تسلیه المجالس و زینه المجالس الموسوم بمقتل الحسین علیه السلام المجلد 1

اشارة

سرشناسه : مجدی، محمدبن ابی طالب، قرن ق 11

عنوان و نام پديدآور : تسلیه المجالس و زینه المجالس الموسوم بمقتل الحسین علیه السلام/ تالیف محمدبن ابی طالب الحسین الموسوی الحائری الکرکی؛ تحقیق فارس حسون کریم

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : ج 2

فروست : (موسسه المعارف الاسلامیه؛ 84 و 85)

شابک : 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 964-6289-09-6(ج.1) ؛ 964-6289-11-8(ج.2)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

یادداشت : کتابنامه

موضوع : حسین بن علی(ع)، امام سوم، 61 - 4ق. -- سرگذشتنامه

خاندان نبوت -- سوگواریها

واقعه کربلا، ق 61

شناسه افزوده : کریم، فارس حسون، 1331 - . محقق

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP41/5/م 24ت 5

رده بندی دیویی : 297/9534

شماره کتابشناسی ملی : م 78-4071

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فهرست قبلی

ص: 1

اشارة

تسلية المجالس وزينة المجالس

المَؤسُوِمُ بِ مَقتَلُ الحسَيِنَ عَلَيِه السَلَامُ

من مصادر بحارالانوار

ص: 2

ص: 3

تسلية المجالس وزينة المجالس

المَؤسُوِمُ بِ مَقتَلُ الحسَيِنَ عَلَيِه السَلَامُ

تَأليفُ السيَدِ الديب مُحمّدَبن ابي طالب الحسُينِيَ الموسَوِي الحَائِري الکَرکَي

« مِن اَعلَام القرَنِ العَاشِرِ »

الجُزءُالَأوَل

تحَقيقَ

فارس حسون کریم

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

کلمة الناشر

بسم الله الرَّحمَنِ الرَّحيِم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين محمد وعلي آله الأطياب الأخيار.

وبعد:

ففي عام 11 للهجرة أفل النور المقدّس من الأرض، ذلک النور الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً للعالمين، وقبل أن يواري جثمانه الثري بدأ خطّ الانحراف عن الرسالة التي جاء بها الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله وسلم، فکانت وفاته صلّي الله عليه وآله وسلّم حدّاً فاصلاً بين عهدين يختلفان کلّ الاختلاف، فذاک عهد اتسم بالايمان والصدق والرحمة، وهذا عهد الانقلاب علي الأعقاب ، وکأنّ القوم أبوا إلاّ أن يطبقوا الوعد الإلهي (أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم ......)

وکان من نتائج هذا الانحراف هو انقسام الأمة إلي قسمين :

أحدهما: محب لأهل البيت عليهم السلام موالٍ لهم، وملتزم بنهجهم الّذي

وضعوه ، منکر لخطّ الانحراف ولمبدأ السقيفة في الحکم.

والثاني: خطّ أصحاب المصالح والهمج الرعاع، والذي شمل إضافة إلي أتباع الشيخين ، الحزب الأمويّ والخوارج الذين أردوا أمير المؤمنين عليه السلام شهيداً في محرابه ، واستولي علي الحکم معاوية بعد أن أرغم الامام الحسن عليه السلام علي الصلح معه لأسباب معروفة.

ومات معاوية وهو يوصي ابنه يزيد بأن يبادر إلي أخذ البيعة من جماعة ،

وخص بالذکر الإمام الحسين بن علي عليه السلام

واستلم يزيد الخلافة بعد أبيه ، وهو ليس أهلا للحکومة فضلاً عن خلافة الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم، فإن بعض التأمّل في شخصيّة هذا الرجل وفي بعض ذاتياته وممارساته من خلال ما أوردته کتب التاريخ والسير عن فترة حکمه القصيرة، يظهر

ص: 6

لکلّ ذي عقل بأنّه کان فاشلاً وخاسراً في جميع الأمور وبالأخصّ في الخطين الرئيسيين اللّذين يجب أن يتصف بهما الحاکم المسلم، ألا وهي خطّي السياسة ، والالتزام الديني.

وکان أبناء الأمّة آنذاک قد تلبد إحساسهم وأخلدوا إلي سبات عميق، فهم همج رعاع ينعقون مع کلّ ناعق ، يميلون مع کل ريح، کما وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ولولا دم الحسين عليه السلام لما تغير هذا الحال .

فالحسين الرمز ، هو ذلک الانسان الّذي عرف طريقه ، فلم تلوه عنها نصائح المحبين - کابن عبّاس -، ولا تحذيرات المنافسين - کالحرّ بن يزيد الرياحي -، ولکن الحسين مضي، لأنّه مُضاءُ ببرقٍ داخليّ ، يعرفه هو، لينفّذ ما في الکتب ، کما يقول السيّد المسيح ...

رفض عروض الوليد بن عقبة والي يزيد علي المدينة ، وخرج إلي مکّة لليلتين

بقيتا من شهر رجب سنة 60 للهجرة .

وخرج عليه السلام إلي العراق في الثامن من ذي الحجة، وقُتل رسوله إلي

العراق مسلم بن عقيل بعد ذلک بيوم واحد.

وبلغ عليه السلام مشارف الکوفة، وکان والي يزيد عليها عبيدالله بن زياد، فأرسل ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد لاصطياد الحسين ومن معه .. والتقي الرکبان ......... ودار بين الامام الحسين وبين الحر بن يزيد حوار طويل غير انه لم يثني الحسين عن غايته ، لذلک انجذب إليه قائد الجيش الأمويّ «الحرّ» وجاهد ما استطاع دونه ودون آل بيته من النساء والأطفال حتي ضُرَّج بدمه.

وهکذا سائر أصحاب الأمام وأنصاره - مسلم بن عوسجة، وبرير، وزهير ، وحبيب ، و... . تابعوه في مسيرة الشهادة ، والمواقف الصامدة والبطولية التي وقفوها أمام الموت المحقق ، فصمدوا واستشهدوا ، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل نصرة إمام زمانهم الحسين عليه السلام.

وتشابکت الأحداث و تعقدّت ، ثم مرّت بسرعة ، وإذا بالحسين مخضّب بدمه ،

ص: 7

في کربلاء ، لم يحد عن صراطه السويّ، فلم يُهادن الظالمين ، ولم يستسلم للباطل ، ولم يبايع ، وإنّما خرج ثائراً علي کلّ ذلک، لإصلاح أمّة جدّه ، وليجدّد إسلام الأمّة التي انقلبت علي أعقابها ، فيجعلها خير أمّة أخرجت للناس .

فکان عاشوراء اختضاب الأرض بالدم الحسيني مرّة، ولکنّه سيظلّ زينة

السماء الداعية إلي الحرية الحمراء ، قبل کلّ شروق، وبعد کلّ غروب.....

ومع استشهاد الامام الحسين عليه السلام تيقّظت ضمائر أبناء الأمّة، وانتشر حب آل النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم في صفوفهم، وتحرک الأئمّة عليهم السلام واحدة تلو الآخر في سبيل نشر المباديء الّتي ثار من أجلها الحسين عليه السلام، وتوالت الثورات الشيعية الّتي تطالب بالثأر من قتلة الحسين ... فکانت ثورة المختار رحمه الله ، وثورة التوّابين، وعشرات الثورات الأخري ، وأخذ العلماء والخطباء وأهل السير بالحديث عن الثورة والمآسي التي رافقتها.

وأضحي يوم عاشوراء رمزاً لکل المحرومين والثائرين ضدّ الظلم والطغيان في

کلّ مکان وزمان، و الّفت مئات الکتب الّتي تحدّثت عن وقائع ثورة الحسين «ع »

ومن هذه الکتب القيّمة هذا الکتاب الّذي بين يديک - عزيزي القاريء - وهو تسلية المُجالس وزينة المجالس» المسمّي ب «مقتل الحسين عليه السلام» للسيد العالم الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الکرکي الحائري رحمه الله، وقد حوي علي مقدّمة ومجالس عشرة ، تطرّق المؤلّف في مقدّمته لبعض فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ورد بعض الأحاديث التي وضعها الأمويون ، وبالأخصّ في حکم معاوية ، والّتي حاولت الرفع من منزلة الصحابة ، والحط من شخصية الإمام علي عليه السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام

وقد تصدي الفاضل فارس حسّون کريم لتحقيق هذا السفر القيّم، ليخرجه

لمحبّي أهل البيت من زوايا المکتبات ، بعد أن تحمل جهوداً مضنية في الحصول علي نسخة الکتاب النفيسة ، و استنساخها ، ومراجعة عشرات المصادر من أجل تثبيت الخبر الصحيح ، فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

مؤسسة المعارف الاسلامية - قم

ص: 8

الاهدا

سيّدي أبا الأحرار.

يا من کان اسمه نغمة حلوة في فم أبي الزهراء - صلي الله عليه و آله - ، يستعذبها ولا يملّ من ترديدها، ففيک وفي أخيک کان يجد أُنسه وسلوته عمّا فقد من الأبناء، وما يؤذيک کان يؤذيه ، حتي انّه سمع بکاءک ذات مرّة فقال للزهراء عليها السلام .:

أما علمتِ أنّ بکاءه يؤذيني ؟

فما عساه أن يقول لو قد رأي أمة الضلال قد تکالبت علي انتهاک حرمتک ؟!

فقد بارزتک بسيوف الدهر ، ورمتک بسهامه ، غير أنها جعلت منک قبلة للشفاعة نترم فيها طرباً.

فکان عملي هذا عنوان تذکار الولاء ، عساه أن يحظي بالقبول ، فأبلغ غاية المأمول.

فارس

ص: 9

ص: 10

ترجمة المؤلّف

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الحکيم الوهاب ، ربّ الأرباب ، والهادي إلي سبيل الهدي

والصواب.

والصلاة والسلام علي خير خلقه المؤيدّ بفصل الخطاب ، خاتم أنبيائه

محمد أشرف الأحباب .

وعلي آله ، النور المبين والصراط المستقيم و منهاج الصواب ، أُولي العلم المحسودين علي ما آتاهم الله من فضله وأولي الأمر کما جاء به الکتاب ، ترفع بهم درجات شيعتهم وتخفض درجات اعدائهم النصّاب.

وبعد :

فکثير هم الأعاظم الّذين لم ينصفهم التاريخ ، وهذا السيّد الّذي نحن بصدد الحديث عن حياته واحد من أولئک الأکابر .

فالسيد رحمه الله رقم ناصع في جبين الدهر ، وهو عالم کبير ، فاضل خبير ، کامل قدير ، أديب جدير ، شاعر ناثر، ناظم ماهر، يشهد له کتابه هذا بعلوّ کعبه ، وشدة إيمانه ، ومع کلّ هذا لم نعثر له علي ذکر شاف يفي بحقّ هذا السيّد

ص: 11

الجليل .

والّذي وجدناه عبارات موجزة مقتضبة جدّاً لا تسمن ولا تغني من جوع، فلم تتطرّق لجانب بسيط من عمره الشريف ، کنسبه ، أُسرته ، مدينته ، محلّ و تاريخ ولادته ، وما أعقبها من مراحل حياته ، کدراسته وشيوخه وتلامذته ، ... و أخيراً تاريخ وفاته .

وکأنّه رحمه الله علي يقين بما تخبّيء له غِيَر الزمان من تجاهل وإهمال ،

ففي موضع من کتابه هذا أورد اسمه ونسبه ولقبه کاملاً(1) وفي موضع آخر بين محلّ ولادته وسبب ترکه ذلک المحلّ واستيطانه الحائر،(2) وفي موضع ذکر انّه رأی کتاب « روضة الشهداء » للکاشفي(3) فنصنّف «تسلية المجالس وزينة المجالس» علي منواله (4)، وفي موضع ذکر أنّه بعث ابنه طاهر ليأتيه بکتاب «تذکرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي (5)-(6)

وفي موضع آخر هذا الکتاب أشاد

ص: 12


1- في ج 1/53.
2- في ج 1 / 54.
3- «روضة الشهداء» فارسي، للحسين بن علي الکاشفي البيهقي ، المتوفي في حدود سنة 910 ه، مرتب علي عشرة أبواب وخاتمة فيها ذکر أولاد السبطين وجملة من السادات، واحتمل بعض أنّه أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتي عرف قاريہ بد روضة خوان»، ثمّ توسّع في هذا العنوان إلي هذا الزمان حتي يقال لکلّ قاريء روضة خوان».. «الذريعة: 294/11رقم 1775».
4- في ج 1 / 69.
5- «تذکرة الفقهاء في الفقه الاستدلالي من تصنيف العلّامة جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف الحلي، المتوفي سنة 726ه، وقد طبع في مجلّدين ضخمين في إيران .«الذريعة: 43/4رقم 169». وقد طبع مؤخّراً في قم بتحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث .
6- في أواخر الجزء الثاني.

بالسلطان الشاه إسماعيل أبو المظفّر الصفوي(1)-(2)، وفي موضع ذکر غزو التتار وما فعلوا .(3)

اسمه ونسبه الشريف :

السيّد محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيي

ابن ناصر بن أبي العزّ (4)الحسيني الموسوي الحائري الکرکي.

ص: 13


1- الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر الحسيني الموسوي الصفوي ، ينتهي نسبه إلي حمزة بن الإمام موسي الکاظم عليه السلام ، ولد في 25 رجب سنة 892 ه ، وتوفّي في تبريز 19 رجب سنة 930 ه أو 931 ه ، ودفن بمقبرة جدّه صفي الدين في أردبيل ، ابتدأت سلطنته سنة 906 ه ومدّة ملکه 24 سنة ، وهو أول الملوک الصفويّة وموطّد دولتهم. «أعيان الشيعة : 3/ 321».
2- في ج 63/1.
3- في أواخر الجزء الثاني .
4- الظاهر أن «ابن أبي العزّ» هذا هو العالم الفاضل المعروف ، وهو الّذي ذهب مع والد العلّامة الحلّي والسيّد مجد الدين بن طاووس لطلب الأمان لأهل الحلّة ، والقصّة کما يلي: قال العلامة الحلّي - المتوفيّ سنة 726 ه. في کشف اليقين : 101ح 92 : لمّا وصل السلطان هولاکو إلي بغداد قبل أن يفتحها هرب أکثر أهل الحلة إلي البطائح إلا القليل . وکان من جملة القليل والدي رحمه الله والسيّد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العين ، فأجمع رأيهم علي مکاتبة السلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الإيليّة ، وأنفذوا به شخصاً أعجميّاً. فأنفذ السلطان إليهم فرماناً[ الفرمان : الأمر الملوکي] مع شخصين ؛ أحدهما يقال له تُکلم ، والآخر يقال له علاء الدين ، وقال لهما : إن کانت قلوبهم کما وردت به کتبهم فيحضرون إلينا ، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه ، فقال والدي رحمه الله : إن جئت وحدي کفي ، فقالا : نعم ، فاصعد معهما. فلمّا حضر بين يديه ، وکان ذلک قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة ، قال له : کيف أقدمتم علي مکاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبکم ؟ وکيف تأمنون ان صالحني ورحلت نقمته ؟ : فقال له والدي : إنّما أقدمنا علي ذلک ، لأنّا روينا عن إمامنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال في بعض خطبه : الزوراء وما أدراک ما الزوراء ؟ أرض ذات أثلٍ يشيّد فيها البنيان ، ويکثر فيها السکان ، ويکون فيها مهارم وخزان ، يتّخذها ولد العبّاس موطناً ، الزخرفهم مسکناً ، تکون لهم دار لهو و لعب ، يکون بها الجور الجائر ، والحيف المحيف ، والأئمة الفجرة ، والقراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم لا يأتمرون بينهم بمعروفي إذا عرفوه ، ولا ينتهون عن منکر إذا أنکروه ، تکتفي الرجال منهم بالرجال ، والنساء بالنساء ، فعند ذلک الغم العميم ، والبکاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترک ، وماهم الترک ، قوم صغار الحدق ، وجوههم کالمجان المطرقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد، يقدمهم ملک يأتي من حيث بدا ، ملکهم جهوري الصوت ، قوي الصولة ، عالي الهمة ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا ترفع له راية إلا نکسها ، الويل الويل لمن ناواه ، فلا يزال کذلک حتي يظفر . فلمّا وصف لنا ذلک ، ووجدنا الصفات فيکم ، رجونا کم فقصدناک ، فطيَّب قلوبهم ، وکتب الهم فرماناً باسم والدي رحمه الله يطيب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها . انتهي . ورواه العلّامة أيضاً في نهج الحق وکشف الصدق : 243 -244، وعبدالله أفندي الأصفهاني في رياض العلماء :6/9 (إشارة) ، والشيخ عبّاس القمّي في الکنيوالألقاب: 189/1 ، وسفينة البحار : 3/ 533 ، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : 2/ 258، والمدرس في ريحانة الأدب : 233/5 رقم 430.

محلّ ولادته وهجرته إلي الحائر :

حدّد المؤلّف رحمه الله مکان مولده قائلاً :

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي وأمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي ، ومصدري في الأمور وموردي ، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدسّة ، وهي في الحقيقة علي تقوي الله مؤسّسة ... أعني البلدة المشهورة ب «دمشق» معدن الفجور والغرور والفسق..(1)

فحششت رکابي عن ديارهم ، وأبعدت قراري من قرارهم ... وحططت رحلي ببلاد سيّد الوصييّن ، وألقيت کلّي علي إمام المتّقين ، وجعلت مشهد قرّة

ص: 14


1- انظر ج 1 / 54.

عينه ابي عبدالله موطني ، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسکني و مدفني. (1)

ما قيل في الاطراء عليه

کتب علي ظهر النسخة ما هذا نصّه : کتاب «تسلية المجالس وزينة المجالس» تأليف السيد الحسيب النسيب ، العالم الفاضل الکامل ، خلاصة البلغاء ، زبدة الخطباء النصحاء الألبّاء، أنموذج سلفه الطاهرين، وصفوة الفضلاء البارعين ، فخر الملّة والشريعة والدين ، محمد بن أبي طالب ...أدام الله أوصاله(2)

وقال المجلسي رحمه الله : السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(3)

وقال في موضع آخر : وکتاب «تسلية المجالس» مؤلفه من سادة

الأفاضل المتأخرين (4)

وقال السيّد إعجاز النيسابوري الکنتوري : السيّد النجيب العالم محمد بن

أبي طالب(5)

وقال الميرزا الخوانساري - ضمن کلامه عن الفقيه محمد بن أبي طالب الاسترابادي - : ثمّ ليعلم أنّ هذا الرجل غير محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري الذي کان هو أيضاً کما في رجال النيسابوري(6) من جملة

ص: 15


1- انظر ج62/1.
2- ستعرف أنّ النسخة کتبت في عصر المؤلّف رحمه الله
3- بحار الأنوار : 21/1 و 40.
4- بحار الأنوار : 21/ 1 و .
5- کشف الحجب والأستار: 121 رقم 579.
6- وهو الميرزا محمد الاخباري المقتول . «الذريعة : 157/10 رقم 283» .

المشايخ(1)

وقال السيّد محسن الأمين : في رسالة «نزهة أهل الحرمين»(2) وصفه

بالعالم الجليل والسيد الجليل (3)

ولده :

صرّح المؤلّف رحمه الله أنّه أرسل ولده «طاهر» ليأتيه بکتاب «تذکرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي ، ولا نعلم کم له من الأولاد ، وکم کان عمر ناصر

حينذاک ؟(4)

اهمها

فترة عمره الشريف :

بما أنّا لم نتعرف علي تاريخ ولادة المؤلّف ولا تاريخ وفاته رحمه الله ،

ص: 16


1- روضات الجنّات : 35/7 . واحتمل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة «إحياء الدائر من مآثر أهل القرن العاشر : 214 أن يکون المؤلّف هو نفسه محمد بن أبي طالب الموسوي الحسيني الاسترابادي ، تلميذ المحقق الکرکي ، وشارح الجعفريّة ، وسمّي الشرح «المطالب المظفّرية»، حيث قال : ولعله الاسترابادي المذکور .. فإنه في آخر المجلس الخامس في أحوال مسلم بن عقيل أظهر الشکوي من أهل زمانه وغدرهم به کما غدر أهل الکوفة بمسلم. قال: ولمّانجّاه الله منهم هاجر إلي کربلاء واتّخذها موطناً ومستقرّاً فيظهر أنّه لم يکن حائريّ الأصل . انتهي . أقول : يبدو أنّ الحقّ مع الميرزا الخوانساري، حيث إنّ المؤلّف رحمه الله صحيح لم يکن حائريّ الأصل لکنّه کرکيّ ، کما هو صرح في کتابه ، وکما بيناه فيما سبق .
2- «نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين» في النجف وکربلاء ، لسيّدنا الحسن بن هادي صدر الدين العاملي الأصفهاني الکاظمي «1272 - 1354» صاحب «تأسيس الشيعة الکرام الفنون الاسلام» . «الذريعة : 114/24 رقم 592» .
3- أعيان الشيعة :62/9 .
4- انظر أواخر الجزء الثاني .

فلذا من الصعب تحديد الفترة التي عاشها ، إلّا أنّ هناک دلالات نعرف من خلالها العصر الّذي عاش فيه هذا السيّد البارع ، وکما يلي :

1- انّه رحمه الله عثر علي کتاب «روضة الشهداء» للمولي الحسين الواعظ الکاشفي ، المتوفّي سنة «910» ه، وتاريخ تأليف الروضة هو سنة «847» ه، وألف کتابه هذا علي منوال الروضة.

2- أشاد رحمه الله في کتابه هذا بالسلطان شاه إسماعيل الصفوي ، المولود سنة «892» ه، وتسلم السلطة سنة «906» ه، وقاتل شيک خان الاوزبک سنة «916» ه، وتوفي سنة «930» ه.

3- لقد زار المؤلّف مرقد أمير المؤمنين عليه السلام في سنة «921» ه(1)

4- کتب بعض قصائده وصرّح بأن عمره کان «70» سنة (2)

5- الف السجع النفيس عام 955 ه.

1. صرّح بأنّه حصل علي کتاب «تذکرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي سنة

«900 ه.

ونستنتج من هذا انّه رحمه الله ولد في القرن التاسع وعاش إلي أواسط

القرن العاشر .

ص: 17


1- انظر ج230/1 .
2- انظر ج 2/ 74 و 130.

حول الکتاب

اشارة

سفر کبير ثمين جلّه في مقتل الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وثواب إظهار الجزع لمصابه ومصاب أهل بيته ، والبکاء لرزّيتهم والجلوس العزيتّهم ، وحمل سبايا رسول الله صلّي الله عليه و آله وبناته وأحفاده إلي الشام .

وقد قال مؤلّفه : إنّي بعد أن منّ الله عليَّ بمجاورة سبط نبيّه..أطلق لساني بمدح رسوله المصطفي ، ووليّه المرتضي ، وأهل بيتهما الأئمّة النجباء.. فصرتُ أحلّي بذکرهم المنابر ، و أزيّن بشکرهم المحاضر..فقلَّ أن يمضي يوم من الأيّام التي حباهم الله فيها بتفضيله ، ونوّه بذکرهم في محکم تنزيله ، إلّا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلک اليوم الشريف... کخطبة مولد البشير النذير ، وخطبة يوم الغدير وذيّلتها بأحاديث رائقة...وخطبة يوم السادس من شهر ذي الحجّة الذي کان فيه تزويج البتول من صنو الرسول ، ويوم نزول سورة «هل أتي» وما في فضلهم أتي ، والمجلس المشهور به «تحفة الزوار ومنحة الأبرار» وهو مجلس ذکرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء وفضل کربلاء ، وکالتعزية الموسومة ب

مجرية العبرة ومحزنة العترة» وهي خطبة يوم التاسع من المحرم ، وکالمجلس المشهور ب «قاطع أسباب النفاق وقامع أرباب الشقاق» وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة... وکالرسالة الموسومة ب «السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس» وغير ذلک من رسائل وخطب وأشعار تحث علي اقتناء الفضائل...

وکان ذلک يشتمل علي مائتي ورقة وأکثر ، أبهي من عقود اللآليء

وأبهر...

ص: 18

ثمّ إنّي بعد ذلک عثرت علي کتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة ، و فرسان البلاغة الأعجميّة (1).قد رتبه علي عشرة مجالس لقيام المآتم المصاب الغرّ الميامين من بني هاشم شهداء کربلاء...وجعلها خاصّة بالعشر الأول من شهر محرّم الحرام... وجعل لکلّ يوم من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية.......

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ علي منواله في التصنيف والترتيب ، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب ، وأزيّن مجالس أهل الإيمان بمناقب سادتهم ومواليهم ، وأهیَّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم ، وأُحلَّي أجياد اللسان العربي بدرر نظم ونثري ، وأُجدَّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فکري ، ورتبّته کترتيبه ، وبوّبته کتبويبه ، لکن لم أقصد ترجمة کلامه ، ولا سلکت مسلکه في تثاره ونظامه ، وجعلته عشرة مجالس... ولم آورد فيه من الأحاديث إلّا ما صحّحه علماؤنا ، ورجّحه أعلامنا ، ودوّنوه في کتبهم ، ونقلوه عن أئمّتهم(2)

نسخة الکتاب :

هي النسخة النفيسة المحفوظة في مکتبة مدرسة النمازي في مدينة «خوي» - من توابع محافظة تبريز - برقم 459 مکتوبة بخطّ نسخ متوسّط ، وأخطاؤها ليست قليلة ، تقع في «580» صفحة ، احتوت کل صفحة «22» سطراً، قياس الصفحة11/7017 سم ، سقط من وسطها صفحة واحدة أکملناها من مقتل الإمام الحسين عليه السلام للخوارزمي - وأشرنا له في

ص: 19


1- مراده «روضة الشهداء» للمولي الکاشفي .
2- انظر ج67/1- 70.

محلّه -، ومن آخرها أيضاً صفحة أو أکثر وهي من نثر المؤلّف ، فلذا توقّفنا في آخر الکتاب کما في النسخة . کتبت علي النسخة بعض الحواشي بالفارسية وبالعربية.

وقد کتب علي ظهر النسخة - وبنفس خطّ کاتب النسخة - ما هذا نصه : کتاب «تسلية المجالس وزينة المجالس» تأليف السيد الحسيب النسيب.... الحسيني الموسوي الحائري أدام الله أوصاله.

فيفهم من هذا أنّ النسخة مکتوبة في عصر المؤلّف ولعلّ کاتبها تلميذ

المؤلّف أو شخص آخر(1)

تسمية الکتاب :

أطلق علي الکتاب عدّة تسميات ، وکما يلي :

1- تسلية المُجَالس(2)

2 - تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس.(3)

3- زينة المَجَالس. (4)

4 - مقتل الإمام الحسين عليه السلام (5) وجميعها غير بعيد عن الصحيح ، وثانيها هو الأصحّ والأکمل ، وهو الذي

ص: 20


1- قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني : نسخة - أي من هذا الکتاب - عند الشيخ محمد رضا فرج الله . «الذريعة : 22 / 27»
2- بحار الأنوار : 40/1 ، الذريعة : 4 / 179 رقم 885.
3- بحار الأنوار : 21/1 ، کشف الحجب والأستار : 121 رقم 579 ، أعيان الشيعة : 62/9، طبقات أعلام الشيعة (القرن العاشر) : 214.
4- الذريعة : 12 / 94.
5- بحار الأنوار : 21/1 ، الذريعة : 22 / 27.

صّرح به المؤلّف في مقدّمته للکتاب ، وکان اختيارنا عليه.

اشتباهان حول الکتاب :

ا- قال الخوانساري رحمه الله - نقلاً عن رجال النيسابوري ، وعند ذکره للمؤلّف -: وله کتاب «تسلية المُجالس» و «زينة المَجالس» کلاهما في مقتل مولانا الحسين عليه السلام(1)انتهي .

والحال کا عرفت انّه کتاب واحد.

2- قال الأستاذ عبد الجبّار الرفاعي حفظه الله في «معجم ما کتب عن

الرسول وأهل البيت صلوات الله عليهم» ج153/7: «تسلية المُجالس» للسيّد

محمد الحسيني الحائري . يأتي بعنوان «زينة المَجالس» . انتهي.

إلّا أنّه قال في ص 325رقم 18677:

زينة المَجالس» (مقتل فارسي) للسيّد مجد الدين محمد بن أبي طالب

الحسيني الحائري ، فرغ منه سنة 1004 ه.... انتهي .

وقال ثالثة في ج 8/69:

مقتل أبي عبدالله الحسين عليه السلام» للسيد محمد الحائري ، تقدّم

بعنوان : «زينة المجَالس» . انتهي.

