سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير المجلد 15

اشارة

سرشناسه : حسینی میلانی، سیدعلی، 1326 -

عنوان و نام پديدآور : آیات الغدیر/ تالیف السیدعلی الحسینی المیلانی.

مشخصات نشر : قم: مرکز الحقایق الاسلامیه، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهری : 96 ص.

فروست : اعرف الحق تعرفه اهله؛ 15.

شابک : 25000 ریال 978-600-5348-75-0 :

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

يادداشت : چاپ دوم.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت -- احادیث اهل سنت

موضوع : غدیر خم -- جنبه های قرآنی

موضوع : غدیر خم -- احادیث اهل سنت

رده بندی کنگره : BP104 /غ4 ح5 1392

رده بندی دیویی : 297/159

شماره کتابشناسی ملی : 3152744

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 7

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين، والصّلاة والسلام علي محمّد وآله

الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد

فهذا تحقيق عن نزول الآيات القرآنية في قضيّة غدير خم، كما في كتب أهل السنّة، وهي قوله تعالي «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» وأنها نزلت قبل البيعة، وقوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً» بعد البيعة، وقوله: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» قضيّة اعتراض الأعرابي علي البيعة.

واللَّه أسأل أن ينفع به كلّ طالب للحق والحقيقة وهو ولي التوفيق.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 9

(1) آية التبليغ … ص: 9

اشارة

قال تعالي: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».

روي نزولها في واقعة غدير خم من أعلام أهل السنّة:

1- أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المتوفّي سنة 310.

2- ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمّد بن إدريس الرازي، المتوفّي سنة 327.

3- أبو عبداللَّه الحسين بن إسماعيل المحاملي، المتوفّي سنة 330.

4- أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الفارسي الشيرازي، المتوفّي سنة 407 أو 411.

5- أبو بكر أحمد بن موسي بن مردويه الأصفهاني، المتوفّي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 10

سنة 410.

6- أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الأصفهاني، المتوفّي سنة 430.

7- أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي، المتوفّي سنة 468.

8- أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني، المتوفّي سنة 477.

9- أبو القاسم عبداللَّه بن عبيداللَّه الحاكم الحسكاني.

10- أبو بكر محمّد بن مؤمن الشيرازي، صاحب كتاب ما نزل في علي وأهل البيت.

11- أبو الفتح محمّد بن عليّ بن إبراهيم النظنزي، المتوفّي حدود سنة 550.

12- أبو القاسم عليّ بن الحسن

ابن عساكر الدمشقي، المتوفّي سنة 571.

13- أبو سالم محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي، المتوفّي سنة 652.

14- فخر الدين محمّد بن عمر الرازي، المتوفّي سنة 653.

15- عزّ الدين عبد الرزّاق بن رزق اللَّه الرسعني الموصلي، المتوفّي سنة 661.

16- نظام الدين الحسن بن محمّد النيسابوري، صاحب التفسير.

17- السيّد عليّ بن شهاب الدين الهمداني، المتوفّي سنة 786.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 11

18- نور الدين عليّ بن محمّد ابن الصبّاغ المالكي، المتوفّي سنة 855.

19- بدر الدين محمود بن أحمد العيني، المتوفّي سنة 855.

20- جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفّي سنة 911.

21- القاضي محمّد بن عليّ الشوكاني، المتوفّي سنة 1250.

22- السيّد شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفّي سنة 1270.

23- الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، المتوفّي سنة 1293.

وقد أوردنا نصوص روايات جمعٍ منهم في قسم حديث الغدير من كتابنا الكبير «1».

من الأسانيد المعتبرة … ص: 11

اشارة

ثم إنّ الروايات المعتبرة سنداً في نزول الآية المباركة يوم غدير خمّ كثيرة كذلك، ومنها:

__________________________________________________

(1) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8/ 195- 253.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 12

1- رواية الحبري: … ص: 12

قال «حدّثنا حسن بن حسين، قال: حدّثنا حبّان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، في قوله «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»:

نزلت في عليٍّ عليه السلام.

أُمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أن يبلّغ فيه، فأخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بيد عليٍّ عليه السلام فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من ولاه، وعادِ من عاداه» «1».

2- رواية أبي نعيم: … ص: 12

قال: «حدّثنا أبو بكر ابن خلّاد، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون، قال: حدّثنا عليّ ابن عابس، عن أبي الجَحّاف والأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ

__________________________________________________

(1) تفسير الحبري: 262.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 13

مِن رَّبِّكَ»» «1».

* أمّا «أبو بكر ابن خلّاد» فهو: أبو بكر أحمد بن يوسف البغدادي، المتوفّي سنة 359، ترجم له الخطيب في تاريخه، والذهبي في سيره، وغيرهما:

قال الخطيب: «كان لا يعرف شيئاً من العلم، غير أنّ سماعه صحيح».

وقال أبو نعيم: «كان ثقة».

وكذا وثّقه أبو الفتح ابن أبي الفوارس «2».

ووصفه الذهبي ب «الشيخ الصدوق، المحدّث، مسند العراق» «3».

* وأمّا «محمّد بن عثمان بن أبي شيبة»، المتوفّي سنة 297، فقد ترجم له الذهبي، ووصفه ب: «الإمام الحافظ المسند» ثمّ قال: «وجمع وصنّف، وله تاريخ كبير، ولم يرزق خطّاً، بل نالوا منه، وكان من أوعية العلم».

__________________________________________________

(1) خصائص الوحي المبين- للشيخ يحيي بن الحسن

الحلّي، المعروف بابن البطريق، المتوفّي سنة 600- 53، عن كتاب ما نزل من القرآن في عليّ، للحافظ أبي نعيم الأصفهاني.

(2) تاريخ بغداد 5/ 220- 221.

(3) سير أعلام النبلاء 16/ 69.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 14

وقال: «قال صالح جزرة: ثقة».

وقال ابن عديّ: «لم أرَ له حديثاً منكَراً فأذكره».

ثمّ نقل تكلّم بعض معاصريه فيه، وهم عبداللَّه بن أحمد، المتوفّي سنة 290، وابن خراش، المتوفّي سنة 283، ومطيّن، المتوفّي سنة 297، والظاهر وجود اختلافات بينهم وبينه، ممّا أدّي إلي أن يذكروه بسوء، لا سيّما ما كان بينه وبين أبي جعفر مطيّن، إذ كان كلٌّ منهما يذكر الآخر بسوءٍ وينال منه «1».

ومن هنا فقد نصّ غير واحدٍ من الحفّاظ- كالذهبي- علي أنّ كلام الأقران بعضهم في بعض غير مسموع.

* وأمّا «إبراهيم بن محمّد بن ميمون»، فقد ذكره ابن حبّان في الثقات قائلًا: «إبراهيم بن محمّد بن ميمون الكندي الكوفي، يروي عن سعيد بن حكيم العبسي وداود بن الزبرقان. روي عنه أحمد بن يحيي الصوفي» «2».

ولم أجد له ذِكراً في كتب الضعفاء …

وقد ينقم عليه روايته لفضائل أميرالمؤمنين عليه السّلام، وكم له

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 3/ 43.

(2) الثقات 8/ 74.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 15

من نظير! فقد ذكر الذهبي بترجمة أحمد بن الأزهر: «وهو ثقة بلا تردّد، غاية ما نقموا عليه ذاك الحديث في فضل عليٍّ رضي اللَّه عنه» «1».

يعني: ما رواه عن عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة، عن ابن عبّاس، قال:

نظر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم إلي عليّ بن أبي طالب، فقال: أنت سيّد في الدنيا، سيّد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب اللَّه، وعدوّك عدوّي،

وعدوّي عدوّ اللَّه، فالويل لمن أبغضك بعدي».

قال الحاكم: «حدّث به ابن الأزهر ببغداد في حياة أحمد وابن المديني وابن معين، فأنكره من أنكره، حتّي تبيّن للجماعة أنّ ابن الأزهر بري ء الساحة منه، فإنّ محلّه محلّ الصادقين» «2».

ولهذا الحديث قصّة، فإنّه لأجله ذكر أحمد بن الأزهر في ميزان الاعتدال في نقد الرجال «3»

بل ذكر فيه عبد الرزّاق بن همّام أيضاً «4».

لكنّ أحمد بن الأزهر «ثقة بلا تردّد» و «محلّه محلّ الصادقين»،

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 12/ 364.

(2) سير أعلام النبلاء 12/ 366.

(3) ميزان الاعتدال 1/ 82.

(4) ميزان الاعتدال 2/ 609.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 16

وعبد الرزّاق بن همام من رجال الصحاح الستّة وشيخ البخاري «1» …

ومع ذلك فالحديث كذب!!

«لمّا حدّث أبو الأزهر بحديثه عن عبد الرزّاق في الفضائل، أُخبر يحيي بن معين بذلك، فبينما هو عند يحيي في جماعة أهل الحديث إذ قال يحيي من هذا الكذّاب النيسابوري الذي حدّث بهذا عن عبد الرزّاق؟! فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا. فتبسّم يحيي بن معين، وقال أما إنّك لست بكذاب؛ وتعجّب من سلامته وقال: الذنب لغيرك فيه!» «2».

فرواة الحديث كلّهم أئمّة ثقات.

ومع ذلك فهو كذب!!

وقال الذهبي: في النفس من آخره شي ء «3»!! يعني جملة: «فالويل لمن أبغضك بعدي»!!

ولا يخفي السبب في ذلك!!

فما الحيلة في ردّه، مع صحّة سنده؟!

قالوا: إنّ معمراً كان له ابن أخٍ رافضي، وكان معمر مكّنه من كتبه فأدخل عليه هذا الحديث، وكان معمر رجلًا مهيباً لا يقدر عليه أحد في

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 505.

(2) سير أعلام النبلاء 12/ 366.

(3) ميزان الاعتدال 12/ 613.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 17

السؤال والمراجعة، فسمعه عبد الرزّاق في كتاب ابن أخي معمر، وحدّث به

أبا الأزهر وخصّه به دون أصحابه «1»!!

قال الذهبي بعد نقله:

«قلت: ولتشيّع عبد الرزّاق سرّ بالحديث وكتبه، وما راجع معمراً فيه، ولكنّه ما جسر أن يحدّث به لمثل أحمد وابن معين وعليّ، بل ولا خرّجه في تصانيفه، وحدّث به وهو خائف يترقّب» «2».

هذا موجز هذه القصّة … والشاهد من حكايتها أنّهم كثيراً ما ينقمون علي الرجل- مع اعترافهم بثقته- روايته حديثاً في فضل أميرالمؤمنين عليه السلام أو الطعن في أعدائه ومبغضيه، ويضطربون أشدّ الاضطراب، فإن أمكنهم التكلّم في وثاقته فهو، وإلّا عمدوا إلي تحريف لفظ الحديث، أو بتره، وإلّا وضعوا شيئاً في مقابلته، وإلّا نسبوا وضعه إلي مثل «ابن أخ معمر» و «كان رافضياً» و «كان معمر يمكّنه من كتبه» بأنّه دسّ الحديث في الكتاب، ولم يشعر بذلك لا معمر، ولا عبد الرزّاق، ولا غيرهما!!

ولكن من هو هذا الشخص؟! وما الدليل علي كونه رافضياً؟! وكيف كان يمكّنه معمر من كتبه وأن يكتب له؟ مع علمه بكونه رافضيّاً

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 4/ 42.

(2) سير أعلام النبلاء 12/ 367.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 18

أو كان جاهلًا بذلك؟!

وعلي الجملة، فإنّ «إبراهيم بن محمّد بن ميمون» ثقة، بتوثيق ابن حبّان من دون معارض، غير أنّه من رواة فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام.

* وكذلك شيخه «عليّ بن عابس» فإنّه من رجال صحيح الترمذي «1»

، لكنّهم تكلّموا فيه لا لشي ء، وإنّما لروايته هذا الحديث وأمثاله من الفضائل والمناقب، وممّا يشهد بذلك قول ابن عديّ: «له أحاديث حسان، ويروي عن أبان بن تغلب وعن غيره أحاديث غرائب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه» «2».

وإذا عرفنا أنّ «أبان بن تغلب» من أعلام الإماميّة الاثني عشرية الثقات «3» عرفنا لماذا تكون رواياته «أحاديث غرائب»! وعرفنا أنّهم

لا يضعّفون «عليّ بن عابس» إلّالروايته تلك الأحاديث، وأمّا في غيرها

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 2/ 39.

(2) الكامل في الضعفاء 5/ 190 ذيل رقم 1347.

(3) هو من رجال مسلم والأربعة، وثّقوه وقالوا: هو من أهل الصدق في الروايات وإن كان مذهبه مذهب الشيعة، وفي الميزان: شيعي جلد لكنّه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته.

وهو عند الجوزجاني الناصبي: مذموم المذهب، مجاهر زائغ!

وانظر: الكامل في الضعفاء 1/ 389- 390 رقم 207، أحوال الرجال: 67 رقم 74.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 19

فهو ثقة في نفسه ولذا «يكتب حديثه»!

