحديث.

و في كتاب الاحتجاج عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام؛يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن و الحسين؟

قلت؛ينكرون علينا أنّهما أبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟

قلت:بقول اللّه في عيسى ابن مريم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ إلى قوله:و كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ فجعل عيسى من ذريّة إبراهيم و احتججنا عليهم بقوله تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ قال:فأيّ شيء قالوا؟قلت:قالوا قد يكون ولد البنت من5.

ص: 72


1- -بحار الأنوار:229/43،و شجرة طوبى:379/2.
2- -معاني الأخبار:106،و مستدرك سفينة البحار:290/5.

الولد و لا يكون من الصلب،فقال أبو جعفر عليه السّلام:لأعطينكها من كتاب اللّه[عز و جل،أنهما من صلب]رسول اللّه لا يردها إلاّ كافر.

قلت:و أين قال؟

قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ إلى قوله: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ فسلهم هل يحلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم نكاح حليلتهما؟فإن قالوا:نعم،فكذبوا و اللّه،و إن قالوا لا فهما و اللّه ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لصلبه و ما[حرّمت] (1)عليه إلاّ للصلب (2).

أقول:وجه الدلالة من هذه الآية أنّ العامّة يستدلّون بها على تحريم حليلة ولد البنت و لا يتمّ إلاّ بكونه ولدا حقيقة للصلب مع إجماعهم على دخول ولد البنت و الأصل في الإطلاق الحقيقة.

و قال الفاضل ابن أبي الحديد:فإن قلت:أيجوز أن يقال للحسن و الحسين و ولدهما أبناء رسول اللّه و ولد رسول اللّه و ذريّة رسول اللّه و نسل رسول اللّه؟قلت؛نعم،لأنّ اللّه تعالى سمّاهم أبناءه في قوله تعالى: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ و إنّما عنى الحسن و الحسين و لو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات.

و أمّا قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ فقد عنى به زيد بن حارثة لأنّ العرب كانت تقول زيد ابن محمّد على عادتهم في تبنّي العبد،فأبطل اللّه تعالى ذلك و نهى عن شبه الجاهلية.

و قال:إنّ محمّدا ليس بالواحد من الرّجال البالغين المعروفين بينكم،و ذلك لا يبغي كونه أبا لأطفال لم يطلق عليهم لفظة الرّجال كإبراهيم و حسن و حسين عليهم السّلام،انتهى (3).

و أمّا أولادها عليها السّلام فقال في كتاب المناقب إنّها ولدت الحسن و لها اثنا عشر سنة و أولادها الحسن و الحسين و المحسن و زينب و امّ كلثوم.

و قد ذكرنا في تضاعيف هذا الكتاب و شرحنا على التهذيب و الاستبصار أنّ الشريف3.

ص: 73


1- -في المصدر:حرّمن.
2- -الإحتجاج:59/2،و الحدائق الناظرة:399/12.
3- -اللمعة البيضاء:43.

السيّد على الحقيقة تجري عليه و له ما يكون للعلويّين،و أقمنا عليه الدلائل الكثيرة لا يبقى شكّ للنافي له إلاّ حكاية التقليد (1).3.

ص: 74


1- -المناقب:133/3.

أبواب مناقب الإمامين المعصومين و أحوالهما

اشارة

أعني سيّدي شباب أهل الجنّة أبي محمّد الحسن و أبي عبد اللّه الحسين 7،و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ولادة الحسن و الحسين و ما يشتركان فيه و نقش خواتيمهما

اشارة

في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما (1).

و في كتاب الأمالي و غيره عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:لمّا ولد الحسن عليه السّلام قالت فاطمة لعليّ عليهما السّلام:سمه،فقال:ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه،فجاء صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخرج إليه في خرقة صفراء فقال:ألم أنهكم أن تلفّوه في[خرقة] (2)صفراء،فرمى بها و لفّه في خرقة بيضاء،فقال لعليّ:هل سمّيته؟

قال:ما كنت لأسبقك باسمه.

فقال:و ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ و جلّ،فأوحى تبارك و تعالى إلى جبرئيل عليه السّلام إنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط فاقرأه السلام و هنّه و قل له:إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون شبّر،قال:لساني عربيّ.قال:سمه الحسن.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى جبرئيل عليه السّلام انّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه و هنّه و قل له:إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون شبير قال:لساني عربيّ،قال:سمه الحسين فسمّاه به (3).

ص: 75


1- -المناقب:231/3.
2- -زيادة من المصدر.
3- -أمالي الصدوق:197،و بحار الأنوار:238/43 ح 3.

أقول:في القاموس شبّر كبقم و شبير كقمير و مشبر كمحدث أبناء هارون عليه السّلام،قيل و بأسمائهم سمّى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و الحسين و المحسن.

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام إنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عقّ عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين و الملحة بياض يخالطه سواد،و أعطى القابلة فخذا و دينارا و حلق رأسه و تصدّق بوزن الشعر ورقا و طلى رأسه بالخلوق و هو طيب معروف مركّب يتّخذ من الزعفران و غيره تغلب عليه الحمرة أو الصفرة و قال:إنّ الدم فعل الجاهلية و كذلك فعل بالحسين عليه السّلام (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة للّه و كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره (2).

و عن امّ الفضل زوجة العبّاس إنّها قالت:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك رأيت في المنام كأنّ عضوا من أعضائك في حجري فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:تلد فاطمة غلاما إن شاء اللّه فتكفليه فوضعت فاطمة الحسن عليه السّلام فدفعه إليها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأرضعته بلبن قثم بن العبّاس (3).

و في كتاب الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:أقبل حيران امّ أيمن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالوا؛إنّ امّ أيمن لم تنم البارحة من البكاء فطلبها و قال لها:يا امّ أيمن لا أبكى اللّه عينك إنّ جيرانك أخبروني إنّك لم تزلي الليل تبكين،

قالت:يا رسول اللّه رأيت رؤيا عظيمة فبكيت رأيت كأنّ بعض أعضائك ملقى في بيتي فقال:يا امّ أيمن تلد فاطمة الحسين فتربيّنه و تلينه فتكون بعض أعضائي في بيتك،فلمّا ولد الحسين و كان يوم السابع أقبلت به امّ أيمن إلى رسول اللّه فقال:مرحبا بالحامل و المحمول، يا امّ أيمن هذا تأويل رؤياك (4).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ الحسين لمّا ولد أمر اللّه عزّ و جلّ جبرئيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول اللّه من اللّه و من جبرئيل،فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له5.

ص: 76


1- -وسائل الشيعة:411/21 ح 15،و أمالي الطوسي:367.
2- -بحار الأنوار:242/43 ح 13،و العوالم:31.
3- -بحار الأنوار:242/43 ح 14،و الصحيح من السيرة:264/5.
4- -أمالي الصدوق:142،و بحار الأنوار:242/43 ح 15.

قطرس كان من الحملة بعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه فكسر جناحه و ألقاه في تلك الجزيرة، فعبد اللّه تعالى في الجزيرة سبعمائة عام فقال لجبرئيل:احملني معك لعلّ محمّدا يدعو لي فحمله فلمّا دخل جبرئيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هنّأه و أخبره بحال قطرس فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:قل له تمسّح بهذا المولود وعد إلى مكانك فتمسّح بالحسين عليه السّلام و ارتفع فقال:يا رسول اللّه امّا أنّ امّتك ستقتله و له علي مكافأة لا يزوره زائرا إلاّ أبلغه عنه و لا يسلّم عليه مسلم إلاّ أبلغه سلامه و لا يصلّ عليه مصلّ إلاّ أبلغه صلاته ثمّ ارتفع (1).

و في حديث آخر أنّه لمّا ارتفع قال:من مثلي و أنا عتاقة الحسين،يعني أنّه أعتقني من عذاب ذلك الذنب (2).

و في كتاب الاحتجاج عن عبد الرحمن بن المثنّى الهاشمي قال:قلت لأبي عبد اللّه:

جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن و هما مثلان؟

فقال:إنّ جبرئيل نزل على محمّد فقال:يولد لك غلام يقتله امّتك من بعدك فقال:يا جبرئيل لا حاجة لي فيه خاطبه ثلاثا ثمّ دعى عليّا فقال:إنّ جبرئيل أخبرني أنّه يولد لك غلام يقتله أمّتي قال:لا حاجة لي فيه ثلاثا ثمّ قال:إنّه يكون فيه و في ولده الإمامة و الوراثة و الخزانة،و كذلك قال لفاطمة بعد قولها:لا حاجة لي فيه،فقالت:رضيت عن اللّه عزّ و جلّ، فحملت بالحسين ستّة أشهر و لم يعش مولود قطّ ستّة أشهر غيره و غير عيسى ابن مريم فكفلته امّ سلمة،و كان صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فمه فيمصّه حتّى يروى فأنبت اللّه لحمه من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لم يرضع من فاطمة و لا من غيرها لبنا (3).

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:كان للحسين بن علي خاتمان نقش أحدهما:لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء و نقش الآخر:إنّ اللّه بالغ أمره.و كان نقش خاتم عليّ بن الحسين:خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ (4).3.

ص: 77


1- -أمالي الصدوق:200،و بحار الأنوار:243/43 ح 18.
2- -بحار الأنوار:245/43 ح 189،و العوالم:19.
3- -علل الشرائع:206/1،و الإمامة و التبصرة:52.
4- -أمالي الصدوق:193،و بحار الأنوار:242/43 ح 13.

و عن ابن عبّاس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:إنّ اللّه تبارك و تعالى ملكا يقال له دركائيل له ستّة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح كما بين السماء و الأرض فجعل يوما يقول في نفسه:أفوق ربّنا جلّ جلاله شيء،فعلم اللّه تبارك و تعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها و قال أوحي له:طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش،فلمّا علم اللّه عزّ و جلّ اتعابه أوحى إليه:عدّ إلى مكانك فأنا أعظم فوق كلّ عظيم،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه إلى ملك خازن النار:أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أوحى إلى رضوان خازن الجنّة أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولود يولد لمحمّد في دار الدّنيا،و أوحى إلى الحور العين تزيّن و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحى إلى الملائكة:أن قوموا صفوفا بالتسبيح لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحى إلى جبرئيل:أن اهبط إلى محمّد في ألف قبيل في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرّجة ملجمة عليها قباب الدرّ و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم الروحانيّون يهنّئون محمّدا بمولود له يقال له:الحسين،فبينا جبرئيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرّ دركائيل فقال له:يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدّنيا؟

قال:لا،ولكن ولد لمحمّد مولود في الدّنيا بعثني اللّه لأهنّئه بمولوده.

فقال:يا جبرئيل اقرأه منّي السلام و قل له:بحقّ هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربّك أن يرضى عنّي و يردّ عليّ أجنحتي و مقامي في صفوف الملائكة.

فلمّا هبط جبرئيل عليه السّلام و هنّأه و أخبره بقضية الملك فأخذ النبيّ الحسين عليه السّلام و هو ملهوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء و قال:اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك إن كان للحسين بن عليّ عندك حقّ فارض عن دركائيل وردّ عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك،و الملك لا يعرف في الجنّة إلاّ بأن يقال:هذا مولى الحسين بن عليّ بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (1).4.

ص: 78


1- -كمال الدين و تمام النعمة:284 ح 36،و بحار الأنوار:250/43 ح 24.

أقول:لعلّ هذا مجرّد الخطرات التي تعتري أنواع الممكنات و أهل الزّلفى كالأنبياء و الملائكة يعاتبون عليها.

و في كتاب البشائر:كنية الحسن أبو محمّد ولد بالمدينة[ليلة]النصف من[شهر] (1)رمضان سنة ثلاث من الهجرة و الحسين عليه السّلام ولد بالمدينة خمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (2).

و في مسند أحمد و أبي يعلا قال:لمّا ولد الحسن سمّاه حمزة،فلمّا ولد الحسين سمّاه جعفرا قال عليّ:فدعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:إنّي أمرت[أن]أغيّر اسم هذين فسمّاهما حسنا و حسينا (3).

و في كتاب المناقب قال:حكي أبو الحسين النسّابة:كان اللّه عزّ و جلّ حجب هذين الاسمين عن الخلق يعني حسنا و حسينا حتّى تسمّى بهما ابنا فاطمة عليهم السّلام فإنّه لا يعرف أنّ أحدا من العرب تسمّى بهما في قديم الأيّام إلى عصرهما،و إنّما يعرف فيهما«حسن»بسكون السين،و«حسين»بوزن حبيب،فأمّا حسن بفتح الحاء و السّين و لا نعرفه إلاّ اسم جبل معروف (4).

و في الكتاب عن برة الخزاعي قال:لمّا حملت فاطمة بالحسن خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في بعض وجوهه فقال لها:إنّك ستلدين غلاما فلا ترضعيه حتّى أصير إليك،فلمّا وضعته بقي ثلاثة أيّام ما أرضعته فأدركتها رقّة الامّهات فأرضعته.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أبى اللّه عزّ و جلّ إلاّ ما أراد،فلمّا حملت بالحسين قال:إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليك و لو أقمت شهرا و خرج في بعض وجوهه فولدت الحسين عليه السّلام،فمّا أرضعته حتّى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخذه فجعل يمصّ إبهامه و فيه غذاؤه،و يقال:بل كان يدخل لسانه في فيه فيزقّه كما يزقّ الطير فرخه و قال:3.

ص: 79


1- -زيادة من المصدر.
2- -بحار الأنوار:250/43 ح 26،و المستجاد من الإرشاد:141.
3- -مسند أحمد:159/1.
4- -المناقب:167/3،و بحار الأنوار:253/43.

إيها حسين إيها حسين أبا اللّه إلاّ ما يريد بل هي فيك يعني الإمامة (1).

و في عيون المعجزات للمرتضى:روى أنّ فاطمة ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.

و روى أنّ مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن و حديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار و في كتب كثيرة (2).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:لمّا عرّج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم نزل بالصلاة[عشر ركعات] (3)ركعتين ركعتين فلمّا ولد الحسن و الحسين زاد في الصلاة سبع ركعات شكرا للّه فأجاز اللّه له ذلك (4).

و عنه عليه السّلام:كان في خاتم الحسن و الحسين عليهما السّلام الحمد للّه،و عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة للّه،و خاتم الحسين عليه السّلام:العزّة للّه (5).

و في كتاب المناقب عن ابن عبّاس قال:كنت عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و على فخذه الأيسر ابنه إبراهيم و على الأيمن الحسين بن علي،و هو تارة يقبّل هذا و تارة يقبّل هذا إذ هبط جبرئيل فقال:يا محمّد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام و يقول:لست أجمعها لك فافد أحدهما بصاحبه، فنظر إلى إبراهيم و بكى و نظر إلى الحسين و بكى و قال:إنّ إبراهيم امّه أمة و متى مات لم يحزن عليه غيري و امّ الحسين فاطمة و أبوه عليّ ابن عمّي لحمه لحمي و متى مات حزنت ابنتي و حزن ابن عمّي و حزنت أنا عليه و أنا أؤثر حزني على حزنهما.

يا جبرئيل يقبض إبراهيم فدية للحسين،فقبض بعد ثلاث فكان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا رأى الحسين مقبلا قبّله و ضمّه إلى صدره و رشف ثناياه و قال:فديت من فديته بابني إبراهيم (6).

و في كتاب الأمالي عن ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛إذا كان يوم القيامة[زين7.

ص: 80


1- -المناقب:209/3،و بحار الأنوار:254/43 ح 32.
2- -عيون المعجزات:51،و بحار الأنوار:256/43 ح 34.
3- -زيادة من المصدر.
4- -الكافي:487/3 ح 2،و بحار الأنوار:258/43 ح 41.
5- -بحار الأنوار:242/43 ح 13،و العوالم:31.
6- -المناقب:234/3،و بحار الأنوار:153/22 ح 7.

عرش ربّ العالمين بكل زينة،ثمّ] (1)يؤتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش و الاخرى عن يسار العرش فيؤتى بالحسن و الحسين عليهما السّلام فيقوم الحسن على أحدهما و الحسين على الآخر يزيّن الربّ تبارك و تعالى بهما عرشه كما يزيّن المرأة قرطاها (2).

و فيه أيضا عن أبي نعيم قال:شهدت ابن عمر و أتاه رجل فسأله عن دم البعوضة فقال:

ممّن أنت؟

قال:من أهل العراق،قال:انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوّضة و قد قتلوا ابن رسول اللّه و سمعت رسول اللّه يقول:الحسن و الحسين ريحانتاي من الدّنيا (3).

و عن زينب بنت أبي رافع عن امّها قالت:قالت فاطمة عليها السّلام:يا رسول اللّه هذان ابناك فورثهما شيئا.

قال:أمّا الحسن فإنّ له هيبتي و سؤددي،و أمّا الحسين فإنّ له شجاعتي وجودي و قد ورد هذا الحديث بأسانيد متكثّرة و يحمل على إرادة اعمال الشجاعة و استعمال الجود و بذل المال و إلاّ فهما في أصل صفات الكمال سيّان (4).

و في الكتب الكثيرة عن عليّ عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة،و في لفظ آخر ولداي هذان (5).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:قد ذكرنا في كتاب زهر الربيع أنّ من جملة الأخبار المتواترة باللفظ هذا الحديث رواه الجمهور و رواه أصحابنا قدّس اللّه أرواحهم بما يزيد على حدّ التواتر و عارضوه بما وضعوه من قولهم:أبو بكر و عمر سيّدا كهول الجنّة،مع أنّهم رووا في موضع آخر أنّه ليس في الجنّة كهل إلاّ إبراهيم عليه السّلام.2.

ص: 81


1- -زيادة من المصدر.
2- -أمالي الصدوق:174 ح 1،و بحار الأنوار:261/43 ح 3.
3- -أماي الصدوق:207 ح 12،و بحار الأنوار:262/43 ح 5.
4- -بحار الأنوار:263/43 ح 10،و شرح النهج:10/16.
5- -المناقب:546/1،و بحار الأنوار:18/42.

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:مرض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة و معها الحسن و الحسين عليهم السّلام فقعد الحسن عليه السّلام على جانبه الأيمن و الحسين عليه السّلام على جانبه الأيسر،فأقبلا يغمزان بدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فلمّا أفاق عن نومه فقالت:ارجعا حتّى يفيق و ترجعان إليه فلم يقبلا فاضطجع الحسن على عضده الأيمن و الحسين على عضد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الأيسر فانتبها قبل أن ينتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قد كانت فاطمة لمّا ناما انصرفت إلى منزلها فقالا لعائشة:ما فعلت امّنا؟

قالت:رجعت إلى منزلها،فقاما و خرجا في ليلة ظلماء ذات رعد و برق فسطع لهما نور فمشيا حتّى أتيا حديقة بني النجّار فبقيا لا يعلمان أين يأخذان.

فقال الحسن:ننام حتّى نصبح فاضطجعا متعانقين فانتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من النوم فطلبهما في منزل فاطمة و افتقدهما فقال:إلهي و سيّدي هذان شبلاي خرجا من المجاعة، اللّهم أنت وكيلي عليهما،فسطع نور و مشى في ذلك النور إلى حديقة بني النجّار فإذا هما نائمان متعانقان و قد تقشّعت السماء فوقهما كطبق و هي تمطر و لم تمطر عليهما،و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كأجام القصب و جناحان،جناح غطّت به الحسن و جناح غطّت به الحسين عليهما السّلام،فلمّا أن بصر بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تنحنح فانسابت الحيّة و هي تقول:اللّهمّ إنّي اشهدك إنّي قد حفظت شبلي نبيّك و دفعتهما إليه سالمين فقال لها:أيّتها الحيّة من أنت؟

قالت:أنا رسول الجنّ إليك نسينا آية من كتاب اللّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما نسينا،فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي:أيّتها الحيّة هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما فأخذت الآية و انصرفت،فوضع الحسن على عاتقه الأيمن و الحسين على الأيسر.

فقال أبو بكر:ادفع إليّ بأحد شبليك أخفّف عنك فقال:امض فقد سمع اللّه كلامك و عرف مقامك.

و قال لعمر مثل ما قال لأبي بكر،فتلقّاه عليّ عليه السّلام فقال:ادفع إليّ أحد شبليك أخفّف عنك فقال للحسن:هل تمض إلى كتف أبيك؟

فقال:يا جدّاه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي،و قال له الحسين مثل قول أخيه فأقبل إلى منزل فاطمة و قد ادّخرت لهما تميرات فأكلا و شبعا و فرحا.فقال لهما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛قوما

ص: 82

الآن فاصطرعا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه،فقالت فاطمة:يا أبه وا عجباه أتشجّع الكبير على الصغير،فقال:يا بنيّة هذا جبرئيل يقول:يا حسين شدّ على الحسن فاصرعه (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛لقد أذهلني هذان الغلامان[يعني الحسن و الحسين] (2)أن أحبّ بعدهما أبدا،إنّ ربّي أمرني أن أحبّهما و أحبّ من يحبّهما (3).

و عن يعلى العامري قال:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى طعام دعي إليه،فإذا هو بحسين يلعب مع الصبيان فبسط له يديه فطفر هاهنا مرّة و هاهنا مرّة و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يضاحكه حتّى أخذه فوضع فاه على فيه و قبّله و قال:حسين منّي و أنا منه أحبّ اللّه من أحبّ حسينا،حسين سبط من الأسباط (4).

و روي عن أبي الحسن الكاظم عليه السّلام قال:أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بيد الحسن و الحسين فقال:من أحبّ هذين الغلامين و أباهما و امّهما فهو معي في درجتي يوم القيامة (5).

و عن امّ سلمة قالت؛رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يلبس ولده الحسين حلّة ليست من ثياب الدّنيا فقلت:يا رسول اللّه ما هذه الحلّة؟

فقال:هذه هدية أهداها إلي ربّي للحسين و إنّ لحمتها من زغبة جناح جبرئيل،و ها أنا ألبسه إيّاها و أزيّنه بها فإنّ اليوم يوم الزينة و إنّي أحبّه (6).

و في كتاب بشائر المصطفى:كان الحسن بن عليّ عليهما السّلام يشبه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من صدره إلى رأسه و الحسين يشبهه من صدره إلى رجليه (7).

و فيه أيضا عن الرافعي عن أبيه عن جدّه قال:رأيت الحسن و الحسين عليهما السّلام يمشيان3.

ص: 83


1- -الأمالي:530 ح 8،و بحار الأنوار:107/39.
2- -زيادة عن المصدر.
3- -بحار الأنوار:269/43 ح 26.
4- -شرح الأخبار:88/3،و بحار الأنوار:74/37.
5- -كمال الزيارات:117،و بحار الأنوار:271/43 ح 37.
6- -مدينة المعاجز:517/3،و بحار الأنوار:271/43 ح 38.
7- -روضة الواعظين:165،و المناقب:165/3.

إلى الحجّ فلم يمرا براكب إلاّ نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم،فقالوا لسعد بن أبي وقّاص:

قد ثقل علينا المشي و لا نستحسن أن نركب و هذان السيّدان يمشيان فقال سعد للحسن:يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك و الناس إذا رأوكما تمشيان لم تطلب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما.

فقال الحسن عليه السّلام:لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام[على أقدامنا] (1)ولكنّا نتنكّب الطريق فأخذا جانبا من الناس (2).

و عن جابر الأنصاري قال:خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم آخذا بيد الحسن و الحسين عليهما السّلام فقال:إنّ ابني هذين سألت اللّه لهما ثلاثا فأعطاني اثنتين و منعني واحدة سألت اللّه أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيّين فأجابني إلى ذلك،و سألت اللّه أن يقيهما و ذريّتهما و شيعتهما النّار فأعطاني ذلك و سألت اللّه أن يجمع اللّه الامّة على محبّتهما فقال؛يا محمّد إنّي قضيت قضاء و قدّرت قدرا،و إنّ طائفة من امّتك ستفي لك بذمّتك في اليهود و النصارى و المجوس و سيخفرون ذمّتك في ولدك،فإنّي أوجبت إلى نفسي لمن فعل ذلك إلاّ أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة (3).

و روي عن عليّ عليه السّلام قال:عطش المسلمون عطشا شديدا فجاءت فاطمة بالحسن و الحسين إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالت؛يا رسول اللّه إنّهما صغيران لا يحتملان العطش،فدعى الحسن فأعطاه لسانه فمصّه حتّى ارتوى،ثمّ دعى الحسين فأعطاه لسانه فمصّه حتّى ارتوى.

و عنه عليه السّلام قال؛استسقى الحسن عليه السّلام فوثب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى شاة لنا فمصّ من ضرعها فجعل في قدح ثمّ وضعه في يد الحسن فجعل الحسين يثب عليه و رسول اللّه يمنعه.

فقالت فاطمة:كأنّه أحبّهما إليك يا رسول اللّه.

قال:ما هو بأحبّهما إليّ ولكنّه استسقى أوّل مرّة.

و في كتاب المناقب عن أبي عبد اللّه بن بريدة قال:سمعت أبي يقول كان رسول9.

ص: 84


1- -زيادة عن المصدر.
2- -الإرشاد:129/2،و بحار الأنوار:276/43 ح 46.
3- -بحار الأنوار:276/43،و أمالي المفيد:79.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يخطب على المنبر فجاء الحسن و الحسين و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران،فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه ثمّ قال:إنّما أموالكم و أولادكم...،لقد قمت إليهما و ما معي عقلي.

و عن جابر قال:دخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الحسن و الحسين على ظهره و هو يحثو بهما و يقول:نعم الجمل جملكما و نعم العدلان أنتما.

و عن ابن نجيح:كان الحسن و الحسين يركبان ظهر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يقولان:خل خل و يقول:نعم الجمل جملكما.

و عن عمر بن الخطّاب قال:رأيت الحسن و الحسين على عاتقي رسول اللّه فقلت:نعم الفرس لكما،فقال رسول اللّه:نعم الفارسان هما.

و روي أنّه برك للحسن و الحسين و حملهما و خالف بين أيديهما و أرجلهما و قال:نعم الجمل جملكما.

و روي أنّ فاطمة عليها السّلام كانت ترقّص ابنها حسنا و تقول شعر:

اشبه أباك يا حسن *** و اخلع عن الحقّ الرّسن

و اعبد إلها ذا منن *** و لا توال ذا الإحن

و قالت للحسين عليه السّلام:أنت شبيه بأبي لست شبيها بعليّ.

و روى المفيد عن الرضا عليه السّلام قال:عرى الحسن و الحسين عليهما السّلام و أدركهما العيد فقالا لامّهما:قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ نحن فما لك[أن] (1)تزيّنينا؟

فقال:إنّ ثيابكما عند الخيّاط[فإذا أتاني زينتكما] (2)،فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول على امّهما فبكت و رحمتهما،فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع فقال:يا بنت رسول اللّه أنا الخيّاط جئت بالثياب،ففتحت الباب فإذا رجل و معه من لباس العيد فناولها منديلا مشدودا فإذا فيه قميصان و دراعتان و سراويلان ورداءان و عمامتان و خفّان أسودان معقبان بحمرة، فألبستهما و دخل رسول اللّه و هما مزيّنان فحملهما و قبّلهما ثمّ قال:رأيت الخيّاط؟ر.

ص: 85


1- -في المصدر:لا.
2- -زيادة عن المصدر.

قالت:نعم يا رسول اللّه قال:يا بنيّة ما هو خيّاط إنّما هو رضوان خازن الجنان ما عرج حتّى جاءني و أخبرني (1).

و روى الحسن البصري و امّ سلمة:إنّ الحسن و الحسين دخلا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و بين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي فتناول جبرئيل تفّاحة و سفرجلة و رمّانة فناولهما ففرحا و سعيا إلى جدّهما فشمّهما و قال:صيرا إلى امّكما و أبيكما، فلم يأكلوا حتّى صار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى مكان حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.قال الحسين عليه السّلام:فلم يلحقه التغيير حتّى توفّيت فاطمة ففقدنا الرمّان،فلمّا توفّى أمير المؤمنين فقدنا السفرجل و بقي التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت من الماء،فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي،فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها و أيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة،فلمّا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر و بقي ريحها بعد الحسين عليه السّلام و لقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره فمن أراد بذلك من شيعتنا الزائرين ليعتبر فليلتمس ذلك أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلصا (2).3.

ص: 86


1- -بحار الأنوار:289/43.
2- -المناقب:161/3،و بحار الأنوار:290/43.

حديث الجام

و في أمالي أبو الفتح عن ابن عبّاس قال:كنّا جلوسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ هبط عليه جبرئيل و معه جام من البلور الأحمر مملوّ مسكا و عنبرا فقال:السلام يقرئك السلام و يحييك بهذه التحيّة و يأمرك أن تحيي بها عليّا و ولديه،فلمّا صارت في كفّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هلّلت ثلاثا و كبّرت ثلاثا و قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فشمّها (1)و حيّا بها عليّا،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ،فاشتمها علي و حيّا بها الحسن،فلمّا صارت في كفّ الحسن قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الآية،فاشتمها[الحسن]و حيّا بها الحسين،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ثمّ ردّت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالت: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلم أدر أعلى السماء صعدت أم في الأرض نزلت (2).

و في كتاب المعالم أنّ ملكا نزل من السماء فقعد على يد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سلّم عليه بالنبوّة و على يد عليّ فسلّم عليه بالوصيّة و على يد الحسن و الحسين فسلّم عليهما بالخلافة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لم لا تقعد على يد فلان؟

فقال:أنا لا أقعد على يد عصي عليها اللّه فكيف أقعد على يد عصت اللّه أربعين عاما؟.

أقول:المراد بفلان أبو بكر أو عمر (3).

و في كتاب الخصائص قال ابن عمر:كان للحسن و الحسين تعويذان حشوهما من زغب

ص: 87


1- -في المصدر فاشتمها النبي.
2- -المناقب:162/3،و بحار الأنوار:100/37.
3- -بحار الأنوار:291/43،و المناقب:162/3.

جناح جبرئيل عليه السّلام لأنّه كان لآل محمّد و سادة لا يجلس عليها إلاّ جبرئيل،فإذا قام عنها طويت،فكان إذا قام انتفض من زغبه فتلقطه فاطمة فتجعلها في تمايم الحسن و الحسين (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ الجنّة قالت:يا ربّ أسكنتني الضعفاء و المساكين،فقال اللّه تعالى:ألا ترضين إنّي زيّنت أركانك بالحسن و بالحسين،فماست كما تميس العروس فرحا.

و في كتاب المناقب عن أنس أنّ النبيّ دعى إلى الصلاة و الحسن متعلّق به فوضعه إلى جنبه و صلّى،فلمّا سجد أطال السجود،فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن إلى كتف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فلمّا سلّم قال القوم:لقد طوّلت السجود كأنّما يوحى إليك؟

فقال:لم يوح إليّ ولكنّ ابني هذا ارتحلني،فكرهت أن أعجله حتّى يقضي حاجته (2).2.

ص: 88


1- -مدينة المعاجز:416/2 ح 445.
2- -بحار الأنوار:293/43،و كشف الغمة:216/2.

لعبة المداحي

و عن أبي رافع قال:كنت ألاعب الحسين و هو صبيّ بالمداحي،فإذا أصبت مدحاتي قلت احملني فيقول أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأتركه فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت لا أحملك كما لم تحملني فيقول:أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأحمله (1).

أقول:المداحي أحجارا مثل القرصة كانوا يحفرون حفيرة و يدحون فيها بتلك الأحجار،فإن وقع الحجر فقد غلب صاحبها و إن لم يقع غلب.

و في كتاب كشف اليقين عن إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال:كنّا عند أمير المؤمنين هارون الرشيد فتذاكروا عليّ بن أبي طالب،فقال هارون:تزعم العوام إنّي أبغض عليّا و ولديه حسنا و حسينا و لا و اللّه ما ذلك كما يظنّون ولكن ولده هؤلاء طالبونا بدم الحسين معهم حتّى قتلنا قتله ثمّ أفضى هذا الأمر إلينا فحسدونا و خرجوا علينا فحلوا قطيعتهم،و اللّه لقد حدّثني أبي المهدي عن أبيه المنصور عن محمّد بن علي عن عبد اللّه بن عبّاس قال:بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ أقبلت فاطمة تبكي قالت:إنّ الحسن و الحسين خرجا فما أدري أين سلكا،فقال:لا تبكين فداك أبوك فإنّ اللّه أرحم بهما ثمّ قال:اللّهمّ احفظهما و سلّمهما في البرّ و البحر.

فهبط جبرئيل فقال:يا أحمد لا تحزن هما فاضلان في الدّنيا و الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجّار نائمين و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما،فقام و قمنا معه إلى الحظيرة،فإذا هما متعانقان فإذا الملك غطّاهما بأحد جناحيه فحمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنّه حاملهما ثمّ قال:و اللّه لأشرفنّهما اليوم بما شرّفهما اللّه، فخطب فقال:أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدّا وجدّة؟

ص: 89


1- -المناقب:227/3،و بحار الأنوار:297/43.

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين جدّهما رسول اللّه و جدّتهما خديجة بنت خويلد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير الناس أبا و امّا؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب و امّهما فاطمة بنت محمّد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير النّاس عمّا و عمّة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب و عمّتهما امّ هاني بنت أبي طالب، ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه ألا أنّ أباهما في الجنّة و امّهما في الجنّة و جدّهما في الجنّة و خالهما في الجنّة و خالتهما في الجنّة و عمّهما في الجنّة و عمّتهما في الجنّة و هما في الجنّة و من أحبّهما في الجنّة.

و روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أتى بتمر من تمر الصدقة فجعل يقسمه،فلمّا فرغ حمل الصبي و قام فإذا الحسن في فيه تمرة يلوكها فسال لعابه عليه فدخل اصبعه في فيه و قال كخ كخ أما شعرت أنّ آل محمّد لا يأكلون الصدقة.

ص: 90

تعويذ الحسن و الحسين عليهما السّلام

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:رقى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حسنا و حسينا فقال:أعيذكما بكلمات اللّه التامّات و أسمائه الحسنى كلّها عامّة من شرّ السامّة و الهامة و من شرّ كلّ عين لامة و من شرّ حاسد إذا حسد،و قال:هكذا يعوّذ إبراهيم إسماعيل و إسحاق عليهم السّلام.

و في التهذيب عنه عليه السّلام:أنّ رسول اللّه كان في الصلاة و إلى جانبه الحسين بن عليّ فكبّر رسول اللّه فلم يحر الحسين بالتكبير ثمّ كبّر فلم يحر الحسين بالتكبير و لم يزل يعالجه التكبير فلم يحر حتّى أكمل سبع تكبيرات،فأحار الحسين التكبير في السابعة،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

فصارت سنّة.

و عن أبي جعفر عليه السّلام:ما ضرّ من أكرمه اللّه من شيعتنا ما أصابه في الدّنيا و لو لم يقدر على شيء يأكله إلاّ الحشيش.

و عن ابن شاذان بإسناده إلى سلمان قال:أتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسلّمت عليه ثمّ دخلت على فاطمة فقالت:يا عبد اللّه هذان الحسن و الحسين جائعان يبكيان فاخرج بهما إلى جدّهما فحملتهما إليه فقال:ما لكما يا حسناي قالا:نشتهي طعاما يا رسول اللّه فقال:أطعمهما ثلاثا، فنظرت فإذا سفرجلة في يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم شبيهة بقلّة من قلال هجر أشدّ بياضا من الثلج و ألين من؟؟ففركها بإبهامه فصيّرها نصفين فدفع إلى كلّ واحد نصفا،فجعلت أنظر و أنا أشتهيها قال:لعلّك تشتهيها يا سلمان؟

قلت:نعم،قال:هذا طعام من الجنّة لا يأكله أحد حتّى ينجو من الحساب.

و روي أنّ الحسن و الحسين كانا يكتبان فقال الحسن للحسين:خطّي أحسن من خطّك، فقال الحسين:لا بل خطّي أحسن من خطّك،فقالا لفاطمة:احكمي بيننا فكرهت فاطمة أن تؤذي أحدهما فقالت لهما:سلا أباكما فسألاه فكره أن يؤذي أحدهما فقال:سلا جدّكما فسألاه فقال:لا أحكم بينكما حتّى أسأل جبرئيل.

ص: 91

فلمّا جاء جبرئيل قال:لا أحكم بينهما ولكن إسرافيل يحكم بينهما فقال إسرافيل:لا أحكم بينهما ولكن أسأل اللّه أن يحكم بينهما،فسأل اللّه تعالى ذلك فقال:لا أحكم بينهما ولكن امّهما فاطمة تحكم بينهما.

فقالت فاطمة:احكم بينهما يا ربّ و كانت لها قلادة فقالت لهما:أنا أنثر بينكما جواهر هذه القلادة فمن أخذ منها أكثر فخطّه أحسن فنثرتها،و كان جبرئيل في ذلك الوقت عند قائمة العرش،فأمره اللّه تعالى أن يهبط إلى الأرض و ينصف الجواهر بينهما كيلا يتأذّى أحدهما، ففعل ذلك جبرئيل إكراما لهما و تعظيما (1).

و عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جائعا لا يقدر على ما يأكل فقال:هاتي ردائي فقلت:أين تريد؟

قال:إلى فاطمة ابنتي فانظر إلى الحسن و الحسين فيذهب بعض ما بي من الجوع فدخل على فاطمة فقال:أين ابناي؟

فقالت:خرجا من الجوع يبكيان فخرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في طلبهما فرأى أبا الدرداء فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عويمر هل رأيت ابنيّ؟

قال:نعم يا رسول اللّه نائمان في ظلّ حائط بني جدعان فانطلق إليهما فضمّهما و هما يبكيان و هو يمسح الدموع عنهما ثمّ قال:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو قطر قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في امّتي إلى يوم القيامة،فحملهما و هما يبكيان و هو يبكي فجاء جبرئيل فقال:ربّك يقرئك السلام و يقول:ما هذا الجزع؟

فقال:ما أبكي جزعا من ذلّ الدّنيا،فقال جبرئيل:إنّ اللّه تعالى يقول:أيسرّك أن أحوّل لك أحدا ذهبا و لا ينقص لك ممّا عندي شيء؟

قال:لا لأنّ اللّه تعالى لم يحبّ الدّنيا و لو أحبّها ما جعل المكاره أكملها.

فقال جبرئيل:ادع بالجفنة التي في ناحية البيت،فدعى بها فإذا فيها ثريد و لحم كثير فقال:كل يا محمّد و اطعم ابنيك و أهل بيتك فأكلوا و شبعوا و هي على حالها فأرسل بها إليّ فأكل و شبع ثمّ قال:ما رأيت جفنة أعظم بركة منها فرفعت عنهم.7.

ص: 92


1- -بحار الأنوار:30943/،و كلمات الحسين:47.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:و الذي بعثني بالحقّ لو سكت لتداولها فقراء امّتي إلى يوم القيامة (1).

و في بحار الأنوار نقلا عن بعض مؤلّفات أصحابنا أنّه روي مرسلا عن جماعة من الصحابة قالوا؛دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم دار فاطمة فقال:إنّ أباك اليوم ضيفك فقالت:إنّ الحسن و الحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئا فجلس و فاطمة متحيّرة فنظر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى السماء فنزل جبرئيل و قال:يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام و يقول:

قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنّة؟فلم يردّوا فقال الحسين عليه السّلام:عن إذنكم أختار لكم شيئا من فواكه الجنّة،فقالوا جميعا:قل يا حسين فقد رضينا بما تختار،فقال:انّنا نشتهي رطبا جنيا فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا فاطمة قومي و احضري لنا ما في البيت،فدخلت فرأت طبقا من البلور مغطّى بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جني في غير أوانه فقال:يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.

فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قدّمه بين أيديهم ثمّ قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم،فأخذ رطبة فوضعها في فم الحسين فقال:هنيئا مريئا يا حسين،ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن و قال هنيئا مريئا يا حسن ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الزهراء و قال:هنيئا مريئا لك يا فاطمة، ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فمّ عليّ و قال:هنيئا مريئا لك يا عليّ،ثمّ ناول عليّا اخرى و اخرى و هو يقول هنيئا مريئا لك يا عليّ ثمّ وثب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قائما ثمّ جلس ثمّ أكلوا جميعا من ذلك الرطب،فلمّا أكلوا ارتفعت المائدة إلى السماء فقالت فاطمة:يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.

فقال:يا فاطمة أمّا الرطبة الاولى التي وضعتها في فم الحسين فإنّي سمعت ميكائيل و إسرافيل يقولان:هنيئا مريئا يا حسين،فقلت موافقا لهما بالقول:هنيئا مريئا لك يا حسين،ثمّ أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرئيل و ميكائيل يقولان:هنيئا لك يا حسن فقلت موافقا لهما في القول.ثمّ أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور3.

ص: 93


1- -بحار الأنوار:309/43.

العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان و هن يقلن:هنيئا لك يا فاطمة فقلت موافقا لهنّ بالقول،و لمّا أخذت الرابعة فوضعها في فم علي سمعت النداء من الحقّ سبحانه و تعالى يقول:هنيئا مريئا لك يا عليّ،فقلت موافقا لقول اللّه عزّ و جلّ،ثمّ ناولت عليّا رطبة اخرى ثمّ اخرى و أنا أسمع صوت الحقّ سبحانه و تعالى يقول:هنيئا مريئا لك يا عليّ ثمّ قمت إجلالا لربّ العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول:يا محمّد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليّا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له:هنيئا مريئا بغير انقطاع (1).1.

ص: 94


1- -بحار الأنوار:312/43 ح 73،و مدينة المعاجز:346/1.

حديث الغزالة

و في الأخبار أنّ أعرابيّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه لقد صدت خشفة غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين،فقبلها و دعى له بالخير فإذا الحسن واقف عنده فرغب إليها فأعطاه إيّاها فما مضى ساعة إلاّ و الحسين عليه السّلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فأتى إلى جدّه فقال:أعطيت أخي خشفة يلعب بها و لم تعطني فجعل يكرّر القول و جدّه ساكت،فهمّ الحسين عليه السّلام أن يبكي فبينما هو كذلك إذا بصياح ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه فنطقت الغزالة و قالت:يا رسول اللّه كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصيّاد و أتى بها إليك و بقيت لي هذه الاخرى و أنا بها مسرورة و كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول:اسرعي اسرعي يا غزالة بخشفك إلى النبيّ محمّد لأنّ الحسين واقف بين يديه و قد همّ أن يبكي و الملائكة بأجمعهم رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة،و لو بكى الحسين لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه و سمعت أيضا قائلا يقول:اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع إلى خدّ الحسين فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فأتيت بخشفي إليك و قطعت مسافة بعيدة،لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين على خدّه،فارتفع التكبير و التهليل من الأصحاب و دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم للغزالة و أخذ الحسين الخشفة و أتى بها إلى الزهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما (1).

و عن عروة البرقي[كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقبل] (2)الحسن و الحسين[و يقول:يا أصحابي إني أود أن أقاسمهما]حياتي لحبّي لهما،فهما ريحانتاي من الدّنيا (3).

ص: 95


1- -بحار الأنوار:312/43 ح 73،و كلمات الإمام الحسين:15.
2- -زيادة عن المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
3- -مدينة المعاجز:436/3،و بحار الأنوار:315/43.

و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و حمل جبرئيل الحسين عليه السّلام فكان بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (1).

و في كتاب مناقب[آل أبي طالب]:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّى وجد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما على عاتقيه و أتى بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:

يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى ردّ يده إلى فمه ثمّ قال للرجل اذهب فأنت طليق،و قال لحسن و حسين:قد شفعتكما فيه فأنزل اللّه تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (2).

و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوى عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أ و ليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوي عليهما (3).3.

ص: 96


1- -مدينة المعاجز:288/3،و بحار الأنوار:316/43.
2- -المناقب:168/3،و شرح الأخبار:117/3.
3- -المناقب:168/3،و بحار الأنوار:319/43.

في كيفيّة الإرشاد

و في عيون المحاسن عن الزوياني:أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام مرّا على شيخ يتوضّأ و لا يحسن،فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما:أنت لا تحسن الوضوء فقالا:أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا:أيّنا أحسن؟

قال:كلاكما تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن،و قد تعلّم الآن منكما و تاب على أيديكما ببركتكما و شفقتكما على أمّة جدّكما (1).

أقول:فيه إشارة إلى حسن سلوك الأدب في الإرشاد الجاهلين أحكام الدّين و جواز الكذب ظاهرا و يحمل على التورية،أو أنّ(الألف)و(اللاّم)في الوضوء للعهد أي الوضوء الذي فعله الشيخ لا يعده أحد منّا حسنا.

و في الكافي عن أبي سعيد التيمي قال:مررت بالحسن و الحسين و هما في الفرات مستنقعان في إزارين فقلت لهما:يا ابني رسول اللّه أفسدتما الإزارين فقالا لي فساد الإزارين أحبّ إلينا من فساد الدّين إنّ للماء أهلا و سكّانا كسكّان الأرض،ثمّ قالا:أين تريد؟

قلت:أشرب من هذا الماء المرّ لعلّة بي أرجو أن يخف الجسد و يسهل البطن فقالا:ما نحسب أنّ اللّه جعل في شيء قد لعنه شفاء،لأنّ اللّه تعالى لمّا أراد غرق قوم نوح فتح السماء بماء منهمر و أوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها و جعلها ملحا أجاجا (2).

و في رواية حمدان بن سليمان أنّهما قالا:يا أبا سعيد تأتي ماء ينكر و لايتنا في كلّ يوم ثلاث مرّات إنّ اللّه جلّ و عزّ عرض ولايتنا على المياه،فما قبل ولايتنا عذب و طاب و ما جحد ولايتنا جعله اللّه عزّ و جلّ مرّا و ملحا أجاجا (3).

ص: 97


1- -وضوء النبي:358/2.
2- -الكافي:390/6 ح 3،و بحار الأنوار:320/43.
3- -المحاسن:579/2،و بحار الأنوار:320/43 ح 3.

و روى السيّد ابن طاووس رضوان اللّه عليه:أنّ الحسين قتل و عليه دين و إنّ عليّ بن الحسين باع ضيعة له بثلاثمائة ألف ليقضي دين الحسين و عدات كانت عليه (1).0.

ص: 98


1- -بحار الأنوار:321/43 ح 5،و كلمات الإمام الحسين:720.

الفصل الثاني: فيما يخصّ الإمام المجتبى أبي محمّد الحسن صلوات اللّه عليهما

اشارة

في كتاب أعلام الورى عن سليم بن قيس قال:شهدت أمير المؤمنين عليه السّلام حين أوصى إلى ابنه الحسن و أشهد عليه أولاده و خواص شيعته و دفع إليه الكتاب و السلاح و قال:يا بنيّ أمرني رسول اللّه أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصى إليّ و دفع إليّ كتبه و سلاحه،و أمرني أن إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين،ثمّ أقبل على ابنه الحسين فقال:و أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين و قال:

أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى إبنك محمّد بن عليّ فاقرأه من رسول اللّه و منّي السلام (1).

و عن ابن حوشب أنّ عليّا عليه السّلام،لمّا سار إلى الكوفة استودع امّ سلمة(رض)كتبه و الوصيّة فلمّا رجع الحسن دفعتها إليه (2).

و في كتاب البصائر عن الصادق عليه السّلام قال:خرج الحسن عليه السّلام في بعض عمره و معه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته فنزلوا تحت نخل يابس فقال الزبيري:لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه فرفع الحسن عليه السّلام يده إلى السماء و دعى اللّه سبحانه بكلام لم يفهمه الزبيري، فاخضرّت النخلة ثمّ عادت إلى حالها فأورقت و حملت رطبا فقال الجمّال:سحر و اللّه،فقال الحسن:ويلك ليس بسحر ولكن دعوة ابن النبيّ مجابة فصعدوا النخلة و صرموا ممّا كان فيها (3).

و في الخرائج عن الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن عليه السّلام خرج من مكّة ماشيا إلى المدينة فتورّمت قدماه فقيل له:لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم فقال:كلاّ،ولكنّا إذا أتينا المنزل فإنّه

ص: 99


1- -أعلام الورى:4051/،و بحار الأنوار:322/43 ح 1.
2- -شرح أصول الكافي:149/6 ح 3،و مكاتيب الرسول:34/2 ح 8.
3- -بصائر الدرجات:276،و الكافي:462/1 ح 4.

يستقبلنا أسود معه دهن يصلح لهذا الورم فاشتروا منه،و صاروا أميالا،فإذا الأسود معه الدّهن فأرادوا أن يشتروه فقال:يابن رسول اللّه أنا عبدك لا آخذ له ثمنا ولكن ادع اللّه أن يرزقني ولدا سويّا ذكرا يحبّكم أهل البيت فإنّي خلّفت امرأتي تمخض،فقال:انطلق إلى منزلك فإنّ اللّه تعالى قد وهب لك ذكرا سويّا،فرجع فإذا امرأته قد ولدت غلاما،فمسح عليه السّلام رجليه بذلك الدهن فزال الورم من ساعته (1).3.

ص: 100


1- -الخرائج و الجرائح:239/1،و بحار الأنوار:324/43 ح 3.

سؤالات معاوية

و فيه:أنّ عليّا عليه السّلام كان في الرحبة فقام إليه رجل فقال:أنا من رعيّتك و أهل بلادك قال:

لست من رعيّتي و لا أهل بلادي،و أنّ ابن الأصفر يعني ملك الروم بعث إلى معاوية مسائل لم يعرفها و أرسلك إليّ لأجلها.

قال:صدقت يا أمير المؤمنين أرسلني إليك خفية.

قال:اسأل ابني الحسن،فقال له الحسن عليه السّلام:جئت تسأل كم بين الحقّ و الباطل و كم بين السماء و الأرض و كم بين المشرق و المغرب و ما قوس قزح و ما المؤنث و ما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟

قال:نعم.

قال الحسن عليه السّلام:بين الحقّ و الباطل أربع أصابع ما رأيته بعينك فهو حقّ و قد تسمع باذنك باطل،و بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مدّ البصر،و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم الشمس،و قزح اسم الشيطان و هو قوس اللّه و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق،و أمّا المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم انثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم و إن كان انثى حاضت و بدا ثديها و إلاّ قيل له:بل،فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر و إن انتكص بوله على رجليه كالبعير فهو انثى،و أمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشدّ شيء خلقه اللّه الحجر، و أشدّ منه الحديد يقطع به الحجر و أشدّ من الحديد النار تذيب الحديد و أشدّ منها الماء و أشدّ من الماء السحاب و أشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب و أشدّ من الريح الملك الذي يردها و أشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك و أشدّ من ملك الموت،الموت الذي يميت ملك الموت و أشدّ من الموت أمر اللّه الذي يدفع الموت (1).

أقول:ورد في الخبر أنّ اللّه سبحانه لمّا خلق الحجر فخر و بطر و قال:من أشدّ منّي،

ص: 101


1- -الخصال:442،و الإحتجاج:4001/.

فخلق اللّه الحديد و سلّطه عليه فقطعه ففخر الحديد،و هكذا وقع الفخر إلى آخر العشرة.

و في كتاب المناقب أنّه استغاث الناس إلى الحسن عليه السّلام من زياد فرفع يده و قال:اللّهم خذ لنا و لشيعتنا من زياد ابن أبيه و أرنا فيه نكالا عاجلا إنّك على كلّ شيء قدير،فخرج خراج في إبهام يمينه يقال لها السلعة و ورم إلى عنقه فمات (1).

كيفيّة تحليف الكاذب

و روي أنّه ادّعى رجل على الحسن عليه السّلام ألف دينار كذبا فذهبا إلى شريح،فقال للحسن عليه السّلام:أتحلف؟

قال:إن حلف خصمي أعطيه فقال شريح للرجل:قل باللّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة،فقال الحسن عليه السّلام:لا أريد هذا ولكن قل:باللّه إنّ لك على هذا و خذ الألف، فقال الرجل ذلك و أخذ الدنانير،فلمّا قام خرّ إلى الأرض و مات،فسئل الحسن عليه السّلام عن ذلك فقال:خشيت أنّه لو تكلّم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد و يحجب عنه عقوبة يمينه (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال بعضهم للحسن بن علي في احتماله الشدائد من معاوية فقال عليه السّلام:لو دعوت اللّه تعالى لجعل العراق شاما و الشام عراقا و جعل المرأة رجلا و الرجل امرأة،فقال الشامي:و من يقدر على ذلك؟

فقال عليه السّلام:انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال فوجد الرجل نفسه امرأة.

ثمّ قال:و صارت عيالك رجلا و تقاربك و تحمل منها و تلد ولدا خنثى فكان كما قال عليه السّلام ثمّ إنّهما تابا و جاءا إليه فدعى اللّه فعادا إلى الحالة الاولى (3).

ص: 102


1- -المناقب:174/3،و بحار الأنوار:327/43.
2- -المناقب:174/3،و بحار الأنوار:327/43.
3- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:327/43.

إخبار الحسن عليه السلام عن الشهادة

و عنه عليه السّلام قال الحسن عليه السّلام لأهل بيته:يا قوم إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فقال له أهل بيته:و من الذي يسمّك؟

قال؛جاريتي و امرأتي فقالوا له:اخرجها من ملكك عليها لعنة اللّه،فقال:هيهات من إخراجها و منيّتي على يدها و لو أخرجتها يقتلني غيرها كان قضاء مقضيّا،فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى امرأته فقال الحسن:هل عندك من شربة لبن فأعطته و فيه ذلك السمّ، فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده،فقال:يا عدوّة اللّه قتلتيني قاتلك اللّه،أما و اللّه لا تصيبين من الفاسق عدوّ اللّه خيرا (1).

معنى(و يعلم ما في الأرحام)

و من كتاب الدلائل عن ابن عبّاس قال:مرّت بالحسن بن علي بقرة فقال:هذه حبلى بعجلة انثى لها غرّة في جبينها و رأس ذنبها أبيض،فانطلقنا مع القصّاب حتّى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف،فقلنا:أ و ليس اللّه يقول وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ فكيف علمت؟

فقال:ما يعلم المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل غير محمّد و ذرّيته (2).

أقول:ردّ عليه السّلام الاعتراض على أحسن الوجوه و أكملها،و له في الاخبار عنهم عليهم السّلام معنى آخر و هو أنّه لا يعلم ما في الأرحام أحد إلاّ بتعليم اللّه تعالى و وحيه و إلهامه و أنّهم عليهم السّلام يعلمون ذلك بالوحي و الإلهام.

ص: 103


1- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:328/43 ح 6.
2- -دلائل الإمامة:171،و بحار الأنوار:328/43 ح 7.

معجزة للحسن عليه السلام

و من كتاب مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تأليف الشيخ المفيد رحمه اللّه بإسناده إلى الباقر عليه السّلام قال:جاء الناس إلى الحسن بن عليّ عليه السّلام فقالوا:أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينا،فقال:و تؤمنون بذلك؟

قالوا:نعم.

قال:أ و ليس تعرفون أبي؟

قالوا:بل نعرفه،فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين عليه السّلام قاعد قالوا:هذا أمير المؤمنين و نشهد أنّك الإمام من بعده و لقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول اللّه في مسجد قبا بعد موته،فقال الحسن:و يحكم أما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ فإن كان هذا نزل فيمن قتل في سبيل اللّه ما تقولون فينا؟

قالوا؛آمنّا و صدّقنا يابن رسول اللّه (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا صالح الحسن عليه السّلام معاوية جلسا بالنخيلة فقال:يا أبا محمّد بلغني أنّ رسول اللّه كان يخرص النخل،فهل عندك من ذلك علم فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم على شيء في الأرض و لا في السماء؟

فقال الحسن عليه السّلام:إنّ رسول اللّه كان يخرص كيلا و أنا أخرص عددا،فقال معاوية:كم في هذه النخلة؟

فقال عليه السّلام:أربعة آلاف بسرة و أربع بسرات،فأمر معاوية بها فصرمت و عدّت فجاءت أربعة آلاف و ثلاث بسرات،فقال:و اللّه ما كذبت و لا كذبت فنظر فإذا في يد عبد اللّه بن عامر

ص: 104


1- -الهداية الكبرى:195،و بحار الأنوار:329/43 ح 8.

بسرة (1).

و في الأمالي بإسناده إلى الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن بن عليّ كان إذا ذكر الموت بكى،رو إذا ذكر القبر بكى و إذا ذكر البعث و النشور بكى و إذا ذكر الممرّ على الصراط بكى،و إذا ذكر العرض على اللّه تعالى شهق شهقة يغشى عليه منها،و كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ و جلّ و كان إذا ذكر الجنّة و النار اضطرب اضطراب السليم و إذا قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قال:لبّيك اللّهمّ لبّيك،و لقد قيل لمعاوية ذات يوم:لو أمرت الحسن يخطب ليظهر للناس نقصه،فقال له:عظنا،فصعد المنبر و أحمد اللّه و قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي و ابن سيّدة النساء،أنا ابن خير خلق اللّه،أنا ابن رسول اللّه،أنا صاحب الفضائل،أنا ابن صاحب المعجزات و الدلائل،أنا أمير المؤمنين،أنا المدفوع عن حقّي،أنا و أخي سيّدا شباب أهل الجنّة،أنا ابن الركن و المقام،أنا ابن مكّة و منى،أنا ابن المشعر و عرفات.

فقال له معاوية:خذ في نعت الرطب و دع هذا،فقال:الريح تنفخه و الحرّ ينضجه و البرد يطيبه ثمّ عاد في كلامه فقال:أنا إمام خلق اللّه و ابن محمّد رسول اللّه فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به الناس،فقال:يا أبا محمّد انزل فقد كفى ما جرى فنزل (2).

و فيه عن الرضا عليه السّلام قال:لمّا حضرت الحسن بن علي الوفاة بكى فقيل له:يابن رسول اللّه أتبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذي أنت به و قد حججت عشرين حجّة ماشيا و قد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النعل و النعل؟

فقال عليه السّلام:إنّما أبكي لخصلتين هول المطلع و فراق الأحبّة (3).

أقول:هول المطلع ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبّهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال.

و في كتاب البصائر بإسناده إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام إنّه قال:إنّ للّه مدينتين إحداهما9.

ص: 105


1- -درر الأخبار:306،و بحار الأنوار:329/43.
2- -أمالي الصدوق:245،و بحار الأنوار:332/43.
3- -شرح أصول الكافي:226/7،و بحار الأنوار:150/44 ح 19.

بالمشرق و الاخرى بالمغرب عليهما سوران من حديد و على كلّ مدينة ألف ألف مصراع من ذهب و فيها سبعون ألف ألف لغة يتكلّم أهل كلّ لغة بخلاف لغة صاحبه،و أنا أعرف جميع اللّغات و ما فيهما و ما بينهما و ما عليهما حجّة غيري و الحسين أخي.

نقول:هذان المدينتان جابلقا و جابرسا و سيأتي شرح أحوالهما (1).5.

ص: 106


1- -بصائر الدرجات:359،و الكافي:462/1 ح 5.

ما هو مكتوب على جناح الجرادة

و في كتاب الخرائج و الجرائح أنّ الحسن عليه السّلام و عبد اللّه بن العبّاس كانا على مائدة فجاءت جرادة[و وقفت]على المائدة فقال عبد اللّه للحسن:أيّ شيء مكتوب على جناح الجرادة؟

فقال عليه السّلام:مكتوب عليه:أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ربّما أبعث الجراد لقوم جياع ليأكلوه و ربّما أبعثها نقمة على قوم لتأكل أطعمتهم فقام عبد اللّه:و قبّل رأس الحسن و قال:هذا من مكنون العلم (1).

و في كتاب المحاسن في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:جئتك مستشيرا،إنّ الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر خطبوا إليّ فقال عليه السّلام:المستشار مؤتمن،أمّا الحسن فإنّه مطلاق للنساء و لكن زوجّها الحسين فإنّه خير لابنتك (2).

و عن أنس بن مالك قال:لم يكن أحد أشبه برسول اللّه من الحسن بن علي.

و ذكر أبو السعادات في الفضائل أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان يحضر مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو ابن سبع سنين فيسمع الوحي يحفظه فيأتي امّه فيلقى إليها ما حفظه،و كلّما دخل عليّ عليه السّلام وجد عندها علما بالتنزيل فسألها عن ذلك فقالت:من ولدك الحسن فتخفّى يوما في الدار و قد دخل الحسن و قد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه أي لم يقدر على التعبير فعجبت امّه من ذلك فقال:لا تعجبين يا امّاه فإنّ كبيرا يسمعني و استماعه قد أوقفني فخرج عليّ عليه السّلام فقبّله (3).

ص: 107


1- -الخرائج و الجرائح:241/1 ح 6،و بحار الأنوار:337/43 ح 8.
2- -المحاسن:601/2 ح 20،و الحدائق الناظرة:148/25.
3- -بحار الأنوار:338/43 ح 11،و الأنوار البهية:88.