ويمکن تصحيح هذا الاشتباه بالنقاط التالية :

أ: حصل خلط بين «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس» - کتابنا هذا - وبين «زينة المَجالس» للسيّد مجد الدين محمد بن أبي طالب الحائري ، وذلک

ص: 21


1- روضات الجنّات :35/7.

نتيجة اشتراک اسم الکتاب واسم المؤلّف في الاثنين .

ب : إنّ «زينة المجالس» هو في التواريخ وليس في مقتل الإمام الحسين

عليه السلام.

وقد قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني رحمه الله : «زينة المجالس» في التواريخ ، للأمير مجد الدين محمد الحسيني المتخلص «مجدي» ألفه سنة «1004» ه باسم الشاه طهماسب ، مرتّباً علي تسعة أجزاء ، وکلّ جزء علي عشرة فصول ، إلّا الجزء الأخير فإنّه لم يخرج منه إلّا ثمانية فصول في النسخة المخطوطة ، لکنّه اُلحق بالکتاب فصلان في الطبع ؛ أحدهما في تواريخ المغول ، والآخر في الصفويّة ، وينقل عنه في «مطلع الشمس»، وهو فارسيّ.. إلي آخر کلامه(1)

ج : إنّ مؤلّف «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس» أهدي کتابه للشاه إسماعيل الصفوي الّذي کانت السلطة بيده في عام «906 - 930» ه، وهذا يعني أنّ تاريخ تأليف الکتاب يقع في هذه الفترة ، و مؤلّف هکذا کتاب من البعيد أن يقل عمره عن «20» أو «25» سنة ، فعلي غالب الظن أن ميلاده کان قبل سنة

«900» ه.

وأمّا مؤلّف کتاب «زينة المَجالس» فقد ألّف کتابه سنة « 1004» ه، ومن

المعلوم أنّه توفّي بعد هذا التاريخ.

وبالنتيجة فمن البعيد جدّاً أن يکون مؤلف «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس المولود قبل سنة «900» ه قد عمّر لما بعد سنة «1004» ه.

ص: 22


1- الذريعة : 12 /94 رقم 618.

ومن الجدير بالذکر أنّ العلّامة المجلسي رحمه الله قد نقل في بحار الأنوار عن «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس» في المجلّد العاشر من الطبع القديم (الحجري) ، أي ّ 44 ص 310 و354وغيرها والمجلّد 45 من الطبع الجديد .

منهجيّة التحقيق

کان أوّل عملي هو استنساخ النسخة الخطّيّة ، ومن ثمّ إرجاع الأحاديث إلي مصادرها الأصليّة - وإن لم يصرّح المؤلّف بمصادرها علي الأغلب - حيث طابقت الأحاديث مع مصادرها ، وبعد ذلک ضبطت النصّ ضبطاً متقناً - علي قدر الوسع والإمکان ، ولم أدّع الکمال في ذلک - وکما يلي :

1- طابقت الآيات القرآنيّة الشريفة مع القرآن الکريم وأثبتّها کما هي في

القرآن .

2 - ما أضفته من المصادر جعلته بين [] وأشرت لذلک في محلّه .

3 - اقتصرت في الإشارة لموارد الاختلافات بين النسخة والمصادر -

المهمّة منها فقط.

4 - قمت باتّحاد الأحاديث الواردة في الکتاب مع المصادر الحديثيّة

المعتبرة .

ص: 23

تقدير وعرفان :

لقد کان الأمل يحدوني بأن يُکتب لهذا السفر القيّم بالظهور قبل مدّة من الزمان ، أي في حياة أُستاذنا العلّامة الراحل والمحقّق الخبير السيّد عبد العزيز ابن السيّد جواد الطباطبائي اليزدي النجفي قدّس سرّه ، سيّما وانّه قد هيّأ لي النسخة الّتي اعتمدتها في التحقيق من مدرسة النمازي في مدينة «خوي»، وانّه أيضاً کان يرغب في أن يري صدور هذا الکتاب ، إلّا أنّ أموراً عديدة حالت دون إتمام تحقيق الکتاب في ذلک الوقت ، وشاءت الإرادة الإلهيّة غير ما شئنا برحيل السيّد عنّا ، فجزاه الله خير جزاء المحسنين ، وأسکنه فسيح جنانه وأوفرها.

وأسجّل وافر شکري لکلّ من مالي مدَّ العون في عملي هذا، وأخصّ بالذکر منهم : الأستاذ الفاضل محمود البدري ، وأشقائي : علي وعبدالکريم وصادق وفّقهم الله جميعاً.

وأشکر أيضاً أمّ ولدي «حيدر» التي شارکتني في مختلف مراحل تحقيق

الکتاب ، من استنساخ واستخراج ومقابلة فجزاها الله خيراً .

والحمد لله ربّ العالمين .

فارس حسّون کريم

قم المقدّسة ذکري مولد سيّد الشهداء عليه السلام

3 شعبان 1417 ه

ص: 24

صورة

صورة الصفحة الأولي من النسخة الخطية «الأصل» .

ص: 25

صورة

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الخطية «الأصل» .

ص: 26

مقدمه المولف

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل مصائب دار الغرور مصروفة إلي وجوه أوليائه ، ونوائب بطشها المشهور موقوفة علي جهة أصفيائه ، ووعدهم علي الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه ، وأراهم فضل درجة الشهادة في منازل دار السعادة الباقية ببقائه ، فبذلوا أرواحهم لينالوا الزلفي من رحمته ، وباعوا أنفسهم من الله بنعيم جتته ، وتلقّوا حدود الصّفاح (1)بشرائف وجوههم ، وقابلوا رؤوس صدور الرماح بکرائم صدورهم ، فکوّرتهم وقد أظلم ليل نقع (2) الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، وکفر القتام (3) شمس النهار برنامه ، وغمر الظلام فجاج الأقطار بغمامه ، وخشعت الأصوات لوقع الصرام علي هامات الرجال ، وأشرقت الأرض بما سال عليها من شآبيب الجريال (4)، فلم تر إلّا رؤوساً تقطف ، ونفوساً تختطف ، وأبطالاً قد صبغت

ص: 27


1- هي السيوف العريضة .
2- النَّقعُ : رفع الصوت.
3- الکَفرُ: التغطية . والقَتامُ : الغبار
4- الجِريال : صبغ أحمر، وجِريال الذهب : حمرته. «لسان العرب :109/11 - جرل - ».

جيوبها بدم الحتوف ، وفرساناً وجبت جنوبها بغروب السيوف (1) لرأيت منهم وجوهاً کالبدور في ظُلَم النقع مشرقة ، وأُسداً في غاب (2)

الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربّهم راحة أرواحهم ، وبذلوا الوسع في إعلاء کلمة خالقهم مجلية أفراحهم.

ليوث إذا ضربت الحرب جمرها ، غيوث إذا السماء منعت درّها ، رهبان إذا الليل أرخي ستوره ، أعلام إذا النهار أشاع نوره ، مصابيح الظلام إذا الغسق غَمَّت سُدفتُهُ ، مجاديح (3)

الانعام إذا الزمان عمّت أزمّته ، سادة الأمّة ، وقادة الأئمّة ، و معدن الحکمة ، ومنبع العصمة، وبحار العلم ، وبحار الحلم ، إن سئلوا أوضحوا ، وإن نطقوا أفصحوا ، وإن استسمحوا جادوا ، وإن استرفدوا عادوا ، أصلهم معرق ، وفرعهم معذق ، وحوضهم مورود، ومجدهم محسود ، وفخرهم... (4) النبوة أصلهم ، والامامة نسلهم ، لا شرف إلا وهم أصله ، ...(5)

وأُمروا بالجهاد في سبيل الله فأتمروا ، لبسوا القلوب علي الدروع عند مکافحة الکفاح، وتلقّوا بالخدود والصدور حدود الصفاح ورؤوس الرماح ، يرون طعم الموت في طاعة ربّهم أحلي من العسل المشار(6) وارتکاب

ص: 28


1- أي سَقَطَت جُنُوبها إلي الأرض بحدود السيوف .
2- الغابةُ من الرَّماح : ما طال منها ، وکان لها أطراف تُري کأطراف الأجَمة ؛ وقيل : هي المضطربة من الرماح في الريح؛ وقيل : هي الرماح إذا اجتمعت . «لسان العرب : 656/1 - غيب .» .
3- مِجدَحُ : نجم من النجوم کانت العرب تزعم أنها تُمطَرُ به ، وهو المُجدَحُ أيضاً ؛ وقيل : هو الدَّبَران لأنّه يطلعآخراً ويسمّي حادِيَ النجوم . «لسان العرب :421/2- جدح - ».
4- کانت هناک آثار ترميم علي الصفحة الأولي من الأصل ، ومن جرّاء ذلک فقد هنا مقدار3 سطور
5- کانت هناک آثار ترميم علي الصفحة الأولي من الأصل ، ومن جراء ذلک فقد هنا مقدار3 سطور
6- يقال : رجلُ مِشرُ : شديد الحُمرة. «القاموس المحيط : 2/ 134 - مشر - » . وقال في حياة الحيوان الکبري : 2/ 350: وأجوده - أي العسل - الخريفي الصادق الحلاوة والکثير الربيعي المائل إلي الحمرة وفي هامش الأصل : المشار : النشاط.

الأخطار في إعلاء کلمة خالقهم أولي من رکوب العار .

جدّهم أکرم مبعوث ، وخير مرسل ، وأشرف مبعوث بالمجد الأعبل(1)والشرف الأطول ، لم يضرب فيه فاجر ، ولم يسهم فيه عاهر ، نقله الله من الأصلاب الفاخرة إلي الأرحام الطاهرة ، واختصه بالکرامات الباهرة ، والمعجزات الظاهرة ، ونسخ الشرائع بشريعته ، وفسخ المذاهب بملته ، أقام به الاسلام وشدّ أزره(2) ، وأوضح به الايمان وأعلا أمره ، وجعله مصباحأ لظلم الضلال ، ومفتاحة لما استعلن من الأحکام ، وأحيا به السنّة والفرض ، وجعله شفيع يوم الحشر والعرض ، وأسري به إلي حضيرة قدسه ، وشرّفه ليلة الإسراء بخطاب نفسه ، فهو أشرف الموجودات ، وخلاصة الکائنات، أقسم ربّنا بحياته، وجعله أفضل أهل أرضه وسماواته ، وأزلفه بقربه ، واختصه بحبه ، فهو سيّد المرسلين ، وإمام المتقّين ، وخاتم النبيّين ، النبيّ المهذّب ، والمصطفي المقرّب، الحبيب المجيب ، والأمين الأنجب .

صاحب الحوض والکوثر ، والتاج والمغفر ، والخطبة والمنبر ، والرکن والمشعر ، والوجه الأنور، والجبين الأزهر ، والدين الأظهر ، والحسب الأطهر ، والنسب الأشهر ، محمد سيّد البشر ، المختار للرسالة ، الموضح للدلالة ، المصطفي للوحي والنبوّة ، المرتضي للعلم والفتوّة .

صاحب الفضل والسخاء ، والجود والعطاء ، والمذاکرة والبکاء ،

ص: 29


1- العَبلُ : الضخم من کلّ شيء . وأعَبلُ : غَلُظ وابيَضَّ . «لسان العرب :420/11 - عبل - .
2- في هامش الأصل : الأزر : الظهر .

والخشوع والدعاء، والانابة والصفاء.

صاحب الملّة الحنيفيّة ، والشريعة المرضيّة ، والأمّة المهديّة ، والعترة

الحسنيّة والحسينيّة .

صاحب الفضل الجليّ ، والنور المضيّ ، والکتاب البهيّ ، الرسول النبيّ

الأُمّي

هذا الذي زيّنت بمدحه طروسي(1) ورصفت بوصفه بديعي و تجنيسي ، وقابلت بدّر کماله تربيعي و تسديسي، وجعلت ذکره في خلواتي آليفي و آنيسي، وحليت المجامع بملاقي(2)مناقبه ، وشققت المسامع بمعالي مراتبه.

هو الذي رفع الله به قواعد الصدق بعد اندراسها ، وأطلع أنوار الحق بعد انطماسها ، وأقام حدود السنّة بجواهر لفظه ، وحتي أجياد الشريعة بزواجر وعظه ، وأطلع شمس الملّة الحنيفيّة في فلک نبوّته ، وأظهر بدر الشريعة المصطفويّة من مطالع رسالته ، فتح به و ختم ، وفرض طاعته و حتم ، ونسخ الشرائع بشريعته ، ونسخ الملّة بملّته.

لم يخلق خلقاً أقرب منه إليه ، ولم ينشيء نشأً أکرم منه عليه ، شرفه من فلق الصبح أشهر ، ودينه من نور الشمس أظهر ، ونسبه من کل نسب أطهر ، وحسبه من کلّ حسب أفخر ، لما أخلص لله بوفاء حقّه ، وسلک إلي الله بقدم صدقه ، ورفض الدنيا رفضاً ، وقرضها قرضاً، لعلمه بسوء مواقع فتکها، وحذراً من مصارع هلکها ، أطلعه الله علي أسرار ملکوته ، وشرّفه بخطاب حضرة

ص: 30


1- الطَّرسُ : الصحيفة . ويقال : هي التي محيت ثم کتبت . «لسان العرب :6/ 121 -طرس - ».
2- المَلاقي : أشراف نواحي أعلي الجبل لا يزال يَمثُل عليها الوعل يعتصم بها من الصياد . لسان العرب : 255/15 - لقا -» .

کتاب النبي صلي الله عليه وآله إلي کسري .

جبروته ، وأرسله صادعاً بحکمه ، وجعله خازناً لعلمه ، فقام صلّي الله عليه و آله بأعباء الرسالة جاهداً، وباع من الله روحه مجاهداً ، و قطع من قربت قربته ، ووصل من بعدت لحمته ، وهجر في الله الأدنين ، ووصل الأبعدين ، سل عنه أحد وبدر کم خسف الله به فيهما للشرک بدراً ، وهتک للشرک ستراً ، وقصم للظلم ظهراً ، جاهد في الله حقّ جهاده ، وصبر علي الأذي في الله من جهاد عباده حتي کسرت في أحد رباعيته ، وشجت لمناو شته(1) القتال جبهته ، و ثفنت من دمه لمّته (2)، وقتلت عترته وأسرته .

کم نصبوا له غوائلهم (3) وکم وجّهوا نحوه عواملهم ؟ وکم جرّدوا عليه مناصلهم (4) وکم فوقوا إليه معابلهم(5)؟ وأبي الله إلّا تأييده بنصره ، وتمجيده بذکره.

روي أن النبيّ صلّي الله عليه و آله کتب إلي کسري بن هرمز : أمّا بعد :

فأسلم تسلم ، وإلّا فأذن بحرب من الله ورسوله ، والسلام علي من اتّبع

الهدي.

قال : فلمّا وصل إليه الکتاب مزّقه و استخفّ به ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلي دينه، ويبدأ باسمه قبل اسمي ؟ وبعث إلي رسول الله صلّي الله عليه

ص: 31


1- في هامش الأصل : المناوشة : الإسراع في النهوض .
2- اللمَّة : شعر الرأس.
3- الغوائل : الدواهي
4- النَّصلُ : حديدة السهم والرمح .
5- المِعبَلة : نصلُ طويل عريض ، والجمع معابل... ومنه حديث علي عليه السلام : تکَنَّفتکم غَوائلُه وأقصَدَتکم معابِلُه . «لسان العرب :422/11 - عبل - .

و آله بتراب ، فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله : مزّق الله ملکه کما مزّق کتابي ، أما إنکم ستمزّقون ملکه ، وبعث إليّ بتراب أما إنّکم ستمزّقون (1)أرضه ، فکان کما قال صلّي الله عليه و آله

ثم کتب کسري في الوقت إلي عامله علي اليمن ، وکان اسمه باذام(2) ويکنّي أبا مهران ، أن امض إلي يثرب واحمل هذا الذي يزعم أنّه نبيّ ، وبدأ باسمه قبل اسمي ، ودعاني إلي غير ديني ، فبعث باذام إلي النبيّ صلّي الله عليه و آله فيروز الديلمي في جمع ، وأرسل معه کتاب يذکر فيه ماکتب إليه کسري ، فأتاه فيروز بمن معه ، وقال : إنّ کسري أمرني أن أحملک إليه ، فاستنظره صلّي الله عليه و آله ليلته إلي الصباح.

فلمّا کان في (3)الغد حضر فيروز مستحثّاً لرسول الله صلّي الله عليه و آله ، فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله : أخبرني ربّي انّه قتل صاحبک البارحة، سلّط الله عليه ابنه شِيرَوَيه علي سبع ساعات من الليل ، فأمسک حتي يأتيک الخبر ، فراع ذلک فيروز وهاله ، ورجع إلي باذام فأخبره .

فقال له باذام : کيف وجدت نفسک حين دخلت عليه ؟

فقال : والله ما هبت أحدا کهيبة هذا الرجل ، فوصل الخبر إليه کما قال رسول الله صلّي الله عليه و آله فأسلما، وظهر في زمانهما العنسي(4) المتنبّيء

ص: 32


1- في المناقب : ستملکون.
2- في المناقب و مصادر أخري : باذان . انظر في قصة إسلامه الروض الأنف للسهيلي : 307/1 .
3- في المناقب : من.
4- في الأصل : العبسي . وهو عَيهلة بن کعب بن عوف العنسي ، مشعوذ من أهل اليمن ، کان بطّاشاً جبّاراً ، أسلم لمّا أسلمت اليمن ، وارتدّ في أيام النبي صلّي الله عليه وآله ، فکان أوّل مرتدّ في الاسلام د وادّعي النبوة . «الکامل في التاريخ : 336/2 ، الأعلام : 111/5 ».

نزول سورة النجم

باليمن وما افتراه من الکذب ، فأرسل إليه رسول الله صلّي الله عليه وآله فيروز الديلمي ، وقال : اقتله قتله الله ، فقتله (1)-(2)

وروت(3) العامّة عن جعفر بن محمد عليه السلام أنّها لما نزلت سورة

ص: 33


1- من المناقب.
2- روي کتابه صلي الله عليه وآله إلي ملک الفرس کسري بن هرمز بألفاظ متفاوتة ، انظر : مسند أحمد بن حنبل : 243/1 و ج 133/3 ، صحيح البخاري : 10/6 ، تاريخ اليعقوبي : 2/ 77، تاريخ الطبري : 654/2 ، مشکل الآثار للطحاوي:215/1. الأموال لأبي عبيد : 23، دلائل النبوّة لأبي نعيم: 2/ 348ح 241 . السنن الکبري للبيهقي : 177/9 ، تاريخ بغداد : 1/ 132 ، الشفا للقاضي عياض : 460/1 ، مناقب ابن شهرآشوب : 79/1 . الکامل في التاريخ : 213/2 ، البداية والنهاية : 268/4وص 269، صبح الأعشي: 363/6 ، المواهب اللدنية للقسطلاني : 139/2 ، السيرةالحلبية : 277/3 ، بحار الأنوار : 381/20 ح 7 ص 389، جمهرة رسائل العرب :40/1رقم 4. السيرة النبوّية لأحمد زيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلية : 3/65، أعيان الشيعة : 1/ 244.
3- في هامش الأصل : وروي العيّاشي بإسناده عن خيشة (خثيمة) قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : من حدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً ، فإن صدق علينا فإنّما يصدق علي الله وعلي رسوله ، وإن کذب علينا فإنما يکذب علي الله وعلي رسوله لاا إذا حدّثنا لا نقول : قال فلان رتال فلان ، وإنّما نقول : قال الله وقال رسوله ، ثمّ تلا هذه الآية : (وَيَوم القِيَامَةِ تَرَي الَّذين کَذَبُوا عَلَی اللهِ وُجَوهُمُ مُسوَدَّةُ ألَيسَ في جَهَنَّمَ مَثويَّ لِلمَتَکَبَرَينَ) [سورة الزمر:60]، ثمّ أشار خيثمة إلي أذنيه فقال : صمّتا إن لم أکن سمعته. قال الراوي [سودة بن کليب] : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأية ، فقال : کلّ إمام انتحل إمامة ليست له من الله . قلت : وإن کان علوياً ؟ قال : وإن کان علوياً. فقلت : وإن کان فاطمياً ؟ قال : وإن کان فاطميّاً . «مجمع البيان : 500

«والنجم إذا هوي» أخبر بذلک عتبة (1) بن أبي لهب ، فجاء إلي النبيّ صلّي الله عليه و آله و تفل في وجهه وطلّق ابنته ، وقال : کفرت بالنجم وبرب النجم، فدعا عليه رسول الله وقال : اللّهم سلّط عليه کلباًمن کلابک ، فخرج إلي الشام ، فنزل في بعض الطريق ، وألقي الله عليه الرعب ، فقال لأصحابه ليلاً : نيّموني بينکم، ففعلوا ، فجاء أسد فافترسه من بين الناس ، ففي ذلک يقول حسّان بن ثابت :

سائِل بني الأشعر(2)إن جئتَهم ما کان أنباءُ أبي(3) واسِع لا و سَّعَ

اللهُ له قبرَه بل ضيَّقَ الله علي القاطِع رمي رسول الله من بينهم دون قريش رَمية القادع واستَوجَبَ الدَّعوةَ منه بما بيَّن للنَّاظِر والسَّامِع فسلّط الله

به کلبَه يمشي الهوينَا مشيةَ الخادع حتي أتاهُ وسطَ أصحابِه وقد عَلَتَهُم سنَةُ الهاجع (4) فَالتَقَمَ الرَّأسَ بيافوخِه والنَّحرَ منه فغرة الجائع مَن يرجع العام إلي أهله فما أکيل السَّبع بالرَّاجِع

ص: 34


1- لعلّه عتيبة کما ذکرت بعض المصادر ، لأن عتبة وأخوه معتب أسلما في عهد النبي صلي الله عليه و آله . انظر الاصابة :455/2 رقم 5413 و ج 443/3 رقم 8120.
2- کذا في ديوان حسّان وغيره ، وفي الأصل : بني الأصفر. وبني الأصفر تطلق علي الروم لأنّ أباهم الأول کان أصفر اللون . انظر «لسان العرب : 465/4 - صفر -». .
3- کذا في بعض المصادر ، وفي الأصل : بني واسع . وکان عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب يکني أبا واسع .
4- هذا البيت لم يورده في مجمع البيان .

قد کان هذا لکم عبرة للسيّد المتبوعِ والتَّابعِ(1)

وبعد :

فيقول العبد الفقير ، الذليل الحقير ، المعترف بذنبه ، المنيب إلي ربّه ، الذي لم يکتب له الکرام الکاتبون عملاً صالحاً، ولم تشهد له الملائکة المقرّبون يقيناً ناصحاً ، إلّا ما يتقرب به في کلّ آن من توحيد مالکه وربّه ، والانابة إليه بقالبه وقلبه ، وجعل ذکره أنيس خلوته ، وتلاوة کتابه جليس وحدته ، بالتوسّل إليه بأوليائه الطاهرين من أهل بيت نبيّه ، المتوکّل عليه بمجاورة الأکرمين من ذرّيّة وليّه ، وتشريف المنابر بذکر مناقبهم، وتزيين المحاضر بنشر مراتبهم ، وإيضاح الدليل علي سلوک سبيلهم، وشفاء الغليل بتشريفهم و تفضيلهم، وقمع رؤوس من عاداهم بمقامع نظمه ونثره ، و غيضّ نفوس من ناواهم بتواضع خطبه وشعره، محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيي بن ناصر بن أبي العزّ الحسيني الموسوي الحائري أمّاً وأباً ، الامامي ملّة ومذهباً ، الحسيني نسباً ومحتداً (2) الکرکي (3)منشاً و مولداً

ص: 35


1- روي الحديث والأبيات بتفاوت . انظر :۔ تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني : 250/2/2 ، تفسير الطبري : 27 /24 ، تفسير الکشف والبيان للثعلبي : 297 (مخطوط) ، دلائل النبوة لأبي نعيم : 454 ح 380 وص 455 ح 381 و ص457ح 383، دلائل النبوّة للبيهقي : 2/ 338 ، الشفا للقاضي عياض: 460/1، مجمع البيان : 5 / 172 ، الدرّ المنثور : 121/6 - 122، ديوان حسّان بن ثابت : 153.
2- حَدَا الشيء يَحدُه حَدواً واحتدَاه : تبعه . «لسان العرب : 168/14 - حدا -» . وقد تکون بالذال المعجمة ؛ حَذَا حذوَه : فَعَل فعله ، يقال : فلان يحتَدي علي مثال فلان إذا اقتدي به في أمره ، ويقال : حاذيت موضعاً إذا صرت بحذائه. «لسان العرب : 14/170 - حذا».
3- الکَرَک : قلعة حصينة جدّاً في طرف الشام ، من نواحي البلقاء في جبالها «مراصد الاطلاع: 1159/3» .

في هجرة المؤلف رحمه الله من دمشق

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي وأمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي ، ومصدري في الأمور وموردي ، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة ، وهي في الحقيقة علي غير تقوي الله مؤسّسة ، کم سب أمير المؤمنين علي منابرها، وأظهرت کلمة الکفر في منائرها ، وعصي رب العالمين في بواطنها وظواهرها، وحملت رؤوس بنيّ النبيّ إلي يزيدها وفاجرها ؟ فهي دار الفاسقين ، وقرار المنافقين ، ومغرس العصابة الناصبة ، ومجمع الطائفة الکاذبة ، أعني البلدة المشهورة بدمشق ، معدن الفجور والغرور والفسق ، ولمّا منّ الله بتوفيق الخروج منها ، وتسهيل الطريق بالبعد عنها ، وفارقتها غير آسف علي حضرتها ونصرتها ، ولا نادم علي مفارقة جهتها وربوتها ، أري کلّ وارد من موارد يزيدها ثورة ، وکل ملازم لباب يزيدها من المعدلين آثماًأو کفوراً ، وکلّ عاکف بأموتها من أعلام علمائها عتلّاً (1) فخوراً ، وکلّ زبرج(2)أُجري علي صفحات عروشها وجدرانها حرفاً وغروراً.

علمائها ذئاب بل ذباب ، وأُمراؤها سباع بل کلاب ، ونساؤها أبغي من هند البغيّة ، ومخدّراتها أزني من امّ زياد سميّة ، الأبنة في علمائها فاشية ، والدياثة من زعمائها ناشية ، إن لامهم لائم علي سوء فعلهم قالوا: «هذا تقدير ربنّا» بکفرهم وجهلهم ، او آنّبهم مؤنّب بفجور نسائهم قالوا : «هذا ما کتب الله علي جباههنّ» بکفرهم وضلالهم ، فجدعاً (3) لهم وکبّاً، وبؤساً وغباً .

ص: 36


1- المَتُلّ : الشديد الجاني والفظّ الغليظ من الناس ؛ وقيل : هو الشديد الخصومة . «لسان العرب : 423/11 - عتل -» .
2- الزَّبرج: الوَشيُ ، الذَّهَب . «لسان العرب: 2/ 285 - زبرج -» .
3- الجَدع : القطع .

وما عسي أن أقول في وصف قوم حنيت جوانحهم علي بعض الوصيّ وعترته، وبنيت جوارحهم علي إنزال الأذي بمواليه وشيعته : يسلقون المؤمنين بألسنة حداد ، ويقصدون الصالحين بالبغي في کلّ ناد ، ويتشادقون (1) بغيبتهم في محاضرهم ومجامعهم ، ويعلنون بسبّهم عقيب جمعهم في جوامعهم، يعدّون يوم عاشوراء من أعظم أعيادهم وزينتهم ، ويسمّونه فجوراً رأس سنتهم، ويعتقدون طبخ الحبوب تلک الليلة من أعظم سنتهم ، والمصافحة بالأکف المخضوبة في ذلک اليوم من أفضل طريقهم وسنتهم ، ويتهادون بالتحف والهدايا في المنازل، ويتبارکون بإدخار الأدوية والأشربة من ذلک اليوم إلي قابل ، ويقصدون بالأذي من بکي فيه علي آل الرسول ، ويتجسّسون علي من جلس التعزية الطاهرة البتول.

وليس ذلک بعجيب من نفاقهم ، ولا بغريب من شقاقهم ، فقد ارتضعوا بغض الامام الوصيّ من أخلاف(2)اخلافهم ، واُشربوا هجر آل النبيّ من آبائهم وأسلافهم ، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن ، وأفنان(3)دوحة البغي والعدوان ، الذين أعلنوا بسب الله ورسوله علي منابرهم ، ودل قبح ظاهرهم علي خبث سرائرهم ، کم أظهروا الفساد في البلاد، وأشهروا العناد في العباد ؟ وزن الشيطان للناس اتّباعهم ، وصيّر علماء هم أشياعهم وأتباعهم ، فبذلوا لهم

ص: 37


1- المتَشَدقون : المتوسَّعون في الکلام من غير احتياط واحتراز ، وقيل : المتشدَّق : المستهزيء بالناس يلوي شِدقه بهم وعليهم. «لسان العرب: 173/10.شدق -» .
2- الأخلاف : جمع خِلف - بالکسر - وهو الضرع لکلّ ذات خُفّ وظِلفٍ. «لسان العرب :92/2 - خلف - ». ومراده آنهم ارتضعوا بعض الامام من آبائهم الماضين
3- الفَنَنُ : الغَصنُ ، وقيل : الغُصنُ القضيب يعني المقضوب ، والفَنَنُ : ماتشعَّب منه ، والجمع أفنان . «لسان العرب :327/13 - فنن - ». والدُّوحة: الشجرة العظيمة المتّسعة.

