سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي المجلد 27

اشارة

سرشناسه : حسینی میلانی، سیدعلی، 1326 -

عنوان قراردادی : المرتضی سیرة امیر المومنین علی بن ابی طالب کرم الله وجهه. شرح

عنوان و نام پديدآور : هوامش علی کتاب المرتضی: سیرة امیرالمومنین سیدنا ابی الحسن علی بن ابی طالب رضی الله عنه و کرم الله وجهه بقلم ابوالحسن علی الحسنی الندوی / [المولف] السیدعلی الحسینی المیلانی.

مشخصات نشر : قم: مرکزالحقائق الاسلامیه، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری : [95] ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 27.

شابک : 978-600-5348-07-1

يادداشت : عربی.

يادداشت : چاپ چهارم.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- سرگذشتنامه

موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضایل

موضوع : ندوی، ابوالحسن علی، 1913- م. . المرتضی سیره امیر المومنین علی بن ابی طالب رضی الله عنه و کرم وجهه -- نقد و تفسیر

شناسه افزوده : ندوی، ابوالحسن علی، 1913- م. . المرتضی سیره امیر المومنین علی بن ابی طالب رضی الله عنه و کرم وجهه. شرح

شناسه افزوده : مرکز الحقائق الاسلامیه

رده بندی کنگره : BP37/35/ن4م40215 1388

رده بندی دیویی : 297/951

شماره کتابشناسی ملی : 1742100

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي

نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 7

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين، من الأوّلين والآخِرين.

وبعد:

فإنّه يصلنا بين كلّ يومٍ وآخر كتاب عن الشيعة وأئمّتها وعقائدها، من مختلف البلدان، الإسلامية منها وغير الإسلامية، يكتبها «دكاترة» و «مشايخ» يحاولون الصدّ عن انتشار التشيّع في العالم، والوقوف أمام توجّه أبناء الفرق الأُخري إليه …

وكذلك الحال في كلّ زمان ومكان … فما خرج «منهاج السُنّة» من الشام، ولا «الصواعق المحرقة» من مكّة، ولا «التحفة الاثنا عشرية» من الهند، ولا غير هذه الكتب في الأَزمنة والأمكنة المختلفة … إلّالهذا السبب …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 8

يقول ابن حجر المكّي في مقدّمة كتابه: «سئلت قديماً في تأليف كتاب يبيّن حقيقة خلافة الصدّيق وإمارة ابن الخطّاب، فأجبت إلي ذلك مسارعةً في خدمة هذا الجناب … ثمّ سئلت في إقرائه في رمضان سنة 950 بالمسجد الحرام، لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكّة المشرّفة، أشرف بلاد الإسلام، فأجبت إلي ذلك، رجاءً لهداية بعض من زلّ به قدمه عن أوضح المسالك»!!

وكأنّ هذا السبب الآن أقوي من أيّ وقتٍ مضي … فما أكثر الكتب والمقالات في المجلّات … وحتّي الأَشرطة … التي تُنشر ضدّ هذا المذهب علي مختلف المستويات … في هذه الأَيّام … لكنّها- في الأَغلب- تكرار لما تقوّله الأَقدمون، واجترار لِما لفظه الغابرون، وتهجّمات لا يقوم بها إلّاالجاهلون … ولا جواب لها … إلا «السلام».

إلّا أنّا نجد- من بين تلك الكتب- كتباً نادرةً يبدو أنّ مؤلّفيها شعروا بأنّ التهريج والافتراء لا يلائم روح

العصر، وأنّه لا يجدي إنْ لم يثمر العكس …

فجاءوا يدّعون العلميّة والتحقيق، ويتظاهرون للنّبي وآله بالولاء والتصديق … فكانت كتبهم بظاهرها جديرةً بالقراءة والدراسة …

لكنّك إذا لاحظتها وجدتها لا تختلف في واقعها عن غيرها … إلّا من ناحية الأُسلوب، أعني خلوصها- إلي حدٍّ ما- من السبّ والشتم …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 9

أمّا خلوصها من التحريف، من الكذب، من كتم الحقائق، من إنكار الأُمور المسلَّمة … فلا …

ولقد وقع اختياري علي عدّةٍ من الكتب المنتشرة في الردّ علي عقيدة الشيعة، من أجل الردّ عليها علي ضوء روايات أهل السنّة في كتبهم المعروفة المعتمدة وكلمات كبار حفّاظهم وعلمائهم الأعلام في القرون المختلفة، فمنها:

كتاب صغير ألّفه الدكتور السالوس حول حديث «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي … »، فوضعت في ردّه كتاب (حديث الثقلين:

تواتره وفقهه).

وكتّيب آخر نشره حول آية التطهير، فألّفت في الرد عليه كتاب (مع الدكتور السالوس في آية التطهير).

وأخرج آخر باسم مستعار كتاباً زعم أنه ردٌّ علي كتاب المراجعات للمجتهد الأكبر المرحوم السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي العاملي، فكان السّبب في تأليفي لكتاب (تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات).

ثم وقع بيدي كتاب في أقل من 200 صفحة زعم مؤلّفه أنه سيرة أمير المؤمنين علي عليه الصّلاة والسلام.

الكتاب عنوانه «المرتضي: سيرة أمير المؤمنين سيّدنا أبي الحسن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 10

عليّ بن أبي طالب، رضي اللَّه عنه وكرّم اللَّه وجهه» ومؤلّفه: «أبو الحسن علي الحسني الندوي» من منشورات «دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، بدمشق».

وهو في فصول عشرة:

الفصل الأَول: عليّ بن أبي طالب في مكّة، من الأُسرة والولادة إلي الهجرة، 13- 35.

الفصل الثاني: عليّ في المدينة من الهجرة إلي وفاة الرسول، 37- 55.

الفصل

الثالث: سيّدنا عليّ في خلافة أبي بكر، 57- 93.

الفصل الرابع: سيّدنا عليّ في خلافة عمر، 95- 114.

الفصل الخامس: سيّدنا عليّ في خلافة عثمان، 115- 136.

الفصل السادس: سيّدنا عليّ في خلافته، 137- 157.

الفصل السابع: سيّدنا عليّ إزاء الخوارج وأهل الشام إلي شهادته، 159- 174.

الفصل الثامن: سيّدنا عليّ بعد الخلافة، 175- 192.

الفصل التاسع: سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين 193- 219.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 11

الفصل العاشر: سادة أهل البيت وأولاد عليّ، 221- 250.

فالكتاب كلّه يقع في 250 صفحة!

والمتعلّق منه بالموضوع- وهو سيرة المرتضي أمير المؤمنين- 190 صفحة فقط!!

تناولت هذا الكتاب … وأنا مستغرب كيف تمكّن المؤلّف من أنْ يودع «سيرة المرتضي أمير المؤمنين» في صفحة 190 فقط؟!

فوجدته يقول في المقدّمة:

«ومن هذه الشخصيات المظلومة أو المهضومة حقّها: شخصيّة سيّدنا عليّ بن أبي طالب، التي تراكمت عليها حجب كثيفة!! علي مدي القرون والأَجيال، لأَسباب مذهبيّة طائفيّة ونفسيّة، ولم ينصف لها حقّ الإنصاف، ولم تُعْرش للدارسين والباحثين- وحتّي للمحبّين المُجِلِّين- في صورتها الحقيقية، وإطارها الواسع الشامل، وفي استعراض- أمين دقيق محايد- للعصر الذي نبغت فيه، والأَحداث التي عاشتها، والمجتمع ورجاله وقادته الّذين عاصرتهم وتعاونت معهم، والمعضلات والمصاعب التي واجهتها، والقيم والمُثل التي تمسّكت بها أشدّ التمسّك، والخطّة السياسيّة والإدارية التي آثرتها، ولم يبحث عن أسبابها ونتائجها، ولم تقارن بنقيضها وضدّها ونتائجه، لو فضّله وسار عليه».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 12

قرأت هذه الفقرة وازداد تعجّبي واستغرابي، وخشيت أن يكون هذا المؤلّف أيضاً ممّن لم ينصف تلك الشخصية المظلومة أو المهضومة حقّها!! بل يكون هو أيضاً من الظالمين لها والهاضمين لحقّها!!

ثم رأيته يقول:

«ولكنّي بدأت بعد ذلك أشعر- بشدّةٍ- بفراغ مثير للاستغراب والدهشة في المكتبة الإِسلامية العالمية، فيما

يختصّ بموضوع سيرة سيّدنا عليّ بن أبي طالب، سيرةً موسّعة مؤسّسة علي دراسة تاريخية جديدة واسعة، يتخطّي فيها المؤلّف الحدود المرسومة التي قيّد فيها المؤلّفون كتاباتهم … ».

فقلت: وهل مَلأْتَ الفراغ المثير للاستغراب والدَّهشة، وجئتَ ب «سيرة موسّعة مؤسّسة علي دراسة … » في فصولٍ لا تبلغ المائة ورقة؟!

وحينئذٍ عزمت علي مواصلة القراءة، لأَفهم- قبل كلّ شي ء- كيف تكون المعجزة؟! … «سيرة موسّعة» … «تملأ الفراغ» … لشخصيّة «مظلومة أو مهضومة حقّها … » «في إطارها الواسع الشامل … » … «في استعراضٍ أمينٍ دقيقٍ محايد … » … في 190 صفحة!!

وثمّة شي ء آخر.. في المقدّمة.. يلفت النظر.. وهو وصفه هذا الكتاب بقوله:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 13

«لا يكون عيالًا علي ما كتب وأُلّف، ولا علي مصادر التاريخ المعدودة العرفية المعيّنة، التي يستقي منها المؤلّفون معلوماتهم في الغالب … ».

ثم قوله:

«إنّي التزمت في تأليف هذا الكتاب مبدأين كلّ الالتزام:

أوّلًا: أنْ أعتمد علي الكتب القديمة الموثوق بها المتلقّاة بالقبول فقط.

ثانياً: التزمت الإِحالة في النقل إلي اسم الكتاب بقيد الجزء ورقم الصفحة … ».

ولكنّك إذا ما راجعت فهرس مصادره وجدتَه يستقي معلوماته من «مصادر التاريخ المعدودة العرفيّة المعيّنة» أمثال «سيرة ابن هشام» و «البداية والنهاية» …

ويخالف ما يدّعي الالتزام به في قوله: «أعتمد علي الكتب القديمة … » فقد اعتمد كثيراً علي «البداية والنهاية» و «إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء» و «السيرة الحلبية» ونحوها من كتب المتأخّرين، حتّي أنّه رجّح في غير موردٍ ما جاء في أحد هذه الكتب علي ما روته «الكتب القديمة «ك «تاريخ الطبري» و «سيرة ابن هشام» … مضافاً إلي تصريحه في هامش الصفحة 9 من المقدّمة بأنّه قد «أفاد كثيراً»

من كتاب «عبقرية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 14

الإِمام» للْأُستاذ عبّاس محمود العقّاد، بعد أن وصفه بقوله: «إنّ ممّا يقتضيه الإنصاف والاعتراف بالحقّ: إنّ خير ما كتب عن سيّدنا عليّ رضي اللَّه عنه هو كتاب عبقرية الإِمام … ».

وبعد:

فهذه هوامش وضعتها باختصار علي أهمّ الفصول المتعلّقة من الكتاب ب «المرتضي»، تبييناً للحقائق التي أنكرها أو أغفلها، وتنبيهاً علي الْأَساليب الملتوية التي سلكها، متّبعاً أثر أئمّته السابقين، ومشيّداً لِما أسّسه أسلافه الاول … لكنْ بدسّ السمّ في العسل … ومن اللَّه الهداية في القول والعمل.

علي الحسيني الميلاني

1429

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 15

الفصل الْأَوّل: عليّ بن أبي طالب في مكّة … ص: 15

اشارة

[1] صفات أمير المؤمنين موروثة؟!

قال في الصفحة 17:

«يحسن بنا أن نستعرض- في أمانةٍ تاريخيّة وحياد علمي- وضع الأُسرة والسلالة اللتين وُلد ونشأ فيهما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب … ».

كأنّه يريد أنّ الخصائص التي امتاز بها أمير المؤمنين عليه السّلام والصفات التي فضّلته علي غيره … إنّما هي قضايا موروثة من آبائه، فللدم الموروث في أعضاء الأُسرة كابراً عن كابر تأثير علي أخلافها وذرّيّاتها …

فالفضل في كلّ ما كان الإمام عليه السلام يتمتّع به من الصفات

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 16

العالية في أعلي درجاتها، كالشجاعة والبلاغة … يعود إلي القبيلة التي كان ينتمي إليها، والأُسرة التي نشأ فيها …

وكأنّ الرجل نسي- أو تناسي كما تقتضيهما الأَمانة التاريخية والحياد العلمي!!- أنّه لم يوجد في بني هاشم ولا قريش … من كان يداني سيّدنا المرتضي عليه السّلام في شي ء من الصفات التي كانت متوفّرة فيه، وحتّي إخوته الّذين نشأوا معه وعاشوا سويّةً … لم يبلغوا معشار ما بلغه …

إذن، ليست القضيّة قضيّة عشيرة وقبيلة، أو أُسرة وبيئة …

ثمَّ

ما يقول المؤلّف في النّبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم؟! هل كانت صفاته التي كان عليها موروثةً من آبائه كما يقول «علم التشريح وعلم النفس وعلم الْأَخلاق وعلم الاجتماع» - علي حدّ تعبيره-؟!

