سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير المجلد 34

اشارة

سرشناسه : حسيني ميلاني، علي 1326 -

عنوان و نام پديدآور : حديث الطير/تاليف علي الحسيني الميلاني .

مشخصات نشر : قم:الحقايق ،1388.

مشخصات ظاهري : 56 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛34

شابك : 978-600-5348-23-1

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: مركز الابحاث العقائديه 1421ق = 1379.

موضوع : علي بن ابي طالب (ع) ، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع : علي بن ابي طالب (ع) ، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- احاديث

موضوع : احاديث خاص (طير)

شناسه افزوده : مركز الحقائق الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP145/ط9 ‮ح 5 1388

رده بندي ديويي : 297/218

شماره كتابشناسي ملي : 1947123

كلمة المركز … ص: 6

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 7

تمهيد … ص: 7

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.

موضوع بحثنا حديث الطير.

وهو أيضاً من الاحاديث التي نستدلّ بها علي إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام، إنّه حديثٌ سعي المخالفون وراء إخفاءه، والمنع من نقله وعن انتشاره بين المسلمين، حتّي أدّي ذلك إلي جهل كثير من الناس- وربّما من أبناء الحق- بهذا الحديث الشريف.

نسأل اللَّه عزّ وجلّ أنْ يوفّقنا لتحقيق الحقّ واتّباعه.

ولابدّ من البحث حول هذا الحديث في جهات عديدة. واللَّه المستعان.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 9

الجهة الاولي رواة حديث الطير وأسانيده … ص: 9

نبدأ بأسماء الصحابة الذين وصلتنا رواياتهم لهذا الحديث الشريف، وهم:

أولًا: علي أمير المؤمنين عليه السّلام. ويوجد حديثه عند ابن عساكر «1»، وغيره من كبار المحدّثين، وأشار إليه الحاكم النيسابوري في المستدرك «2».

ثانياً: سعد بن أبي وقّاص. وحديثه يوجد في كتاب حلية الأولياء «3» لأبي نعيم الإصفهاني.

__________________________________________________

(1)

تاريخ مدينة دمشق 42/ 245 و 432

(2) المستدرك 3/ 130- 131

(3) حلية الأولياء 4/ 356

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 10

ثالثاً: أبو سعيد الخدري. وحديثه يوجد في تاريخ ابن كثير «1»، وغيره، وأشار إليه الحاكم في المستدرك «2».

رابعاً: أبو رافع. وحديثه يوجد عند ابن كثير «3».

خامساً: أبو الطفيل. وأخرج حديثه ابن عقدة، والحاكم النيسابوري «4»، وغيرهما.

سادساً: جابر بن عبداللَّه الأنصاري، ويوجد حديثه عند ابن عساكر «5»، وابن كثير «6».

سابعاً: حبشي بن جنادة. ويوجد حديثه عند ابن كثير «7».

ثامناً: يعلي بن مرّة. ويوجد حديثه عند الخطيب البغدادي «8»، وابن كثير «9».

__________________________________________________

(1)

البداية والنهاية 7/ 353

(2) المستدرك 3/ 131

(3) البداية والنهاية 7/ 353

(4) انظر: كفاية الطالب: 368

(5) تاريخ مدينة دمشق 42/ 244- 245

(6) البداية والنهاية 7/ 353

(7) البداية والنهاية 7/ 354

(8)

تاريخ بغداد 11/ 376

(9) البداية والنهاية 7/ 354

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 11

تاسعاً: عبداللَّه بن عباس. وحديثه عند الطبراني «1».

عاشراً: سفينة مولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم. ويوجد حديثه عند أحمد بن حنبل «2»، وأشار إليه الحاكم النيسابوري «3».

الحادي عشر: عمرو بن العاص. ويوجد حديثه في كتاب له إلي معاوية بن أبي سفيان، روي ذلك الكتاب الخطيب الخوارزمي في كتاب المناقب «4».

الثاني عشر: أنس بن مالك، وهو المشهور برواية هذا الحديث، لأنّه صاحب القصّة.

وهذا الحديث الشريف وارد من طرق أصحابنا، عن الائمّة الأطهار عليهم السّلام «5»، وعن بعض الاصحاب. حتّي أنّ أبا الشيخ الإصفهاني روي هذا الحديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام في كتابه «6»، وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة.

__________________________________________________

(1) المعجم الكبير 10/ 343 رقم 10667

(2) انظر: الرياض النضرة 2/ 114

(3) المستدرك 3/ 131

(4) المناقب: 200

(5) علل الشرائع 1/ 163، الخصال 1/ 548، حديث رقم 30

(6) طبقات المحدّثين باصبهان 3/ 453- 454

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 12

فهؤلاء رواة هذا الحديث من الصحابة.

* وأمّا رواته من التابعين، فإنّ التابعين الرواة لهذا الحديث عن أنس بن مالك فقط يبلغون حدود التسعين رجلًا.

* ورواه من أئمّة المذاهب:

1- أبو حنيفة.

2- أحمد بن حنبل.

3- مالك بن أنس.

4- الإمام الأوزاعي، ذلك الفقيه الكبير الذي كان يعدّ مذهبه مذهباً مستقلًا من بين المذاهب، إلي أن حصروا المذاهب في الأربعة المشهورة.

* ومن رواته جماعة كبيرة من مشايخ البخاري ومسلم.

* وكثير من رواته من رجال الصحاح الستّة عند أهل السنّة.

* ولنذكر أسماء أشهر مشاهير رواة هذا الحديث من الأئمّة وكبار الحفّاظ في القرون المختلفة:

1- شعبة بن الحجّاج، أمير المؤمنين في الحديث، كما يلقّبونه «1».

2- الأوزاعي، الإمام

المعروف.

__________________________________________________

(1) انظر الكاشف للذهبي 1/ 485، رقم (2278)

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 13

3- مالك بن أنس، إمام المذهب.

4- أبو حنيفة، صاحب المذهب.

5- أحمد بن حنبل، صاحب المذهب.

6- أبو عاصم النبيل، شيخ البخاري.

7- أحمد بن حنبل.

8- عبد الرزاق الصنعاني، شيخ البخاري.

9- البخاري نفسه، يروي هذا الحديث، لكن لا في صحيحه، بل في تاريخه الكبير «1»، وسنذكر نصّ حديثه فيما بعد.

10- البلاذري، صاحب أنساب الأشراف.

11- أبو حاتم الرازي، الذي هو من أقران البخاري ومسلم.

12- الترمذي، صاحب الصحيح.

13- أبو بكر البزّار، صاحب المسند.

14- النسائي، صاحب الصحيح.

15- أبو يعلي الموصلي، صاحب المسند.

16- محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين.

__________________________________________________

(1) التاريخ الكبير 1/ 357، رقم (1132)، و 2/ 2، رقم (1488)

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 14

17- ابن أبي حاتم، صاحب التفسير، والمحدّث الكبير الذي يعدّونه من الأبدال «1».

18- ابن عبد ربّه، في العقد الفريد.

19- أبو الحسين المحاملي، صاحب الأمالي.

20- أبو العباس ابن عُقدة، له كتاب في حديث الطير.

21- المسعودي المؤرخ، صاحب مروج الذهب.

22- أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.

23- أبو الشيخ الإصفهاني، صاحب كتاب طبقات المحدّثين بإصفهان.

24- ابن السقا الواسطي، هذا الحافظ الكبير من علماء القرن الرابع، سنذكر قصّته في حديث الطير.

25- أبو حفص ابن شاهين، له كتاب في حديث الطير.

26- أبو الحسن الدارقطني، صاحب كتاب العلل وغيره.

27- أبو عبداللَّه الحاكم النيشابوري، صاحب المستدرك، وله كتاب بطرق حديث الطير.

28- أبو بكر ابن مردويه، له كتاب في طرق حديث الطير.

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفاظ 3/ 830

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 15

29- أبو نعيم الأصفهاني، صاحب حلية الأولياء وغيره من الكتب، له كتاب في طرق حديث الطير.

