به لإمامته بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وأفرط بعضهم فادّعي أن ما ورد في حقّ الوصيّ هو الحديث المقلوب!

فإلي أهل الفضل هذا البحث العلمي، أرجو أن ينظروا فيه بعين الإنصاف، وقد جعلته في فصول.

علي الحسيني الميلاني

1411

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 9

(1)

وأثني عليه ثم قال: أمّا بعد، فإنّي أُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ فقال فيه قائلكم، واللَّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أُمرت

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 408- 409 كتاب المناقب باب مناقب علي بن أبي طالب، رقم 3748.

(2) مسند أحمد 1/ 285 مسند سعد بن أبي وقّاص، رقم 1514.

(3) أنظر: المسند 1/ 545 مسند عبداللَّه بن عبّاس، رقم 3052 و 2/ 104 مسند عبداللَّه ابن عمر، رقم 4782 و 5/ 496، حديث زيد بن أرقم، رقم 18801.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 11

بشي ءٍ فاتّبعته.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه» «1».

وأخرج بسنده عن أبي هريرة قال: «قال عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه: لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحبّ إليَّ من أن أُعطي حمر النعم. قيل: وما هنّ يا أمير المؤمنين؟

قال: تزوّجه فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وسكناه المسجد مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يحلّ له فيه ما يحلّ له، والراية يوم خيبر.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

وأخرج النسائي بسنده عن الحارث بن مالك قال: «أتيت مكّة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت له: هل سمعت لعليّ منقبة؟ قال: كنّا مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في المسجد فنودي فينا ليلًا: ليخرج من المسجد إلّاآل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وآل عليّ، قال: فخرجنا، فلمّا أصبح، أتاه عمّه فقال: يا رسول اللَّه أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام؟! فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام. إنّ اللَّه هو أمر به.

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 135 كتاب معرفة الصحابة ذكر

مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رقم 4631 و 4632.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 12

قال أبو عبدالرحمان: قال فطر عن عبداللَّه بن شريك، عن عبداللَّه بن الرقيم، عن سعد: إن العباس أتي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: سددت أبوابنا إلّاباب عليّ؟! فقال: ما أنا فتحتها ولا سددتها» «1».

هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمّة، ولو أردنا استقصاء طرقه وألفاظه المختلفة عن الصحابة الّذين رووه، لطال بنا المقام، وربّما تقف علي بعضها أيضاً في خلال البحث.

وبالجملة، فإنّ الخبر قد تعدّي الرواية وبلغ حدّ الدراية، ونحن إنّما ذكرنا طرفاً من ذلك تمهيداً لما أُخرج في الصحيحين من حديث الخوخة، وما ترتّب علي ذلك من نظرات وبحوث عند الشرّاح وكبار أئمّة الحديث.

__________________________________________________

(1) خصائص علي بن أبي طالب 70- 71 ذكر قول النبي: (ما أنا أدخلته وأخرجتكم)، رقم 40.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 13

(2)

زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا.

فكان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم هو المخيَّر وكان أبو بكر هو

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 178 أبواب المساجد باب الخوخة والممر، رقم 455.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 15

أعلمنا به.

وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ من أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلًا من أُمّتي لاتّخذت أبا بكر إلّا خُلّة الإسلام، لا يبقينّ في المسجد خوخة إلّاخوخة أبي بكر» «1».

5/ 7- 8 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق، رقم 2382 وذيله.

(2) فتح الباري 7/ 14.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 17

خوخة في المسجد، وهذا هنا نقل بالمعني» «1».

وهل يصدّق علي أنّ نقل «الخوخة» إلي «الباب» نقل بالمعني؟! علي أنّ ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول: «كأنّه … »!

وكما حرّف الحديث عن ابن عبّاس، كذلك حرّف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في «باب هجرة النبي» كما عرفت، فقال في «باب المناقب»:

«حدّثني عبداللَّه بن محمّد، حدّثني أبو عامر، حدّثنا فليح، قال:

حدّثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه، قال:

خطب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وقال: إنّ اللَّه خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند اللَّه؛ قال: فبكي أبو بكر؛ فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عن عبد خُيِّر، فكان رسول اللَّه هو المخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ من أمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلًا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلًا ولكن أُخوّة الإسلام ومودّته؛ لا يبقينَّ في المسجد باب إلّاسدَّ إلّا

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 16/ 174.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 18

باب أبي بكر».

وهنا أيضاً اضطرب الشرّاح. فراجع كلماتهم.

«جرير بن حازم» فإنّ البخاري يقول: «ربّما يهم في الشي ء..» ويقول يحيي بن معين: «هو عن قتادة ضعيف» والذهبي يقول: «تغيّر قبل موته فحجبه ابنه وهب» «2» - إنّ راويه عن ابن عبّاس هو «عكرمة البربري» مولاه، وإليك طرفاً من أوصاف هذا الرجل:

موجز ترجمة عكرمة مولي ابن عبّاس

1- إنّه كان يري رأي الخوارج وكان داعيةً إليه، وقد أخذ كثيرون

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 11/ 142.

(2) ميزان الاعتدال 2/ 117- 118، المغني في الضعفاء 1/ 203.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 19

من أهل أفريقية رأي الصفرية من عكرمة. قال الذهبي: قد تكلّم الناس في عكرمة لأنّه كان يري رأي الخوارج.

2- وكان يطعن في الدين ويستهزي ء بالأحكام، فقد نقلوا عنه قوله: إنّما أنزل اللَّه متشابه القرآن ليضلّ به.

وقال في وقت الموسم: وددت أنّي اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالًا.

ووقف علي باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلّاكافر.

3- وكان كذّاباً، حتّي أوثقه عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس علي باب كنيف الدار، فقيل له: تفعلون هذا بمولاكم؟! فقال: إنّ هذا يكذب علي أبي. واشتهر قول عبداللَّه بن عمر لمولاه نافع: اتّق اللَّه، لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة علي ابن عبّاس. وعن ابن سيرين ويحيي بن معين ومالك وجماعة غيرهم: كذّاب.

4- وعكوفه علي أبواب الأُمراء للدنيا مشهور، حتّي قيل له: تركتَ الحرمين وجئتَ إلي خراسان؟! فقال: أسعي علي بناتي. وقال لآخر:

قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم.

5- ولأجل هذه الأُمور وغيرها ترك الناس جنازته، فما حمله أحد،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 20

وأكتروا له أربعة رجال من السودان «1».

وأمّا الحديث عن أبي سعيد الخدري

فقد رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، عن

مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري.

ورواه مسلم- في طريقه الأول- عن عبداللَّه بن جعفر بن يحيي ابن خالد، عن معن، عن مالك.

ورواه الترمذي عن أحمد بن الحسن، عن عبداللَّه بن مسلمة، عن مالك وقال: هذا حديث حسن صحيح «2».

فمداره علي «مالك بن أنس».

ومالك بن أنس وإن كان أحد الأئمة الأربعة، تقلّده طائفة كبيرة من أهل السُنّة، فهو لا يعتمد علي رواياته، خاصّةً في مثل هذا المقام، لعقيدته التي انفردبها حول الإمام عليه السّلام والّتي خرج بها عن إجماع أهل الإسلام.!!

__________________________________________________

(1) ذكرنا ترجمته في كتابنا: التحقيق في نفي التحريف 270- 274 عن: تهذيب الكمال 20/ 264، وتهذيب التهذيب 7/ 228، وطبقات ابن سعد 5/ 219، ووفيات الأعيان 3/ 265 وميزان الاعتدال 5/ 116، والمغني في الضعفاء 2/ 67، والضعفاء الكبير 3/ 373، وسير أعلام النبلاء 5/ 12.