و في رواية:يا امّاه قلّ بياني و كلّ لساني لعلّ سيّدا يرعاني (1).

و في المناقب إنّه قيل للحسن بن علي إنّ فيك عظمة،قال:بل فيّ عزّة،قال اللّه تعالى:

وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ .

و قال واصل بن عطاء:كان الحسن بن علي سيماء الأنبياء و بهاء الملوك (2).

و في كتاب الخرائج:روي أنّه دخلت على الحسن عليه السّلام امرأة و هو في صلاته فقال لها:

ألك حاجة؟

قالت:نعم،قم فأصب منّي فإنّي وفدت و لا بعل لي،قال:إليك عنّي لا تحرقيني بالنار و نفسك فجعلت تراوده عن نفسه و هو يبكي و يقول:ويحك إليك عنّي و اشتدّ بكاؤه فبكت لبكائه،فدخل الحسين عليه السّلام فرآهما يبكيان فبكى و جعل أصحابه يدخلون و يبكون و علت الأصوات فخرجت الأعرابية و قام القوم و ترحّلوا و لبث الحسين بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالا،فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذ استيقظ و هو يبكي فقال له الحسين عليه السّلام:ما شأنك؟

قال:رؤيا رأيتها الليلة.

قال:و ما هي؟

قال:لا تخبر بها أحدا ما دمت حيّا؟

قال:نعم.

قال:رأيت يوسف فجئت أنظر إليه فيمن نظر،فلمّا رأيت حسنه بكيت فنظر إلى في الناس فقال:ما يبكيك يا أخي بأبي و امّي؟فقلت:ذكرت يوسف و امرأة العزيز و ما ابتليت به من أمرها و ما لقيت من السجن و حرقة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك و كنت أتعجّب منه فقال يوسف:فهلاّ تعجّبت ممّا ابتلاك فيه المرأة البدوية بالأبواء،و هو اسم مكان بين الحرمين (3).3.

ص: 108


1- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:338/43 ح 11.
2- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:338/43 ح 11.
3- -المناقب:181/3،و بحار الأنوار:340/43.

شعر الحسن عليه السلام

و من قوله عليه السّلام شعر:

ذري كدر الأيّام إنّ صفاءها *** تولى بأيام السرور الذواهب

و كيف يعزّ الدهر من كان بينه *** و بين الليالي محكمات التجارب

و له أيضا:

قل للمقيم بغير دار إقامة *** حان الرحيل فودّع الأحبابا

إنّ الذين لقيتهم و صحبتهم *** صاروا جميعا في القبور ترابا

و له أيضا:

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها *** إنّ المقام بظلّ زائل حمق

و له:

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني *** و شربة من قراح الماء تكفيني

و تمرة من رقيق الثوب تسترني *** حيّا و إن متّ تكفيني لتكفيني

و جاء بعض الأعراب فقال:اعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعها إليه،فقال الأعرابي:يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي و أنشر مدحتي فأنشأ الحسن عليه السّلام شعر:

نحن اناس نوالنا خضل *** يرتع فيه الرّجاء و الآمل

نجود قبل السؤال بأنفسنا *** خوفا على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا *** لغاض من بعد فيضه خجل

الخضل:ككتف النبات الناعم،و خجل صفة مشبّهة خبر مبتدأ محذوف،و قال محمّد ابن سيرين:إنّ الحسن بن علي عليهما السّلام تزوّج امرأة فبعث إليها مائة جارية مع كل جارية ألف

ص: 109

درهم (1).

[عن]الحسن بن سعيد عن أبيه قال:كان تحت الحسن بن علي امرأة جعفية فطلّقها و بعثني إليها لتعتدّ و أعطاها عشرة آلاف،فلمّا أخبرتها تنفّست الصّعداء و قالت:مصراع متاع قليل من حبيب مفارق،فأخبرته بقولها فنكث في الأرض،و قال:لو كنت مراجعا لامرأة لراجعتها (2).

معنى(فحيّوا بأحسن منها)

و قال أنس:جاءت جارية إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام بطاقة ريحان فقال لها:أنت حرّة لوجه اللّه،فقلت له في ذلك فقال:أدّبنا اللّه تعالى فقال: إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها و كان أحسن منها إعتاقها.

و له عليه السّلام شعر:

إنّ السخاء على العباد فريضة *** للّه يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه *** و أعدّ للبخلاء نار جهنّم

من كان لا تندبي يداه بنائل *** للرّاغبين فليس ذاك بمسلم

و من همّته عليه السّلام ما روي أنّه عليه السّلام قدم الشام إلى عند معاوية فأحضر بارنامجا بحمل عظيم و وضع قبله،ثمّ إنّ الحسن عليه السّلام لمّا أراد الخروج خصف خادم نعله فأعطاه البارنامج.

أقول:بارنامج معرّب بارنامه يعني تفصيل الأعيان و الأمتعة (3).

و في المناقب:إنّ معاوية قدم المدينة فجلس في داره يوما يعطي من يدخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة ألف،فدخل عليه الحسن بن علي عليهما السّلام في آخر الناس فقال:أبطأت يا أبا محمّد[فلعلك] (4)أردت أن تبخلني عند قريش فانتظرت[أن] (5)يفنى ما عندنا،يا غلام

ص: 110


1- -المناقب:182/3،و بحار الأنوار:341/43 ح 14.
2- -المناقب:183/3،و بحار الأنوار:343/43.
3- -المناقب:183/3،و بحار الأنوار:343/43 ح 15.
4- -زيادة من المصدر.
5- -زيادة من المصدر.

اعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا و أنا ابن هند،فقال الحسن عليه السّلام:لا حاجة لي فيها يا أبا عبد الرحمن،و رددتها و أنا ابن فاطمة بنت محمّد رسول اللّه (1).

و قال المبرد في الكامل:قال مروان بن الحكم:إنّي مشغوف ببغلة الحسن بن عليّ فقال له ابن أبي العتيق:إذا دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة؟

قال:نعم،قال:إذا اجتمع القوم فإنّي آخذ في مدائح قريش و أمسك عن مآثر الحسن فلمني على ذلك،فلمّا حضر القوم أخذ في مآثر قريش فقال مروان:ألا تذكر أولية أبي محمّد و له في هذا ما ليس لأحد؟

قال:إنّما كنّا في ذكر الأشراف و لو كنّا في ذكر الأنبياء لقدّمنا ذكره،فلمّا خرج الحسن عليه السّلام ليركب اتبعه ابن أبي عتيق فقال له الحسن و تبسّم:ألك حاجة؟

قال:نعم ركوب البغلة فنزل الحسن عليه السّلام و دفعها إليه إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا (2).

و من حلمه ما روى المبرّد أنّ شاميّا رآه راكبا فجعل يلعنه و الحسن لا يرد،فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السّلام فسلّم عليه و ضحك فقال:أيّها الشيخ أظنّك غريبا و لعلّك شبّهت فلو سألتنا أعطيناك و لو استرشدتنا أرشدناك و لو استحملتنا حملناك و إن كنت جائعا أشبعناك و إن كنت عريانا كسوناك و إن كنت محتاجا أغنيناك و إن كنت طريدا آويناك و إن كان لك حاجة قضيناها لك فلو نقلت رحلك إلينا و كنت ضيفا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك،لأنّ لنا موضعا رحبا و جاها عريضا و مالا كثيرا.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى و قال:أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه،اللّه أعلم حيث يجعل رسالته و كنت أنت و أبوك أبغض خلق اللّه إليّ و حوّل رحله إليه و كان ضيفه إلى أن ارتحل و صار معتقدا لمحبّتهم (3).

و روي أنّه دعا أمير المؤمنين ابنه محمّد ابن الحنفيّة يوم الجمل فأعطاه رمحه و قال:9.

ص: 111


1- -المناقب:183/3،و بحار الأنوار:343/43 ح 16.
2- -المناقب:184/3،و بحار الأنوار:344/43.
3- -بحار الأنوار:344/43 ح 16،و أدب الضيافة:39.

اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب،فمنعوه بنو ضبّة،فلمّا رجع إلى والده انتزع الحسن عليه السّلام رمحه من يده و قصدن قصد الجمل و طعنه برمحه و رجع إلى والده و على رمحه أثر الدم فتغيّر وجه محمّد من ذلك،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا تأنف فإنّه ابن النبيّ و أنت ابن عليّ (1).7.

ص: 112


1- -المناقب:185/3،و بحار الأنوار:187/32 ح 137.

معنى أنّ الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر

و روي أنّه عليه السّلام اغتسل و خرج من داره في حلّة فاخرة و محاسن سافرة و وجهه يشرق حسنا ركب بغلة فارهة غير قطوف مكتنفا من جانبيه بصفوف،فعرض له في طريقه رجل من محاويج اليهود في شدّة الفقر و الفاقة و العلّة و المرض فقال:يابن رسول اللّه انصفني قال:في أيّ شيء؟

قال:جدّك يقول:الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر و أنت مؤمن و أنا كافر،فما أرى الدّنيا إلاّ جنّة تتنعّم بها و ما أراها إلاّ سجنا لي فقال عليه السّلام:يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لي و للمؤمنين في الدار الآخرة لعلمت أنّي قبل انتقالي إليه في هذه الدّنيا في سجن ضنك،و لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لك و لكلّ كافر في دار الآخرة من سعير نار الجحيم لرأيت أنّك الآن في جنّة واسعة و نقمة جامعة (1).

و في كتاب كشف الغمّة أنّ رجلا جاء إلى الحسن عليه السّلام و سأله حاجة فقال:حقّ سؤالك يعظم لديّ و معرفتي بما يجب لك يكبر لدي و يدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله و الكثير قليل في ذات اللّه عزّ و جلّ و ما في ملكي وفاء لشكرك،فإن قبلت الميسور رفعت عنّي الاهتمام بما أتكلّفه من واجبك فعلت،فقال:يابن رسول اللّه اقبل القليل و اشكر العطية،فدعى الحسن عليه السّلام بوكيله و قد بقي عنده خمسين ألفا و خمسمائة دينار فدفعها إلى الرجل و قال:

هات من يحملها لك فأتاه بحمّالين فدفع الحسن عليه السّلام إليه رداءه لكرى الحمّالين فقال مواليه:

ما عندنا درهم.

فقال:لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه أجر عظيم (2).

و روى أبو الحسن المدائني قال:خرج الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر عليه السّلام حجّاجا ففاتهم أثقالهم فجاعوا و عطشوا فمرّوا بعجوز في خباء لها فقالوا:هل من شراب؟

ص: 113


1- -بحار الأنوار:346/43،و كشف الغمة:167/2.
2- -كشف الغمة:181/2،و مستدرك الوسائل:270/7.

فقالت:نعم فأناخوا بها و ليس إلاّ شويهة في كسر الخيمة فقالت:احلبوها و اشربوا لبنها ففعلوا ذلك و قالوا لها:هل من طعام؟

قالت:لا إلاّ هذه الشاة فليذبحها أحدكم حتّى أهيّئ لكم شيئا تأكلون،فقام إليهم أحدهم فذحبها فهيّأت لهم طعاما فأكلوا ثمّ أقاموا عندها حتّى أبردوا،فلمّا ارتحلوا قالوا لها:

نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فالمي بنا فإنّا صانعون إليك خيرا ثمّ ارتحلوا و أقبل زوجها و أخبرته عن القوم و الشاة،فغضب الرّجل فقال:ويحك تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم،ثمّ بعد مدّة ألجأتهم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها و جعلا ينقلان البعر إليها و يبيعانه و يعيشان منه،فمرّت العجوز في بعض سكوك المدينة و الحسن عليه السّلام على باب داره جالس فعرف العجوز و هي له منكرة فبعث غلامه فردّها و قال لها:يا أمة اللّه تعرفيني؟

قالت:لا.

قال عليه السّلام:أنا ضيفك يوم كذا فقالت العجوز:بأبي أنت و امّي فأمر عليه السّلام فاشترى لها من [شياه]الصدقة ألف شاة و أمر لها بألف دينار و بعث بها إلى أخيه الحسين عليه السّلام فقال:بكم

و صلك أخي الحسن؟

فقالت:بألف شاة و ألف دينار فأمر لها بمثل ذلك ثمّ بعث بها مع غلامه إلى عبد اللّه بن جعفر فأخبرته فأمر لها عبد اللّه بألفي شاة و ألفي دينار،و قال:لو بدأتي بي لأتبعتهما،فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك.

ص: 114

نهي القسم في الطعام

و عن قرّة بن خالد قال:أكلت في بيت محمّد بن سيرين طعاما،فلمّا أن شبعت أخذت المنديل و رفعت يدي،فقال محمّد أنّ الحسن بن علي قال:إنّ الطعام أهون من أن يقسم فيه.

و أتاه رجل فقال:إنّ فلانا يقع فيك فقال:لقيتني في تعب اريد الآن[أن]أستغفر اللّه لي و له.

و وقف رجل على الحسن بن عليّ عليهما السّلام فقال:يابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النّعمة إلاّ ما أنصفتني من خصمي فإنّه غشوم ظلوم لا يوقر الشيخ الكبير و لا يرحم الطفل الصغير،و كان متّكئا فاستوى جالسا و قال له:من خصمك حتّى أنتصف لك منه؟

فقال له:الفقر،فأطرق ساعة ثمّ رفع رأسه إلى خادمه و قال له:احضر ما عندك من موجود فأحضر خمسة آلاف درهم فقال:ادفعها إليه و قال:بحقّ هذه الأقسام متى أتاك خصمك جايرا إلاّ ما أتيتني منه متظلّما.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال عليّ بن أبي طالب للحسن؛يا بنيّ قم فاخطب حتّى أسمع كلامك،قال:يا أبتاه كيف أخطب و أنا أنظر إلى وجهك أستحي منك قال:فجمع عليّ بن أبي طالب عليه السّلام امّهات أولاده ثمّ توارى عنه حيث يسمع كلامه و قال آخر خطبته:إنّ عليّا باب من دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا،فقام عليّ و قبّل بين عينيه و قال:ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم (1).

و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ ناسا بالمدينة قالوا:ليس للحسن مال فبعث الحسن إلى رجل بالمدينة فاستقرض منه ألف درهم فأرسل بها إلى المصدق و قال:هذه صدقة مالنا،فقالوا:ما بعث الحسن هذه من تلقاء نفسه إلاّ و عنده مال.

أقول:هذا إشارة إلى أنّه ينبغي للمؤمن أن يظهر معه غناه حتّى لا يصغر في أعين الناس (2).

ص: 115


1- -بحار الأنوار:350/43،و ترجمة الإمام الحسين:145.
2- -الكافي:440/6 ح 12،و الحدائق الناظرة:610/21.

جلوس الحسن عليه السلام مع الفقراء

و من كتاب الفنون:مرّ الحسن بن علي عليهما السّلام على فقراء و قد وضعوا كسيرات على الأرض و هم قعود يلتقطونها و يأكلونها فقالوا له:هلم يابن بنت رسول اللّه إلى الغذاء فنزل و قال:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،و جعل يأكل معهم حتّى اكتفوا و الزاد على حاله ببركته عليه السّلام ثمّ دعاهم إلى ضيافته و أطعمهم و كساهم (1).

و عن نجيح قال:رأيت الحسن بن علي يأكل و بين يديه كلب كلّما أكل لقمة طرح للكلب لقمة فقلت له:يابن رسول اللّه ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟

قال:دعه إنّي لأستحي من اللّه عزّ و جلّ أن يكون ذو روح ينظر في وجهي و أنا آكل ثمّ لا أطعمه (2).

و روي أنّ غلاما له جنى جناية توجب العقاب فأمر به أن يضرب،فقال:يا مولاي و العافين عن الناس.

قال:عفوت عنك.

قال:يا مولاي و اللّه يحبّ المحسنين.

قال:أنت حرّ لوجه اللّه و لك ضعف ما كنت أعطيك.

و كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث عن مكان بمقدار وسط السماء،و عن أوّل قطرة دم وقعت على الأرض و عن مكان طلعت فيه الشمس مرّة،فلم يعلم ذلك فاستغاث بالحسن بن علي فقال:ظهر الكعبة و دم حوّاء و أرض البحر حين ضربه موسى (3).

ص: 116


1- -بحار الأنوار:352/43،و مستدرك سفينة البحار:154/1.
2- -بحار الأنوار:352/43 ح 29،و مستدرك سفينة البحار:155/1.
3- -المناقب:178/3،و بحار الأنوار:357/43 ح 35.

فيه علّة التكبير في العيدين

أبو المفضل الشيباني في أماليه و ابن الوليد في كتابه بالإسناد عن جابر قال:كان الحسن بن علي قد ثقل لسانه و أبطأ كلامه،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في عيد من الأعياد و خرج معه الحسن بن علي،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:اللّه أكبر يفتتح الصلاة فقال الحسن اللّه أكبر فسرّ بذلك رسول اللّه فلم يزل يكبّر و الحسن معه يكبّر حتّى كبّر سبعا فوقف الحسن عند السابعة فوقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عندها ثمّ قام إلى الركعة الثانية فكبّر الحسن حتّى بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خمس تكبيرات،فوقف الحسن عند الخامسة و وقف رسول اللّه عند الخامسة فصار ذلك سنّة في تكبير العيدين (1).

فيه أنّ العطاء لستر العرض صدقة

و روي أنّ الحسن عليه السّلام أعطى شاعرا،فقال له رجل من جلسائه:سبحان اللّه يعصي الرحمن و يقول البهتان،فقال:يا عبد اللّه إنّ خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك،و إنّ من ابتغى الخير اتّقى الشرّ.

أقول:روي هذا أيضا عن الحسين عليه السّلام و فيه دلالة على أنّ العطاء بقصد ستر العرض صدقة و به حديث معتبر،و أمّا عطاء الشاعر بقصد مدحه فهو داخل في قوله عليه السّلام:احثوا في وجوه المدّاحين التراب.

و في الأمالي بإسناده إلى حبيب بن عمر قال:لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السّلام و كان الغد قام الحسن عليه السّلام خطيبا فقال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:أيّها الناس في هذه الليلة نزل القرآن و في هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون و في هذه الليلة مات أمير المؤمنين عليه السّلام،و اللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنّة و ان كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ما ترك صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله،و بويع عليه السّلام

ص: 117


1- -المناقب:179/3،و بحار الأنوار:357/43 ح 35.

بعد أبيه يوم الجمعة الحادي و العشرين من شهر رمضان في سنة أربعين و كان عمره لمّا بويع سبعا و ثلاثين سنة (1).6.

ص: 118


1- -أمالي الصدوق:397 ح 4،و بحار الأنوار:202/42 ح 6.

علّة مصالحة الحسن عليه السلام معاوية لعنه اللّه

و في كتاب العلل عن الحسن عليه السّلام:علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكّة حين انصرف من الحديبيّة،أولئك كفّار بالتنزيل و معاوية و أصحابه كفّار بالتأويل،يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل اللّه تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا.

ألا ترى الخضر لمّا خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسى عليه السّلام فعله لاشتباه وجه الحكمة فيه حتّى أخبره فرضي،هكذا أنا،سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه و لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قتل (1).

و ذكر يوسف بن مازن أنّ الحسن عليه السّلام بايع معاوية على أن لا يسمّيه أمير المؤمنين و لا يقيم عنده شهادة و على أن لا يتعتّب على شيعة عليّ شيئا و على أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل و أولاد من قتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم،و أن يجعل ذلك من خراج دار بجرد قال:و ما ألطف حيلة الحسن عليه السّلام في إسقاطه إيّاه عن إمرة المؤمنين و ما و فى معاوية للحسن بن علي بشيء عاهده عليه.

و عن أبي سعيد قال:لمّا صالح الحسن عليه السّلام معاوية دخل عليه الناس فلامه بعضهم فقال:و يحكم و اللّه الّذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت الشمس عليه أو غربت أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي خلفه عيسى،فإنّ اللّه يغيب ولادته و يخفي شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة ذاك التاسع من ولد أخي الحسين يطيل اللّه عمره في غيبته ثمّ يظهر بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة (2).

و عن زيد الجهني قال:لمّا طاعن الحسن عليه السّلام بالمدائن أتيته و هو متوجّع فقلت:ما

ص: 119


1- -علل الشرائع:211/1،و بحار الأنوار:2/44.
2- -بحار الأنوار:19/44 ح 3.

ترى يابن رسول اللّه،فإنّ الناس متحيّرون؟

فقال:أرى و اللّه معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنّهم شيعتي ابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي و أخذوا مالي و اللّه لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي و آمن به في أهلي خير أن يقتلونني فتضيع أهل بيتي،و اللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلما، فو اللّه لأن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسيره أو يمنّ عليّ فيكون سبّة على بني هاشم آخر الدهر،و معاوية لا يزال يمنّ بها و عقبه على الحيّ منّا و الميّت.

قال:قلت:أتترك يابن رسول اللّه شيعتك كالغنم ليس لهم راع؟

قال عليه السّلام:و اللّه إنّ أمير المؤمنين قال لي ذات يوم و قد رآني فرحا:أتفرح يا حسن كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟أم كيف بك إذا ولّي هذا الأمر بنو اميّة و أميرها الرحب البلعوم يأكل و لا يشبع تدين له العباد و يطول ملكه يسنّن بسنن البدع و الضلال يقتل من ناواه على الحقّ حتّى يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان و كلب من الدّهر يؤيّده اللّه بملائكته و يظهره على الأرض حتّى يدينوا له طوعا و كرها حتّى لا يبقى كافر إلاّ آمن و لا طالح إلاّ صلح و تصطلح في ملكه السباع،تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما فطوبى لمن أدرك أيّامه و سمع كلامه (1).

و في كتاب أعلام الدّين للديلمي قال:خطب الحسن بن علي بعد وفاة أبيه فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:أما و اللّه ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة و لا قلّة ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة و الصبر فشيب السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع و كنتم تتوجّهون معنا و دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم الآن و دنياكم أمام دينكم،و كنّا لكم و كنتم لنا و قد صرتم اليوم علينا ثمّ أصبحتم تدعون قتيلين قتيلا بصفّين تبكون عليهم،و قتيلا بالنهروان يطلبون بثأرهم،فأمّا الباكي فخاذل و أمّا الطالب فثائر،و إنّ معاوية قد دعى إلى أمر ليس فيه عزّ و لا نصفة فإن أردتم الحياة قبلناه منه و أغضضنا على القذى و إن أردتم الموت بذلناه في ذات اللّه،فنادى القوم بأجمعهم:بل التقيّة (2).9.

ص: 120


1- -بحار الأنوار:20/44.
2- -بحار الأنوار:21/44،و ترجمة الإمام الحسين:179.

و روى الكشّي عن الصادق عليه السّلام قال:جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السّلام يقال له:

سفير بن ليلى فدخل على الحسن عليه السّلام فقال:السلام عليك يا مذلّ المؤمنين،فقال عليه السّلام:لا تعجل و ما علمك بذلك؟

قال:عمدت إلى أمر الامّة فخلعته من عنقك و قلّدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل اللّه،فقال عليه السّلام:فعلت ذلك لأنّي سمعت أبي يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لن تذهب الأيّام و الليالي حتّى يلي أمر هذه الامّة رجل واسع البلعوم يأكل و لا يشبع و هو معاوية فلذلك فعلت (1).

و قال السيّد المرتضى طاب ثراه في تنزيه الأنبياء:فإن قال قائل ما العذر له عليه السّلام في خلع نفسه من الإمامة و تسليمها إلى معاوية مع ظهور فجوره،ثمّ في أخذ عطائه و صلاته مع توفّر أنصاره و مبايعة من كان يبذل عنه دمه و ماله حتّى سمّوه مذلّ المؤمنين و عابوه في وجهه؟

قلنا:قد ثبت أنّه عليه السّلام الإمام المعصوم،فلا بدّ من التسليم لجميع أفعاله و حملها على الصحّة و إن كان فيها ما لا يعرف وجهه على التفصيل و كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه مع أنّ الذي جرى منه عليه السّلام كان السبب فيه ظاهرا لأنّ المجتمعين له من الأصحاب كانت قلوبهم مائلة إلى دنيا معاوية من غير مساترة فأظهروا له عليه السّلام النصرة و حملوه على المحاربة طمعا في أن يورطوه و يسلّموه فأحسّ بذلك منهم قبل التلبّس فتحرّز من المكيدة في سعة من الوقت.

و قد صرّح عليه السّلام بهذا في مواقف كثيرة،و قال عليه السّلام:إنّما هادنت حقنا للدماء و إشفاقا على نفسي و أهلي،فكيف لا يخاف أصحابه و يتّهمهم و هو لمّا كتب إلى معاوية يعلمه أنّ الناس قد بايعوه بعد أبيه و يدعوه إلى طاعته فأجابه معاوية:لو كنت أعلم أنّك أضبط للناس لبايعتك لأنّي أراك لكلّ خير أهلا،ثمّ خطب أصحابه بالكوفة يحضّهم على الجهاد و أمرهم أن يخرجوا إلى معسكرهم فما أجابه أحد.

فقال لهم عدي بن حاتم:سبحان اللّه ألا تجيبون إمامكم و من حتن بالكلام كان أولى بأن يظن بالفعال أ و ليس أحدهم طعنه بساباط بمعول أصاب فخذه و شقّه إلى العظم فحمل إلى1.

ص: 121


1- -بحار الأنوار:24/44،و اختيار معرفة الرجال:328/1.

المدائن و عليها سعد بن مسعود عمّ المختار من قبل أمير المؤمنين عليه السّلام فأشار المختار على عمّه أن يوثقه و يسير به إلى معاوية طمعا في عطائه فقال للمختار:قبّح اللّه رأيك،ثمّ أتاه بطبيب داواه فمن ذا الذي يرجو السلامة بين هؤلاء فضلا عن النصرة.

و قد أجاب حجر بن عدي لمّا قال له:سوّدت وجوه المؤمنين،فقال له عليه السّلام:ما كلّ أحد يحبّ ما تحبّ و لا رأيه كرأيك و إنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم (1).

و قد روي أنّه لمّا طالبه معاوية بأن يتكلّم على الناس و يعلمهم ما عنده في هذا الباب قام و قال بعد الحمد للّه:أيّها الناس لو طلبتم بين جابلق و جابرس رجلا جدّه رسول اللّه ما وجدتموه غيري و غير أخي،و أنّ معاوية نازعني حقّا هو لي فتركته لصلاح الامّة و حقن دمائها.و كلامه في هذا الباب الذي يصرّح في جميعه بأنّه مقهور ملجأ إلى التسليم و دافع بالمسالمة الضرر العظيم أشهر من الشمس (2).

فأمّا قول السائل:إنّه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ اللّه لأنّ الإمامة بعد حصولها للإمام لا تخرج عنه بقوله:و عند أكثر مخالفينا أيضا في الإمامة إن خلع الإمام نفسه لا يؤثّر في خروجه من الإمامة و إنّما ينخلع من الإمامة عندهم بالاحداث و الكبائر،و لو كان خلع نفسه مؤثرا لكان إنّما يؤثر إذا وقع اختيارا مع أنّه يسلّم الأمر إلى معاوية بل كفّ عن المحاربة لفقد الأعوان.

فأمّا البيعة فإن اريد بها الصفقة و الكفّ عن المنازعة فقد كان ذلك،لكنّا بيّنا السبب فيه و لا حجّة كما لم يكن في مثله حجّة على أبيه صلوات اللّه عليهما لمّا بايع المتقدّمين و كفّ عن نزاعهم،و إن اريد بالبيعة الرّضا و طيب النفس فالحال شاهد بخلاف ذلك.

فأمّا أخذ العطاء فبيّنا أنّ أخذه من يد الجائر المتغلّب جائز.

فأمّا أخذ الصّلات فجائز بل واجب،لأنّ كلّ ما في يد الجائر المتغلّب على أمر الامّة يجب على الإمام و على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع و الإكراه و وضعه في مواضعه فإذا لم يتمكّن من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال اللّه و أخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده و يأخذ منه حقّه و يقسمه على2.

ص: 122


1- -بحار الأنوار:29/44،و تنزيه الأنبياء:223.
2- -بحار الأنوار:30/44،و كشف الغمة:193/2.

مستحقّه،لأنّ التصرّف في ذلك المال بحقّ الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلاّ له عليه السّلام و ليس لأحد أن يقول إنّ ما كان يأخذه من معاوية ما كان يخرجه إلاّ على نفسه لأنّ هذا ممّا لا يمكن القطع عليه،و لا شكّ أنّه عليه السّلام كان ينفق منها لأنّ فيها حقّه و حقّ عياله و أهله و لا بدّ أن يكون قد أخرج منها إلى المستحقّين حقوقهم و كيف يظهر ذلك و هو عليه السّلام كان يقصد ستره لمكان التقيّة و هو عليه السّلام كان متصدّق بكثير من أمواله و يصل المحتاجين و لعلّ في جملة ذلك هذه الحقوق.

فأمّا إظهار موالاته فما أظهر من ذلك شيئا و كلامه فيه بمشهد معاوية معروف ظاهر،ى و لو فعل ذلك خوفا و استصلاحا لكان واجبا فقد فعل أبوه عليه السّلام مثله مع المتقدّمين عليه،انتهى كلامه ملخّصا.

و في كتاب العلل أنّه دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و شبث بن ربعي دسيسا أفرد كلّ واحد منهم[بعين] (1)من عيونه إنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف درهم و جند من أجناد الشام و بنت من بناتي،فبلغ الحسن عليه السّلام فلبس درعا تحت ثيابه و كان يحترز و لا يتقدّم الصلاة بهم إلاّ كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لمكان الدرع،فلمّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر ثمّ عالجه مسعود عمّ المختار حتّى طاب،فقال لهم:إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي و إنّي أظنّ أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدّي،ولكنّي كأنّي أنظر إلى بناتكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم و يستطعمونهم بما جعله اللّه لهم فلا يسقون و لا يطعمون فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم،فكتب الحسن عليه السّلام ذلك من فوره إلى معاوية و قبل منه المصالحة (2).

فإن قال قائل:إنّ الحسن عليه السّلام أخبر بأنّه حقن دما أنت تدّعي أنّ عليّا كان مأمورا بإراقتها بقوله عليه السّلام:امرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و الحاقن لما أمر اللّه و رسوله بإراقته من الحاقن عصيان؟4.

ص: 123


1- -زيادة من المصدر.
2- -علل الشرائع:221/1،و بحار الأنوار:34/44.

قلنا؛إنّ الامّة التي ذكر الحسن عليه السّلام امّتان و فرقتان و طائفتان هالكة و ناجية و باغية و مبغي عليها،فإذا لم يمكن حقن دماء المبغي عليها إلاّ بحقن دماء الباغية لأنّهما إذا اقتتلا و ليس للمبغي عليها قوام بإزالة الباغية حقن دم المبغي عليها و إراقة دم الباغية مع العجز عن ذلك إراقة لدم المبغي عليها لا غير،فهذا هذا.

فإن قلت:البغاة على الإمام كالناكثين و القاسطين و المارقين ما تسمّيهم؟

قلت:اختلف فيهم علماء الإسلام فذهب نادر إلى أنّهم مؤمنين مع أنّهم يسمّونهم باغين،و قال قوم:إنّهم مشركون،و صار ثالث إلى أنّهم كفّار غير مشركين.

و قال واصل بن عطاء:فسّاق مخلّدون في النار.و الأصحّ عندنا أنّهم كفّار مخلّدون في النار و الأحاديث دالّة عليه.

و في كتاب الخرائج:روى عن الحرث الهمداني قال:لمّا مات عليّ عليه السّلام جاء الناس إلى الحسن و قالوا:أنت خليفة أبيك و وصيّه و نحن السامعون لك،فمرنا بأمرك.

فقال الحسن عليه السّلام:كذبتم ما وفيتم لمن كان خيرا منّي،فكيف تفون لي إن كنتم صادقين فموعد ما بيني و بينكم معسكر المدائن فوافوا إلى هناك،فركب و ركب معه من أراد الخروج و تخلّف عنه كثير فما وفوا و غرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين ثمّ وجّه إلى معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف،فلمّا نزل الأنبار بعث إليه معاوية رسلا و كتب إليه:أقبل إليّ،و أرسل إليه دراهم كثيرة فصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته فبلغ الحسن عليه السّلام فقام خطيبا و قال:

هذا الكندي توجّه إلى معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم أنّكم عبيد الدّنيا و أنا موجّه مكانه رجلا آخر و أعلم أنّه يغدر مثل صاحبه،فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف و أخذ عليه العهود.

فلمّا توجّه إلى الأنبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه مثل ما كتب إلى صاحبه و بعث إليه خمسة آلاف درهم فأخذ طريقه إلى معاوية و بلغ الحسن عليه السّلام،فقام خطيبا و ذكر لهم غدر المرادي،ثمّ كتب معاوية إلى الحسن عليه السّلام:يابن عم لا يقطع الرحم الذي بينكم و بيني،فإنّ الناس قد غدروا بك و بأبيك فقالوا:إن خانك الرجلان و غدروا فإنّا مناصحون لك.

فقال لهم الحسن عليه السّلام:لأعودنّ هذه المرّة و إنّي أعلم أنّكم لغادرون إنّ معسكري

ص: 124

بالنخيلة،فوافوا هناك،فعسكر عشرة أيّام فلم يحضره إلاّ أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة و خطب فقال:يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين و كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية إنّا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثمّ أغاروا على فسطاطه و ضربوه بحربة و أخذ مجروحا، ثمّ كتب جوابا لمعاوية:إنّما هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنّها لمحرّمة عليك و على أهل بيتك و لو وجدت صابرين عارفين بحقّي ما سلّمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلى الكوفة (1).

و في كتاب البشائر:إنّه لمّا بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام و بيعة الناس لابنه الحسن دسّ رجلا إلى البصرة و رجلا إلى الكوفة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا على الحسن اموره فعرف ذلك عليه السّلام و أمر بقتلهما،و كتب إلى معاوية فأجابه و جرت بينهما الكتب و الرسائل و سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه،فلمّا بلغ جسر مفيح تحرّك الحسن عليه السّلام و أمر العمّال بالمسير و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه فخرج معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة أبيه و بعضهم أهل أطماع و غنائم و بعضهم أصحاب عصبية حتّى نزل ساباط،فلمّا أصبح أراد أن يمتحن أصحابه فأمر بالصلاة جامعة و صعد المنبر و خطب و قال في خطبته:إنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة،ألا و انّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري.

فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا:يريد أن يصالح معاوية و يسلّم الأمر إليه،فقالوا:

كفر و اللّه الرجل،ثمّ شدّوا على فسطاطه و انتهبوه حتّى أخذوا مصلاّه من تحته و نزعوا مطرفه عن عاتقه فركب فرسه و أحدق به شيعته و سار حتّى بلغ مظلم ساباط فبدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فقال:أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثمّ طعنه في فخذه فوثب إليه جماعة من شيعته فقتلوه.

و حمل الحسن عليه السّلام على سرير إلى المدائن يعالج جرحه و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع و الطاعة استحثّوه على المسير و ضمنوا له تسليم الحسن عليه السّلام عند دنوّهم من عسكره و الفتك به،فبلغ الحسن عليه السّلام ذلك و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه مع عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية و يردّه عن العراق و جعله4.

ص: 125


1- -الخرائج و الجرائح:574/2،و بحار الأنوار:43/44 ح 4.

أميرا على الجماعة و قال:إن اصيب فالأمير قيس بن سعد،فوصل كتاب قيس يخبره أنّهم نازلوا معاوية و أنّ معاوية أرسل إلى عبيد اللّه يرغّبه في المصير إليه و ضمن له ألف ألف درهم فانسلّ في الليل إلى عسكر معاوية فأصبح الناس و قد فقدوا أميرهم فصلّى بهم قيس و نظر في امورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السّلام بخذلان القوم له،و كتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له الفتك به،فاشترط لنفسه في الصلح شروطا كثيرة و كان يعلم أنّه لا يفي بها غير أنّه لم يجد بدّا من إجابته إلى ترك الحرب من جهة أنّ جماعة من أصحابه استحلّوا دمه،و ممّا اشترط عليه:أنّ لا يسبّ أمير المؤمنين و لا يقنت عليه في الصلوات و أن لا يتعرّض لشيعته بسوء فحلف له معاوية على ذلك،فلمّا استتمت الهدنة سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة،و ذلك يوم الجمعة فصلّى بالناس ثمّ خطبهم و قال:إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا و لا تصوموا و إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم له كارهون،و إنّي كنت منيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها.

ثمّ دخل الكوفة و خطب الناس و ذكر أمير المؤمنين عليه السّلام و نال منه و نال من الحسن عليه السّلام و كان الحسن و الحسين عليهما السّلام حاضرين،فقام الحسين عليه السّلام ليرد عليه فأخذ بيده الحسن و أجلسه ثمّ قام فقال:أيّها الذاكر عليّا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و امّي فاطمة و امّك هند و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب و جدّتي خديجة و جدّتك[فتيلة]،فلعن اللّه أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرّنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا،فقالت طوائف من أهل المسجد:

آمين آمين (1).

و روي أنّ معاوية طلب البيعة من الحسين عليه السّلام فقال الحسن عليه السّلام:يا معاوية لا تكرهه، فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل و لن يقتل حتّى يقتل أهل الشام (2).4.

ص: 126


1- -بحار الأنوار:49/44.
2- -المناقب:196/3،و بحار الأنوار:57/44.

صورة كتاب الصلح

و في كتاب كشف الغمّة:و من كلامه عليه السّلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه و بين معاوية حيث رأى حقن الدماء و هو:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سيرة الخلفاء الصالحين و ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين،و على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم و على أنّ أصحاب عليّ و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم،و على أن معاوية بن أبي سفيان عهد اللّه و ميثاقه و ما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء و بما أعطى اللّه من نفسه، و على أن لا يبغي للحسن بن عليّ و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم غائلة سرّا و لا جهرا و لا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق شهد عليه بذلك،و كفى باللّه شهيدا شهد فلان و فلان و السلام (1).

ص: 127


1- -كشف الغمة:193/2،و بحار الأنوار:65/44.

مباحثة شديدة

و في كتاب الاحتجاج عن الشعبي و أبي مخنف و يزيد بن حبيب قالوا:لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا و لا أشدّ مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية عمرو بن عثمان بن عفّان و عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة بن أبي معيط و المغيرة بن شعبة،و قد تواطئوا على أمر واحد فقال عمرو بن العاص لمعاوية:ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة أبيه و خفقت النعال خلفه فاحضره حتّى نسبّه و نسب أباه و نصغر من قدره.

فقال معاوية:أخاف أن يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها إلى القبور،و اللّه ما رأيته إلاّ و هبت عنابة و إنّي إن بعثت إليه لأنصفنّه منك.

قال ابن العاص:أتخاف أن يتسامي باطله على حقّنا؟

قال:لا،قال:فابعث إذا إليه،فقال عتبة:هذا رأي لا أعرفه،و اللّه لا تستطيعون أن تلقوه بأعظم ممّا في أنفسكم عليه و لا يلقاكم إلاّ بأعظم ممّا في نفسه عليكم.

فبعثوا إليه فقال له الرّسول:يدعوكم معاوية و عنده فلان و فلان و سمّاهم.

فقال عليه السّلام:ما لهم خرّ عليهم السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، فلبس ثيابه،ثمّ قال:اللّهم إنّي أدرأ بك في نحورهم و أعوذ بك من شرورهم و أستعين بك عليهم فأكفنيهم ممّا شئت و أنّي شئت من حولك و قوّتك يا أرحم الراحمين.

و قال للرسول:هذا كلام الفرج،فلمّا أتى معاوية رحّب به و صافحه.

و قال:إنّ هؤلاء بعثوا إليك و عصوني ليقرّروك أنّ عثمان قتل مظلوما و أنّ أباك قتله فاسمع منهم ثمّ أجبهم و لا يمنعك مكاني من جوابهم.

فقال عليه السّلام بعد كلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ وليّي فليقولوا و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

فقال عمرو بن عثمان:ما سمعت ان بقي من عبد المطّلب على وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان،و كان الفاضل في الإسلام منزلة و الخاص برسول اللّه سفكوا دمه طلبا

ص: 128

للفتنة،فيا ذلاّه أن يكون حسن و سائر بني عبد المطّلب قتلة عثمان أحياء على مناكب الأرض و عثمان مضرّج بدمه مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أميّة ببدر.

ثمّ تكلّم عمرو بن العاص فقال:يا حسن بعثنا إليك لنقرّرك أنّ أباك سمّ أبا بكر الصدّيق و أشرك في قتل عمر الفاروق و قتل عثمان ذو النورين مظلوما فادّعى ما ليس له بحقّ،ثمّ أنت يا حسن ليس لك عقل و لا رأي و تركت أحمق في قريش و ذلك لسوء عمل أبيك و إنّما دعوناك لنسبّك و أباك،ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتب علينا و لا أن تكذّبنا و اللّه لو قتلناك ما كان في قتلك إثم و لا عيب.

ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان فقال:يا حسن إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش أقطعه لأرحامها و أسفكه لدمائها و انّك لمن قتلة عثمان و في الحقّ أن نقتلك به،و أنّ عليك القود في كتاب اللّه فإنّا قاتلوك،و أمّا رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك و لا في رجحة ميزانك.

ثمّ تكلّم الوليد بن عتبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه.

ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة و كان كلامه وقوعا في عليّ عليه السّلام و ذكر أنّ عليّا عليه السّلام أشرك في دم عثمان و قتل أبا بكر بالسمّ و أنّ معاوية وليّ المقتول بغير حقّ،فيجب أن يقتل الحسن و الحسين قصاصا.

فلمّا فرغ تكلّم الحسن عليه السّلام و قال:الحمد للّه الذي هدى أوّلكم بأوّلنا و آخركم بآخرنا و قال:بك أبدأ يا معاوية لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك و ما هؤلاء شتموني و سبّوني عدوانا و حسدا علينا و عداوة لمحمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لو كنت أنا و هؤلاء في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و حولنا المهاجرون و الأنصار ما قدروا أن يتكلّموا بمثل ما تكلّموا فاسمعوا منّي و لا تكتموا حقّا علمتموه،و لا أقول فيك يا معاوية إلاّ دون ما فيك:أنشدكم باللّه هل تعلمون الرجل الذي شتمتموه صلّى القبلتين و أنت تعبد اللاّت و العزّى و بايع البيعتين بيعة الرضوان و بيعة الفتح و أنت يا معاوية بالأولى كافر و بالاخرى ناكث و لقيكم مع رسول اللّه يوم بدر و معه راية النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معك يا معاوية راية المشركين ترى حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فرضا واجبا؟

ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حاصر قريظة و بني النضير،ثمّ بعث

ص: 129

عمر بن الخطّاب و معه راية المهاجرين،فرجع يجبّن أصحابه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّارا غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه،فأعطاها عليّا فلم يرجع حتّى فتح اللّه عليه و أنت يومئذ بمكّة عدوّ للّه و لرسوله ثمّ أقسم باللّه ما أسلم قلبك بعد ولكن اللّسان خائف فهو يتكلّم بما ليس في القلب،ثمّ أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه استخلفه على المدينة في غزوة تبوك و قال له:أنت وصيّي و خليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى؟

أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال في حجّة الوداع:أيّها الناس قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده كتاب اللّه فاعملوا به و عترتي فانصروهم على من عاداهم ثمّ دعى و هو على المنبر عليّا فقال:اللّهمّ من عادا عليّا...و لا تجعل له في الأرض مقعدا و لا في السماء مصعدا و اجعل في أسفل درك من النار؟

أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال له:أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله و ذكر من مناقب أبيه عليه السّلام كثيرا.

ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعث إليك فقال له الرسول هو يأكل،فأعاد الرسول إليك ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول:هو يأكل.فقال:اللّهمّ لا تشبع بطنه فهي و اللّه في أكلك إلى يوم القيامة.

ثمّ قال:أتعلمون إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر و يقوده أخوك هذا القائد و هذا يوم الأحزاب،فلعن رسول اللّه الرّاكب و القائد و السائق فكان أبوك الراكب و أنت يا أزرق السائق و أخوك هذا القائد؟

ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه لعن أبا سفيان في سبعة مواطن ثمّ عدّد المواطن و قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يابن أخي هل علينا من عين؟

فقال:لا.

فقال أبو سفيان:تداولوا الخلافة فتيان بني اميّة،فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنّة و لا نار،و منها أنّك صددت أباك عن الإسلام بأشعار معروفة.

ص: 130

و منها أنّ عمر بن الخطّاب و لاّك الشام فخنت به و ولاّك عثمان فتربّصت به ريب المنون،و أعظم من ذلك إنّك قاتلت عليّا عليه السّلام و قد عرفت سوابقه و فضله على من هو أولى منك،فهذا لك يا معاوية و ما تركت أكثر ممّا ذكرت (1).3.

ص: 131


1- -الإحتجاج:410/1،و الأمالي:333.

مثل البعوضة و النخلة

و أمّا أنت يا عمرو بن عثمان فلم يكن حقيقا لحمقك أن تتبع هذه الامور،فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة:استمسكي فإنّي اريد أن أنزل عليك فقالت لها النخلة:و ما شعرت بوقوعك فكيف يشقّ عليك نزولك،و إنّي و اللّه ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشق عليّ ذلك،و أمّا قولك:إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلي مشركي بني اميّة ببدر فإنّ اللّه قتلهم،و لعمري ليقتلنّ من بني هاشم تسعة عشر و ثلاث بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من بني اميّة تسعة عشر و تسعة عشر في موطن واحد سوى من قتل من بني اميّة لا يحصي عددهم إلاّ اللّه (1).

ص: 132


1- -الإحتجاج:410/1،و بحار الأنوار:79/44.

نسب عمرو بن العاص

ثمّ قال بعد كلام:و أمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللّعين الأبتر،فإنّ أوّل أمرك أنّ امّك بغت و أنّك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحرث و النضر بن الحارث و العاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بني قريش ألأمهم حسبا و أخشنهم منصبا ثمّ قمت خطيبا و قلت:أنا شانئ محمّد.

و قال العاص بن وائل:إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .

و كنت في كلّ مشهد عدوّ رسول اللّه ثمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي تحرّضه على قتل جعفر بن أبي طالب فحاق المكر السيّئ بك و لسنا نعاتبك على حبّنا و أنت عدوّ لبني هاشم في الجاهلية و الإسلام،و قد هجوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بسبعين بيتا من شعر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:اللّهم إنّي لا أحسن الشعر و لا ينبغي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت لعنة.

و أمّا أنت يا وليد بن عقبة فما ألومك أن تبغض عليّا و قد جلدك في الخمر ثمانين و قتل أباك صبرا بيده يوم بدر،أم كيف تسبّه و قد سمّاه اللّه مؤمنا في عشر آيات من القرآن و سمّاك فاسقا و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً و ما أنت و ذكر قريش،و إنّما أنت ابن علج من أهل صقورية يقال له ذكوان و لو سألت امّك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط لعرفت نفسك و لقد قالت لك:و اللّه امّك يا بني أبوك أخبث من عقبة.

و أمّا أنت يا عقبة بن أبي سفيان فما أنت عاقل فاعاتبك و أنّ اللّه تعالى لك و لأخيك و امّك و أبيك بالمرصاد،و أنت و ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* إلى قوله: مِنْ جُوعٍ ،و أمّا وعيدك إيّاي بقتلي،فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك و قد غلبك على فرجها و شركك في ولدها حتّى ألصق بك ولدا ليس لك؟ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا و لا ألومك أن تسبّ عليا و قد قتل أخاك مبارزة و اشترك هو و حمزة في قتل جدّك حتّى ذاقا العذاب الأليم.

ص: 133

و أمّا أنت يا عقبة بن أبي سفيان فما أنت عاقل فاعاتبك و أنّ اللّه تعالى لك و لأخيك و امّك و أبيك بالمرصاد،و أنت و ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* إلى قوله: مِنْ جُوعٍ ،و أمّا وعيدك إيّاي بقتلي،فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك و قد غلبك على فرجها و شركك في ولدها حتّى ألصق بك ولدا ليس لك؟ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا و لا ألومك أن تسبّ عليا و قد قتل أخاك مبارزة و اشترك هو و حمزة في قتل جدّك حتّى ذاقا العذاب الأليم.

و أمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فأنت الزاني و قد وجب عليك الرجم و شهد عليك العدول، فأخّر رجمك و دفع الحقّ بالباطل،و أنت[الذي]ضربت فاطمة بنت رسول اللّه حتّى ألقت ما في بطنها انتها كالحرمة رسول اللّه.

و أمّا قولك و أصحابك في الملك الذي ملكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة و موسى و هارون نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان و هو ملك اللّه يعطيه البرّ و الفاجر قال اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ و قال: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً ،ثمّ قام الحسن فنفض ثيابه و هو يقول:

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ هم و اللّه يا معاوية أنت و أصحابك و شيعتك وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ هم عليّ بن أبي طالب و أصحابه و شيعته ثمّ خرج و هو يقول:ذق وبال ما كسبت يداك و ما جنيت.

فقال معاوية لأصحابه:و أنتم فذوقوا وبال ما جنيتم ألم أقل لكم إنّكم لن تنتصفوا من الرجل فقد فضحكم،و اللّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت.

و سمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية و أصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ فأتاهم،فقال:هلاّ أحضرتموني فو اللّه لأسبنّه سبّا تغنى به الإماء و العبيد.

فقال معاوية:لم يفتك شيء،فقال مروان:أرسل إليه يا معاوية،فأرسل إليه فأقبل عليه السّلام و جلس مع معاوية على السرير فقال:إنّ مروان أرسل إليك،فقال:و ما الذي أردت يا مروان؟

قال:و اللّه لأسبنّك و أباك سبّا تغنى به الإماء و العبيد.

فقال عليه السّلام:يا مروان ما أنا سببتك و لا سببت أباك،ولكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن أباك و أهل بيتك و ذرّيتك و ما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد و ما زادك

ص: 134

بما خولك إلاّ طغيانا كبيرا صدق اللّه و صدق رسوله يقول: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً .

و أنت يا مروان و ذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

فوضع معاوية يده على فم الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا محمّد ما كنت فحّاشا،فقام الحسن عليه السّلام و تفرّق القوم بحزن و سواد الوجه،انتهى ملخّصا (1).4.

ص: 135


1- -الإحتجاج:410/1،و بحار الأنوار:79/44.

في معنى شركة الشيطان

و من كتاب الشيرازي عن ابن عبّاس في قوله: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ أنه جلس الحسن بن علي و يزيد بن معاوية يأكلان الرطب فقال يزيد:يا حسن إني منها كنت أبغضك.

قال الحسن عليه السّلام:اعلم يا يزيد أن إبليس شارك أباك في جماعة فاختلط الماءان فأورثك ذلك عدواني،لأن اللّه تعالى يقول: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ .

و شارك الشيطان حربا عند جماعه فولد له صخر،فلذلك كان يبغض جدّي رسول اللّه.

و شارك الشيطان صخر عند جماعه فولد له أبوك معاوية،فلذلك كان يبغض أبي.

و من كتاب العقد أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليهما السّلام بين يدي معاوية:أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن و يقال:إنّ ذلك من الخرق،فقال عليه السّلام:ليس كما بلغك ولكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا عذبة شفاهنا فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ و أنتم معشر بني اميّة فيكم بخر شديد فنساؤكم يصرفن أفواههنّ و أنفاسهنّ إلى أصداغكم فإنّما يشيب منكم موضع العذاب من أجل ذلك،قال مروان:أما أنّ فيكم با بني هاشم غلمة شبق،قال:نعم، نزعت من نسائنا و وضعت في رجالنا و وضعت الغلمة من رجالكم و وضعت في نسائكم،فما قام لأمويّة إلاّ هاشمي (1).

و في كتاب معاني الأخبار عن الصادق عليه السّلام أنّه قال رجل للحسن عليه السّلام:يابن رسول اللّه ما بالنا نكره الموت و لا نحبّه؟

فقال عليه السّلام:إنّكم خرّبتم آخرتكم و عمّرتم دنياكم،فأنتم تكرهون النقله من العمران إلى الخراب (2).

ص: 136


1- -المناقب:187/3،و بحار الأنوار:104/44 ح 12.
2- -معاني الأخبار:390 ح 29،و بحار الأنوار:129/6 ح 18.

تهنئة الولد و الحمّام

و في الكافي عنه عليه السّلام قال:هنّأ رجل رجلا أصاب ابنا فقال:يهنيّك الفارس،فقال الحسن عليه السّلام:ما علمك يكون فارسا أو راجلا؟

قال:جعلت فداك فما أقول:قال:تقول شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب و بلغ أشدّه و رزقك برّه (1).

و فيه أيضا أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام خرج من الحمّام فلقيه إنسان،فقال:طاب استحمامك فقال:يالكع و ما تصنع بالاست هنا،فقال:طاب حميمك.

فقال:أما تعلم أنّ الحميم العرق،قال:طاب حمّامك.

فقال:و إذا طاب حمّامي فأيّ شيء لي قد طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك.

و في بعض كتب المناقب القديمة:أنّ معاوية كتب إلى مروان و هو عامله على المدينة أن يخطب ليزيد بنت عبد اللّه بن جعفر على حكم أبيها في الصداق و قضاء دينه بالغا ما بلغ و على صلح الحيين بني هاشم و بني اميّة،فبعث مروان إلى عبد اللّه بن جعفر يخطب إليه فقال:إنّ أمر نساؤنا إلى الحسن بن عليّ فاخطب إليه،فأتى إلى الحسن خاطبا فقال له الحسن عليه السّلام:اجمع من أردت فجمع بني هاشم و بني اميّة فتكلّم مروان و قال:إنّ أمير المؤمنين معاوية يأمرني أن أخطب زينب بنت عبد اللّه بن جعفر على يزيد بن معاوية على حكم أبيها في الصداق و قضاء دينه و على صلح الحيّين بني هاشم و بني اميّة و يزيد كفؤ من لا كفؤ له،و لعمري لمن يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم و يزيد ممّن يستسقى الغمام بوجهه ثمّ سكت.

فتكلّم الحسن عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:أمّا ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق فإنّا لم نكن لنرغب في سنّة رسول اللّه في أهله و بناته.

ص: 137


1- -الكافي:18/6،و نهج البلاغة:82/4.

و أمّا قضاء دين أبيها فمتى قضت نساءنا ديون آبائهنّ.

و أمّا صلح الحيّين فإنّا عاديناكم في اللّه فلا نصالحكم للدّنيا.

و أمّا قولك:من يغبطنا بيزيد أكثر ممّن يغبط بنا،فإن كانت الخلافة فاقت النبوّة فنحن المغبوطون به،و إن كانت النبوّة فاقت الخلافة فهو المغبوط بنا.

و أمّا قولك:إنّ الغمام يستسقى بوجه يزيد فإنّ ذلك لم يكن إلاّ لآل رسول اللّه،و قد رأينا أن نزوّجها ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر و قد زوجتها منه و جعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة و كان معاوية أعطاني بها عشرة آلاف دينار و لها فيها عنّي و كفاية فقال مروان؛ أغدرا يا بني هاشم،فقال الحسن عليه السّلام:واحدة بواحدة.و كتب مروان بذلك إلى معاوية فقال معاوية:خطبنا إليهم فلم يفعلوا و لو خطبوا إلينا لما رددناهم (1).

و روي أنّ معاوية قال:لو كان الناس كلّهم أولدهم أبو سفيان لما كان فيهم إلاّ كيّسا رشيدا،فقال صعصعة بن صوحان:قد أولد الناس من كان خيرا من أبي سفيان فأولد الأحمق و المنافق و الفاجر و الفاسق و المعتوه و المجنون آدم أبو البشر،فخجل معاوية (2).

و في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس قال:قدم معاوية في خلافته حاجّا و استقبله أهل المدينة فإذا ليس فيهم قرشي فقال:ما بال الأنصار لم يستقبلوني؟فقيل له:ليس لهم دواب،فقال:و أين نواضحهم؟

قال قيس بن سعد بن عبادة سيّد الأنصار:أفنوها يوم بدر و احد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حين ضربوك و أباك على الإسلام حتّى ظهر أمر اللّه و أنتم كارهون.

ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فقاموا له غير عبد اللّه بن العبّاس فقال:ما منعك من القيام جدتك من قتالي لكم بصفّين فلا تحزن من ذلك فإنّ عثمان قتل مظلوما.

قال ابن عبّاس:فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما.

قال:عمر قتله كافر و عثمان قتله المسلمون؟

قال:فذاك أدحض لحجّتك قال:فإنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ و أهل4.

ص: 138


1- -بحار الأنوار:120/44.
2- -بحار الأنوار:120/44.

بيته فكفّ لسانك.

قال:يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال:لا،قال:أتنهانا عن تأويله؟

قال:نعم،قال:نقرأ القرآن و لا نسأل عمّا عنى اللّه به قال:فأيّهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

قال:العمل به.

قال:كيف نعمل به و لا نعلم ما عنى اللّه؟

قال:سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت و أهل بيتك.

قال:إنّما نزل القرآن على أهل بيتي أنسأل عنه أبي سفيان.

قال:اقرأوا القرآن و تأوّلوه و لا ترووا شيئا ممّا أنزل اللّه فيكم وارووا ما سوى ذلك.

قال:إنّ اللّه يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ .

ثمّ نادى منادي معاوية:أن برئت الذمّة ممّن روى حديثا في مناقب عليّ،و كان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة لكثرة ما بها من الشيعة فاستعمل زياد بن أبيه و ضمّ إليه العراقين الكوفة و البصرة،فجعل يتتبّع الشيعة و هو بهم عارف يقتلهم تحت كلّ حجر و مدر و يقطع منهم الأيدي و الأرجل و يصلبهم و نفاهم عن العراق.

و كتب معاوية إلى جميع عمّاله:أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ شهادة و انظروا شيعة عثمان و محبّيه و الذين يروون فضله فادنوا مجالسهم و قرّبوهم و اكتبوا إليّ بذلك،ففعلوا حتّى كثرت الرواية في عثمان و افتعلوها للصلات و الخلع و القطايع فكثر في كلّ مصر،ثمّ كتب إلى عمّاله إنّ الحديث في عثمان قد كثر فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية و فضله فإنّ ذلك أحبّ إلينا و أدحض لحجّة أهل هذا البيت فقرأه كلّ أمير و قاض كتابه على الناس،فأخذوا في الروايات في فضائل معاوية في كلّ كورة و كلّ مسجد و ألقوا ذلك إلى معلّمي الكتاتيب فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلّمونهم القرآن حتّى علّموه بناتهم و نساءهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

ص: 139

و كتب زياد ابن أبيه في حقّ الحضرميّين:أنّهم على دين عليّ،فكتب إليه:اقتل كلّ من كان على دين عليّ و رأيه فاقتلهم و مثّل بهم،و كتب معاوية على جميع البلدان:انظروا من اتهمتوه بأنّه شيعة عليّ فاقتلوه على التّهمة و الشبهة تحت كلّ حجر و كان الرجل يرمى بالزندقة و الكفر و لا يتعرّض له بمكروه و الرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان سيما الكوفة و البصرة،حتّى أنّ الرجل يخاف خادمه و مملوكه فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلّظة،ثمّ لا يزداد الأمر إلاّ شدّة حتّى كثرت أحاديثهم الكاذبة حتّى نشأ عليه الصبيان و كان أشدّ الناس في ذلك القرّاء المتصنّعون فانتحلوا الأحاديث و ولدوها طمعا في الأموال و القطايع،فصارت أحاديثهم في أيديهم حقّا و صدقا فأحبّوا عليها و أبغضوا من شكّ فيها فاجتمعت على ذلك جماعتهم و صارت في يد المتديّنين منهم الذين لا يستحلّون الافتعال لمثلها فقبلوها و هم يرون أنّها حقّ،و لو علموا بطلانها لأعرضوا عن روايتها فصار الصدق كذبا و الكذب صدقا.

فلمّا مات الحسن عليه السّلام ازداد البلاء و الفتنة،فلم يبق للّه وليّ إلاّ خائف أو مقتول أو طريد.

فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجّ الحسين عليه السّلام و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه بن عبّاس و قد جمع الحسين عليه السّلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم من حجّ و من لم يحجّ،ثمّ لم يدع من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و التابعين إلاّ جمعهم فاجتمع بمنى أكثر من ألف رجل فقام خطيبا و قال بعد الحمد و الثناء:إنّ هذا الطاغية قد صنع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم و إنّي اريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدّقوني،اسمعوا مقالتي و اكتموا قولي ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم و قبائلكم من أمنتم و وثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ،فما ترك الحسين عليه السّلام شيئا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلاّ قاله و فسّره و لا شيئا قاله الرسول في أهل بيته إلاّ رواه و كلّ ذلك يقول الصحابة:اللّهمّ نعم قد سمعناه و شهدناه، و يقول التابعون قد حدّثناه من نصدّقه،ثمّ قال:أنشدكم باللّه إلاّ رجعتم و حدّثتم به من تثقون به فنزل و تفرّق الناس (1).7.