30- أبو طاهر ابن حمدان الخراساني، المحدّث الكبير، له كتاب في

طرق حديث الطير.

31- أبو بكر البيهقي، صاحب السنن الكبري.

32- ابن عبد البر، صاحب الاستيعاب.

33- الخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.

34- محي السنّة البغوي، صاحب مصابيح السنّة.

35- رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة.

36- أبو القاسم ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق.

37- ابن الأثير الجزري، صاحب جامع الاصول.

38- وأيضاً أخوه ابن الأثير الاخر، صاحب أُسد الغابة.

39- الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.

40- أبو الحجّاج المزّي، صاحب تهذيب الكمال وكتاب تحفة الأشراف.

41- شمس الدين الذهبي، صاحب المؤلفات المعروفة المشهورة.

42- ابن كثير الدمشقي، صاحب التفسير والتاريخ.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 16

43- أبو بكر الهيثمي، صاحب مجمع الزوائد.

44- شمس الدين ابن الجزري، صاحب المؤلفات.

45- ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات، شيخ الإسلام، والفقيه المحدّث الرجالي المعروف.

46- جلال الدين السيوطي، أيضاً صاحب المؤلفات المشهورة.

47- ابن حجر المكي، صاحب الصواعق.

48- شاه ولي اللَّه الدهلوي، محدّث الهند.

* وكما عرفتم من خلال ذكر أسماء الرواة للحديث الشريف: إنّ جماعة من الأعلام ومن كبار المحدّثين، قد ألّفوا كتباً خاصّة تتعلّق بطرق حديث الطير، وهؤلاء هم:

1- الطبري، صاحب التفسير والتاريخ.

2- ابن عقدة.

3- الحاكم النيسابوري.

4- ابن مردويه.

5- أبو نعيم.

6- أبو طاهر ابن حمدان.

7- الذهبي نفسه يذكر في كتابه تذكرة الحفّاظ بترجمة الحاكم

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 17

النيسابوري: أنّ له كتاباً- أي الذهبي نفسه- في طرق حديث الطير «1».

فهؤلاء رواة هذا الحديث من الصحابة، وقد أشرنا إلي أنّ عدد التابعين الرواة لهذا الحديث عن أنس بن مالك وحده يبلغون حدود التسعين رجلًا، وذكرنا أشهر مشاهير علماء الحديث في القرون المختلفة الرواة لحديث الطير، وذكرنا من ألّف من الأعلام المشاهير في خصوص حديث الطير كتاباً.

* وحديث الطير موجود في عدّة من الصحاح، كصحيح الترمذي «2»، وصحيح النسائي

«3»، وفي المستدرك علي الصحيحين «4».

وهو منقول في بعض الكتب عن المختارة للضياء المقدسي والجمع بين الصحيحين وكتاب الجمع بين الصّحاح الستة.

* كما أنّ لهذا الحديث أسانيد صحيحة هي أكثر من عشرين سنداً موجودة في خارج الصحاح.

منها: رواية البخاري في كتاب (التاريخ الكبير).

ومنها: رواية أبي يعلي في (المسند).

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفاظ 3/ 1042- 1043

(2) سنن الترمذي 5/ 595

(3) السنن الكبري 5/ 107، حديث رقم (8397)

(4) المستدرك 3/ 130- 132

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 18

ومنها: رواية ابن أبي حاتم. قال ابن كثير عنه: «هذا أجود من إسناد الحاكم».

ومنها: رواية الطبراني في (الكبير) و (الأوسط).

ومنها: رواية ابن عساكر من طريق الدارقطني.

ومنها: رواية أبي نعيم الإصفهاني في (حلية الأولياء).

ومنها: رواية الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد).

وقد أوضحنا صحّة هذه الأسانيد وغيرها في الجزء الرابع عشر من كتابنا الكبير.

ولا أظن أنّ من يقف علي هذه الأسامي، وهذه الأسانيد، يشك في صدور هذا الحديث عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، هذا الحديث المتفق عليه بين المسلمين. وحينئذ ننتقل إلي الجهة الثانية.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 19

الجهة الثانيةدلالة حديث الطير علي إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام … ص: 19

اشارة

إنّ حديث الطير يدلّ علي إمامة أمير المؤمنين بالقطع واليقين، وذلك، لأنّ القضيّة التي تتعلّق بحديث الطير، قد أسفرت عن كون علي عليه السّلام أحبّ الناس إلي اللَّه وإلي الرسول، فكأنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قد انتهز فرصة إهداء طير إليه ليأكله، انتهز هذه الفرصة للإعلان عن مقام أمير المؤمنين وعن شأنه عند اللَّه والرسول، هذا الشأن الذي سنري أنّ عائشة تمنّت أن يكون لأبيها، وحفصة تمنّت لأن يكون لأبيها، وأنس بن مالك- صاحب القصّة- حاول أن يحول دون أن تكون هذه المرتبة وأن يكون هذا الشأن

والمقام لأمير المؤمنين، زاعماً أنّه أراد أن يكون لأحد من الأنصار، وربّما أراده لسعد بن عبادة بالخصوص، بل سنقرأ في بعض ألفاظ هذا الحديث أنّ الشيخين، وفي سند أنّ عثمان أيضاً، جاؤوا إلي الباب ولم يتشرّفوا بالدخول علي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 20

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في تلك اللحظة التي كان يدعو اللَّه أن يأتي إليه بأحبّ الخلق إلي اللَّه وإلي الرسول.

لفظ الحديث … ص: 20

فلنذكر- إذن- طائفةً من ألفاظ القصّة، لنقف علي واقع الامر أوّلًا، ولنطّلع علي تصرّفات القوم في نقل هذا الحديث، وكيفيّة تصرّفهم في الحديث، إمّا إختصاراً له وإمّا نقلًا له بنحو يقلّل من أهميّة القضية فيما يتعلّق بأمير المؤمنين عليه السّلام.

يقول الترمذي في صحيحه «1» عن أنس بن مالك: كان عند النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه».

هذا لفظ الحديث بهذا المقدار في صحيح الترمذي، فلا يذكر فيه دور أنس في القضيّة هذه كما سنقرأ، ولا يذكر مجي غير علي ورجوعه من باب بيت رسول اللَّه.

وجاء في كتاب مناقب علي «2» لأحمد بن حنبل ما نصّه: عن سفينة خادم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم الذي هو أحد رواة هذا الحديث

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 6/ 84، حديث رقم (3721)

(2) فضائل الامام علي عليه السّلام: 42، رقم (68)

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 21

يقول: أهدت امرأة من الانصار إلي رسول اللَّه طيرين بين رغيفين، فقدّمت إليه الطيرين، فقال صلّي اللَّه عليه وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي رسولك»، ورفع صوته، فقال رسول اللَّه: «من هذا؟» فقال: علي.

لاحظوا نصّ الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل،

وقارنوا بينه وبين رواية الآخرين.

ولكم أن تقولوا: لعلّ الآخرين تصرّفوا في لفظ الحديث بإسقاط كلمة «ورفع صوته» فقال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي رسولك ورفع صوته»، إنّ معني «رفع صوته» أنّه عندما كان يدعو كان يدعو بصوت عال، لنفرض أنّ هذا معني الحديث إلي هنا «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي رسولك ورفع صوته» لكن الحقيقة إنّ لفظ أحمد محرّف، لأنّا سنقرأ في بعض الألفاظ: إنّ عليّاً عندما جاء في المرّة الاولي ردّه أنس ولم يأذن له بالدخول، وفي المرّة الثانية كذلك، في المرّة الثالثة لمّا جاء علي رفع صوته، فقال رسول اللَّه:

من هذا؟

فمن هنا يظهر معني «ورفع صوته» ويتبيّن التحريف، وإلّا، فأيّ علاقة بين قوله: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإلي رسولك ورفع صوته»، وقوله: فقال رسول اللَّه من هذا؟ فقال: علي، أي: قال سفينة:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 22

الذي خلف الباب هو علي، قال: افتح له، ففتحت، فأكل مع رسول اللَّه من الطيرين حتّي فنيا.

