سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء المجلد 28

اشارة

سرشناسه : حسینی میلانی، سیدعلی، 1326 -

عنوان و نام پديدآور : مظلومیةالزهراءعلیهاالسلام/ تالیف السیدعلی الحسینی المیلانی.

مشخصات نشر : قم: مرکزالحقائق الاسلامیه، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری : 80 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 28.

شابک : 978-600-5348-09-5

يادداشت : عربی.

يادداشت : چاپ چهارم.

يادداشت : چاپ قبلی: مرکزالابحاث العقائدیه، 1421ق. = 1379.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : فاطمه زهرا (س)، 8؟ قبل از هجرت - 11ق. -- احادیث

موضوع : فاطمه زهرا (س)، 8؟ قبل از هجرت - 11ق. -- تعقیب و ایذاء

شناسه افزوده : مرکز الحقائق الاسلامیه

رده بندی کنگره : BP27/2/ح36م6 1388

رده بندی دیویی : 297/973

شماره کتابشناسی ملی : 1742150

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 7

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

موضوع البحث- كما طلبتم- (مظلومية الزهراء عليهاالسلام) ولماذا لم تقولوا مناقب الزهراء؟ أو لم

تقولوا حياة الزهراء؟ وإنما عنونتم مظلوميّة الزهراء؟ قد يقال- كما قيل- قضايا الزهراء سلام اللَّه عليها قضايا تاريخية، ولا ينبغي أن تثار، والقضيّة التاريخية قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة.

سنحاول أن نبحث عن هذه القضية بلا أيّ تعصب وتشنج، وإنْ كان الصبر علي ما وقع، وقراءته والحديث عنه وتحمل ذلك كلّه أمراً صعباً، سترون أنّي لا أذكر شيئاً لا من مصادر القوم فحسب، بل من أعظم مصادرهم، وأشهر كتبهم، وأصحها، وأقدمها، سأحاول ذلك

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 8

قدر الإمكان.

ولو كانت قضيةً تاريخيةً فحسب، فحروب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم وغزواته كلّها قضايا تاريخية، ومواقف أمير المؤمنين عليه السّلام في تلك الغزوات والحروب قضايا تاريخية، ومبيت أمير المؤمنين في ليلة الهجرة علي فراش رسول اللَّه قضية تاريخية، وزواج علي من فاطمة الزهراء- بعد أن ردّ رسول اللَّه غيره- قضية تاريخية، وحروبه أيضاً قضايا تاريخية، وقضية كربلاء وشهادة الحسين عليه السّلام وأصحابه وأولاده قضية تاريخية، فلماذا نبحث عنها؟

وحتي عند أهل السنة أيضاً: كون أبي بكر مع رسول اللَّه في الغار قضية تاريخية، صلاته التي يزعمونها في مكان رسول اللَّه في مرضه قضية تاريخية، وهكذا بقية الأُمور التي يستدلّون بها في كتبهم علي فضائل أئمّتهم ومناقب أُمرائهم وخلفائهم حسب زعمهم.

الحقيقة أنّ قضية الزهراء سلام اللَّه عليها أساس مذهبنا، وجميع القضايا التي لحقت تلك القضية وتأخّرت عنها كلّها مترتبة علي تلك القضية، ومذهب الطائفة الإمامية الاثني عشرية بلا قضية الزهراء سلام اللَّه عليها وبلا تلك الآثار المترتبة علي تلك القضية- هذا المذهب- يذهب ولا يبقي، ولا يكون فرقٌ بينه وبين المذهب المقابل.

سنبحث عن قضية الزهراء سلام اللَّه عليها في ضمن مطالب،

سلسلة اعرف الحق تعرف

اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 9

وهذه المطالب مترتبة، أي كلّ مطلب منها يترتب علي المطلب الذي قبله، حتي نصل إلي المطلب الأخير، ونستنتج من جميع هذه المطالب، ثم نذكر أهمّ مسائل القضيّة.

وسترون أنها قضية علميّة عقائدية مذهبية، لها كلّ التأثير في مصير هذا المذهب، ولها كلّ التأثير في سلوك أبناء هذا المذهب، وإليكم المطالب بالتفصيل:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 11

المطلب الأول: أحاديث في مقام الزهراء ومنزلتها عند اللَّه وعند الرسول … ص: 11

اشارة

الأحاديث في هذا الباب كثيرة، حتي أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة، وقد انتخبت من تلك الأحاديث مجموعة سأقرؤها عليكم، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها:

الحديث الأول: … ص: 11

«فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة» أو «سيّدة نساء هذه الأُمّة» أو «سيّدة نساء المؤمنين» أو «سيّدة نساء العالمين».

هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: [صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي [مسند أحمد]، وفي [الخصائص للنسائي، وفي [مسند أبي داود الطيالسي ، وفي [صحيح مسلم في باب فضائل

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 12

الزهراء، وفي [المستدرك ، و [صحيح الترمذي ، وفي [صحيح ابن ماجة]، وغيرها من الكتب «1».

ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين.

الحديث الثاني: … ص: 11

في أن فاطمة سلام اللَّه عليها بضعة من النبي:

«فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني».

هذا الحديث بهذا اللفظ في: [صحيح البخاري ، وعدّة من المصادر «2».

«فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها».

بهذا اللفظ في: [صحيح البخاري ، و [مسند أحمد]، و [صحيح أبي داود]، و [صحيح مسلم ، وغيرها من المصادر «3».

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4/ 183 و 209 و 219، و 7/ 142، صحيح مسلم: 143 و 144، الخصائص للنسائي: 116 و 120، الطبقات الكبري 2/ 248 و 8/ 27، مسند أحمد 3/ 80 و 5/ 391 و 6/ 282، حلية الأولياء 2/ 49، المستدرك 3/ 151 و 4/ 44، سنن ابن ماجة 1/ 518، سنن الترمذي 5/ 326 و 369، مسند أبي داود الطيالسي: 197.

(2) صحيح البخاري 4/ 210، كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة الرسول صلّي اللَّه عليه وآله ومنقبة فاطمة عليها السّلام.

(3) صحيح البخاري 6/ 158، مسند أحمد 4/ 328، صحيح مسلم 7/ 141، سنن أبي داود 1/ 460، سنن ابن ماجة 1/ 644، سنن الترمذي 5/ 359.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 13

«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها».

بهذا اللفظ في: [صحيح مسلم

«1».

«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».

بهذا اللفظ في: [مسند أحمد] وفي [المستدرك وقال: صحيح علي شرط الشيخين، وفي [صحيح الترمذي «2».

«فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها».

بهذا اللفظ في: [المسند]، وفي [المستدرك وقال: صحيح الإسناد، وفي مصادر أُخري «3».

الحديث الثالث: … ص: 13

«إن اللَّه يغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها».

هذا الحديث تجدونه في: [المستدرك ، وفي [الإصابة]، ويرويه صاحب [كنز العمال عن أبي يعلي والطبراني وأبي نعيم، ورواه غيرهم «4».

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 7/ 141، باب مناقب فاطمة (عليها السّلام).

(2) مسند أحمد 4/ 5، المستدرك علي الصحيحين 3/ 159، صحيح سنن النبي للترمذي 5/ 360.

(3) المستدرك علي الصحيحين 3/ 158، مسند أحمد 4/ 323، فتح الباري 9/ 270، الجامع الصغير 2/ 208.

(4) المستدرك علي الصحيحين 3/ 153، كنز العمّال 13/ 674، 12/ 111، مجمع الزوائد 9/ 203، المعجم الكبير 1/ 108.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 14

الحديث الرابع: … ص: 14

في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.

هذا كان عند وفاته صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، فإنّه دعاها فسارّها فبكت، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت [في بعض الألفاظ: فشقّ ذلك علي عائشة أن يكون سارّها دونها] فلمّا قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم حلّفتها عائشة أنْ تخبرها، فقالت: سارّني رسول اللَّه أو سارّني النبي، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ.

هذا الحديث في: الصحيحين، وعند الترمذي والحاكم، وغيرهما «1».

الحديث الخامس: … ص: 14

عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.

هذا الحديث تجدونه في: [المستدرك وقال: صحيح علي شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي، وفي [الاستيعاب ، و [حلية الأولياء] «2».