ص: 140


1- -الإحتجاج:19/2،و مستدرك الوسائل:291/17.

و في كتاب الأمالي عن ابن ثعلبة قال:لمّا استوثق الأمر لمعاوية أنفذ بشر بن ارطأة إلى الحجاز في طلب شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و كان على مكّة عبيد اللّه بن العبّاس فلم يقدر عليه، فأخبر أنّ له ولدين صبيّين فأخرجهما و لهما ذؤابتان فأمر بذبحهما فذبحا،فاجتمع من بعد عبيد اللّه و بسر بن ارطأة عند معاوية فقال معاوية لعبيد اللّه:أتعرف هذا الشيخ قاتل الصبيّين؟

قال بشر:نعم أنا قاتلهما فمه قال عبيد اللّه:لو أنّ لي سيفا:قال بشر:فهاك سيفي و أومى إلى سيفه فزبره معاوية و قال:أف لك من شيخ ما أحمقك تعمد إلى رجل قتلت ابنيه فتعطيه سيفك كأنّك لا تعرف أكباد بني هاشم،و اللّه لو دفعته إليه قتلك و ثنى بي،فقال عبيد اللّه:بل و اللّه كنت أبدأ بك و أثني به (1).

و في كتاب الاحتجاج عن صالح بن كيسان قال:لمّا قتل معاوية حجر بن عدي و أصحابه حجّ ذلك العام فلقى الحسين عليه السّلام فقال:يا أبا عبد اللّه هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و شيعة أبيك؛قتلناهم و كفّناهم و صلّينا عليهم.

فضحك الحسين عليه السّلام و قال:خصمك القوم يا معاوية،لكنّنا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا أقبرناهم،الحديث (2).4.

ص: 141


1- -أمالي المفيد:306،و بحار الأنوار:128/44.
2- -الإحتجاج:19/2،و البحار:129/44.

الفصل الثالث: في مجمل أحوال الحسن و تواريخه و عمره و شهادته عليه السلام

اشارة

في الكافي و التهذيب:ولد عليه السّلام شهر رمضان سنة بدر اثنتين من الهجرة.

و روي أنّه ولد سنة ثلاث و مضى آخر صفر سنة تسع و أربعين و عمره سبع و أربعين سنة و أشهر (1).

و في الدروس:أنّه ولد منتصف شهر رمضان.

و قال المفيد رحمه اللّه:قبض مسموما يوم الخميس سابع صفر لسنة تسع و أربعين أو سنة خمسين من الهجرة (2).

و قال الكفعمي:كان نقش خاتمه العزّة للّه و كان له خمسة عشر ولدا،و كانت أزواجه أربع و ستّين عدا الجواري و كان بابه سفينة (3).

و في كتاب المناقب[أنّ عمر لمّا] (4)بويع سبعا و ثلاثين سنة فبقي في خلافته أربعة أشهر و ثلاثة أيّام و وقع الصلح بينه و بين معاوية سنة إحدى و أربعين و خرج إلى المدينة فأقام بها عشر سنين،و كان بذل معاوية لجعدة بنت محمد بن الأشعث الكندي و هي ابنة امّ فروة اخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار و اقطاع عشرة ضياع من سواد الكوفة على أن تسمّ الحسن عليه السّلام و كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (5).

و روى الحافظ في الحلية بإسناده إلى عمر بن إسحاق قال:دخلت أنا و رجل على

ص: 142


1- -الكافي:461/1 ح 10،و بحار الأنوار:134/44 ح 1.
2- -تصحيح الإعتقادات:132،و الحدائق الناظرة:437/17.
3- -مستدرك سفينة البحار:22/3،و سيرة أعلام النبلاء:443/7.
4- -في المصدر:كان عمره لما.
5- -الأنوار البهية:90،و بحار الأنوار:135/44.

الحسن بن علي نعوده فقال:يا فلان سلني.

قال:حتّى يعافيك اللّه،قال:سلني قبل أن لا تسألني فإنّي ألقيت طائفة من كبدي و إنّي قد سقيت السمّ مرارا فلم أسق مثل هذه المرّة ثمّ دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين عليه السّلام عند رأسه.

فقال:يا أخي من تتّهم؟

قال:لم لتقتله؟

قال:نعم،قال:إن يكن الذي أظنّ فإنّه أشدّ بأسا و أشدّ تنكيلا و لا يكن فما أحبّ أن يقتل بي بريء و قبض عليه السّلام (1).

و في كتاب النصوص عن جنادة قال:دخلت على الحسن عليه السّلام في مرضه و بين يديه طشت يقذف عليه الدم و يخرج عليه كبده قطعة قطعة من السمّ الذي أسقاه معاوية،فقلت:

يا مولاي لم لا تعالج نفسك؟

فقال:يا عبد اللّه بماذا أعالج الموت؟

قلت؛إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،ثمّ قال:لقد عهد إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي و فاطمة،ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول،ثمّ رفع الطشت و بكى (2).

و في كتاب عيون المعجزات للمرتضى أنّ سبب مفارقة أبي محمّد الحسن عليه السّلام الدّنيا أنّ معاوية بذل لجعدة و بعث إليها سمّا فجعلته في طعام،فلمّا وضعته بين يديه قال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و الحمد للّه على لقاء سيّد المرسلين و أبي سيّد الوصيّين و امّي سيّدة نساء العالمين و عمّي جعفر الطيّار و حمزة سيّد الشهداء صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و دخل عليه أخوه الحسين فقال:كيف تجد نفسك؟

قال:أنا في آخر يوم من الدّنيا و أوّل يوم من الآخرة على كره منّي لفراقك و فراق اخوتي ثمّ أوصى إليه و سلّم إليه الأعظم و مواريث الأنبياء التي سلّمها إليه أمير المؤمنين عليه السّلام.4.

ص: 143


1- -بحار الأنوار:138/44،و كشف الغمة:190/2.
2- -كفاية الأثر:226،و بحار الأنوار:138/44.

ثمّ قال:يا أخي إذا متّ فجهّزني و احملني إلى جدّي حتّى تلحدني إلى جانبه فإن منعت من ذلك فاردد جنازتي إلى البقيع حتّى تدفني مع امّي،فلمّا أراد دفنه مع جدّه ركب مروان بن الحكم طريد رسول اللّه بغلته و أتى عائشة فقال:يا امّ المؤمنين إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه مع رسول اللّه،و اللّه إن دفن معه ليذهبنّ فخر أبيك و صاحبه إلى يوم القيامة فنزل عن بغلته و ركبتها و كانت تحرّض بني اميّة على المنع.

فلمّا وصلت إلى القبر رمت بنفسها من البغلة و قالت:لا يدفن الحسن هاهنا أبدا أو يجزّ شعرها فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليه السّلام:اللّه اللّه لا تضيّعوا وصيّة أخي و اعدلوا به إلى البقيع.

فقام ابن عبّاس و قال:يا حميراء أليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل و يوم على البغلة أما كفاك أن يقال يوم الجمل حتّى يقال يوم البغل؟

فقالت له:إليك عنّي و أف لك و لقومك (1).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:إنّ الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السّلام و ابنته جعدة سمّت الحسن عليه السّلام و محمّد ابنه أشرك في دم الحسين عليه السّلام.

و فيه أيضا عن الباقر عليه السّلام:أنّ عائشة خرجت ذلك اليوم مبادرة على بغل بسرج فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا فقالت:نحّوا ابنكم عن بيتي و لا يهتك على رسول اللّه حجابه.

فقال لها الحسين عليه السّلام:قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول اللّه و أدخلت بيته من لا يحبّ قربه،يا عائشة إنّ أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول اللّه ليحدث به عهدا و هو أعلم بتأويل كتاب اللّه من أن يهتك على رسول اللّه ستره لأنّ اللّه تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ و قد أدخلت بيت رسول اللّه الرّجال بغير إذنه و قد قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى .

و لعمري لقد دخل أبوك و فاروقه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقربهما منه الأذى و ما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم4.

ص: 144


1- -عيون المعجزات:57،و بحار الأنوار:140/44.

أحياء،يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه جائزا فيما بيننا و بين اللّه لعلمت أنّه سيدفن و إن رغم معطسك ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة و قال:يا عايشة يوما على جمل و يوما على بغل.

فقالت:يابن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسين عليه السّلام:و أنّى تبعدين محمّدا من الفواطم،فو اللّه لقد ولدته ثلاث فواطم.

ثمّ قالت:نحّوا ابنكم[و اذهبوا به] (1)فأنتم قوم خصمون (2).

و في الكافي عن الحضرمي أنّ جعدة بنت الأشعث سمّت الحسن بن علي و سمّت مولاة له،فأمّا مولاته فقاءت السمّ و أمّا الحسن فاستمسك في بطنه (3).

و في كتاب بحار الأنوار لشيخنا المعاصر أبقاه اللّه تعالى نقلا من كتب علمائنا:أنّ الحسن عليه السّلام لمّا دنت وفاته و جرى السمّ في بدنه تغيّر لونه و اخضرّ،فقال له الحسين عليه السّلام:

مالي أرى لونك مائلا إلى الخضرة،فبكى الحسن و قال:يا أخي لقد صحّ حديث جدّي فيّ و فيك فاعتنقا و بكيا.

قال:أخبرني جدّي قال:دخلت ليلة المعراج في روضات الجنات فرأيت قصرين متجاورين على صفة واحدة إلاّ أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر و الآخر من الياقوت الأحمر، فقلت:يا جبرئيل لمن هذان القصران؟

فقال:أحدهما للحسن و الآخر للحسين،فقلت:يا جبرئيل لم لا تكونا على لون واحد فسكت و لم يرد جوابا،فقلت:لم لا تتكلّم؟

قال:حياء منك،فقلت له:سألتك باللّه إلاّ ما أخبرتني،فقال:أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ و يخضرّ لونه عند موته،و أمّا حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل و يحمّر وجهه بالدمّ فعند ذلك ضجّ الحاضرون بالبكاء (4).4.

ص: 145


1- -زيادة من المصدر.
2- -الكافي:303/1،و بحار الأنوار:144/44.
3- -الكافي:462/1،و بحار الأنوار:145/44.
4- -مدينة المعاجز:30/4،و بحار الأنوار:145/44.

و في كتاب الاحتجاج عن ابن أبي الجعد قال:حدّثني رجل منّا قال:أتيت الحسن عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر لهذا الطاغية فقال:لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلا و نهارا و أهل الكوفة قلوبهم معنا و سيوفهم علينا،فتنخع الدم و هو يكلّمني فدعا بطشت و ملأه من الدّم فقلت:ما هذا يابن رسول اللّه؟

قال:دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّا فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعا كما ترى.

قلت:أفلا تتداوى؟

قال:قد سقاني مرّتين و هذه الثالثة لا أجد لها دواء،و لقد كتب إليّ إنّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجّه إليه السمّ القتّال شربة فكتب إليه ملك الروم إنّه لا يصلح في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا،فكتب إليه:إنّ هذا الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج يطلب ملك أبيه و أنا أريد أن أدسّ إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد و البلاد منه و وجّه إليه بهدايا و ألطاف فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي سقيتها و اشترط عليه في ذلك شروطا (1).

و روي أنّ معاوية دفع السمّ إلى جعدة و قال:اسقيه السمّ فإذا مات زوّجتك ابني يزيد فلمّا سقته السمّ و مات جاءت إلى معاوية فقالت:زوّجني يزيد فقال:اذهبي فإنّ امرأة لا تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد (2).

و في الأمالي عن ابن عبّاس قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السّلام،فلمّا رآه بكى ثمّ أجلسه على فخذه و قال:إنّه حجّة اللّه على الامّة و لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الهوان و الذي بعدي و لا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما و عدوانا،فعند ذلك تبكي عليه الملائكة و السبع الشداد و يبكيه كلّ شيء حتّى الطير في جوّ السماء و الحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون و من حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب،و من زاره في بقيعه ثبت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه4.

ص: 146


1- -الإحتجاج:12/2،و بحار الأنوار:147/44.
2- -الإحتجاج:13/2،و بحار الأنوار:148/44.

الأقدام (1).

و فيه أيضا عن ابن عبّاس إنّه لمّا جيء بالحسن عليه السّلام إلى قبر جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قالت عائشة:

لقد أجترأتم عليّ تؤذونني مرّة بعد اخرى تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى و لا أحبّ.

فقلت:و اسوأتاه يوم على جمل و يوم على بغل،انصرفي فقد رأيت ما سرّك.

فنادت بأعلى صوتها:أو ما نسيتم الجمل يا ابن عبّاس إنّكم لذو أحقاد.

فقلت:و اللّه ما نسيته أهل السماء فكيف تنساه أهل الأرض،فانصرفت و هي تقول شعر:

فألقت عصاها و استقرّ بها النوى *** كما قرّ عينا بالإياب المسافر (2)

و في كتاب الخرائج عن الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن عليه السّلام قال لأهل بيته:إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه قالوا:و من يفعل ذلك؟

قال:امرأتي جعدة فإنّ معاوية يدسّ إليها و يأمرها بذلك،قالوا:اخرجها من منزلك.

قال:لم تفعل بعد شيئا و لو أخرجتها ما قتلني غيرها و كان لها عذر عند الناس فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالا جسيما و شربة سمّ فأتى وقت الإفطار و كان صائما فأخرجت شربة لبن قد ألقت فيها ذلك السمّ فشربها و قال:عدوّة اللّه قتلتيني فمكث يومان و مضى (3).

و فيه أيضا:إنّه لمّا منعت عائشة من دفن الحسن عليه السّلام قال لها ابن عبّاس:يوما تجمّلت و يوما تبغّلت و إن عشت تفيّلت،فأخذه الشاعر البغدادي و قال شعر:

يا بنت أبا بكر لا كان و لا كنت *** لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت (4)1.

ص: 147


1- -أمالي الصدوق:176،و بحار الأنوار:39/28.
2- -بحار الأنوار:153/44.
3- -الخرائج و الجرائح:241/1،و بحار الأنوار:327/43.
4- -الإرشاد:19/2،و الخرائج و الجرائح:243/1.

مباحثة فضّال مع أبي حنيفة

و قوله:لك التسع من الثمن،إنّما كان في مناظرة فضال بن الحسن مع أبي حنيفة قال له فضّال قول اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ منسوخ أو غير منسوخ؟

قال:هذه الآية غير منسوخة قال:ما تقول في خير الناس بعد رسول اللّه أبو بكر و عمر أم عليّ بن أبي طالب؟

قال:أما علمت أنّهما ضجيعا رسول اللّه في قبره،فأيّ حجّة تريد في فضلهما أفضل من هذه؟

فقال له فضّال:لقد ظلما إذ أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ،و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لقد أساءا إذ رجعا في هبتهما و قد أقررت أنّ قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ غير منسوخة.

فأطرق أبو حنيفة ثمّ قال:لم يكن له و لا لهما خاصّة ولكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما.

فقال له فضّال:أنت تعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مات عن تسع و كان لهنّ الثمن لمكان ابنته فاطمة فإذن لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن،ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر و الحجرة كذا و كذا طولا و عرضا فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك؟

و بعد فما بال عايشة و حفصة يرثان رسول اللّه و فاطمة بنته منعت الميراث فالمناقضة في ذلك ظاهرة من وجوه كثيرة؟

فقال أبو حنيفة:نحّوه عنّي فإنّه و اللّه رافضي خبيث.

و في كتاب البشائر عن حريز قال:أرسل معاوية إلى جعدة بأن يزوّجها يزيد إذا سمّت الحسن عليه السّلام،فلمّا مات عليه السّلام لم يف معاوية لها و تزوّجها رجل من آل طلحة فأولدها و كان إذا

ص: 148

وقع بينهم و بين بطون قريش عيّروهم و قالوا:يا بني مسمّة الأزواج.

و في كتاب قوت القلوب:أنّ الحسن عليه السّلام تزوّج مائتين و خمسين امرأة و قد قيل ثلاثمائة و كان علي عليه السّلام يضجر من ذلك،فكان يقول في خطبته:إنّ الحسن مطلاق فلا تنكحوه (1).

و روي أنّ هذه النساء كلّهنّ خرجن خلف جنازته حافيات (2).

و في ربيع الأبرار للزمخشري أنّه لمّا بلغ معاوية موت الحسن عليه السّلام سجد و سجد من حوله و كبّروا (3).

و روي أنّ الحسن عليه السّلام لمّا أشرف على الموت قال له الحسين:اريد أن أعلم حالك يا أخي،فقال الحسن عليه السّلام:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:لا يفارق العقل منّا أهل البيت مادام الروح فينا فضع يدك في يدي حتّى إذا عاينت ملك الموت اغمز يدك فوضع يده في يده، فلمّا كان بعد ساعة غمزه غمزا خفيفا فقرّب الحسين عليه السّلام اذنه فقال:قال لي ملك الموت:

ابشر فإنّ اللّه عنك راض و جدّك شافع (4).

و في كتاب المناقب:إنّ بني اميّة بأمر عائشة و مروان رموا جنازته عليه السّلام حتّى سلّ منها سبعون نيلا.2.

ص: 149


1- -المناقب:192/3،و بحار الأنوار:158/44 ح 27.
2- -المناقب:192/3،و بحار الأنوار:158/44 ح 27.
3- -المناقب:203/3،و بحار الأنوار:159/44.
4- -المناقب:204/3،و كلمات الإمام الحسين:220 ح 42.

أولاد الحسن عليه السلام

و في كتاب البشائر:أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ذكر و انثى،زيد بن الحسن و اختاه امّ الحسن و امّ الحسين و امّهم بنت أبي مسعود الخزرجية و الحسن بن الحسن امّه خولة الفزارية و عمرو بن الحسن و أخواه القاسم و عبد اللّه امّهم امّ ولد و عبد الرحمن امّه امّ ولد و الحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم و أخوه طلحة و اخته فاطمة امّهم امّ إسحاق التيمية و امّ عبد اللّه و فاطمة و امّ سلمة و رقية لامّهات شتّى.

فأمّا زيد بن الحسن فكان يلي صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كان جليل القدر كثير البرّ و مدحه الشعراء و قصده الناس من الآفاق لطلب فضله،و لمّا تولّى الخلافة سليمان بن عبد الملك عزله عن الصدقات ثمّ ردّها عليه ابن عبد العزيز و خرج زيد من الدّنيا و له تسعون سنة و لم يدع الإمامة و لا ادّعاها له أحد،لأنّه كان مسالما لبني اميّة.

و أمّا الحسن بن الحسن فكان جليلا فاضلا و ربما كان يلي صدقات أمير المؤمنين عليه السّلام و سار يوما الحجّاج و هو أمير المدينة،فقال للحسن:ادخل عمر بن علي عمّك معك في الصدقات،فقال الحسن:لا أغيّر شرط علي و لا أدخل فيه من لم يدخله.

فقال الحجّاج:أنا أدخله معك فسار الحسن إلى باب عبد الملك فمرّ به يحيى بن امّ الحكم و سأله عمّا جاء به ثمّ قال له سأنفعك عند عبد الملك،فلمّا دخل الحسن على عبد الملك رحّب به و كان الحسن قد أسرع إليه الشيب.

فقال له عبد الملك:لقد أسرع إليك الشيب.

فقال يحيى:و ما يمنعه شيبه و يأتيه الركب من أهل العراق يمنونه الخلافة فقال له الحسن:بئس الرفد رفدت ليس كما قلت.

فقال له عبد الملك:هلمّ ما وفدت له فأخبره بقول الحجّاج فقال:ليس ذلك له و كتب له كتابا و وصله،فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى فعاتبه الحسن على سوء محضره.

ص: 150

فقال له يحيى:إيها عنك فو اللّه لا يزال يهابك و لولا هيبتك ما قضى لك حاجة و ما ألوتك رفدا.

و كان الحسن حضر مع عمّه الطفّ،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام و أسر الباقون جاءه أبو حسّان خاله فانتزعه من بين الأسارى (1).

و روي أنّه خطب إلى عمّه الحسين عليه السّلام إحدى ابنتيه فقال له:اختر يا بنيّ أيّهما أحبّ إليك،فلم يتكلّم حياء فقال له الحسين عليه السّلام:اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبها بفاطمة امّي،و قبض الحسن بن الحسن و له خمس و ثلاثون سنة،و لمّا مات ضربت زوجته فاطمة على قبره فسطاطا و كانت تقوم الليل و تصوم النهار و كانت تشبه بالحور العين لجمالها، فلمّا كان رأس السنة أمرت ليلا برفع الفسطاط فسمعت صوتا يقول:هل وجدوا ما قعدوا، فأجابت بل يئسوا فانقلبوا،و لم يدع الإمامة و لا ادّعاها له أحد.

و أمّا عمر و القاسم و عبد اللّه،فإنّهم قتلوا بين يدي عمّهم الحسين عليه السّلام،و عبد الرحمن بن الحسن خرج مع عمّه الحسين عليه السّلام إلى الحجّ فتوفّى بالأبواء و هو محرم.

و روي أنّه خطب الحسن بن عليّ عليهما السّلام إلى عبد الرحمن بن الحارث ابنته فأطرق ثمّ قال:و اللّه على وجه الأرض أعزّ عليّ منك،ولكن تعلم أنّ ابنتي بضعة منّي و أنت مطلاق فأخاف أن تطلّقها فيتغيّر قلبي عليك فإن شرطت أن لا تطلّقها زوجتك فقال عليه السّلام:ما أراد عبد الرحمن إلاّ أن يجعل ابنته طوقا في عنقي (2).

و روي أنّ يزيد لعنه اللّه رأى امرأة عبد اللّه بن عامر فهام بها و شكى ذلك إلى أبيه،فلمّا حضر عبد اللّه عند معاوية قال:لقد عقدت لك على ولاية البصرة و لولا أنّ لك زوجة لزوّجتك رملة فمضى عبد اللّه و طلّق زوجته طمعا في رملة،فأرسل معاوية أبا هريرة يخطبها ليزيد و بذل لها ما أرادت من الصّداق فاطّلع عليه الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر فاختارت الحسن فتزوّجها (3).4.

ص: 151


1- -بحار الأنوار:163/44 ح 1.
2- -الإرشاد:26/2،و بحار الأنوار:167/44.
3- -المناقب:199/3،و بحار الأنوار:171/44.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:إنّ عليّا صلوات اللّه عليه قال على المنبر:لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق،فقام رجل من همدان فقال:بلى و اللّه لنزوّجنّه و هو ابن رسول اللّه و ابن أمير المؤمنين،فإن شاء أمسك و إن شاء طلّق.

و عن محمّد بن حبيب:كان الحسن إذا أراد أن يطلّق امرأة جلس إليها فقال:أيسرّك أن أهب لك كذا و كذا؟فتقول:ما شئت أو نعم،فيقول:هو لك فإذا قام أرسل إليها بالطلاق و بما سمّى لها.

و روي أنّه ملك مائة و ستّين أمة في مدّة عمره (1).6.

ص: 152


1- -الكافي:56/6 ح 4،و بحار الأنوار:172/44 ح 6.

باب فيما يختصّ بالحسين عليه السلام

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في معجزات الحسين عليه السلام و احتجاجه على معاوية و غيره

اشارة

و في الآيات الواردة في شهادته و أخبار الأنبياء عليهم السّلام بها و ما يتبع ذلك

في كتاب الخرائج:عن يحيى ابن أمّ الطويل قال:كنّا عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي قال:إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألاّ أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها.

فقال الحسين عليه السّلام:قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف على البيت و دعى اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها،فأحياها اللّه تعالى فجلست و هي تتشهّد،ثمّ نظرت إلى الحسين عليه السّلام فقالت:ادخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على فخذه ثمّ قال لها:وصي يرحمك اللّه.

فقالت:يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت (1).

ص: 153


1- -الخرائج و الجرائح:245/1،و بحار الأنوار:181/44.

و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام قال:إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض اموره قال لهم:لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم،فخالفوه مرّة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتّصل الخبر إلى الحسين عليه السّلام فدخل على الوالي فقال:

بلغني قتل غلمانك؟

قال الحسين عليه السّلام:أنا أدلّك على من قتلهم و هذا منهم أشار إلى رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل:و من أين تعرف إنّي منهم؟

فقال:إن أنا صدقتك تصدقني؟

قال:نعم و اللّه قال:خرجت و معك فلان و فلان فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقي من حبشانها فقال الرجل:و اللّه ما كذب الحسين و كأنّه كان معنا،فجمعهم الوالي فأقرّوا فضرب أعناقهم (1).

و فيه أيضا:أنّه لمّا ولد الحسين عليه السّلام أمر اللّه تعالى جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة يهنىء محمّدا،فمرّ بجزيرة فيها ملك يقال له قطرس بعثه اللّه في شيء فأبطأ فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمائة عام:

فقال:فطرس لجبرئيل:احملني معك لعلّه يدعو لي فأخبر جبرئيل محمّدا بحال فطرس فقال:تمسّح بمهد الحسين عليه السّلام فأعاد اللّه عليه جناحه ثمّ ارتفع مع جبرئيل عليه السّلام إلى السماء (2).0.

ص: 154


1- -دلائل الإمامة:186 ح 9،و الثاقب في المناقب:343.
2- -أمالي الصدوق:200،و دلائل الإمامة:190.

هرب الحمى و كلامه مع الحسين عليه السّلام

و في كتاب المناقب:عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال:سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمى فعاده الحسين عليه السّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له:الحمى تهرب منكم.

فقال له الحسين عليه السّلام:و اللّه ما خلق شيئا إلاّ و قد أمره بالطّاعة لنا.

قال:فناداها يا حمى فإذا نحن نسمع الصوت و لا نرى الشخص يقول:لبّيك قال:أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا،و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟ (1)

و في التهذيب مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّ امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فوضع يده على ذراعها فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف،و أرسل إلى الأمير فاجتمع الناس و أرسلوا إلى الفقهاء فقالوا:اقطع يده فأرسل إلى الحسين عليه السّلام فدعى اللّه تعالى و خلّص يده من يدها فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (2).

و في الخرائج:إنّ قوما أتوا إلى الحسين عليه السّلام فقالوا:حدّثنا بفضائلكم قال:لا تطيقون و انحازوا عنّي لأشير إلى بعضكم فإن أطاق سأحدّثكم فتباعدوا عنه،فكان يتكلّم مع أحدهم حتّى دهش و وله و جعل يهيم و لا يجيب أحدا و انصرفوا عنه (3).

[عن]صفوان بن مهران قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السّلام في امرأة و ولدها فقال:هذا لي و قال:هذا لي فأمر بهما الحسين عليه السّلام فقال

ص: 155


1- -المناقب:210/3،و بحار الأنوار:183/44 ح 8.
2- -التهذيب:470/5،و الحدائق الناظرة:347/17.
3- -المناقب:2103/،و بحار الأنوار:184/44.

أحدهما:إنّ الامرأة لي،و قال الآخر:إن الولد لي،فقال للمدّعي الأوّل:اقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين:يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك فقالت:هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا،فقال عليه السّلام:يا غلام ما تقول هذه؟انطق بإذن اللّه تعالى،فقال له:ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلاّ راعي لآل فلان،فأمر عليه السّلام برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها (1).

و عن الأصبغ بن نباتة قال:سألت الحسين عليه السّلام سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن و أنّه من سرّ اللّه فقال:يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لأبي دون يعني أبا بكر يوم مسجد قبا؟

قال:هذا الذي أردت،قال:قم،فإذا أنا و هو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إلي بصري فتبسّم في وجهي ثمّ قال:يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان.

فقلت:صدقت يا ابن رسول اللّه فقال لي:ادخل،فدخلت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السّلام قابض على تلابيب الأعسر-يعني أبا بكر-فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يعضّ على الأنامل و هو يقول:بئس الخلف خلفتني أنت و أصحابك عليكم لعنة اللّه و لعنتي (2).

و عن ابن الزبير قال:قلت للحسين عليه السّلام:إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك و خذلوا أخاك فقال:لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكّة (3).

و في كتاب التخريج عن ابن عبّاس قال:رأيت الحسين عليه السّلام قبل أن يتوجّه إلى العراق على باب الكعبة و كفّ جبرئيل في كفّه و جبرئيل ينادي هلمّوا إلى بيعة اللّه عزّ و جلّ.

و عنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السّلام فقال:إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لا يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.2.

ص: 156


1- -العوالم:49 ح 3،و كلمات الإمام الحسين:634.
2- -بحار الأنوار:184/44 ح 11،و مستدرك سفينة البحار:167/6.
3- -مدينة المعاجز:503/3 ح 70،و بحار الأنوار:185/44 ح 12.

و قال محمّد بن الحنفيّة:و أنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم (1).

و في كتاب دلائل الإمامة عن حذيفة قال:سمعت الحسين عليه السّلام يقول:و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني اميّة يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه؟

فقال:لا،فأتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخبرته فقال:علمي علمه و علمه علمي لأنّنا نعلم بالكائن قبل كينونته.

و عن طاووس اليماني:إنّ الحسين عليه السّلام كان إذا جلس في مكان مظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه و نحره،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان كثيرا ما يقبّلهما.

و روى العيّاشي قال:مرّ الحسين عليه السّلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا إليه كسرا، فقالوا:هلمّ يابن رسول اللّه فثنى و ركه و أكل معهم ثمّ تلى:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،ثمّ قال:أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه حتّى أتوا منزله فقال للجارية:اخرجي ما كنت تدّخرين.

و في كتاب أنس المجالس:أنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السّلام لمّا أخرجه مروان من المدينة فأعطاه أربعمائة دينار فقيل له شاعر فاسق فقال عليه السّلام:خير مالك ما وقيت به عرضك، و قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في عبّاس بن مرداس:اقطعوا لسانه عنّي.

وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدلّ على الحسين عليه السّلام فدخل المسجد فوجده مصلّيا فوقف بإزائه و أنشأ شعر:

لا يخب الآن من رجاك *** و من حرّك من بابك الحلقة

أنت جواد و أنت معتمد *** أبوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من أوايلكم *** كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الحسين عليه السّلام و قال:يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

قال:أربعة آلاف دينار قال:هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا،ثمّ نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي و أنشأ شعر:

خذها و إنّي إليك معتذر *** و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة1.

ص: 157


1- -مدينة المعاجز:503/3 ح 71.

لو كان في سيرنا الغداة عصا *** أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غبرة *** و الكفّ منّي قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي و بكى فقال له:لعلّك استقللت ما أعطيناك؟

قال:لا،ولكن كيف يأكل التراب جودك.

أقول:العصا كناية عن الملك و بسط العيد فإنّ الوالي راع على الامّة،و المراد من السّما هنا كثرة الجود و الكرم.

و عن شعيب الخزاعي قال:[كان]على ظهر الحسين عليه السّلام يوم الطفّ أثر،فسألوا زين العابدين عليه السّلام فقال:هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و الأيتام و المساكين (1).

و قيل:إنّ عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين عليه السّلام الحمد،فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلّة و حشا فاه درّا،فقيل له في ذلك،فقال:و أين يقع هذا من تعليمه، و أنشد عليه السّلام شعر:

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها *** على الناس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت *** و لا البخل يبقيها إذا ما تولت (2)

و حدّث الصولي عن الصادق عليه السّلام إنّه جرى بين الحسين عليه السّلام و بين محمّد بن الحنفية كلام فكتب إلى الحسين عليه السّلام:أمّا بعد فإنّ أبي و أباك عليّ لا تفضلني و لا أفضلك فيه و امّك فاطمة بنت رسول اللّه و لو كان ملأ الأرض ذهبا ملك امّي ما وفت بامّك،فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضاني فإنّك أحقّ بالفضل منّي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،ففعل الحسين عليه السّلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء (3).

و في عيون المحاسن:أنّه عليه السّلام ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثمّ قال:

اذهب عنّي فاستخفيت عنه،فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول شعر:3.

ص: 158


1- -بحار الأنوار:191/44،و مستدرك سفينة البحار:305/2.
2- -المناقب:222/3،و بحار الأنوار:191/44.
3- -المناقب:222/3،و بحار الأنوار:191/44 ح 3.

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه *** فارحم عبيدا أنت ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي *** طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما ارقا *** يشكو إلى ذي الجلال بلواه

و ما به علّة و لا سقم *** أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه و غصّته *** أجابه اللّه ثمّ لبّاه

فنودي شعر:

لبّيك لبّيك أنت في كنفي *** و كلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي *** فحسبك الصوت قد سمعناه (1)

دعاك منّي يحول في حجب *** فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح من جوانبه *** خرّ صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة و لا رهب *** و لا حساب إنّي أنا اللّه

و روي عن الحسين عليه السّلام إنّه قال:صحّ عندي قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه،فإنّي رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك فقال:يابن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره لأنّ صاحبي يهوديّ اريد افارقه فأتى الحسين عليه السّلام إلى صاحبه بمأتي دينار ثمنا له.

فقال اليهودي:الغلام فداء لخطاك،و هذا البستان له ورددت عليك المال قال:قبلت المال و وهبته للغلام فقال الحسين عليه السّلام:أعتقت الغلام و وهبته له جميعا،فقالت امرأته:قد أسلمت و وهبت زوجي مهري فقال اليهودي:و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار (2).

و روي أنّ عبد اللّه بن الزبير و أصحابه دعوا الحسين عليه السّلام فأكلوا و لم يأكل فقيل له:ألا تأكل؟

قال:إنّي صائم ولكن تحفة الصائم الدهن و المجمر.

و قال يوما لأخيه الحسن عليه السّلام:يا حسن وددت أنّ لسانك لي و قلبي لك.5.

ص: 159


1- -المناقب:224/3،و بحار الأنوار:193/44.
2- -بحار الأنوار:194/44،و العوالم:65.

و كتب إليه الحسن يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه:أنت أعلم منّي بأنّ خير المال ما وقى العرض (1).

حديث الأعرابي

و روى أخطب خوارزم:أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين عليه السّلام فقال:يابن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائه فقلت:أسأل أكرم الناس،و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه،فقال الحسين عليه السّلام:يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت الاثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ،فقال الأعرابي:يابن رسول اللّه أمثلك يسأل من مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف.

فقال الحسين عليه السّلام:بلى،سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:المعروف بقدر المعرفة.

فقال الأعرابي:سل عمّا بدا لك فإن أجبت و إلاّ تعلّمت منك و لا قوّة إلاّ باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:أي الأعمال أفضل؟

فقال الأعرابي:الإيمان باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما النجاة من المهلكة؟

فقال الأعرابي:الثقة باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما يزيّن الرّجل؟

فقال الأعرابي:علم معه حلم.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:مال معه مروة فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:فقر معه صبر فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال الأعرابي:فصاعقة من السماء تنزل و تحرقه فإنّه أهل لذلك.فضحك الحسين عليه السّلام و رمى إليه بصرّة فيها ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فصّ قيمته مائتا درهم، و قال:يا أعرابي اعط الذهب لغرمائك و اصرف الخاتم في نفقتك،فأخذ الأعرابي و قال:اللّه

ص: 160


1- -بحار الأنوار:195/44 ح 8،و كشف الغمة:241/2.

أعلم حيث يجعل رسالته (1).

و في كتاب الكنز أنّه قال رجل للحسين عليه السّلام:إنّ فيك كبرا فقال:كلّ الكبر للّه وحده و لا يكون في غيره،قال اللّه تعالى: وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)(3).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:لم يرضع الحسين عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام و لا من انثى كان يؤتي به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث،فنبت لحم الحسين عليه السّلام من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و دمه و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسى ابن مريم و الحسين بن عليّ عليهم السّلام (4).

و في رواية اخرى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يؤتى به الحسين عليه السّلام فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزي به و لم يرضع من أنثى (5).4.

ص: 161


1- -بحار الأنوار:196/44،و العوالم:59.
2- -سورة المنافقون:8.
3- -بحار الأنوار:198/44 ح 13،و العوالم:65.
4- -الكافي:465/1 ح 4،و بحار الأنوار:198/44.
5- -الكافي:465/1 ح 4،و بحار الأنوار:198/44 ح 14.

مولد الحسين عليه السلام و مدّة عمره

و في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنّه لم يكن بينهما إلاّ الحمل و هو ستّة أشهر عاش مع جدّه ستّ سنين و أشهر و كمل عمره خمسين سنة و خمسة أشهر و قيل:ستّ و خمسون سنة و خمسة أشهر،و يقال:

ثماني و خمسون.

و مدّة خلافته خمس سنين و أشهر في آخر ملك معاوية و أوّل ملك يزيد،قتله عمر بن سعد بن أبي وقّاص و خولي بن يزيد الأصبحي،و احتزّ رأسه سنان بن أنس النخعي و شمر بن ذي الجوشن و سلب جميع ما كان عليه إسحاق الحضرمي و مضى قتيلا يوم عاشوراء و هو يوم السبت قبل الزوال،و يقال:يوم الجمعة بعد صلاة الظهر و قيل يوم الاثنين سنة ستّين من الهجرة و يقال سنة إحدى و ستّين (1).

قال الشيخ المفيد رحمه اللّه:فأمّا أصحاب الحسين عليه السّلام فإنّهم مدفونون حوله و لسنا نحصل لهم أجداثا و الحائر محيط بهم (2).

و ذكر المرتضى رحمه اللّه في بعض مسائله:إنّ رأس الحسين عليه السّلام ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام و ضمّ إليه (3).

و قال الطوسي:و منه زيارة الأربعين (4).

و روى الكليني في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام أنّه

ص: 162


1- -مسند الإمام الرضا:150/1،و ترجمة الإمام الحسين:34.
2- -العوالم:327،و إعلام الورى:477/1.
3- -المناقب:231/3،و بحار الأنوار:199/44.
4- -بحار الأنوار:199/44.

مدفون بجنب أمير المؤمنين عليه السّلام،و الاخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق عليه السّلام إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين (1).

و قال أبو الفرج في كتاب المقاتل:قتل يوم الجمعة سنة إحدى و ستّين و له ستّ و خمسون سنة و شهور (2).

و قيل:قتل يوم السبت و الأوّل أصحّ.

فأمّا ما يقوله العامّة أنّه قتل يوم الاثنين فباطل و هو شيء قالوه بلا رواية و كان أوّل المحرّم الذي قتل فيه يوم الأربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات،و إذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرّم يوم الاثنين و هذا دليل واضح تنضاف إليه الرواية.

و في كتاب كشف اليقين عن الصادق عليه السّلام قال:مضى الحسين عليه السّلام و هو ابن سبع و خمسين سنة في عام الستّين من الهجرة و كان مقامه مع جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سبع سنين إلاّ ما كان بينه و بين أخيه و هو سبعة أشهر و عشرة أيّام و أقام مع أبيه عليه السّلام ثلاثين سنة و أقام مع أبي محمّد عشر سنين و بعده عشر سنين فكان عمره سبعا و خمسين سنة و قبض يوم عاشوراء يوم الجمعة و يقال يوم الاثنين (3).

أقول:قال في بحار الأنوار:الأشهر في ولادته عليه السّلام إنّه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح و قيل:ولد لخمس ليال خلون من شعبان و رواه الشيخ أيضا.

و قال في التهذيب:ولد آخر شهر ربيع الأوّل و قيل فيه غير هذا (4).

و عن الصادق عليه السّلام قال:خضب الحسين عليه السّلام بالحناء و الكتم و قتل و هو مختضب بالوسمة.

و في محاسن البرقي:أنّه قال عمرو بن العاص للحسين عليه السّلام:ما بال أولادنا أكثر من1.

ص: 163


1- -بحار الأنوار:199/44،و العوالم:327.
2- -بحار الأنوار:195/95.
3- -كشف الغمة:402/2،و دلائل الإمامة:177.
4- -بحار الأنوار:200/44 ح 18،و إعلام الورى:420/1.

أولادكم؟

فقال عليه السّلام شعر:

بغات الطير أكثرها فراخا *** و امّ الصقر مقلاة نزور

فقال:ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربكم؟

فقال عليه السّلام:إنّ نساءكم نساء بخره فإذا دنى أحدكم من امرأته نهكته في وجهه فشاب منه شاربه.

فقال:ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا؟

فقال عليه السّلام: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً ،فقال معاوية:بحقّي عليك إلاّ عليك إلاّ تسكت فإنّه ابن عليّ بن أبي طالب،فقال عليه السّلام شعر:

إن عادت العقرب عدنا لها *** و كانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب و استيقنت *** ليس لها دنيا و لا آخرة (1)

أقول:بغات الطير شرارها و المقلاة من القلى بمعنى البغض أي لا تحبّ الأولاد أو لا تحبّ الزوج لكثرة الأولاد و النزور المرأة القليلة الأولاد.و قوله:نهكته قيل لعلّها كانت بتقديم (الكاف)أي شمّته.

و في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ مع الحسن وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ (2)إلى خروج القائم عليه السّلام فإنّ معه النصر و الظفر،قال اللّه: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى (3)(4).1.

ص: 164


1- -بحار الأنوار:209/44،و العوالم:85.
2- -سورة النساء:77.
3- -سورة النساء:77.
4- -تفسير العياشي:235/2 ح 48،و العوالم:96 ح 1.

سورة الفجر للحسين عليه السلام

و في كنز الفوائد مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:اقرؤا سورة الفجر في نوافلكم و فرايضكم فإنّها سورة الحسين بن عليّ لقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إنّما يعني الحسين بن علي فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضية و أصحابه من آل محمّد هم الراضون عن اللّه يوم القيامة و هو عنهم راض،و هذه السورة في الحسين بن عليّ و شيعته،من أدمن قراءة و الفجر كان مع الحسين بن عليّ في درجته في الجنّة إنّ اللّه عزيز حكيم (1).

و في الكافي عن مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قال:حسب فرأى ما يحلّ بالحسين عليه السّلام فقال:إنّي سقيم لما يحلّ به (2).

و في الأمالي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام:إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين عليه السّلام من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره (3).

ص: 165


1- -بحار الأنوار:93/24،و شجرة طوبى:366/2.
2- -الكافي:465/1 ح 5،و بحار الأنوار:220/44 ح 12.
3- -الأمالي:317،و بحار الأنوار:221/44،و إعلام الورى:431/1.

تأويل كهيعص

في الاحتجاج عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت القائم عليه السّلام عن تأويل كهيعص فقال:

هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فعلّمه إيّاها،فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن تجلى عنه همّه،و إذا ذكر الحسين خنقته العبرة فقال يوما:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة تسلّيت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني؟فأنبأه اللّه تعالى عن قصّته.

فقال:(كهيعص)ف(الكاف)اسم كربلاء و(الهاء)هلاك العترة و(الياء)يزيد و هو ظالم الحسين،و(العين)عطشه و(الصاد)صبره.

فلمّا سمع زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيهنّ الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب و كان يرثيه:إلهي أتفجّع خيرة جميع خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه،إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة بساحتهما،ثمّ كان يقول:

إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده فرزقه اللّه يحيى و فجعه به،و كان حمل يحيى ستّة أشهر و حمل الحسين عليه السّلام كذلك،الحديث (1).

و في الأمالي عن كعب الأخبار قال في كتابنا يعني التوراة:إنّ رجلا من ولد محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقتل و لا يحف عرق دواب أصحابه حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين فمرّ بنا الحسين عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:لا،فمرّ بنا الحسن عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:نعم.

ص: 166


1- -الإحتجاج:273/2،و دلائل الإمامة:514.

و فيه أيضا عن أشياخ بني سليم قالوا:غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا شعرا:

أيرجو معشر قتلوا حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فسألنا منذكم هذا في كنيستكم؟

قالوا:قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمائة عام.

و عن الأعمش قال:بينا أنا في الطواف إذا رجل يقول:اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر فسألته عن السبب فقال:كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين عليه السّلام إلى يزيد على طريق الشام فنزلنا أوّل مرحلة رحلنا من كربلاء على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام و نحن نأكل إذا كفّ على حائط الدير مكتوب عليه بقلم حديد سطرا بدم:

أترجو امّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذه فغاب (1).

و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في بيت امّ سلمة(رض)فقال لها:لا يدخل عليّ أحد فجاء الحسين عليه السّلام و هو طفل فما ملكت منه شيئا حتّى دخل على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فدخلت امّ سلمة(رض)على اثره فإذا الحسين على صدره و إذا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يبكي و إذا في يده شيء يقلّبه،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا امّ سلمة إنّ هذا جبرئيل يخبرني أنّ هذا مقتول و هذه التربة التي يقتل عليها فضعيها عندك،فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي فقالت امّ سلمة:يا رسول اللّه سل اللّه أن يدفع ذلك عنه.

قال:قد فعلت،فأوحى إليّ أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين و أنّ له شيعة يشفعون فيشفعون و أنّ المهدي من ولده،فطوبى لمن كان من أولياء الحسين عليه السّلام و شيعته هم و اللّه الفائزون يوم القيامة (2).

و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام قال:لمّا أمر اللّه عزّ و جلّ إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و إنّه لم5.

ص: 167


1- -الأمالي:193،و الخرائج و الجرائح:578/2.
2- -أمالي الصدوق:203 ح 3،و بحار الأنوار:225/44 ح 5.

يؤمر بذبح الكبش مكانه ليوجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب،فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه:يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟

فقال:يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد،فأوحى اللّه إليه أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟

قال:بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال:فولده أحبّ إليك أم ولدك؟

قال:بل ولده،قال:فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

قال:يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي،قال:يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من امّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش و يستوجبون بذلك سخطي،فجزع إبراهيم لذلك و توجّه قلبه و أقبل يبكي،فأوحى اللّه عزّ و جلّ:يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (1)(2).

أقول:هذا الحديث يدفع الإشكال الوارد على ظاهر الآية و هو أنّ الفداء يكون أقلّ رتبة و أحطّ درجة من المفدى و لا ريب في أفضلية الحسين عليه السّلام على أولي العزم فضلا عن غيرهم، و احتاجوا إلى الجواب بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته من ذرّية إسماعيل فلو ذبح عليه السّلام لم توجد هذه السلسلة العلية و الكلّ أشرف من الجزء فيكون الحسين عليه السّلام قد وقع فداء للجميع،و أمّا على هذا الحديث فالمعنى أنّ الفداء في الآية بمعنى العوض أي عوّضناه عن مصابه بابنه ما هو أعظم من ذلك المصاب و هو مصابه ممّن هو أعزّ عليه من ولده،فليس في الآية إلاّ حذف المضاف أو أنّ(الباء)للسببيّة.

و روى الصدوق طاب ثراه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ إسماعيل الذي قال اللّه في9.

ص: 168


1- -سورة الصافات:107.
2- -عيون أخبار الرضا:187/2،و الخصال:59.

كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (1)لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيّا من الأنبياء بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى قومه،فأخذوه و سلخوا فروة وجهه و رأسه فأتاه ملك فقال:إنّ اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت،فقال لي:اسوة بما يصنع بالحسين عليه السّلام (2).

أقول:جاء في الحديث إنّ هذا النبيّ عليه السّلام يظهره اللّه تعالى زمن خروج صاحب الأمر عليه السّلام ليقتصّ من قاتليه.

و في كتاب الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:بينا الحسين عليه السّلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا أتاه جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمّد أتحبّه؟

قال:نعم،قال:أما إنّ امّتك ستقتله،فحزن لذلك حزنا شديدا فقال جبرئيل عليه السّلام:

أيسرّك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟

قال:نعم،قال:فخسف جبرئيل عليه السّلام ما بين مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى كربلاء حتّى التقت القطعتان هكذا،و جمع بين السبابتين فتناول بجناحه من التربة فناولها الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثمّ دحيت الأرض أسرع من طرف العين،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:طوبى لك من تربة و طوبى لمن يقتل فيك (3).

و عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لمّا أراد اللّه سبحانه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج،فلمّا شقّها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل عليه السّلام و أراه هيئة السفينة و معه تابوت بها مائة ألف مسمار و تسع و عشرون ألف مسمار فسمّر السفينة بالمسامير كلّها إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأضاء كالكوكب الدرّي فتحيّر نوح فأنطق اللّه المسمار فقال:أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد اللّه فقال له جبرئيل:اسمره على جانب السفينة الأيمن ثمّ ضرب يده على مسمار ثان فأضاء و أنار فقال نوح:ما هذا المسمار؟4.

ص: 169


1- -سورة مريم:54.
2- -بحار الأنوار:388/13،و العوالم:108.
3- -أمالي الطوسي:314،و بحار الأنوار:228/44.

فقال:هذا مسمار أخيه عليّ بن أبي طالب،فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أوّلها ثمّ ضرب يده إلى مسمار ثالث فأشرق،فقال:هذا مسمار فاطمة فأسمره على جانب مسمار أبيها ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار،فقال:هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ثمّ ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر و أنار و أظهر النداوة،فقال جبرئيل:

هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه؟

فقال نوح:يا جبرئيل ما هذه النداوة؟

فقال:هذا الدم فذكر قصّة الحسين عليه السّلام و ما تعمل الامّة فلعن قاتله و ظالمه و خاذله (1).

و روى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا حملت فاطمة بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:إن فاطمة ستلد ولدا تقتله أمتك من بعدك،فلمّا حملت فاطمة عليها السّلام بالحسين كرهت حمله و حين وضعته كرهت وضعه،ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:هل رأيتم[في الدنيا]امّا تلد غلاما فتكرهه ولكنّها كرهته لأنّها علمت أنّه سيقتل قال:و فيه نزلت هذه الآية: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (2)(3).

و في الأمالي بإسناده إلى عليّ عليه السّلام قال:زارنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ذات يوم فقدّمنا إليه طعاما فأكل منه،فلمّا غسل يديه مسح وجهه و لحيته ببلّة يديه ثمّ قام إلى مسجد في جانب البيت فخرّ ساجدا فبكى فأطال البكاء،ثمّ رفع رأسه فما اجتريء منّا أهل البيت أحد يسأله عن شيء،فقام الحسين يدرج حتّى صعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و قال:يا أبه ما يبكيك؟

فقال:يا بنيّ إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم قبله مثله،فهبط إليّ جبرئيل فأخبرني إنّكم قتلى و أنّ مصارعكم شتّى فقال:يا أبه ما لمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتّتها؟6.

ص: 170


1- -بحار الأنوار:328/11،و العوالم:105.
2- -سورة الأحقاف:15.
3- -كمال الزيارات:122 ح 4،و بحار الأنوار:231/44 ح 16.

قال:طوائف من امّتي يريدون بذلك برّي و صلتي أتعاهدهم في الموقف و يأخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده (1).

و عن عبد الرحمن الغنوي عن سلمان قال:و هل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزّيه في ولده الحسين و يحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا فقال رسول اللّه:اللّهمّ اخذل من خذله و اقتل من قتله و لا تمتّعه بما طلب.

قال عبد الرحمن:فو اللّه لقد عوجل الملعون يزيد و لم يتمتّع بعد قتله و لقد بات سكرانا و أصبح ميّتا متغيّرا كأنّه مطلي بقار،و ما بقي أحد ممّن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص و صار ذلك وراثة في نسلهم (2).

و عن ابن عبّاس قال:إنّ جبرئيل عليه السّلام جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يخبره بقتل الحسين و هو منشور الأجنحة باكيا صارخا قد حمل من تربته و هو يفوح كالمسك.

و في كتاب بشائر المصطفى عن امّ سلمة أنّها قالت:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلا ثمّ جاءنا و هو أشعث أغبر،ثمّ جاءنا و يده مضمومة فقلت:يا رسول اللّه ما لي أراك شعثا مغبرا؟

فقال:اسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء فأريت فيه مصرع الحسين ابني و جماعة من ولدي و أهل بيتي،فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي و بسطها إليّ فقال:خذيه فاحفظي به فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر،فوضعته في قارورة و شددت رأسها و احتفظت به،فلمّا خرج الحسين عليه السّلام من مكة متوجّها إلى العراق كنت أخرج تلك القارورة في كلّ يوم و ليلة و أشمّها و أنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه،فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم أخرجتها في أوّل النهار و هي بحالها ثمّ عدت عليها آخر النهار فإذا هو دم عبيط فصحت في بيتي و بكيت و كظمت غيظي مخافة أن تسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرّعوا بالشماتة،فلم أزل حافظة الوقت حتّى جاء الناعي ينعاه فحقّق ما رأيت (3).1.

ص: 171


1- -بحار الأنوار:235/44 ح 21،و كامل الزيارات:126.
2- -كامل الزيارات:132 ح 8،و بحار الأنوار:237/44.
3- -الإرشاد:130/2،و بحار الأنوار:239/44 ح 31.

و في بحار الأنوار:روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يوما مع جماعة من أصحابه مارّا في بعض الطرق و إذا هم بصبيان يلعبون فجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عند صبيّ منهم و جعل يقبّل ما بين عينيه و يلاطفه،ثمّ أقعده في حجره فسأل عن ذلك فقال:إنّي رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين و رأيته يرفع التراب من تحت قدميه و يمسح وجهه و عينيه فأنا أحبّه لحبّه ولدي، و أخبرني جبرئيل أنّه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء.

و روي أنّ آدم عليه السّلام لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّاء فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلاء فاغتمّ و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتّى سال الدم من رجله،فقال:إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به،فأوحى إليه:يا آدم يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه و هو سبط النبيّ و قاتله يزيد فقال:

أيّ شيء أصنع؟

قال:العنه أربع مرّات،فلعنه و مشى إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك.

و أنّ نوحا لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدّنيا،فلمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض و خاف نوح الغرق فقال:إلهي أصابني فزع في هذه الأرض فقال جبرئيل عليه السّلام:يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء قاتله لعين أهل السماوات فلعنه نوح أربع مرّات،و سارت السفينة حتّى استقرّت على الجودي.

و أنّ إبراهيم عليه السّلام مرّ بأرض كربلاء و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شجّ رأسه و سال دمه فأخذ في الاستغفار،فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فقال:يا إبراهيم ما حدث منك ذنب،ولكن هنا يقتل سبط الأنبياء فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين أهل السماوات و الأرضين و القلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه، فأوحى اللّه تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن فلعن إبراهيم عليه السّلام يزيد لعنا كثيرا و قال فرسه:آمين.فقال إبراهيم لفرسه:أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟

فقال:يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ،فلمّا عثرت و سقطت عن ظهري خجلت، و كان سبب ذلك يزيد لعنه اللّه (1).9.

ص: 172


1- -بحار الأنوار:244/44 ح 39.

و إنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما،فسأل ربّه عن ذلك،فقال جبرئيل عليه السّلام:سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك،فقال لها:لم لا تشربين من هذا الماء؟

فقالت بلسان فصيح:قد بلغنا أنّ ولدك الحسين يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه فسألها عن قاتله فقالت:يقتله لعين أهل السماوات و الأرض فلعنه إسماعيل.

و أنّ موسى عليه السّلام كان ذات يوم سائرا و معه يوشع بن نون،فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله و انقطع شراكه و دخل الحسك في رجله و سال دمه فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فأوحى اللّه إليه أنّ هنا يقتل الحسين فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين السمك في البحار و الوحوش في القفار و الطير في الهواء،فلعن موسى يزيد و أمّن يوشع على دعائه (1).

و أنّ سليمان عليه السّلام كان يجلس على بساطه و يسير في الهوى فمرّ بأرض كربلاء فأدارت الريح بساطه ثلاثة دورات حتّى خافوا السقوط،فسكنت الريح و نزل البساط،فقال سليمان للريح:لم سكنتي؟

فقالت:إنّ هنا يقتل الحسين عليه السّلام و هو سبط محمّد المختار و قاتله يزيد،فلعنه سليمان و أمّن على دعائه الإنس و الجنّ فهبّت الريح و سار البساط (2).

و أنّ عيسى عليه السّلام كان سائحا في البراري و معه الحواريّون فمرّوا بكربلاء فرأوا أسدا قد أخذ الطريق،فقال عيسى للأسد:لم جلست في هذا الطريق لا تدعنا نمرّ فيه؟

فقال بلسان فصيح:إنّي لم أدعكم تمرّوا حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحسين سبط محمّد و قاتله لعين الوحوش و الذئاب و السباع خصوصا أيّام عاشوراء،فلعنه و أمّن الحواريّون فتنحّى الأسد عن الطريق (3).3.

ص: 173


1- -بحار الأنوار:244/44 ح 38.
2- -بحار الأنوار:244/44 ح 42.
3- -بحار الأنوار:244/44 ح 43.

تفسير (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ)

و روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (1)إنّه رأى على ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فلقّنه جبرئيل:قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان،فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال:يا جبرئيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي قال:

هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول:و اعطشاه وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكى آدم بكاء الثكلى (2).

و روي عن بعض الثقاة:أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام دخلا يوم العيد إلى جدّهما صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالا:يا جدّاه اليوم يوم العيد و قد تزيّن أولاد العرب بألوان اللباس و ليس لنا ثوب جديد فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لم يكن عنده ثياب لهما فقال:إلهي اجبر قلبهما و قلب امّهما فأتى جبرئيل عليه السّلام معه حلّتان بيضاوان من حلل الجنّة ففرح النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا سيّديّ شباب أهل الجنّة خذا أثوابا خاطها خيّاط القدرة،فلمّا رأيا الخلع بيضاء قالا:يا جدّاه جميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب،فأطرق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم متفكّرا فقال جبرائيل:إنّ اللّه يفرح قلوبهما بأيّ لون شاء فأمر يا محمّد بإحضار الطشت و الإبريق و قال:يا رسول اللّه أنا أصبّ الماء و أنت تفركهما بيدك فوضع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حلّة الحسن في الطشت،و قال للحسن:بأيّ لون تريد حلّتك؟

فقال:أريدها خضراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاخضرّت كالزبرجد الأخضر فلبسها ثمّ

ص: 174


1- -سورة البقرة:37.
2- -بحار الأنوار:245/44 ح 44.

وضع حلّة الحسين عليه السّلام في الطشت و كان له من العمر[خمس سنين] (1)فقال له:أيّ لون تريد حلتك؟

فقال الحسين عليه السّلام:يا جدّاه أريدها حمراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين عليه السّلام ففرح النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بذلك و توجّها إلى أمّهما فرحين،فبكى جبرئيل عليه السّلام لمّا شاهد تلك الحال،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أخي في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي فباللّه عليك إلاّ ما أخبرتني،فقال:اعلم يا رسول اللّه أنّ اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ و يخضرّ لون جسده من عظم السمّ و لا بدّ للحسين أن يقتلوه و يذبحوه و يخضب بدنه من دمه،فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و زاد حزنه لذلك (2).

و روي أنّه لمّا أتى الحسين عليه السّلام سنتان خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى سفر فوقف في الطريق و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال:هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين و كأنّي أنظر إليه و إلى مصرعه و مدفنه بها و كأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا و قد أهدى رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه،فرجع من سفره مغموما مهموما فصعد المنبر و أصعد معه الحسن و الحسين،فلمّا فرغ من خطبه وضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين و قال:اللّهمّ هذان أطايب عترتي و قد أخبرني جبرئيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسمّ و الآخر شهيد مضرّج بالدّم،اللّهم فبارك له في قتله و اجعله من سادات الشهداء فضجّ الناس بالبكاء و العويل فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها الناس تبكونه و لا تنصرونه اللّهم فكن أنت له وليّا و ناصرا ألا انّه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامّة؛الاولى:راية سوداء مظلمة و فرغت منها الملائكة فتقف عليّ فأقول لهم من أنتم؟

فينسون ذكري و يقولون:نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم:أنا أحمد نبيّ العرب و العجم،فيقولون:نحن من امّتك فأقول:كيف خلّفتموني من بعدي في أهل بيتي و كتاب1.

ص: 175


1- -زيادة عن مدينة المعاجز(521/3)و مصورة المخطوط لا تقرأ.
2- -بحار الأنوار:244/44 ح 41.

ربّي؟

فيقولون:أمّا الكتاب فضيّعناه و أمّا عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض، فأعرض عنهم فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية اخرى أشدّ سوادا من الأولى فأقول لهم:كيف خلفتموني في كتاب اللّه و عترتي؟فيقولون:أمّا الأكبر فخالفناه و الآخر فمزقّنا كلّ ممزّق،فأقول:إليكم عنّي فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم:من أنتم؟فيقولون:نحن أهل التوحيد و نحن بقيّة أهل الحقّ حملنا كتاب ربّنا و حلّلنا حلاله و حرّمنا حرامه و أجبنا ذرّية نبيّنا و نصرناهم و قاتلنا معهم،فأقول لهم:ابشروا فأنا نبيّكم محمّد ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين (1).