فالتصرف في لفظ الحديث عند أحمد أيضاً واضح تماماً، والتلاعب في هذا اللّفظ باد بكلّ وضوح.

أمّا الهيثمي صاحب مجمع الزوائد «1»، فيروي هذا الحديث باللّفظ التالي:

عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقُدّم فرخاً مشويّاً أو فَقدّم فرخاً مشويّاً [يقتضي أنْ يكون: فقُدّم فرخ مشويّ، أو فقدّم رسول اللَّه فرخاً مشويّاً] فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ» فجاء علي ودقّ الباب، فقال أنس: من هذا؟ قال: علي، فقلت- أي أنس- يقول: النبي علي حاجة، وفي بعض الألفاظ: النبي مشغول، أي لا مجال للدخول

عليه، والحال أنّ النبيّ كان مازال يدعو: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك»، قال: النبي علي حاجة، فانصرف علي. عاد رسول اللَّه مرّة أُخري يقول: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ»، فجاء علي فدقّ الباب دقّاً شديداً، فسمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال: «يا أنس من هذا؟» قال: علي، قال: «أدخله»، فدخل

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 125

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 23

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «لقد سألت اللَّه ثلاثاً أنْ يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي هذا الفرخ»، فقال علي: وأنا يا رسول اللَّه، لقد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، فقال رسول اللَّه: «يا أنس، ما حملك علي ما صنعت؟» قال: أحببت أن تدرك الدعوة رجلًا من قومي، فقال رسول اللَّه: «لا يلام الرجل علي حبّ قومه».

في هذا الحديث جاء علي مرّتين فردّه أنس قائلًا: رسول اللَّه علي حاجة، في المرّة الثالثة دقّ علي الباب دقّاً شديداً.

وفي بعض الألفاظ: رفع صوته، فسمع رسول اللَّه صوت علي وقال لأنس: «إفتح الباب ليدخل علي»، ثمّ اعترض عليه رسول اللَّه، أي علي أنس، واعتذر أنس كما في الخبر: أحببت أن تدرك الدعوة رجلًا من قومي.

لكن الحديث في مسند أبي يعلي كما يلي: حدّثنا قطن بن نسير، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدّثنا عبداللَّه بن مثنّي، حدّثنا عبداللَّه بن أنس عن أنس قال: أُهدي لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حجل مشويّ، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام»، فقالت عائشة: اللهمّ اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهمّ اجعله أبي، قال أنس: فقلت أنا: اللهمّ اجعله سعد

بن عبادة، قال أنس: سمعت حركة الباب، فإذا علي، فسلّم، فقلت:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 24

إنّ رسول اللَّه علي حاجة، فانصرف، ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم علي، فسمع رسول اللَّه صوته، أي رفع علي صوته [أُريد أنْ أؤكّد أنّ لفظ أحمد محرّف فسمع رسول اللَّه صوته فقال: «أُنظر من هذا؟» فخرجت، فإذا علي، فجئت إلي رسول اللَّه فأخبرته، فقال: «ائذن له»، فأذنت له، فدخل، فقال رسول اللَّه: «اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ».

هذا لفظ أبي يعلي «1».

ولاحظوا الفوارق بين هذا اللفظ ولفظ الهيثمي، ثمّ لفظ الترمذي، ولفظ أحمد بن حنبل.

أمّا في الخصائص للنسائي «2» [الذي نصّ الحافظ الذهبي علي أنّ كتاب الخصائص داخل في السنن، راجعوا سير أعلام النبلاء «3» وكذا راجعوا مقدمة تهذيب التهذيب «4» لابن حجر العسقلاني فيروي النسائي هذا الحديث بسند صحيح، مضافاً إلي أنّ كتابه داخل في السنن الكبري للنسائي الذي يقولون بأنّ له شرطاً في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين «5»:

__________________________________________________

(1) انظر تاريخ مدينة دمشق 42/ 247

(2) خصائص أمير المؤمنين عليه السّلام: 27، رقم (10)

(3) سير أعلام النبلاء 14/ 133

(4) تهذيب التهذيب 1/ 6

(5) انظر مقدمة النسائي 1/ 3

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 25

عن أنس بن مالك: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم كان عنده طائر، فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر»، فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء علي فأذن له.

وفي مسند أبي يعلي، ترون مجي ء الشيخين ومجي ء عثمان أيضاً، قال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير»، فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء عثمان فردّه، ثمّ جاء علي

فأذن له «1».

لاحظوا الفوارق بين الألفاظ، وقد تعمّدت التدرج في النقل حتّي تلتفتوا إلي أنّهم إذا أرادوا أن ينقلوا القضيّة الواحدة وهي ليست في صالحهم، كيف يتلاعبون باللّفظ، وكيف ينقصون من القصة، وكيف يسقطون تلك النقاط الحسّاسة التي يحتاج إليها الباحث الحرّ المنصف في تحقيقه عن سنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وفي فحصه عن القول الحق من بين الأقوال.

أقول: سند النسائي- كما أكّدت- صحيح، وهو نفس السند في مسند أبي يعلي، لكنّ بعضهم يحاول أن يناقش في سند هذا الحديث عند النسائي وأبي يعلي، يحاول أنْ يناقش في هذا السند، ونحن نرحّب بالمناقشة، وأيّ مانع لو كانت مناقشة علميّة واردة، وحينئذ، لرفعنا اليد

__________________________________________________

(1) رواه ابن كثير عن أبي يعلي، انظر: البداية والنهاية 7/ 350

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 26

عن الحديث بالسند واللّفظ المذكورين وتمسّكنا بغيره من الألفاظ، أو تمسّكنا بغير هذا الحديث من الاحاديث، وأيّ مانع؟ لكن كيف لو كانت المناقشة ظاهرة البطلان، واضحة التعصّب!!

يحاول بعضهم أنْ يناقش في وثاقة أحد رجال هذا السند، وهو السُدي، هذا الرجل هو إسماعيل بن عبدالرحمن، لكنّه من رجال مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داود، وابن ماجة.

ويقول أحمد بترجمته: ثقة «1».

ويقول غيره من كبار الرجاليين: ثقة «2».

حتّي أنّ ابن عدي المتشدّد في الرجال يقول: هو مستقيم الحديث صدوق «3»، بل إنّه من مشايخ شعبة.

وقد ذكرنا أنّ شعبة أمير المؤمنين عندهم، في الحديث، ويقولون إنه لا يروي إلّاعن ثقة، وممّن يعترف بهذا المعني أو يدّعيه لشعبة هو ابن تيميّة، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الاسقام «4».

فإذا كان الرجل من رجال خمسة من الصحاح الستّة، ويوثّقه

__________________________________________________

(1) الجرح والتعديل للرازي 2/ 184، رقم (625)

(2) معرفة الثقات

للعجلي 1/ 227

(3) الكامل لابن عدي 1/ 278

(4) شفاء السقام في زيارة خير الأنام: 76

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 27

أحمد، ويوثّقه العجلي، ويوثّقه ابن عدي، ويوثّقه الآخرون من كبار الرجاليين «1»، فأيّ مناقشة تبقي في السُدي ليطعن الطاعن عن هذا الطريق في هذا الحديث الذي هو في نفس الوقت الذي يدلّ علي فضيلة لأمير المؤمنين، يدلّ علي ما يقابل الفضيلة لمن يقابل أمير المؤمنين؟

من الشواهد … ص: 27

وهناك قرائن داخل الحديث وقرائن في خارجه لا نحتاج إلي ذكرها كلّها، بل نكتفي بالإشارة إلي بعض القرائن الداخليّة وبعض القرائن الخارجيّة فقط.

في بعض ألفاظ هذا الحديث يقول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك» «2»، وهذه الإضافة موجودة في بعض الألفاظ.

