سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك المجلد 3

اشارة

سرشناسه : حسيني ميلاني، علي 1326 -

عنوان و نام پديدآور : مسأله فدك وحديث انا معاشرالانبياء لانورث/تاليف علي حسيني ميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقايق، 1388.

مشخصات ظاهري : 88 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 3

شابك : 978-964-2501-08-3

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : كتاب حاضر در سال 1386 توسط همين ناشر با عنوان ٓفدك در فراز و نشيب: پژوهشي در مورد فدك در پاسخ به يك دانشور سني ٓبه فارسي ترجمه شده است .

عنوان ديگر : حديث انا معاشرالانبياء لانورث

موضوع : فاطمه زهرا (س)، 8؟ قبل از هجرت - 11ق.

موضوع : فدك

شناسه افزوده : مركز الحقائق الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP27/25 /ح55م5 1388

رده بندي ديويي : 297/973

شماره كتابشناسي ملي : 1810608

كلمة المركز … ص: 4

أخرج البخاري:

عن أبي بكر أنّ النّبي (صلّي اللَّه عليه وآله) قال:

«إنّا معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرفه أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق

الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 7

المقدمة … ص: 7

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين.

وبعد، فقد جاءتني رسالة من أحد الفضلاء من أبناء السنّة عبر الإنترنيت، يطلب منّي البحث في قضيّة فدك، (قال): «بشرط أن لا ننظر إليها بغير منظارها، ولا نزنها بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين، بل نقف عليها وقفة تأمّل، وننظر إليها بمنظار منصف لا ينقاد إلي عاطفته، بل إلي الحقّ حيث كان، علي ضوء المصادر الموثوقة والأخبار المعتبرة عند أهل السنّة فيها» (قال): «لنكن حياديين ولنضع النقاط علي الحروف بكلّ حياد، كأي قضيّة بين اثنين يراد النظر فيها علي أساس الموازين الصحيحة، للوصول فيها إلي الواقع والحقيقة».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 8

الأسئلة المطروحة: … ص: 7

ثمّ طرح الأسئلة التالية (فقال) ما ملخّصه:

أوّلًا: لماذا هذا الاهتمام البالغ بقضيّة فدك، والقضايا من هذا القبيل في تاريخ الإسلام كثيرة … فماذا يريد علماء الشيعة من وراء الاهتمام بها؟

وثانياً: قد اختلفت دعوي الزهراء، فتارةً تدّعي النحلة وأُخري تدّعي الإرث، فما الوجه في ذلك؟ وكيف الجمع بينهما؟

وثالثاً: إنّنا نحترم عليّاً، ولكنّه زوج الزهراء، علي أنّه لا تتمُّ بوحده البيّنة.

ورابعاً: إنّ أبا بكر قد سمع من رسول اللَّه صليّ اللَّه عليه وسلّم قوله: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، فكان عليه أن يعمل بقوله، وهل يفرّق بين ما إذا كانت الدعوي من ابنته أو غيرها؟

وخامساً: إنّ الزهراء امرأة كسائر النساء وكسائر البشر، ترضي وتغضب، فماذا يكون إنْ غضبت علي أبي بكر لعدم تسليم فدك إيّاها؟

وسادساً: عندنا في بعض الأخبار أنّ أبا بكر هو الذي صلّي علي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 9

جنازتها، ممّا يدلّ علي رضاها عن

أبي بكر.

وسابعاً: إنّ الشيعة لا يورثّون المرأة من العقار، كما في رواياتهم.

وثامناً: روي الكليني في الكافي عن أبي عبد اللَّه قوله: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: وإنّ العلماء ورثوا الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً …

وتاسعاً: إنّه لو كان الحقّ مع الزهراء، فلماذا لم يأخذ علي فدكاً حين وصل إليه الحكم؟

فكتبت إليه:

إنّه قد ثبت لدي كلّ باحثٍ حرّ منصف، أنّ علماء الشيعة الاثني عشريّة كانوا- وما زالوا- يستقبلون بكلّ رحابة صدر، أي سؤال يرد عليهم حول الفكر الشيعي، إنْ كان المقصود من ورائه هو الوصول إلي الحق والكشف عن الحقيقة، وهم في جميع بحوثهم يلتزمون بأدب المناظرة والحوار، ولا يتكلّمون إلّابالاستناد إلي البيّنات القائمة من الأدلّة المتّفق عليها بين الجانبين، أو ما تمليه المصادر القديمة الموثوق بها عند الطرف الآخر.

وسيتجلّي ذلك في هذا البحث أيضاً، مع كونه بحثاً حسّاساً جدّاً وهامّاً للغاية، … وهو يقع تحت عنوانين رئيسين:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 10

أحدهما: مسألة فدك.

والآخر: حديث إنا معاشر الأنبياء.

واللَّه أسأل أنْ ينفع به المؤمنين، وأن يجعله وسيلةً لهداية من كان لها أهلًا، بمحمد وآله الطاهرين.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 11

(1)

مسألة فدك … ص: 11

اشارة

وكذلك كانت- وما زالت- بحوث هذه الطائفة في قضايا صدر الإسلام بصورةٍ عامّةٍ، وفي قضايا الزهراء بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بصورة خاصّة، ومن أهمّها قضيّة فدك.

سبب الاهتمام بقضايا الزهراء عليها السلام … ص: 11

وكان اهتمامنا بقضايا الزهراء عليها السلام لسببين:

الأوّل: عصمة الزهراء الطاهرة الثابتة بالكتاب والسنّة، ومكانتها عند اللَّه ورسوله والمؤمنين.

والثاني: ارتباط قضاياها بمسألة الإمامة والخلافة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم ارتباطاً وثيقاً جدّاً.

كما أنّ الاهتمام بخصوص فدك من الزهراء نفسها وأئمّة أهل البيت وشيعتهم، منذ اليوم الأوّل، لم يكن لمجرّد كونها بستاناً أو مزرعةً

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 12

لها قيمتها المادية الفائقة وغلّاتها الوافرة في ذلك الزمان، وإنّما كان الغرض هو الإعلان عن أمر آخر يتعلّق بأصل الدين ومصير المسلمين إلي يوم القيامة.

لكنّك أردت البحث عن هذه القضيّة بقطع النظر عن مكانة الزهراء البتول وقلت: «لنكن حياديين هاهنا، ولننسي أنّ المطالب امرأة نحبّها ونجلّها لأنّها بنت نبيّنا صلي الله عليه و آله و سلم، وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند اللَّه عزّ وجلّ ما لها، والطرف الآخر هو أبو بكر، وهو عدوّ للشيعة، وما دام عدوّاً فكلّ الشرّ فيه، وكلّ الخطأ في رأيه، بل لنقول:

قول وفعل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم فوق كلّ قولٍ وفعل من كلّ أحدٍ … ».

أقول: فلننظر في القضيّة و «لنكنْ حياديين» و «لننسي أنّ المطالب امرأة نحبّها ونجلّها» لها مكانتها، ولننسي خصوصيّات «فدك» من موقعها الجغرافي ومساحتها ومواردها … أمّا بالنسبة إلي علاقة الموضوع وارتباطه بمسألة الإمامة والولاية فنكتفي بالإشارة إلي أنّه:

ارتباط الموضوع بمسألة الإمامة … ص: 12

1- قال في شرح المواقف: «المقصد الرابع في الإمام الحق بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. وهو عندنا أبو بكر، وعند الشيعة علي رضي اللَّه عنهما.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 13

لنا وجهان: الأوّل: إنّ طريقه إمّا النصّ أو الإجماع بالبيعة. أمّا النصّ، فلم يوجد، لما سيأتي.

وأمّا الإجماع، فلم يوجد علي غير أبي بكر، اتفاقاً من الأُمّة … » «1».

ففي هذا الكلام تصريح بعدم النصّ علي إمامة أبي بكر، وأنّ الدليل المدّعي علي إمامته هو الإجماع فقط.

2- وقال في شرح المواقف أيضاً: «المقصد الثاني في شروط الإمامة: الجمهور علي أنّ أهل الإمامة ومستحقّها من هو: مجتهد في الأُصول والفروع، ليقوم بأُمور الدين، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينيّة … شجاع قوي القلب، ليقوي علي الذبّ عن الحوزة والحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك …

نعم يجبْ أن يكون عدلًا في الظاهر، لئلّا يجور، فإنّ الفاسق ربّما يصرف الأموال في أغراض نفسه، فيضيّع الحقوق، عاقلًا ليصلح للتصرّفات الشرعيّة والملكيّة. بالغاً، لقصور عقل الصبي …

فهذه الصفات التي هي الثمان أو الخمس شروط معتبرة في الإمامة بالإجماع» «2».

__________________________________________________

(1) شرح المواقف 8/ 354.

(2) شرح المواقف 8/ 349- 350.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 14

وفي هذا الكلام تصريح باشتراط الإمامة بالعلم والعدالة …

بالإجماع … ولننس اشتراطها بالشجاعة «بالثبات في المعارك» كما قال، فلا نتعرّض لحال أبي بكر في أُحد «1» وفي خيبر «2» …

اعطاء النبي فاطمة فدكا … ص: 14

وأقول: إنّ الذي تفيده الروايات: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أعطي فاطمة فدكاً، وقد كانت ملكاً له، لكونها أرضاً لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب.

فهاهنا دعويان:

الأُولي: في أنّ ما كان من هذا القبيل فهو للنبيّ صلي الله عليه و آله و سلم خاصّةً، وأكتفي بإيراد ملخّص كلام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن)، فإنّه ذكر بتفسير قوله تعالي: «وما أفاء اللَّه علي رسوله منهم فما

__________________________________________________

(1) انظر خبره في أُحد، في رواية أبي داود الطيالسي وابن سعد والطبراني وابن حبّان والدارقطني وابن عساكر والضياء المقدسي وغيرهم، في كنز

العمّال 10/ 424- 426 برقم 30025.

(2) انظر خبره في خيبر، برواية أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة والبزّار والطبري والطبراني والحاكم والبيهقي والضياء والهيثمي وآخرين، في كنز العمّال 10/ 461- 472 ح 30117- 30135.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 15

أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكنَّ اللَّه يسلّط رسله علي من يشاء واللَّه علي كلّ شي ء قدير» «1»

«قوله تعالي «وما أفاء اللَّه» يعني: ما ردّه اللَّه تعالي «علي رسوله» من أموال بني النضير «فما أوجفتم عليه» أوضعتم عليه والإيجاف: الايضاع في السير وهو الإسراع … والركاب الإبل واحدها راحلة. يقول: لم تقطعوا إليها شقّةً ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقّةً … إلّاالنبي، فإنّه ركب جملًا وقيل حماراً مخطوماً بليف، فافتتحها صلحاً وأجلاهم وأخذ أموالهم، فسأل المسلمون النبي أنْ يقسّم لهم فنزلت «وما أفاء اللَّه … » فجعل أموال بني النضير للنبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم خاصّةً يضعها حيث شاء، فقسّمها النبيّ بين المهاجرين …

وفي صحيح مسلم عن عمر قال: كانت أموال بني النضير ممّا أفاء اللَّه علي رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركاب، وكانت للنبي صلّي اللَّه عليه وسلّم خاصّة …

وفي هذا بيان أنّ تلك الأموال كانت خاصّةً لرسول اللَّه دون أصحابه» «2».

والمهمُّ هو دلالة الآية المباركة علي الدعوي الاولي، وهي كبري

__________________________________________________

(1) سورة الحشر: الآية 6.

(2) تفسير القرطبي؛ الجامع لأحكام القرآن: المجلد 9، الجزء 18، ص 9- 10.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 16

القضيّة، وإنْ وقع الكلام بينهم في أنّ أموال بني النضير من هذا القبيل أو لا، كما جاء في كلام الفخر الرّازي بتفسير الآية المباركة، حيث ذكر عن المفسّرين نفي ذلك، وجعل فدكاً مصداقاً للآية المباركة، وبذلك

تثبت:

الدعوي الثانية، وهذا نصّ كلام الفخر الرازي:

«ثمّ ههنا سؤال وهو: إن أموال بني النضير أُخذت بعد القتال، لأنّهم حوصروا أياماً وقاتلوا وقتلوا ثمّ صالحوا علي الجلاء، فوجب أنْ تلك الأموال من جملة الغنيمة لا من جملة الفي ء. ولأجل هذا السؤال ذكر المفسّرون ههنا وجهين:

الأوّل: إنّ هذه الآية ما نزلت في قري بني النضير، لأنّهم أوجفوا عليهم بالخيل والركاب، وحاصرهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم والمسلمون، بل هو في فدك، وذلك لأنّ أهل فدك انجلوا عنه فصارت تلك القري والأموال في يد الرسول عليه السلام من غير حرب … » «1».