إنّ حال أمير المؤمنين عليه السلام في فضائله التي ميّزته عن أبناء أُسرته حال النّبي صلّي اللَّه عليه واله وسلّم، فإنّ ذلك فضل من اللَّه يؤتيه حيث يجعل رسالته …

[2] مات أبو طالب ولم يسلم؟!

قال في الصفحة 22:

«مات أبو طالب في النصف من شوّال في السنة العاشرة من النّبوة،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 17

وهو ابن بضع وثمانين سنة، وهو العام الذي ماتت فيه خديجة زوج النّبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

ولم يسلم أبو طالب، وهو المشهور الثابت من كتب الحديث والسيرة، المعروف عند المسلمين قديماً وحديثاً، وقد تأسّف علي ذلك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وحزن له، وذلك يدلُّ علي أنّ هذا الدين دين مبدئي عقائدي، لا يحابي فرداً ولا سلالةً علي أساس نسبٍ وسلالةٍ، أو رحم وقرابة، ولا علي حبٍّ ودفاع، إذا لم تقرن به عقيدة صحيحة وإيمان بما جاء به الرسول».

أقوّل:

أمّا أنّ ما زعمه هو المعروف بين المسلمين قديماً وحديثاً، فكذب صريح، إذ الشيعة مجمعون علي إسلام سيّدنا أبي طالب عليه السّلام وإيمانه، وجماعة كبيرة من علماء الفرق الأُخري، ينصّون علي ذلك ويعترفون به، وقد الّفت في إثباته الكتب قديماً وحديثاً.

وأمّا أنّه الثابت من كتب الحديث والسيرة، فكذب آخر، لأَنّ كتب الشيعة متّفقة علي إسلامه، وكتب غيرهم مشحونة بالْأخبار الثابتة والآثار الواضحة الدلالة علي إيمانه.

وأمّا أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «قد تأسّف علي ذلك» أي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 18

علي عدم إسلام

أبي طالب عليه السلام، فكذب ثالث.

ولنذكر بعض الروايات الصريحة في موته مسلماً ومؤمناً، عن المصادر «الموثوق بها المتلقّاة بالقبول» كما قال، وذلك إلزاماً للمكابر، وإلّا فلسنا بحاجةٍ إلي ما يروونه في مثل هذا الموضوع الثابت عندنا بالضرورة:

فمن ذلك: قول أبي طالب لعليّ عليه السلام لَمّا رآه يصلّي مع النبي:

«أما إنّه لم يدعُك إلّاإلي خيرٍ، فالزمه» «1».

ورووا قوله لجعفر- لَمّا رأي النّبي وعليّاً عن يمينه يصلّيان-: «صِلْ جناحَ ابن عمّك وصلّ عن يساره» «2».

ومن ذلك: قوله مخاطباً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«واللَّه لنْ يصلوا إليك بجمعهم حتي أُوسّد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منك عيونا

__________________________________________________

(1) رواه المؤلّف في ص 31 عن سيرة ابن هشام 1/ 246، وهو أيضاً في تاريخ الطبري 2/ 214، وسيرة ابن سيّد الناس 1/ 94، وفي الإِصابة 4/ 116، وغيرها.

(2) أُسد الغابة 1/ 287.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 19

ودعوتني وعلمت أنّك ناصحي ولقد دعوتَ وكنتَ ثمَّ أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد من خير أديان البريّة دينا» «1»

ومن ذلك: قوله في شعرٍ له في أمر الصحيفة المعروف المشهور:

«ألم تعلموا أنا وجدنا محمّداً رسولًا كموسي خُطَّ في أول الكتب» «2»

ومن ذلك: ما ورد في كتب القوم بأسانيد يروون بها عن سيّدنا أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «حدّثني محمّد ابن أخي، وكان واللَّه صدوقاً، قال:

قلت له: بمَ بُعثت يا محمّد؟ قال: بصلة الْأَرحام وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة» «3».

ومن ذلك: وصيّته، فإنّه دعا بني عبدالمطّلب فقال: «لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا» «4».

ومن ذلك: إقراره بالشهادة قبيل وفاته، كما ذكر علماء القوم في كتبهم، ونكتفي هنا بكلام أبي الفداء

حيث قال:

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 3/ 42، فتح الباري 7/ 153، السيرة الحلبية 1/ 305، المواهب اللدنّية بالمنح المحمديّة 1/ 61.

(2) سيرة ابن هشام 1/ 373، ابن كثير 3/ 87، وغيرهما.

(3) الإصابة 4/ 118، أسني المطالب- لأحمد زيني دحلان-: 6، وغيرهما.

(4) الطبقات الكبري 1/ 79.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 20

«ذكر وفاة أبي طالب: توفّي في شوّال سنة عشر من النبوّة، ولَمّا اشتدّ مرضه قال له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: يا عمّ قلها، أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة- يعني الشهادة-.

فقال له أبو طالب: يا ابن أخي، لولا مخافة السبّة وأنْ تظنّ قريش إنّما قلتها جزعاً من الموت، لقلتها.

فلما تقارب من أبي طالب الموت، جعل يحرّك شفتيه، فأصغي إليه العبّاس بأُذنه وقال: واللَّه- يا ابن أخي- لقد قال الكلمة التي أمرته أنْ يقولها.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: الحمدللَّه الذي هداك يا عمّ.

هكذا روي ابن عبّاس. والمشهور «1» أنّه مات كافراً.

ومن شعر أبي طالب ممّا يدلّ علي أنّه كان مصدّقاً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قوله:

ودعوتني وعلمت أنّك صادقٌ ولقد صدقت وكنتَ ثَمَّ أمينا

__________________________________________________

(1) أي بين المناوئين للَّه ولرسوله، لكنّ المتأمّل في كلام أبي الفداء صدراً وذيلًا يحكم بأنْ هذا المؤرّخ مخالف لهذا.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 21

ولقد علمتُ بأنّ دينَ محمّد من خير أديان البريّة دينا

واللَّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتي أُوسّد في الترب دفينا

وكان [عمر] أبي طالب بضعاً وثمانين سنة» «1».

وقال السيّد أحمد زيني دحلان بعد نقل حديث العبّاس: «نقل الشيخ السحيمي في شرحه علي شرح جوهرة التوحيد، عن الإِمام الشعراني والسبكي وجماعة: أنّ ذلك الحديث ثبت عند بعض أهل الكشف، وصحَّ عندهم إسلامه».

هذا،

ولا يخفي أنّه قد جاء حديث العبّاس في سيرة ابن هشام مع إضافة في آخره، وهو أنّ النبيّ- لَمّا أخبره العبّاس بقول أبي طالب الكلمة التي أمرها بها- قال: «لم أسمع».

ولكنّ الصحيح ما جاء في تاريخ أبي الفداء فإنّه عن ابن عبّاس، ولابُدّ وأنّه يرويه عن أبيه الذي هو صاحب القصّة.

لكنّ القوم زادوا تلك الكلمة وجعلوا يفسّرونها بما لا يخلو من اضطراب، ففي «الروض الْأُنف» في شرح هذا الموضع: شهادة العبّاس لأَبي طالب لو أدّاها بعد ما أسلم لكانت مقبولة ولم يُردّ بقوله: لم أسمع، لأنّ الشاهد العدل إذا قال: سمعت، وقال من هو أعدل منه: لم أسمع، أُخذ

__________________________________________________

(1) المختصر في أخبار البشر 1/ 120.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 22

بقول من أثبت السماع، لأَنّ عدم السماع يحتمل أسباباً منعت الشاهد من السمع. ولكنّ العبّاس شهد بذلك قبل أنْ يسلم».

قلت:

أولًا: قد عرفت بطلانَ هذه الزيادة.

وثانياً: إنّ العبّاس في هذا الموضع مخبِرٌ وليس بشاهدٍ، والمُخبر إنْ كان موثوقاً في إخباره يُقبل منه، ولا يشترط فيه العدالة كما لا يشترط التعدُّد، بل لا يشترط فيه الإسلام، ويشهد بذلك قبول النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خبر سلمان رضوان اللَّه عليه في الهديّة والصدقة قبل إسلامه، وترتيب النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الأثر علي إخباره بأنّ الطبق المقدَّم له من الرطب صدقة فلم يأكل منه، ثمّ إخباره مرّة أُخري عن طبق آخر قدّمه إليه بأنّه هديّة، فجعل صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يأكل ويقول لأصحابه: كلوا … فحينذاك أسلم سلمان.

وذلك في قضيّة معروفة رواها أحمد في المسند «1»، وغيره، واستشهد بها كبار العلماء في كتبهم في علم اصول الفقه في مبحث خبر الواحد، راجع في ذلك

مثلًا: كشف الأسرار «2».

__________________________________________________

(1)

مسند أحمد 5/ 438.

(2) كشف الأسرار عن اصول فخر الاسلام 2/ 685.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 23

فيظهر أنّ السهيلي- علي جلالته- نسي أو تناسي قصّة سلمان التي كانت من الثبوت بحيث اعتمد عليها الْأُصوليّون في بحوثهم.

ومن ذلك: ما كان من النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من قولٍ وفعلٍ بعد وفاته، وإيراد بعض ذلك- ولو باختصار- كافٍ في بيان المطلب وكذب المؤلّف:

1- بكاؤه الشديد علي فقده؛

2- حضوره جنازته؛

3- معارضته لجنازته؛

4- دعاؤه له بقوله: «جزاك اللَّه عنّي خيراً»؛

5- أمره عليّاً بأنْ يغسّله ويكفّنه ويواريه «1».

وأخرج ابن سعد في الطبقات بسندٍ صحيح عن إسحاق بن عبداللَّه:

قال العبّاس: «يا رسول اللَّه، أترجو لأَبي طالب؟

قال: كلّ الخير أرجو من ربّي» «2».

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 1/ 105، تاريخ ابن كثير 3/ 125، تاريخ بغداد 13/ 196، الإِصابة 4/ 116، تاريخ اليعقوبي 2/ 26.

(2) الطبقات الكبري 1/ 106.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 24

[3] أين كان مولد عليّ؟

قال في الصفحة 28:

«قال الحاكم في ترجمة حكيم بن حزام: قد تواترت الْأَخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاً في جوف الكعبة، وولد حكيم بن حزام في الكعبة. وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:

اختلف في مولد عليّ عليه السلام أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أنّه ولد في الكعبة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة: حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزّي بن قصيّ».

أقول:

هنا نقاط:

أوّلًا: كلام الحاكم بترجمة حكيم بن حزام هو: «تواترت الْأَخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة» هذا كلامه.

وليس بعده «وولد حكيم بن حزام في الكعبة» كما لا يخفي علي من راجع

المستدرك «1».

ولعلّه من هنا لم يذكر المؤلّفُ المصدرَ الذي نقل عنه هذا الكلام!

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 482.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 25

نعم، نقل الحاكم بترجمة حكيم بسندٍ له عن «عليّ بن غنّام العامري» أنّه وُلد حكيم بن حزام في جوف الكعبة.

لكنّ الذي يعتقده الحاكم هو الذي نصّ علي تواتر الْأَخبار به.

أمّا القائل بولادة حكيم فيها وهو «عليّ بن غنّام العامري» فلم أجد له في الكتب الرجاليّة ذكراً، فقيل: أنّ «غنّام» مصحّف «عثام»، فهو أبو الحسن الكلابي المتوفّي سنة 228، فإنْ كان الْأَمر كما ذكر، خرج الرجل عن الجهالة، إلّاأنّه لا قيمة لخبره، لأَنّ المفروض كونه من رجال القرن الثالث ولا يدري عمّن يروي ذلك؟!

وثانياً: نقله عن ابن أبي الحديد وكتابه «شرح نهج البلاغة» يُفيد كون المؤلّف والمؤلَّف موثوقاً به ومقبولًا عنده، لكونه قد زعم الالتزام بالكتب الموثوق بها والمقبولة فقط.

وثالثاً: الغرض من ذكره كلام ابن أبي الحديد بعد كلام الحاكم وسكوته عليه، هو التشكيك في صحّة ما نصّ عليه الحاكم، ولكنْ كان من المناسب أن يُعارض كلام الحاكم بكلام إمامٍ من أئمّة الحديث، لا بكلام أديبٍ مؤرّخ خلط في كتابه بين الغثّ والسمين.

ورابعاً: كلام ابن أبي الحديد مردود، فإنّ القول بولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة هو قول عامّة الشيعة لا كثير منهم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 26

بل، لقد نصّ غير واحدٍ من أعلامهم المتقدّمين والمتأخرين أنّ هذه الفضيلة خصيصة من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام، فراجع مثلًا:

* الإرشاد إلي معرفة حجج اللَّه علي العباد 1/ للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الملقّب بالمفيد، المتوفي سنة 413.

* خصائص الأئمة ص 4، للشريف الرضي الموسوي البغدادي، المتوفي سنة 406.

*

شرح قصيدة السيد الحميري ص 51، للشريف المرتضي الموسوي البغدادي سنة 436.

* إعلام الوري بأعلام الهدي: 153، للشيخ أبي علي الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن، المتوفي سنة 548.

* الخرائج والجرائح 2/ 888، للشيخ قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573.

* مناقب آل أبي طالب 2/ 175، للشيخ ابن شهراشوب السروي، المتوفي سنة 588.

* عمدة عيون صحاح الأخبار: 24، للشيخ الحافظ ابن البطريق الحلّي، المتوفّي سنة 600.