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4/ 138، كتاب بدء الخلق، صحيح مسلم 7/ 142- 144، باب مناقب فاطمة (عليها السّلام)، صحيح الترمذي 5/ 361 و 368، المستدرك علي الصحيحين 4/ 272، المعجم الكبير 22/ 420، سنن الدارمي 1/ 37.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 160، حلية الأولياء 2/ 51، الإستيعاب 4/ 1896.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 15

الحديث السادس: … ص: 15

عن عائشة أيضاً: كانت إذا دخلت عليه- علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم- قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.

قال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي أيضاً «1».

الحديث السابع: … ص: 15

أخرج الطبراني أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم قال لعلي: «فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها».

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح «2».

هذه هي الأحاديث التي انتخبتها، لتكون مقدمةً لبحوثنا الآتية، وسنستنتج من هذه الأحاديث في المطالب اللاحقة، وفي الحوادث الواقعة، وهي أحاديث- كما رأيتم- في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.

ومن دلالات هذه الأحاديث: أنّ فاطمة سلام اللَّه عليها معصومة، بالإضافة إلي دلالة أية التطهير وغيرها من الأدلّة.

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 154.

(2) مجمع الزوائد 9/ 173 و 202.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 16

مضافاً إلي أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام اللَّه عليها من الشيخين، بسبب هذه الأحاديث وحديث «فاطمة بضعة منّي» بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الأربعة كلّهم، ولا مستند لهم إلّاالأحاديث التي ذكرتها.

ولأقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل علي بعض الأقوال من كبار علماء القوم، ففي [فيض القدير] في شرح حديث «فاطمة بضعة منّي» قال: استدل به السهيلي [وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب علي أن من سبّها كفر [ولماذا؟ لاحظوا] لأنّه يغضبه [أي لأنّ سبّها يغضب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم!] وأنّها أفضل من الشيخين.

وإذا كانت هذه اللام لام تعليل «لأنّه يغضبه»، والعلة إمّامعمّمة وإمّا مخصّصة، ولابد أن تكون هنا معمّمة، يوجب الكفر، لأنّه أي السب يغضبها، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر، لأن الأذي-

أذي الزهراء سلام اللَّه عليها- يغضب رسول اللَّه بلا إشكال.

قال المناوي: قال ابن حجر: وفيه- أي في هذا الحديث- تحريم أذي من يتأذّي المصطفي بأذيّته، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شي ء فتأذّت به فالنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم يتأذّي به بشهادة هذا الخبر، ولا شي ء أعظم من إدخال الأذي عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 17

معاجلة من تعاطي ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد.

ففي هذا الحديث تحريم أذي فاطمة، وتحريم أذي فاطمة لأنّها بضعة من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.

وقال المناوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين اللَّه به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.

قال المناوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.

قال المناوي: وذكر العَلَم العراقي: إنّ فاطمة وأخاها ابراهِيم أفضل من الخلفاء الأربعة باتفاق «1».

إذن، لا يبقي خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.

ثمّ إنّ هذه الأحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد، عندما يقول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم: «إنّ اللَّه يغضب لغضب فاطمة» لا يقول إنّ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنّ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن اللَّه يغضب لغضب فاطمة، بأي سبب كان، ومن أيّ أحدٍ كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان.

وعندما يقول: «يؤذيني ما آذاها»، لا يقول رسول اللَّه: يؤذيني ما آذاها إنْ

__________________________________________________

(1) فيض القدير 4/ 544- 555.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 18

كان كذا، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أي قيد،

بل الحديث مطلق «يؤذيني ما آذاها».

ودلّت الأحاديث هذه علي وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام اللَّه عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، ورسول قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 19

المطلب الثاني: في أنّ من آذي عليّاً فقد آذي رسول اللَّه … ص: 19

كان المطلب الأوّل في أنّ من آذي فاطمة فقد آذي رسول اللَّه، وهذا المطلب الثاني في أنّ من آذي عليّاً فقد آذي رسول اللَّه، وذاك قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلم: «من آذي عليّاً فقد آذاني».

هذا الحديث تجدونه في: [المسند]، و [صحيح ابن حبّان ، و [المستدرك ، و [الإصابة]، و [أُسد الغابة].

وأورده صاحب [كنز العمّال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني.

وله أيضاً مصادر أخري من كتب الحديث والتاريخ والفضائل المشهورة المعتبرة عند القوم «1».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 3/ 483، صحيح ابن حبّان 15/ 365، المستدرك علي الصحيحين 3/ 122، مجمع الزوائد 9/ 129، أُسد الغابة 4/ 114، والاصابة 4/ 534، بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام عن عدّةٍ من الأئمة، كنز العمّال 11/ 601، التاريخ الكبير 6/ 307، مسند أبي يعلي 2/ 109، الجامع الصغير 2/ 547، شواهد التنزيل 2/ 144- 150.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 21

المطلب الثالث: في أنّ بغض علي نفاق … ص: 21

أخرج مسلم في [صحيحه عن علي عليه السلام قال: «والذي فَلَقَ الحَبَّةً وبرأ النَسَمة، إنّه لعهد النبي الأُمي إليّ [وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا؟] أنْ لا يحبّني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّا منافق».

تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند: النسائي، والترمذي، وابن ماجة، وفي [مسند أحمد]، وفي [كنز العمال عن عدة من كبار الأئمة «1».

وفي [مسند أحمد] و [صحيح الترمذي عن أُم سلمة: «كان

__________________________________________________

(1) منسد أحمد 1/ 84، 95، 128، صحيح مسلم 1/ 61- كتاب الايمان، كنز العمّال 11/ 598، 622 و 13/ 120، 177.

السنن الكبري (النسائي) 5/ 47، 137، 6/ 534 و 535، خصائص أمير المؤمنين: 104، سنن ابن ماجة 1/ 42، سنن الترمذي 5/ 306.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

مظلوميةالزهراء، ص: 22

رسول اللَّه يقول [هذه الصيغة تدل علي الاستمرار]: «لا يحب عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن» «1».

نستفيد من هذه الأحاديث في هذا المطلب: أنّ حبّ علي وحبّ المنافقين لا يجتمعان، لو أنّ أحداً يعتقد حتّي بإمامة علي وولايته بعد رسول اللَّه، إلّاأنّه لا يبغض المنافقين، هذا الشخص هو أيضاً منافق، وهو مطرود من الطرفين، أي من المؤمنين ومن المنافقين، لأنّ المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد، ولأنّ المؤمنين لا يحبّون المنافقين وهذا يحب.

ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ حال من الأحوال، وبأيّ شكلٍ من الأشكال.

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 6/ 292، صحيح (سنن) الترمذي 5/ 299.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 23

المطلب الرابع: في إخبار النبي عليّاً بأنّ الأمّة ستغدر به … ص: 23

قال علي عليه السّلام: «إنّه ممّا عهد إليّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم أنّ الأُمة ستغدر بي بعده».

قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الذهبي في تلخيصه:

صحيح «1».

وقد قرّروا أنّ كلّ حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين.

ومن رواة هذا الحديث أيضاً: ابن أبي شيبة، والبزّار، والدارقطني، والخطيب البغدادي، والبيهقي، وغيرهم.

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 140، 142، كنز العمّال 11/ 297.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 25

المطلب الخامس: ضغائن في صدور أقوام … ص: 25

أخرج أبو يعلي والبزّار- بسند صحّحه: الحاكم، والذهبي، وابن حبّان، وغيرهم- عن علي عليه السّلام قال: «بينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا علي حديقة، فقلت: يا رسول اللَّه ما أحسنها من حديقة! فقال: إنّ لك في الجنّة أحسن منها، ثمّ مررنا بأُخري فقلت: يا رسول اللَّه ما أحسنها من حديقة! قال: لك في الجنّة أحسن منها، حتّي مررنا بسبع حدائق، كلّ ذلك أقول ما أحسنها ويقول: لك في الجنّة أحسن منها، فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً، قلت: يا رسول اللَّه ما يبكيك؟ قال:

ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلّامن بعدي، قال: قلت يا رسول اللَّه في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 26

هذا اللفظ في: [مجمع الزوائد] عن: أبي يعلي والبزّار «1»، ونفس السند موجود في [المستدرك وقد صحّحه الحاكم والذهبي «2»، فيكون سنده صحيحاً يقيناً، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور، واللَّه أعلم ممّن هذا التصرف، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين؟ فراجعوا، السند نفس السند عند أبي يعلي وعند البزّار وعند الحاكم، والحاكم

يصحّحه والذهبي يوافقه، إلّاأنّ الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل، لأنّه إلي حدّ «إنّ لك في الجنّة أحسن منها» لا أكثر.

وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ «الأقوام» المراد منهم في هذا الحديث «هم قريش»، وفي المطلب السادس أيضاً بعض الأحاديث تدلّ علي ذلك، فلاحظوا.

__________________________________________________

(1)

مجمع الزوائد 9/ 118.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 139.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 27

المطلب السادس: في أنّ قريشاً هم سبب هلاك الناس بعد النبي … ص: 27

عن أبي هريرة عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم قال: «يهلك أُمّتي هذا الحي من قريش»، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «لو أنّ الناس اعتزلوهم».

وعن أبي هريرة أيضاً قال: سمعت الصادق المصدوق يقول:

«هلاك أُمتي علي يدي غلمة من قريش»، فقالوا: مروان غلمة؟ قال أبو هريرة: إن شئت أنْ أُسمّيه، بني فلان، بني فلان».

والحديثان في الصحيحين «1».

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4/ 178، صحيح مسلم 8/ 186 و 8/ 88 وأخرجه أحمد 2/ 324، 288، 299، 301، 328.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 29

المطلب السابع: لم يروَ من الضغائن والغدر إلّاالقليل … ص: 29

وهذا المطلب مهمّ جدّاً، فالغدر الذي كان، والضغائن التي بدت- التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول اللَّه- لم يروَ منها في الكتب إلّاالقليل، والسبب واضح، لأنّهم منعوا من تدوين الحديث، وعندما دُوّن، فقد دوّن علي يد بني أُميّة وفي عهدهم، وهذا حال السنّة، أي السنّة عند أهل السنّة.

ثمّ إنّ من كان عنده شي ء من تلك الأمور التي أشار إليها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم لم يروه، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ومِن نَقْلِه إلي الآخرين، حتّي أنّ من كان عنده كتاب فيه شي ء من تلك القضايا، أخذوه منه، أو أخفاه ولم يظهره لأحد، أذكر لكم موارد من هذا القبيل:

قال ابن عدي- في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني- في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 30

كتاب [الكامل : «ولعبد الرزاق بن همّام [هذا شيخ البخاري أصناف حديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلّاأنّهم نسبوه إلي التشيّع، وقد روي أحاديث في الفضائل ممّا لا يوافقه عليها أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث، ولِما

رواه في مثالب غيرهم ممّا لم أذكره في كتابي هذا، وأمّا في باب الصدق فأرجو أنّه لا بأس به، إلّاأنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير» «1».

وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش- الحافظ الكبير- يقول ابن عدي: «سمعت عبدان يقول: وحمل ابن خراش إلي بندار جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم».

فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين؟

قال ابن عدي: «فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب» «2».

فالرجل ليس بكاذب، ولو راجعتم [سير أعلام النبلاء] للذهبي أو [تذكرة الحفّاظ] للذهبي، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب، ويتهجّم علي ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين كفروا «3».

__________________________________________________

(1) الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 316.

(2) المصدر 4/ 322.

(3) سير أعلام النبلاء 13/ 509، تذكرة الحفّاظ 2/ 684، ميزان الإعتدال 2/ 600.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 31

ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجل- ابن خراش- من الشيعة، وذلك، لأنّ هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل، ويعتمدون علي آرائه في ردّ الراوي أو قبوله، أذكر لكم مورداً واحداً: في ترجمة عبد اللَّه بن شقيق، يقول ابن حجر العسقلاني في [تهذيب التهذيب : «قال ابن خراش: كان- عبد اللَّه بن شقيق- ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً» «1».

فابن خراش ليس بشيعي، لأنّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً.

فلا يتوهّم أنّ هذا الرجل- ابن خراش- من الشيعة، بل هو من أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم، إلّاأنّه ألّف جزئين في مثالب الشيخين.

مورد آخر في [كتاب العلل لأحمد بن حنبل، قال أحمد: «كان أبو عوانة [الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم، وله كتاب في الصحيح اسمه: صحيح أبي

عوانة] وضع كتاباً فيه معايب أصحاب رسول اللَّه، وفيه بلايا، فجاء سلّام بن أبي مطيع «2» فقال: يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلّام فأحرقه» «3».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 5/ 223.

(2) الإمام الثقة القدوة، من رجال الصحيحين، سير أعلام النبلاء 7/ 428.

(3) العلل ومعرفة الرجال 1/ 254.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 32

ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبد الرحمن بن مهدي «1» قال: «فنظرت الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا».

مورد آخر: ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الأشقر: «أنّ أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب [فهو حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب فقيل له: إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر، وإنّه صنّف باباً في معايبهما، فقال: ليس هذا بأهلٍ أنْ يحدَّث عنه» «2»!

أوّلًا: أين ذاك الباب الذي اشتمل علي هذه القضايا؟ ولماذا لم يصل إلينا؟

وثانياً: إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل يحدّث في الشيخين، وبأنّه صنّف مثل هذه الأحاديث في كتاب، سقط من عين أحمد وأصبح كذّاباً لا يعتمد عليه ولا يروي عنه!

مورد آخر: في [ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن ظهير الكوفي: «قال أبو حاتم: روي في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه» «3».

__________________________________________________

(1) الامام الناقد المجوّد سيد الحفّاظ، سير أعلام النبلاء 9/ 192.

(2) تهذيب التهذيب 2/ 291.

(3) ميزان الإعتدال في نقد الرجال 1/ 27.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 33

روي في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه، فراحت تلك الروايات.

وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب.

ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح، ذكروا أنّه كان يشتم

أبا بكر وعمر، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن السُدّي «1»، وبترجمة تليد بن سليمان «2»، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي «3»، وغير هؤلاء.

ولماذا كان هؤلاء يشتمون؟ هل بلغهم شي ء أو أشياء، ممّا أدّي وسبّب في أنْ يجوّزوا لأنفسهم أن يشتموا ويسبّوا؟ وأين تلك القضايا؟

وما هي؟

وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية، فكثير جدّاً، واعتقد أنّه لا يحصي لكثرته.

__________________________________________________

(1)

تهذيب التهذيب 1/ 274، تهذيب الكمال 1/ 138.

(2) تهذيب الكمال 4/ 322، تهذيب التهذيب 1/ 447.

(3) تهذيب التهذيب 2/ 82- 83.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 34

ولقد فشي وكثر اللّعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث، يقول زائدة بن قدامة- ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث-: «متي كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر؟!» «1».

وكثر وكثر حتي القرن السادس من الهجرة، جاء أحدهم- وهو الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي- فألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه، فلمّا سئل عن ذلك، قال بلفظ العبارة: «إنّما قصدت كفّ الألسنة عن لعن الخلفاء» «2».

حتي جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في [شرح المقاصد] ما نصّه: «فإن قيل: فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن علي يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربوا علي ذلك ويزيد؟ قلنا:

تحامياً عن أن يرتقي إلي الأعلي فالأعلي» «3».

حتّي جاء كتّاب عصرنا، فألّفوا في مناقب يزيد، وألّفوا في مناقب الحجّاج، وألّفوا في مناقب هند!!

وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم، كلّه كذب، وإنّ هؤلاء يستحقّون اللعن، إلّاأنّ الغرض هو إشغال الكتّاب

والباحثين والمفكّرين وسائر

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 3/ 246.

(2) سير أعلام النبلاء 21/ 161.

(3) شرح المقاصد 5/ 311.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 35

الناس بمثل هذه الأُمور، ولكي لا يبقي هناك مجال لأن يرتقي إلي الأعلي فالأعلي.