أي: عدا الفضائل وهي «أحاديث غرائب» كما وصفها، ولو كان الرجل كذّاباً لَما جاز قوله: «يكتب حديثه» أصلًا!!

* وكذلك شيخه «أبو الجَحّاف» داود بن أبي عوف، فهو من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجة، ووثّقه أحمد بن حنبل ويحيي ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس «1» ومع ذلك، فالرجل ممّن لا يحتجّ به عند ابن عديّ! وهو يعترف بعدم تكلّم أحد فيه!

ولماذا؟! …

استمع إليه ليذكر لك السبب، فقد قال: «ولأبي الجَحّاف أحاديث غير ما ذكرته، وهو من غالية التشيّع، وعامّة حديثه في أهل البيت، ولم أرَ لمن تكلّم في الرجال فيه كلاماً، وهو عندي ليس بالقوي، ولا ممّن يحتجّ به في الحديث» «2».

* وأمّا «الأعمش» فهو من رجال الصحاح الستّة «3».

__________________________________________________

(1)

ميزان الاعتدال 2/ 18.

(2) الكامل في الضعفاء 3/ 82- 83 ذيل رقم 625.

(3) تقريب التهذيب 1/ 331.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 20

وتلخّص:

إنّ حديث أبي نعيم معتبر، ولا مجال للتكلّم في أحد من رجال إسناده، ولو كان بعضهم من الشيعة فهو ثقة، وقد تقرّر أن التشيّع، بل الرفض عندهم غير مضرٍّ بالوثاقة، وهذا ما كرّرنا نقله

عن الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره.

* وأمّا «عطيّة».. فسيأتي.

3- رواية ابن عساكر: … ص: 20

قال: «أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنبأنا أبو حامد الأزهري، أنبأنا أبو محمّد المخلّدي الحلواني، أنبأنا الحسن بن حمّاد سجّادة، أنبأنا عليّ بن عابس، عن الأعمش وأبي الجَحّاف، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب» «1».

* أمّا «وجيه بن طاهر»، المتوفّي سنة 541:

قال ابن الجوزي: «كان شيخاً، صالحاً، صدوقاً، حسن السيرة، منوّر الوجه والشيبة، سريع الدمعة، كثير الذِكر. ولي منه إجازة بمسموعاته

__________________________________________________

(1) ترجمة أميرالمؤمنين عليه السّلام من تاريخ دمشق 2/ 86.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 21

ومجموعاته» «1».

وقال السمعاني: «كتبت عنه الكثير، وكان يملي في الجامع الجديد بنيسابور كلّ جمعة مكان أخيه، وكان خير الرجال، متواضعاً متودّداً، ألوفاً، دائم الذِكر، كثير التلاوة، وصولًا للرحم، تفرّد في عصره بأشياء … » «2».

وقال الذهبي: «الشيخ العالم، العدل، مسند خراسان» «3».

* وأمّا «أبو حامد الأزهري» أحمد بن الحسن النيسابوري، المتوفّي سنة 463:

قال الذهبي: «الأزهري، العدل، المسند، الصدوق، أبو حامد أحمد بن الحسن بن محمّد بن الحسن بن أزهر، الأزهري، النيسابوري، الشروطي، من أولاد المحدّثين. سمع من أبي محمّد المخلّدي … حدّث عنه: زاهر ووجيه ابنا طاهر … توفّي في رجب سنة 463» «4».

* أمّا «أبو محمّد المخلّدي» الحسن بن أحمد النيسابوري، المتوفّي سنة 389:

__________________________________________________

(1) المنتظم 18/ 54.

(2) سير أعلام النبلاء 20/ 110.

(3) سير أعلام النبلاء 20/ 109.

(4) سير أعلام النبلاء 18/ 254.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 22

قال الحاكم: «هو صحيح السماع والكتب، متقن في الرواية، صاحب

الإملاء في دار السُنّة، محدّث عصره، توفّي في رجب سنة 389» «1».

وقال الذهبي: «المخلّدي، الشيخ الصدوق، المسند أبو محمّد …

العدل، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات … » «2».

* أمّا «أبو بكر محمّد بن حمدون» النيسابوري، المتوفّي سنة 320:

قال الحاكم: «كان من الثقات الأثبات الجوّالين في الأقطار، عاش 87 سنة» «3».

وقال الخليلي: «حافظ كبير» «4».

وقال الذهبي: «الحافظ الثبت المجوّد» «5».

* أمّا «محمّد بن إبراهيم الحلواني» «6»، المتوفّي سنة 276 «7».

قال الخطيب: «محمّد بن إبراهيم بن عبد الحميد، أبو بكر

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 16/ 540.

(2) سير أعلام النبلاء 16/ 539.

(3) سير أعلام النبلاء 15/ 61.

(4) سير أعلام النبلاء 15/ 61.

(5) سير أعلام النبلاء 15/ 60.

(6) قرية من قري نيسابور. معجم البلدان.

(7) المنتظم 12/ 279.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 23

الحلواني، قاضي بلخ، سكن بغداد، وحدّث بها … روي عنه: إسماعيل بن محمّد الصفّار، ومحمّد بن عمرو الرزّاز، وأبو عمرو ابن السمّاك، وحمزة بن محمّد الدهقان. وكان ثقة» «1».

وقال ابن الجوزي: «وكان ثقة» «2».

أمّا «الحسن بن حمّاد سجّادة»، المتوفّي سنة 241:

فهو من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجة.

وقال أحمد بن حنبل: «صاحب سُنّة، ما بلغني عنه إلّاخير» «3».

وقال الذهبي: «كان من جِلّة العلماء وثقاتهم في زمانه» «4».

وقال ابن حجر: «صدوق» «5».

* وأمّا «عليّ بن عابس» و «أبو الجَحّاف» و «الأعمش» فقد تقدّم الكلام عليهم.

* وبقي «عطيّة».

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 1/ 398.

(2) المنتظم 12/ 279.

(3) سير أعلام النبلاء 11/ 393.

(4) سير أعلام النبلاء 11/ 393.

(5) تقريب التهذيب 1/ 165.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 24

4- رواية الواحدي: … ص: 24

اشارة

وبما ذكرنا تظهر صحّة إسناد الواحدي في أسباب النزول، وذلك لأنّه السند المتقدّم نفسه، وشيخه «أبو سعيد محمّد بن عليّ الصفار» الراوي عن

«الحسن بن أحمد المخلّدي» إلي آخر السند، ترجم له الحافظ أبو الحسن عبد الغافر الفارسي، المتوفّي سنة 529، قال:

«محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن حبيب الصفّار، أبو سعيد، المعروف بالخشّاب، ابن أُخت أبي سهل الخشّاب اللحياني، شيخ مشهور بالحديث، من خواصّ خدم أبي عبد الرحمن السلمي، وكان صاحب كتب، أوصي له الشيخ بعد وفاته وصار بعده بندار كتب الحديث بنيسابور، وأكثر أقرانه سماعاً وأُصولًا، وقد رزق الإسناد العالي، وكتبة الأُصول، وجمع الأبواب، وإفادة الصبيان، والرواية إلي آخر عمره، وبيته بيت الصلاح والحديث.

ولد سنة 381، وتوفّي في ذي القعدة سنة 456 … » «1».

وذكر الذهبي وابن العماد في وفيات سنة 456 من العبر وشذرات الذهب.

__________________________________________________

(1) تاريخ نيسابور: 54 رقم 103.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 25

* ترجمة عطيّة: … ص: 25

وأمّا «عطية العوفي» فقد ترجمنا له بالتفصيل في بعض بحوثنا «1»، وذكرنا:

أنّه من مشاهير التابعين، وقد قال الحاكم النيسابوري- في كلام له حول التابعين-: «فخير الناس قرناً بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وحفظ عنهم الدين والسنن، وهم قد شهدوا الوحي والتنزيل» «2».

وأنّه من رجال البخاري في كتابه الأدب المفرد.

وأنّه من رجال صحيح أبي داود، الذي قال أبو داود: «ما ذكرت فيه حديثاً أجمع الناس علي تركه» وقال الخطّابي: «لم يصنّف في علم الدين مثله، وهو أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من الصحيحين» «3».

وأنّه من رجال صحيح الترمذي، الذي حكوا عن الترمذي قوله فيه:

«صنّفت هذا الكتاب فعرضته علي علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته علي علماء العراق فرضوا به، وعرضته علي علماء خراسان فرضوا به.

__________________________________________________

(1)

راجع كتابنا: مع الدكتور السالوس في آية التطهير.

(2) معرفة علوم الحديث: 41.

(3) المرقاة في شرح المشكاة 1/ 22.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 26

ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبيّ يتكلّم».

وأنّه من رجال صحيح ابن ماجة، الذي قال أبو زرعة- بعد أن نظر فيه-: «لعلّه لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً ممّا في إسناده ضعف» «1».

وأنّه من رجال مسند أحمد، وقد قال الحافظ السيوطي عن بعض العلماء: «إنّ أحمد شَرَطَ في مسنده الصحيح» «2».

وأنّه قد وثّقه ابن سعد، وقال الدوري عن يحيي بن معين: صالح، وقال أبو بكر البزّار: يعدّ في التشيّع، روي عنه جلّه الناس.

وبعد، فمن الذي تكلّم في عطية؟!

تكلّم فيه الجوزجاني، الذي نصّ الحافظ ابن حجر العسقلاني علي أنّه: «كان ناصبيّاً منحرفاً عن عليّ» … وتبعه من كان علي شاكلته، وقد نصّ الحافظ ابن حجر علي أنّه لا ينبغي أن يسمع قول المبتدع «3».

ولماذا تكلّم فيه من تكلّم؟!

لأنّه كان يقدّم أميرالمؤمنين عليه السلام علي الكلّ، وأنّه عُرض علي سب أميرالمؤمنين عليه السّلام، فأبي أن يسبّ، فضُرب أربعمائة سوط وحُلقت لحيته … وكلّ ذلك بأمرٍ من الحجّاج بن يوسف، لعنه اللَّه

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفّاظ 2/ 189.

(2) تدريب الراوي 1/ 171- 172.

(3) مقدّمة فتح الباري: 387.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 27

ولعن من سلك سبيله وأدخله مدخله …

أقول:

وهنا نقاط:

1- حديث نزول الآية المباركة يوم الغدير في أميرالمؤمنين وولايته عليه السلام، أخرجه كبار الأئمّة الأعلام من أهل السُنّة عن عدّة من الصحابة، وهم:

1- عبداللَّه بن عبّاس.

2- أبو سعيد الخدري.

3- زيد بن أرقم.

4- جابر بن عبداللَّه الأنصاري.

5- البَراء بن عازب.

6- أبو هريرة.

7- عبداللَّه بن مسعود.

8- عبداللَّه بن أبي أوفي

2- قال السيوطي: «وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: «يَا

أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» - أنّ عليّاً مولي المؤمنين- «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 28

بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»» «1».

3- إنّ من رواة هذا الحديث: ابن أبي حاتم الرازي، قال السيوطي:

«وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب» «2».

و «ابن أبي حاتم» قد نصّ ابن تيميّة وأتباعه علي أنّه لم يخرّج في تفسيره حديثاً موضوعاً … وقد أوردنا ذلك في بحوثنا الماضية، كما ستعرفه قريباً أيضاً.

وتلخّص:

إنّ القول الحقّ المتّفق عليه بين المسلمين: نزول الآية يوم غدير خمّ في أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام.

مع ابن تيميّة الحرّاني: … ص: 28

لقد استدلّ العلّامة الحلّي بالآية المباركة والحديث الوارد في ذيلها عند القوم، فقال:

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور 2/ 298.

(2) الدرّ المنثور 2/ 298.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 29

«البرهان الثاني: قوله تعالي «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ». اتّفقوا علي نزولها في عليّ.

وروي أبو نعيم الحافظ- من الجمهور- بإسناده عن عطية، قال:

نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في عليّ بن أبي طالب.

ومن تفسير الثعلبي، قال: معناه: «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» في فضل عليّ، فلمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بيد عليّ، فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه … ».

فقال ابن تيميّة في الجواب:

«إنّ هذا أعظم كذباً وفريةً من الأوّل.

وقوله: اتّفقوا علي نزولها في عليّ، أعظم كذباً ممّا قاله في

تلك الآية، فلم يقل لا هذا ولا ذاك أحد من العلماء الّذين يدرون ما يقولون.

وأمّا ما يرويه أبو نعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء والنقّاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير، فقد اتّفق أهل المعرفة علي أنّ في ما يروونه كثيراً من الكذب الموضوع.