و في الأمالي عن ابن عبّاس قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزل بنينوى و هو شط الفرات قال:يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟قلت له:ما أعرفه يا أمير المؤمنين،فقال له:لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي،فبكى طويلا حتّى سالت الدموع على صدره و بكينا معا و يقول:أواه أواه مالي و آل أبو سفيان حزب الشيطان،صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم فتوضّأ و صلّى ثمّ رقد،فلمّا انتبه قال:يابن عبّاس رأيت في منامي كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلّدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطوا حول هذه الأرض.

ثمّ رأيت كأنّ هذا النخل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض تضطرب بدم عبيط و كأنّي بالحسين فرخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول،فإنّكم ستقتلون على يدي شرار الناس و هذه الجنّة مشتاقة إليكم ثمّ يعزّونني و يقولون:يا أبا الحسن ابشر فقد أقرّ اللّه عينك يوم يقوم الناس لربّ العالمين ثمّ انتبهت و الذي نفس عليّ بيده لقد حدّثني أبو القاسم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و انّها في السماوات معروفة تذكر أرض كرب و بلاء،يابن عبّاس اطلب في حولها بعر8.

ص: 176


1- -بحار الأنوار:249/44،و العوالم:118.

الظباء و هي مصفرّة لونها لون الزعفران فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته قد أصبتها فقام إليها فشمّها و قال:هي هي بعينها هذه الأبعار قد شمّها عيسى،و ذلك إنّه مرّ بها و معه الحواريّون فرأى هاهنا الظبا مجتمعة و هي تبكي فجلس و بكى مع الحواريّين فقالوا؛يا روح اللّه ما يبكيك؟

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول و فرخ الحرّة الطاهرة شبيهة أمّي و هذه الظبا تكلّمني و تقول:إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ثمّ ضرب بيده إلى هذه البعر فشمّها و قال:هذه بعر الظبا على هذا الطيب لمكان حشيشها،اللّهمّ فابقها حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء و سلوة،قال:فبقيت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرّت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء،ثمّ قال:يا ربّ عيسى لا تبارك في قتله ثمّ بكى بكاء طويلا حتّى سقط لوجهه و غشى عليه،ثمّ أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثمّ قال:يابن عبّاس رأيتها ينفجر دما عبيطا و يسيل منها دم عبيط، فاعلم أنّ أبا عبد اللّه قد قتل بها و دفن.

قال ابن عبّاس:فكنت احافظ عليها و لا أحلّها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا فجلست و أنا باك و قلت:قد قتل و اللّه الحسين فخرجت عند الفجر فرأيت المدينة كأنّها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثمّ طلعت الشمس كأنّها منكسفة و كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط،فبكيت و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:

اصبروا آل الرسول *** قتل الفرخ الفحول

نزل الروح الأمين *** ببكاء و عويل

فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهر المحرّم يوم عاشوراء فوجدته قبل ذلك اليوم، فحدّثت بهذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا:و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو فكنّا نرى أنّه الخضر عليه السّلام (1).

و في بشائر المصطفى:روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يخطب فقال:سلوني قبل أن4.

ص: 177


1- -أمالي الصدوق:695،و بحار الأنوار:253/44.

تفقدوني،فو اللّه لا تسألوني عن شيء مضى و لا عن شيء يكون إلاّ نبأتكم به فقام إليه سعد بن أبي وقّاص فقال:اخبرني كم في رأسي و لحيتي من شعرة فقال:أما و اللّه لقد سألتني عن مسألة حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّك تسألني عنها و ما في رأسك و لحيتك من شعرة إلاّ و في أصلها شيطان جالس يلعنك،و إنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول اللّه و آية ذلك مصداق ما خبّرتك به،و لولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما أخبرتك به من لعنتك و سخلك الملعون،و كان ابنه عمر بن سعد في ذلك الوقت صبيّا يحبو،فلمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان تولّى قتله (1).6.

ص: 178


1- -أمالي الصدوق:196 ح 1،و بحار الأنوار:147/42 ح 6.

ثواب زيارة الحسين عليه السلام

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال؛مرّ عليّ عليه السّلام بكربلاء في اثنين من أصحابه فترقرقت عيناه بالبكاء ثمّ قال:هذا و اللّه مناخ ركابهم و هذا ملقى رحالهم و هاهنا تهراق دماءهم طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبّة (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبيّ عليه السّلام يلاعبه و يضاحكه فقالت عايشة:ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي،فقال لها:ويلك هو ثمرة فؤادي أمّا أنّ امّتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجّة من حججي قالت:يا رسول اللّه حجّة من حججك؟

قال:و حجّتين من حججي،قالت:حجّتين من حججك؟

قال:نعم و أربعة،فلم تزل تزايده و يزيد و يضعف حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول اللّه باعمارها (2).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا دخل الحسين عليه السّلام يقبّله و يبكي فيقول:يا أبه لم تبكي؟فيقول:يا بنيّ أقبّل موضع السيوف منك و أبكي قال:يا أبه و اقتل؟

قال:اي و اللّه و أبوك و أخوك و أنت،قال:يا أبه فقبورنا شتّى؟

قال:نعم يا بني،قال:فمن يزورنا من امّتك؟

قال:لا يزورنا إلاّ الصدّيقون من أمّتي (3).

و في كتاب البشائر عن عبد اللّه العامري قال:كنت مع أصحاب عليّ عليه السّلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون:هذا قاتل الحسين و ذلك قبل أن يقتل بزمان طويل.

ص: 179


1- -بحار الأنوار:295/41،و العوالم:125 ح 12.
2- -كامل الزيارات:144 ح 1،و بحار الأنوار:260/44 ح 12.
3- -بحار الأنوار:119/97.

و قال عمر بن سعد يوما للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه ان قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك،قال الحسين عليه السّلام:إنّهم ليسوا سفهاء ولكنّهم حلماء،أما انّه يقرّ عيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا (1).

و في المناقب عن ابن عبّاس قال:سألت هند عائشة أن تسأل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن تعبير رؤيا،فقال:قولي لها تقصص رؤياها،قالت:رأيت كأنّ الشمس طلعت من فوقي و القمر قد خرج من مخرجي و كأنّ كوكبا قد خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصفر من الشمس فابتلعتها فاسودّ الأفق لابتلاعها،ثمّ رأيت كواكب بدت من السماء و كواكبا مسودّة في الأرض إلاّ أنّ المسودّة أحاطت بافق الأرض من كلّ مكان فاكتحلت عين رسول اللّه بدموعه ثمّ قال:اخرجي يا عدوّة اللّه مرّتين فقد جدّدت عليّ أحزاني و نعيت إلي أحبابي، فلمّا خرجت قال:اللّهم العنها و العن نسلها.

فسأل عن تفسيرها،فقال عليه السّلام:أمّا الشمس التي طلعت عليها فعليّ بن أبي طالب و الكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق،و تلك الظلمة التي زعمت و رأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصفر من الشمس فابتلعتها فاسودّت،فذلك ابني الحسين يقتله ابن معاوية فتسودّ الشمس و يظلم الافق،و أمّا الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كلّ مكان فتلك بنو أميّة (2).1.

ص: 180


1- -المناقب:265/2،و بحار الأنوار:263/44 ح 20.
2- -المناقب:227/3،و بحار الأنوار:263/44 ح 21.

الفصل الثاني: في عظم المصيبة و ثواب البكاء عليها

و في ثواب اللّعن على قاتله و فيما صار إليه أمره بعد بيعة الناس ليزيد إلى

شهادته صلوات اللّه عليه.

في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه و يوم فاطمة و يوم قتل أمير المؤمنين و الحسن عليهم السّلام؟

قال:إنّ يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من سائر الأيّام،و ذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه عزّ و جلّ كانوا خمسة،فلمّا مضى منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقوا أربعة و كان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلمّا مضى أمير المؤمنين عليه السّلام كان للناس في الحسن و الحسين عزاء و سلوة،فلمّا مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام لم يكن بقي من أصحاب الكساء من فيه عزاء و سلوة فكان كذهاب جميعهم كما كان بقاءه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

قلت:فلم يكن للناس في عليّ بن الحسين ما كان لهم في أولا؟

قال:بلى إنّ عليّ بن الحسين كان إماما و حجّة على الخلق بعد آبائه ولكنّه لم يلق رسول اللّه و لم يسمع منه،و كان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في أحوال تتوالى فكانوا متى نظروا إلى واحد منهم تذكّروا حاله مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قول رسول اللّه فيه،فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد

ص: 181

جميعهم إلاّ في فقد الحسين عليه السّلام لأنّه مضى في آخرهم،و لذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

فقلت:يابن رسول اللّه كيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكى عليه السّلام و قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الأموال،فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم و أنّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلى الفرح و السرور و التبرّك،حكم اللّه بيننا و بينهم،ثمّ قال:و إنّ ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام و أهله ممّا وضعه قوم انتحلوا مودّتنا و زعموا أنّهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا من أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و كذّبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام في اخبارهم بقتله و من كذّبهم فهو كافر باللّه العليّ العظيم و دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه (1).

و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام:أنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و أنّه ألقى شبهه على حنظلة بن سعد الشامي و أنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم و يحتجّون بهذه الآية: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فقال:كذبوا و كفروا عليهم لعنة اللّه.لقد قتل الحسين و قتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين عليه السّلام و ما منا إلا مقتول و إني و الله لمقتول و أما قول الله عزّ و جل وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فإنّه يقول:و لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجّة،و لقد أخبر اللّه عزّ و جلّ عن كفّار قتلوا الأنبياء بغير حقّ و مع قتلهم إيّاهم لم يجعل لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجّة (2).4.

ص: 182


1- -علل الشرائع:227/1،و بحار الأنوار:270/44.
2- -عيون الأخبار:220/1،و بحار الأنوار:271/44.

عليه تسلّط الأعداء على الأولياء

و في كتاب العلل و غيره عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدّس اللّه روحه:إنّ رجلا سأله كيف سلّط اللّه عدوّه و هو قاتل الحسين عليه السّلام على وليّه أعني الحسين عليه السّلام؟

فقال الشيخ:إنّ اللّه لا يخاطب الناس بمشاهدة العيون و لا يشافههم بالكلام،ولكنّه بعث إليهم رسلا من أجناسهم فطلبوا منهم المعجزات التي لا يقدر الناس عليها،فاختصّ اللّه سبحانه كلّ نبيّ بالمعجزة المناسبة لزمانه.فلمّا أتوا بتلك المعجزات كان من تقدير اللّه تعالى أن جعل أنبيائه في حال غالبين و في حال مغلوبين و في حال قاهرين و في حال مقهورين و لو جعلهم في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم،و لم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون اللّه و لما عرفت فضل صبرهم على البلاء و المحن ولكنّه عزّ و جلّ جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين،و في حال العافية أو الظهور على الأعداء شاكرين و ليكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير متكبّرين،و ليعلم العباد أنّ لهم عليهم السّلام إلها هو خالقهم و مدبّرهم فيعبدونه و يطيعوا رسله و تكون حجّة اللّه تعالى ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم و ادّعى لهم الربوبيّة أو عاند بما أتت به الأنبياء و الرّسل و ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حيّ عن بيّنة (1).

و ذكر الحسين بن روح أنّه سمع هذا من الحجّة عليه السّلام لأنّه كان من الوكلاء و الأبواب.

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلي من غير ذنب و أنّ الأنبياء معصومون لا يذنبون و أنّ أيّوب عليه السّلام مع ما أبتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة و لا قيح و لا دم و لا استوحش منه أحد شاهده و لا تدود شيء من جسده، و كذا يصنع اللّه بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنّما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما عند ربّه من التأييد و الفرج.

ص: 183


1- -كتاب علل الشرائع:242/1،و بحار الأنوار:274/44.

و قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أعظم الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل،و إنّما ابتلاه اللّه بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلاّ يدّعو له الربوبيّة إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى ليستدلّوا بذلك على أنّ الثواب من اللّه تعالى على ضربين:استحقاق و اختصاص،و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه و لا فقيرا لفقره و لا مريضا لمرضه و ليعلموا أنّه يسقم من يشاء و يشفي من يشاء متى شاء و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و هو عزّ و جلّ عدل في جميع قضائه لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم (1).

و في كتاب معاني الأخبار عن ابن رئاب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (2)ما أصاب عليّا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصومون؟

فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يتوب إلى اللّه عزّ و جلّ و يستغفره في كلّ يوم و ليلة مائة مرّة من غير ذنب.

أقول:معناه أنّ الاستغفار كما يكون عن ذنب أيضا بل يكون لرفع الدرجات و كذلك المصائب (3).5.

ص: 184


1- -بحار الأنوار:348/12،و التفسير الصافي:303/4.
2- -سورة الشورى:30.
3- -معاني الأخبار:384 ح 15.

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام

و في الأمالي مسندا إلى الرضا عليه السّلام قال:من تذكّر مصابنا،فبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة،و من ذكر بمصابنا،فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم القيامة،و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

و روى العيّاشي طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام قال:من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة،غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (1).

و عنه عليه السّلام قال:نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همّه لنا عبادة و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه،ثمّ قال عليه السّلام:يجب أن يكتب هذا الحديث.

و قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (2).

و في الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّه قال:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاّ بوأه اللّه بها في الجنّة دهرا طويلا (3).

قال أحمد الأودي:فرأيت الحسين عليه السّلام في المنام فقلت:حدّثوني عنك هذا الحديث،قال:نعم،قلت:سقط الإسناد بيني و بينك (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نظر أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين عليه السّلام فقال:يا عبرة كلّ مؤمن،قال:أنا يا أبتاه؟

قال:نعم يا بني.

و عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين بن عليّ عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم

ص: 185


1- -أمالي الصدوق:131 ح 4،و بحار الأنوار:278/44 ح 1.
2- -العوالم:528 ح 7،و بحار الأنوار:278/44 ح 3.
3- -بحار الأنوار:279/44 ح 5،و العوالم:536.
4- -تهذيب المقال:450/4.

فرأى مبتسما في ذلك اليوم إلى الليل (1).

و عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ الحسين عليه السّلام عند ربّه عزّ و جلّ ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه و ينظر إلى زوّاره و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عزّ و جلّ من أحدكم بولده و أنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباؤه عليهم السّلام أن يستغفروا له و يقول:لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه،و أنّ زائره لينقلب و ما عليه من ذنب (2).3.

ص: 186


1- -كامل الزيارات:214 ح 1،و بحار الأنوار:280/44 ح 10.
2- -أمالي الطوسي:55 ح 43،و بحار الأنوار:281/44 ح 13.

أبواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام

و في الأمالي عن أبي عمارة المنشد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لي:يا أبا عمارة انشدني في الحسين بن علي عليه السّلام،فأنشدته،فبكى فما زلت أنشده و يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى خمسين فله الجنّة إلى أن قال:و من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنّة،و من أنشد فبكى أو تباكى فله الجنّة (1).

و عن زيد الشحّام قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة فدخل جعفر بن عفّان فأدناه إليه ثمّ قال:يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين و تجيد؟

فقال:نعم جعلني اللّه فداك.

قال:قل،فأنشدته،فبكى و من حوله ثمّ قال:و اللّه شهدت ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين و لقد بكوا كما بكينا و أكثر،و لقد أوجب اللّه لك الجنّة (2).

و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حرمة في أمرنا،إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا،يا أرض كربلاء أورثتينا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام،ثمّ كان أبي عليه السّلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكا و كان الحزن يغلب عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول:هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (3).

ص: 187


1- -أمالي الصدوق:205،و بحار الأنوار:282/44 ح 15.
2- -بحار الأنوار:283/44.
3- -أمالي الصدوق:190،و بحار الأنوار:283/44 ح 17.

و فيه أيضا عن الرّيان بن شبيب قال:دخلت على الرضا عليه السّلام في أوّل يوم من المحرّم فقال لي:أصائم أنت؟فقلت:لا،فقال إنّ هذا هو اليوم الذي دعى فيه زكريا فقال:ربّ هب لي من لدنك ذريّة طيّبة فاستجاب اللّه له و نادته الملائكة أنّ اللّه يبشّرك بيحيى فمن صام هذا اليوم ثمّ دعى استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا،يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين[بن علي بن أبي طالب] (1)فإنّه ذبح كما يذبح الكبش و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله و لقد نزل إلى الأرض الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره و شعارهم يالثارات الحسين،يابن شبيب،لمّا قتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمر،يابن شبيب إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا و إن أسرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام و إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم فالعن قتلة الحسين،و إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته:يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما،و إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا و عليك بولايتنا فلو أنّ رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (2).

و عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:انشدني فأنشدته فقال:لا كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره فأنشدته،فلمّا بكى أمسكت فقال:مر فمررت، فبكى و بكت السماء،فلمّا سكتن قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة إلى أن بلغ الواحد فله الجنّة (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة فينا،يعني ليس له ثواب مقرّر بل ثوابه لا يحصى.4.

ص: 188


1- -زيادة في المصدر.
2- -أمالي الصدوق:192،و بحار الأنوار:286/44.
3- -بحار الأنوار:287/44.

و عن ابن عبّاس قال:قال عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّك لتحبّ عقيلا؟

قال:إي،و اللّه إنّي لأحبّه حبّين حبّا له و حبّا لحبّ أبي طالب له و أنّ ولده المقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون (1).

و عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:انشدني في الحسين فأنشدته فقال:انشدني كما تنشدون-يعني بالرّقة-فأنشدته،فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر (2).

أقول:الرّقة بالكسر و يراد به الخون و هو عبارة عن الإنشاد بالصوت كما هو المتعارف في هذه الأعصار و ما قبلها،و من ثمّ استثنى فقهاءنا رضوان اللّه عليهم من الغنا مراثي الحسين عليه السّلام.

و عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟قلت:لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتّبع هوى هذا الخليفة و أعداءنا كثيرة قال لي:أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلى.

قال:فتجزع؟

قلت:إي و اللّه حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ.

قال:أمّا أنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك،فملك الموت أرقّ عليك من الأمّ الشفيقة على ولدها ثمّ قال:يا مسمع إنّ الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا إلاّ رحمه اللّه قبل أن يخرج الدمعة من عينه،فإذا سالت دموعه على خدّه.فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها و أنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض،و أنّ الشارب منه ليعطى من اللّذة و الطّعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا،و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين و في يده عصاء من8.

ص: 189


1- -أمالي الصدوق:191 ح 3،و بحار الأنوار:288/22 ح 58.
2- -كامل الزيارات:208،و بحار الأنوار:288/44 ح 28.

عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إنّي أشهد الشهادتين،فيقول:انطلق إلى إمامك فلان فسأله أن يشفع لك فيقول:يتبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول ارجع إليه و اسأله الشفاعة،فيقول:إنّي أهلك عطشا فيقول:زادك اللّه عطشا،قلت:و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ليس ذلك لحبّنا ولكن لشدّة اجتهاده في عبادته و تديّنه،فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كلّ أحد،انتهى ملخّصا.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ البكاء و الجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء على الحسين،فإنّه فيه مأجور.

و عن عبد اللّه بن بكر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:ما أعظم مسائلك،إنّ الحسين بن عليّ و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معه يرزقون و يحبرون و انّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول:يا ربّ انجز لي ما وعدتني،و إنّه لينظر إلى زوّاره و من يبكي له فيستغفر له (1).

و في بحار الأنوار:روى أنّه لمّا أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ابنته فاطمة بقتل ولدها بكت بكاء شديدا و قالت؛يا أبت فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا فاطمة إنّ نساء امّتي يبكون على نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة،فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرّجال و كلّ من بكى على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة، يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين عليه السّلام فإنّها ضاحكة مستبشرة (2).

و في ذلك الكتاب أيضا:أنّه حكي عن السيّد الحسيني قال:كنت مجاورا في المشهد4.

ص: 190


1- -كامل الزيارات:544 ح 2،و مستدرك الوسائل:230/10.
2- -بحار الأنوار:293/44،و العوالم:534.

الرضوي،فلمّا كان يوم عاشوراء قرأ رجل من أصحابنا مقتل الحسين فوردت رواية عن الباقر عليه السّلام إنّه قال:من ذرقت عيناه على مصاب الحسين عليه السّلام و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر،و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال:هذا ليس بصحيح و العقل لا يعتقده فنام تلك الليلة و رأى في المنام كأنّ القيامة قامت و حشر الناس و أسعرت النيران فإذا هو يطلب الماء عطشا و إذا بحوض طويل عريض فقال:

هذا هو الكوثر و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و هم مع ذلك لابسون السواد محزونون،فسألت عنهم فقيل لي:هذا رسول اللّه و هذا أمير المؤمنين و هذه فاطمة الزهراء و هم محزونون لأنّه يوم عاشوراء فدنوت إلى فاطمة عليها السّلام و قلت:إنّي عطشان فنظرت إليّ شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب الحسين؟

قال:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت على ما كان منّي، و أتيت أصحابي و أخبرتهم برؤياي (1).5.

ص: 191


1- -بحار الأنوار:293/44،و العوالم:535.

علّة حبّ الشهداء للقتل

و في كتاب علل الشرائع مسندا إلى الصادق عليه السّلام إنّه قيل له:اخبرنا عن أصحاب الحسين عليه السّلام و إقدامهم على الموت،فقال:إنّهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة،فكان الرجل منهم يقدم إلى القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها و إلى مكانه من الجنّة (1).

و في معاني الأخبار مسندا إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:لمّا اشتدّ الأمر بالحسين عليه السّلام نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم،لأنّه كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم و وجلت قلوبهم،و كان الحسين عليه السّلام و بعض خصائصه تشرق ألوانهم و تسكن نفوسهم فقال بعضهم لبعض:انظروا لا يبالي بالموت فقال:يا كرام صبرا فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلى الجنّات الواسعة،فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ (2)

أصحاب الحسين عليه السّلام نظروا إلى منازلهم في الجنّة

و في كتاب الخرائج بإسناده إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه:هذا الليل فاتّخذوه جنّة فإنّ القوم إنّما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حلّ وسعة فقالوا:و اللّه لا يكون هذا أبدا،فقال:إنّكم تقتلون غدا كلّكم و لا يفلت منكم رجل،قالوا:الحمد للّه الذي شرّفنا بالقتل معك ثمّ دعا لهم فقال لهم:

ارفعوا رؤوسكم و انظروا،فجعلوا ينظرون إلى منازلهم من الجنّة و هو معهم يقول لهم:هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرّماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلى منزله من الجنّة (3).

ص: 192


1- -علل الشرائع:229/1 ح 15،و بحار الأنوار:297/44.
2- -معاني الأخبار:288،و بحار الأنوار:154/6.
3- -الخرائج و الجرائح:848/2 ح 62،و بحار الأنوار:298/44.

و في الأمالي عن الثمالي قال:نظر عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى عبيد اللّه بن عبّاس بن علي بن أبي طالب فاستعبر ثمّ قال:ما من يوم أشدّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من يوم أحد قتل فيه عمّه حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب ثمّ قال عليه السّلام:و لا يوم كيوم الحسين عليه السّلام ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الامّة كلّ يتقرّب بدمه إلى اللّه عزّ و جلّ حتّى قتلوه ظلما و عدوانا ثمّ قال:رحم اللّه العبّاس فلقد فدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه فأبدله اللّه عزّ و جلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب،و أنّ للعبّاس عند اللّه عزّ و جلّ منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة (1).

و عن الفضل عن الرّضا عليه السّلام قال:من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد،يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم (2).

أقول:الوجه فيه كما سيأتي:أنّ الملعون يزيد لمّا وضع عنده رأس الحسين عليه السّلام لعب بالشطرنج و شرب خمر الفقاع،و كان كلّما غلب صاحبه صبّ على رأس الحسين عليه السّلام بقيّة القدح من الفقاع.

و عنه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ قاتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدّنيا،و قد شدّ يداه و رجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتّى يقع في قعر جهنّم و له ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه و هو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله كلّما نضجت جلودهم بدّلهم عزّ و جلّ جلودا غيرها حتّى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة و يسقون من حميم جهنّم فالويل لهم من عذاب النار (3).3.

ص: 193


1- -الأمالي:548،و بحار الأنوار:274/22.
2- -بحار الأنوار:299/44،و العوالم:603 ح 5.
3- -عيون أخبار الرضا:51/1 ح 178،و بحار الأنوار:300/44 ح 3.

القول عند ذكر الحسين عليه السلام

و عن ابن فاختة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أذكر الحسين عليه السّلام فأيّ شيء أقول إذا ذكرته؟

فقال:قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا (1).

و في ثواب الأعمال عن عيص بن القاسم قال:ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قاتل الحسين عليه السّلام.

فقال بعض أصحابه:كنت أشتهي أن ينتقم اللّه منه في الدّنيا.

فقال:كأنّك تستقلّ له عذاب اللّه و ما عند اللّه أشدّ عذابا و أشدّ نكالا منه (2).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاّ بقتل الحسين بن علي و يحيى بن زكريا (3).

ثواب لعن قاتل الحسين عليه السّلام

و عن داود الرّقي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ استسقى الماء،فلمّا شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثمّ قال لي:يا داود لعن اللّه قاتل الحسين،فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتله إلاّ كتب اللّه له مائة ألف حسنة و حطّ عنه مائة ألف سيّئة و رفع له مائة ألف درجة و كأنّما أعتق مائة ألف نسمة و حشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد (4).

ص: 194


1- -أمالي الطوسي:54 ح 42،و بحار الأنوار:301/44 ح 7.
2- -ثواب الأعمال:216،و بحار الأنوار:301/44 ح 8.
3- -بحار الأنوار:301/44 ح 9.
4- -الكافي:391/6 ح 6،و أمالي الصدوق:205.

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لعن اللّه قتلة الحسين و محبيهم و ناصريهم و الساكتين عن لعنهم من غير تقيّة الا و صلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة و شفقة و ممتلئين عليهم غيظا و حنقا (1).9.

ص: 195


1- -العوالم:598،و تفسير الإمام العسكري:369.

الحمام الرّاغبية يلعن قتلة الحسين عليه السلام

و في الكافي عن داود بن فرقد قال:كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر[طويلا فنظر إلى أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟قلت:

لا و اللّه جعلت فداك] (1)فقال:يا داود هذا الطير يدعو على قتلة الحسين عليه السّلام فاتّخذوه في منازلكم.و في حديث آخر:إنّها تلعن قتلة الحسين (2).

و في كتاب بحار الأنوار:وجدت في بعض مؤلّفات المعاصرين أنّه لمّا جمع ابن زياد لعنه اللّه قومه لحرب الحسين عليه السّلام كانوا سبعين ألف فارس فقال:أيّها الناس من منكم يتولّى قتل الحسين و له ولاية أيّ بلد شاء؟فلم يجبه أحد،فاستدعى بعمر بن سعد لعنه اللّه و قال له:

اريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك،فقال:اعفني من ذلك،فقال:قد أعفيتك فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الرّي فقال:امهلني الليلة فانصرف إلى منزله و جعل يستشير من يثق به،فلم يشر عليه أحد و كان عنده رجل من أهل الخير يقال له كامل و كان صديقا لأبيه من قبله فقال له:يا عمر ما الذي أنت عازم عليه؟

قال:إنّي ولّيت أمر هذا الجيش في حرب الحسين و إنّما قتله عندي و أهل بيته كشربة ماء و إذا قتلته خرجت إلى ملك الري.

فقال له كامل:أف لك يابن سعد تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟!إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و ما الذي تقول غدا لرسول اللّه إذا وردت عليه و انّه في زماننا هذا كجدّه في زمانه و طاعته فرض علينا،و اشهد اللّه أنّك إن أعنت على قتله لا تلبث بعده في الدّنيا إلاّ قليلا،فقال عمر:بالموت تخوّفني،و إنّي إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس و أتولّى ملك الري؟

فقال له كامل:إنّي احدّثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله؛اعلم انّي سافرت مع أبيك إلى الشام فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي و عطشت فلاح لي دير

ص: 196


1- -زيادة في المصدر.
2- -الكافي:547/6 ح 10،و بحار الأنوار:305/44 ح 18.

راهب فأتيت إلى باب الدّير و قلت للراهب إنّي عطشان فقال لي:أنت من امّة هذا النبيّ الذين يقتل بعضهم بعضا على حبّ الدّنيا؟فقلت له:أنا من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فقال:إنّكم شرّ امّة و قد غدوتم إلى عترة نبيّكم تسبون نساءه و تنهبون أمواله،فقلت:يا راهب نحن نفعل ذلك؟

قال:نعم،و إنّكم إذا فعلتم ذلك عجّت السماوات و الأرضون و البحار و الجبال و الوحوش و الأطيار باللعنة على قاتله و لا يلبث قاتله في الدّنيا إلاّ قليلا ثمّ يظهر رجل يطلب بثأره،فلا يدع أحدا اشترك في قتله إلاّ قتله و عجّل اللّه بروحه إلى النار،ثمّ قال الراهب:إنّي لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيّب و اللّه أنّي لو أدركت أيّامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف،فقلت:إنّي اعيذ نفسي من أن اقاتل ابن بنت رسول اللّه،فقال:إن لم تكن أنت فرجل قريب منك و أنّ عذاب قاتله أشدّ من عذاب فرعون و هامان ثمّ ردم الباب في وجهي و أبى أن يسقيني ماء.

فركبت فرسي و لحقت أصحابي فحدّثت أباك سعد بقصّة الراهب فقال لي:صدقت ثمّ إنّ سعدا أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرّة من قبلي،فأخبره أنّه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه فخاف أبوك من ذلك و خشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه و أقصاك، فاحذر يا عمر[أن تخرج عليه يكون عليك نصف عذاب أهل النار،قال:] (1)فبلغ الخبر ابن زياد فطلب كامل و قطع لسانه فعاش يوما أو بعض يوم (2).

و فيه أيضا:إنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى عليه السّلام إنّ الحسين عليه السّلام تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفر فرسه و تحمحم،و تقول في صهيلها:الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها،فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح،يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر،فبكى موسى عليه السّلام ثمّ قال:يا موسى اعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار (3).6.

ص: 197


1- -زيادة في المصدر.
2- -بحار الأنوار:307/44،و العوالم:595.
3- -بحار الأنوار:308/44،و العوالم:596.

نسب يزيد و ابن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه

و في كتاب البحار:قال مؤلّف الكتاب:إلزام النواصب و غيره أن ميسون بنت بجدل الكلبي أمكنت عبد أبيها من نفسها فحملت يزيد لعنه اللّه و إلى هذا إشارة النسّابة البكري بقوله شعر:

فإن يكن الزمان أتى علينا *** بقتل الترك و الموت الوحي

فقد قتل الدّعي و عبد كلب *** بأرض الطّف أولاد النبيّي

أراد بالدّعي عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه،فإنّ أباه زياد بن سمية كانت امّه سميّة مشهورة بالزنا و ولد على فراش أبي عبيد بني علاج من ثقيف فادّعى معاوية أنّ أبا سفيان زنى بأمّ زياد فأولدها زيادا و انّه أخوه فصار اسمه الدعيّ،و كانت عائشة تسمّيه زياد بن أبيه لأنّه ليس له أب معروف و مراده بعبد كلب يزيد بن معاوية لأنّه من عبد بجدل الكلبي.

و أمّا عمر بن سعد،فقد نسبوا أباه سعد إلى غير أبيه و انّه رجل من بني عذرة كان خدنا لأمّه يعني صاحبها و يشهد بذلك قول معاوية حين قال سعد لمعاوية:أنا أحقّ بهذا الأمر منك،فقال له معاوية:يأبى عليك ذلك بنو عذرة و ضرط له.روى ذلك النوفلي ابن سليمان من علماء السنّة،و يدلّ على ذلك قول السيّد الحميري شعر:

قدما تداعوا زنيما ثمّ سادهم *** لولا خمول بني سعد لما سادوا (1)

و في كتاب الأمالي عن عبد اللّه بن منصور قال:قلت للصادق عليه السّلام:حدّثني عن مقتل الحسين عليه السّلام،قال:لمّا حضرت معاوية الوفاة قال لابنه يزيد لعنه اللّه:قد ذلّلت لك الرّقاب و إنّي أخشى عليك من ثلاث نفر مخالفون عليك و هم عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير و الحسين بن عليّ،فأمّا ابن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه،و أمّا ابن الزبير فاقتله إن ظفرت به فإنّه ثعلب،و أمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه و هو من لحم رسول اللّه و دمه،و قد

ص: 198


1- -بحار الأنوار:309/44،و العوالم:601.

علمت أنّ أهل العراق يخرجونه إليهم ثمّ يخذلونه،فإن ظفرت به فلا تؤاخذه بفعله و لا تناله بمكروه.

فلمّا هلك معاوية و تولّى الأمر يزيد بعث عامله على المدينة عمّه عتبة بن أبي سفيان،فقدم المدينة و بعث إلى الحسين عليه السّلام و قال:إنّ أمير المؤمنين يزيد آمرك أن تبايع له فقال:يا عتبة قد علمت إنّا معدن الرّسالة و أعلام الحقّ و لقد سمعت جدّي يقول:إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان،فكيف ابايع أهل بيت قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هذا؟

فكتب عتبة إلى يزيد:أنّ الحسين بن علي لا يرى لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره، فكتب إليه:إذا أتاك كتابي هذا فعجّل إليّ بإرسال رأس الحسين،فبلغ ذلك الحسين عليه السّلام فهمّ بالخروج من الحجاز إلى العراق،فلمّا أقبل الليل مضى يودّع قبر جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه،فلمّا كانت الليلة الثانية مضى إلى القبر يودّعه فصلّى ثمّ سجد و نام فجاءه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو في منامه فضمّه إلى صدره و قبّل ما بين عينيه و قال له:بأبي أنت كأنّي أراك مرمّلا بدمك بين عصابة من هذه الامّة،يا بنيّ إنّك قادم على أبيك و امّك و أخيك و هم مشتاقون إليك و أنّ لك في الجنّة درجات لا تنالها إلاّ بالشهادة،فانتبه الحسين عليه السّلام باكيا فأتى أهله و أخبرهم بالرؤيا و ودّعهم و حمل أخواته على المحامل و ابن أخيه و صار في أحد و عشرين من أهل بيته و أصحابه.و سمع عبد اللّه بن عمر بخروجه فركب خلفه و أدركه فقال له:

ارجع إلى حرم جدّك و لا تخرج إلى العراق،فأبى،فقال:اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقبّله منك،فكشف الحسين عليه السّلام عن سرّته فقبّلها ابن عمر ثلاثا و بكى و قال:أستودعك اللّه يا أبا عبد اللّه فإنّك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين و أصحابه حتّى نزل العذيب،فقال فيها قايلة الظهر ثمّ انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه:ما يبكيك يا أبه؟

قال:يا بني إنّها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها إنّه عرض لي في منامي عارض فقال:

تسرعون السير و المطايا تسير بكم إلى الجنّة ثمّ سار حتّى نزل الرهيميّة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرم فقال:يابن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة؟

فقال:و يحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي

ص: 199

فهربت و ايم اللّه ليقتلني ثمّ ليلبسنّهم اللّه ذلاّ شاملا و سيفا قاطعا،و بلغ عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه الخبر،و أنّ الحسين نزل الرهيمية فأرسل إليه الحرّ بن يزيد في ألف فارس.

قال الحرّ:فلمّا خرجت من منزلي متوجّها نحو الحسين نوديت ثلاثا:يا حرّ أبشر بالجنّة،فالتفت فلم أر أحدا فقلت:ثكلت الحرّامه يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه و يبشّر بالجنّة فبلغه عند صلاة الظهر،فأمر الحسين عليه السّلام ابنه فأذّن و أقام و صلّى الحسين عليه السّلام بالفريقين جميعا،فلمّا سلّم و ثب الحرّ بن يزيد و سلّم على الحسين فقال له الحسين عليه السّلام:من أنت؟

فقال:أنا الحرّ ابن يزيد،فقال:يا حرّ علينا أم لنا؟

فقال:يابن رسول اللّه لقد بعثت لقتالك و أعوذ باللّه أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلى رجلي،يابن رسول اللّه أين تذهب ارجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول،فقال الحسين عليه السّلام شعر:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

ثمّ سار حتّى نزل القطقطانية،فنظر إلى فسطاط مضروب لعبد اللّه بن الحرّ فأرسل إليه الحسين عليه السّلام فقال له:إنّك مذنب خاطئ و إنّ اللّه عزّ و جلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى اللّه فتنصرني،فقال:يابن رسول اللّه لو نصرتك لكنت أوّل مقتول بين يديك ولكن هذا فرسي خذه إليك فأعرض عنه الحسين عليه السّلام بوجهه و قال:لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا،ولكن فرّ فلا لنا و لا علينا،فإنّه من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم.ثمّ سار حتّى نزل كربلاء فقال:أيّ موضع هذا؟فقيل:هذا كربلاء يابن رسول اللّه فقال:هذا و اللّه يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا و يباح فيه حريمنا،فأقبل عبيد اللّه بن زياد بعسكره حتّى نزل النخيلة و بعث إلى الحسين عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس و عبد اللّه بن الحصين و شبث بن ربعي و محمّد بن الأشعث كلّ واحد في ألف فارس و كتب إلى عمر بن سعد:إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي و حل بينه و بين الماء كما حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار،فلمّا وصله الكتاب نادى:إنّا قد أجّلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشقّ ذلك على الحسين و أصحابه،فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال:اللّهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ و لا أزكى من أهل بيتي،و لا أصحاباهم

ص: 200

خير من أصحابي و قد نزل بي ما ترون و أنتم في حلّ من بيعتي و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا و تفرّقوا في سواده،فإنّ القوم إنّما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن عقيل فقال:يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا سيّدنا و ابن سيّد الأعمام و ابن نبيّنا لم نضرب معه بسيف و لم نقاتل معه برمح لا و اللّه أو نرد موردك و نجعل دماءنا دون دمك،فإذا فعلنا ذلك قضينا ما علينا،و قام إليه زهير بن القين فقال:وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة و أنّ اللّه دفع بي عنكم أهل البيت،فقال له و لأصحابه:جزيتم خيرا.

ثمّ إنّ الحسين عليه السّلام أمر بحفيرة حول عسكره شبه الخندق فحشيت حطبا و أرسل عليّا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على و جل شديد و أتشأ الحسين عليه السّلام يقول شعر:

يا دهر اف لك من خليل *** كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل *** و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلى الجليل *** و كلّ حيّ سالك سبيلي

ثمّ قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضّئوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابم لتكون أكفانكم،ثمّ صلّى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب و أمر بالحفيرة فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي جويرية فقال:يا حسين ابشروا بالنار التي تعجلتموها في الدّنيا،فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم أذقه عذاب النار في الدّنيا،فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق.

ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين،فنادى:يا حسين و يا أصحاب حسين ألا ترون إلى ماء الفرات يموج كأنّه بطون الحيّات و اللّه لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جرعا.فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم،فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثمّ أقبل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي[فقال:يا حسين بن فاطمة] (1)أيّة حرمة لكر.

ص: 201


1- -زيادة في المصدر.

من رسول اللّه ليست لغيرك؟

فقال:إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين،و اللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم،و إنّ العترة الهادية لمن آل محمّد فقال:اللّهم أر محمّد بن الأشعث ذلاّ في هذا اليوم فخرج من العسكر يتبرز،فسلّط اللّه عليه عقربا فلدغه فمات بادي العورة.

فبلغ العطش من الحسين و أصحابه فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له يزيد الهمداني فقال:ائذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم،فأذن له فخرج إليهم و قال:يا معشر الناس إنّ اللّه بعث محمّدا بالحقّ بشيرا و نذيرا و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه فقالوا:يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف فو اللّه ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله،فقال الحسين عليه السّلام:اقعد يا يزيد ثمّ و ثب الحسين عليه السّلام متوكيا على سيفه فنادى بأعلى صوته:أنشدكم اللّه هل تعرفوني؟

قالوا:نعم أنت ابن رسول اللّه و سبطه،فقال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:هل تعلمون إنّ امّي فاطمة بنت محمّد؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة أوّل نساء هذه الامّة إسلاما؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟

قالوا:اللّهمّ نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه و أنا متقلّده؟

ص: 202

قالوا:اللّهمّ نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ عليّا كان أوّلهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنّه أوّل كلّ مؤمن و مؤمنة؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:فبم تستحلّون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يد جدّي يوم القيامة؟

قالوا:قد علمنا ذلك كلّه و نحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا،فأخذ الحسين عليه السّلام بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة،ثمّ قال:اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا:عزير ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا:المسيح ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه و اشتدّ غضب اللّه على قوم قتلوا نبيّهم و اشتدّ غضب اللّه على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم.

قال:فضرب الحرّ بن يزيد فرسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام واضعا يده على رأسه و هو يقول:اللّهم إليك أنيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك،يابن رسول اللّه هل من توبة؟

قال:نعم تاب اللّه عليك.

قال:يابن رسول اللّه ائذن لي فأقاتل عنك،فأذن له فبرز و هو يقول شعر:

أضرب في أعناقكم بالسيف *** عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثمّ قتل فأتاه الحسين عليه السّلام و دمه يشخب فقال:بخ بخ يا حرّ أنت حرّ كما سمّيت في الدّنيا و الآخرة ثمّ أنشأ الحسين عليه السّلام يقول شعر:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح *** صبور عند مختلف الرّماح

و نعم الحرّ إذا ساوى حسينا *** فجاد بنفسه عند الصياح

ثمّ برز من بعده زهير بن القين و هو يقول مخاطبا للحسين عليه السّلام شعر:

ص: 203

اليوم نلقى جدّك النبيّا *** و حسنا و المرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثمّ صرع،و خرج من بعده حبيب بن مظاهر و هو يقول شعر:

أنا حبيب و أبي مظاهر *** لنحن أزكى منكم و أطهر

فقتل منهم أحد و ثلاثين رجلا ثمّ قتل،و برز وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم على يدي الحسين عليه السّلام هو و امّه و ركب فرسا و تناول عمود الفسطاط فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استؤسر،فأمر ابن سعد بقتله فقتل و رمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام فأخذت امّه سيفه و برزت فقال لها الحسين عليه السّلام:يا امّ وهب اجلسي فقد وضع اللّه الجهاد عن النساء إنّك و ابنك مع جدّي محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في الجنّة،و برز إليهم عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و أنشد شعر:

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا *** و إن وجدت الموت شيئا مرّا

أكره أن ادّعى جبانا فرّا *** إنّ الجبان من عصى و فرّا

فقتل ثلاثة و قتل،و برز من بعده عليّ بن الحسين عليهما السّلام،فلمّا برز إليهم دمعت عيني الحسين عليه السّلام فقال:اللّهم كن أنت الشهيد عليهم،فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمتا به فجعل يقول شعر:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ *** نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ

فقتل عشرة ثمّ رجع إلى أبيه فقال؛يا أبه العطش،فقال له الحسين عليه السّلام:صبرا يا بني يسقيك جدّك بالكأس الأوفى،فرجع و قتل منهم أربعة و أربعين ثمّ قتل عليه السّلام،ثمّ برز من بعده القاسم بن الحسن و هو يقول شعر:

لا تجزعي نفسي فكلّ فاني *** اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثمّ رمى عن فرسه فنظر الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا،فلم ير أحد فقال:

اللّهم إنّك ترى ما يصنع بولد نبيّك و حالوا بينه و بين الماء و رمى بسهم فوقع في نحره و خرّ عن فرسه فأخذ السهم فرمى به و جعل يتلقّى الدم بكفّه،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و هو يقول:ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مظلوم متلطّخ بدمي،ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعا و أقبل عدوّ اللّه سنان و شمر بن ذي الجوشن لعنهما اللّه تعالى في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على

ص: 204

رأسه،فقال بعضهم لبعض:ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان و أخذ بلحية الحسين عليه السّلام و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أنا أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أمّا و أبا،و أقبل فرس الحسين حتّى لطخ عرفه و ناصيته بدمه و جعل يركض و يصهل و سمعت بنات النبيّ صهيله فخرجن،فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أنّ حسينا قد قتل و خرجت امّ كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب:وا محمّداه هذا الحسين بالعرا قد سلب العمامة و الرّداء،و أقبل سنان لعنه اللّه حتّى أدخل رأس الحسين عليه السّلام على ابن زياد و هو يقول شعر:

املأ ركابي فضّة و ذهبا *** إنّي قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس امّا و أبا *** و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له ابن زياد:ويحك إذا علمت إنّه خير الناس أبا و امّا لم قتلته؟فأمر به فضربت عنقه و عجّل اللّه بروحه إلى النار،و أرسل ابن زياد قاصدا إلى امّ كلثوم بنت الحسين يقول لها:

الحمد للّه الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟

فقالت:يابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسين فطالما قرّت عين جدّه به و كان يقبّله و يلثم شفتيه يابن زياد أعد لجدّه جوابا فإنّه خصمك غدا (1).

و قال السيّد علي بن طاووس:إنّ مروان بن الحكم قال للحسين عليه السّلام:بايع ليزيد يكن خيرا لك في دينك و دنياك،فقال الحسين عليه السّلام:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و على الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد (2).5.

ص: 205


1- -الأمالي:221،و بحار الأنوار:317/44.
2- -بحار الأنوار:326/44،و العوالم:175.

سبب تخلف ابن الحنفية عن أخيه الحسين عليه السلام

و روى الكليني طاب ثراه في كتاب الوسائل مسندا إلى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ذكرنا خروج الحسين عليه السّلام و تخلّف ابن الحنيفة فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا حمزة إنّي سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا؛إنّ الحسين عليه السّلام لمّا فصل متوجّها دعا بقرطاس و كتب فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم؛أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد و من تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام (1).

أقول:روي في الأحاديث لتخلّف محمّد بن عليّ عليه السّلام وجوه منها:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة لحقه محمّد و أشار عليه أن يقيم إمّا بمكّة أو يسير إلى اليمن،و أبى عليه السّلام إلاّ المسير إلى العراق ثمّ قال لمحمّد:و أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنّي شيئا من أمورهم،ثمّ دعا بداوة و بياض و كتب وصيّته و جعل محمّد الوصيّ،فيكون تخلّف محمّد بأمر الحسين عليه السّلام على أنّ من جملة المصالح في تخلّفه بالمدينة بأن يكون مرجعا لبني هاشم كيلا يضامون بعد خروج الحسين عليه السّلام.

و منها:ما روي أنّه لما عوتب محمّد بن عليّ عليه السّلام على ترك الخروج ذكر كلاما حاصله:

إنّي علمت بعلم عهده إليّ أبي أمير المؤمنين عليه السّلام أسماء الذين يستشهدون مع الحسين عليه السّلام و أسماء آبائهم و لم أر اسمي بينهم،فعلمت أنّي لست من الشهداء معه و خاف أن يكون في سيره معه مثله مثل خروج عقيل إلى معاوية و تركه أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كان محمّد أجلّ شأنا و أرفع مكانا من أن تعتريه مثل هذه الهواجس.

و منها؛ما روي في الأثر أنّ محمّد بن الحنفيّة قد أصابته عين في يده فخرج بها خراج و قد تعطّلت عن حمل السلاح،فيكون معذورا في ترك الخروج مع أنّ الحسين عليه السّلام لم يطلب منه الخروج معه و ذاك محلّ الإشكال.

ص: 206


1- -بحار الأنوار:330/44،و العوالم:179.

مجيء الملائكة و الجنّ لنصرة الحسين عليه السلام

و روى الشيخ المفيد بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا سار أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينه لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة في أيديهم الحراب على نوق من نوق الجنّة فسلّموا عليه و قالوا:يا حجّة اللّه إنّ اللّه سبحانه أمدّ جدّك بنا في مواطن كثيرة و أنّ اللّه«أمدّك بنا فقال:

إذا وردت كربلاء فأتوني،و أتته أفواج مسلمي الجنّ فقالوا:نحن شيعتك فمرنا بأمرك نقتل عدوّك و أنت بمكانك فجزاهم الحسين خيرا و قال:أما قرأتم أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و إذا أقمت بمكاني فيما إذا يبتلى هذا الخلق المنفوس و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء و قد اختارها اللّه يوم دحى الأرض و جعلها معقلا لشيعتنا و يكون لهم أمانا في الدّنيا و الآخرة،ولكن تحضرون يوم السبت و هو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل و يسار برأسي إلى يزيد لعنه اللّه،فقالت الجنّ:يا حبيب اللّه لولا أنّ أمرك طاعة قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك،فقال عليه السّلام:نحن و اللّه أقدر عليهم منكم ولكن ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة (1).

و روي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته امّ سلمة فقالت:يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق،فإنّي سمعت جدّك يقول:يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء فقال:يا امّاه و أنا و اللّه أعلم ذلك و إنّي مقتول لا محالة و ليس لي من هذا بدّ و إنّي و اللّه لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعة التي أدفن فيها و أعرف من يقتل من أهل بيتي و شيعتي،و إن أردت يا أمّاه أريك حفرتي و مضجعي ثمّ أشار عليه السّلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره و موقفه و مشهده،فبكت أمّ سلمة بكاء شديدا و سلّمت أمره إلى اللّه فقال لها:يا أمّاه قد شاء اللّه عزّ و جلّ أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا و قد شاء أن يرى حرمي و نسائي مشردّين

ص: 207


1- -بحار الأنوار:330/44،و العوالم:180.

و أطفالي مذبوحين مقيّدين،فقالت أمّ سلمة عندي تربة دفعها إليّ جدّك في قارورة فقال:

و اللّه إنّي مقتول كذلك و إن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا،ثمّ أخذ التربة فجعلها في قارورة و أعطاها إيّاها،و قال:اجعليها مع قارورة جدّي،فإذا فاضتا دما فاعلمي إنّي قد قتلت (1).

قال المفيد رحمه اللّه:ثمّ سار الحسين عليه السّلام إلى مكّة و هو يقرأ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ،فقال له أهل بيته:لو انحرفت عن الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب،فقال:لا و اللّه لا افارقه حتّى يقضي اللّه ما هو قاض و دخل مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان و هو يقرأ وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ فنزلها و جعل أهلها يختلفون إليه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق،و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين عليه السّلام و خروجه إلى مكّة، فاجتمعوا بالكوفة في منزل سليمان الخزاعي،فقال سليمان:

إنّ معاوية هلك و أنّ الحسين خرج إلى مكّة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه فاكتبوا إليه و إلاّ فلا تغرّوا الرجل،فقالوا:بل نقتل أنفسنا دونه،فكتبوا إليه و كان فيما كتبوا؛إنّه ليس علينا إمام فاقبل لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الحقّ،و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد،و لو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام،فأرسلوا إليه إلى مكة مائة و خمسين كتابا و هو مع ذلك يأبى و لا يجيبهم حتّى ورد عليه في يوم ستّمائة كتاب و تواترت الكتب فاجتمع في نوب متفرقه اثنا عشر ألف كتاب ثمّ كتبوا إليه:أمّا بعد فقد اخضرّ الجناب و أينعت الثمار،فاقبل على جند لك مجنّدة و السلام.فتلاقت الرّسل كلّها عنده فكتب إليهم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين،أمّا بعد فإنّ هانيا و سعيدا قدما عليّ بكتبكم و قد فهمت الذي ذكرتم إلى أن قال:و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمّي مسلم بن عقيل،فإن كتب إلي أنّه قد اجتمع رأي ملأكم على مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم و شيكا إن شاء اللّه،فدعى الحسين عليه السّلام مسلم بن4.

ص: 208


1- -الخرائج و الجرائح:253/1،و بحار الأنوار:332/44.

عقيل فسرّحه مع قيس الصيداوي و جماعة فإن رأى الناس مجتمعين كتب إليه بذلك فأقبل مسلم حتّى أتى المدينة فودّع أهله و سار و استأجر دليلين،فأقبلا يتنكّبان به الطريق فضلاّ عن الطريق و مات الدليلان عطشا.فكتب إلى الحسين عليه السّلام:إنّي تطيرت من توجّهي هذا يعني بموت الدليلين،فإن رأيت أعفيتني و بعثت غيري،فكتب إليه الحسين عليه السّلام:خشيت أن لا يكون حملك على الاستعفاء إلاّ الجبن،فامض لوجهك الذي و جّهتك فيه و السلام.

فمضى مسلم فمرّ برجل رمى ظبيا فصرعه،فقال مسلم:نقتل عدوّنا إن شاء اللّه فأتى حتّى دخل الكوفة فنزل في دار المختار و أقبلت الشيعة تختلف إليه،فقرأ عليهم كتاب الحسين عليه السّلام و هم يبكون و بايعه منهم ثمانية عشر ألفا،فكتب مسلم إلى الحسين عليه السّلام يأمره بالقدوم فبلغ النعمان بن بشير تردّد الشيعة على مسلم و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية و يزيد فصعد المنبر و خطب الناس و قال:إنّكم نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم و أنا لا أتحرّش بكم و لا آخذ بالظنّة و لا التهمة،فقام إليه عبد اللّه بن مسلم الأموي و قال له:رأيك هذا رأي المستضعفين فخرج عبد اللّه و كتب إلى يزيد:أمّا بعد فإنّ مسلم بن عقيل دخل الكوفة و بايعه الشيعة للحسين بن عليّ فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا مثلك يعمل في الأعداء.

و كتب إليه عمر بن سعد مثل ذلك،فكتب إلى عبيد اللّه بن زياد و كان واليا على البصرة فضمّ إليه المصرين البصرة و الكوفة و أن يقتل مسلم بن عقيل أو يبعثه مقيّدا،فلمّا أتاه الكتاب خرج إلى الكوفة و استخلف على البصرة أخاه عثمان،فلمّا أشرف على الكوفة نزل حتّى أمسى ليلا فظنّ أهلها أنّه الحسين فتصايحوا و قالوا:إنّا معك أكثر من أربعين ألفا و ازدحموا عليه فحسر اللثام و قال:أنا عبيد اللّه،فرجع القوم و دخل قصر الإمارة،فلمّا صبح قام خاطبا و عليهم عاتبا و قال:يا أهل الكوفة إنّ يزيد و لاّني بلدكم و استعملني على مصركم فابلغوا هذا الرجل الهاشمي يعني مسلم مقالتي ليتّقي غضبي.

فلمّا سمع مسلم بدخول ابن زياد الكوفة،خرج من دار المختار إلى دار هاني فأخذت الشيعة تختلف عليه خفية من يزيد فدعى ابن زياد مولاه معقل فقال:خذ ثلاثة آلاف درهم و اطلب مسلم بن عقيل و أصحابه،فإذا ظفرت بواحد منهم فاعطه الدراهم و قل استعينوا بها

ص: 209

على حرب عدوّكم و اعلمهم أنّك منهم حتّى تعرف مستقرّ مسلم ففعل ذلك،جاء إلى ابن عوسجة في المسجد و قال:يا عبد اللّه أنا رجل من أهل الشام أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل البيت و تباكى و قال:معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه فكنت أريد لقاؤه و لا أعرف مكانه،و إنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت و أنا جئتك لتدخلني على صاحبك،فإنّي أخ من إخوانك و إن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال ابن عوسجة:الحمد للّه على لقائك فقد سرّني ذلك لينصر اللّه بك أهل بيت نبيّه،فأخذ عليه الأيمان المغلّظة و أدخله على مسلم فقبض المال منه و أخذ البيعة عليه فدخل معقل و خرج حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد و كان يخبره وقتا وقتا و خاف هاني بن عروة عبيد اللّه على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه و تمارض،فقال ابن زياد لجلسائه:ما لي لا أرى هانيا؟

قالوا:هو شاك فقال:لو علمت بمرضه لعدته و دعا جماعة منهم أسماء بن خارجة فقال:ما يمنع هانيا من إتياننا و أخبروني أنّه برئ من مرضه و هو يجلس على باب داره فأتوه و هو جالس و قالوا؛ما يمنعك من لقاء الأمير و قد استبطأك فأقسمنا عليك لما ركبت معنا فركب معهم حتّى إذا دنى من القصر كأنّ نفسه أحسّت بالذي كان،فلمّا دخل على عبيد اللّه بن زياد قال عبيد اللّه:أتتك بخائن رجلاه فلمّا جلس قال له:يا هاني ما هذه الامور التي في دارك لأمير المؤمنين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال؟

قال:ليس مسلم عندي فدعى ابن زياد معقلا،فوقف بين يديه و قال:أتعرف هذا؟

قال:نعم و علم هاني أنّه كان عينا عليهم أتاه بأخبارهم فقال:و اللّه ما دعوته إلى منزلي لكنّه جاء إلى منزلي فاستحيت من ردّه،و الآن آمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء فاخرج من ذمامه و جواره فقال ابن زياد:لا تفارقني حتّى تأتيني به.

قال:لا و اللّه لا أجيئك بضيفي تقتله،فقال:لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك،فقال هاني:

إذا و اللّه تكثر البارقة حول دارك و هو يظنّ أنّ عشيرته يسمعون،فأدني و ضرب وجهه بالقضيب حتّى كسر أنفه و سال الدماء على وجهه و لحيته،فجرّوه و ألقوه في بيت من بيوت الدار و بلغ

ص: 210

عمرو بن الحجّاج أنّ هانيا قتل فأقبل في مذحج حتّى أحاط بالقصر و نادى هذه فرسان مذحج بلغهم أنّ صاحبهم قتل.

فقال ابن زياد لشريح القاضي:ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثمّ اخرج و اعلمهم أنّه حيّ لم يقتل فدخل و نظر إليه أنّه حيّ و خرج و أخبرهم أنّه حيّ فقالوا:امّا إذا لم يقتل فالحمد للّه ثمّ انصرفوا و خرج ابن زياد و صعد المنبر و قال:أيّها الناس اعتصموا بطاعة اللّه و طاعة أئمّتكم و لا تفرّقوا فتهلكوا،فنزل و دخل القصر و جاء الخبر إلى مسلم فجمع أصحابه و ملأوا المسجد و الأسواق و لم يبق مع ابن زياد إلاّ جماعة قليلة فأمر ابن زياد محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه فيسير في الكوفة فيخذّل الناس عن مسلم و يخوّفهم عقوبة السلطان، فأقبل إليه خلق كثير أطاعوه و دخلوا على ابن زياد ثمّ صار الناس يتفرّقون عن مسلم حتّى أمسى و صلّى المغرب و ما معه إلاّ ثلاثون نفسا في المسجد فخرج إلى أبواب كندة،فلمّا خرج من الباب لم يبق معه إنسان يدلّه على الطريق فمضى في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب فمضى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أمّ ولد كانت للأشعث ابن قيس و أعتقها و تزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس و امّه قائمة تنتظره،فسلّم عليها مسلم و قال لها:يا أمة اللّه اسقيني ماء فسقته و جلس فقالت له:يا عبد اللّه اذهب إلى أهلك قالت له ثلاثا فقال:يا أمة اللّه ما لي في هذا المصر أهل و لا عشيرة و أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم و غرّوني،فقالت:أنت مسلم ادخل فدخل إلى بيت من بيوت دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء و لم يتعش فجاء ابنها و رآها تكثر الدخول في البيت فقال لها:إنّ لك لشأنا.

قالت:يا بني اقبل على شأنك و لا تسألني عن شيء،فألحّ عليها فأخذت عليه الأيمان و حلفت لها فأخبرته فاضطجع و سكت و أخبر ابن زياد بتفرّق الناس عن مسلم ففتح باب القصر بعد أن كان خائفا و صلّى في المسجد مع أصحابه و قد امتلأ المسجد من الرّجال،فلمّا فرغ من صلاته صعد المنبر و قال:برئت الذمّة من رجل وجدنا ابن عقيل في داره و من جاء به فله ديته فنزل و لمّا أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه و أصبح ابن تلك العجوز، فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل من أمّه،فأقبل عبد

ص: 211

الرحمن حتّى أتى أباه و هو عند ابن زياد فأخبره فقال له ابن زياد:فأتني به الساعة فقام و بعث معه خيلا و رجالا،فلمّا سمع مسلم وقع حوافر الخيل علم أنّه قد أتى فخرج إليهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ثمّ عادوا إليه فقاتلهم قتالا شديدا و قتل منهم خلقا كثيرا،فأشرفوا عليه من فوق البيوت يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطناب القصب و يرمونها عليه فخرج عليهم مصلتا سيفه فناداه محمّد بن الأشعث:لك الأمان لا تقتل نفسك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فاستند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد عليه ابن الأشعث:لك الأمان فآمنوه كلّهم فأتى ببغلة فحمل عليها و نزعوا سيفه،فكأنّه عند ذلك يئس من نفسه،فبكى فقيل له:ممّ بكاؤك؟

فقال:ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي،ولكنّي أبكي لأهلي المقبلين إنّي أبكي للحسين و آل الحسين فقال لمحمّد بن الأشعث:هل تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا،فإنّي لا أراه إلاّ و قد خرج و يقول له إنّ ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في يد القوم لا يرى أنّه يمشي حتّى يقتل و هو يقول لك ارجع فداك أبي و امّي بأهل بيتك و لا يغرّونك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل (1).