في مناقب ومثالب اصطنعتها العامة

الأموال ، وولّوهم الأعمال ، فغرّتهم الحياة الدنيا بزينتها ، وفتنتهم بزهرتها ، فبدّلوا کلام الله بآرائهم ، وحرّفوا کتاب الله بأهوائهم ، وسلکوا بقدم الغيّ إلي الباطل سبيلاً، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ، وأنکروافضل الوصيّ وما أنزل فيه من الآيات ، وجحدوا النصّ الجليّ وما ورد في إمامته من الدلالات ، تقرّباً إلي أئمّة ضلالهم ، وحرّفوا مقال النبيّ طمعاً في نوالهم.

ألا تري إلي أزکاهم البخاري قد ألغي حديث الخاتم وقصّة الغدير

وخبر الطائر (1) وآية التطهير ؟

وإن أنصفهم مسلم قد أنکر حديث الکهف والإخاء ، وطعن في حديث

«أنا مدينة العلم» ، وحديث اللوح.

وإنّ أشهرهم الطبري توقّف عن حديث الوصيّة(2)، و تأويل (یُوفُونَ بِالنُّذر)(3)، ونعم المطيّة ، ومن أعلام مبشّريهم وضلّال مفتريهم من نور الآيات والأخبار المجمع عليها نحو (إنَّمَا وَليُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا)(4)، ونحو

ص: 38


1- انظر الغدير : 218/3 وما بعدها.
2- تفسير الطبري :19 / 75.
3- سورة الانسان : 7.
4- سورة المائدة: 55. وقد اتفق المفسّرون والمحدّثون وعلماء الأثر علي نزول هذه الآية الشريفة في أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وروره بأسانيد وطرق کثيرة تنتهي إلي جماعة من کبار الصحابة والمفسّرين. قال السيّد ابن طاووس في سعد السعود: 96: انّ محمد بن العبّاس بن الماهيار المعروف بابن الحجّام قد رواه في کتابه «ما نزل من القرآن في علي عليه السلام» من تسعين طريقاً بأسانيد متصلة، کلّها أو جلّها من رجال المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ، وذکر منهم: عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، الزبير بن العوامّ، عبد الرحمان بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، طلحة بن عبدالله، عبدالله بن عبّاس، أبو رافع، جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو ذرّ، الخليل بن مرة، علي بن الحسين عليه السلام، أبو جعفر محمد بن - علي عليه السلام ، جعفر بن محمد عليه السلام ، أبو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، مجاهد المکيّ، محمّد بن السري، عطاء بن السائب، عبد الرزاق . انتهي يضاف إلي هؤلاء من مصادر أخري: علي عليه السلام ، عمار بن ياسر، شلمة بن کھيل، أنس بن مالک، عبدالله بن سلام، المقداد بن الأسود الکندي، عبد الملک بن جريح ورواه البلاذري في أنساب الأشراف : 1/ 150ح 151 ، الحاکم النيشابوري في معرفة علوم الحديث: 102، الحبري في ما نزل من القرآن في علي عليه السلام : 258 -261 ح 21 - 23، الشجري في أماليه: 1/ 137 و 138 بعدّة طرق، الواحدي في أسباب النزول: 113 ، الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في ما نزل من القرآن في علي عليه السلام - علي ما في النور المشتعل -:61- 85 ح 5 - 15، ابن عساکر في ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: 409/2ح 915 و916، الجويني في فرائد السمطين : 1/ 187 - 195 ح 149 - 153، ابن المغازلي في المناقب: 311 -314ح 354 - 358، الگنجي في کفاية الطالب: 228 و249، الحاکم الحسکاني في شواهد التنزيل :161/1 - 184ح 216 - 240 بأکثر من أربعة وعشرين طريقاً، السيوطي في الباب النقول: 93 ، الجصّاص في أحکام القرآن :102/4 ، الخوارزمي في المناقب186 و 187. وأخرجه الشوکاني في فتح القدير : 53/2عن الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس، وعن عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس ، وعن أبي الشيخ وابن مردويه وابن عساکر عن علي ، وعن ابن مردويه والطبراني في الأوسط عن عمّار.

أنت منّي بمنزلة هارون من موسي ، وإنّي تارک فيکم الثقلين ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً ، وجماعة من کبار أنصابهم ، وفجّار نصّابهم ، جعلوا مقابل کلّ حق باطلاً ، وبإزاء کلّ قائل قائلاً ، مثل «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة»(1) فوضعوا بإزائه «أبو بکر وعمر سيّداکهول أهل الجنّة»(2) و

ص: 39


1- صحيح الترمذي :306/2 ، سنن ابن ماجة : 44/1 ، مسند أحمد: 391/5 ، موارد الظمآن : 551، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي :36، تاريخ بغداد : 9/ 231 ، حلية الأولياء : 190/4 ، الاصابة : 266/1 ، أسد الغابة: 5/ 574، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الکوفي : 2/ 238 ح 703، المستدرک علي الصحيحين : 3/ 381.
2- صحيح الترمذي : 5/ 570، سنن ابن ماجة : 36/1و 38، مسند أحمد: 1/ 80، : تاريخ بغداد : 307/5 ، و ج 118/7 - 119،کنز العمال : 561/11ح 22652 و ص562ح 32654 و ص563ح32664، وج 700/12 ح 36084.

«کان أحبّ الرجال إلي النبيّ عليّ ، ومن النساء فاطمة(1) فوضعوا الحديث في أبي بکر وعائشة(2)، وغرّوا الجاهل بمقالات الباطل ليدحضوا به الحق ، ولو أردت لأوردت من أکاذيبهم وأغاليطهم، وزلفت من أباطيلهم ومخاليطهم، ما يعجز اللسان عن وصفه ، ويکلّ البنان من رصفه ، فأعرضت عن رقم ذلک في الدفاتر ، وإن کان حاکي الکفر ليس بکافر.

شعر:

إذا ما روي الراوون ألف فضيلة لأصحاب مولانا النبي محمد يقولون هذا في الصحيحين مثبت بخط الأمامين الحديث يشيّد(3)ومهما روينا في علي فضيلة يقولون هذا من أحاديث مُلحِد(4)

آخر:

إذا في مجلس ذکروا عليّاً وسبطيه وفاطمة الزکيّة يقول الحاضرون ذروا فهذا سقيم من حديث الرافضيّة(5)

ص: 40


1- ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساکر :163/2 ح 641 وص 165ح 646، سنن الترمذي :655/5 ح 3868، المستدرک للحاکم : 3/155. سير أعلام النبلاء: 2/ 131.
2- الرياض النضرة: 1/ 135،کنز العمّال : 12 / 133 ح 34350.
3- في المناقب : فَسَدَّد ، وفي بعض نسخه : مسدّد.
4- مناقب ابن شهر آشوب: 3/1.
5- الأبيات للشافعي ، انظر ديوانه ص 90، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 129/2، مناقب ابن شهرآشوب : 30/1. وروي الجويني في فرائد السمطين : 1/ 135 ح98 بإسناده إلي أبي عبدالله محمد ابن الفضل الرافعي بالبصرة ، قال : سمعت الربيع بن سلمان يقول : قلت للشافعي : إن هاهنا قوما لا يصيرون علي سماع فضيلة لأهل البيت ، فإذا أراد أحد أنّ يذکرها يقولون : هذا رافضي !! قال : فأنشأ الشافعي يقول : إذا في مجلس ذکروا عليّاً وسبطيه وفاطمة الزکيّة فأجري بعضهم ذکري سواهم فأيقن أنه ابن سلقلقية إذا ذکروا عليّاً أو بنيه تشاغل بالروايات العليّة وقال تجاوزوا يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضية بَرنت إلي المهيمن من أناس يرون الرفض حبّ الفاطميّة علي آل الرسول صلاة ربّي ولعنته لتلک الجاهليّة.

فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم ، وزلّة العالم کانکسار السفينة تغرق ويغرق معها غيرها ، بل إذا زلّ العالمِ زلّ العالم ، وجماعة من الفسّاق حملهم النفاق إلي أن قالوا: کان أبو بکر أشجع من عليّ،(1) وإنّ مرحباً قتله محمد بن مَسلمة،(2) وإنّ ذا الثديّة قتل بمصر(3) وإنّ في أداء سورة براءة کان الأمير أبا بکر علی عليّ (4)، وربّما قالوا : قرأه أنس بن مالک ، وإنّ

ص: 41


1- الرياض النضرة: 1/ 138، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 36، مجمع الزوائد : 46/9 . ولقد أجاد الأميني رحمه الله في الغدير : 200/7 - 215 في تفنيد هذا الزعم، فراجعه
2- الکامل في التاريخ : 219/2.
3- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 268/2 : وفي کتاب صفّين أيضاً للمدائني، عن مسروق ، أنّ عائشة قالت له لما عرفت أنّ عليّاً عليه السلام قتل ذا الثّديّة : لعن الله عمرو بن العاص ، فإنّه کتب إليّ يخبرني أنّه قتله بالاسکندرية ، ألا إنّه ليس يمنعني مافي نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله صلّي الله عليه وآله يقول : يقتله خير أمّتي من بعدي، عنه البحار : 32/ 340، وج 15/38 ح 24.
4- انظر : السيرة النبوّية لابن هشام : 188/4 - 190، تاريخ خليفة بن خيّاط : 93، کتاب العثمانية للجاحظ : 129، سنن النسائي :247/5 ، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي (نشر مکتبة المعلا في الکويت) : 93 ح 78 ، السنن الکبري للبيهقي :111/5.الرياض النضرة : 3/ 132 - 136 وفيه تأويلات خبيثة ، البداية والنهاية : 357/7، تفسير القرآن العظيم لابن کثير : 10 /344 وما بعدها (أوائل سورة التوبة) أورد عدّة روايات بهذا المعني

محسناً ولد في حياة النبيّ صلّي الله عليه و آله سقطاً (1)، وإنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله قال : إنّ بني المغيرة استأذنوني أن ينکحوا ابنتهم من عليّ فلا آذن ، ثم لا آذن إلّا أنّ يطلّق عليّ ابنتي وينکح ابنتهم (2)، وأسندوا إليه صلّي الله عليه و آله انّه قال : إنّ آل أبي طالب (3) ليسوالي بأولياء ، إنّما ولیّي الله وصالح المؤمنين (4)، وقالوا: إنّ صدقة النبيّ کانت بيد العبّاس فغلب عليُّ العبّاس عليها، ومن رکب الباطل زلّت قدمه ، وکقول الجاحظ (5) ليس إيمان علي إيماناً لأنّه آمن وهو صبيّ(6) ولا شجاعته بشجاعة لأنّ النبيّ صلّي الله

ص: 42


1- انظر : تاريخ الطبري : 153/5، الکامل في التاريخ : 397/3 وفيهما بلفظ : توفّي صغيراً ، تهذيب الکمال : 479/20 بلفظ : دَرَجِ سِقطاً ، البداية والنهاية : 331/7 بلفظ : فلمّا ولد الثالث - أي لعلي عليه السلام - جاء النبي صلّي الله عليه و آله فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ فقلت : حرباً . فقال : بل هو محسن . وفي موضع آخر بلفظ : ومات وهو صغیر.
2- انظر : صحيح مسلم : 1902/4 ح 2449 ، صحيح الترمذي : 698/5 ح3867 عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي : 13 / 246 ، أسد الغابة : 7 / 222 و فيها جميعاً : هشام بن المغيرة
3- في بعض المصادر : آل أبي فلان ، وفي بعضها : آل فلان ، وفي بعضها : آل أبي
4- مسند أحمد: 303/4 ، صحيح مسلم:197/1 رقم 366، صحيح البخاري : 7/8مسند أبي عوانة: 96/1 ، الجامع لأحکام القرآن للقرطبي : 346/16 ، مشکاة المصابيح للتبريزي: 3/ 1376 ح 4914، جامع الأحاديث للسيوطي :209/2 ح 4856، الدرَ المنثور : 3/ 183،کنز العمال : 3/ 358ح 6922، شرح نهج البلاغة : 64/4
5- راجع کتابه «العثمانية» فقد نفث فيه ما يکون عليه وبا إن شاء الله
6- انظر في هذا المعني البداية والنهاية :222/7 فقد قال : وکان سبب إسلام علي صغيراً أنّه کان في کفالة رسول الله صلّي الله عليه و آله لأنه کان قد أصابهم سنة مجاعة ، فأخذه من أبيه ، فکان عنده ، فلمّا بعثه الله بالحق أمنت خديجة وأهل البيت ومن جملتهم علي ، وکان الايمان النافع المتعدي نفعه إلي الناس إيمان الصدّيق !!!

عليه وآله أخبره انّ ابن ملجم يقتله ، ونسبة جماعة انّ حروبه کانت خطأ(1)وانّه قتل المسلمين عمداً ، وقول واحد من علمائهم : إنّ الحسن قتل ابن ملجم، وکان لعلي أولاد صغار ولم يتربّص به ، وقول القتيبي: أوّل خارج في الاسلام الحسين(2)

فويل للقاسية قلوبهم من ذکر الله ، ولعمري انّ هذا الأمر عظيم ، وخطب في الاسلام جسيم، بل هو کما قال الله : (إنَّ هَذَاَ هو البَلَاءُ المُبِينُ) (3)، فصارت الغوغاء تزعق (4)علي المحدّثين والذاکرين الأمير المؤمنين .

شعر:

إذا ما ذکرنا من عليّ فضيلة

رمينا بزنديق وبغض أبي بکر

ص: 43


1- انظر الغدير : 3/ 188 و ص249.
2- وهکذا دواليک إلي ما شاء الله أن يدونوا مما ارتضته أنفسهم وأزاغهم الشيطان به ، ولقد تصدّت لهذه المتاهات أقلام منصفة سجّلت القول الحقّ تارة في مؤلّفات خاصّة ، وتارة في فصول أو أبواب ضمن تأليفاتهم ، وتارة بالاشارة إلي ما وضعه الوضّاعون تقرّباً السلطان ، أو حبّاً في جاهٍ أو مالٍ. و ممّن تناول هذا الموضوع بالتأليف أو بالاشارة : ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : 17/3 ، و ج 45/11 و 46، والشهيد القاضي التستري في الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ، والمير حامد حسين النيشابوري اللکنوي المتوفي سنة 1306 ه في کتابه «شوارق النصوص في تکذيب فضائل اللصوص» و «عبقات الأنوار» ، والعلامة الأميني في موسوعته «الغدير» ، والأستاذ صائب عبد الحميد في منهج في الانتماء المذهبي : 191 وما بعدها ، والسيد علي الميلاني في مقالات نشرت في مجلة تراثنا «الأعداد 20 - 31» تحت عنوان : من الأحاديث الموضوعة.
3- سورة الصافّات : 106.
4- أصل الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ، ثمّ استعير للسفلة من الناس والمتسرعين إلي الشرّ ، ويجوز أن يکون من الغوغاء الصوت والجلبة لکثرة لغطهم وصياحهم. والزّعق : الصياح.

في أن المؤلف رحمه الله استوطن کربلاء

وقال آخر: وإن قلت عيناً من عليّ تغامزوا عليَّ وقالوا قد سببتَ معاوية(1)

(وأفَرَأیتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّه اللهُ عَلَي عِلم وَخَتَمَ عَلَي سَمِعَه وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَي بَصَرِهِ غِشَاوَةً)(2)، وبقيت علماء الشيعة في أمورهم متحيّرين ، وعلي أنفسهم خائفين ، وفي الزوايا متحجّرين، بل حالهم کحال الأنبياء والمرسلين ، کما حکي سبحانه عن الکافرين : (لَئِن لَم تَنَتَهِ؛ يَا لُوطُ لَتَکُونَنَّ مِنَ المُخرَجِينَ)(3) (لَئِنَ لَم تَنتَهِ؛ يَا نُوحُ لَتَکُونَنَّ مِنَ المَرجُومِين)(4)، (لنَخرُجَنَّکَ يَا شُعَيبُ وَالَّذِينَ آمَنوا مَعَکَ مِن قرَيَتَنَا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)(5) فقلت : (اهدِنَا الصَّراط المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أنعَمت عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالَّينَ) (6)

فحثثت رکابي عن ديارهم ، وأبعدت قراري من قرارهم، واستحليت البعد عن مزنهم ، واستعذبت البروز(7) عن برزتهم ، وحططت رحلي ببلاد سيد الوصييّن ، وألقيت کلّي (8)علي إمام المتقين ، وجعلت مشهد قرة عينه أبي عبدالله موطني ، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسکني ومدفني ، لا أريد منها

ص: 44


1- مناقب ابن شهرآشوب : 5/1
2- سورة الجاثية : 23.
3- سورة الشعراء : 167.
4- سورة الشعراء : 116.
5- سورة الأعراف : 88.
6- سورة الفاتحة : 6 و 7.
7- البروز : الخروج.
8- الکَلُّ : الذي هو عيال وثقل علي صاحبه ، قال الله تعالي : (و َهُوَکَلُّ عَلیَ مَولَاه) أي عِیال. «لسان العرب: 594/11 - کلل - ».

إشادة المؤلف بالسلطان إسماعيل الصفوي .

بدلاً ، ولا أبغي عنها حولاً ، اُزين منابرها ببديع نظامي، وأُسرّ محاضرها بمعاني کلامي ، وأّقلّد أجياد مدائحه بدرر لفظي ، واُزيّن خرائد محامده بملابس وعظي ، ملازماً علي الدعاء آناء ليلي وأطراف نهاري ، وعقيب تهجدّي وتلاوتي في أسحاري ، بدوام دولة من أعلي کلمة الاسلام بعد رفضها، ورفع درجة الايمان بعد خفضها ، وقطع عصب النفاق بقاطع غضبه ، وقمع أرباب الشقاق بسطوة حربه ، وأقرّ عين جدّه المصطفي، و أبيه المرتضي، وأسخن عيون أولي الضلالة والشقاء، وجعل الدين الحنيف يميس(1) في حلل المهابة والبهاء، والحق يرفل في ميادين القوة والعلاء

فرع النبوّة، وشجرة الفتوّة ، الناطق بالصدق ، والداعي إلي الحّق، قامع کلّ ظالم، لا تأخذه في الله لومة لائم، عماد الدين ، وعميد المؤمنين ، علم الشريعة

النبويّة ، ومؤيّد الشيعة الاماميّة.

شعر : علويّ النجار (2)من آل موسي أبحر العلم والجبال الواسي هاشمّي لا من بني عبد شمس فاطمّي لا من بني العبّاس

صاحب الأصل الراسخ ، والفرع الشامخ ، والمجد الأطول ، والشرف الأعبل ، قاتل الکفرة ، وخاذل الفجرة ، وطاهر الأسرة ، وجمال العترة ، السيد الأفخر، والعنصر الأطهر ، والليث الغضنفر ، زينة ولد جده أمير المؤمنين حيدر، وعمدة ذرّيّة السيّد الشهيد السعيد شاه حيدر ، مولانا وسيّدنا السلطان الجليل شاه إسماعيل أبو المظفّر، الّذي أيّد الله الاسلام بعزيز نصره ، وقطع دابر البهتان

ص: 45


1- المنيس : التَّبختُر
2- النَّجرُ والنُّجارُ والجار : الأصل والحسب . «لسان العرب : 193/5 - نجر -» .

بغالب أمره ، وأظهر بدر الحقّ بعد خفائه ، وأنار نور الصدق بعد انطفائه، وأنطق لساني بمدح سادتي وأئمّتي ، وأطلق جناني بسبّ حسدتي وأعداء ملّتي.

أقطع بحدّي غراسهم ، وأقلع بجدّي أساسهم ، معتقداً ذلک من أفضل أعمالي، وأکمل أفعالي ، الّذي أتصّل به إلي منازل السعادة الباقية ، والجنّة العالية ، جعل الله أرکان دولته في صعيد السعادة ثابتة ، ودوحة سلطنته في ربوة السيادة نابتة، وأعلام النصر منصوبة علي هامة رفعته ، وکلل المجد مضروبة علي عظمة سدته ، و آيات الايمان بدوام أيّامه متلؤّة ، ورايات الاسلام بسديد آرائه مجلوّة، وشمس شرفه في أفلاک التأييد سائرة ، وأنجم عظمته في منازل التأييد دائرة، والعکوس إلي قضايا عدوّه موجّهة ، والنحوس بذکر مساويء ضده منوهة.

اللهمّ اجعل أعداءه في قبضة أسره مأسورين ، وبصارم سطوته مقهورين، وبعد الامرة مأمورين ، وبعد الرفعة مدحورين ، واجعل لهم بأنفسهم شغلاً شاغلاً ، ومن أعدائهم بلاء ناز ، واشف صدورنا بغيظهم ، وأظللنا بظلّک من فيضهم ، فإنّهم قد ألحدوا في آياتک ، ولدّنوا (1)ببيّناتک ، وأهانوا أولياءک ، وأعزوا أعداءک ، وراموا إطفاء أنوار الايمان ، وإخفاء اعلام القرآن ، وقتل ذرّيّة نبيک سيّد المرسلين ، وهضم عترة وليّک أفضل الوصيّين ، ونصبوانصاب الشرک ، وأظهروا کلمة الکفر ، وقصدوا المؤمنين في أنفسهم وأموالهم ، وأجلبوا عليهم بخيلهم ورجالهم ، وغزوهم في عقر ديارهم ، وراموا قلع آثارهم ، وقطع أدبارهم ، واستئصال شأفتهم ، واستحلال حرمتهم ، وأسر ذراريهم ونسائهم ، وقهر علمائهم وأعلامهم ، وشوا عليهم الغارات ، وأظهروا فيهم الترّات ،

ص: 46


1- يقال : تلدّن عليه إذا تلکّأ عليه . «لسان العرب :383/13 - لندن -» .

وشرّدوهم عن بلادهم ، وقطعوهم عن موادّهم، وجعلوا الجزع شعارهم ، والهلع دثارهم ، وترکوهم عماله يتکفکفون ، وحاملين لا يعرفون ، عباديد(1) في الأقطار، و متفرّقين في الأمصار ، قد أُخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلّا أن يقولوا ربّنا الله (2) وأُوذوا لاعتقادهم العصمة والصدق في أولياء الله لا ذنب لهم إلِّا حبّ أهل بيت نبيّهم الأطهار ، وبغض أعدائهم الظلمة الفجّار ، الذين خالفوا نبيّک ، وهضموا وليّک ، واستحلّوا حقّه ، وأکذبوا صدقه ، وجحدوا نصّ النبيّ عليه ، ووجّهوا وجهة ظلمهم إليه ، ومنعوا الزهراء نحلتها ، واستصفوا بلغتها ، وخالفوا والدها ، وکذبوا شاهدها، وقتلوا ذرّيّتها بعدها.

اللهمّ فطوّقهم أطواق لعنتک ، واقرعهم بقوارع نقمتک ، وصبّ عليهم سوط عذابک ، وصخُ (3) أسماعهم بصوت عقابک ، وارفع لنا عندک درجة ببغضهم ، وهیّيء لنا من أمرنا رشَداً (4) بغضهم - ولا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين ، ونجّنا برحمتک من القوم الکافرين (5)

اللهمّ الحظ سلطاننا بعين عنايتک ، ونوّر نصره و احففه بملائکتک ، و افرغ عليه منک واقية باقية ، و ثبّت له قدم صدق في معارج التوفيق راقية ، واجعل له من لدنک سلطاناً نصيراً ، واقسم له من مغانم ألطافک فضلاً کبيراً ، وردّ أعداءه بغيظهم لن ينالوا خيراً (رَبّنَا اتِهمِ ضِعفَينِ من العَذَابِ وَالعَنهُم لَعناً کَبيِراً) (6)

ص: 47


1- عباديد و عبابيد : أي متفرقين . «لسان العرب : 276/3 - عبد -
2- إشارة إلي الآية :.4 من سورة الحجّ.
3- الصاخّة : صيحة تصخّ الأذن أي تطعنها فتصمتها لشدّتها ، ومنه سمُيت القيامة الصاخّة لسان العرب : 3/ 33 - صخخ -»
4- إشارة إلي الآية : 10 من سورة الکهف .
5- إشارة إلي الآيتين : 85 و 86 من سورة يونس .
6- سورة الأحزاب : 68.

قصیدة للمولف رحمة الله في هجره موطنة دمشق و استقرارة في کربلاء

فإنّه والي أولياءک ، وعادي أعداءک ، و قطع فيک الأقربين ، ووصل الأبعدين .

ولمّا استقرّت لي الدار في حضرة سيّد الشهداء ، وطاب لي القرار في مقام خامس أصحاب الکساء ، أردت أن أسم حبيبي بميسم العبوديّة لشريف حضرته ، وأرقم اسمي في دفاتر أرقّاء خدمته ، وأعطّر المَجَالس بنشر مناقبه ، وأُسرّ المُجالِس بذکر مراثيه ، فجمعت هذا الکتاب مع قلّة بضاعتي ، ورکود قريحتي ، فکنتُ بإهدائه إلي عزيز جنابه کناقل التمر إلي هجر ، (1)ومهدي الحصي إلي الدرر ، وقد روي لساني عن قلبي ، ورقم بناني عن لبّي:

فَارَقتُ قَوماً دِينهُم نَصبُ وَإلحَادُ

وَکُفرُ بسذوي الفسوق بأرضِهِم سوق وَللفُجَّارِ فجر لقَضَائِهِم في هَتکِ دينِ المُصطَفَی نَابُ وَظفرُ إن قلتُ عَيناً مِن عليُ أظهَرُوا حِقداً وَهرُّوا(2)

شبه الکِلَابِ إذَا عَوَت فَالَّشرُّ مِنهُم مُستَمِرُّ عُلَمَاؤُهُم عُلَماءُ سوءٍ طَبعُهُم غَذرُ وَمَکرُ وَرِجَالُهُم بَقَرُ إذا ذُکِرَ الوَصِيُّ عَتوا وَفَرُّوا وَنِسَاؤُهُم بالغنج کَم مِن زَاهِدٍ فَتَنُوا وَغَرَّوا

هذَا وَکَم مَنزِلَةُ بَعَد الغِنّی مِنهُنَّ فَقرُ کَم لَيلَةٍ مِن هَجرِهِم أمسَي فُؤَادِي فِيهِ جَمرُ

فَهَجَرتُ مُنصَرَفي إذ لِي لِسَمع الهَجر وَقرُ وَحَثَثتُ رَحلِي نَخوَ مَن هُوَلِلنَّبِيَّ أَخُ وَصِهرُ

ص: 48


1- أورد هذا المثل الميداني في مجمع الأمثال : 152/2 رقم 3080 بهذا اللفظ : کَمُستَبضِع التَّمر إلي هَجَرَ.
2- الهِرُّ : الاسم من قولک هَرَرتُه هَرّاً أي کرهته . «لسان العرب:260/5 - هرر -» .

في ذکر المؤلف خطبه ومجالسه المختلفة

مَؤليً اُزيحُ بِقَصدِهِ عَن سَاحَتِي ضُرُّ وَعِشرُ

وتلوت : (الحَمَدُ لِلهِ الَّذي نَجَّانَا مِنَ القَومِ الظَّالِمينَ وَقُل رَبَّ أنزِلنِي

مُنزَلاًمُبَارَکاً وَأنتَ خَيرُ المُنزِلِينَ)(1)

ثمّ إنّي بعد أن منّ الله عليّ بمجاورة سبط نبيّه ، وأهّلني للاقامة في حضرة وليّه وابن وليّه ، أطلق لساني بمدح رسوله المصطفي ، ووليّه المرتضي ، وأهل بيتهما الأئمة النجباء سادة أهل الدنيا والأخري ، الذين جعل الله أجر الرسالة مودّتهم ، وألزم الکافّة طاعتهم ، فصرت أُحلّي بذکرهم المنابر ، وأزيّن بشکرهم المحاضر ، وأشنّف بمدحهم المسامع (2)، وأشرّف بوصفهم الجوامع ، وأقمع هامات من ناواهم بمقامع نظمي ونثري ، وارغم معاطس من عاداهم بأکفّ خطبي وشعري .