وفي بعض الألفاظ: «اللهمّ أدخل عَلَيّ أحبّ خلقك إليّ من الأوّلين والآخرين» «3».

ويدلّ الحديث بهذا اللفظ علي أفضليّة أمير المؤمنين من الأوّلين والآخرين، أمّا الآخرون فالأمر فيهم سهل. أمّا الأوّلون فإنّه يشمل

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 4/ 297، رقم 590

(2) كذا عن كتاب الطير لابن مردويه. اجع نفحات الأزهار 14/ 224

(3) مناقب الامام علي عليه السّلام لابن المغازلي: 171، حديث رقم (200)

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 28

الأنبياء أيضاً، يشمل حتّي أُولي العزم منهم، ويكون هذا الحديث بهذا اللّفظ من أدلّتنا علي أفضليّة أمير المؤمنين من جميع الأنبياء والمرسلين إلّا النبي الأكرم والرسول الأعظم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

وفي بعض ألفاظ الحديث يقول أنس: فإذا علي- أي فتحت الباب فإذا علي- فلمّا رأيته حسدته «1».

وفي بعض ألفاظ الحديث: فلمّا نظر إليه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قام قائماً فضمّه إليه وقال: «يا ربّ وإليّ يا رب وإليّ، ما أبطأ بك يا علي؟» «2».

وفي

لفظ آخر بعد تلك العبارات: «ما أبطأ بك يا علي؟» قال: يا رسول اللَّه قد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول اللَّه، وقال: «يا أنس ما حملك علي ردّه؟» قلت:

يا رسول اللَّه سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار.

وكأنّ بهذا العذر زال غضب رسول اللَّه!! ذلك الغضب الشديد الذي رآه أنس في وجهه، زال بمجرّد اعتذاره بهذا العذر، حتي أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لمّا اعتذر هذا العذر قال: لست بأوّل رجل

__________________________________________________

(1) مناقب ابن المغازلي: 175، حديث رقم (212)

(2) المعجم الكبير 10/ 282، مناقب ابن المغازلي: 164، حديث رقم (190) و (192) و (193) وغيرها

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 29

أحبّ قومه «1»!!

وإنّي أعتقد أنّ هذا الكلام من رسول اللَّه مفتعل عليه في حديث الطير: «لا يلام الرجل علي حبّ قومه» أو «لست بأوّل رجل أحبّ قومه»، أعتقد أنّ هذه إضافة من بعض الرواة.

وذلك للاتّفاق علي أنه- صلّي اللَّه عليه وآله- قد تأذّي من فعل أنس وغضب، حتي قال له- كما في الحديث- «أبي اللَّه- يا أنس- إلّاأن يكون ابن أبي طالب».

وهذه قرائن داخليّة في الألفاظ.

مضافاً: إلي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام احتجّ بحديث الطير في يوم الشوري.

ولماذا احتجّ؟ وعلي من احتجّ؟

احتجّ علي كبار الصحابة الذين انتخبهم عمر، لأنْ يستشيروا فيما بينهم، فيتعيّن الخليفة في ذلك المجلس، هؤلاء أعلام القوم وأهل الحلّ والعقد.

إذن، احتجّ علي علي هؤلاء، ومن المحتج؟ علي أمير المؤمنين، وهل يحتج علي بما ليس له أصل؟ وهل يحتج علي بما هو ضعيف سنداً

__________________________________________________

(1) انظر المستدرك علي الصحيحين 3/ 131، المعجم الأوسط 7/ 267

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 30

أو كذب

أو موضوع؟ فالمحتج علي، والمحتج عليه أُولئك الأصحاب المنتخبون من قبل عمر لان يعيَّن من بينهم خليفة عمر، واحتجّ علي في ذلك المجلس بحديث الطير «1».

وأيضاً: سعد بن أبي وقّاص، الذي أمره معاوية بن أبي سفيان بسبّ علي، فأبي سعد من أن يسب، وسأله معاوية عن السبب، فاعتذر بأنّه سمع من رسول اللَّه خلالًا- أو خصالًا- لعلي، ومادام يذكر تلك الخصال فلن يسب عليّاً.

والخصال التي اعتذر بها سعد- في هذه الرواية- هي: حديث الراية، وحديث الطير، وحديث الغدير، وهذه الرواية موجودة في حلية الأولياء لأبي نعيم، ومن شاء فليراجع «2».

هذا، والشواهد والقرائن الخارجيّة الدالّة علي أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلي اللَّه وإلي الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم دون غيره، تلك القرائن كثيرة لا تحصي، وأنتم أيضاً تعلمون، فلا نطيل بذكر تلك الشواهد.

حول الأحبيّة … ص: 30

وما معني الأحبيّة إلي اللَّه وإلي الرسول؟ وأيّ علاقة بين الأحبيّة

__________________________________________________

(1) مناقب ابن المغازلي: 136

(2) حلية الأولياء 4/ 356

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 31

والإمامة والولاية؟ أي إرتباط بين الأمرين؟

أيُتصوّر أنْ تكون أحبيّة الأشياء أو الأشخاص اعتباطيّة ليس لها معيار، ليس لها ملاك، ليس لها ضابط، أيمكن هذا؟ أتتصوّرون هذا وأنتم كلّ واحد منكم إذا أحبّ شيئاً، ثم كان أحبّ الاشياء إلي نفسه، أو أحبّ شخصاً واتّخذه أحبّ الناس إلي نفسه، يُسأل لماذا؟ ولابدّ وأن يكون له ضابط، قطعاً يكون له سبب، فالأحبيّة ليست أمراً اعتباطيّاً.

الإنسان لا يحب كلّ صوت، لا يحبّ كلّ صورة، لا يحب كلّ شي ء، لابدّ وأن يكون هناك ضوابط للحب، فكيف الأحبيّة؟

أن يكون شي ء أحبّ الأشياء إلي الإنسان من كلّ الأشياء في العالم، أن يكون شخص أحبّ الأشخاص إلي الإنسان من كلّ أفراد الإنسان ويكون هذا بلا

حساب وبلا سبب من الأسباب؟ هذا غير معقول:

نحن لكوننا أفراداً من البشر وذي عقول، ونحاول أن تكون أعمالنا وتروكنا عن حكمة، عن سبب، عن علّة، لا نذر شيئاً ولا نختار شيئاً إلّا لعلّة، إلّالحساب، إلّالسبب، أيعقل أن تقول بأنّي أُحبّ الكتاب الفلاني وهو أحبّ إليّ من بين جميع كتب العالم، فإذا سئلت عن السبب، لا يكون عندك جواب معقول.

اللَّه سبحانه وتعالي يجعل فرداً من أفراد البشر، وواحداً من خلائقه أحبّ الخلائق إلي نفسه، ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 32

يتّخذ أحداً ويجعله أحبّ الخلق إليه، أتري يكون هذا بلا حساب وهل يعقل؟

وجميع التصرّفات التي صدرت من المحدّثين والمؤلّفين في هذا الحديث، وما سنقرأ أيضاً ممّا يحاولونه أمام الإماميّة في استدلالهم بهذا الحديث، كلّ تلك القضايا أدلّة أُخري وشواهد علي أنّ هذا الحديث يدلّ علي مقام عظيم لأمير المؤمنين، يدلّ علي شأن كبير، وإلّا لما فعلوا، ولما تصرّفوا، ولما ضربوا وكسروا المنبر، ولما أهانوا المحدّث الحافظ الشهير الكبير عندهم، كما سنقرأ.