* كشف الغمة في معرفة الأئمة 1/ 59، للشيخ الوزير بهاء الدين الإربلي المتوفي سنة 693.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 27

* نهج الحق وكشف الصّدق: 233، للعلّامة الحلّي المتوفي سنة 726.

وقوله: «والمحدّثون لا يعترفون بذلك» يردّه كلام الحاكم الملقّب عندهم ب «إمام المحدّثين».

وأيضاً، فقد نصّ علي ولادته عليه السلام في الكعبة، وتواتر الْأَخبار بذلك، كثير من علماء أهل السُنّة من محدِّثين ومؤرّخين، منهم شاه وليّ اللَّه الدهلوي، صاحب كتاب «إزالة الخفا» الذي هو من مصادر المؤلّف «1».

ومنهم جماعة ينصّون علي اختصاص هذه الفضيلة بأمير المؤمنين عليه السلام:

* قال الحافظ أبو عبداللَّه الكنجي الشافعي (المقتول سنة 658):

«أخبرنا الحافظ أبو عبداللَّه محمّد بن محمود النجّار- بقراءتي عليه ببغداد- فقلت له: قرأت علي الصفّار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازي، أخبرنا الحاكم أبو عبداللَّه محمّد بن عبداللَّه الحافظ النيسابوري قال: ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من

__________________________________________________

(1) إزالة الخفا عن سيرة الخلفا 4/ 406.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 28

رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك وإجلالًا لمحلّه في التعظيم» «1».

أقول: أمّا

الحاكم النيسابوري، فمعروف. وكذلك الحافظ ابن النجّار البغدادي المتوفي سنة 643، فإنّه من كبار الحفّاظ والمحدّثين الأعلام، كما لا يخفي علي من يراجع ترجمته «2».

* وقال شيخ الإسلام إبراهيم بن محمّد الجويني الحمويني (المتوفي سنة 730): «قيل: لم يولد في الكعبة إلّاعلي» «3».

* وقال الحافظ نورالدين ابن الصبّاغ المالكي (المتوفي سنة 855): «ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها، إجلالًا له وإعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته» «4».

* ونقل عن الفصول المهمّة هذه الكلمة مع نسبتها إلي ابن الصبّاغ غير واحدٍ من أثبات أهل السنّة: كالحافظ نورالدين السمهودي (المتوفي

__________________________________________________

(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 407.

(2) وصفه الذهبي ب «الإمام العالم الحافظ البارع محدّث العراق مؤرّخ العصر … كان مع حفظه فيه دين وصيانة ونسك» سير أعلام النبلاء 23/ 131 وأنظر: الهامش للوقوف علي مصادر ترجمته.

(3) فرائد السمطين 1/ 426.

(4) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: 30.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 29

سنة 911) في كتاب (جواهر العقدين) وبرهان الدين الحلبي (المتوفي سنة 1044) في (إنسان العيون)، كما ذكر الفقيه المحدّث الأديب الشيخ محمّد علي الغروي الاوردبادي في كتابه (علي وليد الكعبة).

* وقال صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي (من أعلام القرن الحادي عشر): «ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب الفرد الحرام سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة وقيل بخمس وعشرين. وكانت ولادته بالكعبة المشرّفة، وهو أوّل من ولد بها، بل لم يعلم أنّ غيره ولد بها» «1».

* وقال الحافظ محمّد بن معتمدخان البدخشاني الحارثي (من أعلام القرن الثاني عشر): «ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه قبله ولا بعده،

وهي فضيلة خصّه اللَّه بها» «2».

* وقال محمّد حبيب اللَّه الشنقيطي (المتوفي سنة 1363): «ومن مناقبه- كرّم اللَّه وجهه- أنه ولد في داخل الكعبة، ولم يعرف ذلك لأحدٍ غيره» «3».

__________________________________________________

(1) وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: 282. مخطوط.

(2) مفتاح النجا في مناقب آل العبا: 34. مخطوط.

(3) كفاية الطالب: 37.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 30

[4] إسلام عليّ عليه السلام

قال في الصفحة 29:

«ذكر ابن إسحاق: أنّ عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه عنه- جاء، وهما- أي النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وخديجة رضي اللَّه عنها- يصلّيان، فقال عليّ: يا محمّد، ما هذا؟ قال: دين اللَّه الذي اصطفي لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلي اللَّه وحده لا شريك له، وإلي عبادته، وأنْ تكفر باللّات والعزّي.

فقال عليٌّ: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاضٍ أمراً حتّي أُحدّث به أبا طالب، فكره رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنْ يفشي عليه سرّه قبل أنْ يستعلن أمره، فقال له: يا عليّ، إذ لم تسلم فاكتم.

فمكث عليٌّ تلك الليلة، ثمّ إنّ اللَّه أوقع في قلب عليٍّ الإِسلام … ».

أقول:

إن أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام أوّل من أسلم، وبذلك أحاديث كثيرة في أهم كتب أهل السنّة، مناقبه عند المسلمين، ولذا يعدّ في فضائله وخصائصه بتراجمه في كتب أهل السنّة أيضاً، فلننقل بعض الأحاديث:

أخرج أحمد- في حديث- قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 31

لفاطمة عليها السلام: «أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم امّتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً» «1».

وفي حديثٍ أخرجه أبو نعيم وجماعة أنه خاطبه قائلًا: «أنت أوّلهم إيماناً باللَّه … » «2».

وفي حديثٍ خاطب عائشة: «يا عائشة،

دعي لي أخي، فإنه أوّل الناس إسلاماً، وآخر الناس بي عهداً، وأوّل الناس لي لقياً يوم القيامة» «3».

وفي حديثٍ أخرجوه عن سلمان قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «أوّلكم وارداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب» «4».

نكتفي من الأحاديث بما ذكرناه. ومن الأقوال بما جاء في كتاب الاستيعاب بترجمة الإمام عليه السلام حيث قال:

«وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 26، وأنظر: الاستيعاب واسد الغابة وغيرهما بترجمة الإمام. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 114: رواه أحمد والطبراني برجالٍ وثّقوا.

(2) حلية الأولياء 1/ 65 وأنظر: الرياض النضرة 2/ 198.

(3) الإصابة بمعرفة الصحابة 4/ 389.

(4) المستدرك علي الصحيحين 3/ 136، والاستيعاب وذخائر العقبي وغيرهما، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 32

الخدري وزيد بن أرقم: إن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء علي غيره» «1».

ثم أقول:

إن الخبر الذي أورده المؤلّف هو عن ابن إسحاق صاحب السيرة، لكنّ مصدره كتاب البداية والنهاية لابن كثير «2»، والذي في السيرة النبوية لابن هشام، وهي تهذيب السّيرة لابن إسحاق كما هو معلوم، ما نصّه:

«ذِكْر أنّ عليَّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أوّل ذَكَرٍ أسلم. قال ابن إسحاق: ثم كان أوّل ذَكَرٍ من الناس آمن برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و [آله وسلّم، وصلّي معه وصدّق بما جاءه من اللَّه تعالي: عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم، رضوان اللَّه وسلامه عليه، وهو يومئذٍ ابن عشر سنين.

وكان ممّا أنعم اللَّه علي عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، أنّه كان في حجر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله

وسلّم قبل الإِسلام.

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 2/ 456، وأنظر: اسد الغابة وتهذيب التهذيب والاصابة وغيرها بترجمته عليه السلام.

(2) البداية والنهاية 3/ 24.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 33

قال ابن إسحاق: وحدّثني عبداللَّه بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج، قال: كان من نعمة اللَّه علي عليّ بن أبي طالب، وكان ممّا صنع اللَّه له وأراد به من الخير، أنَّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و [آله وسلّم للعبّاس عمّه- وكان من أيسر بني هاشم-: يا عبّاس: إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال … فأخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عليّاً فضمّه إليه وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه، فلم يزل عليٌّ مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم حتي بعثه اللَّه تبارك وتعالي نبيّاً، فاتّبعه عليٌّ رضي اللَّه عنه وآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّي أسلم واستغني عنه.

قال ابن إسحاق: وذكر بعض أهل العلم أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كان إذا حضرت الصّلاة خرج إلي شعاب مكّة، وخرج معه عليّ بن أبي طالب مستخفياً من أبيه طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصلّيان الصّلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا … ».

فالذي أورده عن «البداية والنهاية» غير موجود في سيرة ابن هشام!

والخبر الذي رواه ابن إسحاق بإسناده عن مجاهد، أورده المؤلّف عن تاريخ الطبري بسنده عن مجاهد! ثم قال في الهامش: «والحكاية عند محمّد بن إسحاق أيضاً».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 34

والذي جاء في السيرة لابن هشام أنّه «قال ابن إسحاق: وذكر بعض أهل العلم … » أورده المؤلّف عن ابن إسحاق تحت عنوان «بين

عليّ وأبي طالب»!!

فالملاحظ: أن المؤلّف يذكر شيئاً عن ابن إسحاق بواسطة ابن كثير الدمشقي وهو غير موجود في السيرة الهشامية، والذي فيه لا يورده … !!

وشي ءٌ موجود عند ابن إسحاق، يذكره عن الطبري ولا يورده عن ابن إسحاق، وشي ءٌ يورده عنه ولكن تحت عنوانٍ مخترَعٍ من عنده!!

والمهمُّ أنْ نقارن بين الذي في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، والذي ذكره ابن كثيرٍ عن ابن إسحاق، ثم نسأل المؤلِّفَ عمّا دعاه إلي اعتماد نقل ابن كثير دون ما جاء في نفس سيرة ابن إسحاق؟!

هذا، وقد سبق ابن الْأَثير في «أُسد الغابة» ابن كثير في هذا الذي أورده معزوّاً إلي ابن إسحاق، ولا أَستبعدُ أن يكون ابن كثير قد أخذ المطلب من «أُسد الغابة» بلا مراجعة لسيرة ابن إسحاق.

ثمّ إنّ المؤلّف بعد ما رأي نفسه مضطرّاً إلي الاعتراف بأنّ عليّاً أوّل من أسلم، قال في الصفحة 30:

«وهو ما تدلُّ عليه القرائن وطبيعة الْأَشياء، فإنّه رضي اللَّه عنه نشأ في أحضان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وفي البيئة النبوية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 35

التي احتضنت الدعوة إلي الإسلام، وتبليغ رسالات اللَّه إلي كافّة الْأَنام، والخضوع لتأثيرها- إذا لم يكن مانع قاسر أو طبيعة منحرفة قاسية وحاشا عليّاً عن ذلك- شي ء طبيعي».

إذن، كان إسلام عليٍّ عليه السلام علي أثر وجوده في هذه البيئة، والخضوع لتأثيرها شي ء طبيعي، فالفضل للبيئة التي أثّرت فيه وحملته علي الخضوع … !! هذا معني كلامه، ويشهد بذلك عبارته بعد هذا حيث قال:

«وقد جمع بعض المحقّقين والباحثين بين الروايات بأنّه كان أوّل النساء وأهل البيت إسلاماً خديجة أُمّ المؤمنين، وأوّل الرجال الواعين الناضجين إسلاماً أبو بكر الصدّيق، وأوّل الصغار والْاحداث إسلاماً

عليّ بن أبي طالب. والْأَوّل أقرب إلي القياس، واللَّه أعلم».

فإسلام عليٍّ عليه السلام كان إسلام تأثّر بالبيئة، لا إسلام نضوج!!

وهنا يأتي هذا السؤال:

إذا كان إسلام عليٍّ عن تأثير البيئة، ولم يكن عن وعيٍ ونضج، فما رأيك في الأحاديث المشار إليها؟ وما رأيك بكلمات الصّحابة وكبار التابعين وكبار الأئمة الذين جعلوا هذا الأمر من فضائله الخاصّة به، وفضّله الكثيرون بذلك علي غيره؟ وما تصنع بما روي عن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 36

أمير المؤمنين نفسه من فخره بذلك علي جميع المسلمين ممّا هو مشهور في الكتب ولم نذكره؟ وما تصنع بالحديث الثابت المعروف ب «حديث الإِنذار» الصريح في خلافة عليٍّ بعد النبيّ فضلًا عن صحّةِ إسلامه؟!

حديث الإنذار يوم الدار … ص: 36

فيضطرّ المؤلّف لأنْ يتعرّض لحديث الإنذار في يوم الدار، لكنْ باختصارٍ!! وفي الهامش!! ثم التشكيك في صحّته!! فيقول:

«وقد جاءت قصّة ضيافة بني عبدالمطّلب وصنع الطعام لهم، وقيام عليّ بن أبي طالب بذلك علي أثر نزول آية «وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ» ودعوة رسول اللَّه بني عبدالمطّلب إلي الإِسلام، وردّ أبي لهب علي ذلك رداً قبيحاً، واستجابة عليٍّ ومؤازرته لرسول اللَّه، وما تكلّم به الرسول، في بعض كتب السيرة، وسردها ابن كثير بطولها في كتابه البداية والنهاية 3/ 39- 40، وتكلّم في بعض رواتها، وفيها ما يشكّك في صحّتها وضبطها».

فأقول للمؤلّف:

إنّ قصّة يوم الإِنذار وحديث بدء الدعوة المحمّديّة، من أهمّ الْأَحداث الخالدة في تاريخ الإِسلام، ومن أسمي أيام أمير المؤمنين

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 37

وأفضل مواقفه في كلّ حياته الكريمة وسيرته المشرّفة … فكيف تغفل ذكرها كما هي واردة في «الكتب القديمة الموثوق بها»، كما وصفتَ تلك الكتب والتزمت بالنقل عنها؟!

