سرشناسه : حسینی میلانی، سیدعلی، 1326 -
عنوان و نام پديدآور : مقالتان فی الغدیر: الغدیر فی روایة اهل البیت، حدیث الغدیر التبلیغ الاخیر لامامةالامیر/ تالیف السیدعلی الحسینی المیلانی.
مشخصات نشر : قم: مرکزالحقائق الاسلامیة، 1430ق.= 1388.
مشخصات ظاهری : 80 ص.
فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 21.
شابک : 978-964-2501-74-8
يادداشت : عربی.
يادداشت : عنوان روی جلد: مقالتان فی الغدیر.
یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.
عنوان روی جلد : مقالتان فی الغدیر.
موضوع : غدیر خم -- احادیث
موضوع : غدیر خم -- جنبه های قرآنی
شناسه افزوده : مرکز الحقائق الاسلامیه
رده بندی کنگره : BP223/5/ح567م7 1388
رده بندی دیویی : 297/452
شماره کتابشناسی ملی : 1742257
نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.
مركز الحقائق الاسلامية
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 9
الحمد للَّه ربّ العالمين والصلاة والسّلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
وبعد، فإنّ من القواعد المقرّرة للبحث عن كلّ مسألةٍ مختلف فيها، أنْ يستدلّ كلّ من أطراف النزاع بما يوافق عليه الطّرف الآخر ويلتزم به …
أو أنْ يطرح البحث وتتم المناظرة ضمن إطار معيّن وعلي أسسٍ يتفّق عليها الطرفان أو الأطراف …
وهكذا كان- ولا يزال- دأب علماء الإماميّة تجاه الفرق الإسلاميّة في شتّي المسائل الخلافية … من كلاميّة وفقهيّة … وفي موضوع الإمامة والخلافة بالذّات …
وفي خصوص حديث الغدير … تجد كتبهم مشحونةً بروايات
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 10
أهل السنّة … ينقلون الحديث عن أهمّ أسفارهم المعتبرة بالأسانيد والطرق، ويستندون في مجال إثبات دلالته علي معتقدهم بكلمات أشهر علمائهم … حتي لو توقّف الاستدلال علي تعيين مفهوم لفظٍ احتجّوا بما قاله اللغويّون من أهل السنّة
…
لكن هذا الأسلوب الرصين … قد يورث الشبهة في بعض الأذهان السّاذجة … أو يحمل بعض المتعصّبين علي تجاهل الحقيقة … فيقول كما قال ابن روزبهان في الرّد علي العلّامة الحلّي رحمه اللَّه:
«والعجب أنّ هذا الرّجل لا ينقل حديثاً إلّامن جماعة أهل السنّة، لأنّ الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار، فهو في إثبات ما يدّعيه عيال علي كتب أهل السنّة».
فكان مقال «حديث الغدير في رواية أهل البيت عليهم السلام» يتضّمن- بإيجاز- رواية حديث الغدير، بأسانيد شيعيّة، عن كتب علماءٍ مجتهدين … ليعلم:
إنّ الشيعة لهم كتاب، ولهم رواية، ولهم علماء مجتهدون، وأنّهم ليسوا في إثبات ما يدّعونه عيالًا علي كتب أهل السنّة …
وليعلم أيضاً:
1- إنّ حديث الغدير متفّق عليه بين المسلمين … وحتّي أنّهم- شيعةً وسنّة- مشتركون في نقل بعض رواياته بالسنّد واللّفظ الواحد …
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 11
2- إنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام وعلماء شيعتهم اهتمّوا بحديث الغدير، وبذلوا غاية الجهد في سبيل نشره …
3- إنّ في «حديث الغدير في رواية أهل البيت عليهم السلام» نكات وفوائد أغفلها أو أهملها الرواة من أهل السنّة …
ونحن نسرد نصوص الأحاديث المنتخبة من المصادر الشيعيّة الأوّلية، تحت عناوين، وننبّه علي بعض النقاط:
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 13
نزلت في يوم الغدير آيات من القرآن الكريم:
«يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» «1».
نزلت هذه الآية قبل خطبة النّبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، جاء ذلك في رواية أهل البيت عليهم السلام:
روي الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني- المتوفي سنة 328- بإسناده عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام قال:
«أمر اللَّه رسوله بولاية علي عليه السلام وأنزل عليه: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ
__________________________________________________
(1) سورة المائدة: الآية 67.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 14
راكِعُونَ» «1»
، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟
فأمر اللَّه محمّداً صلي اللَّه عليه وآله وسلّم أنْ يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج.
فلمّا أتاه ذلك عن اللَّه، ضاق بذلك صدر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وخاف أنْ يرتدّوا عن دينهم وأنْ يكذّبوه، فضاق صدره وراجع ربّه عزّوجلّ، فأوحي اللَّه عزّوجل إليه: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».
فصدع بأمر اللَّه تعالي ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم. فنادي: الصلاة جامعة، وأمر الناس أنْ يبلّغ الشّاهد الغائب … » «2».
أقول:
وروي نزول الآية في الغدير من كبار حفاظ أهل السنّة وعلمائهم الأعلام: ابن أبي حاتم، ابن مردويه، الثعلبي، أبو نعيم الإصفهاني، الواحدي، الحسكاني، ابن عساكر، الفخر الرازي، النيسابوري، العيني، السيوطي … «3».
__________________________________________________
(1) سورة المائدة: الآية 55.
(2) الكافي 1/ 289، رقم 4.
(3) الدر المنثور 2/ 298، أسباب النزول: 115، ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 2/ 86، التفسير الكبير 12/ 49، تفسير
النيسابوري 6/ 129- 130، عمدة القاري في شرح البخاري 18/ 206 …
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 15
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا» «1».
نزلت هذه الآية بعد أن فرغ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من الخطبة وبايع الحاضرون أمير المؤمنين عليه السلام.
روي الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني بسنده عن الإمام محمّد ابن علي الباقر عليه السلام، في حديث خطبة أمير المؤمنين عليه السلام، وهي خطبة الوسيلة، وهي طويلة، يقول فيها عليه السلام:
«ثمّ صار إلي غدير خم، فأمر فأصلح له مثل المنبر، ثمّ علاه وأخذ بعضدي حتّي رئي بياض إبطيه، رافعاً صوته، قائلًا في محفله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وكانت علي ولايتي ولاية اللَّه، وعلي عداوتي عداوة اللَّه. وأنزل اللَّه: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا».
فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الربّ جلّ ذكره» «2».
__________________________________________________
(1) سورة المائدة: الآية 3.
(2) الكافي 8/ 27.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 16
أقول:
وروي نزول الآية في الغدير من كبار حفّاظ أهل السنّة وأعلام علمائهم: ابن مردويه، أبو نعيم، ابن المغازلي، الموفّق المكي، أبو حامد الصالحاني، الحمويني … «1».
قوله تعالي: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» «2».
نزلت هذه الآية في قضيّة الفهري بعد أنْ تمّت البيعة لأميرالمؤمنين عليه السلام.
روي الشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده عن الحسين بن محمّد الخارفي قال: سألت سفيان بن عيينة عن سأل سائل فيمن نزلت؟
فقال: يا ابن أخي، سألتني عن شي ء ما سألني عنه خلق قبلك، لقد سألت جعفر بن محمّد عليهما السلام عن مثل الذي سألتني عنه.
فقال: أخبرني أبي عن جدّه عن أبيه عن ابن عباس قال: لمّا كان يوم غدير خم قام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خطيباً، فأوجز
في خطبته، ثمّ دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ
__________________________________________________
(1) المناقب لابن المغازلي: 18، المناقب للخوارزمي: 80، فرائد السّمطين 1/ 74 …
(2) سورة المعارج: الآيات 1 و 2.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 17
بضبعه ثمّ رفع يده حتي رئي بياض إبطيهما.
فقال: ألم أبلّغكم الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟
قالوا: أللهم نعم.
فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
ففشت هذه في الناس، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فرحل راحلته، ثمّ استوي عليها … ثمّ جاء إلي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فردّ عليه النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فقال: يا محمّد! إنّك دعوتنا أنْ نقول: لا إله إلّااللَّه.
فقلنا. ثمّ دعوتنا أن نقول: إنّك رسول اللَّه. فقلنا وفي القلب ما فيه، ثمّ قلت:
فصلّوا. فصلّينا. ثمّ قلت: فصوموا. فصمنا. ثمّ قلت: فحجّوا فحججنا، ثمّ قلت:
إذا رزق أحدكم مائتي درهم فليتصدّق بخمسه كلّ سنة. ففعلنا.
ثمّ إنّك أقمت ابن عمّك، فجعلته علماً وقلت: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، أفعنك أم عن اللَّه؟
قال: بل عن اللَّه.
قال: فقالها ثلاثاً.
قال: فنهض وإنّه لمغضب وإنّه ليقول: اللهم إن كان ما قال محمّد حقاً فأمطر علينا حجارةً من السماء تكون نقمةً في أوّلنا وآية في آخرنا.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 18
وإن كان ما قال محمّد كذباً فأنزل به نقمتك!
ثمّ أثار ناقته فحلّ عقالها ثمّ استوي عليها. فلمّا خرج من الأبطح رماه اللَّه تعالي بحجرٍ من السماء، فسقط علي رأسه وخرج من دبره وسقط ميّتاً.
فأنزل اللَّه فيه: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ
دافِعٌ* مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ» «1».
أقول:
وروي نزول الآية في هذه القضيّة من كبار علماء ومحدّثي أهل السنّة: الثعلبي، سبط ابن الجوزي، الزرندي، السمهودي، ابن الصبّاغ، المناوي، الحلبي … «2».
والحديث باللّفظ المذكور مروي في تفسير الثعلبي بإسناده عن سفيان بن عيينة «3».
