سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية المجلد 32

اشارة

سرشناسه : حسینی میلانی، سیدعلی، 1326 -

عنوان و نام پديدآور : آیة الولایه/ تالیف علی الحسینی المیلانی .

مشخصات نشر : قم: مرکز الحقائق الاسلامیه ، 1431ق= 1388.

مشخصات ظاهری : 96 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله ؛ 32.

شابک : 978-600-5348-24-8

وضعیت فهرست نویسی : فاپا / برون سپاری

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : تفاسیر (سوره مائده. آیه ولایت)

موضوع : ولایت -- جنبه های قرآنی

موضوع : ولایت -- احادیث

شناسه افزوده : مرکز الحقائق الاسلامیه

رده بندی کنگره : BP102/22/ح5آ9 1388

رده بندی دیویی : 297/18

شماره کتابشناسی ملی : 1947116

كلمة المركز … ص: 6

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين. مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 7

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

قال اللَّه تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» «1».

هذه الآية المباركة تسمّي في الكتب ب

«آية الولاية»، استدلّ بها الاماميّة علي إمامة أمير المؤمنين سلام اللَّه عليه، وكما ذكرنا في سائر البحوث، لابدّ من الرجوع إلي السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الآية المباركة، وبعبارة أُخري لمعرفة شأن نزول الآية.

ثمّ بعد معرفة شأن نزول الآية المباركة، لابدّ من بيان وجه

__________________________________________________

(1) سورة المائدة (5): 55

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 8

الاستدلال بها علي إمامة أمير المؤمنين، ثمّ يأتي دور الاشكالات والاعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد من قبل علماء السنّة في الاستدلال.

فالبحث إذن يكون في فصول، وباللَّه التوفيق.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 9

الفصل الأوّل في رواة خبر نزولها في عليّ عليه السلام وأسانيده … ص: 9

اشارة

إنّ هذه الآية المباركة نزلت في قضية تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه علي السائل وهو في حال الركوع، وقد اتّفق الفريقان علي رواية هذا الخبر بالأسانيد الكثيرة، عن جمعٍ كبيرٍ من الصحابة ومشاهير التابعين..

وفي هذا الفصل نذكر أوّلًا أسماء رواة الخبر من الصحابة والتابعين، ثمّ أشهر من رواه من العلماء، حسب التسلسل الزمني، ثمّ نذكر عدّة من نصوص الخبر في الكتب المعتبرة، ثمّ جملة من أسانيده المعتبرة في كتب القوم، ونختمه بذكر بعض الفوائد المهمّة..

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 10

من رواة الخبر من الصحابة والتابعين … ص: 10

لقد رووا هذا الخبر بأسانيدهم عن جمعٍ من الصحابة والتابعين:

1- أمير المؤمنين عليه السلام.

2- المقداد بن الأسود الكندي.

3- عمّار بن ياسر.

4- عبداللَّه بن العبّاس.

5- أبو ذرّ الغفاري.

6- جابر بن عبداللَّه الأنصاري.

7- أبو رافع.

8- أنس بن مالك.

9- عبداللَّه بن سلام.

10- حسّان بن ثابت؛ في شعر له.

11- محمّد بن الحنفيّة.

12- ابن جريج المكّي.

13- سعيد بن جبير.

14- عطاء.

15- مجاهد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 11

16- السدّي.

17- مقاتل.

18- الضحّاك.

أشهر مشاهير رواة الخبر من العلماء … ص: 11

وقد روي هذه المنقبة الجليلة كبار الأئمّة الحفّاظ وأعلام العلماء في مختلف القرون، وهذه أسماء أشهر مشاهيرهم:

1- سليمان بن مهران الأعمش، المتوفّي سنة 148، وقع في طريق رواية الحسكاني.

2- معمر بن راشد الأزدي، المتوفّي سنة 153، وقع في طريق رواية الحسكاني.

3- سفيان بن سعيد الثوري، المتوفّي سنة 161، وقع في طريق رواية الحسكاني.

4- أبو عبداللَّه محمّد بن عمر الواقدي، المتوفّي سنة 207، كما في ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي

5- أبو بكر عبدالرزّاق الصنعاني، المتوفّي سنة 211، كما في تفسير ابن كثير الدمشقي.

6- أبو نعيم الفضل بن دكين، المتوفّي سنة 219، وقع في طريق

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 12

رواية ابن أبي حاتم الرازي.

7- أبو محمّد عبد بن حميد الكشي، المتوفّي سنة 249، كما في الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور.

8- أحمد بن يحيي البلاذري، المتوفّي بعد سنة 279، في أنساب الأشراف.

9- محمّد بن عبداللَّه الحضرمي، المطيّن، المتوفّي سنة 297، وقع في طريق رواية أبي نعيم.

10- أبو عبدالرحمن النسائي، المتوفّي سنة 303، في صحيحه.

11- محمّد بن جرير الطبري، المتوفّي سنة 310، في تفسيره.

12- ابن أبي حاتم الرازي، المتوفّي سنة 327، كما في تفسيره وغير واحدٍ من الكتب.

13- أبو القاسم الطبراني، المتوفّي سنة 360، في المعجم الأوسط.

14- عبداللَّه

بن محمّد بن جعفر الأصبهاني، أبو الشيخ، المتوفّي سنة 369، كما في الدرّ المنثور للسيوطي.

15- أبو بكر الجصّاص الرازي، المتوفّي سنة 370، في أحكام القرآن.

16- عمر بن أحمد بن شاهين البغدادي الواعظ، المتوفّي سنة 385، وقع في طريق رواية الحسكاني.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 13

17- أبو عبداللَّه الحاكم النيسابوري، المتوفّي سنة 405، في كتاب معرفة علوم الحديث.

18- أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني، المتوفّي سنة 410، كما في كنز العمّال.

19- أبو إسحاق الثعلبي، المتوفّي سنة 427، في تفسيره.

20- أبو نعيم الأصفهاني، المتوفّي سنة 430، كما في الدرّ المنثور وغيره.

21- أبو الحسن الماوردي الشافعي، المتوفّي سنة 450، كما في تفسيره.

22- أبو بكر الخطيب البغدادي، المتوفّي سنة 463، في كتابه المتّفق والمفترق، كما في كنز العمّال.

23- أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، المتوفّي سنة 468، في أسباب النزول.

24- الفقيه ابن المغازلي الشافعي، المتوفّي سنة 483، في مناقب عليّ بن أبي طالب.

25- أبو المظفّر منصور بن محمّد بن عبدالجبّار السمعاني، المتوفّي سنة 489، في تفسيره.

26- أبو القاسم الحاكم الحسكاني، من أعلام القرن الخامس، في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 14

كتابه شواهد التنزيل.

27- أبو الحسن علي بن محمّد الكيا الطبري، المتوفّي سنة 504، في تفسيره.

28- أبو محمّد الفرّاء البغوي، المتوفّي سنة 516، في تفسيره.

29- أبو الحسن رزين العبدري الأندلسي، المتوفّي سنة 535، في الجمع بين الصحاح الستّة.

30- أبو القاسم جار اللَّه الزمخشري، المتوفّي سنة 538، في الكشّاف.

31- الموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي المكّي، المتوفّي سنة 568، في مناقب عليّ بن أبي طالب.

32- أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، المتوفّي سنة 571، في تاريخ دمشق.

33- أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، المتوفّي سنة 597، في تفسيره زاد المسير.

34- أبو

عبداللَّه الفخر الرازي، المتوفّي سنة 606، في تفسيره.

35- أبو السعادات ابن الأثير، المتوفّي سنة 606، في جامع الأُصول.

36- محمّد بن محمود بن حسن، ابن النجّار، المتوفّي سنة 643،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 15

وقع في طريق رواية الحموئي.

37- أبو المظفّر سبط ابن الجوزي الحنفي، المتوفّي سنة 654، في تذكرة خواص الأُمّة.

38- أبو عبداللَّه الكنجي الشافعي، المتوفّي سنة 658، في كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب.

39- عزّالدين عبدالعزيز بن عبدالسلام السلمي الدمشقي، المتوفّي سنة 660، في تفسيره.

40- أبو سالم محمّد بن طلحة الشافعي، المتوفّي سنة 652، في مطالب السؤول.

41- ناصر الدين البيضاوي الشافعي، المتوفّي سنة 685، في تفسيره.

42- أبو العبّاس محبّ الدين الطبري الشافعي، المتوفّي سنة 694، في كتابيه: الرياض النضرة في مناقب العشرة، ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي

43- حافظ الدين النسفي، المتوفّي سنة 701- أو 710- في تفسيره.

44- شيخ الإسلام الحمّوئي الجويني، المتوفّي سنة 722، في كتابه فرائد السمطين.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 16

45- علاء الدين الخازن البغدادي، المتوفّي سنة 741، في تفسيره.

46- شمس الدين الإصبهاني، المتوفّي سنة 746، في شرح التجريد.

47- جمال الدين الزرندي، المتوفّي سنة 750، في نظم درر السمطين.

48- أبو حيان الأندلسي، المتوفّي سنة 754، في تفسيره البحر المحيط.

49- محمّد بن أحمد بن جزّي الكلبي، المتوفّي سنة 758، في تفسيره.

50- عضد الدين الإيجي، المتوفّي سنة 765، في كتاب المواقف في علم الكلام.

51- نظام الدين القمي النيسابوري، في تفسيره.

52- سعد الدين التفتازاني، المتوفّي سنة 791، في شرح المقاصد.

53- السيّد الشريف الجرجاني، المتوفّي سنة 816، في شرح المواقف.

54- شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، المتوفّي سنة 852، كما في الكاف الشاف في تخريج الكشّاف.

55- نور الدين ابن الصبّاغ

المالكي، المتوفّي سنة 855، في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 17

الفصول المهمة في معرفة الأئمّة.

56- علاء الدين القوشجي السمرقندي، المتوفّي سنة 879، في شرح التجريد.

57- جلال الدين السيوطي، المتوفّي سنة 911، في الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، وغيره.

58- أبو السعود محمّد بن محمّد العمادي، المتوفّي سنة 951، كما في تفسيره.

59- شهاب الدين ابن حجر الهيتمي المكّي، المتوفّي سنة 974، في الصواعق المحرقة.

60- قاضي القضاة الشوكاني، المتوفّي سنة 1250 في تفسيره.

61- شهاب الدين الآلوسي، المتوفّي سنة 1270، في تفسيره.

62- الشيخ سليمان القندوزي الحنفي، المتوفّي سنة 1293، في ينابيع المودّة.

63- السيّد محمّد مؤمن الشبلنجي، المتوفّي بعد 1308، في نور الأبصار.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 18

من نصوص الخبر في الكتب المعتبرة … ص: 18

اشارة

وإليك عدّةً من نصوص الخبر، في الكتب المعتبرة المشهورة:

* جامع الأُصول من أحاديث الرسول: … ص: 18

أخرج ابن الأثير، عن رزين الحافظ، ما نصّه:

«عبداللَّه بن سلام- رضي اللَّه عنه- قال: أتيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ورهط من قومي، فقلنا: إن قومنا حادّونا لمّا صدّقنا اللَّه ورسوله، وأقسموا لا يكلّمونا، فأنزل اللَّه تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا»، ثمّ أذّن بلال لصلاة الظهر، فقام الناس يصلّون، فمن بين ساجدٍ وراكع، إذا سائل يسأل، فأعطاه عليّ خاتمه وهو راكع.

فأخبر السائل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقرأ علينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ».

أخرجه رزين» «1».

و «رزين» هو: رزين بن معاوية بن عمّار العبدري، المتوفّي

__________________________________________________

(1) جامع الأُصول 8/ 664 ح 6515

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 19

سنة 535، وقد وصفه الذهبي ب: «الإمام المحدّث الشهير» «1».

وقال ابن الأثير: «وتلاهم آخراً أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي، فجمع بين كتب البخاري ومسلم والموطّأ لمالك وجامع أبي عيسي الترمذي وسنن أبي داود السجستاني وسنن أبي عبدالرحمن النسائي، رحمة اللَّه عليهم، ورتّب كتابه علي الأبواب دون المسانيد».

قال: «وأمّا الأحاديث التي وجدتها في كتاب رزين- رحمه اللَّه- ولم أجدها في الأُصول، فإنّني كتبتها نقلًا من كتابه علي حالها في مواضعها المختصّة بها، وتركتها بغير علامة، وأخليت لذكر اسم من أخرجها موضعاً، لعلّي أتتبّع نسخاً أُخريُ لهذه الأُصول وأعثر عليها، فأُثبت اسم من أخرجها» «2».

* تفسير ابن أبي حاتم: … ص: 19

أخرج ابن أبي حاتم الرازي بتفسير الآية، قال: «حدّثنا الربيع بن سليمان المرادي، ثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله:

«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا»، قال: عليّ بن أبي

طالب.

