سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظ الفاخرةفي امورالاخرة المجلد 36

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المواعظ الفاخره في امور الاخره/علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1431

مشخصات ظاهري : 127ص

فروست : اعرف الحق تعرف اهله:36

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ اول

شماره كتابشناسي ملي : 2461480

كلمة المركز … ص: 6

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين. مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 7

الحمد للَّه رب العالمين، والصّلاة والسّلام علي خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.

وبعد:

فقد ألّف علماء الفريقين كتباً عديدة في (امور الآخرة).

وكنت قد ألّفت في سالف الزمان كتاب (الإعتقاد بالمعاد) وفرغت من تبييضه في أوائل السنة (1391) من الهجرة النبويّة المباركة، وجعلت له خاتمةً تعرّضت فيها لثلاثة من البحوث المتعلّقة بالمعاد، وهي:

الميزان وتطاير الكتب وإنطاق الجوارح.

ثم عقّبتها ببحثين آخرين، لشدّة مناسبتهما للمعاد:

أحدهما: الشفاعة.

والآخر: التوبة.

وقد كانت البحوث الخمسة علي ضوء ظواهر آيات الكتاب

سلسلة

اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 8

والروايات عن النبي وآله المعصومين عليهم السّلام، مع ذكر كلمات أعلام الطائفة في التفسير والحديث والكلام في كلّ بحث، وقلّما تطرّقت لتفاصيل الخلافات الكلاميّة.

والآن … فقد عزمنا علي نشر البحوث الخمسة في رسالةٍ أسميناها ب (المواعظ الفاخرة في امور الآخرة) لما فيها- بالإضافة إلي كونها مسائل يجب علي كلّ مؤمن الاعتقاد بها- من الأثر البالغ من الناحيّة التربويّة، وذلك، لأنها- بمجموعها- تجعل الإنسان المؤمن (بين اليأس والرجاء)، ولا يخفي علي أهل المعرفة أنّ إيجاد هذه الحالة من أولي اهتمامات الشّريعة الاسلاميّة المقدّسة، في تعاليمها القيّمة، والّفت من أجلها الكتب الأخلاقيّة ووضعت البحوث العلميّة.

ونسأل اللَّه سبحانه أنْ ينفع به المؤمنين، بمحمّد وآله الطّاهرين.

علي الحسيني الميلاني 1431

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 11

البحث الأوّل في الميزان … ص: 11

اشارة

يجب التّصديق ب «الميزان» الّتي تنصب يوم القيامة لأعمال المكلّفين، والقدر الواجب هو: التّصديق الإجمالي لا معرفة حقيقتها وكيفيّتها وماهيّتها.

وقد ثبت الميزان في الآخرة بالكتاب والسّنة والإجماع، بعد حكم العقل بإمكانه.

دليله من الكتاب … ص: 11

وفي القرآن الكريم آياتٌ عديدةٌ في الميزان:

1- قوله تعالي: «وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ» «1».

2- قوله تعالي: «وَنَضَعُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ

__________________________________________________

(1) سورة الأعراف: الآية 8- 9.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 12

نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفي بِنا حاسِبينَ» «1».

3- قوله تعالي: «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خالِدُونَ» «2».

4- قوله تعالي: «فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ* فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ» «3».

دليله من السّنة … ص: 12

ويدلّ علي الميزان في السّنة أخبارٌ عديدةٌ منها:

1- عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق» «4».

2- وعنه أيضاً عليه الصّلاة والسّلام: فيما كان يعظ به: «ثمّ رجع

__________________________________________________

(1) سورة الأنبياء: الآية 47.

(2) سورة المؤمنون: الآية 102- 103.

(3) سورة القارعة: الآية 6- 11.

(4) الكافي 2/ 99، باب حسن الخلق، الرّقم 2، البحار 7/ 249، الرّقم 7، عنه، وسائل الشّيعة 12/ 151، باب استحباب حسن الخلق مع النّاس، الرّقم 13، و عيون أخبارالرّضا عليه السّلام 1/ 40- 41، الرّقم 98، وفيه كذا: ما من شي ءٍ أثقل في الميزان من حسن الخلق.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 13

القول من اللَّه في الكتاب علي أهل المعاصي والذّنوب، فقال عزّوجلّ:

«وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمينَ» «1»

فإن قلتم أيّها النّاس: إنّ اللَّه عزّوجلّ إنّما عني بهذا

أهل الشّرك، فكيف ذلك وهو يقول: «وَنَضَعُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفي بِنا حاسِبينَ» «2».

إعلموا عباد اللَّه: أنّ أهل الشّرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدّواوين، وإنّما يحشرون إلي جهنّم زمراً، وإنّما نصب الموازين ونشر الدّواوين لأهل الإسلام … » «3».

3- قال هشام بن الحكم رحمه اللَّه: سأل الزّنديق أبا عبداللَّه عليه السّلام: فقال: أو ليس توزن الأعمال؟ «قال: لا، إنّ الأعمال ليست بأجسام، وإنّما هي صفة ما عملوا، وإنّما يحتاج إلي وزن الشّي ء من جهل عدد الأشياء، ولا يعرف ثقلها أو خفّتها، وإنّ اللَّه لا يخفي عليه شي ءٌ. قال:

__________________________________________________

(1) سورة الأنبياء، الآية: 46.

(2) سورة الأنبياء، الآية: 47.

(3) الكافي 8/ 74- 75، خطبة عليّ بن الحسين عليهما السّلام وموعظته النّاس في كلّ يوم جمعة، الرّقم 29، البحار 7/ 250، الرّقم 8، عنه، مجموعة الشّيخ ورّام 2/ 49، الأمالي للصدوق: 595 و نصّ الخبر في العيون 1/ 37، الرّقم 66 علي أنّ المشرك لا يحاسب، بل يؤمربه إلي الناّر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 14

فما معني الميزان؟ قال عليه السّلام: العدل، قال: فما معناه في كتابه:

«فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ»؟ قال: فمن رجح عمله» «1».

4- عن الإمام الرّضا عليه السّلام فيما كتب للمأمون: «ويؤمن بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والبعث بعد الموت، والميزان، والصّراط، والبرائة من الّذين ظلموا آل محمّد صلّي اللَّه عليهم أجمعين» «2».

5- عن الإمام الرّضا عليه الصّلاة والسّلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم الصّلاة والسّلام عن النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في خطبةٍ له طويلة في فضل شهر رمضان: « … ومن أكثر فيه من الصّلاة عليّ، ثقّل

اللَّه ميزانه يوم تخفّف الموازين … » «3».

وقد أشار أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبٍ عديدةٍ له إلي

__________________________________________________

(1) الإحتجاج 2/ 98- 99 فيمااحتجّ الصّادق عليه السّلام علي الزّنديق وبيان مذهب التّناسخ، ورواه البحار 7/ 248- 249، الرّقم 3 عنه، وفيه: وخفّتها.

(2) عيون أخبارالرّضا عليه السّلام 1/ 133 باب 35 ما كتبه الرّضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدّين، والبحار 10/ 358، ذيل الرّقم 1، عنه وفيه: تؤمن بدل: يؤمن.

(3) فضائل الأشهرالثّلاثة للصّدوق: 78، الرّقم 61، والأمالي: 155 المجلس العشرون، الرّقم: 4، والعيون 2/ 266 الباب 28، الرّقم 53، والوسائل 10/ 314 باب تأكد استحباب الإجتهاد في العبادة، الرّقم 20، والبحار 93/ 357، الرّقم 25.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 15

الميزان، كما وردت روايات أخري فيه … «1» وهناك رواياتٌ رواها العّامة فراجعها «2».

من كلمات العلماء في وجوب التّصديق بها … ص: 15

قد ثبت أنّ الطّريق إلي معرفة الميزان- كغيرها ممّا يتعلّق بالآخرة- هو السّمع، وإخبار الصّادق به.

فمن المناسب أن ننقل بعض كلمات العلماء الصّريحة في وجوب الإذعان بالميزان و أنّ منكرها كافرٌ، ليتّضح المراد من الآيات والرّوايات.

1- قال الشّيخ الصّدوق رحمه اللَّه: باب الإعتقاد في الحساب والموازين:

إعتقادنا في الحساب أنّه حقٌ … «3».

وسئل الصّادق عن قول اللَّه تعالي: «وَنَضَعُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ

__________________________________________________

(1) الكافي 2/ 506، الرّقم 2، ومن لا يحضره الفقيه 1/ 207، الرّقم 2، و 2/ 584 عن الرّضاعليه السّلام قال: من زارني علي بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتّي أخلصه من أهوالها: إذا تطائرالكتب يميناً وشمالًا، وعند الصّراط، وعند الميزان.

(2) مسند أحمد 2/ 186 و 225، وسنن الدّارمي 1/ 9، وصحيح البخاري 7/ 168، وصحيح مسلم 8/ 70، وسنن ابن ماجه 1/

103، وتفسير القرطبي 1/ 67 و 4/ 166 و 7/ 165، وزاد المسير 3/ 115، والدّرّ المنثور 2/ 9، و …

(3) تصحيح إعتقادات الإمامية: 114.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 16

الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا»: قال عليه السّلام: «الموازين: الأنبياء والأوصياء … » «1».

2- وقال المحقّق الطّوسي رحمه اللَّه:

وسائر السّمعيات من الميزان والصّراط والحساب وتطائر الكتب ممكنةٌ دلّ السّمع علي ثبوتها، فيجب التّصديق بها «2».

3- وقال العلّامة رحمه اللَّه:

ويجب الإقرار بكلّ ما جاء به النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فمن ذلك: الصّراط و الميزان وإنطاق الجوارح وتطائر الكتب لإمكانها، وقد أخبر الصّادق بها، فيجب الإعتراف بها «3».

4- وقال الفاضل المقداد السّيوري رحمه اللَّه مثله «4».

5- وقال الشيخ العلّامة المجلسي رحمه اللَّه بعد كلام له:

فنحن نؤمن بالميزان، ونردّ علمه إلي حملة القرآن، ولا نتكلّف علم ما لم يوضح لنا بصريح البيان، واللَّه الموفّق وعليه التّكلان «5».

__________________________________________________

(1) معاني الأخبار: 31- 32 باب معني الموازين، الرّقم 1، والبحار 7/ 251.

(2) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 575، المسألة الرّابعة عشرة.

(3) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحاديعشر: 121، الفصل السّابع في المعاد.

(4) نفس المصدر.

(5) البحار 7/ 253 الباب 10.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 17

معني الميزان وكيفيّة الوزن … ص: 17

إختلف علماء المسلمين في معني الميزان، والمراد منها في الأخبار والقرآن، علي أقوالٍ عديدةٍ، لا بأس بالإطّلاع عليها.

الأوّل: إنّه الأنبياء والأوصياء. واختار هذا القول الشّيخ الصّدوق رحمه اللَّه «1».

وممّن اختاره: الشّيخ الفيض الكاشاني رحمه اللَّه حيث قال:

أقول: وسرّ ذلك أنّ ميزان كلّ شي ءٍ هو المعيار الّذي به يعرف قدر ذلك الشي ء، فميزان النّاس يوم القيامة ما يوزن به قدر كلّ إنسانٍ وقيمته علي حسب عقيدته وخلقه وعمله، لتجزي كلّ

نفس بما كسبت، وليس ذلك إلّاالأنبياء والأوصياء عليهم السّلام، إذ بهم وباتباع شرائعهم واقتفاء آثارهم وترك ذلك، وبالقرب من سيرتهم والبعد عنها يعرف مقدار النّاس وقدر حسناتهم وسيّئاتهم. فميزان كلّ أمّة هو نبيّ تلك الأمّة ووصيّ نبيّها والشّريعة الّتي أتي بها. فمن ثقلت حسناته وكثرت فأولئك هم المفلحون، ومن خفّت وقلّت فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بظلمهم عليها من جهة تكذيبهم للأنبياء والأوصياء أوعدم اتّباعهم «2».

__________________________________________________

(1) كما هو ظاهر كلامه المتقدّم نقله في الصفحة السّابقة.

(2) التّفسير الصّافي 2/ 181.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 18

ويدلّ عليه الخبر الّذي رواه الشّيخ الصّدوق رحمه اللَّه، وقد استند إليه الشّيخ الكاشاني رحمه اللَّه أيضاً.

الثّاني: إنّه العدل. واختارهذا القول الشّيخ المفيد رحمه اللَّه حيث قال:

… والموازين هي: التّعديل بين الأعمال والجزاء عليها، ووضع كلّ جزاءٍ في موضعه، وكلّ ذي حقّ إلي حقّه.

فليس الأمر في معني ذلك علي ما ذهب إليه أهل الحشو: من أنّ في القيامة موازين كموازين الدّنيا، لكلّ ميزان كفّتان توضع الأعمال فيها، إذ الأعمال أعراضٌ، والأعراض لا يصحّ وزنها، وإنّما وصفت بالثّقل والخفّة علي وجه المجاز، والمراد بذلك: إنّ ما ثقل منها هو ما كثر واستحقّ عليه عظيم الثّواب، وما خفّت منها ما قلّ قدره، ولم يستحقّ عليه جزيل الثّواب.

والخبر الوارد في أنّ أمير المؤمنين والأئمّة من ذريّته عليهم السّلام هم الموازين، فالمراد أنّهم المعدّلون بين الأعمال فيما يستحقّ عليها، والحاكمون فيها بالواجب والعدل، ويقال: فلانٌ عندي في الميزان فلان ويراد به نظيره، ويقال: كلام فلانٍ عندي أوزان من كلام فلانٍ، والمراد به: أنّ كلامه أعظم وأفضل قدراً.

والّذي ذكره اللَّه في الحساب والخوف منه إنّما هو الموافقة علي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …،

ص: 19

الأعمال، لأنّ من وقف علي أعماله لم يتخلّص من تبعاتها. ومن عفي اللَّه تعالي عنه في ذلك فاز بالنّجاة، «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ- بكثرة استحقاق الثّواب- فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازينُهُ- بقلّة أعمال الطّاعات- فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خالِدُونَ» «1».

والقرآن إنّما أنزل بلغة العرب، وحقيقة كلامها ومجازه، ولم ينزل علي ألفاظ العامّة، وما سبق إلي قلوبها من الأباطيل. «2» واختاره جماعةٌ منهم شيخ الطّائفة «3»، والشّيخ الفتّال النّيسابوري «4»، والشّيخ الطّبرسي «5»، والفخرالرّازي «6»، والرّاغب «7»، ويؤيّده الخبرالمتقدّم عن هشام بن الحكم … «8».

الثّالث: أنّه الميزان المعروف، الّذي له لسانٌ وكفّتان. وعلي هذا

__________________________________________________

(1) سورة المؤمنون، الآية 102- 103.

(2) تصحيح الإعتقادات: 114- 115، وقد نقل كلامه في البحار 7/ 252.

(3) التّبيان في تفسير القرآن 4/ 352.

(4) روضة الواعظين: 499.

(5) مجمع البيان في تفسيرالقرآن 4/ 220، قال: وأحسن الأقوال القول الأوّل … وهو: أنّ الوزن عبارةٌ عن العدل في الآخرة وإنّه لا ظلم فيها علي أحد.

(6) التفسير الكبير 14/ 28- 29.

(7) تفسير الرّاغب: 25.

(8) في الصفحة: 13.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 20

جمهور المسلمين من المحدّثين والمفسّرين «1». وعليه الشّيخ ابن شهرآشوب رحمه اللَّه، حيث قال:

الميزان هو المعروف، وإذا استعمل في غيره كان مجازاً، وكلام اللَّه لا ينقل عن الحقيقة إلي المجاز من دون دلالةٍ ومانع. «2» وقال مجاهد وأبو مسلم: أنّها عبارةٌ عن العدل والتّسوية الصّحيحة كما يقال: كلام فلانٍ موزون، وأفعاله موزونة. «3» وعليه الشّيخ البهائي رحمه اللَّه كما سيأتي. «4» وقال الشّيخ الطّوسي والشّيخ الطّبرسي: رحمهما اللَّه أنّه حسن، مراعاةً للخبر الوارد فيه، وجرياً علي ظاهره. «5» وعليه السّيد محمد باقر الحجّة صاحب المنظومة حيث قال:

وصدّق الميزان فالذّكر نطق

بوصفه فهو بكفّيه حقّ

وتبعه شارحه وأوضح أدلّته، وتعجّب من الشّيخ المفيد رحمه اللَّه

__________________________________________________

(1) قال به: ابن عبّاس والحسن والجبائي. فراجع التبيان 7/ 396 و 10/ 400.

(2) متشابه القرآن: 124.

(3) أنظر الإقتصاد: 137، والتّبيان 4/ 352، و مجمع البيان 4/ 220 و 9/ 45.

(4) في الصفحة: 21.

(5) التّبيان في تفسير القرآن 4/ 352، ومجمع البيان في تفسير القرآن 4/ 221.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 21

وغيره لمخالفتهم في ذلك … «1».

وعليه الجلال السّيوطي «2»، والقرطبي «3»، وابن كثير «4» وآخرون «5».

وبناءً علي هذا القول يأتي البحث عن كيفيّة وزن الأعمال بالميزان، وذلك لأنّ الأعمال أعراض لا يمكن وضعها في الميزان لأجل الوزن.

فما الّذي يوضع في الميزان؟ إختلفوا علي أقوالٍ:

القول الأوّل: أنّ الموزون نفس الأعمال، قال الشيخ البهائي رحمه اللَّه:

الحقّ، أنّ الموزون في النّشأة الأخري هو نفس الأعمال لا صحائفها. وما يقال من أنّ تجسيم العرض طورٌ خلاف طور العقل، فكلام ظاهريّ عاميّ.

والّذي عليه الخواصّ من أهل التّحقيق: أنّ سنخ الشّي ء وحقيقته

__________________________________________________

(1) نور الأفهام في علم الكلام 2/ 257.

(2) الدرّ المنثور 3/ 70، وتفسير الجلالين: 193.

(3) تفسير القرطبي 11/ 293- 294.

(4) تفسير القرآن العظيم: 2/ 210.

(5) تفسير السمعاني 2/ 166، وتفسير الثعالبي 3/ 9 وفتح الباري 13/ 450، و تفسير العز بن عبدالسّلام 1/ 475 والتسهيل لعلوم التنزيل 3/ 27.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 22

أمرٌ مغاير لصورته الّتي يتجلّي بها علي المشاعر الظّاهرة، ويلبسها لدي المدارك الباطنة، وأنّه يختلف ظهوره في تلك الصّور بحسب اختلاف المواطن والنّشآت، فيلبس في كلّ موطن لباساً، ويتجلبب في كلّ نشأة بجلباب، كما قالوا: إنّ لون الماء لون إنائه.