«وَإِنَّهُ لَتَنْزيلُ رَبِّ الْعالَمينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ اْلأَمينُ عَلي قَلْبِكَ
__________________________________________________
(1) بحار الأنوار 37/ 175.
(2) تذكرة الخواص: 30، نظم درر السمطين: 93، الفصول المهمّة: 42، فيض القدير 6/ 281، السيرة الحلبية 3/ 337، نور الابصار: 78 …
(3) بحارالانوار 37/ 176.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 19
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ» «1».
روي الشيخ علي بن إبراهيم القمي- من أعلام القرن الثالث- بإسناده عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال:
«نزلت لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير» «2».
روي أبو العبّاس عبداللَّه بن جعفر الحميري- من أعلام القرن الثالث- عن السندي بن محمّد، عن صفوان الجمّال قال:
قال أبو عبداللَّه عليه السلام:
لمّا نزلت هذه الآية في الولاية، أمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالدّوحات في غدير خم فقممن، ثم نودي: الصّلاة جامعة، ثمّ قال:
أيّها الناس! من كنت مولاه فعليّ مولاه، ألست أولي بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلي.
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. ربّ وال من والاه وعاد من عاداه.
ثمّ أمر الناس يبايعون علياً، فبايعه الناس، لا يجي ء أحد إلّابايعه،
__________________________________________________
(1) سورة الشعراء: الآيات 192- 194.
(2) تفسير القمي 2/ 124 وعنه الصّافي في تفسير القرآن 4/ 50 للشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني المتوفي سنة 1091.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 20
ولا يتكلّم منهم أحد … » «1».
ورواه أبو النضر محمّد بن مسعود العياشي السمرقندي- من أعلام القرن الثالث- عن صفوان عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام كذلك … «2».
وروي العيّاشي عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«لمّا نزل جبرئيل علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في حجّة الوداع بإعلان أمر علي بن أبي طالب: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ» إلي آخر الآية.
قال: فمكث النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ثلاثاً حتي أتي الجحفة، فلم يأخذ بيده فرقاً من الناس، فلمّا نزل الجحفة يوم الغدير في مكان يقال له: «مهيعة» فنادي: الصلاة جامعة.
فاجتمع الناس.
فقال النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: من أولي بكم من أنفسكم؟
قال: فجهروا فقالوا: اللَّه ورسوله.
فقال لهم الثانية.
__________________________________________________
(1) قرب الإسناد: 27 وعنه: بحار الأنوار 37/ 118.
(2) تفسير العياشي 1/ 329 وعنه: بحار الأنوار 37/ 138.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 21
فقالوا: اللَّه ورسوله.
ثمّ قال لهم الثالثة.
فقالوا: اللَّه ورسوله.
فأخذ بيد علي عليه السلام فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، فإنّه منّي وأنا منه. وهو منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبي بعدي» «1».
وروي العيّاشي عن عمر بن يزيد قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام ابتداءً منه:
«العجب يا أبا حفص! لما لقي علي بن أبي طالب!! إنّه كان له عشرة آلاف شاهد ولم يقدر علي أخذ حقّه، والرجل يأخذ حقّه بشاهدين، إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خرج من المدينة حاجّاً وتبعه خمسة آلاف، ورجع من مكّة وقد شيّعه خمسة آلاف من أهل مكّة، فلمّا انتهي إلي الجحفة نزل جبرئيل بولاية علي عليه السلام، وقد كانت نزلت ولايته بمني، وامتنع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من القيام بها لمكان الناس.
فقال: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».
__________________________________________________
(1) تفسير العيّاشي 1/ 332 وعنه بحار الأنوار 37/ 140.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 22
ممّا كرهت بمني.
فأمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله
وسلّم فقمّت السمرات … » «1».
وروي العيّاشي عن زياد بن المنذر قال: «كنت عند أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام وهو يحدّث الناس. فقام إليه رجل من أهل البصرة- يقال له: عثمان الأعشي، كان يروي عن الحسن البصري- فقال:
يا ابن رسول اللَّه! جعلت فداك، إنّ الحسن البصري يحدّثنا بحديث يزعم أنّ هذه الآية نزلت في رجلٍ ولا يخبرنا من الرجل «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ».
تفسيرها: أتخشي الناس، فاللَّه يعصمك من الناس.
فقال أبو جعفر عليه السلام: ما له لا قضي اللَّه دينه- يعني صلاته- أما أن لو شاء أن يخبر به خبّر به؛ إنّ جبرئيل هبط علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … فقال: إنّ اللَّه تبارك وتعالي يأمرك أن تدلّ أمّتك مَن وليهم، علي مثل ما دللتهم عليه في صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم.
قال: فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: ربّ! امّتي حديثو عهدٍ بالجاهلية.
__________________________________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 332 وعنه بحار الأنوار 37/ 140.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 23
فأنزل اللَّه: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ … ».
قام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فأخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه … » «1».
وروي الشيخ أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي- من أعلام القرن الرابع- عن جبرئيل بن أحمد، عن موسي بن معاوية بن وهب، عن علي بن سعيد، عن عبداللَّه بن عبداللَّه الواسطي، عن واصل بن سليمان، عن عبداللَّه بن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:
لمّا صرع زيد بن صوحان رحمه اللَّه يوم الجمل، جاء أمير المؤمنين عليه السلام حتي جلس
عند رأسه فقال: رحمك اللَّه يا زيد! لقد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة.
قال: فرفع زيد رأسه إليه ثمّ قال: وأنت فجزاك اللَّه خيراً يا أمير المؤمنين! فو اللَّه ما علمتك إلّاباللَّه عليماً وفي امّ الكتاب علّياً حكيماً، وإنّ اللَّه في صدرك لعظيم، واللَّه ما قاتلت معك علي جهالةٍ، ولكنّي سمعت امّ سلمة زوج النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم تقول:
سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من
__________________________________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 333 وعنه بحار الأنوار 37/ 141.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 24
خذله. فكرهت- واللَّه- أن أخذ لك فيخذلني اللَّه» «1».
وروي الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه الملّقب بالصدوق- المتوفي سنة 381- حديث الغدير قائلًا:
«ابن الوليد، عن الصفّار، عن ابن أبي الخطّاب وابن يزيد معاً، عن ابن أبي عمير.
وحدّثنا أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير.
وحدّثنا ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن ابن أبي عمير.
وحدّثنا ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير.
عن عبداللَّه بن سنان، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:
لمّا رجع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من حجّة الوداع- ونحن معه- أقبل حتي انتهي إلي الجحفة، أمر أصحابه بالنزول، فنزل القوم منازلهم، ثمّ نودي بالصّلاة، فصلّي بأصحابه ركعتين، ثمّ أقبل بوجهه اليهم فقال لهم:
إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أني ميّت وأنكم ميّتون، وكأني قد
__________________________________________________
(1) رجال الكشّي: 63.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 25
دعيت فأجبت، وإنّي مسؤول عمّا أرسلت به إليكم وعمّا
خلّفت فيكم من كتاب اللَّه وحجّته، وإنّكم مسؤولون، فما أنتم قائلون لربّكم؟
قالوا: نقول قد بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك اللَّه عنّا أفضل الجزاء.
ثمّ قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلّااللَّه وأني رسول اللَّه إليكم، وأنّ الجنة حق وأنّ النار حق وأنّ البعث بعد الموت حق؟
فقالوا: نشهد بذلك.
قال: اللّهم اشهد علي ما يقولون.
ألا وانّي أشهدكم أنّي أشهد أنّ اللَّه مولاي وأنا مولي كلّ مسلم، وأنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم. فهل تقرّون بذلك وتشهدون لي به؟
فقالوا: نعم نشهد لك بذلك.
فقال: ألا من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، وهو هذا.
ثمّ أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها مع يده حتّي بدت آباطهما.
ثمّ قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
ألا وإني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصري وصنعاء، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإنّي سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت اللَّه به عليكم في يومكم هذا إذ وردتم عليَّ حوضي؟ وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي؟ فانظروا كيف
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 26
خلفتموني فيهما حين تلقوني؟
قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول اللَّه؟
قال: أمّا الثقل الأكبر فكتاب اللَّه عزّوجل، سبب ممدود من اللَّه ومني في أيديكم، طرفه بيد اللَّه، والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضي وما بقي إلي أن تقوم الساعة. وأمّا الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته. وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض.
قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام علي أبي جعفر عليه السلام.
فقال: صدق أبو الطفيل. هذا كلام وجدناه في كتاب علي عليه السلام وعرفناه» «1».
وروي الشيخ الحرّ العاملي عن جابر بن حزام في حديث الحنّفية التي أخذها أمير المؤمنين عليه
السلام من سبي بني حنيفة: أنّها قالت لمّا رأته: من أنت؟
قال: أنا علي بن أبي طالب.
قالت: لعلّك الرّجل الّذي نصبه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله
__________________________________________________
(1) كتاب الخصال 1/ 34- 35.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 27
وسلّم في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟!
فقال: أنا ذلك الرجل.
فقالت: من أجلك غضبنا، ومن نحوك أتينا، لأنّ رجالنا قالوا:
لا نسلّم صدقات أموالنا وطاعة نفوسنا إلّالمن نصبه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فينا وفيكم علماً» «1».
وروي عن أنس عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله في حديثٍ:
«أنّه صعد المنبر وأخذ بيد علي وقال: أللهم إنّ هذا منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبي بعدي، أيها الناس! ألست أولي بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلي.
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ومن كنت وليّه فعلي وليّه» «2».