ثمّ إنّ الأحبيّة إلي اللَّه والرسول لمّا لا تكون اعتباطاً، ولابدّ من سبب، فإنّ من المقطوع به أنّ تلك الأحبيّة إلي رسول اللَّه لم تكن لميول نفسانيّة ولم تكن لاغراض شخصيّة، لأنّ رسول اللَّه أعلي وأجلّ وأسمي من أن يحب شخصاً ويجعله أحبّ الخلق إليه لمجرّد ميل نفساني، فما هي الضابطة لهذه الأحبيّة؟

نحن لا علم لنا بتلك الضابطة أو الضوابط علي نحو الدقّة، لا نعلم بها، الأمر أدقّ من أن تتوصّل إليه عقولنا وأفهامنا، الامر أدقّ من أن نفهم أنّ النبيّ أيّ معيار كان عنده لانْ يتّخذ أحداً أحبّ الخلق إليه، نحن لسنا في ذلك المستوي لأنْ نعرف

ذلك المعيار، لأنْ نعرف ملاكات رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، حتّي نتمكّن من تعيين من هو

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 33

أحبّ، اللهمّ إلّاعن طريق الأحاديث الواردة عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، الأحاديث المتواترة القطعيّة، والأحاديث المتفق عليها بين الطرفين.

فأحبيّة شخص إلي رسول اللَّه لا يمكن أن تكون لميل نفساني ولشهوة خاصّة، ولغرض شخصي عند رسول اللَّه، فيجعل أحداً أحبّ الخلق إليه ولا يجعل الآخر والآخرين، بل هناك ضوابط، وهي التي تقرّب إليه أبعد الناس وتبعّد عنه أقرب الناس، تلك الضوابط لابدّ وأن تكون من اللَّه عزّ وجلّ، وإلّا فليس بنبي مرسل من قبل اللَّه سبحانه وتعالي، يفعل ويترك وما يفعل وما يترك إلّاعن وحي من اللَّه سبحانه وتعالي «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحي «1».

فإذا كانت الأحبيّة بملاك، بسبب، وبحساب، فإن تلك الأحبيّة تنتهي إلي الأقربيّة المعنويّة، إلي الأفضليّة، تنتهي إلي وجود ما يقتضي أن يكون ذلك الشخص الأحب إلي رسول اللَّه مقدّماً علي غيره في جميع شؤون الحياة.

وإليكم عبارة الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم- وهذا حافظ كبير من حفّاظهم، وكتابه في شرح صحيح مسلم ومن أشهر كتبهم وأكثرها اعتباراً وشهرة- يقول في معني محبّة اللَّه تعالي لعبده والمراد

__________________________________________________

(1) سورة النجم (53): 3- 4

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 34

من هذه الكلمة في النصوص الإسلاميّة كتاباً وسنّةً، فيشرح قائلًا:

«محبّة اللَّه سبحانه وتعالي لعبده تمكينه من طاعته، وعصمته، وتوفيقه، وتيسير ألطافه وهدايته، وإفاضة رحمته عليه، هذه مباديها، وأمّا غايتها، فكشف الحجب عن قلبه، حتّي يراه [أي يري اللَّه تعالي ببصيرته فيكون [هذا الشخص المحبوب للَّه سبحانه وتعالي كما قال في الحديث الصحيح:

فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره» «1».

هذه عبارته، وما ألطفها من عبارة.

فهل من شك حينئذ في استلزام الأحبية للإمامة؟

إنّ من كان محبوباً للَّه تعالي يكون له هذه المنزلة، فكيف من كان أحب الخلق إليه؟

عبارة النووي كانت في محبّة اللَّه لأحد، أمّا كون هذا الشخص وحده هو الأحبّ من كلّ الخلائق إلي اللَّه سبحانه وتعالي فحدّث ولا حرج.

هذا الذي قلت بأنّ أفهامنا تقصر عن درك مثل هذه القضايا، إلّاأنّنا نتكلّم بقدر ما نفهم.

إذن، لا شكّ ولا ريب في استلزام الأحبيّة للإمامة والخلافة والولاية.

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 151

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 35

هذا علي ضوء الحديث الذي قرأناه برواته وأسانيده وألفاظه، وبعض العبارات المتعلّقة بالمطلب التي ذكرتها لكم.

فتمّ البحث إلي الآن عن دلالة حديث الطير علي الإمامة واستلزام الأحبيّة للأفضليّة.

الأحبية ملاكٌ علي صعيد الواقع التاريخي … ص: 35

وأمّا علي صعيد الواقع التاريخي، أذكر لكم شاهدين فقط من القضايا والواقعيّة، حتّي تعرفوا أنّ استدلالنا بحديث الطير علي إمامة أمير المؤمنين عن طريق دلالته علي الأحبيّة هو من الامور المسلَّمة عند كبار الصّحابة أيضاً، فلا يبقي مجال لأيّ خدشة فيه من أيّ أحد من الأوّلين والآخرين.

الشاهد الأوّل:

إنّهم يروون عن عمر بن الخطّاب أنّه قيل له لمّا طعن: لو استخلفت، فقال: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته.

يقول: لو كان أبو عبيدة الجرّاح حيّاً لاستخلفته، لا أُريد أنْ أخرج عن موضوع البحث، لأن المقصود هو الإستشهاد علي أن الأحبيّة دليل الأفضليّة، والأفضليّة دليل علي الإمامة والخلافة العامّة كتاباً وسنّة وعقلًا وعقلاءً، وإلّا فعندي تعليق هنا.

فإنْ سأله اللَّه: لماذا وبأيّ ملاك استخلفت أبا عبيدة لو كان حيّاً؟

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 36

يقول: وقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: أبو عبيدة

أمين هذه الامّة.

ولي تعليق علي هذا الحديث، أتركه إلي وقت آخر.

ويقول عمر أيضاً: ولو كان سالم مولي أبي حذيفة حيّاً استخلفته.

وعندي تعليق هنا، أتركه لوقته.

يقول: فقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ للَّه.

يقول عمر بن الخطّاب: لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته، هذا الشخص المولي، ولاعتذرت إلي اللَّه بأنّي سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ للَّه.

إذن، أصبح «الحب» ملاكاً ومعياراً للخلافة، وسالم مولي، وقد أجمعوا علي أنّ الإمام يجب أن يكون من قريش، لكنْ لماذا كان سالم مولي أبي حذيفة بهذه المثابة في نظر عمر بن الخطّاب؟ نتركه لوقته. هذا هو الشاهد الأوّل.

هذا الشاهد موجود في تاريخ الطبري «1»، وفي تاريخ ابن الأثير الكامل «2»، وفي غيرهما من المصادر فراجعوا.

__________________________________________________

(1)

تاريخ الطبري 2/ 580

(2) الكامل في التاريخ 3/ 65

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 37

الشاهد الثاني:

والأهم من هذا هو الشاهد الثاني، تجدونه في صحيح البخاري في قضيّة السقيفة وما كان فيها، في بيعة أبي بكر بالذات، يقول الراوي وهذا نصّ العبارة هكذا:

«اجتمعت الأنصار إلي سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الامراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيّرنا وأحبّنا إلي رسول اللَّه، فبايعه عمر وبايعه الناس» «1».

فأصبحت الأحبية إلي رسول اللَّه هي الملاك علي صعيد الواقع، دعنا عن البحث الصغروي فله مجال آخر «2»، نحن نستشهد بهذا الخبر علي ما هو في صحيح البخاري صدقاً أو كذباً، حجة عليهم ونحن نلزمهم بهذه الحجة، عمر بن الخطّاب يدّعي لأبي بكر إنّه كان أحبّ الخلق إلي النبي، ولذا- أمام الأنصار وغيرهم- نادي بأنّ أبا بكر هو المتعيَّن للخلافة، بأيّ دليل؟ لأنّه أحبّ الخلق

إلي رسول اللَّه.

لكن حديثنا حديث متواتر قطعي الصّدور عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، مقبول بين الطرفين، وقد ذكرت لكم رواة هذا الحديث، وذكرت لكم كيفيّة الاستدلال به، وفقه هذا الحديث.