ومن هنا نفهم أنّ محاربتهم لقضايا الحسين عليه السّلام ومحاربتم لمآتم الحسين عليه السّلام ولقضايا عاشوراء، كلّ ذلك، لئلّا يلعن يزيد، ولئلّا ينتهي إلي الأعلي فالأعلي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 37

المطلب الثامن: أحقاد قريش وبني أُميّة علي النبي وأهل بيته … ص: 37

وهنا ننقل بعض الشواهد علي أحقاد قريش وبني أُميّة بالخصوص وضغائنهم علي النبي وأهل البيت، حتّي أنّهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم ولمّا لم يتمكّنوا من الإنتقام من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم بالذات، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام «اللهمّ إنّي أستعديك علي قريش، فإنّهم أضمروا لرسولك صلّي اللَّه عليه وآله وسلم ضروباً من الشر والغدر، فعجزوا عنها، وحُلت بينهم وبينها، فكانت الوجبة بي والدائرة عليّ، اللهمّ احفظ حسناً وحسيناً، ولا تمكّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً، فإذا توفّيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت علي كلّ شي ء شهيد» «1».

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 20/ 298.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 38

فيقول أمير المؤمنين: إنّ قريشاً أضمروا لرسول اللَّه ضروباً من الشرّ والغدر وعجزوا عنها، واللَّه سبحانه وتعالي حال بينه وبين تلك الشرور أن تصيبه، إلي أنْ توفّي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، فكانت الوجبة بأمير المؤمنين والدائرة عليه، كما أنّه في هذا الكلام يشير بأنّ قريشاً ستقتل الحسن والحسين أيضاً انتقاماً من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم.

وقال عليه السّلام في خطبة له: «وقال قائل: إنّك يا ابن أبي طالب علي هذا الأمر لحريص،

فقلت: بل أنتم- واللَّه- أحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنّما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه، فلما قرّعته بالحجة في الملأ الحاضرين هبّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.

اللَّهم إني أستعديك علي قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا علي منازعتي أمراً هو لي، ثم قالوا: ألا إنَّ في الحق أنْ تأخذه وفي الحق أن تتركه» «1».

وفي كتاب له عليه السّلام إلي عقيل: «فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا علي حربي إجماعهم علي حرب رسول اللَّه قبلي، فجزت

__________________________________________________

(1) نهج البلاغة 2/ 84، الخطبة: 172.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 39

قريشاً عنّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أُمّي» «1».

وروي ابن عدي في [الكامل في حديثٍ: «فقال أبو سفيان: مثل محمّد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن، فانطلق بعض الناس إلي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم فأخبروا النبي، فجاء صلّي اللَّه عليه وآله وسلم- يعرف في وجهه الغضب- حتّي قام فقال: «ما بال أقوام تبلغني عن أقوام» إلي آخر الحديث.

هذا في الكامل لابن عدي «2» بهذا النص، والقائل أبو سفيان.

وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضاً في بعض المصادر الأُخري، إلّا أنّهم رفعوا كلمة: «فقال أبو سفيان»، ووضعوا كلمة: «فقال رجل».

لاحظوا [مجمع الزوائد] «3».

وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: «أتي ناس من الأنصار إلي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم فقالوا: إنّا نسمع من قومك، حتّي يقول القائل منهم إنّما مثل محمّد مثل نخلة نبتت في الكبا» «4».

__________________________________________________

(1) نهج البلاغة 3/ 60، الكتاب 36، شرح نهج البلاغة 2/ 119 و

16/ 151.

(2) الكامل في ضعفاء الرجال 2/ 249.

(3) مجمع الزوائد 8/ 215.

(4) مجمع الزوائد 8/ 215.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 40

والكبا الأرض غير النظيفة.

لكن هذا الحديث أيضاً في بعض المصادر محرّف.

ثمّ إنّ السبب في هذه الضغائن ماذا؟ ليس السبب إلّاأقربية أمير المؤمنين عليه السّلام إلي النبيّ صلّي اله عليه وآله وسلم فينتقمون منه انتقاماً من النبيّ، مضافاً إلي مواقف أمير المؤمنين عليه السّلام في الحروب وقتله أبطال قريش، وهذا ما صرّح به عثمان لأمير المؤمنين في كلام له معه عليه الصلاة والسلام، أذكر لكم النص الكامل:

ذكر الآبي في كتاب [نثر الدرر]- وهو كتاب مطبوع موجود- وعنه أيضاً ابن أبي الحديد في [شرح نهج البلاغة] عن ابن عباس قال: «وقع بين عثمان وعلي كلام، فقال عثمان: ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب» «1».

هذه هي الأحقاد والضغائن، ولم يتمكنّوا من الإنتقام من رسول اللَّه، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو صلّي اللَّه عليه وآله وسلم.

وهكذا توالت القضايا، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين، وانتقموا، وانتقموا، إلي يوم الحسين عليه السّلام وبعد يوم الحسين عليه السّلام … وإلي اليوم …

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 9/ 22.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 41

المطلب التاسع: في بعض ما كان منهم مع علي والزهراء … ص: 41

اشارة

أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت، والقضايا التي وقعت.

ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع، وأنْ لا تصلنا تفاصيل الحوادث، مع الحصار الشديد المضروب علي الروايات والأحاديث، ومع ملاحقة المحدّثين والرواة، ومنعهم من نقل الأحاديث المهمة، ومع حرق تلك الكتب التي اشتملت علي مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الأشكال.

فإذن، من بعد هذه القرون المتطاولة، ومن بعد هذه

الحواجز والموانع، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع، وإنّما يمكننا العثور علي قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض المؤرخين.

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم يخبر أهل بيته بأنّ الأمّة ستغدر بهم، وأنّهم سيظهرون ضغائنهم من بعده، وسينتقمون منه أي:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 42

سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته، لأنّها بضعته، والإنتقام من الزهراء انتقام من النبي، وإنّما أبقي هذه البضعة في هذه الأمّة ليختبر الأمّة، وليظهروا ما في ضمائرهم.

ولم تطل المدة، فقد وقع الاختبار، وكانت المدة علي الأشهر أشهرُ، ثمّ عادت البضعة إلي رسول اللَّه واتّصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف، وكلّ ذلك وقع.

وكما قلنا لا نتوقّع أنْ نعثر علي كلّ تفاصيل تلك القضايا، ولكننا لو عثرنا علي الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقيّة.

لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات، حتّي تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي، رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الإسم كلمة قال رجل، فكيف تتوقّعون أنْ يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول اللَّه، أو يتمكّن الرواة من نقل كلّ ما حدث؟

وبالرغم من ذلك الحصار الشديد، ومن ذلك المنع الأكيد، ومن ذلك الإرعاب والتهديد، مع ذلك، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما وقع.

ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلّامن أهم مصادر أهل السنّة، ولا نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً، وحتّي أنّا ننقل- قدر الإمكان- عن أسبق المصادر وأقدمها، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة.

فههنا مسائل:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 43

المسألة الأُولي مصادرة ملك الزهراء وتكذيبها … ص: 43

وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء عليها السّلام من أعظم المصائب، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء

في أيام مصيبة الحسين عليه السّلام قرأ جملة: «دخلت زينب علي ابن زياد» وأراد أن يشرح ذلك الموقف، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية، قال: لأنّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه الجملة: «دخلت زينب علي ابن زياد» وهذه المصيبة، وما أعظمها!! دخلت زينب علي ابن زياد!!

مجرّد تكذيب الزهراء سلام اللَّه عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها، ليست القضية قضية فدك، ليست المسألة مسألة أرض وملك، إنّما القضية ظلم الزهراء سلام اللَّه عليها وتضييع حقّها، وعدم إكرامها، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 44

كما في المصادر المهمة المعتبرة:

أوّلًا: لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، وأنّ رسول اللَّه أعطي فاطمة فدكاً، فكانت فدك عطية من رسول اللَّه لفاطمة.

وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين.

أمّا من أهل السنة: فقد أخرج البزّار وأبو يعلي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نزلت الآية «وآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً.

وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس.

تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في كتاب [الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور] «1».

ومن رواته أيضاً: الحاكم، والطبراني، وابن النجار، والهيثمي، والذهبي، والسيوطي، والمتقي وغيرهم.

ومن رواته: ابن أبي حاتم، حيث يروي هذا الخبر في [تفسيره ، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في [منهاج السنة] علي أنّه خال من الموضوعات «2».

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور 4/ 177، مجمع الزوائد 7/ 49، مسند أبي يعلي 2/ 334، شرح نهج البلاغة 16/ 268، كنز العمّال 3/ 767.