وروي الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللَّه قال: «المفيد، عن علي بن أحمد القلانسي، عن عبداللَّه بن محمد، عن عبدالرحمان بن صالح، عن موسي بن عمران، عن أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بغدير خم يقول:
«إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي. لعن اللَّه من ادعي إلي غير
__________________________________________________
(1) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 2/ 42.
(2) المصدر 2/ 44.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 28
أبيه. لعن اللَّه من تولّي إلي غير مواليه. الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر. وليس لوارثٍ وصية. ألا وقد سمعتم مني ورأيتموني، ألا من كذب عليًّ متعمّداً فليتبوء مقعده من النار.
ألا وإنّي فرط لكم علي الحوض ومكاثر بكم الأمم يوم القيامة، فلا تسوّدوا وجهي. ألا لأستنقذنّ رجالًا من النار وليستنقذنّ من يدي أقوام. إنّ اللَّه مولاي وأنا مولي كلّ مؤمنٍ
ومؤمنة، ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه» «1».
أقول: في هذه الأخبار فوائد:
الأولي: الّذين حضروا الغدير وسمعوا الحديث من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من أهالي مكّة والمدينة فقط عشرة آلاف، فما ظنّك بعددهم لو أحصي الحاضرون من سائر البلاد الحجازية. ومن اليمن و غيرها … ؟!
الثانية: في هذه الأخبار: أن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمر الناس بالبيعة لأميرالمؤمنين عليه السلام، فبايعه النّاس كلّهم.
وفي بعض الأخبار أنّه قال لهم: «سلّموا علي علي بإمرة
__________________________________________________
(1) أمالي للشيخ الطوسي: 227 وعنه في البحار 37/ 123.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 29
المؤمنين» «1».
وهذا- وإن أغفله المؤرّخون القدامي من أهل السنّة- مصرّح به في بعض السّير والتواريخ … «2».
الثالثة: إن كان «الحسن البصري» لم يخبر من الرجل الّذي نزلت فيه آية الولاية … - كما في بعض الأخبار … - فإنّه قد سبقه في كتمان ذلك- حسداً أو تقيةً- اناس ولحقه أناس آخرون.
الرابعة: أشار النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في حديث الغدير إلي الحوض وقال:
«فلا تسوّدوا وجهي».
و «لاستنقذن رجالًا من النار وليستنقذن من يدي أقوام» فمن أولئك الأقوام؟
ولقد نصَّ في حديثٍ أخرجه الشيخان- البخاري ومسلم- وسائر أرباب الصحاح والمسانيد، علي أنّهم هم الّذين أحدثوا من بعده؛ وارتدّوا علي أدبارهم القهقري … «3».
__________________________________________________
(1) الكافي 1/ 292، رقم 1.
(2) أنظر: معارج النبوة لمحمد معين الهندي 2/ 318 وروضة الصفا: الجزء الثاني من ج 1/ 173 وحبيب السيّر، الجزء الثالث من المجلّد 1/ 144.
(3) صحيح البخاري. باب في الحوض 4/ 87.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 30
ولا يخفي علي النبيه وجه الرّبط بين «الغدير» و «الحوض».
الخامسة: الجمع بين حديث الغدير وحديث الثقلين المروي في صحيح
مسلم وغيره، وبين حديث الغدير وحديث: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، المروي في الصحيحين وغيرهما … دليل علي ثبوت حديث الغدير سنداً ومتانته دلالةً …
وروي الشيخ محمد بن الحسن الطوسي- المتوفي سنة 460- خبر احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير علي أهل الشوري:
«عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن الحسن بن محمّد الأنصاري ومحمّد بن جعفر الحميري وعلي بن محمّد النخعي وأحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، كلّهم عن أحمد بن يحيي الأزدي، عن عمرو بن حماد القناد، عن إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن معروف بن خربوذ وزياد بن المنذر وسعيد بن محمّد، كلّهم عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام في حديث طويل في احتجاجه علي أهل الشوري قال:
أنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ما قال في غزاة تبوك: إنّما أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبي بعدي. غيري؟
قالوا: أللهم لا.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 31
قال: أنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مقالته يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه. غيري؟
قالوا: أللهم لا» «1».
وروي الشيخ أبو جعفر الصدوق- المتوفي سنة 381- حديث مناشدة الأمير عليه السلام والدعاء علي من كتم- وهم: أنس بن مالك والبراء بن عازب الانصاري والأشعث بن قيس الكندي وخالد بن يزيد البجلّي … «2».
وروي الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي- المتوفي سنة 1104- عن إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي في كتاب الغارات، خبر مناشدة شاب أبا هريرة:
«لمّا دخل معاوية الكوفة، دخل أبو هريرة المسجد، فكان يحدّث، فجائه شاب من
الأنصار فقال: يا أبا هريرة حديث أسألك عنه؟ أنشدك باللَّه، أسمعت النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟
فقال أبو هريرة: نعم، واللَّه الّذي لا إله إلّاهو لسمعته من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال
__________________________________________________
(1) الأمالي للشيخ الطوسي: 555، إثبات الهداة 2/ 86.
(2) إثبات الهداة 2/ 420 عن كتاب الأمالي للشيخ الصدوق.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 32
من والاه وعاد من عاداه.
فقال له الفتي: فقد- واللَّه- واليت عدوّه وعاديت وليّه.
فخرج أبو هريرة ولم يعد إلي المسجد حتّي خرج من الكوفة» «1».
وروي الشيخ الحرّ العاملي، عن أحمد بن علي الطبرسي بإسناده عن محمد ويحيي ابني عبداللَّه بن الحسن، عن أبيهما، عن علي عليه السلام في حديث:
«إن أبيّ بن كعب قال لأبي بكر لمّا خطب: ألستم تعلمون أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قام فينا مقاماً أقام فيه عليّاً فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه … ؟» «2».
أقول:
أخبار المناشدة والاحتجاج رواها جلّ المحدّثين المشاهير من أهل السنّة … فخبر المناشدة يوم الشوري، رواه جمع: منهم الخطيب الخوارزمي في مناقبه، والحمويني في فرائده «3» بل رواه الحافظ ابن عبدالبرّ في الاستيعاب «4» بإسناده عن: عمرو بن حماد القنّاد.
__________________________________________________
(1) إثبات الهداة 2/ 178.
(2) المصدر 2/ 116.
(3) فرائد السمطين: 1/ 86.
(4) الاستيعاب (بهامش الإصابة) 3/ 35.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 33
وخبر المناشدة في الكوفة والدعوة علي من كتم … تراه في المسند لأحمد 1/ 119، اسد الغابة في معرفة الصّحابة 3/ 321، مجمع الزوائد 9/ 106 …
وخبر مناشدة الشاب أبا هريرة … رواه أبوبكر
الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 105 نقلًا عن غير واحد من أئمّة الحديث.
وكذا ابن كثير في تأريخه 5/ 213 …
وروي شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي- المتوفي سنة 460-.
«عن جماعةٍ، عن أبي المفضّل، عن محمّد بن هارون، عن محمّد بن حميد، عن جرير، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، عن سعد بن أبي وقّاص.
في كلامٍ طويل مع معاوية قال:
«سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول لرجلٍ جاء يشكوا إليه عليّاً عليه السلام: ألا تعلم أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟
قال: بلي.
قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 34
قال: وخلّفه في بعض أسفاره فقال: يا رسول اللَّه! أتخلّفني مع النساء والصبيان؟
فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبي بعدي!» «1».
أقول:
خبر ما كان بين سعد بن أبي وقّاص ومعاوية حول أمير المؤمنين عليه السّلام حينما أمر معاوية سعداً بسبّ أمير المؤمنين مروي في كتبهم … أخرجه مسلم وغيره من الأئمة … وفيه: «فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم … »
لكنّ القوم حرّفوا الحديث، فمنهم من أسقط حديث الغدير، ومنهم من حذف لفظ السبّ، ومنهم من حذف اسم السابّ … فراجع تاريخ ابن كثير 7/ 340 والخصائص للنسائي: 49 والاستيعاب 3/ 1099.
وليت معاوية انتهي من السبّ ونهي عنه- بعد سماع تلك الأحاديث واعتذار سعد من السبّ بسببها- … كما انتهي بعض من به اقتدي:
__________________________________________________
(1) إثبات الهداة
2/ 89.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 35
فقد روي الشيخ أبو جعفر الطوسي بسنده عن سهم بن حصين الأسدي قال: قدمت إلي مكّة أنا وعبداللَّه بن علقمة، وكان عبداللَّه بن علقمة سبّابةً لعلي- صلوات اللَّه عليه- دهراً، قال: قلت له: هل لك في هذا- يعني أبا سعيد الخدري- نحدث به عهداً.
قال: نعم.
فأتيناه.
فقال: هل سمعت لعلي منقبةً؟
قال: نعم، إذا حدثتك فاسأل عنها المهاجرين والأنصار وقريشاً: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال يوم غدير خم فأبلغ ثمّ قال: يا أيّها الناس! ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلي. قالها ثلاث مرات.
ثم قال: اذن يا علي! فرفع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يديه حتّي نظرت إلي بياض أباطهما.
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه- ثلاث مرّات- ثمّ قال:
فقال عبداللَّه بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم؟
قال أبو سعيد: نعم وأشار إلي اذنية وصدره قال: سمعته اذناي ووعاه قلبي.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 36
قال عبداللَّه بن شريك: فقدم علينا عبداللَّه بن علقمة وسهم بن حصين، فلمّا صلينا الهجير قام عبداللَّه بن علقمة فقال: إنّي أتوب إلي اللَّه واستغفره من سبّ علي بن أبي طالب، ثلاث مرات» «1».