واتّفقوا علي أنّ هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في تفسيره هو من الموضوع …

ولكنّ المقصود هنا أنّا نذكر قاعدة فنقول: المنقولات فيها كثير من

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 30

الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلي أهل علم الحديث … فلكلّ علم رجال يعرفون به، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة، وأكثر ديناً، وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانةً وعلماً وخبرةً في ما يذكرونه من الجرح والتعديل …

فالأصل في النقل أن يُرجع فيه إلي أئمّة النقل وعلمائه … ومجرّد عزوه إلي رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلًا علي صحّته باتّفاق أهل العلم بالنقل؛ لهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شي ء من كتبهم … ».

قال: «أنتم ادّعيتم أنّكم أثبتّم إمامته بالقرآن، والقرآن ليس في ظاهره ما يدلّ علي ذلك أصلًا، فإنّه قال: «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» وهذا اللفظ عامّ في جميع ما أُنزل إليه من ربّه، لا يدلّ علي شي ء معيّن …

فإن ثبت ذلك بالنقل كان ذلك إثباتاً بالخبر لا بالقرآن.

لكنّ أهل العلم يعلمون بالاضطرار أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم لم يبلّغ شيئاً في إمامة عليّ … » «1».

أقول:

أمّا قوله: إنّ في روايات أبي نعيم والثعلبي والواحدي، موضوعات كثيرة؛ فهذا حقّ ونحن نوافقه عليه، إذ ليس هناك- بعد كتاب اللَّه عزّوجلّ- كتاب خالٍ عن الموضوعات، حتّي الكتب المسمّاة

__________________________________________________

(1)

منهاج السُنّة 7/ 33.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 31

بالصحاح … ففي صحيح البخاري- الذي يقدّمه أكثر القوم علي غيره من الكتب مطلقاً- أكاذيب وأباطيل، ذكرنا بعضها في بعض كتبنا استناداً إلي أقوال كبار الحفّاظ من شرّاحه كابن حجر العسقلاني وغيره.

فالمنقولات، فيها كثير من الصدقّ وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز إلي أهل علم الحديث وعلماء الجرح والتعديل … كما قال.

ولذا فإنّا أثبتنا علي ضوء كلمات علماء الحديث والرجال صحّة أسانيد حديث نزول الآية في الغدير، وكذلك في غير هذا الحديث ممّا وقع الاستدلال به من قبل صاحب المراجعات وغيره من علمائنا بتوثيق رجالها واحداً واحداً … وإذا ثبت صحّة الحديث وجب علي الكلّ القبول به، ومن كذّبه حينئذٍ فقد كذّب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في ما قال وفعل، وهذا كفر باللَّه، نعوذ باللَّه منه.

وعلي الجملة، فليس الاستدلال بمجرّد عزو الحديث إلي رواية الثعلبي أو غيره، بل الاستدلال به يكون بعد تصحيحه علي القواعد المقرّرة في علم الحديث والرجال.

وأمّا قوله: إنّ هذا الاستدلال ليس بالقرآن بل هو بالحديث؛ فهذا تعصّبٌ واضح؛ لأنّ ابن تيّميّة نفسه يستدلّ بقوله تعالي «إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَاتَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا» «1»

لإثبات فضيلة لأبي بكر،

__________________________________________________

(1) سورة التوبة 9: 40.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 32

فيقول: «إنّ الفضيلة في الغار ظاهرة بنصّ القرآن، لقوله تعالي «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا» … وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس عن أبي بكر … » «1».

فجعل الحديث مفسّراً للآية، وجعل فيها فضيلة لصاحبه …

وكذلك: يدّعي نزول قوله تعالي «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَي* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّي» «2»

في أبي بكر مستدلًا ببعض رواياتهم فيقول:

«وقد ذكر

غير واحدٍ من أهل العلم أنّها نزلت في قصّة أبي بكر.

وكذلك ذكره ابن أبي حاتم والثعلبي أنّها نزلت في أبي بكر عن عبداللَّه بن المسيّب. وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن أبي عمر العدني، حدّثنا سفيان، حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أعتق أبو بكر سبعة كلّهم يعذّب في اللَّه … قال: وفيه نزلت «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَي» إلي آخر السورة» «3».

وهكذا في مواضع أُخري …

أمّا حين يستدلّ الإمامية بآية: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ … » علي إمامة أميرالمؤمنين، بمعونة أحاديث صحيحة رواها

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 8/ 373، الطبعة الحديثة.

(2) سورة الليل 92: 17.

(3) منهاج السُنّة 8/ 495، الطبعة الحديثة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 33

ابن أبي حاتم والثعلبي وأمثالهما من المفسّرين والمحدّثين من أهل السُنّة في تفسيرها وبيان سبب نزولها، يقول: «فمن ادّعي أنّ القرآن يدلّ علي أنّ إمامة عليّ ممّا أُمر بتبليغه فقد افتري علي القرآن» «1».

مع أنّ استدلال الإمامية بأحاديث القوم مطابق للقاعدة المقرّرة في البحث والمناظرة؛ لأنّهم ملزَمون بما يروونه، بخلاف استدلالاتهم في مقابلة الإمامية؛ لأنّ أحاديثهم ليست بحجّةٍ عند الاماميّة حتّي لو كانت مخرّجة في ما يسمّونه بالصحيح.

فانظر من المفتري؟!

محاولات يائسة … ص: 33

وبما ذكرنا يظهر سقوط تمحّلات المتعصّبين لصرف الآية المباركة عن الدلالة علي ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

وهناك محاولاتٌ عمدتها:

1- الأخذ بالسياق.

2- الأحاديث المروية في قبال حديث نزولها في أميرالمؤمنين يوم الغدير.

ولا بُدّ قبل الدخول في البحث من أن نعلم بأنّ الآية المباركة من

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 47.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 34

سورة المائدة، وأنّ هذه السورة هي آخر ما نزل علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم باتّفاق

الفريقين.

فلاحظ: تفسير القرطبي، وتفسير الخازن، والإتقان في علوم القرآن 1/ 26- 52، وغيرها من كتب العامّة.

وفي تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي- بسند صحيح عن أميرالمؤمنين عليه السلام، أنّها نزلت قبل أن يقبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بشهرين أو ثلاثة «1».

وقال العيّاشي في تفسيره: إنّها أخر ما نزل من القرآن.

وحينئذٍ نقول: كما جعل الأوّلون آية التطهير ضمن آيات زوجات النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، واتّخذ أتباعهم ذلك أساساً للقول بنزولها في الزوجات، كذلك الحال في آية التبليغ فقد وضعت في سياق آيات الكلام مع اليهود والنصاري ثمّ جاء اللاحقون واستندوا إلي سياق الآية فراراً من الإذعان للحقيقة:

قال الرازي: «اعلم أنّ هذه الروايات وإن كثرت، إلّاأنّ الأَولي حمله علي أنّه تعالي آمنه من مكر اليهود والنصاري وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم، وذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير،

__________________________________________________

(1) تهذيب الأحكام 1/ 361.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 35

لمّا كان كلاماً مع اليهود والنصاري امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين علي وجه تكون أجنبيّة عمّا قبلها وما بعدها» «1».

وكأنّ الرازي قد غفل عن أنّ الآية في سورة المائدة، وهي إنّما نزلت في أُخريات حياة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، حين لم يكن يهاب اليهود ولا النصاري ولا قريشاً، وأنّ السياق إنّما يكون قرينةً إذا لم يكن في مقابله نصّ معتبر، وقد صرّح الفخر الرازي نفسه بأنّ نزول الآية في فصل أميرالمؤمنين عليه السلام هو قول ابن عبّاس والبَراء بن عازب والإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام، في حين أنّه لم يعضّد القول الذي حمل الآية عليه- ولا غيره من الأقوال التي ذكرها-

بقول أيّ أحدٍ من الصحابة.

وأمّا الأحاديث التي يروونها في المقام في مقابلة حديث نزول الآية المباركة في الإمام عليه السلام، فإن شئت الوقوف عليها فراجع تفسير الطبري والدرّ المنثور للسيوطي- ولعلّ الثاني هو أجمع الكتب لها- وستجدها متناقضة فيما بينها، فضلًا عن كونها مردودة بإجماع الفريقين علي نزول سورة المائدة في الأيّام الأخيرة من حياة الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فمن ذلك ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل

__________________________________________________

(1) تفسير الرازي 12/ 50.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 36

وابن مردويه وابن عساكر، عن ابن عبّاس، قال: «كان النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يُحرس، وكان يرسل معه عمّه أبو طالب كلّ يوم رجالًا من بني هاشم يحرسونه.

فقال: يا عمّ! إنّ قد عصمني، لا حاجة لي إلي من تبعث».

أورده السيوطي في ذيل الآية المباركة، وهو- إن كان له علاقة بنزول الآية المباركة- خبر مكذوب؛ لأنّه يفيد نزولها في مكّة، وهو قول مردود بالإجماع.

وما أخرجه ابن مردويه والضياء في المختارة، عن ابن عبّاس، قال:

«سئل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: أيّ آية أُنزلت من السماء أشدّ عليك؟ فقال: كنت بمني أيّام موسم، واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم، فنزل علَيَّ جبرئيل فقال: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».

قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيّها الناس! من ينصرني علي أن أُبلّغ رسالة ربّي ولكم الجنّة؟

أيّها الناس! قولوا: لا إله إلّااللَّه وأنا رسول اللَّه إليكم، تنجحوا ولكم الجنّة.

قال: فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلّايرمون علَيّ بالتراب

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 37

والحجارة، ويبصقون في وجهي، ويقولون:

كذّاب صابي ء! فعرض علَيّ عارض فقال: يا محمّد! إن كنت رسول اللَّه فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح علي قومه بالهلاك.

فقال النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: اللّهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون، وانصرني عليهم أن يجيبوني إلي طاعتك.

فجاء العبّاس عمّه فأنقذه منهم وطردهم عنه.

قال الأعمش: فبذلك تفتخر بنو العبّاس، ويقولون: فيهم نزلت «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء» هوي النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أبا طالب، وشاء اللَّه عبّاس بن عبد المطّلب».

قلت:

وآيات الكذب علي هذا الحديث لائحة.

ومن الأحاديث المذكورة في ذيل الآية: أحاديث أنّ أصحابه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كانوا دائماً يحرسونه، حتّي نزلت الآية المباركة ففرّقهم:

أخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، قال: «لمّا نزلت «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ» إلي قوله: «وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: لا تحرسوني! إنّ ربّي قد عصمني».

وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن عبداللَّه بن شقيق، قال: «إنّ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 38

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كان يتعقّبه ناس من أصحابه، فلمّا نزلت «وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فخرج فقال: أيّها الناس! الحقوا بملاحقكم، فإنّ اللَّه قد عصمني من الناس».

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ، عن محمّد بن كعب القرظي، أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ما زال يُحرس، يحارسه أصحابه، حتّي أنزل اللَّه «وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فترك الحرس حين أخبره أنّه سيعصمه من الناس.

وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن أبي ذرّ، قال: «كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم لا ينام إلّاونحن حوله من مخافة الغوائل، حتّي نزلت آية العصمة:

«وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»».

وأخرج الطبراني وابن مردويه، عن عصمة بن مالك الخطمي، قال: «كنّا نحرس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بالليل حتّي نزلت «وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فترك الحرس».

قلت:

وهذه الأحاديث ليس فيها ذكر سبب نزول الآية، ولا تعارض حديث نزولها يوم الغدير في عليٍّ عليه السّلام.

وبهذه الأحاديث يردّ ما زعموا من نزولها في أعرابي أراد قتله وهو نائم تحت شجرة، ورووا فيه حديثاً عن محمّد بن كعب القرظي، مع ما

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 39

هنالك من قرائن الكذب!

وممّا ذكره القوم في ذيل الآية ما جاء في تفسير الإمام أبي الحسن الواحدي: «وقال الأنباري: كان النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يجاهر ببعض القرآن أيّام كان يمكّة، ويخفي بعضه إشفاقاً علي نفسه من شرّ المشركين إليه وإلي أصحابه» «1».

وهذا كذب بلا شك ولا ريب! لكنّ العجيب أن ينسب هذا القول إلي الإماميّة، كما في تفسير القرطبي، حيث قال: «وقبّح اللَّه الروافض حيث قالوا: إنّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كتم شيئاً- ممّا أوحي اللَّه إليه- كان بالناس حاجة إليه» «2»، وكما في شرح القسطلاني: «قالت الشيعة: إنّه قد كتم أشياء علي سبيل التقيّة» «3».

فانظر كيف يفترون علي اللَّه والرسول، ثمّ لمّا التفتوا إلي قبحه نسبوه زوراً وبهتاناً إلي غيرهم.. وكم له من نظير!! وإلي اللَّه المشتكي وهو المستعان.

قلت:

وثمّة أحاديث يروونها بتفسير الآية المباركة غير منافية للصحيح

__________________________________________________

(1) التفسير الوسيط 2/ 208.

(2) تفسير القرطبي 6/ 157.