(2) منهاج السنّة 7/ 13.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 45

فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر.

وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللَّه، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم للزهراء البتول، غير واحد من أعلام العلماء، ونصّوا علي هذا المطلب.

منهم: سعد الدين التفتازاني.

ومنهم ابن حجر المكي في [الصواعق إذ يقول: «إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً» «1».

فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر.

فلماذا انتزعها؟ وبأيّ وجهٍ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلًا بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً، فهلّا كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها؟

وثانياً: لو كان أبو بكر جاهلًا بكون فدك ملكاً لها، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة علي كونها مالكة لفدك؟ إنّ هذا خلاف القاعدة، وعلي فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة علي كونها مالكة لفدك، فقد شهد أمير المؤمنين سلام اللَّه عليه، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين؟

قالوا: كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه!

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 37.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 46

لاحظوا كتبهم، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر يقولون: لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد «1».

نقول: لكنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم قَبِل شهادة الواحد- وهو خزيمة ذو الشهادتين- وخبره موجود في كتب الفريقين، بل إنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم قضي بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد اللَّه بن عمر، وهذا الخبر موجود في [صحيح البخاري وفي [جامع الأصول لابن الأثير «2».

أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد اللَّه بن عمر في نظر النبي؟

وثالثاً: لو سلّمنا حصول الشك لأبي

بكر، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي، فهلّا طلب من فاطمة أن تحلف؟ فهلّا طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين؟ وقد قضي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم بشاهدٍ ويمين.

راجعوا [صحيح مسلم في كتاب الأقضية «3»، و [صحيح أبي دواد] «4» بل القضاء بشاهد ويمينٍ هو الذي نزل به جبريل علي

__________________________________________________

(1) شرح المواقف في علم الكلام 8/ 356.

(2) أنظر: جامع الأصول 10/ 198.

(3) صحيح مسلم 5/ 128.

(4) سنن أبي داود 2/ 169.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 47

النبي، كما في كتاب الخلافة من [كنز العمّال .

وهنا يقول صاحب [المواقف وشارحها: لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين «1».

نقول: فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها؟

وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء، وبغضّ النظر عن عصمة علي عليه السّلام، لو أردنا أن ننظر إلي القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبّق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية.

وأيضاً، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين، وشهد للزهراء أيضاً أم أيمن، ورسول اللَّه يشهد بأنّها من أهل الجنّة، كما في ترجمتها من كتاب [الطبقات لابن سعد وفي [الإصابة] لابن حجر «2».

ثمّ نقول: سلّمنا، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام اللَّه عليها في حياة النبي، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام، أليس كذلك؟! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول اللَّه، تنزّلنا عن كونها معصومة، لا إشكال في أنّها من الصحابة، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء، وقد رتّب

__________________________________________________

(1) شرح المواقف 8/ 356.

(2) الطبقات الكبري 2/ 248، الإصابة في معرفة الصحابة 8/ 264.

سلسلة اعرف الحق

تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 48

أبو بكر الأثر علي قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه.

هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها، عن شهادة علي والحسنين وأم أيمن، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي.

استمعوا إلي القضية أنقلها لكم، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية:

أخرج الشيخان عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري: «إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين، وعنده جابر، قال جابر لأبي بكر: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلم قال لي: إذا أتي مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثم حثوت لك، فقال أبو بكر لجابر: تقدّم فخذ بعددها».

فنقول: رسول اللَّه ليس في هذا العالم، ويدّعي جابر أنّ رسول اللَّه قد وعده لو أتي مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا، وتوفي رسول اللَّه وجاء مال البحرين بعد رسول اللَّه، وأبو بكر خليفة رسول اللَّه، ورتّب أبو بكر الأثر علي قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد.

هذه هي القضية، وتأمّلوا فيها، وهي موجودة في الصحيحين.

فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري، كيف يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه علي رسول اللَّه، وقد رحل رسول اللَّه عن هذا العالم، ثمّ أعطاه من مال المسلمين، من بيت المال، بقدر ما ادّعاه،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 49

ولم يطلب منه بيّنة، ولا يميناً!! لاحظوا ماذا يقولون!!

يقول الكرماني في كتابه [الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول: «وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه، فلقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلم: «من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار»، فهو وعيد، ولا يُظنّ بأنّ مثله- مثل جابر- يقدم علي هذا» «1».

فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم

علي هذا الشي ء، ويكذب علي رسول اللَّه، بل بالعكس، تظنّون كونه صادقاً في دعواه، فهلّا ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء- بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا- وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة!

ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في [فتح الباري يقول:

«وفي هذا الحديث دليل علي قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو [لو هذه وصلية] جرّ ذلك نفعاً لنفسه «2».

فالحديث يدلّ علي قبول خبره، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً علي صحة دعواه، وهلّا فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأنّ رسول اللَّه نحلني فدكاً، أعطاني فدكاً، ملّكني فدكاً!!

__________________________________________________

(1) الكواكب الدراري في شرح البخاري 10/ 125.

(2) فتح الباري 4/ 389.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 50

ويقول العيني في كتاب [عمدة القاري في شرح صحيح البخاري «قلت: إنّما لم يلتمس شاهداً منه- أي من جابر- لأنّه عدل بالكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فقوله تعالي: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» وقوله تعالي: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً»، فمثل جابر إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون؟ وأمّا السنّة فلقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلم «من كذب عَلَيّ متعمداً … ».

لاحظوا بقية كلامه يقول: «ولا يظن بمسلم فضلًا عن صحابي أنْ يكذب علي رسول اللَّه متعمداً» «1».

فكيف نظن بجابر هكذا؟ فكان يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق جابراً في دعواه، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها؟ وهل كانت أقل من جابر؟

ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس؟ أيظن بها أن تتعمّد الكذب علي رسول اللَّه؟ وأنت تقول: لا يظن بمسلم فضلًا عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً علي رسول اللَّه؟

أقول: ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة سلام اللَّه عليها، بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك،

وفرضها واحداً أو واحدة من الصحابة فقط؟ ما الفرق؟ لماذا يعطي جابر؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الأثر علي قوله

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 12/ 171.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 51

بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟

إذن، هناك شي ء آخر …

إذن، من وراء القضيّة- قضيّة الزهراء- شي ء آخر …

فرجعت فاطمة خائبة إلي بيتها …

ثمّ جاءت مرّةً اخري لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، لأنّ فدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول اللَّه بالإجماع، وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده بالإجماع، والزهراء أقرب الناس إلي رسول اللَّه في الإرث بالإجماع.

هذه مقدمات أربع، وكلّها مترتبة متسلسلة.

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة- واللفظ للأوّل- «إنّ فاطمة عليها السّلام بنت النبي أرسلت إلي أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، ممّا أفاء اللَّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول اللَّه قال: «لا نورّث ما تركنا صدقة»، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال، وإنّي واللَّه لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللَّه عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللَّه، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللَّه. فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة علي أبي بكر فهجرته، فلم تكلّمه حتّي توفّيت،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 52

وعاشت بعد النبي ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلًا ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّي عليها، وكان

لعلي من الناس وجه حياة فاطمة» «1».

وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيّام، وخطبتها سلام اللَّه عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر علي مدي الأيّام، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول:

كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول اللَّه أعطي فدكاً للزهراء، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة، ويكون خبر أبي بكر وحده في أنّ الأنبياء لا يورّثون مقبولًا؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضيّة، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً فاحشاً، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة، وهنا نقاط:

النقطة الأولي: كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول اللَّه؟

ولم ينقله أحد؟ وحتّي أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والإخبار به عن

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4/ 42، 209 و 5/ 82 و 8/ 503 صحيح مسلم 5/ 153- كتاب الجهاد والسير.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 53

رسول اللَّه إلي تلك الساعة؟

النقطة الثانية: كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث؟ وحتّي ورثته لم يسمعوا هذا الحديث؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلي أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الإرث! هلّا قال لهنّ عثمان- في الأقل- إنّ رسول اللَّه قال كذا؟ ولماذا مشي إلي أبي بكر وبلّغه طلب الزوجات؟

وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها، هذه الكلمة في [تفسيره يقول: «إنّ المحتاج إلي معرفة هذه المسألة ما كان إلّافاطمة وعلي والعباس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلي معرفة هذه المسألة، لأنّه ما كان ممّن

يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلي من لا حاجة له إليها، ولا يبلّغها إلي من له إلي معرفتها أشدّ الحاجة؟ «1» النقطة الثالثة: إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك، فإنّ دعوي تواتر الخبر كاذبة، لأنّهم ينصّون علي انفراد أبي بكر بهذا الخبر، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجيّة خبر الواحد، ومثّلوا بهذا الخبر من جملة ما مثّلوا، وإن كنتم في شكٍ من ذلك فارجعوا إلي: [مختصر] ابن الحاحب «2»،

__________________________________________________

(1) التفسير الكبير 9/ 210.