روي الشيخ محمّد بن مسعود العيّاشي عن جعفر بن محمّد الخزاعي عن أبيه عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديثٍ قال:
«لما قال النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ما قال يوم غدير خم مرّ المقداد بجماعة وهم يقولون: أراد أن يولّيها علياً من بعده، أمّا واللَّه ليعلمنّ!
فأخبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فدعاهم فحلفوا ما قالوا ذلك» «2».
وروي: «عن أبان بن تغلب عنه عليه السّلام قال:
«لمّا نصب رسول
اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم علياً يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
قال رجلان من قريش: واللَّه لا نسلّم له ما قال أبداً.
__________________________________________________
(1) الأمالي للشيخ الطوسي: 247 وعنه بحار الأنوار 37/ 142.
(2) إثبات الهداة 2/ 137.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 37
فأخبر النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فسألهما عمّا قالا، فكذبا وحلفا باللَّه ما قالا شيئاً» «1».
وروي السيّد شرف الدين علي النجفي (من أعلام القرن العاشر) عن محمّد بن العباس قال:
«حدّثنا علي بن العبّاس عن الحسن بن محمّد عن يوسف بن كليب عن خالد عن حفص بن عمر عن حنان عن أبي أيوب الانصاري قال:
لمّا أخذ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بيد علي فرفعها وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
قال أناس: إنّما افتتن بابن عمّه» «2».
أقول: لابدّ وأنّه كان في ذاك المشهد اناس آخرون علي رأي الفهري، ولو جاهروا بالمعارضة وعارضوا الرّسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كما فعل، لأصابهم ما أصابه وأثبت في التاريخ الخبر … لكنّهم- كما رأيت- كذبوا وحلفوا ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر …
__________________________________________________
(1) إثبات الهداة 2/ 137.
(2) المصدر.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 38
روي الشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي وقال:
«حدثني اسحاق بن محمّد بن القاسم الهاشمي معنعناً عن حذيفة عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في حديث الغدير انه قال: أيها الناس! ألستم تعلمون أني أولي بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلي.
قال: أيها الناس! من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
فقال رجل من عرض المسجد: يا رسول اللَّه! ما تأويل هذا؟
قال: من كنت نبيه فعلي أميره. وقال: اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» «1».
وروي الشيخ عماد الدين محمّد بن أبي القاسم الطبري
صاحب (بشارة المصطفي) بإسناده عن ابراهيم بن رجاء قال:
«قيل لجعفر بن محمد عليه السلام: ما أراد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بقوله لعلي عليه السلام يوم الغدير: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟
قال: فاستوي جعفر بن محمّد قاعداً ثمّ قال: سئل عنها- واللَّه-
__________________________________________________
(1) إثبات الهداة 2/ 170.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 39
رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: اللَّه مولاي وأولي بي من نفسي ولا أمر لي معه وأنا مولي المؤمنين وأولي بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ومن كنت مولاه وأولي به من نفسه فعلي بن أبي طالب مولاه، أولي به من نفسه، لا أمر له معه» «1».
وروي الشيخ أبو جعفر الصدوق المتوفي سنة 381:
«حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ الجعابي عن موسي بن محمّد الثقفي عن الحسن بن محمّد عن صفوان بن يحيي عن يعقوب بن شعيب عن أبان بن تغلب قال: «سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام عن قول النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟
قال: يا أبا سعيد! تسأل عن مثل هذا؟! أعلمهم أنّه يقوم فيهم مقامه» «2».
قال: «حدّثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي قال: حدّثني جعفر بن محمّد الحسيني قال: حدّثنا محمّد بن علي بن الخلف قال: حدّثنا سهل بن عمرو قال: حدّثنا زافر بن سليمان عن شريك عن أبي اسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: ما معني قول النبي صلّي اللَّه
__________________________________________________
(1) بشارة المصطفي: 92.
(2) معاني الأخبار: 66.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 40
عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟
قال: أخبرهم أنّه الإمام بعده» «1».
وروي الشيخ علي بن عيسي
الاربلي المتوفي سنة 693:
«من كتاب الدلائل لعبداللَّه بن جعفر الحميري قال: حدّثني الحسن بن ظريف قال: كتبت إلي أبي محمّد عليه السلام: ما معني قول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السلام: من كنت مولاه فعلي مولاه؟
قال: أراد بذلك أن يجعله علماً يعرف به حزب اللَّه عند الفرقة» «2».
وروي الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الملقب بالمفيد المتوفي سنة 413 قال:
«أخبرني محمّد بن عمر الجعابي، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن علي بن الحسن التيمي قال: وجدت في كتاب أبي حدّثنا محمّد بن مسلم الاشجعي، عن محمّد بن نوفل بن عايذ الصيرفي قال:
دخل علينا أبو حنيفة، فذكرنا أمير المؤمنين عليه السلام، ودار
__________________________________________________
(1) معاني الأخبار: 65.
(2) كشف الغمة في معرفة الأئمّة 1/ 147.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 41
بيننا كلام.
فقال أبو حنيفة: قد قلت لأصحابنا لا تقرّوا لهم بحديث غدير خم فيخصموكم.
فتغيّر وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي وقال له: لم لا تقرون به؟ أما هو عندك يا نعمان؟
قال: هو عندي وقد رويته.
قال: فلم لا تقرّون به، وقد حدثنا به حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم أنّ علياً عليه السلام نشد اللَّه في الرحبة من سمعه؟
فقال أبو حنيفة: أفلا ترون أنه جري في ذلك خوض حتي نشد اللَّه علي بالرحبة الناس؟
فقال الهيثم: فنحن نكذّب علياً ونردّ عليه قوله!!
فقال أبو حنيفة: ما نكذب علياً ولا نرد قولًا قاله، ولكنك تعلم أنّ الناس قد غلا منهم قوم.
فقال الهيثم: يقول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ويخطب به ونشفق نحن فيه … » «1».
__________________________________________________
(1) الأمالي للمفيد: 27، إثبات الهداة 2/ 145.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير،
ص: 42
ويوم الغدير يوم صيام وصلاة ودعاء وعبادة … والأخبار في ذلك كثيرة جدّاً …
منها: ما رواه الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي المتوفي سنة 460 بإسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني قال: حدّثنا محمّد بن موسي الهمداني قال: حدثنا علي بن حسّان الواسطي قال: حدّثنا علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول:
صيام يوم غدير خم يعدل صيام [عمر] الدنيا … ثم ذكر صلاة يوم الغدير وثوابها … ثمّ ليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين أن تقول … » «1».
وروي الشيخ ابن بابويه المتوفي سنة 381 قال:
«حدثنا الحسن بن محمد بن الحسن السكوني، عن ابراهيم بن محمّد بن يحيي النيسابوري، عن أبي جعفر بن السري وأبي نصر بن موسي الخلال، عن علي بن سعيد عن ضمرة بن شوذب، عن مطر عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال:
من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب اللَّه له صوم ستّين
__________________________________________________
(1) تهذيب الأحكام 4/ 305.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 43
شهراً وهو يوم غدير خم، لمّا أخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بيد علي بن أبي طالب وقال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: نعم يا رسول اللَّه.
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فقال له عمر: بخ بخ لك يا علي! أصبحت مولاي ومولي كلّ مسلم.
فأنزل اللَّه عزوجل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ» «1».
أقول: وهذا الحديث رواه الخطيب الخوارزمي وصدرالدين الحموئي مسنداً عن البيهقي عن الحاكم بسنده عن علي بن سعيد … «2».
وكذا الفقيه ابن المغازلي بسنده عن علي بن سعيد … «3» والخطيب البغدادي عن عبداللَّه بن علي بن محمّد بن؟؟؟ عن الدارقطني عن أبي نصر الخلال عن
علي بن سعيد … «4».
وروي الشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفي سنة 328 والشيخ أبو جعفر الصدوق المتوفي سنة 381 والشيخ أبو جعفر
__________________________________________________
(1) إثبات الهداة 2/ 48، بحارالأنوار 37/ 108.
(2) مناقب علي بن أبي طالب: 79، فرائد السمطين 1/ 77.
(3) مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: 38.
(4) تاريخ بغداد 8/ 290.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 44
الطوسي المتوفي سنة 460 بإسنادهم عن حسّان الجمال قال:
«حملت أبا عبداللَّه عليه السلام من المدينة إلي مكّة، فلمّا انتهينا إلي مسجد الغدير فنظر إلي ميسرة المسجد فقال: ذاك موضع قدم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه … » «1».
وروي الشيخ الكليني بإسناده عن أبان عن أبي عبداللَّه عليه السلام:
يستحب الصلاة في مسجد الغدير، لأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أقام فيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهو موضع اظهر اللَّه فيه الحق» «2».
وروي الشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بأسانيدهم عن الحسن بن راشد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:
«قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟
__________________________________________________
(1) الكافي، من لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحكام عنهم؛ إثبات الهداة 2/ 16، 19.
(2) الكافي 4/ 567.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 45
قال: نعم يا حسن! أعظمهما وأشرفهما.
قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: هو يوم نصب فيه أمير المؤمنين عليه السلام علماً للناس.
قلت: جعلت فداك! وأيّ يومٍ هو؟
قال: أن الأيّام تدور، وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة.
قلت: جعلت فداك! فما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟
قال: تصومه- بأحسن- وتكثر الصلاة علي محمّد وآله وتبرء إلي اللَّه عزوجل ممّن ظلمهم، فإن الانبياء- صلوات اللَّه عليهم- كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتّخذ عيداً.
قلت: فما لمن
صامه؟
قال: صيام ستّين شهراً» «1».