(2) سنن الترمذي 5/ 373- 374 كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر، رقم 3680.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 21

رأيه حيث قال: كنّا نقول علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم

__________________________________________________

(1) الكامل- للمبرّد- 3/ 118.

(2) ترتيب المدارك، ترجمة مالك 1/ 175.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 22

نسكت. يعني فلا نفاضل.

هذا الرأي الذي ذكره ابن عبدالبرّ المالكي وأنكره جدّاً، قال: «وهو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلامٍ غليظ، لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السُنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر أنّ عليّاً أفضل الناس بعد عثمان رضي اللَّه عنه، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه، وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان، واختلف السلف أيضاً في تفضيل عليّ وأبي بكر. وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل علي أنّ حديث ابن عمر وهمٌ وغلطٌ، وأنّه لا يصحّ معناه وإن كان إسناده صحيحاً» «1».

3- تركه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام

ثمّ إنّه لانحرافه عن أمير المؤمنين عليه السلام لم يخرج عنه شيئاً في كتابه «الموطّأ»! الأمر الذي استغرب منه هارون الرشيد، فلمّا سأله عن السبب اعتذر بأنّه: لم يكن في بلدي ولم ألق رجاله!! «2».

هذا مع روايته عن معاوية وعبدالملك بن مروان واستناده إلي آرائهما!

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 3/ 214.

(2) تنوير الحوالك 1/ 7، شرح الموطّأ- للزرقاني- 1/ 43.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 23

وروايته عن هشام بن عروة مع قوله: هشام بن عروة كذّاب!! «1».

وقال بعضهم: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطّأ «2».

4- كان مدلِّساً

وهو- مضافاً إلي ذلك- كان مدلِّساً.

قال عبداللَّه بن أحمد:

«سمعت أبي يقول: لم يسمع مالك بن أنس من بكير بن عبداللَّه شيئاً، وقد حدّثنا وكيع عن مالك عن بكير بن عبداللَّه. قال أبي:

يقولون:

إنّها كتب ابنه» «3».

وقال الخطيب في ذكر شي ء من أخبار بعض المدلّسين:

«ويقال: إنّ ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عبّاس، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عبّاس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة، فأسقط اسمه من الحديث وأرسله.

وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يري الاحتجاج بالمراسيل، لأنّه قد

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 1/ 239، الكاشف 3/ 211 تهذيب الكمال 24/ 415 سير اعلام النبلاء 7/ 38.

(2) تهذيب التهذيب 9/ 35.

(3) العلل ومعرفة الرجال- لأحمد بن حنبل 1/ 219.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 24

علم أنّ الحديث عمّن ليس بحجّةٍ عنده. وأمّا المرسل فهو أحسن حالةً من هذا، لأنّه لم يثبت من حال من أرسل عنه أنّه ليس بحجّة» «1».

5- اجتماعه بالأُمراء وسكوته عن منكراتهم:

وكان مالك في غاية الفقر والشدّة، حتي ذكروا أنّه باع خشبة سقف بيته «2».

ولكنّ حاله تبدّلت وتحسّنت منذ أن أصبح بخدمة السلطات والحكّام، فكانت الدنانير تدرّ عليه بكثرة، حتي أنّه أخذ من هارون ألف دينار وتركها لورّاثه «3».

ومن الطبيعي حينئذٍ أن يكون مطيعاً للسلاطين، مشيّداً لسياستهم، ساكتاً عن منكراتهم ومظالمهم.

قال عبداللَّه بن أحمد:

«سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأُمراء، فيتكلّم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي:

ابن أبي ذئب، خير من مالك وأفضل» «4».

__________________________________________________

(1) الكفاية في علم الرواية: 365.

(2) ترتيب المدارك، ترجمته 1/ 119، الديباج المذهب: 63.

(3) العقد الفريد 1/ 294.

(4) العلل ومعرفة الرجال 1/ 511.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 25

أقول: فهو في هذه الحالة مثل شيخه الزهري، فيتوجّه إليه ما ذكره الإمام السجّاد عليه السلام في كتابه إلي الزهري «1».

6- حمل الحكومة الناسَ علي الموطأ وفتاوي مالك:

وكان من

الطبيعي أيضاً أن يقابل من قبل الحكّام بالمثل:

فقد قال له المنصور: اجعل هذا العلم علماً واحداً … ضع للناس كتاباً أحملهم عليه … نضرب عليه عامّتهم بالسيف، ونقطع عليه ظهورهم بالسياط … «2».

وقال له: لئن بقيت لأكتبنَّ قولك كما يكتب المصاحف، ولأبعثنَّ به إلي الآفاق فأحملهم عليه «3» أن يعملوا بما فيه ولا يتعدّوه إلي غيره «4».

ولَمّا أراد الرشيد الشخوص إلي العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإنّي عزمت أن أحمل الناس علي الموطّأ كما حمل عثمان الناس علي القرآن «5».

__________________________________________________

(1) أنظر: ترجمة الزهري في بحوثنا المنتشرة كالعدد (24) من هذه السلسلة.

(2) الديباج المذهّب: 72، شرح الزرقاني علي الموطأ 1/ 43، الوافي بالوفيات- ترجمته 25/ 41.

(3) تذكرة الحفّاظ 1/ 209.

(4) كشف الظنون 2/ 725 عن طبقات ابن سعد.

(5) مفتاح السعادة 2/ 87.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 26

ثم أراد هارون أن يعلّق الموطّأ علي الكعبة! «1».

ونادي منادي الحكومة: «ألا لا يفتي الناسَ إلّامالك بن أنس وابن أبي ذئب» «2».

ومن الطبيعي أن لا يُعامَل غيره هذه المعاملة:

فقد قدم ابن جريج علي أبي جعفر [المنصور] فقال له: إنّي قد جمعت حديث جدّك عبداللَّه بن عبّاس وما جمعه أحد جمعي، فلم يعطه شيئاً «3».

ولذا لَمّا قيل لشيخه ربيعة الرأي: «كيف يحظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟!» قال: «أما علمتم أنّ مثقالًا من دولةٍ خير من رحمْلي علم» «4».

7- كان يتغنّي بالآلات:

واشتهر مالك بن أنس بالغناء، وهذا ما نصّ عليه غير واحد «5».

وقد ذكر القرطبي أنّه «لا تقبل شهادة المغنيّ والرقّاص» «6».

__________________________________________________

(1) كشف الظنون 2/ 725 عن حلية الأولياء.

(2) وفيات الأعيان 4/ 135، مرآة الجنان 1/ 375.

(3) العلل ومعرفة الرجال 2/ 312.

(4) طبقات الفقهاء- لأبي إسحاق

الشيرازي-: 54.

(5) نهاية الأرب 4/ 229، الأغاني 2/ 231.

(6) تفسير القرطبي 14/ 56.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 27

قال أبو الفرج: وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل …

وأخرج الشوكاني من حديث أبي هريرة أن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذّذ بها كفر» «1».

8- جهله بالمسائل الشرعية:

وممّا يجلب الانتباه ما ذكره المترجمون له، من أنّه كان إذا سئل عن مسألةٍ تهرّب من الإجابة، أو قال: لا أدري «2».

فقد ذكروا أنّه سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري!! «3».

وسأله عراقيّ عن أربعين مسألة فما أجابه إلّاعن خمس!! «4».

وسأله رجل عن مسائل فلم يجبه بشي ء أصلًا «5».

وكان مالك يصرّح بأنّه أدرك سبعين من المشايخ يحدّثون عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فلم يأخذ من أحدهم شيئاً!! «6».

__________________________________________________

(1) نيل الأوطار 8/ 104.

(2) حلية الأولياء 6/ 353.

(3) الديباج المذهّب: 69، شرح الزرقاني علي الموطّأ 1/ 35.