(2) المختصر في علم الأصول 1/ 161 بشرح العضد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 54

و [المحصول في علم الأصول «1» للفخر الرازي، و [المستصفي في علم الأصول «2» للغزّالي، و [الإحكام في أصول الأحكام «3» للآمدي، و [كشف الأسرار عن اصول البزدوي «4» لعبدالعزيز البخاري، وغير هذه الكتب.

مضافاً إلي هذا، هناك في الأحاديث أيضاً شواهد علي انفراد أبي بكر بهذا الحديث، فراجعوا مثلًا: [كتاب كنز العمال «5».

وحتّي المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث، فراجعوا: [شرح المواقف «6»، و [شرح المقاصد] «7»، بل أقول في:

النقطة الرابعة: إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث، لا أنّه

__________________________________________________

(1) المحصول في علم الأصول 3/ 86.

(2) المستصفي من علم الأصول: 249.

(3) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 66 و 323.

(4) كشف الأسرار عن اصول البزدوي 2/ 374.

(5) كنز العمّال 5/ 604، 623، 625 و 7/ 242.

(6) شرح المواقف 8/ 355.

(7) شرح المقاصد 5/ 278.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 55

منفرد به، بل إنّ هذا الحديث موضوع، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب، حتّي بهذا الحديث

لم يستدل. بناءً علي قول الحافظ عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش: إذ قال: «هذا الحديث باطل، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان».

وهو الراوي للقصّة، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفي سنة 283 والذي ألّف جزئين في مثالب الشيخين قال: سمعت عبدان يقول: قلت لابن خراش: حديث ما تركنا صدقة؟

قال: باطل، أتّهم مالك بن أوس بالكذب «1».

فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير، والذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلي هذا الحديث، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين، رموه بالرفض، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال.

لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول: هذا واللَّه الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه، فإنّه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والإطلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه [وكأنّ الإنتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم!!] فلا عتب علي حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغري» «2».

__________________________________________________

(1) الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 322.

(2) تذكرة الحفّاظ 2/ 684، وأنظر: سير أعلام النبلاء 13/ 509، ميزان الإعتدال 2/ 600.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 56

هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة، فلا عتب علي حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغري!!

فظهر أن هذه القضية- قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت- من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الإنسان الحرّ الأبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها، ولكن اريد أنْ اسيطر علي أعصابي، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه، لتكونوا علي بصيرةٍ أو لتزدادوا بصيرة.

سلسلة اعرف الحق

تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 57

المسألة الثانية إحراق بيتها … ص: 57

اشارة

وقد ذكرنا أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث وجزئيّات الأُمور، وتفاصيل الوقائع، أتتوقّعون أن ينقل لكم البخاري أنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً أحرقوا دار الزهراء بأيديهما؟! بهذا اللفظ تريدون؟! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون الأحاديث التي ليس لها من الحسّاسيّة والأهميّة ولا عشر معشار ما لهذه المسألة.

إنّ إحراق بيت الزهراء من الأُمور المسلّمة القطعيّة في أحاديثنا وكتبنا، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلّفينا، ومن أنكر هذا أو شكّ فيه أو شكّك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائناً من كان.

أمّا في كتب أهل السنّة، فقد جاءت القضيّة علي أشكال، وأنا قد رتّبت القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيباً، حتّي لا يضيع

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 58

عليكم الأمر ولا يختلط، وحتّي تكونوا علي يقظة ممّا يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإنّ القدر الذي ينقلونه أيضاً يتلاعبون به، أمّا الذي لم ينقلوه ومنعوا عنه وتركوه عمداً، فذاك أمر آخر. وسأذكر لكم ما يتعلّق بهذه المسألة تحت عناوين:

1- التهديد بالإحراق: … ص: 58

بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطّاب قد هدّد بالإحراق، فكان العنوان الأول التهديد، وهذا ما تجدونه في كتاب [المصنّف لابن أبي شيبة، من مشايخ البخاري المتوفي سنة 235 يروي هذه القضيّة بسنده عن زيد بن أسلم، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولي عمر، يقول:

حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللَّه، كان علي والزبير يدخلان علي فاطمة بنت رسول اللَّه، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب، خرج حتّي دخل علي فاطمة فقال: يا بنت رسول اللَّه، واللَّه ما أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللَّه ما ذاك

بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت «1».

وفي [تاريخ الطبري بسند آخر:

__________________________________________________

(1) المصنّف 8/ 572.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 59

«أتي عمر بن الخطّاب منزل علي، وفيه طلحة والزبير [هذه نقاط مهمّة حسّاسة لا تفوتنّكم، في البيت كان طلحة أيضاً، الزبير كان من أقربائهم، أمّا طلحة فهو تيميّ ورجال من المهاجرين فقال: واللَّه لأُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه، فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه» «1».

وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد.

لكن بعض كبار الحفّاظ منهم لم تسمح له نفسه لأنْ ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف، لاحظوا كتاب [الاستيعاب لابن عبد البر، فإنّه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزّار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه: إنّ عمر قال لها: ما أحد أحبّ إلينا بعده منك، ثمّ قال: ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولأن يبلغني لأفعلنّ ولأفعلن «2».

نفس الخبر، بنفس السند، عن نفس الراوي، وهذا التصرف! وأنتم تريدون أنْ ينقلوا لكم إنّه أحرق الدار بالفعل؟ وأيُّ عاقل يتوقّع من هؤلاء أنْ ينقلوا القضيّة كما وقعت؟ إنّ من يتوقّع منهم ذلك إمّا جاهل وإمّا يتجاهل ويضحك علي نفسه!!

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 433.

(2) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3/ 975.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 60

2- المجي ء بقبس أو بفتيلة: … ص: 60

وهناك عنوان آخر، وهو «جاء بقبس» أو «جاء بفتيلة» هذا أيضاً أنقل لكم بعض مصادره:

روي البلاذري المتوفي سنة 224 في [أنساب الأشراف بسنده:

«إنّ أبا بكر أرسل إلي علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة علي الباب، فقالت فاطمة: يا بن

الخطّاب، أتراك محرّقاً عَلَيّ بابي؟! قال: نعم، وذلك أقوي فيما جاء به أبوك» «1».

وفي [العقد الفريد] لابن عبد ربّه المتوفي سنة 328: «وأمّا علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتّي بعث إليهم أبو بكر [ولم يكن عمر هو الذي بادر، بَعَثَ أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له: إنْ أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار علي أنْ يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطّاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمّة» «2».

أقول: وقارنوا بين النصوص بتأمّلٍ لتروا الفوارق والتصرّفات.

وروي أبو الفداء المؤرخ المتوفي سنة 732 في [المختصر في

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 2/ 268.

(2) العقد الفريد 5/ 13.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 61

أخبار البشر] الخبر إلي: وإنْ أبوا فقاتلهم، ثمّ قال: «فأقبل عمر بشي ء من نار علي أن يضرم الدار» «1».

3- إحضار الحَطَب ليحرّق الدار … ص: 61

وهذا هو العنوان الثالث، ففي رواية بعض المؤرخين: أحضر الحَطَب ليحرّق عليهم الدار، وهذا في تاريخ المسعودي [مروج الذهب وعنه ابن أبي الحديد في [شرح النهج عن عروة بن الزبير، أنّه كان يعذر أخاه عبد اللَّه في حصر بني هاشم في الشِعب، وجمعه الحطب ليحرّقهم، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد اللَّه ابن الزبير:

بأنّ عمر أحضر الحطب ليحرّق الدار علي من تخلّف عن البيعة لأبي بكر «2».