فقلَّ أن يمضي يوم من الأيّام التي حباهم الله فيها بتفضيله ، ونوّه بذکرهم في محکم تنزيله ، إلّا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلک اليوم الشريف، وأوردت کلمة في عمل ذلک الوقت المنيف ، کخطبة «مولد البشير النذير»، وخطبة «يوم الغدير» وذيلتها بأحاديث رائقة ، ونکت شائقة ، يطرب لها المؤمن التقي ، ويهجرها سمع المنافق الشقي ، وخطبة «يوم السادس من شهر ذي الحجة» الذي کان فيه تزويج البتول من صنو الرسول ، ويوم نزول سورة «هل اتي» ، وما في فضلهم آتي ، والمجلس المشهور به «تحفة الزوار ومنحة الأبرار» وهو مجلس ذکرت فيه ثواب زيارة سيد الشهداء وفضل کربلاء ، وکالتعزية الموسومة ب «مجرية العبرة ومحزنة العترة» وهي خطبة يوم التاسع من المحرم ، وکالمجلس

ص: 49


1- سورة المؤمنون : 28 و 29.
2- سورة المؤمنون : 28 و 29. عطس - ».

قصيدة للمؤلف رحمه الله مفتخر بما ينظم ويقول في مدح المصطفي وآله علیهم السلام

وآله عليهم السلام

المشهور ب «قاطع أسباب النفاق ، وقامع أرباب الشقاق» وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة ، وخطبت به علي صهوة(1) المنبر ، وأوردت فيه مآثم علي عدو الله إبليس الأکبر ، وکالرسالة الموسومة و«السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس». .

وغير ذلک من رسالات وخطب وأشعار تحت علي اقتناء الفضائل ، و تنهي عن اقتراف الرذائل ، وتوضح من أدلة التوحيد ما فيه تلال الطالب ، وبلاغ الراغب ، بأدلة قاطعة ، وحجج ساطعة ، والتحذير من الدار الفانية ، والترغيب في الحياة الباقية ، وکان ذلک يشتمل علي مائتي ورقة وأکثر ، أبهي من عقود اللآليء وأبهر ، قد فاز من البلاغة بالسهم المعلّي ، وحاز من الفصاحة السهم الأعلي ، تمج فقراته مسمع الحاسد البغيض ، وتسمر(2)حلاوة ترصّعاته فم المعاند المريض ، کما وصفت في راتق (3) نظمي من رام بصعر خدّه هظمي : کم شامخ بأنفه تکبّراً وباذخ بخدّه تصعّرا

ومضمر لحسن لفظي حسداً ووجهه يظهر ما قد أضمرا ترجف منه وحشاه حنقاً يکاد يزلقني بما يرا يناي وينهي عن مقامي جاهداً يريد أن يشنأني بين الوري کأن لفظي أسهم بقلبه حدّ

يبالي لمعاينها برا في مدح صنو المصطفي اسنادها بالصدق ما کان حديثاً مفترا يمجّها مسمع ذي وقاحة أعسي النفاق سمعه والمبصرا يعرض عنّي معرضاً بعارضٍ فداً له کم فيه من لوم جرا

ص: 50


1- صَهوَةُ کلّ شيء : أعلاه . «لسان العرب : 14 /471 - صها - .
2- السَّمرُ: شَدُّکَ شيئاً بِالمِسمارِ . «لسان العرب :387/4 - سمر - » .
3- الراتق : الملتئم

عثور المؤلف علي کتاب روضة الشهداء للکاشفي وتأليفه کتابه هذا علی منواله

علي منواله

کذا مريض القلب في لهاته يري الزلال العذب صابا ممقرا لا زال في أحشائه وقلبه من سقط زند مقولي نار الشرا

ثمّ إنّي بعد ذلک عثرت علي کتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة(1)

وفرسان البلاغة الأعجميّة ، أصحاب المجد القديم ، والدين القويم ، الذين قال الله سبحانه فيهم : (وَءَ اخَرِينَ مِنهُم لَمَّا يَلحَقُوا بِهِم وَهُوَ العَزِيزُ الحَکيِمُ) (2)تزيّن بتحقيقهم وتدقيقهم المجامع والمجالس ، وکيف لا يکون ذلک کذلک وقد قال سيّد المرسلين : لو کان العلم معلّقاً بالثريّا لناله رجال من فارس(3)؟

ص: 51


1- مراده کتاب «روضة الشهداء»، للمولي الواعظ الحسين بن علي الکاشفي البيهقي ، المتوفي في حدود سنة 910 ه، مرتب علي عشرة أبواب وخاتمة ، وهو أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتي عرف قاريه به «روضة خوان» ، «الذريعة : 11/ 294 رقم. «1775
2- سورة الجمعة : 3.
3- روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، ففي بعضها : لو کان الدين ، وفي بعضها : لو کان الإيمان . وإليک جملة من مصادره : مصنّف عبد الرزاق : 11/ 66 ح 1923، مصنّف ابن أبي شيبة : 206/12 ح 12561و ص 207ح 12562، مسند أحمد: 296/2 - 297 و ص 308- 309 و ص 417 وص 420 و ص422و ص 469 ، ص حيح البخاري : 188/6، صحيح مسلم:4 :1972 ب59ح2546 ، سنن الترمذي : 384/5 ب 48 ح 3261 و ص 413 ب 63ح3310 و 725 71ح 3933، ش عب الايمان : 342/4 ح 5330، مسند أبي يعلي: 3/ 23 ح 1433 و ص 27 ح 1438، تفسير الطبري : 42/26 وج 28 /62، المطالب العالية : 4 /158 ح 4228، المعجم الکبير للطبراني :251/10 ح 10470حلية الأولياء : 64/6 ، دلائل النبوة :6/ 333 و334، فردوس الأخبار : 367/4 ح7060، تفسير البغوي : 187/4 و ص 339، البداية والنهاية : 197/6 ، تفسيرالکشاف : 530/4، زاد المسير : 415/7 ، کنز العمال : 92/12 ح 34134، جامع الأصول : 16 / 258 و ج 93/18 ، مدارک التنزيل :143/4 ، لباب التأويل: 4/143 و ص 264، البحر المحيط : 86/8 ، تفسير ابن کثير :196/4 و ص 388مجمع الزوائد: 64/10 و ص 65، کشف الهيثمي :316/3 ح 2835 ، تفسير أبي السعود : 103/8 ، الجامع الصغير :434/2ح 7459 و 7464، الدّر المنثور : 67/6وص 215، الفتوحات الإلهيّة : 155/4 ، روح المعاني :26/ 75 و ج83/28 ، قرب الاسناد : 52، مجمع البيان :108/5ص 284 ، تفسير أبي الفتوح الرازي : 198/10وج 143/11 ، منهج الصادقين : 357/8 و ج 9/ 274 ، تفسير الصافي : 32/5وص 173 ، نور الثقلين :46/5 ح 89 و ص 323ح 22.

ووجدته رضي الله عنه قد رتبه علي عشرة مجالس لقيام المآتم، لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم، شهداء کربلاء وأهل (قُل لا أسألُکُم عَلَيهِ أجراً إلَّا المَودَّةَ فِي القُربَي)(1)وجعلها خاصّة بالعشر الأول من شهر محرّم الحرام الذي فيه هتکت حرمة الاسلام ، وقتلت ذرّيّة سيّد الأنام ، وجعل لکلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية مؤسّساً .

أثابه الله ثواب الصدّيقين ، وحشره في زمرة أوليائه الطاهرين .

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ علي منواله في التصنيف والترتيب ، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب ، وأزين مجالس أهل الإيمان بمناقب سادتهم ومواليهم ، وأهيج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم ، وأحلي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري ، وأجدد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فکري ، ورتبته کترتيبه ، وبؤبته کتبويبه ، لکن لم أقصد ترجمة کلامه ، ولا سلکت مسلکه في نثاره ونظامه، وجعلته عشرة مجالس ، وسميته با «تَسلية المُجالس وزينة المَجالس»، ولم أورد فيه من الأحاديث إلا ما صححه علماؤنا ، ورجّحه أعلامنا ، ودوّنوه في کتبهم ، ونقلوه عن أئمّتهم.

اللهمّ اجعلنا من السالکين بقدم الصدق إلي ما أوردوا ، والمؤيّدين من

السنّة النبويّة لما أيدوا ، إنّک علي کلّ شيء قدير .

ص: 52


1- سورة الشوري: 23.

المجلس الأول : في ذکر أمور تتعلق بظلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما في معناها، و...

اشارة

المجلس الأول : في ذکر أمور تتعلق بظلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما في معناها، وطرق في ذکر ثواب من أظهر الجزع المصابه ومصاب أهل بيته، وثواب من بکي لرزيتهم، وجلس لعزیتهم وجلس لعزتهم

في ذکر أُمور تتعلّق بظلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما في معناها ، وطرق في ذکر ثواب من أظهر الجزع المصابه ومصاب أهل بيته ، و ثواب من بکي

لرزيّتهم، وجلس لعزیّتهم

الحمد لله الّذي زيّن قلوب أوليائه بملابس عنايته ، وحتي نفوس أصفيائه بنفائس کرامته ، وشري منهم أنفسهم وأموالهم بنعيم جنّته ، وأطلعهم علي أسرار ملکوته ، فعزفت (1)أنفسهم عن الدنيا الدنية إلي جوار حضرته لما جذب أنفسهم بزمام عنايته إلي جنابه الأقدس ، وأجلسهم علي بساط أنسه في ظل جواره المقدس ، وناداهم في سرائرهم في ذلک المقام المشرف ، وخاطبهم في ضمائرهم بخطابه الجليل الأشرف ، وسقاهم من شراب جئته بالکأس الروية ، وأطلعهم علي ما أعد للمجاهدين في سبيله من المقامات السنيّة والدرجات العلية.

بذلوا أنفسهم فنالوافضلها ، وکانوا أحقّ بها وأهلها ، وصلوا بقدوم صدقهم إلي تلک المعاهد والمعالم، واستظّلوا بظلال تلک العواطف والمراحم ، يجاهدون

ص: 53


1- العزف - بفتح العين المهملة وسکون الزاي المعجمة -: الزهد . «ح» .

في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، قرعت أسماعهم(1) رنّة آيات الذکر الحکيم (إنَّ اللهَ اشتَرَي مِنَ المؤمِنِينَ أنفُسهُم وأموالَهُم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقّاً في التَّوراةِ وَالإنجِيل وَالقُرآنِ وَمَن أؤفَي بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُوا بَبَيعِکُمُ الَّذِي بَایَعتُم بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ) (2)فهاموا بلذيذ نعمتها طربة ، وقضوا بامتثال أوامرها من السعادة الأبديّة إرباً ، لمّا رؤا انّ الجهاد في سبيل ربّهم من أفضل الطاعات ، وبذل الوسع في إعلاء کلمة خالقهم من أعظم القربات ، تلقّوا حدود الصفاح بوجوههم الشريفة ، وصبروا علي ألم الجراح شوقاً إلي تلک المنازل المنيفة.

وکان أفضل من فاز بالمعلّي من سهامها، وتلقّي بشريف طلعته مواقع نصالها وسهامها ، سبط سيّد المرسلين ، وقرة عين إمام المتقين ، صفوة المصطفين ، أبا عبدالله الحسين ، الذي هُدِم رکن الايمان بوفاته ، وصم حبل الاسلام بفواته ، واهتزّ العرش لمصيبته ، وبکت الأفلاک لرزیّته ، وأمطرت السماء دماً و تراباً ، و حيرت من أولي العرفان أفکار وألباباً .

يا لها من مصيبة لا ترقي عبرتها ، ولا تخبو (3) زفرتها ، ولا تنسي واقعتها، ولا توشي جراحتها، تضرم نيران الأحزان في قلوب خالصي الايمان ، وتشيد قواعد الأشجان في نفوس أرباب أهل العرفان ، فهي التي کست السماء شفقاً من دماء شهدائها ، وأذکت في القلوب حرقاً بشدّة بلائها ، لم تَحدُث في الخلق مصيبة مثلها منذ قامت السماوات والأرض، ولم يغضب الجليل غضبها إلي يوم الحساب والعرض، زفرت جهنّم حين حدوثها زفرة

ص: 54


1- أي ضربت بشدّة الاعتماد .
2- سورة التوبة : 111.
3- أي ولا تسکن .

لولا أنّ الحق منعها إلي أجل مسمّي لأحرقت الأرض بزفرتها، وشهقت شهقة لولا الأمر الذي کتب الله لعباده لأهلکت الخلق بفضيع شهقتها، شردت علي خزّانها فخوطبت: قرّي فلأجعلنّک لقتلته سجناً مؤبّداً، ولأکتبنّ علي أغلالهم وأصفادهم دواماً مخلّداً، ولأجعلنّ فراعنة الأنبياء وأعداء الدين تستعيذ من عذابهم، ولأصيرّنّ الکفرة والفجرة من أهل سجّين يعجبوا من عقابهم، يشرف عليهم إبليس فيلعنهم، ويطلع عليهم عبدة الأوثان فتوبخهم، ولأجعلنّ وليّي وابن أوليائي، وصفّیي ونجل أصفيائي، صاحب هذه المصيبة العظمي، والواقعة الکبري، المجاهد بنفسه وولده، والموفي بعقده وعهده، الذي لم يجاهد جهاده نبي من أنبيائي، ولاصبر صبره مخلص من آمنائي، سيّد الشهداء في الدنيا والآخرة، ولا قيمن حججي علي عبادي من ذرّيتّه الطاهرة.

فيا إخواني، أفي غفلة أنتم من هذا الشهر الّذي أظلّکم ؟ أم في رقدة من هذا العشر الّذي نزل بکم ؟ أتعلمون أيّ رحم فيه للرسول قطعت ؟ وأيّ مصيبة علي بني البتول وقعت ؟ وأي سادة منهم علي الصعيد صرعت ؟ وأي قادة بکؤوس الحمام جرعت ؟ وأي کبد لسيّد الأنبياء فريت ؟ وأي مهجة منه بسهام الأعداء رميت ؟

فيا له من شهر لايحسن الجزع إلا في أيّامه ولياليه، وياله من عشر لا

يليق الهلع إلّا في أعجازه وبواديه، سقيت فيه بنو الرسول کؤوس الحتوف بعد الظماء، وأُسلبت أرواحهم بغروب(1) السيوف والظباء، وصارت أجسادهم علي الرمضاء بلا وطاء، منعوا فيه من شرب المباح، وصدروا من دم الجراح ،

ص: 55


1- الغَرب: الحدَّة، ومنه غَربُ السيف، أي کانت تُدَارَي حِدَتُه وتُتَّقي . «لسان العرب : 641/1 - غرب - ».

فيا ليت نفسي کانت لأنفسهم فداء ، ووجهي لأوجههم وقاء، فلو أنّ عين الرسول عاينت سبطه وقد تحوطت عليه بقية الأحزاب، وأحاطت به کتائب کفرة الکتاب، وهو يذکّرهم بآيات الله، ويحذّرهم من سخط الله، ويورد عليهم الحجة، ويوضح بهم المحجة، ولا يزدادون من عظته إلّا نفوراً، ولا من تذکِرَته إلّا غروراً، وراموا منه خطّة لا تليق بمثله، وطلبوا منه خصلة لا تحسن بفرعه وأصله .

فأبي أبو الأسد الهاصرة(1)، أو الليوث الحاسرة(2) وقدّم بينه وبين الله أفراطاً بين يديه، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبذلوا الوسع في طاعة ربّهم ووليّهم، واستشعروا الصبر في نصرة ابن نبيّهم، يرون القتل في العزّ حياة، والحياة في العزّ قتل، کشف الله عن بصائرهم، وتجلي لهم في سرائرهم، فرأوا ما أعدّ لهم من السعادة الباقية (في جَنّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةُ . وقيل لهم : کُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أسلَفتُم فِي الأيَّام الخَالِيَة)(3)فتلقّوا رماح الأعداء بصدور بنيت علي الاخلاص قواعدها، وبقلوب بنيت علي الايمان عقائدها، و قابلواصفاح الأشقياء بوجوه طالما أحيت ليلها بسجودها ورکوعها، وارضت ربّها بتهجّدها وخشوعها، محامية عن ابن إمامها ورسولها، تابعة أمر هاديها ودليلها، کلّ منهم قد أرضي بتصمّم عزيمته إلهه وربّه قائلاً : اليوم

ص: 56


1- أسدُهَصُورُ وهَصَّار وهَيصَرُ وهَيصَارُ .. يَکسِرُ ويُمِيلُ. «لسان العرب : 5/ 264. هصر- ». .
2- في الحديث : يخرج في آخر الزمان رجلُ يسمَي أمير العُصَبِ، وقال بعضهم : يسمّي أمير الغَضَب، أصحابه مُحسَّرَون مُحقَّرون مُقصَونَ عن أبواب السلطان ومجالس الملوک، يأتونه من کلّ أؤبٍ کأنّهم قَزَعَ الخريف، يُورّثُهُم الله مشارق الأرض ومغاربها، محسّرون محقرّون أي مؤذون محمولون علي الحسرة أو مطرودون متعبون من حَسَرَ الدابّة إذا أتعبها. « لسان العرب : 190/4 - حمسر - ».
3- سورة الحاقة : 22 - 24.

و ثواب الجزع عليه

تلقي الأحبّة، محمد وحزبه ، حتي إذا فازوا من السعادة بالدرجة العلية، وحازوا أعظم سهم من السعادة الأبديّة، وأصبحت أجسادهم بسيوف الأعداء مبضعة، وأطرافهم بصفاح الأشقياء مقطّعة، ورؤوسهم عن الأجساد منتزعة، وعلي الرماح مرفعة، قد سقوا من کؤوس الحتوف بالکأس المترعة وتلقّوا حدود السيوف بوجوه کانت إلي ربّها مسرعة، وعمّا نهي عنه ورعة، قد أشرق صعيد کربلاء بدمائهم، وشرف طفّ نينوي باسلابهم، وصار مختلف أرواح الأنبياء والمرسلين، ومهبط ملائکة الله المقربين، فهم التائبون العابدون الحامدون الراکعون الساجدون(1)يحسبهم الجاهل أمواتاً وهم أحياء عند ربّهم يرزقون (2)ويظنّهم رفاتاً وهم في الغرفات آمنون (3) (لاَ يَخزُنُهُمُ الفَزَعُ الأکَبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِکَهُ هَذَا يَومُکُمُ الَّذِي کَنتُم تُوعَدُونَ) (4)(فَرحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونً بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِن

خَلفِهِم الَّا خَوفُ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُون) (5)

ولمّا شاهد فوزهم بالشهادة العظمي، و نيلهم السعادة الکبري، وصار وجيداً من أهله وأسرته، فقيداً لإخوانه وصَحَبَتِهِ، وقد أحدقت به الأعداء من کلّ جانب، وضاقت به المسالک والمذاهب، وفوّقت(6) الأعداء نحوه سهامها ومعابلهاء وجرّدت عليه مناصلها و عواملها، وبنات المصطفي يلذن به صارخات، ويتوسّلن

ص: 57


1- إشارة إلي الآية : 112 من سورة التوبة
2- إشارة إلي الآية: 169 من سورة آل عمران .
3- إشارة إلي الآية : 37 من سورة سبأ
4- سورة الأنبياء : 103.
5- سورة آل عمران: 170.
6- الفُوقُ من السهم: موضع الوتر.. ومَشَقُّ رأس السهم حيث يقع الوتر. وَفَوَّقتُه تفويقاً: عملت له فُوقاً. وفَوَّقَ نبله تَفويقاً إذا فرضها وجعل لها أفواقاً. «لسان العرب:319/10 و 320 - فوق .

ضارعات، وهو يدافع عنهن، ويمانع دونهنّ، ويتلقّی السيوف بشريف طلعته، ويفرّق الصفوف بشدّة عزمته، قد قتلت رجاله، وذبحت أطفاله، وانتهکت حرمة الرسول بانتهاک حرمته، وعظمت مصيبة البتول لعظيم رزيته.

فما ظنّکم بسيّد المرسلين لو رآه في تلک الحال عديم الأعوان، فقيد الاخوان، ممنوعة من شرب المباح، مخضوبة بدم الجراح، قد أجمعت أئمّة السوء علي قتله، واجتمعت عصابة البغي لخذله ؟ هل کان يتلقي عنه السيوف بيديه وساعديه ؟ أم يدفع عنه الحتوف بجنبيه وعينيه ؟

بل لو رآه أمير المؤمنين ، وسيّد الوصييّن ، وهو يستغيث ولا يغاث،

ويستسقي فلا يسقي، قد أثخنه الجراح، وأثقله السلاح، وجعلته عصبة الضلال طعمة لمناصلها، ومَورداً لعواملها، وهو يحمل کَحَمَلات أبيه في أحد وبدر، ويتلقّی سيوف أهل البغي والغدر، لا يزيده قلّة الأنصار إلا بصيرة من أمره، ولا يکسبه تظافر الأشرار إلا إخلاصاً في علانيته وسره، أهل کان يليق الصبر بجلال کماله ؟ أم يتلقّی عنه السيوف بأعضائه وأوصاله ؟

بل لو رأته سيّدة النساء وهو يتلظي ظماً، ويتلهف عطشاً، وعاينت بناتها أساري علي الأقتاب، حياري بغير نقاب ولا جلباب، يطاف بهنّ في البلاد، ويتشرّفهنّ الحاضر والباد، وشاهدت تلک الوجوه التي طالما قبّلها الرسول المجتبي، وأکرمها الوصيّ المرتضي، أصحاب سورة هل أتي، وأرباب (قُل لَا أَسأَلکُم علَيهِ أَجراً إلّا المَودَّةَ فِي القُربَي (1) يسار بها علي رماح الأعداء مخضباً شيبها بالدماء، أکانت تهنأ لها الحياة بعدها أم تتمنّی

ص: 58


1- سورة الشوري : 23.

مجيء فاطمة عليها السلام يوم القيامة قائلة : إلهي احکم بيني وبين من ظلمني ومن قتل ولدي

من ظلمني ومن قتل ولدي

لا وثواب الجزع عليه

الممات عندها؟(1)

روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلّي الله عليه و آله قال: تقبل فاطمة يوم القيامة علي ناقة من نوق الجنّة، خطامها من لؤلؤ رطب، وقوائمها من الزمرّد الأخضر، وذنبها من المسک الأذفر(2) وعيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبّة من النور، پري باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله(3)وعلي رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون [رکناً، کلّ رکن مرصّع بالدرّ والياقوت يضيء کما يضيء الکوکب الدرّي في اُفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملک، وعن شمالها سبعون ](4)ألف ملک و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلي صوته : غضّوا أبصارکم حتي تجوز فاطمة، فتسير حتي تحاذي عرش ربّها و تزجّ بنفسها عن الناقة و تقول : إلهي وسيدي احکم بيني وبين من ظلمني، اللهم احکم بيني وبين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل الله: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سلي تعطي، واشفعي تشفّعي، فوعزّتي وجلالي لايفوتني في هذا اليوم ظلم ظالم.

ص: 59


1- وردت في «ح» عدّة أبيات: و آل رسول الله تشبَی نساؤهم ومن حولهن الستر بهتک والخدرُ سبايا بأکوار المطايا حواسراً يلاحظهنّ العبدُ في الناس والحرُّ ورملة في ظلّ القصور مصانة يناط علي أقراطها التبر والدرَّ فويل يزيد من عذاب جهنّم إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطهر ملابسها .... من السمَّ سود وآخر قان من دم السبط يخرّ تنادي وأبصار الأنام شواخص وفي کلّ قلب من مهابنها ذعر
2- أي طيب الريح.
3- کناية عن أنّها مشمولة بعفو الله ورحمته، وتجيء إلي القيامة شفيعة للعباد معها رحمة الله وعفوه لهم
4- من أمالي الصدوق.

تحشر فاطمة عليها السلام وهي آخذة بقميص الحسين ملطخ بالدم

فتقول: إلهي ذرّيتي وشيعتني وشيعة ذرّيتّي ومحبّي[محّبي](1)ذرّيتّي، فإذا النداء من قبل الله: أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّوا ذّريتّها ؟ فيقومون وقد أحاطت بهم ملائکة الرحمة فتقدمهم فاطمة کلهم حتي تدخلهم الجنّة. (2)

وفي حديث آخر: قال صلّي الله عليه و آله : تحشر فاطمة و تخلع عليها الحلل وهي آخذة بقميص الحسين ملطخ بالدم وقد تعلّقت بقائمة العرش تقول : يا ربّ احکم بيني وبين قاتل ولدي، فيؤخذ لها بحقّها.(3)

ص: 60


1- من أمالي الصدوق.
2- أمالي الصدوق : 25 ح 4، عنه غاية المرام: 594 ح 45، والبحار: 43 / 219 ح 1، وعوالم العلوم: 11 /564 ح 4. وأورده في مناقب ابن شهرآشوب: 326/3، وروضة الواعظين : 148، والفضائل لشاذان: و في «ح» عدّة أبيات أخري إذا علي الدنيا الدنیّة ظفرت أيدي بغاة طغاتها بهداتها ف هناک ينصفها الاله بعدله وتسوق شيعتها إلي جنّاتها يوماً به تأتي بتولة أحمد تتمرغ الأملاک في خطواتها وخديجة الکبري وحوّا حولها مع مريم يبکيان من کرباتها وبکقها ثوب الشهيد مضمخ ودموعها تجري علي وجناتها تسبدي شکايتها الجبار السما ولها الخلائق هوّدت أصواتها يا مصرخ المستصرخين وناصر المستضعفين ومنتهي دعواتها هل أمة فعلت بال نبيهم کفعال أمية مع ساداتها غصبت نصيبي من أبي وأستضعفت بَعلي مزيل الکرب في شدّاتها وغدت إلي ولدي تسنُ سيوفها وسقته کأس الموت في حملاتها وسبت بناتي جهرة ومضت بها نحو الشام هديّة لبغاتها
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/ 8ح 21 ص 26 ح 6، مناقب ابن شهر آشوب : .327/3 وروي في صحيفة الامام الرضا عليه السلام : 89ح 21، وفيه تخريجات أُخري، فراجع.

تقبل فاطمة عليها السلام يوم القيامة ومعها ألف نبي وألف وصي وألف شهید، و أبیات شعریة للصاحب بن عباد في ذلک

وألف شهيد، وأبيات شعرية للصاحب بن عباد في ذلک

وفي حديث آخر : انّها تقبل يوم القيامة ومعها ألف نبيّ وألف صدّيق وألف شهيد، ومن الکرّوبييّن ألف ألف يسعدونها علي البکاء، وانّها لتشهق شهقة فلا يبقي في السماء ملک إلا بکي رحمة لها، وما تسکن حتي يأتيها أبوها، فيقول: يا بنّية ، قد أبکيت أهل السماوات و شغلتيهم عن التسبيح، فکفّي حتي يقدّسوا، فإن الله بالغ أمره. (1) سَوفَ تَأتِي الزَّهرَاءُ تَلتَمِسُ الحک مَ إذا حَانَ مَحشَرُ التَّعدِيلِ وَأبُوهَا وَبَعلها وَبَنُوهَا حَولَها وَالخِصَامَ غَير قَلَيلِ

وَتُنَادِي يَاربَّ ذبَّح أولاَ دِي لمَاذَا وَأنتَ خَيرُ مدِيلِ(2)

فَیُنَادي بمالکٍ ألهب النَّا رَوَأجَّج وخُذ بأهل الغلولِ

وَیُجَازَي کلُّ بِمَا کَان مِنهُ مِن عِقَاب التَّخلِيدِ (3)والتنکيل (4)

فيا إخواني ، أظهروا في هذا الشهر شعار الأحزان، وأفيضوا الدموع

المقرحة للأجفان، فإنّ البکاء في هذا الشهر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات، وإظهار الجزع لما نال عترة الوصيّ من أکمل القربات.

روي الشيخ الجليل الفقيه جعفر بن محمد [بن قولويه بإسناده إلي الإمام

ص: 61


1- کامل الزيارات : 87 ذح 16، عنه البحار: 225/45 ذح 17، وعوالم العلوم: 111/17ح2.
2- کذا في ديوان الصاحبه، وفي الأصل : يا ربّ تذبح .... وأنت أنت مزيل.
3- کذا في ديوان الصاحب، وفي الأصل: عذاب التجليد.
4- الأبيات للصاحب بن عباده المولود سنة «326 ه»، والمتوفّي سنة «385 ه»، انسظر ديوانه ص263، ومقتل الخوارزمي : 2/ 150، ومناقب ابن شهر آشوب: 3/ 328، والبحار :292/45 ، وعوالم العلوم: 589/17 .