أقول: وكيف لا يكون اليوم الذي أكمل فيه الدين وأتمّ النعمة …
عيداً … ؟
ولقد هنّأ الأصحاب- وعلي رأسهم الشيخان- أمير المؤمنين عليه السلام بنصب النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إيّاه علماً للناس … وقد روي حديث التهنئة أعلام الأئمة من أهل السنّة … ولا يحصون كثرةً …
__________________________________________________
(1) الكافي 4/ 148، من لا يحضره الفقيه 2/ 90، التهذيب 4/ 5.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 46
نذكر منهم:
أحمد بن حنبل في المسند، والطبري في تفسيره، والخطيب البغدادي، وابن حجر المكي في الصواعق، محب الدين الطبري في الرياض النضرة، والمتقي في كنز العمال … «1».
وقد عدّ البيروني في الآثار الباقية «2» يوم الغدير ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد.
وقال ابن طلحة الشافعي في مطالب السئول: «صار ذلك اليوم عيداً».
وسمّاه قاضي القضاة ابن خلكان الشافعي في غير موضع من كتابه (وفيات الأعيان) عيداً …
وأسأل اللَّه عزّوجلّ التوفيق للسير علي طريق الحق والثبات علي الصراط المستقيم وأداء ما أوجبه اللَّه تعالي علينا في هذا السبيل.
وصلّي اللَّه علي محمّد وآله الطاهرين.
__________________________________________________
(1) مسند أحمد 4/ 281، تفسير الطبري 3/ 428، تاريخ بغداد 8/ 290، الصواعق المحرقة: 26، الرياض النضرة 2/ 169، وكنزالعمال 6/ 397.
(2) الآثار الباقية: 334.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 49
الحمد للَّه ربّ العالمين والصلاة والسلام علي عباده الّذين اصطفي محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد،
فإنّ يوم الغدير يعيد إلي الأذهان إمامة الأمير … ونصبه في ذلك اليوم الأغرّ، لهذا المقام الأكبر … ولكن متي لم يكن بإمام … حتي نبحث عن نصبه في الغدير أو غيره من الأيام؟! …
قد يُستنكر هذا فيقال: عجيب أمر هؤلاء!! نطالبهم
بإثبات إمامته في الأصل، وإقامة الدليل علي خلافته بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بلا فصل … ويقولون: متي لم يكن … !!؟
فما معني هذا الادّعاء الكبير؟ وما طريق إثباته؟
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 50
الذي نقصده هو: أنّ عليّاً إمام منذ أنّ محمداً نبيّ … وأنّ اللَّه تعالي شاء أن يجعله خليفةً في نفس الوقت الذي شاء أن يجعل محمداً نبيّاً …
وهذا شي ء ربّما لم يسمعه البعض فيستنكره … لكن لا يعجل بالحكم من قبل أن يسمع الدعوي، ويقف علي طريق إثباتها:
وقبل الدخول في البحث نقول: إنّ الإمامة عهدٌ كالنبوّة، فهي بيد اللَّه، ولا تنال إلّامن شاء اللَّه أنْ تنالَه، وإنّ اللَّه لم يفوّض أمرها إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فضلًا عن الامّة … وهذا ما دلّت عليه الأدلّة المتينة والبراهين الرصينة من الكتاب والسُنّة وغيرهما … ونصّ عليه النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في أحرج ظروفه وأحواله، وأحوج أيّامه إلي من ينصره ويعاضده … فقد ذكر أصحاب السيّر: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله لَمّا عرض نفسه علي بعض القبائل قيل له:
«أرأيت إنْ نحن بايعناك علي أمرك ثم أظهرك اللَّه علي من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟».
فأجاب: «الأمر إلي اللَّه يضعه حيث شاء» «1».
فمن ذا الذي شاء اللَّه أنْ يكون له الأمر؟ ومتي شاء؟
__________________________________________________
(1) انسان العيون في سيرة الأمين المأمون 2/ 154.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 51
لقد خلق اللَّه أمير المؤمنين عليه السلام في نفس الوقت الذي خلق فيه النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … فهما مخلوقان معاً في عالم النور … ومن نورٍ واحد … وشاء اللَّه سبحانه أنْ يكون محمّد نبيّاً وأنْ يكون عليّ خليفةً له … منذ أن خلقهما … فالخلافة ثابتة لعليّ في نفس الوقت الذي ثبتت النبوّة فيه للنبيّ …
وهذا ما أخبر به الصادق الأمين نفسه حين قال:
«كنت أنا وعليّ نوراً بين يدي اللَّه عزّ وجلّ، يسبّح اللَّه ذلك النور ويقدّسه، قبل أن يُخلق آدم بألف عام، فلَمّا خلق اللَّه آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شي ء واحدٍ حتي افترقنا في صلب عبدالمطّلب، ففيَّ النبوّة وفي عليّ الخلافة».
وقال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:
«إن اللَّه عزّ وجلّ أنزل قطعةً من
نور، فأسكنها في صلب آدم، فساقها حتي قسّمها جزءين، جزء في صلب عبداللَّه، وجزء في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيّاً وأخرج عليّاً وصيّاً» «1».
__________________________________________________
(1) هذا الحديث (حديث النور) رواه: أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وعبداللَّه بن أحمد، وابن مردويه، وأبو نعيم، وابن عبدالبرّ، والخطيب، وابن المغازلي، والديلمي، وابن عساكر، والرافعي، والمحبّ الطبري، وابن حجر العسقلاني وآخرون، وهو موضوع الجزء الخامس من كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار) حيث بحثنا فيه عنه سنداً ودلالةً فليراجع.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 52
فعليٌّ إمام منذر أنْ كان محمّد نبيّاً …
ووُلد محمّد نبيّاً … وولد عليّ إماماً من بعده …
حتي إذا بُعث صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … كان عليّ أوّل من أسلم «1» …
ثم لَمّا أمره اللَّه تعالي بانذار عشيرته الأقربين «2» قال لهم:
يا بني عبدالمطّلب، إنّي بعثت لكم خاصّة وإلي الناس عامّة، فأيّكم يبايعني علي أنْ يكون خليفتي؟
فكان الذي بايعه أمير المؤمنين عليه السلام «3» …
__________________________________________________
(1) شهد بذلك النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم والأصحاب وذكره أمير المؤمنين عليه السلام نفسه في غير موضع … أنظر: المستدرك 3/ 136، سنن ابن ماجة 1/ 57، الخَصائص: 3، الاستيعاب 2/ 457، اسد الغابة 4/ 18، حلية الأولياء 1/ 66، تاريخ الطبري 2/ 213، مجمع الزوائد 9/ 102، تاريخ بغداد 4/ 233، صحيح الترمذي 2/ 214، وغيرها.
ومن يلاحظ بحثنا هذا يعلم أنّ المراد من كونه «أوّل من أسلم» هو المعني المراد من قوله تعالي للنبي عليه وآله السلام: «قُلْ إِنّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ».
(2) الآية 214 من سورة الشعراء.
(3) هذا الحديث (حديث الدّار) رواه: أحمد في مسنده 1/ 111، النسائي في الخصائص:
18، الطبري في تاريخه 2/ 216، ابن الأثير 2/ 24، المتّقي في كنز العمّال 6/ 392 و 397، الحلبي في سيرته 1/ 304، والهيثمي وغيرهم من المحدّثين والمؤرّخين وأصحاب السّير.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 53
لقد قال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ذلك … وكأنّه مأمور بالإفصاح عَمّا شاءه اللَّه تعالي وقضاه في عالم الذرّ، ووضع الحجر الأساسي لذلك في هذا العالم … منذ اليوم الذي امر فيه بإنذار عشيرته برسالته …
وما فتئ ينتهز الفرص والمناسبات … في الجماعات والجمعات …
وفي الحروب والغزوات … ليعرب عن هذه الحقيقة ويبلّغها بالألفاظ والكلمات، الدالّة عليها، بمختلف الدلالات …
فتارةً يشبّهه بالأنبياء ويقول:
«من أراد أنْ ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي موسي في مناجاته، وإلي عيسي في سمته، وإلي محمّد في تمامه وكماله وجماله، فلينظر إلي هذا الرجل المقبل.
فتطاول الناس أعناقهم فإذا هم بعليّ … » «1».
__________________________________________________
(1) هذا الحديث (حديث الأشباه) رواه: عبدالرزّاق بن همام، أحمد بن حنبل، أبو حاتم الرازي، ابن شاهين، الحاكم، ابن مردويه، أبو نعيم، البيهقي، ابن المغازلي، الديلمي، المحبّ الطبري، وجماعة آخرون غيرهم. وقد بحثنا عنه سنداً ودلالةً في كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 54
واخري ينزّله من نفسه منزلة هارون من موسي ويقول له:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبي بعدي» «1».
وثالثةً: يركّز علي توفّر أهمّ الصفات المعتبرة في الإمامة فيه، وهي الأعلمية ويقول:
«أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها» «2».
ورابعةً: يُعلن عن كونه أحبّ الخلق إلي اللَّه وإليه … وذلك ممّا لا ريب في استلزامه الأفضليةً فالإمامة … في قضية طير مشويّ فأتي به
إليه ليأكله … فيقول:
«اللّهمّ إيتني بأحبّ خلقك إليك وإلَيَّ يأكل معي من هذا الطائر».
__________________________________________________
(1) هذا الحديث (حديث المنزلة) رواه: البخاري، مسلم، أحمد، الطيالسي، ابن سعد، ابن ماجة، ابن حبّان، الترمذي، الطبري، الحاكم، ابن مردويه، أبو نعيم، الخطيب، ابن عبدالبرّ، ابن حجر العسقلاني … وغيرهم … وقد بحثنا عنه سنداً ودلالةً في كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
(2) هذا الحديث (حديث مدينة العلم) رواه: عبدالرزّاق بن همام، يحيي بن معين، أحمد بن حنبل، الترمذي، البزّار، الطبري، الطبراني، الحاكم، ابن مردويه، أبو نعيم، الماوردي، الخطيب، ابن عبدالبرّ، البيهقي، الديلمي، ابن عساكر، ابن الأثير، النووي، المزي، العلائي، ابن حجر العسقلاني … وغيره. وهو موضوع الجزء العاشر وتالييه من كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 55
فجاء أبو بكر … فردّه وجعل يدعو: اللّهمّ …
فجاء عمر … فردّه، وجعل يدعو: اللّهمّ …
فجاء عليّ … فأكل معه «1».