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5/ 7- 8

(2) وأبو بكر نفسه ينفي- في الخبر الثابت عنه- كونه خير الامّة وأحبها إلي النبيّ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 38

الحسد لأمير المؤمنين عليه السّلام: … ص: 38

ومن فوائد حديث الطير أن نعلم بأنه كان هناك بين أصحاب رسول اللَّه حتّي المقرّبين منهم، من كان في قلبه حسد بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السّلام، وأنس بن مالك خادم رسول اللَّه يكذب، لا مرّةً ولا مرّتين، يكذب مرّات بسبب الحسد الذي في قلبه علي علي أمير المؤمنين، لكن أنساً كشف عن واقع حاله أكثر فأكثر، عندما ناشده أمير المؤمنين عليه السّلام بحديث الغدير فأبي أن يشهد، وكتم الشهادة، وكتمان الشهادة ذنب كبير من كبائر المعاصي، حتّي أنّ أمير المؤمنين دعا عليه، وابتلي بالبرص «1».

إنّه لابدّ أنْ نعرف حقائق بواطن الأشخاص من خلال السنّة النبويّة، وحوادث السيرة النبويّة قبل أن نقرأ أحوالهم في كتب التراجم، ففي السنّة وفي الأحاديث الواردة في المصادر المعتبرة ما يستكشف به حقائق حالات الأشخاص أكثر بكثير، وهذا ممّا لا يخفي علي المتضلّعين بمثل هذه البحوث.

__________________________________________________

(1) المعارف لابن قتيبة، شرح نهج البلاغة 4/ 74

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 39

الجهة الثالثةمحاولات القوم في ردّ حديث الطير … ص: 39

اشارة

فننتقل الآن إلي محاولات القوم في ردّ هذا الحديث وإبطاله، وفي المنع عن نقله وانتشاره وما صنعوا.

تتلخّص محاولاتهم في امور:

الأول: المناقشة في سند الحديث … ص: 39

فإذا راجعتم كتاب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) لأبي الفرج ابن الجوزي، تجدونه يذكر هذا الحديث ببعض أسانيده ويضعّفه ويسكت عن بعض الأسانيد الاخري «1».

لكن ابن الجوزي أبا الفرج الحنبلي المتوفي سنة 597 معروف بالتسرّع بالحكم، لا بالتضعيف فقط بل حتّي الحكم بالوضع، ولربّما

__________________________________________________

(1) العلل المتناهية 1/ 228، الأرقام (360- 377)

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 40

ضعّف أو كذّب في كتبه أحاديث موجودة في الصحاح، وهذا ما دعا كبار المحدّثين من المحققين من أهل السنّة إلي التحذير من الاعتماد علي حكم ابن الجوزي، في أيّ حديث من الأحاديث، والقول بضرورة التثبّت من ذلك.

والعجيب أنّهم ربّما ينسبون إلي ابن الجوزي أنّه أدرج حديث الطير في كتاب الموضوعات، راجعوا كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري «1» وبعض الكتب الاخري «2»، ينسب إلي ابن الجوزي أنّه حكم علي هذا الحديث بالوضع وأدرجه في كتاب الموضوعات.

والحال أنّه غير موجود في كتاب الموضوعات، نعم، موجود في كتاب العلل المتناهية، لكنّه ببعض أسناده، إذ يتكلّم علي بعض رجال هذا الحديث في بعض الأسانيد- ونحن لا ندّعي أنّ كلّ أسانيده صحيحة- ويسكت عن البعض الآخر.

ويأتي من بعده ابن كثير، فيذكر في تاريخه «3» حديث الطير، ويرويه عن عدّة من الأئمّة الأعلام، يرويه عن الترمذي، وعن أبي يعلي، وعن الحاكم، وعن الخطيب البغدادي، وعن ابن عساكر، وعن الذهبي،

__________________________________________________

(1) مرقاة المفاتيح 10/ 465، رقم 6094

(2) تذكرة الموضوعات: 96

(3) البداية والنهاية 7/ 350- 353

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 41

وعن غيرهم، إلي أنْ قال:

وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة منهم: أبو

بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبداللَّه الذهبي يقول: ورأيت مجلّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر ابن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ، ثمّ وقفت علي مجلّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلانيّ المتكلّم.

ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث قائلًا: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.

أقول: فدليل ابن كثير علي ضعف هذا الحديث أنّ قلبه لا يساعد! قلب ابن كثير لا يساعد علي قبول هذا الحديث، كما أنّ قلب أبي جهل لم يساعد علي قبول القرآن والإسلام، فليكنْ، وأيّ مانع؟ قلبه لا يساعد، لا يقول: إنّه موضوع، لا يقول: إنّه حديث مكذوب، لا يقول: في سنده كذا وكذا، لا يقول: الراوي ضعيف لقول فلان، لنصّ فلان علي ضعفه، وأمثال ذلك، فإنّها مناقشات علميّة تسمع، إنّها مناقشات علميّة قابلة للبحث، قابلة للنظر، وأيّ مانع! يقول: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.

الرجوع إلي القلب من جملة أساليبهم في ردّ بعض الأحاديث،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 42

أذكر لكم شاهداً واحداً فقط، وإلّا لطال بنا البحث.

عندما يريدون أنْ يردّوا حديثاً وقد أعيتهم السبل، فلم يمكنهم المناقشة في سنده بشكل من الأشكال، يلجأون إلي القَسَم أحياناً، كقولهم: واللَّه إنّه موضوع، وأيّ دليل أقوي من هذا؟! أوْ يلتجئون إلي قلوبهم: والقلب يشهد بأنّ هذا الحديث موضوع، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط.

في مستدرك الحاكم حديث عن علي عليه السّلام: أخبرني رسول اللَّه: «إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلت: يا رسول اللَّه فمحبّونا؟ قال: من ورائكم». يقول الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه

«1».

هذا حديث الحاكم، وما ذنبنا إنْ كان الحاكم كاذباً- عند النواصب- بنقل هذا الحديث وفي حكمه بصحّته، نحن المحبّون لأهل البيت ندخل الجنّة وراء أهل البيت، هم يدخلون ونحن وراءهم، لأنّنا نحبّ أهل البيت، وهذا لا يمكن لأحد إنكاره لكثرة الأدلّة عليه.

فيقول الذهبي في تلخيصه للمستدرك في ذيل هذا الحديث:

الحديث منكر من القول يشهد القلب بوضعه «2».

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري 3/ 151

(2) تلخيص المستدرك للذهبي في ذيل مستدرك الحاكم 3/ 151

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 43

ليته ناقش في سند الحديث، ولو بدعوي ضعف راو من رواته لكنه يقول: يشهد القلب بوضعه!! ولماذا يشهد قلب الذهبي بوضع هذا الحديث؟ الحديث يقول: إنّ أوّل من يدخل الجنّة رسول اللَّه وعلي وفاطمة والحسن ومحبّوهم من وراءهم، أيّ مانع من هذا؟ وأيّ ضير علي الذهبي حتّي يشهد قلبه بأنّ هذا الحديث موضوع؟ ولماذا؟ هل حبّ أهل البيت مانع من دخول الجنّة فيكون قلبه يشهد بوضع هذا الحديث؟ أو يشُك في أنّ رسول اللَّه وعليّاً وفاطمة والحسنين أوّل من يدخل الجنّة؟ أيشُك في هذا؟ لماذا قلبه يشهد بوضعه؟ فتأمّلوا في هذا.

إذن، كانت المحاولة الاولي، المناقشة في سند الحديث والحكم بضعف الحديث.

لكن الحديث في الصحاح كما ذكرنا، وله أسانيد صحيحة، وقسم كبير من أسانيده أنا بنفسي صحّحتها علي ضوء كلمات كبار علماء الحديث وأئمّة الجرح والتعديل وهي في خارج الصحاح.

الثاني: تحريف اللفظ … ص: 43

وهذا هو الطريق الثاني لردّ هذا الحديث، قد قرأنا بعض الألفاظ، وعرفتم كيف يكون التحريف.

أمّا أحمد بن حنبل، فقد قرأنا لفظ الحديث من كتاب فضائله أو مناقبه، فلنقرأ لفظ الحديث في مسنده فلاحظوا:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 44

قال: سمعت أنس بن مالك وهو يقول: أُهديت

لرسول اللَّه ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتت به- كلمة الخادم تطلق علي المرأة والرجل- فقال لها صلّي اللَّه عليه وسلّم: «ألم أنهك أن ترفعي شيئاً، فإنّ اللَّه عزّوجلّ يأتي برزق كلّ غد».