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 20/ 204 رقم 129

(2) جامع الأُصول 1/ 48 و 55

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 20

حدّثنا أبو سعيد الأشج، ثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، ثنا موسي بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»» «1».

* جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري): … ص: 20

وأخرج أبو جعفر الطبري، قال: «وأمّا قوله: «وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به؛ فقال بعضهم: عني به: عليّ بن أبي طالب، وقال بعضهم:

عني به: جميع المؤمنين» ثمّ ذكر:

«حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال:

ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا»، قال: عليّ بن أبي طالب.

حدّثني الحارث، قال: ثنا عبدالعزيز، قال: ثنا غالب بن عبيداللَّه، قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآية، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع» «2».

__________________________________________________

(1) تفسير ابن أبي حاتم الرازي 4/ 1162 ح 6594 وح 6551

(2) تفسير الطبري 6/ 186

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 21

* معرفة علوم الحديث: … ص: 21

وأخرج الحاكم في النوع الثالث من الأفراد، أحاديث لأهل المدينة تفرّد بها عنهم أهل مدينة أُخري:

«حدّثنا أبو عبداللَّه محمّد بن عبداللَّه الصفّار، قال: ثنا أبو يحيي عبدالرحمن بن محمّد بن سلم الرازي بإصبهان، قال: ثنا يحيي بن الضريس، قال: ثنا عيسي بن عبداللَّه بن عبيداللَّه «1» بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي، قال: نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، فخرج رسول اللَّه ودخل المسجد، والناس يصلّون بين راكع وقائم، فصلّي فإذا سائل، قال:

ياسائل! أعطاك أحد شيئاً؟

فقال: لا، إلّاهذا الراكع- لعليّ- أعطاني خاتماً.

قال الحاكم: هذا حديث تفرّد به الرازيّون عن الكوفيّين؛ فإنّ يحيي ابن الضريس الرازي قاضيهم، وعيسي العلوي من أهل الكوفة» «2».

__________________________________________________

(1)

كذا؛ وسيأتي صحيحه

(2) معرفة علوم الحديث: 102

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

آيةالولاية، ص: 22

* المعجم الأوسط: … ص: 22

أخرج الطبراني قائلًا: «حدّثنا محمّد بن علي الصائغ، قال: حدّثنا خالد بن يزيد العمري، قال: حدّثنا إسحاق بن عبداللَّه بن محمّد بن علي ابن حسين، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسن، عن جدّه، قال:

سمعت عمّار بن ياسر يقول: وقف علي عليّ بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فأعلمه ذلك، فنزلت علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، فقرأها رسول صلّي اللَّه عليه وسلّم ثمّ قال: من كنت مولاه فعلّي مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».

لا يُروي هذا الحديث عن عمّار بن ياسر إلّابهذا الإسناد، تفردّ به خالد بن يزيد» «1».

* ما نزل من القرآن في عليّ: … ص: 22

أخرج أبو نعيم الحافظ بإسناده قائلًا: «حدّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن عبداللَّه الحضرمي، قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسي

__________________________________________________

(1) المعجم الأوسط 7/ 129

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 23

التنوخي، قال: حدّثنا يحيي بن يعلي، عن عبيداللَّه بن موسي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:

جاء عبداللَّه بن سلام وأُناس معه، فشكوا مجانبة الناس إيّاهم منذ أسلموا، فقال النبيّ: أبغوني سائلًا.

فدخلنا المسجد، فدنا سائل إليه فقال له النبيّ: أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم، مررت برجلٍ راكع فأعطاني خاتمه.

قال: فاذهب فأرِه.

فذهبنا وعليّ قائم، فقال السائل: هذا القائم أعطاني خاتمه وهو راكع.

فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ … »» «1».

* تفسير القرآن (تفسير السمعاني): … ص: 23

أخرج أبو المظفّر السمعاني بتفسير الآية: «قال السدّي- وهو رواية عن مجاهد-: إنّ هذا أُنزل في عليّ بن أبي طالب؛ كان في الركوع ومسكين يطوف في المسجد، فنزع خاتمه ودفع إليه، فهذا معني قوله:

«وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»»..

__________________________________________________

(1) نقله عنه ابن البطريق، المتوفّي سنة 600 ه، في كتابه: خصائص الوحي المبين: 77 الفصل الأوّل ح 9

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 24

ثمّ إنّه لم يناقش في هذا القول وسنده، وإنّما تكلّم في معني الآية وخصوص لفظ «الولاية»، فقال: «وقوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، أراد به الولاية في الدين، لا ولاية الإمارة والسلطنة، وهم فوق كلّ ولاية.

قال أبو عبيدة: وكذلك معني قوله: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، يعني: من كنت وليّاً له أُعينه وأنصره، فعليّ يعينه وينصره في الدين» «1».

* تفسير الثعلبي: … ص: 24

وأخرج الثعلبي، قال: «قوله تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»:

قال ابن عبّاس، وقال السدّي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبداللَّه:

إنّما عني بقوله: «وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»: عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه؛ مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه.

أخبرنا أبو الحسن محمّد بن القاسم بن أحمد، قال: حدّثنا أبومحمّد عبداللَّه بن أحمد الشعراني، قال: حدّثنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين، قال: حدّثنا المظفّر بن الحسن الأنصاري، قال: حدّثنا السدّي بن علي الغراق، قال: حدّثنا يحيي بن عبدالحميد الحماني، عن

__________________________________________________

(1) تفسير القرآن (تفسير السمعاني) 2/ 47

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 25

قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن الربعي، قال:

بينا عبداللَّه بن عبّاس جالس علي شفير زمزم إذ أقبل رجل متعمّم بعمامة، فجعل ابن عبّاس لا

يقول: قال رسول اللَّه، إلّا قال الرجل: قال رسول اللَّه. فقال ابن عبّاس: سألتك باللَّه من أنت؟

قال: فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيّها الناس! مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري، أبو ذرّ الغفاري، سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بهاتين وإلّا صمّتا [وأشار إلي أُذنيه ورأيته بهاتين وإلّا فعُميتا [وأشار إلي عينيه يقول: عليّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله..

أما إنّي صلّيت مع رسول اللَّه يوماً من الأيّام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلي السماء وقال:

اللّهم اشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللَّه فلم يُعطني أحد شيئاً. وكان عليّ راكعاً فأومي إليه بخنصره اليُمني، وكان يتختّم فيها، فأقبل السائل حتّي أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم.

فلمّا فرغ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم من صلاته رفع رأسه إلي السماء وقال: اللّهم إنّ أخي موسي سألك فقال: «رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري* وَيَسِّرْ لي أَمْري* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِساني* يَفْقَهُوا قَوْلي*

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 26

وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي* هارُونَ أَخي* اشْدُدْ بِهِ أَزْري … » «1»

..

الآية، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا» «2»

، اللّهم وأنا محمّد نبيّك وصفيّك، اللّهم فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً اشدُد به ظهري.

قال أبو ذرّ: فواللَّه ما استتمّ رسول اللَّه الكلمة حتّي أُنزل عليه جبرئيل من عند اللَّه فقال: يا محمّد! اقرأ.

قال: وما أقرأ؟

قال: اقرأ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

سمعت أبا منصور الجمشادي، سمعت محمّد بن عبداللَّه

الحافظ، سمعت أبا الحسن علي بن الحسن، سمعت أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي، سمعت محمّد بن منصور الطوسي، سمعت أحمد بن حنبل يقول:

ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه» «3».

__________________________________________________

(1)

سورة طه (20): 25- 31

(2) سورة القصص (28): 35

(3) تفسير الثعلبي 4/ 80

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 27

* أسباب النزول: … ص: 27

وأخرج الواحدي: «قوله تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ»:

قال جابر بن عبداللَّه: جاء عبداللَّه بن سلام إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! إنّ قوماً من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل. وشكا ما يلقي من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال: رضينا باللَّه وبرسوله وبالمؤمنين أولياء..

ونحو هذا قال الكلبي؛ وزاد: إنّ آخر الآية في عليّ بن أبي طالب رضوان اللَّه عليه؛ لأنّه أعطي خاتمه سائلًا وهو راكع في الصلاة.

أخبرنا أبو بكر التميمي، قال: أخبرنا عبداللَّه بن محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن أبي هريرة، قال: حدّثنا عبداللَّه بن عبدالوهاب، قال: حدّثنا محمّد بن الأسود، عن محمّد بن مروان، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أقبل عبداللَّه ابن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا: يا رسول اللَّه! إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنّا باللَّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 28

ورسوله وصدّقناه رفضونا، وآلوا علي أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولايكلّمونا، فشقّ ذلك علينا.

فقال لهم النبيّ عليه السلام: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ

اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا».. الآية.

ثمّ إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم خرج إلي المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلًا فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم، خاتم من ذهب.

قال: من أعطاكه؟

قال: ذلك القائم. وأومأ بيده إلي عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه.

فقال: علي أيّ حال أعطاك؟

قال: أعطاني وهو راكع.

فكبّر النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم ثمّ قرأ: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ» «1».

* شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: … ص: 28

وأخرج الحاكم الحسكاني: «قوله سبحانه: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ

__________________________________________________

(1) أسباب النزول: 110

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 29

وَهُمْ راكِعُونَ»:

قول ابن عبّاس فيه:

أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو الشيخ، قال: حدّثنا أحمد ابن يحيي بن زهير التستري وعبدالرحمان بن أحمد الزهري، قالا:

حدّثنا أحمد بن منصور، قال: حدّثنا عبدالرزّاق، عن عبدالوهّاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عبّاس [في قوله تعالي:] «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا»، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

أخبرنا السيّد عقيل بن الحسين العلوي، قال: أخبرنا أبو محمّد عبدالرحمان بن إبراهيم بن أحمد بن الفضل الطبري من لفظه بسجستان، قال: أخبرنا أبو الحسين محمّد بن عبداللَّه المزني، قال:

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبداللَّه، قال: حدّثنا الفهم بن سعيد بن الفهم بن سعيد بن سُليك بن عبداللَّه الغطفاني صاحب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، قال: حدّثنا عبدالرزّاق بن همّام، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: كنت جالساً مع ابن عبّاس إذ دخل عليه رجل فقال: أخبرني عن هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»؟

فقال ابن عبّاس: أُنزلت في عليّ بن أبي طالب.

أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا عبداللَّه

بن محمّد ابن شيبة، قال: حدّثنا عبيداللَّه بن أحمد بن منصور الكسائي، قال: حدّثنا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 30

أبو عقيل محمّد بن حاتم بن [حاجب الملقّب ب: الشاه «1»، قال: حدّثنا عبدالرزّاق، قال: حدّثنا ابن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عبّاس في قوله:

«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا»، قال: عليّ عليه السلام.

وأخبرنا الحسين [بن محمّد الثقفي ، قال: حدّثنا أبو الفتح محمّد ابن الحسين الأزدي الموصلي، قال: حدّثنا عصام بن غياث السمان البغدادي، [قال:] حدّثنا أحمد بن سيار المروزي، قال: حدّثنا عبدالرزّاق به، [و] قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.

أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن عبيداللَّه، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبداللَّه الدقاق ببغداد ابن السماك، قال: حدّثنا عبداللَّه بن ثابت المقري، قال:

حدّثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحّاك، [عن ابن عبّاس [به .

وحدّثنا الحسن بن محمّد بن عثمان الفسوي بالبصرة، قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان قال: حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد، عن ابن عبّاس.

قال سفيان: وحدّثني الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس في قول اللَّه تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»،

__________________________________________________

(1) ما بين المعقوفين لم يذكر في المصدر هنا؛ لكنّه مذكور في السند نفسه في موارداخري

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 31

يعني: ناصركم اللَّه. «وَرَسُولُهُ»، يعني: محمّداً صلّي عليه وآله وسلّم.

ثمّ قال: «وَالَّذينَ آمَنُوا»، فخصّ من بين المؤمنين عليّ بن أبي طالب فقال: «الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ»، يعني: يتمّون وضوءها وقراءتها وركوعها وسجودها وخشوعها في مواقيتها، [«وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»].

وذلك أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

وآله وسلّم صلّي يوماً بأصحابه صلاة الظهر وانصرف هو وأصحابه، فلم يبق في المسجد غير عليّ قائماً يصلّي بين الظهر والعصر، إذ دخل [عليه فقير من فقراء المسلمين، فلم يرَ في المسجد أحداً خلا عليّاً، فأقبل نحوه فقال: يا وليّ اللَّه! بالذي تصلّي له أن تتصدّق علَيّ بما أمكنك. وله خاتم عقيق يماني أحمر [كان يلبسه في الصلاة في يمينه، فمدّ يده فوضعها علي ظهره، وأشار إلي السائل أنْ انزعه، فنزعه ودعا له ومضي وهبط جبرئيل، فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لعليّ: لقد باهي اللَّه بك ملائكته اليوم؛ اقرأ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»».