وأمّا الأصل الّذي تتوارد هذه الصّور

عليه ويعبّرون عنه تارةً بالسّنخ، ومرّةً بالوجه، وأخري بالرّوح، فلا يعلمه إلّاعلّام الغيوب، فلا بعد في كون الشّي ء في موطنٍ عرضاً وفي أخري جوهراً … «1».

وجوّز السّيوطي «2» والسّيد الحجّة الطّباطبائي «3»: أن يكون الموزون نفس الأعمال، قال: … فالسّمع علي التّجسيم دلّ. كما أجازا القول بأنّه الصّحائف.

القول الثّاني: أنّ الموزون، الصّحف الّتي أثبتت فيها، وهو قول عبداللَّه بن عمر وجماعة، واختاره القرطبي «4»، وأجازه

__________________________________________________

(1) كتاب الأربعين: 79، وراجع شرح اصول الكافي للمولي الصالح المازندراني 11/ 239.

(2) الدرّ المنثور 3/ 71.

(3) نور الأفهام في علم الكلام 2/ 257.

(4) الجامع لأحكام القرآن 7/ 165- 166، قال: فقد علم أنّ ذلك يرجع إلي وزن ما كتب فيه الأعمال لا نفس الأعمال … وفي صحيح مسلم عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله … فقوله: فيعطي صحيفة حسناته دليل علي أنّ الأعمال تكتب في الصّحف وتوزن.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 23

السّيوطي «1»، للأخبار الدّالة عليه.

القول الثّالث: أنّ الموزون نفس المؤمن والكافر. عن عبيد بن عمير: قال: يؤتي بالرّجل العظيم الجثّة فلا يزن جناح بعوضة. «2» القول الرّابع: يظهر علامات للحسنات وعلامات للسّيّئات في الكفّتين فيراها النّاس. عن الجبائي. «3» القول الخامس: يظهر للحسنات صورة حسنة، وللسّيّئات صورة سيّئة. عن ابن عبّاس. «4» هذا، وأراد ابن كثير الجمع بين الأخبار، فقال: وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كلّه صحيحاً فتارةً يوزن الأعمال، وتارةّ توزن محالّها، وتارةً يوزن فاعلها واللَّه أعلم. «5» الرّابع: التّوقّف، وهو معني كلام الشّيخ المجلسي رحمه اللَّه المتقدّم، وظاهر السّيد عبداللَّه شبّر. «6»

__________________________________________________

(1) تفسير الجلالين: 193.

(2) مجمع البيان في

تفسير القرآن 4/ 495.

(3) نفس المصدر.

(4) مجمع البيان في تفسيرالقرآن 4/ 495.

(5) تفسير القرآن العظيم 2/ 176.

(6) حقّ اليقين في معرفة أصول الدّين 2/ 155.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 24

الخامس: ذكره السّيد الطّباطبائي، حيث قال بعد كلامٍ له:

فالأقرب بالنّظر إلي هذا البيان أن يكون المراد بقوله: «وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ» أنّ الوزن الّذي يوزن به الأعمال يومئذٍ إنّما هوالحقّ، فبقدر اشتمال العمل علي الحقّ يكون اعتباره وقيمته، والحسنات مشتملة علي الحقّ، فلها ثقل، كما أنّ السّيّئات ليست إلّاباطلة، فلا ثقل لها، فاللَّه سبحانه يزن الأعمال يومئذٍ بالحقّ، فما اشتمل عليه العمل من الحقّ فهو وزنه وثقله … «1».

وكأنّه يرجع بالتالي إلي القول الأوّل، ويؤيّده ما صرّح به في تفسير سورة البقرة «2».

__________________________________________________

(1) الميزان في تفسير القرآن 8/ 8- 9.

(2) نفس المصدر 1/ 172.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 27

البحث الثّاني في تطاير الكتب … ص: 27

اشارة

إنّ الإعتقاد بتطائر الكتب «1»، وتسليم صحف الأعمال إلي أصحابها يوم القيامة، من الضّروريّات الّتي يجب التّصديق بها، والإذعان لها.

فقد ورد ذلك في الكتاب والسّنة، وكلمات علماء المسلمين- علي اختلاف طبقاتهم-. والعقل حاكم بإمكانه وعدم امتناعه. فلا مجال لأيّ تشكيك فيه فضلًا عن الإنكار.

ولابدّ من ذكر الآيات الكريمة الصّريحة في ذلك، ثّم نقل بعض الرّوايات الشّريفة فنصوص بعض العلماء.

الكتاب … ص: 27

وهذه آيات الكتاب العزيز الواردة في ذلك:

1- قوله تعالي: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ

__________________________________________________

(1) والمراد نشرها؛ قال سبحانه: «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 28

الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا» «1».

2- قوله تعالي: «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ» «2».

3- قوله تعالي: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ* إِنّي ظَنَنْتُ «3» أَنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ* فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ» «4».

4- قوله تعالي: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ» «5».

5- قوله تعالي: «وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَي الْمُجْرِمينَ مُشْفِقينَ مِمَّا فيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لايُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» «6».

6- قوله تعالي: «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «7».

__________________________________________________

(1) سورة الإسراء، الآية: 13- 14.

(2) سورة التكوير، الآية: 10.

(3) الظّن هنا بمعني اليقين.

(4) سورة الحاقّة، الآية: 19- 21.

(5) سورة الحاقّة، الآية: 25.

(6) سورة الكهف، الآية: 49.

(7) سورة الجاثية، الآية: 29.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 29

السّنة … ص: 29

والأخبار في معني الصّحف والكتب، والتّأكيد عليها كثيرةٌ، ننقل هنا بعضها:

1- قال سيّدنا ومولانا عليّ بن الحسين سيد السّاجدين عليه الصّلاة والسّلام- في دعاءٍ له-: «اللّهمّ يسّر علي الكرام الكاتبين مئونتنا، واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا، ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا» «1».

2- وقال عليه السّلام أيضاً في دعاءٍ له بعد كلامٍ: «حتّي ينصرف عنّا كتّاب السّيئات بصحيفةٍ خاليةٍ من ذكر سيّئاتنا، ويتولي كتّاب الحسنات عنّا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا». «2» 3- وعنه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصّلاة والسّلام

في بعض خطبه: « … ثمّ من دون ذلك أهوال القيامة، ويوم الحسرة والنّدامة، يوم ينصب فيه الموازين وتنشر الدّواوين لإحصاء كلّ صغيرة، وإعلان كلّ كبيرة، يقول اللَّه في كتابه «وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا … » «3».

__________________________________________________

(1) الصّحيفة السّجادية: 50، دعاؤه عليه السّلام عند الصّباح والمساء، والبحار 94/ 307 اليوم التّاسع والعشرون.

(2) الصّحيفة السّجادية: 63 دعاؤه عليه السّلام بخواتم الخير.

(3) سورة الكهف، الآية: 49.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 30

أيها النّاس الآن الآن مادام الوثاق مطلقاً، والسّراج منيراً، وباب التوبة مفتوحاً من قبل أن يجفّ القلم و تطوي الصّحف، فلا رزق ينزل، ولا عمل يصعد، المضمار اليوم والسّباق غداً، فإنّكم لا تدرون إلي جنةٍ، أو إلي نارٍ، أستغفروا اللَّه لي ولكم» «1».

4- وقال سيدنا ومولانا الإمام الباقر محمّد بن عليّ عليهما السّلام في قوله تعالي: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ» قال: «خيره وشرّه معه حيث كان، لا يستطيع فراقه حتّي يعطي كتابه يوم القيامة بما عمل» «2».

5- وقال سيدنا ومولانا الصّادق عليه الصّلاة والسّلام في قوله تعالي: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا» «3»

: «يذّكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتّي كأنّه فعله تلك السّاعة فلذلك قالوا:

«يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لايُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحْصاها»» «4».

__________________________________________________

(1) مجموعة الشّيخ ورّام 2/ 89، وأمالي الطّوسي: 685 مجلس يوم الجمعة، الرّابع عشر من شعبان، الرّقم 9، والبحار 74/ 377.

(2) تفسير القمّي 2/ 17، والبحار 7/ 312، الباب 16، الرّقم 1.

(3) سورة الإسراء، الآية: 14.

(4) تفسير العياشي 2/ 284، الرّقم 33 و 328، الرّقم 18، والبحار 7/ 314- 315، الباب 16، الرّقم 9.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

المواعظالفاخرةفي …، ص: 31

6- وعنه عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالي إذا أراد أن يحاسب المؤمن أعطاه كتابه بيمينه وحاسبه فيما بينه وبينه، فيقول:

عبدي فعلت كذا وكذا، وعملت كذا وكذا، فيقول: نعم، يا ربّ قد فعلت ذلك.

فيقول: قد غفرتها لك، وأبدلتها حسنات، فيقول النّاس: سبحان اللَّه أما كان لهذا العبد سيئة واحدة؟ وهو قول اللَّه عزّوجلّ: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا* وَيَنْقَلِبُ إِلي أَهْلِهِ مَسْرُورًا».

وإذا أراد بعبدٍ شرّاً حاسبه علي روؤس الناس وبكته، وأعطاه كتابه بشماله وهو قول اللَّه عزّوجلّ: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورًا* وَيَصْلي سَعيرًا* إِنَّهُ كانَ في أَهْلِهِ مَسْرُورًا … » «1».

وفيه إشارة إلي أن أيدي الكفّار والمنافقين مغلولة في أعناقهم، وأنّ صحائفهم تعطي من وراء أظهرهم بشمالهم، وأيدي المؤمنين بخلاف ذلك.

وإلي ذلك أشير أيضاً في دعاء الوضوء بقوله: «الّلهمّ أعطني كتابي

__________________________________________________

(1) حقّ اليقين 2/ 172 عن كتاب الزّهد للحسين بن سعيد الأهوازي: 92، الرّقم 246، والبحار 7/ 324- 325، الرّقم 17.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 32

بيميني والخلد في الجنان بيساري، وحاسبني حساباً يسيراً، وقوله:

الّلهمّ لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولةً إلي عنقي وأعوذ بك من مقطعات النّيران» «1».

7- وعن سيدنا الباقرعن أبيه عليهما السّلام أنّه قال: «إنّ الملك الموكل بالعبد يكتب في صحيفته أعماله، فأملوا في أوّلها خيراً وفي آخرها خيراً، يغفر لكم ما بين ذلك» «2».

8- عن خالد بن نجيح عن أبي عبداللَّه عليه السّلام قال: «إذا كان يوم القيامة، دفع إلي الإنسان كتابه، ثمّ قيل له: إقرأ.

قلت: فيعرف ما فيه؟

فقال: إنّ اللَّه يذكره، فما من لحظةٍ، ولا كلمةٍ، ولا نقل قدمٍ، ولا شي ءٍ فعله

إلّاذكره، كأنّه فعله تلك السّاعة، فلذلك قالوا: «يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لايُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحْصاها»». «3»

__________________________________________________

(1) أمالي الصّدوق: 649 المجلس الثّاني والثّمانون، الرّقم 11، والبحار 77/ 319، الرّقم 12، والوسائل 1/ 402، الرّقم 1.

(2) أمالي المفيد: 2 المجلس الأوّل يوم السّبت، وأورد عنه السيّد علي بن طاوس في كتاب محاسبة النّفس: 15 وفيه: في صحيفة أعماله فاعملوا …، وأورده أيضاً في الفصل الثاني والعشرين من كتاب فلاح السّائل: 215، وفيه: فاملئوا … والبحار 5/ 328- 329 الباب 17، الرّقم 25.

(3) تفسير العياشي 2/ 328، الرّقم 34، والبحار 7/ 315 الباب 16، الرّقم 10.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 33

9- وقال الشّيخ عليّ بن إبراهيم القمّي رحمه اللَّه في قوله تعالي:

«وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ»، قال: «صحف الأعمال» «1».

10- عن النّبي صلّي اللَّه عليه و آله وسلّم، أنّه قال: «يحشر الناس حفاة عراة.

فقالت أمّ سلمة: كيف بالنّساء؟

فقال: شغل النّاس يا أمّ سلمة.

فقالت: وما شغلهم؟

قال: نشر الصّحف، وفيها مثاقيل الذّر، ومثاقيل الخردل» «2».

وهناك رواياتٌ أخري «3»، وقد يأتي بعضها في المبحث الآتي إن شاء اللَّه.

من نصوص كلمات العلماء … ص: 33

1- اعتقادات الشّيخ الصّدوق رحمه اللَّه: قال الشّيخ رضي اللَّه عنه:

إعتقادنا في الميزان والحساب أنّهما حقّ، منه ما يتولّاه اللَّه عزّوجلّ،

__________________________________________________

(1) تفسيرالقمّي 2/ 407، والبحار 7/ 108 و 312.

(2) تفسير جوامع الجامع 4/ 449 و 619.

(3) منها: روي السّيد البحراني عن النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: الكتب كلّها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة بعث اللَّه تعالي ريحاً تطيرها بالأيمان والشّمائل أوّل حرفه: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 34

ومنه ما يتولّاه حججه، فحساب الأنبياء والرّسل والأئمّة عليهم السّلام يتولّاه اللَّه

عزّوجلّ، ويتولّي كلّ نبيّ حساب أوصيائه، ويتولّي الأوصياء حساب الأمم.

واللَّه تبارك وتعالي هو الشّهيد علي الأنبياء والرّسل، وهم الشّهداء علي الأوصياء، والأئمّة شهداء علي النّاس …

وأنّ اللَّه تبارك وتعالي يخاطب عباده من الأوّلين والآخرين بمجمل حساب عملهم مخاطبةً واحدةً، يسمع منها كلّ واحد قضيته دون غيرها، ويظنّ أنّه المخاطب دون غيره، ولا تشغله تعالي مخاطبة عن مخاطبةٍ، ويفرغ من حساب الأوّلين والآخرين في مقدار نصف ساعةٍ من ساعات الدّنيا.

ويخرج اللَّه تعالي لكلّ إنسان كتاباً يلقاه منشوراً، ينطق عليه بجميع أعماله لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّاأحصاها، فيجعله اللَّه حسيب نفسه والحاكم عليه، بأن يقال له «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا … » «1».

2- قال شيخ الطّائفة رحمه اللَّه: ثمّ أخبر تعالي أنّه يخرج للإنسان

__________________________________________________

(1) الإعتقادات في دين الإمامية: 73 و 75، باب الإعتقاد في الحساب والميزان، والبحار 7/ 251، باب الميزان، الرّقم 10.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 35

المكلّف يوم القيامة كتاباً فيه جميع أفعاله مثبتة ما يستحقّ عليه ثواب أو عقاب …

وقوله: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا» «1»

أي حسبك نفسك اليوم حاكماً عليك في عملك وما تستحقّه من ثواب علي الطّاعة ومن عقاب علي المعصية، لأنّه أنصفك من جعلك حسيباً علي نفسك بعملك … «2».

3- وقال المحقق الطّوسي رحمه اللَّه: وسائرالسّمعيات من الميزان والصّراط والحساب وتطائر الكتب ممكنة، دلّ السّمع علي ثبوتها، فيجب التّصديق بها «3».

4- وقال الشّيخ الطّبرسيّ رحمه اللَّه: لما قدّم سبحانه ذكر الوعيد أتبع ذلك بذكر كيفيته فقال: وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه معناه:

وألزمنا كلّ إنسان عمله من خيرٍ أو شرٍّ في عنقه. عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة. يريد: جعلناه كالطّوق في عنقه

فلا يفارقه. وإنّما قيل للعمل طائراً: علي عادة العرب في قولهم: جري طائره بكذا، ومثله قوله سبحانه: قالوا طائركم معكم …

__________________________________________________

(1)

سورة الإسراء، الآية: 14.

(2) تفسيرالتّبيان 6/ 455 و 457.

(3) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 575، المسألة الرّابعة عشرة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 36

ونخرج له يوم القيامة كتاباً وهو ما كتبه الحفظة عليهم من أعمالهم يلقاه أي: يري ذلك الكتاب منشوراً أي مفتوحاً معروضاً عليه ليقرأه ويعلم ما فيه …

إقرأ كتابك، فهنا حذف أي: ويقال له: إقرأ كتابك. قال قتادة: يقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدّنيا.

وروي جابر بن خالد بن نجيح عن أبي عبداللَّه عليه السّلام …

كفي بنفسك اليوم عليك حسيباً أي: محاسباً. وإنّما جعله محاسباً لنفسه لأنّه إذا رأي أعماله يوم القيامة كلّها مكتوبة، ورأي جزاء أعماله مكتوباً بالعدل لم ينقص عن ثوابه شي ء ولم يزد علي عقابه شي ء أذعن عند ذلك وخضع وتضرّع واعترف، ولم يتهيأ له حجّة ولا إنكار وظهر لأهل المحشر أنّه لا يظلم … «1».

5- وقال العلّامة رحمه اللَّه: أقول: أحوال القيامة من الميزان والصّراط والحساب وتطائر الكتب أمور ممكنة. وقد أخبر اللَّه تعالي بوقوعها، فيجب التّصديق بها «2».

وقال: ويجب الإقراربكلّ ما جاء به النّبي صلّي اللَّه عليه وآله

__________________________________________________

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 6/ 521 و 522.

(2) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 575.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 37

وسلّم. فمن ذلك الصّراط والميزان وإنطاق الجوارح وتطائر الكتب، لإمكانها، وقد أخبر الصّادق بها فيجب الإعتراف بها «1».

6- وقال الشّهيد الثّاني رحمه اللَّه: وأمّا عذاب القبر نعوذ باللَّه تعالي منه وما يتبع المعاد ممّا دلّ عليه السّمع أيضاً كالحساب والصّراط والميزان وتطائر

الكتب ودوام عقاب الكافرين في النّار، ودوام نعيم المؤمن في الجنّة، فلا ريب أنّه يجب التّصديق بها إجمالًا لاتّفاق الأمّة عليها، وتواتر السّمع المتواتر، فمنكرها يخرج عن الإيمان … «2».

7- وقال الفاضل المقداد السّيوري رحمه اللَّه: لما ثبت نبوّة نبينا صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وعصمته، ثبت أنّه صادق في كلّ ما أخبر بوقوعه سواء كان سابقاً علي زمانه … أو في زمانه … أو بعد التّكليف، كأحوال الموت وما بعده، فمن ذلك عذاب القبر والصّراط والميزان والحساب، وإنطاق الجوارح وتطائر الكتب.