هذا هو الحديث في مسند أحمد «1».

ولك أن تقول: لعلّ هذا الحديث في قضيّة أُخري لا علاقة لها بحديث الطير.

لكنْ عندما نراجع ألفاظ الحديث نجد بعض ألفاظه بنفس هذا اللّفظ وبنفس السند الذي أتي به أحمد، وفيه ما يتعلّق بعليّ عليه السّلام وكونه أحبّ الخلق إلي اللَّه إلي آخره، نعم، كنت أتصوّر أنّ هذا الحديث وارد في قضيّة لا علاقة لها بحديث الطير الذي نحن نبحث عنه، هذا تبادر إلي ذهني لأوّل وهلة، لكنّني دقّقت النظر في الأحاديث فوجدت الحديث حديث الطير، إلّاأنّه جاء به بهذا الشكل، وهل الذي جاء في مسند أحمد من أحمد نفسه أو النسّاخ أو الطابعين لكتابه؟ اللَّه أعلم.

وأبو الشيخ الإصفهاني الذي ذكرناه مراراً، يروي هذا الحديث وفيه ما يتعلّق بأمير المؤمنين عليه السّلام، إلّاأنّ ما يتعلّق بأنس، وكذب أنس، وخيانة أنس، هذا محذوف ومحرّف، لاحظوا:

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 3/ 198

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 45

عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول اللَّه طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير»، فجاء علي فأكل معه، ثمّ هو يقول: فذكر الحديث انتهي «1». وكأنّه يريد أنْ يحفظ الأمانة فلا يخون يضع كلمة: «فذكر الحديث».

ومن العجيب إسقاط بعضهم كلا الفقرتين، ما يتعلّق بعليّ وما يتعلّق بأنس، فأسقط كلتا الفقرتين، وجاء فقط بذلك العذر الذي ذكر أنس في آخر القضيّة:

عن أنس عن النبي قال: «لا يلام الرجل علي حبّ قومه».

حينئذ، يقول ابن حجر العسقلاني:

«هذا طرف من حديث الطير» «2».

الثالث: تأويل الحديث وحمل مدلوله علي خلاف ما هو ظاهر فيه … ص: 45

فيحملون أوّلًا لفظ الحديث الذي يقول: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي رسولك»، يحملونه علي أنّ المراد: اللهمّ ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلي رسولك، فحينئذ لا إشكال، لأنّ مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه.

«اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي رسولك»، أي اللهمّ ائتني بمن هو

__________________________________________________

(1) طبقات المحدّثين باصبهان 3/ 454

(2) لسان الميزان 5/ 58

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 46

من أحبّ خلقك إليك وإلي رسولك.

راجعوا شروح مصابيح السنّة، راجعوا شروح المشكاة «1» وكتاب التحفة الاثنا عشرية «2» لوجدتم هذا التأويل موجوداً في كتبهم حول هذا الحديث.

وهل توافقون عليه؟ وهل هناك مجال لقبول هذاالتأويل بلا أيّ دليل؟

وقال صاحب التحفة الاثني عشرية: إنّ القضيّة إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة، فلذا لم يحضرا فحضر علي.

راجعوا كتاب التحفة الاثنا عشرية «3»، وهذا الكتاب عندهم من أحسن الكتب في باب الإمامة، أو في أبواب العقائد كلّها، وطبع مراراً وتكراراً طبعات مختلفة، وطبعوا خلاصته باللغة العربية مع تعاليق ذلك العدو من أعداء الدين، مراراً وتكراراً في البلاد المختلفة.

أقول: هل كانت هذه القضية في وقت كان أبو بكر وعمر في خارج المدينة المنوّرة؟

واللَّه لو كانا في خارج المدينة المنوّرة لما كان عندنا أي كلام،

__________________________________________________

(1) المرقاة في شرح المشكاة 10/ 464

(2) مختصر التحفة الاثنا عشرية: 165

(3) مختصر التحفة الاثنا عشرية: 165

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 47

فنحن ما عندنا أي غرض في إثبات شي ء أو في نفي شي ء.

لكنْ ماذا نفعل مع حديث النسائي «1»، مع حديث أبي يعلي: إنّه جاء أبو بكر فردّه، جاء عمر فردّه، وأضاف صاحب المسند فقال:

بأنّ عثمان أيضاً جاء وردّه «2»؟! فهؤلاء كانوا في المدينة المنوّرة، وأيّ ذنب لنا لو كان النسائي وغيره وسائر رواة خبر حضورهم في المدينة كاذبين عليهم؟!

الرابع: المعارضة … ص: 47

المعارضة وجه علمي، نحن نوافق علي هذا، لأنّ المعارضة هي الإتيان بحديث معتبر ليعارض به حديث معتبر آخر في مدلوله، فتلاحظ بينهما قواعد الجرح والتعديل لتقديم البعض علي البعض الآخر، تلك القواعد المقررة في كتب السنّة، فهذا أُسلوب علمي للبحث والمناظرة، وأيُّ مانع من هذا، المعارضة وإلقاء التعارض بين الحديثين، ثمّ دراسة الحديثين بالسّند والدلالة علي ضوء القواعد والاصول المقرّرة اسلوب علمي وعمل جميل وعلي القاعدة، ونحن مستعدون لدراسة ما يذكرونه معارضاً لحديث الطير بلا أيّ تعصّب، لكنْ أيّ شي ء ذكروا ليعارضوا به حديث الطير؟

__________________________________________________

(1) خصائص علي: 29

(2) البداية والنهاية 7/ 350

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 48

في كتاب التحفة الاثنا عشرية استند إلي حديث: «إقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1» في مقابلة حديث الطير.

فواللَّه، لو تمّ هذا الحديث سنداً ودلالة، بل لو ثبت اعتباره عندهم واتّفقوا علي صحّته، فنحن نغضّ النظر عن انفراد القوم به، وقد قلنا منذ الأوّل أنّ الحديث الذي يريد كلّ طرف أن يستند إليه لابدّ وأن يكون مقبولًا عند الجانبين، نحن نغضّ النظر عن هذه الناحية، وندرس الحديث علي ضوء كتبهم وأقوال علمائهم هم فقط، ولو تمّ لوافقنا ولرفعنا اليد عن حديث الطير المقبول بين الطرفين بواسطة حديث:

«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر».

ولكنْ ماذا نفعل وهم لا يقبلون بحديث الإقتداء بالشيخين؟

لقد طعن كبار الأئمّة في الحديث والرجال في هذا الحديث، أذكر منهم: أبا حاتم الرازي وأبا بكر البزّار وابن حزم والعقيلي والدارقطني والذهبي والهيثمي وابن حجر والمناوي «2».

الخامس: … ص: 48

بعد أنْ أعيتهم السبل العلمية في الظاهر وهي: المناقشات في

__________________________________________________

(1) مختصر التحفة الاثنا عشرية: 165

(2) راجع العدد (6) من هذه السلسلة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص:

49

السند أو الدلالة، يلجأون إلي طريقة أُخري، وماذا نسمّي هذه الطريقة؟

لا أدري الآن، لأقرأ لكم ما وجدته في الباب، فأنتم سمّوا ما فعلوا بأيّ تسمية تريدون!!

أذكر لكم قضيّة الحافظ ابن السقا الواسطي المتوفي سنة 373:

يقول الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء «1» بعد أن يصف ابن السقا ب: الحافظ الإمام محدّث واسط» بعد أن يلقّبه بهذه الألقاب ينقل عن الحافظ السلفي يقول:

«سألت الحافظ خميساً الجوزي عن ابن السقا؟ فقال: هو من مزينة مضر ولم يكن سقّاءً بل لقب له، من وجوه الواسطيين وذي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلي و … وبارك اللَّه في سنّه وعلمه.