و في رواية ابن شهر آشوب:أنّ ابن زياد أرسل محمّد بن الأشعث و معه سبعون رجلا إلى مسلم حتّى أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم و هو يقول شعر:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع *** فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع

فصبر لأمر اللّه جلّ جلاله *** فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع

فقتل منهم أحد و أربعين رجلا،و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى ابن الأشعث:إنّا بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به فقتل من أصحابك مقتلة عظيمة فكيف إذا أرسلناك إلى غيره فأرسل إليه:أيّها الأمير أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة،أ و لم تعلم أيّها الأمير إنّك بعثتني إلى أسد ضرغام و سيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام،فأرسل إليه ابن زياد:أن اعطه الأمان فإنّك لا تقدر عليه إلاّ به و لقد كان مسلم2.

ص: 212


1- -بحار الأنوار:353/44،و العوالم:202.

من قوّته أنّه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت (1).

و قال المفيد طاب ثراه:و أقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر و كان مسلم عطشانا و على باب القصر ناس جلوس و إذا قلّة باردة موضوعة على الباب فقال:اسقوني من هذا الماء فقال مسلم بن عمر:لا تذوق منها أبدا حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم،فقال له مسلم بن عقيل:ويحك ما أقسى قلبك أنت أولى بالحميم و الخلود في نار جهنّم و بعث عمرو بن الحريث فأتى بقدح من ماء فقال له اشرب.

فلمّا وضعه على فمه امتلأ القدح دما فعل هذا مرّتين،فلمّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح،فقال؛الحمد للّه لو كان من الرزق المقسوم لشربته فأدخل إلى ابن زياد و لم يسلّم عليه بالإمارة،فقال له ابن زياد:لعمري لتقتلنّ.

قال:فدعني أوصي إلى بعض قومي.

فقال:افعل،فنظر إلى عمر بن سعد فقال:إنّ بيني و بينك قرابة ولي إليك حاجة و هي سرّ فقام معه فقال:إنّ عليّ بالكوفة دينا و هو سبعمائة درهم فبع سيفي و درعي فاقضها عنّي و إذا قتلت فاستوهب جثّني من ابن زياد و ادفنها و ابعث إلى الحسين من يردّه فإنّي كتبت إليه بالمجيء،فأتى ابن سعد إلى ابن زياد و أخبره بقول مسلم.

فقال ابن زياد:لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن أمّا ماله فهو له،و أمّا جثّته فاصنع بها ما شئت،و أمّا حسين فإنّه إن لم يردنا لم نرده.

ثمّ قال ابن زياد:اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده فصعد به بكير ابن حمران و هو يستغفر اللّه و يصلّي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فضرب عنقه و نزل مذعورا فقال له ابن زياد ما شأنك؟

فقال:أيّها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا أسود عاضّا شفتيه ففزعت،و أمر ابن زياد بأن يخرج هاني إلى السوق و يضرب عنقه فاخرج إلى سوق الغنم و ضرب عنقه،و في قتل مسلم و هاني يقول ابن الزبير الأسدي شعر:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هاني في السوق و ابن عقيل4.

ص: 213


1- -المناقب:244/3،و بحار الأنوار:354/44.

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه *** و آخر يهوى من جدار قتيل

فتى كان أحيا من فتاة حبيبة *** و أقطع من ذي شفرتين صقيل

ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأس مسلم و هاني إلى يزيد لعنه اللّه ثمّ كتب إليه يزيد:أمّا بعد فقد بلغني أنّ حسينا قد توجّه نحو العراق فضع المناظر و احترس و اقتل على التهمة،و اكتب إليّ في كلّ يوم ما يحدث[من خبر إن شاء اللّه] (1).ر.

ص: 214


1- -زيادة في المصدر.

الفصل الثالث: في مقتله عليه السلام و ما لحقه بعد ذلك

اشارة

قال الشيخ المفيد طاب ثراه:و كان خروج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجّة سنة ستّين،و قتله يوم الأربعاء لتسع خلون من يوم عرفة و كان توجّه الحسين عليه السّلام من مكّة إلى العراق يوم التروية بعد أن أقام بمكّة بقيّة شعبان و رمضان و شوّال و ذي القعدة و ثمان من ذي الحجّة،و كان قد اجتمع عليه بمقامه بمكّة جماعة من أهل الأمصار فطاف بالبيت و سعى و أحلّ و جعلها عمرة لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ،لأنّه خاف أن يقبض عليه فينفذ إلى يزيد بن معاوية (1).

و عن الواقدي و زرارة بن صالح قالا:لقينا الحسين قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيّام، فأخبرناه أنّ أهل الكوفة قلوبهم معه و سيوفهم عليه فأومى بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة فقال:لولا حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء و لكن اعلم أنّ هناك مصرعي و مصرع أصحابي و لا ينجو منهم إلاّ ولدي عليّ (2).

و روى أنّه لحقه عبد اللّه بن العبّاس فأشار عليه بالإمساك عن السير إلى العراق فقال له:

إنّ رسول اللّه أمرني بأمر و أنا ماض فيه فخرج ابن عبّاس يقول:وا حسيناه ثمّ جاء عبد اللّه بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال و حذّره من القتل و القتال فقال:يا أبا عبد اللّه أما علمت أنّ من هوان الدّنيا على اللّه تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّا ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا،فلم يعجّل اللّه عليهم بل أخذهم

ص: 215


1- -بحار الأنوار:363/44،و إعلام الورى:445/1.
2- -بحار الأنوار:364/44،و دلائل الإمامة:182.

بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام،اتّق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدع نصرتي (1).

و روي أنّه صلوات اللّه عليه لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال؛الحمد للّه و ما شاء اللّه و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه و صلّى اللّه على رسوله و سلّم؛خطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة،و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأنّي بأوصالي يقطعها ذئاب الفلوات بين النواويس و كربلا فيملأن مني أكراشا،لا محيص عن يوم خط بالقدم رضاء اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا اجور الصابرين من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل غدا إن شاء اللّه تعالى،ثمّ سار حتّى بلغ التنعيم فلقى هناك عيرا تحمل هدية من عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية و عليها الورس و الحلل فأخذها صلوات اللّه عليه،لأنّ حكم امور المسلمين إليه فسار حتّى بلغ ذات عرق فسأله عن أهلها فقال:خلّفت القلوب معك و السيوف مع بني أميّة فقال:صدقت إنّ اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،ثمّ سار حتّى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثمّ استيقظ فقال:قد رأيت هاتفا يقول:أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلى الجنّة فقال له ابنه عليّ:يا أبه فلسنا على الحقّ؟

فقال:بلى يا بني فقال:يا أبه إذا لا نبالي بالموت،فقال:جزاك اللّه يا بني خير ما جزا ولدا عن والد.

و اتّصل الخبر بالوليد بن عتبة أنّ الحسين قصد العراق فكتب إلى ابن زياد:أمّا بعد،فإنّ الحسين قد توجّه إلى العراق و هو ابن فاطمة بنت رسول اللّه فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج على نفسك و قومك أمرا في هذه الدّنيا لا تنساه الخاصّة و العامّة أبدا ما دامت الدّنيا،فلم يلتفت ابن زياد إلى كتابه (2).

و عن الطرماح بن حكم قال:لقيت الحسين عليه السّلام في الطريق فقلت:لا يغرّنك أهل الكوفة فو اللّه إن دخلتها لتقتلن،فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل آجا فإنّه جبل منيع و قومي ينصرونك ما أقمت بينهم،فقال:إنّ بيني و بين القوم موعدا أكره أن أخلفهم فإن يدفع اللّه عنّا7.

ص: 216


1- -بحار الأنوار:365/44،و كلمات الإمام الحسين:325.
2- -بحار الأنوار:367/44،و العوالم:217.

فقديما ما أنعم علينا و كفى،و إن يكن ما لا بدّ منه ففوز و شهادة إن شاء اللّه.ثمّ حملت الطعام إلى أهلي و أوصيتهم بامورهم و خرجت اريد الحسين،فلقيني سماعة بن يزيد فأخبرني بقتله و رجعت (1).

و حدّث جماعة من فزارة قالوا:كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة و نحن نساير الحسين فإذا نزل في جانب نزلنا في جانب آخر فبينا نحن نتغدّى من طعام إذ أقبل رسول الحسين عليه السّلام فقال:يا زهير بن القين إنّ أبا عبد اللّه الحسين بعثني إليك لتأتيه،فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده فقالت له امرأته:سبحان اللّه يبعث إليك ابن رسول اللّه ثمّ لا تأتيه،فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه،فأمر بفسطاطه و رحله فحوّل إلى الحسين ثمّ قال لامرأته:أنت طالق و الحقي بأهلك فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خيرا و قد عزمت على صحبة الحسين لأفديه بروحي.ثمّ سلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها،فقامت إليه و بكت و ودّعته و قالت:خار اللّه لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السّلام.

و قال المفيد:ثمّ قال زهير لأصحابه:من أحبّ منكم من يتبعني و إلاّ فهو آخر العهد، إنّي سأحدّثكم حديثا؛غزونا البحر ثمّ فتح اللّه علينا و أصبنا غنائم،فقال لنا سلمان:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم؟

قلنا:نعم،فقال:إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه ممّا أصبتم من الغنائم،فأمّا أنا فأستودعكم اللّه،و كان مع الحسين عليه السّلام حتّى قتل معه،و لمّا نزل الخزيمة بات بها ليلة،فلمّا أصبح أقبلت إليه اخته زينب فقالت:يا أخي سمعت البارحة هاتفا يقول شعر:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد *** و من يبكي على الشهداء بعدي

إلى قوم تسوقهم المنايا *** بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين عليه السّلام:يا أختاه كلّ الذي قضى اللّه هو كائن (2).

و روى عبد اللّه بن سليمان و المنذر الأسدي قالا:قضينا حجّنا و لحقنا بالحسين عليه السّلام4.

ص: 217


1- -بحار الأنوار:369/44،و العوالم:219.
2- -المناقب:245/3،و بحار الأنوار:372/44.

بزرود،فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من الكوفة و قد عدل عن الطريق فلحقناه و قلنا له اخبرنا عن الناس قال:لم أخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و رأيتهما يجرّان بأرجلهما في السوق،فأقبلنا حتّى لحقنا بالحسين عليه السّلام فقلنا:إنّ عندنا خبرا إن شئت حدّثناك به علانية و إن شئت سرّا فنظر إلى أصحابه و قال:ما دون هؤلاء ستر،فقلنا:اخبرنا الراكب بقتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة،فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما،فقلنا:

ننشدك اللّه الاّ انصرفت من مكانك و انّا نتخوّف عليك،فنظر إلى بني عقيل فقال:ما ترون فقد قتل مسلم؟

فقالوا:ما نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق،فقال:لا خير في العيش بعد هؤلاء الفتية،فعلمنا أنّه عزم على المسير،فقلنا له:خار اللّه لك (1).

و في رواية اخرى:إنّه لمّا أخبر بقتل مسلم أمّا أنّه قد قضى ما عليه و بقى ما علينا،ثمّ قال شعر:

فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة *** فدار ثواب اللّه أعلى و أنبل

و إن تكن الأبدان للموت انشئت *** فقتل امرء بالسيف في اللّه أفضل

و إن يكن الأرزاق قسما مقدّرا *** فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل

و إن تكن الأموال للترك جمعها *** فما بال متروك به الحرّ يبخل

ثمّ سار حتّى مرّ ببطن العقبة فلقيه شيء من بني عكرمة،فقال للحسين عليه السّلام:أنشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه ما تقدم إلاّ على الأسنّة و حدّ السيوف فقال؛لا يخفى عليّ الرأي،ولكن اللّه تعالى لا يغلب على أمره،ثمّ قال:و اللّه لا يتركونني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي،فإذا فعلوا سلّط اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الامم،ثمّ سار حتّى انتصف النهار فبينما هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه،فقال له الحسين عليه السّلام:لم كبّرت فقال:رأيت النخل.

قال جماعة من أصحابه:ما عهدنا هنا نخل،فقال الحسين عليه السّلام:ما ترون؟

قالوا:نرى أسنّة الرّماح و اذان الخيل،فقال:و أنا أرى ذلك فأخذوا ذات اليسار3.

ص: 218


1- -بحار الأنوار:372/44،و العوالم:223.

و طلعت عليهم هوادي الخيل و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ حتّى وقفوا مقابل الحسين عليه السّلام في حرّ الظهيرة،فقال الحسين عليه السّلام لأصحابه:اسقوا القوم و اسقوا خيولهم من الماء ففعلوا،و كان ابن زياد بعثه يستقبل الحسين فلم يزل الحرّ موافقا للحسين و قال:إنّ ابن زياد لم يأمرني بقتالك ولكن أمرني أن أدخلك الكوفة فلم يقبل عليه السّلام و أخذا طريقا وسطا حتّى وصلا إلى نينوى إلى الحرّ إذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين و أصحابه و لا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضرة و لا ماء،و كان ذلك اليوم يوم الخميس و هو الثاني من المحرّم سنة إحدى و ستّين فقام الحسين عليه السّلام خطيبا في أصحابه و قال:إنّه قد نزل من الأمر ما ترون و أنّ الدّنيا تغيّرت و تنكّرت و أدبر معروفها،و إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة.

فقام زهير بن القين و قال:يابن رسول اللّه لو كانت الدّنيا لنا باقية لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها و تكلّم أصحابه عليه السّلام مثل كلام زهير فساروا مع الحرّ حتّى نزلوا كربلاء في اليوم الثامن من المحرّم و قال:هذه أرض كرب و بلاء،فبكى ساعة و قال:اللّهمّ إنّا عترة نبيّك و قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدّنا و تعدّت بنو اميّه علينا،ثمّ قال:هذه الأرض مناخ ركابنا و محطّ رحالنا و مقتل رجالنا و سفك دمائنا.

و كتب الحرّ إلى ابن زياد:إنّ الحسين نزل كربلاء،فأرسل عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس فنزل نينوى و أرسل إلى الحسين عليه السّلام:ما الذي أتى بك؟

فقال:كتبكم،فإذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم،ثمّ إنّ ابن زياد أرسل إليه الخيل و الرجال حتّى تكاملت عنده ثلاثون ألفا فنزلوا على شاطئ الفرات و حالوا بينه و أصحابه و بين الماء و أضرّ العطش بأصحاب الحسين،فأخذ عليه السّلام فأسا و حفر فنبعت عين من الماء فشربوا بأجمعهم و غارت العين و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى ابن سعد:أن امنعهم حفر الآبار و لا تدعهم يذوقوا الماء.فبعث عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس،فنزلوا على الشريعة و حالوا بين الحسين و بين الماء و ذلك قبل قتل الحسين عليه السّلام بثلاثة أيّام و نادى ابن حصين:يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنّه كبد السماء و اللّه لا تذوقون منه قطرة حتّى تموتوا عطشا، فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتله عطشا.

قال حميد بن مسلم:و اللّه لقد رأيته بعد ذلك يشرب الماء ثمّ يقيئه و يصيح العطش

ص: 219

العطش،و هكذا حتّى خرجت روحه و لمّا رأى الحسين عليه السّلام نزول العساكر مع ابن سعد أرسل إليه:أريد أن ألقاك فاجتمعا و تناجيا طويلا ثمّ رجع ابن سعد إلى مكانه و كتب إلى ابن زياد:

هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو إلى أحد الثغور،فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم،فلمّا قرأ الكتاب قال:هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام إليه شمر فقال:لئن رحل الحسين من بلادك ليكوننّ قويّا و أنت ضعيفا فلا تعطه هذه المنزلة ولكن ينزل على حكمك،فقال ابن زياد:نعم ما رأيت فكتب إلى ابن سعد:لم أبعثك إلى الحسين لتمنّيه السلامة و لا لتكون له عندي شفيعا انظر إن نزل حسين على حكمي فابعث به إليّ سالما و إن أبى فاقتله و أصحابه و مثّل بهم،فإن قتلت حسينا فاوطء الخيل صدره و ظهره فإنّه عات ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع،و إن أبيت فاعتزل و خل بين شمر و بين العسكر.

فأقبل شمر بكتاب ابن زياد إلى ابن سعد،فلمّا قرأ الكتاب قال:لا قرّب اللّه دارك و اللّه إنّي لأظنّك نهيته عمّا كتبت به إليه و اللّه لا يبايع حسين؛إنّ نفس أبيه بين جنبيه،فقال له الشمر:إن لم تمض لأمر أميرك،و إلاّ فخلّ بيني و بين الجند.

قال:لا و كرامة لك ولكن أنا أتولّى ذلك و دونك فكن على الرّجالة،و جاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين فقال:أين بنو أختنا،فخرج إليه جعفر و العبّاس و عثمان بنو عليّ فقال لهم:أنتم يا بني أختي آمنون فقالوا له:لعنك اللّه و لعن إمامك أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له.

ثمّ نادى ابن سعد:يا خيل اللّه اركبي،فرجف الناس إليهم بعد العصر و الحسين عليه السّلام جالس أمام بيته مختبئ بسيفه فخفق برأسه على ركبتيه و سمعت اخته الصيحة فدنت من أخيها و قالت:يا أخي ما تسمع هذه الأصوات؟فرفع الحسين عليه السّلام رأسه فقال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الساعة في المنام و و يقول:إنّك تروح إلينا غدا فلطمت وجهها و نادت بالويل، فقال الحسين عليه السّلام للعبّاس:امض إليهم و أخّرهم إلى غد لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة و ندعوه و نستغفره،فمضى إليهم و أجّلوه إلى غد فجمع أصحابه عند السماء فقال لهم:إنّي أذنت لكم فانطلقوا في حلّ هذا الليل قد غشيكم فقالوا:نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا اللّه ذلك أبدا،

ص: 220

بدأهم بذلك العبّاس.

ثمّ قام إليه ابن عوسجة فقال:لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لو علمت أنّي اقتل ثمّ احيا ثمّ احرق ثمّ احيا ثمّ اذرّى يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك و إنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها،و تكلّموا مثل كلامه فجزاهم الحسين عليه السّلام خيرا و انصرف إلى منزله.

و قيل لبشر بن محمد الحضرمي في تلك الحال:قد أسر ابنك بثغر الريّ،فقال:عند اللّه أحتسبه و نفسي فسمع الحسين عليه السّلام قوله فقال له:أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال:أكلتني السباع حيّا إن فارقتك فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار لفكاك ابنه و بات الحسين عليه السّلام و أصحابه تلك الليلة و لهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد.

فلمّا كان الغداة أمر الحسين عليه السّلام بفسطاط فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير،فجعل فيها نورة ثمّ دخل ليطلي و أصحابه بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن الأنصاري،فقال له عبد الرحمن:ما هذه ساعة ضحك،فقال:إنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه،فو اللّه ما هو إلاّ نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة ثمّ نعانق الحور العين.

و قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها فدخل أبي في خباء له يعالج سيفه و يصلحه و يقول شعر:

يا دهر اف لك من خليل *** كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل *** و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلى الجليل *** و كلّ حيّ سالك سبيلي

فعلمت ما أراد فخنقتني العبرة و علمت أنّ البلاء قد نزل،و أمّا عمّتي زينب فلم تملك نفسها فمشت تجرّ ثوبها حتّى انتهت إليه و قالت:وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت امّي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن،يا خليفة الماضي و ثمال الباقي فقال لها:يا اختاه لا يذهبن حلمك الشيطان و ترقرقت عيناه بالدموع و قال:لو ترك القطا لنام،فقالت:يا ويلتاه تغصب نفسك اغتصابا،ثمّ لطمت وجهها و شقّت جيبها و خرّت مغشيّة عليها فصبّ

ص: 221

الحسين عليه السّلام على وجهها الماء و قال:يا اختاه اعلمي أنّ أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه ثمّ قال:أقسم عليك إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا و لا تخمشي عليّ وجها،ثمّ خرج إلى أصحابه و أمرهم أن يقرّبوا بين بيوتهم و أن يشدّوا الأطناب بعضها في بعض ليقاتلوا القوم من وجه واحد.

فلمّا كان وقت السحر خفق برأسه خفقة ثمّ استيقظ فقام و قال:رأيت كأنّ كلابا شدّت عليّ لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدّ عليّ و أظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص،ثمّ رأيت بعد ذلك جدّي في جماعة من أصحابه و هو يقول:يا بني أنت شهيد آل محمّد و قد استبشر بك أهل السماوات،فليكن إفطارك عندي الليلة عجّل و لا تؤخّر فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء،فهذا ما رأيت.و قد اقترب الرحيل من هذه الدّنيا فأصبح فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا (1).

و في رواية اخرى اثنان و ثمانون راجلا.

و عن الباقر عليه السّلام:كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل،فكان زهير بن القين في الميمنة و حبيب بن مظاهر في الميسرة و على رايته العبّاس و أصبح ابن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة.

و قيل:يوم السبت و عبّأ أصحابه،و كان على الميمنة عمرو بن الحجّاج و على الميسرة شمر بن ذي الجوشن (2).

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:لمّا أقبلت الخيل على الحسين عليه السّلام رفع يديه و قال:اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت به العدوّ أنزلته لديك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته،فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة،فأقبل القوم يحولون حول الحسين عليه السّلام و تقدّم الحسين عليه السّلام إلى القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل و قال:أمّا بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثمّ راجعوات.

ص: 222


1- -بحار الأنوار:3/45،و العوالم:247.
2- -البداية و النهاية:193/8.بتفاوت.

أنفسكم و عاتبوها،فانظروا هل يحلّ لكم قتلي؟

ألست ابن نبيّكم و ابن وصيّه،أما بلغكم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيّ و في أخي هذان سيّدا شباب أهل الجنّة،و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته؟أ لم تكتبوا إليّ؟

فقال له قيس بن الأشعث:ما يقول؟

فقال عليه السّلام في خطبة خطبها في ذلك الموقف:اللّهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنينا كسنيّ يوسف و سلّط عليهم غلام ثقيف لا يدع أحدا منهم إلاّ قتله ينتقم لي و لأوليائي،يابن سعد تقتلني تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدّعي بلاد الري و جرجان و اللّه لا تهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا،و لكأنّي برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماه الصبيان و يتّخذونه هدفا فاغتاظ من كلامه ثمّ نادى ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم إنّما هم أكلة واحدة،ثمّ نادى ابن سعد:يا دريد ادن رايتك فأدناها ثمّ وضع سهما في كبد قوسه ثمّ رمى و قال:اشهدوا إنّي أوّل من رمى الحسين و أصحابه،فرمى أصحابه كلّهم،فما بقي من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا ثمّ صاح الحسين:أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه.

ثمّ تبارزوا و كان كلّ من خرج من أصحاب الحسين عليه السّلام ودّعه و قال:السلام عليك يابن رسول اللّه،فيقول له:و عليك السلام و نحن خلفك و يقرأ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1)،و برز إليهم عبد اللّه الكلبي و كانت معه امّه فقالت:قم يا بني و انصر ابن بنت رسول اللّه،فقال:أفعل يا أمّاه فبرز و قاتل حتّى قتل منهم جماعة،فرجع إلى امّه و امرأته فقال:يا أمّاه أرضيت؟

فقالت:ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السّلام فيكون جدّه في القيامة شفيعا لك، فرجع حتّى قتل تسعة عشر فارسا و اثنى عشر راجلا ثمّ قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلامه فقتلها،و هي أوّل امرأة قتلت3.

ص: 223


1- -سورة الأحزاب:23.

في عسكر الحسين عليه السّلام (1)

و روي أنّ امّه أخذت عمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين عليه السّلام:ارجعي أنت و ابنك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء،و كان يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الاثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم و يقتل من أصحاب عمر الجماعة فلا يبين فيهم لكثرتهم،ثمّ حضر وقت الصلاة و صلّى الحسين بأصحابه صلاة الخوف،و قيل:إنّهم صلّوا فرادى بالإيماء (2).

و روي أنّ سعيد الحنفي تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما جاء إلى الحسين سهم تلقّاه بنفسه حتّى سقط إلى الأرض و هو يقول:اللّهم ابلغ نبيّك عنّي السلام و ابلغه ما لقيت من ألم الجراح ثمّ مات،فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرّماح.و تقدّم جون مولى أبي ذرّ و كان عبدا أسود فقال له الحسين:أنت في حلّ منّي،فقال:يابن رسول اللّه أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدّة أخذلكم و اللّه إنّ ريحي المنتن و أنّ حسبي اللئيم و لوني أسود و اللّه لا افارقكم حتّى يختلط هذا الدّم الأسود بدمائكم،فبرز للقتال و قتل جماعة حتّى قتل فوقف عليه الحسين و قال:اللّهم بيّض وجهه و طيّب ريحه و احشره مع الأبرار و عرّف بينه و بين آل محمّد (3).

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ الناس كانوا يدفنون القتلى،فوجدوا الأسود بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك و كان شعره في الحرب،شعر:

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود *** بالمشرفي القاطع المهنّد

بالسيف صلنا عن بني محمّد *** أذبّ عنهم باللّسان و اليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد *** من الإله الواحد الموحّد

إذ لا شفيع عنده كأحمد ***

و خرج إليهم حنظلة فنادى:يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب و قد خاب من2.

ص: 224


1- -بحار الأنوار:12/45،و العوالم:256.
2- -بحار الأنوار:17/45،و العوالم:261.
3- -كلمات الإمام الحسين:452.

افترى،ثمّ قال للحسين عليه السّلام:ألا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا؟

فقال:رح إلى ما هو خير لك،فسلّم على الحسين عليه السّلام ثمّ قاتل حتّى قتل،و خرج زهير و هو يرتجز شعر:

أنا زهير و أنا ابن القين *** أذودكم بالسيف عن حسيني

إنّ حسينا أحد السبطين *** من عترة البرّ التقيّ الزينيّ

فقاتل حتّى قتل مائة و عشرين ثمّ قتل رضوان اللّه عليه،و لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و لم يبق إلاّ أهل بيته و هم ولد علي و ولد جعفر و ولد عقيل و ولد الحسن و ولده عليهم السّلام اجتمعوا و ودّع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب،فأوّل من برز من أهل بيته عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و قال شعر:

اليوم ألقى مسلما و هو أبي *** و فتية بادوا على دين النبيّ

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب *** لكن خيار و كرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب ***

فقتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات و اشترك في قتله الصيداوي و أسد بن مالك و خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يقول،شعر:

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ *** من معشر في هاشم و غالب

فقتل خمسة عشر فارسا،ثمّ قتله بشر بن لوط الهمداني ثمّ خرج أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يقول شعر:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني *** من هاشم و هاشم اخواني

كهول صدق سادة الأقران *** هذا حسين شامخ البنيان

فقتل سبعة عشر فارسا ثمّ قتله عثمان الجهني،و خرج من بعده محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار فقتل منهم عشرة ثمّ قتله عامر التميمي،و خرج من بعده أخوه عون و قتل ثمانية عشر رجلا و ثلاثة فوارس و قتله ابن بطّة،ثمّ خرج القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فاستأذن الحسين عليه السّلام فأبى أن يأذن له فلم يزل يقبّل يديه و رجليه حتّى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خدّيه و هو يقول شعر:

ص: 225

إن تنكروني فأنا ابن الحسن *** سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن

فقتل منهم خمسة و ثلاثين رجلا فضربه عمر الأزدي بالسيف على رأسه فوقع الغلام لوجهه و نادى يا عمّاه،فجاءه الحسين عليه السّلام كالصقر المنقضّ فقتل قاتله و حملت خيل أهل الكوفة فجرحته بحوافرها حتّى مات الغلام فانجلت الغبرة،فإذا الحسين واقف على رأس الغلام و هو يفحص برجله فقال الحسين عليه السّلام:يعزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك بعدا لقوم قتلوك،ثمّ احتمله حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته،ثمّ برز عبد اللّه بن الحسن و هو يقول شعر:

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة *** ضرغام اجام و ليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة ***

فقتل أربعة عشر رجلا ثمّ قتله حرملة بن كاهل الأسدي،ثمّ برز أبو بكر بن الحسن و قتله عبد اللّه بن عقبة،ثمّ تقدّمت اخوة الحسين فبرز منهم أبو بكر بن عليّ ثمّ عثمان بن علييّ.

و عن عليّ عليه السّلام قال:إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون (1).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:لعلّ أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما سمّى أولاده بهذه الأسماء مع أنّه لا يحبّها توسيعا على شيعته في ميدان التقيّة،مثلا لو كان رجل من الشيعة في بلاد المخالفين و قيل له:أتحبّ أبا بكر و عمر و عثمان؟يقول:نعم و يحلف على هذا قاصدا إلى أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثمّ خرج جعفر بن علي قتله خولي الأصبحي،و خرج من بعده أخوه عبد اللّه بن علي و قتل و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له،ثمّ خرج محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب و قتله رجل من بني تميم،و خرج من بعده أخوه إبراهيم بن عليّ بن أبي طالب و هؤلاء الثلاثة إخوة العبّاس بن عليّ لامّه و كانت أمّ هؤلاء الأربعة تخرج إلى البقيع فتندبهم و الناس يسمعون و يبكون قالوا:و كان العبّاس سقّاء الحسين عليه السّلام صاحب لوائه و هو أكبر الاخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة فضربه5.

ص: 226


1- -بحار الأنوار:36/45.

على يمينه فأخذ السيف بشماله و قاتل ثمّ قطعت شماله فقاتل حتّى ضربه ملعون بعمود على رأسه،فلمّا رآه الحسين عليه السّلام صريعا على شاطئ الفرات بكى و قال شعر:

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم *** و خالفتموا دين النبيّ محمّد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا *** أما نحن من نجل النبيّ المسدّد

أما كانت الزهراء امّي دونكم *** أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا *** فسوف تلاقوا حرّ نار توقد (1)

و روي أنّ العبّاس لمّا رأى وحدة الحسين عليه السّلام أتاه و قال:يا أخي هل من رخصة،فبكى الحسين و قال:أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرّق عسكري،فقال العبّاس:قد سئمت من الحياة و أريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين فقال له:فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء،فركب و أخذ رمحه و القربة و قصد الفرات فأحاطه أربعة آلاف ممّن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فقتل منهم ثمانين رجلا،فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين فرمى بالماء و ملأ القربة و حملها على كتفه فقطعوا عليه الطريق ثمّ قطعوا يده اليمنى فحمل القربة باليسرى ثمّ قطعها نوفل من الزند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة فاريق ماءها ثمّ جاءه سهم أصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين:

أدركني فأتى إليه و حمله إلى الخيمة.

و لمّا قتل العبّاس قال الحسين عليه السّلام:الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي،ثمّ برز القاسم بن الحسين و برز من بعده عليّ بن الحسين و امّه ليلى الثقفية و هو ابن ثماني عشرة سنة و يقال ابن خمس و عشرين سنة و قال الحسين:اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك،كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه،اللّهم امنعهم بركات الأرض (2).

و روي أنّه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا ثمّ رجع إلى أبيه يشكو العطش فدفع إليه خاتمه يمصّه و قال:امسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوّك،فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى4.

ص: 227


1- -المناقب:256/3،و بحار الأنوار:41/45.
2- -بحار الأنوار:41/45،و العوالم:284.

يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا،فرجع إلى القتال حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه ملعون على مفرق رأسه و ضربه الناس بأسيافهم،فلمّا بلغت الروح التراقي نادى:يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى و هو يقول:العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة فصاح الحسين:لعن اللّه قوما قتلوك على الدّنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم:فكأنّي أنظر إلى امرأة كأنّها الشمس خرجت مسرعة تنادي:يا نور عيناه،فقيل:هي زينب بنت علي فجاءت و انكبّت عليه فردّها الحسين عليه السّلام إلى الفسطاط و حملوه إلى قتلاهم.

قال أبو الفرج:عليّ بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له و يكنّى أبا الحسن و امّه ليلى بنت أبي مرّة و هو أوّل من قتل في الوقعة.

ثمّ قالوا:و خرج من تلك الأبنية غلام و في اذنيه درّتان و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه تذبذبان،فحمل عليه هاني بن بعيث لعنه اللّه فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة ثمّ التفت الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا فلم ير أحدا من الرجال،فخرج عليّ ابن الحسين زين العابدين و كان مريضا فقال الحسين:يا امّ كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد و تقدّم الحسين إلى باب الخيمة فقال:ناولوني ابني عليّا الطفل حتّى أودّعه.

و قال المفيد:دعى ابنه عبد اللّه فجعل يقبّله و الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه،فتلقّى الحسين عليه السّلام دمه حتّى امتلأت كفّه.ثمّ رمى به إلى السماء و لم يسقط قطرة إلى الأرض ثمّ نظر الحسين إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى، فنادى:يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا امّ كلثوم عليكنّ منّي السلام،فنادته سكينة:يا أبه استسلمت للموت.

قال:كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين فقالت:يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا فقال:

هيهات لو ترك القطا لنام،فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين عليه السّلام فرسه و برز إلى القوم و هو يقول،شعر:

خيرة اللّه من الخلق أبي *** ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين

ص: 228

فضّة قد خلصت من ذهب *** فأنا الفضّة و ابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى *** أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء امّي و أبي *** قاصم الكفر ببدر و حنين

عبد اللّه غلاما يافعا *** و قريش يعبدون الوثنين

فأبي شمس و امّي قمر *** فأنا الكوكب و ابن القمرين

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنى منه حتّى قتل مقتلة عظيمة،قال بعضهم:

و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه،و إنّه كان يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب،و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر،و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد:الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب،فاحملوا عليه من كلّ جانب.و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس:أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب،فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام فقال الحسين عليه السّلام:اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين عليه السّلام يده فغرف من الماء فقال فارس:يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك،فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة.

ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته،فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال:اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة،اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم،أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول:يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي،و أيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة و قيل ألف و تسعمائة جراحة.

ص: 229

و قال الباقر عليه السّلام:اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ (1).

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره،فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح،فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء،ثمّ وضع يده ثانيا،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال:هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال،فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن اليسر لعنه اللّه،فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته:تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه،اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين.

ثمّ إنّ شمر حمل على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال:عليّ بالنار أحرقه على من فيه،فقال له الحسين عليه السّلام:أحرقك اللّه بالنار،فقال الحسين عليه السّلام لأهله:ابعثوا إليّ ثوبا خلقا اجعله تحت ثيابي لئلاّ أجرّد،فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه،فلمّا قتل جرّدوه منه ثمّ استدعى بسراويل من حبره ففزرها و لبسها،فلمّا قتل سلبها بحر بن كعب و تركه مجرّدا،فكانت يدا بحر بعد ذلك يبسان في الصيف و ينضحان الماء في الشتاء إلى أن مات.

و لمّا أثخن بالجراح و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن و خرجت زينب من الفسطاط تنادي:وا أخاه وا سيّداه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل،و صاح شمر:ما تنتظرون بالرجل فحملوا عليه من كلّ جانب فضربه رجل ضربة بالسيف كبا منها لوجهه و طعنه سنان1.

ص: 230


1- -أمالي الصدوق:228 ح 1.

في ترقوته و رما أيضا بسهم وقع في نحره فنزع عليه السّلام السهم من نحره و قرن كفّيه جميعا و كلّما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته يقول:هكذا ألقى اللّه مخضبا بدمي.

فقال ابن سعد لرجل:انزل إلى الحسين و أرحه،فبدر إليه خولي الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد و نزل إليه سنان النخعي فضربه بالسيف على حلقه الشريف و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أبا و أمّا،ثمّ احتزّ رأسه المقدّس (1).

و روي أنّ سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة،ثمّ قطع يديه و رجليه و أغلى له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب (2).

و قيل:الذي قطع رأس الحسين هو الشمر لعنه اللّه،و قيل:بل جاء إليه شمر و سنان و الحسين عليه السّلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش و يطلب الماء فرفسه شمر برجله و قال:يابن أبي تراب ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه،فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده فاحتزّ رأسه (3).

و روي أنّ فرس الحسين عليه السّلام يحامي عنه و يثب على الفارس فيحبطه عن سرجه و يدوسه حتّى قتل أربعين رجلا،ثمّ نزع في دم الحسين و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض و في حين قتله ارتفعت في السماء غبرة شديدة و سواد مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين و لا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم،فلبثوا ساعة ثمّ انجلت عنهم (4).

و عن هلال بن نافع قال:إنّي لواقف مع أصحاب ابن سعد إذ صرخ صارخ:ابشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين،فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه و أنّه ليجود بنفسه فو اللّه ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فقال له رجل:لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية.5.

ص: 231


1- -بحار الأنوار:55/45،و العوالم:298.
2- -بحار الأنوار:55/45،و العوالم:298.
3- -بحار الأنوار:56/45،و العوالم:300.
4- -المناقب:215/3،و بحار الأنوار:57/45.

فقال:بل أرد على جدّي و أسكن معه في داره و أشرب من ماء غير آسن و أشكو إليه ما ارتكبتم منّي،فاحتزّوا رأسه و هو يكلّمهم فتعجّبت من قلّة رحمهم.

فقلت:و اللّه لا أجامعكم على أمر أبدا،ثمّ أقبلوا على سلب الحسين،فأخذ قميصه إسحاق الحضرمي فلبسه فصار أبرص،و أخذ سراويله بحر بن كعب ثمّ صار زمنا مقعدا،و أخذ عمامته خنس بن علقمة فاعتمّ بها فصار مجنونا مجذوما،و أخذ درعه مالك الكندي فصار معتوها،و أخذ نعليه الأسود بن خالد و أخذ خاتمه بجدل الكلبي فقطع اصبعه عليه السّلام مع الخاتم و هذا أخذه المختار فقطع يديه و رجليه و تشحّط بدمه حتّى مات و أخذ قطيفة له من خزّ قيس بن الأشعث،و أخذ درعه البتراء عمر بن سعد و أخذ سيفه جميع الأزدي و هذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار،و أنّ ذلك كان مذخورا مع أمثاله من ذخائر النبوّة و الإمامة.و تسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول حتّى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها (1).

و روى حميد بن مسلم قال:رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد،فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين فسطاطهنّ و هم يسلبونهنّ أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت:يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه لا حكم إلاّ للّه يا ثارات رسول اللّه،فأخذها زوجها و ردّها إلى رحله ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة و أشعلوا فيها النار فخرجن مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلّة،و قلن:بحقّ اللّه الاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين،و تنادى بصوت حزين:وا محمّداه هذا حسين مرمّل بالدّماء مقطّع الأعضاء و بناتك سبايا إلى اللّه المشتكى و إلى محمّد المصطفى و آل عليّ المرتضى،هذا حسين بالعراء يسفى عليه الصبا اليوم مات جدّي رسول اللّه يا حزناه يا كرباه يا أصحاب محمّد هؤلاء ذرّية المصطفى يساقون سوق السبايا و هذا حسين محزوز الرأس من القفا،بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا هو غائب فيرجى و لا جريح فيداوى بأبي المهموم حتّى قضا،بأبي العطشان حتّى مضى،بأبي من شيبته تقطر بالدماء،فأبكت كلّ عدوّ و صديق ثمّ إنّ سكينة اعتنقت جسد الحسين عليه السّلام فاجتمع عدّة من الأعراب حتّى جرّوها عنه.2.

ص: 232


1- -بحار الأنوار:58/45،و العوالم:302.

و نادى ابن سعد:من يوطء ظهر الحسين بالخيل؟فانتدب منهم عشرة و هم إسحاق و أخنس بن مرثد و حكيم بن طفيل و عمرو بن صبيح و رجاء العبدي و سالم بن خيثمة و صالح الجعفي و واخط بن ناغم و هاني الحضرمي و أسيد بن مالك،فداسوا الحسين بحوافر خيلهم حتّى رضوا ظهره و صدره.

قال أبو عمرو الزاهد:فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا و هؤلاء أخذهم المختار فشدّ أيديهم و أرجلهم بسكك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا (1).

و روي أنّهم لمّا دخلوا خيمة النساء أخذوا ما كان فيها حتّى أفضوا إلى قرط كان في اذني امّ كلثوم اخت الحسين عليه السّلام فأخذوه و خرموا اذنها و قالت فاطمة الصغرى:كنت واقفة بباب الخيمة و أنا أنظر إلى أبي و أصحابه كالأضاحي على الرّمال،و أنا أفكّر فيما يكون إليه أمرنا بعد أبي،فإذا براكب يسوق النساء بكعب رمحه و قد أخذ ما عليهن من أخمرة و أسورة و هن يصحن:وا جدّاه وا أبتاه وا عليّاه وا قلّة ناصرتاه أما من مجير يجيرنا،فضربني بكعب الرمح فسقطت على وجهي فخرم أذني و أخذ قرطي و مقنعتي و ترك الدماء تسيل على خدّي و إذا بعمّتي تبكي و تقول:قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات و أخيك العليل،فقلت:

يا عمّتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظّارة؟

فقالت:و عمّتك مثلك فرأيت رأسها مكشوفا و ظهرها أسود من الضرب فما رجعت إلى الخيمة إلاّ و هي قد نهبت و ما فيها و أخي عليّ بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش و الأسقام،فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا.و جاء عمر بن سعد فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهنّ ليسترن به فقال:من أخذ من متاعهم فليردّه فو اللّه ما ردّ أحد منهم شيئا،ثمّ إنّ ابن سعد سرح برأس الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم إلى ابن زياد ثمّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته و أصحابه فقطعت و سرح بها مع شمر إلى الكوفة و أقام يومه ذلك،فجمع قتلاه و صلّى عليهم و دفنهم و ترك الحسين و أصحابه على التراب.

فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد فصلّوا عليهم و دفنوهم و كانوا2.

ص: 233


1- -بحار الأنوار:58/45،و العوالم:302.

يجدون لأكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضاء،و كانت رؤوسهم ثمانية و سبعين رأسا و اقتسمتها القبائل ليقربوا بها إلى يزيد و ابن زياد،فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا و صاحبهم قيس بن الأشعث،و جاءت هوازن باثنى عشر رأسا و صاحبهم شمر لعنه اللّه و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و جاءت بنو أسد بستّة عشر رأسا،و صاحبهم مدحج بسبعة رؤوس،و جاءت سائر الناس بثلاثة رؤوس (1).

و عن محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام قال:قتل مع الحسين عليه السّلام سبعة عشر إنسانا كلّهم ارتكض في بطن فاطمة يعني بنت أسد أمّ عليّ عليه السّلام (2).

و روى الشيخ في المصباح عن عبد اللّه بن سنان قال:دخلت على الصادق عليه السّلام يوم عاشوراء فلقيته حزينا باكيا فسألته فقال:هذا اليوم الذي أصيب فيه الحسين فقلت:ما تقول في صومه؟

فقال:صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت و لا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء،فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه و في الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم يعزّ على رسول اللّه مصرعهم،و لو كان في الدّنيا حيّا لكان هو المعزّى بهم.

ثمّ قال:لمّا خلق اللّه النور خلقه يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان و خلق الظلمة يوم الأربعاء يوم عاشوراء (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال لي:يا بني إنّك ستساق إلى العراق و تستشهد بها و معك جماعة لا يجدون ألم مسّ الحديد و تلى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ،يكون الحرب بردا و سلاما عليك و عليهم،فابشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا ثمّ أمكث ما شاء اللّه فأكون أوّل من تنشقّ الأرض عنه فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين و قيام قائمنا و حياة رسول7.

ص: 234


1- -العوالم:306.
2- -بحار الأنوار:63/45 ح 2،و العوالم:342 ح 2.
3- -مستدرك الوسائل:52/57.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لينزلن محمّد و عليّ و جميع من منّ اللّه علينا على جمال من نور لم يركبها مخلوق و لينزلنّ إلى جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و جنود من الملائكة ثمّ ليدفعن محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لواءه و سيفه إلى قائمنا ثمّ نمكث ما شاء اللّه ثمّ تخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن و عينا من ماء و عينا من لبن ثمّ يدفع أمير المؤمنين عليه السّلام إلي سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يبعثني إلى المشرق و المغرب،فلا أتى عدوّ للّه إلاّ أهرقت دمه و لا صنما إلاّ أحرقته حتّى أفتح الهند و إنّ دانيال و يوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين و يبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم و يبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم،ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم اللّه لحمها حتّى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيب و أخير اليهود و النصارى و أهل الملل بين الإسلام و السيف،و لا يبقى أحد من شيعتنا إلاّ بعث اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب و يعرّفه أزواجه و منزلته في الجنّة و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلاّ كشف اللّه عنه بنا أهل البيت و لتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء،ثمّ إنّ اللّه ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض و ما كان فيها حتّى أنّ الرجل يريد أن يعلم علمه أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون (1).

و في كتاب الأمالي عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام قالت:دخلت العامّة علينا و أنا جارية صغيرة و في رجلي خلخالان من ذهب،فجعل رجل يفضّ الخلخالين من رجلي و هو يبكي، فقلت:ما يبكيك يا عدوّ اللّه؟

فقال:كيف لا أبكي و أنا أسلب بنت رسول اللّه،قلت:فلا تسلبني.

قال:أخاف أن يجيء غيري فيسلبه،و انتهبوا ما في الأبنية حتّى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا.

و عن محمّد بن عليّ عليهما السّلام قال:لمّا همّ الحسين عليه السّلام بالخروج من المدينة اجتمعت نساء بني عبد المطّلب للنياحة فمنعهنّ الحسين عليه السّلام فقلن له:فلمن نستبقي النياحة و البكاء،فهو عندنا كيوم مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و علي و فاطمة،و قالت له بعض عمّاته:يا حسين سمعت الجنّ ناحت لنوحك شعر:5.

ص: 235


1- -العوالم:346 ح 2،و الشيعة في أحاديث الفريقين:125.

إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقابا من قريش فذلّت (1)

و روي عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:خرجنا مع الحسين عليه السّلام فما نزل منزلا و لا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا و قتله و قال يوما:و من هوان الدّنيا على اللّه عزّ و جلّ أنّ رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل (2).2.

ص: 236


1- -أمالي الصدوق:228،و بحار الأنوار:82/45.
2- -بحار الأنوار:175/14،و ميزان الحكمة:910/2.

شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما

و في كتاب الأمالي:مسندا إلى أبي محمّد شيخ لأهل الكوفة في شهادة ولدي مسلم الصغيرين قال:لمّا قتل الحسين بن علي أسر من عسكره غلامان صغيران فأتي بهما عبيد اللّه بن زياد فدعا سجّانا له و قال:خذ هذين الغلامين و لا تطعمهما من طيب الطعام و لا تسقهما من الماء البارد و ضيّق عليهما في السجن،و كان الغلامان يصومان النهار فإذا جنّهما الليل أتي لهما بقرصين من شعير و كوز ماء فصارا في الحبس طول السنة،فقال أحدهما للآخر:يا أخي يوشك أن تفنى أعمارنا في السجن و تبلى أبداننا فإذا جاء الشيخ فاعلمه بحالنا لعلّه يوسّع علينا في طعامنا،فأقبل الشيخ بقرصين من شعير،فقال له الغلام الصغير:يا شيخ أتعرف محمّدا؟

قال:هو نبيّي كيف لا أعرفه،قالوا:أتعرف عليّ بن أبي طالب؟

قال:هو ابن عمّ النبيّ.

قال له:يا شيخ نحن من عترة النبيّ من ولد مسلم بن عقيل و قد ضيّقت علينا السجن فانكبّ الشيخ يقبّل أقدامهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء هذا باب السجن مفتوح فخذا أيّ طريق شئتما.

فلمّا جنّهما الليل أتى لهما بقرصين من شعير و كوز من ماء و وقفهما على الطريق و قال لهما:سيرا الليل و اكمنا النهار ففعل الغلامان ذلك،فلمّا جنّهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها:إنّا غلامان صغيران غريبان لا نعرف الطريق أضيفينا سواد هذه الليلة،فقالت لهما:فمن أنتما فما شممت ريحة أطيب من ريحتكما؟فقالا:نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل،فقالت العجوز:يا حبيبي إنّ لي صهرا فاسقا قد شهد الوقعة مع عبيد اللّه بن زياد أتخوّف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما،قالا:سواد هذه الليلة،قالت:

سآتيكما بطعام.

ص: 237

فلمّا و لجا الفراش قال الصغير للكبير:يا أخي إنّا نرجو أن نكون قد آمنّا ليلتنا هذه فتعال حتّى اعانقك و تعانقني و أشمّ ريحك و تشمّ ريحي قبل أن يفرّق الموت بيننا،ففعل الغلامان ذلك و اعتنقا و ناما.

فلمّا كان في بعض الليل أقبل صهر العجوز الفاسق حتّى قرع الباب فدخل و قد أصابه التعب،فقال:هرب غلامان من عسكر ابن زياد فنادى من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم و من جاء برأسيهما فله ألفا درهم و قد تعبت و لم يصل في يدي شيء،قالت العجوز:يا صهري احذر أن يكون خصمك محمّد في القيامة،فقال:الدّنيا محرص عليها،فأكل الملعون و شرب،فلمّا كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف الليل،فأقبل يلمس بكفّه جدار البيت حتّى وقعت يده على جنب الغلام الصغير فقال:من هذا؟

قال:أمّا أنا فصاحب المنزل،فمن أنتما؟فأقبل الصغير يحرّك الكبير و يقول له:قم فقد وقعنا فيما كنّا نحذره.

قال لهما:من أنتما؟قالا له:إن صدقناك فلنا الأمان؟

قال:نعم،فأخذا عليه العهود المؤكّدة[ثم] (1)قالا:يا شيخ نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل فقال:من الموت هربتما و إلى الموت وقعتما،الحمد للّه الذي أظفرني بكما،فشدّ أكتافهما إلى الصباح،فلمّا أصبح دعى غلاما له أسود اسمه فليح فقال:خذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و اضرب أعناقهما و أتني برؤوسهما لأنطلق بهما إلى ابن زياد و آخذ الجائزة،فحمل الغلام السيف و مشى مع الغلامين فقالا له:يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:إنّ مولاي قد أمرني بقتلكما فمن أنتما؟ قالا:نحن من عترة النبيّ هربنا من القتل،فانكبّ الأسود على أقدامهما يقبّلهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء و اللّه لا يكون محمّد خصمي في القيامة،ثمّ رمى السيف و عبر الفرات إلى الجانب الآخر فصاح به مولاه:عصيتني،فقال:إذا أنت عصيت اللّه فأنا منك بريء فدعا ابنه فقال:يا بني إنّما أجمع الدّنيا حلالها و حرامها لك،فخذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و أتني برؤوسهما لآخذ الجائزة من ابن زياد فأخذ السيف و مضى مع الغلامين فقال أحدهما:خ.

ص: 238


1- -زيادة في بعض النسخ.

يا شاب ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنّم.

قال:من أنتما؟قالا:من عترة نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فانكبّ الغلام على أقدامهما و رمى السيف و عبر الفرات فصاح به أبوه،ثمّ قال الملعون:لا يلي أحد قتلكما غيري و أخذ السيف و مشى معهما،فلمّا نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما و قالا له:يا شيخ انطلق بنا إلى السوق بعنا و خذ أثماننا و لا تجعل محمّدا خصمك في القيامة،فقال:لا،ولكن أقتلكما و أذهب برؤوسكما إلى ابن زياد لأجل الجائزة،فقالا له:فامض بنا إلى ابن زياد حتّى يحكم فينا بأمره،فقال:لا،إلاّ أن أتقرّب بدمكما،قالا له:أما ترحم صغر سنّنا؟

قال:ما جعل اللّه لكما في قلبي من الرحمة شيئا،قالا:إن كان و لا بدّ فدعنا نصلّي ركعات.

قال:فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة،فصلّى الغلامان أربع ركعات ثمّ رفعا طرفيهما إلى السماء،فناديا:يا حيّ يا حكيم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ فقام إلى الأكبر فضرب عنقه و وضع رأسه في المخلاة،و أقبل الغلام الصغير يتمرّغ في دم أخيه و يقول:حتّى ألقا رسول اللّه و أنا مختضب بدم أخي ثمّ ضرب عنق الصغير و وضع رأسه في المخلاة و رمى ببدنهما في الماء و هما يقطران دما فكان بدن الأوّل على وجه الفرات ساعة حتّى رمى الثاني فأقبل بدن الأوّل راجعا يشقّ الماء شقّا حتّى التزم بدن أخيه و مضيا في الماء،و جاء إلى ابن زياد فوضع الرأسين بين يديه فقال:الويل لك أين ظفرت بهما؟

قال:أضافتهما عجوز لنا.

قال:فما عرفت لهما حقّ الضيافة؟

قال:لا.

قال:فأيّ شيء قالا لك؟فحكى كلامهما و جوابه لهما قال:أفلا جئتني بهما حيّين فكنت أضعف لك الجائزة و أجعلها أربعة آلاف درهم؟

قال:ما رأيت إلاّ التقرّب إليك بدمهما.

قال:ما قالا لك في آخر صلاتهما؟

قال:قالا:يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ.

ص: 239

قال ابن زياد:قد حكم اللّه بينك و بينهما،من للفاسق؟فانتدب له رجل من أهل الشام قال:أنا له.

قال:فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه و لا تترك أن يختلط دمه بدمهما و عجّل برأسه،ففعل الرجل ذلك و جاء برأسه فنصبه على قناة فجعل الصبيان يرمونه بالنبل و الحجارة و يقولون:هذا قاتل ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

أقول:روى هذه القصة في المناقب بتغيير يسير في ألفاظها إلاّ أنّه ذكر أنّ الغلامين اللّذين هربا من عسكر ابن زياد إبراهيم و محمّد و كانا من ولد جعفر الطيّار و ذكر في آخرها أنّ ابن زياد لمّا أمر بقتل الملعون قاتلهما رمى جيفته في الماء فلم يقبل الماء و رمى به إلى الجرف.فأمر ابن زياد أن يحرق بالنار،ففعل به ذلك و صار إلى عذاب اللّه تعالى (1).5.

ص: 240


1- -أمالي الصدوق:148،و بحار الأنوار:105/45.

الفصل الرابع: في الوقائع المتأخّرة عن مقتله عليه السلام

اشارة

إلى رجوع أهل البيت عليهم السّلام إلى المدينة و ما ظهر من أسراره عليه السّلام في تلك الأحوال

قال السيّد ابن طاووس:و سار ابن سعد بالسبايا،فلمّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنّ،فأشرقت امرأة من الكوفيات فقالت:من أيّ الأسارى أنتنّ؟فقلن:نحن أسارى محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فنزلت و جمعت مقانع فأعطتهن فتغطين فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون.

فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أتنوحون و تبكون من أجلنا،فمن قتلنا؟!

و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السّلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت:يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه و سبيتم نساءه و نكبتموه،فتبّا لكم و سحقا ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم و أيّ وزر على ظهوركم حملتم و أيّ دماء سفكتموها و أيّ كريمة أصبتموها و أيّ حبيبة سلبتموها و أيّ أموال انتهبتموها؟

فضجّ الناس بالبكاء و الحنين و نشر النساء شعورهنّ و وضعن التراب على رؤوسهنّ فلم ير باكيا و باكية من ذلك اليوم،ثمّ قام زين العابدين عليه السّلام و قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن علي،أنا ابن المذبوح بشط الفرات،أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه و انتهب ماله و سبي عياله سوءة لكم بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ يقول لكم:قتلتم عترتي فلستم من أمّتي؟

فقالوا كلّهم:نحن يابن رسول اللّه سامعون مطيعون فمرنا بأمرك،فقال:هيهات هيهات أيّها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل،كلاّ و ربّ الراقصات فإنّ الجرح لمّا يندمل ثمّ قال شعر:

ص: 241

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي *** أصيب حسين كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر روحي فداءه *** جزاء الذي أرداه نار جهنّما

ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر و أذن إذنا عامّا و جيء برأس الحسين عليه السّلام فوضع بين يديه و ادخل نساء الحسين و صبيانه (1).

و روي عن مسلم الجصّاص قال:دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة فبينما أنا أجصّص الأبواب،فإذا بالأصوات ارتفعت من جوانب الكوفة فسألت،فقالوا:الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت:من هذا؟

فقالوا:الحسين بن عليّ،فلطمت وجهي و خرجت فرأيت أربعين جملا تحمل عليها السبايا و الحرم و إذا بعليّ بن الحسين على البعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما و هو مع ذلك يبكي و يقول شعر:

يا امّة السوء لا سقيا لربعكم *** يا امّة لم تراعى جدّنا فينا

لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية *** كأنّنا لم نشيد فيكم دينا

تصفقون علينا كفّكم فرحا *** و أنتم في فجاج الأرض تسبونا

يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا *** و اللّه يهتك أستار المسيئينا

قال:و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز،فصاحت بهم امّ كلثوم و قالت:يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض،قال:و إذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول اللّه و لحيته قد نصل عنها الخضاب و وجهه دارة قمر طالع و الريح تلعب بلحيته يمينا و شمالا،فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فضربت رأسها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و جعلت تقول،شعر:

يا هلالا لما استتمّ كمالا *** غاله خسفه فزيد غروبا

ما توهّمت يا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدّرا مكتوبا2.

ص: 242


1- -مثير الأحزان:70،و العوالم:382.

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها *** فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا *** ماله قد قسى و صار صليبا

ما أذلّ اليتيم حين ينادي *** بأبيه و لا يراه مجيبا

ثمّ وضع رأس الحسين عليه السّلام بين يدي ابن زياد و ادخل عليه نساء الحسين و صبيانه.

فجلست زينب بنت عليّ متنكّرة،فقال لها ابن زياد:الحمد للّه الذي فضحكم،فقالت:إنّما يفتضح الفاسق،فقال:كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟

فقالت:ما رأيت إلاّ جميلا؛هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم،فتحاجّ و تخاصم.

و قال المفيد:لمّا وضع الرأس بين يديه جعل ينظر إليه و يتبسّم و بيده قضيب يضرب به ثناياه،و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه شيخ كبير،فقال:ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو اللّه الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عليها ما لا أحصيه، ثمّ انتحب باكيا،فقال ابن زياد:أتبكي لفتح اللّه لولا أنّك شيخ كبير قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك،فنهض زيد بن أرقم باكيا إلى منزله،ثمّ أمر ابن زياد بنساء الحسين فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت عليّ:لا يدخلن علينا عربية إلاّ امّ ولد أو مملوكة فإنّهنّ سبيتا و نحن قد سبيتا،ثمّ أمر برأس الحسين عليه السّلام فطيف به في سكك الكوفة، شعر:

رأس ابن بنت محمّد و وصيّه *** للناظرين على قناة يرفع

و المسلمون بمنظر و بمسمع *** لا منكر منهم و لا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماتة *** و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها *** لك حفرة و لخط قبرك مضجع

أيقظت أجفانا و كنت لها كرى *** و أنمت عينا لم يكن بك تهجع

ثمّ إنّ ابن زياد صعد المنبر،و قال في بعض كلامه:الحمد للّه الذي أظهر الحقّ و أهله و نصر المؤمنين و أشياعه و قتل الكذّاب ابن الكذّاب،فقام إليه ابن عفيف الأزدي و كان من الشيعة ذهبت إحدى عينيه في يوم الجمل و الاخرى يوم صفّين فقال:يابن مرجانة إنّ

ص: 243

الكذّاب ابن الكذّاب أنت و أبوك و من استعملك و أبوه،يا عدوّ اللّه تقتلون أبناء النبيّين و تتكلّمون بهذا الكلام على المنابر.

قال:عليّ به،فتبادرته الجلاوزة و أمر بقتله فقال:الحمد للّه ربّ العالمين أمّا إنّي قد كنت أسأل اللّه ربّي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمّك،و أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه.

فلمّا كفّ بصري يئست من الشهادة،و الآن الحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها، فقال ابن زياد لعنه اللّه:اضربوا عنقه،فضربت عنقه و صلب في السبخة.

و قال المفيد:لمّا أصبح ابن زياد بعث برأس الحسين عليه السّلام فدير به في سكك الكوفة.