قول أنس فيه:

أخبرنا عبداللَّه بن يوسف إملاءً وقراءة في الفوائد، قال: أخبرنا علي بن محمّد بن عقبة، قال: حدّثنا الخضر بن أبان، قال: حدّثنا إبراهيم بن هدبة، عن أنس:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 32

أنّ سائلًا أتي المسجد وهو يقول: من يقرض الوفيّ المليّ؟ وعليّ عليه السلام راكع يقول بيده خلفه للسائل، أي: اخلع الخاتم من يدي.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: يا عمر! وجبت.

قال: بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللَّه، ما وجبت؟

قال: وجبت له الجنّة، واللَّه ما خلعه من يده حتّي خلعه [اللَّه من كلّ ذنب ومن كلّ خطيئة.

قال: بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللَّه، هذا لهذا؟

قال: هذا لمن فعل هذا من أُمّتي.

أخبرني الحاكم الوالد ومحمّد بن القاسم، أنّ عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ أخبرهم، أنّ محمّد بن أحمد بن أيوب بن الصلت المقرئ حدّثهم، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق، وكان ثقة، قال: حدّثنا أبو أحمد زكريا بن دويد بن محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي، قال: حدّثنا حميد الطويل، عن أنس، قال:

خرج النبيّ صلّي اللَّه عليه

وآله وسلّم إلي صلاة الظهر فإذا هو بعليّ يركع ويسجد، وإذا بسائل يسأل، فأوجع قلب عليّ كلام السائل، فأومأ بيده اليمني إلي خلف ظهره، فدنا السائل منه فسلّ خاتمه عن إصبعه، فأنزل اللَّه فيه آية من القرآن، وانصرف عليّ إلي المنزل، فبعث النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إليه، فأحضره، فقال: أيّ شي ء عملت

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 33

يومك هذا بينك وبين اللَّه تعالي؟

فأخبره، فقال: هنيئاً لك يا [أ] با الحسن؛ قد أنزل اللَّه فيك آية من القرآن: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية.

[والحديث اختصرته.

قول محمّد بن الحنفيّة فيه:

أخبرنا أبو عبداللَّه النيسابوري السفياني قراءة، قال: حدّثنا ظفران بن الحسين، قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن عثمان بن تارخ المعمري، قال: حدّثنا يحيي بن عبدك القزويني، قال: حدّثنا حسان بن حسّان، قال: حدّثنا موسي بن مطير الكوفي، عن الحكم بن عُتيبة، عن المنهال بن عمرو، عن محمّد ابن الحنفيّة:

أنّ سائلًا سأل في مسجد رسول اللَّه فلم يعطه أحد شيئاً، فخرج رسول اللَّه [صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: لا، إلّارجل مررت به وهو راكع فناولني خاتمه.

فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: وتعرفه؟

قال: لا.

فنزلت هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، فكان عليّ بن أبي طالب …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 34

قول عطاء:

حدّثني الحاكم أبو بكر محمّد بن إبراهيم الفارسي، قال: أخبرنا أبو عبداللَّه محمّد بن خَفْيف بشيراز، قال: حدّثنا أبو الطيب النعمان بن أحمد بن يعمر الواسطي، قال: حدّثنا عبداللَّه بن عمر القرشي، قال:

حدّثنا أبو جعفر محمّد بن حميد الصفّار، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، عن عطاء بن السائب [في

قوله تعالي:] «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»..

الآية، قال: نزلت في عليّ؛ مرّ به سائل وهو راكع فناوله خاتمه.

قول عبدالملك بن جُرَيج المكّي

أخبرنا الحسين بن محمّد بن الحسين الجبلي، قال: حدّثنا علي بن محمّد ابن لؤلؤ، قال: أخبرنا الهيثم بن خلف الدوري، قال: حدّثنا أحمد ابن إبراهيم الدورقي، قال: حدّثنا حجّاج، عن ابن جُرَيج، قال:

لمّا نزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية، خرج النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إلي المسجد، فإذا سائل يسأل في المسجد، فقال له النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله: هل أعطاك أحد شيئاً وهو راكع؟

قال: نعم، رجل لا أدري من هو.

قال: ماذا [أعطاك ؟

قال: هذا الخاتم.

فإذا الرجل: عليّ بن أبي طالب، والخاتم خاتمه، عرفه النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 35

روايات الصحابة فيه رضي اللَّه عنهم … ص: 35

منهم: عمّار بن ياسر: … ص: 35

أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو الشيخ، قال: حدّثنا الوليد ابن أبان، قال: حدّثنا سلمة بن محمّد، قال: حدّثنا خالد بن يزيد، قال:

حدّثنا إسحاق بن عبداللَّه بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن حسن، عن جدّه، قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول:

وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة التطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فأعلَمَه ذلك، فنزل علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» … إلي آخر الآية.

[ف قال رسول اللَّه: من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه.

[و] رواه [أيضاً] أبو النضر العياشي في كتابه وفي تفسيره؛ قال:

حدّثنا سلمة بن محمّد بذلك.

ومنهم: جابر بن عبداللَّه الأنصاري: … ص: 35

حدّثنا الحاكم أبو عبداللَّه الحافظ غير مرّة، قال: أخبرنا أبو بكر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 36

محمّد بن جعفر بن يزيد الآدمي القارئ ببغداد، قال: حدّثنا أحمد بن موسي بن يزيد الشطوي، حدّثنا إبراهيم بن إبراهيم هو أبو إسحاق الكوفي، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي، قال: حدّثنا يحيي بن يعلي، عن عبيداللَّه بن موسي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:

جاء عبداللَّه بن سلام وأُناس معه يشكون إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مجانبة الناس إيّاهم منذ أسلموا. فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: ابتغوا إليّ سائلًا.

فدخلنا المسجد، فوجدنا فيه مسكيناً، فأتينا به النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فسأله: هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم، مررت برجل يصلّي فأعطاني خاتمه.

قال: اذهب فأرِهم إيّاه.

[قال جابر:] فانطلقنا وعلي قائم يصلّي، قال: هو هذا.

فرجعنا وقد نزلت هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ

اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية.

ومنهم: أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: … ص: 36

أخبرنا أبو بكر التميمي بقراءتي عليه من أصله، أخبرنا أبو محمّد عبداللَّه بن محمّد، قال: حدّثنا سعيد بن سلمة الثوري، قال: حدّثنا محمّد بن يحيي الفَيْدي، قال: حدّثنا عيسي بن عَبْداللَّه بن عُبَيداللَّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 37

جدّه، عن عليّ، قال:

نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه في بيته: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية. فخرج رسول اللَّه ودخل المسجد، وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم، فإذا سائل، فقال: يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: لا، إلّاذاك الراكع- لعلي- أعطاني خاتمه.

ومنهم: المقداد بن الأسود الكندي: … ص: 37

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمّد الحيري، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد المديني، قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدّثنا عبدالرحمان بن إبراهيم الفهري، قال: حدّثني أبي، عن علي بن صدقة، عن هلال، عن المقداد بن الأسود الكندي، قال:

كنّا جلوساً بين يدي رسول اللَّه إذ جاء أعرابي بدوي متنكّب علي قوسه …

وساق الحديث بطوله، حتّي قال: وعليّ بن أبي طالب قائم يصلّي في وسط المسجد ركعات بين الظهر والعصر، فناوله خاتمه، فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: بخٍ بخٍ بخٍ! وجبت الغرفات.

فأنشأ الأعرابي يقول:

يا وليّ المؤمنين كلّهم وسيّد الأوصياء من آدم

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 38

قد فزت بالنفل يا أبا حسن إذ جادت الكفّ منك بالخاتم

فالجود فرع وأنت مغرسه وأنتم سادة لذا العالم

فعندها هبط جبرئيل بالآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ».. الآية.

ومنهم: أبو ذرّ الغفاري: … ص: 38

حدّثني أبو الحسن محمّد بن القاسم [الفقيه الصيدلاني، قال:

أخبرنا أبو محمّد عبداللَّه بن أحمد الشعراني، قال: حدّثنا أبو علي أحمد ابن عليّ بن رزين الباشاني، قال: حدّثني المظفّر بن الحسن الأنصاري، قال: حدّثنا السندي بن عليّ الورّاق، قال: حدّثنا يحيي بن عبدالحميد الحمّاني، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، قال:

بينما عبداللَّه بن عبّاس جالس علي شفير زمزم … » «1».

ومنهم: عبداللَّه بن عبّاس بن عبدالمطّلب: … ص: 38

حدّثني أبو الحسن الفارسي، قال: حدّثني محمّد بن [علي صاحب الفقيه، قال: حدّثنا المأمون بن أحمد السلمي، قال: حدّثنا عليّ بن إسحاق الحنظلي، عن محمّد بن مروان..

وأخبرنا محمّد بن عبداللَّه الصوفي، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد

__________________________________________________

(1) إلي آخره، كما تقدّم في رواية الثعلبي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 39

ابن علي، قال: حدّثنا عبدالعزيز بن يحيي بن أحمد بن عيسي قال:

حدّثنا محمّد بن زكريّا، قال: حدّثنا أبو اليسع أيّوب بن سليمان الحبطي، قال: حدّثنا محمّد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله تعالي «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية، قال:

إنّ رهطاً من مسلمي أهل الكتاب، منهم عبداللَّه بن سلام وأسد وأُسيد وثعلبة، لمّا أمرهم اللَّه أن يقطعوا مودّة اليهود والنصاري ففعلوا، قالت قريظة والنضير: فما بالنا نودّ أهل دين محمّد وقد تبرّؤوا منّا ومن ديننا ومودّتنا، فواللَّه [الذي يحلف به لا يكلّم رجل منّا رجلًا منهم دخل في دين محمّد.

فأقبل عبداللَّه بن سلام وأصحابه فشكوا ذلك إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وقالوا: قد شقّ علينا، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك لبعد المنازل. فبينما هم يشكون إلي رسول اللَّه أمْرهم إذ نزل:

«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، وأقرأها رسول اللَّه إيّاهم، فقالوا: رضينا باللَّه وبرسوله وبالمؤمنين.

قال: وأذّن

بلال للصلاة، فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله والناس في المسجد يصلّون، من بين قائم في الصلاة وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يطوف ويسأل، فدعاه رسول اللَّه [صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 40

قال: نعم.

قال: ماذا؟

قال: خاتم فضّة.

قال: من أعطاكه؟

قال: ذاك القائم.

فنظر رسول اللَّه فإذا هو عليّ بن أبي طالب، قال: علي أيّ حالٍ أعطاكه؟

قال: أعطانيه وهو راكع.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

أخبرنا أحمد بن محمّد بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا عبداللَّه بن محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن أبي هريرة، قال: حدّثنا عبداللَّه بن عبدالوهّاب، قال: حدّثنا محمّد بن الأسود، عن محمّد بن هارون، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال:

أقبل عبداللَّه بن سلام ومعه نفر من قومه ممّن قد آمنوا بالنبيّ فقالوا: يا رسول اللَّه! إنّ منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المجلس، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنّا باللَّه وبرسوله وصدّقناه رفضونا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 41

وآلَوْا علي أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا.

فقال لهم النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

ثمّ إنّ النبيّ خرج إلي المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل فقال له النبيّ صلّي اللَّه عليه: هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم، خاتم من ذهب.

فقال له النبيّ: من أعطاكه؟

قال: ذاك القائم. وأومأ بيده إلي عليّ.

فقال له النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: علي أيّ حال أعطاك؟

قال: أعطاني

وهو راكع.

فكبّر النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ثمّ قرأ: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ».

فأنشأ حسان بن ثابت يقول في ذلك:

أبا حسن تُفْديك نفسي ومهجتي وكلّ بطي ء في الهدي ومسارع

أيذهب مدحي والمُحبّر ضائعاً وما المدح في جنب الإله بضائع

وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً زكاةً فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك اللَّه خير ولاية فبيّنها في نيّرات الشرائع

وقيل في ذلك أيضاً:

أوفي الصلاة مع الزكاة فقامها واللَّه يرحم عبده الصبّارا

من ذا بخاتمه تصدّق راكعاً وأسرّه في نفسه إسرارا

من كان بات علي فراش محمّد ومحمّد يسري وينحو الغارا

من كان جبريل يقوم يمينه فيها وميكال يقوم يسارا

من كان في القرآن سُمّيَ مؤمناً في تسع آيات جُعلن كبارا»

قوله تعالي ذكره: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ»:

أخبرنا أبو العبّاس المحمّدي، قال: أخبرنا عليّ بن الحسين، قال:

أخبرنا محمّد بن عبيداللَّه، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبيداللَّه الدقاق، المعروف ب (ابن السماك) ببغداد، قال: حدّثنا عبداللَّه بن ثابت المقرئ، قال: حدّثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال:

«وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ»، يعني: يحبّ اللَّه. «وَرَسُولَهُ»، يعني: محمّداً.