ويجب الإقرار بذلك أجمع، والتّصديق به، لأنّ ذلك كلّه أمرٌ ممكن لا إستحالة فيه، وقد أخبر الصّادق بوقوعه فيكون حقّاً «3».

8- وقال الشّيخ الفيض الكاشاني رحمه اللَّه: والحساب هو: جمع

__________________________________________________

(1) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 121، الفصل السّابع: في المعاد.

(2) حقائق الإيمان: 164.

(3) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 122، الفصل السّابع: في المعاد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 38

تفاريق المقادير والأعداد، وتعريف مبلغها، وفي قدرة اللَّه عزّوجلّ يكشف في لحظة واحدة للخلائق حاصل حسناتهم وسيئاتهم وهو أسرع الحاسبين، ويأبي اللَّه إلّاأن يعرّفهم حقيقة ذلك ليبيّن فضله عند العفو، وعدله عند العقاب، فيخاطب عباده جميعاً من الأوّلين والآخرين بمجمل حساب أعمالهم مخاطبةً واحدةً يسمع منها كلّ واحد قضيّته دون غيره، ويظنّ أنّه المخاطب دون غيره، لا يشغله عزّوجلّ مخاطبة عن مخاطبةٍ، ويفرغ من حسابهم جميعاً في مقدار ساعةٍ من ساعات الدّنيا.

ويخرج لكلّ إنسانٍ كتاباً يلقاه منشوراً، ينطق عليه بجميع أعماله، لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّاأحصاها. فيجعله اللَّه محاسب نفسه والحاكم عليها، بأن يقال له: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا … ».

فتطائر الكتب، وتشخّص

الأبصار إليها: أتقع في اليمين أو في الشّمال؟

«فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ» «1» «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ … » «2».

__________________________________________________

(1)

سورة الحاقة، الآية: 19 و 25.

(2) المحجّة البيضاء 1/ 251- 252.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 39

9- وذكرالشّيخ العلّامة المجلسي رحمه اللَّه: بعض ما ورد في الحساب وكيفيته، وقال ما تعريبه ملخّصاً: يجب الإعتقاد الإجمالي بالحساب والسّؤال والحكم في مظالم العباد لورود ذلك في الآيات والأخبار الكثيرة. ثمّ نقل عبارة الشّيخ الصّدوق المذكورة آنفاً … «1».

ثمّ تعرّض لقوله تعالي: «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ» فنقل تفسيرها عن الشّيخ عليّ بن إبراهيم القمي رحمه اللَّه، والرّواية الواردة في تفسيرالعياشي «2» عن الإمام الصّادق عليه الصّلاة والسّلام … «3».

10- وقال الشّيخ صفيّ الدّين الطّريحي رحمه اللَّه: ويجب الإقرار بكلّ ما جاء به النّبي صلّي اللَّه عليه وآله ممّا تواتر عنه، وعلم من دينه بالضّرورة، فمن ذلك عذاب القبر والصّراط والميزان والحساب وإنطاق الجوارح وتطائر الكتب وأحوال يوم القيامة، لإمكانها، وقد أخبر الصّادق بها صلوات اللَّه عليه، فيجب الإعتراف بها «4».

11- وقال السّيد عبد اللَّه شبّر: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ» عمله من خيرٍ وشرٍّ «في عُنُقِهِ» لزوم الطّوق في عنقه «وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ

__________________________________________________

(1) البحار 7/ 250- 251.

(2) المتقدّمين في صفحة 18 و 19.

(3) البحار 7/ 312، الرّقم 2.

(4) مطارح النظر في شرح الباب الحادي عشر: 287.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 40

كِتابًا» وهو صحيفة عمله «يَلْقاهُ مَنْشُورًا»، ويقال له: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا» محاسباً، ولقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك. «1» هذا، ويجب التّصديق بالملائكة الموكلين الكرام الكاتبين، لورود ذلك في نصوص

الكتاب الكريم والرّوايات المتواترة، ولأنّه من الضّروريات الإعتقادية من الدّين الإسلامي.

وقد بحث المحدّثون عن كيفية الحساب، ومن يتولّاه، وعن أيّ شي ءٍ يسئل النّاس إلي غير ذلك، بحسب ما وصل إليهم من سادتهم المعصومين عليهم الصّلاة والسّلام. فراجع.

__________________________________________________

(1) تفسير القرآن الكريم: 280.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 43

البحث الثّالث في إنطاقِ الجوارح … ص: 43

اشارة

وممّا يجب الإعتقادبه من أمور الآخرة: إنطاق اللَّه عزّوجلّ أعضاء المكلّفين وجوارحهم لتشهد عليهم بأعمالهم وحركاتهم في الحياة الدّنيا.

وسيأتي أنّ هناك شهداء آخرين يشهدون علي النّاس بالإضافة إلي جوارحهم، وصحف أعمالهم الحاكية جميع ما كانوا يعملون …

ويدلّ علي إنطاق الجوارح آيات من الكتاب الكريم، وروايات كثيرة عن النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله، وأئمّة عترته المعصومين عليهم الصّلاة والسّلام.

هذا، مضافاً إلي نصوص العلماء، ورجال هذا الشأن …

الكتاب … ص: 43

ومن الآيات الكريمة الدّالة علي هذا المعني:

1- قوله تعالي: «وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَي النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّي إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 44

يَعْمَلُونَ* وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ». «1»

2- قوله تعالي: «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْديهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبينُ» «2».

3- قوله تعالي: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلي أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» «3».

4- قوله تعالي: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» «4».

السّنة … ص: 44

ومن الرّوايات الواردة في هذا الموضوع:

1- قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «عباد اللَّه، إحذروا يوماً تفحص

__________________________________________________

(1) سورة فصّلت، الآية: 19- 21.

(2) سورة النّور، الآية: 24- 25.

(3) سورة يس، الآية: 65.

(4) سورة الإسراء، الآية: 36.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 45

فيه الأعمال، ويكثر فيه الزّلزال، وتشيب فيه الأطفال.

إعلموا عباد اللَّه، أنّ عليكم رصداً من أنفسكم، وعيوناً من جوارحكم، وحفّاظ صدقٍ يحفظون أعمالكم، وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليلٍ داج، ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج، وإنّ غداً من اليوم قريب «1».

2- وقال عليه السّلام: «إنّ اللَّه سبحانه وتعالي لا يخفي عليه ما العباد مقترفون في ليلهم ونهارهم، لطف به خبراً، وأحاط به علماً، أعضاؤكم شهود، وجوارحكم جنود، وضمائركم عيونه، وخلواتكم عيانه» «2».

3- عن الإمام الصّادق عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام في خطبةٍ يصف هول يوم القيامة:

«ختم علي الأفواه فلا تكلّم، وقد تكلّمت الأيدي، وشهدت الأرجل، ونطقت الجلود بما عملوا، فلا يكتمون اللَّه حديثاً». «3» 4- وعن الإمام الباقر عليه السّلام في حديث طويل: «وليست

__________________________________________________

(1) نهج البلاغة 2/ 316 في خطبةٍ يحثّ علي التّقوي، والبحار 74/ 431.

(2) نفس المصدر 2/ 432 من كلام له عليه السّلام في تنزّهه عن الغدر وإن قدر عليه، والبحار 70/ 364، الرّقم 96. وورد فيه: أعضاؤكم شهوده وجوارحكم جنوده.

(3) البحار 7/ 313، الرّقم 6 عن تفسير العياشي 1/ 242، الرّقم 133.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 46

تشهد الجوارح علي مؤمن، إنّما تشهد علي من حقّت عليه كلمة العذاب. فأمّا المؤمن فيعطي كتابه بيمينه … » «1».

5- وقال الإمام الصّادق عليه السّلام فيما رواه عنه معاوية بن وهب: «إذا تاب العبد توبةً نصوحاً «2» أحبّه اللَّه فستر عليه في الدّنيا والآخرة فقلت: وكيف يستر عليه؟

قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذّنوب، ويوحي إلي جوارحه:

أكتمي عليه ذنوبه، ويوحي إلي بقاع الأرض: أكتمي ما كان يعمل عليك من الذّنوب، فيلقي اللَّه حين يلقاه، وليس شي ءٌ يشهد عليه بشي ء من الذّنوب». «3» 6- وروي القمّي رحمه اللَّه في تفسير الآية: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلي أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» «4».

إذا جمع اللَّه الخلق يوم القيامة، دفع إلي كلّ إنسان كتابه فينظرون

__________________________________________________

(1) الكافي 2/ 32، والبحار 7/ 318، الرّقم 14 عنه.

(2) سيأتي معني التّوبة النّصوح في المبحث الخامس إن شاء اللَّه.

(3) الكافي 2/ 430- 431، الرّقم 1، ووسائل الشيعة 16/ 71، الرّقم 1، والبحار 7/ 317- 318، الرّقم 12، نقلًا عن الكافي وفي شرح الكافي للمولي الصالح المازندراني 10/ 168 قال ره: المراد بكتمان

الجوارح وبقاع الأرض ذنوبه إمّا نسيانهما كما في الملكين، أو عدم الشّهادة بها، والأوّل أظهر …

(4) سورة يس، الآية: 65.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 47

فيه، فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئاً، فيشهد عليهم الملائكة فيقولون: يا ربّ ملائكتك يشهدون لك، ثمّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئاً، وهو قوله: يوم يبعثهم اللَّه جميعاً، فيحلفون له كما يحلفون لكم. فإذا فعلوا ذلك ختم علي ألسنتهم وينطق جوارحهم بما كانوا يكسبون «1».

كلمات العلماء … ص: 47

قال الشّيخ الصّدوق رحمه اللَّه: ويختم اللَّه تبارك وتعالي علي أفواههم وتشهد أيديهم و أرجلهم وجميع جوارحهم بما كانوا يكتمون، «وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ» «2».

وقال الشّيخ المجلسي رحمه اللَّه: بعد أن ذكر الأقوال في معني شهادة الجوارح- كما سيأتي- والأحوط الأولي أن نؤمن بذلك

__________________________________________________

(1) تفسير القمّي 2/ 216، والبحار 7/ 312، الرّقم 3.

(2) الإعتقادات في دين الإمامية: 75 باب الإعتقاد في الحساب والميزان والآية: سورة فصلت: 21- 22.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 48

إجمالًا «1». ومثله قال السّيد عبداللَّه شبّر «2».

وقد نصّ علي وجوب الإقرار بذلك كلّ من:

العلّامة والفاضل المقداد السّيوري والشّيخ الطّريحي شارح الباب الحاديعشر رحمهم اللَّه. وقد تقدّمت كلماتهم في المبحث المتقدّم «3».

كيفية شهادة الجوارح … ص: 48

ذكروا في كيفية إنطاق اللَّه تعالي الجوارح للشّهادة بأعمال صاحبها يوم القيامة أقوالًا وهي:

أوّلًا: إنّ اللَّه تعالي يبني الجوارح هناك علي بنية يمكنها النّطق من جهتها، فتكون هي بنفسها ناطقة، كما جعل سبحانه وتعالي اللّسان في دار الدّنيا كذلك.

الثّاني: إنّ اللَّه تعالي يوجد فيها كلاماً يتضمن الشهادة بما قامت به من أعمال، فيكون المتكلّم في الواقع والحقيقة هواللَّه تعالي دونها، ولكن أضيفت الشّهادة إليها مجازاً.

الثّالث: إنّ اللَّه تعالي يجعل في الجوارح علامات وحالات تقوم

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 7/ 253.

(2) تفسير القرآن الكريم: 170.

(3) الصفحة: 36 و 37 و 39.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 49

مقام النّطق بالشّهادة، وتدلّ علي الفرق بين الأعمال الصّالحة والأعمال السّيئة. فسمّي ذلك شهادة مجازاً.

هذه هي الأقوال

المشهورة الّتي ذكرها المفسّرون والمحدّثون في كيفية شهادة الجوارح «1».

وبهذه الأقوال وشبهها فسّروا شهادة السّماء والأرض ونحو ذلك …

سائر الشّهود … ص: 49

وهناك في يوم القيامة شهود آخرون يشهدون للنّاس أو عليهم بأعمالهم، جاء ذلك في الكتاب والسّنة:

فمنهم: الرّسول صلّي اللَّه عليه و آله «2» ومنهم الأئمّة المعصومون

__________________________________________________

(1) أنظر: التبيان 9/ 117- 119 ومجمع البيان 9/ 15- 17، والبحار 7/ 310.

(2) قال الطبرسي رحمه اللَّه في قوله سبحانه: فكيف: أي فكيف حال الأمم وكيف يصنعون إذا جئنا من كلّ أمّة من الأمم بشهيد وجئنا بك يا محمّد علي هؤلاء يعني قومه شهيداً ومعني الآية أنّ اللَّه تعالي يستشهد يوم القيامة كلّ نبيّ علي أمّته فيشهد لهم وعليهم ويستشهد نبيّنا علي أمّته؛ وقال الصّادق عليه السّلام: لكلّ زمان وأمّة إمام، تبعث كلّ أمّة مع إمامها. بحار الأنوار 7/ 307- 308 وكذا في الصفحة 313، الرّقم 5، وفي رواية أمير المؤمنين عليه السّلام: والشهداء هم الرّسُل عليهم السّلام.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 50

عليهم الصّلاة والسّلام «1» ومنهم: القرآن الكريم «2» ومنهم: الملائكة «3»

__________________________________________________

(1) في رواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السّلام في قول اللَّه تبارك وتعالي «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النَّاسِ» قال: نحن الشهداء علي النّاس بما عندهم من الحلال والحرام وما ضيعوا منه. بصائر الدرجات: 102، الرّقم 1، وكذا عن الثمالي قال: قال أبو عبداللَّه عليه السّلام: نحن الشهداء علي شيعتنا، وشيعتنا شهداء علي الناس وبشهادة شيعتنا يجزون ويعاقبون. بحار الأنوار 7/ 325، الرّقم 19 عن كتاب فضائل الشيعة: 13، الحديث السّادس عشر.

(2) عن أبي جعفر عليه السّلام: يا سعد تعلّموا القرآن فإنّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق

والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف … فيقول اللَّه تبارك وتعالي: كيف رأيت عبادي؟ فيقول: يا ربّ منهم من صانني وحافظ عليّ ولم يضيع شيئاً ومنهم من ضيعني واستخف بحقّي وكذب بي وأنا حجتك علي جميع خلقك، فيقول اللَّه تبارك وتعالي: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لُاثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب ولُاعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب … الكافي 2/ 596- 597، حديث 1.

(3) إذا جمع اللَّه الخلق يوم القيامة دفع كلّ انسان كتابه فينظرون فيه أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا منها شيئاً فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم، فقال الصّادق عليهم السّلام: فيقولون للَّه: يا ربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك، ثمّ يحلفون باللَّه ما فعلوا من ذلك شيئاً وهو قول اللَّه: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَميعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ» وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السّلام. فعند ذلك يختم اللَّه علي ألسنتهم … تفسير القمي 2/ 264.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 51

ومنهم: العباد المؤمنون من كلّ أمة «1» ومنهم: البقاع (2)

ومنهم: الّليالي والأيام … (3).

إلي غير ذلك … فإنّ للَّه تعالي علي كلّ عبد من عباده رقباء من

__________________________________________________

(1) (- 3) في شهادة اليوم في يوم القيامة: عن أبي عبداللَّه عليه السّلام قال: ما من يوم يأتي علي ابن آدم إلّاقال ذلك اليوم: يابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فافعل بي خيراً واعمل فيّ خيراً أشهد لك يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعدها أبداً.

وفي شهادة الليل يوم القيامة: عن أبي عبداللَّه عن أبيه عليهما السّلام قال: الليل إذا أقبل نادي مناد بصوت يسمعه الخلائق إلّاالثقلين: يابن آدم، إنّي علي ما في شهيد فخذ منّي، فإنّي لو طلعت الشّمس لم

تزدد في حسنة ولم تستعتب في من سيئة، وكذلك يقول النّهار إذا أدبر اللّيل. بحار الأنوار 7/ 325، الرّقم 20 و 21.

وأيضاً في حديث طويل قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: … والبقاع التي تشتمل عليه شهود ربّه له أو عليه، واللّيالي والأيّام والشّهور شهوده عليه أوله، وسائر عباد اللَّه المؤمنين شهوده عليه أوله، وحفظته الكاتبون أعماله شهود له أو عليه، فكم يكون يوم القيامة من سعيد بشهادتها له، وكم يكونوا يوم القيامة من شقي بشهادتها عليه … فاعملوا ليوم القيامة وأعدوا الزّاد ليوم الجمع- شهر اللَّه الأعظم- شهدت له هذه الشهور يوم القيامة … وينادي مناد: يا رجب وشعبان ويا شهر رمضان، كيف عمل هذا العبد فيكم؟ وكيف كانت طاعته اللَّه عزّوجلّ؟ فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربّنا ما تزوّد منّا إلّااستعانة علي طاعتك، واستمداداً لمواد فضلك، ولقد تعرض بجهده لرضاك، وطلب بطاقته محبتك … بحار الأنوار 7/ 315- 316، الرّقم 11.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 52

خلقه، يحفظون أعماله، ويحصون أفعاله … فهو تعالي يستشهد بهم علي عباده في أعمالهم، ثمّ يحاسبهم ويجازيهم بعد إتمام الحجّة عليهم، لئلّا يكون للنّاس علي اللَّه حجّة …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 55

البحث الرّابع في الشفاعة … ص: 55

اشارة

الشّفاعة حقّ، وهي ثابتة بالإجماع … ودلّ عليها سنداً للإجماع:

الكتاب، والسنّة المتواترة.

وعلي هذا، فلا مجال لإنكارها، وخاصّة شفاعة النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فإنّ ذلك موضع وفاق بين جميع المسلمين.

ونحن نذكر أوّلًا الآيات الواردة في القرآن الكريم في موضوع الشّفاعة، ثمّ بعض الرّوايات عن النّبي وآله عليهم الصّلاة والسّلام، ثّم كلماتٍ لبعض الأكابر، ونأتي بعد ذلك علي معني الشّفاعة، والخلاف فيها، وسنبيّن بالأدلّة عدم انحصارها

في رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، واللَّه الموفق.