وخامسةً: يعطيه الراية في وقعة خيبر بعد أن عاد الشيخان منهزمين ويقول:
«لأُعطينَّ الراية غداً رجلًا يفتح اللَّه علي يديه، يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله».
فبات الناس ليلتهم أيّهم يُعطي، فغدوا كلّهم يرجوه.
فقال: أين عليّ؟
فقيل: يشتكي عينيه.
فبصق في عينيه ودعا له، فبرئ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، وكان الفتح علي يديه «2».
__________________________________________________
(1) هذا الحديث (حديث الطّير) رواه: أبو حنيفة، أحمد بن حنبل، أبو حاتم الرازي، الترمذي، البزّار، النسائي، أبو يعلي، الطبري، البغوي، الطبراني، الدّارقطني، الحاكم، ابن مردويه، أبو نعيم، البيهقي، الخطيب، ابن عبدالبرّ، ابن عساكر، ابن الأثير، المزي، الذهبي، ابن حجر العسقلاني … وغيرهم. وهو أحد الأحاديث المبحوث عنها سنداً ودلالةً في كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
(2) هذا الحديث (حديث الراية) رواه: البخاري
ومسلم، في غير موضعٍ من صحيحيهما، منها: في باب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وأحمد في مسنده 5/ 322، والنسائي في الخصائص: 6، وابن سعد 2/ 80، وابن عبدالبرّ 2/ 450 والبيهقي في سننه 6/ 362، والمتّقي في كنز العُمّال 5/ 284، والخطيب في تاريخه 8/ 5، وابن ماجة، والحاكم، والهيثمي … وغيرهم. ولنا فيه رسالة هي حلقة من سلسلتنا.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 56
وسادسة: يبعثه لإبلاغ سورة براءة ويعزل أبا بكر عن ذلك بعد أنْ أمره به، فيقول:
«لا ينبغي لأحدٍ أنْ يبلِّغ هذا إلّارجل من أهلي» «1».
وهكذا …
حتي كان يوم الغدير، فأمر بأنْ يبلّغ- وهو في أواخر حياته- ما كان يبلّغه منذ أوائل دعوته …
وخبر الغدير وحديثه … مِمّا أذعن بثبوته علماء المسلمين ونصّوا علي تواتره وألّفوا فيه الكتب … بل إنّه من ضروريّات التاريخ، حتي كاد أن يكون التشكيك في ثبوته بمنزلة التشكيك في وجود النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ونبوّته …
__________________________________________________
(1) هذا الحديث رواه: الترمذي 2/ 183، النسائي: 20، الحاكم النيشابوري 3/ 51، أحمد بن حنبل 1/ 3 و 151، الهيثمي 9/ 119، المتّقي 1/ 246، السيوطي في الدرّ المنثور 3/ 209 عن عدّةٍ من الحفّاظ.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 57
لقد قال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بعد أنْ نودي بالصّلاة وصلّي بالناس صلاة الظهر:
«أيّها الناس، قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلّانصف عمر الذي قبله، وإنّي أُوشك أنْ أُدعي فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون.
فماذا أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت. فجزاك اللَّه خيراً.
قال: ألستم تشهدون أنْ لا إله إلّااللَّه، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ،
وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور؟
قالوا: نشهد بذلك.
قال: اللّهمّ اشهد.
ثم قال: أيّها الناس ألا تسمعون؟
قالوا: نعم.
قال: فإنّي فرط علي الحوض، وأنتم واردون عَلَيَّ الحوض، وإنَّ عرضه ما بين صنعاء وبصري، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين.
قيل: وما الثقلان يا رسول اللَّه؟
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 58
قال: الثقل الأكبر كتاب اللَّه، طرف بيد اللَّه عزّ وجلّ وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرقا حتي يردا عَلَيَّ الحوض. فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا.
ثم أخذ بيد عليّ فرفعهما وعرفه القوم أجمعون. فقال:
أيّها الناس، من أوْلي الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: اللَّه ورسوله أعْلم.
قال: إنّ اللَّه مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم.
فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. قالها ثلاث مرّات.
اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وأدر الحقّ معه حيث دار.
ألا فليبلّغ الشاهدُ الغائبَ» «1».
__________________________________________________
(1) من رواة حديث الغدير: محمّد بن إسحاق، عبدالرزّاق، الشافعي، أحمد بن حنبل، البخاري في تاريخه، الترمذي، ابن ماجة، البزّار، النسائي، أبو يعلي، الطبري، البغوي، ابن حبّان، الطبراني، الدارقطني، الحاكم، ابن مردويه، أبو نعيم، البيهقي، ابن عبدالبرّ، الخطيب، الزمخشري، ابن عساكر، ابن الأثير، الضياء المقدسي، المحبّ الطبري، المزي، الذهبي، ابن كثير، ابن حجر العسقلاني، السيوطي … وقد بحثنا عن هذا الحديث سنداً ودلالةً في الأجزاء: 6- 9 من كتابنا الكبير (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 59
ولقد اجتمع في هذا الموقف ما تفرّق في المواقف السابقة عليه
…
واختصَّ بأُمورٍ لم تكن في غيره … فكانت له أهَمّيّة خاصة، استتبعت العناية الشديدة من كلّ الأطراف، ومن جميع الجهات …
ومن ذلك: صراحة ما قاله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ووضوح دلالته، بل لم يكن قولًا فقط، بل قول وفعل، فلقد قال ما قال وهو آخذ بيد عليّ، مقيم إيّاه عن يمينه …
ومن ذلك: قرب وفاته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … وقد كان علي علمٍ بذلك، إذ قال في خطبته: «يوشك أنْ أُدعي فأُجيب» … ولا يخفي ما لقوله في هذا الظرف من الأثر البالغ في إتمام الحجّة وقطع العذر.
ومن ذلك: كونه في حشدٍ عظيم منقطع النظير، وذلك لأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان قد أذّن بهذه الحجّة قبلها بمدّة … فمن الناس مَن قَدِم المدينة لياتمَّ به في حَجّته، ومنهم من حضر الموسم للحجّ معه … فكانت جموع لا يعلم عددها إلّااللَّه تعالي …
فلمّا قضي مناسكه وانصرف راجعاً، ووصل إلي غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والبصريّين والعراقيّين … وقف حتي لحقه من تأخّر، وأمر بردّ من تقدّم … فقام خطيباً … وأسمع جميع القوم بما قال.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 60
ومن ذلك: نزول قوله تعالي: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» «1»
قبل الخطبة «2» ونزول قوله تعالي: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا» «3»
بعدها «4».
ومن ذلك: تهنئة القوم أميرَ المؤمنين عليه السلام … ومِمّن هنّأه- في مقدّمتهم- أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولي كلّ مؤمنٍ ومؤمنة» «5».
ومن
ذلك: شعر حسّان بن ثابت، وقد استأذن النبي قائلًا:
__________________________________________________
(1) سورة المائدة، الآية 67.
(2) روي نزولها في الغدير: الطبري، ابن أبي حاتم، ابن مردويه، الثعلبي، أبو نعيم، الواحدي، أبو سعيد السجستاني، الحسكاني، ابن عساكر، الفخر الرازي، النيسابوري، العيني، السيوطي … وغيرهم … أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار.
(3) سورة المائدة، الآية 3.
(4) روي نزولها في الغدير: الطبري، ابن مردويه، أبو نعيم، الخطيب، ابن المغازلي، الخوارزمي، الحمويني، ابن عساكر، ابن كثير، السيوطي … وغيرهم. أنظر: (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
(5) روي ذلك: أبو بكر بن أبي شيبة، أحمد، أبو سعد الخركوشي، الثعلبي، أبو سعد السمعاني، الخطيب التبريزي، ابن كثير، المقريزي، المحبّ الطبري … أنظر: (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 61
ائذن لي يا رسول اللَّه أنْ أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ.
فقال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: قل علي بركة اللَّه.
فقام حسّان فقال:
«يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخم فأسمع بالرسول مناديا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه بأنّك معصوم فلا تك وانيا
وبلّغهم ما أنزل اللَّه ربّهم إليك ولا تخش هناك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفّه بكفّ عليّ معلن الصوت عاليا
فقال: فمن مولاكم ووليّكم فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا
إلهك مولانا وأنت وليّنا ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا عليّ فإنّني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللّهمّ والِ وليّه وكن للّذي عادي عليّاً معاديا
فياربّ انصر ناصريه لنصرهم إمام هدي كالبدر يجلوا الدياجيا» «1»
ولا يخفي أنْ قائل هذا الشعر من مشاهير الصحابة، وقد قاله بمسمعٍ منهم وبإذنٍ من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ثم إنّ النبي
أقرّه واستحسنه.