في ثواب البکاء علي الحسين عليه السلام

أبي جعفر محمد ](1)بن علي الباقر عليه السلام قال : کان أبي علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعة حتي تسيل علي خدّه بوّأه الله بها في الجنّة [غرفاً يسکنها ](2) أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خدّه لأذيً مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه [الله بها] (3) في الجنّة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذيً فينا فدمعت عيناه حتي تسيل علي خدّه من مضاضة ما أُوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذي و آمنه يوم القيامة من سخطه والنار (4)- (5)

وروي بإسناد متّصل إلي الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

کان يقول : إنّ الجزع والبکاء مکروه للعبد في کلّ ما جزع ما خلا البکاء علي الحسين عليه السلام فإنّه فيه مأجور(6)

وروي رضي الله عنه بإسناد متصل بالامام أبي عبد الله عليه السلام قال: من ذکر عنده الحسين عليه السلام فخرج من عينة [من الدموع] (7) مقدار جناح

ص: 62


1- أثبتناه لما يتطّلبه السياق.
2- من الکامل.
3- من الکامل.
4- کذا في الکامل، وفي الأصل: سخط النار.
5- تفسير القمي:291/2 ، کامل الزيارات : 100ح 1، ثواب الأعمال : 108ح 1، الملهوف : في مقدمة المؤلف، عنها البحار : 44/ 281 ح 13، وعوالم العلوم: 17 / 526ح4 وأخرجه في مدينة المعاجز :152/4ح 217، وعوالم العلوم : 17 / 532ح اعن القمّي.
6- ک امل الزيارات : 100ح 2، عنه البحار : 291/44ح 32، وعوالم العلوم : 17 /533 ح 5.
7- من الکامل.

ذباب کان ثوابه علي الله عزّ وجلّ ولم يرض له بدون الجنّة (1)

وروي رضي الله عنه عن مسمع بن عبدالملک البصري قال : قال لي أبو

عبد الله الصادق عليه السلام: يا مسمع، أنت من أهل العراق ؟

قلت : نعم . قال : أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟

قلت : يا مولاي ، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوي هذا الخليفة وأعداؤنا کثير من القبائل(2) من التصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا خبري عند ولد سليمان فيمثلون بي.

قال : أما تذکر ما صنع به ؟ قلت : بلي والله. قال : فتجزع؟

قلت: نعم والله وأستعبر لذلک حتي يري أهلي ذلک (3)، فأمتنع من الطعام

الشراب حتي يستبين ذلک في وجهي.

قال : رحم الله دمعتک، أما إنک من الذين يعدون في أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّاء أما إنّک ستري عند موتک حضور آبائي لک ووصيّتهم ملک الموت بک، وما

ص: 63


1- کامل الزيارات : 100 ح 3، عنه البحار : 291/44 ح 33، وعوالم العلوم: 17 / 533ح4.
2- في الکامل: من أهل القبائل.
3- في الکامل : أثر ذلک

يلقونک به من البشارة أفضل لک(1) ثمّ استعبر واستعبرت معه، فقال : الحمد لله الذي فضّلنا علي خلقه بالرحمة، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع، إنّ السماوات والأرض لتبکي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا، ومن يبکي لنا من الملائکة أکثر منکم، وما رقأت دموع الملائکة منذ قتلنا، وما بکي أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دمعته(2)علي خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها، حتي لا يوجد لها حرارة، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلک الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، وإن الکوثر ليفرح بمحبينا إذا وردوا عليه(3)

يا مسمع، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً وهو في برد الکافور، وريح المسک، وطعم الزنجبيل، أحلي من العسل، وألين من الزبد، وأصفي من الدمع، وأذکر من العنبر، يخرج من تسنيم، ويمر في أنهار الجنان، يجري علي رضراض(4)الدّر والياقوت، فيه من القدحان أکثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة وألوان الجواهر، وما عين (5)بکت لنا الا نعمت بالنظر إلي الکوثر وسقيت منه(6)

ص: 64


1- زاد في الکامل : ولملک الموت أرق عليک وأشدّ رحمة لک من الأمّ الشفيقة علي ولدها، قال.
2- في الکامل : دموعه.
3- في الکامل: وإن الکوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتي انه ليذيقه من ضروب الطعام مالا يشتهي أن يصدر عنه.
4- الرضراض : الحصي أو صغارها.
5- في الکامل : وما من عين.
6- زاد في الکامل: من أحبنا، وإن الشارب منه ليعطي من اللذة والطعم والشهوة له أکثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا.

وإنّ علي الکوثر أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم : إنّي أشهد الشهادتين، فيقول له : انطلق إلي إمامک فلان فاسأله أن يشفع لک إذ کان عندک خير الخلق فإن خير الخلق لا تردّ شفاعته ، فيقول : يا مولاي ، اهلکت من العطش ، فيقول: زادک الله ظمأً وزادک عطشاً

قال مسمع: فقلت : يا مولاي ، کيف يقدر علي الدنو من الحوض ولم

يقدر عليه غيره؟(1)

قال : إنّه ورع عن أشياء قبيحة، وکفّ عن شتمنا إذا ذکرنا، وترک أشياء اجتري عليها غيره، وليس ذلک لحتبّنا، ولا لهويً منه لنا، ولکن ذلک لشدّة اجتهاده في عبادته، ولما(2)شغل به نفسه عن ذکر الناس، فأما قلبه فمنافق، ودينه النصب (3)وولاية الماضين، وتقدمه لهم علي کل أحد.(4)

وعن عبد الله بن بکير، قال : حججت مع أبي عبد الله عليه السلام، فقلت له يوماً: يا ابن سول الله ، لو نبش قبر الحسين عليه السلام هل کان يصاب في قبره شيء؟

فقال : يا ابن بکير، ما أعظم مسألتک (5)؟! إنّ الحسين بن علي عليه السلام

ص: 65


1- في الکامل: فاسأله أن يشفع لک، فيقول: تبرّأ منّي إمامي الّذي تذکره، فيقول: ارجع إلي ورائک فقل للّذي کنت تتولاّه وتقدّمه علي الخلق فاسأله إذا کان خير الخلق عندک أن يشفع لک، فإن خير الخلق من يشفع ، فيقول: إني أهلک عطشاً.
2- في الکامل : ولما قد.
3- في الکامل: ودينه النصب، واتباعه أهل النصب. والمراد من الماضين : الخلفاء الثلاثة.
4- کامل الزيارات : 101ح 6، عنه البحار :289/44 ح 31، وعوالم العلوم: 529/17 ح 13.
5- في الکامل: مسائلک.

مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلّي الله عليه و آله ومعه يرزقون ويحبرون، وإنّه لعن يمين العرش متعلق به يقول:(1) يا ربّ، انجز لي ما وعدتني، وإنّه لينظر إلي زوّاره لهو أعرف بأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده، وإنه لينظر إلي من يبکيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباکي، لو علمت ما أعدّ الله لک لفرحت أکثر ممّا حزنت، وإنّه ليستغفر له من کلّ ذنب وخطيئة.(2)

وعن ابن أبي عمير بإسناد متّصل إلي أبي عبد الله، قال: من ذکرنا عنده ففاض من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه، ولو کانت مثل زبد البحر.(3)

وروي الشيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد متّصل إلي الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إنّ أبي کان إذا أهلّ شهر المحرّم لايري ضاحکة، وکانت الکآبة والحزن غالبين عليه، فإذا کان يوم عاشوراء کان يوم جزعه ومصيبته، ويقول : في مثل هذا اليوم قتل جدّي الحسين صلوات الله عليه. (4)

وروي ابن فضّال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسي عليه السلام قال :

ص: 66


1- في الکامل: وإنّه أعرف بهم وبأسمائهم
2- کامل الزيارات : 103ح 2، عنه البحار:292/44 ح 35 و 36، وعوالم العلوم: 17 /533ح 8.
3- المحاسن للسبرقي : 63/1ح 110، عنه البحار : 289/44 ح 30، وعوالم العلوم :527/17 ح 6. ورواه بهذا الإسناد أيضاً في کامل الزيارات : 103ح 8، عنه البحار : 44/284ح 20،وعوالم العلوم: 528/17ح 10.
4- أمالي الصدوق : 111ح 2، عنه البحار: 44/ 283 ح 17، وعوالم العلوم: 17 / 538ح1.

في بکاء زين العابدين علي أبيه عليهما السلام

من ترک السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن کان يوم عاشوراء يوم جزعه وبکائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت بنا في الجنان عينه، ومن سمّي يوم عاشوراء يوم برکة أو ادخر المنزله فيه شيئا لم يبارک له فيه، وحشره الله في زمرة يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله في أسفل درک من النار.(1)

وروي الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن قولويه القمّي رضي الله عنه قال : بکي علي بن الحسين بن علي عليه السلام علي أبيه صلوات الله عليه عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بکي حتي قال له مولاه، جعلت فداک، يابن رسول الله، إنّي أخاف عليک أن تکون من الهالکين(2)فقال : إنّما أشکو بثّي وحزني إلي الله وأعلم من الله مالا تعلمون، إنّي لم أذکر مصرع بني(3)فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلک.(4)

وروي رضي الله عنه قال : أشرف مولي لعلي بن الحسين عليه السلام وهو في سقيفة له ساجد يبکي، فقال له : يامولاي، أما آن لحزنک أن ينقضي ؟

فرفع رأسه إليه، فقال: ياويلک ثکلتک أمک، والله لقد شکي يعقوب إلي ربه

ص: 67


1- أمالي الصدوق : 112 ح 4، علل الشرائع : 227ح 2، عيون أخبار الرضا عليه السلام :298/1 ح 57، عنها البحار : 102/101 ح 1 و 2. وأخرجه في البحار : 44 / 284 ح 18، وعوالم العلوم: 17/ 539 ح 3 عن الأمالي.
2- کذا في الکمال، وفي الأصل: الجاهلين
3- کذا في الکمال، وفي الأصل: ابن.
4- کامل الزيارات : 107ح 1، عنه البحار:109/46 ح 2، وعوالم العلوم: 157/18 ح 2. ورواه الصدوق في الخصال: 272 ح 10، والأمالي : 121ح 5، عنهما البحار: 109/46ح 2، وعوالم العلوم : 158/18 ح 1.

أن الحسين عليه السلام قتيل العبرة

في أقلّ ممّا رأيت(1)حين قال : يا أسفي علي يوسف، إنّه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي.

قال: وکان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلي ولد عقيل، فقيل له :

لما تميل إلي ابن عمّک هؤلاء دون أولاد جعفر (2) ؟

قال : إنّي أذکر يومهم مع أبي عبد الله عليه السلام فأرقّ لهم.(3)

وروي أيضاً رضي الله عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة(4)، قتلت مکروباً، وحقيق عليّ أن لا يأتيني مکروب إلّا ردّه الله وقلبه إلي أهله مسروراً . (5)

فيا أصحاب القلوب السليمة ، والعقول المستقيمة، لا يظنّ ظان منکم بجهله، أو يلبس الشيطان علي عقله، أنّ ما حلّ بالسبط الشهيد من البلاء العتيد الهوانه علي ربه، أو لنقص في زلفته وقربه، ولکن الحقّ سبحانه يبتلي عباده الصالحين بالتکاليف الشاقّة في أنفسهم وأجسادهم، ويختبر أولياءه المخلصين بالمحن المتتابعة في أموالهم وأولادهم، ويحثهم علي جهاد أعدائه بأقوالهم وأفعالهم، ويوفّقهم لامتثال أوامره ونواهيه في جميع أحوالهم، قال سبحانه: (وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلکِن لِيَبلُوَا بَعضَکُم بَبَغضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي

ص: 68


1- کذا في الکمال، وفي الأصل: تري.
2- في الکمال : دون آل جعفر.
3- کامل الزيارات : 107ح 2، عنه البحار:110/46 ح ، وعوالم العلوم: 158/18ح 4.
4- قال المجلسي : أي قتيل منسوب إلي العبرة والبکاء، وسبب لها، أو أقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال، والأوّل أظهر. (
5- کامل الزيارات : 109ح7، عنه البحار : 279/44 ح ة، و عوالم العلوم:536/17 ح 3.

أن البلاء موکل بالأنبياء ، ثم بالأولياء، ثم بالأمثل

سَبِيلِ اللهِ فَلُن يُضِلَّ أعمَالَهُم»(1) وقال سبحانه: (أنَّي لَا أُضِيعُ عَمَل عَامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَر أَو أُنثَي بَعضُکُم مِن بَعض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأوذُوا فِي سِبيلِي وَقَاتَلِوا وَقُتِلُوا لأَکفَّرَنَّ عَنهم سَيَّئاتِهِم وَلادخِلَهَّم جَنَّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهَارُ ثَوَاباً مِن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوَاب) (2) وقال سبحانه : (أم حَسِبتُم أن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعلَم الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنکُم) (3) (وَلَم يَستَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلاَ المُؤمِنِينَ وَلِيجَةً (4)

وقال رسول الله صلّي الله عليه و آله : البلاء (5)موکل بالأنبياء، ثمّ

بالأولياء، ثمّ بالأمثل فالأمثل(6)-(7)

ص: 69


1- سورة محمد صلّي الله عليه و آله : 4.
2- سورة آل عمران :195.
3- سورة آل عمران : 142.
4- سورة التوبة : 16.
5- قال المجلسي رضي الله عنه في البحار : 200/67 : البلاء : ما يختبر ويمتحن به من خير أو شرّ، وأکثر ما يأتي مطلقة الشر، وما أريد به الخير يأتي مقيدة کما قال تعالي: و بلاء حسنا) - سورة الأنفال : 17 -، وأصله : المحنة. والله تعالي يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شکره، وبما يکره ليمتحن صبره، يقال: بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلواً... بمعني امتحنه، والاسم: البلاء مثل سلام.
6- قال ابن الأثير في النهاية : 296/4 : الأمثل فالأمثل: أي الأشرف فالأشرف، والأعلي فالأعلي في الرتبة والمنزلة، ثمّ يقال : هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدني إلي الخير، وأماثل الناس: خيارهم.
7- روي هذا الحديث بألفاظ متفاوتة، انظر: مسند أحمد بن حنبل : 369/6 ، مستدرک الحاکم : 404/4 ، کنز العمال : 326/3 ح6778 و6780 - 1780 وروي عن الامام علي بن أبي طالب والامام الباقر والامام الصادق عليهم السلام، انظر : الکافي: 2/ 252ح 1 و 4 و ص 259 ح 29. ويأتي في ص 83 هامش 9.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ولو أراد اللهُ سبحانه بأنبيائه حيثُ بعثهم أن يفتح لهم کنوزَ الذّهبان، و معادنَ العِقيان (1) ومَغارس الجِنان، وأن يحشرَ معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعلَ، ولو فعل ذلک لسقط البلاءُ(2) وبطل الجَزاءُ، واضمحلّ (3) الانباء، وَلَما وجَبَ للقابِليِن أجور المبتَلين، ولا استحق المؤمنون(4) ثواب المحِسنين، ولا لزِمت الأسمَاءُ معانيها، ولکنَّ الله سبحانه جعل رسلَه أُولي قوّةٍ في عَزائمِهم، وضَعَفةً فيما تري الأعينُ من حالاتهم، مع قَناعةٍ تملأ ُالقلوبَ والعيونَ غنيً، و خصاصةٍ (5) تملأُ الأبصار والأسماع أذيً.

ولو کانت الأنبياءُ أهلَ قوِّةٍ لا تُرامُ، وعزّةٍ لا تُضامُ، ومُلکٍ تُمدُّ نحوه أعناقُ الرجال [و تُشدُّ إليه عُقَدّ الرَّحال] (6)، لکانَ ذلکَ أهونَ علی الخلق في الاعتبار، وأبعدَ لَهم عن الاستکبار، ولآمنوا عن رهبةٍ قاهرةٍ لهم، أو رغبةٍ مائلةٍ بهم، فکانت النيّاتُ مشترکةً، والحسناتُ مقتَسَمَةً، ولکنَّ الله سبحانه أراد أن يکونَ الاتَّباعُ الرسله، والتصديقُ بکتبه، والخشوعُ لوجهه، والاستکانةُ لأمره، والاستسلامُ الطاعته، أُموراً له خاصة، لا تَشوبها من غيرها شائبة، فکلّما کانت البلوي والاختبارُ أعظمَ کانت المثوبة والجزاءُ أجزلَ.(7)

روي حنّان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام [قال: آمن مع نوح من

ص: 70


1- الذّهبان: جمع ذهب. والوقيان : نوع من الذهب ينمو في معدنه .
2- أي الامتحان الّذي به يتميز الخبيث من الطيّب.
3- في النهج : اضمحلَت . والمراد : سقط الوعد والوعيد.
4- کذا في النهج، وفي الأصل: الموصوف، وهو تصحيف
5- خصاصة: فقر وحاجة.
6- من النهج
7- نهج البلاغة : 291 خطبة رقم 192 «الخطبة القاصعة»، عنه البحار: 114/6 ح 11(قطعة). وج 141/13ح61(قطعة)وج469/14.ويأتي في ص 65 أيضاً.

ما عاناه نوح عليه السلام من قومه

من قومه ثمانية نفر.

وفي حديث وهب بن منبه (1)أنّ نوحاً عليه السلام دعا قومه إلي الله حتي انقرضت ثلاثة قرون منهم، کلّ قرن ثلاثمائة سنة يدعوهم سرّاً وجهراًفلا يزدادون إلّا طغياناً، ولا يأتي منهم قرن إلا کان أعتي علي الله من الذين من قبلهم، وکان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه علي رأس نوح فيقول: يا بني، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون

وکانوا يثورون إلي نوح فيضربونه حتي يسيل مسامعه دما، وحتي لايعقل شيئا مما يصنع به فيحمل ويرمي ( به )(2)في بيت أو علي باب داره مغشيا عليه، فأوحي الله تعالي إليه : (أَنّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَؤمِکَ إلاَّ مَن قَد آمَنَ)(3)، فعندها أقبل بالدعاء عليهم ولم يکن دعا عليهم قبل ذلک فقال : (رَبَّ لاَ تَذَر عَلَی الأَرضِ مِنَ الکَافِرِينَ دَیَّاراً) ) (4)إلي آخر السورة.

فأعقم الله تعالي أصلاب الرجال وأرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم [ ولد ](5)، وقحطوا في تلک الأربعين سنة حتي هلکت أموالهم وأصابهم الجهد والبلاء، فقال لهم نوح : (استَغفِرُوا رَبَّکُم إنَّه کَانَ غَفَّاراً) (6) فأعذر إليهم وأنذر فلم يزدادوا إلا کفراً، فلمّا يئس منهم أقصر عن کلامهم ودعا عليهم حتي أغرقهم الله سبحانه.(7)

ص: 71


1- من المجمع.
2- من المجمع.
3- سورة هود: 36.
4- سورة نوح : 26.
5- من المجمع.
6- سورة نوح : 10.
7- مجمع البيان: 2/ 434 - 435، عنه البحار:299/11 . وانظر : قصص الأنبياء : 84 ح 75 و 76، عنه البحار : 287/11 ح 9.

ما عاناه إبراهيم عليه السلام من قومه

وهذا إبراهيم عليه السلام خليل الله وصفیّه لمّا کسر الأصنام وجعلها أجذَاذاً، وقطعها بشدّة عزمه أفلاذاً(1)

، قال بعضهم لبعض : (حَرَّقُوه - بالنار - وَأنصُرُوا آلِهَتَکُم إن کُنتُم فَاعِلينَ) (2)أي ناصريها، والمعني : انکم لا تنصرونها إلّا بتحريقه بالنار ؛ قيل : وکان الّذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أکراد فارس، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل (3)فيها إلي يوم القيامة ؛ وقيل : إنّما قاله نمرود(4)

قال السدّي : فجمعوا له الحطب حتي انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بکذا وکذا من ماله فُيشتري به حطب، وحتي انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطباً حتي جمعوا من ذلک ما أرادوا، فلمّا أرادوا أن يلقوه في النار لم يدروا کيف يلقونه، لأنّهم کانوا قد صنعوا للنار حائطاًطوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرة، وملؤوه حطباً، وأجّجوا فيه النار، ولم يقدروا من الدّنو من النار لشدّة حرّها، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق ، وهي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها، ثم رموه، قال الله سبحانه:(5) (قُلنا يَا نَارُکُونِي بَرداً وسَلَاماً عَلَي إبرَاهِيمَ)».(6)

قال أبو العالية: لو لم يقل سبحانه:(وَسَلَاماً)لکانت تؤذيه من شدّة(7)

ص: 72


1- أجذاذة : أي قِطَعا، وکِسَراً. «النهاية: 1/ 250 - جذذ » والأفلاذ : جمع فِلَذٍ ، والفلذَ: جمع فِلذَة، وهي القطعة المقطوعة طولاً. «النهاية 3/ 470 - فلذ - »..
2- سورة الأنبياء : 68.
3- کذا في المجمع، و في الأصل والبحار: يتخلخل وتَجَلجَل في الأرض: أي ساخ فيها ودخل . «لسان العرب :121/11- جلل -
4- زاد في المجمع: وفي الکلام حذف.
5- زاد في المجمع: وفي الکلام حذف.
6- سورة الأنبياء: 69.
7- في المجمع : فجاء إبليس فدلّهم علي المنجنيق

بردها، ولکان بردها أشدّ عليه من حرها فصارت سلاماً(1) عليه، ولو لم يقل (عَلَی إبرَاهِيم ) لکان بردها باقياً إلي الأبد.

قال الصادق عليه السلام : لمّا أُجلس إبراهيم في المنجنيق وأرادوا أن پرموا به في النار أتاه جبرئيل عليه السلام وقال: السلام عليک يا إبراهيم [ورحمة الله وبرکاته] (2)، ألک حاجة ؟

فقال : أمّا إليک فلا، فلمّا طرحوه دعا اللهُ سبحانه فقال : يا الله، يا واحد، يا أحد، ياصمد ، يامن لم يلد ولم يولد، ولم يکن له کفواً أحد، فحسرت النار عنه، فرأوه وانه لمحتبٍ ومعه جبرئيل عليه السلام وهما يتحدّثان في روضة خضراء.

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله أن نمرود الجبّار لمّا ألقي إبراهيم عليه السلام في النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بقميص من الجنة وطنفسة(3) من الجنّة فألبسه القميص وأقعده علي الطنفسة وقعد معه يحدّثه. تمام الخبر.

قال کعب: لم تحرق منه النار غير وثاقه، قال الله سبحانه: (وَأرَادُوا بِهِ

کَيداً فَجَعَلنَاهُم الأخسَريِنَ).(4)

قال ابن عبّاس : هو ان الله سبحانه سلّط علي نمرود وخيله البعوض حتي

أخذت لحومهم، وشربت دماءهم، ووقعت واحدة في دماغه فأهلکته.(5)

ص: 73


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: سلامة.
2- من المجمع.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: وطبقة، وکذا في الموضع الآخر. والطَّنفِسَة والطَّنفُسَة : النُّمرُقة فوق الرحل ؛ وقيل : هي البساط الذي له خَملُرقیق.لسان العرب : 127/6 - طنفس - ». .
4- سورة الأنبياء : 70
5- مجمع البيان : 54/4- 55، عنه البحار : 12 / 23 - 25.

ثمّ انّ الله سبحانه ابتلاه کما ذکر في محکم کتابه بالکلمات التي أتمّها، والمحن الّتي احتملها، ووفّي بها حتي أثني الله سبحانه عليه في کتابه بقوله:

(وَإبرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي ) والابتلاء هو الاختبار، وسمّي ذلک اختباراً؛ لأنّ ما يستعمله الانسان ينافي مثل ذلک يجري علي جهة الاختبار والامتحان فأجري سبحانه علي أمره اسم أمور العباد علي طريق الاتّساع، وحقيقة الابتلاء تشديد التکليف.

ووجه آخر هو انّ الابتلاء علي ضربين؛ أحدهما يستحيل عليه سبحانه والآخر جائز، فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تکشف الأيام عنه وهذا لا يصح عليه سبحانه، لأنه علّام الغيوب، والآخر أن يبتليه حتي يصبر علي ما يبتليه فيکون ما يعطيه علي سبيل الاستحقاق، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حکمة الله سبحانه انه لم يکل أسباب الامامة إلّا إلي الکافي المستقلّ بها الذي کشفت الأيّام عنه، ومما ابتلاه في نفسه ما ذکرناه أوّلآً وفي أهله حين خلص الله حرمته من عبادة القبطي، ثم في ولده حين أمر بذبح ولده في قوله: (إنّي أرَي فِي المَنامِ أنّي أذبَحُک)

روي محمد بن إسحاق بن يسار، أنّ إبراهيم عليه السلام کان إذا أراد إسماعيل وهاجر حمل علي البراق، فيغدو من الشام ويقيل بمکّة، ويروح من

ص: 74

مکّة فيبيت في الشام عند أهله، حتي إذا بلغ إسماعيل السعي أُري في المنام أن يذبحه، فقال : يا بني، خذ المدية والحبل وانطلق بنا إلي الشعب لنحتطب، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذکره الله عنه، فقال : يا أبت اشدد رباطي حتي لا أضطرب، واکفف عنّي ثيابک حتي لا تنتضح بدمي فتراه والدتي، واشحذ شفرتک، وأسرع مرّ السکين عليّ عنقي ليکون أهون عليّ فإنّ الموت شديد.

فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بنيّ علي أمر الله. قال : فأقبل شيخ علي إبراهيم، فقال : يا إبراهيم، ما تريد من هذا الغلام ؟ قال : أريد أن أذبحه. فقال : سبحان الله ! تريد أن تذبح غلاماً لم يعص الله طرفة عين قط. قال إبراهيم : إن الله أمرني بذلک . قال : ربک ينهاک عن ذلک، وإنّما أمرک بهذا الشيطان. فقال إبراهيم: لا والله، ثمّ قال الغلام: يا أبت، حمرّ وجهي، واشدد وثاقي.

فقال إبراهيم: الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليک اليوم، ثمّ تلّه لجبينه وأخذ المدية بيمينه، هذا والملائکة تنتحب والأرض تنحب، ثمّ رفع رأسه إلي السماء وانحني عليه بالمدية، و قلب جبرئيل المدية علي قفاها و اجتر إليه الفدية من ثبير، واجتر الغلام من تحته، ووضع الکبش مکان الغلام، ونودي من ميسرة مسجد الخيف: (أن يَا إبرَاهِيمُ قَد صَدَّقتَ الرُّؤيَا إنَّا کَذلِکَ نَجزِي المُحسِنِينَ إنَّ هذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ)(1)

ص: 75


1- سوره الصاقات: 104-106.

قال : ولحق إبليس بأُمّ الغلام حين زارت البيت، فقال لها: ما شيخ رأيته

بمني؟

قالت : ذاک بعلي . قال : فوصيف رأيته ؟ قالت : ذاک ابني . قال : فإنّي رأيته وقد أضجعه، وأخذ المدية ليذبحه. قالت : کذبت ! إبراهيم أرحم الناس، فکيف يذبح ابنه ؟ قال : فورب السماء والأرض، ورب هذه الکعبة، قد رأيته کذلک. قالت: ولم؟ قال: زعم أنّ ربّه أمره بذلک.

قالت : حقّ له أن يطيع ربّه، فوقع في نفسها أنّه قد أمر في ابنها بأمر، فلمّا قضت منسکها(1) أسرعت في الوادي راجعة إلي مني، واضعة يدها (2)علي رأسها، فلمّا جاءت [ سارة] (3)وأخبرت الخبر، قامت إلي ابنها تنظر مکان السکين من نحره فوجدته خدشاًفي حلقه، ففزعت واشتکت، وکان بدؤ مرضها الّذي هلکت فيه (4)

وهذا يعقوب إسرائيل الله ابتلاه الله بفراق يوسف، فبکي عليه حتي

ص: 76


1- في المجمع : نسکها.
2- في المجمع: يديها.
3- من المجمع.
4- مجمع البيان: 454/4 - 455، عنه البحار : 12/135. وانظر قصص الأنبياء : «المسمي عرائس المجالس» للثعلبي : 93 - 94.

قصة يوسف عليه السلام

ابيضّت عيناه من الحزن فهو کظيم(1)

روي أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام أنّ يعقوب کان يذبح کلّ يوم کبشاً يتصدّق منه ويأکل هو وعياله، وأنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً قوّاماً اعتري باب يعقوب عشيّة جمعة عند أوان إفطاره، وکان مجتازاً غريباً فهتف علي بابه فاستطعم هو وهم يسمعونه فلم يصدقوا قوله، فلمّا يئس أن يطعموه وغشيه الليل استعبر وشکا جوعه إلي الله سبحانه، وبات طاوياً، وأصبح صائماً صابراً حامداً لله تعالي، وبات يعقوب و آل يعقوب بطاناً، وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم، فابتلاه الله سبحانه في يوسف عليه السلام ، وأوحي إليه أن استعدّ لبلائي، وارض بقضائي، واصبر للمصائب ، فرأي يوسف الرؤيا في تلک الليلة.