فالحاصل: إنّ كلّ ما وقع بيد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم صلحاً فهو ملك شخصيٌ له، وإنّ فدكاً من هذا القبيل، كما نصّ عليه الرازي نقلًا عن المفسّرين.

__________________________________________________

(1) تفسير الرازي المجلد 15/ ج 29/ ص 284 والآية في سورة الحشر: 6.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 17

وهو صريح كلام كبار علماء القوم في الحديث والمغازي، كالزهري وابن إسحاق كما عن الجوهري «1».

وهو صريح المؤرخين والمؤلّفين في البلدان كياقوت الحموي فإنّه قال في (فدك): «قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة. أفاءها اللَّه علي رسوله صلّي اللَّه عليه وسلّم في سنة سبع صلحاً، وذلك أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم لمّا نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلّاثلث واشتدّ بهم الحصار، راسلوا رسول اللَّه يسألونه أن ينزلهم علي الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلي رسول اللَّه أنْ يصالحهم علي النصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلي ذلك، فهو ممّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب، فكانت خالصةً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

وفيها عين فوّارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة

رضي اللَّه عنها: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم نحلنيها، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: أُريد لذلك شهوداً. ولها قصّة. ثمّ أدّي اجتهاد عمر بن الخطاب بعده لمّا ولي الخلافة وفتحت الفتوح واتّسعت علي المسلمين أن يردّها إلي ورثة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فكان

__________________________________________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 16/ 210 في ذكر ما ورد من السير والأخبار في أمر فدك.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 18

علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه والعبّاس بن عبد المطّلب يتنازعان فيها، فكان علي يقول: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم جعلها في حياته لفاطمة وكان العباس يأبي ذلك ويقول: هي ملك لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلي عمر رضي اللَّه عنه فيأبي أنْ يحكم بينهما ويقول: أنتما أعرف بشأنكما، أمّا أنا فقد سلّمتها إليكما … فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلي عامله بالمدينة يأمره بردّ فدك إلي ولد فاطمة … » «1».

وكذلك في (مراصد الاطّلاع) فقال: «فدك، بالتحريك، وآخره كاف: قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، قيل: ثلاثة، أفاءها اللَّه تعالي علي رسوله عليه السلام صلحاً، فيها عينٌ فوّارة … » «2».

أقول: لقد جاء في كلام ياقوت عن أمير المؤمنين عليه السلام في فدك:

«إنّ النّبي جعلها في حياته لفاطمة» وعن العبّاس: «هي ملك لرسول اللَّه وأنا وارثه» وهذا إشارة إلي حديث أخرجه مسلم في صحيحه وسنذكره فيما بعد، والمقصود هنا الاحتجاج بدلالته علي قول علي والعباس بكون فدك ملكاً شخصيّاً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وإلّا لم يكن للعباس أن يدّعي استحقاقه له من باب الإرث، كما جاء في

__________________________________________________

(1) معجم البلدان 4/

270- 271 رقم 9053.

(2) مراصد الاطّلاع علي الأمكنة والبقاع 3/ 1020.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 19

هذا الحديث كما هو واضح.

فتبيّن ممّا ذكرنا، أنّ فدكاً كانت ملكاً لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بدلالة الكتاب والسنّة، وأنّ أمير المؤمنين والزهراء قد طالبا بها، لأنّ النبي «جعلها في حياته لفاطمة»، فلا يبقي مجالٌ للتوهّم في المقام، لا في الكبري ولا في الصغري

وأضافت الأخبار: أنّ إعطاءَه إيّاها كان بأمرٍ من اللَّه عزّ وجلّ …

وهذا ما أشار إليه أبو الفتح الشهرستاني في كتابه، إذ قال:

«الخلاف السادس: في أمر فدك والتوارث عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، ودعوي فاطمة عليها السلام وراثةً تارةً وتمليكاً أُخري» «1».

فالزهراء عليها السلام ادّعت أنّ النبي صلي الله عليه و آله و سلم وهبها فدكاً، وهذا موجود في سائر المصادر، مثل (تفسير الرازي) و (الصواعق) و (الرياض النضرة) و (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفي) وغيرها.

أمّا دعواها فصادقة، لقيام البيّنة من طرق أهل السنّة، وذلك أنّ النبي لمّا أنزل اللَّه عزّ وجلّ: «وآت ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» «2»

أعطي فاطمة فدكاً … وقد روي هذا الخبر كبار الأئمة وأعلام حفّاظ الحديث من

__________________________________________________

(1) الملل والنحل 1/ 13.

(2) سورة الإسراء: الآية 26.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 20

أهل السنّة، ومنهم:

أبو بكر البزّار (ت 291)

وأبو يعلي الموصلي (ت 307)

وابن أبي حاتم الرازي (ت 327)

وابن مردويه الاصبهاني (ت 410)

والحاكم النيسابوري (ت 405)

وأبو القاسم الطبراني (ت 360)

وابن النجّار البغدادي (ت 643)

ونور الدين الهيثمي (ت 807)

وشمس الدين الذهبي (ت 748)

وجلال الدين السيوطي (ت 911)

وعلي المتّقي الهندي (ت 975)

وغيرهم «1».

فثبت إلي هنا:

__________________________________________________

(1) الدر المنثور 5/ 273؛ مجمع الزوائد 7/ 49؛ ميزان الاعتدال 2/ 228؛

كنز العمّال 3/ 767.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 21

أوّلًا: إنّ النبي أعطي فاطمة فدكاً.

وثانياً: إنّ هذا الإعطاء كان بأمرٍ من اللَّه.

وثالثاً: إنّ أبا بكر انتزع فدكاً من فاطمة.

ولذا أرسله مثل صاحب الصواعق إرسال المسلَّم إذ قال: «إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً» «1».

والتفتازاني- لمّا ذكر أنّ عمر بن عبد العزيز أرجع فدكاً إلي أبناء الزهراء عليها السلام- كما سيأتي- قال: «ثمّ ردّها عمر بن عبد العزيز أيّام خلافته إلي ما كانت عليه» «2».

وقد تبيّن من ذلك:

إنّ الزهراء عليها السلام كانت صاحبة اليد علي فدك، وأنّه لم يكن لها مخاصم في ذلك، بل المخاصم هو أبو بكر نفسه، فهو الذي انتزع الملك من يد مالكه، فلا بدّ وأنْ يقيم هو الدليل الشرعي علي ما فعل.

وقول الكاتب: «فإنّنا لا يمكن أن نقبلها، لاعتبارٍ آخر، وهو نظريّة العدل بين الأبناء» اعتراضٌ علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فيما قال وفعل، كيف؟ وقد أفادت الأخبار أنّ فعله كان اتّباعاً لقوله تعالي: «وآتِ

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 31.

(2) شرح المقاصد: 5/ 279.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 22

ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» … كما عرفت.

علي أنّه لا يحلّ مشكلة أبي بكر في تصرّفه، وهذا مورد البحث الآن … !

المطالبة بفدك نحلةً وإقامة البيّنة … ص: 22

ولمّا جاءته معترضةً علي ما فعل، مطالبةً بملكها، طالبها بالبيّنة علي كون فدك ملكاً لها، نحلةً من أبيها!

إنّه قد تقرّر في الشريعة الاسلاميّة- علي جميع فرقها ونحلها- أنّ صاحب اليد لا يطالب بالبيّنة، بل البيّنة علي من يدّعي خلاف مقتضي اليد، وهذا أمر ضروري يعلمه أقلّ الطلبة في الشريعة، فإنْ كان أبو بكر يعلم بهذا الحكم وخالفه فهو «ظالم» وإلّا فهو «جاهل» … وقد تقدم أنه

لا يصلح للإمامة بالإجماع «فلنكن حياديين» …

لكنّها- مع ذلك- جاءت بعلي عليه السلام والحسنين وأُمّ أيمن شهوداً علي أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قد أعطاها فدكاً … هذا الأمر الذي ورد الخبر به أيضاً عن أبي سعيد الخدري وابن عبّاس، كما في مصادر القوم «1».

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور 5/ 273- 274.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 23

فهؤلاء هم الذين شهدوا إعطاء النبي فدكاً للزهراء، إذ إنّه قد أعطاها إيّاها في بيتها، لا في المسجد وبمحضرٍ من الناس …

أمّا علي … فقد روي الفريقان عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنّه قال: علي مع الحقّ والحقّ مع علي …

علي مع الحقّ والحقّ مع علي … ص: 23

وهذا الحديث من الأحاديث القطعيّة الثابتة عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، وقد رواه أكثر من عشرين صحابياً، منهم: أمير المؤمنين، أبو بكر، أبو ذر، عمّار، عبد اللَّه بن عبّاس، أبو سعيد الخدري، سلمان، أبو أيّوب الأنصاري، جابر بن عبد اللَّه، سعد بن أبي وقّاص، عائشة، أُمّ سلمة …

ورواه أكثر من مئة حافظ ومحدّث وعالم … من أهل السنّة: فمن رواته الأعلام والثقات عند القوم:

الترمذي، في حديثٍ بسنده عن علي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، وقد جاء فيه: «رحم اللَّه عليّاً، اللهمّ أدر الحقّ معه حيث دار» «1».

الحاكم النيسابوري، رواه بسنده كذلك، وقال: «هذا حديث

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 5/ 592 ح 3714.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 24

صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه» «1».

وأخرج بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: «لمّا سار علي إلي البصرة، دخل علي أُمّ سلمة زوج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يودّعها، فقالت: سر في حفظ اللَّه وفي

كنفه، فواللَّه إنّك لعلي الحقّ والحقّ معك، ولولا أنّي أكره أن أعصي اللَّه ورسوله- فإنّه أمرنا صلّي اللَّه عليه وسلّم أن نقرّ في بيوتنا- لسرت معك، ولكن- واللَّه- لأُرسلنّ معك من هو أفضل عندي وأعزّ عليَّ من نفسي، ابني عمر». قال الحاكم بعد أحاديث هذا ثالثها: «هذه الأحاديث الثلاثة كلّها صحيحة علي شرط الشيخين ولم يخرجاها». ووافقه الذهبي «2».

أبو يعلي، عن أبي سعيد الخدري قال: «كنّا عند بيت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في نفرٍ من المهاجرين والأنصار فقال: ألا أُخبركم بخياركم؟ قالوا: بلي، قال: الموفون المطيّبون، إنّ اللَّه يحبّ الحفي التقي. قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا» «3».

البزّار، عن سعد بن أبي وقّاص- في كلامٍ له مع معاوية-:

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 134- 135 ح 4629.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 129 ح 4611.

(3) مجمع الزوائد 7/ 234- 235 باب في ما كان في الجمل وصفّين وغيرهما.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 25

«سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: علي مع الحقّ، أو:

الحقّ مع علي حيث كان. قال: من سمع ذلك؟ قال: قاله في بيت أُمّ سلمة. قال: فأرسل إلي أُمّ سلمة فسألها فقالت: قد قاله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في بيتي … » «1».

الطبراني، عن أُمّ سلمة، أنّها كانت تقول: «كان علي علي الحقّ، من اتّبعه اتّبع الحقّ، ومن تركه ترك الحقّ، عهد معهود قبل يومه هذا» «2».

الخطيب البغدادي، روي بسنده «عن أبي ثابت مولي أبي ذر قال: دخلت علي أُمّ سلمة، فرأيتها تبكي وتذكر عليّاً وقالت: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: علي مع الحقّ والحقّ مع علي، ولن يفترقا

حتّي يردا عليَّ الحوض يوم القيامة» «3».

ابن عساكر، روي بسنده «عن أبي ثابت مولي أبي ذر، قال:

دخلت علي أُمّ سلمة … » «4».

الزمخشري، روي حديث أبي ثابت المذكور بزيادةٍ مهمّة،

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 7/ 235- 236.

(2) مجمع الزوائد 9/ 134- 135 باب الحق مع علي.

(3) تاريخ بغداد 14/ 320- 321 ح 7643.

(4) تاريخ دمشق 42/ 449.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 26

وذلك أنّه استأذن علي أُمّ سلمة: «فقالت: مرحباً بك يا أبا ثابت، ثمّ قالت: يا أبا ثابت، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطيرها؟ قال: تبع علياً. قالت: وفّقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: علي مع الحقّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع علي، ولنْ يتفرّقا حتّي يردا علي الحوض» «1».