ولهذه الامور وغيرها- التي أكسبت حديث الغدير ويومه أهَمّيّة وامتيازاً عن غيره من الأحاديث والأيام التي صدع فيها الرسول الكريم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بهذا النبأ العظيم- اشتدت عناية أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم بإثباته ونشره بين الامّة بشتّي الوسائل والطرق، وبقائه في الأذهان وعلي الألسن علي مدي الأعصار، حفظاً لشأن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وصيانةً له عن أن ينسب إليه التقصير في الإبلاغ، فيكون هو السبب فيما نشأ بعده من الاختلاف، ووقع من النزاع، حول الخلافة …
وإعلاناً لحقّهم في الإمامة بعد الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بأمرٍ من اللَّه عزّ وجلّ … وأنّ ما آلَ إليه أمر الخلافة لم يكن للَّه ورسوله فيه نصّ …
نعم ناشد أمير المؤمنين عليه السلام الأصحابَ بهذا الحديث في مناسبات ومواضع عديدة، حفظ لنا التاريخ منها:
يوم الشوري … حيث استشهد به- فيما استشهد- وأذعن الحاضرون بما قال «1».
__________________________________________________
(1) الغدير 1/ 159.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 63
وفي حرب الجمل «1».
وفي صِفّين «2».
وفي الكوفة … حيث نشد الحاضرين «3»، فأجاب جمع، واعتذر بعض بالنسيان … كما سنشير.
والصدّيقة الزهراء … احْتَجّت به في كلام لها «4».
وكذلك سائر أئمّة أهل البيت وأعلام العترة … «5» …
وقوم من الأنصار- فيهم: أبو أيّوب الأنصاري، خزيمة بن ثابت، عَمّار بن ياسر، ابن التَيّهان … - إذ دخلوا علي أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة فقالوا:
السلام عليك يا مولانا.
قال: وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟
قالوا: سمعنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله يقول يوم غدير خم:
من كنت مولاه فعِليٌّ مولاه» «6».
__________________________________________________
(1) الغدير 1/ 186.
(2) المصدر 1/ 195.
(3) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9/ 9- 27.
(4) أسني المطالب لابن
الجزري: 49.
(5) الغدير 1/ 197- 200.
(6) رواه: أحمد بن حنبل، الطبراني، ابن مردويه، ابن الأثير، ابن كثير، المحبّ الطبري، الهيثمي، القاري … وغيرهم. أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9/ 139.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 64
بل احتج به بعض الأصحاب من خصومه:
فقد احتج به سعد بن أبي وقاص في جواب معاوية حيث طلب منه سبّ أمير المؤمنين عليه السلام «1».
واحتجّ به عمرو بن العاص في كتاب له إلي معاوية «2».
ويشهد بثبوت حديث الغدير، ودلالته علي إمامة الأمير عليه السلام امور كثيرة … نتعرّض لبعضها:
__________________________________________________
(1) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة … وقد تصرّف فيه القوم فنقلوه بألفاظ مختلفة تقليلًا لفظاعته وتسترّاً علي إمامهم معاوية … إذ الحديث: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه ظن أسبّه … » لكنْ في بعض الكتب «قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل علي سعد فذكروا عليّاً فنال منه فغضب سعد» فذكّره بخصال لعلّي منها حديث الغدير. وفي تاريخ ابن كثير حذف: «فنال منه فغضب سعد» وعند أحمد: «ذُكر عَليّ عند رجل وعنده سعد بن أبي وقّاص فقال له سعد، أتذكر عليّاً؟! … » وفي الخصائص عن سعد: «كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب فقلت: لقد سمعت … » وبعضهم يحذف القصّة من أصلها فيقول: «عن سعد بن أبي وقّاص قال: قال رسول اللَّه: في عليّ ثلاث خلال … » أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار 6/ 34.
(2) المناقب للخوارزمي: 130.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 65
فمنها: قضية المرتدّ الذي جاء إلي رسول
اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وقال:
«يا محمّد! أمرتنا من اللَّه أنْ نشهد أن لا إله إلّااللَّه وأنّك رسول اللَّه، وبالصّلاة والصوم والحجّ والزكاة، فقبلنا منك. ثم لم ترض بذلك، حتي رفعت بضبع ابن عَمّك ففضلّته علينا وقلت: من كنت مولاه فعَليُّ مولاه، فهل هذا شي ء منك أم من اللَّه؟!
فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: واللَّه الذي لا إله إلّاهو، إنّ هذا من اللَّه.
فولّي الرجل- يريد راحلته- وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذابٍ أليم.
فما وصل إليها حتي رماه اللَّه بحجرٍ، فسقط علي هامته وخرج من دبره وقتله.
فأنزل اللَّه تعالي- وهي الاخري من الآيات النازلة في قضيّة الغدير-:
«سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ» «1».
__________________________________________________
(1) روي نزولها في هذه القضية: أبو عبيد الهروي، أبو بكر النقّاش، الثعلبي، القرطبي، سبط ابن الجوزي، الحمويني، الزرندي، السمهودي، أبو السعود، الشربيني، الحلبي، المناوي، … وغيرهم، أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8/ 340- 400.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 66
ومنها: حديث الغدير بلفظ: «من كنت أوْلي به من نفسه فعلي وليّه» «1».
ومنها: أنّه قيل لعمر بن الخطّاب: إنّك تصنع بعليّ ما تصنعه بأحدٍ من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله!!؟
فقال: «إنّه مولاي» «2».
ومنها: قول ابن حجر المكّي في مقام الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير:
«سلّمنا أنّه أوْلي، لكن لا نسلّم أنّ المراد أنّه أوْلي بالإمامة، بل بالاتّباع والقرب منه، فهو كقوله تعالي: «إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعُوهُ» ولا قاطع، بل ولا ظاهر علي نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما من
الحديث، فإنّهما لَمّا سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولي كلّ مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.
وأخرج أيضاً أنّه قيل لعمر: إنّك تصنع بعِلّي شيئاً تصنعه بأحدٍ من
__________________________________________________
(1) أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9/ 79.
(2) أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9/ 141- 144.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 67
أصحاب النبي.
فقال: إنّه مولاي» «1».
فلو سلّمنا أنّ المراد هو الأوْلي بالاتباع، فهل الأولي بالاتّباع إلّا الإمام؟
وتناقضت مواقف الصحابة والتابعين من حديث الغدير … فالشيخان يهنّئان … وحسّان ينشد … وجماعة يشهدون … وآخرون يحتجّون.
وفي المقابل: الفهري يشكّك في نبوّة الرّسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم …
وأبو الطّفيل يستنكر … حيث يقول:
«فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إنّي سمعت عليّاً يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر!؟ قد سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله] وسلّم يقول ذلك له» «2».
وجماعة يكتمون، فيدعو الإمام عليه السلام عليهم، منهم:
عبدالرحمن بن مدلج، جرير بن عبداللَّه البجلي، يزيد بن وديعة، زيد بن
__________________________________________________
(1) الصواعق المحرقة: 26.
(2) المسند 4/ 370، الخصائص: 100، تاريخ ابن كثير 7/ 346، الرياض النضرة 2/ 223.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 68
أرقم، أنس بن مالك، البراء بن عازب.
أخرج أحمد بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي ليلي: «أنّه شهد عليّاً في الرحبة قال:
أنشد اللَّه رجلًا سمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وشهد يوم غدير خمّ إلّاقام، ولا يقوم إلّامن رآه.
فقام اثنا عشر رجلًا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللّهمّ والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. إلّاثلاثة لم يقوموا. فدعا عليهم فأصابتهم دعوته» «1».
وفي رواية ابن الأثير: «وكتم قوم فما
خرجوا من الدنيا حتي عموا وأصابتهم آفة» «2».
وفي رواية المتّقي: «وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتي عموا وبرصوا» «3».
ويقول الراوي: «أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديثٍ في شأن عليّ يوم غدير خمّ. فأنا أُحبّ أن أسمعه منك.
فقالَ: إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم.
__________________________________________________
(1) مسند أحمد 1/ 119.
(2) اسد الغابة 4/ 321.
(3) كنز العُمّال 15/ 115.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 69
فقلت له: ليس عليك منّي بأس.
فقال: نعم، كُنّا بالجحفة … » «1».
ويقول آخر: «قلت لسعد بن أبي وقّاص: إنّي اريد أن أسألك عن شي ء وإنّي أتّقيك:
قال: سل عَمّا بدا لك فإنّما أنا عَمّك.
قال: قلت: مقام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فيكم يوم غدير خمّ … » «2».
ويقول آخر: « … فقلت للزهري: لا تحدّث بهذا بالشام وأنت مل ء اذنيك سبّ عَليّ.
فقال: واللَّه عندي من فضائل علي ما لو حدّثتُ لقُتلت» «3».
من محدِّثين ومتكلّمين …
فالأكثر يروون خبر الغدير … وحديثه … كما هو الواقع «4» وقد
__________________________________________________
(1) مسند أحمد 4/ 368.
(2) كفاية الطالب: 62.
(3) اسد الغابة 1/ 8.
(4) أي رووه بصدره وذيله كما ذكرناه سابقاً … ولكنّ أحداً منهم لم يروِ القصّة كاملةً، فقدذكروا أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «خطبهم» [المسند 4/ 372] وأنّه «قال ما شاء اللَّه أن يقول» [المستدرك 3/ 109] وأنّه «ما من شي ء يكون إلي يوم الساعة إلّاقد أخبرنا به يومئذ» [مجمع الزوائد 9/ 105] فأين ما قال؟! ولماذا لم يرووه؟!
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 70
أوقفناك علي بعض المصادر …
ومنهم … من يكتمه … تبعاً لبعض أسلافه من الصحابة …
ومنهم … من لا يروي صدره، وهو قوله صلّي
اللَّه عليه وآله وسلّم:
«ألست أوْلي بالمؤمنين من أنفسهم؟».
ومنهم … من لا يروي ذيله، وهو قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:
«اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه».