وروي أنّ يعقوب عليه السلام کان شديد الحبّ ليوسف، وکان يوسف من

أحسن الناس وجهاً.

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله، قال : أُعطي يوسف شطر الحسن،

والنصف الآخر لسائر الناس

وقال کعب الأحبار: کان يوسف حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوي الخلقة، أبيض اللون، وکان إذا تبسم رأيت النور في ضواحکه، وإذا تکلّم رايت شعاع النور يلتهب عن ثناياه، ولا يستطيع أحد وصفه، وکان حسنه کضوء النهار عن (2)الليل، وکان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله عز ّوجلّ

ص: 77


1- إشارة للآية: 84 من سورة يوسف.
2- في المجمع: عند

وصوّره ونفخ فيه من روحه(1)

فحسده إخوته ودبّروا في أمره، وذلک أنّ يعقوب کان شديد الحبّ اليوسف، وکان يؤثره علي سائر أولاده فحسدوه، ثم رأي الرؤيا فصار حسدهم له أشد.

وقيل : إنّ يعقوب عليه السلام کان يرحمه وأخاه لصغرهما فاستثقلوا ذلک، ودبّروا في هلاکه کما حکي سبحانه عنهم في قوله:( اقتُلُوا یُوسُفَ أوِ اطرَحُوهُ أرضاً یَخلُ لَکُم وَجهُ أبِيکُم )(2)أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه.(3)

ولمّا أقبلوا إلي أبيهم وسألوه أن يرسل يوسف معهم وأظهروا النصيحة والمحبّة والشفقة علي يوسف، ولمّاهمّ يعقوب أن يبعثه معهم وحثّهم علي حفظه، وقال: (إنّي لَيَحُزُنُنِي أن تَذهَبُوا بهِ وَأَخَافُ أن يَأکُلَهُ الذَّئبُ وَأنتُم عَنهُ غَافِلُونَ) (4)وکانت أرضهم مذابة، وکانت الذئاب ضارية في ذلک الوقت.

وقيل : إنّ يعقوب رأي في منامه کأن يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، وإذا ذئب منها يحمي عنه، فکأنّ الأرض انشقّت فدخل فيها يوسف فلم يخرج إلا بعد ثلاثة أيّام، فمن ثم قال ذلک فلقّنهم العلّة وکانوا لا يدرون.

وروي عن النبي صلّي الله عليه وآله قال: لا تلقّنوا الکذب فيکذبوا، فإنّ

بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذئب يأکل الإنسان حتي لقّنهم أبوهم.

ص: 78


1- مجمع البيان :212/3 و 220.
2- سورة يوسف : 9.
3- مجمع البيان : 212/3 .
4- سورة يوسف : 13.

وهذا يدلّ علي أنّ الخصم لا ينبغي أن يلقن حجّة.

ولمّا ذهبوا به أخرجوه عن يعقوب مکرّماً، فلمّا وصلوا إلي الصحراء أظهروا له العداوة وجعلوا يضربونه وهو يستغيث بواحد واحد منهم فلا يغيثه، وکان يقول: يا أبتاه، فهموا بقتله، فمنعهم يهوذا – وقيل : لاوي - فذهبوا به إلي الجب، فجعلوا يدلونه فيه وهو يتعلّق بشفيره، ثمّ نزعوا عنه قميصه وهو يقول: لا تفعلوا، ردّوا علي القميص أتواري به.

فيقولون: ادع الشمس والقمر والأحد عشر کوکباً يؤنسنک(1)، فدلّوه في البئر حتي إذا بلغ نصفها فألقوه إرادة أن يموت وکان في البئر ماء فسقط فيه، ثمّ آوي إلي صخرة فيها فقام عليها، وکان يهوذا يأتيه بالطعام.

وقيل : وکلّ الله به ملکاً يحرسه ويطعمه.

وقيل : إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا أُلقي في النار عرياناً أتاه جبرئيل عليه السلام بقميص من حرير الجنّة فألبسه إيّاه ، فکان ذلک القميص عند إبراهيم عليه السلام ، فلمّا مات ورثه إسحاق، فلما مات إسحاق ورثه يعقوب، فلمّا شبّ يوسف جعل يعقوب ذلک القميص في تعويذ و علقه في عنق يوسف، فکان لا يفارقه، فلمّا ألقي في البئر عرياناً جاءه جبرئيل وکان عليه ذلک التعويذ، فأخرج منه القميص وألبسه إيّاه.

قيل : وهو القميص الّذي وجد يعقوب ريحه لمّا فصلت العير من مصر،

وکان يعقوب بفلسطين فقال: (إنَّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُف) (2)

وفي کتاب النبوّة، عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن عمارة، عن

ص: 79


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: والإحدي عشر کوکباً تؤنسک.
2- سورة يوسف : 94.

مسمع أبي سيّار(1) عن الصادق عليه السلام قال: لمّا ألقي إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل وقال: يا غلام، من طرحک في الجبّ؟

قال : إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني، ولذلک في الجبّ طرحوني. فقال : أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ ؟ فقال: ذاک إلي إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

فقال له جبرئيل : إنّ إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب يقول لک: قل: اللّهمّ إنّي أسألک [بأن لک الحمد لا إله إلا أنت بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والاکرام] (2) أن تصلّي علي محمد و آل محمد، وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ، فجعل الله له من ذلک يومئذ فرجاً، ومن کيد المرأة مخرجاً، وأتاه ملک مصر من حيث لم يحتسب.

وروي أنّ يوسف عليه السلام قال في الجت : يا إله إبراهيم وإسحاق

ويعقوب، ارحم ضعفي و قلّة حيلتي وصغري.

قال مجاهد : أوحي الله إليه وهو في الجبّ ونبّأه وأوحي إليه أن اکتم حالک ،واصبر علي ما أصابک، فإنّک ستخبر(3)

إخوتک بما فعلوا بک في وقت لا يعرفونک.

ولمّا فعلوا بيوسف ما فعلوا جاءوا أباهم عشاءً يبکون (4)کما ذکر سبحانه

ص: 80


1- کذا في المجمع، و في الأصل : مسمع بن سيّار .
2- من المجمع.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل : تجير.
4- إشارة إلي الآية:16من سورة يوسف.

ليلبسوا علي أبيهم، وإنّما أظهروا البکاء ليوهموا أنّهم صادقون، وفي هذا دلالة علي أنّ البکاء لا يوجب صدق دعوي الباکي في دعواه.

ولمّا سمع يعقوب بکاءهم وصياحهم فزع وقال : ما لکم؟

فقالوا: (يا أبَانَا ذَهَبنَا نَستَبِقُ - علي الأقدام ؛ وقيل : ننتصل(1) ونترامي فننظر أيّ السهام أسبق وَتَرَکنَایُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأکَلَهُ الذَّئبُ وَمَا أنتَ بِمُؤمِنٍ لَنَا - أي مصدّق - وَلَو کُنَّا صَادِقِينَ)(2). وأظهروا ليعقوب قميص يوسف ملطّخاً بالدم، وقالوا: هذا دم يوسف حين أکله الذئب ؛ قيل : إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها علي القميص ولم يمزّقوا الثوب، ولم يخطر ببالهم انّ الذئب إذا أکل إنساناً يمزّق ثوبه ؛ وقيل : إنّ يعقوب قال : أروني القميص، فأروه إيّاه، فلمّا رآه صحيحاً قال: يا بنيّ، ما رأيت ذئباً أحلم من هذا الذئب ! أکل ابني ولم يخرق قميصه.

وقيل : إنّه لمّا قال لهم يعقوب ذلک، قالوا: بل قتله اللصوص.

فقال عليه السلام : فکيف قتلوه وترکوا قميصه وهم إليه أحوج من قتله؟ (بَل سَوَّلَت لَکَم أنفُسُکُم أمراً أي زينّت لکم - فَصَبرُ جَمِيلُ) (3)أي صبري صبر

جميل لا أشکو إلي الناس.

وقيل: إنّما يکون الصبر جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالي، وفعل للوجه

الّذي وجب.

وقيل : إنّ البلاء نزل علي يعقوب في کبره، وعلي يوسف في صغره بلا

ص: 81


1- کذا في المجمع، و في الأصل: نتناصل
2- سورة يوسف : 17.
3- سورة يوسف : 18.

ذنب کان منهما، فأکّب يعقوب علي حزنه، وانطلق يوسف في رقّه، وکان(1) ذلک بعين الله سبحانه يسمع ويري، وکلّ ذلک امتحان من الله، ومکث يوسف عليه السلام في الجت ثلاثة أيّام.(2)

ثمّ جاءت السيّارة من قبل مدين يريدون مصر فاخطا وا الطريق، وانطلقوا بهيمون حتي نزلوا قريبا من الجبّ، وکان الجبّ في قفرة بعيدة من العمران، وإنّما هو للرعاة والمجتازة، وکان ماؤه ملحاً فعذب، فبعثوا رجلاً يقال له مالک بن داغر (3)ليطلب الماء ( فأدلَي دَلوَهُ) فتعلّق يوسف عليه السلام بالدلو(4) فلمّا خرج إذا هو بغلام أحسن ما يکون

فنادي أصحابه وقال : (يَا بُشرَي هذَا غُلَامُ وأسَرُّوهُ)(5) من أصحابهم لئلّا يطلبوا منهم الشرکة فيه، وکانت إخوته قريب منهم فأتوهم وقالوا: هذا عبد لنا أبق منّا واختفي في هذا الجب(6)، وقالوا له بالعبرانية: لئن قلت أنا أخوهم قتلناک، فتابعهم(7) علي ذلک لئلّا يقتلوه، وطلبوا من القافلة أن يشروه منهم، فأذعنوا لهم بذلک ، فشر وه منهم کما قال سبحانه: (وَشَرَوهُ بِثَمَن بَخسٍ دَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ) (8) أي ناقص لا برکة فيه لأنّه حرام، وقوله سبحانه: (مَعدُودَة) أي قليلة، وذکر العدد عبارة عن القلّة ، وقيل : إنهم کانوا لا يزنون من الدراهم دون

ص: 82


1- في المجمع : وکلّ
2- مجمع البيان : 216/3 - 218. وانظر : عرائس المجالس: 110 - 116.
3- في العرائس : دعر ، وفي المجمع : زعر، وکذا في الموضع الآتي
4- سورة يوسف : 19
5- في المجمع : بالحبل.
6- في المجمع : الموضع.
7- کذا في المجمع، وفي الأصل : فبايعهم.
8- سورة يوسف: 20.

الأوقية، وکانوا يزنون الأوقية وهي أربعون درهماً فما زاد عليها ؛ وقيل : کانت الدراهم عشرين ، وکانوا إخوته عشرة فاقتسموها در همين در همين.

ذکر أبو حمزة الثمالي أن مالک بن داغر وأصحابه لم يزالوا يتعرّفون من الله الخير في سفرهم ذلک حتي فارقوا يوسف ففقدوا ذلک، وتحرّک قلب مالک اليوسف فأتاه، فقال : أخبرني من أنت ؟

فانتسب له يوسف ولم يکن مالک يعرفه، فقال : أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، فالتزمه مالک و بکي وکان مالک رجلاً عاقراً لا يولد له، فقال اليوسف: لو دعوت ربّک أن يهب لي ولداً ، فدعا يوسف ربّه أن يهب له ولداً ويجعلهم ذکوراً، فولد له اثنا عشر بطناً في کلّ بطن غلامان (وَکَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدَينَ)(1) أي من الزاهدين في شرائه لأنّهم لم يروا عليه آثار العبوديّة، ووجدوا فيه علامات الأحرار، فلذلک زهدوا فيه. (2)

ولمّا عرض للبيع في سوق مصر تزايدوا فيه حتي بلغ ثمنه وزنه ورقاً ومسکاً وحريراً، فاشتراه العزيز بهذا الثمن، وقال لامرأته راعيل – ولقبها زليخا۔ : (أکرِمِي مَثواهُ عَسَي أن يَنفَعَنَا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (3)، وإنّما قال ذلک لمّا رأي علي يوسف من الجمال والعقل والهداية في الأمور، والعزيز هو خازن الملک وخليفته وکان اسمه اطفير(4) والملک هو الريان بن الوليد ((5)وکان أصله

ص: 83


1- سورة يوسف: 20
2- مجمع البيان : 219/3 - 220. وانظر : عرائس المجالس : 116.
3- سورة يوسف : 21.
4- في العرائس: قطفير بن رحيب، وفي المجمع: واسمه قطفير، وکان لا يأتي النساء؛ وقيل: إنّ اسمه أظفير.
5- في العرائس : الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشة بن قاران بن عمرو بن عملاق بن الاوذ بن سام بن نوح عليه السلام .

من العماليق ؛ وقيل : إنّه لم يمت حتي آمن بيوسف واتّبعه علي دينه، ثم مات ويوسف عليه السلام حيّ فملک بعده قابوس بن مصعب(1) فدعاه يوسف إلي الاسلام فأبي أن يقبل.(2)

ولمّا أن استقرّ في منزل اطفير راودته زوجته زليخا عن نفسه، ورامت منه أن يواقعها ، وعلق قلبها بحبّه لما رأت من جماله وهيبته ؛ قيل: إنّ يوسف عليه السلام کان إذا مشي في أزقة مصر أشرق نور وجهه علي الحيطان کما يشرق نور انعکاس نور الشمس علي الحائط إذا قابلت الماء، کما قال سبحانه : (وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِهَا)معناه همّت هي بالفاحشة وهمّ يوسف بضربها ودفعها عن نفسه کما يقال : هممت بفلان أي بضربه أو إيقاع مکروه به، فيکون معني رؤية البرهان أنّ الله سبحانه أراه برهاناً علي انّه إن أقدم علي ما همّ به أهلکه أهلها أو قتلوه، أو ادّعت عليه المراودة علي القبيح وقذفته بأنّه دعاها إليه وضربها الامتناعها منه فأخبر سبحانه أنّه صرف عنه السوء والفحشاء اللّذين هما القتل وظنّ اقتراف الفاحشة به ويکون التقدير: (لَولا أن رَأَي بُرهَانَ رَبَّهِ) لفعل ذلک.(3)

ويؤيّد انّه لم يهمّ بالفاحشة قوله سبحانه: (کَذلِکَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوء

وَالفَحشَاءَ) (4) وقوله ذلک ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب. (5)

ثمّ انّ يوسف لمّا رأي شدّة إقبالها عليه والتزامها له ولّي فارّاً منها قاصداً

ص: 84


1- في العرائس: قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام.
2- مجمع البيان: 3/ 221. وانظر : عرائس المجالس: 117.
3- مجمع البيان : 3/ 223 - 224 . وانظر : عرائس المجالس: 118
4- سورة يوسف : 26.
5- مجمع البيان : 225/3.

للخروج من الباب، فسبقته إلي الباب و آرامت منعه من الخروج لتقضي شهوتها منه، ورام هو الفرار منها، فلحقته قبل أن يصل إلي الباب، والتزمته بقميصه من ورائه فقدته -کما حکي سبحانه - وإذا سیَّدها من وراء الباب، فلمّا رأته اندهشت وورّکت الذنب(1)علي يوسف لتبريء ساحتها عند زوجها وقالت : (مَا جَزَاءُ مَن أرَادَ بِأَهِلکَ سُوءاً، إلَّا أن يُسجَنَ أو عَذَابُ أَليمُ).(2)

وأراد يوسف براءة ساحته فقال : (هِي رَاوَدَتِني عَن نَفسِي) لمّا ذکرت المرأة ذلک لم يجد يوسف بدّاً من تنزيه نفسه، ولو کفّت عن الکذب لم يذکر يوسف شيئاً من ذلک، (وَشَهِدَ شَاهِدُ مِن أهلِهَا) وهو صبيّ في المهد ؛ قيل : إنّه کان ابن أُخت زليخا وهو ابن ثلاثة أشهر، فقال: (إن کَانَ قَمِيصُهُ قُدَّمِن قُبُلٍ فَصَدقَت وَهُوَ مِنَ الکَاذِبيِنَ وَإن کَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُر فَکَذَبَت وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ)َ(3) لأنّه لو کان مقبلاً عليها لکان قميصه قدّ من قبل، فلمّا کان فارّاً منها کان القدّ من دبر لأنّه هو الهارب منها، وهي الطالبة له، وهذا الأمر ظاهر، فلمّا رأي زوجها ذلک علم خيانة المرأة، فقال : (إنَّهُ مِن کَيدِکُنَّ إنَّ کَيدکُنَّ عَظِيمُ) (ثم أقبل علي يوسف، فقال : (4)(يُوسُف أعرِض عَن هذا) ولا تذکر هذا الحديث طلباً للبراءة فقد ظهر صدقک وبراءتک، ثم أقبل علي زليخا وقال:

(وَاستَغفِرِي لِذَنبِک ) (5)؛ قيل : إنّه لم يکن غيوراً فسلبه الله الغيرة لطفاً منه بيوسف حتي کفي شرّه، ولهذا قال ليوسف: (أعرِض عَن هذَا)، واقتصر علي

ص: 85


1- وَرَّکَ فلان ذنبه علي غيره تَوريکاً: إذا أضافه إليه وقرفه به، وإنّه لمُؤَرَّکُ في هذا الأمر: أي ليس له فيه ذنب. «لسان العرب : 512/10 - ورک - »
2- سورة يوسف : 25.
3- سورة يوسف : 29 و 27.
4- سورة يوسف : 28 و 29.
5- سورة يوسف : 28 و 29.

هذا القدر، ثم قال لها : (وَ استَغفِرِي لِذَنبِکِ )فإنّ الذنب منک.(1)

ثمّ قال الله سبحانه:(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِن بَعدِ مَا رَأوُا الآيَاتِ (2)

، وذلک أنّ زليخا لم تزل تقتِل منه(3) في الذَّروةِ، والغارب(4) وکان مطواعاً لها وجملاً ذلولاً زمامه بيدها حتي أنساه ذلک ما عاين من الآيات وعمل برأيها في سجنه، وکيد النساء أعظم من کيد الشيطان لأنّ کيد الشيطان بالوسوسة ، وکيد النساء اللطف

لأنه بالمشاهدة وقوله سبحانه: (وَمِن شَرَّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ) (5) والمصريّات

أعظم النساء کيداً لأنّه معهنّ ما ليس مع غيره من البوائق والحيل.

وعن بعض العلماء : اني أخاف من النساء أکثر ممّا أخاف من الشيطان لأنّ الله سبحانه وتعالي يقول : (إنّ کَيد الشَّيطَان کَانَ ضَعِيفاً) (6)وفي النساء : (إنّ کَيدکُنَّ عَظِيمُ) وخاصّة إذا قارن ذلک عدم الغيرة في الأزواج، وهذا الأمر مرکوس في طبيعة أکثر رجال مصر.

قال شيخنا الشهيد شمس الدين محمد بن مکّي رضي الله عنه في کتاب الدروس: إنّ شرب ماء النيل يميت القلب، والأکل في فخارها، وغسل الرأس بطينها يذهب بالغيرة ويورث الدياثة.(7)

ولمّا کثر اللغط في شأنها وشأن يوسف، وشاع الأمر بذلک، وتکلّمت

ص: 86


1- مجمع البيان: 227/3.
2- سورة يوسف : 35.
3- في «ح» : أي من زوجها۔
4- في حديث الزبير : فما زالَ يَفتِلُ في الذَّروَةِ والغارِبِ حتي أجابه عائشةُ إلي الخُروجِ . «لسان العرب: 1/ 644 - غرب - ».
5- سورة الفلق : 4.
6- سورة النساء : 76.
7- الدروس : 47/3 .

النسوة بذلک أنّ( امرَأَةُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَفسه) (1)

وأظهروا الإنکار الفعلها وأشهروا خطأها دعتهنّ واستضافتهنّ وأظهرت حبّها إيّاه واستکتمتهنّ فأظهرنه، وأعتدت لکلّ واحدة منهنّ متکاً - أي وسادة -، وقدّمت له الفواکه أوّلاً،(وَاتَت کُلَّ وَاحِدَةِ مِنهُنَّ سِکَّيناً)لتقطيع الفواکه ، وکانت قد أجلست يوسف غير مجلسهنّ، وأمرته بالخروج عليه في هيأته، ولم يکن يتهيّاً له أن لا يخرج لأنّه بمنزلة العبد لها، (فَلَمَّا رَأَينَهُ أکبَرنَهُ) أي أعظمنه وتحيرن في جماله إذ کان کالقمر ليلة البدر(وَقَطَّعنَ أيدِيَهُنَّ)(2)بتلک السکاکين، فما أحسسن إلّا بالدم، ولم يجدن ألم القطع لاشتغال قلوبهنّ بيوسف عليه السلام ، والمعني : جرحن أيديهنّ، وليس معناه أبنّ أيديهنّ، لأن هذا مستعمل في الکلام، تقول للرجل: قطعت يدي : أي خدشتها.(3)

ثمّ قال الله سبحانه : (ثُمّ بَدَا لَهُم مِن بَعدِ مَا رَأوُا الآيَاتِ الدالّة علي براءة يوسف[وهي قدّ القميص من دبره وجزّ الأيدي] (4)لَیَسجُبُنَّهُ حَتَّي حِينٌ) (5) وذلک أنّ المرأة قالت لزوجها : إنّ هذا العبد قد فضحني في الناس، من حيث إنّه يخبرهم انّي راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإمّا أن تأذن لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه کما حبستني

فحبسه لذلک بعد علمه ببراءته وليظهر للناس أنّ الذنب کان له لأنّه ما يحبس إلّا المجرم ، وقيل: کان الحبس قريباً منها فأرادت انّها تکون إذا أرادت

ص: 87


1- سورة يوسف : 30.
2- سورة يوسف : 31
3- مجمع البيان : 3/ 230.
4- من المجمع.
5- سورة يوسف : 35.

أن تراه أشرفت عليه ورأته، وقوله: (وَلَيَسجُنُنَّهُ حَتَّي حينٍ) قيل : حتي ينسي حديث الامرأة معه.(1)

ولمّا أدخل السجن أدخل معه غلامان للملک أحدهما صاحب شرابه، والآخر صاحب طعامه أنهي إلي الملک الأعظم أنّهما يريدان يسمّانه فأدخلهما إلي السجن، وکان يوسف لمّا دخل السجن عرفهما انّه يعبّر الرؤيا، فقال أحد العبدين للآخر: هلم حتي نجرّبه، فقال أحدهما وهو الساقي: رأيت أصل کرمة (2)عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وعصرتها في کأس الملک وسقيته إيّاها.

وقال الآخر : إنّي رأيت کأنّ فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الأطعمة وسباع الطير تنهش منها(نَبَّئنَا بِتَأوِيِلهِ انَّا نَرَاکَ مِنَ المُحسِنِينَ)(3) إنّک ذو أفعال جميلة.

قيل: إنّما نسباه إلي الإحسان لأنّه کان إذا ضاق علي رجل مکانه وسّع له، وإن احتاج جمع له، وإن مرض قام عليه ؛ وقيل: إنّه کان يعين المظلوم، وينصر الضعيف، ويعود العليل ، وکان يحبو کلّ رجل بما يؤتي به ذلک اليوم من منزله من الطعام، وهذا مثل قول عيسي(وَأنَبَّئُکُم بِمَا تَأکُلُونَ وَمَا تَدَّ خِرُونَ فِي بُيُوتِکُم) (4) (ذَلِکُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبَّي(5)

وقيل : قالا له: من أين عرفت ذلک ولست بکاهن ولا عرّاف ؟

ص: 88


1- مجمع البيان : 232/3.
2- في المجمع: حبلة.
3- سورة يوسف : 36.
4- سورة آل عمران : 49.
5- سورة يوسف :37.

فأخبرهما انّه رسول الله ، وانّه سبحانه علّمه ذلک.

وکان يوسف قبل ذلک في السجن لم يدعهم إلي الله لأنّهم کانوا يعبدون الأصنام، فلمّا رأي إقبالهم عليه وتوجّههم إلي قبول قوله وحسن اعتقادهم فيه رجا منهم القبول فأظهر انّه نبيّ ودعاهم إلي الله بالحکمة والموعظة الحسنة.

وروي أنّ أهل السجن قالوا له : قد أحببناک حين رأيناک.

فقال : لا تحبّوني، فوالله ما أحبّني أحد إلا دخل عليَّ من حبّه بلاء، أحبّتني عمّتي فنسبت إلي السرقة، وأحبّني أبي فألقيت في الجبّ، وأحبّتني امرأة العزيز فأُلقيت في السجن.(1)

ثم أقبل عليهم بالدعاء إلي الله سبحانه ، فقال : (يَا صَاحِبَي السَّجنِ أأَربَابُ مُتَفَرَّقُونَ - أي متباينون من حجر وخشب لا تضرّ ولا تنفع - خَيرُ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهَّارُ) (2) الذي إليه الحشر والنشر (3) وبيده النفع والضرّ، أهو خير أم هذه الأصنام الّتي تعبدونها (ذَلِکَ – الّذي بينّت من توحيد الله(4) وعبادته وترک عبادة غيره هو الدَّينُ القَيَّمُ) (5)أي المستقيم الذي لا عوج فيه.

ثمّ عبّر عليه السلام رؤياهما، فقال : أما العناقيد الثلاثة فهي ثلاثة أيّام تبقي في السجن، ثمّ يخرجک الملک في اليوم الرابع وتعود إلي ما کنت عليه، وأمّا الآخر فقال له : أنت تصلب و تأکل الطير من رأسک، فقال : ما رأيت شيئاً

ص: 89


1- مجمع البيان : 3/ 232 - 233.
2- سورة يوسف : 39.
3- في المجمع : الخير والشرّ.
4- کذا في المجمع، و في الأصل: الّذي يثبت من توحيد الله.
5- سورة يوسف : 40.

وکنت ألعب، فقال يوسف:(قُضِيَ الأمرُ الَّذي فِيهِ تَستَفتِيَانِ)(1) وما قلته لکما فإنّه نازل بکما، (وقَالَ لِلَّذي ظَنَّ - أي تحقّق - أنَّهُ نَاجٍ مِنهُمَا - وهو الساقي -اُذکُرنِي عِندَرَ بَّکَ) أي اذکرني عند الملک اني محبوس ظلماً، فأنسي الشيطان الساقي أن يذکر يوسف عند ربه حتي لبث في السجن سبع سنين.

وعن النبي صلّي الله عليه و آله قال : عجبت من أخي يوسف عليه السلام

کيف استعان(2)بالمخلوق دون الخالق ؟!

ولولا کلمته ما لبث في السجن طول ما لبث يعني قوله: (انکُرنِي عِندَ

رَبَّکَ) .

وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : جاء جبرئيل عليه

السلام (3)إلي يوسف فقال: يا يوسف ، من جعلک أحسن الناس ؟

قال : ربيّ.

قال : فمن حبّبک إلي أبيک دون إخوتک ؟

قال: ربّي.

قال: من ساق إليک السيّارة؟

قال: ربي. قال: فمن صرف عنک الحجارة ؟

قال: ربّي .

ص: 90


1- سورة يوسف: 41.
2- سورة يوسف : 42.
3- في المجمع: استغاث.

قال: فمن أنقذک من الجبّ ؟

قال: ربّي قال: فمن صرف عنک کيد النسوة ؟

قال: ربّي.

قال: فإنّ ربّک يقول: ما دعاک إلي أن تنزل (1)حاجتک بمخلوق دوني؟

البث في السجن بضع سنين بما قلت.

قال: فبکي يوسف حتي بکي لبکائه الحيطان، فتأذّي أهل السجن لبکائه، فصالحهم علي أن يبکي يوماً ويسکت يوماً، فکان في اليوم الّذي يسکت أسوأ حالاً، والقول في ذلک: [انّ ](2)الاستعانة بمخلوق في دفع المضارّ والتخلّص من المکاره جائز غير منکر ولا قبيحاً، بل ربما يجب ذلک، وکان نبيّنا صلّي الله عليه وآله يستعين بالمهاجرين والأنصار و غيرهم فيما ينويه. ولو کان قبيحة لم يفعله صلّي الله عليه و آله ، وإنّما عوتب يوسف عليه السلام في ترک عادته الجميلة في الصبر والتوکّل علي الله سبحانه في کلّ أموره.

وإنّما کان يکون قبيحاً لو ترک التوکّل علي الله سبحانه في کلّ أموره أو اقتصر علي غيره، وفي هذا ترغيب في الاعتصام بالله تعالي والاستعانة به دون غيره عند نزول الشدائد، وأکثر المفسرين قالوا: إنّ مدّة إقامة يوسف في السجن کانت سبع سنين، وهذه السبع سوي الخمسة التي کانت قبل تعبير الرؤيا للساقي وصاحب الطعام.

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: علم جبرئيل عليه السلام يوسف

ص: 91


1- کذا في المجمع، وفي الأصل، تقول.
2- من المجمع.