الكتاب … ص: 55

وأمّا الآيات الكريمة، فقد جاءت علي نوعين:

النّوع الأوّل: آيات تثبت الشّفاعة وتؤكّد وقوعها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 56

والنّوع الثّاني: آيات تنفيها، وتعلن عدم وجود الشّفاعة لأحدٍ في أحدٍ يوم القيامة، بل اللَّه تعالي يجازي كلًّا بحسب أعماله ومعتقداته.

آيات من النّوع الأوّل … ص: 56

فمن الآيات الدّالّة علي الشّفاعة يوم القيامة:

1- قوله تعالي: «عَسي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا» «1».

فقد أجمع المفسّرون علي أنّ المقام المحمود هو: مقام الشّفاعة، وهو المقام الّذي يشفع صلّي اللَّه عليه وآله فيه النّاس، فيشفّع فيهم «2».

2- قوله تعالي: «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» «3».

أي: ولا يشفعون إلّالمن ارتضي اللَّه في دينه، كذا قال الشّيخ الطّبرسي رحمه اللَّه «4»، وكأنّه مأخوذ من روايةٍ عن الرّضا عليه السّلام، سيأتي نصّها.

__________________________________________________

(1) سورة الإسراء، الآية: 79.

(2) تفسير القمي 2/ 25، ومجمع البيان 6/ 284، وأمالي الصدوق: 66 أنا الشفيع لشيعتك … و 370، والإحتجاج 1/ 361، والبحار 16/ 305.

(3) سورة الأنبياء، الآية: 26- 28.

(4) مجمع البيان في تفسير القرآن 7/ 81 ذيل الآية الشّريفة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 57

3- قوله تعالي: «مَنْ ذَا الَّذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلّا بِإِذْنِهِ» «1».

والمعني: أنّ أحداً ممّن له شفاعة لا يشفع إلّابعد أن يأذن اللَّه له في ذلك ويأمره به، فأمّا أن يبتدئ أحدٌ بالشّفاعة من غير إذن كما يكون فيما بيننا، فليس ذلك لأحد «2».

وذلك: أنّ المشركين كانوا يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم، فأخبر اللَّه سبحانه أنّ أحداً ممّن له الشّفاعة لا يشفع إلّابعد أن يأذن اللَّه له في ذلك ويأمره به «3».

4- قوله

تعالي: «لايَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا» «4».

أي: إلّامن استظهر بالإيمان والعمل الصّالح، أو: بكلمة الشّهادة، أو: إلّامن وعده أن يشفع كالأنبياء والمؤمنين «5».

5- قوله تعالي: «يَوْمَئِذٍ لاتَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا» «6».

__________________________________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 255.

(2) البحار 8/ 31.

(3) التّبيان في تفسير القرآن 5/ 336، ومجمع البيان في تفسير القرآن 2/ 159.

(4) سورة مريم، الآية: 87.

(5) تفسير الشبّر: 305.

(6) سورة طه، الآية: 109.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 58

6- قوله تعالي: «وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّي إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبيرُ» «1».

وقد جاءت الرّوايات مفسّرةً الآية بأنّ اللَّه تعالي يأذن لأنبيائه ورسله وأوليائه وللمؤمنين بالشّفاعة يوم القيامة. وسيأتي نصوصها.

آيات من النّوع الثّاني … ص: 58

وفي القرآن الكريم آيات نافية للشفاعة، منها:

1- قوله تعالي: «وَاتَّقُوا يَوْمًا لاتَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» «2».

2- قوله تعالي: «فَما لَنا مِنْ شافِعينَ* وَلا صَديقٍ حَميمٍ» «3».

3- قوله تعالي: «فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعينَ» «4».

4- قوله تعالي: «ما لِلظَّالِمينَ مِنْ حَميمٍ وَلا شَفيعٍ يُطاعُ» «5».

__________________________________________________

(1) سورة سبأ، الآية: 23.

(2) سورة البقرة، الآية: 48 ومثلها غيرها في سورة البقرة: الآية: 123 وأخري في سورة الدّخان، الآية: 41، قال اللَّه تبارك وتعالي: «يَوْمَ لايُغْني مَوْلًي عَنْ مَوْلًي شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ».

(3) سورة الشّعراء، الآية: 100- 101.

(4) سورة المدّثّر، الآية: 48.

(5) سورة غافر، الآية: 18.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 59

5- قوله تعالي: «وَما لِلظَّالِمينَ مِنْ أَنْصارٍ» «1».

وسيأتي الكلام علي هذه الآيات.

6- قوله تعالي: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ

يَأْتِيَ يَوْمٌ لابَيْعٌ فيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ» «2».

وهذه الآية وإن كان لفظها عامّاً، إلّاأنّ المراد به خصوص غير المؤمنين مطلقاً، إذ لا خلاف عندنا في أنّ المؤمنين قد يشفع بعضهم لبعض ويشفع لهم أنبياؤهم، كما دلّ علي ذلك آيات النّوع الأوّل، فالآية متأوّلة.

السّنة … ص: 59

وقد دلّت علي الشّفاعة نصوص الرّوايات الصّريحة المتكثّرة عن النّبي صلّي اللَّه عليه وآله، والأئمّة الطّاهرين عليهم الصّلاة والسّلام، وإليك بعض تلك النّصوص:

1- قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللَّه شفاعتي» «3».

__________________________________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 270.

(2) سورة البقرة، الآية: 254.

(3) الإعتقادات في دين الإمامية: 66 ورواه مسنداً في أماليه: 56، المجلس الثّاني، الرّقم 4 وفي معناه في عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 2/ 125، والبحار 8/ 34، الرّقم 4.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 60

2- وعن مولانا الصّادق عليه السّلام عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «إذا قمت المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفّعني اللَّه فيهم. واللَّه لا تشفّعت فيمن آذي ذريتي» «1».

3- وعن أنس بن مالك عنه صلّي اللَّه عليه و آله وسلّم: «لكلّ نبيّ وعدة قد دعا بها، وقد سأل سؤلًا. وقد خبأت دعوتي لشفاعتي لأمّتي يوم القيامة» «2».

4- وعن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله:

«أعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، ونصرت بالرّعب، وأحلّ لي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشّفاعة» «3».

5- وقال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبةٍ له ذكر فيها فضل القرآن: «واعلموا أنّه شافع مشفّع، وقائل مصدّق، وأنّه من شفع له القرآن

__________________________________________________

(1) أمالي الصّدوق: 37، المجلس التّاسع والأربعون، الرّقم 3، والبحار

8/ 37، الرّقم 12 عنه.

(2) الخصال للشّيخ الصّدوق: 29، الرّقم 103، والبحار 8/ 34، الرّقم 1، وقد ورد فيه: أخبأت بدل خبأت. والسّؤل بالضّم: ما يسأل، وخبأ الشي ء: ستره وأخفاه. وفي معناه عن أمالي الشّيخ: 57، ذيل الرّقم 50 عن أبي ذرّ وسلمان رضي اللَّه عنهما عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

(3) الخصال: 266 باب الخمسة، الرّقم 56، ومن لا يحضره الفقيه 1/ 240- 241، الرّقم 724، ووسائل الشيعة 3/ 351، الرّقم 4، والبحار 8/ 38، الرّقم 17.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 61

يوم القيامة شفّع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه … » «1».

6- وقال عليه السّلام: «لنا شفاعة ولأهل مودّتنا شفاعة» «2».

7- وعنه عليه السّلام قال: «قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذرّيتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والسّاعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه» «3».

8- وعن الإمام الباقرعليه السّلام عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله وسلّم: من أراد التّوسّل إليّ، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي ويدخل السّرور عليهم» «4».

9- وعن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال لأهل الشوري فيما حاججهم به: «فهل فيكم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: إنّ من شيعتك رجلًا يدخل في شفاعته الجنّة مثل ربيعة ومضر، غيري؟

__________________________________________________

(1) نهج البلاغه 2/ 354 من خطبة له عليه السّلام في النّهي عن البدعة، الرّقم 174.

(2) الخصال: 588، حديث أربعمائه، والبحار 8/ 19، الرّقم 9 عنه.

(3) عيون أخبارالرّضا عليه السّلام 1/ 230، الباب 26،

الرّقم 2، والبحار 93/ 220، الرّقم 10 عنه.

(4) أمالي الصّدوق: 461- 462 المجلس السّتون، الرّقم 5، والبحار 26/ 227، الرّقم 1 عنه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 62

قالوا: لا … » «1».

10- وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، والمساءلة في القبر، والشّفاعة» «2».

11- وعنه عليه السّلام أنّه سئل: عن المؤمن: هل له شفاعة؟ «قال:

نعم.

فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلي شفاعة محمّد صلّي اللَّه عليه وآله يومئذٍ؟

قال: نعم، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحدٍ إلّاويحتاج إلي شفاعة محمّد صلّي اللَّه عليه وآله يومئذٍ … » «3».

12- عن سماعة قال: كنت قاعداً مع أبي الحسن الأوّل عليه السّلام والنّاس في الطّواف في جوف الّليل، فقال: يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم. فما كان لهم من ذنب بينهم وبين اللَّه عزّوجلّ حتمنا

__________________________________________________

(1) أمالي الطّوسي: 551، المجلس العشرون، والبحار 31/ 380، ذيل الرّقم 24 نقله عن إرشاد القلوب 2/ 51.

(2) أمالي الصّدوق: 370، المجلس التّاسع والأربعون، الرّقم 5، والبحار 6/ 223، الرّقم 23 و 8/ 37، الرّقم 13 و 18/ 340، الرّقم 44 عنه.

(3) بحار الأنوار 8/ 48، الرّقم: 51 عن تفسير العياشي 2/ 314، الرّقم 150، باختلاف يسير جدّاً.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 63

علي اللَّه في تركه لنا فأجابنا إلي ذلك. وما كان بينهم وبين النّاس إستوهبناه منهم وأجابوا إلي ذلك وعوّضهم عزّوجلّ» «1».

نكتفي بهذا المقدار من أحاديث الشّفاعة و هي كثيرةٌ جدّاً «2».

نصوص بعض الكلمات في الشّفاعة … ص: 63

وقد صرّح كبار العلماء، ورجال الحديث والكلام بثبوت الشّفاعة وأنّها حقّ وأنّها واقعة يوم القيامة … ولا ريب- أنّهم فيما ذهبوا إليه وقالوا به- متّبعون للكتاب والسّنة

الثّابتة و ما وصل إليهم من عقائد أئمّة أهل البيت عليهم السّلام … وإليك بعض تلك النّصوص:

1- قال الشّيخ الصّدوق رحمه اللَّه: إعتقادنا في الشّفاعة أنّها لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصّغائر، فأمّا التّائبون من الذّنوب فغير محتاجين إلي الشّفاعة.

قال النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله: «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللَّه شفاعتي» «3».

__________________________________________________

(1) روضة الكافي 8/ 162، الرّقم 167، والبحار 8/ 57، الرّقم 71.

(2) منها: الإختصاص: 37 وقد روي عن النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: أمّا فضلي علي النّبيين، فما من نبيّ إلّادعا علي قومه وأنا اخترت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة …، وراجع البحار 8/ 30 كتاب العدل والمعاد الباب 21: الشّفاعة.

(3) عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 2/ 125، الرّقم 35، والبحار 8/ 34، الرّقم 3.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 64

وقال صلّي اللَّه عليه وآله: «لا شفيع أنجح من التّوبة، والشّفاعة للأنبياء، والأوصياء، والمؤمنين، والملائكة، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضرّ، وأقلّ المؤمنين شفاعة من يشفع لثلاثين إنساناً.

والشّفاعة لا تكون لأهل الشّك والشّرك، ولا لأهل الكفر والجحود، بل تكون للمؤمنين من أهل التّوحيد» «1».

2- وقال الشّيخ المفيد رحمه اللَّه: أقول: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله يشفع يوم القيامةَ في مذنبي أمّته من الشّيعة خاصّة فيشفّعه اللَّه عزّوجلّ، ويشفع أمير المؤمنين عليه السّلام في عصاة شيعته فيشفّعه اللَّه عزّوجلّ، وتشفع الأئمّة عليهم السّلام في مثل ما ذكرناه من شيعتهم فيشفّعهم، ويشفع المؤمن البرّ لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته ويشفّعه اللَّه.

وعلي هذا القول إجماع الإمامية إلّامن شذّ منهم. وقد نطق به القرآن وتظاهرت به الأخبار. قال اللَّه تعالي في الكفّار عند إخباره عن حسراتهم علي الفائت لهم

ممّا حصل لأهل الإيمان: «فَما لَنا مِنْ شافِعينَ* وَلا صَديقٍ حَميمٍ».

وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «إنّي أشفع يوم القيامة فأشفّع

__________________________________________________

(1) الإعتقادات في دين الإمامية: 66، والبحار 8/ 58، الرّقم 57.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 65

فيشفع علي عليه السّلام فيشفّع، وإنّ أدني المؤمنين شفاعة يشفع في أربعين من إخوانه» «1».

3- وقال شيخ الطّائفة رحمه اللَّه في تفسير الآية 254 سورة البقرة:

وقوله: ولا شفاعة. وإن كان علي لفظ العموم، فالمراد به الخصوص بلا خلاف، لأنّ عندنا قد تكون شفاعة في إسقاط الضّرر، وعند مخالفينا في الوعيد قد يكون في زيادة المنافع.

فقد أجمعنا علي ثبوت شفاعة، وإنّما ننفي نحن الشّفاعة قطعاً عن الكفّار، ومخالفونا عن كلّ مرتكب كبيرة إذا لم يتب منها «2».

4- وقال الشّيخ الطّبرسيّ رحمه اللَّه في تفسير الآية 48 سورة البقرة:

ولا يقبل منها شفاعة. قال المفّسرون: حكم هذه الآية مختصّ باليهود لأنّهم قالوا: نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فأيأسهم اللَّه عن ذلك، فخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص.

ويدلّ علي ذلك: أنّ الأمّة أجمعت علي أنّ للنّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله شفاعة مقبولة و إن اختلفوا في كيفيتها …

__________________________________________________

(1) أوائل المقالات: 79- 80، القول في الشّفاعة، الرّقم 57.

(2) التّبيان في تفسير القرآن 2/ 306، والبحار 8/ 62.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 66

وهي ثابتة عندنا للنّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله ولأصحابه المنتجبين وللأئمّة من أهل بيته الطّاهرين ولصالحي المؤمنين وينجّي اللَّه تعالي بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين. ويؤيده الخبر الّذي تلقّته الأمّة بالقبول وهو قوله صلّي اللَّه عليه وآله: «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائرمن أمّتي».

وما جاء في روايات أصحابنا رضي اللّه عنهم مرفوعاً إلي النّبيّ صلّي اللَّه عليه

وآله أنّه قال: «إنّي أشفع يوم القيامة فأشفّع، ويشفع عليّ فيشفع، ويشفع أهل بيتي فيشفعون، وإنّ أدني المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كلّ قد استوجبوا النّار» «1».

5- وقال المحقّق الطّوسيّ رحمه اللَّه: والإجماع علي الشّفاعة.

فقيل لزيادة المنافع و يبطل منّا في حقّه. ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب. وباقي السّمعيات متأوّلة بالكفّار وقيل: في إسقاط المضارّ.

والحقّ: صدق الشّفاعة فيهما. وثبوت الثّاني له صلّي اللَّه عليه وآله لقوله: «ادخّرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» «2».

6- وقال العلّامة في شرحه: أقول: إتّفقت العلماء علي ثبوت الشّفاعة للنّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله ويدلّ عليه قوله تعالي: «عَسي أَنْ

__________________________________________________

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 1/ 132، والبحار 8/ 30.

(2) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 564.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 67

يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا» «1»

. قيل: إنّه الشّفاعة … «2».

7- وقال الفاضل المقداد السّيوري رحمه اللَّه: بعد كلامٍ له: ثمّ اعلم أنّ صاحب الكبيرة إنّما يعاقب إذا لم يحصل له أحد الأمرين:

الأوّل: عفو اللَّه …

الثّاني: شفاعة نبيّنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، فإنّ شفاعته متوقّعة بل واقعة لقوله تعالي: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ» «3»

. وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه باللَّه ورسوله صلّي اللَّه عليه وآله وإقراره بما جاء به النّبيّ وذلك هو الإيمان. إذ الإيمان في الّلغة هو: التّصديق، وهو هنا كذلك، وليست الأعمال الصّالحة جزء منه لعطفها علي الفعل المقتضي لمغايرتها له، وإذا أمر بالإستغفار لم يتركه لعصمته، واستغفاره لأمّته مقبول تحصيلًا لمرضاته لقوله تعالي:

«وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي «4».

هذا، مع قوله صلّي اللَّه عليه وآله: «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر

__________________________________________________

(1) سورة الإسراء، الآية: 79.

(2) كشف المراد: 564.

(3) سورة محمد، الآية: 19.

(4) سورة

الضحي، الآية: 5.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 68

من أمّتي» «1».

واعلم: إنّ مذهبنا أنّ الأئمّة عليهم السّلام لهم الشّفاعة في عصاة شيعتهم، كما هو لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله من غير فرق، لإخبارهم عليهم السّلام بذلك مع عصمتهم النّافية للكذب عنهم «2».

8- وقال الشّيخ الفيض الكاشاني رحمه اللَّه: الشّفاعة حقّ، والحوض حقّ.

قال النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله: «من لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللَّه حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللَّه شفاعتي. ثمّ قال: إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل» «3».

وفي روايةٍ أخري: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ما خلا الشّرك والظّلم» «4».

وقال صلّي اللَّه عليه وآله: «إنّ من أمّتي من يدخل الجّنة بشفاعته

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 8/ 30.

(2) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 124- 126، الفصل السّابع في المعاد.

(3) أمالي الصّدوق: 56، الرّقم 4، والبحار 8/ 34، الرّقم 3.

(4) روضة الواعظين: 501 والخصال 2/ 324، الرّقم 36، أبواب السّبعة وفيه: وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 69

أكثر من مضرّ» «1».

وقيل: أقلّ المؤمنين شفاعة من يشفع لثلاثين إنساناً … «2».

وقال رحمه اللَّه: إعلم أنّه إذا حقّ دخول النّارعلي طوائف من المؤمنين، فإنّ اللَّه تعالي بفضله يقبل منهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصّالحين، وكلّ من له عند اللَّه تعالي جاهٌ بحسن معاملته، فإنّ له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصاً علي أن تكسب لنفسك عند اللَّه رتبة الشّفاعة، وذلك بأن لا تحقّر آدميّاً أصلًا، فإنّ اللَّه تعالي خبّأ ولايته في عباده، فلعلّ الّذي تزدريه عينك هو وليّ اللَّه.