(4) الانتقاء- لابن عبدالبرّ-: 38.

(5) العقد الفريد 2/ 199.

(6) حلية الأولياء 6/ 352، الديباج المذهب: 64.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 28

9- بكاؤه علي الفتيا بالرأي:

وأجمع المؤرّخون علي رواية خبر بكائه في مرض موته وقوله:

«ليتني جُلدت بكلّ كلمةٍ تكلّمت بها في هذا الأمر بسوط» «1».

ولا بُدّ له أن يبكي.. ومن أحقّ منه بالبكاء كما قال؟! وهل ينفعه وينجيه في الآخرة؟!

فقد قال الليث بن سعد: «أحصيت علي مالك بن أنس سبعين مسألة كلّها مخالفة لسُنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ممّا قال فيها برأيه قال: ولقد كتبت إليه [أعظه في ذلك» «2».

10- تكلّم الأعلام فيه:

هذا.. وقد تكلّم في مالك وعابه جماعة من أعلام الأئمّة:

قال الخطيب: «عابه جماعة من

أهل العلم في زمانه» «3» ثمّ ذكر: ابن أبي ذئب، وعبدالعزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمّد بن إسحاق «4».

حدّثنا مضر بن محمّد قال: سمعت يحيي بن معين يقول: سمعت

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 4/ 137- 138، جامع بيان العلم 2/ 1072، شذرات الذهب 1/ 212.

(2) جامع بيان العلم 2/ 1080.

(3) تاريخ بغداد 1/ 239.

(4) المصدر 1/ 239.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 29

يحيي بن سعيد القطّان يقول: «سفيان الثوري أحبّ إليَّ من مالك في كلّ شي ء».

وقال سفيان في مالك: «ليس له حفظ» «1».

وقال ابن عبدالبرّ: «وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلامٍ فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره» «2».

وتكلّم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه.

وكذلك تكلّم فيه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وابن أبي يحيي وابن أبي الزناد «3».

وناظره عمر بن قيس- في شي ءٍ من أمر الحجّ بحضرة هارون- فقال عمر لمالك: «أنت أحياناً تخطي ء وأحياناً لا تصيب. فقال: كذاك الناس» «4».

أُويس كان يضع الحديث» «4».

وقال العيني: «أقرّ علي نفسه بالوضع كما حكاه النسائي عن سلمة بن شعيب عنه» «5».

* ورواه مسلم بطريقٍ آخر ليس فيه «مالك» بل هو «عن فليح بن

__________________________________________________

(1) الضعفاء والمتروكون: 51.

(2) ميزان الاعتدال 1/ 379- 380.

(3) تهذيب التهذيب 1/ 280.

(4) المصدر 1/ 281.

(5) عمدة القاري- الفائدة السابعة 1/ 8.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 31

سليمان، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري».

«بسر» وهذا ما اضطرب القوم في توجيهه كذلك.

فقال ابن حجر: «قال الدارقطني: هذا السياق غير محفوظ،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 33

واختلف فيه علي فليح، فرواه محمّد بن سنان هكذا، وتابعه المعافي ابن سليمان الحرّاني. ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمّد المؤذّن وأبو داود الطيالسي عن فليح، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر ابن سعيد جميعاً، عن أبي سعيد.

قلت: أخرجه مسلم عن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة عن يونس، وابن حبّان في صحيحه من حديث الطيالسي.

ورواه أبو عامر العقدي عن فليح، عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد. ولم يذكر عبيد بن حنين. أخرجهما البخاري في مناقب أبي بكر.

فهذه ثلاثة أوجه مختلفة».

ثمّ شرع في الجواب عن هذا الاعتراض والدفاع عن البخاري «1».

وكذلك تعرّض للموضوع بشرح الحديث وحاول تصحيحه بأنّ الحديث عند «أبي النضر» عن شيخين يعني «بسراً» و «عبيداً» وأنّ «فليحاً» كان يجمعهما مرّةً ويقتصر علي أحدهما مرّةً، ولكنّه اعترف بالخطأ فقال: «ولم يبق إلّاأنّ محمّد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة. مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به!» «2».

__________________________________________________

(1) هدي الساري/ مقدمة فتح الباري، الحديث الرابع من الأحاديث التي اعترض فيها علي البخاري 507.

(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/ 735، وأنظر أيضاً: عمدة القاري للعيني الحنفي 4/ 243- 244.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 34

محمّد الجوهري، أنبأنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسن بن حبيب بن عبدالملك، حدّثنا فهد بن سليمان، حدّثنا عبداللَّه بن صالح، حدّثنا الليث بن سعيد، عن يحيي بن سعيد، عن أنس:

أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خطب الناس فقال: سدّوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلّاباب أبي بكر. فقال الناس: سدّ الأبواب كلّها إلّاباب خليله! فقال: إنّي رأيت علي أبوابهم ظلمةً ورأيت علي باب أبي بكر نوراً، فكانت الآخرة عليهم أعظم من الأُولي.

قال الخطيب: هذا وهمٌ، والليث روي صدره عن يحيي بن سعيد منقطعاً، ورواه كلّه عن معاوية بن صالح منقطعاً» «1».

__________________________________________________

(1) اللآلي المصنوعة 1/ 322.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 35

(3)

خوخةٍ في المسجد) أطماع الناس كلّهم عن أن يكونوا خلفاء بعده.

وقوّي بعضهم ذلك بأنّ منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة- كما سيأتي قريباً بعد باب- فلا يكون له خوخة إلي المسجد.

وهذا الإسناد ضعيف، لأنّه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار، وقد كان له إذ ذاك زوجة أُخري- وهي أسماء بنت عميس- بالاتّفاق، وأُمّ رومان علي القول بأنّها كانت باقية يومئذٍ.

وقد تعقّب المحبّ الطبري كلام ابن حبّان فقال: وقد ذكر عمر ابن شبّة في تاريخ المدينة المنوّرة أنّ دار أبي بكر الّتي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلي المسجد كانت ملاصقةً للمسجد، ولم تزل بيد أبي بكر حتّي احتاج إلي شي ء يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها … » «1».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 7/ 17.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 37

وقال العيني- بعد الحديث في كتاب الصّلاة-: (ذكر ما يستفاد منه من الفوائد) الأولي ما قاله الخطابي وهو: أنّ أمره صلّي اللَّه عليه وسلّم بسدّ الأبواب غير الباب الشارع إلي المسجد إلّاباب أبي بكر، يدلّ علي اختصاص شديد لأبي بكر وإكرام له، لأنّهما كانا لا يفترقان.

الثانية: فيه دلالة علي أنّه قد أفرده في ذلك بأمرٍ لا يشارك فيه، فأولي ما يصرف إليه التأويل فيه أمر الخلافة. وقد أكثر الدلالة عليها بأمره إيّاه بالإمامة في الصلاة التي بني لها المسجد.

قال الخطابي: لا أعلم أنّ إثبات القياس أقوي من إجماع الصحابة علي استخلاف أبي بكر مستدلّين في ذلك باستخلافه صلّي اللَّه عليه وسلّم إيّاه في أعظم أُمور الدين وهو الصّلاة، فقاسوا عليها سائر الأُمور، ولأنّه صلّي اللَّه عليه

وسلّم كان يخرج من باب بيته وهو في المسجد للصّلاة، فلمّا غلّق الأبواب إلّاباب أبي بكر، دلّ علي أنّه يخرج منه للصّلاة، فكأنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أمر بذلك علي أنّ من بعده يفعل ذلك هكذا» «1».

وفي باب المناقب، أورد كلام الخطّابي وابن بطّال وابن حبّان الذي ذكره ابن حجر وأضاف: «وعن أنس رضي اللَّه تعالي عنه قال: جاء

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 4/ 245.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 38

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فدخل بستاناً وجاء آتٍ فدق الباب.