عليه السلام وهو في السجن، فقال: قل في دبر کلّ صلاة فريضة: اللّهمّ اجعل لي فرجاً ومخرجاً، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب.

وروي شعيب(1)العقرقوفي عنه عليه السلام قال : لما انقضت المدّة وأذن الله ليوسف في دعاء الفرج وضع عليه السلام خده علي الأرض، ثمّ قال: اللهمّ إن کانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندک فإني أتوجّه إليک بوجوه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ففرّج الله عنه.

قال شعيب : فقلت : جعلت فداک، أندعو نحن بهذا الدعاء ؟

فقال : ادعوا بمثله، اللّهمّ إن کانت ذنوبي قد أخلقت عندک وجهي فانّي أتوجّه إليک بنبيک(2) نبي الرحمة، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام.(3)

ثمّ لمّا أذن الله بالفرج رأي الملک الرؤيا الّتي هالته وهي التي ذکرها الله سبحانه في کتابه وهي (وَقَالَ المَلِکُ - يعني الوليد بن الريّان - إنَّي أَرَي سَبعَ بَقَرَاتٍ )(4) إلي آخر الآيات، فلمّا قصّ رؤياه علي خواصّه (قَالُوا : هذه - أَضغَاثُ أحلَامٍ وَمَانَحنُ بَتَأوِيلِ الأحلَامِ بِعَالِمِينَ) (5)وکان جهلهم ،(6)سبب نجاة يوسف عليه السلام، لأن الساقي تذکّر حديث يوسف فجثا بين يدي الملک

ص: 92


1- کذا في المجمع - وهو الصحيح - ، وفي الأصل : أبو شعيب. راجع في ترجمته : معجم رجال الحديث: 34/9 رقم 5740.
2- في المجمع : بوجه نبيّک.
3- مجمع البيان : 234/3- 235.وانظر : تفسير القمي: 344/1- 345.
4- سورة يوسف: 43.
5- سورة يوسف : 44.
6- أي بتأويل رؤيا الملک.

فقال: أيّها الملک إنّي قصصت أنا وصاحب الطعام علي رجل في السجن منامين فخبّرنا بتأويلهما، وصدق في جميع ما وصف، فإن أذنت مضيت إليه وأتيتک بتفسير رؤياک، فأذن به الملک، فأتي يوسف في السجن، فقال: (أَيُّهَا الصَّدَّيقُ أفِينَا فِي سَبعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ)(1) إلي آخره لعلّي أرجع إلي الملک والعلماء الّذين جمعهم لتعبير الرؤيا فعجزوا عنها، فيعرفون فضلک، ويخرجوک من السجن.

فقال يوسف في جوابه : أمّا السبع بقرات السمان والسبع العجاف والسبع السنابل الخضر والسبع اليابسات فإنّهنّ سبع سنين مخصبات يتبعهنّ سبع سنين مجدبات (2) فادأبوا في الزراعة في تلک السنين المخصبة بجد واجتهاد، وکلّما تحصدونه ذروه في سنبله بغير دوس ولا تذرية (إلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأکُلُونَ) (3) وإنّما أمرهم بذلک ليکون أبقي وأبعد من الفساد، لأنّ السنبل إذا ترک بحاله لايقع فيه السوس ولا (4)يهلک وإن بقي مدّة من الزمان، وإذا صفّي أسرع إليه الفساد، (ثمّ يَأتِي مِن بَعدِ ذلِکَ سَبعُ شِدَادُ يَأکُلنَ مَا قَدَّمتُم لَهُنَّ)

« وأضاف الأکل إلي السنين

لأن الأکل يقع فيها أکثر.

وروي أنّ يوسف عليه السلام کان يقرّب زاد اثنين إلي واحد فيأکل نصفه فيشبع ويترک الباقي، فلمّا کان أوّل السنين المجدبة قرّب طعام اثنين إلي واحد فأکله، فقال: هذا أوّل السنين الشداد، وکانت السبع سنين المخصبات کثرت فيها الأمطار وفاض ماء النيل، فلمّا انقضت أمسک الله المطر ولم يوف النيل فوقع

ص: 93


1- سورة يوسف : 46.
2- في المجمع : قال يوسف في جوابه معبّراً ومعلّماً : أمّا البقرات السبع العجاف والسنابل السبع اليابسات فالسنون الجدبة، وأمّا السبع السمان والسنابل السبع الخضر فإنّهنّ سبع سنين مخصبات.
3- سورة يوسف : 47.
4- سورة يوسف: 48.

القحط وکان ما قضاه الله سبحانه.

وهذا التأويل من يوسف إنّما کان ممّا أطلعه الله عليه بالوحي من علم

الغيب ليکون من آيات نبوته عليه السلام (1)

فلمّا رجع الرسول إلي الملک وقصّ عليه ما قال يوسف قال:( ائئتُونِي بِهِ) که (2) ، فأتاه الرسول، وقال : أجب الملک، فأبي أن يجيبه، وأن يخرج معه حتي يتبيّن براءته ممّا(3)قذف به ، وقال للرسول : ارجع إلي الملک واسأله أن يفحص عن النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ ليعلم صحّة براءتي ولم يفرد امرأة العزيز حسن عشرة منه ورعاية أدب لکونها زوجة خليفة الملک(4)فخلطها بالنسوة.

ولو خرج يوسف مع الرسول من غير أن يعلم الملک براءته ما زالت في نفس الملک منه حالة (5)، وکان يقول: هذا الذي راود امرأة وزيري وخليفتي فيراه الملک بعين مشکوک فيه فأحب أن يراه بعد إزالة الشکّ من قلبه.

فأمر الملک بإحضار النسوة، فلمّا حضرن قال: ما شأنکنّ إذ راودتن

يوسف عن نفسه ودعوتنّه إلي أنفسکنّ ؟

(قُلنَ حَاشَ لِلهِ مَا عَلِمنَا عَلَيهِ مِن سُوعٍ) وما فعل شيئاً ممّا نسب إليه، واعترفن ببراءته، وانّه حبس مظلوماً . فقالت امرأة العزيز من بينهنّ: (الآنَ حَصحَصَ الحَقُّ أنَا رَاوَدتُهُ عَن نَفسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (6) في قوله:( هِيَ

ص: 94


1- مجمع البيان : 3/ 237 - 239.
2- سورة يوسف : 50.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: وما
4- في المجمع: لکونها زوجة الملک أو زوجة خليفة الملک.
5- في العرائس: حاجة.
6- سورة يوسف : 51.

رَاؤَدتنِي عَن نَفسِي)(1) فلمّا ظهر أمر يوسف ، قال صلوات الله عليه :

(وَمَا أبَرَّيءُ؛ نَفسِي) (2)کره تزکية نفسه انقطاعاً إلي الله سبحانه(3)

ولمّا تبيّن للملک براءته من السوء قال: (وائتُونِي بِهِ أستَخِلصهُ لِنَفسِي)(4) فلمّا أتاه رسول الملک قال: قم، إن الملک يدعوک، فالق ثياب السجن عنک والبس ثياباً جدداً، فأقبل يوسف، و تنظف من درن السجن، ولبس ثيابه، وأتي الملک وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة.

وروي أنّ يوسف لمّا خرج من السجن تعلّق به أهل السجن وسألوه أن يدعو لهم، فقال: اللّهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار، ولا تعم عليهم الأخبار، فلذلک يکون أهل السجن أعرف الناس بالأخبار في کلّ بلدة، ولما خرج کتب علي باب السجن: هذه قبور الأحياء، وبيوت(5)الأحزان، وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء.

ولمّا وقف بباب الملک قال: حسبي ربّي من دنياي، وحسبي ربّي من خلقه عزّ جاره وجلّ ثناؤه ولا إله غيره، ولمّا دخل علي الملک قال: اللّهمّ إنّي أسألک بخيرک من خيره، وأعوذ بک من شرّه و شر غيره، ولمّا نظر إليه الملک سلّم عليه يوسف بالعربيّة، فقال له الملک: ما هذا اللسان ؟

قال: لسان عمّي إسماعيل، ثمّ دعا له بالعبرانية، فقال له الملک : ما هذا

اللسان ؟

ص: 95


1- سورة يوسف:26.
2- سورة يوسف: 53.
3- مجمع البيان : 3/240- 241.
4- سورة يوسف : 54.
5- في المجمع : وبيت.

قال: لسان آبائي .

قيل : کان الملک يتکلّم بسبعين لساناً، فکلّما کلّم يوسف بلسانٍ أجابه بذلک اللسان، فتعجّب الملک من ذلک، فقال: يا يوسف، إنّي أحبُّ أن أسمع رؤياي منک شفاهاً من غيرِ أن أتکلّم بها.

فقال يوسف : نعم، أيّها الملک، رأيتَ سبع بقرات سمان شهب غرّ حسان، کشف عنهنّ النيل، وطلعن عليک من شاطئه تشخب أخلافه لبناً، فبينا أنت تتعجّب من ذلک إذ نضب النيل فغار ماؤه، وبدايبسه، فخرج من حمئه ووحله (1)سبع بقرات عجاف شعث مقلصات البطون، ليس لهنّ ضروع، ولهنّ أنياب وأضراس وأکفّ کأکفّ الکلاب، وخراطيم کخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافتر سنهنّ افتراس السباع، وأکلن لحومهنّ، ومزّقن جلودهنّ، فبينا أنت تنظر وتتعجّب إذا سبع سنابل خضر وسبع أخر سود في منبت واحد عروقه في الثري والماء، فبينا أنت تقول في نفسک: آني هذا وهؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهنّ في الماء؟ إذهبّت ريح فذرت الأرفات (2)من اليابسات السود علي (3) المثمرات الخضر فاشتعلت فيهنّ النار وأحرقتهنّ وصرن سوداً متغيّرات، فهذا آخر ما رأيت، ثمّ انتبهت من نومک مذعوراً.

فقال الملک : ما شأن هذه الرؤيا بأعجب ممّا سمعته منک فما تري في

رؤياي ايّها الصدّيق ؟

فقال يوسف: أري أن تجمع الطعام وتزرع زرعاً کثيراً في هذه السنين

ص: 96


1- کذا في العرائس والمجمع، وفي الأصل: جماده
2- في العرائس : فردّت أوراق السود اليابسات. ومراده : الرُّفاتُ : وهو الحُطام من کلّ شيء تکَسَّر.
3- کذا في المجمع، و في الأصل، إلي

المخصبة وتبني الأهراء(1)والخزائن، فتجمع الطعام فيها بقصبه (2)وسنبله [ليکون قصبه و سنبله](3) علفاً للدوابّ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس فيکفيک من الطعام الّذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، ويأتيک الخلق من النواحي فيمتارون منک بحکمک، ويجتمع عندک من الکنوز مالم يجتمع الأحد.

فقال الملک: ومن لي بهذا ؟ ومن يجمعه ويبيعه ويکفي الشغل فيه ؟

فقال يوسف : (اجعَلنِي عَلَی خَزَائِنِ الأَرضِ إنَّي حَفِيظُ عَلِيمُ) ،(4) أحفظ الشيء أن يجري فيه خيانة، عليم بمن يستحقّ منها شيئاً أولا يستحقّ ؛ وقيل: عليم بالألسن، وذلک أن الناس يفدون (5)من کلّ ناحية، ويتکلّمون بلغات مختلفة.

وفي هذا دلالة علي ان الانسان يجوز له أن يظهر فضله عند من لا يعرفه؛

وقيل: إنّ الملک الأکبر فوض إليه أمر مصر ودخل بيته وأغلق بابه.(6)

وروي [أحمد بن] (7) محمد بن عيسي، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول : وأقبل يوسف علي جمع الطعام، فجمع في السبع السنين المخصبة وکبسه في الخزائن، فلمّا مضت تلک السنون وأقبلت السنون المجدبة أقبل يوسف علي بيع الطعام.

ص: 97


1- الهُؤيُ: بيت کبير ضَخم يُجمَع فيه طَعام السلطان، والجمع أفراء. «لسان العرب: 361/15- هرا- ». .
2- کذا في المجمع والعرائس، وفي الأصل: بنصبه.
3- من المجمع
4- سورة يوسف : 55.
5- کذا في المجمع، و في الأصل: يبدون.
6- مجمع البيان : 242/3 -243، عرائس المجالس : 126-127.
7- من المجمع

فباعهم في السنة الأولي بالدراهم والدنانير حتي لم يبق بمصر وما

حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملک(1) يوسف.

وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتي لم يبق بمصر وما حولها

حلي ولا جواهر إلا صار في ملکه (2)

وباعهم في السنة الثالثة بالدوات والمواشي حتي لم يبق بمصر وما

حولها دابة ولا ماشية إلّا صارت في ملکه.

ثم باعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتي لم يبق بمصر وما حولها

عبد ولا أمة (3) إلا صار في ملکه.

وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتي لم يبق بمصر وما حولها

دار ولا عقار إلّا صار في ملکه.

ثم باعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتي لم يبق بمصر وما

حولها نهر ولا مزرعة إلا صار في ملکه.

ثمّ باعهم في السنة السابعة برقابهم حتي لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ إلّا صار عبداً ليوسف عليه السلام، فملک أحرارهم وعبيدهم وأموالهم، وقال الناس: ما سمعنا ولا رأينا بملک أعطاه الله من الملک مثل ما أعطي يوسف. (4)

وقيل : إنّ الملک لمّا أراد توليته دعاه فتوّجه وردّاه وقلّده سيفه، وأمر بأن يوضع له سرير من ذهب، مکلّل بالدر والياقوت، ويضرب عليه کلّة

(5)

ص: 98


1- في المجمع: مملکة.
2- في المجمع: مملکته، وکذا في سائر المواضع الآتية.
3- کذا في المجمع، و في الأصل: دابّة - وهو تصحيف ..
4- مجمع البيان: 244/3 .
5- في العرائس : قبة. من

استبرق، وأمره أن يخرج متوّجاً؛ لونه کالثلج،(1) ووجهه کالقمر، يري الناظر وجهه في صفاء وجهه(2)، فانطلق فجلس علي السرير، ودانت له الملوک، فعدل بين الناس فأحبّه الرجال والنساء، وقال الناس : ما سمعنا ولا رأينا بملک أعطاه الله ما أعطي هذا الملک حکماً وعلماً (3)

ثمّ قال يوسف للملک: ما تري فيما خوّلني ربّي من ملک مصر وأهلها أشر عليَّ برأيک فإنّي لم أصلحهم لأفسدهم، ولم نجهم من البلاء لأکون بلاء عليهم، ولکنّ الله تعالي أنجاهم علي يدي.

قال له الملک: الرأي رأيک.

قال يوسف : إنّي أُشهد الله وأشهدک أيّها الملک أنّي قد أعتقت أهل مصر کلّهم، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم، ورددت عليک أيّها الملک خاتمک وسريرک و تاجک علي أن لا تسير وأن لا تستولي ولا تحکم إلا بحکمي

قال له الملک: إنّ ذلک زيني وفخري أن لا أسير إلّا بسيرتک، ولا أحکم إلّا بحکمک، ولولاک لما قويت عليه، ولقد جعلت سلطاني عزيزاً ما يرام، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنک رسول الله، فأقم علي ما ولّيتک إنک لدينا مکين أمين (4) وکان يوسف لا يمتليء شبعاً من الطعام في الأيّام المجدبة ؛ فقيل له: أتجوع وفي يدک خزائن الأرض ؟

ص: 99


1- کذا في المجمع والعرائس، وفي الأصل، کالبلج. وقيل : الأبلَجُ: الأبيضُ الحسنُ الواسعُ الوجه... ويقال للرجل الطَّلِق الوجهِ: أبلجُ وبَلجُ. لسان العرب: 215/2 - بلج - »
2- .في العرائس : يري فيه من بياض وجهه الناظر صفاء لونه.
3- مجمع البيان :243/3، عرائس المجالس : 128.
4- إشارة إلي الآية: 54 من سورة يوسف

قال عليه السلام : أخاف أن أشبع فأنسي الجياع.(1)

وکان قطفير العزيز هلک في تلک الأيّام (2) وافتقرت أمرأته زليخا واحتاجت حتي سألت الناس، فقالوا لها: ما يضرّک لو قعدت للعزيز - وکان يوسف يسمّي بالعزيز، وکلّ ملک کان لهم سمّوه بهذا الاسم ؟

فقالت : أستحي منه، فلم يزالوا بها حتي قعدت له، فأقبل يوسف في موکبه ،(3) فقامت إليه زليخا، فقالت : سبحان من جعل الملوک عبيدة بالمعصية، والعبيد ملوکآً بالطاعة !

فقال لها يوسف: أأنت تيک(4)؟

قالت: نعم، فأمر بها فحولت إلي منزله، وکانت هرمة، فقال لها يوسف:

ألست فعلت [بي](5)کذا وکذا ؟

قالت : يا نبيّ الله، لا تلمني فإنّي بليت ببلاء لم يبل به أحد. قال: وما هو؟

قالت : بليت بحبّک، ولم يخلق الله لک في الدنيا نظيراً، و بليت بأنّه لم تکن

في مصر امرأة أجمل منّي، و بليت بزوج عنّين.

قال يوسف : فما حاجتک ؟ قالت: اسأل الله ليردّ علئَّ شبابي، فسأل الله فردّ عليها شبابها، وتزوّجها

ص: 100


1- مجمع البيان: 244/3.
2- أي في تلک السنين الجدية.
3- کذا في المجمع والقتي، وفي الأصل: مرکبه.
4- کذا في المجمع، وفي القتي : أنت هاتيک ؟ وفي الأصل: أنت منک ؟
5- من المجمع والقني.

يوسف، ودخل بها فوجدها بکراً، ولما دخل بها قال: أو ليس هذا خيراً من ذاک ؟ وولدت له افراثيم (1)و ميشا. (2)

ثمّ انّ يعقوب وبنيه أصابهم ما أصاب الناس فجمعهم أبوهم، وقال: يا بنيّ، بلغني انّ الطعام يباع بمصر، وانّ صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه فإنّه يحسن إليکم، فتجهّزوا وساروا حتي أتوا مصر فدخلوا علي يوسف (فَعَرَفَهُم وهُم لَهُ مُنکِرُونَ) (3)وکانوا عشرة، وأمسک يعقوب بنيامين أخا يوسف لأمّه؛ قيل : کان بين أن قذفوه في الجبّ وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة، فلذلک أنکروه لأنّهم رأوه ملکاً جالساً علي السرير، عليه ثياب الملوک، ولم يخطر ببالهم أنّه يصير إلي تلک الحال، وکان يوسف ينتظر قدومهم عليه وکان اثبت له، فلمّا نظر إليهم وکلّمهم بالعبرانية، قال لهم: من أنتم ؟ وما أمرکم ؟ فإنّي أنکر شأنکم.(4)

[فلمّا جهّزهم وأعطاهم وأحسن إليهم في الکيل قال لهم: من أنتم ؟] (5)قالوا: نحن قوم من أرض الشام رعاة أصابنا الجهد، فجئنا نمتار. فقال : لعلّکم عيون جئتم تنظرون إلي عورة بلادي ؟

فقالوا : لا والله، ما نحن بجواسيس، وإنما نحن إخوة من أب واحد وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، ولو تعلم بأبينا لکرمنا عليک، فإنّه نبيّ الله، وابن أنبيائه، وإنّه لمحزون.

ص: 101


1- في المجمع: افرائيم.
2- مجمع البيان : 3/ 243، تفسير القتي:357/1.
3- سورة يوسف : 58.
4- مجمع البيان : 245/3، عرائس المجالس : 129.
5- من المجمع.

قال: وما الّذي أحزَنه، فلعل حزنه کان من قبل سفهکم وجهلکم ؟

قالوا: أيّها الملک، لسنا بسفهاء، ولا جهّال، ولا أتاه الحزن من قبلنا، ولکنّه کان له ابن أصغرنا(1) سنّاً، وإنّه خرج يوماً معنا إلي الصيد فأکله الذئب، فلم يزل بعده حزيناً باکياً

فقال لهم يوسف: کلّکم من أبٍ وأُمًّ؟ قالوا: أبونا واحد، وأمّهاتنا شتّي .

قال: فما حمل أباکم [ علي] (2)أن سرّ حکم کلّکم ؟ ألا حبس واحداً

منکم يستأنس به ؟

قالوا: قد فعل، وإنّما حبس واحداً منّا وهو أصغرنا لأنه أخو الّذي هلک

من أمّه، فأبونا يتسلّي به.

قال: فمن يعلم أنّ الّذي تقولونه حقّ؟ قالوا: أيّها الملک، إنا ببلاد لا يعرفنا أحد.

فقال يوسف: فائنوني بأخيکم الّذي من أبيکم إن کنتم صادقين فأنا

أرضي بذلک.

قالوا : إنّ أبانا يحزن علي فراقه وسنراوده عنه .

قال: فدعوا عندي رهينة حتي تأتوني بأخيکم الّذي من أبيکم، فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون ؛ وقيل : إنّ يوسف اختار شمعون لأنّه کان

ص: 102


1- في المجمع : کان له ابن کان أصغرنا
2- من المجمع.

أحسنهم رأياً فيه، فجعلوها (1)عنده. .

قيل: وکان يوسف أمر ترجماناً يعرف العبرانيّة أن يکلّمهم، وکان لا يکلّمهم بنفسه ليشبه عليهم، فإنّهم لو عرفوه لها موا في الأرض حياء من أبيهم، فکان في معرفتهم إيّاه مفسدة، (وَقَالَ لِفتيانِهِ أجعَلُوا بِضَاعَتَهُم فِي رِحَالِهِم) أي قال لعبيده وغلمانه : اجعلوا ثمن طعامهم وما کانوا جاوا به في أوعيتهم ؛ وقيل : کانت بضاعتهم النعال والادم (لَعَلَّهُم يَعرِفُونَهَا إذَا انقَلبُوا إلَي أهِلَهِم لَعَلَّهُم يَرجِعُون) (2) بعد ذلک لطلب الميرة مرّة أخري، وإنّما فعل ذلک ليعلموا أنّ يوسف ما فعل ذلک إلّا إکراماً لهم

وقيل: إنّه عليه السلام رأي لؤماً(3)، أن يأخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته

مع حاجتهم إليه، فردّه عليهم من حيث لا يعلمون تفضّلاً وکرماً.(4)

(فَلَمَّا رَجَعُوا إلَي أَبِيهِم قَالُوا يَا أبَانَا مُنعِ مِنَّا الکَیلُ) (5)؛ قيل: إنّهم لمّا رجعوا إلي يعقوب سلّموا عليه سلاماً ضعيفاً، قال لهم: يابنيّ، مالکم تسلّمون سلاماً ضعيفاً؟ ومالي لا أسمع منکم (6)صوت شمعون ؟

قالوا: يا أبانا، جئناک (7)من عند أعظم الناس ملکاً، ولم ير الناس مثله حکماً وعلماً وخشوعاً وسکينة ووقاراً ولئن کان له شبيه في الدنيا فإنّه يشبهک،

ص: 103


1- في المجمع : فخلفوه
2- سورة يوسف : 62.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: يوماً.
4- مجمع البيان : 3/ 245-246.
5- سورة يوسف : 63.
6- في المجمع: فيکم.
7- في المجمع: إنا جئناک.

ولکنّا أهل بيت خلقنا للبلاء(1)، انّه اتّهمنا وزعم أن لايصدقنا حتي ترسل معنا بنيامين برسالة منک تخبره عن (2)حزنک، وما الّذي أحزنک ؟ وعن سرعة الشيب إليک، وذهاب بصرک، وقوله: (مُنعَ مِنَّا الکَيلُ) في المستقبل وإلّا فهم کانوا قد اکتالوا، أي منع منّا في المستقبل إن لم نأته بأخينا لقوله: (فَلَاکَیلَ لَکُم عِندِي وَلاَ تَقَرَبُونِ) (3)فأرسل معنا، فإن لم ترسله معنا منعنا الکيل فأرسله معنا(فَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (4)من أن يصيبه سوء أو مکروه.

(قَالَ - يعقوب : - هَل آمَنُکُم عَلَيهِ إلاَّ کَمَا أمِنتُکُم عَلَی أَخِيِه مِن قَبلُ)، وإنّما قرعهم عليه السلام ليحثّهم علي حفظه وکِلاءتِهِ وإلّا فإنّه کان يعلم أنّهم في هذه الحال لا يفعلون ما لا يجوز، ثمّ قال: (فَاللهُ خَيرُ حَافِظاً وَهُوَ أرحَمُ الرَّاحِمِينَ)(5) يرحم ضعفي، وکبر سنّي، ويردّه عليّ

روي في الخبر أنّ الله سبحانه قال: فبعزّتي وجلالي لأردّنّهما إليک بعد أن توکّلت عليَّ، (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُم) يعني أوعية الطعام (وَجَدوا بِضَاعَتَهُم رُدَّت إلَيهِم قَالُوا يَا أبَانَا مَا نَبغِي) أي أيّ [شيء](6)نطلب بعد هذا ؟ کال لنا، وَرَدَّ علينا بضاعتنا، أرادوا أن تطيب نفس يعقوب، ويرسل معهم أخاهم، أي فلا ينبغي أن نخاف علي أخينا ممّن قد أحسن إلينا هذا الإحسان، فأرسله معنا فإنّا تحفظه، ونردّه سالماً، (وَنَزدَادُ کَيلَ بَعِيرٍ) (7)لأنّ يوسف عليه السلام کان لا

ص: 104


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: شبيه في الدنيا إنّه ليشهد له.
2- في المجمع: ليخبره من.
3- سورة يوسف : 60.
4- سورة يوسف : 63.
5- سورة يوسف : 64.
6- من المجمع.
7- سورة يوسف: 65.

يزيد الرجل يأتي من الآفاق علي وقر بعير.

فلمّا رأي يعقوب عليه السلام رده البضاعة، وتحقّق عنده إکرام الملک إيّاهم وعزم علي إرسال ابن يامين، (قَالَ لَن أُزسِلَهُ مَعَکُم حَتَّي تُؤتُونِ مَؤثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأتُنَّني بِهِ) أي لتردّنّه إليّ.

قال ابن عبّاس: حتي تحلفوا بحقّ محمد خاتم النبييّن صلّي الله عليه و آله و سيّد المرسلين ألّا تغدروا بأخيکم، ولتأتنّني به (وإلَّا أنّ يُحَاطَ بِکُم) أي تغلبوا عليه، والمعني إلّا أن يحال بينکم وبينه بيد عالية، فحلفوا له بحقّ محمد ومنزلته من ربّه.

(قَالَ - يعقوب : اللهُ عَلي مَا تَقُولُ وَکِيلُ» (1)أي شاهد حافظ، وإنّما أرسل يعقوب ابن يامين معهم لأنّه علم أنّهم لمّا کبروا ندموا علي ما [کان] (2)فرط منهم في أمر يوسف، ولم يصّروا علي ذلک، ولهذا وثق بهم، وإنّما عيّرهم

بحديث يوسف حثّاً لهم علي حفظ أخيهم.(3)

ولمّا تجهّزوا للمسير قال يعقوب: (يَا بَنِيَّ لَا تَدخُلُوا مِن بَاب وَاحِدٍ وَأذخُلُوا مِن أَبوَابٍ مُتَفَرَّقَةٍ(4)خاف عليهم العين لأنّهم کانوا ذوي جمال وهيئة وکمال وهم إخوة أولاد رجل واحد.

وقيل: خاف عليهم حسد الناس لهم، وأن يبلغ الملک قوتهم وبطشهم فيحبسهم أو يقتلهم خوفا علي ملکه، والأوّل أصحّ، لأنّه ورد في الخبر عن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنّ العين حقّ، والعين تستنزل الحالق، والحالق:

ص: 105


1- سورة يوسف : 66.
2- من المجمع.
3- مجمع البيان 3/ 247-248.
4- سورة يوسف: 67.

المکان المرتفع من الجبل وغيره، فجعل صلّي الله عليه و آله العين کأنّها تحطّ ذروة الجبل من قوّة أخذها، وشدّة بطشها.(1)

وروي أنّه صلّي الله عليه و آله کان يعوّذ الحسن والحسين عليهما السلام، فکان يقول: أُعيذکما بکلمات الله التامّة، من کلّ شيطان وهامة، ومن کلّ عين لامّة. (2)

وروي أنّ إبراهيم عليه السلام عوّذ ابنيه ، وأنّ موسي عوّذ بني هارون(3)

بهذه العوذة.