أقول: ومن الحديث الأخير يعلم اتحاد الحديثين: «علي مع الحقّ والحقّ مع علي» و «علي مع القرآن والقرآن مع علي» وأنّ كلّاً منهما عبارة أُخري عن الآخر، وقد أخرجه كثير من الأئمّة باللفظ الثاني، ومنهم: الحاكم النيسابوري والذهبي مصحّحين إيّاه «2».

الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة … ص: 26

وأمّا الحسنان … فقد ورد في حقّهما عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة» «3».

__________________________________________________

(1) ربيع الأبرار 1/ 828- 829.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 134 ح 4628.

(3) أخرجه الترمذي 5/ 614 ح 3768 والنسائي في الخصائص: 99 ح 124، وأحمد في المسند 3/ 3، والحاكم في المستدرك 3/ 182 ح 4778 و 4779 و 4780، والطبراني في الكبير 3/ 35 ح 2605، والأوسط 1/ 173- 174 ح 368، وأبو يعلي في المسند 2/ 395 ح 1169، وابن أبي شيبة في المصنّف 7/ 512 ب 23 ح 2، وابن ماجة في السنن 1/ 44 ح

118، وأبو نعيم في حلية الأولياء 4/ 139 ح 206، وابن حبّان كما في الاحسان 9/ 55 ح 118، والطحاوي في مشكل الآثار 2/ 269 ب 310 ح 2103، والبغوي في شرح السنّة 8/ 104 ح 3935، وآخرون.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 27

أُمّ أيمن من أهل الجنّة … ص: 27

وأمّا أُمّ أيمن … فقد شهد لها النّبي بالجنّة، كما أخرج ابن سعد (ت 230) باسناده عن سفيان بن عقبة قال: «كانت أُمّ أيمن تلطّف النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وتقوم عليه، فقال رسول اللَّه: من سرّه أن يتزوّج امرأةً من أهل الجنّة فليتزوّج أُمّ أيمن. فتزوّجها زيد بن حارثة، فولدت له أُسامة بن زيد» «1».

ورواه الحافظ ابن حجر بترجمتها عنه «2».

ولننسَ كلّ ذلك … كما قال الكاتب …

فأقول: لقد روي حضورها عند أبي بكر ومطالبتها، ثمّ شهادة الإمام وغيره، غير واحدٍ من الأعلام المشاهير عند أهل السنّة.

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 10/ 213 رقم 11899.

(2) الإصابة في تمييز الصحابة 8/ 172 رقم 11899.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 28

كالفخر الرازي «1» وابن حجر المكّي «2» والحلبي الشافعي «3» وياقوت الحموي «4» والسمهودي المدني «5» والقاضي الإيجي والجرجاني «6» وغيرهم.

وقالوا: إنّ أبا بكرٍ ردّ الشهادة ولم يقبلها.

ماذا كان علي أبي بكر أن يفعل؟ … ص: 28

فلننظر في القضيّة «ولنكن حياديين» ونسأل: لماذا ردّ الشهادة هذه؟

__________________________________________________

(1) التفسير الكبير 29/ 284- 286.

(2) الصواعق المحرقة: 25.

(3) السيرة الحلبيّة 3/ 486- 489.

(4) معجم البلدان 4/ 270- 273 رقم 9053.

(5) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفي 3/ 995- 1001.

(6) شرح المواقف 8/ 356.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 29

قال سعد الدين التفتازاني- في معرض كلامه علي وجوه القدح في إمامة أبي بكر-: «ومنها: إنّه منع فاطمة- رضي اللَّه تعالي عنها- فدك، وهي قرية بخيبر، مع أنّها ادّعت أنّ النّبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قد نحلها إيّاها ووهبها منها، وشهد بذلك علي رضي اللَّه عنه، وأُمّ أيمن، فلم يصدّقهم، وصدّق أزواج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في ادّعاء الحجرة لهنَّ من غير شاهد، ومثل هذا الجور والميل لا يليق بالإمام،

ولهذا ردّ عمر بن عبد العزيز من المروانيّة فدك إلي أولاد فاطمة رضي اللَّه تعالي عنها».

فكان الجواب منه أنْ قال: «والجواب: انّه لو سلّم صحّة ما ذكره، فليس علي الحاكم أنْ يحكم بشهادة رجلٍ وامرأة، وإنْ فرض عصمة المدّعي والشاهد» «1».

وقال الشريف الجرجاني: «ولعلّه لم ير الحكم بشاهدٍ ويمين» «2».

أقول: ونحن نتكلّم بغضّ النظر عن العصمة الثابتة لعلي والزهراء عليهما السلام، لأنّ في القائلين بإمامة أبي بكر من يناقش في ذلك:

كان له أنْ يحكم بشهادة علي وحده، كما حكم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم

__________________________________________________

(1) شرح المقاصد 5/ 278- 279.

(2) شرح المواقف 8/ 356.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 30

بشهادة خزيمة بن ثابت وحده، فلقّب بذي الشهادتين «1».

وكما قضي صلي الله عليه و آله و سلم بشهادة عبد اللَّه بن عمر وحده «2».

وهل كان علي أقلّ منزلةً من خزيمة وعبد اللَّه بن عمر؟ وما ضرّه لو تبع النبي صلّي اللَّه عليه وآله في عمله؟

وكان له أن يطلب اليمين من الزهراء إلي جنب شهادته عليه السلام حسب ميزان القضاء، وقد نزل جبرائيل علي رسول اللَّه «3» بالقضاء بالشاهد الواحد مع يمين المدّعي وقضي به صلي الله عليه و آله و سلم «4» فلماذا لم يعمل أبو بكر بذلك؟

لكنّ اللَّه سبحانه قبل شهادة أمير المؤمنين وحده، فقد روي السيوطي بتفسير قوله تعالي: «أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» «5»

قال: «أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب قال: ما من رجلٍ من قريش إلّانزل فيه طائفة من

__________________________________________________

(1) سنن أبي داود 3/ 306- 307 ح 3607.

(2) جامع الأُصول 10/ 187 ح 7686

وفيه أن مروان ابن الحكم هو الذي قبل شهادة عبداللَّه بن عمر وحده لا النبي صلّي اللَّه عليه وآله أخرجه البخاري.

(3) كنز العمّال- كتاب الخلافة 5/ 585 ح 14040.

(4) جامع الأُصول 10/ 184- 185 ح 7681- 7685 أخرجه مسلم وأبو داود ومالك والترمذي.

(5) سورة هود: الآية 17.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 31

القرآن. فقال له رجل: ما نزل فيك؟ قال: أمّا تقرأ سورة هود «أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» «1»

؟ رسول اللَّه علي بيّنةٍ من ربّه وأنا شاهد منه.

وأخرج ابن مردوديه وابن عساكر عن علي في الآية قال: رسول اللَّه علي بيّنةٍ من ربّه وأنا شاهد منه.

وأخرج ابن مردويه من وجهٍ آخر عن علي قال: قال رسول اللَّه «أفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» أنا «وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» علي» «2».

وهكذا … كذّب أبو بكر فاطمة الزهراء وعليّاً وسائر الشهود …

لكنّ السؤال هو:

لكنّه كذّب عليّاً والزهراء وصدّق جابراً!

فلماذا صدّق جابراً- لمّا جاءه مال البحرين وعنده جابر- في قوله له: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إذا أتي مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك- ثلاثاً-. فقال له أبو بكر: تقدّم فخذ بعددها. فأخذ جابر من بيت مال المسلمين من غير بيّنة بل بمجرّد الدعوي «3».

فكيف قبلت دعوي مجرّدة من جابر بن عبد اللَّه، وردّت دعوي

__________________________________________________

(1) سورة هود: الآية 17.

(2) الدرّ المنثور مجلد 4 ج 12/ 409- 412.

(3) أخرجه البخاري كما ستعلم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 32

فاطمة بنت رسول اللَّه المعصومة بآية التطهير وغيرها كتاباً وسنةً، وصاحبة اليد علي فدك، وفي الشهود لها علي والحسنان وأُم أيمن؟!

ولو تنزّلنا عن كلّ ذلك، فهو صحابي من الأصحاب، وهي أيضاً صحابيّة من

أصحاب رسول اللَّه! فهل من جوابٍ معقول ومقبول عند اللَّه والرسول؟

وإنْ شئت الرجوع إلي شُرّاح الحديث من كبار الأئمة، فهذه كلماتهم:

قال الكرماني نقلًا عن الطحاوي: «وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه، فلقوله صلّي اللَّه عليه وسلّم: من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. فهو وعيد، ولا يظنُّ بأنَّ مثله يقدم عليه» «1».

وقال ابن حجر العسقلاني: «وفيه قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو جرَّ ذلك نفعاً لنفسه، لأنّ أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً علي صحّة دعواه» «2».

وقال العيني بعد نقل كلام ابن حجر: «قلت: إنّما لم يلتمس شاهداً منه، لانّه عدل بالكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فقوله تعالي: «كُنْتُمْ

__________________________________________________

(1) شرح الكرماني علي صحيح البخاري 10/ 125.

(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 4/ 599 ح 2296.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 33

خَيْرَ أُمَّةٍ ثمّ خرجت للناس» «1»

، «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» «2»

فمثل جابر إن لم يكن من خير أُمّةٍ فمن يكون؟ وأمّا السنّة، فقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «من كذّب عليَّ متعمّداً» الحديث. ولا يظنّ ذلك لمسلم فضلًا عن صحابي، فلو وقعت هذه المسألة اليوم فلا يقبل إلّا ببيّنة» «3».

فإذا كانت الآيتان تدلّان علي عدالة جابر لكونه من الصحابة، فالزهراء كذلك.

وإذا صحّ قولهم إنّه إذا لم يكن مثل جابرٍ من خير أُمّةٍ فمن يكون؟! فالزهراء يصحّ في حقّها ذلك.

وإذا كان الحديث المذكور وعيداً ولا يظنّ بأنّ مثل جابرٍ يقدم عليه، فكذلك لا يظنّ بأنّ مثل الزهراء تقدم عليه.

وإذا كان لا يظنّ ذلك لمسلم فضلًا عن صحابي، فإنّ الزهراء وجابراً كليهما منزّهان عن ذلك.

وعلي الجملة، كيف لا يظنُّ بجابرٍ- بل أي فردٍ من المسلمين- أنْ

__________________________________________________

(1) سورة آل عمران: الآية 110.

(2)

سورة البقرة: الآية 143.

(3) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري مجلد 6 ج 12/ 120- 121، ح 5 باب من تكفّل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 34

يكذب علي رسول اللَّه، ولا يكون الحال بالنسبة إلي الزهراء كذلك؟

«لنكن حياديين» ونعترف بأنّ الحقّ مع الزهراء الطاهرة، وأنّها قد ظُلمت، ولنفهم أنّ للنزاع علي فدك خلفيّات هي أخطر وأعظم من مسألة فدك وغير فدك!!

المطالبة بفدك إرثا … ص: 34

إذن … لم يُسمع قول الصدّيقة الطاهرة، ورُدّت شهودها …

ومعني ذلك كون فدك من تركة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم … وحينئذٍ، يحقّ لها أن تطالب بها بعنوان «الإرث»، لأنّ المفروض بقاؤها علي ملك النبي، فتكون من تركته، وما تركه الميّت من ملك أو حقّ فهو لوارثه، والزهراء ابنته الوحيدة، فلماذا تمنع إرثها من أبيها … ؟!

وأبو بكر الذي صمّم علي المنع، لا يمكنه نفي شي ء من هذه الأُمور، فلا يمكنه أنْ يقول بأن فدكاً لم تكن ممّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب لتكون ملكاً للنبي، ولا يمكنه إنكار أن الزهراء بنته، ولا يمكنه أن ينفي استحقاقها الإرث منه …

لكنّه مصمّم علي منعها، فماذا يفعل هذه المرّة؟!

جاءت إليه ولسان حالها: إنّك تذعن بكون فدك ملكاً لأبي، وتذعن بأنّي وارثته الوحيدة، فلماذا وضعت يدك عليها وأنت تعلم بأنّها الآن ملك لي إرثاً؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 35

قالت له: يابن أبي قحافة، أترث أباك ولا أرث أبي؟!

هكذا في رواية الفريقين، في كلامٍ طويل لها معه، يغني قوّة متنه عن النظر في سنده، إلّاأنّ من الطبيعي أن لا يرويه أتباع أبي بكر وأشياعه، وإنْ كنّا وجدناه عند أحمد بن أبي طاهر البغدادي،

المعروف بابن طيفور، المتوفّي سنة 280 «1»، رواه في كتابه (بلاغات النساء) «2».

وأبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، المتوفّي سنة 323، رواه في كتابه (السقيفة وفدك) كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. قال: «وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب، ثقة ورع، أثني عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته» «3».

وأبو عبيد اللَّه محمّد بن عمران المرزباني، المتوفّي سنة 384، رواه بسنده عن عروة عن عائشة، كما في (الشافي في الإمامة) «4» و (شرح النهج) «5».

والحديث أخرجه أحمد بلفظ: أنّها قالت لأبي بكر: «أنت ورثت

__________________________________________________

(1) ترجم له الخطيب في التاريخ 4/ 211- 212 رقم 1900 وأثني عليه، وكذا غيره.

(2) انظر: بلاغات النساء: 58.

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/ 210.

(4) الشافي في الامامة 4/ 69- 70.

(5) شرح النهج 16/ 249.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 36

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أم أهله؟! قال: فقال: بل أهله» «1».

والحلبي بلفظ: «وفي لفظ أنها رضي اللَّه تعالي عنها قالت له: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي؛ فقالت: فمالي لا أرث أبي؟» قال: «ودخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها.

قال: فماذا تنفق علي المسلمين وقد حاربتك العرب كما تري؟! ثمّ أخذ عمر الكتاب فشقّه» «2».

وفي رواية البخاري ومسلم: أنّها أرسلت إليه أيضاً في ذلك، فقد أخرجا عن عائشة واللفظ للأول: «إنّ فاطمة عليها السلام بنت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أرسلت إلي أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ممّا أفاء اللَّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: لا نورَثُ ما تركنا

صدقة، إنّما يأكل آل محمّد صلّي اللَّه عليه وسلّم في هذا المال، وإني- واللَّه- لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

فأبي أبو بكر أنْ يدفع إلي فاطمة منها شيئاً.

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 4.

(2) إنسان العيون «السيرة الحلبية»: 3/ 488.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 37

فوجدت فاطمة علي أبي بكر فهجرته، فلم تكلّمه حتّي توفّيت.

وعاشت بعد النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ستّة أشهر.

فلمّا توفّيت، دفنها زوجها علي ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّي عليها.

وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة» «1».

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5/ 288 ح 256: باب غزوة خيبر، صحيح مسلم 5/ 152: كتاب الجهاد والسير: باب حكم الفي ء.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 39

(2)

حديث: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث … ص: 39

اشارة

وحينئذٍ، يقع الكلام في ما نسبه أبو بكر وحده إلي النبي عليه وآله الصلاة والسلام …

أمّا أنّه انفرد به أبو بكر، فهذا ما نصّ عليه كبار الحفّاظ والمحدّثين من أهل السنّة، كأبي القاسم البغوي المتوفّي سنة 317، وأبي بكر الشافعي المتوفّي سنة 354، وابن عساكر المتوفّي سنة 571، والجلال السيوطي المتوفّي سنة 911، وابن حجر المكّي المتوفّي سنة 973، والمتّقي الهندي المتوفّي سنة 975.

الاعتراف بكونه ممّا تفرّد به أبو بكر … ص: 39

قال الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911): «أخرج أبو القاسم البغوي وأبو بكر الشافعي في فوائده وابن عساكر عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لما توفي رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام … اختلفوا في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 40

ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذلك علماً. فقال أبو بكر: سمعت رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» «1».

وقال ابن حجر المكّي في صواعقه: «اختلفوا في ميراث النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، فما وجدوا عند أحدٍ في ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول اللَّه … » «2».

ورواه المتّقي الهندي فقال: «حم م د وابن جرير، هق» «3».

ونصّ علي انفراده به كبار الأئمّة الأُصوليّين في مباحث خبر الواحد من كتبهم الأُصوليّة، وجعلوه من أهمّ وأشهر الأخبار التي انفرد بها آحاد من الصحابة، ولننقل طائفةً من عباراتهم كذلك:

قال القاضي عضد الدين الإيجي بشرح قول ابن الحاجب:

«يجب العمل بخبر الواحد العدل خلافاً للقاساني و … لنا: تكرّر العمل به كثيراً من الصحابة والتابعين شائعاً ذائعاً من غير نكير … » قال:

__________________________________________________

(1) تاريخ الخلفاء: 86 وانظر: تاريخ دمشق 30/ 311 وفيه: «تركنا».

(2) الصواعق المحرقة: 19 وفيه «واختلفوا في ميراثه لما وجدنا …

(3) انظر: كنز العمال

5/ 604 ح 1409 عن ابن سعد. أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن الجارود وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي و ج 11/ 20 ح 30458 عن أحمد والبيهقي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 41

«قد ثبت جواز التعبّد بخبر الواحد، وهو واقع، بمعني أنّه يجب العمل بخبر الواحد، وقد أنكره القاساني والرافضة وابن داود.

والقائلون بالوقوع قد اختلفوا في طريق إثباته، والجمهور علي أنّه يجب بدليل السمع، وقال أحمد والقفال وابن سريج وأبو الحسين البصري بدليل العقل. لنا: إجماع الصحابة والتابعين، بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد، وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصي، وقد تكرّر ذلك مرّةً بعد أُخري، وشاع وذاع بينهم، ولم ينكر عليهم أحد، وإلّا نقل، وذلك يوجب العلم العادي باتّفاقهم كالقول الصريح، وإن كان احتمال غيره قائماً في كلّ واحدٍ واحدٍ، فمن ذلك:

أنّه عمل أبو بكر بخبر المغيرة في ميراث الجدّة، وعمل عمر …

وعمل الصحابة بخبر أبي بكر: الأئمّة من قريش، و: الأنبياء يدفنون حيث يموتون. و: نحن معاشر الأنبياء لا نورث.

إلي غير ذلك ممّا لا يجدي استيعاب النظر فيه إلّا التطويل … » «1».

وقال الرازي في المسألة: «المسلك الرابع: الإجماع، العمل بالخبر الذي لا يقطع بصحّته مجمع عليه بين الصحابة، فيكون العمل

__________________________________________________

(1) شرح المختصر 2/ 58- 59.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 42

به حقّاً. إنّما قلنا: إنّه مجمع عليه بين الصحابة، لأنّ بعض الصحابة عمل بالخبر الذي لا يقطع بصحّته، ولم ينقل عن أحدٍ منهم انكار علي فاعله، وذلك يقتضي حصول الإجماع. وإنّما قلنا: إنّ بعض الصحابة عمل به، لوجهين: الأوّل: وهو أنّه روي بالتواتر: أنّ يوم السقيفة لمّا احتج أبو بكر- رضي اللَّه

عنه- علي الأنصار بقوله عليه الصلاة والسلام: الأئمّة من قريش، مع أنّه مخصّصٌ لعموم قوله تعالي: «أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ» «1»

قبلوه ولم ينكر عليه أحد …

الثاني: الاستدلال بأُمورٍ لا ندّعي التواتر في كلّ واحدٍ منها، بل في مجموعها. وتقريره: أنّ نبيّن أنّ الصحابة عملوا علي وفق خبر الواحد، ثمّ نبيّن أنّهم إنّما عملوا به لا بغيره. أمّا المقام الأوّل، فبيانه من وجوه:

الأوّل: رجوع الصحابة إلي خبر الصدّيق في قوله عليه الصلاة والسلام: الأنبياء يدفنون حيث يموتون. وفي قوله: الأئمّة من قريش.

وفي قوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث … » «2».

وقال الغزّالي: «وكلام من ينكر خبر الواحد ولا يجعله حجّةً في غاية الضعف، ولذلك ترك توريث فاطمة- رضي اللَّه عنها- بقول أبي بكر: نحن معاشر الأنبياء لا نورث. الحديث. فنحن نعلم أنّ تقدير

__________________________________________________

(1) سورة النساء 4: 59.

(2) المحصول في علم الأُصول 2/ 180- 181.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 43

كذب أبي بكر وكذب كلّ عدل، أبعد في النفس من تقدير كون آية المواريث مسوقة لتقدير المواريث، لا للقصد إلي بيان حكم النبي عليه الصلاة والسلام … » «1».

وقال الآمدي- في مبحث حجّيّة خبر الواحد-: «ويدلّ علي ذلك ما نقل عن الصحابة من الوقائع المختلفة الخارجة عن العدّ والحصر، المتفقة علي العمل بخبر الواحد ووجوب العمل به، فمن ذلك ما روي عن أبي بكر الصدّيق- رضي اللَّه عنه- أنّه عمل بخبر المغيرة و … ومن ذلك عمل جميع الصحابة بما رواه أبو بكر الصدّيق من قوله: الأئمّة من قريش، ومن قوله: الأنبياء يدفنون حيث يموتون. ومن قوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة … » «2».

وقال علاء الدين البخاري: «وكذلك أصحابه

عملوا بالآحاد وحاجّوا بها في وقائع خارجة عن العدّ والحصر، من غير نكير منكر ولا مدافعة دافع … ومنها: رجوعهم إلي خبر أبي بكر رضي اللَّه عنه في قوله عليه السلام: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة … » «3».

وقال عبد العلي الأنصاري: «ولنا ثانياً: إجماع الصحابة علي

__________________________________________________

(1) المستصفي في علم الأُصول 2/ 121- 122.

(2) الإحكام في أُصول الأحكام 2/ 297- 298.

(3) كشف الأسرار في شرح أُصول البزدوي 2/ 688.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 44

وجوب العمل بخبر العدل … فمن ذلك: أنّه عمل الكلّ من الصحابة بخبر خليفة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أبي بكر الصدّيق رضي اللَّه تعالي عنه: الأئمّة من قريش، ونحن معاشر الأنبياء لا نورث … » «1».

وقال نظام الدين الأنصاري- في مبحث وجوب قبول خبر الواحد، من (شرح المنار في علم الأُصول)-: «ولهم أيضاً: الإجماع، وتفصيله- علي ما في التحرير- أنّه تواتر عن الصحابة- رضوان اللَّه تعالي عليهم- في وقائع خرجت عن الإحصاء يفيد مجموعها اجماعهم علي وجوب القبول … فلنعد جملةً: منها: عمل أمير المؤمنين أبي بكر الصدّيق بخبر المغيرة …

وأيضاً: إنّ الإجماع قد ثبت علي قبول خبر أبي بكر: الأئمّة من قريش. و: نحن معاشر الأنبياء لا نورث …

وهاهنا دغدغة: فإنّ ذلك يستلزم أن ينسخ الكتاب بخبر الواحد، فإنّه قبل انعقاد الإجماع كان خبراً واحداً محضاً، وفي الكتاب توريث البنت مطلق. نعم، إنّ أبا بكر إذ سمع من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فلا شبهة عنده، فإنّه أتم من التواتر، فصحّ له ذلك مخصّصاً أو نسخاً، بخلاف مغيرة، فإنّه إنّما خصّ أو نسخ بخبر الواحد. وبعد

__________________________________________________

(1) فواتح الرحموت- شرح مسلّم الثبوت- هامش

المستصفي 2/ 132.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 45

الإجماع فإنّما الإنساخ والتقييد بخبر الواحد عند المحقّقين.

والجواب: إنّ عمل أمير المؤمنين أبي بكر بمنزلة قوله وقول غيره من الصحابة: إنّ هذا منسوخ، وهو حجّة في النسخ، مع أنّ طاعة أُولي الأمر واجبة».

أقول: والمتكلّمون أيضاً يعترفون- في كتبهم الكلاميّة- بانفراد أبي بكر في رواية هذا الحديث عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، ونحن نكتفي بذكر كلام بعضهم:

قال القاضي الإيجي وشارحه الشريف الجرجاني ما نصّه:

«شرائط الإمامة ما تقدّم، وكان أبو بكر مستجمعاً لها، يدلّ عليه كتب السير والتواريخ، ولا نسلّم كونه ظالماً. قولهم: كان كافراً قبل البعثة، تقدّم الكلام فيه، حيث قلنا: الظالم من ارتكب معصيةً تسقط العدالة بلا توبةٍ وإصلاح، فمن آمن عند البعثة وأصلح حاله لا يكون ظالماً. قولهم: خالف الآية في منع الإرث. قلنا: لمعارضتها بقوله عليه السلام:

نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. فإن قيل: لا بدّ لكم من بيان حجّيّة ذلك الحديث الذي هو من قبيل الآحاد ومن بيان ترجيحه علي الآية.

قلنا: حجّيّة خبر الواحد والترجيح ممّا لا حاجة لنا إليه ها هنا، لأنّه رضي اللَّه عنه كان حاكماً بما سمعه من رسول اللَّه، فلا اشتباه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 46

عنده في سنده» «1».