(3) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 10/ 210.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 40

في سبب نزولها إلم نقل بجواز الاستدلال بها كذلك، باحتمال أنّ الراوي لم تسمح له الظروف بالتصريح بنزولها في يوم الغدير، أو صرّح

وحُرّف لفظه، كالحديث التالي:

أخرج أبو الشيخ، عن الحسن: «إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، قال: إنّ اللَّه بعثني برسالةٍ، فضقت بها ذرعاً وعرفت أنّ الناس مكذّبي، فوعدني لأُبلغنّ أو ليعذّبني، فأنزل: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ»».

والحديث: أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: «لمّا نزلت: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ»، قال: يا ربّ! إنّما أنا واحد كيف أصنع؟! يجتمع عليّ الناس! فنزلت: «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»».

هذا موجز الكلام علي هذه الآية، وبه الكفاية لمن أراد الهداية، واللَّه وليّ التوفيق.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 41

(2) آية إكمال الدين … ص: 41

اشارة

قوله تعالي «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً» «1».

وإنّ رواة حديث نزول هذه الآية المباركة في يوم الغدير- من كبار الأئمّة والحفّاظ الأعلام من العامّة- كثيرون جدّاً، نذكر هنا بعضهم:

1- أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المتوفّي سنة 310.

2- أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني المتوفّي سنة 385.

3- أبو حفص ابن شاهين، المتوفّي سنة 385.

4- أبو عبداللَّه الحاكم النيسابوري، المتوفّي سنة 405.

__________________________________________________

(1) سورة المائدة 5: 3.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 42

5- أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني، المتوفّي سنة 410.

6- أبو نعيم الأصفهاني، المتوفّي سنة 430.

7- أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفّي سنة 458.

8- أبو بكر الخطيب البغدادي، المتوفّي سنة 463.

9- أبو الحسين ابن النقور، المتوفّي سنة 470.

10- أبو سعيد السجستاني، المتوفّي سنة 477.

11- أبو الحسن أبو المغازلي الواسطي، المتوفّي سنة 483.

12- أبو القاسم الحاكم الحسكاني.

13- الحسن بن أحمد الحدّاد الأصفهاني، المتوفّي سنة 515.

14- أبو بكر ابن المزرفي، المتوفّي سنة 527.

15- أبو الحسن

ابن قبيس، المتوفّي سنة 530.

16- أبو القاسم ابن السمرقندي، المتوفّي سنة 536.

17- أبو الفتح النطنزي، المتوفّي حدود سنة 550.

18- أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي، المتوفّي سنة 558.

19- الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي، المتوفّي سنة 568.

20- أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، المتوفّي سنة 571.

21- أبو حامد سعد الدين الصالحاني.

22- أبو المظفّر سبط ابن الجوزي، المتوفّي سنة 654.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 43

23- عبد الرزّاق الرسعني، المتوفّي سنة 661.

24- شيخ الإسلام الحمويني الجويني، المتوفّي سنة 722.

25- عماد الدين ابن كثير الدمشقي، المتوفّي سنة 774.

26- جلال الدين السيوطي، المتوفّي سنة 911.

فهولاء أئمّة القوم وكبار حفّاظهم في مختلف القرون، قد أخرجوا هذا الحديث في كتبهم، ورووه بأسانيدهم … ونحن نذكر عدّة من تلك الأسانيد ونوضّح صحّتها:

1- رواية أبي نعيم الأصفهاني … ص: 43

قال: «حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثني يحيي الحماني، قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري- رضي اللَّه عنه-: أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم دعا الناس إلي عليٍّ عليه السلام في غدير خمّ، وأمر بما تحت الشجر من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا عليّاً، فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّي نظر الناس إلي بياض إبطي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، ثمّ لم يتفرّقوا حتّي نزلت هذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً»، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: اللَّه أكبر علي إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي وبالولاية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 44

لعليٍّ من بعدي.

ثمّ قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه،

وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فقال حسّان بن ثابت: ائذن لي يا رسول اللَّه أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ.

فقال: قل علي بركة اللَّه.

فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش! أتبعها قولي بشهادة من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في الولاية ماضية.

ثمّ قال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخمّ وأسمع بالغدير مناديا

يقول: فمن مولاكم ووليّكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا عليّ فإنّني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

هناك دعا اللّهمّ والِ وليّه وكن للذي عادي عليّاً معاديا» «1»

* أمّا «محمّد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد» فهو المعروف بابن محرم، المتوفّي سنة 357، من أعيان تلامذة ابن جرير

__________________________________________________

(1) خصائص الوحي المبين: 61- 62، عن كتاب ما نزل في عليّ من القرآن- لأبي نعيم الحافظ الأصفهاني-.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 45

الطبري ولمازميه:

قال الدارقطني: لا بأس به «1».

وكذا قال أبو بكر البرقاني «2».

ووصفه الذهبي بالإمام المفتي المعمّر «3».

وربّما تُكلّم فيه لوجود بعض الأحاديث المناكير في كتبه.

قلت:

لعلّهم يقصدون من ذلك هذا الحديث وأمثاله من المناقب.

* وأمّا «يحيي الحماني» فهو من رجال مسلم في صحيحه، ومن مشايخ أبي حاتم ومطيّن وأمثالهما من كبار الأئمّة.

وحكي غير واحد منهم عن يحيي بن معين قوله فيه: «صدوق ثقة» وكذا وثّقه جماعة من أعلام الجرح والتعديل، قالوا: وهؤلاء- الّذين يتكلّمون فيه- يحسدونه … وأيضاً: ذكروا أنّه كان لا يحبّ عثمان، ويقول عن معاوية: «كان معاوية علي غير ملّة الإسلام» «4».

* وأمّا «قيس بن الربيع» فمن رجال أبي داود والترمذي

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 16/ 61.

(2) تاريخ بغداد 1/ 321، شذرات الذهب 3/ 26.

(3) سير أعلام النبلاء 61/ 60.

(4) راجع: تهذيب

11/ 213- 218.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 46

وابن ماجة.

قال الحافظ: «صدوق، تغيّر لمّا كبر … » «1».

* وأمّا «أبو هارون العبدي» فهو: عمارة بن جوين، من مشاهير التابعين، ومن رجال البخاري في خلق أفعال العباد، والترمذي، وابن ماجة، ومن مشايخ الثوري والحمّادين وغيرهم من الأئمّة … وقد تكلّم فيه بعضهم لتشيّعه.

قال ابن عبد البرّ: «كان فيه تشيّع، وأهل البصرة يفرطون فيمن يتشيّع بين أظهرهم لأنّهم عثمانيّون»، فقال ابن حجر بعد نقل هذا الكلام: «قلت: كيف لا ينسبونه إلي الكذب، وقد روي ابن عديّ في الكامل عن الحسن بن سفيان، عن عبد العزيز بن سلام، عن عليّ بن مهران، عن بهز بن أسد، قال: أتيت إلي أبي هارون العبدي، فقلت: أخرج إليّ ما سمعت من أبي سعيد.

فأخرج لي كتاباً، فإذا فيه: حدّثنا أبو سعيد: إنّ عثمان أُدخل حفرته وإنّه لكافر باللَّه.

قال: قلت: تقرّ بهذا؟!

قال: هو كما تري

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 2/ 128.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 47

قال: فدفعت الكتاب في يده وقمت» «1».

ومن هنا قال الحافظ في التقريب: «متروك، ومنهم من كذّبه، شيعي» «2».

لكن الرجل ليس بمتروك، فقد ورد حديثه في كتاب من كتب البخاري، وفي اثنين من الصحاح، كما إنّ رميه بالكذب قد عرف السبب فيه، وهو التشيّع، وهو ليس بضائر بالوثاقة كما تقرّر عندهم في كتب رواية الحديث.

2- رواية الخطيب البغدادي … ص: 47

اشارة

قال: «أنبأنا عبداللَّه بن عليّ بن محمّد بن بشران «3»، أنبانا عليّ بن عمر الحافظ، حدّثنا أبو نصر حبشون بن موسي بن أيّوب الخلّال، حدّثنا عليّ بن سعيد الرملي، حدّثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال:

من صام يوم ثمان عشرة

من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً، وهو يوم غدير خمّ، لمّا أخذ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بيد

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 7/ 361- 362.

(2) تقريب التهذيب 2/ 49.

(3) كذا، والصحيح: عليّ بن محمّد بن عبداللَّه بن بشران، كما ستعرف.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 48

عليّ بن أبي طالب، فقال: ألست وليّ المؤمنين؟!

قالوا: بلي يا رسول اللَّه.

قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.

فقال عمر بن الخطّاب: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولي كلّ مسلم.

فأنزل اللَّه: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ».

ومن صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب له صيام ستّين شهراً، وهو أوّل يوم نزل جبريل علي محمّد صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بالرسالة.

اشتهر هذا الحديث من رواية حبشون، وكان يقال إنّه تفرّد به.

وقد تابعه عليه أحمد بن عبداللَّه ابن النيري، فرواه عن عليّ بن سعيد، أخبرنيه الأزهري، حدّثنا محمّد بن عبداللَّه ابن أخي ميمي، حدّثنا أحمد بن عبداللَّه بن أحمد بن العبّاس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري- إملاءً- حدّثنا عليّ بن سعيد الشامي، حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.. وذكر مثل ما تقدّم أو نحوه» «1».

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 8/ 290.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 49

الطريق الأوّل: … ص: 49

* أمّا «ابن بشران»، المتوفّي سنة 415، فقد ترجم له الخطيب نفسه:

قال: «عليّ بن محمّد بن عبداللَّه بن بشران بن محمّد بن بشر بن مهران بن عبداللَّه. أبو الحسين الأُموي المعدّل … كتبنا عنه، وكان صدوقاً ثقة ثبتاً، حسن الأخلاق، تامّ المروءة، ظاهر الديانة … وكانت وفاته … سنة 415 … » «1».

وقال

الذهبي: «الشيخ العالم المعدّل المسند، أبو الحسين عليّ بن محمّد …

روي شيئاً كثيراً علي سدادٍ وصدق وصحّة رواية، كان عدلًا وقوراً … » «2».

* وأمّا «عليّ بن عمر الحافظ» فهو الدارقطني، المتوفّي سنة 385:

قال الخطيب: «كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهي إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 12/ 98.

(2) سير أعلام النبلاء 17/ 311.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 50

وصحّة الاعتقاد وسلامة المذهب …

سمعت القاضي أبا الطيّب الطبري يقول: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث … » «1».

وقال ابن الجوزي: «قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة بالقراءات والنحو والفقه والشعر، مع الإطاعة والعدالة وصحّة العقيدة» «2».

وقال الذهبي: «الدارقطني الإمام الحافظ المجوّد، شيخ الإسلام، علم الجهابذة … كان من بحور العلم ومن أئمة الدنيا، انتهي إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله … » «3».

* وأمّا «أبو نصر حبشون» ورجال السند إلي آخره، فسيأتي الكلام عليهم عند البحث مع ابن كثير …

الطريق الثاني: … ص: 50

* أمّا «الأزهري»، أبو القاسم عبيداللَّه بن أحمد البغدادي، المتوفّي سنة 435، فقد ترجم له الخطيب نفسه:

قال: «كان أحد المعنيّين بالحديث والجامعين له، مع صدق

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 12/ 34.

(2) المنتظم 14/ 380.

(3) سير أعلام النبلاء 16/ 449.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 51

واستقامة ودوام تلاوة، سمعنا منه المصنّفات الكبار، وكمّل الثمانين، ومات في صفر سنة 435» «1».

* وأمّا «محمّد بن عبداللَّه بن أخي ميمي»، الدقّاق، المتوفّي سنة 390:

قال الخطيب: «كان ثقة مأموناً، ديّناً فاضلًا» «2».

وقال الذهبي: «الشيخ الصدوق المسند … أحد الثقات … » «3».

* وأمّا «أحمد بن عبداللَّه، المعروف بابن النيري»، المتوفّي سنة

320:

قال الخطيب: «ثقة» «4».

وقال ابن كثير: «صدوق» «5».

* وأمّا «عليّ بن سعيد الشامي» وبقية رجال السند، فسيأتي الكلام عليهم.

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 10/ 385.

(2) تاريخ بغداد 5/ 469.

(3) سير أعلام النبلاء 16/ 256.

(4) البداية والنهاية 4/ 214.

(5) البداية والنهاية 4/ 214.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 52

تنبيه:

لا يخفي أنّ الخطيب البغدادي لم يتكلّم علي سند هذا الحديث، بل سياق كلامه- حين سكت عن الطعن فيه بشي ء، بل ذكر المتابعة- اعتقاده بصحّته، وتأكيده علي ذلك.

والخطيب البغدادي قال الذهبي بترجمته: «الخطيب، الإمام الأوحد، العلّامة المفتي، الحافظ الناقد، محدّث الوقت، وخاتمة الحفّاظ … كتب الكثير، وتقدّم في هذا الشأن، وبذّ الأقران، وجمع وصنّف، وصحّح وعلّل، وجرّح وعدّل، وأرّخ وأوضح، وصار أحفظ أهل عصره علي الإطلاق».. ثمّ ذكر كلمات الأئمّة في مدحه وإطرائه والثناء الجميل عليه بما يطول ذِكره «1».