فقال: يا أنس، افتح له وبشّره بالجنّة وبشّره بالخلافة بعدي. قال: فقلت: يا رسول اللَّه أُعلمه؟ قال: أعلمه؛ فإذا أبو بكر. فقلت: أبشر بالجنّة وبالخلافة من بعد النبي عليه الصلاة والسّلام.

قال: ثمّ جاء آتٍ فقال: يا أنس، افتح له وبشّره بالجنّة وبالخلافة من بعد أبي بكر. قلت: أُعلمه؟ قال: نعم؛ قال: فخرجت فإذا عمر رضي اللَّه تعالي عنه فبشّرته.

ثمّ جاء آتٍ فقال: يا أنس، افتح له وبشّره بالجنّة وبشّره بالخلافة من بعد عمر وأنّه مقتول. قال: فخرجت فإذا عثمان. قال: فدخل إلي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّي واللَّه ما نسيت ولا تمنّيت ولا مسستُ ذكري بيد بايعتك! قال: هو ذاك.

رواه أبو يعلي الموصلي من حديث المختار بن فلفل عن أنس وقال: هذا حديث حسن» «1».

وفي باب هجرة النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم بشرحه: «فأمر الشارع بسدّها كلّها إلّاخوخة أبي بكر ليتميّز بذلك فضله. وفيه إيماء إلي الخلافة» «2».

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 16/ 176- 177.

(2) المصدر 17/ 39.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 39

والكرماني أورد كلمات القوم في دلالته علي الإمامة مرتضياً إيّاها «1».

والقسطلاني قال بشرحه في كتاب الصّلاة: «وفيه دلالة علي الخصوصيّة لأبي

بكر الصدّيق رضي اللَّه عنه بالخلافة بعده عليه الصّلاة والسّلام والإمامة دون سائر الناس، فأبقي خوخته دون خوخة غيره، وهو يدلّ علي أنّه يخرج منها إلي المسجد للصّلاة. كذا قرّره ابن المنير» «2».

وفي المناقب: «قيل: وفيه تعريض بالخلافة، لأنّ ذلك إن أُريد به الحقيقة فذاك، لأنّ أصحاب المنازل الملاصقة للمسجد كان لهم الاستطراق منها إلي المسجد، فأمر بسدّها سوي خوخة أبي بكر، تنبيهاً للناس علي الخلافة، لأنّه يخرج منها إلي المسجد للصلاة. وإن أُريد به المجاز، فهو كناية عن الخلافة وسدّ أبواب المقالة دون التطرّق والتطلّع إليها.

قال التوربشتي: وأري المجاز أقوي، إذ لم يصحّ عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنّما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة.

انتهي.

__________________________________________________

(1) الكواكب الدراري 4/ 129.

(2) إرشاد الساري 2/ 128- 129.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 40

وتعقّبه في الفتح بأنّه استدلال ضعيف، لأنّه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار» «1».

وفي هجرة النبي: «فأمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بسدّها كلّها إلّاخوخة أبي بكر تكريماً له وتنبيهاً علي أنّه الخليفة بعده، أو المراد المجاز، فهو كناية عن الخلافة وسدّ أبواب المقالة دون التطرّق، ورجّحه الطيّبي محتجّاً بأنّه لم يصحّ عنده أنّ أبا بكر رضي اللَّه عنه كان له بيت بجنب المسجد، وإنّما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة» «2».

هذه كلمات شرّاح الحديث.

وفي الكتب المؤلّفة في العقائد … تجد الاستدلال بحديث الخوخة في باب الفضائل المزعومة لأبي بكر، وفي أدلّة إمامته وخلافته بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ولا حاجة إلي ذكر نصوص عباراتهم، ولربّما أشرنا إلي بعضها في

غضون البحث.

أقول: لا يخفي الاضطراب والاختلاف بين القوم في كيفيّة الاستدلال، بل إنّ الباحث المحقّق يجد كلمات الواحد منهم في موضع تختلف عن كلماته في الموضع الآخر. ونحن نلخّص المقال ونعلّق

__________________________________________________

(1) إرشاد الساري 8/ 146- 147.

(2) المصدر 8/ 373.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 41

عليه باختصار حتي يتبيّن الحال.

أمّا النووي، فما قال إلّاأنّ «فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر»، فلم يتعرّض للإمامة والخلافة، ولم يدّع دلالة الحديث عليها لا بالصراحة ولا بالكناية.

ونقول: أمّا «الفضيلة» فتتوقّف علي ثبوت القضيّة، وأمّا كونها «خصيصة» فتتوقّف- بالإضافة إلي الثبوت- علي عدم ورود مثل ذلك في حقّ غيره كما لا يخفي.

وأمّا الخطّابي وغيره، فزعموا «الخصيصة» و «الإشارة القويّة» إلي استحقاقه للخلافة، ولا سيّما وقد ثبت أنّ ذلك كان في آخر حياة النبي، في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمّهم إلّاأبو بكر» بل جعل بعضهم «الباب» كنايةً عن «الخلافة» والأمر بالسدّ كنايةً عن النهي عن طلبها.

ونقول: أمّا «الخصيصة» فقد عرفت ما في دعواها. وأمّا «الإشارة القويّة» فلا دليل عليها إلّاما زعمه من القرينة الحالية، لكنّ القول بأنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمر أبا بكر بالصّلاة كذب «1».

وهل هذه «الإشارة القويّة» مبنيّة علي إرادة الحقيقة أو المجاز؟

قولان.

__________________________________________________

(1) أنظر: الحلقة الخاصّة بالخبر في هذه السلسلة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 42

والقسطلاني بعد أن زعم الدلالة في موضع، نسبها في موضعٍ آخر إلي «قيل» وذكر القولين من الحمل علي الحقيقة أو المجاز، واكتفي بنقل الخلاف فقال: «قيل: وفيه تعريض بالخلافة له، لأنّ ذلك إن أُريد به الحقيقة فذاك وإن أُريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة».

ونقول: قد ثبت أنّ الأصل في الكلام هو حمل علي الحقيقة، لكنّ الدلالة علي

الخلافة متوقّفة علي ثبوت أصل القضيّة، ثمّ ثبوت عدم ورود مثلها في حقّ غيره!!

فالعجب من مثل ابن حجر العسقلاني كيف يسكت علي دعوي دلالة الحديث علي الإمامة- إن لم نقل بكونه من القائلين بذلك- بعد ردّه علي دعوي المجاز كما عرفت، مع إثباته ورود مثل الحديث في حقّ عليٍّ عليه السلام كما ستعرف؟!

لَما جعل عمر الخلافة في أهل الشوري، وكان

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 44

يعهد إلي عثمان بلا نزاع. واللَّه المستعان» «1».

وأقول:

1- إنّ كلّ حديث جاء في مناقب الخلفاء وذكرت فيه أساميهم علي الترتيب، فهو حديث موضوع بلا ريب، ولو استشهدنا بحديثٍ من هذا القبيل، فهو من باب الإلزام.

2- ثمّ إنّا نجد أنساً في هذا الحديث يقوم كلّ مرّة ويفتح الباب بكلّ سرعة، ولا يقابلهم بما قابل به أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الطير حيث ردّه غير مرّة، ولمّا غضب عليه النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم اعتذر بأنّه كان يرجو أن يكون الذي سأل النبيّ حضوره رجلًا من الأنصار!!

3- ولماذا لم يذكر عليّاً؟ ألم يكن رابعهم؟

4- قد نسب العيني إلي أبي يعلي أنه حديثٌ حسنٌ، لكنّ ابن عدي يقول بعد الحديث، بترجمة الصقر- «كان أبو يعلي ضعّفه» فلينظر في الأمر!!