وقال سعد الدين التفتازاني: «فممّا يقدح في إمامة أبي بكر- رضي اللَّه تعالي عنه- أنّه خالف كتاب اللَّه تعالي في منع إرث النبي، بخبر رواه وهو: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة، وتخصيص الكتاب إنّما يجوز بالخبر المتواتر دون الآحاد.

والجواب: إنّ خبر الواحد- وإن كان ظنّي المتن- قد يكون قطعي الدلالة، فيخصّص به عامّ الكتاب لكونه ظنّي الدلالة وإن كان

قطعي المتن، جمعاً بين الدليلين، وتمام تحقيق ذلك في أُصول الفقه، علي أنّ الخبر المسموع من فم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم إن لم يكن فوق المتواتر فلا خفاء في كونه بمنزلته، فيجوز للسامع المجتهد أن يخصص به عامّ الكتاب» «2».

«فلنكن حياديين» ولنتأمّل هذه الكلمات، لنستكشف منها طرفاً من واقع الحال:

__________________________________________________

(1) شرح المواقف 8/ 355 المقصد الرابع.

(2) شرح المقاصد 5/ 278.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 47

ما كان أبو بكر محتاجاً إليه … ص: 47

أوّلا: إنّ العلماء- المحدثين والأُصوليين والمتكلمين- متّفقون علي أنّ هذا الخبر قد انفرد أبو بكر بروايته عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم … فهو كلامٌ لم يسمعه من النبي أحد غيره، لا صهره علي، ولا عمّه العبّاس، ولا ابنته الزهراء، ولا أزواجه، حتّي عائشة بنت أبي بكر، بل لم يسمعوه من أبي بكر إلي تلك اللحظة حتّي عائشة … مع حاجتهم إلي معرفة هذه المسألة وعدم كون أبي بكر محتاجاً إلي معرفتها!!

يقول الفخر الرازي: «إنّ المحتاج إلي معرفة هذه المسألة ما كان إلّا فاطمة وعلي وعبّاس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهّاد والعلماء وأهل الدين، وأمّا أبو بكر، فإنّه ما كان محتاجاً إلي معرفة هذه المسألة ألبتّة، لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يرث من الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف يليق بالرسول عليه الصلاة والسلام أنْ يبلّغ هذه المسألة إلي من لا حاجة به إليها ولا يبلّغها إلي من له إلي معرفتها أشدّ الحاجة» «1».

__________________________________________________

(1) التفسير الكبير مجلد 5 ج 9/ 218، أقول: تذكّرت بمناسبة هذا الكلام من الرازي كلام بعض الفقهاء في كتبهم الفقهيّة في مسألة شرعيّةٍ هي: هل ينتقض الوضوء بمسّ الرجل ذكره أو لا؟ وقد روت

حديث الانتقاض بسرة بنت صفوان، فيقول ابن الهمام الحنفي في (شرح فتح القدير 1/ 56): «قد ثبت عن علي وعمّار بن ياسر وابن عباس وعبداللَّه بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقّاص أنّهم لا يرون النقض منه، ولو كان هذا الحديث ثابتاً لكان لهم معرفة بذلك. والقائلون بنقض الوضوء من مسّ الذكر لم يستدلّوا بذاك الحديث، ولم يقل أحد أنّي سمعت رسول اللَّه وروي من روي عن بسرة، ويبعد كلّ البعد أن يلقي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حكماً إلي من لا يحتاج إليه، ولا يلقي إلي من يحتاج إليه، فعلم أنّ فيه انقطاعاً باطناً والحديث غير صحيح».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 48

إذن، ففي ثبوت الحديث من أصله نظر، فما ظنّك بمن جاء في القرون المتأخّرة وحاول اثبات التواتر له عن رسول اللَّه … !!

تنبيه علي خبرين آخرين تفرّد بهما أبو بكر: … ص: 48

لقد ذكرت في الكتب الأُصولية ثلاثة أحاديث تفرّد بها أبو بكر أحدها: حديث الإرث، وهو موضوع بحثنا.

والثاني: حديث «الأئمة من قريش» والظاهر أنه هو الحديث الذي ذكره أبو بكر في السقيفة وخصم به الأنصار.

أقول: وهنا أيضاً بحث هامٌّ.

لأن ظاهر كلام القوم أنه حديث سمعه أبو بكر من رسول اللَّه ولم يسمعه غيره، وهذا شي ء عجيب، إذ كيف يخبر رسول اللَّه أبا بكر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 49

وحده دون سائر المسلمين عمّا يتعلّق بمصير الإسلام وأهله إلي يوم الدين؟ وكيف لم يُسمَع من أبي بكر ذلك إلي تلك الساعة في السقيفة؟

إلّا أن يقال بأن العلماء قد اشتبهوا في ذكر هذا الحديث في عداد الأخبار الآحاد عن أبي بكر، وإنما هو حديث «الأئمة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش» وهو

مراد أبي بكر، لكنّ هنا بحثاً آخر، وهو أنه إذا كان الأنصار قد سمعوا هذا الحديث من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله فكيف اجتمعوا في السقيفة لتعيين الخليفة من بينهم كما يقال؟

إن كانوا سمعوه وخالفوه فهم فسّاق غير عدول، وإن لم يكونوا سمعوه عاد السؤال! لأنّ المفروض صدور هنا الحديث عن رسول اللَّه في جمع من الأصحاب بالمدينة؟

اللّهم إلّاأن نقول بعدم ثبوت ذيله وهو «كلّهم من قريش» لأنّ الراوي لم يسمعه من رسول اللَّه وإنّما أُملي عليه من غيره، لكثرة لغط الحاضرين. لمّا تكلّم رسول اللَّه بذلك، كما في صحاح القوم وغيرها ويشهد بذلك وجود الحديث في الكتب من دون هذا الذيل، أو نقول بأن اجتماع الأنصار في السقيفة لم يكن لتعيين الخليفة، وللتحقيق عن هذا الموضوع المهم الخطير مجال آخر.

والثالث: حديث «الأنبياء يدفنون حيث يموتون» والظاهر أنّه قاله بمناسبة وفاة رسول صلّي اللَّه عليه وآله تعييناً لموضع دفنه، وهذا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 50

أيضاً ممّا لا نصدّق به:

أمّا أوّلًا: فلأنه لم يكن أبو بكر محتاجاً إلي ذلك دون علي وأهل بيت النبي صلّي اللَّه عليه وآله.

وأمّا ثانياً: فلأن أبا بكر ترك جنازة رسول اللَّه علي الأرض وذهب إلي السقيفة لينازع علي الرئاسة ولم يخرج منها إلّابعد دفن النبي، فمن الذي سأله؟ ومتي؟ حتّي يقول ذلك.

وثالثاً: إنّ الذي تولّي أُمور رسول اللَّه بوصيةٍ منه هو أمير المؤمنين عليه السلام فهو الذي غسّله وكفّنه ودفنه، وهو الذي عيّن موضع قبره لمّا اختلف الحاضرون، ففي الخبر: «فقال بعضهم يدفن بالبقيع، وقال وآخرون: يدفن في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ اللَّه لم يقبض نبيّه إلّافي أطهر البقاع، فينبغي أن يدفن في البقعة

التي قبض فيها، فاتفقت الجماعة علي قوله عليه السلام ودفن في حجرته» «1».

القرآن يكذّبه … ص: 50

وثانياً: إنّ القرآن الكريم يكذّب هذا الحديث، فهو يقول: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث» وفي القرآن المجيد: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ» «2»

__________________________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6/ 2- 3/ ب 1.

(2) سورة النمل: الآية 16.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 51

وفيه عن زكريّا عليه السلام: «وإنِّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً» «1»

. وكلّ ما خالف كتاب اللَّه فهو مردود بالضرورة.

لأنّ حقيقة الميراث لغةً وشرعاً هي انتقال ما للمورّث من ملكٍ أو حقٍّ إلي ورثته بعد موته بحكم اللَّه كما في الفقه، وحمل ذلك علي النبوّة والعلم خلاف الظاهر.

بل إنّ النبوّة ليست من الأُمور التي تُطلب من اللَّه لكونها اصطفاءً واجتباءً من اللَّه عزّ وجلّ، لا دخل لأحدٍ فيها ولا أثر لطلبٍ من أحدٍ لها.

بل إنّ في الآيات قرائن عديدة تؤكّد علي أنّ المقصود هو المال لا النبوّة والعلم، فقد جاء فيها عن داود وسليمان: «وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً» «2»

وعن يحيي: «وآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً» «3»

. وفي سؤال زكريّا طلب الولي من ولده حتّي يحجب الموالي من الميراث، وهذا لا يتحقّق في غير المال، وطلب أنْ يكون رضيّاً، والنّبي لا يكون إلّا رضيّاً.

وممّا يؤكّد ما ذكرناه: تصريح غير واحدٍ من أئمّة التفسير عند

__________________________________________________

(1) سورة مريم: الآيتان 5 و 6.

(2) سورة الأنبياء: الآية 79.

(3) سورة مريم: الآية 12.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 52

القوم بأنّ المراد في هذه الآيات هو إرث المال لا العلم والنبوّة، كما لا يخفي علي من يراجع تفسيري الطبري والرازي وغيرهما من أشهر تفاسيرهم، بتفسير تلك الآيات.

فظهر

سقوط محاولة بعض الناس صرف الآيات عن ظواهرها دفاعاً عن أبي بكر.

علي والعبّاس كذّباه: … ص: 52

وثالثاً: قد ثبت أنّ أميرالمؤمنين عليّاً والعبّاس لم يقبلا خبره وكذّباه، كما في حديثٍ أخرجه مسلم عن مالك بن أوس قال: قال عمر لهما: «فلما توفّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، قال أبو بكر: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسّم، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، واللَّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّي أبو بكر وأنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً» «1».

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب حكم الفي ء 5/ 152.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 53

وفي آخر أخرجه أحمد والبزّار- وقال: حسن الاسناد- عن ابن عبّاس، قال: «لمّا قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم واستخلف أبو بكر، خاصم العبّاس عليّاً في أشياء تركها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فقال أبو بكر: شي ء تركه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فلم يحرّكه فلا أُحرّكه، فلمّا استخلف عمر رضي اللَّه عنه اختصما إليه، فقال: شي ء لم يحرّكه فلا أُحرّكه، فلمّا استخلف عثمان اختصما إليه، فأسكَتَ عثمان ونكّس رأسه. قال ابن عبّاس: فخشيت أن يأخذه، فضربت بيدي بين كتفي العبّاس، فقلت: يا أبت أقسمت عليك إلّا سلّمته لعليّ» «1».

تنبيهٌ علي تحريف البخاري: … ص: 53

لقد حرّف البخاري الحديث المشتمل علي: «فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً … » فتصرّف في هذه الجملة بأشكالٍ مختلفة، فأخرجه في باب فرض الخمس: «قال عمر: ثمّ توفّي اللَّه نبيّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه

عليه وسلّم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، واللَّه يعلم أنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ، ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر، فكنت

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 5/ 586- 587 رقم 14044.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 54

أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وما عمل فيها أبو بكر، واللَّه يعلم أنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق» «1».

وأخرجه في كتاب المغازي، باب حديث بني النضير-: «ثمّ توفّي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال أبو بكر: فأنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وأنتم حينئذ- فأقبل علي علي وعبّاسٍ وقال- تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان، واللَّه يعلم أنّه فيه لصادق بارّ راشد تابع للحق، ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر، واللَّه يعلم أنّي فيه صادق بارّ راشد تابع للحق» «2».

وأخرجه في كتاب النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنته:

«ثمّ توفّي اللَّه نبيّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وأنتما حينئذٍ- وأقبل علي علي

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4/ 108.

(2) صحيح البخاري 5/ 207.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 55

وعبّاس- تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا، واللَّه يعلم أنّه فيها صادق

بارّ راشد تابع للحق. ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر» «1».

وأخرجه في كتاب الفرائض، باب قول النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركناه صدقة: «فتوفّي اللَّه نبيّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال: أبو بكر: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقبضها فعمل بما عمل به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر» «2».

وأخرجه في كتاب الاعتصام، باب ما يكره من التعمّق والتنازع:

«ثمّ توفّي اللَّه نبيّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأنتما حينئذٍ- وأقبل علي علي وعبّاسٍ فقال- تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا، واللَّه يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحق. ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللَّه

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 7/ 114.

(2) صحيح البخاري 8/ 267.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 56

صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر» «1».