3- رواية ابن عساكر … ص: 52

اشارة

رواه بطرق، فأخرج بسنده عن أبي بكر الخطيب، كما تقدّم عن تاريخ بغداد حرفاً بحرف … ثمّ قال:

«أخبرناه عالياً أبو بكر ابن المزرفي، أنبأنا أبو الحسين ابن المهتدي، أنبأنا عمر بن أحمد، أنبأنا أحمد بن عبداللَّه بن أحمد، أنبأنا عليّ بن سعيد الرقّي، أنبأنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 18/ 270- 297.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 53

شهر بن حوشب، عن أبي هريرة … ».

قال: «وأخبرناه أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين ابن النقور، أنبأنا محمّد بن عبداللَّه بن الحسين الدقّاق، أنبأنا أحمد بن عبداللَّه بن أحمد بن العبّاس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري … » «1».

الطريق الأوّل … ص: 53

* أمّا «أبو بكر ابن المزرفي»، المتوفّي سنة 527:

قال ابن الجوزي: «سمعت منه الحديث، وكان ثقة ثبتاً عالماً، حسن العقيدة» «2».

وقال الذهبي: «كان ثقة متقناً» «3».

* وأمّا «أبو الحسين ابن المهتدي»، المتوفّي سنة 465:

قال الخطيب: «كان ثقة نبيلًا».

وقال السمعاني: «كان ثقة حجّة، نبيلًا، مكثراً».

وقال أُبيّ النرسي: «كان ثقة يقرأ للناس».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق- ترجمة أميرالمؤمنين- الجزء الثاني، الأحاديث رقم: 575- 578 و 585.

(2) المنتظم 17/ 281.

(3) سير أعلام النبلاء 19/ 631.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 54

وقال الذهبي: «الإمام العالم الخطيب، المحدّث، الحجّة، مسند العراق، أبو الحسين محمّد بن عليّ بن محمّد … سيّد بني هاشم في عصره … » «1».

* وأمّا «عمر بن أحمد»، فهو ابن شاهين، المتوفّي سنة 385:

قال الخطيب: «كان ثقة أميناً».

وقال ابن ماكولا: «هو الثقة الأمين».

وقال حمزة السهمي عن الدارقطني: «هو ثقة».

وقال أبو الوليد الباجي: «هو ثقة».

وقال الأزهري: «كان ثقة».

وقال الذهبي: «ابن شاهين الشيخ الصدوق، الحافظ، العالم، شيخ العراق، وصاحب التفسير الكبير، أبو

حفص عمر بن أحمد … » «2».

* وأمّا «أحمد بن عبداللَّه بن أحمد»، فهو ابن النيري المتقدّم.

* وأمّا سائر رجال السند. فسيأتي الكلام عليهم.

__________________________________________________

(1) هذه الكلمات كلّها في سير أعلام النبلاء 18/ 241.

(2) هذه الكلمات كلّها في سير أعلام النبلاء 16/ 431.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 55

الطريق الثاني: … ص: 55

اشارة

* أمّا «أبو القاسم ابن السمرقندي»، المتوفّي سنة 536:

قال ابن عساكر: «كان ثقة مكثراً».

وقال السلفي: «هو ثقة».

وقال الذهبي: «الشيخ الإمام، المحدّث، المفيد، المسند، أبو القاسم إسماعيل بن أحمد … » «1».

* وأمّا «أبو الحسين ابن النقور»، المتوفّي سنة 470:

قال الخطيب: «كان صدوقاً».

وقال ابن خيرون: «ثقة».

وقال الذهبي: «ابن النقور، الشيخ الجليل الصدوق، مسند العراق، أبو الحسين أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبداللَّه بن النقور البغدادي البزّاز … » «2».

* وأمّا «محمّد بن عبداللَّه بن الحسين الدقّاق»، فهو ابن أخي ميمي المتقدّم.

__________________________________________________

(1) هذه الكلمات كلّها في سير أعلام النبلاء 20/ 28.

(2) هذه الكلمات كلّها في سير أعلام النبلاء 18/ 372.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 56

* وأمّا «أحمد بن عبداللَّه … ابن النيري» فقد تقدّم أيضاً.

* وأمّا سائر رجال السند. فسيأتي الكلام عليهم.

مع ابن تيميّة الحرّاني: … ص: 56

واستدلّ العلّامة الحلّي بالآية المباركة، فقال:

«البرهان الثالث: قوله تعالي «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً».

روي أبو نعيم بإسناده إلي أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم دعا الناس إلي غدير خمّ … ».

فأجاب ابن تيميّة مكرّراً ما قاله في الآية السابقة:

إنّ مجرّد عزوه إلي رواية أبي نعيم لا تفيد الصحّة!

وإنّ هذا الحديث من الكذب الموضوع باتّفاق أهل المعرفة بالموضوعات!

وهذا لا يعرفه أهل العلم بالحديث، والمرجع إليهم في ذلك.

وإنّ هذه الآية ليس فيها دلالة علي عليٍّ ولا إمامته بوجهٍ من الوجوه، بل فيها إخبار اللَّه بإكمال الدين وإتمام النعمة علي المؤمنين، ورضا الإسلام ديناً.

فدعوي المدّعي أنّ القرآن يدلّ علي إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 57

قال: «وإن قال: الحديث يدلّ علي ذلك.

فيقال: الحديث إن كان صحيحاً فتكون الحجّة من

الحديث لا من الآية، وإن لم يكن صحيحاً فلا حجّة في هذا ولا في هذا، فعلي التقديرين لا دلالة في الآية علي ذلك … » «1».

أقول:

إنّ الاستدلال بالآية المباركة المفسَّرة بالحديث الصحيح …

فالاستدلال إنّما هو بالقرآن لا بالحديث، والحديث المفسّر للآية صحيح وليس بموضوع … فما ذكره كذب وتعصّب وتناقض.

مع ابن كثير الدمشقي في تاريخه: … ص: 57

وأمّا تلميذه ابن كثير الدمشقي. فقد زاد ضغثاً علي إبالة، فقال:

«فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: لمّا أخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بيد عليٍّ قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه؛ فأنزل اللَّه عزّوجلّ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي». قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خمّ، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً.

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 52- 55.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 58

فإنّه حديث منكر جدّاً، بل كذب، لمخالفته لِما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطّاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم واقف بها كما قدّمنا.

وكذا قوله: إنّ صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم غدير خمّ، يعدل صيام ستّين شهراً؛ لا يصحّ؛ لأنّه قد ثبت ما معناه في الصحيح أنّ صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحدٍ يعدل ستّين شهراً؟! منكَر باطل.

وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبداللَّه الذهبي- بعد إيراده هذا الحديث- هذا حديث منكر جدّاً.

ورواه حبشون الخلّال وأحمد بن عبداللَّه بن أحمد النيري- وهما صدوقان- عن عليّ بن سعيد الرملي، عن ضمرة.

قال: ويروي هذا الحديث من حديث عمر بن الخطّاب، ومالك ابن

الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم، بأسانيد واهية.

قال: وصدر الحديث متواتر، أتيقّن أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قاله.

وأمّا: اللّهمّ وال من والاه؛ فزيادة قويّة الإسناد.

وأمّا هذا الصوم فليس بصحيح.

ولا واللَّه ما نزلت هذه الآية إلّايوم عرفة قبل غدير خمّ بأيّام. واللَّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 59

تعالي أعلم» «1».

أقول:

أوّلًا: هذا الحديث قد عرفت رواته وثقة رجاله، وبقي منهم:

* عليّ بن سعيد الرملي، وقد نصّ الذهبي علي ثقته وإنّه لم يتكلّم فيه أحد، فقد قال:

«ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً إلي الآن تكلَّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يخرّج له أحد من أصحاب الكتب الستّة مع ثقته» «2».

وقال الحافظ ابن حجر متعقّباً له: «وإذا كان ثقة ولم يتكلّم فيه أحد فكيف تذكره في الضعفاء … قال البخاري: مات سنة 216» «3».

* ضمرة بن ربيعة، المتوفّي سنة 202، وهو من رجال البخاري في الأدب المفرد، والأربعة:

«قال عبداللَّه بن أحمد، عن أبيه: رجل صالح، صالح الحديث، من الثقات المأمونين، لم يكن بالشام رجل يشبهه، وهو أحبُّ إلينا من بقية، بقية كان لا يبالي عن من حدّث.

وقال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيي بن معين، والنسائي: ثقة.

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 5/ 213- 214.

(2) ميزان الاعتدال 4/ 125.

(3) لسان الميزان 4/ 227.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 60

وقال أبو حاتم: صالح.

وقال محمّد بن سعد: كان ثقة مأموناً خيّراً، لم يكن هناك أفضل منه» «1».

* عبداللَّه بن شوذب، المتوفّي سنة 156، وهو من رجال أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة:

قال الذهبي: «وثّقه جماعة، كان إذا رُئي ذُكِرت الملائكة» «2».

وقال ابن حجر: «صدوق عابد» «3».

وقال أيضاً: «قال سفيان: كان ابن شوذب من ثقات مشايخنا.

وقال ابن

معين وابن عمّار والنسائي: ثقة.

وقال أبو حاتم: لا بأس به.

وذكره ابن حبّان في الثقات … » «4».

* مطر الورّاق، المتوفّي سنة 129، ويكفي كونه من رجال البخاري في باب التجارة في البحر من الجامع، ومن رجال مسلم والأربعة «5».

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 13/ 319- 320، ولاحظ سائر الكلمات في هامشة.

(2) الكاشف 1/ 356.

(3) تقريب التهذيب 1/ 423.

(4) تهذيب التهذيب 5/ 255- 261.

(5) تهذيب الكمال 28/ 551، تقريب التهذيب 2/ 252.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 61

* شهر بن حوشب، المتوفّي سنة 112 أو 111 أو 100 أو 98، وهو من رجال البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة. وهذا كاف في ثقته «1».

وثانياً: اعتراف الحافظ الذهبي بتواتر صدر الحديث، وهو قوله

صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» وكذا بقوّة سند قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «اللّهمّ وال من والاه» وتقرير ابن كثير وقبوله له، ردُّ لتشكيكات المبطلين، ومكابرات الضالّين، فالحمد للَّه الذي أجري الحقّ علي لسانيهما …

وثالثاً: حكمه بالبطلان علي رواية صيام الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم غدير خمّ؛ هو الباطل، وقد أجبنا عنه بالتفصيل في كتابنا الكبير «2».

ويبقي الكلام حول دعوي مخالفة الحديث لِما في الصحيحين، وسنتعرّض له عند الكلام:

مع ابن كثير في تفسيره: … ص: 61

فقد قال في تفسيره: «وقوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 12/ 578، تقريب التهذيب 1/ 355.

(2) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8/ 277- 284.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 62

عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً» هذه أكبر نعم اللَّه تعالي علي هذه الأُمة حيث أكمل لهم دينهم … » ثمّ روي أحاديث وأقوالًا، منها:

«قال أسباط، عن السدّي، نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم

ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فمات».

«وقال ابن جرير وغير واحد: مات رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً».

«وقال الإمام أحمد: حدّثنا جعفر بن عون، حدّثنا أبو العميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلي عمر بن الخطّاب …، فقال عمر: واللَّه إنّي لأعلم اليوم الذي نزلت علي رسول اللَّه، والساعة التي نزلت فيها علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، عشية عرفة في يوم جمعة.

ورواه البخاري … ورواه أيضاً مسلم والترمذي والنسائي أيضاً من طرق عن قيسي بن مسلم، به.

ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثوري عن قيس، عن طارق، قال: «قالت اليهود لعمر: إنّكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتّخذناها عيداً. فقال عمر: إنّي لأعلم حين أُنزلت؟ وأين أُنزلت؟ وأين رسول اللَّه حيث أُنزلت، يوم عرفة، وأنا- واللَّه- بعرفة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 63

قال سفيان: وأشكُّ كان يوم الجمعة أم لا».

«وقال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن كامل، حدّثنا موسي بن هارون، حدّثنا: يحيي الحماني، حدّثنا قيس بن الربيع، عن إسماعيل ابن سليمان، عن أبي عمر البزّار، عن أبي «1» الحنفيّة، عن عليٍّ، قال: نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وهو قائم عشية عرفة «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»».

«فأمّا ما رواه ابن جرير وابن مردويه والطبراني من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبداللَّه الصغاني، عن ابن عبّاس، قال:

ولد نبيّكم يوم الاثنين، وخرج من مكّة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح بدراً يوم الاثنين، وأُنزلت سورة المائدة يوم

الاثنين «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»، ورفع الذِكر يوم الاثنين.

فإنّه أثر غريب وإسناده ضعيف».

«وقال ابن جرير: وقد قيل: ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس.

ثمّ روي من طريق العوفي، عن ابن عبّاس في قوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» يقول: ليس بيوم معلوم عند الناس.