أهكذا يكتب عن سيرة «هذه الشخصية المظلومة أو

المهضومة حقّها، شخصيّة سيّدنا عليّ بن أبي طالب، التي تراكمت عليها حجب كثيفة علي مدي القرون والْأَجيال، لأَسبابٍ مذهبية طائفيّة ونفسيّة، ولم ينصف لها حقّ الإِنصاف» كما عرفتها؟!

وكيف تقول: «وقد جاءت قصّة … في بعض كتب السّيرة» والحال أنَّ الشيخ عليّ المتّقي الهندي وحده أوردها في كتابه «كنز العمّال» - وهذا الكتاب من المصادر التي نقلت عنها في كتابك- عن: أحمد بن حنبل، والطحاوي، وابن إسحاق، ومحمّد بن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والضياء المقدسي؟! «1» ثمّ إِنّ المتّقي ينصُّ علي أنّ ابن جرير الطبري صحّح هذا الحديث، كما أنّ الضياء المقدسي يراه صحيحاً لأَنّه أخرجه في كتابه «المختارة» الذي التزم فيه بالصحّة، فما بالك تركت كلّ هؤلاء وقلتَ: «وسردها ابن كثير بطولها في كتابه البداية والنهاية 3/ 39- 40، وتكلّم في بعض

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 129 و 131 و 149 و 174.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 38

رواتها، وفيها ما يشكّك في صحّتها وضبطها»؟!!

هذا، ولنورد نصّ الرواية عن ابن إسحاق وابن جرير وجماعة:

«عن عليٍّ، قال: لَمّا نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم «وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ» دعاني رسول اللَّه فقال: يا عليّ، إنّ اللَّه أمرني أن أنذر عشيرتي الْأَقربين، فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أنّي مهما أُناديهم بهذا الْأَمر أري منهم ما أكره، فصمَتُّ عليها، حتي جاءني جبريل فقال: يا محمّد، إنّك إنْ لم تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك.

فاصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رِجل شاة، واجعل لنا عُسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطّلب حتي أُكلّمهم وأُبلّغ ما أُمرت به.

ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلًا، يزيدون

رجلًا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب، فلمّا وضعته تناول النبي جشب حزبة من اللحم، فشقّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا بسم اللَّه.

فأكل القوم حتي نهلوا عنه، ما نري إلّاآثار أصابعهم، واللَّه إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدّمت لجميعهم.

ثم قال: إسقِ القوم يا عليّ، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا منه حتّي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 39

رووا جميعاً، وأيم اللَّه إن كان الرجل منه ليشرب مثله.

فلمّا أراد النبيّ أن يكلّمهم بَدرَه أبو لهب إلي الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم. فتفرّق القوم، ولم يكلّمهم النبيّ.

فلمّا كان الغد فقال: يا عليّ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أنْ أُكلّمهم، فعد لنا مثل الذي صنعت بالْأَمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي.

ففعلت ثم جمعتهم. ثم دعاني بالطعام فقرّبته ففعل به كما فعل بالْأَمس، فأكلوا وشربوا حتي نهلوا، ثم تكلّم النبيّ فقال:

يا بني عبدالمطّلب، إنّي- واللَّه- ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أنْ أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني علي أمري هذا؟

فقلت- وأنا أحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً- أنا يا نبيّ اللَّه، أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لِعَليّ.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 40

ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل» «1».

في هذه الرواية دلالة علي:

1- إنّ عليّاً عليه السلام- علي صغر سنّه- كان في أعلي درجات الوعي

والنضج، ولا يقاس به أحدٌ من الّذين أسلموا من بعده …

2- إنّ عليّاً عليه السلام هو الذي صنع الطعام- بأمر النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- وهو الذي دعا القوم وأطعمهم وسقاهم …

3- إنّ عليّاً عليه السلام أخو النبيّ ووصيّه وخليفته في المسلمين..

وإنّه يجب إطاعته والتسليم له عليهم جميعاً.. منذ ذلك الحين …

ولهذه الْأُمور- لا غير- يشكّك بعض القوم في صحّة الخبر..

كابن كثير! … وينكر ابن تيميّة وجوده في الصحاح والمسانيد بالرغم من وجوده في مسند أحمد! … ويحذفه محمد حسين هيكل من كتابه في الطبعة الثانية بعد أنْ أثبته في الْأُولي! … ويستهين به مؤلّفنا في كتابه الذي ألّفه أداءً لحقّ المرتضي!! …

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 131- 133.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 41

[5] بين عليّ وأبي طالب

وهذا عنوان يقصد به الغضّ من أمير المؤمنين عليه السّلام، وقد جاء في الصفحة 30 تحت هذا العنوان ما نصّه:

«قال ابن إسحاق: وذكر بعض أهل العلم أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلي شعاب مكّة، وخرج معه عليّ بن أبي طالب مستخفياً من أبيه أبي طالب … ».

أقول:

أوّلًا: كيف ينقل هذا عن ابن إسحاق، ويعتمد عليه، ولا ينقل عنه- ولا عن غيره- قصّة يوم الإِنذار؟!

وثانياً: كيف يعتمد علي مثل هذا الخبر المنقول عن «بعض أهل العلم» ولم يعلم من هو؟! بل يعتمد علي تكلّم ابن كثير في بعض رواة حديث يوم الإِنذار مع وروده في مسند أحمد، ومع تصحيح الطبري وغيره له؟!

وثالثاً: لقد تقدَّم عن عدّة من المصادر القديمة أن أبا طالب عليه السّلام كان يأمر أمير المؤمنين بملازمة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله ومتابعته، وكذا ولده جعفر

رضي اللَّه عنه، بل بني هاشم وعبدالمطّلب أجمعين.

وجاء في المصادر المعتبرة عند أهل السنّة ما نصّه:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 42

لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال عليه السلام: «يا معشر قريش، أنتم صفوة اللَّه من خلقه وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع الواسع الباع، وأعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه، ولا شرفاً إلا أدركتموه، فلكم بذلك علي الناس فضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلي حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنيّة (يعني الكعبة) فإن فيها لمرضاة للربّ، وقواماً للمعاش وثباتاً للوطاة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها، فإن صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم، أجيبوا الداعي وأعطوا الطائل، فإن فيهما شرف الحياة والمماة، وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة، فإن فيها محبة في الخاص ومكرمة في العام.

وإني أوصيكم بمحمّد خيراً فإنه الأمين في قريش، والصِّدِّيقُ في العرب، وهو الجامع لكلّ ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجَنانُ، وأنكره اللّسان مخافة الشنآن.

وَايْمُ اللَّه، كأني أنظر إلي صعاليك قريش وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدّقوا كلمته، وعظّموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 43

وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاة ولحزبه حماة، واللَّه لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدّة وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز، ولدافعت عنه

الدواهي» «1».

__________________________________________________

(1) الروض الأنف 1/ 259، المواهب اللدنّيّة بالمنح المحمديّة 1/ 72، السيرة الحلبيّة 1/ 375 وغيرها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 45

الفصل الثاني: عليّ في المدينة … ص: 45

[6] المؤاخاة

جاء في الكتاب، الصفحة 39، تحت هذا العنوان ما نصّه:

«جاء في الطبقات الكبري لابن سعد: آخي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بين عليّ بن أبي طالب وسهل بن حنيف.

وقال ابن كثير: آخي النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بينه وبين سهل بن حنيف. وذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم آخي بينه وبين نفسه، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة لا يصحّ شي ء منها لضعف أسانيدها وركّة بعض متونها».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 46

أقول:

أوّلًا: إنّ من يقرأ هذا النصّ المنقول عن ابن كثير، ابتداءً بكلمة «آخي النبي» وانتهاء بكلمة «متونها» ثم ينظر إلي وضع رقم الهامش علي كلمة «متونها» والإرجاع في الهامش إلي البداية والنهاية 3/ 226- 227، لا يفهم إلّاكون هذا الكلام لابن كثير …

إلّا أنّا لَمّا راجعنا الجزء والصفحة المذكورتين، وجدنا عنوان ابن كثير هكذا: «فصل في مؤاخاة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بين المهاجرين والْأَنصار» ولم نجد فيه هذا النصّ المذكور في كتاب المؤلّف!! … ومن شاء فليراجع …

وثانياً: إذا كان قد «ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم آخي بينه وبين نفسه» فلماذا لم تذكر عبارة ابن إسحاق ولم تعتمد علي نقله، وأنت معتمد عليه في الموارد الْأُخري حتّي مع الجهل برواة الخبر عنده؟!

وثالثاً: إنّ أُخوّة أمير المؤمنين عليه السّلام للنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ثابتة قبل يوم المؤاخاة، ففي أخبار حديث

يوم الإنذار: أنّ النبيّ جعله أخاً له …

ومن ذلك ما أخرجه أحمد في «المسند» بسندٍ صحيح، فقد رواه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 47

عن عفّان، ثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن علي رضي اللَّه عنه، قال: جمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- أو: دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- بني عبدالمطلّب، فيهم رهط كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق.

قال: فصنع لهم مُدّاً من طعام، فأكلوا حتي شبعوا. قال: وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يُمسّ، ثم دعا بغمر فشربوا حتي رووا، وبقي الشراب كأنّه لم يُمسّ أو لم يُشرب. فقال: يا بني عبدالمطّلب، إنّي بُعثت إليكم خاصةً وإلي الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيّكم يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه أحد، قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم. قال: فقال: إجلس. قال ثلاث مرّات، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي: إجلس، حتّي كان في الثالثة ضرب بيده علي يدي» «1».

وحديث المؤاخاة رواه المحدّثون وأرباب السير، فمن رواته من المحدثين: أحمد بن حنبل والترمذي والحاكم والبغوي والطبراني وابن عساكر وغيرهم، قال الزرقاني المالكي: «جاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة النبي لعلي، وقد روي الترمذي وحسنّه والحاكم وصحّحه عن ابن عمر: إنه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال لعلي: أما ترضي أن أكون

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 159.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 48

أخاك؟ قال: بلي. قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة» «1».

ثم إنّ الحافظ ابن حجر قال بشرح صحيح البخاري: «قال ابن عبدالبر: كانت المؤاخاة مرّتين، مرّة بين المهاجرين خاصّة وذلك بمكة، ومرّةً بين المهاجرين

والأنصار» ثم ذكر بعض الأحاديث «2».

ولو أردنا إيراد نصوص المؤاخاة كما في المصادر القديمة المعتبرة، لطال بنا المقام، وبما ذكرناه كفاية.

وقال الحافظ ابن عبدالبر: «روينا من وجوهٍ عن علي أنه كان يقول:

أنا عبداللَّه وأخو رسول اللَّه، لا يقولها أحد غيري إلّاكذّاب» «3».

[7] زواج عليّ فاطمة

قال في الصفحة 39:

«وفي السنة الثانية من الهجرة زوّج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بنته فاطمة عليّاً كرّم اللَّه وجهه، وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه

__________________________________________________

(1) شرح المواهب اللدنية 1/ 273. وأنظر: صحيح الترمذي 5/ 595 والمستدرك علي الصحيحين 3/ 14 وكنز العمال 11/ 610 و 13/ 105.

(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/ 217.

(3) الاستيعاب 3/ 1099.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 49

عليه [وآله وسلّم لفاطمة: قد أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليّ، ودعا لها، ونضح عليها من الماء».

أقول:

نَقَل هذا عن «إزالة الخفاء»: 254، وهذا الكتاب من تأليف الشيخ وليّ اللَّه الدهلوي- المتوفّي سنة 1176- ولست أدري لماذا لم ينقل عن الكتب القديمة الموثوق بها كما قال؟!

فقد ورد في المصادر القديمة المعتبرة عندهم أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال لها حين زوّجها منه:

«زوّجتك خير أُمتي، أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً» «1».

وفي زواجها من علي عليهم السّلام امورٌ نشير إلي بعضها:

الأوّل: إنّ هذا الزواج كان بأمرٍ من اللَّه، وقد روي ذلك جماعة كبيرة من أئمة الحديث من أهل السنّة كالطبراني وعنه الحافظ وقال:

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 26، مجمع الزوائد 9/ 101 و 114، الاستيعاب 3/ 1099، الرياض النضرة في مناقب العشرة 2/ 194.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 50

رجاله ثقات «1». ورواه: البيهقي والخطيب البغدادي وابن عساكر والحاكم وغيرهم.

والثاني: إنه قد خطبها من قبل أبو

بكر وعمر، فردّهما رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قائلًا: «لم ينزل القضاء بعدُ» «2».

والثالث: إنه قد نبّه عليّاً علي خطبتها بعض الأنصار، ولمّا حضر عند النبيّ صلي اللَّه عليه وآله قال له: مرحباً وأهلًا … وهذا ما رواه عدّة كبيرة من الأعلام منهم: ابن سعد صاحب الطبقات حيث روي عن بريدة: «قال نفر من الأنصار لعلي: عليك بفاطمة. فأتي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فسلّم عليه. فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ قال:

ذكرت فاطمة بنت رسول اللَّه. قال: مرحباً وأهلًا. لم يزده عليهما. فخرج علي أولئك الرهط من الأنصار ينظرونه، قالوا: ما ورائك؟ قال: ما أدري، غير أنه قال لي: مرحباً وأهلًا. قالوا: يكفيك من رسول اللَّه احداهما، أعطاك الأهل والمرحب … » «3».