تكذيب عمر بن الخطّاب عملًا: … ص: 56

ورابعاً: لقد كذّب عمر بن الخطاب الحديث بردّ فدكٍ إلي علي والعبّاس، فقد جاء في الصحيحين- بذيل الحديث الذي ذكرناه تحت عنوان «علي والعبّاس كذّباه» - أنّ عمر قد ردّ فدكاً في ولايته إلي علي والعبّاس، فقد

جاء فيه أنّه قد خاطبهما بقوله: «ثمّ جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد، فقلتما: إدفعها إلينا، فقلت: إنْ شئتم دفعتها إليكما علي أنّ عليكما عهد اللَّه أنْ تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فأخذتماها بذلك. قال: أكذلك؟ قالا:

نعم» «2».

فهنا مطالب:

الأول: إنّ الظاهر منه مطالبتهما بفدك، فهي مرجع الضمير في:

«ادفعها» و «دفعتها» و «تعملا فيها» وغير ذلك.

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 9/ 178.

(2) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفي ء 5/ 152- 153.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 57

والثاني: إنّ من الواضح أنّ مطالبة أمير المؤمنين عليه السلام كانت نيابةً عن الزهراء ومطالبة العباس كانت من باب الإرث- وذلك صريح كلام ياقوت في معجم البلدان المتقدّم سابقاً- فلا يقال: لعلّهما طالبا بغير فدكٍ ممّا ترك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

والثالث: إنّ عمر بن الخطاب قد ردّ فدكاً إليهما قائلًا: «علي أنّ عليكما عهد اللَّه … » ففيه تكذيب عملي لحديث: «إنّا معاشر الأنبياء … »، وأيضاً: يتوجّه علي أبي بكر أنّه لماذا لم يردّها علي الزهراء مع أخذ العهد منها كذلك؟!

والرابع: قد اشتمل الحديث علي وقوع النزاع بين علي والعباس علي فدك وتخاصمهما إلي أبي بكر وإلي عمر، وأنّ العبّاس قد سبّ أمير المؤمنين عليه السلام عنده، وهذا ما لا يمكن التصديق به أبداً.

والخامس: إنّ عمر بن الخطاب كان هو المساعِد الأوّل لأبي بكر في أخذ فدك وعدم ردّها إلي علي والزهراء عليهما السلام، فكيف عاد في حكومته وردّها؟!

إنّ هذا من جملة القرائن والشواهد علي أنّ الغرض من أخذ فدك في ذلك الوقت كان شيئاً آخر، كما أنّ للمطالبة بها من طرف الإمام وسيّدة النساء غرضاً آخر …

سلسلة

اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 58

لكنّ القوم اضطربوا أمام هذا الحديث، لاشتماله علي هذا التناقض من عمر، ومن علي والعباس أيضاً، لاشتماله علي إقرارهما بحديث «إنّا معاشر الأنبياء … » ومطالبتهما بفدكٍ في نفس الوقت!! وعلي السبّ من العباس لعلي عليه السلام! وقال النووي: «قال القاضي عياض قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعبّاس، وحاش لعلي أنْ يكون فيه بعض هذه الأوصافٍ … وإذا انسدّت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلي رواتها (قال:) وقد حمل هذا المعني بعض الناس علي أن أزال هذا اللفظ من نسخته تورّعاً عن إثبات مثل هذا … » «1».

وقال ابن أبي الحديد: «قلت: وهذا الحديث يدلّ صريحاً علي أنّهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية، وهذا من المشكلات، لأنّ أبا بكر حسم المادّة أوّلًا وقرّر عند العباس وعلي وغيرهما أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله لا يورث، وكان عمر من المساعدين له علي ذلك، فكيف يعود العباس وعلي بعد وفاة أبي بكر يحاولان أمراً كان قد فرغ منه ويئس من حصوله، اللّهمّ إلّاأن يكونا ظنّا أنّ عمر ينقض قضاء أبي بكر في هذه المسألة، وهذا بعيد، لأنّ علياً والعباس كانا في هذه المسألة يتّهمان عمر بممالاة أبي بكر علي ذلك، ألا تراه يقول نسبتماني

__________________________________________________

(1) شرح صحيح مسلم مجلد 6/ 12/ 59 ح 1757 باب حكم الفئ من كتاب الجهاد والسير.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 59

ونسبتما أبا بكر إلي الظلم والخيانة، فكيف يظنّان أنّه ينقض قضاء أبي بكرٍ ويورّثهما؟» «1».

مطالبة الأزواج بميراثهن: … ص: 59

وخامساً: قد ثبت أنّ أزواج النبي صلي الله عليه و آله أرسلن عثمان إلي أبي بكر يطالبنه بميراثهنّ من رسول اللَّه، روي ذلك غير واحدٍ من

كبار الأئمة بأسانيدهم:

فقد أخرج عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة وعمرة، قالا: «إنّ أزواج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أرسلن إلي أبي بكر يسألن ميراثهنّ من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فأرسلت إليهنّ عائشة: ألا تتّقين اللَّه؟! ألم يقل رسول اللَّه: لا نورث ما تركنا صدقة؟! قال: فرضين بقولها وتركن ذلك» «2».

وأخرج ابن راهويه: «أخبرنا عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة وعمرة: إنّ أزواج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أرسلوا إلي أبي بكر يسألن ميراثهن … » «3».

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 16/ 229- 230.

(2) المصنّف 5/ 471 ح 9773.

(3) مسند ابن راهويه 2/ 362.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 60

وأخرج الرافعي: «عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة وعمرة، قالا … » «1».

ولم يذكر في هذه الروايات الرجل الذي أرسلنه، إلّاأنّ ابن شبة يروي بسنده عن الزهري عن عروة عن عائشة «إنّ أزواج النبي أرسلن عثمان … » «2»، وكذا البلاذري «3»، وياقوت الحموي «4»، وغيرهما.

وفي إخفاء اسم «عثمان» نكتة لا تخفي!

ففي جميع هذه الروايات: «أرسلن».

لكنّ البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وغيرهم يروونه بنفس السند بلفظ: «أردن أن يرسلن عثمان … » «5».

والسرّ في تغيير التعبير واضح!!

وجاء في جميع الروايات: أنّ التي ردّتهنّ هي عائشة، بل في لفظ

__________________________________________________

(1) التدوين في أخبار قزوين 4/ 27.

(2) تاريخ المدينة المنوّرة 1/ 207.

(3) فتوح البلدان 1/ 43.

(4) معجم البلدان 4/ 272.

(5) صحيح البخاري 8/ 268 ح 7، صحيح مسلم 5/ 153، مسند أحمد 6/ 262، سنن النسائي الكبري 4/ 66 ح 6311.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 61

الطبراني عنها: «فكنت أنا التي رددتهنّ عن ذلك» «1» وفي رواية ابن شبة: «فانتهي

أزواج رسول اللَّه إلي ما أمرتهنّ» «2» وفي رواية الرافعي: «فرضين بقولها وتركن ذلك» «3».

ولكنْ قد تقدّم عن عائشة ما يدلُّ علي عدم علمها- كسائر أزواج النبي- بما نسبه أبوها إليه صلي الله عليه و آله و سلم، فتأمّل!!

كذّب به أبو بكر قولًا وفعلًا: … ص: 61

وسادساً: لقد كذَّب أبو بكر نفسُه هذا الحديثَ قولًا وفعلًا.

أمّا فعلًا، فقد تقدّم في رواية نور الدين الحلبي صاحب السيرة أنّه لمّا سألته الصدّيقة الطاهرة: «أفي كتاب اللَّه أن ترثك ابنتك ولا أرث أبي؟» قال: «فاستعبر أبو بكر باكياً ثمّ نزل فكتب لها بفدك، ودخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتابٌ كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها، قال:

فماذا تنفق علي المسلمين وقد حاربتك العرب كما تري؟ ثمّ أخذ عمر الكتاب فشقّه» «4».

__________________________________________________

(1)

المعجم الأوسط 4/ 270- 271 ح 3717.

(2) تاريخ المدينة المنوّرة 1/ 205.

(3) التدوين في أخبار قزوين 4/ 27.

(4) السيرة الحلبية 3/ 488.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 62

وأيضاً، فقد كذّب حديثه بأحكامه في أشياء تركها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

أمّا حكمه- وكذا عمر- في بغلة النبي وسيفه وعمامته، فقد أخرج أحمد ما هو صريح في أنّه صلي الله عليه و آله و سلم ترك أشياء عند أمير المؤمنين عليه السلام، قال أحمد:

«حدّثني يحيي بن حمّاد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولي العبّاس، عن ابن عبّاس، قال: لمّا قبض رسول اللَّه واستخلف أبو بكر، خاصم العبّاس عليّاً في أشياء تركها صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: شي ء تركه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فلم يحرّكه فلا أُحرّكه، فلمّا استخلف عمر اختصما إليه فقال: شي ء لم يحرّكه أبو بكر فلست أُحرّكه. قال:

فلمّا استخلف

عثمان رضي اللَّه عنه اختصما إليه قال: فأسكت عثمان ونكس رأسه. قال ابن عبّاس: فخشيت أن يأخذه، فضربت بيدي بين كتفي العبّاس فقلت: يا أبت أقسمت عليك إلّاسلّمته لعلي. قال:

فسلّمه له» «1».

ففي هذا الحديث لم يصرّح بالأشياء التي تركها النبي عند

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 13، وتقدّم سابقاً أيضاً.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 63

أمير المؤمنين، إلّاأنّه قد صرّح في الروايات الأُخري وكلمات العلماء ببعض تلك المتروكات، فالقاضي عبد الجبّار المعتزلي أرسل تركه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «السيف والبغلة والعمامة وغير ذلك» إرسال المسلّم، وذكر لذلك جواباً عن أبي علي الجبّائي، وأجاب السيّد المرتضي عن الجواب «1».

وأورد ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج «2».

وقال القاضي الفقيه أبو يعلي ابن الفرّاء الحنبلي المتوفّي سنة 458- وهو الذي اعتمد عليه ابن تيميّة في مواضع- في مبحث صدقات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «فأمّا صدقات رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فمحصورة، لأنّه قبض عنها فتعيّنت، وهي ثمانية» فذكرها، ثمّ قال: «فأمّا ما سوي هذه الصدقات الثمانية من أمواله … » فذكر أشياء إلي أن قال:

«وأمّا دور أزواج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، فكان قد أعطي كلّ واحدةٍ منهنّ الدار التي تسكنها ووصّي بذلك لهنّ، فإن كان ذلك منه عطيّة تمليك فهي خارجة من صدقاته، وإنْ كان عطية

__________________________________________________

(1) المغني 20 ق 2/ 331، الشافي في الامامة 4/ 82.

(2) شرح نهج البلاغة 16/ 261.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 64

سكنَي وإرفاق، فهي من جملة صدقاته، وقد دخلت اليوم في مسجده ولا أحسب منها ما هو خارج عنه» قال:

«وأمّا رحل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقد روي هشام الكلبي عن

عوانة بن الحكم: أنّ أبا بكر دفع إلي علي آلة رسول اللَّه ودابّته وحذاءه وقال: ما سوي ذلك صدقة.

وروي الأسود عن عائشة- رضي اللَّه عنها- قالت: توفّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير، فإن كانت درعه المعروفة بالبتراء، فقد حكي أنّها كانت علي الحسين بن علي يوم قتل … وأمّا البردة … وأمّا القضيب … وأمّا الخاتم …

فهذا شرح ما قبض عنه رسول اللَّه من صدقته وتركته. واللَّه أعلم» «1».

وفي شرح النهج عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري أنّه قال أبو بكر: «قد دفعت آلة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ودابّته وحذاءه إلي علي … » «2».

__________________________________________________

(1) الأحكام السلطانيّة: 221- 226.

(2) شرح نهج البلاغة 16/ 214.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 65

وقد أذعن الفضل ابن روزبهان للخبر فلم ينكره، إلّاأنّه حاول الإجابة عن الإشكال، فكان أقرب إلي الإنصاف من ابن تيميّة المنكر لأصل الخبر.

وفي تاريخ ابن كثير: «باب آثار النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم التي كان يختصّ بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب» فذكر «الخاتم» و «السيف» و «النعل» و «القدح» و «المكحلة» و «البردة» و «الأفراس» و «المراكب» إلّاأنّه أجمل الكلام جدّاً، ولم يشأ أن يصرّح بما كان من أمرها من بعد وفاته صلي الله عليه و آله و سلم، مع أنّه روي عن البيهقي: أنّ في الروايات أنّه صلي الله عليه و آله و سلم مات عن بغلته البيضاء وعن سلاحه وعن أرضٍ وعن ثيابه وخاتمه.