__________________________________________________

(1)

كذا، والصحيح: ابن.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 64

قال: وقد قيل: إنّها نزلت علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في مسيره إلي حجّة الوداع. ثمّ رواه من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس».

«قلت: وقد روي ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، أنّها نزلت علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوم غدير خمّ حين قال لعليٍّ: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه». ثمّ رواه عن أبي هريرة وفيه: إنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، يعني مرجعه عليه السلام من حجّة الوداع.

ولا يصحّ لا هذا ولا هذا.

بل الصواب الذي لا شكّ فيه ولا مرية، أنّها أُنزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة، كما روي ذلك أميرالمؤمنين عمر بن الخطّاب!! وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأوّل ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبداللَّه بن عبّاس، ومسرة بن جندب. وأرسله الشعبي، وقتادة بن دعامة، وشهر بن حوشب، وغير واحدٍ من الأئمّة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمة اللَّه» «1».

أقول:

أوّلًا: إذا كان لم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام، فكيف جاءت

__________________________________________________

(1) تفسير ابن كثير 2/ 14- 15.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 65

الآية وسط أحكام لا علاقة لها بها، وبعدها حلال وحرام؟!

إنّ وضعها في هذا الموضع تمهيدٌ لأن يضع الوضّاعون- بعد ذلك- الأحاديث المختلقة في شأن نزول الآية المباركة؛ حتّي تضيع الحقيقة.

وثانياً:

إذا كان النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قد توفّي بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً، وذلك في الثاني عشر من ربيع الأوّل كما يقولون، فإنّ ذلك يتناسب مع نزول الآية يوم غدير خمّ الثامن عشر من ذي الحجّة لا يوم عرفة التاسع منه!

وثالثاً: هل نزلت الآية يوم عرفة؟! يوم جمعة؟!

في روايةٍ عن عمر: «عشيّة عرفة يوم الجمعة».

وفي روايةٍ أُخري عنه، قال سفيان: «أشكُّ كان يوم جمعة أم لا».

وفي رواية عن عليٍّ- لو صحّت-: «عشيّة عرفة» فقط.

وفي روايةٍ عن ابن عبّاس: «يوم الاثنين» بلا ذِكر ل «يوم عرفة».

وفي روايةٍ عن ابن عبّاس أيضاً: «ليس بيومٍ معلومٍ عند الناس» فلا عرفة، ولا جمعة!

وفي روايةٍ عن أنس بن مالك: «في مسيره إلي حجّة الوداع» فلا عرفة، ولا جمعة، كذلك.

وفي روايةٍ عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: «اليوم الثامن عشر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 66

من ذي الحجّة» يوم غدير خمّ.

وفي روايةٍ أُخري عند البيهقي: «أنّها نزلت يوم التروية» «1».

وفي رواية النسائي، عن طارق بن شهاب، عن عمر- وهو سند البخاري نفسه-: «قال عمر: قد علمت اليوم الذي أُنزلت فيه والليلة التي أُنزلت، ليلة الجمعة، ونحن مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بعرفات» «2».

فالأحاديث متعارضة..

وحتّي التي عن عمر بن الخطّاب!!

فالحقّ: … ص: 66

هو ما قاله أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، ورواه كبار الحفّاظ وأعلام العلماء من أهل السُنّة عن عدّة من الصحابة، من أنّةا إنّما نزلت يوم غدير خمّ، بعدما خطب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خطبته التي قال فيها ما شاء اللَّه أن يقول، وجاء فيها- بعد أن أخذ بيد عليٍّ أمير المؤمنين: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من

عاداه … ».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 8/ 218.

(2) سنن النسائي 5/ 251.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 67

(3): آية سأل سائل … ص: 67

اشارة

قوله تعالي: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ».

أقول:

نذكر أوّلًا أسماء طائفة من رواة الخبر من أبناء العامّة، ليظهر بطلان قول ابن تيميّة: «باطل باتّفاق أهل العلم»، فنقول:

لقد وردت الرواية في كتب القوم عن عدّةٍ كبيرة من الأعلام، ورواه الكثيرون من المحدّثين والمفسّرين المشهورين في كتبهم، وإليك الأسماء:

1- أبو بكر السبيعي، المتوفّي سنة 162.

2- سفيان بن سعيد الثوري، المتوفّي سنة 161.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 68

3- سفيان بن عيينة، المتوفّي سنة 198.

4- أبو نعيم الفضل بن دكين، المتوفّي سنة 219.

5- أبو عبيد الهروي، المتوفّي سنة 223 أو 224.

6- إبراهيم بن حسين الكسائي، ابن ديزيل، المتوفّي سنة 281.

7- أبو بكر النقّاش الموصلي، المتوفّي سنة 351.

8- أبو إسحاق الثعلبي، المتوفّي سنة 427 أو 437.

9- أبو الحسن الواحدي، المتوفّي سنة 468.

10- الحاكم الحسكاني النيسابوري، المتوفّي سنة 470.

11- سبط ابن الجوزي، المتوفّي سنة 654.

12- أبو عبداللَّه محمّد بن أحمد القرطبي، المتوفّي سنة 671.

13- شيخ الإسلام الحموئي الجويني، المتوفّي سنة 722.

14- الشيخ محمّد الزرندي المدني الحنفي، المتوفّي بعد سنة 750.

15- ملك العلماء شهاب الدين الدولة آبادي، المتوفّي سنة 849.

16- نور الدين ابن الصبّاغ المالكي، المتوفّي سنة 855.

17- نور الدين علي بن عبداللَّه السمهودي، المتوفّي سنة 911.

18- شمس الدين الخطيب الشربيني القاهري، المتوفّي سنة 977.

19- أبو السعود محمّد بن محمّد العمادي، المتوفّي سنة 982.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 69

20- جمال الدين المحدّث الشيرازي، المتوفّي سنة 1000.

21- زين الدين عبد الرؤوف المناوي، المتوفّي سنة 1031.

22- نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي، المتوفّي سنة 1044.

23- أحمد بن باكثير المكّي، المتوفّي

سنة 1047.

24- شمس الدين الحفني الشافعي، المتوفّي سنة 1181.

25- أبو عبداللَّه الزرقاني المالكي، المتوفّي سنة 1122.

26- محمّد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، المتوفّي سنة 1182.

27- السيّد مؤمن الشبلنجي المصري، المتوفّي بعد سنة 1322.

28- الشيخ محمّد عبده، المتوفّي سنة 1323.

القضيّة كما في الروايات: … ص: 69

والقضية في مجملها كما في الروايات: إنّه لمّا خطب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خطبته في غدير خمّ، وقال فيها ما شاء اللَّه أن يقول، وذكر أميرالمؤمنين وأهل البيت عليهم السلام حتّي قال: «أيّها الناس! ألست أَولي بكم من أنفسكم؟! قالوا: بلي قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه … » وبايع القوم عليّاً …،

وطار الخبر في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار، فبلغ الناس الّذين لم يكونوا مع رسول اللَّه في حجّته …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 70

أتاه رجل «1» علي ناقةٍ له، فأناخها علي باب مسجده، ثمّ عقلها، فدخل في المسجد، ورسول اللَّه جالس وحوله أصحابه، فجثا بين يديه، فقال:

يا محمّد! إنّك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّااللَّه، وأنّك رسول اللَّه؛ فقبلنا منك ذلك.

وإنّك أمرتنا أن نصلّي خمس صلوات في اليوم والليلة، ونصوم رمضان، ونحجّ البيت، ونزكّي أموالنا؛ فقبلنا منك.

ثمّ لم ترض بهذا، حتّي رفعت بضَبعَي ابن عمّك، وفضّلته علي الناس، وقلت: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه!

فهذا شي ء منك أو من اللَّه؟!

فقال رسول اللَّه- وقد أحمرّت عيناه-: واللَّه الذي لا إله إلّاهو، إنّه من اللَّه وليس منّي. قالها ثلاثاً.

فقام الرجل وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّاً، فأرسل علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذابٍ أليم.

قال الراوي: فواللَّه ما بلغ ناقته حتّي رماه اللَّه من السماء بحجرٍ، فوقع علي هامته، فخرج من دبره،

ومات. وأنزل اللَّه تعالي «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ».

__________________________________________________

(1)

سيأتي الكلام في اسم هذا الرجل.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 71

رواة هذا الخبر من الأئمّة عليهم السلام والأصحاب: … ص: 71

وقد جاء هذا الخبر في كتب القوم بأسانيدهم عن:

1- الإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه السّلام.

2- الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام.

3- الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام.

4- عبداللَّه بن العبّاس.

5- حذيفة بن اليمان.

6- سعد بن أبي وقّاص.

7- أبي هريرة.

من رواته من الأعلام: … ص: 71

ومن رواة الخبر من كبار الأئمّة وأعلام القوم:

1- سفيان بن عيينة:

وهذه نصوص في الثناء الجميل عليه:

قال النووي: «روي عنه: الأعمش، والثوري، وسعر وابن جريج، وشعبة، وهمّام، ووكيع، وابن المبارك، وابن مهدي، والقطّان، وحمّاد بن زيد، وقيس بن الربيع، والحسن بن صالح، والشافعي، وابن وهب، وأحمد بن حنبل … واتّفقوا علي إمامته، وجلالته، وعظيم مرتبته. وُلد

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 72

سفيان سنة 107، وتوفّي يوم السبت غرّة رجب سنة 198» «1».

وقال الذهبي: «العلّامة الحافظ، شيخ الإسلام، كان إماماً، حجّة، وحافظاً، واسع العلم، كبير القدر» «2».

وقال: «أحد الأعلام، ثقة، ثبت، حافظ، إمام» «3».

2- سفيان الثوري:

وهذه نصوص في الثناء الجميل عليه:

قال شعبة، وسفيان بن عيينة، وأبو عاصم النبيل، ويحيي بن معين، وغير واحدٍ من العلماء: سفيان أميرالمؤمنين في الحديث.

وقال سفيان بن عيينة: أصحاب الحديث ثلاثة: ابن عبّاس في زمانه، الشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.

وقال عبّاس الدوري: رأيت يحيي بن معين لا يقدّم علي سفيان في زمانه أحداً في الفقه، والحديث والزهد، وكلّ شي ء.

وقال شعبة: إنّ سفيان سادَ الناس بالورع والعلم.

وقال الخطيب: كان إللاهّ ماً من أئمّة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، مجمعاً علي إمامته بحيث يستغني عن تزكيته، مع الإتقان

__________________________________________________

(1) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 224 رقم 217.

(2) تذكرة الحفّاظ 1/ 224.

(3) الكاشف عن أسماء رجال الصحاح الستّة 1/ 379.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 73

والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد.

وهو من رجال الصحاح الستّة.

واجتمعوا علي

أنّه توفّي بالبصرة سنة 161 «1».

3- ابن ديزيل:

ومن رواة هذا الخبر من الأعلام:

أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين الهمداني الكسائي، ويعرف بابن ديزيل، المتوفّي سنة 281.

وتوجد ترجمته في: تذكرة الحفّاظ 2/ 608، الوافي بالوفيات 5/ 346، البداية والنهاية 11/ 71، طبقات القرّاء 1/ 11، وغيرها … ونحن نكتفي بموجز ما جاء في سير أعلام النبلاء، حيث ترجم له الذهبي قائلًا:

«ابن ديزيل، الإمام الحافظ، الثقة، العابد، سمع بالحرمين ومصر والشام والعراق والجبال، وجمع فأوعي. وُلد قبل المئتين بمُدَيدة، وسمع أبا نعيم، و …

حدّث عنه: أبو عوانة، و …

وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.

قال الحاكم: هو ثقة، مأمون.

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 11/ 164- 169.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 74

وقال ابن خِراش: صدوق اللهجة.

قلت: إليه المنتهي في الإتقان. روي عنه أنّه قال: إذا كان كتابي بيدي وأحمد بن حنبل عن يميني ويحيي بن معين عن شمالي، ما أُبالي. يعني:

لضبط كتبه.

قال صالح بن أحمد في تاريخ همدان: سمعت جعفر بن أحمد يقول: سألت أبا حاتم الرازي عن ابن ديزيل، فقال: ما رأيت ولا بلغني عنه إلّاصدق وخير … » «1».

نقلُ القوم عن تفسير الثعلبي واعتمادهم عليه: … ص: 74

وروي كثير من العلماء هذا الخبر عن تفسير الثعلبي مرتضين إيّاه ومعتمدين عليه، في مختلف الكتب، وإليك بعض عباراتهم:

قال سبط ابن الجوزي: «اتّفق علماء السير أنّ قصّة الغدير بعد رجوع النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم من حجّة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجّة، جمع الصحابة- وكانوا 120 ألفاً- وقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه … الحديث. نصّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم علي ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.

وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده: إنّ النبيّ لمّا قال ذلك،

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 13/ 184.