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 3/ 227- 228.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 45

عمدة القاري 4/ 245.

(2) الموضوعات 1/ 274.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 46

وقال ابن تيميّة: «فإنّ هذا ممّا وضعته الشيعة علي طريق المقابلة» «1».

وقال ابن كثير: «ومن روي إلّاباب عليّ- كما وقع في بعض السنن- فهو خطأ، والصواب ما ثبت في الصحيح» «2».

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 5/ 35.

(2) تفسير ابن كثير 1/ 513.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 47

(4)

للطبراني في الأوسط- رجالها ثقات- من الزيادة:

فقالوا: يا رسول اللَّه، سددت أبوابنا! فقال: ما أنا سددتها ولكنّ اللَّه سدّها.

وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفرٍ من الصحابة أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول صلّي اللَّه عليه وسلّم: سدّوا هذه الأبواب إلّاباب عليّ. فتكلّم ناس في ذلك فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّي واللَّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أُمرت بشي ء فاتّبعته. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، ورجاله ثقات.

وعن ابن عبّاس قال: أمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بأبواب المسجد فسدّت إلّاباب عليّ. وفي روايةٍ: وأمر بسدّ الأبواب غير باب عليّ، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره. أخرجهما أحمد والنسائي، ورجالهما ثقات.

وعن جابر بن سمرة قال: أمرنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بسدّ الأبواب كلّها غير باب عليّ، فربّما مرّ فيه وهو جنب. أخرجه الطبراني.

وعن ابن عمر قال: كنّا نقول في زمن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 50

وسلّم: رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خير الناس ثمّ أبو بكر ثمّ عمر.

ولقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم؛ زوّجه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ابنته وولدت له، وسدّ الأبواب إلّابابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر.

أخرجه أحمد وإسناده حسن.

وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار- بمهملات- قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن عليّ وعثمان. فذكر الحديث وفيه: وأمّا عليّ، فلا تسأل عنه أحداً وانظر إلي منزلته من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه. ورجاله رجال الصحيح إلّا العلاء، وقد وثّقه يحيي بن معين وغيره.

وهذه

الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وكلّ طريقٍ منها صالح للاحتجاج فضلًا عن مجموعها.

وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، أخرجه من حديث سعد بن أبي وقّاص وزيد بن أرقم وابن عمر، مقتصراً علي بعض طرقه عنهم، وأعلّه ببعض من تكلّم فيه من رواته، وليس ذلك بقادح، لما ذكرت من كثرة الطرق.

وأعلّه أيضاً بأنّه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنّه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 51

أبي بكر. انتهي.

وأخطأ في ذلك خطأً شنيعاً، فإنّه سلك في ذلك ردّ الأحاديث الصحيحة بتوهّمه المعارضة، مع أنّ الجمع بين القصّتين ممكن» «1».

ولابن حجر كلام مثله في كتابه «القول المسدّد» «2».

وقد أورد السيوطي كلام ابن حجر في معرض الردّ علي ابن الجوزي حيث قال:

«قلت: قال الحافظ ابن حجر في القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد: قول ابن الجوزي في هذا الحديث إنه باطل وإنه موضوع، دعوي لم يستدلّ عليها إلّابمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدام علي ردّ الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم، ولا ينبغي الإقدام علي حكم بالوضع إلّاعند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذّر الجمع في الحال أنّه لا يمكن بعد ذلك، لأنّ فوق كلّ ذي علمٍ عليم.

وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم علي الحديث بالبطلان، بل يتوقّف فيه إلي أن يظهر لغيره ما لم يظهر له، وهذا الحديث من هذا الباب، هو حديث مشهور له طرق متعدّدة، كلّ طريق منها علي انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها ممّا يقطع بصحّته علي طريقة

__________________________________________________

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 7/ 17- 18.

(2) القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد 52- 58.

سلسلة

اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 52

كثير من أهل الحديث.

وأمّا كونه معارضاً لما في الصحيحين، فغير مسلَّم، ليس بينهما معارضة.

وها أنا أذكر بقيّة طرقه ثمّ أُبيّن كيفيّة الجمع بينه وبين الذي في الصحيحين».

ثمّ قال بعد ذكر طرقٍ للحديث:

«فهذه الطرق المتضافرة بروايات الثقات تدلّ علي أنّ الحديث صحيح ذو دلالة قويّة. وهذه غاية نظر المحدّث، فكيف يدّعي الوضع علي الأحاديث الصحيحة بمجرّد هذا التوهّم؟! ولو فتح هذا الباب لردّ الأحاديث لأدّي في كثير من الأحاديث الصحيحة إلي البطلان، ولكن يأبي اللَّه ذلك والمؤمنون» «1».

وقال القسطلاني بشرح حديث الخوخة: «وعورض بما في الترمذي من حديث ابن عبّاس رضي اللَّه عنهما: سدّوا الأبواب إلّاباب عليّ.

وأُجيب: بأنّ الترمذي قال: إنّه غريب، وقال ابن عساكر: إنّه وهم.

لكن للحديث طرق يقوّي بعضها بعضاً، بل قال الحافظ ابن حجر

__________________________________________________

(1) اللآلي المصنوعة 1/ 318- 320.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 53

في بعضها: إسناده قويّ، وفي بعضها: رجاله ثقات» «1».

وقال بعد ذكر طرقٍ لحديث «إلّا باب عليّ»: «وبالجملة فهي- كما قاله الحافظ ابن حجر- أحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وكلّ طريق منها صالح للاحتجاج فضلًا عن مجموعها» «2».

وقال ابن عراق الكناني بعد كلام ابن الجوزي: «تعقّبه الحافظ ابن حجر الشافعي في القول المسدّد فقال: هذا إقدام علي ردّ الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم، ولا معارضة بينه وبين حديث الصحيحين، لأنّ هذه قصّة أُخري، فقصّة عليٍّ في الأبواب الشارعة وقد كان أذن له أن يمرّ في المسجد وهو جنب، وقصّة أبي بكر في مرض الوفاة في سدّ طاقات كانوا يستقربون الدخول منها، كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه والكلاباذي في معانيه والطحاوي في مشكله» «3».

عن وجود حديث «إلّا باب عليّ» ظلم، وما اللَّه

__________________________________________________

(1) إرشاد الساري 2/ 129.

(2) المصدر 8/ 147.

(3) تنزيه الشريعة المرفوعة 1/ 384.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 54

بغافل عمّا يعمل الظالمون … وإنّ إبطاله أمر يأباه اللَّه والمؤمنون …

فإمّا الاعتراف باختلاق حديث «الخوخة» … لكنّ الحقيقة مرّة …

وإمّا الجمع بين الحديثين بطريقٍ يرتضيه ذوو الأفكار الحرّة!!

وقد سلك ابن حجر وجماعة ممّن تقدّم وتأخّر مسلك الجمع، لكنّها كلمات متناقضة ومحاولات يائسة.

وسلّم بسدّ الأبواب إلّاباب عليّ.

ومحصّل هذا أنّ السبب للأمر بسدّ الأبواب مزاحمة المصلّين.

وهذا ممّا لا شاهد عليه في الأخبار، بل مفاد الأخبار في هذا الباب وغيره أنّ السبب الذي من أجله أمر بسدّ الأبواب عن المسجد هو تنزيه المسجد عن الأرجاس وتجنيبه عن الأدناس، واستثني نفسه وعليّاً وأهل بيته لكونهم طاهرين مطهَّرين، أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

والثالثة: جمعه بين حديث «باب عليّ» و «خوخة أبي بكر» بأنّ هذا فضيلة وقرب حصل لكليهما، والمقصود من هذا الجمع- وإن لم يشتمل علي زعم دلالة حديث الخوخة علي خلافة أبي بكر كما تقدّم عن بعضهم- إنكار اختصاص هذه الفضيلة بأمير المؤمنين عليه السّلام وستعرف الإشكال فيه من كلام الحلبي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 56

من بيتها إلي بيت أبيها»، فلماذا لم يترك باب أبي بكر رفقاً بعائشة!! كي تمرّ من «بيتها إلي

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 7/ 379.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 57

بيت أبيها»؟!