نعم، ذكر أنّ بغلته- وهي الشهباء- قد عمّرت بعده حتّي كانت عند علي بن أبي طالب في أيّام خلافته … «1».

وأمّا قولًا، فقد روي عنه أنّه

قال قبيل وفاته:

«إنّي لا آسي علي شي ء من الدنيا إلّاعلي ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ، وثلاث تركتهنّ ووددت أنّي فعلتهنّ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول اللَّه».

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 6/ 2.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 66

ثمّ قال:

«وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء، وإنْ كانوا قد غلّقوه علي الحرب».

«وددت أنّي كنت سألت رسول اللَّه لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد» «1».

فمن كان في شكٍّ من أصل أهليّته لتصدّي الإمامة والخلافة، كيف يجوّز لنفسه التصرّف في الأُمور، ولا سيّما في ما يتعلّق بإرث رسول اللَّه؟!

تنبيه علي تحريف: … ص: 66

في كتاب الأموال بدل قوله: «وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة» جملة: «وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا». وقد نبّه علي ذلك محقّق الكتاب أيضاً في الهامش.

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 353- 354، الإمامة والسياسة 1/ 36- 37، الأموال لأبي عبيد: 174- 175 ح 353 و 354، العقد الفريد 3/ 279- 280 وغيرها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 67

تكذيب عمر بن عبد العزيز وغيره عملًا: … ص: 67

وسابعاً: لقد كذّب عمر بن عبد العزيز الحديث بردّه فدكاً إلي أبناء الزهراء عليها الصلاة والسلام وإرجاعه إلي ما كان عليه، وهذا من الأُمور الثابتة.

وكذا غير واحدٍ من الحكّام كما في الكتب المفصّلة.

تكذيب الحافظ ابن خراش صريحاً: … ص: 67

وثامناً: وأخيراً … لقد تقدم- في الوجه الرابع- أنّ بعض كبار الحفاظ اتّهم رواة الحديث المشتمل علي «إنّا معاشر الأنبياء … »

بالكذب، ومنهم «مالك بن أوس»، إلّاأنّه قد نصّ أحد كبار الأئمّة الحفّاظ من أعلام القرن الثالث علي بطلان خصوص حديث «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» واتّهم «مالك بن أوس» بالخصوص، فاستمع إلي ما قاله الحافظ الذهبي بترجمة الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش:

«ابن خراش- الحافظ البارع الناقد، أبو محمّد، عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش المروزي ثمّ البغدادي، سمع … حدّث عنه: أبو سهل القطّان وأبو العبّاس ابن عقدة وبكر بن محمّد

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 68

الصيرفي وغيرهم.

قال بكر بن محمّد: سمعته يقول: شربت بولي في هذا الشأن خمس مرّات.

وقال أبو نعيم: ما رأيت أحداً أحفظ من ابن خراش.

قال ابن عدي الجرجاني: ذكر بشي ء من التشيّع وأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب، سمعت ابن عقدة يقول: كان ابن خراش عندنا إذا كتب شيئاً من باب التشيّع يقول: هذا لا ينفق إلّاعندي وعندك.

وسمعت عبدان يقول: حمل ابن خراش إلي بندار كان عندنا جزءَين صنّفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم بني له بها حجرةً، فمات إذا فرغ منها.

وقال أبو زرعة محمّد بن يوسف: خرّج ابن خراش مثالب الشيخين وكان رافضيّاً.

وقال ابن عدي: سمعت عبدان يقول: قلت لابن خراش: حديث ما تركنا صدقة؟ قال: باطل، أتّهِمُ مالك بن أوس بالكذب. ثمّ قال عبدان: وقد روي مراسيل

وصلها ومواقيف رفعها.

(قال الذهبي): قلت: جهلة الرافضة لم يدروا الحديث ولا السيرة ولا كيف ثمَّ! فأمّا أنت أيُّها الحافظ البارع الذي شربت بولك- إن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 69

صدقت- في الترحال، فما عُذرك عند اللَّه؟ مع خبرتك بالأُمور؟ فأنت زنديق معاند للحق، فلا رضي اللَّه عنك.

مات ابن خراش إلي غير رحمة اللَّه سنة 283» «1».

وقال بترجمته أيضاً بعد أن أورد ما تقدّم: «قلت: هذا معثّر مخذول، كان علمه وبالًا وسعيه ضلالًا، نعوذ باللَّه من الشقاء» «2».

وقال أيضاً: «قلت: هذا- واللَّه- الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه، فإنّه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطّلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه، فلا عتب علي حمير الرافضة وحواثر جزّين ومشغرا» «3».

تنبيهان حول الحافظ ابن خراش: … ص: 69

لقد: ترجم الحافظ الخطيب البغدادي لابن خراش، فذكر مشايخه والرواة عنه، وقال في وصفه: «وكان أحد الرحّالين في الحديث إلي الأمصار بالعراق والشام ومصر وخراسان، وممّن يوصف

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفّاظ 2/ 684.

(2) سير أعلام النبلاء 13/ 510.

(3) ميزان الاعتدال 4/ 330.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 70

بالحفظ والمعرفة» فلم ينقل كلامه في حديث: نحن معاشر الأنبياء، إنّما أورد ما رواه الذهبي عن ابن عدي عن عبدان، ولكنّه حرّف الكلام، فقال: «أنبأنا أبو سعد الماليني، أخبر أنّ عبد اللَّه بن عدي، قال:

سمعت عبدان يقول: أجاز بندار ابن خراش بألفي درهم، فبني بذلك حجرةً ببغداد ليحدّث بها، فما متّع بها ومات حين فرغ منها» «1».

وابن الجوزي لم يورد هذا ولا ذاك، وإنّما قال بترجمته: «وكان أحد الرحّالين في الحديث إلي الأمصار، وممّن يوصف بالحفظ والمعرفة، إلّاأنّه ينبز بالرفض» «2».

والسيوطي أيضاً ترجم لابن خراش فأورد ما قاله في الحديث لكنْ محرّفاً، قال: «قال عبدان: قلت

له: حديث «ما تركنا صدقة»؟ قال:

باطل. قال: وقد روي مراسيل … » «3» فأسقط من الكلام: «أتّهم مالك بن أوس بالكذب».

فلاحظ تلاعبهم بالقضايا والأخبار واعتبر!!

2- اعتماد القوم عليه في سائر المواضع

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 10/ 280.

(2) المنتظم 7/ 291.

(3) طبقات الحفّاظ: 301.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 71

إنّه مع ذلك كلّه، لم يسقط هذا العالم الجليل عن الاعتماد، في القضايا الأُخري ولم تسقط آراؤه في الأحاديث والجرح والتعديل عن الاعتبار في سائر المواضع، فطالما نقلوا آراءَه وعُنُوا بها، فراجع كتبهم المختلفة إنْ شئت ليطمئنّ قلبك، مثل (تهذيب التهذيب) و (هدي الساري- مقدمة فتح الباري في شرح البخاري) للحافظ ابن حجر العسقلاني وهو متأخر عن الذهبي، فهل يوافقه المنصف المحقّق المحنّك في خطابه لابن خراش: «فأنت زنديق معاند للحق فلا رضي اللَّه عنك»؟!

مهاجرة الزهراء عليها السلام أبا بكر: … ص: 71

وظلّت الزهراء بضعة الرسول الطاهرة، مطالبةً بحقّها إلي آخر لحظةٍ من لحظات حياتها، فتوفّيت واجدةً علي أبي بكر، مهاجرةً له- كما تقدّم عن كتابي البخاري ومسلم- وأوصت بأنْ تدفن ليلًا، ولا يصلّي عليها أحد من القوم، وهذا أيضاً من ضروريّات تاريخ الإسلام، ومن رواته:

البخاري، باب فرض الخمس «1».

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4/ 177- 178 ح 2.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 72

مسلم، كتاب الجهاد والسير «1».

ابن سعد «2».

أبو جعفر الطحاوي «3».

محمّد بن جرير الطبري «4».

الحاكم النيسابوري «5».

أبو بكر البيهقي «6».

أبو نعيم الأصفهاني «7».

ابن عبد البر القرطبي «8».

محيي الدين النووي «9».

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 5/ 53 1/ 154.

(2) الطبقات الكبري 10/ 28.

(3) شرح معاني الآثار 2/ 4 و 3/ 308.

(4) تاريخ الطبري 2/ 236.

(5) المستدرك علي الصحيحين 3/ 178 ح 4764.

(6) السنن الكبري 6/ 300، 396.

(7) حلية الأولياء 2/ 43.

(8) الاستيعاب 4/ 1897.

(9) تهذيب

الأسماء واللغات 2/ 353.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 73

أبو بكر الهيثمي «1».

ابن الأثير الجزري «2».

ابن حجر العسقلاني «3».

تنبيهٌ علي حديث موضوع: … ص: 73

وإنّه لمن الصعب علي القوم أن تغادر بضعة رسول اللَّه الدنيا بهذه الأحوال، وإنّه ليشقّ عليهم أن تدفن ولا يحضر جنازتها أبو بكر وأصحابه، ولا يصلّي عليها وهو خليفة أبيها بزعمهم … ولذلك عمد بعضهم إلي وضع حديثٍ، وعلي لسان ذرّيّتها، بحضور أبي بكر وصلاته عليها، حتّي إنّه كبّر أربعاً … !!

إلّا أنّ من حسن الحظّ أنْ ينصّ مثل ابن حجر العسقلاني علي بطلان هذا الحديث، وإليك نصّ كلامه بترجمة عبد اللَّه بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصّيصي، قال: «أحد الضعفاء، أتي عن مالك بمصائب، منها:

عن جعفر بن محمّد، يرويه عن أبيه الباقر، عن جدّه قال: توفّيت

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 211.

(2) أُسد الغابة 6/ 226.

(3) الإصابة 8/ 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 74

فاطمة ليلًا، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة، فقال أبو بكر لعلي:

تقدّم فصلّ. قال: لا، لا واللَّه، لا تقدّمت وأنت خليفة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فتقدّم أبو بكر وكبّر أربعاً» «1».

إنّ اللَّه يغضب لغضب فاطمة عليها السلام … ص: 74

هذا، وقد قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم- في ما رواه المسلمون قاطبةً-: يا فاطمة، إنّ اللَّه تعالي يغضب لغضبك ويرضي لرضاك …

ومن رواته من أعلام السنّة:

الحافظ أبو موسي ابن المثنّي البصري، المتوفّي سنة 252 في معجمه «2».

الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم، المتوفّي سنة 287 «3».

الحافظ أبو يعلي الموصلي، المتوفّي سنة 307 في مسنده «4».

الحافظ أبو القاسم الطبراني، المتوفّي سنة 360 في معجمه «5».

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 3/ 334.

(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 82- 83.

(3) الاصابة في معرفة الصحابة 8/ 57، شرح المواهب اللدنيّة 4/ 330.

(4) كنز العمّال 12/ 111 رقم: 34238.

(5) المعجم الكبير 1/ 108 ح 182 و

ج 22/ 401 ح 1001.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 75

الحافظ الحاكم النيسابوري، المتوفّي سنة 405 «1».

الحافظ أبو سعد الخركوشي، المتوفّي سنة 406، في شرف النبوّة «2».

الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، المتوفّي سنة 430 في فضائل الصحابة «3».

الحافظ أبو الحسن ابن الأثير، المتوفّي سنة 630 «4».

الحافظ محبّ الدين ابن النجّار البغدادي، المتوفّي سنة 643 «5».

الحافظ أبو المظفّر سبط ابن الجوزي، المتوفّي سنة 654 «6».

الحافظ محبّ الدين الطبري، المتوفّي سنة 694 «7».

الحافظ أبو الحجّاج المزّي، المتوفّي سنة 742 «8».

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 167 ح 4730.

(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 82- 83.

(3) فضائل الخلفاء- لأبي نُعيم-: 124- 125 ح 140، كنز العمّال 12/ 111 رقم 34238.

(4) أُسد الغابة في معرفة الصحابة 6/ 224.

(5) كنز العمّال 13/ 674 رقم 37725.

(6) تذكرة خواص الأُمّة: 279.

(7) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 82- 83.

(8) تهذيب الكمال 22/ 379.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 76

الحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفّي سنة 852 «1».

الحافظ ابن حجر المكّي، المتوفّي سنة 954 «2».

الحافظ علي المتّقي الهندي، المتوفّي سنة 975 «3».