فروي عن زيد بن أرقم أنّه لمّا مرّ به و هو على رمح و أنا في غرفة لي،فلمّا حاذاني سمعته يقرأ:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً .

فوقف و اللّه شعري و ناديت:رأسك و اللّه يابن رسول اللّه أعجب و أعجب،ثمّ أنفذ برأس الحسين عليه السّلام و كتب إلى والي المدينة يبشّره بقتل الحسين،فنادى في المدينة بقتله فلم يسمع بكاء قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين حين سمعوا النداء بقتله فدخل بعض موالي عبد اللّه بن جعفر الطيّار فنعى إليه ابنيه فاسترجع،فقال أبو السلاسل مولى عبد اللّه هذا:و اللّه لو شهدته لأحببت أن أقتل معه،الحمد للّه أصيبا مع أخي و ابن عمّي الحمد للّه عزّ عليّ مصرع الحسين أن لا أكون واسيته بيدي فقد آساءه ولداي،فخرجت امّ لقمان بنت عقيل حين سمعت نعي الحسين حاسرة و معها أخواتها تبكي قتلاها بالطفّ و تقول،شعر:

ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم *** ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي *** منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحته لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

و سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي،شعر:

أيّها القاتلون جهلا حسينا *** ابشروا بالعذاب و التنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم *** من نبيّ و مرسل و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود *** و موسى و صاحب الإنجيل

ص: 244

و سمع قائل في الهوى بالمدينة يقول،شعر:

يا من يقول بفضل آل محمّد *** بلّغ رسالتنا بغير تواني

قتلت شرار بني اميّة سيّدا *** خير البرية ماجدا ذا شأني

ابن المفضّل في السماء و أرضها *** سبط النبيّ و هادم الأوثان

بكت المشارق و المغارب بعدما *** بكت الأنام له بكلّ لسان

و أمّا يزيد بن معاوية،فكتب إلى ابن زياد يأمره بحمل رأس الحسين و أصحابه و نساءه و ثقله،فاستدى ابن زياد بمفخر بن ثعلبة فسلّم إليه الرؤوس و النساء فسار بهم كما يسار بسبايا الكفّار يتفصّح وجوههنّ أهل الأقطار فنزلوا أوّل مرحلة و جعلوا يشربون،فخرجت عليهم كفّ من الحائط معها قلم من حديد فكتب سطر بدم،شعر:

أترجوا أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

و روى ابن لهيعة و غيره قال:كنت أطوف بالبيت،فإذا برجل يقول:اللّهم اغفر لي و ما أراك فاعلا،فقلت له:يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّه غفور رحيم.

قال:قصّتي إنّنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين إلى الشام،و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر،فشرب أصحابي ليلة و لم أشرب.

فلمّا جنّ الليل سمعت رعدا و برقا،فإذا السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمّه إلى صدره و قبّله و كذلك فعل الأنبياء و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على رأس الحسين،فقال جبرائيل:يا محمّد إنّ اللّه أمرني أن أطيعك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط،فقال:لا يا جبرئيل إنّ لي معهم موقفا يوم القيامة بين يدي اللّه،ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتى قوم من الملائكة و قالوا:إنّ اللّه تعالى أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:شأنكم بهم فجعلوا يضربونهم بالحربات،ثمّ قصدني واحد منهم بحربة فقلت:الأمان الأمان يا رسول اللّه فقال:اذهب فلا غفر اللّه لك،فلمّا أصبحت رأيت أصحابي كلّهم رمادا.

قال السيّد ابن طاووس:و قال ابن طاووس رحمه اللّه:و ساروا برأس الحسين و السبايا إلى

ص: 245

الشام،فلمّا قربوا من دمشق قالت امّ كلثوم للشمر:حاجتي إليك إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة و قل لهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا،فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل و سلك بهم بين الناس حتّى أتى باب دمشق فوقفوا على باب المسجد الجامع حيث يقام السبي (1).

و روي عن سهل بن سعد قال:خرجت إلى باب المقدس حتّى أتيت الشام،فإذا أنا بمدينة قد علّقوا الأستار و الحجب و هم مستبشرون و نساؤهم يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت:

هذا ليس يوم عيد،فسألتهم،فقالوا؛هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق،فقلت:

وا عجبا يهدي رأس الحسين و الناس يفرحون،فرأيت الرايات يتلو بعضها بعضا،فإذا فارس على رمحه رأس أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و من ورائه نسوة على جمال،فدنوت من أولاهم فقلت:يا جارية من أنت؟

فقالت:سكينة بنت الحسين،فقلت:أ لك حاجة؟

فقالت:قل لصاحب هذا الرأس يقدمه أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه،فدنوت من صاحب الرأس و أعطيته أربعمائة دينار حتّى قدّم الرأس أمام الحرم و دخلوا على يزيد و دخلت معهم و كان جالسا على السرير و على رأسه تاج مكلّل بالدرّ و الياقوت،فدخل صاحب الرأس و هو يقول،شعرا:

املأ ركابي ذهبا و فضّة *** أنا قتلت السيّد المحجّبا

قتلت خير الناس أمّا و أبا *** إذ ينسبون النسبا

قال:لو علمت أنّه خير الناس لم قتلته؟

قال:رجوت الجائزة منك،فأمر بضرب عنقه و خرّ رأسه و وضع رأس الحسين على طبق من ذهب و هو يقول:كيف رأيت يا حسين ثمّ قال:لعن اللّه ابن مرجانة إذ قدم على قتل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما فعلت هذا،ثمّ قال،شعر:

نعلّق هامات من أناس أعزّة *** علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما5.

ص: 246


1- -بحار الأنوار:125/45،و العوالم:425.

و لمّا وضع رأس الحسين ورآه عليّ بن الحسين لم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.

و قال عليّ بن الحسين:فقلت لزيد و أنا مغلول:ما ظنّك برسول اللّه لو رآني في الغلّ؟

فقال لمن حوله:حلّوه،و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته هوت إلى جيبها فشقّته ثمّ نادت بصوت حزين:يا حسيناه يابن مكّة و منى يابن فاطمة الزهراء يابن بنت المصطفى فأبكت من في المجلس،ثمّ دعا بقضيب خيزران فجعل ينكث به ثنايا الحسين فأقبل عليه الأسلمي و قال:ويحك أتنكث ثغر الحسين و لقد رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول:أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة،فقتل اللّه قاتلكما و لعنه و أعدّ له جهنّم،فغضب يزيد و أمر بإخراجه.

ثمّ قال عليّ بن الحسين:ائذن لي يا يزيد حتّى أصعد المنبر،فأذن له.

فلمّا صعد قال في بعض كلامه:أيّها الناس،أنا ابن مكّة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من حجّ و لبّى أنا ابن من حمل على البرق في الهوى أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى،أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى،أنا ابن من صلّى بملائكة السماء،أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى،أنا ابن محمّد المصطفى،أنا ابن عليّ المرتضى،أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا:لا إله إلاّ اللّه،أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدر و حنين،أنا ابن قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين،بستان حكمة اللّه و عيبة علمه سمح سخيّ بهيّ أبطحيّ مقدام صابر صوّام قاطع الأصلاب و مفرّق الأحزاب أسد باسل يطحنهم في الحروب طحن الرحاء،ليث الحجاز و كبش العراق،مكيّ مدنيّ خيفيّ عقبيّ بدريّ أحديّ شجريّ مهاجريّ من العرب سيّدها و من الوغا ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب،أنا ابن فاطمة الزهراء،أنا ابن سيّدة النساء.

فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و أمر يزيد المؤذّن فقطع عليه الكلام،فلمّا قال المؤذّن:

أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه التفت عليّ بن الحسين عليه السّلام من فوق المنبر إلى يزيد فقال:محمّد هذا جدّي أم جدّك؟فإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته.

ص: 247

و كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود فقال:من هذا الغلام؟

قال يزيد:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و امّه فاطمة بنت محمّد،فقال:

يا سبحان اللّه،فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة بئسما خلفتموه في ذرّيته و اللّه لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظنّنا انّا كنّا نعبده من دون ربّنا و أنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه سوء لكم من أمّة،فأمر به يزيد فضرب على حلقه فقام و هو يقول:إن شئتم فاضربوني و إن شئتم فاقتلوني أو قدروني فإنّي وجدت في التوراة أنّ من قتل ذرّية نبيّ لا يزال ملعونا في الدّنيا و إذا مات يصليه اللّه نار جهنّم.

ثمّ إنّ يزيد أمر بنساء الحسين عليه السّلام فحبسن في محبس لا يكنّهم من حرّ و لا برد حتّى تقشّرت وجوههم،و لم يرفع في بيت المقدس حجر على وجه الأرض إلاّ و تحته دم عبيط و أبصروا الشمس على الحيطان حمراء إلى أن خرج عليّ بن الحسين بالنسوة و ردّ رأس الحسين إلى كربلاء (1).

و روي أنّ سكينة رأت في منامها و هي في الشام كأنّ خمس نوق من نور أقبلت و على كلّ ناقة شيخ و الملائكة محدّقة بهم و معهم و صيف يمشي،فقال لي الوصيف:يا سكينة إنّ جدّك يسلّم عليك،فقلت:و على رسول اللّه السلام،من أنت؟

قال:وصيف من وصائف الجنّة قلت:من هؤلاء المشايخ؟

قال:الأوّل آدم صفيّ اللّه و الثاني إبراهيم خليل اللّه و الثالث موسى كليم اللّه و الرابع عيسى روح اللّه،فقلت:من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة و يقوم اخرى؟

فقال:جدّك رسول اللّه،قاصدون إلى أبيك الحسين فجئت أشكو إليه فرأيت خمسة هوادج من نور في كلّ هودج امرأة فقلت:من هذه النسوة؟

قال:الأولى حوّاء امّ البشر و الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم بنت عمران و الرابعة خديجة بنت خويلد و الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة و تقوم أخرى،فقال:

جدّتك فاطمة بنت محمّد فوقفت بين يديها أبكي و أقول:يا أمّتاه استباحوا و اللّه حريمنا و قتلوا الحسين أبانا فقالت:يا سكينة كفّي صوتك أقرحت كبدي و قطّعت نياط قلبي هذا5.

ص: 248


1- -أمالي الصدوق:232 ح 4،و بحار الأنوار:140/45.

قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتّى ألقى اللّه به،ثمّ انتبهت (1).

و روي عن محمّد بن عبد الرحمن قال:لقيني عالم النصارى فقال:و اللّه إنّ بيني و بين داود سبعين أبا و أنّ اليهود لتلقاني فتعظّمني،و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيّكم إلاّ أب واحد قتلتموه (2).

و روي عن زين العابدين عليه السّلام إنّه لمّا أتى برأس الحسين عليه السّلام إلى يزيد كان يشرب الخمر فحضر مجلسه رسول ملك الروم،فقال:هذا رأس من؟

قال:رأس الحسين بن علي أمّه فاطمة بنت رسول اللّه،فقال النصراني:أف لك و لدينك إنّ أبي من نسل داود و النصارى يأخذون من تراب قدمي تبرّكا بي،و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه ما بينه و بينكم إلاّ امّ واحدة،ثمّ قال:إنّ بين عمّان و الصين بحرا ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين و منها يحمل الكافور و الياقوت،أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصارى و فيها كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلّقة فيها حافر يقولون إنّه حافر حمار عيسى يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى يطوفون حولها و يقبّلونها،و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه؟

فقال يزيد:اقتلوا هذا النصراني لئلاّ يفضحني في بلاده.

فلمّا أحسّ بالقتل قال:إنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي:يا نصراني أنت من أهل الجنّة فتعجّبت،و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،ثمّ ضمّ رأس الحسين إلى صدره و جعل يقبّله و يبكي حتّى قتل (3).

و روي أنّ يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب الرأس على باب داره،فخرجت بنت عبد اللّه بن عامر امرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السّلام حتّى شقّت الستر و هي حاسرة فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عام فقالت:يا يزيد رأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء داري،فوثب إليها يزيد فغطّاها و قال:ابكي على ابنت بنت رسول اللّه عجّل عليه ابن زياد5.

ص: 249


1- -مثير الأحزان:84،و بحار الأنوار:141/45.
2- -بحار الأنوار:141/45،و العوالم:442.
3- -مثير الأحزان:83،و بحار الأنوار:142/45.

لعنه اللّه فقتله قتله اللّه.

و خرج زين العابدين عليه السّلام يوما يمشي في أسواق دمشق فقيل له:كيف أمسيت يابن رسول اللّه؟

قال:أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا عربي و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها،و أمسينا معشر أهل بيته مغصوبون مقتولون مشرّدون فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و للّه درّ مهيار حيث قال،شعر:

يعظّمون له أعواد منبره *** و تحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأيّ حكم بنوه يتبعونكم *** و فخركم أنّكم صحب له تبع

و دعى يزيد يوما بعليّ بن الحسين و عمرو بن الحسن و عمره إحدى عشر سنة فقال لابن الحسن:أتصارع ابني خالدا؟

فقال له عمر:لا،ولكن أعطني سكّينا و اعطه سكّينا ثمّ أقاتله،قال يزيد:شنشنة أعرفها من أخزم،و هل تلد الحيّة إلاّ الحيّة.

و قال لعليّ بن الحسين:اذكر حاجاتك الثلاث اللاّتي وعدتك بقضائهنّ؟

فقال:الاولى أن تريني وجه أبي الحسين فأودّعه،و الثانية أن تردّ إلينا ما اخذ منّا، و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهم.

فقال:أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا و أمّا قتلك فقد عفوت عنك،و أمّا النساء ما يؤدّيهن إلى المدينة غيرك،و أمّا ما اخذ منكم فأنا أعوّضكم أضعاف قيمته،فقال:إنّما طلبت ما اخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد و مقنعتها و قلادتها و قميصها،فأمر بردّ ذلك (1).5.

ص: 250


1- -مثير الأحزان:85،و بحار الأنوار:144/45.

الأقوال في الرأس

قال ابن نما:و أمّا الرأس الشريف اختلف الناس فيه،فقال قوم:إنّ عمر بن سعد دفنه بالمدينة لأنّ يزيد أرسل الرأس إلى المدينة بشارة للناس بذلك.

و عن منصور بن جمهور:إنّه دخل خزانة يزيد ثمّ اخرج بعده و دفن بدمشق عند باب مراديس عند برج الثالث كما بيّن مشرف،و حدّثني جماعة من أهل مصر أنّ مشهد الرأس عندهم يسمّونه المشهد الكريم عليه من الذهب شيء كثير يقصدونه في المواسم و يزورونه و يزعمون أنّه مدفون هناك،و الذي عليه المعوّل من الأقوال إنّه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه.

و قال السيّد طاب ثراه:فأمّا رأس الحسين عليه السّلام فروي إنّه اعيد و دفن بكربلاء مع جسده الشريف،و كان عمل الطائفة على هذا المعنى.

و روى أبو العلاء الحافظ:إنّه دفن بالبقيع عند قبر أمّه فاطمة عليها السّلام (1).

و ذكروا أنّ سليمان بن عبد الملك بن مروان أخرج الرأس من خزائن بني أميّة و دفنه بدمشق في مقابر المسلمين،فلمّا ولّي ابن عبد العزيز نبشه و أخذه،و اللّه أعلم ما صنع به، فالظاهر من دينه إنّه بعثه إلى كربلاء فدفن مع جسده عليه السّلام.

هذه الأقوال للعامّة و المشهور بين علماء الطائفة:إنّه دفن مع جسده ردّه عليّ بن الحسين.

و في أخبار كثيرة:إنّه دفن عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

و روي إنّ يزيد بعث عليّ بن الحسين و النساء إلى المدينة و مرّوا على كربلاء فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري و جماعة من بني هاشم أتوا إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام و اجتمع

ص: 251


1- -رأس الحسين:197.
2- -بحار الأنوار:145/45،و العوالم:453.

عليهم نساء تلك القرى و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم و أقاموا المآتم المقرحة للأكباد (1).

و عن أبي حبّاب الكلبي قال:حدّثنا الجصّاصون قالوا:كنّا نخرج إلى الجبّانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السّلام فنسمع الجنّ ينوحون عليه فيقولون،شعر:

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود *** أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود

فانفصلوا من العراق إلى المدينة،فلمّا قرب عليّ بن الحسين عليه السّلام من المدينة ضرب فسطاطه و نزل و قال:يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا،فهل تقدر على شيء منه؟

قلت:بلى إنّي شاعر،قال:فادخل المدينة وانع أبا عبد اللّه،قال:فدخلت المدينة راكبا،فلمّا بلغت مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رفعت صوتي بالبكاء و قلت شعر:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها *** قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلا مضرّج *** و الرأس منه على القناة يدار

ثمّ قلت:هذا عليّ بن الحسين مع نسائه نزلوا بساحتكم و أنا رسوله إليكم أخبركم بقدومه،فما بقيت في المدينة مخدّرة إلاّ برزن من خدورهنّ مكشوفة شعورهنّ مخمّشة وجوههنّ ضاربات خدودهنّ،فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و سمعت جارية تنوح على الحسين و تقول،شعر:

نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا *** و أمرضني ناع نعاه فأفجعا

فعيناي جودا بالدموع و اسكبا *** وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دعى عرش الجليل فأفزعا *** فأصبح هذا المجد و الدّين أجدعا

على ابن نبيّ اللّه و ابن وصيّه *** و إن كان عنّا شاحط الدار شسعا

فخرج الناس من المدينة إلى عليّ بن الحسين،فأتيت إليه و هو داخل الفسطاط فخرج يبكي و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء،فأشار إلى الناس بالسكوت.ثمّ خطب و قال في خطبته:أيّها الناس إنّ للّه و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة؛قتل أبو عبد اللّه و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان،فأيّ عين منكم تحبس دمعها عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها1.

ص: 252


1- -العوالم:446،و وفيات الأئمة:461.

و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقرّبون و أهل السماوات أجمعون،أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشردّين مبعدين عن الأمصار كأنّا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه،و اللّه لو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا،فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها (1).

و روي عن الصادق عليه السّلام:أنّ زين العابدين عليه السّلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله،فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه و شرابه فيقول:كل يا مولاي فيقول:قتل ابن رسول اللّه جائعا،قتل ابن رسول اللّه عطشانا،فيكرّر ذلك و يبكي حتّى يبل طعامه من دموعه ثمّ يمزج شرابه بدموعه،فلم يزل كذلك حتّى لحق باللّه عزّ و جلّ.

و روي أنّه قال له:يا سيّدي أما آن لحزنك أن ينقضي و لبكائك أن يقلّ؟

فقال لي:ويحك إنّ يعقوب كان نبيّا ابن نبيّ كان له اثنا عشر ابنا،فغيّب اللّه سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ و ذهب بصره من البكاء و ابنه حيّ في دار الدّنيا،و أنا فقدت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقلّ بكائي؟ (2)

و عن الرضا عليه السّلام تقريرا:أنّ زين العابدين عليه السّلام كان في حبس ابن زياد و قد أمكنه اللّه تعالى،فخرج و ولّى تجهيز أبيه الحسين عليه السّلام لأنّ الإمام لا يلي أمره و دفنه إلاّ إمام مثله.

و في الكافي عن عبد اللّه الأودي قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل.

فقالت فضّة لزينب:يا سيّدتي إنّ سفينة كسرت به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال:يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللّه،فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق و الأسد رابض في ناحيته،فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا،قال:فمضت إليه فقالت:يا أبا الحارث فرفع رأسه،ثمّ قالت:أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اللّه؟9.

ص: 253


1- -مثير الأحزان:91،و بحار الأنوار:148/45.
2- -بحار الأنوار:149/45،و العوالم:449.

يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال:فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام، فأقبلت الخيل،فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللّه:فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا.

تقول:سفينة بفتح(السين)و كسر(الفاء)مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قد كسرت به السفينة في البحر،فخرج على جزيرة من جزائر البحر و دلّه الأسد على الطريق (1).

و عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام جاء غراب فتمرّغ في دمه ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين فنظرت إليه و بكت و قالت،شعر:

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب *** قال الإمام فقلت من قال الموفّق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء بين الأسنّة و الضراب ***

فنعته لأهل المدينة فقالوا:قد جاءتنا بسحر عبد المطّلب،فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه السّلام (2).

و روي أنّه لمّا حمل رأسه إلى الشام جنّ عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود،فلمّا شربوا و سكروا قالوا:عندنا رأس الحسين،فقال:أروه لي و هو في الصندوق يسطع منه،النور فاستودعه اليهودي منهم و قال للرأس:اشفع لي عند جدّك،فقال الرأس:إنّما شفاعتي للمحمّديّين و لست بمحمّدي فجمع اليهود أقرباءه فوضع الرأس في طشت و صبّ عليه ماء الورد و وضع عليه العنبر و قال لأقربائه:هذا رأس ابن بنت محمّد ثمّ قال:يا لهفاه حيث لم أجد جدّك محمّدا فأسلم على يديه و لم أجدك حيّا فأسلم على يديك و أقاتل بين يديك لتشفع لي يوم القيامة،فقال الرأس:إن أسلمت فأنا لك شفيع،فأسلم الرجل و أقرباؤه.

و لعلّ هذا اليهودي كما قيل كان شاعر قنسرين،لأنّه أسلم بسبب رأس الحسين عليه السّلام و جاء ذكره في المراثي و الأشعار (3).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارة7.

ص: 254


1- -الكافي:466/1 ح 8،و بحار الأنوار:170/45 ح 17.
2- -بحار الأنوار:171/45،و العوالم:490.
3- -بحار الأنوار:172/45،و العوالم:417.

الحسين عليه السّلام و هو يقدر على ذلك؟

قال:إنّه قد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و عقنا و استخف بأمر هو له،و من زاره كان اللّه له من وراء حوائجه و كفى ما أهمّه من أمر دنياه،و إنّه ليجلب الرزق على العبد و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته و فتح له باب إلى الجنّة يدخل عليها روحها حتّى ينشر،و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر لك و ذخرها لك عنده و الحمد للّه (1).

و روي أنّ موضع حبس زين العابدين عليه السّلام هو اليوم مسجد-يعنى للفرح-يحبسه فيه (2).

و عن الرضا عليه السّلام:أنّ يزيد لعنه اللّه وضع رأس الحسين عليه السّلام أمامه و كان يلعب بالشطرنج و يشرب الفقاع،فمن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد،يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم (3).

و عن يزيد بن عمر بن طلحة قال:ركب أبو عبد اللّه عليه السّلام مع ابنه إسماعيل و أنا معهم حتّى إذا جاز الثوية بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض فنزل و صلّى هناك و قال لابنه إسماعيل:قم فسلم على جدّك الحسين فقلت:جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟

فقال:نعم،ولكن لمّا حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا و دفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما (4).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ الملعون ابن زياد لمّا بعث برأس الحسين إلى الشام ردّ إلى الكوفة فقال:اخرجوه منها لا يفتننّ به أهلها،فصيّره اللّه عند أمير المؤمنين عليه السّلام فالرأس مع الجسد8.

ص: 255


1- -كامل الزيارات:246،و بحار الأنوار:173/45.
2- -المناقب:309/3،و بحار الأنوار:176/45.
3- -بحار الأنوار:492/63،و وسائل الشيعة:290/17.
4- -فرحة الغري:93 ح 38.

و الجسد مع الرأس (1).

أقول:لعلّ المعنى أنّه بعد ردّه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام صار إلى كربلاء مع الجسد، و قيل:المعنى أنّه صعد به مع الجسد إلى السماء كما ورد في بعض الأخبار،أو أنّ بدن أمير المؤمنين عليه السّلام كالبدن لذلك الرأس،لأنّهما من نور واحد.

و روى الشيخ و الكليني قدّس اللّه روحهما أخبارا كثيرة في أنّ الرأس بعد ردّه دفن عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام.5.

ص: 256


1- -جواهر الكلام:93/20،و بحار الأنوار:178/45.

حديث عجيب

و عن زين العابدين عليه السّلام في حديث طويل يقول فيه:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:فإذا برز الحسين عليه السّلام و أصحابه إلى مضاجعهم تولّى اللّه عزّ و جلّ قبض أرواحهم بيده و هبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرّد مملوّة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنّة و طيب من طيب الجنّة،فغسلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنّطوها بذلك الطيب و صلّى الملائكة صفّا صفّا عليهم.ثمّ يبعث اللّه قوما لا يعرفهم الكفّار فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لسيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحقّ و سببا للمؤمنين إلى الفوز.و يتحفه ملائكة كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم و ليلة يصلّون عليه و يسبّحون اللّه عنده و يستغفرون اللّه لزوّاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا متقرّبا إلى اللّه و إلى رسوله و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه،هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء.

فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار و يعرفون به ويلتقطهم الملائكة و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يوم القيامة بذلك النور حتّى ينجيهم من هول ذلك اليوم،و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ إبليس يوم قتل الحسين يطير فرحا فيجول الأرض كلّها في شياطينه و عفاريته فيقول:يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلاّ من اعتصم بهذه العصابة،فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم حتّى لا ينجو منهم ناج.

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعدما حدّث بهذا الحديث:خذ إليك ما لو ضربت في طلبه اباط الإبل حولا لكان قليلا (1).

و في كتاب الخرائج و الجرائح عن سلمان بن مهران قال:بينما أنا في الطواف إذا رأيت

ص: 257


1- -بحار الأنوار:183/45،و وفيات الأئمة:448.

رجلا يقول:اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر؟فقلت:يا هذا أنت في حرم اللّه،فلم تيأس من المغفرة؟

فقال:يا هذا ذنبي أعظم من الجبال الرواسي،فخرج بي من الحرم ثمّ حدّثني و قال:أنا كنت في عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد،فنزلنا في طريق الشام على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام لنأكل فإذا كفّ في حائط الدير يكتب شعر:

أترجو أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذها فغابت ثمّ عدنا إلى الطعام،فإذا الكفّ قد عادت تكتب:

فلا و اللّه ليس لهم شفيع *** و هم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها فغابت ثمّ عادوا إلى الطعام فعادت تكتب:

و قد قتلوا الحسين بحكم جور *** و خالف حكمهم حكم الكتاب

فأشرف علينا راهب من الدّير فرأى نورا ساطعا من الرأس فقال لنا:من أين جئتم؟ قلنا:حاربنا الحسين بن فاطمة و هذا رأسه.

قال:هلاكا لكم و اللّه،لو كان لعيسى ابن مريم ابن حملناه على أحداقنا،ولكن قولوا لرئيسكم:عندي عشرة آلاف درهم يأخذها و يعطيني الرأس إلى وقت الرحيل ثمّ أردّه فأخبروا عمر بن سعد فقال:خذوا منه المال فدفع إليهم جرابين فانتقدها ابن سعد و سلّمها إلى خازنه،فأخذ الراهب الرأس فغسله و حشّاه بمسك و كافور و جعله في حريرة و وضعه في حجره و لم يزل ينوح و يبكي حتّى طلبوا منه الرأس فقال:يا رأس الحسين لا أملك إلاّ نفسي،فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدّك محمّد إنّي أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله أسلمت على يديك،فأعطاهم الرأس و لحق بالجبال يعبد اللّه.

فلمّا دنى ابن سعد من الشام قال لأصحابه:اطلبوا الجرابين فأحضرت فنظر إلى خاتمه و فتحها فإذا الدنانير تحوّلت خزفا فنظر في سكّتها،فإذا على جانب مكتوب: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ و على الجانب الآخر مكتوب: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون خسرت الدّنيا و الآخرة،فقال لغلمانه:اطرحوها في النهر،فأدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس،فلمّا مضى جانب من الليل سمعت دويّا من السماء فإذا مناديا ينادي:يا آدم اهبط،يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط،فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال:يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟فاقشعر لذلك جلدي،فقال جبرئيل:مرني ازلزل بهم الأرض،قال:لا.

ص: 258

فلمّا دنى ابن سعد من الشام قال لأصحابه:اطلبوا الجرابين فأحضرت فنظر إلى خاتمه و فتحها فإذا الدنانير تحوّلت خزفا فنظر في سكّتها،فإذا على جانب مكتوب: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ و على الجانب الآخر مكتوب: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون خسرت الدّنيا و الآخرة،فقال لغلمانه:اطرحوها في النهر،فأدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس،فلمّا مضى جانب من الليل سمعت دويّا من السماء فإذا مناديا ينادي:يا آدم اهبط،يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط،فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال:يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟فاقشعر لذلك جلدي،فقال جبرئيل:مرني ازلزل بهم الأرض،قال:لا.

قال:دعني مع هؤلاء الأربعين،فجعل ينفخ بواحد واحد.فدنى منّي،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:دعوه دعوه لا يغفر اللّه له،فتركني فأخذوا الرأس و مضوا،فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرفت له خبر.

قال سليمان[الأعمش] (1):فقلت للرجل:تنحّ عنّي لا تحرقني بنارك (2).

و في ذلك الكتاب أيضا عن المنهال قال:رأيت رأس الحسين عليه السّلام حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (3)فقال رأس الحسين بلسان فصيح:أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي (4).

و في كتاب المحاسن عن عمر بن علي بن الحسين قال:لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام لبسن نساء بني هاشم السواد و كنّ لا يشتكين من حرّ و لا برد،و كان عليّ بن الحسين يعمل لهنّ الطعام للمآتم (5).

و في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:جدّدت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسين عليه السّلام:مسجد الأشعث و مسجد جرير و مسجد سماك و مسجد شبث بن ربعي (6).2.

ص: 259


1- -زيادة في المصدر.
2- -الخرائج و الجرائح:582/2،و بحار الأنوار:188/45.
3- -سورة الكهف:5.
4- -الخرائج و الجرائح:577/2،و بحار الأنوار:188/45.
5- -الحدائق الناظرة:161/4،و بحار الأنوار:188/45.
6- -الكافي:490/3 ح 2،و الخصال:302.

و روي في بعض مؤلّفات أصحابنا مرسلا:أنّ نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه اللّه و قد حضر المجلس الذي أتي فيه برأس الحسين عليه السّلام،فبكى النصراني و صاح ثمّ قال:اعلم يا يزيد إنّي دخلت المدينة تاجرا في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسألت أصحابه أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا؟

فقالوا:الطيب،فحملت إليه من المسك و العنبر و هو يومئذ في بيت زوجته أمّ سلمة الطيور فرأيت نورا ساطعا فتعلّق قلبي بمحبّته فقلت:هذا هدية محقرة فقال لي:إن قبلت منّي الإسلام و أنا وزير ملك الروم،و لمّا كنت في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رأيت هذا الذي رأسه بين يديك دخل على جدّه من باب الحجرة و النبيّ فاتح باعه ليأخذه فوضعه في حجره و جعل يقبّل شفتيه و ثناياه و يقول:لعن اللّه من قتلك يا حسين و أعان على قتلك،و هو مع ذلك يبكي، فلمّا كان اليوم الثاني كنت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن و قال:

يا جدّاه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر،و إنّما نريد أن تعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر.

فقال:يا حبيبي إنّ التصارع لا يليق بكما ولكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك تكون قوّته أكثر،فكتب كلّ واحد منهما سطر و أتيا جدّهما فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:إنّي امّي لا أعرف الخط اذهبا إلى أبيكما يحكم بينكما،فقام النبي معهما و دخلوا بيت فاطمة فما كان إلاّ ساعة حتّى أقبل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سلمان الفارسي فقلت:يا سلمان بحقّ دين الإسلام إلاّ ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟

فقال:لمّا أتيا إلى أبيهما لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:امضيا إلى أمّكما فعرضا عليها ما كتبا فتفكّرت و قالت:إنّي أقطع قلادتي على رأسكما فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن و قوّته أكثر،و كان في قلادتها سبع لؤلؤات فقطعت القلادة فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات فبقيت الاخرى فمدّا أيديهما إليها،فأمر اللّه تعالى جبرئيل أن يقدّها بجناحه نصفين فأخذ كلّ واحد منهما نصفا،فانظر يا يزيد كيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أمير المؤمنين و فاطمة و ربّ العزّة لم يريدوا كسر قلب أحدهما،و أنت هكذا

ص: 260

تفعل بابن بنت رسول اللّه؟!أف لك يا يزيد،ثمّ قام النصراني إلى رأس الحسين و جعل يقبّله و يبكي و يقول:يا حسين اشهد لي عند جدّك المصطفى و عند أبيك المرتضى و عند أمّك فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين (1).

قال:و روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام بقي في كربلاء صريعا و دمه على الأرض مسفوحا،و إذا بطائر أبيض أتى و تمرّغ بدمه و جاء و الدم يقطر منه فرأى طيورا على الأشجار كلّ منهم يذكر الحب و العلف و الماء فقال لهم:ويلكم تشتغلون بالدّنيا و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ ملقى على التراب مذبوح و دمه مسفوح؟

فصارت الطيور إلى كربلاء،فرأوا الحسين على الأرض جثّة بلا رأس و لا غسل و لا كفن عليه التراب و بدنه قد هشّمته الخيل بحوافرها زوّاره الوحوش و الجنّ،قد أضاء به التراب و جوّ السماء،[فلما رأته الطيور تصايحن و أعلنّ بالبكاء و الثبور،و تواقعن] (2)و تمرغن في دمه و طار كلّ واحد إلى ناحية يعلم أهلها،فقصد طير منها مدينة الرسول فجاء يرفرف و الدم يقطر من أجنحته و دار حول قبر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:ألا قتل الحسين بكربلاء،ألا ذبح الحسين بكربلاء،فاجتمعت عليه الطيور ينوحون،فلمّا رأى أهل المدينة النوح و تقاطر الدم لم يعلموا ما الخبر حتّى جاءهم بعد أيّام خبر مقتل الحسين عليه السّلام فعلموا أنّ ذلك الطير كان يخبر بقتله.

و قد نقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء به الطير إلى المدينة كان رجل يهودي في المدينة و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة مجذومة،فجاء ذلك الطائر و الدم يقاطر منه و وقع على شجرة يبكي طول ليله و كان اليهودي قد أخرج ابنته إلى خارج المدينة و تركها في البستان الذي وقع فيه الطير فعرض لليهودي عارض فدخل المدينة و بقي ليلته،و أمّا البنت فبقيت ساهرة على أبيها فسمعت حنين الطير و بكاءه على الشجرة فقطرت من جناح الطير قطرة دم على إحدى عينيها فبرئت و قطرت على الاخرة قطرة فبرئت فقطر على كلّ عضو منها قطرة، فعوفيت بإذن اللّه تعالى.ر.

ص: 261


1- -مدينة المعاجز:300/3،و العوالم:419.
2- -زيادة في المصدر.

فلمّا أتى أبوها البستان ورآها صحيحة تعجّب من أمرها فأتت به إلى الطير على الشجرة و حكت له قصّة تقاطر الدم،فقال اليهودي للطير:أقسمت عليك بالذي خلقك أن تكلّمني بقدرة اللّه تعالى،فتكلّم الطير و حكى له قضية الحسين عليه السّلام و قتله بكربلاء و أنّ ذلك الدم من دمه،فأسلم اليهودي مع ابنته و خمسمائة من قومه (1).

قال:و حكي عن رجل أسدي قال:كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني أميّة،فرأيت الرياح إذا هبّت تهبّ على مثل روائح المسك و العنبر و إذا سكنت أرى نجوما تهوى من السماء إلى الأرض و نجوما مثلها تصعد إلى السماء و أرى أسدا يأتي من القبلة،فإذا أصبح ذهب فقلت:هذه الليلة أرقب هذا الأسد لأرى ما يصنع بهذه الأبدان.

فلمّا غربت الشمس أقبل الأسد يهمهم فخفت منه،فرأيته يتخطّى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشمس فمرّغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم فجعلت أحرسه حتّى جنّ الظلام،و إذا بشموع معلّقة و إذا ببكاء و نوح فقصدت الأصوات فإذا هي تحت الأرض و سمعت صوتا يقول:وا حسيناه وا إماماه،فاقشعر جلدي فأقسمت على الباكي من أنتم؟

فقالوا:نساء من الجنّ ننوح على الحسين الذبيح العطشان،قلت:هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟

قالوا:نعم،و هذا الأسد أبوه عليّ بن أبي طالب،فرجعت و دموعي تجري على خدّي (2).5.

ص: 262


1- -مدينة المعاجز:73/4.
2- -مدينة المعاجز:71/4،و بحار الأنوار:194/45.

ثواب التسبيح و إن لم يسبّح

و في دعوات الراوندي:روي أنّه لمّا حمل عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى يزيد لعنه اللّه همّ بقتله فوقفه بين يديه ليتكلّم كلمة توجب بها قتله و هو عليه السّلام يجيبه حسب ما يكلّمه و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلّم،فقال له يزيد:اكلّمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك،فكيف يجوز ذلك؟

فقال:حدّثني أبي عن جدّي أنّه كان إذا صلّى الغداء و انفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه فيقول:اللّهم إنّي أصبحت اسبّحك و امجّدك و أحمدك و اهلّلك بعدد ما ادير به سبحتي و يأخذ السبحة و يديرها و هو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح و ذلك محتسب له و هو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه،فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ففعلت هذا اقتداء بجدّي،فقال له يزيد:لست أكلّم أحدا منكم إلاّ و يجيبني بما يعوذ به،فعفى عنه فأمر بإطلاقه (1).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضى اللّه عنه بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (2)ثمّ مرّ عليه الحسين عليه السّلام فقال:فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما (3).

و في الأمالي عن الفضيل بن يسار قال:قلت للصادق عليه السّلام:إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم-يعني المخالفين-فأذكركم في نفسي فأيّ شيء أقول؟

فقال:قلّ اللّهم أرنا الرخاء و السرور فإنّك تأتي على ما تريد،قلت:فإنّي أذكر الحسين

ص: 263


1- -بحار الأنوار:200/45 ح 41.
2- -سورة الدخان:29.
3- -بحار الأنوار:168/14.

فأيّ شيء أقول؟

فقال:قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا،ثمّ قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام بكى عليه كلّ شيء إلاّ ثلاثة أشياء:البصرة و دمشق و آل الحكم بن أبي العاص (1).

أقول:يجوز أن يراد أهل البصرة و أهل دمشق على حذف المضاف و يجوز أن يراد أرضها لما مرّ من أنّ الأرض كلّها بكت عليه مع أهلها.5.

ص: 264


1- -أمالي الطوسي:54 ح 42،و بحار الأنوار:206/45.

كلّ شيء يبكي على الحسين عليه السلام

و في حديث ميثم التمّار:أنّه يبكي على الحسين عليه السّلام الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحر و الطير في السماء،و يبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و الإنس و الجنّ و الملائكة و الأرضون و مالك و حملة العرش،و تمطر السماء دما و رمادا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فقال:يا أبا جعفر نريد أن نسألك مسألة؟

فقال:نعم.

قال:اخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب بمّ استدلّ به الغائب عن الكوفة على قتله؟

قال:إنّه لمّا كان تلك الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلاّ وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر،و كذلك الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى،و كذلك الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون،و كذلك الليلة التي قتل فيها شمعون و كذلك الليلة التي قتل فيها الحسين بن عليّ عليهما السّلام،فتغيّر وجه هشام و قال لأبي:اعطني ميثاقا أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتّى أموت،فأعطاه أبي ما أرضاه (2).

و عن أحمد بن عبد اللّه بإسناده إلى رجل من أهل بيت المقدس قال:و اللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين،و ذلك إنّا ما رفعنا حجرا و لا مدرا إلاّ و رأينا تحتها دما يغلي و احمرّت الحيطان كالدم و مطرنا ثلاثة أيّام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل شعر:

أ ترجو أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

ص: 265


1- -علل الشرائع:228/1،و بحار الأنوار:202/45 ح 4.
2- -بحار الأنوار:302/42 ح 2،و العوالم:473.

معاذ اللّه لا نلتم يقينا *** شفاعة أحمد و أبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا *** و خير الشيب طرّا و الشباب

و انكسفت الشمس ثلاثة أيّام و اشتبكت النجوم،فلمّا كان من الغد رجفنا بقتله حتّى أتانا الخبر اليقين (1).

و عن الحارث الأعور قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:بأبي و امّي الحسين المقتول بظهر الكوفة،و اللّه كأنّي أنظر إلى الوحش مادّة أعناقها على قبره يبكونه و يرثونه حتّى الصباح،فإذا كان كذلك فإيّاكم و الجفاء (2).

و عن زرارة بن أعين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم و إنّ الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و إنّ الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و إنّ الجبال تقطّعت و انتثرت و إنّ البحار تفجّرت و إنّ الملائكة بكت أربعين صباحا،و ما اختضبت منّا امرأة و لا اكتحلت حتّى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد، و كان جدّي إذا ذكره بكى حتّى يبكي لبكائه من رآه و أنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء و السماء من الملائكة،و لقد خرجت نفسه صلّى اللّه عليه فزفرت جهنّم زفرة كادت الأرض تنشقّ لزفرتها،و لقد خرجت نفس ابن زياد فشهقت جهنّم شهقة لولا أنّ اللّه حبسها بخزّانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها،و لقد عتت على الخزّان غير مرّة حتّى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه و أنّها لتبكيه و تندبه و تتلظّى على قاتله.

و ما عين أحبّ إلى اللّه من عين بكت على الحسين و ما من باك يبكيه إلاّ و قد وصل فاطمة و أسعدها و وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أدّى حقّنا،و ما من عبد يحشر إلاّ و عيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي فإنّه يحشر و البشارة تلقاه و الخلق يعرضون و هم جالسون مع الحسين عليه السّلام في ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم:ادخلوا الجنّة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه،و أنّ الحور لترسل إليهم:إنّا قد اشتقنا إليكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة،و أنّ أعدائهم من بين مسحوب0.

ص: 266


1- -بحار الأنوار:204/45،و العوالم:456.
2- -العوالم:489 ح 2،و مستدرك سفينة البحار:263/10.

بناصيته إلى النار و من قائل مالنا من شافعين و إنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم، فيقولون:نأتيكم إن شاء اللّه،فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين عليه السّلام ثمّ يؤتون بالمراكب و النوق فيركبون عليها و هم في الثناء على اللّه و الصلاة على محمّد و على آله حتّى ينتهوا إلى منازلهم (1).

و عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام احدّثه فدخل عليه ابنه فقال له:

مرحبا،و ضمّه و قبّله و قال:لعن اللّه من قتلكم فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء و الصدّيقين و الشهداء و ملائكة السماء ثمّ بكى و قال:يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم و إليهم،يا أبا بصير إنّ فاطمة لتبكي الحسين و تشهق فتزفر جهنّم زفرة،لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيردون جهنّم ما كانت باكية و يوثقون أبوابها مخافة على أهل الأرض،فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة،الحديث (2).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ السماء بكت على الحسين و يحيى بن زكريا،قيل:ما بكاؤها؟

قال:مكثورا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة فذلك بكاؤها.

أقول:و في حديث آخر أنّها بكت مع الأرض و الطيور و غيرها حتّى تقاطر دمعها (3).

و روي أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء ترابا أحمر (4).

و عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أنّ السماء بكت على الحسين و بكاؤها كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة (6).4.

ص: 267


1- -مستدرك الوسائل:313/10،و بحار الأنوار:207/45.
2- -كامل الزيارات:170،و بحار الأنوار:208/45.
3- -كامل الزيارات:183،و بحار الأنوار:211/45 ح 22.
4- -كامل الزيارات:183 ح 13،و بحار الأنوار:211/45 ح 25.
5- -كامل الزيارات:184 ح 14،و بحار الأنوار:183/14.
6- -كامل الزيارات:182 ح 9،و بحار الأنوار:184/14.

بكاء البومة على الحسين عليه السلام

و عن ابن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول في البومة،هل أحد منكم رآها نهارا؟قيل له:لا تكاد تظهر بالنهار و لا تظهر إلاّ ليلا.

قال:أمّا أنّها لم تزل تأوى العمران أبدا.

فلمّا أن قتل الحسين عليه السّلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران أبدا و لا تأوي إلاّ الخراب،فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها الليل،فإذا جنّها الليل فلا تزال تنوح على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:إنّ هذه البومة كانت على عهد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تأوي المنازل و القصور و الدور،و كانت إذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى ثمّ ترجع إلى مكانها.و لمّا قتل الحسين عليه السّلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت:بئس الأمّة أنتم قتلتم ابن نبيّكم و لا آمنكم على نفسي (2).

و عنه عليه السّلام:إنّ البومة لتصوم النهار،فإذا أفطرت حزنت على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (3).

و في كتاب دلائل النبوّة:قال نصرة الازدية لمّا قتل الحسين عليه السّلام:أمطرت السماء دما و حبابنا و جرارنا صارت مملوّة دما،و مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء فنظرت فإذا هو دم و ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب،فإذا هو دم و إذا هو اليوم الذي قتل فيه

ص: 268


1- -مدينة المعاجز:181/4،و بحار الأنوار:213/45.
2- -كامل الزيارات:/199ح 2،و بحار الأنوار:214/45 ح 35.
3- -بحار الأنوار:214/45 ح 36،و العوالم:492 ح 7.

الحسين عليه السّلام (1).

و عن امّ سليم قالت؛لمّا قتل الحسين عليه السّلام مطرت السماء مطرا كالدم احمرّت منه البيوت و الحيطان (2).

و عن أبي قبيل:لمّا قتل الحسين عليه السّلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظنّنا أنّها القيامة (3).

و روى الثعلبي:أنّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه السّلام (4).

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا ضرب الحسين عليه السّلام بالسيف ثمّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش:ألا أيّتها الامّة المتحيّرة القاتلة عترة نبيّها لا وفّقكم اللّه لا ضحى و لا فطر،و اللّه ما وفّقوا و لا يوفّقون أبدا حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السّلام (5).

أقول:المراد كما قيل اشتباه الاهلة في أعصارهم و أعصار من يشابههم إلى يوم القيامة،أو يراد الكناية عن عدم توفيقهم لما في الشهرين من الأعمال و الطاعات التي يوفّق غيرهم لها.

و عنه عليه السّلام أنّ الحسين عليه السّلام دخل يوما إلى أخيه الحسن،فلمّا نظر إليه بكى فقال:ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟

قال:أبكي لما يصنع بك،فقال:إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأقتل به،و لا يوم كيومك يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنّهم من امّة جدّنا محمّد يجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و انتهاب ثقلك،فعندها تحلّ ببني اميّة اللعنة و تمطر السماء رمادا و دما و يبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات و الحيطان في البحار (6).4.

ص: 269


1- -المناقب:212/3،و بحار الأنوار:215/45.
2- -المناقب:212/3،و بحار الأنوار:215/45.
3- -المناقب:213/3،و بحار الأنوار:216/45.
4- -المناقب:212/3،و بحار الأنوار:215/45.
5- -أمالي الصدوق:232،و بحار الأنوار:134/88 ح 1.
6- -المناقب:238/3،و العوالم:154.

و عنه عليه السّلام إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام و هبطوا و قد قتل الحسين عليه السّلام فهم عند قبره يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له منصور (1).

و في كتاب العلل عن الثمالي قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ألستم كلّكم قائمين بالحقّ؟

قال:بلى،قلت:فلم سمّي القائم قائما؟

قال:لمّا قتل جدّي الحسين عليه السّلام ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و قالوا:إلهنا أتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك؟

فأوحى اللّه إليهم:قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين،ثمّ كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمّة من ولد الحسين للملائكة فسرّت الملائكة بذلك،فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال اللّه عزّ و جلّ بذلك القائم أنتقم منهم (2).

و في كتاب البحار عن هشام بن سعد قال:أخبرني المشيخة أنّ الملك الذي جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أخبره بقتل الحسين عليه السّلام كان ملك البحار و ذلك أنّ ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر و نشر أجنحته عليها ثمّ صاح صيحة و قال:يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن،فإنّ فرخ الرسول مذبوح ثمّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات،فلم يبق ملك فيها إلاّ شمّها و صار عنده لها أثر و لعن قتلته و أشياعهم و أتباعهم (3).

و في كتاب المحاسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عليه السّلام قال:و كلّ اللّه الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه،يعني بذلك قيام القائم (4).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ اللّه وكلّ بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر (5).7.

ص: 270


1- -الأمالي:737،و بحار الأنوار:220/45.
2- -بحار الأنوار:294/37،و العوالم:474.
3- -بحار الأنوار:221/45 ح 5،و العوالم:501.
4- -بحار الأنوار:222/45 ح 9،و العوالم:480.
5- -بحار الأنوار:223/45 ح 15،و العوالم:477.

فيه ملاقاة الملائكة عليهم السلام

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا زرتم الحسين فالزموا الصمت إلاّ من خير،و إنّ ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر و الملائكة الذين بالحاير فتصافحهم فلا يجيبونها من شدّة البكاء فتنتظرونهم حتّى تزول الشمس و حتّى ينور الفجر ثمّ يكلّمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء،فأمّا ما بين هذين الوقتين فإنّهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدّعاء و لا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنّما شغلهم بكم إذا نطقتم،قلت:و ما الذي يسألونهم؟

قال أهل الحائر:يسألون الحفظة،لأنّ أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون و الحفظة تنزل و تصعد،قلت:فما يسألونهم؟

قال:إنّهم يمرون إذا عرّجوا بإسماعيل صاحب الهواء فربما وافقوا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عنده و فاطمة و الحسين و الحسن و الأئمّة ممّن مضى منهم،فيسألونهم عن أشياء و من حضر منكم الحائر و يقولون:بشّروهم بدعائكم،فيقول الحفظة:كيف نبشّرهم و هم لا يسمعون كلامنا؟ فيقولون لهم:باركوا عليهم و ادعوا لهم عنّا فهي البشارة منّا،و إذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتّى يحسوا مكانكم و لو يعلموا ما في زيارته من الخير لاقتتلوا على زيارته بالسيوف و لباعوا أموالهم في إتيانه،و أنّ فاطمة عليها السّلام إذا نظرت إليهم و معها ألف نبي و ألف صدّيق و ألف شهيد و من الكروبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء و أنّها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلاّ بكى رحمة لصوتها و ما تسكن حتّى يأتيها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيقول:يا بنيّة قد أبكيت أهل السماوات و شغلتيهم عن التسبيح و التقديس فكفى حتّى يقدّسوا،فإنّ اللّه بالغ أمره و انّا لننظر إلى من حضر منكم فنسأل اللّه لهم كلّ خير (1).

و في الكافي و غيره عن حريز و قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقلّ

ص: 271


1- -بحار الأنوار:224/45 ح 17،و العوالم:504.

بقائكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم،فقال:إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته،فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر و أتاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ينعي إليه نفسه و أنّ الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقضي فخرج إلى القتال و كانت تلك الامور التي بقيت أنّ الملائكة سألت اللّه تعالى في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعدّ للقتال حتّى قتل فنزلت و قد انقطعت مدّته،فقالت الملائكة:يا ربّ أذنت لنا في نصرته و قد قبضته إليك، فأوحى إليهم الزموا قبّته حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته،فإذا خرج صلوات اللّه عليه يكونون أنصاره (1).

و عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد مكّة،مالي أراك حزينا منكسرا؟

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي،فقلت:و ما الذي تسمع؟

قال:دعاء الملائكة على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين و نوح الجنّ و بكاء الملائكة الذين حوله و شدّة جزعهم،فمن يتهنّا مع هذا بطعام أو شراب أو نوم.

و عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي كنت بالحيرة ليلة عرفة و كنت اصلّي و ثمّ نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيّبة أرواحهم و أقبلوا يصلّون بالليل أجمع،فلمّا طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّه مرّ بالحسين عليه السّلام خمسون ألف ملك و هو يقتل فلم ينصروه فأهبطوا إلى الأرض،فأسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم القيامة (2).

و عنه عليه السّلام:إنّ عند قبره أربعة آلاف ملك لا يزوره زائر إلاّ استقبلوه و لا يودّعه مودّع إلاّ شيّعوه و لا يمرض إلاّ عادوه و لا يموت إلاّ صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته،و هم في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السّلام (3).1.

ص: 272


1- -الكافي:101/6 ح 5،و مكاتيب الرسول:902/ ح 1.
2- -بحار الأنوار:226/45 ح 19،د و العوالم:481 ح 22.
3- -مستدرك الوسائل:242/10،و بحار الأنوار:226/45 ح 21.

و روي عن امّ سلمة قالت:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في المنام و على رأسه التراب فقلت:ما لك يا رسول اللّه؟

قال:حضرت قتل الحسين و أهل بيته فدفنتهم (1).

و في الأمالي للمفيد:إنّ امرأة اسمهازرة رأت فاطمة عليها السّلام فيما يرى النائم أنّها وقفت على قبر الحسين عليه السّلام تبكي و أمرتها أن تنشد شعر:

أيّها العينان فيضا و استهلاّ *** لا تغيضا و ابكيا بالطف ميّتا

ترك الصدر رضيضا لم أمرضه *** قتيلا و لا كان مريضا (2)

و روى الصدوق في كتاب المعراج عن الصادق عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ صوّر صورة عليّ عليه السّلام في السماء الخامسة لتنظر إليه الملائكة إذا اشتهت النظر إلى عليّ عليه السّلام،و لمّا ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء،و لمّا قتل الحسين عليه السّلام هبطت الملائكة و حملته حتّى أوقفته مع صورة عليّ عليه السّلام في السماء الخامسة فكلّما هبطت الملائكة أو صعدت لزيارة صورة علي و النظر إليه و إلى الحسين عليه السّلام متشحّطا بدمه لعنوا يزيد و ابن زياد و قاتلوا الحسين إلى يوم القيامة.

و قال عليه السّلام:هذا مكنون العلم و مخزونه لا تخرجوه إلاّ إلى أهله (3).

و عنه عليه السّلام قال:أصبحت يوما امّ سلمة(رض)تبكي فقيل لها:ممّ بكاءك؟

قالت:لقد قتل ابني الحسين الليلة،و ذلك إنّني ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منذ مضى إلاّ الليلة رأيته حزينا فسألته فقال:ما زلت الليلة احفر القبور للحسين و أصحابه صلوات اللّه عليه و عليهم السلام،و نظرت أمّ سلمة ذلك اليوم إلى التربة التي أودعها لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هي دم تفور فأخذت من ذلك الدم و لطّخت به وجهها و جعلت ذلك اليوم مأتما و مناحة على الحسين عليه السّلام (4).5.

ص: 273


1- -بحار الأنوار:231/45،و العوالم:507.
2- -المناقب:220/3،و العوالم:512 ح 5.
3- -العوالم:476،و بحار الأنوار:305/18.
4- -الأمالي:315،و بحار الأنوار:231/45.

قال في كتاب البحار:و في بعض كتب المناقب المعتبرة:أنّه روي مسندا إلى هند بنت الحون قالت:نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بخيمة خالتها أمّ معبد مع أصحابه و كان يوما شديد الحرّ،فلمّا قام من نومه دعا بماء فتمضمض و مجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات و توضّأ و صلّى ركعتين،و قال:لهذه العوسجة شأن،فلمّا كان من الغد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية و قطع اللّه شوكها و كثرت أغصانها و أخضرّ ساقها و ورقها و أثمرت كأعظم ما يكون من الكماة في لون الزعفران و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أكل منها جائع إلاّ شبع و لا ظمآن إلاّ روي و لا سقيم إلاّ برئ و لا فقير إلاّ استغنى و لا أكل منها حيوان إلاّ سمن و درّ لبنه و أخصبت تلك البلاد،فكانت تسمّى الشجرة المباركة و كان أهل البوادي يستظلّون بها و يتزوّدون من ورقها في الأسفار فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب،فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمارها و اصفرّ ورقها فأحزننا ذلك فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هو قد قبض ذلك اليوم فكانت بعد ذلك تثمر دون ذلك في العظم و الطعم و الرائحة فأقامت على ذلك ثلاثين سنة،فلمّا كان ذات يوم أصبحنا و إذا بها قد تشوكت فذهبت نضارة عيدانها و تساقطت جميع ثمرها فما كان إلاّ يسيرا حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين فما أثمرت بعد ذلك و انقطع ثمرها و لم نزل نأخذ من ورقها و نداوي مرضانا فأقامت على ذلك برهة طويلة،ثمّ أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد أينعت من ساقها دما عبيطا جاريا و ورقها زائلة تقطر دما كماء اللحم فبتنا ليلتين مهمومين،فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا تحتها صوت باكية تقول،شعر:

يابن النبيّ و يا ابن الوصيّ *** و يا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا

فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السّلام و يبست الشجرة،فكسرتها الرياح و الأمطار و اندرس أثرها و سمع من نوح الجنّ تحتها،شعر:

يابن الشهيد و يا شهيدا *** عمّه خير العمومة جعفر الطيّار (1)

و في كتاب البحار:روي أنّ هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا،شعر:

إنّ الرماح الواردات صدورها *** نحو الحسين تقاتل التنزيلا7.

ص: 274


1- -بحار الأنوار:234/45،و العوالم:497.

و يهلّلون بأن قتلت و إنّما *** قتلوا بك التكبير و التهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّدا *** صلّى عليه اللّه أو جبريلا

و ناحت عليه الجنّ فقالت،شعر:

لقد جئن نساء الجنّ يبكين شجيّات *** و يلطمن خدودا كالدنانير نقيّات

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات (1) ***

و في أمالي المفيد بإسناده إلى شيخ من بني تميم قال:سمعت أبي يقول:ما شعرنا بقتل الحسين عليه السّلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء و أنّي لجالس مع رجل إذ سمعنا هاتفا يقول، شعر:

و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به *** بالطف منعفر الخدّين منحورا

و حوله فتية تدمى نحورهم *** مثل المصابيح يملون الدجا نورا

و قد حثثت قلوصي كي اصادفهم *** من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا

فعاقني قدر و اللّه بالغه *** و كان أمرا قضاه اللّه مقدورا

كان الحسين سراجا يستضاء به *** اللّه يعلم إنّي لم أقل زورا

صلّى الإله على جسم تضمّنه *** قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف *** و للوصيّ و للطيّار مسرورا

فقلنا:من أنتم يرحمكم اللّه؟

قال:إنّا جماعة من الجنّ أردنا مواساة الحسين عليه السّلام بأنفسنا فانصرفنا من الحجّ فوجدناه قتيلا (2).

و عن الميثمي قال:خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين عليه السّلام فنزلوا بقرية يقال لها شاهي فأقبل عليهم رجلان شيخ و شاب،فقال الشيخ:أنا رجل من الجنّ و هذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم،فقال الشيخ الجنّي:أطير فآتيكم بخبر القوم فغاب يومه و ليلته، فلمّا كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول:و اللّه ما جئتكم حتّى5.

ص: 275


1- -بحار الأنوار:236/45 ح 2،و العوالم:487 ح 12.
2- -أمالي المفيد:320،و بحار الأنوار:240/45.

بصرت به الأبيات السابقة فأجابه رجل،شعر:

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه *** إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا

و قد سلكت سبيلا كنت سالكه *** و قد شربت بكأس كان مغرورا

و فتية فرّغوا للّه أنفسهم *** و فرّقوا المال و الأحباب و الدورا (1)

و في كتاب الأمالي:أنّ أوّل شعر رثى به الحسين عليه السّلام قول عقبة السهمي،شعر:

إذا العين قرّت في الحياة و أنتم *** تخافون في الدّنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحسين بكربلا *** فغاض عليه دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه و أبكي لشجوه *** و يسعد عيني دمعها و زفيرها

و بكيت من بعد الحسين عصابيا *** أطاقت به من جانبيها قبورها

سلام على أهل القبور بكربلاء *** و قل لها منّي سلام يزورها

و لا برح الوفّاد زوّار قبره *** يفوح عليهم مسكها و عبيرها (2)

و رثاه سليمان الهاشمي شعر:

مررت على أبيات آل محمّد *** فلم أرها أمثالها يوم حلّت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة *** لفقد حسين و البلاد اقشعرّت

و إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقاب المسلمين فذلّت

و كانوا رجالا ثمّ عادوا *** رزية لقد عظمت تلك الرزايا و جلّت (3)

و في بعض كتب أصحابنا الثقاة عن دعبل الخزاعي قال:دخلت على سيّدي و مولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام في أيّام عاشوراء،فرأيته جالسا جلسة الحزين و أصحابه من حوله فلمّا رآني مقبلا قال لي:مرحبا بك يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده و لسانه فأجلسني إلى جانبه و قال:انشدني شعرا فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن علينا على أهل البيت،يا دعبل من بكى و أبكى و لو واحدا كان أجره على اللّه و من بكى لما أصابنا حشره اللّه في زمرتنا و من بكى على مصاب7.