ولا

تستصغر معصية أصلًا، فإنّ اللَّه تعالي خبّأ غضبه في معاصيه، فلعلّ مقت اللَّه فيه.

ولا تستحقر طاعة أصلًا، فإنّ اللَّه تعالي خبّأ رضاه في طاعاته، فلعلّ رضا اللَّه فيها و لو الكلمة الطيبة أو اللّقمة أو النّية الحسنة أو ما يجري مجراها.

وشواهد الشّفاعة في القرآن والأخبار كثيرة … «3».

__________________________________________________

(1) أخرجه أحمد في مسنده 5/ 313 وابن ماجه في سننه 2/ 1446 والحاكم في مستدركه 1/ 71 وغيرهم.

(2) المحجّة البيضاء 1/ 253.

(3) المحجّة البيضاء 8/ 348- 349.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 70

9- وقال الشّيخ المجلسيّ رحمه اللَّه ما ترجمته:

الفصل الثّاني عشر: في بيان الوسيلة واللّواء والحوض والشّفاعة، وسائر منازل رسول اللَّه وأهل بيته يوم القيامة.

إعلم أنّه قد تواترت أحاديث الخاصّة والعامّة في كلّ واحد من هذه الأمور، بل أنّها من ضروريات الدّين، وأنّ الإيمان بها واجب، ولا سيما الحوض والشّفاعة. ونحن نورد شيئاً يسيراً من أخبارها في هذا الكتاب، وقد ذكر أكثرها في حياة القلوب …

وأمّا الشّفاعة، فلا خلاف فيها بين المسلمين.

ومن الضّروريات الدّينية: أنّ النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله يشفع يوم القيامة لأمّته بل لسائر الأمم أيضاً …

ولا خلاف بين علماء الإمامية: إنّ الشّفاعة هي لإسقاط العقاب عن فسّاق الشّيعة و إن كانوا أصحاب الكبائر. وأنّها ليست مختصّة برسول اللَّه صلّي عليه وآله بل أنّ فاطمة الزّهراء والأئمّة الهادين يشفعون بأمر منه للشّيعة.

وتفيد الأحاديث المتكثّرة: أنّ علماء الشّيعة وصلحائهم أيضاً يشفعون … «1».

__________________________________________________

(1) حق اليقين: 206- 213، الحجريّة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 71

الشّفعاء … ص: 71

يتبين من آيات القرآن الكريم ونصوص الرّوايات الشّريفة وكلمات الفقهاء والمحدّثين وعلماء الكلام: أنّ هناك شفعاء يشفعون للمؤمنين في يوم القيامة فيشفّعهم اللَّه تعالي فيهم ويعفو عنهم

بهم، وإليك ذلك بالتّفصيل:

1- الأنبياء و الرّسل:

فقد قال تعالي: «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» «1».

وعن الصّادق عن آبائه عن عليّ عليهم الصّلاة والسّلام قال: «قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله ثلاثة يشفعون إلي اللَّه عزّوجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء» «2».

هذا، لكن قد ينافيه ظاهر قوله صلّي اللَّه عليه وآله في حديث آخر رواه جماعة: أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي، وعدّ فيها الشّفاعة، وقد تقدّم نصّه.

__________________________________________________

(1) سورة الأنبياء: الآية: 26- 28.

(2) البحار 8/ 34، الرّقم 2 عن الخصال: 156.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 72

إلّا أن يجمع بينهما علي أنّ شفاعته صلّي اللَّه عليه وآله أكثر تأثيراً من سائر الأنبياء، أو أنّ له شفاعة خاصّة لم يعطاها غيره من الأنبياء …

هذا بالنّسبة إلي عامّة الأنبياء.

وأمّا بالنّسبة إلي نبينا محمّد صلّي اللَّه عليه وآله، فقد تقدّم من الآيات والرّوايات والكلمات ما يدّل علي ثبوت الشّفاعة له صلّي اللَّه عليه وآله يوم القيامة.

وقد نصّوا علي أنّه ممّا أجمع عليه المسلمون قاطبة «1».

2- القرآن الكريم:

فقد تقدّم قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «وأنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه … » «2» وروي الشّيخ المجلسي عن الدّيلمي من محدّثي العامّة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أنّه قال: «الشّفاعة خمسة: القرآن والرّحم والأمانة ونبيكم وأهل بيت نبيكم» «3».

فالقرآن الكريم إذاً ممّا يشفع يوم القيامة.

__________________________________________________

(1) التجريد وشرحه: 566، وراجع تفسير الرازي 3/ 65 وغيره.

(2) نهج البلاغة 2/ 92، ومستدرك الوسائل 4/ 239، الرّقم 5.

(3) المناقب 2/ 14، والبحار 8/

43، الرّقم 39، والجامع الصّغير 2/ 86، الرّقم 4942، وينابيع المودّة 2/ 95، الرّقم 223، وكنز العمّال 14/ 390، الرّقم 39041.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 73

3- الأئمّة الطّاهرون:

فقد تقدّم من الرّوايات ما يدلّ علي أنّ الأئمّة المعصومين الطّاهرين وأمّهم الصّدّيقة الزّهراء عليهم الصّلاة والسّلام، يشفعون لشيعتهم ومحبّيهم ومواليهم يوم القيامة فيشفّعهم اللَّه تعالي فيهم.

وقد نصّ جماعة من أكابرالطّائفة أنّ هذا الإعتقاد ممّا أجمع عليه الأصحاب، وأنّه من الضّروريات، ومنهم الشّيخ المفيد والشّيخ الطّبرسيّ والشّيخ المقداد والشّيخ المجلسيّ رحمهم اللَّه، وقد تقدّمت كلماتهم «1».

4- الملائكة:

قال تعالي: «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لاتُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضي «2».

وفي البحار وحقّ اليقين عن الشّيخ الصّدوق: قال صلّي اللَّه عليه وآله « … والشّفاعة للأنبياء، والأوصياء والمؤمنين والملائكة» «3».

وتفيده روايات عديدة …

__________________________________________________

(1) في الصفحة: 64 فما بعد.

(2) سورة النجم، الآية: 26.

(3) البحار 8/ 58، الرّقم 75 نقلًا عن الإعتقادات في دين الإمامية: 66.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 74

5- العلماء:

ففي روايات عديدة أنّ العلماء يشفعون ويشفّعون، ومنها:

قول الإمام الصّادق عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة بعث اللَّه العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي اللَّه عزّوجلّ قيل للعابد: إنطلق إلي الجنّة. وقيل للعالم: قف تشفّع للنّاس بحسن تأديبك لهم» «1».

ومنها: الرّواية المتقدّمة عنه عليه السّلام عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله.

6- الشّهداء:

فإنّهم من الشّفعاء يوم القيامة، جاء ذلك في الحديث المتقدّم عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله.

قال السّيد الطّباطبائي: الظّاهر: أنّ المراد بالشّهداء شهداء معركة القتال كما هو المعروف في لسان الأئمّة في الأخبار، لا شهداء الأعمال كما هو مصطلح القرآن «2».

7- المؤمنون:

فقد جاءت الرّوايات

المتكثّرة مصرّحة ومؤكّدة شفاعة المؤمنين

__________________________________________________

(1) البحار 8/ 56، الرّقم 66 نقلًا عن علل الشّرائع 2/ 394، الرّقم 11، وبصائر الدّرجات: 27، الرّقم 7، باب فضل العلم علي العابد.

(2) الميزان في تفسير القرآن 1/ 179.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 75

بعضهم في بعض و شفاعة الصّديق في صديقه، والحميم في حميمه، والرّجل في أهل بيته وأسرته … «1».

معني الشّفاعة وأثرها … ص: 75

الشّفاعة في اللّغة: السّئوال في التّجاوز عن الذّنوب والجرائم «2».

وأضاف الشّيخ الطريحي رحمه اللَّه قوله: ومنه قوله صلّي اللَّه عليه وآله: أعطيت الشّفاعة.

وقال الرّاغب: الشّفاعة: الإنضمام إلي آخر ناصراً له وسائلًا عنه.

وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلي حرمةً ومرتبةً إلي من هو أدني، ومنه الشّفاعة في القيامة: قال: «لايَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا «لاتَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ» «لاتُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا» «وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضي … » «3».

__________________________________________________

(1) كما جاء في البحار 8/ 38، كتاب العدل والمعاد باب الشّفاعة. حيث قال: ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله الشّفاعة في أمّته، ولنا شفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم. ثمّ قال: وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإنّ المؤمن ليشفع حتّي لخادمه، ويقول: يا ربّ حقّ خدمتي، كان يقيني الحرّ والبرد.

(2) النهاية في غريب الحديث 2/ 485، ولسان العرب 8/ 184، ومجمع البحرين 2/ 523، وشرح أصول الكافي 12/ 89.

(3) مفردات غريب القرآن: 263.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 76

والّذي تفيده الآيات والرّوايات: إنّ الشّفاعة لا تقع إلّابرضي من اللَّه تعالي وإذن منه … فليست الشّفاعة في القيامة جزافية، وليس الحكم فيها إلّاللَّه، فهو يفعل ما يشاء ويحكم

ما يريد، إلّاأنّه يأذن لأنبيائه وأوليائه وعباده الصّالحين- برحمةٍ منه ولطف لعباده- في أن يشفعوا فيشفّعهم تعالي فيهم.

ولذلك يقول تعالي: «لايَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا» «1».

ويقول عزّ من قائل: «يَوْمَئِذٍ لاتَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا» «2».

ويقول سبحانه: «لاتُغْني شَفاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضي «3».

ويقول عزّوجلّ: «وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضي … » «4».

إلي غير ذلك من الآيات «5».

__________________________________________________

(1) سورة مريم، الآية: 87.

(2) سورة طه، الآية: 109.

(3) سورة النّجم، الآية: 26.

(4) سورة الأنبياء، الآية: 28.

(5) وقد تقدّم البحث عنها في الصفحة: 56.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 77

ودلّ الكتاب والسّنة وكلمات العلماء: علي أنّ الكفّار والمشركين والنّواصب لا تنالهم الشّفاعة، بل إنّها تخصّ المذنبين من المؤمنين، لأنّهم الّذين ارتضي اللَّه تعالي دينهم واعتقادهم.

وليست الشّفاعة مجرّد توسّط- قد يؤثّر وقد لا يؤثّر- بل إنّها عهد من اللَّه تعالي لجملة من عباده، ومنحة منه لصفوة خلقه، فلابدّ من إجابة طلبهم، وإظهار شأنهم ومنزلتهم وقربهم منه سبحانه تعالي.

وبعد أن علم أنّه لا يفوز الكافرون والمشركون والمجرمون، وأنّها تخصّ المذنبين من المؤمنين وهم أهل الكبائر- كما نصّت علي ذلك الرّوايات- …

فإنّ أثرهذه الشّفاعة يكون باسقاط العقاب، ورفع العتاب، وبعبارة أخري: أنّه عند ما يشفع الشّفيع للرّجل المجرم المرتكب للكبيرة غيرالتّائب منها، تقبل شفاعته فيه، وبذلك يخرج عن كونه مستحقّاً للتّعذيب بالعقوبة المعينة لتلك الكبيرة، ويدخل في رحمة اللَّه ورضوانه …

وعلي هذا إتفق الإمامية … ووافقهم عليه أكثر العامّة.

هذا، وقد نصّ المحقّق الطّوسيّ والعلّامة رحمهما اللَّه، علي أنّ الشّفاعة قد تكون سبباً لزيادة المنافع أيضاً، فهي نافعة لدفع المضارّ وزيادة المنافع معاً عندهما.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 78

وأمّا المعتزلة، فقد ذهبوا إلي أنّ الشّفاعة لا تقع ولا تنفع إلّافي زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثّواب لإيمانهم، وأمّا إسقاط العقاب والمضارّ فلا يكون، لوجوب تعذيب أصحاب الكبائر الّذين لم يتوبوا، لأنّهم أوعدوا به، والوفاء بالوعيد واجب كالوفاء بالوعد من غير فرق.

أدلّة المعتزلة … ص: 78

وقد استدّل المعتزلة القائلون بهذا، بآيات من القرآن الكريم- وهي الآيات النّافية للشّفاعة، أو لأثرها يوم القيامة، والمتقدّم في النّوع الثّاني من آيات الكتاب- وهي:

1- قوله تعالي: «ما لِلظَّالِمينَ مِنْ حَميمٍ وَلا شَفيعٍ يُطاعُ» «1».

2- قوله تعالي: «وَما لِلظَّالِمينَ مِنْ أَنْصارٍ» «2».

3- قوله تعالي: «وَاتَّقُوا يَوْمًا لاتَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ … » «3».

4- قوله تعالي: «فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعينَ» «4».

__________________________________________________

(1) سورة غافر، الآية: 18.

(2) سورة البقرة، الآية: 270، وسورة آل عمران، الآية: 192، وسورة المائدة: الآية: 72.

(3) سورة البقرة: الآية: 48 و 123.

(4) سورة المدّثر، الآية: 48.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 79

5- قوله تعالي: «لابَيْعٌ فيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ» «1».

6- قوله تعالي: «وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضي «2».

فالآيات الّتي ينفي فيها قبول الشّفاعة عن الظّالمين تدلّ علي عدم سقوط عذاب المذنبين لأنّهم فسّاقٌ ظالمون.

والآيات التّالية تنفي الشّفاعة و أثرها، فكلٌّ ملاقٍ جزاء عمله.

والآية الأخيرة تنفي شفاعة الملائكة عن غير المرضيّ للَّه تعالي، والفاسق لارتكابه غيرالمرضيّ غير مرتضي.

الجواب: ولقد أبطل علماؤنا أدلّتهم، وأجابوا عمّا استدلّوا به، فأوضحوا خطأهم، وبيّنوا أنّه لا دليل لما ذهبوا إليه:

فأوّلًا: بالأخبار المتواترة الدّالّة علي سقوط العقاب عن فسّاق المؤمنين بشفاعة النّبي و آله وغيرهم.

وثانياً: بأنّ الشّفاعة لو كانت في زيادة المنافع فقط، لكنّا نحن شافعين في

النّبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حيث نطلب له من اللَّه تعالي علوّ الدّرجات، والتّالي باطل قطعاً، لأنّ الشّافع يجب أن يكون أعلي من المشفوع فيه، وأكثر حرمةً، وأرفع درجةً ومرتبةً، كما نصّوا عليه، فالمقدّم مثله.

__________________________________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 254.

(2) سورة الأنبياء: الآية: 28.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 80

والجواب عمّا استدلّوا به:

أمّا عن الآيتين الأولي والثّانية: فبأنّ المراد من الظّالمين فيهما الكفّار.

وأمّا عن الآيتين الثّالثة والخامسة: فبأنّهما لا تنفيان مطلق الشّفاعة، بل إنّهما تنفيان الشّفاعة بغير إذن اللَّه … ولا ريب أنّ اللَّه لا يأذن للشّفاعة في حقّ الكافرين والمشركين.

لأنّه تعالي ذكر في مواضع كثيرة من كتابه أنّه لا يغفر أن يكفر ويشرك به …

وأمّا عن الآية الرّابعة: فبأنّها لا تنفي الشّفاعة، بل تفيد وقوعها يوم القيامة، إلّاأنّه لا تنال طائفة من المجرمين الكافرين، وهم الّذين جاء ذكرهم قبل الآية بقوله:

«كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهينَةٌ* إِلّا أَصْحابَ الْيَمينِ* في جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمينَ* ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّي أَتانَا الْيَقينُ* فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعينَ» «1».

__________________________________________________

(1) سورة المدّثر، الآية: 38- 48.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 81

وأمّا عن الآية الأخيرة: فبأنّا لا نسلّم أنّ الفاسق غير مرتضي، بل هو مرتضي للَّه تعالي في إيمانه.

إشكالٌ و رد … ص: 81

وهنا إشكال يجب ذكره والجواب عنه، وهو:

إنّ الوعد بالشّفاعة من اللَّه تعالي، والتّأكيد عليه من النّبي صلّي اللَّه عليه وآله إلي درجة يقول صلّي اللَّه عليه وآله: «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللَّه شفاعتي» «1».

ويقول الإمام الصّادق عليه السّلام: «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، والمساءلة في

القبر، والشّفاعة» «2».

يستلزم تجرّي النّاس علي المعصية، وارتكاب المحرمّات، واقتراف الكبائر والسّيئات.

والجواب عنه:

أوّلًا: بالنّقض بالآيات الدّالة علي شمول المغفرة وسعة الرّحمة كقوله تعالي: «إِنَّ اللَّهَ لايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ

__________________________________________________

(1) أمالي الصّدوق: 56، الرّقم 4، والبحار 8/ 34، الرّقم 3، و 58، الرّقم 74.

(2) أمالي الصّدوق: 370، الرّقم 5، والبحار 6/ 223، الرّقم 23 و 8/ 37، الرّقم 13.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 82

يَشاءُ» «1»

، وهي في غير مورد التّوبة بدليل استثنائه الشّرك المغفور بالتّوبة.

وثانياً: بالحلّ، فإنّ وعد الشّفاعة أو تبليغها من الأنبياء عليهم السّلام والتّأكيد عليها، إنّما يستلزم تجرّي النّاس علي المعصية وإغرائهم علي التّمرد والمخالفة، بشرطين:

أحدهما: تعيين المجرم بنفسه ونعته أو تعيين الذّنب الّذي تقع فيه الشّفاعة تعييناً لا يقع فيه لبس بنحو الإنجاز من غير تعليق بشرط جائز.

وثانيهما: تأثير الشّفاعة في جميع أنواع العقاب و أوقاته بأن تقلعه من أصله قلعاً.

فلو قيل: إنّ الطّائفة الفلانية من النّاس، أو كلّ النّاس لا يعاقبون علي ما أجرموا، ولا يؤاخذون فيما أذنبوا أبداً، أو قيل: إنّ الذّنب الفلانيّ لا عذاب عليه قطّ، كان ذلك باطلًا من القول، ولعباً بالأحكام والتّكاليف الموجّهة إلي المكلّفين.

وأمّا إذا أبهم الأمر من حيث الشّرطين، فلم يعين أنّ الشّفاعة في أيّ الذّنوب وفي حقّ أيّ المذنبين، أو أنّ العقاب المرفوع هو جميع العقوبات وفي جميع الأوقات والأحوال. فلا تعلم نفس هل تنال

__________________________________________________

(1) سورة النّساء، الآية: 48 و 116.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 83

الشفاعة الموعودة أو لا؟ فلا تتجرّي علي هتك محارم اللَّه تعالي.