__________________________________________________

(1)

مجمع الزوائد 9/ 204.

(2) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة 2/ 183 وغيره.

(3) الطبقات الكبري 8/ 12.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 51

[8] إغفال المؤلّف مواقف الإمام في الحروب

هذا … ولا يخفي علي من يطالع كتاب المؤلّف جناياته علي أحاديث فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام المرويّة في المصادر القديمة المعتبرة عند القوم، فهو بالإِضافة إلي عدم ذكره كثيراً من مواقف الإِمام عليه السّلام، وإلي جنايته علي حديث يوم الإِنذار، وحديث المؤاخاة كما عرفت.

أغفل ذكر ما قاله النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في حقّه يوم الخندق «1».

ولم يذكر حديث الراية يوم خيبر بصورة كاملة «2».

وكذا حديث المنزلة الذي قاله النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في مواضع منها لدي خروجه إلي تبوك «3».

[9] تعرّضه لخبر الغدير وليته لم يتعرَّض!

ولم يأت من خبر «حجّة الوداع وخطبة غدير خمّ» بشي ء حيث

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 32، كنز

العمّال 11/ 623، تاريخ مدينة دمشق 50/ 333.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 38، عمدة القاري 14/ 214، تاريخ مدينة دمشق 42/ 108.

(3) مجمع الزوائد 9/ 109، مسند أحمد 1/ 173، صحيح مسلم 7/ 120.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 52

عنون ذلك، إلّاأنّه قال: «فلما وصل إلي غدير خمّ خطب وذكر فيها فضل عليّ رضي اللَّه عنه وقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعاد من عاداه»!!

ثم إنّه أضاف بالنسبة إلي حديث «من كنت مولاه». قائلًا:

«وكان سبب ذلك أنّ بعض الناس كانوا قد اشتكوا عليّاً وعتبوا عليه، وتكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنّها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلًا، والصّواب كان مع عليٍّ في ذلك».

أقول:

وهذا نفس ما يتقوّل به النواصب في هذا المقام!!

غير إنّ المؤلّف تفضّل!! فقال: «والصّواب كان مع عليٍّ في ذلك» ليوهم أنّه ليس منهم!!

وعلي كلّ حالٍ، فقد اضطرب المخالفون لأمير المؤمنين والمنكرون فضائله ومناقبه الصريحة في أفضليّته والدالّة علي خلافته بعد النبي بلا فصل … تجاه ما ورد من ذلك في كتب السّنّة …

وفي خصوص حديث الغدير … تجد بعضهم يقدح في سنده.

وآخر يسلّم السند ويقدح في الدلالة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 53

وثالث يري أن لا جدوي في شي ء من ذلك، فينكر وجود عليٍّ مع النبيّ في حجّة الوداع.

ورابع لَمّا وجد الحديث متواتراً ودلالته ثابتةً وأنّ وجود عليٍّ في الغدير لا ينكر.. عَمَدَ إلي دعوي أن الحديث وارد في قضيّةٍ خاصّة ومناسبة معيّنة، فاضطربوا هذه المرّة في تحديد تلك القضيّة والمناسبة:

فبعضهم قال: إنّ قوماً نقموا علي عليٍّ بعض أُموره …

وبعضهم قال: إنّه وقع بينه وبين أُسامة بن

زيد كلام …

وبعضهم قال: إنّه وقع بينه وبين زيد بن حارثة، وهذا معناه ورود الحديث قبل حجّة الوداع بزمانٍ طويل …

فلينظر المنصف!! كيف يسعي أعداء الحق وراء إنكاره ولو بارتكاب المستحيل!!

لقد كان علي المؤلّف- الذي التزم بالنقل عن الكتب الموثوق بها المعتمدة!! وتصدّي لأن يكتب عن حسن نيّة! سيرة شخصيّةٍ مظلومةٍ- أن يبذل جهداً ولو قليلًا فيبحث عن واقع القضيّة أو يترك قوله: «وكان سبب ذلك … » أو ينقل- في الأقلّ- ما جاء في سيرة ابن هشام التي أكثر من النقل عنها والإِرجاع إليها، فإنّ الذي جاء فيها هكذا:

«قال ابن إسحاق: وحدّثني يحيي بن عبداللَّه بن عبدالرحمن بن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 54

أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لَمّا أقبل عليٌّ رضي اللَّه عنه من اليمن ليلقي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بمكّة، تعجّل إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، واستخلف علي جنده الذين معه رجلًا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسي كلّ رجلٍ من القوم حلّة من البزّ الذي كان مع عليٍّ رضي اللَّه عنه، فلمّا دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك! ما هذا؟! قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، قال: فانتزع الحلل من الناس، فردّها في البزّ. قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.

قال ابن إسحاق: فحدّثني عبداللَّه بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمّد بن كعب بن عجرة، عن عمّته زينب بنت كعب- وكانت عند أبي سعيد الخدري- عن أبي سعيد الخدري، قال:

اشتكي الناس عليّاً

رضي اللَّه عنه، فقام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فينا خطيباً، فسمعته يقول: لا تشكوا عليّاً، فواللَّه إنّه لأخشن في ذات اللَّه. أو: في سبيل اللَّه» «1».

فهذا هو الذي قاله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في

__________________________________________________

(1) سيرة ابن هشام 2/ 603.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 55

المناسبة التي أشار إليها المؤلّف، حسب ما في سيرة ابن هشام، الذي هو من أهمّ مصادره … لا حديث الغدير …

إنّه لا ارتباط بين حديث الغدير وما يذكره القوم أبداً، إنّ حديث الغدير كان بأمرٍ من اللَّه سبحانه للرّسول الأعظم صلّي اللَّه عليه وآله- لمّا خرج من مني متوجّهاً إلي المدينة- إذ جاءه الخطاب: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» «1».

فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: «نزلت هذه الآية: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» علي رسول اللَّه يوم غدير خم في علي بن أبي طالب» «2».

ومن هنا، فقد رووا عن عبداللَّه بن مسعود أنه قال: «كنّا نقرأ علي عهد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (أن علياً مولي المؤمنين) وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (3).

وللتفصيل في خبر الغدير يراجع الكتب المفصّلة («3»).

__________________________________________________

(1) سورة المائدة: الآية 67.

(2) (و 3) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2/ 298.

(3) راجع كتاب: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، الأجزاء 6- 9.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 56

علي أنّا لو سلّمنا صدور حديث الغدير من النبيّ صلّي اللَّه

عليه وآله وسلّم، بسبب شي ء من القضايا المزعومة، فإنّ الحديث: «ألست أوْلي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» وقد نصَّ غير واحدٍ من محقّقي القوم، كالقاضي عبدالجبّار المعتزلي- في مقام الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير- بأنّ كلّ ذلك لو صحَّ وكان الخبر خارجاً عليه، فلم يمنع من التعلّق بظاهره وما يقتضيه لفظه، فيجب أن يكون الكلام في ذلك دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه.

قلت: وكيف يكون مانعاً عن التعلّق بظاهره وما يقتضيه لفظه، والحال أنّ كبار الصحابة لم يعبأوا بالسبب، وفهموا من الحديث ما هو ظاهر فيه، فقال أبو بكر وعمر لعليٍّ: «بخ بخ … » «1» وقال حسان بن ثابت في معناه قصيدته المشهورة «2»، واغتاظ بعضهم من مدلوله وسأل بعذابٍ واقع للكافرين ليس له دافع … «3». «4» فلو كان كلام النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في مناسبة خاصّة

__________________________________________________

(1) الأمالي للصدوق: 50، الموطأ 2/ 992، رقم 24، شواهد التنزيل 1/ 201، رقم 210.

(2) الفصول المختارة: 290، المناقب للخوارزمي: 136.

(3) سورة المعارج: الآية 2.

(4) نظم درر السمطين: 93، شواهد التنزيل 2/ 381.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 57

وبسببٍ معيّن وخطاباً لشخصٍ أو أشخاصٍ فقط … لَما كان ذلك كلّه.

هذا موجز البيان في هذا المقام … والتفصيل موكول إلي محلّه.

[10] وفاة الرسول

وهذا آخر عنوان عناوين الفصل الثاني من كتابه، وقد تطرّق هنا إلي صلاة أبي بكر، وزعم أنّها «كانت بأمرٍ من النبيّ، وأنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خرج وجلس إلي جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلّي قائماً ورسول اللَّه يصلّي قاعداً»!!

أقول:

قد حقّقتُ في رسالة مستقلّةٍ أنّ صلاة أبي

بكر لم تكن بأمرٍ منه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأنّه خرج ونحّاه عن المحراب وصلّي بالمسلمين بنفسه.

ثمّ إنّه لم يتعرّض هنا لخبر سرية اسامة، وأنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أبقي عنده عليّاً وأمر بخروج غيره- وفيهم المشايخ- مع أُسامة!

وإن كنت في ريبٍ من قولنا هذا، فهذه عبارة الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: «وكان ممّن انتدب مع أُسامة كبار المهاجرين والأنصار،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 58

منهم: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم، فتكلّم في ذلك قوم … ثمّ اشتدّ برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وجعه فقال: أنفذوا بعث أُسامة.

وقد روي ذلك عن الواقدي وابن سعد وابن إسحاق وابن الجوزي وابن عساكر» «1».

ثم إن المؤلّف لم يذكر مناجاة النبيّ قبيل وفاته مع عليّ عليه السلام، وأنّه توفّي ورأسه في حجر عليٍّ!! هذا الخبر الثابت المتّفق عليه بين المسلمين:

قالت أمّ سلمة رضي اللَّه عنها: «والذي أحلف به أنْ عليّ لأقرب الناس عهداً برسول اللَّه … فأكبَّ عليه عليٌّ، فجعل يسارّه ويناجيه، ثمّ قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم من يومه ذلك، فكان أقرب الناس به عهداً» «2».

وقالت عائشة: «قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وهو في بيتها لمّا حضره الموت: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثمّ وضع رأسه، ثمّ قال: ادعوا حبيبي، فدعوت له عمر، فلمّا نظر إليه

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8/ 124.

(2) مسند أحمد 6/ 300، المستدرك علي الصحيحين 3/ 138، ابن عساكر 3/ 16.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 59

وضع رأسه، ثمّ قال: ادعوا لي حبيبي، فقلت، ويلكم ادعوا

له عليّاً فواللَّه ما يريد غيره. فلمّا رآه أخرج الثوب الذي كان عليه ثمّ أدخله معه، فلم يزل محتضنه حتّي قبض ويده عليه» «1».

هذا، ولا يخفي ما اشتمل عليه هذا الخبر من فوائد.

ولم يتعرَّض المؤلّف كذلك لتجهيز الرسول صلّي اللَّه عليه وآله ودفنه وهو يتكلّم عن «وفاة الرّسول» بقدر ما يتعلَّق بأمير المؤمنين، والمفروض أن الكتاب في سيرته!! وإليك بعض الأحاديث في المقام من أوثق مصادر القوم:

أخرج ابن سعد بسنده عن يزيد بن بلال عن علي قال: «أوصي النبيّ صلي اللَّه عليه [وآله ألّايغسله أحد غيري، فإنه لا يري أحد عورتي إلّاطمست عيناه، قال علي: فكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، قال علي: فما تناولت عضواً إلا كأنما يقلّبه معي ثلاثون رجلًا» «2».

وأخرج أحمد بسنده عن ابن عبّاس قال: «لما اجتمع القوم لغسل رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم وليس في البيت إلا أهله، عمّه

__________________________________________________

(1) الرياض النضرة 2/ 180، ابن عساكر 3/ 14، ذخائر العقبي: 72.

(2) الطبقات الكبري ج 2 ق 2 ص 61.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 60

العباس بن عبدالمطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن العباس واسامة بن زيد بن حارثة وصالح ومولاه، فلما اجتمعوا لغسله نادي من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري، ثم أحد بني عوف بن الخزرج- وكان بدرياً- علي بن أبي طالب، فقال له: يا علي نشدتك اللَّه وحظّنا من رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلم قال: فقال له علي:

أدخل، فدخل فحضر غسل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ولم يل من غسله شيئاً قال: فأسنده علي عليه السّلام إلي صدره وعليه قميصه، وكان العباس

والفضل وقثم يقلّبونه مع علي بن أبي طالب، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاهما يصبّان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم شيئاً مما يراه من الميت وهو يقول: بأبي أنت وامي، ما أطيبك حيّاً وميّتاً، حتي إذا فرغوا من غسل رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم- وكان يغسل بالماء والسّدر- جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب أبيضين وبرد حبرة، ثم دعا العباس رجلين فقال: ليذهب أحدكما إلي أبي عبيدة بن الجراح- وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة- وليذهب الآخر إلي أبي طلحة بن سهل الأنصاري- وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة- قال: ثم قال العباس لهما حين سرّحهما: اللهم خر لرسولك.

قال: فذهبا، فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة، ووجد صاحب

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 61

أبي طلحة أبا طلحة، فجاء به فلحد لرسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلم» «1».