«أحضر الحطب» هذا ما يقوله عروة بن الزبير، وأولئك يقولون «جاء بشي ء من نار» فالحطب حاضر، والنار أيضاً جاء بها، أتريدون أنْ يصرّحوا بأنّه وضع النار علي الحطب، يعني إذا لم يصرّحوا بهذه الكلمة ولن يصرّحوا! نبقي في شك أو نشكّك في هذا الخبر، الخبر الذي قطع به أئمّتنا، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا؟!!

__________________________________________________

(1) المختصر

في أخبار البشر 1/ 156.

(2) مروج الذهب 3/ 77، شرح ابن أبي الحديد 20/ 147.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 62

4- المجي ء للإحراق: … ص: 62

وهذه عبارة أخري: إنّ عمر جاء إلي بيت علي ليحرّقه أو ليحْرقه.

وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب [روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر] لابن الشحنة المؤرخ المتوفي سنة 882، وكتابه مطبوع علي هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير- وهو تاريخ معتبر- يقول: «إنّ عمر جاء إلي بيت علي ليحرّقه علي من فيه، فلقيته فاطمة فقال: أُدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة».

هذا، وفي كتابٍ لصاحب الغارات إبراهيم بن محمد الثقفي، في [أخبار السقيفة]، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي، عن أحمد بن حبيب العامري، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال: «واللَّه ما بايع علي حتّي رأي الدخان قد دخل بيته».

كتاب السقيفة لهذا المحدّث الكبير لم يصلنا، ولكن نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور: الشريف المرتضي في كتاب [الشافي في الإمامة] «1».

وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص- إبراهيم بن محمّد الثقفي

__________________________________________________

(1) الشافي في الامامة 3/ 241.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 63

المتوفي سنة 280 أو 283 نري من مؤلّفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب، ولم يصلنا هذان الكتابان، وقد ترجم له علماء السنّة ولم يجرحوه بجرح أبداً، غاية ما هناك قالوا: رافضي.

نعم، هو رافضي، ألّف كتاب السقيفة وألّف كتاب المثالب، ونقل مثل هذه الأخبار، روي مسنداً عن الصادق أبي جعفر بن محمّد: واللَّه ما بايع علي حتّي رأي الدخان قد دخل بيته.

وممّا يدلّ علي صحّة روايات هذا الشخص- إبراهيم بن محمد الثقفي- ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال: لمّا صنّف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة

أن يخفيه ولا يظهره، فقال: أيّ البلاد أبعد عن التشيّع؟ فقالوا له: إصفهان- إصفهان ذاك الوقت-، فحلف أنْ يخفيه ولا يحدّث به إلّافي إصفهان ثقةً منه بصحة ما أخرجه فيه، فتحوّل إلي الإصفهان وحدّث به فيها «1».

وذكره أبو نعيم الاصبهاني في [أخبار إصبهان .

في هذه الرواية: «وااللَّه ما بايع علي حتّي رأي الدخان قد دخل بيته»، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة، صرّحوا «بالحطب» صرّحوا «بالنار» صرّحوا «بالقبس» صرّحوا «بالفتيلة» صرّحوا بكذا وكذا، إلّاأنّهم يتجنّبون التصريح بكلمة إنّه وضع النار علي الحطب،

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 1/ 102.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 64

وتريدون أنْ يصرّحوا بهذه الكلمة؟ أما كانوا عقلاء؟ أما كانوا يريدون أنْ يبقوا أحياء؟ إنّ ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأنْ يرووا أكثر من هذا، ومن جهةٍ أخري، كانوا يعلمون بأنّ القرّاء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر ممّا يقولون، ويستشمّون من هذا الذي يذكرون الأُمور الأخري التي لا يذكرون، أتريدون أنْ يقولوا بأنّ ذلك وقع بالفعل ويصرّحوا به تمام التصريح، حتّي إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكّون أو تشكّكون، أنّ هذا واللَّه لعجيب!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 65

المسألة الثالثة: إسقاط جنينها … ص: 65

وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً، يعرف ذلك كلّ من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم.

لقد نصّت رواياتهم علي أنّه كان لعلي عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام ثلاثة ذكور: حسن، وحسين، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن، وكان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم قد سمّي هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون: شَبَر شُبير ومشبّر، وهذا موجود في: [مسند أحمد] «1»، وفي [المستدرك وقد صحّحه الحاكم «2»، والذهبي أيضاً صحّحه «3»،

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/

98 و 118.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 165.

(3) المستدرك علي الصحيحين. ذيله.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 66

وموجود في مصادر أُخري «1».

فيبقي السؤال: هل كان لعلي ولد بهذا الإسم أو لا؟ قالوا: كان له ولد بهذا الإسم … فأين صار؟ وما صار حاله؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه؟! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث، كما رأينا في هذه المباحث، وسنري في المباحث الآتية، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا؟ نعم، عثرنا علي أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا، وتحمّلوا ما تحمّلوا.

أحدهم: ابن أبي دارم المتوفي سنة 352:

قال الذهبي بترجمته: الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيي بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي [أصبح شيعياً!!] محدِّث الكوفة، حدّث عنه الحاكم، وأبو بكر ابن مردويه، ويحيي بن إبراهيم المزكِّي، وأبو الحسن ابن الحمّامي، والقاضي أبو بكر الجيلي، وآخرون. كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة، إلّا أنّه يترفّض [لماذا يترفّض؟] قد ألّف في الحطّ علي بعض الصحابة» «2».

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 4/ 59، المعجم الكبير 3/ 39، لسان العرب 4/ 393، تاج العروس 3/ 289، كنز العمال 13/ 659، تاريخ مدينة دمشق 45/ 304، البداية والنهاية 7/ 53.

(2) سير أعلام النبلاء 15/ 576.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 67

لا يقول أكثر من هذا: ألّف في الحطّ علي بعض الصحابة، فهو إذنْ يترفّض.

ولو راجعتم كتابه الآخر [ميزان الإعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي «1» فيقول: قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر

الدولابي- بعد أن أرّخ موته- كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إنّ عمر رفس فاطمة حتّي أسقطت بمحسن «2».

كان مستقيم الأمر عامّة دهره، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، فهو- إذن- خارج عن الإستقامة!!

أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين- هذا الرجل كان من كبار الصحابة، يثنون عليه غاية الثناء، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه، لعظمة قدره وجلالة شأنه «3» - هذا الشخص عندما دنا

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 14/ 309.

(2) ميزان الإعتدال 1/ 139، سير أعلام النبلاء 15/ 578.

(3) الإصابة 4/ 585.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 68

أجله، أرسل إلي أحد أصحابه، وحدّثه عن رسول اللَّه بمتعة الحج- التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها- ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به، وإنْ مات فليحدّث «1».

نعم، كان هذا الرجل (ابن أبي دارم) مستقيم الأمر عامّة دهره، اقتضت ظروفه أن لا ينقل مثل هذه القضايا، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره!! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته، حينئذ، جعل يُقرأ له المثالب واتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلًا يقرأ له هذا الخبر «إنّ عمر رفس فاطمة … »، فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً، وذلك في أواخر حياته، حتّي إذا مات، أو حتّي إذا أوذي أو ضرب فمات علي أثر الضرب، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره.

ورجل آخر هو: النظّام، إبراهيم بن سيّار النظّام ا لمعتزلي المتوفي سنة 231.

هذا أيضاً ينصّ علي وقوع هذه الجناية علي الزهراء الطاهرة وجنينها، وهذا الرجل

كان رجلًا جليلًا، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية

__________________________________________________

(1) نصّ الخبر: عن مطرف قال: بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه، فقال: إنّي محدّثك بأحاديث، لعلّ اللَّه أنْ ينفعك بها بعدي، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت، إنّه قد سُلّم علي، واعلم أنْ نبي اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قد جمع بين حج وعمرة، ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللَّه، ولم ينه عنها نبي اللَّه، فقال رجل برأيه فيها ما شاء. راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين، وهو في مسند أحمد 4/ 434.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 69

تذكر في الكتب، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء، وكانت أقواله شاذّة، إلّاأنّه من كبار العلماء، ذكروا عنه أنّه كان يقول: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّي ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح عمر: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.