4- وإذ «احتيج إلي فتح باب الصدّيق … » فهل سدّ باب عليٍّ من تلك الساعة أو لا؟! إن كان يدّعي سدّه فأين الدليل؟! وكيف وليس له إلّاباب واحد؟! لكنّه لا يدّعي هذا، بل ظاهر العبارة بقاؤه مفتوحاً غير إنّه فتح باب أبي بكر … فأين الإشارة إلي الخلافة؟!

5- ثمّ إنّ هذا كلّه يتوقّف علي أن يكون لأبي بكر بيت إلي جنب المسجد … وهذا غير ثابت …

6- هذا، وابن كثير نفسه يروي عن أُمّ سلمة:

«خرج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في مرضه حتّي انتهي إلي صرحة المسجد فنادي بأعلي صوته: أنّه لا يحلّ المسجد لجنب ولا لحائض إلّالمحمّد وأزواجه وعليّ وفاطمة بنت محمّد، ألا هل بيّنت لكم الأسماء أن تضلّوا» «1».

وهذا الحديث يبيّن السبب في سدّ الأبواب إلّاباب عليّ عليه السّلام، ويبطل جميع ما ذكره ابن كثير، ومن الطبيعي والحال هذه أن يقدح في سنده!

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 7/ 379.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 58

يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يؤمر بسدّه.

ويؤيّد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطّلب بن عبداللَّه بن حنطب أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم لم يأذن لأحد أن يمرّ في المسجد وهو جنب إلّالعليٍّ بن أبي طالب، لأنّ بيته كان في المسجد.

ومحصّل الجمع: أنّ الأمر بسدّ الأبواب وقع مرّتين، ففي الأُولي استثني عليٌّ لما ذكره، وفي الأُخري استثني أبو بكر. ولكن لا يتمّ ذلك إلّا بأن يحمل ما في قصّة عليّ علي الباب الحقيقي، وما في قصّة أبي بكر علي الباب المجازي، والمراد به الخوخة، كما صرّح به في بعض طرقه.

وكأنّهم لَمّا أُمروا بسدّ الأبواب سدّوها وأحدثوا خوخاً يستقربون

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 59

الدخول إلي المسجد منها، فأُمروا بعد ذلك بسدّها.

فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في (مشكل الآثار) وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في (معاني الأخبار) وصرَّح بأنّ بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلي داخل المسجد، وبيت عليّ لم يكن له باب إلّامن داخل المسجد. واللَّه أعلم» «1».

وكذا قال في «القول المسدّد» وأورده السيوطي ووافقه «2» وذكر القسطلاني ملخّصه في مقام الجمع بين الحديثين «3».

أقول:

1- إنّ هذا الجمع الذي ذكره يبتني- كغيره- علي أن يكون لأبي بكر بيت إلي جنب المسجد، وقد عرفت أنّ غير واحدٍ من محقّقيهم ينفي ذلك، ومن هنا حمل البعض الحديث علي أنّه كناية عن الخلافة! وابن حجر، وإن ضعّف القول المذكور قائلًا: «وهذا الاستناد ضعيف» لكنّه لم يذكر لدعواه مستنداً قويّاً، وما ذكره من خبر ابن شبّة

__________________________________________________

(1) فتح الباري 7/ 18.

(2)

اللآلي المصنوعة 1/ 318- 321.

(3) إرشاد الساري 8/ 147.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 60

فضعيف سنداً «1».

2- إنّ هذا الجمع الذي ذكره عن الطحاوي وغيره، ممّا قد وقف عليه النووي وأمثاله قطعاً، وإذ لم يتعرّضوا لهذا الجمع فهم معرضون عنه وغير معتمدين عليه، وهذا هو الصحيح، وستعرف بعض الوجوه الدالّة علي سقوطه.

3- فيما نقله ابن حجر عن البزّار نقاط:

الأُوّلي: إنّ رواة قصّة عليّ «كوفيّون» ورواة قصّة أبي بكر «مدنيّون» وهذا ما لم نتحقّقه.

والثانية: إنّ روايات قصّة عليّ «بأسانيد حسان». وهذا ما يخالف الواقع ولا يوافق عليه ابن حجر، وقد تقدّمت عبارته في ردّه علي كلام ابن الجوزي.

والثالثة: تشكيكه في روايات قصّة عليّ بقوله: «إن ثبتت». وهذا تشكيك في الحقيقة الواقعة، ولا يوافق عليه ابن حجر كذلك.

والرابعة: كون معني «لا يحلّ لأحد أن يطرق المسجد جنباً غيري وغيرك» هو «إنّ باب عليّ كان إلي جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسدّه» باطل جدّاً.

__________________________________________________

(1) تاريخ المدينة المنوّرة- لابن شبّة- 1/ 242.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 61

أمّا أوّلًا: فلأنّ الحديث المذكور لا يدلّ إلّاعلي اختصاص هذا الحكم بهما عليهما السلام، فأين الدلالة علي المعني المذكور؟!

وأمّا ثانياً: فلأنّه لو كان السبب في أنّه لم يؤمر بسدّ بابه أنّه «لم يكن لبيته باب غيره» لم يكن وجه لاعتراض الناس وتضجّرهم ممّا فعل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، لا سيّما عمّه حمزة حيث جاء- فيما يروون- وعيناه تذرفان بالدموع … !

ولكان الأجدر برسول اللَّه أن يعتذر بأنّه: ليس له باب غيره فلذا لم أسدّ بابه، وأنتم لبيوتكم بابان باب من داخل وباب من خارج، لا أن يسند سدّ الأبواب إلّابابه إلي اللَّه

قائلًا: «ما أنا سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أُمرت بشي ء فاتّبعته»!

ولكان لمن سأل ابن عمر عن عليّ- فأجابه بقوله: أمّا عليّ فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلي منزلته من رسول اللَّه، قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه- أن يقول له: وأيّ منزلةٍ هذه منه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم و «لم يكن لبيته باب غيره»؟!

ولكان لقائل أن يقول له: كيف تكون هذه الخصلة أحبّ إليك من حمر النعم، وتجعلها كتزويجه من بضعته الزهراء، وإعطائه الراية في خيبر، وقد كان من الطبيعي أن لا يسدّ بابه، لأنّه «لم يكن لبيته باب غيره»؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 62

ولو كان كذلك لم يبق معني لقول بعضهم: «تركه لقرابته. فقالوا:

حمزة أقرب منه وأخوه من الرضاعة وعمّه»! ولا لقول آخرين: «تركه من أجل بنته»! حتي بلغت أقاويلهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فخرج إليهم … في حديث ننقله بكامله لفوائده:

«بينما الناس جلوس في مسجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إذ خرج منادٍ فنادي: أيّها الناس، سدّوا أبوابكم، فتحسحس الناس لذلك ولم يقم أحد. ثمّ خرج الثانية فقال: أيّها الناس، سدّوا أبوابكم. فلم يقم أحد. فقال الناس: ما أراد بهذا؟ فخرج فقال: أيّها الناس، سدّوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين وخرج حمزة بن عبدالمطّلب يجرّ كساءه حين نادي: سدّوا أبوابكم.

قال: ولكلّ رجل منهم باب إلي المسجد أبو بكر وعمر وعثمان، وغيرهم.