لكنّ كلّ هذا لا يجدي نفعاً … إذ الاعتراض … كما فعل الفهري …
كفر يستتبع العذاب … والكتمان … كما فعل قوم … كبيرة تستتبع الخزي …
والتحريف … خيانة تكشفها الأيّام … فليكن كلّ ذلك … لكن بصبغةٍ علميّة …
إنّه التشكيك في دلالة الحديث …
وهذا الموقف أيضاً- وإنْ كان ممّن لا يبالي بما يخرج من فيه أو يقال فيه- يدلّ بدوره علي أنّه نبأ عظيم … هم فيه مختلفون …
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 71
إنّ من يتأمّل في خبر الغدير … وحديثه … لا يشكّ في أنّ لفظة «المولي» فيه نصّ في إمامة الأمير … وخلافته … فقد قال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «ألست أوْلي بالمؤمنين من أنفسهم؟» «1» مشيراً إلي قوله تعالي: «النَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» «2»
وأشهدهم علي وجوب طاعته ونفوذ حكمه مطلقاً، كما هو مدلول الآية المباركة «3» ثمَّ فرّع عليه فقال: «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» «4».
وهذا المعني هو الذي فهمه الحاضرون وعلي رأسهم أمير المؤمنين عليه السلام وحسّان بن ثابت، والشيخان، وسائر الأصحاب …
وهو الذي أنكره الفهري، واستنكره أبو الطفيل، وكتمه فلان وفلان …
__________________________________________________
(1)
وردت هذه الجملة في صدر الحديث في رواية أحمد وابن ماجة والبزّار والنسائي وأبي يعلي والطبري وابن حبّان والطبراني والدارقطني … وغيرهم من أعلام المحدّثين من أهل السُنّة.
(2) سورة الأحزاب، الآية 6.
(3) سورة الحشر، الآية 7.
(4) رواه بفاء التفريع أحمد والنسائي والطبري والطبراني والضياء والمحاملي وأبو يعلي وابن كثير والسمهودي والمتّقي، وغيرهم.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص:
72
وهو الذي اعترف به جماعة من العلماء المنصفين كتقِيّ الدين المقريزي حيث قال: «قال ابن زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة- وهو يوم الغدير- يجتمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنّه يوم عيد، لأنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- عهد إلي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فيه واستخلفه … » «1».
ويشهد بذلك شواهد كثيرة منها ما ذكرناه …
وتلخّص: أنّ (المولي) فيه بمعني (الأوْلي) بالطاعة والتصرّف ونفوذ الحكم، وهذه هي الولاية الكبري والإمامة العظمي.
فمن تافه القول- بعد هذا- قول من قال بأنّ الولاية هذه بمعني النصرة والمحبّة …
وأمّا استدلاله لما ذكره بانّ (مفعل) لا يأتي بمعني (أفعل) … فجهل أو تجاهل … فقد نصَّ علي مجيئه كذلك كبار الأئمّة في التفسير والحديث واللغة، وبه فسّر قوله تعالي: «فَالْيَوْمَ لايُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصيرُ» «2»
__________________________________________________
(1) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 2/ 220.
(2) سورة الحديد، الآية 15.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 73
وبعض الآيات …
ومِمّن نصّ علي ذلك: الفرّاء وأبو زيد وأبو عبيدة والأخفش وأبو العبّاس ثعَلب والمبرّد والزجّاج وابن الأنباري والرمّاني والجوهري والثعلبي والواحدي والزمخشري والنيسابوري والبيضاوي والنسفي وأبو السعود والشهاب الخفاجي … «1».
وإذ رأوا أنْ لا رواج لهذه الدعوي في سوق الاعتبار لم يجدوا بُدّاً من الاعتراف، لكن قال بعضهم: لا نسلّم أنْ يكون المراد «الأوْلي بالتصرّف» فليكن «الأوْلي بالمحبّة» وقال آخر: «الأوْلي بالاتّباع».
ولكنّه- كسابقه- دعوي فارغة، وحمل بلا شاهد. وعلي فرض التسليم فإنّ «الأوْلي بالاتّباع والمحبّة» علي الإطلاق لا يكون إلّا الإمام …
وإذ رأي ثالث منهم برودة هذا التأويل وسخافته … اضطرّ إلي الإذعان بالحقّ، وأنّ المراد
من الحديث هو «الأوْلي بالإمامة» … لكنّه «أوْلي بالإمامة» في حين إمامته، أي بعد الخلفاء الثلاثة، لا بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مباشرة.
وهذا أيضاً باطل لوجوه:
__________________________________________________
(1) أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8/ 15- 88.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 74
1- وجود كلمة «بعدي» في بعض ألفاظ الحديث، كما في تاريخ ابن كثير عن عبدالرزّاق، وفي بعض شواهده، كما في شعر حسّان بن ثابت.
2- إنّ تقييد ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بكونها بعد عثمان، يتوقّف علي وجود النصّ علي خلافة الثلاثة، فيجمع بينه وبين حديث الغدير علي الوجه المذكور، لكنّ القوم أنفسهم يعترفون بعدم النصّ.
3- إنّ لفظه «مَن» من ألفاظ العموم؛ فيكون الثلاثة داخلين تحت عموم الحديث.
4- إنّ هذا التأويل ردّ صريح علي الشيخين حيث هنّئا أميرَ المؤمنين وقالا له: «أصبحت وأمسيت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة».
5- إنّهم يروون عن ابن مسعود أنّه قال: «كنت مع النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ليلة وفد الجنّ، فتنفّس، فقلت: مالك يا رسول اللَّه؟
قال: نعيت إلَيَّ نفسي يا ابن مسعود.
قلت: استخلف.
قال: ومن؟
قلت: أبو بكر.
قال: فسكت.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 75
ثم مضي ساعة ثم تنفس، قلت: ما شأنك بأبي وامّي يا رسول اللَّه؟
قال: نعيت إلَيَّ نفسي يا ابن مسعود.
قلت: استخلف.
قال: من؟
قلت: عمر.
فسكت.
ثم مضي ساعة ثم تنفس. قلت: ما شأنك؟
قال: نعيت إلَيَّ نفسي يا ابن مسعود.
قلت: فاستخلف.
قال: من؟
قلت: علِيّ.
قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلون الجنّة أكتعين» «1».
حتي إذا سقطت جميع تأويلاتهم ولا مناص من الاعتراف بدلالة الحديث علي (الإمامة بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم) قال احد متأخّريهم.
__________________________________________________
(1) رواه جماعة منهم أحمد وأبو نعيم والشبلي والخوارزمي وعمر الملّا وعبدالقادر الطبري … أنظر:
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9/ 274- 279.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 76
ما الدليل علي أن تكون هذه الإمامة بمعني الحكومة والرئاسة؟
فليكن إماماً في الباطن، ويكون أبو بكر ومن بعده الأئمّة في الظاهر!
قال هذا … وكأنّه قد فوّض إليه أمر تقسيم الإمامة، فلهذا الإمامة الباطنية كما يقول الصوفيّة، ولُاولئك الإمامة الظاهريّة!!
وكأنّه جهل مجي ء (المولي) بمعني (الرئيس) و (المليك) و (المتصرّف في الأمر) ونحو ذلك ممّا هو ظاهر في الحكومة والرئاسة … «1».
وبعد … فلقد كان يوم الغدير وحديثه … آخر مراحل الإبلاغ والإعلام … وهو في هذه المرّة لم يُكَنِّ …
ولم يشبِّه … بل ينصّ ويصرِّح …
لقد كان ما قاله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وافياً بالغرض، وإلّا لما نزلت بعده آية إكمال الدين، بعد ما نزلت قبله آية التبليغ وأنّه «إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ».
وحينئذٍ تصل النوبة إلي التهديد والتحذير من مغبّة المخالفة والتبديل …
__________________________________________________
(1) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8/ 89- 113.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 77
وما عساه يفعل …
فقد أدّي ما عليه، لكنّه في أُخريات أيّامه … وسوف لن يري هذه الجموع بعد اليوم … وهو يعلم بما سيكون في امّته …
وما عساه يفعل …
لقد ذكّرهم بالموقف التالي … والموطن الذي سيجتمع بهم …
حيث يَرِدُون عليه …
لقد ربط بين «الغدير» و «الحوض» في خطبته … إذ قال لهم قبل أن يأخذ بيد عَليّ فيقول فيه ما قال:
«أيّها الناس، ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي فرط علي الحوض، وانتم واردون عَلَيَّ الحوض … ».
والحوض يجب الايمان به، فقد روي حديثه خمسون نفساً من الصحابة «1»، وقد قال بعض الأكابر بكفر منكره …
نعم … ذكّرهم بالحوض
هنا … ليذكّر بما أخبرهم به من قبل … وقال لهم:
«أنا فرطكم علي الحوض، وليرفعنّ رجال منكم، ثم ليتخلجنَّ دوني، فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»
__________________________________________________
(1) لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة، للزبيدي: 251.
سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مقالتان في الغدير، ص: 78
وفي بعض الألفاظ قال: «فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي» «1».
أقول: لابدَّ وأنّه لا يقصد خصوص الرجال من الأصحاب، بل يريد كلّ الأصحاب، من الرّجال والنساء … ليشمل عائشة التي قيل لها:
«ندفنك مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم؟
فقالت: إنّي قد أحدثت أموراً بعده. فادفنوني مع أخواتي.
فدفنت بالبقيع» «2».
بل كلّ الّذين … بدّلوا وغيّروا … وما زالوا … وإلي يوم الورود عليه علي الحوض …
ربّنا آمنا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين. وصلّي اللَّه عليه وآله الطاهرين.
علي الحسيني الميلاني
__________________________________________________
(1) الحديث في الصحيحين وغيرهما من الصحاح وغيرها. أنظر: البخاري، باب في الحوض 4/ 87.
(2) المستدرك علي الصحيحين 4/ 6 وصحّحه علي شرطهما، المعارف: 134، وغيرهما.