«وَالَّذينَ آمَنُوا»، يعني: ويحبّ عليّ بن أبي طالب. «فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ»، يعني: شيعة اللَّه وشيعة محمّد وشيعة عليّ هم الغالبون؛ يعني: العالون علي جميع العباد، الظاهرون علي المخالفين لهم..

قال ابن عبّاس: فبدأ اللَّه في هذه الآية بن فسه، ثمّ ثنّي بمحمّد، ثمّ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 43

ثلّث بعليّ. [ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: رحم اللَّه عليّاً، اللّهمّ أدِر الحقّ معه حيث

دار.

قال ابن مؤمن: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين [عليّ عليه السلام » «1».

* تاريخ مدينة دمشق: … ص: 43

وأخرج ابن عساكر قائلًا: «أخبرنا أبو سعد المطرز، وأبو علي الحداد، وأبو القاسم غانم بن محمّد بن عبداللَّه. ثمّ أخبرنا أبو المعالي عبداللَّه بن أحمد بن محمّد، أنبأنا أبو علي الحداد؛ قالوا: أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا سليمان بن أحمد، أنبأنا عبدالرحمان بن محمّد بن سالم «2» الرازي، أنبأنا محمّد بن يحيي بن ضريس العبدي «3»، أنبأنا عيسي بن عبداللَّه بن عبيداللَّه «4» بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، قال:

نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «إِنَّما

__________________________________________________

(1) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1/ 209- 246، باب 33 ح 216- 238، وباب 34 ح 241

(2) هو «سلم» لا «سالم»

(3) «الفيدي» لا «العبدي»

(4) كذا وسيأتي صحيحه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 44

وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فدخل المسجد- والناس يصلّون بين راكع وقائم- يصلّي، فإذا سائل، فقال [رسول اللَّه :

يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟

فقال: لا، إلّاهذاك الراكع- لعليّ- أعطاني خاتمه.

أخبرنا خالي أبو المعالي القاضي، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد الشاهد، أنبأنا أبو الفضل محمّد بن عبدالرحمان بن عبداللَّه بن الحارث الرملي، أنبأنا القاضي حملة بن محمر، أنبأنا أبو سعيد الأشج، أنبأنا أبو نعيم الأحول، عن موسي بن قيس، عن سلمة، قال:

تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ … »» «1».

* تفسير القرآن (تفسير العزّ): … ص: 44

أخرج العزّ الدمشقي فقال: ««وَهُمْ راكِعُونَ»، نزلت في عليّ- رضي اللَّه تعالي عنه- تصدّق وهو راكع. أو عامّة في المؤمنين» «2».

__________________________________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 42/ 356- 357

(2) تفسير القرآن 1/ 393

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 45

* تفسير ابن كثير: … ص: 45

وأخرج ابن كثير، قال: «وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدّثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم، في قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا»، قال: هم المؤمنون وعليّ بن أبي طالب «1»..

وحدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، حدّثنا موسي بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

وقال ابن جرير: حدّثني الحارث، حدّثنا عبدالعزيز، حدّثنا غالب بن عبداللَّه: سمعت مجاهداً يقول في قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية: نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.

وقال عبدالرزّاق: حدّثنا عبدالوهّاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عبّاس، في قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية، نزلت في

__________________________________________________

(1) روي ابن أبي حاتم بهذا السند أنّه: عليّ بن أبي طالب، وروي بسند آخر: عن السدّي، أنّه قال: هم المؤمنون وعليّ منهم.

راجع: تفسير ابن أبي حاتم 4/ 1162 ح 6548

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 46

عليّ بن أبي طالب.

عبدالوهّاب بن مجاهد لا يحتجّ به.

وروي ابن مردويه من طريق سفيان الثوري، عن أبي سنان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية.

الضحّاك لم يلقَ ابن عبّاس.

وروي ابن مردويه أيضاً من طريق محمّد بن السائب الكلبي- وهو متروك- عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إلي المسجد والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول

اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: ذلك الرجل القائم. قال:

علي أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذلك عليّ بن أبي طالب، قال: فكبّر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عند ذلك وهو يقول: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ».

وهذا إسناد لا يقدح به.

ثمّ رواه ابن مردويه من حديث عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه نفسه، وعمّار بن ياسر، وأبي رافع» «1».

__________________________________________________

(1) تفسير ابن كثير 2/ 67- 68

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 47

* الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف: … ص: 47

أخرج الحافظ ابن حجر: «رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».

ولابن مردويه من رواية سفيان الثوري، عن ابن سنان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكعٌ، فأعطاه خاتمه، فنزلت.

وروي الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسي بن عبداللَّه بن عمر بن عليّ: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن أبي طالب، قال:

نزلت هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية، فدخل رسول اللَّه المسجد والناس يصلّون، بين قائم وراكع وساجد، وإذا سائل، فقال له رسول اللَّه: أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلّاهذا الراكع- يعني: عليّاً- أعطاني خاتمه.

رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمّد بن علي الصائغ.

وعند ابن مردويه من حديث عمّار، قال: وقف بعليّ سائل وهو واقف في صلاته. الحديث..

وفي إسناده: خالد بن يزيد العمري، وهو متروك.

ورواه الثعلبي من حديث أبي ذرّ مطوّلًا، وإسناده ساقط» «1».

__________________________________________________

(1) الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف 1/ 649 ط مع الكشّاف

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 48

* الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: … ص: 48

قال السيوطي: «أخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عبّاس، قال:

تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم للسائل:

من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع. فأنزل اللَّه: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».

وأخرج عبدالرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه؛ عن ابن عبّاس، في قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»..

الآية، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه؛ عن عمّار بن ياسر، قال: وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فأعلمه ذلك،

فنزلت علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم هذه الآية: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، فقرأها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي أصحابه ثمّ قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه.

وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه؛ عن عليّ بن أبي طالب، قال:

نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في بيته: «إِنَّما

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 49

وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا» إلي آخر الآية، فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فدخل المسجد وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي، فإذا سائل، فقال: يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: لا، إلّاذاك الراكع- لعليّ بن أبي طالب- أعطاني خاتمه.

وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر؛ عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ»..

الآية.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد، في قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».. الآية: نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير عن السدّي، وعتبة بن أبي حكيم؛ مثله.

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أتي عبداللَّه بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبي اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عند الظهر فقالوا: يا رسول اللَّه! إنّ بيوتنا قاصية، لا نجد من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا اللَّه ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العداوة، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا، فشقّ ذلك علينا..

فبينا هم يشكون ذلك إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إذ نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 50

وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، ونودي بالصلاة صلاة الظهر، وخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: ذاك الرجل القائم. قال: علي أيّ حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذاك عليّ بن أبي طالب، فكبّر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عند ذلك وهو يقول:

«وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ».

وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم؛ عن أبي رافع، قال:

دخلت علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو نائم يوحي إليه، فإذا حيّة في جانب البيت، فكرهت أن أثب عليها فأُوقظ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، وخفت أن يكون يوحي إليه، فاضطجعت بين الحيّة وبين النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم؛ لئن كان منها سوء كان فِيَّ دونه، فمكثت ساعة، فاستيقظ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو يقول: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، الحمد للَّه الذي أتمّ لعليّ نعمه، وهنيئاً لعليّ بفضل اللَّه إيّاه» «1».

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3/ 104- 106

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 51

من أسانيده المعتبرة … ص: 51

اشارة

هذا، ولهذا الخبر أسانيد معتبرة في كتب القوم، نتعرّض لبعضها علي أساس كلمات علمائهم في الجرح والتعديل، وأُصولهم المقرّرة في علم الرجال؛ فمن هذه الأسانيد المعتبرة:

1- رواية ابن أبي حاتم … ص: 51

، عن سلمة بن كهيل:

لأنّ «ابن أبي حاتم» هو الإمام الحافظ الشهير، الغنيّ عن التعريف «1».

و «أبو سعيد الأشج» هو: عبداللَّه بن سعيد الكندي، من رجال الصحاح الستّة «2».

و «الفضل بن دكين» من رجال الصحاح الستّة كذلك «3»، ومن كبار شيوخ البخاري.

و «موسي بن قيس الحضرمي»؛ قال ابن حجر: «يلقّب: عصفور الجنّة، صدوق، رمي بالتشيّع» «4».

__________________________________________________

(1) راجع- مثلًا-: سير أعلام النبلاء 13/ 263- 269 رقم 129

(2) تقريب التهذيب 2/ 497 رقم 3365

(3) تقريب التهذيب 2/ 11 رقم 5418

(4) تقريب التهذيب 2/ 227 رقم 7029

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 52

و «سلمة بن كهيل» من رجال الصحاح الستّة أيضاً «1».

2- رواية ابن أبي حاتم أيضا … ص: 52

، عن عتبة بن أبي حكيم:

لأنّ «الربيع بن سليمان المرادي» من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجة. قال ابن حجر: «صاحب الشافعي. ثقة» «2».

و «أيوب بن سويد»، وهو الرملي، من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجة أيضاً. قال ابن حجر: «صدوق، يخطئ» «3».

و «عتبة بن أبي حكيم» من رجال مسلم والبخاري في خلق أفعال العباد. قال ابن حجر: «صدوق، يخطئ كثيراً» «4».

3- رواية ابن جرير الطبري: … ص: 52

فقد روي خبر عتبة بن أبي حكيم عن:

«إسماعيل بن إسرائيل الرملي»؛ ذكره السمعاني فقال: «سمع منه أبو محمّد عبدالرحمن بن أبي حاتم وقال: كتبت عنه، وهو ثقة صدوق» «5»،

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 378 رقم 2515

(2) تقريب التهذيب 1/ 294 رقم 1899

(3) تقريب التهذيب 1/ 118 رقم 616

(4) تقريب التهذيب 1/ 652 رقم 4444

(5) الأنساب 5/ 585 «اللآل». انظر: الجرح والتعديل 2/ 158 رقم 533

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 53

عن «أيوب بن سويد»،

عن «عتبة بن أبي حكيم»؛

وقد عرفتهما.

4- رواية ابن مردويه: … ص: 53

وهي الرواية التي ذكرها ابن كثير، وتعقّبها بقوله: «الضحّاك لم يلقَ ابن عبّاس»، فنقول:

إذا كان هذا فقط هو المطعن فالأمر سهل:

أمّا أوّلًا: فإنّه- وإن قال بعضهم: «لم يلق ابن عبّاس» - قد ورد حديثه عنه في ثلاثة من الصحاح «1»، وابن حجر العسقلاني لم يقدح في هذه الرواية- كما مرّ في الكاف الشاف-.

وأمّا ثانياً: فإنّه لو كانت روايته عن ابن عبّاس مرسلةً، فالواسطة معلومة حتي عند القائل بإرسالها؛ فقد رووا عن شعبة، قال: «حدّثني عبدالملك بن ميسرة، قال: الضحّاك لم يلق ابن عبّاس، إنّما لقي سعيد ابن جبير بالريّ، فأخذ عنه التفسير» «2».

وعليه، فروايات الضحّاك عن ابن عبّاس في التفسير مسندة غير

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 9/ 173

(2) تهذيب الكمال 9/ 175

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 54

مرسلة؛ إذ كلّها بواسطة «سعيد بن جبير» الثقة الثبت بالاتّفاق، غير إنّه كان لا يذكر الواسطة لدي النقل؛ تحفّظاً علي سعيد، لكونه مشرّداً مطارداً من قبل جلاوزة الحجّاج الثقفي، وتحفّظاً علي نفسه أيضاً، لكونه قصد سعيداً في الريّ للأخذ عنه، وجعل يروي ما أخذه عنه وينشر رواياته بين الناس، لاسيّما مثل هذا الخبر الذي يُعَدّ من جلائل مناقب أمير المؤمنين

عليه الصلاة والسلام.

هذا، واعلم أنّ «ابن سنان» الراوي عن «الضحّاك» هو- بقرينة الراوي والمروي عنه-: «سعيد بن سنان البرجمي الكوفي، نزل الريّ»، قال الحافظ ابن حجر: «صدوق له أوهام» وعلّم عليه علامة: مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة «1».

ولا أستبعد أن يكون «ابن سنان» هذا أيضاً من المشرّدين اللاجئين إلي الريّ خوفاً من الحجّاج، وأن يكون إسقاط اسم «سعيد بن جبير» منه … واللَّه العالم.