قال: وجاء عليٌّ حتي قام علي رأس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فقال: ما يقيمك؟ إرجع إلي رحلك ولم يأمره بالسدّ.

فقالوا: سدَّ أبوابنا وترك باب عليٍّ وهو أحدثنا! فقال بعضهم: تركه لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه، وأخوه من الرضاعة، وعمّه! وقال

بعضهم: تركه من أجل ابنته.

فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فخرج إليهم بعد ثالثة،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 63

فحمد اللَّه وأثني عليه محمرّاً وجهه- وكان إذا غضب احمرَّ عرقٌ في وجهه- ثمّ قال: أمّا بعد ذلكم، فإنّ اللَّه أوحي إلي موسي أن اتّخذ مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّاهو وهارون وأبناء هارون شبراً وشبيراً، وإنّ اللَّه أوحي إليَّ أن أتَّخذ مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّاأنا وعليّ وأبناء عليّ حسن وحسين، وقد قدمت المدينة واتّخذت بها مسجداً، وما أردت التحوُّل إليه حتّي أُمرت، وما أعلم إلّاما عُلِّمت، وما أصنع إلّاما أُمرت، فخرجت علي ناقتي، فلقيني الأنصار يقولون: يا رسول اللَّه انزل علينا.

فقلت: خلّوا الناقة، فإنّها مأمورة، حتّي نزلت حيث بركت.

واللَّه ما أنا سددت الأبواب وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت عليّاً، ولكنّ اللَّه أسكنه» «1».

4- ما ذكره بعد قوله: «ومحصّل الجمع … » ليس محصّلًا لما ذكره قبله، فقد تأمّلتُ فيه فوجدتُه وجهاً مغايراً للوجه السابق!

ثمّ وجدت السمهودي ينصّ علي ذلك فيقول بعد نقل العبارة:

«قلت: والعبارة تحتاج إلي تنقيح، لأنّ ما ذكره بقوله: (ومحصّل الجمع) طريقة أُخري في الجمع غير الطريقة المتقدّمة، إذ محصّل الطريقة المتقدّمة أنّ البابين بقيا، وأنّ المأمورين بالسدّ هم الّذين كان لهم

__________________________________________________

(1) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفي 2/ 478- 479.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 64

أبواب إلي غير المسجد مع أبواب من المسجد. وأمّا عليّ فلم يكن بابه إلّا من المسجد، وأنّ الشارع صلّي اللَّه عليه وسلّم خصّه بذلك، وجعل طريقه إلي بيته المسجد لما سبق، فباب أبي بكر هو المحتاج إلي الاستثناء، ولذلك اقتصر الأكثر عليه، ومن ذكر باب عليٍّ فإنّما أراد بيان أنّه لم يسدّ،

وأنّه وقع التصريح بإبقائه أيضاً.

والطريقة الثانية تعدّد الواقعة، وأنّ قصّة عليّ كانت متقدّمة علي قصّة أبي بكر رضي اللَّه عنهما.

ويؤيّد ذلك ما أسنده يحيي من طريق ابن زبالة وغيره عن عبداللَّه ابن مسلم الهلالي، عن أبيه عن أخيه، قال: لَمّا أمر بسدّ أبوابهم التي في المسجد، خرج حمزة بن عبدالمطّلب يجرّ قطيفةً له حمراء وعيناه تذرفان يبكي يقول: يا رسول اللَّه أخرجت عمّك وأسكنت ابن عمّك! فقال: ما أنا أخرجتك ولا أسكنته، ولكنّ اللَّه أسكنه.

فذكر حمزة رضي اللَّه عنه في القصّة يدلّ علي تقدّمها» «1».

5- وفي الجمع الثاني- وهو وقوع الأمر بسدّ الأبواب مرّتين- نقطتان التفت إليهما ابن حجر نفسه:

إحداهما: أنّ هذا الجمع لا يتمّ إلّابأن يحمل ما في قصّة عليّ علي

__________________________________________________

(1) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفي 2/ 477.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 65

الباب الحقيقي، وما في قصّة أبي بكر علي الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرّح به في بعض طرقه.

والثانية: ما أشار إليه بقوله: وكأنّهم لَمّا أُمروا بسدّوا الأبواب سدّوها وأحدثوا خوخاً.

أقول: أمّا في الأولي، فلقد تقدّم أنّ البخاري هو الّذي حرّف الحديث من «الخوخة» إلي «الباب»، وقد ذكرنا هناك توجيه ابن حجر ذلك بأنّه نقل بالمعني. ولا يخفي التنافي بين كلام الحافظ ابن حجر هناك وكلامه هنا.

وأمّا في الثانية، فإنّ الوجه في قوله: «وكأنّهم … » هو أنّ قصّة حديث «إلّا باب عليّ» متقدّمة علي قصّة «حديث الخوخة» بزمنٍ طويل. فتلك كانت قبل أُحُدٍ كما عرفت، وهذه في أيّام مرضه الذي توفي فيه كما ذكروا، فإذا كان قد أمر بسدّ الأبواب، فأيّ معني للأمر بسدّ الخوخ؟! فلابُدّ من أن يدّعي أنّهم أطاعوا أمره بسدّ الأبواب لكنّهم أحدثوا خوخاً يستقربون

الدخول إلي المسجد منها! لكنّ ابن حجر يقول: «وكأنّهم … »

فهو غير جازم بهذا.

وأقول:

1- هل من المعقول أن يأمر بسدّ الأبواب ويأذن بإحداث خوخٍ يستقربون الدخول إلي المسجد منها؟! إن كانت الخوخ المستحدَثة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 66

يستطرق منها إلي المسجد فما معني الأمر بسدّ الأبواب؟!

2- إنّه لا يوجد في شي ء من ألفاظ حديث «سدّ الأبواب إلّاباب عليّ» ما يدلّ علي إذن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

3- هناك في غير واحدٍ من الأحاديث تصريح بالمنع عن إحداث الخوخ بعد الأمر بسدّ الأبواب، ففي حديث: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «سدّوا أبواب المسجد إلّاباب عليّ. فقال رجل: أُترك لي قدر ما أخرج وأدخل؟ فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لم أُؤمر بذلك. قال: أُترك بقدر ما أُخرج صدري يا رسول اللَّه؟! فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لم أُؤمر بذلك. وانصرف. قال رجل: فبقدر رأسي يا رسول اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لم أُؤمر بذلك.

وانصرف واجداً باكياً حزيناً، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لم أُؤمر بذلك، سدّوا الأبواب إلّاباب عليّ» «1».

وفي آخر: «قال له رجل من أصحابه: يا رسول اللَّه، دع لي كوّة أنظر إليك منها حين تغدو وحين تروح. فقال: لا واللَّه ولا مثل ثقب الإبرة» «2».

ومن هنا قال السمهودي: «وقد اقتضي ذلك المنع من الخوخة

__________________________________________________

(1) وفاء الوفا 2/ 479- 480.

(2) المصدر 2/ 480.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 67

أيضاً، بل وممّا دونها عند الأمر بسدّ الأبواب أوّلًا» «1».

إلي هنا، وقد ظهر أنّ الحقّ مع المعرضين عن الجمع.

«ومحصّل الجمع»، وإنّما ذكر في وجه الجمع: «أنّ هذه قصّة أُخري، فقصّة عليّ في الأبواب الشارعة، وقد كان أذن له أنّ يمرّ في المسجد وهو جنب، وقصّة أبي بكر في مرض الوفاة في سدّ طاقات كانوا يستقربون الدخول منها، كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه والكلاباذي في معانيه والطحاوي في مشكله» «2».

فتراه يقتصر علي الجمع الثاني وهو اختلاف القصّتين، ويعرض عن دعوي أنّ السبب في عدم سدّ باب عليّ كون بابه من داخل المسجد!! والموضوع في القصّة الأُولي «الأبواب» وفي الثانية: «طاقات»!!