غير أنّ ذلك يوقظ قريحة رجائها، فلا يوجب مشاهدة ما تشاهدها من ذنوبها وآثامها قنوطاً من رحمة

اللَّه ويأساً من روح اللَّه.

مضافاً إلي قوله تعالي: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» «1».

فإنّ الآية تدلّ علي رفع عقاب السّيئات والمعاصي الصّغيرة علي تقدير اجتناب المعاصي الكبيرة، فإذا جاز أن يقول اللَّه سبحانه: إن اتّقيتم الكبائر عفونا عن صغائركم، فليجز أن يقال: إن تحفظّتم علي إيمانكم حتّي أتيتموني في يوم اللّقاء بإيمان سليم، قبلت فيكم شفاعة الشّافعين، فإنّ الشّأن كلّ الشّأن في حفظ الإيمان، والمعاصي تضعّف الإيمان وتقسي القلب وتجلب الشّرك.

وقد قال تعالي: «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ» «2».

وقال: «كَلّا بَلْ رانَ عَلي قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» «3».

وقال: «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذينَ أَساؤُا السُّواي أَنْ كَذَّبُوا

__________________________________________________

(1) سورة النساء، الآية: 31.

(2) سورة الأعراف، الآية: 98.

(3) سورة المطففين، الآية: 14.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 84

بِآياتِ اللَّهِ» «1».

وربما أوجب ذلك إنقلاعه عن المعاصي، وركوبه علي صراط التّقوي، وصيرورته من المحسنين، واستغنائه عن الشّفاعة بهذا المعني.

وهذا من أعظم الفوائد.

وكذا إذا عيّن المجرم المشفوع له أو الجرم المشفوع فيه، لكن صرّح بشمولها علي بعض جهات العذاب، أو بعض أوقاته، فلا يوجب تجرّي المجرمين قطعاً.

والقرآن لم ينطق في خصوص المجرمين، وفي خصوص الذّنب بالتّعيين، ولم ينطق في رفع العقاب، إلّابالبعض، فلا إشكال أصلًا «2».

__________________________________________________

(1) سورة الروم، الآية: 10.

(2) الميزان في تفسير القرآن 1/ 165- 166.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 87

البحث الخامس في التوبة … ص: 87

1- معني التّوبة … ص: 87

التّوبة في اللّغة: الرّجوع «1» والإنابة. يقال: تاب إلي اللَّه يتوب توباً وتوبةً ومتاباً:

إذا أناب ورجع عن المعصية إلي الطّاعة «2»، فهو من: تاب بمعني:

أناب «3».

وأصل التّوبة: الرّجوع عمّا سلف، والنّدم علي ما فرط «4».

وقال الفيومي: تاب من ذنبه يتوب توباً وتوبةً ومتاباً: أقلع «5».

وقيل: التّوبة هي التّوب، ولكن

الهاء لتأنيث المصدر.

__________________________________________________

(1)

لسان العرب: 319، والمصباح المنير 2/ 629 مادّة نوب.

(2) لسان العرب 1/ 233.

(3) تاج العروس 1/ 161.

(4) التّبيان في تفسير القرآن 1/ 169، ومجمع البيان 1/ 174- 175.

(5) وكذا في مجمع البحرين 1/ 300.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 88

وقيل: التّوبة واحدة كالضّربة، فهو تائب … «1».

وقال الرّاغب: التّوب: ترك الذّنب علي أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الإعتذار، وهو: أن يقول المعتذر: فعلت وأسأت وقد أقلعت، وهذا هو التّوبة «2».

ويظهر من القاموس والتّاج: أنّ ل «تاب» مصدرين آخرين غير ما ذكر من المصادر، وهما: تابه علي وزن غابة، وتتوبة.

أمّا الأوّل فيشهد له قول الشّاعر:

تبت إليك فتقبل تابتي وصمت ربّي فتقبل صامتي

وأمّا الثّاني: فهو من كتاب سيبويه، إلّا أنّه شاذٌّ «3».

لكن جاء في لسان العرب بعد أن ذكر المصادر الثّلاثة ما نصّه:

فأمّا قوله: تبت إليك … إنّما أراد: توبتي وصومتي، فأبدل الواو ألفاً لضربٍ من الخفّة، لأنّ هذا الشّعر ليس بمؤسّسٍ كلّه، ألا تري أنّ فيها:

أدعوك يا ربّ من النّار التي أعددت للكفّار في القيامة

فجاء بالّتي وليس فيها ألف تأسيس «1».

والتّوبة في الإصطلاح الشّرعي:

فقد اختلف كلماتهم في معناها علي أقوالٍ:

فقيل: النّدم علي الذّنب لكونه ذنباً، فخرج النّدم علي شرب الخمر مثلًا لإضراره بالجسم «2». وقد يزاد: مع العزم علي ترك المعاودة أبداً.

والظّاهر: أنّ هذا العزم لازم لذلك النّدم غير منفك عنه «3».

وقيل: النّدم علي المعصية لكونها معصية والعزم علي ترك المعاودة في المستقبل، لأنّ ترك العزم يكشف عن نفي النّدم «4».

وقيل: النّدم علي القبيح في الماضي، والتّرك له في الحال، والعزم علي عدم المعاودة إليه في الإستقبال «5».

وقيل: ترك الذّنب لقبحه، والنّدم علي ما فرط منه، والعزيمة علي ترك المعاودة، وتدارك

ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة. فمتي

__________________________________________________

(1) لسان العرب 1/ 233.

(2) رياض السّالكين: 404، ومجمع البحرين 1/ 300.

(3) جواهر الكلام 41/ 114.

(4) كشف المراد: 444، وبحار الانوار 6/ 43 نقلًا عنه.

(5) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 127، وجواهر الفقه لابن البرّاج: 251.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 90

اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التّوبة «1».

وقيل: النّدم علي ما مضي من القبيح، والعزم علي أن لا يعود إلي مثله في القبح «2».

وقيل: ترك المعاصي في الحال، والعزم علي تركها في الإستقبال، وتدارك ما سبق من التّقصير «3».

هذه بعض الكلمات في تعريف التّوبة إصطلاحاً، ويمكن تلخيصها بهذه الصّورة:

إنّه قال جماعة بأنّ التّوبة هي: النّدم علي فعل المعصية لكونها معصية. وقال آخرون بوجوب إضافة قيد: العزم علي ترك المعاودة، وأضاف آخرون: وجوب تدارك ما سبق من التّقصير في الأعمال إن أمكن.

2- وجوب التّوبة … ص: 90

التّوبة إلي اللَّه عزّوجلّ واجبة بالكتاب، والسّنة، والإجماع، والعقل.

__________________________________________________

(1) مفردات غريب القرآن: 76.

(2) مجمع البيان 1/ 176.

(3) جامع السعادات 3/ 38.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 91

أمّا الكتاب: فلقد أمر اللَّه سبحانه وتعالي عباده بالتّوبة من الذّنوب، والرّجوع إلي طاعته، وإليك بعض آيات الكتاب العزيز في ذلك:

1- قال تعالي: «وَتُوبُوا إِلَي اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» «1».

2- وقال تعالي: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَي اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسي رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» «2».

وسيأتي معني التّوبة النّصوح.

3- وقال تعالي: «وَأَنيبُوا إِلي رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لاتُنْصَرُونَ» «3».

4- وقال تعالي: «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي وَيُؤْتِ كُلَّ ذي فَضْلٍ فَضْلَهُ» «4».

5- وقال تعالي لنبيه صلي

اللَّه عليه وآله: «قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ اْلأَوَّلينَ» «5».

__________________________________________________

(1) سورة النّور، الآية: 31.

(2) سورة التّحريم، الآية: 8.

(3) سورة الزّمر، الآية: 54.

(4) سورة هود، الآية: 3.

(5) سورة الأنفال، الآية: 38.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 92

وأمّا السنّة: فلقد دلّت الرّوايات المتكثّرة الواردة عن النّبيّ الأكرم وآله الطيبين عليه وعليهم الصّلاة والسّلام علي وجوب التّوبة … وإليك بعض تلك النصوص:

منها: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «إنّ اللَّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر. توبوا إلي ربّكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الزّاكية قبل أن تشتغلوا، وصلوا الذي بينكم و بينه بكثرة ذكركم إياه» «1».

ومنها: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «توبوا إلي اللَّه عزّوجلّ، وادخلوا في محبّته، فإنّ اللَّه يحبّ التّوابين ويحبّ المتطهّرين، والمؤمن توّاب» «2».

ومنها: قال عليه السّلام: «تعطّروا بالإستغفار لا تفضحنكم روائح الذّنوب» «3».

ومنها: قال عليه السّلام: «باب التّوبة مفتوح لمن أرادها. فتوبوا إلي

__________________________________________________

(1) البحار 6/ 19، الرّقم 5، و 78/ 240، الرّقم 3، نقلًا عن الدّعوات للرّاوندي، ومستدرك الوسائل 2/ 133، الرّقم 1621 وفيه: توبوا إلي بارئكم بدل: ربّكم.

(2) الخصال: 623، حديث أربعمائة، والبحار 6/ 21، الرّقم 14 نقلًا عنه، وتفسير نور الثّقلين 1/ 216، الرّقم 821، وتفسير كنز الدّقائق 1/ 531.

(3) أمالي الطّوسي: 372، الرّقم 809، والبحار 6/ 22، الرّقم 18 نقلًا عنه، ووسائل الشّيعة 16/ 70، الرّقم 17، وشرح النّهج 20/ 281، الرّقم 225.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 93

اللَّه توبةً نصوحاً عسي ربّكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم … » «1».

ومنها: قال عليه السّلام: « … لا خير في الدّنيا إلّالرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو

يتداركها بالتّوبة، ورجل يسارع في الخيرات» «2».

وأمّا الإجماع: لقد نصّ علماء الحديث والكلام والأخلاق علي وجوب التّوبة من الذّنوب، مصرّحين بأنّ ذلك ممّا أجمع عليه المسلمون. وهذه بعض كلماتهم:

1- قال العلّامة رحمه اللَّه: وهي واجبة بالإجماع «3».

وقال رحمه اللَّه: ويجب الإقرار بكلّ ما جاء به النّبي صلّي اللَّه عليه وآله فمن ذلك … الثّواب والعقاب … ووجوب التّوبة «4».

2- وقال الشّيخ الطّبرسي رحمه اللَّه: وكلّ معصية للَّه تعالي فإنّه يجب التّوبة منها «5».

3- وقال الشّيخ الفاضل المقداد رحمه اللَّه: وهي واجبة لوجوب

__________________________________________________

(1) الخصال: 624، والبحار 10/ 102، و 70/ 350، الرّقم 47.

(2) روضة الواعظين: 478- 479 وفيه: رجل أذنب ذنباً بدل: ذنوباً، والبحار 6/ 38، الرّقم 62، وشرح النّهج 18/ 250.

(3) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 566، المسألة الحادي عشرة.

(4) النّافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 127، الفصل السّابع.

(5) تفسير مجمع البيان 1/ 176.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 94

النّدم إجماعاً علي كلّ قبيح وإخلال بواجب «1».

4- وقال الشّيخ النّراقي رحمه اللَّه: فصل: وجوب التّوبة: التّوبة عن الذّنوب بأسرها واجبة: الإجماع والنّقل والعقل. أمّا الإجماع فلا ريب في انعقاده … «2».

5- وقال الشّيخ الفيض الكاشاني رحمه اللَّه: إعلم: أنّ وجوب التّوبة ظاهر بالأخبار والآيات، وهو واضح بنور البصيرة عند من انفتحت بصيرته، وشرح اللَّه بنور الإيمان صدره …

قال أبو حامد: والإجماع منعقد من الأمّة علي وجوبها. إذ معناه:

العلم بأنّ الذنوب والمعاصي مهلكات ومبعّدات من اللَّه، وهذا داخل في وجوب الإيمان … «3».

6- وقال الشّيخ المجلسيّ رحمه اللَّه: لا خلاف في وجوبها في الجملة «4».

وأمّا العقل: والعقل يحكم بالتّوبة، لأنّ التّوبة تدفع الضّرر المترتّب علي فعل المعصية والإخلال بالواجب. ولماّ

كان العقل حاكماً

__________________________________________________

(1) النّافع يوم الحشر في الباب الحادي عشر: 127.

(2) جامع السّعادات 3/ 43.

(3) المحجّة البيضاء 7/ 6 و 9.

(4) البحار 6/ 42

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 95

بوجوب دفع الضّرر- وإن كان غير قطعيّ- فإنّها إذاً واجبة بحكم العقل.

وقال الشّيخ النّراقي رحمه اللَّه:

وأمّا العقل: فهو أنّ من علم معني الوجوب، ومعني التّوبة، فلا يشكّ في ثبوته لها.

بيان ذلك: أنّ معني الواجب وحقيقته هو: ما يتوقّف عليه الوصول إلي سعادة الأبد، والنّجاة من الهلاك السّرمد، ولولا تعلّق السّعادة والشّقاوة بفعل الشي ء وتركه، لم يكن معني لوجوبه، فالواجب ما هو وسيلة وذريعة إلي سعادة الأبد ولا ريب في أنّه لا سعادة في دار البقاء إلّا في لقاء اللَّه والأنس به، فكلّ من كان محجوباً عن اللّقاء والوصال، محروماً عن مشاهدة الجلال والجمال، فهو شقيّ لا محالة، محترق بنار الفراق ونار جهنّم.

ثمّ لا مبعّد عن لقاء اللَّه إلّااتّباع الشّهوات النّفسية والغضب، والأنس بهذا العالم الفانيّ، والإكباب علي حبّ ما لابدّ من مفارقته قطعاً، ويعبّر عن ذلك بالذّنوب، ولا مقرّب من لقاء اللَّه إلّاقطع علاقة القلب من زخرف هذا العالم، والإقبال بالكلّية علي اللَّه طلباً للأنس به بدوام الذّكر، والمحبّة له بدوام الفكر في عظمته وجلاله وجماله علي قدر طاقته.

ولا ريب في أنّ الإنصراف عن طريق البعد الذي هو الشّقاوة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 96

واجب، للوصول إلي القرب الذي هو السّعادة.

ولا يتمّ ذلك إلّابالتّوبة الّتي عبارة عن العلم و النّدم والعزم ولا يتمّ الواجب إلّابه فهو واجب فالتّوبة واجبة قطعاً «1».

وقال السّيد المحدّث الجزائري رحمه اللَّه: أمّا الوجوب علي العبد سمعاً فهو مجمع عليه، وإنمّا الخلاف في وجوبها عقلًا، فأثبته المعتزلة وهو

الحقّ، لأنّه دفع ضرر وهو واجب عقلًا، ولأنّ الندم علي القبيح من مقتضيات العقل الصّحيح «2».

3- فضيلتها في الشّرع … ص: 96

لقد اهتمّ الشّرع- كتاباً وسنّةً- بالتّوبة إهتماماً بالغاً، وحثّ عليها النّاس، ورغّب فيها العباد، ومدحها المدح العظيم … وإليك بعض الآيات والرّوايات في ذلك:

قال اللَّه تعالي: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينَ» «3».

وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «التّائب حبيب اللَّه، والتّائب

__________________________________________________

(1) جامع السّعادات 3/ 43- 44.

(2) الأنوار النّعمانية 3/ 145، وورد في البحار بهذا المضمون 6/ 48.

(3) سورة البقرة، الآية: 222.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 97

من الذّنب كمن لا ذنب له» «1».

وقال الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ اللَّه تعالي أشدّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته و زاده في ليلةٍ ظلماء، فوجدها، فاللَّه تعالي أشدّ فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها «2».

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنّ اللَّه عزّوجلّ يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب، كما يفرح أحدكم بضالّته إذا وجدها» «3».

وقال عليه السّلام: «إنّ اللَّه يحبّ من عباده المفتن التّواب» «4».

قال الشّيخ الفيض الكاشاني في معني الحديث:

يعني: الّذي يكثر ذنبه ويكثر توبته، يذنب الذّنب فيتوب منه، ثمّ يبتلي به فيعفو، ثمّ يتوب، وهكذا، من الإفتان والتّفتين، بمعني الإيقاع في الفتنة.

__________________________________________________

(1) جامع السعادات 2/ 51، ولم نعثر عليه بهذا اللفظ في كتبنا الحديثية، نعم في بعض كتب أهل السّنة مثل فيض القدير 3/ 364 بهذه العبارة: التائب من الذنب كمن لا ذنب له لأنّ التائب حبيب اللَّه، والظاهر أن التعليل من المؤلّف.

(2) الكافي 2/ 435، الرّقم 8، ووسائل الشيعة 16/ 73، الرّقم 6، والبحار 6/ 40، الرّقم 73.

(3) الكافي 2/ 436، ووسائل الشيعة 16/ 73- 74 الرّقم 7.

(4) الكافي

2/ 432، الرّقم 4، ووسائل الشيعة 16/ 72، الرّقم 3 عنه، والبحار 6/ 40، الرّقم 74 عن الكافي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 98

وقال عليه السّلام: «رحم اللَّه عبداً تاب إلي اللَّه قبل الموت … » «1».

وقال عليه السّلام: «إنّ الرّجل ليذنب الذّنب فيدخله اللَّه به الجنّة.

قال الرّاوي: قلت: يدخله اللَّه تعالي بالذّنب الجنّة؟ قال: نعم، إنّه ليذنب، فلا يزال منه خائفاً ماقتاً لنفسه، فيرحمه اللَّه تعالي فيدخله الجنّة» «2».

وقال عليه السّلام: «إنّ اللَّه يحبّ العبد المفتتن التّواب ومن يكون ذلك منه كان أفضل» «3».

وقال أبو الحسن عليه السّلام: «أحبّ العباد إلي اللَّه تعالي المنيبون التّوّابون» «4».

وقال الرّضا عليه السّلام: «عن آبائه عليهم السّلام قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: … وليس شي ء أحبّ إلي اللَّه من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة» «5».

__________________________________________________

(1) تفسير العياشي 1/ 361، الرّقم 27، والبحار 6/ 33، الرّقم 45.

(2) الكافي 2/ 426، الرّقم 3، ووسائل الشيعة 16/ 61، الرّقم 2 عنه.

(3) الكافي 2/ 435، الرّقم 9، ووسائل الشيعة 16/ 80، الرّقم 2.