وكيف كان، فالرواية من الأسانيد المعتبرة الواردة في الباب.

5- رواية الحاكم النيسابوري: … ص: 54

رواه بإسنادٍ له عن أمير المؤمنين عليه السلام كما تقدّم.

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 356 رقم 2339

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 55

أمّا «محمّد بن عبداللَّه الصفّار» فهو: محمّد بن عبداللَّه بن أحمد الأصفهاني الزاهد. قال السمعاني: «وكان زاهداً حسن السيرة ورعاً كثير الخير» «1».

وقال الذهبي: «الشيخ الإمام المحدّث القدوة …

وقال الحاكم: «هو محدّث عصره، كان مجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلي السماء- كما بلغنا- نيّفاً وأربعين سنة.

توفي سنة 339» «2».

و «أبو يحيي عبدالرحمن بن محمّد» من كبار الحفّاظ المشهورين، ترجم له الحافظ أبو نعيم فقال: «سكن أصبهان، إمام جامعها، توفّي سنة 291، مقبول القول، حدّث عن العراقيّين وغيرهم الكثير، صاحب التفسير والمسند … حدّثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبدالرحمن بن محمّد بن سلم … » «3».

وترجم له الذهبي ب: «الحافظ، المجوّد، العلّامة، المفسّر … حدّث عنه القاضي أبو أحمد العسّال، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الشيخ بن

__________________________________________________

(1) الأنساب 3/ 546 «الصفّار»

(2) سير أعلام النبلاء 15/ 437 رقم 248

(3) ذكر أخبار إصبهان 2/ 75

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 56

حيّان … وكان من أوعية العلم … » «1». وقال أيضاً: «كان من الثقات» «2».

و «محمّد بن يحيي بن الضريس الكوفي

الفيدي»، ذكره ابن أبي حاتم فقال: «كان يسكن فيد، روي عن محمّد بن فضيل، والوليد بن بكير، ومحمّد بن الطفيل، وعمرو بن هاشم الجنبي، وعيسي بن عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، سمع منه أبي وروي عنه.

سمعت أبي يقول ذلك.

سئل أبي عنه فقال: صدوق» «3».

و «عيسي بن عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب» ذكره ابن حبّان في كتاب الثقات «4»..

عن «عبيد اللَّه بن عمر». وهذا اشتباه؛ فإنّ الصحيح هو: عيسي بن عبداللَّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، فإنّ والد «عبداللَّه» هو «محمّد» وليس «عبيداللَّه»، وكذلك جاء في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، كما

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 13/ 530 رقم 262. انظر: طبقات المحدّثين بأصبهان 3/ 530 رقم 711

(2) تذكرة الحفّاظ 2/ 690 رقم 711

(3) الجرح والتعديل 8/ 124 رقم 556

(4) كتاب الثقات 8/ 492

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 57

سنذكره في تصحيح روايته.

أمّا رواية الحاكم هذه فقد جاءت في نقل الحافظ ابن حجر عن كتابه معرفة علوم الحديث علي الوجه الصحيح، كما تقدّم عن الكاف الشاف.

و «محمّد بن عمر» من رجال الصحاح الستّة «1».

عن «عمر بن عليّ» وهو من رجال الصحاح الستّة أيضاً «2».

فالسند صحيح قطعاً.

6- رواية ابن عساكر: … ص: 57

وقد أخرج الحافظ ابن عساكر هذا الخبر بإسنادٍ له عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه تراجم رجاله:

«أبو علي الحدّاد» وهو: الحسن بن أحمد بن الحسن الأصفهاني.

قال السمعاني: «كان عالماً، ثقة، صدوقاً، من أهل العلم والقرآن والدين، عمّر دهراً، وحدّث بالكثير»، و «هو أجلّ شيخ أجاز لي … وكان خيّراً صالحاً، ثقة. وقد سمع من أبي نعيم من تواليفه: … » «3».

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 2/ 117 رقم 6190

(2) تقريب

التهذيب 1/ 724 رقم 4967

(3) التحبير في المعجم الكبير 52- 57 رقم 97

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 58

ووصفه الذهبي ب: «الشيخ الإمام، المقرئ المجوّد، المحدّث المعمّر، مسند العصر … شيخ أصبهان في القراءات والحديث معاً …

توفّي سنة 515» «1».

«أبو نعيم الحافظ»، وهو الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، المشهور المعروف، ولا حاجة إلي بيان توثيقه.

«سليمان بن أحمد»، وهو الطبراني، الحافظ الشهير، ولا حاجة إلي بيان توثيقه أيضاً.

عن «عبدالرحمن بن سلم الرازي»،

عن «محمّد بن يحيي بن الضريس»،

عن «عيسي بن عبداللَّه» … إلي آخر السند.

وقد عرفتهم في رواية الحاكم..

والصحيح هو: «عيسي بن عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ»، كما أشرنا، وهكذا جاء اسمه في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام؛ فقد روي عنه بإسناده «حديث الطير»، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين عليه السلام «2».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 19/ 303- 307 رقم 193

(2) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 42/ 245

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 59

فوائد مهمّة … ص: 59

اشارة

وهنا فوائد ومطالب مهمّة لا بُدّ من التنبيه عليها:

الفائدة الأُولي استنباط الحكم الشرعي من القضيّة … ص: 59

اشارة

قال الجصّاص: «باب العمل اليسير في الصلاة:

قال اللَّه تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ … ». روي عن مجاهد والسدّي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع …

وقد اختلف في معني قوله: «وَهُمْ راكِعُونَ» … فإن كان المراد فعل الصدقة في حال الركوع فإنّه يدلّ علي إباحة العمل اليسير في الصلاة …

فإنْ قال قائل: فالمراد أنّهم يتصدّقون ويصلّون ولم يرد به فعل الصدقة في الصلاة.

قيل له: هذا تأويل ساقط؛ من قِبَل أنّ قوله تعالي: «وَهُمْ راكِعُونَ» إخبار عن الحال التي تقع فيها الصدقة، كقولك: تكلّم فلان وهو قائم، و: أعطي فلاناً وهو قاعد، إنّما هو: إخبار عن حال الفعل …

فثبت أنّ المعني: ما ذكرناه من مدح الصدقة في حال الركوع، أو في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 60

حال الصلاة.

وقوله تعالي: «وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» يدلّ علي أنّ صدقة التطوّع تسمّي زكاةً؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً، وهو نظير قوله تعالي: «وَما آتَيْتُم مِن زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه فأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفونَ» «1»

قد انتظم صدقة الفرض والنفل، فصار اسم الزكاة يتناول الفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين» «2».

وكذا في تفسير القرطبي، نقلًا عن الكيا الطبري «3»، وأشار إليه الزمخشري وأبو السعود وغيرهما «4».

قلت: وفيه فوائد: … ص: 60

1- ترتّب الأثر الفقهي، واستنباط الحكم الشرعي من هذه القضيّة.

2- إنّ لفظ «الزكاة» يعمّ الفرض والنفل.

3- إنّ «الواو» في «وَهُمْ راكِعُونَ» حاليّة.

__________________________________________________

(1) سورة الروم 30: 39

(2) أحكام القرآن- للجصّاص- 2/ 625- 626

(3) تفسير القرطبي 6/ 144

(4) انظر: الكشّاف 1/ 624، تفسير أبي السعود العمادي (إرشاد العقل السليم إلي مزايا القرآن الكريم) 3/ 52، تفسير النسفي (عبداللَّه بن أحمد بن محمود) 1/

289، الدرّ المختار شرح تنوير الأبصار 6/ 738

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 61

الفائدة الثانيةرأي الإمام الباقر في نزول الآية … ص: 61

ولقد ذكر بعضهم- كالجصّاص في عبارته المذكورة- الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام في القائلين بن زولها في أمير المؤمنين عليه السلام، وبه يردّ علي ما نقله الدهلوي في التحفة الاثني عشرية عن تفسير النقّاش أنّه عزا إلي الإمام قوله بأنّ المراد: عموم المؤمنين، فقيل له: الناس يقولون إنّها نزلت في خصوص عليّ؟! فقال: عليّ من المؤمنين.

هذا، مضافاً إلي تكلّم القوم في البغدادي النقّاش وتفسيره المسمّي شفاء الصدور؛ فأبو بكر البرقاني يقول: كلّ حديث النقّاش منكر، وليس في تفسيره حديث صحيح..

ووهّاه الدارقطني.

وهبة اللَّه بن الحسن اللالكائي الطبري يقول: تفسير النقّاش إشفي «1» الصدور لا شفاء الصدور.

والخطيب البغدادي يقول: في أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة.

__________________________________________________

(1)) الإشفي المِثْقَب، يُخرز به، يستعمله الإسكاف. انظر: لسان العرب 14/ 438 مادّة «شفي»

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 62

وطلحة بن محمّد الشاهد يقول: كان النقّاش يكذب في الحديث.

والذهبي يقول: قلبي لا يسكن إليه، وهو عندي متّهم «1».

الفائدة الثالثةالخبر في شعر حسّان وغيره … ص: 62

ذكر الحاكم الحسكاني أنّ الصحابي حسان بن ثابت نظم هذه المنقبة في شعرٍ له، فأورده، ثمّ أورد شعراً قيل أيضاً في هذه القضيّة، وهناك أشعار أُخري لشعراء كبار من المتقدّمين والمتأخّرين، مذكورة في الكتب المطوّلة، فلتراجع.

الفائدة الرابعةقول النبيّ في الواقعة: من كنت مولاه فعليّ مولاه … ص: 62

جاء في رواية الطبراني في الأوسط، ورواية جماعةٍ آخرين، كما في الدرّ المنثور: أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال بعد نزول آية الولاية في قضيّة تصدّق الإمام: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؛ وقوله هذا

__________________________________________________

(1) لاحظ الكلمات في: تاريخ بغداد 2/ 198- 201 رقم 635، سير أعلام النبلاء 15/ 573- 567 رقم 348، لسان الميزان 5/ 132؛ ترجمة النقّاش أبي بكر محمّد ابن الحسن بن محمّد بن زياد الموصلي البغدادي (266- 351 ه)

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 63

ممّا يؤكّد دلالة الآية علي الإمامة.

وهذا المورد أحد موارد قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه … وإن كان المشهور من بينها يوم غدير خم.

الفائدة الخامسةدعاء النبيّ بعد القضية … ص: 63

وفي الدرّ المنثور عن جماعةٍ من الحفّاظ: أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال بعد نزول الآية: «الحمد للَّه الذي أتمّ لعليّ نعمه، وهنيئاً لعليّ بفضل اللَّه إيّاه».

الفائدة السادسةإنّ الخاتم كان عقيقاً يمانيّاً أحمر … ص: 63

وجاء في روايةٍ للحاكم الحسكاني: أنّ الخاتم الذي أعطاه الإمام للمسكين كان عقيقاً يمانياً أحمر يلبسه في الصلاة في يمينه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 65

الفصل الثاني في دلالة الآية علي الإمامة … ص: 65

وقد استدلّ أصحابنا بهذه الآية المباركة- بالنظر إلي الأحاديث المعتبرة والمتّفق عليها، الصريحة في نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام لمّا تصدّق بخاتمه وهو راكع- منذ قديم الأيّام، نذكر هنا كلمات بعضهم:

* قال الشريف المرتضي:

«ويدلّ علي ذلك: قوله تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ … ».

وقد ثبت أنّ لفظة «وَلِيُّكُمُ» في الآية تفيد: مَن كان أوْلي بتدبير أُموركم، ويجب طاعته عليكم.

وثبت أيضاً أنّ المشار إليه في قوله تعالي: «وَالَّذينَ آمَنُوا»:

أمير المؤمنين؛ وفي ثبوت ذلك وضوح النصّ عليه بالإمامة» «1».

__________________________________________________

(1) الذخيرة في علم الكلام: 438

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 66

* قال شيخ الطائفة:

«وأمّا النصّ علي إمامته من القرآن، فأقوي ما يدلّ عليها: قوله تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ».

ووجه الدلالة من الآية هو: إنّه ثبت أنّ المراد بلفظة «وَلِيُّكُمُ» المذكورة في الآية: من كان متحقّقاً بتدبيركم والقيام بأُموركم، وتجب طاعته عليكم، وثبت أنّ المعنيّ ب «الَّذينَ آمَنُوا»: أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي ثبوت هذين الوصفين دلالة علي كونه عليه السلام إماماً لنا» «1».

* وقال الشيخ نصير الدين الطوسي:

«ولقوله تعالي: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ … »؛ وإنّما اجتمعت الأوصاف في عليّ عليه السلام».