واتفق أنّه أملي حديث الطائر، فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا عليه فأقاموه وغسلوا موضعه، فمضي ولزم بيته لا يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلّ حديثه عندهم».

أقول: ولم يذكر الراوي كلّ ما وقع علي هذا المحدّث من ضرب وشتم وإهانة وغير ذلك، يكتفي بهذه العبارة: «وثبوا عليه فأقاموه عن مجلسه وغسلوا موضعه»، كأنّ الموضع الذي كان جالساً فيه تنجّس

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 16/ 351- 352

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 50

لإملائه طرق حديث الطير، وغسلوا موضعه، فمضي ولزم بيته ولم يخرج.

فماذا تسمّون هذه الطريقة؟ لا أدري.

هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة هذا الرجل في سير أعلام النبلاء، وفي كتاب تذكرة الحفّاظ «1».

أمّا الحاكم النيسابوري، فقد كان مصرّاً علي صحّة حديث الطير، وعلي تصحيح حديث الطير.

يقول في كتابه علوم الحديث «2»: «حديث الطير من مشهورات الاحاديث، وكان علي أصحاب الصحاح أن يخرّجوه في الصحاح».

ويقول: ذاكرت به كثيراً من المحدثين.

ويقول: كتبت فيه كتاباً، أي كتب في جمع طرقه كتاباً.

ثمّ إنّه في المستدرك «3» يروي هذا الحديث ويقول:

«هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة علي ثلاثين نفساً».

وقد قلت لكم أنّ الرواة عن أنس هم أكثر من ثمانين شخصاً

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفاظ 3/ 966

(2) معرفة علوم الحديث: 93

(3) مستدرك الحاكم 3/ 131

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 51

لا ثلاثين شخصاً.

يقول: «ثمّ صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة».

واضطرب القوم تجاه تصحيح الحاكم، وإخراج الحاكم هذا الحديث في مستدركه، وإصراره علي صحّته، وأصبحت قضيّة حديث الطير والحاكم قضيّة تذكر في أكثر الكتب المتعلّقة بالحاكم وبحديث الطير، أي حدثت هناك ضجّة من فعل الحاكم هذا، وقام القوم عليه وقامت قيامتهم، ولأجل هذا الحديث رماه بعضهم بالرفض فقال:

الحاكم رافضي. لكن الذهبي وابن حجر العسقلاني يقولان: اللَّه يحبّ الإنصاف، ما الرجل برافضي. فراجعوا لسان الميزان «1»، وراجعوا سير أعلام النبلاء «2»، وغير هذين الكتابين «3».

ثمّ جاء بعضهم وجعل يرمي كتاب المستدرك بأنّ هذا الكتاب ليس فيه ولا حديث واحد علي شرط الشيخين.

وحينئذ يقول الذهبي: هذه مكابرة وغلو «4».

ثمّ نسبوا إلي الدارقطني أنّه لمّا بلغه أنّ الحاكم قد أخرج حديث

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 5/ 233

(2) سير أعلام النبلاء 17/ 174

(3) انظر ميزان الاعتدال 3/ 608

(4) سير أعلام النبلاء 17/ 175

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 52

الطير في المستدرك انتقد فعل الحاكم هذا.

لكن الذهبي يقول: إنّ الحاكم إنّما ألّف المستدرك بعد وفاة الدارقطني بمدة «1».

وحينئذ، إذا راجعتم كتاب طبقات الشافعية للسبكي «2» رأيتموه ينقل عن الذهبي إنّ الحاكم سُئل عن حديث الطير فقال: لا يصحّ ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول اللَّه. ثمّ قال شيخنا: وهذه الحكاية سندها صحيح، فما باله أخرج حديث الطير

في المستدرك.

يعني: إذا كان الحاكم يعتقد بأنّ الشيخين أفضل من علي، فلماذا أخرج الحديث في المستدرك؟ ولماذا صحّحه؟

حينئذ يقول السبكي: قد جوّزت أنْ يكون زيد في كتابه.

يعني: حديث الطير زيد في كتاب المستدرك!! لاحظوا إلي أي حدٍّ يحاولون إسقاط حديث من الأحاديث! يقولون: قد جوّزتُ أن يكون زيد في كتابه، أنْ لا يكون من روايات الحاكم.

يقول السبكي: وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر بعدمه [أي وجدت الحديث في كلّ النسخ وتذكّرت الدارقطني إنّه يستدرك حديث الطير، فغلب علي ظنّي إنّه لم يوضع عليه

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 17/ 176

(2) طبقات الشافعية 4/ 168- 169

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 53

[أي إنّ الحديث لم يوضع علي الحاكم، ولم يزده أحد في المستدرك ثمّ تأمّلت قول من قال: إنّه [أي الحاكم أخرجه من الكتاب، فإنْ ثبت هذا صحّت الحكايات، ويكون خرّجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه، ثمّ أخرجه منه لاعتقاده عدم صحّته كما في هذه الحكاية التي صحّح الذهبي سندها، ولكنّه بقي [أي الحديث في بعض النسخ، إمّا لانتشار النسخ بالكتاب، أو لإدخال بعض الطاعنين في الشيخين إيّاه [أي الحديث فيه [أي في المستدرك فكلّ هذا جائز، والعلم عند اللَّه تعالي.

هذا نصّ عبارة السبكي.

أقول: هذه نماذج من محاولات القوم لإسقاط الحديث، ولإثبات أنّ الحاكم لم يروه في مستدركه، وذلك يكشف عن اضطراب القوم أمام تصحيح الحاكم وإخراجه هذا الحديث في كتابه.

وهل اكتفوا بهذا؟ لا، وهل استفادوا من هذه الأساليب شيئاً؟ لا.

فما كان عليهم إلّاأنْ يهجموا علي الحاكم داره فيضربوه ويكسروا منبره الذي كان يجلس عليه ويحدّث، ويمنعوه من الخروج من داره.

وهلّا فعلوا هذا

من أوّل يوم، وقبل أن يتعبوا أنفسهم في التحقيق عن كتاب المستدرك باحتمال أنْ يكون هذا الحديث قد أدرجه بعض الطاعنين، فما أحسن هذا الطريق- طريق الضرب والشتم والإهانة- لإثبات الخلافة لأسيادهم!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الطير، ص: 54

وهكذا فعلوا مع غير الحاكم، مع كثير من أئمّتهم!! أما فعلوا مع النسائي في دمشق؟ أما بقروا بطن الحافظ الكنجي في داخل المسجد لأنّه كان يملي فضائل علي؟ وأما فعلوا؟ وأما فعلوا؟ أمّا بعلماء الطائفة الشيعيّة، وبالأئمّة الاثني عشر، فأيّ شي ء فعلوا؟ وكيف عاملوا؟

وهكذا ثبتت الإمامة والخلافة للشيخين وللمشايخ.

فأيّ داع لكلّ ما قاموا به من المناقشة في السند، من المناقشة في الدلالة، من المعارضة، من تحريف اللفظ؟ من ضرب وهتك لابن السقا والحاكم؟ لماذا لا يقلّدون إمامهم وشيخ إسلامهم الذي قال: حديث الطير من الموضوعات المكذوبات «1». فأراح نفسه من كلّ هذا التعب؟

وهذه فتوي ابن تيميّة، وتلك فتوي ابن كثير، وتلك أفعالهم وأعمالهم مع أئمّتهم كالحاكم وغيره، وتلك تحريفاتهم لألفاظ الحديث النبوي، وتلك خياناتهم تبعاً لخيانة صاحبهم أنس بن مالك، وتلك إمامة مشايخهم التي يريدون أن يثبتوها بهذه السبل!!

وعلي كلّ منصف، كلّ محقّق، وكلّ حرّ أنْ يستمع القول فيتّبع أحسنه، واللَّه علي ما نقول شهيد، ونعم الحكم اللَّه، والخصيم محمّد، وصلّي اللَّه علي محمّد وآله الطاهرين.

__________________________________________________

(1) منهاج السنة 7/ 371

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.