وأخرج أبو نعيم بسنده عن جابر بن عبداللَّه وابن عباس، قالا: لمّا نزلت «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ … » … فقال علي رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، إذا أنت قبضت فمن يغسلك؟ ومن يصلّي عليك؟ ومن يدخلك القبر؟ فقال النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: يا علي، أمّا الغسل، فاغسلني أنت، وابن عباس يصبّ عليّ الماء وجبريل ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفّنوني في ثلاثة أثواب جدد وجبريل عليه السّلام يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني علي السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإن أوّل من يصلّي عليّ الربّ عزّ وجلّ من فوق عرشه، ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمراً زمراً،

ثم ادخلوا، فقوموا صفوفاً لا يتقدم عليَّ أحد …

فقبض رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فغسّله علي بن أبي طالب، وابن عباس يصبّ عليه الماء وجبريل عليه السّلام معهما، وكفّن بثلاثة أثواب جدد، وحمل علي السّرير، ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأوّل من صلّي عليه الربّ من

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 260 وسبب عدم وجدانه أبا عبيدة معلوم، فقد كان في السقيفة!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 62

فوق عرشه وتقدّس، ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمراً زمراً، قال علي: ولقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصاً، فسمعنا هاتفاً يهتف وهو يقول: ادخلوا رحمكم اللَّه فصلّوا علي نبيّكم، فدخلنا فقمنا صفوفاً كما أمرنا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم فكبّرنا بتكبير جبريل وصلّينا علي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم بصلاة جبريل، ما تقدم منّا أحد علي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم، ودخل القبر علي بن أبي طالبٍ عليه السّلام … » «1».

وأخرج الهيثمي قال: «وعن ابن عباس: إن النبي صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم ثقل وعنده عائشة وحفصة، إذ دخل علي، فلما رآه النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم رفع رأسه ثم قال: أدن منّي أدن منّي، فأسنده إليه، فلم يزل عنده حتي توفّي، فلما قضي قام علي وأغلق الباب، وجاء العباس ومعه بنو عبدالمطلب فقاموا علي الباب، فجعل علي يقول: بأبي أنت وامي طبت حيّاً وطبت ميّتاً، وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها فقال: إيهاً دع حنيناً كحنين المرأة وأقبلوا علي صاحبكم، قال علي:

أدخلوا عليّ الفضل بن العباس، فقالت الأنصار: نشدناكم باللَّه ونصيبنا من رسول اللَّه صلي اللَّه عليه

[وآله وسلّم، فأدخلوا رجلًا منهم يقال له

__________________________________________________

(1) حلية الأولياء 4/ 73.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 63

أوس بن حول يحمل جرّة باحدي يديه، فسمعوا صوتاً في البيت:

ولا تجرّدوا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله وسلّم واغسلوه كما هو في قميصه، فغسّله علي يدخل يده من تحت القميص، والفضل يمسك الثوب عنه، والأنصاري ينقل الماء، وعلي يد علي خرقة يدخل يده تحت القميص» «1».

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 36.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 65

الفصل الثالث: سيّدنا عليّ في خلافة أبي بكر … ص: 65

اشارة

وفي هذا الفصل- الذي يبدأ بالصفحة 59، ويختم بالصفحة 93- ذكر مقدّمة تتعلّق بمصير الديانات الْأُخري وانحرافها عن الصراط المستقيم والطريق الصحيح، حتّي جاء في الصفحة 61:

[11] شروط خلافة النبيّ ومتطلّباتها

فذكر تحت هذا العنوان ستّة امور اعتبرها شروط الخلافة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، نلخصها فيما يلي.

1- يمتاز بأنّه ظلَّ طول حياته بعد الإِسلام متمتّعاً بثقة رسول اللَّه به وشهادته له، واستخلافه إيّاه في القيام ببعض أركان الدين.

2- يمتاز هذا الفرد بالتماسك والصمود وجه الْأَعاصير والعواصف.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 66

3- يمتاز هذا الفرد في فهمه الدقيق للإِسلام.

4- يمتاز بشدّة غيرته علي أصالة هذا الدين.

5- يكون دقيقاً كلّ الدقّة، وحريصاً أشدّ الحرص في تنفيذ رغبات الرسول.

6- يمتاز بالزهد في متاع الدنيا والتمتّع به.

ثم قال في الصفحة: 62

تحقيق أبي بكر هذه الشروط والمتطلّبات: … ص: 66

فقال:

«وقد اجتمعت هذه الصفات والشروط كلّها في سيّدنا أبي بكر رضي اللَّه عنه … »!!

وقال في الصفحة 63:

«ونتناول مظاهر تحقيق سيّدنا أبي بكر الشروط المذكورة أعلاه بالترتيب … ».

فشرع يشرح تحقيق أبي بكر لتلك الشروط … حتّي الصفحة 71!

أقول:

أولًا: كلّ هذه الصفحات التي سوّدها المؤلّف أجنبيّة عن «سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب».

وثانياً: البحث عن أنّ الْأَصل والْأَساس في خلافة النبيّ صلّي اللَّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 67

عليه وآله وسلّم ما هو؟ وأنّ الشروط التي يعتبر وجودها في الخليفة ما هي؟ وأنّ الذي كان واجداً لذلك وأهلًا للخلافة من هو؟ والبحوث الْأُخري المتعلّقة بموضوع (الإِمامة) … موضعها (علم الكلام) ومرجعها (كتب الإِمامة) والمفروض أنّ هذا الكتاب مؤلَّف في (سيرة المرتضي)!

وثالثاً: من يراجع كتب أهل السُنّة ك «المواقف» و «المقاصد» وشروحهما وغيرهما … يجد الشروط المعتبرة عندهم في الخليفة أشيآء أُخري

غير هذه التي اخترعها هذا المؤلّف … فهو في كلّ ما أتي به مخالف لما قال به أئمّة مذهبه.

ورابعاً: هذه الشروط- التي زعم توفّرها في أبي بكر- كانت متوفّرة بصورة أتمّ وأكمل في كثير من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فيكون كلّ واحدٍ منهم أحقّ وأَوْلي منه بالخلافة عن النبيّ.

وخامساً: هذه الشروط- التي زعم توفّرها في أبي بكر- كانت متوفّرة- علي هذا الحدّ الذي ادّعاه- في عشراتٍ- إنْ لم نقل مئات- من أصحاب النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فما الذي قدّمه وفضّله عليهم؟!

ويشهد بما ذكرنا قوله المشهور المتّفق عليه: «أقيلوني، فلست بخيركم» «1».

__________________________________________________

(1) تفسير الآلوسي 27/ 180، شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 1/ 168.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 68

وسادساً: إنْ كان يقصد اختصاص أبي بكر- دون غيره- ببعض الْأُمور، فلذا قُدّم علي غيره، فإنّا لم نجد فيما أورده شيئاً يختصّ بأبي بكر إلّا مسألة الصّلاة في مرض النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وقد حقّقنا هذه المسألة من قبل في رسالة خاصّة مطبوعة، وتوصّلنا- علي ضوء أحاديث الصحاح والمسانيد المعتبرة عند القوم- إلي أنْ لا أساس لذلك من الصحّة … ومن شاء فليرجع إلي تلك الرسالة «1».

وسابعاً: إنّه قد أثبت علماؤنا أنّ الإمامة بالنصّ من اللَّه ورسوله، ولا ينصب اللَّه ورسوله إلّامن هو أفضل الناس بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وأنّه ليس إلّاأمير المؤمنين المرتضي عليه الصّلاة والسلام، وستأتي الإشارة إلي ذلك.

قال في الصفحة 71:

[12] الْأَمر الشوري في الإِسلام وخلافة أبي بكر

وتحت هذا العنوان ذكر أنّ الحكومة والسيطرة كانت في الْأُمم والْأَديان السالفة وراثيّة وقد قضي الإِسلام علي ذلك.

ولا أعلم لهذا المطلب علاقة ب (المرتضي أمير

المؤمنين) إلّا

__________________________________________________

(1) أنظر: كتاب «صلاة أبي بكر في مرض النبي صلي اللَّه عليه وآله».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 69

دعوي أنّ القول بإمامته بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مبنيٌّ علي أساس الوراثة، وأنّه لا دليل علي هذا القول، ويشهد بهذا قوله في الصفحة 73:

«وقد قضي الإِسلام علي هذين الاحتكارين الوراثّيين اللذين جنيا علي الإنسانية جناية تجلّت شواهدها ومظاهرها في تاريخ روما وإيران والهند، وترك الْأَمر إلي المسلمين وإلي أهل الشوري وأهل العلم والإِخلاص في اختيار الخليفة، ولذلك لم يصرّح رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بشي ءٍ في شأن من يكون خليفته بعده ووليّ أمر المسلمين، فإن كان ذلك فريضةً من فرائض الدين وكان لابُدّ من التصريح به، لَنَفّذه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وصرّح به …

يقول الْأُستاذ العقّاد معلّقاً علي حديث القرطاس: أمّا القول بأنّ عمر هو الذي حال بين النبيّ عليه السلام والتوصية باختيار عليٍّ للخلافة بعده، فهو قول من السخف … ».

أقول:

أولًا: ليست إمامة عليٍّ وأولاده بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من باب الوراثة وحصر الخلافة في الْأُسرة الهاشمية، فإن كان الغرض من هذا الكلام نسبة هذا الاعتقاد إلي شيعة أهل البيت عليهم السلام، فهو كذب وافتراء.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 70

وثانياً: تعتقد الشيعة أنّ جميع ما قاله النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أو فَعَلَه كان بأمر من اللَّه سبحانه، ولكنّ المنافقين يجوّزون عليه «الهجر»!!

وثالثاً: وتعتقد أن نصب الإمام بعد النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بيد اللَّه وليس باختيارٍ من الخلق، وأنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم صرّح بأشياء- لا بشي ءٍ- في شأن من يكون خليفته بعده، والتفصيل موكول إلي

محلّه في الكتب الكلامية، ونكتفي هنا بالقول: بأنّ في كلّ ما قاله في حقّ عليٍّ- منذ يوم الإِنذار إلي يوم الغدير- دلالة علي خلافته من بعده بأمرٍ من اللَّه عزّ وجلّ.

ورابعاً: لقد ثبت في محلّه أنّ عمر هو الذي حال دون وصيّة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بقوله: «حسبنا كتاب اللَّه» و «إنّ الرجل ليهجر».. وهذا ما تؤكّده «المصادر القديمة الموثوق بها» كما وصفها المؤلّف، ولذا لم ينقل عنها شيئاً في الباب، والتجأ إلي نقل كلام زميله في العناد، عبّاس محمود العقّاد.

قال في الصفحة 76:

[13] مبايعة أبي بكر

«وقف المسلمون في المدينة علي مفترق طرق: إمّا اتّفاق الكلمة،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 71

وإمّا تنازع واختلاف، وقد زاد الْأَمر تعقّداً حدوث هذا الحادث في المدينة التي كانت موطن قبيلتين عظيمتين من قحطان وهم الْأَوس والخزرج … فلم يكن غريباً ولا غير طبيعي أن يروا لهم حقّاً في خلافة النبيّ المكّي المهاجر. وقد فطن لهذه العقدة النفسية والمحنة عمر بن الخطّاب، فاستعجل الأَمر، وقد علم أنّ الأنصار يستشرفون إلي أن يكون منهم الخليفة، فجمع المسلمين في سقيفة بني ساعدة، فقام ودعا إلي بيعة أبي بكر، فبايع الناس أبا بكر، ثم كانت البيعة العامة من غدٍ بعد بيعة السقيفة في المسجد النبوي، ولم تكن مبايعة أبي بكر مصادفة من المصادفات التي قد يحالفها التوفيق، ومؤامرة من المؤامرات التي قد تُكَلّل بالنجاح، وقد أجاد الكاتب الإِسلامي الشهير (في الإِنجليزية) السيّد أمير علي التعبير عن هذه الحقيقة التاريخية، إذ قال … ».

أقول:

أوّلًا: كلّ هذه الأُمور لا علاقة لها بموضوع الكتاب.

وثانياً: لماذا وقفوا علي مفترق طرق؟ هل تركهم رسول اللَّه سدي فكانوا حياري لا يهتدون الطريق؟ إن قلتم: نعم،

فقد نسبتم النبي صلّي اللَّه عليه وآله إلي التقصير، ونستعيذ باللَّه من هذه النسبة، لقد بين لهم الطريق وعرّفهم الإمام الحق وبايعوه في غدير خم واتفقت كلمتهم عليه، فما عدا ممّا بدا؟

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 72

وثالثاً: إنّه لم ينقل هنا شيئاً عن المصادر القديمة الموثوق بها!! وإنّما ذكر كلاماً للكاتب الإِسلامي الشهير في الإِنجليزية … !!

ورابعاً: لم يتم أمر البيعة لأَبي بكر بهذه البساطة والسذاجة، فأحداث السقيفة، وأحداث دار عليٍّ والزهراء عليهما السلام مثبتة في التاريخ، ومذكورة في محلّها من الكتب المفصّلة.

وخامساً: لم يجمع المسلمين في سقيفة بني ساعدة ولم يجتمعوا، بل كان هناك ثلة من الأنصار وثلاثة من المهاجرين وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجرّاح، فقوله: «فجمع المسلمين … » خلاف الواقع والحقيقة.

وسادساً: قول عمر بن الخطّاب: «كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقي اللَّه شرّها، ألا ومن عاد إلي مثلها فاقتلوه» ثابت مشهور بين المسلمين … وهو يفيد أنّ بيعته كانت مصادفةً من المصادفات إن لم تكن مؤامرةً من المؤامرات …

قال في الصفحة 81:

[14] الحكمة في تأخير خلافة سيّدنا عليّ

«وكان من تقدير العزيز العليم أنّه لم يخلف رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في ولاية أمر المسلمين ولم يتولّ خلافته علي أثر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 73

وفاته، أحد من أهل بيته وأبناء الْأُسرة الهاشمية مباشرة … فما بقيت القضية قضية أُسرية وقضيّة محسوبيّة وعصبيّة … ».