سلسلة اعرف الحق تعرف

اهله، آيات الغدير، ص: 75

طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث ابن نعمان الفهري … » «1».

وقال السمهودي: «وروي [الإمام الثعلبي في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينة رحمه اللَّه سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» في من نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألةٍ ما سألني عنها أحد قبلك؛ حدّثني أبي، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه: إنّ رسول اللَّه لمّا كان بغدير خمّ، نادي الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليٍّ، وقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان … » «2».

وقال المناوي: بشرح «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»: «وفي تفسير الثعلبي عن ابن عيينة: إنّ النبيّ لمّا قال ذلك طار في الآفاق، فبلغ الحارث بن النعمان، فأتي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد … » «3».

وقال الزرقاني: «وفي تفسير الثعلبي عن ابن عيينة: إنّ النبيّ لمّا قال ذلك طار في الآفاق، فبلغ الحرث بن النعمان، فأتي رسول اللَّه فقال:

__________________________________________________

(1) تذكرة خواصّ الأُمّة: 30.

(2) جواهر العقدين- القسم الثاني- 1/ 98.

(3) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 6/ 218.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 76

يا محمّد … » «1».

وقال ابن الصبّاغ: «ونقل الإمام أبو أسحاق الثعلبي رحمة اللَّه في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينة سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» فيمن نزلت؟ فقال للسائل … » «2».

وقال الزرندي: «ونقل الإمام أبو اسحاق الثعلبي رحمة اللَّه في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينة سئل عن قول اللَّه: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» في من نزلت؟ … » «3».

رواية الحمّوئي الجويني عن الثعلبي بالإسناد: … ص: 76

ورواه شيخ الإسلام الحموئي بالإسناد عن الواحدي عن الثعلبي، حيث قال: «أخبرني

الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران- بمدينة نابلس، في ما أجاز لي أنّ أرويه عنه-، إجازةً عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري، إجازةً عن عبد الجبّار بن محمّد الخواري البيهقي، إجازةً عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي، قال: قرأت علي شيخنا الأُستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره:

__________________________________________________

(1) شرح المواهب اللدنّية 6/ 13.

(2) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: 42.

(3) نظم درر السمطين في فضائل المصطفي والمرتضي والبتول والسبطين: 93.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 77

إنّ سفيان بن عيينة سئل عن قوله عزّوجلّ: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» في مَن نزلت؟ … » «1».

الحمّوئي شيخ الذهبي: … ص: 77

والحمّوئي هذا من مشايخ الحافظ الذهبي، إذ ذكره في معجمه المختصّ، وترجم له قائلًا:

«إبراهيم بن محمّد المؤيّد بن عبداللَّه بن عليّ بن محمّد بن حمويه، الإمام الكبير، المحدّث، شيخ المشايخ، صدر الدين، أبو المجامع، الخراساني الجويني الصوفي. وُلد سنة 644، وسمع بخراسان وبغداد والشام والحجاز، وكان ذا اعتناء بهذا الشأن، وعلي يده أسلم الملك غازان. توفّي بخراسان في سنة 722.

قرأنا علي أبي المجامع إبراهيم بن حمويه سنة 695 … » «2».

رواية ابن أبي حاتم … ص: 77

فإنه أخرج في تفسير الآية،: «حدثنا أبي، ثنا عثمان بن خرزاد، ثنا إسماعيل بن زكريا، ثنا علي بن عابس، عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية «يَا أَيُّهَا

__________________________________________________

(1) فرائد السمطين 1/ 82.

(2) المعجم المختصّ: 65.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 78

الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» في علي بن أبي طالب» «1».

وهذا السند صحيح قطعاً

* أما «أبو حاتم» الرازي، فغنّي عن التعريف.

* وأمّا «عثمان بن خرزاد» وهو عثمان بن عبداللَّه بن محمّد بن خرزاد البصري، أبو عمرو، الحافظ، نزيل أنطاكية المتوفي سنة 281، فهو من رجال النسائي، قال ابن أبي حاتم: كان رفيق أبي في كتابة الحديث في بعض بلدان الشام وهو صدوق، أدركته ولم أسمع منه، وقال الحاكم: ثقة مأمون، وقال مسلمة: كان ثقة حافظاً …

ذكر ابن حجر وغيره هذه الكلمات، وما ذكر له جرحاً من أحد «2».

* وأما «إسماعيل بن زكريا» وهو الخلفاني الأسدي، المتوفي سنة 174، وفهو من رجال الصحاح الستة «3».

* وأما سائر رجال السند فسنذكرهم.

كلمات في الثعلبي وتفسيره: … ص: 78

وهذه كلمات في الثعلبي وتفسيره عن أكابر علماء القوم:

__________________________________________________

(1) تفسير ابن أبي حاتم 2/ 1172 برقم 9: 66.

(2) تهذيب التهذيب 7/ 120.

(3) تهذيب الكمال 3/ 92.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 79

1- ابن خلّكان: «أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، المفسّر المشهور، كان أوحد أهل زمانه في علم التفسير، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير …، وقال أبو القاسم القشري: رأيت ربّ العزّة عزّوجلّ في المنام وهو يخاطبني وأُخاطبه، فكان في ذلك أن قال الربّ تعالي اسمه: أَقبَلَ الرجل الصالح. فالتفتُّ فإذا أحمد الثعلبي مقبل!

وذكره عبد الغافر بن إسماعيل

الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثني عليه، وقال: هو صحيح النقل موثوق به، حدّث عن أبي طاهر ابن خزيمة والإمام أبي بكر ابن مهران المقري، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ. توفّي سنة 427، وقال غيره: توفّي في محرّم سنة 427، وقال غيره: توفّي يوم الأربعاء لسبع بقين من المحرّم سنة 437 رحمه اللَّه تعالي «1».

2- الذهبي: «وفيها توفّي أبو إسحاق الثعلبي، وكان حافظاً، واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، متين الديانة» «2».

3- الصفدي: «كان حافظاً، عالماً، بارعاً في العربية، موثّقاً» «3».

__________________________________________________

(1) وفيّات الأعيان 1/ 61.

(2) العبر في خبر من غبر: حوادث سنة 427.

(3) الوافي بالوفيات 8/ 33.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 80

4- اليافعي: «المفسّر المشهور، وكان حافظاً، واعظاً، رأساً في التفسير والعربية والدين والديانة، فاق تفسير الكبير سائر التفاسير» «1».

5- ابن قاضي شهبة: «أخذ عنه أبو الحسن الواحدي. روي عن أبي القاسم القشيري. قال الذهبي: كان حافظاً، رأساً في التفسير والعربية، متين الديانة» «2».

6- السيوطي: «كان كبيراً إماماً، حافظاً للّغة، بارعاً في العربية» «3».

أسانيد الخبر في كتاب شواهد التنزيل: … ص: 80

وقد روي الحافظ الحاكم الحسكاني- المترجم في بحوثنا- هذا الخبر بأسانيد عديدة، عن بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وعدّةٍ من الصحابة، فرواه قائلًا:

1- «أخبرنا أبو عبداللَّه الشيرازي، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، حدّثنا أبو أحمد البصري، قال: حدّثني محمّد بن سهل، حدّثنا زيد ابن إسماعيل مولي الأنصاري، حدّثنا محمّد بن أيّوب الواسطي، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ … ».

__________________________________________________

(1) مرآة الجنان: حوادث سنة 427.

(2) طبقات الشافعية 1/ 207.

(3) بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة 1/ 356.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 81

2- «حدّثونا عن أبي بكر السبيعي، حدّثنا أحمد بن محمّد

بن نصر أبو جعفر الضبعي، قال: حدّثني زيد بن إسماعيل بن سنان، حدّثنا شريح بن النعمان، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ ابن الحسين، قال: نصب رسول اللَّه عليّاً … ».

3- «ورواه في التفسير العتيق، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الكوفي، قال: حدّثني نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن محمّد بن جهل، قال: أقبل الحارث بن عمرو الفهري إلي النبيّ … ».

«وفي الباب عن: حذيفة، وسعد بن أبي وقّاص، وأبي هريرة، وابن عبّاس».

4- «حدّثني أبو الحسن الفارسي، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن إسماعيل الحسيني، حدّثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدّثنا إبراهيم.

وأخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد البغدادي، حدّثنا أبو محمّد عبداللَّه بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدّثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدّثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا سفيان بن سعيد، حدّثنا منصور، عن ربعي، عن حذيفة ابن اليمان، قال: لمّا قال رسول اللَّه لعليٍّ: من كنت مولاه فهذا مولاه؛ قام النعمان بن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 82

المنذر الفهري، فقال … ».

5- «وأخبرنا عثمان، أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي، حدّثنا الحسين بن محمّد بن مصعب البجلي، حدّثنا أبو عمارة محمّد بن أحمد المهدي، حدّثنا محمّد بن أبي معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول اللَّه بعضد عليّ ابن أبي طالب … » «1».

أقول:

ولو أردنا تصحيح كلّ هذه الأسانيد لطال بنا المقام، لكنّا نكتفي ببيان صحّة واحدٍ منها، وهو الطريق الثاني للخبر الرابع، فنقول:

* وأمّا أبو بكر محمّد البغدادي، فقد قال الحافظ عبد الغافر النيسابوري بترجمته: «محمّد بن محمّد بن عبداللَّه بن

جعفر العطّار الورّاق الحنيفي الحيري، أبو بكر بن أبي سعيد البغدادي، الفقيه. فاضل، ديّن، ظريف، قصير القامة، مليح الشمائل، حدّث عن.. توفّي سنة 416» «2».

* وأمّا عبداللَّه بن أحمد بن جعفر الشيباني النيسابوري، فقد ترجم له الخطيب البغدادي، فقال ما ملخّصه:

__________________________________________________

(1) شواهد التنزيل 2/ 381- 385.

(2) السياق في تاريخ نيسابور: 37.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 83

كان له ثروة ظاهرة، فأنفق أكثرها علي العلم وأهل العلم وفي الحجّ والجهاد وغير ذلك من أعمال البرّ، وكان من أكثر أقرانه سماعاً للحديث، كتب الناس عنه، روي عنه: يوسف بن عمر القوّاس، وابن الثلّاج، وإبراهيم بن مخلد بن جعفر، وأبو الحسن بن رزقويه، وغيرهم، وكان ثقة. توفّي سنة 372 «1».

* وأمّا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، فقد ترجم له الخطيب البغدادي كذلك، فقال:

«عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد … الأسدي القاضي. من أهل همدان. حدّث عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمداني، … وقدم بغداد وحدّث بها، فكتب عن الشيوخ القدماء، وروي عنه: الدارقطني، وحدّثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه بكتاب تفسير ورقاء وغيره، وحدّثنا عنه أيضاً أبو الحسن ابن الحمامي المقري، وأبو علي بن شاذان، وأحمد بن علي البادا … » «2».

وجعله الذهبي من (أعلام النبلاء) وترجم له «3».

ووفاته سنة 352.

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 9/ 391.

(2) تاريخ بغداد 10/ 292.

(3) سير أعلام النبلاء 16/ 15.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 84

وقد ذكروا تكلّم بعض معاصريه فيه بسبب روايته عن إبراهيم ابن الحسين بن ديزيل، بدعوي أنّه لم يدركه، ومن هنا أورده الذهبي في ميزان الاعتدال «1»

، وأوضح ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان بأنّ أبا حفص بن عمر والقاسم بن أبي صالح أنكرا روايته عن

إبراهيم، وقالا:

بلغنا أنّ إبراهيم قرأ كتاب التفسير قبل سنة سبعين، وادّعي هذا- أي:

عبدالرحمن بن الحسن الأسدي- أنّ مولده سنة سبعين، وبلغنا أنّ إبراهيم قلّ أن يمرّ له شي ء فيعيده «2».

أقول:

لقد كان الرجل محدّثاً جليلًا يروي عنه الدارقطني وأمثاله من الأئمّة النقدة المتقنين، وهذا القدر من الكلام فيه لا يضرّ بوثاقته:

أمّا أوّلًا: فلأنّ كلام المعاصر في معاصره غير مسموع، كما نصّ عليه الذهبي وابن حجر في غير موضعٍ من كتبهما «3».

__________________________________________________

(1)

ميزان الاعتدال 2/ 566.

(2) لسان الميزان 3/ 411.

(3) من ذلك: قول الذهبي في الميزان 1/ 111: «كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيّما إذا لاح لك أنّه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلّامن عصم اللَّه، وما علمت أنّ عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك، سوي الأنبياء والصدّيقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس»، وقول ابن حجر في اللسان 5/ 234: «ولا نعتد- بحمد اللَّه- بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 85

وأمّا ثانياً: فلأنّ مبني هذا الكلام هو ولادة عبد الرحمن سنة 270، وأنّ ابن ديزيل قرأ التفسير قبل هذه السنة- كما بلغ القائل-، وأنّ ابن ديزيل قلّ أن يعيد قراءة شي ء.