* فقال العلّامة الحلّي بشرح هذا الكلام ما نصّه:

«أقول: هذا دليل آخر علي إمامة عليّ عليه السلام، وهو قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ

__________________________________________________

(1) تلخيص الشافي 2/ 10

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 67

وَهُمْ راكِعُونَ».

والاستدلال بهذه الآية يتوقّف علي مقدّمات:

(إحداها:) إنّ لفظة «إِنَّما» للحصر؛ ويدلّ عليه:

المنقول والمعقول.

أمّا المنقول: فلإجماع أهل العربية عليه.

وأمّا المعقول: فلأنّ لفظة (إن) للإثبات، و (ما) للنفي قبل التركيب، فيكون كذلك بعد التركيب؛ عملًا بالاستصحاب، وللإجماع علي هذه الدلالة. ولا يصحّ تواردهما علي معنيً واحد، ولا صرف الإثبات إلي غير المذكور والنفي إلي المذكور؛ للإجماع، فبقي العكس، وهو: صرف الإثبات إلي المذكور والنفي إلي غيره، وهو معني: الحصر.

(الثانية:) إنّ (الوليّ) يفيد: (الأوْلي بالتصرّف)؛ والدليل عليه: نقل أهل اللغة واستعمالهم، كقولهم: السلطان وليّ من لا وليّ له، وكقولهم:

وليّ الدم ووليّ الميّت، وكقوله عليه السلام: أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل.

(الثالثة:) إنّ المراد بذلك: بعض المؤمنين؛ لأنّه تعالي وصفهم بوصف مختص ببعضهم، ولأنّه لولا ذلك لزم اتّحاد الوليّ والمولّي عليه.

وإذا تمهّدت هذه المقدّمات، فنقول:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 68

المراد بهذه الآيات هو: عليّ؛ للإجماع الحاصل علي أنّ من خصص بها بعض المؤمنين قال: إنّه عليّ عليه السلام، فصرفها إلي غيره خرق للإجماع.

ولأنّه عليه السلام إمّا كلّ المراد، أو بعضه؛ للإجماع، وقد بيّنّا عدم العموميّة؛ فيكون هو كلّ المراد.

ولأنّ المفسّرين اتّفقوا علي أنّ المراد بهذه الآية: عليّ عليه السلام؛ لأنّه لمّا تصدّق بخاتمه حال ركوعه نزلت هذه الآية فيه، ولا خلاف في ذلك» «1».

* وقال العلّامة الحلّي أيضاً:

«أمّا القرآن فآيات:

الأُولي «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ … ».

أجمعوا علي نزولها في عليّ عليه السلام، وهو مذكور في الجمع بين الصحاح الستّة، لمّا تصدّق بخاتمه علي المسكين في الصلاة بمحضر من الصحابة، والولي هو المتصرّف.

وقد أثبت اللَّه الولاية لذاته وشرّك معه الرسول وأمير المؤمنين، وولاية اللَّه تعالي عامّة، فكذا النبيّ والولي» «2».

__________________________________________________

(1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 394

(2) نهج الحقّ وكشف الصدق: 172

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص:

69

أقول:

إنّ الاستدلال يتّضح ببيان مفردات الآية المباركة، فنقول:

«إنّما»: دالّة علي الحصر، كقوله تعالي: «إنَّمَا اللَّه إِلهٌ وَاحِدٌ» «1». و «الولاية» هنا بمعني: «الأوْلوية»، كما في قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «ألست أوْلي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي. قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه». وكما في قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «عليّ منّي وأنا من عليّ، وهو وليّكم بعدي» «2».

«الَّذينَ آمَنُوا»: المراد: خصوص أمير المؤمنين عليه السلام؛ للأحاديث الصحيحة المتّفق عليها.

«وَهُمْ راكِعُونَ»: هذه «الواو» حاليّة، و «راكِعُونَ» بمعني:

«الركوع» الذي هو من أفعال الصلاة؛ وذلك للأحاديث في أنّ أمير المؤمنين أعطي السائل خاتمه في حال الركوع.

وعلي الجملة، فإنّ العمدة في الاستدلال بالآية المباركة: نزولها لدي الفريقين في قضيّة إعطاء أمير المؤمنين عليه السلام خاتمه للسائل في حال الركوع من صلاته، وأنّ «الولاية» في الآية هي: «الأوْلوية»..

أمّا كون «الولاية» بالمعني المذكور، فلأنّ سائر معاني الكلمة

__________________________________________________

(1) سورة النساء (4): 171

(2) راجع: كتابنا الكبير الجزء 7 «حديث الغدير»، والجزء 9 «حديث الولاية»

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 70

لا يجتمع شي ء منها مع الحصر المدلول للفظة «إنّما»، وقد اتّضح إثبات مجي ء «الولاية» بمعني: «الأوْلوية بالتصرّف» - كتاباً وسُنّة ولغةً وعرفاً- في كتابنا، في بيان دلالة الحديثين المذكورين علي الإمامة «1».

وأمّا كون المراد من الآية هو: عليّ عليه السلام؛ فللأحاديث، وقد اعترف غير واحدٍ من الأعلام باتّفاق المفسّرين علي ذلك، كما اعترف الآلوسي بأنّه: رأي غالب الأخباريّين «2».

__________________________________________________

(1) راجع: كتابنا 4/ 11، و 9/ 268 وما بعدهما من صفحات

(2) روح المعاني 6/ 167

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 71

الفصل الثالث في دفع شبهات المخالفين … ص: 71

اشارة

وحينئذٍ يأتي دور النظر في شُبُهات المخالفين، ولمّا كان هذا الاستدلال من أقوي أدلّة أصحابنا علي إمامة أمير

المؤمنين، لكونه مستنداً إلي الكتاب والسُنّة الثابتة المقبولة لدي الفريقين، فقد بذلوا أقصي جهودهم للردّ عليه.

وقد اشترك في الردّ علي هذا الاستدلال المعتزلة والأشاعرة، وقد ظهر لدي التحقيق أنّ الأصل في عمدة شبهاتهم في المقام هم المعتزلة، والأشاعرة عيال عليهم وتبع لهم.

كلام القاضي عبدالجبّار المعتزلي: … ص: 71

فلنورد أوّلًا ملخّص كلام قاضي القضاة المعتزلي «1» في

__________________________________________________

(1) هو: أبو الحسن عبدالجبّار بن أحمد بن عبدالجبّار الأسدآبادي الهمداني (320- 415 ه)، صاحب التصانيف، من كبار فقهاء الشافعية، شيخ المعتزلة في عصره وعلي رأسهم في الأُصول، ورد بغداد وحدّث بها، ولي قضاء القضاة في الري.

انظر: تاريخ بغداد 11/ 113 رقم 5806، سير أعلام النبلاء 17/ 244 رقم 150. الأعلام 3/ 273، وله ترجمة في كتابنا 22/ 202

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 72

الاعتراض علي الاستدلال بالآية، فإنّه قال:

اعلم أنّ المتعلّق بذلك لا يخلو من أن يتعلّق بظاهره أو بأُمور تقارنه، فإنْ تعلّق بظاهره فهو غير دالّ علي ما ذُكر، وإن تعلّق بقرينةٍ فيجب أن يبيّنها، ولا قرينة من إجماع أو خبرٍ مقطوع به.

فإن قيل: ومن أين أن ظاهره لا يدلّ علي ما ذكرناه؟

قيل له: إنّه تعالي ذكر الجمع، فكيف يحمل علي واحدٍ معين؟! وقوله: «وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» لو ثبت أنّه لم يحصل إلّا لأمير المؤمنين، لم يوجب أنّه المراد بقوله: «وَالَّذينَ آمَنُوا»؛ لأنّ صدر الكلام إذا كان عامّاً لم يجب تخصيصه لأجل تخصيص الصفة.

ومن أين أنّ المراد بقوله: «يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» ما زعموه دون أن يكون المراد به: أنّهم يؤتون الزكاة وطريقتهم التواضع والخضوع؟

وليس من المدح إيتاء الزكاة مع الاشتغال بالصلاة، لأنّ الواجب في الراكع أن يصرف همّته ونيّته إلي ما هو فيه ولا يشتغل بغيره؛ قال شيخنا

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 73

أبو هاشم يجب أن يكون المراد بذلك: الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الواجبتين دون النفل … والذي فعله أمير المؤمنين كان من النفل …

فإنْ صحّ أنّه المختص بذلك، فمن أين أنّه يختص بهذه الصفة في وقتٍ معيّن ولا ذكر للأوقات فيه، وقد علمنا أنّه لا يصح أن يكون إماماً مع الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فلا يصحّ التعلّق بظاهره..

ومتي قيل: إنّه إمام من بعد في بعض الأحوال، فقد زالوا عن الظاهر، وليسوا بذلك أوْلي ممّن يقول: إنّه إمام في الوقت الذي ثبت أنّه إمام فيه.

هذا لو سلّمنا أنّ المراد بالولي ما ذكروه، فكيف وذلك غير ثابت؟

فلا بُدّ من أن يكون محمولًا علي تولّي النصرة في باب الدين، وذلك ممّا لايختص بالإمامة، ولذلك قال من بعد: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ».

وقد ذكر شيخنا أبو علي أنّه قيل: إنّها نزلت في جماعةٍ من أصحاب النبيّ … والّذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الّذين وصفهم من قبل بأنّه يذلّ المرتدّين بهم بقوله: «فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنينَ»، وأراد به: طريقة التواضع، «أَعِزَّةٍ عَلَي الْكافِرينَ … » «1».

__________________________________________________

(1) سورة المائدة (5): 54

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 74

وقد روي أنّها نزلت في عبادة بن الصامت … » «1».

أقول:

أوّلًا: هذا الكلام قد ردّ عليه بالتفصيل في كتاب الشافي والذخيرة وتلخيص الشافي.

وثانياً: لك أن تقارن بين هذا الكلام وبين كلمات المتأخّرين عنه من الأشاعرة.

كلمات المتأخّرين عن قاضي القضاة: … ص: 74

* فالفخر الرازي، إذا راجعت كلامه في تفسيره «2» وجدته عيالًا علي القاضي المعتزلي؛ إذ كرّر هذه الشبهات من غير أن يشير إلي أجوبة السيّد المرتضي وغيره عليها!!

*

والقاضي العضد الإيجي أجاب قائلًا: «والجواب: أنّ المراد هو:

الناصر؛ وإلّا دلّ علي إمامته حال حياة الرسول، ولأنّ ما تكرّر فيه صيغ الجمع كيف يحمل علي الواحد؟! ولأنّ ذلك غير مناسب لِما قبلها وما بعدها» «3».

__________________________________________________

(1) المغني في الإمامة ج 20 ق 1/ 134- 139

(2) تفسير الرازي 12/ 29

(3) المواقف: 400، شرح المواقف 8/ 360

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 75

* والسعد التفتازاني أجاب: «ما قبل الآية شاهد صدق علي أنّه لولاية المحبّة والنصرة دون التصرّف والإمامة، ووصف المؤمنين يجوز أن يكون للمدح دون التخصيص، ولزيادة شرفهم واستحقاقهم..

«وَهُمْ راكِعُونَ»: يحتمل العطف، أو: يخضعون، وظاهر الكلام ثبوت الولاية بالفعل وفي الحال، ولم يكن حينئذٍ ولاية التصرّف والإمامة، وصرفه إلي المآل لا يستقيم في اللَّه ورسوله، وحمل صيغة الجمع علي الواحد إنّما يصحّ بدليل، وخفاء الاستدلال بالآية علي الصحابة عموماً وعلي عليّ خصوصاً في غاية البعد» «1».

* والآلوسي، انتحل كلام شاه عبدالعزيز الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشرية بطوله من غير أن يذكره أصلًا، بل عزا كلامه إلي أهل السُنّة، قائلًا: وقد أجاب أهل السُنّة «2» …

وسيأتي البحث مع الدهلوي إن شاء اللَّه تعالي.

* وابن تيميّة، وجد أنّ لا مناص ولا خلاص إلّابتكذيب أصل القضيّة، فقال: «وقد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفتري: إنّ هذه الآية نزلت في عليّ لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة. وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل» «3».

__________________________________________________

(1) شرح المقاصد 5/ 269

(2) روح المعاني 6/ 245

(3) منهاج السُنّة 2/ 30

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 76

وقال أيضاً: «أجمع أهل العلم بالنقل علي أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث علي أنّ القصّة المرويّة في ذلك

من الكذب الموضوع» «1».

وقال: «جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر» «2».

* وابن روزبهان، لم يكذّب الخبر، وإنّما ناقش في معني «الولاية» فحملها علي «النصرة»، وتمسّك بالسياق؛ وهذان وجهان من الوجوه المذكورة في كلام القاضي المعتزلي.