ص: 276


1- -كمال الزيارات:191،و بحار الأنوار:240/45 ح 10.
2- -أمالي المفيد:324،و العوالم:543 ح 1.
3- -بحار الأنوار:244/45 ح 5،و العوالم:548 ح 7.

جدّي الحسين غفر اللّه له ذنوبه البتة ثمّ نهض و ضرب سترا بيننا و بين حرمه ليبكوا على مصاب جدّهم ثمّ قال:يا دعبل إرث الحسين فسالت عبرتي و أنشأت أقول،شعر:

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** و قد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان و اخرى بطيبة *** و اخرى بفخّ نالها صلوات

قبور ببطن النهر من جنب كربلا *** معرّسهم فيها بشط فرات

توافوا عطاشا بالعراء فليتني *** توفّيت فيهم قبل يوم وفاتي

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكره *** سقتني بكأس الثكل و القصعات

إذا فخروا يوما أتوا بمحمّد *** و جبريل و القرآن و السورات

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات

و حمزة و العبّاس ذو الدّين و التّقى *** و جعفرها الطيّار و الحجبات

سأبكيهم للّه ما حجّ راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و العبرات (1)

و سيأتي تمام القصيدة في أحوال الرضا عليه السّلام.

و في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام إنّه قال:إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟

فقال عليه السّلام:هو كذلك،فقلت:قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ما معناه؟

قال:إنّ ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه،و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضي رجل بقتله بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل،قلت:بأيّ شيء يبدأ القائم إذا قام؟3.

ص: 277


1- -بحار الأنوار:257/45 ح 15،و العوالم:545 ح 3.

قال:يقطع أيدي بني شيبة،لأنّهم سرّاق بيت اللّه عزّ و جلّ (1).

و في كتاب الاحتجاج بالإسناد إلى العسكري عليه السّلام:أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يذكر حال من مسخهم اللّه قردة ثمّ قال:إنّ اللّه تعالى مسخ أولئك القوم لاصطياد السمك،فكيف ترى حال من قتل أولاد رسول اللّه و إن لم يمسخهم في الدّنيا فإنّ المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ؟فقيل له:يابن رسول اللّه قال لنا بعض النصّاب:إن كان قتل الحسين باطلا فهو أعظم من صيد السمك في السبت،فما كان يغضب على قاتليه كما غضب على صيّادي السّمك؟

قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:قل لهؤلاء النصاب،فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك اللّه من شاء منهم كقوم نوح و فرعون و لم يهلك إبليس و هو أولى بالهلاك فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الكبائر الموبقة و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات،آلا كان ربّنا حكيما بتدبيره فيمن أهلك و فيمن استبقى فكذلك هؤلاء الصيّادون في السبت و هؤلاء القاتلون للحسين يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالحكمة لا يسأل عمّا يفعل و عباده يسألون (2).

و في كتاب الفردوس قال ابن عبّاس:أوحى اللّه تعالى إلى محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا،و أقتل بابن بنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا.

و قال الصادق عليه السّلام:قتل بالحسين صلوات اللّه عليه مائة ألف،و ما طلب بثأره و سيطلب بثأره عليّ بن الحسين (3).

و في كتاب المناقب:روي أنّ الحسين عليه السّلام قال لعمر بن سعد:إنّه ممّا تقرّ به عيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلا،فقال مستهزئا:يا أبا عبد اللّه في الشعير خلف فكان كما قال لم يصل إلى الري و قتله المختار (4).0.

ص: 278


1- -بحار الأنوار:259/45 ح 1،و العوالم:611 ح 13.
2- -الإحتجاج:41/2،و بحار الأنوار:296/45 ح 2.
3- -العوالم:607،و تفسير الميزان:26/14.
4- -المناقب:213/3،و بحار الأنوار:300/45 ح 10.

و في أمالي القطان عن ابن عيينة قال:أدركت من قتلة الحسين رجلين أمّا أحدهما،فإنّه طال ذكره حتّى كان يلفّه (1).

و في رواية:كان يحمله على عاتقه،و أمّا الآخر فكان يستقبل الرواية فيشربها و لا يروى و ذلك إنّه نظر إلى الحسين و قد أهوى إلى فيه بماء و هو يشرب فرماه بسهم،فقال الحسين عليه السّلام:لا أرواك اللّه،فعطش الرجل حتّى ألقى نفسه في الفرات و شرب حتّى مات.

و في خبر:أنّه لمّا رماه الدارمي بسهم فأصاب حنكه جعل يتلقّى الدم و يرميه إلى السماء،فكان هذا الرجل يصيح من الحرّ في بطنه و البرد في ظهره بين يديه المراوح و الثلج و خلفه الكانون و النار و هو يقول:اسقوني،فيشرب القربة ثمّ يقول:اسقوني أهلكني العطش فانقدّت بطنه و مات لا رحمه اللّه (2).

و في أحاديث ابن الحاشر قال:كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السّلام و انتهب من عسكره زعفرانا و جملا،فلمّا دقّوا الزعفران صار نارا و كلّ امرأة لطخت منه صارت برصاء و نحروا البعير فخرجت منه النار و طبخوه فغارت القدر نارا (3).

و سأل عبد اللّه بن رياح القاضي رجلا عمائه فقال:كنت حضرت كربلاء و ما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي:أجب رسول اللّه،فجرّني إليه فوجدته حزينا و في يده حربة و قدّامه نطع و ملك بين يديه قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم،ثمّ يحيون و يقتلون أيضا هكذا،فقلت:يا رسول اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت و لا رميت،فقال:ألست كثّرت السواد،فأخذ من طشت فيه دم فكحّلني من ذلك الدمّ فاحترقت عيناي،فلمّا انتبهت كنت أعمى (4).

و عن الشعبي قال:صلب رأس الحسين بالكوفة،فتنحنح الرأس و قرأ سورة الكهف إلى1.

ص: 279


1- -العوالم:613 ح 2.
2- -المناقب:214/3،و بحار الأنوار:300/45 ح 1.
3- -أمالي الطوسي:727 ح 1.
4- -بحار الأنوار:302/45،و العوالم:624 ح 1.

قوله: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً (1)فلم يزدهم ذلك إلاّ ضلالا (2).

و في الأثر أنّهم لمّا صلبوا رأسه على الشجر سمع منه: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (3)،و لمّا نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين كان لحمه أمرّ من الصبر (4).

و في أمالي المفيد عن محمّد بن سليمان عن عمّه قال:صرنا إلى كربلاء و ليس بها موضع نسكنه فبنينا كوخا،فلمّا جاء الليل شعلنا نفطا و صرنا نتذاكر أمر الحسين و من قتله، فقلنا:ما بقي أحد من قتلة الحسين عليه السّلام إلاّ رماه اللّه ببليّة في بدنه،فقال ذلك الرجل:أنا كنت فيمن قتله و ما أصابني مكروه و أنّكم تكذبون،فأمسكنا عنه و قام ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفّه فألق نفسه إلى الفرات فرأيناه يدخل رأسه في الماء و النار على وجه الماء فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه،فلم يزل ذلك دأبه حتّى هلك (5).

و عن سعيد المسيّب قال:لمّا قتل مولاي الحسين عليه السّلام حججت البيت فبينما أنا أطوف بالكعبة و إذا أنا برجل مقطوع اليدين و وجهه كالليل المظلم متعلّق بأستار الكعبة و يقول:اللّهم اغفر لي و ما أظنّك تفعل و لو تشفع فيّ سكّان السماوات و الأرض،فاجتمع عليه الناس و قالوا:يا ويلك كيف تيأس من رحمة اللّه؟

فقال:يا قوم أنا أعرف بذنبي؛إنّي كنت جمّالا للحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة إلى العراق و كنت أراه إذا أراد الوضوء يضع سراويله عندي فأرى تكة تغشي الأبصار بحسن إشراقها و كنت أتمنّاها تكون لي إلى أن صرنا بكربلاء و قتل الحسين و هي معه فدفنت نفسي في مكان من الأرض،فلمّا صار الليل خرجت فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة و نهارا لا ليلا و القتلى مطرحين على وجه الأرض فذكرت التكة فطلبت الحسين فوجدته مكبوبا على وجهه و هو جثّة بلا رأس و نوره مشرق مرمّل بدمائه فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها6.

ص: 280


1- -سورة الكهف:13.
2- -المناقب:218/3،و بحار الأنوار:304/45.
3- -سورة الشعراء:227.
4- -المناقب:218/3،و بحار الأنوار:305/45.
5- -الأمالي:162 ح 21،و بحار الأنوار:307/45 ح 6.

فضربت يدي إلى التكة لآخذها،فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة حتّى حللت عقدة منها فمدّ يده اليمنى و وضعها على التكة فدعتني نفسي إلى أن أقطع يده فوجدت قطعة سيف فقطعتها و نحّيتها عن التكة فمدّ يده اليسرى و وضعها على التكة،فطعنتها بالسيف و مددت يدي على التكة فإذا الأرض ترجف و السماء تهتزّ و إذا بغلبة عظيمة و قائل يقول:وا أبتاه وا مقتولاه وا ذبيحاه وا حسيناه وا غريباه يا بني قتلوك و ما عرفوك و من شرب الماء منعوك،فرميت نفسي بين القتلى و إذا بثلاث نفر و امرأة و حولهم خلائق وقوف و قد امتلأت الأرض بأجنحة الملائكة،و إذا بالحسين قد جلس و رأسه على بدنه و هو يقول:يا جدّاه يا رسول اللّه و يا أبتاه يا أمير المؤمنين و يا امّاه يا فاطمة الزهراء و يا أخاه المقتول بالسمّ عليكم منّي السلام ثمّ بكى و قال:يا جدّاه قتلوا رجالنا و ذبحوا أطفالنا،يعزّ و اللّه عليك أن ترى حالنا و ما فعلوا بنا.

و إذا هم جلسوا يبكون حوله و فاطمة تقول:يا أباه أما ترى ما فعلت امّتك بولدي فأخذت من دمه و مسحت شعرها و قالت:ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مختضبة بدم ولدي الحسين و أخذ منه رسول اللّه و عليّ بن أبي طالب و الحسن و مسحوا به صدورهم و أيديهم إلى المرافق و سمعت رسول اللّه يقول:فديتك يا حسين،يعزّ عليّ و اللّه أن أراك مقطوع الرأس مكبوبا على قفاك مقطوع الكفّين،يا بني من قطع يدك اليمنى و ثنّى باليسرى؟

فقال:يا جدّاه كان معي جمّال من المدينة،و حكى له كما فعلته به،فبكى النبيّ و أتى إليّ بين القتلى فقال:ما لي و ما لك يا جمّال تقطع يدين طالما قبّلهما جبرئيل و ملائكة اللّه و تباركت بهما أهل السماوات و الأرضين،سوّد اللّه وجهك يا جمّال في الدّنيا و الآخرة و قطع اللّه يديك و رجليك،فشلّت يداي و اسودّ وجهي و بقيت على هذه الحالة فجئت إلى هذا البيت أستشفع و أنا أعلم أنّه لا يغفر لي أبدا،فلم يبق بمكّة أحد إلاّ لعنه و خرج من مكّة (1).

و في كتاب بشائر المصطفى:كان للحسين عليه السّلام ستّة أولاد عليّ بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمّد امّه شهربانو بنت كسرى يزدجر،و عليّ بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطفّ و امّه ليلى الثقفية،و جعفر بن الحسين لا بقيّة له توفّي في زمن أبيه و عبد اللّه قتل صغيرا مع أبيه في حجره،و سكينة بنت الحسين و امّها الرباب و هي امّ عبد اللّه بن الحسن و فاطمة بنت الحسين1.

ص: 281


1- -العوالم:631.

أمّها بنت طلحة التميميّة (1).

و ذكر صاحب كتاب البدع و صاحب شرح الأخبار:أنّ عقب الحسين عليه السّلام من الأكبر و أنّه هو الباقي بعد أبيه و أنّ المقتول هو الأصغر منهما،قال:و عليه نعول فإنّ عليّ بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة و أنّ ابنه محمّد بن عليّ الباقر كان يومئذ من أبناء خمسة عشر سنة،و كان لعليّ الأصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة (2).

و في كتاب المناقب:لمّا ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء و أن يجعل الرجال عبيد العرب،و عزم على أن يحمل العليل و الضعيف و الشيخ الكبير في الطواف و حول البيت على ظهورهم،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:اكرموا كريم قوم و إن خالفوكم،و هؤلاء الفرس حكماء كرماء فقد ألقوا إلينا السلم و رغبوا في الإسلام و قد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي و حقّ بني هاشم.

فقال المهاجرون و الأنصار:قد وهبنا لك يا أخا رسول اللّه،فقال:قبلت و أعتقت فقال عمر:سبق إليها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و نقض عزمتي في الأعاجم و رغبت جماعة في بنات الملوك أن ينكحوهنّ،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:نخيّرهن و لا نستكرهنّ فقيل لشهربانويه:يا كريمة قومها من تختارين من خطّابك و هل أنت راضية بالبعل فسكتت،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:قد رضيت و بقي الاختيار بعد سكوتها فأعادوا القول في التخيير فقالت:لست ممّن يعدل عن النور الساطع و الشهاب اللاّمع الحسين إن كنت مخيّرة،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:من تختارين أن يكون وليّك؟

فقالت:أنت،فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام حذيفة بن اليمّان أن يخطب،فخطب و زوّجت من الحسين عليه السّلام (3).

و قال ابن الكلبي:ولّي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام حريث بن جابر الجعفي جانبا من المشرق،فبعث بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى فأعطاها عليّ الحسين ابنه فولدت منه5.

ص: 282


1- -الإرشاد:135/2،و بحار الأنوار:329/45.
2- -بحار الأنوار:329/45،و العوالم:639.
3- -المناقب:208/3،و بحار الأنوار:330/45.

عليّا،و قال غيره:إنّ حريثا بعث إلى أمير المؤمنين عليه السّلام بابنتيّ يزدجر فأعطى واحدة لابنه الحسين فأولدها عليّ بن الحسين،و أعطى الاخرى محمّد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمّد فهما ابنا خالة (1).

و في كتاب المناقب:أبناؤه عليّ الأكبر الشهيد امّه برّة الثقفية،و عليّ الإمام و هو عليّ الأوسط،و عليّ الأصغر و هما من شهربانويه و نحوه.

قال ابن طلحة على ما حكاه صاحب كشف اليقين و ذكر مثله ابن الخشّاب.

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:اعتمادنا على أنّ المقتول مع أبيه هو عليّ الأصغر و الأوسط و أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام هو الأكبر،و الظاهر أنّ الأصغر هو عبد اللّه الرضيع الذي قتل في حجر أبيه.3.

ص: 283


1- -المناقب:208/3،و بحار الأنوار:330/45 ح 3.

الفصل الخامس: في أحوال المختار و جملة من أحوال الحسين عليه السلام

اشارة

في كتاب الأمالي عن المنهال قال:دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعد منصرفي من مكّة،فقال لي:يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟فقلت:تركته حيّا بالكوفة، فرفع يديه و قال:اللّهم أذقه حرّ الحديد،اللّهم أذقه حرّ النار.

قال المنهال:فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار و كان لي صديقا،فركبت إليه فلقيته خارجا من داره فأعلمته أنّي كنت بمكّة و سايرته حتّى جاء الكناسة فوقف كأنّه ينتظر شيئا، و قد كان أخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه فلم يلبث أن جاء قوم يركضون و قالوا:أيّها الأمير البشارة قد أخذ حرملة،فجاؤوا به فقال:الحمد للّه الذي مكّنني منك،ثمّ قال:الجزّار الجزّار،فاحضر فقال:اقطع يديه فقطعتا،ثمّ قال:اقطع رجليه،فقطعتا،ثمّ قال:النار النار، فاتي بنار و قصب فألقي عليه فاشتعل فيه النار فقلت:سبحان اللّه،فقال لي المختار:ففيم سبّحت؟فقلت:أيّها الأمير دخلت في سفرتي هذه على عليّ بن الحسين فسألني عن حرملة فقلت:تركته حيّا،فقال:اللّهم أذقه حرّ الحديد،اللّهم أذقه حرّ النار،فنزل المختار عن دابّته و صلّى ركعتين و أطال السجود،فركب و قد احترق حرملة و ركبنا حتّى حاذى داري فقلت:أيّها الأمير إن رأيت أن تشرّفني و تحوم بطعامي،فقال:يا منهال تعلمني أنّ عليّ بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه اللّه على يدي ثمّ تأمرني أن آكل،هذا يوم صوم شكرا للّه عزّ و جلّ على ما فعلته بتوفيقه،و حرملة هو الذي حمل رأس الحسين عليه السّلام (1).

و في ذلك الكتاب أيضا:أنّ المختار ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ستّ و ستّين فبايعه الناس على كتاب اللّه و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الطلب بدم الحسين عليه السّلام و دماء أهل بيته رحمة اللّه عليهم و الذبّ عن الضعفاء و نهض إلى عبد اللّه بن

ص: 284


1- -الأمالي:239،و بحار الأنوار:332/45.

مطيع،و كان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه و أصحابه منها منهزمين و أقام بالكوفة إلى المحرّم سنة سبع و ستّين ثمّ عمد إلى إنفاذ الجيوش إلى ابن زياد و كان بأرض الجزيرة،فأمر إبراهيم الأشتر على الجنود فخرج يوم السبت في ألفين من مذحج و أسد و في ألفين من تميم و همدان و ألف و خمسمائة من قبائل المدينة و ألف و خمسمائة من كندة و ربيعة و ألفين من الحمراء،و شيّع المختار إبراهيم بن الأشتر ماشيا،فقال له إبراهيم:اركب رحمك اللّه،فقال:

إنّي أجتلب الأجر في خطاي معك و أحبّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمّد،ثمّ ودّعه و انصرف فسار حتّى أتى المدائن يريد ابن زياد فرحل من المدائن و أقبل إليه ابن زياد بالجموع حتّى التقى في حصن ابن الأشتر أصحابه و قال:يا أهل الحقّ هذا ابن زياد قاتل الحسين و أهل بيته قد أتاكم اللّه به و بحزبه حزب الشيطان فقاتلوهم بنيّة و صبر لعلّ اللّه يقتله بأيديكم و يشفي صدوركم و

و نادى أهل العراق:يا أهل ثارات الحسين،فحمل ابن الأشتر يمينا فخالط القلب و كسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم فانكشفت الغمّة و قد قتل ابن زياد قتله إبراهيم بيده و عرفه بأنّ منه رائحة المسك فحزّ رأسه و استوقدوا عامّة الليل بجسده لأنّ فيه شحما كثيرا، فحووا ما في العسكر و هرب غلام لابن زياد إلى الشام فأخبر عبد الملك بن مروان،فبعث ابن الأشتر برأس ابن زياد و أعيان من كان معه إلى المختار فجاؤوا بها و هو يتغدّى فقال:الحمد للّه ربّ العالمين وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد و هو يتغدّى و أتيت برأس ابن زياد و أنا أتغدّى.

قال:و انسابت حيّة تخلّل الرؤوس حتّى دخلت في أنف ابن زياد و خرجت من اذنه و دخلت في اذنه و خرجت من أنفه،فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فداس وجه ابن زياد بنعله ثمّ رمى بها إلى غلامه و قال:غسّلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر و بعث المختار برأس ابن زياد و أصحابه إلى محمّد بن الحنفية بمكّة و عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان بمكّة و كتب إليه صورة الحال فبعث محمّد رأس ابن زياد إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فادخل عليه و هو يتغدّى فقال:دخلت على ابن زياد و هو يتغدّى و رأس أبي بين يديه فقلت:اللّهم لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدّى و الحمد للّه الذي أجاب دعوتي ثمّ أمر فرمي به.

ص: 285

و كان المختار قد سألوه في أمان عمر بن سعد،فآمنه بشرط أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر فأتى عمر بن سعد رجل فقال:إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلا و ما أحسبه غيرك،فرجع عمر حتّى أتى مكانا يقال له الحمام فقيل له:أترى هذا يخفى على المختار،فرجع ليلا فدخل داره،فلمّا أصبح حكي للمختار أنّه خرج ليلا فارّا إلى الشام فأرسل إليه رجلا جاء برأسه،و اشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد و تتّبع قتلة الحسين و من أعان عليه فقتلهم كلّهم و بلغه أنّ شمرا لعنه اللّه أصاب من الحسين إبلا فنحرها في الكوفة و قسّم لحومها، فقال:احصوا لي كلّ دار دخلها من ذلك اللحم،فقتل رجالهم و هدم دورهم و بعث معاذ بن هاني إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي و هو الذي حمل رأس الحسين عليه السّلام إلى ابن زياد فأتوا داره فاستخفى في الكنيف،فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب على نفسه قوصرة فأخذوه إلى المختار فقتله و أحرقه،و طلب شمرا فهرب إلى البادية فأتوه به أسيرا فضرب عنقه و أغلى له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسّخ،ثمّ إنّ العبيد قتلت مواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السّلام و أتوا المختار فأعتقهم (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه، و إذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه،و لقد انتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر (2).

و في كتاب المحاسن عن سماعة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إذا كان يوم القيامة مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بشفير من النار و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين،فيصيح صائح من النار:يا رسول اللّه أغثني ثلاثا فلا يجيبه فينادي أمير المؤمنين ثلاثا،أغثني فلا يجيبه و كذلك الحسن ثمّ يقول:يا حسين أغثني أنا قاتل أعدائك فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قد احتجّ عليك،فينقضّ عليه كأنّه عقاب كاسر فيخرجه من النار و هو المختار.

قلت:و لم عذّب بالنار؟

قال:إنّه كان في قلبه منهما شيء،و الذي بعث محمّدا بالحقّ لو أنّ جبرئيل و ميكائيل1.

ص: 286


1- -أمالي الطوسي:240،و بحار الأنوار:333/45.
2- -بحار الأنوار:181/14 ح 23،و العوالم:653 ح 11.

كان في قلبيهما شيء لأكبّهما اللّه في النار على وجوههما (1).

و في كتاب إعلام الورى قال أمير المؤمنين عليه السّلام:كما أنّ بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا و بعضهم عصوا فعذّبوا فكذلك تكونون أنتم،فالعصاة منكم الذين قتلوا أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قد امروا بإكرامهم.قالوا:يا أمير المؤمنين إنّ ذلك لكائن؟

قال:بل خبرا حقّا سيقتلون ولديّ هذين الحسن و الحسين و سيصيبهم العذاب كما أصاب بني إسرائيل،قيل:و من هو؟

قال:غلام من ثقيف يقال له المختار بن أبي عبيدة.

قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:فتولّد المختار بعد هذا بزمان و أنّ هذا الخبر اتّصل بالحجّاج بن يوسف لعنه اللّه من قول عليّ بن الحسين فقال:أمّا رسول اللّه ما قال هذا و أمّا عليّ بن أبي طالب أنا أشكّ هل حكاه عن رسول اللّه،و أمّا عليّ بن الحسين فصبيّ مغرور بالأباطيل و يغرّ بها متّبعوه،اطلبوا لي المختار،فاحضر،فقال:قدّموه إلى النطع فاضربوا عنقه فبسط و أبركوا عليه المختار ثمّ جعل الغلمان يجيئون و يذهبون لا يأتون بالسيف يقولون:قد ضاع مفتاح الخزانة و السيف فيها فقال المختار:لن تقتلني و لن يكذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لئن قتلتني ليحييني اللّه حتّى أقتل منكم ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانون ألفا.

فقال الحجّاج لبعض حجّابه:اعط السيّاف سيفك يقتله فأخذ السيّاف و جاء لقتله فعثر فشقّ السيف بطنه فجاء بسيّاف آخر،فلمّا رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فمات،فقال:

يا حجّاج إنّك لا تقدر على قتلي،أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان لشابور ذي الأكناف حين كان يقتل العرب فأمر نزار بولده فوضعه في زنبيل في طريقه،فلمّا رآه قال:من أنت؟

قال:أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب و لا ذنوب لهم إليك و قد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك و المفسدين؟

قال:لأنّي وجدت في الكتاب أنّه يخرج منهم رجل يقال له محمّد يدّعي النبوّة فيزيل دولة ملوك الأعاجم فأقتلهم حتّى لا يكون ذلك الرجل،فقال نزار:لئن كان ما وجدته في كتب الكذّابين فما أولاك أن تقتل من لا ذنب له،و إن كان من قول الصادقين فإنّ اللّه سيحفظ ذلك2.

ص: 287


1- -بحار الأنوار:339/45 ح 5،و العوالم:653 ح 12.

الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل و لن تقدر على إبطاله،فقال شابور:هذا نزار يعني بالفارسية المهزول كفّوا عن العرب،ولكن يا حجّاج إنّ اللّه قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة ألف رجل،فإن أردت فاقتلني و إلاّ فلا فإنّ اللّه إمّا يمنعك عن قتلي،و إمّا أن يحييني بعد قتلك لأنّ قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا مرية فيه،فقال للسيّاق:اضرب عنقه.

فقال المختار:إنّ هذا لن يقدر و كنت أحبّ أن تكون أنت المتولّي فكان يسلّط عليك أفعى كما سلّط على الأوّل عقربا،فلمّا همّ السيّاف أن يضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان صاح بالسيّاف كفّ عنه و معه كتاب من عبد الملك فإذا فيه:أمّا بعد يا حجّاج إنّه قد سقط إلينا طير عليه رقعة إنّك أخذت المختار تريد قتله تزعم أنّه حكى عن رسول اللّه إنّه سيقتل من أنصار بني أميّة ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألف رجل،فإذا أتاك كتابي فخلّ عنه و لا تعرض له إلاّ سبيل خير فإنّه زوج ظئر ابن عبد الوليد بن عبد الملك و قد كلّمني فيه الوليد و أنّ الذي حكى إن كان باطلا فلا معنى لقتل مسلم بخبر باطل،و إن كان حقّا فإنّك لا تقدر على تكذيب قول رسول اللّه،فخلّى عنه الحجّاج فجعل المختار يقول:سأفعل كذا و كذا و أقتل كذا،فبلغ الحجّاج فأخذ و أمر بضرب عنقه فقال المختار:لا تقدر على ذلك و كان في ذلك إذ سقط عليه طائر عليه كتاب من عبد الملك:يا حجّاج لا تتعرّض للمختار فإنّه زوج مرضعة امّ الوليد و لئن كان حقّا فستمنع من قتله كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي قضى اللّه أن يقتل بني إسرائيل فتركه الحجّاج و توعّده إن عاد لمثل مقالته فعاد لمثل مقالته،فطلبه الحجّاج فاختفى مدّة ثمّ ظفر به.فلمّا أراد ضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب عبد الملك فاحتبسه الحجّاج و كتب إلى عبد الملك:كيف تأخذ إليك عدوّا مجاهرا يزعم أنّه يقتل من أنصار بني أميّة كذا و كذا فبعث إليه:إنّك رجل جاهل لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقّنا برعاية حقّ من خدمنا و إن كان حقّا فإنّه سنربيه حتّى يسلّط علينا كما ربّى فرعون موسى حتّى سلّط عليه،فبعث به الحجّاج و كان من المختار ما كان.

و قال عليّ بن الحسين لأصحابه و قد قالوا له:يابن رسول اللّه إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ذكر من أمر المختار،و لم يقل متى يكون قتله لمن يقتل؟

فقال:يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا،و سيؤتى برأس ابن زياد و شمر في يوم

ص: 288

كذا و كذا و نحن نأكل و هما بين أيدينا ننظر إليهما.

فلمّا كان اليوم الذي أخبرهم أنّه يكون فيه القتل كان مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم:طيّبوا أنفسكم أنّكم تأكلون و بنو أميّة يقصدون،يقتلهم المختار و سيؤتى برأسين يوم كذا و كذا.

فلمّا كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل.

فلمّا رآهما سجد و قال:الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى أراني،و كان في مائدته حلوا و ذلك اليوم اشتغل الخدم برؤية الرأسين فقال أصحابه:و لم يعمل اليوم الحلوا؟

فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:لا تريدوا حلوا أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين ثمّ عاد إلى قول أمير المؤمنين عليه السّلام قال:و ما للكافرين و الفاسقين عند اللّه أعظم و أوفى (1).

و روى الكشي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا و طلب بثأرنا و زوّج أراملنا و قسّم فينا المال على العسرة.

و في حديث ضعيف السند عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان المختار يكذب على عليّ بن الحسين (2).3.

ص: 289


1- -العوالم:658 ح 2،و بحار الأنوار:342/45.
2- -العوالم:652 ح 7،و شرح الأخبار:271/3.

تأويل القدح في المختار

أقول:قدحوا في شأن المختار لهذا و أمثاله،و هو إن صحّ يكون المراد منه ما وقع منه كما سيأتي من دعوة الناس إلى البيعة لطلب الثأر لأنّهم كانوا لا يبايعونه إلاّ أن يقولوا له:أنت مأمور من محمّد بن عليّ بن الحنفية و من عليّ بن الحسين،فكان يزيد في الكلام عنهما لمصلحة طلب الثأر فيكون من باب الكذب رعاية للمصالح الشرعيّة مع وقوع أصل الإذن منهما و سيأتي التصريح به.

و روى الكشّي أيضا عن عبد اللّه بن شريك قال:دخلنا على أبي جعفر عليه السّلام يوم النحر إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبّلها فمنعه،ثمّ قال:من أنت؟

فقال:الحكم بن المختار فقرّبه إليه ثمّ قال:إنّ الناس قد أكثروا في أبي و القول و اللّه قولك قال:أيّ شيء يقولون؟

قال:يقولون كذّاب،فقال:سبحان اللّه أخبرني أبي و اللّه إنّ مهر أمّي كان ممّا بعث به المختار أ و لم يبني دورنا و قتل قاتلينا و طلب بدمائنا فرحمه اللّه،و أخبرني و اللّه أبي أنّه كان ليتمّ عند فاطمة بنت عليّ يمهّد لها الفراش و يثنى لها الوسائد و منها أصاب الحديث رحم اللّه أباك رحم اللّه أباك ما ترك لنا حقّا عند أحد إلاّ طلبه و قتل قتلتنا و أخذ بدمائنا (1).

و عن الأصبغ قال:رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يمسح رأسه و يقول:يا كيس يا كيس (2).

و قال الكشي:إنّ المختار هو الذي دعا الناس إلى محمّد بن الحنفيّة،و سمّوا الكيسانية و هم المختارية و كان لقبه كيسان (3).

ص: 290


1- -وسائل الشيعة:347/20،و بحار الأنوار:343/45.
2- -بحار الأنوار:344/45 ح 11،و العوالم:649 ح 1.
3- -شرح أصول الكافي:125/6،و بحار الأنوار:345/45.

أقول:يجوز أنّه دعى الناس بإمامة محمّد بن علي أوّل الأمر لأنّه الأكبر بعد الحسين،ثمّ يحقّق له الأمر أنّ الإمام هو عليّ بن الحسين،فرجع إليه و بقي عن ذلك الاعتقاد الأوّل قوم و يجوز أن يكون دعوته إلى محمّد بن عليّ باعتبار أخذ الثأر يعني أنّ محمّدا أمره بطلب الثأر من قبل ابن أخيه،و يجوز أن يكون لقب بكيسان لقول أمير المؤمنين عليه السّلام له:يا كيس يا كيس،و على كلّ قول شاهد إمّا من الحديث أو من الأثر.

و قال الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المختصر:قيل بعث المختار إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها و خاف أن يردّها فتركها في بيت.

فلمّا قتل المختار كتب إلى عبد الملك يخبره بها،فكتب إليه خذها طيّبة هنيئة فكان علي يلعن المختار و يقول كذب على اللّه و علينا،لأنّ المختار كان يزعم أنّه يوحى إليه.

أقول:هذا الكلام آثار التقية عليه لائحة باعتبار أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام أخبر عبد الملك بالدراهم،و وجه التقيّة أنّه لمّا قتل المختار و استقلّ الملك لبني اميّة كانوا يتّهمون أهل البيت عليهم السّلام بأمر المختار و أنّ خروجه و قتله لبني اميّة كان من جهة أمرهم له بالخروج فكانوا يلعنونه كما كان الصادق عليه السّلام يلعن زرارة و يقول لابنه عيدان:لعني لأبيك،يكتب له في صحيفة حسنات.

و أمّا حكاية أنّه يوحى إليه فقد ورد في صفات المختار:إنّه كان شجاعا مدبّرا و كان عنده غلام سمّاه جبرائيل فكان يشاوره في اموره و يكلّمه و يخرج إلى الناس و يقول لهم:قال لي جبرئيل و كلّمت جبرئيل يوهم الناس أنّه يوحى إليه حتّى قويت شوكته و استحكمت له الأمور،و إلاّ فهو بريء من هذا الاعتقاد (1).

و قال الشيخ الفاضل جعفر بن محمّد بن نما في رسالة أخذ الثأر التي نزّه فيها المختار:

ما زال السلف يتباعدون عن زيارة المختار و يتقاعدون عن إظهار فضيلته و نسبوه إلى القول بإمامة محمّد بن الحنفيّة و رفضوا زيارة قبره مع قربه من الجامع و أنّ قبّته لكلّ من خرج من قبر مسلم بن عقيل كالنجم اللاّمع،و كان محمّد بن الحنفيّة أكبر من زين العابدين عليه السّلام سنّا لكنّه يقول بإمامة ابن أخيه.4.

ص: 291


1- -بحار الأنوار:346/45،و العوالم:650 ح 4.

كما رويته عن أبي مجير عالم الأهواز،و كان يقول بإمامة ابن الحنفيّة قال:حججت فلقيت إمامي فمرّ به غلام شاب فقام إليه و قبّل ما بين عينيه و خاطبه:بيا سيّدي و مضى الغلام.

فقلت له:إنّا نعتقد أنّك الإمام المفترض الطاعة و تقول لهذا الغلام يا سيّدي؟

فقال:نعم هو إمامي و ابن أخي عليّ بن الحسين،اعلم أنّي نازعته الإمامة فقال لي:

أترضى بالحجر الأسود حكما بيني و بينك؟فقلت:و كيف نتحاكم إلى حجر جماد؟

فقال:إنّ إماما لا يكلّمه الجماد ليس بإمام فقصدنا الحجر و صلّينا عنده فتقدّم و قال:

أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلاّ ما أخبرتنا من الإمام منّا،فنطق الحجر و قال:يا محمّد سلّم الأمر إلى ابن أخيك فهو أحقّ به منك و هو إمامك فأذعنت بإمامته.

قال مجير:فدنت أنا بإمامة عليّ بن الحسين،و تركت القول بالكيسانية و الأخبار في ذلك كثيرة،مع أنّ إبراهيم الأشتر كان معاونا للمختار في أخذ الثأر و لم يقل أحد فيه قدحا و لو علم أنّ المختار كيسانيّا لما أطاعه في شيء من الأمور.

ثمّ قال ابن نما:كان أبو عبيدة أبا المختار يتنوق في طلب النساء فأبى أن يتزوّج من قومه،فأتاه آت في منامه فقال:تزوج دومة الحسناء فأخبر أهله فقالوا:قد أمرت فتزوّج دومة بنت وهب فتزوّجها،فلمّا حملت بالمختار قالت له:رأيت في النوم قائلا يقول،شعر:

ابشر بالولد *** أشبه شيء بالأسد

إذ الرجال في كبد *** تقاتلوا على بلد

كان له الحظّ الأشد ***

و حضر مع أبيه وقعة قيس الناطف و هو ابن ثلاث عشرة و كان يريد القتال فيمنعه عمّه،فنشأ مقداما شجاعا لا يتّقي شيئا و تعالى معالي الامور و كان ذا عقل وافر و جواب حاضر (1).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت أزور عليّ بن الحسين في كلّ سنة مرّة في وقت5.

ص: 292


1- -بحار الأنوار:350/45.

الحجّ فأتيته سنة،فإذا على فخذه صبيّ فوقع على عتبة الباب فانشج فوثب إليه و جعل ينشّف دمه و يقول:إنّي اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة،قلت:في أيّ الكناسة؟

قال:كناسة الكوفة،و لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة و هو مقتول مدفون منبوش مصلوب في الكناسة،ثمّ ينزل فيحرق و يذرّى في البرّ،فقلت:ما اسمه؟

قال:زيد،ثمّ دمعت عيناه و قال:لأحدّثنّك بحديث ابني هذا؛بينا أنا ليلة اصلّي ذهب فيّ النوم فرأيت كأنّي في الجنّة و كان رسول اللّه و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم قد زوّجوني حوراء العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهى و هتف هاتف ليهنّك زيد،فاستيقظت لصلاة الفجر فدقّ الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية فقال:أنا رسول المختار يقرئك السلام و يقول:وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستّمائة دينار و هذه ستّمائة دينار استعن بها على دهرك،فقلت:ما اسمك؟

قالت:حوراء،فهيّؤوها لي و بت بها عروسا،فعلقت بهذا الغلام فسمّيته زيدا و سترى ما قلت لك.

قال أبو حمزة:فو اللّه لقد رأيت كلّما قاله عليه السّلام في زيد فما زال المختار ينشر فضائل أهل البيت مع حداثة سنّه،ففي بعض الأيّام لقيه معبد بن خالد فقال:يا معبد أنّ أهل الكتب ذكروا أنّهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبّارين و ينصر المظلومين و يأخذ بثأر المستضعفين و وصفوا صفته و هي كلّها في غير خصلتين إنّه شاب و قد جاوزت الستّين و أنّه رديء البصر و أنا أبصر من عقاب،فقال معبد:أمّا السنّ فإن ابن ستّين و سبعين عند أهل ذلك الزمان شاب و أمّا بصرك فما تدري ما يحدث اللّه فيه،فلم يزل حتّى مات معاوية و ولّي يزيد و وجّه الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه،فلمّا قتل مسلم سعي بالمختار إلى ابن زياد فأحضره فقال له:أنت المبايع لأعدائنا؟فشهد له ابن حريث إنّه لم يفعل.

فقال:لولا شهادة هذا لقتلتك و شتمه و ضربه بقضيب،فشتر عينه و حبسه و حبس عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطّلب و كان في الحبس ميثم التمّار فطلب عبد اللّه حديدة يزيل بها شعر بدنه و قال:لا آمن ابن زياد يقتلني فأكون قد ألقيت ما عليّ من الشعر،فقال المختار:

ص: 293

و اللّه لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلاّ قليل حتّى تلي البصرة،فقال ميثم للمختار:و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد قتلنا و تطأ بقدميك على و جنتيه،و لم يزل ذلك يتردّد في صدره حتّى قتل الحسين عليه السّلام فكتب المختار إلى أخته صفية و كانت زوجة عبد اللّه بن عمر تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية فكتب إليه،فقال يزيد:تشفع أبا عبد الرحمن و كلّمته هند بنت أبي سفيان في عبد اللّه بن الحارث و هي خالته،فكتب إلى عبيد اللّه فأطلقهما بعد أن أجّل المختار ثلاثة أيّام ليخرج من الكوفة و إن تأخّر عنها ضرب عنقه،فخرج هاربا نحو الحجاز حتّى إذا صار بواقصة لقيه ابن زهير فقال:ما لي أرى عينك؟

قال:فعل ذلك بي ابن زياد قتلني اللّه إن لم أقتله و أقطع أعضاؤه و لأقتلنّ بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا و هم سبعون ألفا.

ثمّ قال:و الذي أنزل القرآن و كره العصيان لأقتلن العصاة ازد عمان و مذحج و همدان و مهد و خولان و بكر و هران و قبائل قيس غيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن،فلم يزل على ذلك حتّى مات يزيد و خلف أحد عشر ولدا و عمره ثمان و ثلاثون سنة و مدّة خلافته سنتان و ثمانية أشهر و لمّا خلع معاوية نفسه عن الخلافة بويع في تلك السنة لعبد اللّه بن الزبير بالحجاز و لمروان بن الحكم بالشام و لعبيد اللّه بن زياد بالبصرة.

و أمّا أهل العراق فإنّهم وقعوا في الأسف على ترك نصرة الحسين عليه السّلام و كان عبيد اللّه بن الحرّ الجعفي من أشراف أهل الكوفة و قد ندبه الحسين إلى الخروج معه،فلم يفعل ثمّ تداخله الندم فقال،شعر:

فيالك حسرة ما دمت حيّا *** تردّد بين حلقي و التراقي

غداة حسين يطلب بذل نصري *** على أهل الضلالة و الشقاق

غداة يقول لي بالقصر قولا *** أتتركنا و تزمع بالفراق

و لو أنّي اواسيه بنفسي *** لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه *** تولّى ثمّ ودّع بانطلاق

فلو فلق التلهّف قلب حيّ *** لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الأولى نصروا حسينا *** و خاب الآخرون إلى النفاق

ص: 294

و لم يكن في العراق من يصلح للقتال و النجدة إلاّ قبائل الكوفة،فأوّل من نهض سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و المسيّب بن نجبة الضراري و هو من كبار الشيعة و له صحبة مع عليّ عليه السّلام و عبد اللّه بن سعد و رفاعة بن شداد و جماعة،فاجتمعوا في دار سليمان فبدأ سليمان بالكلام فقال بعد الحمد و الثناء:أمّا بعد فقد ابتلينا بطول العمر،ثمّ قال في كلامه:إنّ اللّه اختبرنا فوجدنا كذّابين في نصر ابن بنت رسول اللّه و لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه فعسى ربّنا أن يعفو عنّا.

قال رفاعة بن شدّاد:قد هداك اللّه ثمّ انّهم اتّفقوا على سليمان شيخا لهم.و قال المسيّب:أصبتم و أنا أرى الذي رأيتم فاستعدّوا للحرب،و كتب سليمان إلى من كان بالمدائن من الشيعة يدعوهم إلى أخذ الثأر فكتبوا إليه بالقبول (1).

و ذكر الطبري في تاريخه:أنّ أوّل ما ابتدأ به الشيعة من أمرهم سنة إحدى و ستّين و هي السنة التي قتل فيها الحسين،فما زالوا في جمع آلة الحرب و الاستعداد للقتال حتّى مات يزيد و كان بين مقتل الحسين عليه السّلام و هلاك يزيد ثلاث سنين و شهران و أربعة أيّام و كان أمير العراق عبيد اللّه و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث و كان عبد اللّه ابن الزبير قبل موت يزيد يدعو الناس إلى طلب ثأر الحسين،فلمّا مات يزيد أظهر أنّه يدعو الناس لنفسه فخرج المختار من مكّة متوجّها إلى الكوفة،فلمّا دخل الكوفة نهارا صار لا يمرّ على جماعة إلاّ سلّم و قال:ابشروا بالفرج فقد جئتكم بما تحبّون و أنا المسلّط على الفاسقين و الطالب بدم أهل بيت نبيّ ربّ العالمين.

فقال الناس:هذا المختار نرجو به الفرج،ثمّ بعث إلى وجوه الشيعة و عرّفهم أنّه جاء من محمّد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت،فقالوا:أنت موضع ذلك غير أنّ الناس بايعوا سليمان بن صرد فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك،فسكت المختار و أقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان و الشيعة يدبّرون أمرهم سرّا خوفا من عبد الملك و من عبد اللّه بن الزبير و كان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر لأنّ أكثرهم قتلة الحسين و صار المختار يثبّط الناس عن سليمان و يدعوهم إلى نفسه،فقال عمر بن سعد و شبث بن ربعي لأهل الكوفة:إنّ المختار4.

ص: 295


1- -بحار الأنوار:355/45،و العوالم:674.

أشدّ عليكم،لأنّ سليمان إنّما خرج يقاتل عدوّكم و المختار إنّما يريد أن يثب عليكم فسيروا إليه و أوثقوه بالحديد و خلّدوه السجن فأحاطوا بداره و استخرجوه و أدخلوه السجن.

ثمّ أراد سليمان النهوض بعسكره من النخيلة مستهلّ شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستّين،و هي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز و جعلهما وليّي عهده.

و فيها مات مروان بدمشق و عمره إحدى و ثمانين سنة و كان عبيد اللّه بالعراق فنزل الجزيرة فأتاه الخبر بموت مروان و خروج سليمان ليرحل،فاستقلّ عسكره فبعث من ينادي بالكوفة يا لثارات الحسين.

فسمع النداء رجل من الأزد و عنده امرأته و كانت من أجمل النساء،فوثب إلى سلاحه و فرسه فقالت له زوجته:أجنيّت؟

قال:لا،ولكنّي سمعت داعي اللّه فأنا مجيبه و طالب بدم هذا الرجل حتّى أموت، فقالت إلى من تودع بيتك هذا؟

قال:إلى اللّه،اللّهم إنّي أستودعك ولدي و أهلي،اللّهم احفظني فيهم و تب عليّ ممّا فرّطت في نصرة ابن بنت نبيّك،ثمّ نادوا:يا لثارات الحسين في الجامع،فخرج جمع كثير إلى سليمان و عزم على المسير إلى الشام لمحاربة ابن زياد،فقال له عبد اللّه بن سعد:إنّ قتلة الحسين كلّهم بالكوفة منهم عمر بن سعد و أشراف القبائل و ليس بالشام سوى عبيد اللّه بن زياد،فلم يوافق إلاّ على المسير فخرج عشية الجمعة فأصبحوا عند قبر الحسين عليه السّلام فأقاموا يوما و ليلة يصلّون و يستغفرون ثمّ ضجّوا ضجّة واحدة بالبكاء و العويل فلم ير مثله يوما و ازدحموا عند الوداع على قبره و قام وهب الجعفي باكيا على القبر و أنشد،شعر:

تبيت السكارى من أميّة نوّما *** و بالطفّ قتلى ما ينام حميمها

و أضحت قناة الدّين في كفّ ظالم *** إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها

فساروا إلى هيت ثمّ إلى قرقيسيا و بلغهم أنّ أهل الشام في عدد كثير،ثمّ إنّ سليمان و عظهم و قال:إن قتلت فأميركم المسيّب بن نجبة فإن اصيب المسيّب فالأمير عبد اللّه بن وال فإن قتل فالأمير رفاعة بن شدّاد،ثمّ بعث سليمان المسيب في أربعة آلاف رائدا و أن يشنّ

ص: 296

عليهم الغارة،فلمّا قرب منهم قال الأعرابي:كم بيننا و بين القوم؟

قال:ميل و من ورائهم الحصين بن نمير في أربعة آلاف و من ورائهم الصلت في أربعة آلاف و جمهور العسكر مع ابن زياد،فساروا حتّى أشرفوا على عسكر الشام،فقال المسيب لأصحابه:كرّوا عليهم،فحمل عليهم عسكر العراق فانهزموا و قتل منهم خلق كثير و غنموا منهم غنيمة عظيمة و رجعوا إلى سليمان و وصل الخبر إلى ابن زياد،فسرّح إليهم الحصين بن نمير في عشرين ألفا و عسكر العراق ثلاثة آلاف و مائة فحمل عليهم عسكر العراق فهزموهم و ظفروا بهم و حجز الليل بينهم ثمّ قاتلوهم ثلاثة أيّام فأمر الحصين أهل الشام برمي النبل فجاءت السهام كالشرار المتطاير فقتل سليمان رحمه اللّه.

ثمّ أخذ الراية المسيّب فقاتل قتالا خرّت له الأذقان ثلاث مرّات،فلم يزل يكرّ عليهم فيفرّون حتّى تكاثروا عليه فقتلوه ثمّ أخذ الراية عبد اللّه بن سعد و قاتل أشدّ قتال حتّى قتل و تقدّم عبد اللّه بن وال فقاتل حتّى قطعت يده اليسرى،فبينما هم كذلك إذ جاءتهم العسكر من البصرة و من المدائن فاشتدّت قلوب أهل العراق و اجتمعوا و كبّروا و اشتدّ القتال حتّى بان في أهل العراق الضعف و الذلّة و تحدّثوا في ترك القتال،ثمّ عاد أهل الكوفة و أهل البصرة و أهل المدائن إلى بلادهم و المختار محبوس فكتب إلى أصحاب سليمان:

أمّا بعد،فإنّ اللّه عظّم لكم الأجر و حطّ عنكم الوزر و انّي لو خرجت إليكم جرّدت فيما بين المشرق و المغرب من عدوّكم بالسيف بإذن اللّه إلى آخر الكتاب،فوقف عليه جماعة من رؤساء القبائل و فرحوا به و كتبوا إليه:إن شئت أن نأتيك حتّى نخرجك من الحبس،فكتب إليهم:إنّي أخرج في أيّامي هذه،و قد كان المختار بعث إلى عبد اللّه بن عمر بأن يكتب إلى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمّد بالخلاص من أيديهما،فكتب ابن عمر إليهما بخلاص المختار فطلبوا منه كفلاء بأن لا يخرج عليهم و حلّفاه فإن هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها عند باب الكعبة و مماليكه أحرار،فخرج و جاء إلى داره و قال:قاتلهم اللّه ما أجهلهم حيث يرون أنّي أفي لهم بأيماني هذه،أمّا الحلف فتركه إلى ما هو خير منه جائز،و أمّا هدي ألف بدنة فهو هيّن عليّ،و أمّا عتق مماليكي،فإذا أخذت الثأر وددت أنّي لا أملك مملوكا أبدا،و لمّا استقرّ في داره اختلفت الشيعة إليه.

ص: 297

و كان قد بويع له و هو في السجن و لم يزل أمرهم يقوى حتّى عزل عبد اللّه بن الزبير الواليين من قبله و هما عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمّد المذكورين و بعث عبد اللّه بن مطيع واليا إلى الكوفة و الحارث بن عبد اللّه على البصرة،فأراد المختار أن يثب على أهل الكوفة حتّى قال جماعة من أصحابه:إنّ المختار يريد الخروج بنا للثأر و قد بايعناه و لا نعلم أرسله إلينا محمّد بن الحنفية أم لا؟فقوموا نخبره و جاؤوا إلى ابن الحنفية و قالوا له:إنّ المختار قدم و يزعم أنّه جاءنا من قبلكم للأخذ بثأر الحسين عليه السّلام فبايعناه على ذلك فإن أمرتنا اتّبعناه، فقال:قوموا إلى إمامي و إمامكم عليّ بن الحسين،فلمّا دخلوا عليه أخبر محمّد بما جاؤوا به فقال:يا عمّ لو أنّ عبدا زنجيا تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس معاونته و قد وليّتك هذا الأمر فاصنع ما شئت فخرجوا و هم يقولون أذن لنا زين العابدين و محمّد بن الحنفيّة و كان المختار علم بخروجهم إلى محمّد و كان يريد النهوض قبل قدومهم،فلمّا قدموا و أخبروه قال:

اجمعوا لي الشيعة فجمعوهم و أخبروهم بأنّ عليّ بن الحسين و عمّه راضيان بأخذ الثأر، و عرّفه قوم أنّ جماعة من أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع و متى جاء معنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوّة على عدوّنا لأنّ له عشيرة،فقال ألقوه و قولوا له،فلمّا قالوا له قال:أجبتكم على أن تولّوني الأمر.

قالوا:أنت أهل،ولكن المختار جاءنا من قبل إمام الهدى و من نائبه محمّد بن الحنفيّة و هو المأذون له في القتال،فلم يجب و انصرفوا و عرفوا المختار فأتى المختار بالشيعة إلى بيت إبراهيم و جلس إلى فراشه و قال:هذا كتاب محمّد بن أمير المؤمنين يأمرك أن تنصرنا فأخذه إبراهيم و فضّ ختمه فإذا الكتاب إليه من محمّد يأمره بالقتال مع المختار لأخذ الثأر،فلمّا قرأ الكتاب بايع المختار و صار يتردّد إليه مع شيعته و أجمع رأيهم أن يخرجوا شهر ربيع الآخر سنة ستّ و ستّين و كان إياس أمير الكوفة من قبل عبد اللّه بن مطيع فقالوا له:إنّ المختار خارج عليك فخذ حذرك ثمّ خرج إياس مع الحرث و بعث ولده راشد إلى الكناسة،ثمّ إنّ إبراهيم بن الأشتر خرج إلى ابن إياس و طعنه في نحره و احتزّ رأسه و أقبل به إلى المختار،فاستبشر تفاؤلا بالنصر و خرجت الشيعة من دورهم يتداعون إلى الطعان لأخذ الثأر،شعر:

و لما دعى المختار للثأر *** و أقبلت كتايب من أشياع آل محمّد

ص: 298

و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم *** و خاضوا بحار الموت في كلّ مشهد

هم نصروا سبط النبيّ و رهطه *** و دانوا بأخذ الثأر من كلّ ملحد

ففازوا بجنّات النّعيم و طيبها *** و ذلك خير من لجين و عسجد

و لو أنّني يوم الهياج لدى الوغا *** لأعملت حدّ المشرفي المهنّد

فوا أسفا إذ لم أكن من حماته *** فأقتل فيهم كلّ باغ و معتدي

قال الوالبي و حميد بن مسلم:خرجنا مع المختار و نادى ابن مطيع في أصحابه فبعث شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف و راشد بن إياس في أربعة آلاف و العجلي في ثلاثة آلاف و تتابعت العساكر نحوا من عشرين ألفا،و سمع المختار أصواتا مرتفعة فإذا هو شبث بن ربعي و معه خيل عظيم فأتى إليهم إبراهيم بن الأشتر و حمل عليهم حملة عظيمة و قتل منهم جماعة كثيرة حتّى أدخلهم الدور و حصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر حصره إبراهيم،فلمّا ضاق عليه الحصار خرج في زيّ امرأة حتّى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فآووه،و أمّا أصحابه فطلبوا الأمان و خرجوا و بايعوا و دخل المختار إلى القصر ثمّ خرج إلى الجامع و أمر بالنداء الصلاة جامعة فاجتمع الناس،ثمّ رقى المنبر و خطب و قال في خطبته:و ربّ العالمين لأقتلنّ أعوان الظالمين و بقايا القاسطين و لأحرقنّ بالمصر دورا و لأنبشنّ بها قبورا و لأشفينّ بها صدورا و لأقتلنّ بها جبّارا كفورا،ثمّ نزل و دخل قصر الإمارة و انعكف عليه الناس بالبيعة و وجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف ففرّقها على أصحابه.

و لمّا علم أنّ ابن مطيع في دار أبي موسى أرسل إليه عشرة آلاف درهم يستعين بها على خروجه إلى ابن الزبير ثمّ إنّ المختار فرّق[الدراهم]على أصحابه و عزل شريحا عن القضاء و ولّى عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و كان مروان بن الحكم لمّا استقامت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى المختار و الآخر إلى العراق مع ابن زياد لينهب الكوفة ثلاثة أيّام فاجتاز بالجزيرة و عاملها من قبل ابن الزبير قيس غيلان ثمّ قدم الموصل و عامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعد فوجه عبيد اللّه إليه خيله و رجله فانحاز عبد الرحمن إلى تكريت و كتب إلى المختار يعرفه ذلك فكتب الجواب أن لا يفارق مكانه حتّى يأتيه أمره ثمّ دعى المختار يزيد بن أنس و عرفه صورة الحال و ضمّ إليه ثلاثة آلاف فارس ثمّ خرج من الكوفة و شيّعه المختار.

ص: 299

ثمّ كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعدان:خلّ بين يزيد و بين البلاد إن شاء اللّه، فسار حتّى بلغ أرض الموصل و بلغ خبره إلى ابن زياد و عرف عدّتهم فقال:ارسل إلى كلّ ألف ألفين فبعث ستّة آلاف فارس،فجاؤوا و يزيد مريض مدنف فأركبوه حمارا مصريّا و الرّجال يمسكونه فيقف على الرّجال و يحثّهم على القتال و قال:إن هلكت فأميركم و رقاء بن غارب الأسدي.

و وقع القتال قبل شروق الشمس فلم يرتفع الضحى حتّى هزمهم عسكر العراق و أتوا يزيد بثلاثمائة أسير و قد أشفى على الموت فأشار بيده أن اضربوا رقابهم فقتلوهم جميعا ثمّ مات يزيد بن أنس و اغتمّ عسكر العراق لموته و انصرفوا في جوف الليل إلى المختار.

و كان مع ابن زياد ثمانون ألفا من أهل الشام،ثمّ إنّ المختار أمر إبراهيم الأشتر بالمسير إلى ابن زياد فخرج في جموع كثيرة حتّى نزل ساباط فتوسّم أهل الكوفة في المختار القلّة و الضعف فخرجوا عليه و جاهروه بالعداوة،ثمّ إنّه أرسل إلى إبراهيم بالرجوع مع عسكره إلى الكوفة،فرجع و حارب أهل الكوفة و قتل منهم خلقا كثيرا ممّن حضر قتل الحسين و غيرهم،ثمّ علم أنّ شمر بن ذي الجوشن خرج هاربا و معه نفر ممّن شرك في دم الحسين فأمر عبدا له أسود يقال له رزين و معه عشرة و كان شجاعا،فبلغ إلى شمر و تقاتل معه و قتله و جاء برأسه و من معه إلى المختار و كان المختار قد تجرّد لقتلة الحسين فأوّل من بدأ به الذين وطئوا الحسين عليه السّلام بخيلهم فأنامهم على ظهورهم و ضرب سكك الحديد في أيديهم و أرجلهم و أجرى الخيل عليهم حتّى قطعتهم و حرقهم بالنار،ثمّ أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل فضرب أعناقهما ثمّ أحرقهما بالنار.

و بعث أبا عمرة فأحاط بدار خولي الأصبحي و هو حامل رأس الحسين إلى ابن زياد، فخرجت امرأته إليهم و هي النوار بنت مالك و كانت محبّة لأهل البيت قالت:لا أدري أين هو و أشارت بيدها إلى بيت الخلاء فوجدوه و على رأسه قوسرة فأخذوه و قتلوه ثمّ أمر بحرقه و بعث إلى حكيم ابن الطفيل و كان قد أخذ سلب العبّاس فجعلوه هدفا و رموه بالسّهام و بعث إلى قاتل عليّ بن الحسين و هو مرّة العبدي فأحرقوه و هرب سنان بن أنس،ثمّ أخذه بين العذيب و القادسية فقطع أنامله ثمّ يديه و رجليه و غلى له زيتا و رماه فيها و كلّ من قتله هدم

ص: 300

داره حتّى هدم في الكوفة دورا كثيرة،فلمّا خلى خاطره اهتمّ بعمر بن سعد و ابنه حفص،فقال يوما:و اللّه لأقتلنّ رجلا عظيم القدمين مشرف الحاجبين يهزّ الأرض برجله،فسمع الهيثم قوله و وقع في نفسه أنّه عمر بن سعد فأرسل إلى ابن سعد و عرّفه قول المختار و قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفى فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا أمان المختار لعمر بن سعد إنّك آمن بأمان اللّه إلاّ أن يحدث حدثا.

قال الباقر عليه السّلام:إنّما قصد المختار أن يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء فيحدث،و لمّا علم ابن سعد أنّ قول المختار عنه عزم على الخروج من الكوفة فركب ناقته و خرج ثمّ نام على ظهر ناقته،فرجعت و هو لا يدري حتّى ردّته إلى الكوفة فأخبروا المختار فقال:و فينا له و غدر بنا فأرسل إليه و ضرب عنقه و أتى برأسه و ابنه حفص عند المختار،فلمّا وضع الرأس قال لابنه:تعرفه؟

قال:نعم،و لا خير في العيش بعده،فقال:إنّك لا تعيش بعده و أمر بقتله،فقال المختار:عمر بالحسين و حفص بعليّ بن الحسين و لا سواء،و قال:لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السّلام و كان محمّد بن الحنفيّة يعتب على المختار بتأخيره قتل ابن سعد،فأرسل بالرأسين إلى مكّة فما تمّ كلامه إلاّ و الرأسان عنده فخرّ ساجدا و بسط كفّيه و قال:اللّهم لا تنس هذا اليوم للمختار و أجزه عن أهل بيتك محمّد خير الجزاء،فو اللّه ما على المختار بعد هذا من عتب.

ثمّ قال المختار:لم يبق عليّ أعظم من ابن زياد فأمر إبراهيم بن الأشتر بالمسير إليه فسار إلى تكريت و نزل بها و سار إلى ما بقي أربعة فراسخ من الموصل و ابن زياد بها،فخرج إليه ابن زياد في ثلاثة و ثمانين ألفا حتّى نزل قريبا من عسكر العراق و كان مع الأشتر أقلّ من عشرين ألفا،فلمّا كان في السحر عبّأ إبراهيم أصحابه فزحفوا إلى أهل الشام و التقى الجمعان فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم ثمّ تقدّم إبراهيم و نادى:ألا يا أنصار الدّين قاتلوا أولاد القاسطين لا تطلبوا أثرا بعد عين هذا عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين،ثمّ حمل على أهل الشام و ضرب فيهم بسيفه و اختلط العسكران و شبّت فيهم نار الحرب إلى أن صلّوا بالإيماء صلاة الظهر و اشتغلوا بالقتال إلى أن تجلى صدر الدجا بالأنجم الزهر و انقضّ

ص: 301

عليهم أهل العراق انقضاض العقبان على الرخم و جالوا فيهم جولان الذئب على الغنم،فولّى عسكر الشام و صبغ الأرض بدمائهم.