(4) جامع السّعادات: 52، والكافي 2/ 432، الرّقم 3، ووسائل الشيعة 16/ 73، الرّقم 4، والبحار 6/ 39، الرّقم 68، وورد في هذه المصادر المفتنون بدل: المنيبون.

(5) عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 1/ 33، الرّقم 33، والبحار 6/ 21، الرّقم 15.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 99

وقال أبو الحسن عليه السّلام في قوله تعالي: ««يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَي اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا» قال: يتوب العبد، ثمّ لا يرجع فيه، وإنّ أحبّ عباد اللَّه إلي اللَّه المتّقي التّائب» «1».

4- فوريتها … ص: 99

تجب التّوبة علي المذنب وجوباً فورياً من ذنوبه، ولا يجوز له التّأخير. وهذا ممّا لا

خلاف ولا ريب فيه كما صرّح به جماعة.

وقد جاء التّأكيد علي هذا في الأخبار، بالإضافة إلي حكم العقل، حيث يحكم بوجوب دفع الضّرر- وإن كان ظنياً- فوراً.

يقول أمير المؤمنين عليه السّلام لرجل سأله أن يعظه: «لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجئ التّوبة بطول الأمل» «2».

ويقول عليه السّلام في كلام له: «فاتّقوا تقيّة من سمع فخشع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وأيقن فأحسن، وعبّر فاعتبر، وحذّر فازدجر، وأجاب فأناب، ورجع فتاب، واقتدي فاحتذي، وأري فرأي، فأسرع طالباً، ونجا هارباً، فأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وعمّر معاداً، واستظهر زاداً، ليوم رحيله، ووجه سبيله، وحال حاجته،

__________________________________________________

(1) تفسير القمّي 2/ 377، والبحار 6/ 20، الرّقم 8 عنه.

(2) نهج البلاغة 4/ 38، الرّقم 150، والبحار 6/ 37، الرّقم 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 100

وموطن فاقته … «1».

ويقول عليه السّلام في كلام له: «إحذروا الذّنوب المورّطة، والعيوب المسخطة، أولي الأبصار والأسماع، والعافية والمتاع، هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار؟ أم لا؟ فأنّي تؤفكون؟

أم أين تصرفون؟ أم بماذا تغترّون؟ وإنّما حظّ أحدكم من الأرض ذات الطّول والعرض قيد قدّه متعفراً علي خدّه.

الآن عباد والخناق مهمل، والرّوح مرسل، في فينة الإرشاد، وراحة الأجساد، وباحة الإحتشاد، ومهل البقية، وأنف المشية، وإنظار التّوبة، وإنفساح الحوبة، قبل الضّنك والمضيق، والرّوع والزّهوق، وقبل قدوم الغائب المنتظر، وأخذة العزيز المقتدر» «2».

ويقول الإمام الباقر عليه السّلام: «ما من عبد إلّاوفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السّواد، وإن تمادي في الذّنوب زاد ذلك السّواد حتّي يغطّي البياض، فإذا غطي البياض لم يرجع صاحبه إلي خير أبداً، وهو قول

اللَّه عزّوجلّ:

«كَلّا بَلْ رانَ عَلي قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ»» «3».

__________________________________________________

(1) نهج البلاغة 1/ 137- 138، والبحار 74/ 438، الرّقم 48 عنه باختلاف يسير.

(2) نهج البلاغة 1/ 146، والبحار 74/ 429- 430، الرّقم 43، وفيه مجاز بدل: محار.

(3) الكافي 2/ 273، الرّقم 20، والبحار 70/ 232، الرّقم 17، والآية: سورة المطفّفين: 14.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 101

ويقول الإمام الصّادق عليه السّلام: «كان أبي يقول: ما من شي ء أفسد للقلب من خطيئة، أنّ القلب ليواقع الخطيئة، فلا تزال به حتّي تغلب عليه يصير أعلاه أسفله» «1».

ومعني هذين الخبرين: أنّه يجب عليه أن يبادر إلي التّوبة فوراً، لئلّا يؤدي الذّنب بقلبه إلي هذه الحالة، لأنّ الإستغفار ممحاة، كما قال أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام «2».

هذا، بالإضافة إلي أنّ التّسويف في التّوبة، وعدم الإسراع فيها، قد ينتهي إلي عدم التّمكن منها، كما إذا عاجله الموت فلم يحصّل مجالّا لها، أو يصير بحيث يصعب عليه الوصول إليها، كما إذا بلغت ذنوبه في الكثرة والتّأثير حدّاً استولت الظّلمة علي قلبه، واستغرقت جميع جوانبه، وتراكمت علي أطرافه.

إذ في هذه الحالة يصعب جدّاً معالجة هذا القلب، ومحو هذا الأثر منه، ثمّ إرجاعه إلي حالته الطّبيعية الأولي، خالياً من كلّ شائبة.

وهذا هو السّرّ في نهيهم عليهم السّلام عن تسويف التّوبة …

__________________________________________________

(1) الكافي 2/ 268، الرّقم 1، باب الذّنوب، والبحار 70/ 312، الرّقم 1 عنه.

(2) تحف العقول: 298، حيث قال عليه السلام: وألحّوا في الإستغفار فإنّه ممحاة للذّنوب، والبحار 75/ 178، الرّقم 53 عنه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 102

5- قبولها … ص: 102

أجمع العلماء علي أنّ التّوبة متي استجمعت شرائطها المقرّرة، كانت مقبولةً عند اللَّه عزّوجلّ …

وقد دلّت في ذلك آيات القرآن

الكريم، والرّوايات الشّريفة، وإليك بعضها:

1- قال اللَّه تعالي: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ» «1».

2- وقال تعالي: «إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحيمٌ» «2».

3- وقال تعالي: «غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ» «3».

4- وقال تعالي: «وَهُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» «4».

5- وقال تعالي: «وَإِنّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدي «5».

6- وقال تعالي: «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ

__________________________________________________

(1) سورة التّوبة، الآية: 104 و 118.

(2) سورة الحجرات، الآية: 12.

(3) سورة الغافر، الآية: 3.

(4) سورة الشّوري، الآية: 25.

(5) سورة طه، الآية: 82.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 103

يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحيمًا» «1».

7- وقال تعالي: «وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا» «2».

8- وقال تعالي في مواضع: «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ» «3».

9- وقال تعالي: «وَلَوْ لافَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكيمٌ» «4».

10- وقال تعالي: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ» «5».

11- وقال تعالي: «إِنَّ اللَّهَ لايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» «6».

12- وقال تعالي: «قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما

__________________________________________________

(1) سورة الّنساء، الآية: 110.

(2) سورة النّصر، الآية: 3.

(3) سورة البقرة، الآية: 173 و 182 و 199 وسورةالمائدة، الآية: 34 و 39 وسورة التوبة، الآية: 5 و 102 وسورة النّور، الآية: 62 وسورة الممتحنة، الآية: 12 وسورة المزّمل، الآية: 20.

(4) سورة النّور، الآية: 10.

(5) سورة الزّمر، الآية: 53.

(6) سورة النّساء، الآية: 48.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 104

قَدْ سَلَفَ» «1».

وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «لو عملتم الخطايا حتّي تبلغ السّماء، ثمّ ندمتم، لتاب اللَّه عليكم» «2».

وقال صلّي اللَّه عليه

وآله: «كفّارة الذّنب، النّدامة» «3».

وقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا شفيع أنجح من التّوبة» «4».

وقال عليه السّلام في كلام له: «من أعطي التّوبة لم يحرم القبول» «5».

وقال عليه السّلام: «ما كان اللَّه ليفتح علي عبدٍ باب الشّكر، ويغلق عنه باب الزّيادة، ولا ليفتح علي عبدٍ باب «6» الدّعاء، ويغلق عنه باب الإجابة، ولا ليفتح علي عبدٍ «7» باب التّوبة، ويغلق عنه باب المغفرة «8».

__________________________________________________

(1) سورة الأنفال، الآية: 38.

(2) جامع السّعادات 3/ 52.

(3) نفس المصدر السّابق، و مسند أحمد 1/ 289، ومجمع الزّوائد 10/ 199، والمعجم الكبير 12/ 134.

(4) نهج البلاغة 4/ 87، والكافي 8/ 19، وأمالي الصّدوق: 399، ووسائل الشيعة 15/ 334، الرّقم 6، والبحار 6/ 19، الرّقم 6 نقلًا عن الأمالي، و 66/ 411، الرّقم 128 نقلًا عن الّنهج.

(5) نهج البلاغة: 33 من خطبه عليه السّلام، والبحار 6/ 37، الرّقم 61 عنه.

(6) لم يرد في النهّج لفظ باب.

(7) في النّهج: لعبد بدل: علي عبد.

(8) نهج البلاغة 4/ 102، الرّقم 435، والبحار 6/ 36، الرّقم 58.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 105

وقال الإمام الباقر عليه السّلام لمحمّد بن مسلم رحمه اللَّه: «ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف من التّوبة والمغفرة، أما واللَّه إنّها ليست إلّالأهل الإيمان.

فقال له: فإن عاد بعد التّوبة والإستغفار من الذّنوب، وعاد في التّوبة؟

فقال: يا محمّد بن مسلم، أتري العبد المؤمن يندم علي ذنبه ويستغفر منه ويتوب، ثمّ لا يقبل اللَّه توبته؟

قال: فإنّه فعل ذلك مراراً، يذنب ثمّ يتوب ويستغفر اللَّه.

فقال: كلّما عاد المؤمن بالإستغفار والتّوبة عاد اللَّه عليه بالمغفرة وإنّ اللَّه غفور رحيم، يقبل التّوبة ويعفو عن السّيئات، فإياّك أن تقنّط المؤمن من رحمة

اللَّه» «1».

وقال عليه السّلام: «التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له، والمقيم علي الذّنب وهو يستغفر منه كالمستهزئ» «2».

وقال الصّادق عليه السّلام: في قوله تعالي: ««فَإِنَّهُ كانَ لْلأَوَّابينَ

__________________________________________________

(1) الكافي 2/ 434، الرّقم 6، ووسائل الشّيعة 16/ 79، الرّقم 1، والبحار 6/ 40، الرّقم 71 نقلًا عنه.

(2) الكافي 2/ 435، الرّقم 10، والبحار 6/ 41، الرّقم 75 عنه، ووسائل الشّيعة 16/ 74، الرّقم 8.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 106

غَفُورًا»، هم التّوابون المتعبّدون «1».

وقال عليه السّلام: «شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التّائبون فإنّ اللَّه تعالي يقول: «ما عَلَي الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيلٍ» «2».

وقال معاوية بن وهب، سمعت أبا عبداللَّه عليه السّلام يقول: «إذا تاب العبد المؤمن توبةً نصوحاً أحبّه اللَّه، فستر عليه في الدّنيا والآخرة.

قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذّنوب، وأوحي إلي جوارحه: أكتمي عليه ذنوبه، وأوحي إلي بقاع الأرض:

أكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذّنوب، فيلقي اللَّه حين يلقاه، وليس شي ء يشهد عليه بشي ء من الذّنوب» «3».

هذا، وقد دلّت الآيات الكريمة، والرّوايات المتكثّرة علي سقوط العقاب بالتّوبة فاللَّه سبحانه وتعالي لا يعاقب المذنب علي ذنبه إذا تاب منه توبة فيها جميع شرائط التّوبة، لأنّه حينئذ ليس بعاص ومذنب، بل بالتّوبة يخرج عن كونه مذنباً، وذلك للطفه الشّامل، وعطفه العامّ، ورحمته الواسعة عندنا، كما سيأتي.

__________________________________________________

(1) تفسير العياشي 2/ 286، الرّقم 42، والبحار 6/ 34، الرّقم 47 عنه.

(2) من لا يحضره الفقيه 3/ 574، الرّقم 4964، ووسائل الشّيعة 15/ 334، الرّقم 5.

(3) الكافي 2/ 431، الرّقم 1، وثواب الأعمال: 171، ووسائل الشّيعة 16/ 71، الرّقم 1، والبحار 6/ 28، الرّقم 31، و 7/ 317، الرّقم 12.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 107

وهذا- أعني سقوط العقاب عنه بالتّوبة- ممّا أجمع عليه كافّة المسلمين.

واختلف المسلمون في أنّه: إذا تاب المذنب عن ذنبه، هل يجب علي اللَّه عزّوجلّ قبول توبته، وإسقاط العقاب عنه، وجوباً بحيث يكون عقابه له بعد التّوبة ظلماً له، أو أنّ إسقاط العقاب عنه بالتّوبة تفضّل منه سبحانه ولطف وكرم؟!

قال الشّيخ الطّبرسيّ رحمه اللَّه: وقبول التّوبة، وإسقاط العقاب عندها تفضّل من اللَّه تعالي غير واجب عليه عندنا. وعند جميع المعتزلة واجب وقد وعداللَّه تعالي بذلك وإن كان تفضّلًا- وعلمنا أنّه لا يخلف الميعاد «1».

وقد صرّح رحمه اللَّه في موضع آخر بأنّ القول: بأنّه تفضّل، مذهب أصحابنا «2».

وقال الشّيخ قدّس سرّه: والتّوبة يجب قبولها لأنّها طاعة، فأمّا إسقاط العقاب عنده فتفضّل منه تعالي، وقالت المعتزلة ومن وافقها:

__________________________________________________

(1) مجمع البيان 1/ 176.

(2) مجمع البيان 1/ 448 هكذا: أنّ إسقاط العقاب عند التّوبة تفضّل من اللَّه سبحانه ورحمة من جهته علي ما قاله أصحابنا.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 108

وذلك واجب، وقد بيّنا الصّحيح من ذلك في شرح الجمل «1».

وعن العلّامة رحمه اللَّه: إنّه اختاره في جملةٍ من كتبه الكلامية.

وقال الشّيخ البهائي رحمه اللَّه بعد أن ذكر أنّ القول بالتّفضّل هو رأي الشّيخ والعلّامة رحمهما اللَّه: ومختار الشّيخين هو الظّاهر، ودليل الوجوب مدخول «2».

وقال الشّيخ المجلسي رحمه اللَّه: أنّه هو الظّاهر من الأخبار، وأدعية الصّحيفة الكاملة وغيرها، … ودليل الوجوب ضعيف مدخول كما لا يخفي علي من تأمّل فيه «3».

ومثله قال السّيد المحدّث الجزائري «4».

وهذا هو الّذي اختاره السّيد الطّباطبائي مستفيداً إياه من آيات القرآن العظيم «5».

وهو ظاهر شارح الصّحيفة «6».

__________________________________________________

(1) التّبيان 1/ 170، والإقتصاد 124- 125.

(2) الأربعين: 222.

(3) البحار 6/ 48.

(4)

الأنوار النّعمانية 3/ 147.

(5) الميزان في تفسير القرآن 17/ 311.

(6) رياض السّالكين في شرح صحيفة سيد السّاجدين للسّيد علي بن معصوم المدني الشّيرازي: 477.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 109

وإلي هذا القول ذهب جمهور الأشاعرة.

وأمّا المحقّق الطّوسي رحمه اللَّه فقد توقّف في المسألة في التّجريد.

وقد أشار العلّامة رحمه اللَّه إلي أدلّة الطّرفين في شرح التّجريد «1».

6- أقسامها … ص: 109

تختلف التّوبة باختلاف الذّنب، لأنّه إمّا يكون في حق اللَّه تعالي، أو في حق آدميّ.

أمّا الأوّل:

فإمّا أن يكون من فعل قبيح ارتكبه كشرب الخمر، أو يكون من إخلاله بواجب من الواجبات كالصّلاة اليومية، وصلاة العيد.

ففي الحالة الأولي: يكفي أن يندم من فعله ذاك عازماً علي عدم ارتكابه في المستقبل علي ما تقدّم في تعريف التّوبة.

وفي الحالة الثّانية: إن كان وقت الواجب الّذي أخلّ به باقياً، فتوبته أن يأتي به في الوقت فوراً.

وإن كان قد خرج وقته فلا يخلو:

__________________________________________________

(1) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 573.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 110

إمّا أن يكون من الواجبات الّتي تسقط بخروج أوقاتها المعينة لها كصلاة العيد، فيكفي أن يندم علي إخلاله بهذا الواجب عازماً علي عدم المعاودة، كما تقدّم.

وإمّا أن يكون ممّا لا يسقط بذلك كالصّلاة اليومية، فيجب قضاؤه.

وأمّا الثّاني فلا يخلو:

إمّا أن يكون إضلالًا له في دينٍ وعقيدة، وإمّا أن يكون ظلماً له في حقٍّ من حقوقه، وإمّا أن يكون غيبةً.

أمّا في الحالة الأولي: فيجب عليه إرشاده، و إرجاعه عن العقيدة الباطلة الّتي إعتقدها بسببه … وهذا توبته.

وأمّا في الحالة الثّانية: فإنّه يجب عليه إيصال حقّه إليه أو إلي ورثته إن مات أو الاستحلال منه أو منهم، وإن لم يتمكن من ذلك وتعذّر عليه فيجب العزم علي

ذلك.

وكذا إن كان حدّ قذف، وإن كان قصاصاً وجب الخروج إليه أو إلي ورثته منه بأن يسلّم نفسه إلي أولياء المقتول، فإمّا أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدّية أو بدونها، وإن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتصّ منه في ذلك العضو إلي المستحقّ من المجني عليه أو ورثته.

وأمّا في الحالة الثّالثة: فالواجب عليه أن يندم ويتوب إلي اللَّه تعالي ويتأسّف علي ما فعله ليخرج من حقّه، ثمّ أن يستحلّ المغتاب عنه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 111

ليخرج عن مظلمته. هذا إن بلغه اغتيابه وإلّا فلا يجب الإعتذار عند المحقق الطّوسي والعلّامة رحمهما اللَّه.

وقد ذكر الشّيخ الشّهيد الثّاني رحمه اللَّه كيفية الإعتذار، وتفاصيله في كشف الرّيبة في أحكام الغيبة «1».

هذا، وقال العلّامة والشّيخ البهائي رحمهما اللَّه: إنّ هذه التّوابع ليست بأجزاء من التّوبة الواجبة عليه، فإنّ العقاب سقط بالتّوبة، ثمّ إن قام المكلّف بالتّبعات وامتثل ما أمر به فيها، كان ذلك إتماماً للتّوبة من جهة المعني، لأنّ ترك التّبعات لا يمنع من سقوط العقاب للتّوبة عمّا تاب منه، بل يسقط العقاب المتوعّد به، ويكون ترك القيام بالتّبعات المذكورة بمنزلة ذنوب مستأنفة يلزمه التّوبة منها «2».