* وعبد العزيز الدهلوي- الذي انتحل كلامه الآلوسي في تفسيره، وتبعه صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية- أجاب عن الاستدلال أوّلًا بالإجمال، وحاصله: النقض بإمامة سائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام..

قال: «إنّ هذا الدليل كما يدلّ علي نفي إمامة الأئمّة المتقدّمين، كما قرّر، يدلّ كذلك علي سلب الإمامة عن المتأخّرين بذلك التقرير بعينه؛ فلزم أنّ السبطين ومَن بعدهما من الأئمّة الأطهار لم يكونوا أئمّة.

فلو كان استدلال الشيعة هذا يصحّ لفسد تمسّكهم بهذا الدليل؛ إذ لا يخفي أنّ حاصل هذا الاستدلال، بما يفيد في مقابلة أهل السُنّة، مبني علي كلمة الحصر، والحصر كما يضرّ أهل السُنّة يكون مضرّاً للشيعة

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 11

(2) منهاج السُنّة 7/ 17

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 77

أيضاً، فإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد: حصر الولاية في الأمير كرّم اللَّه وجهه في بعض الأوقات، أعني وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي اللَّه تعالي عنهم. قلنا: فمرحباً بالوفاق».

وأجاب عن الاستدلال ثانياً بالتفصيل، وهو في وجوه:

«الأوّل: إنّا لا نسلّم الإجماع علي نزول الآية في الأمير؛ فروي أبوبكر النقّاش صاحب التفسير المشهور عن محمّد الباقر رضي اللَّه تعالي عنه أنّها نزلت في المهاجرين والأنصار، فقيل: قد بلغنا- أو: يقول الناس- أنّها نزلت في عليّ كرّم اللَّه تعالي وجهه. فقال: هو منهم..

وروي جمع من المفسّرين عن عكرمة، أنّها نزلت في شأن أبي بكر.

وأمّا نزولها في حقّ عليّ ورواية قصّة السائل وتصدّقه عليه في حال الركوع فإنّما هو للثعلبي

فقط، وهو متفرّد به، ولا يعدّ المحدّثون من أهل السُنّة روايات الثعلبي قدر شعيرة، ولقّبوه ب «حاطب ليل»؛ فإنّه لا يميّز بين الرطب واليابس، وأكثر رواياته في التفسير عن الكلبي «1» عن أبي صالح، وهي أوهي ما يروي في التفسير عندهم..

وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان في حال الكلبي: إنّه كان من

__________________________________________________

(1) تصحّف «الكلبي» إلي «الكليني» في مختصر التحفة الاثني عشرية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 78

أتباع عبداللَّه بن سبأ …

وينتهي بعض روايات الثعلبي إلي محمّد بن مروان السدّي الصغير، وهو كان رافضيّاً غالياً.

والثاني: إنّا لا نسلّم أنّ المراد بالولي: المتولّي للأُمور والمستحق للتصرّف فيها تصرّفاً عاماً، بل المراد به: الناصر؛ وهو مقتضي السياق.

والثالث: إنّه لو سلّم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام أو مساوٍ له، كما ذكره المرتضي في الذريعة، وابن المطهّر في النهاية، والعبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السبب..

وليست الآية نصّاً في كون التصدّق واقعاً في حال ركوع الصلاة؛ لجواز أن يكون الركوع بمعني التخشّع والتذلّل، لا بالمعني المعروف في عرف أهل الشرع.

وليس حمل الركوع في الآية علي غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة علي مثل ذلك التصدّق، وهو لازم علي مدّعي الإماميّة قطعاً.

وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدّس سرّه عن أصل الاستدلال:

بأنّ الدليل قام في غير محلّ النزاع، وهو كون عليّ كرّم اللَّه تعالي وجهه إماماً بعد رسول اللَّه من غير فصل؛ لأنّ ولاية الّذين آمنوا علي زعم الإماميّة غير مرادة في زمان الخطاب؛ لأنّ ذلك عهد النبوّة والإمامة نيابة،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 79

فلا تُتصور إلّابعد انتقال النبيّ، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخّر عن زمن الانتقال، ولا

حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلي الأمير بعد مضي زمان الأئمّة الثلاثة؛ فلم يحصل مدّعي الإماميّة.

(قال:) ولو تنزّلنا عن هذه كلّها لقلنا: إنّ هذه الآية معارضة بالآيات الناصّة علي خلافة الخلفاء الثلاثة» «1».

__________________________________________________

(1) التحفة الاثنا عشرية: 198، وانظر: مختصر التحفة الاثني عشرية: 157، وقارن بتفسير الآلوسي (روح المعاني) 6/ 245- 246!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 80

النظر في هذه الكلمات ودفع الشبهات … ص: 80

اشارة

أقول:

إنّ أهمّ هذه الشبهات، المتّخذة في الأغلب من المعتزلة- كما يظهر بالمقارنة- ما يلي:

1- لا إجماع علي نزول الآية في عليّ وتصدّقه: … ص: 80

اشارة

ادّعاه القاضي المعتزلي، وتبعه جمع من الأشاعرة، كالرازي، الذي زعم أنّ أكثر المفسّرين علي أنّه في حقّ الأُمّة «1».

والجواب: إنّ الإماميّة إنّما يستدلّون بإجماع المفسّرين من أهل السُنّة علي نزول الآية المباركة في قضية أمير المؤمنين عليه السلام، اعتماداً علي إقرار غير واحدٍ من أكابر القوم بذلك:

اعتراف القاضي العضد بالإجماع: … ص: 80

فمنهم: القاضي عضد الدين الإيجي «2»، المتوفّي سنة 756، في

__________________________________________________

(1) تفسير الرازي 12/ 27

(2) وصفوه بأوصاف ضخمة: «قاضي قضاة الشرق» و «شيخ العلماء» و «شيخ الشافعية» قالوا: «كان إماماً في المعقولات، محقّقاً، مدقّقاً، قائماً بالأُصول والمعاني والعربية، مشاركاً في الفقه وغيره من الفنون».. «أنجب تلاميذ اشتهروا في الآفاق». الدرر الكامنة 2/ 196، البدر الطالع 1/ 227، شذرات الذهب 6/ 174، طبقات الشافعية- للأسنوي- 2/ 109، بغية الوعاة: 296

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 81

كتابه المشهور: المواقف في علم الكلام «1»؛ فقد قال في معرض الاستدلال بالآية: «وأجمع أئمّة التفسير أنّ المراد: عليّ» «2».

اعتراف الشريف الجرجاني: … ص: 81

ومنهم: الشريف الجرجاني «3»، المتوفّي سنة 816؛ فقد قال في

__________________________________________________

(1) قال في كشف الظنون 2/ 1891: «المواقف في علم الكلام، وهو كتاب جليل القدر، رفيع الشأن، اعتني به الفضلاء، فشرحه السيّد الشريف، وشرحه شمس الدين محمّد بن يوسف الكرماني … »، ثمّ ذكر الشروح والحواشي عليها، وقال: «وهي كثيرة جدّاً».

وقال الشوكاني- بترجمة الإيجي-: «له: المواقف في علم الكلام ومقدّماته، وهو كتاب يقصر عنه الوصف، لا يستغني عنه من رام تحقيق الفنّ».

ولاحظ: كلمات الشريف الجرجاني في وصف «المواقف» في مقدّمة شرحه

(2) المواقف في علم الكلام: 405

(3) وصفوه ب: «عالم بلاد الشرق»، و «كان علّامة دهره»، و «صار إماماً في جميع العلوم العقلية وغيرها، متفرّداً بها، مصنّفاً في جميع أنواعها، متبحّراً في دقيقها وجليلها، وطار صيته في الآفاق، وانتفع الناس بمصنّفاته في جميع البلاد، وهي مشهورة في كلّ فنّ، يحتجّ بها أكابر العلماء وينقلون منها، ويوردون ويصدرون عنها»، وذكروا عند عدّها: «شرح المواقف».

انظر: الضوء اللامع 5/ 328، البدر الطالع 1/ 333، الفوائد البهية: 125، بغية الوعاة: 351، مفتاح السعادة 1/ 192،

وغيرها

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 82

كتابه شرح المواقف «1»: «وقد أجمع أئمّة التفسير علي أنّ المراد ب:

«الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ» إلي قوله تعالي: «وَهُمْ راكِعُونَ»: عليّ؛ فإنّه كان في الصلاة راكعاً فسأله سائل، فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية» «2».

اعتراف التفتازاني: … ص: 82

ومنهم: سعد الدين التفتازاني «3»، المتوفّي سنة 793؛ فقد قال في كتابه شرح المقاصد «4»: «نزلت باتّفاق المفسّرين في عليّ بن أبي طالب

__________________________________________________

(1) انظر: كشف الظنون 2/ 1891

(2) شرح المواقف في علم الكلام 8/ 360

(3) قال الحافظ ابن حجر: «الإمام العلّامة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها، أخذ عن القطب والعضد، وتقدّم في الفنون، واشتهر ذكره وطار صيته، وانتفع الناس بتصانيفه، وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق». الدرر الكامنة 4/ 350.

وكذا قال السيوطي، وابن العماد، والشوكاني؛ وأضاف: «وبالجملة، فصاحب الترجمة متفرّد بعلومه في القرن الثامن، لم يكن له في أهله نظير فيها، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم ما لا يلحق به غيره، ومصنّفاته قد طارت في حياته إلي جميع البلدان، وتنافس الناس في تحصيلها … ». البدر الطالع 2/ 164، بغية الوعاة: 391، شذرات الذهب 6/ 319

(4) ذكره صاحب كشف الظنون 2/ 1780، فقال: «المقاصد في علم الكلام … وله عليه شرح جامع»، ثمّ ذكر بعض الحواشي عليه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 83

- رضي اللَّه عنه- حين أعطي السائل خاتمه وهو راكع في صلاته» «1».

اعتراف القوشجي: … ص: 83

ومنهم: القوشجي السمرقندي، وهو: علاء الدين علي بن محمّد الحنفي «2»، المتوفّي سنة 879؛ فقد قال في كتابه المعروف شرح تجريد الاعتقاد «3» - في نزول الآية المباركة، وبيان دلالتها علي الإمامة

__________________________________________________

(1) شرح المقاصد في علم الكلام 5/ 170

(2) قال قاضي القضاة الشوكاني بترجمته: «علي بن محمّد القوشجي: بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة، ومعني هذا اللفظ بالعربية: حافظ البازي، وكان أبوه من خدّام ملك ما وراء النهر يحفظ البازي.

قرأ علي علماء سمرقند، ثمّ رحل

إلي الروم، وقرأ علي القاضي زاده الرومي، ثمّ رحل إلي بلاد كرمان فقرأ علي علمائها، وسود هنالك شرحه للتجريد … ولمّا قدم قسطنطينيّة أوّل قدمة تلقّاه علماؤها …

وله تصانيف، منها: شرح التجريد، الذي تقدّمت الإشارة إليه، وهو شرح عظيم سائر في الأقطار، كثير الفوائد … وهو من مشاهير العلماء». البدر الطالع 1/ 337

(3) ذكر شرحه علي «التجريد» في كشف الظنون 1/ 348- 350؛ إذ قال ضمن عنوان «تجريد الكلام»: «وهو كتاب مشهور، اعتني عليه الفحول، وتكلّموا فيه بالردّ والقبول، له شروح كثيرة وحواشٍ عليها»، إلي أن قال: «ثمّ شرح المولي المحقّق علاء الدين علي بن محمّد، الشهير ب (قوشجي)- المتوفّي سنة 879- شرحاً لطيفاً ممزوجاً … وقد اشتهر هذا الشرح ب (الشرح الجديد)»..

ثمّ ذكر كلامه في ديباجته، ثمّ قال: «وإنّما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن، وفضل الشرح والشارح»، ثمّ ذكر الحواشي علي هذا الشرح الجديد بما يطول ذكره؛ فراجع!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 84

لأمير المؤمنين-: «بيان ذلك:

إنّها نزلت باتّفاق المفسّرين في حقّ عليّ بن أبي طالب حين أعطي السائل خاتمه وهو راكع في صلاته … ».

ثمّ إنّه- وإن حاول المناقشة في الاستدلال- لم ينكر اتّفاق المفسّرين علي نزولها في الإمام عليه السلام؛ فراجع «1».

اعتراف الآلوسي: … ص: 84

هذا، ومن ناحيةٍ أُخري، فقد نصّ الشهاب الآلوسي علي أنّ هذا القول «عليه غالب الأخباريّين» «2».

فالمتحصّل:

إذا كان هذا القول «عليه إجماع المفسّرين» و «غالب الأخباريّين» - بغضّ النظر عن صحّة غير واحد من أسانيد الخبر؛ حتّي أنّ مثل ابن كثير قد اعترف بقوّة بعضها، وسكت عن القدح في بعض ما أورد منها- فأيّ وقع لإنكار مثل الدهلوي الهندي؟!