أقول:

حال خلافة سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام عن النبيّ، حال خلافة هارون عن موسي، فهارون كان أخاً لموسي وقد جعله خليفةً له بأمر من اللَّه، قال تعالي «وَقالَ مُوسي لأَخيهِ هارُونَ اخْلُفْني في قَوْمي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الْمُفْسِدينَ» «1»

وعليٌّ

عليه السّلام كان أخاً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بنصّ منه يوم الإِنذار وغيره، وقد جعله خليفةً من بعده بأمرٍ من اللَّه، كما في حديث يوم الإِنذار كذلك وغيره من الْأَحاديث في المواقف المختلفة، وقد قال له: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي …

وكما أنّ قوم موسي اتّبعوا السامريّ واتّخذوا العجل من بعده وتركوا هارون … كذلك قوم محمّد صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وكما أنّ موسي قال لهارون: «وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الْمُفْسِدينَ» كذلك النبي قال لعليّ وأوصاه بأنْ لا يتّبع سبيل المفسدين …

فإذا كان إعراض قوم موسي عن هارون وضلالتهم … من تقدير

__________________________________________________

(1) سورة الأعراف: الآية 142.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 74

العزيز العليم … فكذلك إعراض هذه الأُمّة عن عليٍّ وانقلابهم علي أعقابهم … من تقدير العزيز العليم!!

قال في الصفحة 81:

[15] المحنة الْأُولي لأبي بكر وموقفه الصارم فيها

«وقد ثبت واتّفق عليه المحدّثون وأصحاب السيرة أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال: إنّا معشر الْأَنبياء لا نورّث، ما تركنا صدقة. وجاءت محنة دقيقة تمتحن صرامة أبي بكر، وتفصيل القصّة هو ما رواه البخاري بسنده عن عائشة. قالت: إنّ فاطمة والعبّاس أتيا أبا بكر رضي اللَّه عنه يلتمسان ميراثهما … وظلّ أبو بكر علي ما اعتقده ودان به وعزم علي تنفيذ وصيّة رسول اللَّه، وظلّت السيّدة فاطمة عليها السّلام علي مطالبتها، وهي إمّا لم يبلغها ما عرفه الصدّيق، وإمّا رأت متّسعاً أو مبرّراً لخليفة رسول اللَّه لتحقيق ما أرادته وإجابة ما طلبته، وكلٌّ مجتهد في ذلك وله العذر والثواب.

وقد جاء في مسند الإِمام أحمد بن حنبل أنّ السيّدة فاطمة قالت:

فأنت وما سمعت من رسول اللَّه أعلم.

وعاشت فاطمة بعد

وفاة رسول اللَّه ستّة أشهر وهي واجدة علي ذلك مهاجرة لأَبي بكر حتّي توفّيت. ويقع مثل هذا كثيراً في حياة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 75

العشائر والجماعات، وممّا تقتضيه الطبيعة البشرية، وما جُبلت عليه من العاطفية والحسّاسيّة والاقتناع بما عرفه الإِنسان ودان به.

ولكنْ لم يكن اختلافها في هذا الْأَمر موجدتها «1» علي أبي بكر متخطّيةً للحدود الشرعية، مخالفة لما جُبلت عليه من كرم النفس وعلوّ النظر والسماحة، فقد روي عن عامر أنّه قال: جاء أبو بكر إلي فاطمة وقد اشتدّ مرضها فاستأذن عليها فقال لها عليٌّ: هذا أبو بكر علي الباب يستأذن، فإِنْ شئت أن تأذني له.

قالت: أَوَذاك أحبّ إليك؟ قال: نعم. فدخل فاعتذر إليها وكلّمها فرضيت عنه.

ولنختم هذا البحث بما قاله الْأُستاذ العقّاد … ».

أقول:

ليس ما ذكره تفصيل القصّة، وكيف يكون تفصيلها في صفحة وقد الّفت الكتب فيها منذ القرون الاولي؟ إنّ اسلوب المؤلّف يضطرّنا إلي شرح المهمّ من أخبار القضيّة بالإستناد إلي الأحاديث الصحيحة في الكتب الموثوق بها عند أهل السنّة:

لقد ذكرت فاطمة عليها السّلام أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله

__________________________________________________

(1) كذا.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 76

وهبها فدكاً، فقال أبو بكر: هاتِ أسود أو أحمر ليشهد لك بذلك، فجاءت بامّ أيمن فشهدت لها بذلك، فقال: إمرأة، لا يُقبل قولها. فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فشهد لها، فقال: هذا بعلك يجرّه إلي نفسه ولا نحكم بشهادته لك.

وإذْ لم يسمع أبو بكر قولها وكذّب شهودها، جاءت مرّةً اخري فطالبت بفدك من باب الإرث كما سيأتي.

أمّا أنه صلّي اللَّه عليه وآله وقد وهبها فدكاً، فقد رواه أكابر أهل السنّة، قالوا: لمّا نزلت الآية المباركة «وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ» «أنحل فاطمة فدكاً»

«1». ومن رواة الخبر:

أبو بكر البزّار المتوفي سنة 291 وأبو يعلي الموصلي المتوفي سنة 307 وابن أبي حاتم الرازي المتوفي سنة 327 وابن مردويه المتوفي سنة 401 والحاكم النيسابوري المتوفي سنة 405 والطبراني المتوفي سنة 360 وابن النجّار المتوفي سنة 643 والذهبي المتوفي سنة 748 والهيثمي المتوفي سنة 807، والسيوطي المتوفي سنة 911 والمتقي المتوفي سنة 975 وغيرهم.

فكانت فدك في يد الزهراء عليها السلام وفي ملكها علي حياة

__________________________________________________

(1) أنظر: الدر المنثور 4/ 177، شواهد التنزيل 1/ 439.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 77

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، ولقد كانت الهبة في البيت ولذا قلّ عدد الشهود، لكنْ امّ أيمنٍ من أهل الجنّة، فقد قال رسول اللَّه: «من سرّه أنْ يتزوّج امرأة من أهل الجنة فليتزوّج امّ أيمن. فتزوّجها زيد بن حارثة، فولدت له اسامة بن زيد» «1».

وكذلك أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام. مضافاً إلي أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله قال في حقّه: «علي مع الحق والحق مع علي» هذا الحديث المقطوع به لدي كافّة المسلمين، المرويّ عن عدّة من الصحابة وقد أخرجه الترمذي والحاكم وأبو يعلي والبزّار والطبراني والخطيب وابن عساكر وغيرهم «2»، وصحّحه غير واحد منهم كالحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه.

وقد ورد خبر مطالبتها هبةً وشهادة أمير المؤمنين وام أيمن في كافّة الكتب «3».

وإذا كان أبو بكر لا يصدّقها في الهبة، فالأرض باقيةٌ علي ملك

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 8/ 224، الإصابة 4/ 433.

(2) صحيح الترمذي 5/ 592، المستدرك علي الصحيحين 3/ 119 و 124، مجمع الزوائد 7/ 234 و 235 و 9/ 134، تاريخ بغداد 14/ 321، تاريخ مدينة دمشق: 42/ 449.

(3) أنظر: تفسير الرازي 29/ 284، الصواعق المحرقة: 21،

السيرة الحلبيّة 3/ 486، وفاء الوفا 3/ 995.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 78

رسول اللَّه، لأنّها ممّا لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب، والزهراء الوارثة الوحيدة، فجاءت وطالبت بفدك إرثاً، فأجاب أبو بكر- فيما يروون- بأن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قال: إنّا معاشر الأنبيا لا نورث ما تركنا صدقة».

لكنّ هذا ليس من كلام النبي، لأنّه لا يقول ما يخالف القرآن، وقد جاء في كلام اللَّه عز وجلّ «وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُودَ» «1»

وعن زكريّا قوله:

«وَإِنّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائي وَكانَتِ امْرَأَتي عاقِرًا فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» «2».

وقد قالت الزهراء عليها السلام لأبي بكر: «أنت ورثت رسول اللَّه أمْ أهله؟ قال: بل أهله» «3».

وفي السيرة الحلبيّة قالت له: «أفي كتاب اللَّه أن ترثك ابنتك ولا أرث أبي؟ … » «4».

ثم إنّ ما ذكره أبو بكر عن رسول اللَّه لم يسمعه أحدٌ منه، وإنما انفرد به أبو بكر كما نصّ علي ذلك كبار الحفّاظ والمحدّثين من أهل

__________________________________________________

(1) سورة النمل: الآية 16.

(2) سورة مريم: الآية 6.

(3) مسند أحمد 1/ 4.

(4) السيرة الحلبيّة 3/ 488.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 79

السنّة، كأبي القاسم البغوي المتوفي سنة 317 وأبي بكر الشافعي المتوفّي سنة 354 وابن عساكر المتوفّي سنة 571. والجلال السيوطي المتوفّي سنة 911 وابن حجر المكّي المتوفّي سنة 973 والمتّقي الهندي المتوفي سنة 975 «1».

وكذلك نصَّ عليه كبار علماء اصول الفقه في مباحث خبر الواحد من كتبهم «2».

وكذلك نصّ عليه كبار العلماء في علم الكلام «3».

ولمّا كان الخبر مخالفاً للكتاب، ولم يسمع من غير أبي بكر- وحتّي منه إلي تلك الساعة- وكذّب به أمير المؤمنين والصدّيقة الطاهرة وأهل البيت، فإنّا

لا يمكننا التصديق به، بل لقد وجدنا أحد كبار الحفّاظ من أهل السنة أيضاً يكذّب به ويصرّح بكونه موضوعاً، وهو الحافظ الكبير أبو محمّد عبدالرحمن بن يوسف ابن خراش المتوفّي سنة 283 «4».

__________________________________________________

(1) أنظر: تاريخ الخلفاء: 28، الصواعق المحرقة: 20، وكنز العمال 5/ 605 برقم 14071.

(2) أنظر: شرح المختصر لإبن الحاجب 2/ 59، المحصول في علم الاصول للرازي 2/ 180- 181، المستصفي في علم الاصول للغزالي 2/ 121- 122، الإحكام في اصول الأحكام للآمدي 2/ 75- 77 وغيرها.

(3) أنظر: شرح المواقف 8/ 355 وشرح المقاصد 5/ 278.

(4) أنظر: تذكرة الحفّاظ 2/ 284 وسير أعلام النبلاء 13/ 510.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 80

وقال الفخر الرازي:

«إنّ المحتاج إلي معرفة هذه المسألة ما كان إلّافاطمة وعلي والعبّاس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهّاد والعلماء وأهل الدين، وأما أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلي معرفة هذه المسألة ألبتّة، لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلي من لا حاجة له إليها، ولا يبلّغها إلي من له إلي معرفتها أشدّ الحاجة» «1».

ثم إنّ الصدّيقة الطّاهرة قد غضبت علي أبي بكر وحَلَفت أنْ لا تكلّمه أبداً وهجرته حتي فارقت الدّنيا، وهذا هو ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت:

«إنّ فاطمة- عليها السّلام- بنت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أرسلت إلي أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، مما أفاء اللَّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر:

إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: لا نورّث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال، وإنّي- واللَّه- لا اغيّر شيئاً من

صدقة رسول اللَّه عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللَّه، ولأعملنّ فيها

__________________________________________________

(1) أنظر: تذكرة الحفّاظ 2/ 684 وسير أعلام النبلاء 13/ 510.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 81

بما عمل بها رسول اللَّه.

فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئاً.

فوجدت فاطمة علي أبي بكر، فهجرته فلم تكلّمه حتي توفيت.

وعاشت بعد النبي ستة أشهر.

فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّي عليها.

وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة» «1».

يقول المؤلّف بعد تصرّفه في الحديث:

«ويقع مثل هذا كثيراً في حياة العشائر والجماعات، وممّا تقتضيه الطبيعة البشريّة وما جبلت عليه من العاطفيّة والحساسيّة … ».

ولكنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله يقول:

إنّ اللَّه ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها، فانظر- أيّها القارئ- كيف يقول بعض الناس أمام قول رسول ربّ العالمين!!

وهذا الحديث قد أخرجه:

الإمام علي بن موسي الرضا عليه السّلام في مسنده «2».

الحافظ أبو موسي ابن المثنّي البصري المتوفي سنة 252

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري، باب غزوة خيبر، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير 5/ 152.

(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 39.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 82

في معجمه «1».

الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم المتوفي سنة 287 «2».

الحافظ أبو يعلي الموصلي المتوفي سنة 307 في مسنده «3».

الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفي سنة 360 في معجمه «4».

الحافظ الحاكم النيسابوري المتوفي سنة 405 «5».

الحافظ أبو سعد الخركوشي المتوفي سنة 406 في شرف النبوّة «6».

الحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفي سنة 430 في فضائل الصحابة «7».

الحافظ أبو الحسن ابن الأثير المتوفي سنة 630 «8».

الحافظ محبّ الدين ابن النجّار البغدادي المتوفي سنة 643 «9».

__________________________________________________

(1) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 39.