وممّن نقل عنه هذا: الشهرستاني في [الملل والنحل ، والصّفدي في [الوافي بالوفيات «1»، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين.

وممّن عثرنا عليه: ابن قتيبة صاحب كتاب [المعارف ، لكن لا تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة فالكتاب محرّف.

ابن شهر آشوب المتوفي سنة 588 ينقل عن كتاب المعارف قوله:

إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي «2».

أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق!! فلفظه:

أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير «3».

وتجدون في كتاب [تذكرة الخواص للبسط ابن الجوزي أنه يقول: مات طفلًا «4».

__________________________________________________

(1) الملل والنحل 1/ 57، الوافي بالوفيات 6/ 15.

(2) مناقب آل أبي طالب 3/ 133.

(3) المعارف: 211.

(4)

تذكرة الخواص: 57.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 70

لكن البعض الآخر منهم- وهو الحافظ محمد بن محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين، وله كتب، منها [نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار] يقول بأنّه مات صغيراً «1».

وعندما نراجع ابن أبي الحديد، نراه ينقل عن شيخه- حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول اللَّه فألقت ما في بطنها- قال شيخه: لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول اللَّه دم هبّار لأنّه روّع زينب فألقت ما في بطنها، فكان لابدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك.

هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد.

فيقول له ابن أبي الحديد: أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة رُوّعت فألقت محسناً؟ فقال: لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه «2».

نعم لا يروون، وإذا رووا يحرّفون، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون.

__________________________________________________

(1) نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار: 74.

(2) شرح نهج البلاغة 14/ 193.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 71

المسألة الرابعة: كشف بيتها … ص: 71

وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء، وهجموا علي دارها، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يشكّ ولا يشكّك فيها أحد حتّي ابن تيميّة، ولو أنّ أحداً شكّ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيميّة، فكيف لو كان يدّعي التشيّع أو يدّعي كونه من ذريّة رسول اللَّه وفاطمة الزهراء؟

ورووا عن أبي بكر أنّه قال قبيل وفاته: «إنّي لا آسي علي شي ء من الدنيا إلّاعلي ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ

رسول اللَّه».

وهذا حديث مهم جدّاً، والقدر الذي نحتاج إليه آلان:

أوّلًا: قوله: وودت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء وإن كانوا قد غلّقوه علي الحرب.

ثانياً: قوله: وددت أني كنت سألت رسول اللَّه لمن هذا الأمر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 72

فلا ينازعه أحد.

أترونه صادقاً في تمنّيه هذا؟ ألم يكن ممّن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف و المشاهد؟

وتجد هذا الخبر- خبر تمنّيه هذه الأُمور- في: [تاريخ الطبري ، وفي [العقد الفريد] لابن عبد ربّه، وفي [الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلّام المحدّث الحافظ الكبير الإمام، وفي [مروج الذهب للمسعودي، وفي [الإمامة والسياسة] لابن قتيبة «1».

ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف، فراجعوا كتاب الأموال، فقد جاء فيه بدل قوله: وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة، هذه الجملة: وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا.

يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة: كذا وكذا!!

أتريدون أنْ ينقلوا الحقائق علي ما هي عليه؟ وممّن تريدون هذا؟

وممّن تتوقّعون؟.

أمّا ابن تيميّة، فلا ينكر أصل القضيّة، ولا ينكر تمنّي أبي بكر، وإنّما يبرّر!! لاحظوا تبريره هذه المرّة يقول:

«إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شي ء من مال اللَّه الذي يقسمه

__________________________________________________

(1) كتاب الأموال: 144، الإمامة والسياسة 1/ 36، تاريخ الطبري 2/ 619، العقد الفريد 5/ 21- 22، مروج الذهب 2/ 301.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 73

ليعطيه للمسلمين!!»

وكذلك يفعلون!!

وكذلك يقولون!!

ذكرنا مسألة فدك، وإحراق البيت، وإسقاط الجنين، وكشف البيت وهجومهم علي البيت بلا إذن وأنّهم فعلوا ما فعلوا!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 75

قضايا أُخَر … ص: 75

وبقيت أمور أتعرّض لها باختصار:

الأمر الأوّل:

إنّ فاطمة سلام اللَّه عليها ماتت ولم تبايع أبا بكر، ماتت وهي واجدة علي أبي بكر، وهذا موجود في الصحاح وغيرها، وقد قرأنا نصّ

الحديث عن عائشة.

أترون أنّها ماتت بلا إمام؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها؟ ماتت ميتة جاهلية وهي التي فضّلوها علي أبي بكر وعمر؟ وهي التي قالوا: بأنّ إيذاءها كفر ومحرّم؟ ماتت بغير إمامٍ ميتةً جاهلية؟ أيقولها أحد؟ فمن كان إمامها؟

الأمر الثاني:

إنّ عليّاً عليه السّلام لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء، ولم يخبره بأمرها، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 76

وأنتم تعلمون أنّ الصلاة علي الميّت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحقّ لأحدٍ أنْ يتقدّم للصلاة علي ميّت إلّابإذن خاص، ولذا لمّا دفنوا عبد اللَّه بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان، أرسل عثمان إلي عمّار بن ياسر وضرب عمّار لهذا السبب، وله نظائر كثيرة.

فكان عدم إخباره أبا بكر للحضور للصلاة رمزاً وعلامةً لرفض إمامته وخلافته.

ولكن القوم يعلمون بأنّ عدم صلاة أبي بكر علي الزهراء دليل علي عدم إمامته، فوضعوا حديثاً بأنّ عليّاً أرسل إلي أبي بكر، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدّة من الأصحاب وصلّوا علي الزهراء، واقتدي علي بأبي بكر في تلك الصلاة، وكبّر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة!! لاحظوا الكذب!! أنقل لكم هذا النص:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبد اللَّه بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي: أحد الضعفاء، [هذا الشخص أحد الضعفاء] أتي عن مالك [مالك بن أنس بمصائب منها:

عن جعفر بن محمّد يرويه عن أبيه الباقر عن جدّه قال: توفّيت فاطمة ليلًا، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة، فقال أبو بكر لعلي: تقدّم فصلِّ، قال لا، لا واللَّه لا تقدّمت وأنت خليفة رسول اللَّه، فتقدّم أبو بكر

سلسلة اعرف الحق تعرف

اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 77

وكبّر أربعاً «1».

وهذا من مصائب أُمّتنا، أنْ لا تنقل القضايا كما هي، وتوضع في مقابلها موضوعات يتقوّلون علي أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت أنفسهم! وكم له من نظير، ولي مذكّرات في هذا الباب، أَنّهم كثيراً مّا يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه، وعن لسان ولده محمد بن الحنفيّة ينقلون كثيراً من الأشياء.

الأمر الثالث:

وكان دفنها ليلًا بوصيةٍ منها، لتبقي مظلوميّتها علي مدي التاريخ، وخطاب أمير المؤمنين رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق، وحقيق علي كّل مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء سلام اللَّه عليها.

يقول ابن تيميّة في مقام الجواب: كثير من الناس دفنوا ليلًا.

ولكن فاطمة أوصت أن تغسّل ليلًا وأن تدفن ليلًا، وأنْ لا يخبر أحد ممّن آذاها.

__________________________________________________

(1) ميزان الإعتدال 2/ 488، لسان الميزان 3/ 334.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مظلوميةالزهراء، ص: 78

كلمة الختام … ص: 78

هذا ما اقتضي الوقت وساعد عليه التوفيق علي نحو الاستعجال، أنْ أذكر لكم هذه القضايا، بنحو خطوطٍ عريضة، وعلي شكل عناوين، ولم أتعرّض لكثير من الجزئيّات والتفاصيل والأقوال والروايات في هذه القضايا، كما لم أنقل شيئاً عن أهل البيت، وعن شيعة أهل البيت، وعمّا في كتب الإماميّة في هذه القضايا.

ولعلّ فيما ذكرت كفاية لهداية أُولي الألباب، ومن يكون بصدد التحقيق عن هذه القضايا بإنصاف.

وصلّي اللَّه علي محمّد وآله الطاهرين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.