قال إبراهيم:و احمرّ رجل أحمر في كبكبة فدنى منّي فضربت يده فسقط فوجدت رائحة المسك تفور منه فاحتزّوا رأسه و إذا هو ابن زياد فقال إبراهيم:الحمد للّه الذي أجرى قتله على يدي في يوم عاشوراء و عمره دون الأربعين و أصبح الناس فغنموا غنيمة عظيمة و كان المختار قد سار من الكوفة يتطلّع أحوال إبراهيم فأتته البشرى بقتل ابن زياد و أصحابه فكاد يطير فرحا و رجع إلى الكوفة مسرورا،و قال أبو عمر البزّاز:كنت مع إبراهيم الأشتر لمّا لقى ابن زياد بالخارز فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم فكانوا سبعين ألفا و صلب عبيد اللّه بن زياد منكسا،فكأنّي أنظر إلى خصيه كأنّهمنا جعلان و بعث إبراهيم برأس ابن زياد و أهل الشام و في آذانهم رقاع أسمائهم فقدموا عليه و هو يتغدّى فوطأ وجه ابن زياد بنعله،ثمّ أمر بحمل الرؤوس إلى مكّة إلى محمّد بن الحنفيّة و عليّ بن الحسين (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما اكتحلت هاشميّة و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخّان خمس سنين،و كانت ولاية المختار ثمانية عشر شهرا أوّلها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ستّ و ستّين،و آخرها النصف من شهر رمضان سنة سبع و ستّين و عمره سبع و ستّون سنة (2).7.

ص: 302


1- -بحار الأنوار:385/45،و العوالم:706.
2- -بحار الأنوار:386/45،و العوالم:707.

خاتمة

فيما وقع على قبره الشريف من أهل الظلم و العدوان

عن يحيى الحماني قال:خرجت أيّام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي الكوفي فلقيني أبو بكر بن عيّاش فقال لي:امض بنا إلى هذا و كان راكبا حمارا له فجعلت أمشي في ركابه فقال:إنّما جررتك معي لأسمعك ما أقول لهذا الكافر موسى بن عيسى،فمضى و أنا أتبعه حتّى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى دخل على حماره فناداني فدخل الإيوان،فبصر بنا موسى و هو قاعد في صدر الإيوان فرحّبه و أقعده على سريره و ناداني فأجلسني بين يديه فقال أبو بكر:جئت بهذا شاهدا عليك قال:فبماذا؟

قال:إنّي رأيتك و ما صنعت بقبر الحسين بن عليّ ابن فاطمة،و كان موسى قد وجّه إليه من كربه و كرب جميع أرض الحائر و حرثها للزرع،فانتفخ موسى حتّى كاد أن ينقدّ،ثمّ قال:

و ما أنت و ذا؟

قال:اسمع حتّى أخبرك؛إعلم أنّي رأيت في منامي كأنّي خرجت إلى بني غاضرة، فلمّا صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني فأغاثني اللّه برجل كنت أعرفه فدفعها عنّي فمضيت لوجهي،فلمّا صرت إلى شاهي ضللت الطريق فرأيت هناك عجوزا دلّتني عن الطريق،فلمّا صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير فقال:أنا من أهل هذه القرية، فقلت:كم تعدّ من السنين؟

فقال:أذكر إنّي رأيت الحسين و من كان معه يمنعون الماء الذي لا تمنعه الكلاب و لا الوحوش،ثمّ قال:ما في الدّنيا مسلم أيكرب قبر ابن النبيّ و تحرث أرضه؟قلت:و أين القبر؟

قال:هذا هو أنت واقف في أرضه،فأمّا القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه.

قال أبو بكر:و ما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قطّ،فقلت:لا أعرفه،فمضى معي الشيخ حتّى وقف بي على مكان له باب و حاجب،و إذا جماعة كثيرة على الباب فقلت

ص: 303

للحاجب:اريد الدخول على ابن رسول اللّه.

قال:لا تقدر على الوصول إليه هذا الوقت لأنّه وقت زيارة إبراهيم خليل اللّه و محمّد رسول اللّه و معهما جبرائيل و ميكائيل و جماعة من الملائكة فانتبهت و قد دخلني روع شديد و بكاء و حزن و مضت بي الأيّام حتّى كدت أن أنسى المنام ثمّ اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي حتّى صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص،فحين رأيتهم ذكرت الحديث فقالوا لي:الق ما معك و انج بنفسك،فقلت:و يحكم أنا أبو بكر شديد الضيافة للناس،فنادى رجل منهم:مولاي و ربّ الكعبة لا تعرض له فدلّوني على الطريق فجعلت أتذكّر ما رأيته في المنام حتّى صرت إلى نينوى فرأيت الشيخ الذي رأيته في منامي بصورته ثمّ سألته كمسألتي إيّاه في المنام فأجابني بما كان أجابني ثمّ قال لي:امض بنا فمضيت فوقفت يده على الموضع و هو مكروب،فاتّق اللّه أيّها الرجل فإنّ موضعا يأمّه إبراهيم و محمّد و جبرئيل و ميكائيل لحقيق بأن يرغب في زيارته،فإنّ أبا حصين حدّثني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:من رآني في المنام فإيّاي رآني فإنّ الشيطان لا يتشبّه بي،فقال له موسى:ان بلغني أنّك بهذا لأضربنّ عنقك و عنق هذا الذي جئت به شاهدا عليّ،فقال له أبو بكر:إذا يمنعني و إيّاه منك،فقال له:تراجعني و شتمه،فقال له أبو بكر:اسكت أخزاك اللّه و قطع لسانك،فقال موسى:خذوه فأخذونا سحبا على الأحجار فصيّرونا إلى الحبس ثمّ أمر بإخراجنا و قال:لا تعودوا لهذا،الحديث (1).

و عن إبراهيم الديزج قال:بعثني المتوكّل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين عليه السّلام و نبشه، فعرضت على المتوكّل إنّي نبشت القبر فلم أجد شيئا ولكنّي لمّا نبشت وجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين فأمرت بطرح التراب عليها و أطلقت عليه الماء و أمرت البقر لتحرثه فلم تطأه البقر،و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه فحلفت لغلماني لئن ذكر أحد هذه إلاّ قتلته (2).

و روي أنّ الديزج هذا اسودّ وجهه بعد البياض،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جاءه في المنام4.

ص: 304


1- -بحار الأنوار:244/58،و العوالم:722.
2- -بحار الأنوار:394/45،و العوالم:724.

و لطمه و تفل في وجهه.

و عن الفضل بن محمّد قال:دخلت على إبراهيم الديزج في مرضه الذي مات فيه فوجدته كالمدهوش و عنده الطبيب،فلم يعرف الطبيب ما يصف له من الدواء فخرج الطبيب و خلى الموضع فقال:اخبرك أنّ المتوكّل أمرني بالخروج إلى قبر الحسين فأمرنا أن نكريه و نطمس أثر القلب فخرجت بالفعله و معهم المساحي و المرور فأمرت أصحابي أن يأمروا الفعلة بخراب القبر و حرث أرضه فطرحت نفسي لما نالني من التعب،فإذا أصوات عالية فنبهوني و قالوا:إنّ بموضع القبر قوما يرمونا بالنشّاب فقمت لأتبيّن الأمر فوجدته كما وصفوا و كان ذلك أوّل الليل،فقلت:ارموهم فرموهم فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منّا إلاّ في صاحبه الذي رمي به فقتله فجزعت و أخذتني الحمّى و رحلت عن القبر و وطّنت نفسي على أن يقتلني المتوكّل،فقيل له:قد كفيت ما تحذر من المتوكّل قد قتل بارحة الاولى و أعان عليه المنتصر؟

فقال لي:قد سمعت بذلك و قد نالني جسمي ما لا أرجو معه البقاء و كان هذا في أوّل النهار،فما أمسى الديزج حتّى مات.

قال أبو المفضل:إنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة،فسأل رجلا من الناس عن ذلك، فقال:قد وجب عليه القتل إلاّ أنّ من قتل أباه لم يطل له عمر.

قال:ما أبالي إذا أطعت اللّه بقتله أن لا يطول لي عمر فقتله و مات بعده بسبعة أشهر (1).3.

ص: 305


1- -أمالي الطوسي:328،و العوالم:726 ح 3.

حديث قاطع السدرة

و في كتاب الأمالي عن يحيى الرازي قال:كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس،فقال:تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السّلام و أمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت قال:فرفع جرير يديه و قال:اللّه أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لعن اللّه قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف على معناه حتّى الآن،لأنّ القصد بقطعه تعيير مصرع الحسين عليه السّلام حتّى لا يقف الناس على قبره (1).

و عن محمّد بن فرج عن أبيه عن عمّه قال:أنفذني المتوكّل في تخريب قبر الحسين فصرت إليه و أمرت بالبقر فمرّ بها على القبور كلّها،فلمّا بلغت قبر الحسين لم تمرّ عليه.

قال عمّي:فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتّى انكسرت العصا في يدي فو اللّه ما جازت على قبره و لا تخطّته (2).

و في ذلك الكتاب عن موسى بن عبد العزيز قال:لقيني يوحنا النصراني المتطيّب فقال لي:بحقّ دينك من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة؟قلت:هو ابن بنته عليه السّلام،فقال:له عندي حديث طريف و هو أنّه وجّه إلى سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل إليه و مضينا حتّى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي،فوجدناه زايل العقل متّكئا على و سادة و إذا بين يديه طشت فيها حشو جوفه و كان الرشيد استحضره من الكوفة فأقبل سابور على خادم كان من خاصّة موسى فقال له:ويحك ما خبره؟

فقال له:أخبرك إنّه كان من ساعته جالسا و حوله ندماؤه و هو من أصحّ الناس جسما و أطيبهم نفسا إذ جرى ذكر الحسين بن علي.

قال يوحنّا:هذا الذي سألتك عنه،فقال موسى:إنّ الرافضة ليغلون فيه حتّى أنّهم

ص: 306


1- -أمالي الطوسي:325،و بحار الأنوار:398/45.
2- -أمالي الطوسي:325،و بحار الأنوار:399/45.

يجعلون تربته دواء يتداوون به،فقال له رجل من بني هاشم:قد كانت بي علّة فتعالجت لها بكلّ علاج فما نفعني حتّى وصف لي كاتبي لآخذ من هذه التربة،فأخذتها فنفعني اللّه بها و زال عنّي ما كنت أجده قال:فبقي عندك منها شيء؟

قال:نعم،فوجّه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها عيسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن يتداوى بها و احتقارا و تصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته- يعني الحسين عليه السّلام-فما هو إلاّ أن استدخلها دبره حتّى صاح النار النار الطشت الطشت فجئناه بالطشت فأخرج فيها ما ترى،فانصرف الندماء و صار المجلس مأتما فأقبل على سابور فقال:انظر هل لك فيه حيلة فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله و رئّته و فؤاده خرج منه في الطشت،فنظرت إلى أمر عظيم فقال لي سابور:كن هاهنا في الدار إلى أن يظهر أمره فبتّ عندهم فمات في وقت السحر،ثمّ كان يوحنّا يزور قبر الحسين و هو على دينه ثمّ أسلم بعد هذا و حسن إسلامه.

أخذ المسترشد العبّاسي من مال الحائر و كربلاء و قال:إنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة و أنفق على العسكر،فلمّا خرج قتل هو و ابنه الراشد (1).

و عن الأعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة (2).

و روى جماعة من الثقاة:أنّه لمّا أمر المتوكّل بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يجرى الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون و بهلول المجنون إلى كربلاء،فنظرا إلى القبر و إذا هو معلّق بالقدرة في الهواء فقال زيد: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (3).

و ذلك أنّ الحرّاث حرث سبع عشرة مرّة و القبر يرجع إلى حاله،فلمّا نظر الحرّاث إلى8.

ص: 307


1- -الحدائق الناظرة:45/2،و الخرائج و الجرائح:874/2.
2- -المناقب:220/3،و بحار الأنوار:401/45 ح 11.
3- -سورة الصف:8.

ذلك آمن باللّه و حلّ البقر،فأخبر المتوكّل فأمر بقتله (1).

و عن سليمان الأعمش قال:كنت نازلا بالكوفة و كان لي جار من النواصب فقلت:آتيه ليلة الجمعة و اكلّمه في فضائل الحسين،فإن رأيته مصرّا على حاله قتلته،فلمّا كان السحر أتيته فقالت لي امرأته:إنّه خرج إلى زيارة الحسين من أوّل الليل فسرت في إثره إلى زيارة الحسين عليه السّلام،فلمّا دخلت إلى القبر فإذا بالشيخ ساجد يدعو و يسأل اللّه التوبة ثمّ رفع رأسه فقلت له:يا شيخ كنت تقول بالأمس:زيارة الحسين بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار و اليوم تزوره؟

فقال:يا سليمان لا تلمني فإنّي ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتّى كانت ليلتي تلك فرأيت رؤيا هالتني رأيت رجلا جليل القدر لا أقدر أصفه من عظم جماله و جلاله و بين يديه فارس على رأسه تاج و التاج له أربعة أركان في كلّ ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيّام، فقلت لبعض خدّامه:من هذا؟

قال:هذا محمّد المصطفى و الآخر عليّ المرتضى،ثمّ نظرت فإذا أنا بناقة من نور عليها هودج من نور و فيه امرأتان و الناقة تطير بين السماء و الأرض،فقلت:لمن هذه الناقة؟

فقال:لخديجة الكبرى و فاطمة الزهراء و هذا الغلام الحسن بن عليّ،يريدون زيارة المقتول ظلما شهيد كربلاء الحسين بن عليّ،ثمّ قصدت نحو الهودج الذي فيه الزهراء عليها السّلام و إذا برقاع مكتوبة تسقط من السماء فقيل هذه رقاع فيها أمان من النار لزوّار الحسين في ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي:إنّك تقول زيارته بدعة فإنّك لا تنالها حتّى تزور الحسين و تعتقد فضله و شرفه،فانتبهت من نومي فزعا و قصدت إلى زيارة سيّدي الحسين و أنا تائب إلى اللّه و لا افارق قبر الحسين حتّى تفارق روحي جسدي (2).

و روى الثقاة عن دعبل الخزاعي قال:لمّا انصرفت عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام بقصيدتي التائية نزلت بالريّ و أنّي في ليلة أصوغ قصيدة و قد ذهب من الليل شطره فإذا طارق يطرق الباب،فقلت:من هذا؟5.

ص: 308


1- -بحار الأنوار:401/45 ح 11،و العوالم:727.
2- -بحار الأنوار:402/45 ح 12،و العوالم:715.

قال:أخ لك،ففتحت الباب،فدخل رجل اقشعرّ منه بدني،فقال لي:لا تخف أنا أخوك من الجنّ ولدت في الليلة التي ولدت فيها و نشأت معك و أنّي جئت احدّثك بما يسرّك و يقوّي بصيرتك،فقال:يا دعبل إنّي كنت من أشدّ الناس عداوة لعليّ بن أبي طالب فخرجت في نفر من الجنّ المردة العتاة فمررت بنفر يريدون زيارة الحسين قد جنّهم الليل فهممنا بهم و إذا ملائكة تزجرنا من السماء و ملائكة في الأرض تزجر عنهم هوامها فكأنّي كنت نائما فانتبهت،و علمت أنّ ذلك لعناية اللّه تعالى بمن تشرّفوا بزيارته فأحدثت توبة و زرت مع القوم و دعوت بدعائهم و حججت بحجّهم تلك السنة و زرت قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و مررت برجل حوله جماعة فقلت:من هذا؟

قالوا:هذا ابن رسول اللّه الصادق عليه السّلام فدنوت منه و سلّمت عليه فقال لي:مرحبا بك يا أهل العراق أتذكر ليلتك ببطن كربلاء و ما رأيت من كرامة اللّه تعالى لأوليائنا؛إنّ اللّه قد قبل توبتك،فقلت:الحمد للّه الذي منّ عليّ بكم،فحدّثني يا ابن رسول اللّه بحديث أنصرف به إلى أهلي و قومي،فقال:حدّثني أبي عن أبيه عن الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عليّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها أنا،و على الأوصياء حتّى تدخلها أنت،و على الأمم حتّى تدخلها أمّتي،و على أمّتي حتّى يقرّوا بولايتك،يا عليّ و الذي بعثني بالحقّ لا يدخل الجنّة أحد إلاّ من أخذ منك بسبب أو نسب.

ثمّ قال:خذها يا دعبل فلن تسمع بمثلها من مثلي أبدا ثمّ ابتلعته الأرض فلم أره (1).

و روي أنّ المتوكّل العبّاسي كان شديد العداوة لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو الذي أمر الحارث بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يخربوا بنيانه و يخفوا آثاره و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي حتّى لا يبقى له أثر،و توعّد الناس ممّن زار قبره و جعل رصدا من أجناده يقتلون كلّ من يزور الحسين ليطفئوا نور اللّه،فبلغ الخبر رجل من أهل الخير يقال له زيد المجنون ولكنّه ذو عقل سديد و إنّما لقّب بالمجنون لأنّه أفحم كلّ لبيب و قطع حجّة كلّ أديب فعظم ذلك عليه و اشتدّ حزنه و تجدّد مصابه بالحسين و كان يسكن مصر،فلمّا سمع بحرث قبر الإمام خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه حتّى بلغ الكوفة و كان البهلول بها،فلقيه زيد المجنون3.

ص: 309


1- -العوالم:713.

و سلّم عليه فردّ عليه السلام.

فقال له البهلول:من أين لك معرفتي و لم ترني؟

فقال زيد:قلوب المؤمنين جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف، فقال له البهلول:ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابّة و لا مركوب؟

فقال:بلغني أنّ هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين و خراب بنيانه و قتل زوّاره فهذا الذي أخرجني و أجرى دموعي.

فقال له البهلول:و أنا و اللّه كذلك،فقال له:قم إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد عليّ المرتضى،فوصلا إلى قبر الحسين و إذا هو على حاله لم يتغيّر و قد هدّموا بنيانه و كلّما أجروا عليه الماء غار و حار و استدار،و كان القبر إذا جاءه الماء ترتفع أرضه بإذن اللّه تعالى فقال زيد المجنون:انظر يا بهلول يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ ،و لم يزل المتوكّل يأمر بحرث قبر الحسين مدّة عشرين سنة و القبر على حاله لم يتغيّر و لا يعلوه قطرة من الماء.

فلمّا نظر الحارث إلى ذلك قال:آمنت باللّه و بمحمّد رسول اللّه،و اللّه لأهربن على وجهي و أهيم في البراري و لا أحرث قبر الحسين و أنّ لي مدّة عشرين سنة اشاهد براهين آل بيت رسول اللّه و لا أتّعظ،ثمّ إنّه حلّ الثيران و طرح الفدان و أقبل نحو زيد المجنون و قال:يا شيخ لأيّ شيء جئت إلى هنا و أنّي لأخشى عليك من القتل؟

فبكى زيد و قال:و اللّه قد بلغني حرث قبر الحسين فأحزنني فانكبّ الحارث على أقدام زيد يقبّلهما و يقول:فداك أبي و أمّي،فو اللّه يا شيخ من حين أقبلت إلي أقبلت إليّ الرحمة و استنار قلبي بنور اللّه و أنّ لي مدّة عشرين سنة أحرث هذه الأرض و كلّما أجريت الماء غار و حار و استدار و لم يصل إلى القبر منه قطرة و كأنّي كنت في سكر و أفقت الآن ببركة قدومك، فبكى زيد و قال له الحارث:ها أنا الآن ماض إلى المتوكّل بسرّ من رأى أعرّفه بصورة الحال إن شاء أن يقتلني و إن شاء أن يتركني.

فقال له زيد:و أنا أسير معك.

فلمّا دخل الحارث على المتوكّل و أخبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السّلام ازداد بغضا لأهل البيت و أمر بقتل الحارث و صلبه،و أمّا زيد فازداد حزنه و صبره حتّى أنزلوه من

ص: 310

الصلب و ألقوه على مزبلة فاحتمله زيد إلى الدجلة و غسّله و كفّنه و صلّى عليه و دفنه و بقي ثلاثة أيّام يتلو عنده القرآن،فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا و نساء منشرات الشعور و الناس كافّة في اضطراب شديد و إذا بجنازة محمولة على أعناق الرّجال و قد نشرت لها الأعلام و انسدّت الطرق من الرجال و النساء.

قال زيد:ظننت أنّ المتوكّل مات،فسألت فقيل لي:هذه جارية المتوكّل ماتت؛ جارية سوداء حبشية و اسمها ريحانة و كان المتوكّل يحبّها،فلمّا نظر زيد إلى ذلك زادت أحزانه و جعل يلطم وجهه و يقول:وا أسفاه يا حسين أتقتل بالطفّ غريبا و تسبى نساؤك و بناتك و تذبح أطفالك و لم يبك عليك أحد من الناس و تدفن بغير غسل و لا كفن و يحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك،و أنت ابن عليّ المرتضى و ابن فاطمة الزهراء و يكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء!و لم يزل يبكي حتّى غشي عليه،فلمّا أفاق أنشد يقول،شعر:

أيحرث بالطف قبر الحسين *** و يعمر قبر بني الزانية

لعلّ الزمان بهم قد يعود *** و يأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن اللّه أهل الفساد *** و من يأمن الدنية الفانية

فكتب هذه الأبيات في ورقة و سلّمها لبعض حجّاب المتوكّل،فلمّا قرأها المتوكّل أمر بقتله.

فلمّا مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو استحقارا له،فقال:و اللّه إنّك عارف به و بفضله و لا يجحده إلاّ كلّ كافر،فأمر المتوكّل بحبسه،فلمّا أسدل الظلام جاء إلى المتوكّل هاتف و رفسه برجله و قال له:قم و اخرج زيدا من حبسه و إلاّ أهلكك اللّه عاجلا،فقام بنفسه و أخرج زيدا و خلع عليه خلعة سنية و قال له:اطلب ما تريد؟

قال:اريد عمارة قبر الحسين عليه السّلام و أن لا يتعرّض أحد لزوّاره،فأمر له بذلك فخرج من عنده فرحا مسرورا و جعل يدور في البلدان و يقول:من أراد زيارة الحسين عليه السّلام فله الأمان طول الأزمان (1).

و في كتاب بحار الأنوار عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر1.

ص: 311


1- -بحار الأنوار:407/45،و العوالم:731.

زمان بني مروان إلى قبر الحسين عليه السّلام مستخفيا من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية،حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحوه حتّى إذا دنوت منه خرج إليّ رجل فقال:يا هذا إنّك لن تصل إليه فقلت له:عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة اريد زيارته فلا تحل بيني و بينه و أنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام.

فقال:اصبر قليلا فإنّ موسى بن عمران صلوات اللّه عليه سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أوّل الليل ينتظرون طلوع الفجر ثمّ يعرجون إلى السماء،فقلت:من أنت؟

قال:أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين و الاستغفار لزوّاره فانصرفت،فقد كاد يطير عقلي لما سمعت منه.

فلمّا طلع الفجر أقبلت نحوه و دعوت اللّه على قتلته و صلّيت الصبح و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام (1).

و روي عن الأعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة (2).

و لنختم أحوال الحسين عليه السّلام بفائدتين:

الفائدة الأولى:حدّثني من أثق به من الطائفة المحقّة أنّ رجلا كان في الكوفة من أعيان أهلها من امراء الكوفة و جنودها و كان له ديانة و ميل إلى الشيعة قال:و كان ذات ليلة نائما على سطح داره،فلمّا أصبح تخيّل إليه أنّ يستخير اللّه سبحانه في طريق النزول،فاستخار أن ينزل من الدرج فكانت الاستخارة نهيا و كذلك استخار على وضع درج ينزل منه و كلّما يستخير اللّه سبحانه على طريق تأتي الاستخارة نهيا حتّى استخار أن يرمي بنفسه من فوق السطح فجاءت موافقة الأمر،فرمى بنفسه و انكسرت رجله فحمل إلى داخل منزله و شدّ عليها الجباير و بقي يداويها،فاتّفق في ذلك الوقت أنّ ابن زياد أرسل عساكر الكوفة لقتال الحسين عليه السّلام فأرسل إلى ذلك الرجل يكون مع الجند،فقيل له:إنّه مريض و أنّ رجله مكسورة5.

ص: 312


1- -بحار الأنوار:408/45،و العوالم:714.
2- -المناقب:220/3،و بحار الأنوار:401/45.

لا يقدر على الركوب.

فقال:إذا لم يقدر على المسير فليحمل و يوضع على باب الكوفة يكتب العساكر التي تخرج إلى قتال الحسين،فحمل على بساط و وضع على باب الكوفة و أحصى في دفتر أسماء الخارجين إلى القتال و كان ذلك الدفتر عنده حتّى طابت رجله و خرج المختار و كان يتبع من خرج في العسكر فتارة يعرفهم و تارة لا يعرفهم لكثرتهم لأنّه كما سبق كانوا سبعين ألفا،فأتى ذلك الرجل إلى المختار و طلب منه الأمان و دفع إليه ذلك الدفتر فكان يقتل بني أميّة و من خرج من ذلك الدفتر حتّى أتى على آخرهم.

فلينظر العاقل أسرار الاستخارة،و أنّ خيرة ذلك الرجل في الدّين و الدّنيا كانت في كسر رجله فلا يتّهم أحد ربّه فيما قضى عليه و خار له لأنّه الحكيم و الطبيب يداوي كلّ مريض بمقتضى علّته.

الفائدة الثانية:في زيارة خاصّة اشتملت على أسماء الشهداء و بعض أحوالهم و أسماء من قتلهم أوردها السيّد ابن طاووس رحمه اللّه في كتاب الإقبال قال:روينا بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي عن محمّد بن أحمد بن عيّاش عن الشيخ الصالح أبي منصور بن عبد المنعم البغدادي رحمه اللّه قال:خرج من الناحية سنة اثنتين و خمسين و مائتين على يد الشيخ محمّد بن طالب الاصفهاني حين وفاة أبي و كنت حديث السنّ و كتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد اللّه عليه السّلام و زيارة الشهداء رضوان اللّه عليهم فخرج إلى منه:بسم اللّه الرحمن الرحيم إذا أردت زيارة الشهداء رضوان اللّه عليهم فقف عند رجلي الحسين و هو على قبر عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما،فاستقبل القبلة بوجهك،فإنّ هناك حومة الشهداء عليهم السّلام و أوم و أشر إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام.

ص: 313

زيارة خاصّة للشهداء

و قل:السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل صلّى اللّه عليك و على أبيك إذ قال فيك قتل اللّه قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن و على انتهاك حرمة الرسول،على الدّنيا بعدك العفا.كأنّي بك بين يديه ماثلا و للكافرين قاتلا تقول، شعر:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ *** نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني *** أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشميّ عربيّ *** و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعيّ

حتّى قضيت نحبك و لقيت ربّك،أشهد أنّك أولى باللّه و برسوله و أنّك ابن رسوله و حجّته و دينه و ابن حجّته و أمينه،حكم اللّه على قاتلك مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه اللّه و أخزاه و من شركه في قتلك و كانوا عليك ظهيرا أصلاهم اللّه جهنّم و ساءت مصيرا، و جعلنا اللّه من ملاقيك و مرافقيك و مرافقي جدّك و أبيك و عمّك و أخيك و امّك المظلومة و أبرأ إلى اللّه من أعدائك أولي الجحود،و السلام عليك و رحمة اللّه.

و السلام على عبد اللّه بن الحسين الطفل الرضيع المرميّ الصريع المتشحّط دما المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه،لعن اللّه راميه حرملة بن كاهل الأسدي و ذويه.

السلام على عبد اللّه بن أمير المؤمنين مبلي البلاء و المنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلا و مدبرا،لعن اللّه قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي.

السلام على أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الغازي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه،لعن اللّه قاتله يزيد بن الحيني و حكيم بن الطفيل الطائي.

ص: 314

السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسبا و النائي عن الأوطان مغتربا المستسلم للقتال المستقدم للنزال المكثور بالرّجال،لعن اللّه قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي.

السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سميّ عثمان بن مظعون،و لعن اللّه راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الإيادي و الاباني الداري.

السلام على محمّد بن أمير المؤمنين قتيل الإيادي الداري لعنه اللّه و ضاعف عليه العذاب الأليم،و صلّى اللّه عليك يا محمّد و على أهل بيتك الصابرين.

السلام على أبي بكر ابن الحسن بن علي الزكي الوليّ المرميّ بالسهم الردي لعن اللّه قاتله عبد اللّه بن العقبة الغنوي.

السلام على عبد اللّه الحسن الزكي لعن اللّه قاتله و راميه حرملة بن كاهل الأسدي، السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته المسلوب لامته حين نادى الحسين عمّه فجاءه كالصقر و هو يفحص برجليه التراب و الحسين يقول:بعدا لقوم قتلوك و من خصمهم يوم القيامة جدّك و أبوك ثمّ قال:عزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك و أنت قتيل جديل،فلا ينفعك هذا و اللّه يوم كثر واتره و قلّ ناصره جعلني اللّه معكما يوم جمعكما و بوّأني مبوّأكما،و لعن اللّه قاتلك عمر بن سعد ابن مروة بن نفيل الأزدي و أصلاه جحيما و أعدّ له عذابا أليما.

السلام على عون بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار في الجنان حليف الإيمان و منازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني و القرآن،لعن اللّه قاتله عبد اللّه بن قطبة النبهاني،السلام على محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الشاهد مكان أبيه و التالي لأخيه و واقيه ببدنه،لعن اللّه قاتله عامر بن نهشل التميمي.

السلام على جعفر بن عقيل لعن اللّه قاتله و راميه بشر بن خوط الهمداني،السلام على عبد الرحمن بن عقيل،لعن اللّه قاتله و راميه عمر بن خالد بن الأسد الجهني.

السلام على القتيل ابن القتيل عبد اللّه بن مسلم بن عقيل،و لعن اللّه قاتله و راميه عامر بن صعصعة و قيل أسد بن مالك.

السلام على أبي عبيد اللّه بن مسلم بن عقيل،و لعن اللّه قاتله و راميه عمرو بن صبيح

ص: 315

الصيداوي.

السلام على محمّد بن أبي سعيد بن عقيل،و لعن اللّه قاتله لقيط بن ناشر الجهني.

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين،و لعن اللّه قاتله سليمان بن عوف الحضرمي.

السلام على قارب مولى الحسين بن عليّ.

السلام على منجح مولى الحسين بن علي.

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين و قد أذن له في الانصراف:

أنحن نخلّي عنك و بم نعتذر عند اللّه من أداء حقّك،لا و اللّه حتّى أكسر في صدورهم رمحي هذا و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لا افارقك و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم لقذفتهم بالحجارة،و لن أفارقك حتّى أموت معك و كنت أوّل من شرى نفسه و أوّل شهيد شهد اللّه و قضى نحبه،ففزت و ربّ الكعبة شكرا للّه استقدامك و مواساتك إمامك إذ مشى إليك و أنت صريع فقال:يرحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة و قرأ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لعن اللّه المشركين في قتلك عبد اللّه الضبابي و عبد اللّه بن خشكارة البجلي.

السلام على سعد بن عبد اللّه الحنفي القائل للحسين عليه السّلام و قد أذن له في الانصراف:

و اللّه لا نخليك حتّى يعلم اللّه إنّا قد حفظنا غيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيك،و اللّه لو أعلم إنّي اقتل ثمّ احيا ثمّ أحرق ثمّ أذرّى و يفعل فيّ ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك،و كيف أفعل ذلك و إنّما هي موتة أو قتلة واحدة ثمّ هي بعدها الكرامة في دار المقامة،حشرنا اللّه معكم في المستشهدين و رزقنا مرافقتكم في أعلى عليّين،السلام على سعد بن بشر بن عمر الحضرمي،شكر اللّه لك قولك للحسين عليه السّلام و قد أذن لك في الانصراف أكلتني إذن السباع حيّا إن فارقتك و أسأل عنك الركبان و أخذلك مع قلّة الأعوان،لا يكون هذا أبدا.

السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرفي القارئ المجدّل بالمشرفي.

السلام على عمر بن كعب الأنصاري.

ص: 316

السلام على نعيم بن العجلان الأنصاري،السلام على زهير بن القين البجلي القائل للحسين عليه السّلام و قد أذن له في الانصراف؛لا و اللّه لا يكون ذلك أبدا أترك ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أسيرا في يد الأعداء و أنجو،لا أراني اللّه ذلك اليوم.

السلام على عمرو بن قرطة الأنصاري.

السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي.

السلام على الحرّ بن يزيد الرياحي.

السلام على عبد اللّه بن عمير الكلبي.

السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي المرادي.

السلام على أنس بن كاهل الأسدي.

السلام على قيس بن مسهر الصيداوي.

السلام على عبد اللّه و عبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاري.

السلام على عون بن حوى ولي أبي ذرّ الغفاري.

السلام على شبيب بن عبد اللّه النهشلي.

السلام على الحجّاج بن زيد السعدي.

السلام على قاسط و كرش ابني ظهير التغلبي.

السلام على كنانة بن عتيق.

السلام على ضرغامة بن مالك.

السلام على حوى بن مالك الضبعي.

السلام على عمرو بن ضبيعة الضبعي.

السلام على زيد بن ثبيت القيسي.

السلام على عبد اللّه و عبيد اللّه ابني يزيد بن ثبيت القيسي.

السلام على عامر بن مسلم.

السلام على قعنب بن عمر الثمري.

السلام على سالم مولى عامر بن مسلم.

ص: 317

السلام على سيف بن مالك.

السلام على زهير بن بشر الخثعمي.

السلام على زيد بن معقل الجعفي.

السلام على الحجّاج بن مسروق الجعفي.

السلام على مسعود بن الحجّاج و ابنه.

السلام على مجمع بن عبد اللّه العابدي.

السلام على عمّار بن حسّان بن شريح الطائي.

السلام على حيان بن الحارث السلماني الأزدي.

السلام على جندب بن حجر الخولاني.

السلام على عمر بن خالد الصيداوي.

السلام على سعيد مولاه.

السلام على يزيد بن زياد بن المظاهر الكندي.

السلام على زاهد مولى عمر بن الحمق الخزاعي.

السلام على جبلة بن علي الشيباني.

السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبي.

السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج.

السلام على زهير بن سليم الأزدي.

السلام على قاسم بن حبيب الأزدي.

السلام على عمر بن جندب الحضرمي.

السلام على أبي ثمامة عمر بن عبد اللّه الصائدي.

السلام على حنظلة بن أسعد الشيباني.

السلام على عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الكدر الأرحبي.

السلام على عمّار بن أبي سلامة الهمداني.

السلام على عابس بن أبي شبيب الشاكري.

ص: 318

السلام على شوذب مولى شاكر.

السلام على شبيب بن الحارث بن سريع.

السلام على مالك بن عبد بن سريع.

السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير بن الفهمي الهمداني.

السلام على المرتب معه عمرو بن عبد اللّه الجندعي.

السلام عليكم يا أعيان أنصار.

السلام عليكم بما صبرتم،فنعم عقبى الدار بوّأكم اللّه مبوء الأبرار،أشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء و مهّد لكم الوطاء و أجزل لكم العطاء و كنتم عن الحقّ غير بطاء و أنتم لنا فرطاء و نحن لكم خلطاء في دار البقاء و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

هذا ما أردنا تحريره و تهذيبه من أحوال سيّد الشهداء مولانا أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب من الأبرار و يتلوه إن شاء اللّه تعالى أحوال ابنه الإمام المطهّر سيّد الساجدين زين العابدين عليّ بن الحسين سلام اللّه عليه.

و كان الفراغ من تنميق هذه الكلمات رابع شهر رمضان المبارك عام الثامن بعد المائة و الألف الهجرية في دار الملك اصفهان صانها اللّه تعالى عن بوائق الزمان.

قال هذه الكلمات مؤلّف الكتاب نعمت اللّه الموسوي الحسيني الجزائري عفى اللّه تعالى عن ذنوبه و سيّئاته و حشره اللّه مع أئمّته و ساداته.

تمّت

ص: 319

فهرس الآيات

(إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) 110

(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) 134

(اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) 87

(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) 144

(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) 133

(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً) 42

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 87

(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً) 280

(أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) 133

(أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ) 164

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) 244-259

(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) 207

(سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) 259

(طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) 87

(عامِلَةٌ) 133

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) 87

(فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) 174

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ) 208

ص: 320

(فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) 23

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ) 263

(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) 223-316

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) 165

(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) 72

(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ) 72

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) 87

(قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) 164

(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 234

(كُلٌّ مِنْ) 72

(لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) 148

(لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً) 24

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) 73

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) 19

(مِنْ جُوعٍ) 134

(نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) 73

(وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) 58

(وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) 134

(وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا) 169

(وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً) 164

(وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً) 135

(وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) 134

(وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) 41

ص: 321

(وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) 164

(وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) 73

(وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) 280

(وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ) 136

(وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) 168

(وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ) 258

(وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) 277

(وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ) 104

(وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ) 108-161

(وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) 208

(وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) 182

(وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) 182

(وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً) 96

(وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) 184

(وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى) 41

(وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) 170

(وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) 71

(وَ يَحْيى وَ عِيسى) 71

(وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) 103

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) 165

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) 105

ص: 322

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) 144-148

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ) 19

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) 139-310-307

ص: 323

فهرس الأشعار

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات 275 ***

ابشر بالولد ***

أشبه شيء بالأسد 292

ابن المفضّل في السماء و أرضها ***

سبط النبيّ و هادم الأوثان 245

إذا اشتكى بثّه و غصّته ***

أجابه اللّه ثمّ لبّاه 159

إذا العين قرّت في الحياة و أنتم ***

تخافون في الدّنيا فأظلم نورها 276

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها ***

على الناس طرّا قبل أن تتفلّت 159

إذا فخروا يوما أتوا بمحمّد ***

و جبريل و القرآن و السورات 277

إذ الرجال في كبد ***

تقاتلوا على بلد 292

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده ***

و أجريت دمع العين في الوجنات 277

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه ***

إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا 276

ص: 324

اشبه أباك يا حسن ***

و اخلع عن الحقّ الرّسن 85

اصبروا آل الرسول ***

قتل الفرخ الفحول 177

الجسم منه بكربلا مضرّج ***

و الرأس منه على القناة يدار 252

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكره ***

سقتني بكأس الثكل و القصعات 277

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه ***

و آخر يهوى من جدار قتيل 214

إلى قوم تسوقهم المنايا ***

بمقدار إلى إنجاز وعد 217

اليوم ألقى مسلما و هو أبي ***

و فتية بادوا على دين النبيّ 225

اليوم نلقى جدّك النبيّا ***

و حسنا و المرتضى عليا 204

املأ ركابي ذهبا و فضّة ***

أنا قتلت السيّد المحجّبا 246

املأ ركابي فضّة و ذهبا ***

إنّي قتلت الملك المحجّبا 205

إنّ الذين لقيتهم و صحبتهم ***

صاروا جميعا في القبور ترابا 109

إنّ الرماح الواردات صدورها ***

نحو الحسين تقاتل التنزيلا 275

ص: 325

إنّ السخاء على العباد فريضة ***

للّه يقرأ في كتاب محكم 110

إن تنكروني فأنا ابن الحسن ***

سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن 226

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة ***

ضرغام اجام و ليث قسورة 226

إنّ حزني عليك حزن جديد ***

و فؤادي و اللّه صب عتيد 61

إنّ حزني عليك حزن جديد ***

و فؤادي و اللّه صب عتيد 62

إنّ حسينا أحد السبطين ***

من عترة البرّ التقيّ الزينيّ 225

إن عادت العقرب عدنا لها ***

و كانت النعل لها حاضرة 164

إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم ***

أذلّ رقابا من قريش فذلّت 236

إنّ قلبا عليك بألف صبرا ***

أو عزاء فإنّه لجليد 61

إنّ قلبا عليك بألف صبرا ***

أو عزاء فإنّه لجليد 62

أبي عقيل فاعرفوا مكاني ***

من هاشم و هاشم اخواني 225

أترجوا أمّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 245

ص: 326

أترجو امّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 167

أترجو أمّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 258

أترجو أمّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 265

أرجوا بذاك الفوز عند المورد ***

من الإله الواحد الموحّد 224

أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة ***

و صاحبها حتّى الممات عليل 63

أضرب في أعناقكم بالسيف ***

عن خير من حلّ بلاد الخيف 203

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني ***

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي 314

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي ***

نجوم سماوات بأرض فلاة 277

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا ***

و قد مات عطشانا بشطّ فرات 277

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا ***

و إن وجدت الموت شيئا مرّا 204

أكره أن ادّعى جبانا فرّا ***

إنّ الجبان من عصى و فرّا 204

ألا لعن اللّه أهل الفساد ***

و من يأمن الدنية الفانية 311

ص: 327

ألا يا عين فاحتفلي بجهد ***

و من يبكي على الشهداء بعدي 217

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة ***

لفقد حسين و البلاد اقشعرّت 277

أما كانت الزهراء امّي دونكم ***

أما كان من خير البرية أحمد 227

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا ***

أما نحن من نجل النبيّ المسدّد 227

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ ***

من معشر في هاشم و غالب 225

أنا حبيب و أبي مظاهر ***

لنحن أزكى منكم و أطهر 204

أنا زهير و أنا ابن القين ***

أذودكم بالسيف عن حسيني 225

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ ***

نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ 204

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ ***

نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ 314

أنت جواد و أنت معتمد ***

أبوك قد كان قاتل الفسقة 157

أيحرث بالطف قبر الحسين ***

و يعمر قبر بني الزانية 311

أيرجو معشر قتلوا حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 167

ص: 328

أيقظت أجفانا و كنت لها كرى ***

و أنمت عينا لم يكن بك تهجع 243

أيّها العينان فيضا و استهلاّ ***

لا تغيضا و ابكيا بالطف ميّتا 273

أيّها القاتلون جهلا حسينا ***

ابشروا بالعذاب و التنكيل 244

بالسيف صلنا عن بني محمّد ***

أذبّ عنهم باللّسان و اليد 224

بأيّ حكم بنوه يتبعونكم ***

و فخركم أنّكم صحب له تبع 250

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي ***

منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم 244

بغات الطير أكثرها فراخا ***

و امّ الصقر مقلاة نزور 164

بكت المشارق و المغارب بعدما ***

بكت الأنام له بكلّ لسان 245

تبيت السكارى من أميّة نوّما ***

و بالطفّ قتلى ما ينام حميمها 296

ترك الصدر رضيضا لم أمرضه ***

قتيلا و لا كان مريضا 273

تسيّرونا على الأقتاب عارية ***

كأنّنا لم نشيد فيكم دينا 243

تصفقون علينا كفّكم فرحا ***

و أنتم في فجاج الأرض تسبونا 243

ص: 329

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم ***

و خالفتموا دين النبيّ محمّد 227

توافوا عطاشا بالعراء فليتني ***

توفّيت فيهم قبل يوم وفاتي 277

خذها و إنّي إليك معتذر ***

و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة 157

خيرة اللّه من الخلق أبي ***

ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين 228

دعاك منّي يحول في حجب ***

فحسبك الستر قد سفرناه 159

ذري كدر الأيّام إنّ صفاءها ***

تولى بأيام السرور الذواهب 109

رأس ابن بنت محمّد و وصيّه ***

للناظرين على قناة يرفع 243

سأبكيهم للّه ما حجّ راكب ***

و ما ناح قمري على الشجرات 277

سأمضي فما بالموت عار على الفتى ***

إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما 200

سرن بعون اللّه جاراتي ***

و اشكرنه في كلّ حالات 51

سلام على أهل القبور بكربلاء ***

و قل لها منّي سلام يزورها 276

سلني بلا رغبة و لا رهب ***

و لا حساب إنّي أنا اللّه 159

ص: 330

صلّى الإله على جسم تضمّنه ***

قبر الحسين حليف الخير مقبورا 275

صوتك تشتاقه ملائكتي ***

فحسبك الصوت قد سمعناه 159

ضرب غلام هاشميّ عربيّ ***

و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعيّ 314

طوبى لمن كان خادما ارقا ***

يشكو إلى ذي الجلال بلواه 159

عبد اللّه غلاما يافعا ***

و قريش يعبدون الوثنين 229

على ابن نبيّ اللّه و ابن وصيّه ***

و إن كان عنّا شاحط الدار شسعا 252

على من دعى عرش الجليل فأفزعا ***

فأصبح هذا المجد و الدّين أجدعا 252

غداة حسين يطلب بذل نصري ***

على أهل الضلالة و الشقاق 294

غداة يقول لي بالقصر قولا ***

أتتركنا و تزمع بالفراق 294

فاطم الزهراء امّي و أبي ***

قاصم الكفر ببدر و حنين 229

فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة ***

فدار ثواب اللّه أعلى و أنبل 218

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ***

إلى هاني في السوق و ابن عقيل 213

ص: 331

فإن يكن الزمان أتى علينا ***

بقتل الترك و الموت الوحي 198

فأبي شمس و امّي قمر ***

فأنا الكوكب و ابن القمرين 229

فألقت عصاها و استقرّ بها النوى ***

كما قرّ عينا بالإياب المسافر 147

فتى كان أحيا من فتاة حبيبة ***

و أقطع من ذي شفرتين صقيل 214

فصبر لأمر اللّه جلّ جلاله ***

فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع 212

فضّة قد خلصت من ذهب ***

فأنا الفضّة و ابن الذهبين 229

فعاقني قدر و اللّه بالغه ***

و كان أمرا قضاه اللّه مقدورا 275

فعيناي جودا بالدموع و اسكبا ***

وجودا بدمع بعد دمعكما معا 252

ففازوا بجنّات النّعيم و طيبها ***

و ذلك خير من لجين و عسجد 299

فقد فاز الأولى نصروا حسينا ***

و خاب الآخرون إلى النفاق 294

فقد قتل الدّعي و عبد كلب ***

بأرض الطّف أولاد النبيّي 198

فقد هدانا بعد كفر و قد ***

أنعشنا ربّ السماوات 51

ص: 332

فكأنّما قتلوا أباك محمّدا ***

صلّى عليه اللّه أو جبريلا 275

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ***

و لا البخل يبقيها إذا ما تولت 159

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي ***

اصيب حسين كان ذلك أعظما 242

فلا و اللّه ليس لهم شفيع ***

و هم يوم القيامة في العذاب 258

فلو فلق التلهّف قلب حيّ ***

لهم اليوم قلبي بانفلاق 294

فما زلت أرثيه و أبكي لشجوه ***

و يسعد عيني دمعها و زفيرها 276

فوا أسفا إذ لم أكن من حماته ***

فأقتل فيهم كلّ باغ و معتدي 299

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة ***

فقد آن للتسكاب و العبرات 277

فيالك حسرة ما دمت حيّا ***

تردّد بين حلقي و التراقي 294

قبور ببطن النهر من جنب كربلا ***

معرّسهم فيها بشط فرات 277

قبور بكوفان و اخرى بطيبة ***

و اخرى بفخّ نالها صلوات 277

قتلت خير الناس امّا و أبا ***

و خيرهم إذ ينسبون نسبا 205

ص: 333

قتلت خير الناس أمّا و أبا ***

إذ ينسبون النسبا 246

قتلت شرار بني اميّة سيّدا ***

خير البرية ماجدا ذا شأني 245

قتلتم خير من ركب المطايا ***

و خير الشيب طرّا و الشباب 266

قتيل بشط النهر روحي فداءه ***

جزاء الذي أرداه نار جهنّما 242

قد بكتك الجبال و الوحش جمعا ***

و الطير و الأرض بعد بكى السماء 61

قد علم العقرب و استيقنت ***

ليس لها دنيا و لا آخرة 164

قد لعنتم على لسان ابن داود ***

و موسى و صاحب الإنجيل 244

قدما تداعوا زنيما ثمّ سادهم ***

لولا خمول بني سعد لما سادوا 198

قلّ صبري و بان عنّي عزائي ***

بعد فقدي لخاتم الأنبياء 61

قل للمقيم بغير دار إقامة ***

حان الرحيل فودّع الأحبابا 109

كان الحسين سراجا يستضاء به ***

اللّه يعلم إنّي لم أقل زورا 275

كحلت بمنظرك العيون عماتة ***

و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع 243

ص: 334

كلّ أهل السماء يدعو عليكم ***

من نبيّ و مرسل و قبيل 244

كهول صدق سادة الأقران ***

هذا حسين شامخ البنيان 225

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود ***

بالمشرفي القاطع المهنّد 224

لا تجزعي نفسي فكلّ فاني ***

اليوم تلقين ذرى الجنان 204

لا يخب الآن من رجاك ***

و من حرّك من بابك الحلقة 157

لبّيك لبّيك أنت في كنفي ***

و كلّما قلت قد علمناه 159

لعلّ الزمان بهم قد يعود ***

و يأتي بدولتهم ثانية 311

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا ***

فسوف تلاقوا حرّ نار توقد 227

لقد جئن نساء الجنّ يبكين شجيّات ***

و يلطمن خدودا كالدنانير نقيّات 275

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني ***

و شربة من قراح الماء تكفيني 109

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة ***

و إنّ بقائي بعدكم لقليل 63

لكن ريب الزمان ذو غبرة ***

و الكفّ منّي قليلة النفقة 157

ص: 335

لنعم الحرّ حرّ بني رياح ***

صبور عند مختلف الرّماح 203

لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا ***

يوم القيامة ما كنتم تقولونا 243

لو علم البحر فضل نائلنا ***

لغاض من بعد فيضه خجل 109

لو كان في سيرنا الغداة عصا ***

أمست سمانا عليك مندفقة 157

لولا الذي كان من أوايلكم ***

كانت علينا الجحيم منطبقة 157

لو هبّت الريح من جوانبه ***

خرّ صريعا لما تغشاه 159

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب ***

لكن خيار و كرام النسب 225

ما أذلّ اليتيم حين ينادي ***

بأبيه و لا يراه مجيبا 243

ما توهّمت يا شقيق فؤادي ***

كان هذا مقدّرا مكتوبا 243

ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ***

ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم 244

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها ***

لك حفرة و لخط قبرك مضجع 243

ما كان هذا جزائي إذ نصحته لكم ***

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي 244

ص: 336

مجاورا لرسول اللّه في غرف ***

و للوصيّ و للطيّار مسرورا 275

مررت على أبيات آل محمّد ***

فلم أرها أمثالها يوم حلّت 277

مررت على قبر الحسين بكربلا ***

فغاض عليه دموعي غزيرها 276

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود ***

أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود 252

مع ابن المصطفى نفسي فداه ***

تولّى ثمّ ودّع بانطلاق 294

معاذ اللّه لا نلتم يقينا ***

شفاعة أحمد و أبي تراب 266

من طالب و صاحب قتيل ***

و الدهر لا يقنع بالبديل 201

من طالب و صاحب قتيل ***

و الدهر لا يقنع بالبديل 221

من كان لا تندبي يداه بنائل ***

للرّاغبين فليس ذاك بمسلم 110

من له جدّ كجدّي في الورى ***

أو كشيخي فأنا ابن العلمين 229

نجود قبل السؤال بأنفسنا ***

خوفا على ماء وجه من يسل 109

نحن أناس نوالنا خضل ***

يرتع فيه الرّجاء و الآمل 109

ص: 337

نزل الروح الأمين ***

ببكاء و عويل 177

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب ***

قال الإمام فقلت من قال الموفّق للصواب 254

نعلّق هامات من أناس أعزّة ***

علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما 247

نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا ***

و أمرضني ناع نعاه فأفجعا 252

و اذكرن ما أنعم ربّ العلى ***

من كشف مكروه و آفات 51

و اعبد إلها ذا منن ***

و لا توال ذا الإحن 85

و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به ***

بالطف منعفر الخدّين منحورا 275

و المسلمون بمنظر و بمسمع ***

لا منكر منهم و لا متفجّع 243

و إنّ افتقادي فاطم بعد أحمد ***

دليل على أن لا يدوم خليل 63

و إن تكن الأبدان للموت انشئت ***

فقتل امرء بالسيف في اللّه أفضل 218

و إن تكن الأموال للترك جمعها ***

فما بال متروك به الحرّ يبخل 218

و إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم ***

أذلّ رقاب المسلمين فذلّت 277

ص: 338

و إنّما الأمر إلى الجليل ***

و كلّ حيّ سالك سبيلي 201

و إنّما الأمر إلى الجليل ***

و كلّ حيّ سالك سبيلي 221

و إن يكن الأرزاق قسما مقدّرا ***

فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل 218

و أضحت قناة الدّين في كفّ ظالم ***

إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها 296

و بكيت من بعد الحسين عصابيا ***

أطاقت به من جانبيها قبورها 276

و تمرة من رقيق الثوب تسترني ***

حيّا و إن متّ تكفيني لتكفيني 109

و حمزة و العبّاس ذو الدّين و التّقى ***

و جعفرها الطيّار و الحجبات 277

و حوله فتية تدمى نحورهم ***

مثل المصابيح يملون الدجا نورا 275

و سرن مع خير نساء الورى ***

تفدى بعمّات و خالات 51

وعد العباد الأسخياء جنانه ***

و أعدّ للبخلاء نار جهنّم 110

وعدوا عليّا ذا المناقب و العلى ***

و فاطمة الزهراء خير بنات 277

و فتية فرّغوا للّه أنفسهم ***

و فرّقوا المال و الأحباب و الدورا 276

ص: 339

و قد حثثت قلوصي كي اصادفهم ***

من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا 275

و قد سلكت سبيلا كنت سالكه ***

و قد شربت بكأس كان مغرورا 276

و قد قتلوا الحسين بحكم جور ***

و خالف حكمهم حكم الكتاب 258

و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم ***

و خاضوا بحار الموت في كلّ مشهد 299

و كانوا رجالا ثمّ عادوا ***

رزية لقد عظمت تلك الرزايا و جلّت 277

و كيف يعزّ الدهر من كان بينه ***

و بين الليالي محكمات التجارب 109

و لا برح الوفّاد زوّار قبره ***

يفوح عليهم مسكها و عبيرها 276

و لما دعى المختار للثأر ***

و أقبلت كتايب من أشياع آل محمّد 298

و لو أنّني يوم الهياج لدى الوغا ***

لأعملت حدّ المشرفي المهنّد 299

و لو أنّي اواسيه بنفسي ***

لنلت كرامة يوم التلاق 294

و ما به علّة و لا سقم ***

أكثر من حبّه لمولاه 159

و نعم الحرّ إذا ساوى حسينا ***

فجاد بنفسه عند الصياح 203

ص: 340

و يهلّلون بأن قتلت و إنّما ***

قتلوا بك التكبير و التهليلا 275

هم نصروا سبط النبيّ و رهطه ***

و دانوا بأخذ الثأر من كلّ ملحد 299

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع ***

فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع 212

يا إلهي عجّل وفاتي سريعا ***

قد تنغّصت بالحياة يا مولاي 61

يا امّة السوء لا سقيا لربعكم ***

يا امّة لم تراعى جدّنا فينا 243

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها ***

فقد كاد قلبها أن يذوبا 243

يا أخي قلبك الشفيق علينا ***

ماله قد قسى و صار صليبا 243

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها ***

إنّ المقام بظلّ زائل حمق 109

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ***

قتل الحسين فأدمعي مدرار 252

يابن الشهيد و يا شهيدا ***

عمّه خير العمومة جعفر الطيّار 274

يابن النبيّ و يا ابن الوصيّ ***

و يا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا 274

يا بنت أبا بكر لا كان و لا كنت ***

لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت 147

ص: 341

يا بنت من فضّله ذو العلى ***

بالوحي منه و الرسالات 51

يا حار همدان من يمت يرني ***

من مؤمن أو منافق قبلا 27

يا دهر اف لك من خليل ***

كم لك في الإشراق و الأصيل 201

يا دهر اف لك من خليل ***

كم لك في الإشراق و الأصيل 221

ياذا المعالي عليك معتمدي ***

طوبى لمن كنت أنت مولاه 159

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه ***

فارحم عبيدا أنت ملجاه 159

يا من يقول بفضل آل محمّد ***

بلّغ رسالتنا بغير تواني 245

يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا ***

و اللّه يهتك أستار المسيئينا 243

يا هلالا لما استتمّ كمالا ***

غاله خسفه فزيد غروبا 243

يعظّمون له أعواد منبره ***

و تحت أرجلهم أولاده وضعوا 250

ص: 342

فهرس المحتويات

صور المخطوط 5

أحوال فاطمة الزهراء 12

الباب الأوّل

في ولادة فاطمة و أسمائها و بعض معجزاتها و مكارم أخلاقها و مجمل أحوالها 12

الباب الثاني

في تزويج فاطمة صلوات اللّه عليها 44

الباب الثالث

فيما جرى على فاطمة من الظلم بعد أبيها و في كيفيّة محبّيها يوم القيامة 59

[إحراق بيت فاطمة عليها السلام] 66

أبواب مناقب الإمامين المعصومين و أحوالهما 75

الفصل الأوّل

في ولادة الحسن و الحسين و ما يشتركان فيه و نقش خواتيمهما 75

حديث الجام 87

لعبة المداحي 89

ص: 343

تعويذ الحسن و الحسين عليهما السّلام 91

حديث الغزالة 95

في كيفيّة الإرشاد 97

الفصل الثاني

فيما يخصّ الإمام المجتبى أبي محمّد الحسن صلوات اللّه عليهما 99

سؤالات معاوية 101

كيفيّة تحليف الكاذب 102

إخبار الحسن عليه السلام عن الشهادة 103

معنى (وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) 103

معجزة للحسن عليه السلام 104

ما هو مكتوب على جناح الجرادة 107

شعر الحسن عليه السلام 109

معنى (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) 110

معنى أنّ الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر 113

نهي القسم في الطعام 115

جلوس الحسن عليه السلام مع الفقراء 116

فيه علّة التكبير في العيدين 117

فيه أنّ العطاء لستر العرض صدقة 117

علّة مصالحة الحسن عليه السلام معاوية لعنه اللّه 119

صورة كتاب الصلح 127

مباحثة شديدة 128

مثل البعوضة و النخلة 132

نسب عمرو بن العاص 133

ص: 344

في معنى شركة الشيطان 136

تهنئة الولد و الحمّام 137

الفصل الثالث

في مجمل أحوال الحسن و تواريخه و عمره و شهادته عليه السلام 142

مباحثة فضّال مع أبي حنيفة 148

أولاد الحسن عليه السلام 150

باب فيما يختصّ بالحسين عليه السلام 153

الفصل الأوّل

في معجزات الحسين عليه السلام و احتجاجه على معاوية و غيره 153

و في الآيات الواردة في شهادته و أخبار الأنبياء عليهم السّلام بها و ما يتبع ذلك 153

هرب الحمى و كلامه مع الحسين عليه السّلام 155

حديث الأعرابي 160

مولد الحسين عليه السلام و مدّة عمره 162

سورة الفجر للحسين عليه السلام 165

تأويل كهيعص 166

تفسير (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) 174

ثواب زيارة الحسين عليه السلام 179

الفصل الثاني

في عظم المصيبة و ثواب البكاء عليها 181

و في ثواب اللّعن على قاتله و فيما صار إليه أمره بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته صلوات اللّه عليه 181

ص: 345

عليه تسلّط الأعداء على الأولياء 183

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام 185

أبواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام 187

علّة حبّ الشهداء للقتل 192

أصحاب الحسين عليه السّلام نظروا إلى منازلهم في الجنّة 192

القول عند ذكر الحسين عليه السلام 194

ثواب لعن قاتل الحسين عليه السّلام 194

الحمام الرّاغبية يلعن قتلة الحسين عليه السلام 196

نسب يزيد و ابن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه 198

سبب تخلف ابن الحنفية عن أخيه الحسين عليه السلام 206

مجيء الملائكة و الجنّ لنصرة الحسين عليه السلام 207

الفصل الثالث

في مقتله عليه السلام و ما لحقه بعد ذلك 215

شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما 237

الفصل الرابع

في الوقائع المتأخّرة عن مقتله عليه السلام 241

الأقوال في الرأس 251

حديث عجيب 257

ثواب التسبيح و إن لم يسبّح 263

كلّ شيء يبكي على الحسين عليه السلام 265

بكاء البومة على الحسين عليه السلام 268

فيه ملاقاة الملائكة عليهم السلام 271

ص: 346

الفصل الخامس

في أحوال المختار و جملة من أحوال الحسين عليه السلام 284

تأويل القدح في المختار 290

خاتمة

فيما وقع على قبره الشريف من أهل الظلم و العدوان 303

حديث قاطع السدرة 306

زيارة خاصّة للشهداء 314

فهرس الآيات 320

فهرس الأشعار 324

فهرس المحتويات 343

ص: 347

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.