(2) الاصابة في معرفة الصحابة 4/ 378،

شرح المواهب اللدنية 3/ 202.

(3) كنز العمال 12/ 111 رقم: 34238.

(4) المعجم الكبير 1/ 108.

(5) المستدرك علي الصحيحين 3/ 154.

(6) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 39.

(7) كنز العمال 12/ 111 رقم: 34238.

(8) اسد الغابة في معرفة الصحابة 5/ 522.

(9) كنز العمال 13/ 674 رقم: 37725.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 83

الحافظ أبو المظفر سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 654 «1».

الحافظ محبّ الدين الطبري المتوفي سنة 694 «2».

الحافظ أبو الحجاج المزّي المتوفي سنة 742 «3».

الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 «4».

الحافظ ابن حجر المكّي المتوفي سنة 954 «5».

الحافظ أبو عبداللَّه الزرقاني المالكي المتوفي سنة 1122 «6».

الحافظ علي المتقي الهندي المتوفي سنة «7».

وقال صلّي اللَّه عليه واله: إنّ فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني أو فمن أغضبها أغضبني …

وهذا الحديث أخرجه:

البخاري في صحيحه «8».

__________________________________________________

(1) تذكرة خواص الامّة: 310.

(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 39.

(3) تهذيب الكمال 35/ 250.

(4) الإصابة في معرفة الصحابة 4/ 378، تهذيب التهذيب 12/ 469.

(5) الصواعق المحرقة: 105.

(6) شرح المواهب اللدنية 3/ 202.

(7) كنز العمال 12/ 111 و 13/ 674.

(8) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة رسول اللَّه صلي اللَّه عليه [وآله 4/ 210.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 84

ومسلم في صحيحه «1».

والترمذي في صحيحه «2».

والنسائي في خصائصه «3».

وأبو داود في سننه «4».

وأحمد في مسنده «5».

والحاكم في مستدركه «6».

والبيهقي في سننه «7».

وأبو نعيم في حليته «8».

ولهذا أوصت عليها الصلاة والسّلام بأنْ تدفن باللّيل، ولا يصلّي عليها أحدٌ ممّن آذاها وأغضبها، وهذا من ضروريّات تاريخ الإسلام، ومن رواته من أهل السنّة الأعلام:

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم كتاب فضائل الصّحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام 7/ 141.

(2)

صحيح الترمذي فضل فاطمة رضي اللَّه عنها 5/ 360، رقم 3961.

(3) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 121.

(4) سنن أبي داود باب ما يكره أن يجمع بينهنّ من النساء.

(5) مسند أحمد بن حنبل 4/ 238، 323، 332.

(6) المستدرك علي الصحيحين 3/ 158.

(7) سنن البيهقي 7/ 64.

(8) حلية الأولياء 2/ 40 و 174.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 85

البخاري، باب فرض الخمس.

مسلم، كتاب الجهاد والسير.

ابن سعد «1».

الطّحاوي «2».

الطبري «3».

الحاكم النيسابوري «4».

البيهقي «5».

أبو نعيم الإصفهاني «6».

ابن عبدالبر القرطبي «7».

محيي الدين النووي «8».

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 6/ 2- 10.

(2) الطبقات الكبري 8/ 29.

(3) تاريخ الطبري 3/ 162.

(4) المستدرك علي الصحيحين 3/ 162.

(5) السنن الكبري 6/ 300، 396.

(6) حلية الأولياء 2/ 43.

(7) الاستيعاب 4/ 1898.

(8) شرح مسلم 12/ 77.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 86

أبو بكر الهيثمي «1».

ابن الأثير الجزري «2».

ابن حجر العسقلاني «3».

وأمّا حديث تخاصم علي والعباس عند عمر، فقد أخرجه مسلم في صحيحه وهذا نصّه:

«لمّا توفّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللَّه، فجئتما، أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا نورّث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، واللَّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّي أبو بكر فقلت: أنا وليّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ووليّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً «4».

وقد تصرّف البخاري في هذا الحديث وحرّفه بأشكال مختلفة، فراجعه في باب فرض الخمس، وباب حديث بني النضير من كتاب

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 211.

(2) الكامل في التاريخ 5/ 540.

(3) فتح الباري 3/ 167.

(4) صحيح مسلم،

كتاب الجهاد، باب حكم الفئ 5/ 152.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 87

المغازي، وباب حبس نفقة الرجل قوت سنته من كتاب النفقات، وباب قول النبي: لا نورث من كتاب الفرائض، وباب ما يكره من التعمّق والتنازع من كتاب الاعتصام «1».

وفي آخر أخرجه أحمد والبزّار- وقال: حسن الإسناد- عن ابن عباس قال: «لمّا قبض رسول اللَّه واستخلف أبو بكر، خاصم العبّاس عليّاً في أشياء تركها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فقال أبو بكر: شي ء تركه رسول اللَّه فلم يحرّكه فلا احرّكه، فلمّا استخلف عمر اختصما إليه، فقال: شي ء لم يحرّكه أبو بكر فلا أحركّه، فلمّا استخلف عثمان إختصما إليه، فسكت عثمان ونكس رأسه. قال ابن عباس: فخشيت أنْ يأخذه أبي، فضربت بيدي بين كتفي العباس فقلت: يا أبت أقسمت عليك إلّا سلّمته» «2».

أقول:

فالذي جاء مع «العباس» هو «علي» لا «فاطمة»، وقد جاءا إلي «عمر» لا إلي «أبي بكر»، وقد قال عمر- عن نفسه وأبي بكر- ما أورده مسلم وحرّفه البخاري، وتبعه المؤلّف في التحريف …

وقد كان ما ذكرناه بعض التفصيل للقضيّة استناداً إلي ما ورد في

__________________________________________________

(1) أنظر: صحيح البخاري 4/ 503، 5/ 188، 7/ 120، 8/ 551، 9/ 754.

(2) كنز العمال 5/ 586 برقم 14044.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 88

المصادر الأصليّة لأهل السنّة، كما رأيت أيها القارئ الكريم، فليحكم عقلك بما يقيضيه الدين والإنصاف!

ثم قال المؤلّف في الصفحة 87:

«توفّيت فاطمة رضي اللَّه عنها بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بستّة أشهر علي الْأَشهر … ودفنت ليلًا … وولدت لعليٍّ: حسناً وحسيناً ومحسّناً وأُمّ كلثوم، رضي اللَّه عنها وأرضاها».

أقول:

أوّلًا: إذا كانت علي قيد الحياة بعد أبيها مدّة ستّة أشهر، وتوفّيت

مهاجرةً لأَبي بكر، ولم تبايعه بالخلافة، فمن بايعت؟! ومن كان إمامها؟! وهل كان غير عليٍّ؟!

وثانياً: لماذا كان دفنها ليلًا؟!

وثالثاً: أين «محسّن» الّذي ولدته لعليٍّ؟! متي وُلد؟! وما كان مصيره؟!

قال في الصفحة 88:

[16] مبايعة سيّدنا عليّ

«واختلفت الْأَخبار في مبايعة عليّ متي كانت؟».

فذكر حديثاً عن البيهقي ثم قال: «والمشهور أنّ عليّاً عليه السّلام

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 89

رأي أنْ يراعي خاطر فاطمة رضي اللَّه عنها بعض الشي ء، فلم يبايع أبا بكر، فلمّا ماتت رضي اللَّه عنها بعد ستّة أشهر من وفاة أبيها بايعه … ».

أقول: هنا بحوث:

هل بايع علي أمير المؤمنين عليه السّلام أبا بكر؟ وكيف بايع؟

ومتي

قال بعض العلماء المحققين إنه لم يبايع ولا مكرَهاً، والبحث عن كيفية بيعته ووقتها إنما يطرح بناءً علي وقوع البيعة …

أمّا كيفيّتها، فقد روي غير واحدٍ من الأعلام كابن قتيبة وغيره أنها كانت بعد التهديد بالقتل وأنه قد بايع والسيف علي رأسه …

وأمّا وقتها، فقد روي البخاري أنّها كانت بعد رحيل الصدّيقة الطاهرة عليها السّلام، قال: «فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة علي أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتي توفيت.

وعاشت بعد النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ستة أشهر. فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلًا ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّي عليها. وكان لعلي من الناس وجهٌ حياة فاطمة، فلما توفّيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلي أبي بكر أن أئتنا ولا يأتي أحد معك، كراهية لمحضر عمر … » «1».

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 5/ 252.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 90

ففي هذا الحديث:

إن فاطمة لم تبايع أبا بكر حتي توفيت، وإنّ علياً ما بايعه حتي توفيت، ولمّا توفيت استنكر وجوه الناس … أي: اضطرّ لأنْ يبايع.

فبناءً علي أنه قد بايع، فإنّ ذلك كان بعد وفاتها عن كرهٍ واضطرار، ولو بقيت فاطمة في الحياة سنيناً لما بايع، لأنه الخليفة بعد رسول اللَّه بلا فصلٍ، بالأدلّة العقليّة والنقلية المذكورة في الكتب المفصّلة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 91

الفصل الرابع: سيّدنا عليّ في خلافة عمر … ص: 91

وافتتح هذا الفصل بذكر أشياء جعلها مناقب لعمر.. فجميع ما أورده- من الصفحة 97 إلي الصفحة 114- لا علاقة له بموضوع كتابه، فلا نعلّق عليه بشي ء، وإنْ كان لنا هنا كلام كثير … والقدر الذي له صلة بالموضوع ما ذكره في الصفحة 103:

[17] «وكان عليّ لسيّدنا عمر ناصحاً أميناً، وقاضياً في المعضلات، حكيماً بفضّ المشكلات ويزيح الشبهات، حتّي عن سيّدنا عمر أنّه قال: (لولا عليّ لهلك عمر) واشتهر في التاريخ والْأَدب، وذهب مثلًا: (قضية ولا أبا حسنٍ لها) وروي عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنّه قال: أقضاهم عليّ، وقد استخلفه عمر عند رحيله إلي القدس، وقد زوّجه عليّ بنته أُمّ كلثوم، وهو دليل علي إكرامه له وارتباطه به».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 92

أقول:

أوّلًا: الكلمات المشهورة التي قالها عمر في حقّ عليٍّ، إنْ دلّت علي شي ء، فإنّها تدلّ علي جهله بالْأَحكام الشرعيّة، وتحيّره أمام المشكلات العلمية، والقضايا الطارئة … فكان الْأَولي بالمؤلّف- الّذي يريد- كما قال في المقدّمة- أن يدرس سيرة أمير المؤمنين عليه السلام وما امتاز به من خصائص ومواهب دراسة تاريخية محايدة … - أن يصرّح بما قلناه، لا أنْ يصوّر عليّاً عليه السلام كقاضٍ من قضاة حكومة عمر … !

وثانياً: إنّ عليّاً عليه السّلام-

الذي كان يعتقد في عمر ما رواه مسلم في صحيحه كما تقدّم- كان لا يري عمر خليفة حقٍّ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله حتي يكون له مناصحاً أميناً … وإنّما كان يحفظ الإسلام والشريعة من التلاعب والتحريف بقدر الإمكان.

وثالثاً: لقد حقّق غير واحد من المحقّقين خبر تزويج عليٍّ عليه السّلام ابنتَه من عمر، وظهر أنْ لا واقعية لِما ينقل في بعض الكتب حول هذا الخبر، ولنا رسالة مفردة في هذا الموضوع وهي مطبوعة.

ورابعاً: هناك موارد كثيرة عَلَّمَ الإِمامُ عليه السلام- وهو باب مدينة العلم- عمرَ بن الخطّاب وجهَ الحقّ والصواب، لئلّا تنتهي تصرّفاته عن جهل بالْأُمور إلي وهن الإِسلام وخذلان المسلمين، وهذه حقائق لا ينكرها أحد من المسلمين.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 93

الفصل الخامس: سيّدنا عليّ في خلافة عثمان … ص: 93

وفي هذا الفصل، يذكر المؤلّف العناوين التالية:

مبايعة عثمان،

مكانة عثمان الدينية والاجتماعية،

الفتوح في زمن عثمان واتّساع الدولة الإِسلامية،

مأثرة عثمان العظيمة الخالدة،

محنة عثمان في الخلافة،

الفتنة تبلغ ذروتها،

حصر عثمان،

شهادته!!

دور سيّدنا الرائع في حمايته، أثر العقيدة في عثمان وسيرته وعلوّ مكانته في الإِسلام.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، هوامش علي كتاب المرتضي، ص: 94

وأنت تري أنْ لا شي ء من هذه العناوين يرتبط بسيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام.

ولا يخفي أنّ أكثر ما جاء في هذا الفصل، فإنّما هو كلمات ينقلها المؤلّف من الْأُستاذ كرد علي، وعبّاس محمود العقّاد …

ونحن في غنيً- الآن- من التعرّض لما جاء في هذا الفصل بالنقد …

لأَنّ المؤلّف بصدد الدفاع عن عثمان وبني امّية الّذين سوّدوا وجه التاريخ، وشوّهوا صورة الإِسلام … والْأَشنع من هذا سعيه في الفصلين اللّاحقين وراء توجيه بغي الباغين وخروج الخارجين علي أمير المؤمنين عليه السلام …

والإِعراض عمّا أتي به أَوْلي من التعرّض له، فقد كان الغرض التنبيه علي

دسائس المؤلّف ووساوسه، والكشف عن مقاصده وهواجسه …

ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.

وصلّي اللَّه علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

والحمد للَّه رب العالمين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.