__________________________________________________

(1) شرح تجريد الاعتقاد: 368

(2) روح المعاني 6/ 244

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

آيةالولاية، ص: 85

فضلًا عن تكذيب مثل ابن تيميّة لأصل الخبر، ودعوي أنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر؟!

وأنّه أجمع أهل العلم بالحديث علي أنّ القصّة المرويّة في ذلك من الكذب الموضوع!

وبهذا يظهر سقوط التمسّك بمخالفة مثل عكرمة الخارجي- علي فرض صحّة النسبة، مع ما سيأتي في ترجمة هذا الرجل في «آية المباهلة».

وأيضاً: لا قيمة لنقل مثل النقّاش، مضافاً إلي تكلّمهم فيه وفي تفسيره، كما لا يخفي علي المطّلع الخبير!!

2- إنّ القول بنزولها في حق علي للثعلبي فقط وهو متفرّد به: … ص: 85

والجواب: إنّ هذا لا يصدر إلّامن متعصّب شقي أو جاهل غبي، وهو عبدالعزيز الدهلوي، الملقّب عندهم ب «علّامة الهند»!! فإنّ لهذا الرجل في هذا المقطع من كلامه كذبات مفضوحة، منها:

1- إنّ هذا القول للثعلبي فقط وهو متفرّد به.

فالثعلبي وفاته سنة 427، وقد روي الخبر قبله عدد كبير من الأئمّة، ذكرنا أسماءهم في الفصل الأوّل، بل عليه إجماع المفسّرين، كما عرفت.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 86

2- إنّ المحدّثين يلقّبونه ب (حاطب ليل).

فالمحدّثون لم يلقّبوه بهذا اللّقب، بل الذي لقّبه بذلك هو ابن تيميّة في منهاج السُنّة، عند إنكار فضائل عليّ وأهل البيت عليهم السلام.

3- أكثر روايات الثعلبي في التفسير عن الكلبي عن أبي صالح، وهي أوهي ما يروي في التفسير عندهم.

فقد حقّقنا في بعض بحوثنا أنّ روايات الكلبي في التفسير مخرَّجة في غير واحدٍ من الصحاح، وأنّ رواياتهم عن الكلبي عن أبي صالح موجودة بكثرةٍ في الكتب المعروفة المشتهرة، وليست أوهي ما يروي في التفسير عند جمهور علمائهم.

وبعد، فإنّ رواية الثعلبي نزول الآية المباركة في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام، المتقدّمة في الفصل الأوّل، ليست عن الكلبي ولا عن أبي صالح، ولا عن السدّي الكبير أو الصغير!!

هذا، وأمّا وجود الرطب واليابس في تفسير الثعلبي فأمر ثابت،

وكذلك سائر تفاسير القوم وأسفارهم الحديثية، حتي الملقّبة عندهم بالصحاح..

وهذه جملة من مصادر ترجمة الثعلبي والثناء عليه، أذكرها

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 87

لتراجع: وفيات الأعيان 1/ 79، معجم الأُدباء 2/ 19- 20، تذكرة الحفّاظ 3/ 1090، المختصر في أخبار البشر 2/ 160، الوافي بالوفيات 7/ 307، مرآة الجنان 3/ 36، طبقات الشافعية الكبري- للسبكي- 4/ 58، البداية والنهاية 12/ 36، النجوم الزاهرة 4/ 285، طبقات المفسّرين 1/ 66 رقم 59.

وأكتفي بنقل كلام القاضي ابن خلّكان- الذي اعتمده الدهلوي في ترجمة الكلبي- فإنّه قال: «كان أوحد زمانه في علم التفسير، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير، وله كتاب العرائس … وقال أبوالقاسم القشيري: رأيت ربّ العزّة عزّ وجلّ في المنام وهو يخاطبني وأُخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الربّ تعالي اسمه: أقبل الرجل الصالح، فالتفتُّ فإذا أحمد الثعلبي مقبل.

وذكره عبدالغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور، وأثني عليه، وقال: هو صحيح النقل، موثوق به، وكان كثير الحديث، كثير الشيوخ، توفّي سنة 427. وقال غيره: سنة 437» «1».

فهذه ترجمته عند القاضي ابن خلكان، ولا تجد فيها إلّاالمدح والثناء، وحتّي من اللَّه جلّ جلاله!

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 1/ 79

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 88

وقد جاءت هذه الكلمات وأمثالها في حقّ الرجل في سائر التراجم، لكنّا اكتفينا بكلام القاضي ابن خلّكان إلزاماً واحتجاجاً علي الدهلوي الذي استند إلي كلامه بترجمة الكلبي.

3- المراد من الولاية فيها هو النصرة بقرينة السّياق: … ص: 88

ادّعاه القاضي المعتزلي، وتبعه من الأشاعرة ابن روزبهان والرازي وغيرهما.

والجواب: إنّه قد أقمنا الأدلّة المتقنة والبراهين الصادقة علي أنّ لفظة «وليّكم» في حديث: «عليّ منّي وأنا من عليّ، وهو وليّكم من بعدي»، الذي هو من أصحّ الأخبار وأثبتها، هي بمعني:

«الأوْلي بكم»، فكذلك هذه اللفظة في الآية المباركة، بل ذلك هنا أوضح وأوْلي لعطف «الولي» و «النبيّ» علي ذات الباري تعالي، ومن المعلوم أنّ الولاية الثابتة له عزّ وجلّ هي الولاية العامّة المطلقة.

وأمّا السياق، فإنّه لا يقاوم النصّ؛ علي ما تقرّر عند العلماء المحقّقين، فاستدلال بعضهم، كالفخر الرازي، به مردود. هذا أوّلًا..

وثانياً: إنّه قد فصل بين الآية والآية التي يزعمون وحدة السياق معها آيات أُخري فلا سياق أصلًا، فراجع.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 89

4- مجي ء الآية بصيغة الجمع، وحملها علي الواحد مجاز: … ص: 89

ذكره القاضي عبدالجبّار، وتبعه غيره، كالرازي، وأضاف: إنّه تعالي ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في سبعة مواضع:

«وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»، وحمل ألفاظ الجمع وإن جاز علي الواحد علي سبيل التعظيم لكنّه مجاز لاحقيقة، والأصل حمل الكلام علي الحقيقة.

والجواب: إنّ مقتضي النصّ الصحيح، القائم عليه الإجماع من المفسّرين وغيرهم، والمتّفق عليه بين الطرفين، هو: حمل الصيغة هذه علي الواحد المعيّن، وهو: أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن لا بُدّ لإتيان الآية بصيغة الجمع من نكتة!

قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ- رضي اللَّه عنه- واللفظ لفظ جماعة؟

قلت: جي ء به علي لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلًا واحداً؛ ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه علي أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون علي هذه الغاية من الحرص علي البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتّي إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 90

الصلاة لم يؤخّروه إلي الفراغ منها» «1».

واختار بعض المفسّرين من أصحابنا، كالطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن أنّ النكتة هي: التعظيم «2»، وهو ما أشار إليه الرازي في كلامه المذكور.

والسيّد

شرف الدين العاملي ذهب إلي أنّ النكتة هي: أنّه لو جاءت الآية بلفظ المفرد، فإنّ شانئي عليّ وأهل البيت وسائر المنافقين لا يطيقون أن يسمعوها كذلك، وإذ لا يمكنهم حينئذٍ التمويه والتضليل، فيؤدّي ذلك إلي التلاعب بألفاظ القرآن وتحريف كلماته، أو نحو ذلك ممّا يخشي عواقبه علي الإسلام «3».

هذا، وقد ذكر صاحب الغدير- طاب ثراه- طائفةً من الآيات الواردة بصيغة الجمع والمقصود بها الآحاد؛ استناداً إلي تفاسير القوم وأحاديثهم، فراجع «4».

5- الولاية بمعني الأولوية بالتصرّف غير مرادة في زمان الخطاب: … ص: 90

وهذا ما ذكره القاضي المعتزلي، وأخذه غير واحد من الأشاعرة،

__________________________________________________

(1) الكشّاف 1/ 624

(2) مجمع البيان 3/ 348

(3) المراجعات: 263

(4) الغدير 3/ 231- 238. الطبعة الحديثة المحقّقة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 91

كالدهلوي والآلوسي والتفتازاني، فليكن المراد: بعد عثمان.

وقد أجاب عنه السيّد المرتضي وغيره من أعلام الطائفة؛ قال شيخ الطائفة: «إنّا قد بيّنّا أنّ المراد بلفظ «ولي» فرض الطاعة والاستحقاق للتصرّف بالأمر والنهي، وهذا ثابت له في الحال، وإذا كان المراد به الحال، فليس بمقصورٍ عليها، وإنّما يقتضي الحال وما بعدها من سائر الأحوال.

وإذا كان الأمر علي ذلك فنحن نخرج حال حياة النبيّ بدلالة الإجماع، وتبقي سائر الأحوال علي موجب الآية، وليس هناك دليل يخرج أيضاً ما بعد النبيّ عليه وآله الصلاة والسلام ويردّه إلي ما بعد عثمان..

ولأنّ كلّ من أثبت بهذه الآية الإمامة أثبتها بعد وفاة النبيّ بلا فصل، ولم يقل في الأُمّة أحد إنّ المراد بالآية الإمامة وأثبتها بعد عثمان» «1».

6- إنّ التصدّق في أثناء الصلاة ينافي الصلاة: … ص: 91

وهذا أيضاً ذكره القاضي المعتزلي، وتبعه عليه القوم. إلّاأنّ الآلوسي أجاب عن هذه الشبهة بقوله: «بلغني أنّه قيل لابن الجوزي:

كيف تصدّق عليّ بالخاتم وهو في الصلاة … فأنشأ يقول:

__________________________________________________

(1) تلخيص الشافي 2/ 44- 45

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 92

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعه سكره حتّي تمكّن من فعل الصحاة فهذا واحد الناس» «1»

وقد سبق إلي الاستشهاد بالبيتين: السيّد الشهيد التستري في إحقاق الحقّ «2»، ونسبهما إلي بعض الأصحاب. واللَّه العالم.

وبعد، فماذا يقول العلماء في الحديث الصحيح التالي:

«عن أبي قتادة الأنصاري قال: رأيت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يؤمّ النّاس وامامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم علي

عاتقه، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها» «3».

وهكذا أحاديث اخري في غير واحدٍ من أبواب كتاب الصّلاة.

أقول:

هذه عمدة شبهاتهم في المقام، والعمدة في الجواب عنها هو النصُّ الصحيح المقبول بين الطرفين، فلا مجال بعده لتلك الشبهات، ولا لغيرها، من قبيل: احتمال حمل «الواو» في «وَهُمْ راكِعُونَ» علي العطف..

أو احتمال حمل «الركوع» علي «الخضوع»..

__________________________________________________

(1) روح المعاني 6/ 247- 248.

(2) إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل 2/ 414، مع اختلاف قليل في اللفظ

(3) صحيح مسلم 2/ 73 باب جواز حمل الصبيان في الصّلاة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالولاية، ص: 93

أو دعوي أنّ «الزكاة» إنّما تقال للزكاة الواجبة، والذي فعله أمير المؤمنين كان نفلًا..

أو دعوي أنّ لازم الاستدلال بالآية، عن طريق إفادتها الحصر، علي بطلان إمامة من تقدّمه، هو: بطلان إمامة الأئمّة من ولده؛ فإنّها جهل- أو تجاهل- من مدّعيها؛ لأنّه لا يقول بإمامة أئمّة العترة علي كلّ تقدير.

أمّا الإماميّة، فإنّهم يبطلون إمامة من تقدّم علي أمير المؤمنين بهذه الآية، ولهم أدلّتهم علي إمامة سائر الأئمّة من الكتاب والسُنّة وغيرهما..

علي أنّ البحث هو بين إمامة عليّ وإمامة أبي بكر، وإمامة الأئمّة بعد عليّ فرع علي إمامته، كما أنّ إمامة عمر وعثمان ومعاوية ويزيد …

تتفرّع علي إمامة أبي بكر؛ فإذا ثبتت إمامة عليّ من الآية، ثبتت الإمامة في ولده، وبطلت إمامة أبي بكر وكلّ إمامة متفرّعة علي إمامته.

والحقيقة- كما ذكرنا من قبل-: إنّ هذه الآية ونزولها في هذه القضيّة، من أقوي الأدلّة علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام؛ ولذا فقد اضطرب القوم تجاهها، واختلفت كلماتهم في ردّ الاستدلال بها، وبذلوا أقصي جهودهم في الجواب، ولكنّهم لم يُفلحوا فازدادوا بعداً عن نهج الحقّ وطريق الصواب.. فلا الآية يمكن تكذيبها، ولا

الحديث الوارد في تفسيرها.. والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّي اللَّه علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.