والذي ينسبه إلي المتقدّمين في وجه الجمع هو هذا المقدار فقط!!

__________________________________________________

(1) وفاء الوفا 2/ 480.

(2) تنزيه الشريعة المرفوعة 1/ 384.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 68

لَمّا رأي بطلان كلام ابن حجر.

كما أنّه ترك قول ابن حجر: «يستقربون إلي المسجد منها» لالتفاته إلي أنّها حينئذٍ «أبواب» لا «خوخ»!

لكنّه مع ذلك كلّه نبّه علي ما نبّه عليه السمهودي من أنّ الأحاديث الواردة تنفي الإذن بجعل «الخوخ» بعد «سدّ الأبواب». فقال:

«وعلي كون المراد بسدّ الأبواب تضييقها وجعلها خوخاً، يشكل ما جاء «2» … فعلي تقدير صحّة ذلك يحتاج إلي الجواب عنه».

__________________________________________________

(1) إنسان العيون 3/ 383- 384.

(2) ذكرُ العبّاس في قضية «سدّ الأبواب إلّاباب عليّ» غلط، بل هو حمزة عليه السلام، لأنّ العبّاس أسلم عام الفتح وقصّة عليّ قبل أُحد وهذا واضح وقد نبّه عليه غير واحد. ثمّ رأيت ابن سيّد الناس في عيون الأثر 2/ 336 يذكر طلب العبّاس واعتراضه في قضيّة «إلّا باب أبي بكر» المزعومة وكأنّه لغرض تثبيت قصّة أبي بكر!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 70

ولكن لا جواب، لا منه ولا من غيره!!

ثمّ قال: «وعلي هذا الجمع يلزم أن يكون باب عليّ كرّم اللَّه وجهه استمرّ مفتوحاً في المسجد مع خوخة أبي بكر رضي اللَّه تعالي عنه، لما علم أنّه لم يكن لعليٍّ باب آخر من غير المسجد. وحينئذٍ، قد يتوقّف في قول بعضهم: في سدّ الخوخ إلّاخوخة أبي بكر إشارة إلي استخلاف أبي بكر، لأنّه يحتاج إلي المسجد كثيراً دون غيره» «1».

أقول: وفي هذا ردّ علي الخطّابي وابن بطّال ومن تبعهما وعلي ابن حجر نفسه الذي اختار هذا الجمع وهو مع ذلك ينقل كلمات أُولئك. اللّهمَّ إلّاأن يقال بعدم ارتضائه لها، لما أشرنا إليه سابقاً من قوله لدي نقلها: «وقد ادّعي … ».

القوم في المقام متهافتة للغاية، وما ذلك إلّا لامتناعهم عن الإدلاء بالحقّ والاعتراف بالواقع …

__________________________________________________

(1) إنسان العيون 3/ 384.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 71

وحقيقة الحال في هذا الحديث هو: أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمر بسدّ الأبواب الشارعة إلي المسجد تنزيهاً له عن الأدناس وتجنيباً عن الأرجاس، وحتي باب عمّه حمزة سيّد الشهداء عليه السلام سدّه علي ما كان عليه من الفضل والقرابة والشأن الرفيع، والأحاديث الدالّة علي كون ما ذكرناه هو السبب في سدّ الأبواب كثيرة عند الفريقين.

لكنّه إنّما لم يؤمر بسدّ بابه وباب عليّ وأجاز مكث عليّ وأهل بيته ومرورهم من المسجد- في حال الجنابة- لكونهم طاهرين مطهَّرين بحكم آية التطهير النازلة من ربّ العالمين وغير هذه الآية من أدلّة عصمة أهل البيت وامتيازهم بهذه الخصيصة عن سائر الخلق أجمعين …

فبابهم لم يُسدّ لعدم الموجب لسدّه كما كان بالنسبة إلي غيرهم … وبهذا ظهرت ميزة أُخري من مميّزاتهم «1» … الأمر الذي أثار عجب قوم وحسد أو غضب قومٍ آخرين …

ثمّ إنّ هذا الحسد لم يزل باقياً في نفوس أتباع أُولئك … كمالك وأمثال مالك … فحملهم الحسد لعليٍّ والحبّ لأبي بكر- وهو ممّن سُدّ بابه كما هو صريح أخبار الباب- علي أن يضعوا له في المقابل حديثاً ويقلبوا الفضيلة … !

والواقع: أنّ هذا الوضع- في أكثره- من صنع أيّام معاوية … لكن

__________________________________________________

(1) وممّن نصّ علي هذه الميزة والاختصاص المحبّ الطبري في ذخائر العقبي 141.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 72

وضع علي لسان النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في أواخر أيّام حياته …

وله نظائر عديدة …

لقد نصبوا أبا بكر للخلافة وبايعوه … وهم يعلمون بعدم

وجود نصٍّ عليه، وبعدم توفّر مؤهّلات فيه كما اعترف هو بذلك فيما رووه … فحاولوا أن يضعوا أشياء وينسبوها إلي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بأن قالها في أيّام مرضه زعموا أنّ فيها إشارة قويّة إلي خلافته … ليصبغوا ما صنعوا بصبغة الشرعيّة … وليضيفوا ما وقع منهم وافتعلوه إلي الإرادة الإلهيّة …

ومن هذه الأحاديث المختلقة في هذه الفترة:

حديث: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس».

وقد بحثنا عنه في رسالة مفردة …

وحديث: « … يأبي اللَّه والمؤمنون إلّاأبا بكر … ».

ولعلّنا نبحث عنه في مجال آخر.

وحديث: «سدّوا الأبواب إلّاباب أبي بكر» أو: «سدّوا الخوخ إلّا خوخة أبي بكر».

وهو موضوع رسالتنا هذه … حيث أثبتنا عدم تماميّته سنداً ومعنيً ودلالةً، حتي أنّ القوم حاروا في معناه واضطربت كلماتهم وتهافتت مواقفهم تجاهه … حتي التجأ بعضهم إلي دعوي أنّ حديث «إلّا باب عليّ» هو الموضوع المقلوب!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 73

خاتمة الكتاب 149.

(3) تذكرة الموضوعات: 93.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 75

حديث: إنّ اللَّه يتجلي للناس عامّة يوم القيامة ولأبي بكر خاصّة!

وحديث: ما صبّ اللَّه في صدري شيئاً إلّاصببته في صدر أبي بكر!

وحديث: كان إذا اشتاق إلي الجنّة قبّل شيبة أبي بكر!

وحديث: أنا وأبو بكر كفرسَي رهان!

وحديث: إنّ اللَّه لَمّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر!

وحديث عمر: كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر يتحدّثان وكنت كالزنجي بينهما!

وحديث: لو حدّثتكم بفضائل عُمَر عُمر نوحٍ في قومه ما فنيت، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر!

وحديث: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، وإنّما سبقكم بشي ء وقر في صدره! وهذا من كلام أبي بكر بن عيّاش» «1».

ويقول الشوكاني:

«حديث: ما صبّ اللَّه في صدري إلّاوصببته في صدر أبي بكر.

ذكره صاحب الخلاصة وقال: موضوع» «2».

__________________________________________________

(1) الموضوعات الكبري: 454.

(2) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: 360.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 76

بن عامر، قال:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «لو لم أبعث فيكم لبُعث عمر»!

قال المصنّف: هذان حديثان لا يصحّان عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. أمّا الأول، فإنّ زكريّا بن يحيي كان من الكذّابين الكبار. قال ابن عديّ: كان يضع الحديث. وأمّا الثاني، فقال أحمد ويحيي: عبداللَّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث سدالابواب، ص: 77

ابن واقد ليس بشي ء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبّان:

انقلبت علي مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به» «1».