الحافظ أبو عبد اللَّه الزرقاني المالكي، المتوفّي سنة 1122 «4».

ويبقي الكلام في النقاط الثلاثة الأخيرة: … ص: 76

1- الشيعة لا يورّثون المرأة من العقار: … ص: 76

قال: «وأعجب من هذا كلّه حقيقة تخفي علي الكثيرين وهي: إنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإماميّة من العقار والأرض شيئاً، فكيف يستجيز الشيعة الإماميّة وراثة السيّدة فاطمة رضوان اللَّه عليها بفدك، وهم لا يورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم؟

لقد بوّب الكليني باباً مستقلًا في الكافي بعنوان: إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً. روي فيه عن أبي جعفر قوله: إنّ النساء لا يرثن

__________________________________________________

(1) الإصابة في معرفة الصحابة 8/ 56، تهذيب التهذيب 12/ 442.

(2) الصواعق المحرقة: 105.

(3) كنز العمّال

12/ 111 ح 34238 و 13/ 674 ح 37725.

(4) شرح المواهب اللدنيّة 4/ 3030.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 77

من الأرض والعقار شيئاً «1». وروي الطوسي في التهذيب «2» والمجلسي في بحار الأنوار «3» عن ميسر … وعن محمّد بن مسلم … وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس للنساء من الدور والعقار شي ء».

أقول: العجيب عدم تنبّه هذا الباحث- ولا نقول تجاهله- للحقيقة، فإنّ المرأة إنّما لا ترث- في مذهب الشيعة الإماميّة- من العقار والأرض من (زوجها) لا من أبيها أو غيره، فكيف يستجيز هذا الباحث القائل «لنكن حياديين» نسبة شي ء إلي طائفة الشيعة الإماميّة لا تقول به؟

إنّهم يورّثون المرأة العقار والأرض إلّامن (زوجها) فقط، وهذه كتبهم في الفقه والحديث بين أيدي الناس، وهذا هو المقصود من العنوان في الكافي وغيره، فإنّه عنوان جاء بعد عنوان «الرجل يموت ولا يترك إلّاامرأته» وقد جاء تحت عنوان «إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً» إحدي عشرة رواية، وهذا نصّ الرواية الثانية منها: «عن زرارة عن أبي جعفر: إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القري» ونصّ الثالثة:

__________________________________________________

(1) الكافي 7/ 127- 130 ح 1- 11.

(2) تهذيب الأحكام 9/ 298- 299، ح 26- 31.

(3) بحار الأنوار 104/ 351- 352 ح 4 و 6 و 7.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 78

«عن زرارة وبكير وفضيل ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- منهم من رواه عن أبي عبد اللَّه، ومنهم من رواه عن أحدهما-: إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض» «1».

2- رواية أنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً: … ص: 78

قال: «وروي الكليني في الكافي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قوله: قال رسول

اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكنْ ورَّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» «2».

قال عنه المجلسي في مرآة العقول «3»: «له سندان، الأوّل مجهول، والثاني حسن أو موثّق، لا يقصران عن الصحيح».

فالحديث إذاً موثّق في أحد أسانيده ويحتجّ به، فلماذا يتغاضي عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم؟ والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحّة عند الشيعة حتّي يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلاميّة، علي جواز ولاية الفقيه.

فلماذا لا يؤخذ بحديثٍ صحيح النسبة إلي رسول اللَّه، مع أنّنا

__________________________________________________

(1) راجع الكافي 7/ 126- 130.

(2) الكافي 1/ 34 ح 1/ باب ثواب العالم والمتعلم.

(3) مرآة العقول 1/ 111 ح 1.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 79

مجمعون علي أنّه لا اجتهاد مع نصّ؟ ولماذا يستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويهمل في قضيّة فدك؟ فهل المسألة يحكمها المزاج؟

وأقول في جوابه: إنّا نأخذ بهذا الحديث ولا نجتهد مع النصّ ولا نهمله في قضيّة فدك، لكن الرجل لم يهتد إلي معني الرواية ولم يقف علي كلام علماء الشيعة هنا.

لقد ظنّ الرجل أنّ معني هذه الرواية هو مفاد ما نسبوا إلي النبي:

إنّا معاشر الأنبياء لا نورث، وهذا خطأ فظيع، لأنّ رواية الكليني تقول:

«لم يورّثوا» وروايتهم تقول: «لا نورث» وكم الفرق بينهما؟

إنّ الرواية- بحسب ظاهر كلمة لم يورّثوا- دليلٌ علي كون فدك عطيةً ونحلةً من الرسول لبضعته الطاهرة البتول، فهي حينئذٍ دليل علي خروج فدك عن ملك النبي في حال حياته، فيقع التصادق بينها وبين روايات القوم في ذيل الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» «1».

لكنّ نبيّنا صلي الله عليه و آله و سلم ترك أشياء فورثوها عنه كما

في أخبار الفريقين وأقوال علماء الطائفتين، ممّا يدلّ علي بطلان ما نسبوه إليه … أخرج أحمد بسندٍ صحيح عن ابن عبّاس: «لمّا قبض رسول اللَّه واستخلف أبو بكر خاصم العبّاس عليّاً في أشياء تركها صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) سورة الإسراء: 17: 6.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 80

وسلّم … » «1» فهو نصّ في تركه أشياء، وإن كنّا في شك من خصومة علي والعبّاس، ومثله أخبار وأقوال تقدّم بعضها سابقاً.

فيكون معني رواية الشيخ الكليني- ولا سيّما بقرينة ما سبق: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء» ولحوق: «فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر» - أنّ الأنبياء لم يأتوا لأنْ يجمعوا الأموال ويدّخروا الدنانير والدراهم فيتركوها من بعدهم لورّاثهم، وانّما جاؤوا إلي أُممهم بالعلم والحكمة، وكان همّهم تزكية النفوس وتعليم العلم «فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر» إلّا أنّ هذا لا ينافي أن يتركوا أشياء كانوا يحتاجون إليها في حياتهم كسائر الناس حتّي آخر ساعة مثل «السيف» و «الدابّة» ونحو ذلك، ثمّ يرثها منهم ورثتهم الشرعيّون.

وبهذا يظهر أن لا فائدة في احتجاج الرجل بهذه الرواية للدفاع عن أبي بكر في قضيّة فدك، بل إنّها تضرّ ما هو بصدده كما لا يخفي.

ولعلّ في هذه الرواية وأمثالها إشارةً إلي أنّ أصحاب الأنبياء يجب أن يكونوا كالأنبياء علماً وأخلافاً وسيرةً، ليكونوا علماء في الأُمّة يقومون بدور الأنبياء من بعدهم، في تزكية الأُمّة وتعليمها الكتاب والسنّة، لا أن ينتهزوا فرصة صحبة الرسول للوصول إلي المقاصد الدنيويّة.

__________________________________________________

(1)

مسند أحمد 1/ 13.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 81

ففي هذه الرواية إشارة إلي سوء حال جمعٍ من كبار صحابة الرسول، الذين تركوا الأموال الطائلة والآلاف المؤلَّفة من الذهب والفضّة، خلافاً للسيرة النبويّة والتعاليم الإسلاميّة، حتّي

لقد جاء بترجمة طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأمثالهم أشياء مذهلة:

روي الحافظ الذهبي عن ابن سعد بسنده: إنّه قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومئتا ألف درهم، وقوّمت أُصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم.

ثمّ قال الذهبي: وأعجب ما مرّ بي قول ابن الجوزي في كلامٍ له علي حديث قال: وقد خلّف طلحة ثلاثمئة حمل من الذهب» «1».

وقال الذهبي: «قال ابن قتيبة: حدّثنا محمّد بن عتبة، حدّثنا أبو أُسامة، عن هشام، عن أبيه: إنّ الزبير ترك من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم. كذا هذه الرواية.

وقال ابن عيينة عن هشام عن أبيه قال: اقتسم مال الزبير علي أربعين ألف ألف» «2».

وأخرج أحمد- ورجاله ثقات- عن شقيق، قال: دخل عبد الرحمن علي أُمّ سلمة فقال: يا أُمّ المؤمنين، إنّي أخشي أنْ أكون

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 1/ 39- 40.

(2) سير أعلام النبلاء 1/ 65.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 82

قد هلكت، إنّي من أكثر قريش مالًا، بعت أرضاً لي بأربعين ألف دينار.

قالت: يا بني، أنفق، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إنّ من أصحابي من لن يراني بعد أنْ أُفارقه» «1».

نعم، هؤلاء هم الذين لن يروا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ولن يكونوا معه في الآخرة، بل يذادون عن حوضه كما يذاد البعير …

كما في الصحيح المتّفق عليه.

هذا، وقد كان هؤلاء في بدء أمرهم فقراء لا يملكون شيئاً، انظر مثلًا إلي حال الزبير، إذ تحكي زوجته أسماء بنت أبي بكر- كما في رواية البخاري ومُسلم- وتقول: «تزوّجني الزبير وما له شي ء غير فرسه، فكنت أسوسه وأعلفه … قالت: حتّي أرسل إلي أبو بكر بعدُ

بخادمٍ فكفتني سياسة الفرس، فكأنّما أعتقني» «2».

أمّا الذين فارقوا الدنيا من الصحابة وما تركوا صفراء ولا بيضاء، فهم الذين يصلحون لأنْ يكونوا قادةً وأُسوة للأُمّة بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، وهم علي أمير المؤمنين وشيعته، كأبي ذر وسلمان والمقداد وعمّار بن ياسر … وأمثالهم … فقد روي الفريقان عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام أنّه خطب بعد وفاة أبيه فقال: «لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه

__________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 6/ 317، 298، 312.

(2) سير أعلام النبلاء 2/ 290- 291.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 83

الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون. كان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يعطيه الراية فلا ينصرف حتّي يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلّاسبعمائة درهم فضل من عطائه كان يرصدها لخادمٍ لأهله» «1».

3- لماذا لم يأخذ علي فدكاً حين خلافته؟ … ص: 83

اشارة

لقد ورد عن أمير المؤمنين أنّه كتب إلي سهل بن حنيف كتاباً جاء فيه:

«بلي، كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قومٍ وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم اللَّه، وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غدٍ جدث … » «2».

وروي الشيخ أبو جعفر ابن بابويه القمّي بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قلت له: لِمَ لم يأخذ أمير المؤمنين عليه السلام فدك لمّا ولي الناس، ولأي علّةٍ تركها؟ فقال:

لأنّ الظالم والمظلوم كانا قدما علي اللَّه عزّ وجلّ، وأثاب اللَّه المظلوم وعاقب الظالم، فكره أنْ يسترجع شيئاً قد عاقب اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) سنن النسائي الكبري 5/ 112 ح 8418، المعجم الكبير 3/ 80 ح 2722- 2725، حلية الأولياء 1/ 65 وغيرها.

(2) نهج البلاغة: 417.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 84

غاصبه وأثاب عليه المغصوب» «1».

سرّ المطالبة بفدك في كلمتين: … ص: 84

إذن، لم تكن القضيّة قضيّة فدك بحدّ ذاتها، بل الغرض أمر آخر … ولذا لمّا سأل الحاكم العبّاسي الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام أنْ يحدّ له حدود فدك فقال: «أمّا الحد الأول: فعريش مصر، والثاني: دومة الجندل، والثالث: أُحد، والرابع: سيف البحر» «2».

وانكشف السرّ في المطالبة بفدكٍ، وهو يتخلّص في كلمتين:

1- الإعلان عن حقّ أمير المؤمنين عليه السلام في الإمامة والخلافة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وأنّ قريشاً قد غدرت به والأنصار خذلوه.

2- الإعلان عن عدم أهليّة أبي بكر للخلافة والإمامة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، لعدم توفّر الشروط فيه وعدم تحقّق الإجماع عليه لو كانت الإمامة تثبت بغير النصّ!

هذا هو السرّ في المطالبة بفدك، ولكنّ المنافقين لا يفقهون أو

__________________________________________________

(1) علل الشرائع: 1/ 185 ح 1.

(2) بحار الأنوار: 48/ 144/ باب مناظراته عليه السلام مع خلفاء الجور، والحاكم العباسي الذي سأل الإمام عن فدك هو هارون.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، مسالةفدك، ص: 85

يتجاهلون «ونعم الحكم اللَّه» كما قال أمير المؤمنين «1»، وإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتّقين، والحمد للَّه رب العالمين.

__________________________________________________

(1)

نهج البلاغة: 147/ خطبة 45 من كتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري عامله علي البصرة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.