لكن إذا كانت ولادته سنة 270، ووفاة ابن ديزيل سنة 281- كما تقدّم-، فإنّ من الجائز أن يكون قد سمع منه ما رواه عنه، أو سمع بعضه وسمّعه أبو البعض الآخر، وإذ لا جرح في الرجل من ناحيةٍ أُخري جاز لنا الاعتماد علي خبره، مع رواية الأكابر عنه، ولا يعارض ذلك كلام بعض معاصرية فيه خاصّةً إذا كان استناداً إلي «بلغنا» و «بلغنا».

* وأمّا إبراهيم بن الحسين الكسائي، فهو «ابن ديزيل» وقد

تقدّمت ترجمته.

* وأمّا الفضل بن دكين، فمن رجال الصحاح الستّة. قال ابن حجر الحافظ: «ثقة، ثبت، وهو من كبار شيوخ البخاري» «1».

* وأمّا سفيان بن سعيد، فهو الثوري، المتقدّمة ترجمته.

* وأمّا منصور، فهو منصور بن المعتمر، وهو من رجال الصحاح الستّة، قال الحافظ: «ثقة ثبت، وكان لا يدلّس» «2».

* وأمّا ربعي، فهو ربعي بن خراش، من رجال الصحاح الستّة، قال

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 2/ 110.

(2) تقريب التهذيب 2/ 177.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 86

الحافظ: «ثقة، عابد، مخضرم» «1».

* وأمّا حذيفة بن اليمان، فهو الصحابي الجليل.

دلالة الخبر علي إمامة أميرالمؤمنين عليه السّلام: … ص: 86

ثمّ إن هذا الخبر من أوضح الدلائل علي أنّ قول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في أميرالمؤمنين يوم الغدير: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه»، نصّ قطعي علي إمامته الكبري وولايته العظمي من بعده بلا فصل … لأنّ هذا الكلام من النبيّ إن كان معناه «الحبّ» أو «النصرة» أو ما شابه ذلك من المعاني، لم يكن أيّ اعتراض من ذلك الأعرابي علي رسول اللَّه قائلًا: «هذا منك أو من اللَّه؟!».

بل إنّ كلامه: «أمرتنا … وأمرتنا … ثمّ لم ترض بهذا، حتّي رفت بضبعَي ابن عمّك وفضّلته علي الناس، وقلت: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» صريح في دلالة حديث الغدير علي الإمامة والخلافة..

وإلّا … فلماذا هذا الاعتراض؟! وبهذه الوقاحة؟! حتّي يضطرّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إلي أن يحلف قائلًا- وقد احمرّت عيناه-: «واللَّه الذي لا إله إلّاهو إنّه من اللَّه وليس منّي»، ويكرّر ذلك ثلاثاً؟!

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 243.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 87

وإلّا.. فلماذا يناشد عليٌّ الناس بحديث الغدير؟!

وإلّا … فلماذا يكون في نفس أبي الطفيل شي ء؟!

أخرج أحمد بسند صحيح عن

أبي الطفيل، قال: «جمع عليٌّ الناس في الرحبة، ثمّ قال لهم: أُنشد اللَّه كلّ امري ءٍ مسلمٍ سمع رسول اللَّه يقول يوم غدير خمّ ما سمع، لما قام؛ فقام ثلاثون من الناس …

قال: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له:

إنّي سمعت عليّاً يقول كذا وكذا! قال: فما تنكر؟! قد سمعت رسول اللَّه يقول له ذلك» «1».

وإلّا … وإلّا … إلي غير ذلك ممّا سيأتي بحول اللَّه وقوتّه في مباحث حديث الغدير.

مع ابن تيميّة: … ص: 87

نعم، لولا دلالة حديث الغدير علي إمامة الأمير عليه الصلاة والسلام، لم يعترض ذاك الأعرابي علي اللَّه ورسوله، فخرج بذلك عن الإسلام، ولاقي جزاءه في دار الدينا، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقي …

ولولا دلالته علي إماة الأمير لما تبع ابن تيميّة ذاك الأعرابي الجلف الجافّ، وزعم أنّ أهل المعرفة بالحديث قد اتّفقوا علي أنّ هذا الحديث

__________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 4/ 370.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 88

من الكذب الموضوع.

وقد ظهر أنّ للحديث طرقاً كثيرة، بعضها صحيح ورواته كبار الأئمّة والحفّاظ والأعلام من أبناء العامّة، فهو حديث معتبر مستفيض.

ثمّ ذكر وجوهاً في إبطال الحديث، كشف بها عن جهله المفرط وتعصّبه الشديد، حتّي أعرض عنها بعض أتباعه وجعل أهمّها:

1- كون السورة مكيّة.

2- كون الآية: «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ … » من سورة الأنفال، وهي نازلة ببدرٍ، قبل قضية غدير خمّ بسنين.

وهذا نصّ كلام ابن تيميّة المشتمل علي المطلبين:

«فيقال لهؤلاء الكذّابين: أجمع الناس كلّهم علي أنّ ما قاله النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بغدير خمّ كان مرجعه من حجّة الوداع، والشيعة تسلّم هذا وتجعل ذلك اليوم عيداً، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، والنبيّ لم يرجع

إلي مكّة بعد ذلك، بل رجع من حجّة الوداع إلي المدينة، وعاش تمام ذي الحجّة والمحرّم وصفر، وتوفّي في أوّل ربيع الأوّل.

وفي هذا الحديث أنّه بعد أن قال هذا بغدير خمّ وشاع في البلاد جاء الحرث وهو بالأبطح، والأبطح بمكّة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متي كانت قصّة غدير خمّ؛ فإنّ هذه السورة «سَأَلَ سَائِلٌ» - مكّية باتّفاق

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 89

أهل العلم، نزلت بمكّة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خمّ بعشر سنين أو أكثر من ذلك، فكيف نزلت بعده؟!

وأيضاً: قوله: «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ» في سورة الأنفال، وقد نزلت ببدر بالاتّفاق، قبل غدير خمّ بسنين كثيرة، وأهل التفسير متّفقون علي أنّها نزلت بسببِ ما قاله المشكرون للنبيّ قبل الهجرة، كأبي جهلٍ وأمثاله … » «1».

أقول:

هذا لفظ ابن تيميّة، وقد أسقط منه بعض مقلّديه جملةً منه، لوضوح بطلانه وسقوطه، وحذف منه قوله: «أجمع الناس كلّهم»، وبدّل لفظ «الشيعة» ب: «الرافضة»، وغير ذلك من التصرّفات.

فكان ممّا أسقط منه: إنّ الأبطح بمكّة … فإنّ هذا جهل من ابن تيميّة، لأنّ الأبطح في اللغة هو: المسيل الواسع فيه دقاق الحصي كما لا يخفي علي من راجع الكتب اللغوية من الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها في مادّة «بطح»، قالوا: «ومنه بطحاء مكّة».

بل ذكر السمهودي في كتابه في تاريخ المدينة المنوّرة في بقاعها ما يسمّي بالبطحاء «2».

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 4/ 13، الطبعة القديمة.

(2) خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفي 246.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 90

وأمّا أنّ سورة المعارج مكّية، فالجواب:

أوّلًا: إن كونها مكّية لا يمنع من كون بعضها مدنيّاً، حتّي الآيات الأُولي لوجود نظائر لذلك في القرآن الكريم، كما

هو مذكور في كتب هذا الشأن، بل تكفي مراجعة كتب التفسير في أوائل السور، حيث يقولون مثلًا: مكّية إلّاكذا من أوّلها، أو الآية الفلانيّة.

وثانياً: إنّه لا مانع من تكرّر نزول الآية المباركة، ولهذا أيضاً نظائر في القرآن الكريم، وقد عقد له باب في كتب علوم القرآن، مثل الإتقان للحافظ السيوطي.

وأمّا أنّ الآية «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ … » مدنيّة نزلت في واقعة بدرٍ، فالاعتراض به عجيب جدّاً، وقد كان علي مقلّده أن يسقطه أيضاً، إذ ليس في الرواية عن سفيان بن عيينة ذِكرٌ لنزول هذه الآية في قضية غدير خمّ، وإنّما جاء فيها أنّ الأعرابي خرج وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقوله محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء … فما هو وجه الإشكال؟!

هذا، وقد تعرّضنا للجواب عن جميع جهات كلام ابن تيميّة في الآية في كتابنا الكبير «1».

__________________________________________________

(1) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8/ 364- 381.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 91

وبقي شي ء: … ص: 91

وهو: أنّه إذا كانت الآية «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ» من (سورة الأنفال)، ونازلة في واقعة بدر، ولا علاقة لها بقضية الأعرابي المعترض علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بعد واقعة غدير خمّ، فلماذا ذكر الحاكم النيسابوري الخبر التالي في تفسير (سورة المعارج) من كتاب التفسير من المستدرك؟!

وهذا نصّ عبارته:

«تفسير سورة «سَأَلَ سَائِلٌ». بسم اللَّه الرحمن الرحيم: أخبرنا محمّد بن عليّ الشيباني بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا عبيداللَّه بن موسي، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ* مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ»: ذي الدرجات.

«سَأَلَ سَائِلٌ». قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة، قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ

من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء.

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرّجاه».

وافقه الذهبي علي التصحيح «1».

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 2/ 502.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 92

بل إذا رجعت إلي المستدرك في سورة الأنفال، لا تجد الرواية هناك أصلًا …

وبماذا يجيب ابن تيميّة وأتباعه عن هذا الذي فعله الحاكم والذهبي وهما الإمامان الحافظان الكبيران؟!

لا سيّما وأنّ راوي هذا الخبر الصحيح هو سفيان الثوري، وقد وقع في طريق خبر صحيح آخر في القضيّة- كما تقدّم بالتفصيل-، والمرويّ عنه هو سعيد بن جبير، ولابُدّ وأنّه أخذ الخبر من ابن عبّاس، وهو أحد رواة خبر نزول آية «سَأَلَ سَائِلٌ» في قضية غدير خمّ … مضافاً إلي أنّ أغلب رواته من الشيعة.

الحقيقة: إنّ هذا الخبر من جملة الأخبار الصحيحة في نزول «سَأَلَ سَائِلٌ» في قضيّة غدير خمّ، ويشهد بذلك كلام بعض المفسّرين بتفسير الآية مع ذكر القضيّة، حيث يذكر عن ابن عبّاس أنّ السائل للعذاب بعد قضيّة غدير خمّ هو «النصر بن الحارث بن كلدة».

ففي تفسير الخطيب الشربيني ما نصّه: «اختلف في هذا الداعي، فقال ابن عبّاس: هو النضر بن الحارث؛ وقيل: الحارث بن النعمان.

وذلك أنّه لمّا بلغه قول النبيّ: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه … » «1».

__________________________________________________

(1) السراج المنير 4/ 380.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 93

وفي تفسير القرطبي: «وهو النضر بن الحارث … قال ابن عبّاس ومجاهد. وقيل: إنّ السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري، وذلك أنّه لمّا بلغه … » «1».

فذكرا قولين، أحدهما مطابق لرواية الحاكم، والآخر مطابق لرواية الثعلبي.

وعن تفسير أبي عبيدة الهروي أنّه: «جابر بن النضر بن الحارث ابن كلدة» «2».

ومنهم من صحّف «الحارث بن النعمان» إلي «النعمان بن

المنذر» وهو أيضاً عن سفيان الثوري، وبسنده صحيح «3».

ومنهم من صحّفه إلي «النعمان بن الحارث» «4».

ومنهم من صحّفه إلي «الحارث بن عمرو» «5».

ومنهم من قال: «فقام إليه أعرابي» «6».

__________________________________________________

(1) تفسير القرطبي 18/ 278.

(2) الغدير 1/ 239.

(3) شواهد التنزيل 2/ 384.

(4) شواهد التنزيل 2/ 381.

(5) شواهد التنزيل 2/ 382.

(6) شواهد التنزيل 2/ 385.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيات الغدير، ص: 94

ومنهم من قال: «بعض الصحابة» «1».

ومنهم من قال غير ذلك …

والموضوع بحاجةٍ إلي تحقيق أكثر ليس هذا موضعه …

لكنّ الأكثر علي أنّه «الحارث بن النعمان» كما في تفسير الثعلبي.

وهنا اعترض ابن تيميّة قائلًا:

«هذا الرجل لا يُعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي تذكرها الطرقية».

وهو مردود بأنّ هذا الرجل مرتدّ بردّه علي اللَّه والرسول، وكتب الصحابة قد اشترط أصحابها أن يذكروا فيها من مات من الصحابة علي الإسلام.

وإن كان ابن تيميّة يراه- مع ذلك- مُسلماً، فإنّ كتب الصحابة لم تستوعب كلّ أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وهم علي مسلكهم يعدّون بعشرات الآلاف.

وهذا موجز الكلام حول نزول هذه الآية في قضية يوم غدير خمّ، وباللَّه التوفيق.

__________________________________________________

(1) حاشية الحفني علي الجامع الصغير 2/ 387.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.