قال العلّامة رحمه اللَّه: نعم التّائب إذا فعل التّبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة علي صدق النّدم، وإن لم يقم بها أمكن حمله دلالة علي عدم صحة النّدم «3».

وأشارا رحمهما اللَّه بهذا إلي خلاف المعتزلة، حيث أنّهم ذهبوا إلي أنّ ردّ المظالم وحقوق الآدميين والقيام بالتّبعات شرط في صحّة

__________________________________________________

(1) الفصل الخامس في كفارة الغيبة: 70.

(2) الأربعين: الحديث الثّامن والثّلاثون في التّوبة وشرائطها: 231- 232.

(3) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 571.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي

…، ص: 112

التّوبة، فقالوا: إنّه لا تصحّ التّوبة عن مظلمة دون الخروج عنها، ولا عن حقّ إلّابعد أدائه وارجاعه إلي صاحبه إن كان حياً موجوداً، وإلي ورثته إن كان قد مات، وعلي أيّ حال، فإنّ التّوابع المذكورة عندهم أجزأ من التّوبة …

ثمّ الذّنوب:

هل تنقسم إلي كبائر وصغائر، أو أنّها غير منقسمة إلي هذا التّقسيم وأنّ الذّنوب جميعها كبائر؟!

إختلف أصحابنا في ذلك، فذهب الأكثر إلي الأوّل، إستناداً إلي الآيات الكريمة من القرآن العظيم:

منها قوله سبحانه: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَريمًا» «1».

والأخبار الكثيرة المصرّحة بانقسام الذّنوب إلي صغائر وكبائر، حتّي أنّ طائفة من الأخبار جاءت لتعيين الكبائر ومقدارها وأنواعها «2».

ولذلك فإنّهم اختلفوا في عددها لاختلاف الرّوايات الواردة في ذلك.

ثمّ اختلفوا أيضاً في معني الكبيرة كذلك علي أقوالٍ:

__________________________________________________

(1) سورة النّساء، الآية: 31.

(2) أنظر البحار 85/ 26.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 113

فقيل: كلّ ذنب توعّد اللَّه عليه بالعقاب في القرآن الكريم.

وقيل: كلّ ذنب رتّب عليه الشّارع حدّاً، أو صرّح فيه بالوعيد.

وقيل: كلّ ذنب يؤذن بقلّة إكتراث فاعله بالدّين.

وقيل: كلّ ذنب علم حرمته بدليل قاطع.

وقيل: كلّ ذنب توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب والسّنة «1».

وذهب جماعة من أكابر الطّائفة منهم الشّيخ المفيد والشيخ الطّبرسيّ رحمهما اللَّه تبارك وتعالي إلي الثّاني، فقالوا: إنّ الذّنوب كلّها كبائر، لأنّ كلّ ما نهي اللَّه تعالي عنه فهو معصية كبيرة … فالذّنوب كلّها مشتركة في كونها قبيحة، لكن بعضها أكبر من بعض كالزّنا بالنّسبة إلي تقبيل الأجنبية و لمسها، ولمسها بالنّسبة إلي النّظر إليها … وهكذا «2».

وقد نسب الشّيخ الطّبرسيّ رحمه اللَّه هذا القول إلي عامّة الأصحاب … «3».

__________________________________________________

(1) أنظر ذخيرة المعاد 1/ 304، وكفاية

الأحكام 1/ 138، والحدائق النّاضرة 10/ 46، والبحار 85/ 25.

(2) أوائل المقالات: 334، الرّقم 92، والتّبيان في تفسير القرآن 3/ 182 و 9/ 432- 433، ومجمع البيان 3/ 69، ومجمع البحرين 4/ 10.

(3) مجمع البيان، وتفسير جوامع الجامع 1/ 392- 393، والتّبيان 9/ 432 حيث يقول: والمعاصي عندنا كلّها كبائرغير أنّ بعضها أكبر من بعض …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 114

وعلي القول بانقسام الذّنوب إلي صغائر وكبائر، فهل التّوبة واجبة من كلّ ذنب مطلقاً، أو مختصّة بالكبائر، والصّغائر مكفّرة إن اجتنب من الكبائر؟!

ذهب جماعة إلي الأوّل، فقالوا: إنّه لا فرق في وجوب التّوبة بين الكبائر والصّغائر، فإنّ الآيات والرّوايات الآمرة بالتّوبة عامّة، ولإنّ ترك التّوبة من المعصية مطلقاً قبيح، ولأنّ التّوبة عن القبيح إنّما تجب لكونه قبيحاً، وهو عامّ.

وذهب جماعة- منهم الشّيخ البهائي والشّيخ المجلسي رحمهما اللَّه «1» - وجماعة من المعتزلة إلي أنّ اجتناب الكبائر يكفّر الصّغائر بظاهر الآية الكريمة وغيرها من الآيات والرّوايات، وحينئذ، فإنّ الصّغائر لا تحتاج إلي توبة.

واتّفقوا علي أنّ الإصرار علي الصّغيرة يلحقها بالكبيرة، فهي غير مكفّرة علي هذا و بذلك تسقط العدالة.

واختلفوا في معني الإصرار علي أقوال:

الأوّل: الإكثار من فعلها سواء كانت متّحدة من حيث النّوع، أو مختلفة.

__________________________________________________

(1)

البحار 6/ 42.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 115

الثّاني: الإكثار من فعل النّوع الواحد.

الثّالث: الإكثار من فعلها مطلقاً، بحيث يكون ارتكابها أكثر من اجتنابها.

وقد ذكر هذه الأقوال الشّيخ المجلسي رحمه اللَّه. وأشار إليها السّيد المحدّث الجزائري.

وجاء في المحجّة البيضاء وجامع السّعادات والأنوار النّعمانية وغيرها ما هذا ملخّصه بتصرّف:

إنّ الصّغيرة قد تكبر بأسباب:

أحدها: الإصرار والمواظبة، ولذلك قال الصّادق عليه السّلام:

لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الإستغفار «1».

وثانيها:

إستصغار الذّنب، وعدم استعظامه، قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «إتّقوا المحقّرات من الذّنوب فإنّها لا تغفر … » «2».

وقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أشدّ الذّنوب ما استخفّ به

__________________________________________________

(1) الكافي 2/ 288، الرّقم 1، والبحار 85/ 30.

(2) الكافي 2/ 287، الرّقم 1، والبحار 70/ 345، الرّقم 29 عنه، ولكن نقلًا عن أبي عبداللَّه عليه السّلام، وفي الكافي نفس المصدر الرّقم 3 نحوه عن الرّسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 116

صاحبه» «1».

وثالثها: أن يأتي بالصّغائر، ولا يبالي بفعلها، إغتراراً بحلم اللَّه وستره.

ورابعها: السّرور بالصّغيرة، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك» «2».

وخامسها: أن يذنب ويظهر ذنبه بأن يذكره بعد إتيانه، أو يأتي به في مشهد غيره.

وسادسها: أن يكون الآتي بالصّغيرة عالماً يقتدي به النّاس. «3» ولقد ورد في القرآن الكريم الأمر بالتّوبة النّصوح، وذلك حيث قال سبحانه وتعالي: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَي اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا» «4»

، وقد ذكر علماء التّفسير والأخلاق وجوهاً عديدة في معني التّوبة النّصوح، وإليك بعضها:

__________________________________________________

(1) نهج البلاغة 4/ 110، الرّقم 477، ووسائل الشّيعة 15/ 312، الرّقم 7، والبحار 70/ 364، الرّقم 96، كلاهما عن النّهج.

(2) عدّة الدّاعي: 222، وشرح النّهج 20/ 317، الرّقم 642، والبحار 69/ 321، الرّقم 37 و 75/ 67، الرّقم 7.

(3) جامع السّعادات 3/ 59- 61، والمحجّة البيضاء.

(4) سورة التّحريم، الآية: 8.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 117

1- إنّ النّصوح في الآية بمعني: النّصاحة، وهي الخياطة كما نصّ عليه اللّغويون، لأنّها- أي التّوبة- تنصح من الدّين ما مزّقته الذّنوب، كما يجمع الخياط بين القطع «1».

2- إنّ المعني: توبوا توبةً تنصحون بها

أنفسكم من حيث كونها علي أكمل وجه «2».

3- إنّ المعني: توبةً تنصح النّاس، أي تدعوهم إلي مثلها «3».

4- إنّ المعني: توبةً خالصةً لوجه اللَّه لا يشوبها شي ء كالخوف من النّار، أو غيرها أو طمع في الجنّة أو غيرها «4».

هذا بعض ما ذكروه، لكن جاء في رواية: «أن يكون باطن الرّجل كظاهره وأفضل» «5». وفي أخري: «أن يتوب الرّجل توبةً صادقةً وينوي أن لا يعود إلي الذّنب أبداً» «6».

__________________________________________________

(1) العين 3/ 119، ولسان العرب 2/ 616- 617، والبحار 6/ 17 و 83/ 145.

(2) البحار 6/ 17، وشرح أصول الكافي 10/ 169.

(3) البحار 83/ 145.

(4) البحار 6/ 17 و 83/ 145، والتّبيان في تفسير القرآن 10/ 51، ومجمع البيان 10/ 62.

(5) معاني الأخبار: 174 عن أبي عبداللَّه عليه السّلام، ووسائل الشّيعة 16/ 77، الرّقم 2، والبحار 6/ 22، الرّقم 22 عن معاني الأخبار.

(6) وسائل الشّيعة 16/ 77، الرّقم 3، والبحار 6/ 22، الرّقم 23 مثله نقلًا عن معاني الأخبار: 174 وفيه كذا: وقد روي أنّ التّوبة النّصوح هو أن يتوب الرّجل من ذنب وينوي أن لا يعود إليه أبداً.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 118

7- فوائدها … ص: 118

إنّ للتّوبة فوائد كثيرة، ومنافع جمّة، فإنّها تنجي من عذاب اللَّه في الآخرة، وتنظّف القلب، وتهذبّ النّفس، وتقرّب العبد من ربّه، وتورث محبّته في قلبه، وتخلص صاحبها من البلايا والمصائب والفتن الدّنيوية … إلي غير ذلك من الآثار المترتّبة علي الذّنوب.

فقد قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له: «فما زالت نعمة، ولا نضارة عيشٍ، إلّابذنوب اجترحوا، إنّ اللَّه ليس بظلّامٍ للعبيد، ولو أنّهم استقبلوا ذلك بالدّعاء والإنابة لم تنزل» «1».

وقد تقدّم قول الإمام الصّادق عليه السّلام: «كان أبي يقول:

ما من شي ءٍ أفسد للقلب من خطيئةٍ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتّي تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله» «2».

وقال عليه السّلام: «أما أنّه ليس من عرقٍ يضرب ولا نكبةٍ ولا صداع ولا مرضٍ، إلّابذنب، وذلك قول اللَّه عزّوجلّ في كتابه: «وَما

__________________________________________________

(1) الخصال: 624، حديث أربعمائة وفيه لم تزل بدل: لم تنزل، والبحار 10/ 102 وفيه لما تنزل بدل: لم تنزل.

(2) تقدّم في الصفحة: 101.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 119

أَصابَكُمْ مِنْ مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثيرٍ». قال: ثمّ قال:

وما يعفو اللَّه أكثر ممّا يؤاخذ به» «1».

وقال الإمام الباقر عليه السّلام: «إنّ العبد ليذنب الذّنب فيزوي عنه الرّزق» «2».

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «ما أنعم اللَّه علي عبد نعمة فسلبها إياه حتّي يذنب ذنباً يستحقّ بذلك السّلب» «3».

وقال الإمام الرّضا عليه السّلام: «كلّما أحدث العباد من الذّنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث اللَّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون» «4».

إلي غيرها من الرّوايات الناصّة علي الآثار الدّنيوية والأخروية للذّنوب.

فالتّوبة من الذّنوب نجاة من آثارها بفضل اللَّه ورحمته.

__________________________________________________

(1) الكافي 2/ 269، الرّقم 3، والبحار 70/ 315، الرّقم 3 عنه، و 78/ 200، الرّقم 57 عن مكارم الأخلاق: 411.

(2) الكافي 2/ 270، الرّقم 8، ووسائل الشّيعة 15/ 301، الرّقم 9، والبحار 70/ 318، الرّقم 6 عن الكافي.

(3) الكافي 2/ 274، الرّقم 24، ووسائل الشّيعة 15/ 304، الرّقم 18، والبحار 70/ 339، الرّقم 1 عن الكافي.

(4) الكافي 2/ 275، الرّقم 29، ووسائل الشّيعة 15/ 304، الرّقم 21، والبحار 70/ 343، الرّقم 26 عن الكافي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 120

8- عمومها … ص: 120

تجب التّوبة علي عامّة الأشخاص في عامّة الأحوال، فلقد قال

اللَّه عزّوجلّ: «وَتُوبُوا إِلَي اللَّهِ جَميعًا» «1»

، فلا فرق بين شخصٍ وآخر، ولا بين حالةٍ وأخري.

وذلك: لأنّ كل واحد من أفراد الإنسان لا يخلو عن معصية في وقتٍ من الأوقات، وحالةٍ من الحالات، وذلك لوجود الغرائز، وتوفّر الشّهوات- الّتي هي جنود الشّياطين- فيه.

إلّا أنّ ذنوب الأنبياء والأوصياء عليهم الصّلاة والسّلام ليست كذنوب سائر النّاس، ولذلك فإنّ توبتهم تختلف عن توبتنا.

إنّ ذنوب الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام تتمثّل في ترك الأولي، وترك دوام الذّكر، وحرمانهم زيادة الأجر والثّواب باشتغالهم بالمباحات.

إنّهم يأنسون بقرب اللَّه وذكره، والتّفكر في جلالته وعظمته، فإذا اشتغلوا بأكل أو شرب أو غير ذلك من المباحات إستغفروا اللَّه وتابوا إليه لاعتبارهم ذلك ذنباً.

__________________________________________________

(1)

سورة النّور، الآية: 31.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 121

هذا خلاصة ما ذكره الشّيخ الإربلي رحمه اللَّه «1».

وهذا الوجه مذكور في بعض كتب العامّة أيضاً. «2» أو أنّ توبتهم هذه، واستغفارهم ذاك محمول علي التّواضع والعبودية للَّه سبحانه وتعالي، أو أنّهم يتوبون إليه عزّوجلّ علي لسان أمّتهم ومحبّيهم.

وإنّما تفسّر توبتهم بهذه المعاني لثبوت عصمتهم وطهارتهم عليهم السّلام ولأنّهم عباد اللَّه المخلصين الّذين لا سلطان لإبليس عليهم، فلا يتمكن من إغوائهم … إنّهم- بإجماع الإمامية- معصومون من جميع الذّنوب صغائرها وكبائرها، قبل النّبوة والإمامة وبعدهما في جميع الأفعال والأقوال «3».

9- وجوب العمل بعدها … ص: 121

ويجب العمل بعد التّوبة لإزالة آثار الذّنب المتراكمة علي القلب، والمؤثّرة في النّفس، فإنّ ممّا لا شك فيه: إنّ الذّنوب تحدث ظلمة في القلب والنّفس، ولذلك يقول النّبيّ صلّي اللَّه عليه وآله: «أتبع السّيئة

__________________________________________________

(1) كشف الغمّة في معرفة الأئمة 2/ 780، آخر أحوال الإمام الكاظم عليه السلام.

(2) انظر: تفسير النّسفي 4/ 116.

(3) أنظر تنزيه الأنبياء: 15 و 23، والإقتصاد: 166، والبحار 11/

72 و 24/ 34.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 122

الحسنة تمحها» «1».

ويقول الإمام الباقرعليه السّلام لمحمّد بن مسلم رحمه اللَّه: «يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التّوبة والمغفرة … » وقد تقدّم بتمامه «2».

ويقول الإمام عليه السّلام أيضاً: «ما أحسن الحسنات بعد السّيئات، وما أقبح السّيئات بعد الحسنات» «3».

كما أنّ عليه أن يطيل الحزن، ويسكب الدّموع ويقلّل الأكل …

10- مسائل … ص: 122

وإليك في خاتمة البحث إشارات إلي عدّة مسائل مطروحة في باب التوبة في الكتب المطوّلة:

الأولي: هل يصحّ أن يتوب من ذنب دون ذنب أم لا؟

ذهب جماعة إلي الأوّل، وآخرون إلي الثّاني.

__________________________________________________

(1) التّحفة السّنية: 28، والبحار 62/ 393، الرّقم 63، وتفسير جوامع الجامع 2/ 260، وتفسير الأصفي 1/ 630: وفي تفسير القمّي 1/ 364 هكذا: … فإذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة تمحها سريعاً.

(2) تقدّم في الصفحة: 105.

(3) الكافي 2/ 458، الرّقم 18، ووسائل الشّيعة 16/ 104، الرّقم 4، والبحار 68/ 242، الرّقم 1.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، المواعظالفاخرةفي …، ص: 123

الثّانية: هل يجب أن يذكر ذنوبه بالتّفصيل أم لا؟

ذهب عبد الجبّارالمعتزلي إلي الأوّل … واستشكله المحقّق الطّوسي رحمه اللَّه.

الثّالثة: هل يجب تجديد التّوبة أم لا؟

ذهب بعضهم إلي الأوّل، وبعضهم إلي الثّاني. وتوقّف المحقّق الطّوسي رحمه اللَّه في المسألة.

الرّابعة: باب التّوبة مفتوح، إلّاأنّها لا تقبل عند معاينة الموت إجماعاً. وهو صريح القرآن.

ولكن اختلف في التّوبة عند ظهور أشراط السّاعة، فقيل: تصحّ، وقيل: لا تصحّ.

وقد تقدّم أنّها واجبة علي الفور، فتأخيرها أيضاً ذنب آخر تجب التّوبة منه.

الخامسة: صرّح أكثر فقهائنا باستحباب الغسل للتّوبة بعدها مطلقاً، وأضاف الشّيخ البهائي رحمه اللَّه الصّلاة مع الغسل بقوله: ولا يخفي أنّه

كما تضمّن الأمر بالغسل، تضمّن الأمر بالصّلاة أيضاً، ولم يتعرّض أكثر فقهائنا رضي اللَّه عنهم إلّاللغسل «1».

__________________________________________________

(1) كتاب الأربعين: 229

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.