وروي أنّ بني جعفر کانوا غلماناً بيضاً فقالت أسماء بنت عميس: يا

رسول الله ، إنّ العين إليهم سريعة أفأسترقي لهم من العين ؟

فقال صلّي الله عليه و آله : نعم.(4)

وروي أنّ جبرئيل رقي رسول الله صلّي الله عليه و آله وعلّمه هذه الرقية:

بسم الله أرقيک، من عين کلّ حاسد، الله يشفيک. (5)

ص: 106


1- أخرجه في البحار:17/63 ح 5 عن زبدة البيان (انظر حاشية مصباح الکفعمي: 220).
2- أخرجه في البحار: 18/63 ح 7 عن دعائم الاسلام: 2/ 139 ح 488.وفي ج196/94 ح ، عن مجموعة الشهيد و دعوات الراوندي : 85 ح 217.
3- في المجمع: ابني.
4- أورده في مجمع البيان: 341/5 .وأخرجه في البحار : 26/63 ح 30، وج 132/95 ح 10 عن جامع الأخبار: 443.
5- أخرجه في البحار : 18 / 268 ح 31، وج30/95ح 14 عن أمالي الطوسي : 2/252. وقد روي في الأمالي بهذا اللفظ : بسم الله أرقيک من کل شيء يؤذيک، من شرّ کلّ نفس أو عين حاسد، والله يشفيک، بسم الله أرقيک.

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله [أنّه قال](1) : لو کان شيء يسبق القدر لسبقته العين.(2)

(وَلَمَّا دَخَلُوا - مصر - مِن حَيثُ أمَرَهُم أبُوهُم)(3) أي من أبواب متفرّقة؛

قيل: کان لمصر أربعة أبواب فدخلوا من أبوابها الأربعة متفرّقين(4)

ثمّ دخلوا علي يوسف مجتمعين وقالوا: هذا أخونا قد جئنا به کما أمرتنا، فقال: أحسنتم ، ثمّ أنزلهم وأکرمهم، ثم صنع لهم ضيافة وقال : ليجلس کلّ ابني أم علي مائدة، فجلسوا فبقي ابني(5) يامين قائماً. فقال له يوسف: مالک الاتجلس ؟

قال: أيّها الملک [إنک قلت: ](6) ليجلس کلّ ابني أمّ علي مائدة وليس لي

فيهم ابن أمّ.

فقال له يوسف: فما کان لک ابن أمّ. قال : بلي. قال : فما فعل؟ قال: زعم هؤلاء أنّ الذئب أکله. قال: فما بلغ من حزنک عليه؟

ص: 107


1- من المجمع.
2- أخرجه في البحار: 26/63 ح 27، وج 95 / 131 ح 9 عن مکارم الأخلاق : 414، إلّا أنّ فيهم : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام.
3- سورة يوسف : 68.
4- مجمع البيان :249/3 ، عنه البحار:6/63 -7.
5- في المجمع : بني . وکذا في الموضع الآتي .
6- من المجمع.

قال: ولد لي أحد عشر ابنا کلّهم اشتقت له اسماً من اسمه.| قال يوسف: أراک شممت النساء وعانقتهنّ، وشممت الولد من بعده؟

قال: إنّ لي أباً صالحاً وقد قال لي : تزوّج لعلّ الله يخرج منک ذرّيّة تثقل

الأرض بالتسبيح.

فقال له يوسف : تعال فاجلس معي علي مائدتي.

فقال إخوة يوسف : لقد فضّل الله يوسف وأخاه حتي أجلسة الملک علي

مائدته.

فلمّا نهضوا بعد أن أکلوا قال: دعوا أخاکم يبيت عندي، فبات عند يوسف،

فقال له يوسف: أتحبّ أن أکون أخاک بدل أخيک الهالک ؟

فقال: من يجد - أيّها الملک -أخاً مثلک، لکن لم يلدک يعقوب ولا راحيل، فبکي يوسف، وقام إليه واعتنقه، وقال له : أنا أخوک يوسف، فلا تحزن علي ما صنعوا بنا فيما مضي، فإن الله قد أحسن إلينا، وجمعنا علي خيرٍ، ولا تعلمهم بذلک، وأنا لا أُفارقک.

فقال: يا أخي، تعلم اغتمام والدي بي. فقال: لا سبيل إلي ذلک إلّا أنّ السبيل إلي ما لا يحمل.

t

قال: لا أبالي .

قال: افعل ما بدا لک.

فقال: فإني أُدسّ صاعي في رحلک، ثمّ أنادي عليک بأنّک سرقته ليتهيّأ لي

ردّک بعد تسريحک معهم.

قال: افعل.

ص: 108

بجليلي

قال: وکانت الصاع أوّل مشربة للملک مصوغة من فضّة مموّهة بالذهب؛

وقيل: کانت من ذهبٍ مرصّعة بالجواهر، ثم لمّا وقع القحط جعلت مکيالاً يکال بها الطعام، ثمّ انطلقوا راجعين إلي أبيهم ومعهم أخوهم ابن يامين، فلمّا فصلوا عن مصر أرسل يوسف في أعقابهم رجاله، فنادوا فيهم:( أَيَّتُهَا العِيرُ إنّکُم لَسَا رقُونَ )(1)؛ قيل : إنّ يوسف أمر المنادي أن ينادي إنکم لسارقون ولن ترد سرقة الصاع، وإنّما عني به إنّکم سرقتم يوسف من أبيه، وألقيتموه في الجبّ.

وأقبلوا أصحاب العير علي أصحاب يوسف قائلين لهم: (مَاذَا تَفقِدُونَ قَالوا نَفقِدُ صُوَاعَ المَلِکِ -أي: صاعه ومشربته (2) وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِملُ بَعِيرٍ)(3)فأجابهم إخوة يوسف: (تَاللهِ لَقَد عَلمِتُم مَا جِئنَا لِنُفسِدَ فِي الأَرضِ وَمَا کُنَّا سَارِقِينَ) (4)فإنّکم اطّلعتم علي حسن سيرتنا مرّة بعد أخري، فقد علمتم أنّ السرقة ليست من شأننا؛ وقيل: إنّما قالوا ذلک لأنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم مخافة أن تکون وضعت بغير إذن الملک لأنّ من ردّما وجد لا يکون سارقاً؛ وقيل: إنّهم لمّا دخلوا مصر في أوّل مرّة رأوهم قد شدّوا أفواه دو ابّهم کي لا تتناول الحرث والزرع.

فردّوا العير بأجمعها إلي مصر، فلمّا حضروا عند يوسف قيل لهم: إنکم

السارقون.

قالوا: معاذ الله أن نکون سارقين

ص: 109


1- سورة يوسف: 70.
2- في المجمع: وسقايته
3- سورة يوسف: 71 و 72.
4- سورة يوسف: 73.

فقال لهم الّذين ناداهم: فما جزاء السارق عندکم (إن کُنتُم کَاذِبيِن)(1)

في قولکم : إنّا لم نسرق ؟

(قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحِلِه فَهُوَ جَزَاؤُهُ) (2)أي يسترقّ

وقيل: إنّ السّنة کانت في بني إسرائيل أنّ السارق يسترقّ بسرقته، وفي دين الملک الضرب والضمان، فلهذا قال لهم يوسف: ما جزاء السارق عندکم ؟

قالوا : يسترّق بسرقته، (فَبَدأَ بِأَوعِيَتهِم قَبلَ وِعَاءِ أَخِيهِ - لإزالة التهمة - ثُمَّ أستَخرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ) (3)، وإنّما بدأ بأوعيتهم لأنّه لو بدأ بوعاء أخيه العلموا أنّه هو الّذي وضعها فيه، فأقبلوا علي بنيامين، وقالوا له: فضحتنا و سوّدت وجوهنا، متي أخذت هذا الصاع ؟

فقال: وضع هذا الصاع في رحلي الّذي وضع الدراهم في رحالکم. (4)

فأقبلوا إخوة يوسف علي يوسف قائلين :(إن يَسرِق - بنيامين - فَقَد

سَرَقَ أخُ لَهُ مِن قَبلُ) فليست سرقته بأمر بديع فإنّه اقتدي بأخيه يوسف واختلف في السرقة الّتي أنبؤا بها يوسف ؛ فقيل: کانت منطقة إسحاق عليه السلام، وکانت عند عمّة يوسف، وکانت أکبر ولد إسحاق، وکانوا يتوارثونها بالکبر، وکانت تحضن يوسف و تربيّه بعد وفاة أمّه، و تحبّه حبّاً شديداً، فلمّا ترعرع أراد يعقوب أن يستردّه منها، فاحتالت وجاءت بالمنطقة وشّدتها علي وسط يوسف وادّعت أنّه سرقها، وکان من ستتهم استرقاق السارق، فحبسته بذلک السبب عندها.

ص: 110


1- سورة يوسف: 74.
2- سورة يوسف: 75.
3- سورة يوسف: 76.
4- مجمع البيان : 3/ 251 - 253، عرائس المجالس: 131 - 132.

قال: فأخفي يوسف تلک الکلمة الّتي قالوها (وَلَم يبدِهَا لَهُم )، بل (قَالَ أنتُم شَرُّ مَکَاناً) في السرق لأنکم سرقتم أخاکم من أبيکم (وَاللهُ أَعلَمُ بِمَا

تَصِفُونَ) (1)

والظاهر أنّه أسرّ هذا المقال في نفسه ، ثمّ جهر بقوله : (وَاللهُ أعلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) فأقبلوا بالخضوع علي يوسف والاستعطاف قائلين: (یَا أيُّهَا العَزِيزُ إنَّ لَه أَ باً شَيخاًکبِيراً فَخُذ أَحَدَنَا مَکَانَهُ)، إنّما قالوا هذا لما علموا أنّه استحقّه فسألوه أن يأخذ عنه بدلاً شفقة علي والدهم، ورقّقوا (2)في القول علي سبيل الاسترحام ومعناه کبيراً في السنّ؛ وقيل : کبيراً في القدر، فلا ينبغي أن يسترقّ ولده (إنَّا تَرَاکَ مِنَ المُحسِنينَ) .(3)

فأجابهم يوسف: (مَعَاذَ اللهِ أن نَأخُذَ إلَّا مَن وَجَدنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ)(4) أي نأخذ البريء بجرم السقيم، ولم يقل: «من سرق» تحرّزاً من الکذب، فلمّا استيأسوا من يوسف أن يجيبهم إلي ما سألوه انفردوا عن الناس من غير أن يکون معهم من ليس منهم يتناجون فيما يفعلون في ذهابهم لأبيهم بغير أخيهم وهل يرجعون أو يقيمون.

قال کبيرهم وهو روبيل، وکان أسنّهم، وکان ابن خالة يوسف، وهو الّذي نهي إخوته عن قتله: (أَلَم تَعلَمُوا أنَّ أبَاکُم قَد أَخَذَ عَلَيَکُم مَوثِقاً مِنَ اللهِ) فذکّرهم بذلک (فَلَن أبرَحَ الأرضَ) أي لا أزال بهذه الأرض، ولا أزول عنها

ص: 111


1- سورة يوسف : 77.
2- کذا في المجمع ، وفي الأصل : فرقعوا .
3- سورة يوسف : 78.
4- سورة يوسف: 79.

(حَتَّی يَاذَنَ لِي اَبِي)(1) في البراح والرجوع أو الموت فيکون ذلک عذراً إليّ

عند أبي. (2)

(اُرجِعوا إلَي أَبِيکُم فَقُولُوا يَا أبَانَا إنَّ أبنَکَ سَرَقَ وَمَا شَهِدنَا إلَّا بِمَا عَلِمنَا) به؛ وقيل: وما شهدنا انّ السارق يسترقّ إلّا بما علمنا أنّ الحکم ذلک، ولم نعلم أنّ ابنک سرق [أم لا] (3)؟ وإنّما قالوا ذلک إلا لما قال لهم يعقوب عليه السلام : وما يدري الملک انّ السارق يؤخذ بسرقته [ويسترقّ](4)، وإنّما علم ذلک بقولکم.

فقالوا:اشهدنا إلّا بما علمنا (وَمَا کُنَّا لِلغَيبِ حَافِظِينَ)(5)، أي لانعلم أسرق أم کذبوا عليه ؟ وإنّما نعلم منه ما کان يحدث في حضورنا معه، فإذا غاب الانعلم ما يصنع (6)(واسأًلِ القَريَة) أي أهل القرية، واسأل أهل العير، معناه: وسل من شئت من أهل مصر عن هذا الأمر، فإنّ هذا أمر شائع فيهم يخبرک به من سألته، وکان معهم جماعة من أهل مصر صاروا إلي الناحية الّتي کان فيها يعقوب، واسأل العير (الَّتي أقَبَلنَا فِيهَا) (7) أي القافلة الّتي أقبلنا فيها، وکانت القافلة من أرض کنعان، وکانوا يمتارون في مصر، وإنّما قالوا ذلک لأنّهم کانوا متّهمين عند يعقوب، فقال لهم يعقوب: ما عندي ان الأمر کما تقولونه، (بَل

سَوَّلَت لَکُم أَنفُسُکُم أَمراً فَصَبر جَمِيلُ) أي سأصبر صبراً جميلاً (عَسَي اللهُ أن يأتِيَنِي بِهِم جَميعاً) أي بيوسف وابن يامين وروبيل أو شمعون [ أو لاوي أو

ص: 112


1- سورة يوسف:80.
2- مجمع البيان : 2/254 - 255.
3- من المجمع.
4- من المجمع.
5- سورة يوسف: 81.
6- يعنون انه سرق ليلاً وهم نيام، والغيب هو الليل
7- سورة يوسف: 82.

يهوذا] (1)(إنَّهُ هوَ العَلِيمُ الحَکِيمُ) (2)، (وَتَوَلَّي - يعقوب - عَنهُم) لشدّة الحزن لما بلغه خبر (حبس)(3) ابن يامين، وهاج ذلک وجده بيوسف لأنّه کان يتسلّي به، (وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَي يُوسفَ» أي واطول حزني علي يوسف.

عن سعيد بن جبير [أنّه قال ]:(4) لقد أُعطيت هذه الأمّة عند المصيبة مالم يعط الأنبياء قبلهم إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولو أعطيها الأنبياء لأُعطيها يعقوب،

(وَأبيَضَّت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ) والبکاء.

وسئل الصادق عليه السلام : ما بلغ من حزن يعقوب علي يوسف(5) ؟

قال: حزن سبعين حري ثکلي ؛ وقيل: إنّه عمي ستّ سنين،(فَهُوَ کَظِيمُ)(6) وهو المملوء من الهمّ والحزن، الممسک للغيض لا يشکوه إلي أهل زمانه، ولا يظهره بلسانه، ولذلک لقّب موسي بن جعفر عليهما السلام بالکاظم لکثره ما کان يتجرّعُ من الغيظ والغمّ طول أيّام خلافته لأبيه في ذات الله تعالي.

(قَالُوأ - أي قال إخوة يوسف لأبيهم: - تَاللهِ تَفتَؤُا تَذکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً) (7)أي هالکاً دنفاً، فاسد العقل، قريباً من الموت ؛ وقيل : إنّهم قالوا ذلک تبرّماً ببکائه إذ تنغّص عيشهم (8)بذلک (قَالَ - يعقوب في جوابهم : إنَّمَا أَشکُوا بَثَّي وَحُزنِي إلَي اللهِ).

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله أنّ جبرئيل أتي يعقوب فقال: يا

ص: 113


1- من المجمع
2- سورة يوسف : 83.
3- من المجمع
4- من المجمع
5- کذا في المجمع ، وفي الأصل : ما يبلغ حزن يعقوب .
6- سورة يوسف: 84
7- سورة يوسف : 85.
8- کذا في المجمع، وفي الأصل : عليهم - وهو تصحيف ..

يعقوب، إنّ الله يقرئک السلام ويقول: أبشر وليفرح قلبک، فوعزّتي وجلالي لو کانا میّتين (1)لنشر تهما لک اصنع طعاماً للمساکين فإنّ أحبّ عبادي إليّ المساکين، أتدري لم أذهبتُ بصرک، وقوِّستُ ظهرک ؟ لأنّکم ذبحتم شاة، وأتاکم فلان المسکين وهو صائم فلم تطعموه شيئاً، فکان يعقوب بعد ذلک إذا أراد الغذاء أمر منادياً ينادي: ألا من أراد الغذاء من المساکين فليتغذّ مع يعقوب ،

(وَأَعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا َتعلَمُونَ) (2)أي وأعلم صدق رؤيا يوسف، وأعلم أنّه حيّ،

وأنّکم ستجدونه.(3)

وفي کتاب النبوّة : بالاسناد عن سدير الصيرفي، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: إنّ يعقوب دعا الله سبحانه أن يهبط عليه ملک الموت، فأجابه فقال: ما حاجتک ؟

فقال: أخبرني هل مرّ بک روح يوسف في الأرواح ؟

قال: لا، فعلم أنّه حيّ ؛ وقيل : إنّهم لمّا أخبروه بسيرة الملک قال: لعلّه يوسف، فلذلک قال: (يَا بَنِيَّ أذهَبُوا فَتَحسَّسُوامِن یُوسُفَ وَ أَخيهِ) أي استخبروا من شأنهما، واطلبوا خبر هما، وانظروا ملک مصر ما اسمه ؟ وعلي أيّ دين هو ؟ فإنّه قد أُلقي في روعي أنّ الّذي حبس ابن يامين هو يوسف، وإنّه إنّما طلبه منکم، وجعل الصاع في رحله احتيالاً في حبس أخيه عند نفسه، (وَلاَ تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ إنَّه لَا يَناَسُ مِن رَوحِ اللهِ إلَّا القَومُ الکَافِرُونَ) (4)

قال ابن عبّاس: يريد ان المؤمن من الله علي خيرٍ يرجوه في الشدائد

ص: 114


1- في «ح»: أي يوسف وأخوه بنيامين.
2- سورة يوسف :86.
3- في المجمع: ستسجدون له کما اقتضاه رؤياه.
4- سورة يوسف: 87.

والبلاء، ويشکره ويحمده في الرخاء، والکافر ليس کذلک.

سؤال : کيف خفي أخبار يوسف علي يعقوب في المدّة الطويلة مع قرب(1)

المسافة ؟ وکيف لم يعلمه بخبره لتسکن نفسه ويزول وجده ؟

الجواب : قال السيّد المرتضي رضي الله عنه : يجوز أن يکون ذلک ممکناً،

و [کان](2)عليه قادراً، لکن الله سبحانه أوحي إليه أن يعدل عن اطلّاعه علی خبره تشديداًللمحنة عليه، ولله سبحانه أن يشدّد (3) التکلّف وأن يسهّله.(4)

ولمّا قال يعقوب لبنيه: (اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأَخِیِه)خرجوا

قاصدين مصر.(5)

وروي في کتاب النبوّة : بالاسناد عن الحسن بن محبوب، عن أبي إسماعيل الفرّاء، عن طربال، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبرٍ طويلٍ أنّ يعقوب کتب إلي يوسف:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلي عزيز مصر، ومظهر العدل، وموفي الکيل.

من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الّذي

جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه برداً وسلاماً وأنجاه منها.

أخبرک أيّها العزيز، إنّا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعاً من الله ليبلونا

ص: 115


1- کذا في المجمع ، وفي الأصل : مدّة
2- من المجمع.
3- في المجمع: يصعّب.
4- مجمع البيان: 257/3 - 258.
5- مجمع البيان : 3/ 260.

عند السرّاء والضرّاء، وان مصائباً تتابعت علي منذ عشرين سنة ؛ أوّلها أنّه کان لي ابن سميته يوسف، وکان سروري من بين ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي، وانّ إخوته من غير أمّه سألوني أن أرسله معهم يرتع ويلعب، فبعثته معهم بکرة فجاؤني عشاء يبکون، وجاءوا علي قميصه بدم کذب، وزعموا أنّ الذئب أکله، فاشتدّ لفقده حزني، وکثر علي فراقه بکائي حتي ابيضّت عيناي من الحزن، وکان له أخ وکنت به معجباً وکان لي أنيساً، وکنت إذا ذکرت يوسف ضممته إلي صدري فسکن بعض مابي وما أجد في صدري، وأنّ إخوته ذکروا الي (1) آنک سألتهم عنه وأمرتهم أنّ يأتوک به، فإن لم يأتوک به منعتهم الميرة، فبعثته معهم ليمتاروا [لنا] (2) قمحاًفرجعوا إليّ وليس هو معهم، وذکروا أنّه سرق مکيال الملک، ونحن أهل بيت لا نسرق، وقد حبسته عنّي وفجعتني به، [وقد اشتدّ الفراقه حزني حتي تقوس لذلک ظهري و عظمت] (3)به مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ، فمّن عليّ بتخليت سبيله وإطلاقه من حبسک، وطيّب لنا القمح، وعجّل سراح آل إبراهيم.

قال : فمضوا بکتابه حتي دخلوا علي يوسف في دار الملک وقالوا:

(يَا أَيُّهَا العَزِيزُ مَسَّنَا وَأهلَنَا الضّرُّ) (4)فتصدّق علينا بأخينا ابن يامين،

وهذا کتاب أبينا يعقوب أتينا به إليک يسألک تخلية سبيله، فمّن به علينا، وأخذ يوسف کتاب يعقوب، وقبّله ووضعه علي عينيه، وبکي وانتحب حتي بل دمعه القميص الذي عليه، ثم أقبل عليهم و (قَالَ هَل عَلِمتُم مَا فَعَلتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) من إذلاله وإبعاده عن أبيه، وإلقائه في الجب، والاجتماع علي قتله وبيعه بثمن وکس، وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف والتفريق بينهما حتي صار وحيداً

ص: 116


1- من المجمع.
2- من المجمع.
3- من المجمع.
4- سورة يوسف: 88.

ذليلاً[فيما] (1)بينکم لايکلّمکم إلّا کما يکلّم الذليل العزيز؟

وإنّما لم يذکر أباه يعقوب تعظيماً له، ورفعآً من قدره، وانّ ذلک کان بلاء له ليزداد به علوّ الدرجة عند الله تعالي، (إذ أَنتُم جَاهِلُونَ)(2) وکان هذا تلقيناً لهم بما يعتذرون به، وهذا هو الغاية في الکرم إذ صفح عنهم ولقّنهم وجه العذر(3) (قَالُوا أإنَّکَ لاَنتَ یُوسُف) ؟ قيل: إنّ يوسف لمّا قال لهم : (هَل عَلِمتُم مَا فَعَلتُم بِيُوسُفَ)، رفع التاج عن رأسه وتبسّم إليهم، فلمّا أبصروا ثناياه کانّها اللؤلؤ المنظوم شبّهوه بيوسف وَ (قَالُوا أإنّکَ لاَنتَ یُوسُفَ) فقال: (أَنَا یُوسُفُ) المَظلوم المستحلّ منه المحرم، (وَهَذَا أَخِي) المَظلوم کظلمي (قَد مَنَّ اللهُ عَلَينَا) (4) بالاجتماع بعد طول الفرقة : (قَالُوا تَاللهِ لَقَد آثَرَکَ اللهُ علَينَا وَإِن کُنَّا لَخَاطئين) (5) أي اختارک بالحلم والعلم والملک(6) والحسن. (7)

قيل: إنّه عليه السلام لما عرفهم نفسه سألهم عن أبيه، فقال: ما فعل أبي

بعدي ؟

قالوا: ذهبت عيناه.

فقال: (اذهَبُوا بِقَيصِي هذَا)واطرحوه علي وجه أبي يعد مبصراً(8)

ص: 117


1- من المجمع،
2- سورة يوسف: 89.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: وکفتهم العذر.
4- سورة يوسف: 90.
5- سورة يوسف: 91.
6- في المجمع: والعقل.
7- مجمع البيان: 262/3 وبدون أن ينسب کتاب يعقوب إلي يوسف إلي کتاب النبوّة . کماهو أعلاه ..
8- کذا في المجمع، و في الأصل: منظراً.

(وَأتُونِي بِأَهِلِکُم أَجمَعيَن)(1)

وروي أنّ يوسف عليه السلام قال : إنّما يذهب بقميصي من ذهب به أوّلاً فقال يهوذا: أنا ذهبت به وهو متلطّخ بالدم، وأخبرته انّه أکله الذئب.

قال: فاذهب بهذا أيضاً واخبره أنّه حيّ، وافرحه کما أحزنته، فحمل القميص وخرج حافياً حاسراً حتی أتي يعقوب وکان معه سبعة أرغفة، وکانت مسافة ما بينهما ثمانين فرسخاً، فلم يستوف الأرغفة في الطريق وقد ذکرنا من (2)قبل شأن القميص، وإنّما أرسل القميص بأمر من جبرئيل عليه السلام قال له : أرسل إليه قميصک فإنّ فيه ريح الجنة لا يقع علي مبتلي ولا سقيم إلا صحّ وعوفي.

ثمّ انّ يوسف عليه السلام أمر لهم بمائتي راحلة وما يحتاج إليه من آلات السفر، فلمّا قربوا من يعقوب قال لأولاد أولاده الذين کانوا عنده : (وإنَّي لأَجِدُ رِيحَ یُوسُفَ).

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وجد يعقوب ريح قميص يوسف (3)عليه السلام حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين من مسيرة عشر ليال.

قال ابن عبّاس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف إلي يعقوب. (4)وروي أنّ ريح الصبا استأذنت الله ربّها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف

ص: 118


1- سورة يوسف : 93.
2- من المجمع.
3- کذا في المجمع، و في الأصل: إبراهيم .
4- مجمع البيان : 261/3 .

قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها، فأتته بها، ولذلک يستروح کلّ محزون بريح الصبا، وقد أکثر الشعراء من ذکرها، فمن ذلک قولهم: فَإنَّ الصَّبَا ريحُ إذا مَاتَنَسَّمَت عَلَی نَفَسِ مَهمُومٍ تَجلَّت هُمُومُها

وقول أبي الصخر(1) الهذلي : إذَا قُلتُ هذَا حِينَ أسلُو يُهيجَنِي نَسِيمُ الصَّبَا مِن حَيثُ يَطَّلِعُ الفَجرُ

(لَولاً أَن تُفَنَّدُونِ) (2) أي: تقولون إنّه شيخ قد هرم وخرف، وذهب عقله، (َقَالُوا تَاللهِ إنَّک لَفِي ضَلَالِکَ القَدِيم) (3) عن الصواب في حبّ يوسف عليه السلام فإنّه کان عندهم أنّ يوسف قد مات منذ سنين، ولم يريدوا الضلال عن الدين.

(فَلَمَّا أَن جَاءَ البَسِيرُ) وهو يهوذا (ألقَاهُ عَلَی وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصِيراً) . قال الضحّاک : عاد إليه بصره بعد العمي ، وقوّته بعد الضعف ، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن . فقال للبشير (4): ما أدري ما أثيبک [به] (5)هوّن الله عليک سکرات الموت.

ولمّا قدموا أولاده عليه (قَالُوا يَا أَبانَا آستَغفِرز لَنَا ذُنُوبَنَا إنَّاکُنَّا

خَاطِئِينَ)(6)

فقال لهم: (سَوفَ أُستَغفِرُ لَکُم رَبَّي إنَّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (7)؛ قيل: إنّه لم

معا

ص: 119


1- کذا في المجمع ، وفي الأصل : منجب
2- سورة يوسف: 94.
3- سورة يوسف: 95.
4- سورة يوسف: 99.
5- من المجمع.
6- سورة يوسف : 97.
7- سورة يوسف : 98.

يستغفر لهم في الحال، لأنّه أخرّهم إلي سحر ليلة الجمعة، روي ذلک عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه کان يستغفر لهم کلّ ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة حتي نزل قبول توبتهم.

وروي أنّ جبرئيل عليه السلام علّم يعقوب هذا الدعاء: يارجاء المؤمنين لاتخيّب رجائي، وياغوث المؤمنين أغثني، وياعون المؤمنين أعنّي، وياحبيب التوّابين تب علي، فاستجب لهم.(1)- (2)

وفي حديث ابن محبوب، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ يعقوب قال الولده: تحملوا من ساعتکم إلي يوسف في يومکم هذا بأهليکم (3) أجمعين، فساروا من فورهم ويعقوب معهم وخالة يوسف [أمّ] (4)يامين فحثّوا السير فرحاً وسروراً تسعة أيّام إلي مصر.

فلمّا دنا يعقوب من مصر تلقّاه يوسف في الجند وأهل مصر. فقال يعقوب: پايهوذا ، هذا فرعون مصر ؟ قال: لا، هذا ابنک يوسف، ثمّ تلاقيا علي يوم من مصر، فلمّا دنا کلّ واحد من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام عليک يا مُذهب الأحزان.

ثمّ انّ يوسف اعتنق أباه و بکي، (وَقَالَ) لهم قبل دخول مصر: (آدخُلَوا مِصرَ إن شَاءَ الله آمِنيِنَ) (5)، وإنّما قال: (آمِنيِنَ )لأنّهم کانوا يخافون ملوک مصر، ولا يدخلونها إلّا بجوازهم ؛ قيل: دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنساناً،

ص: 120


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: له.
2- مجمع البيان: 263/3 .
3- في المجمع: تحملوا إلي يوسف من يومکم هذا بأهلکم.
4- من المجمع.
5- سورة يوسف : 99.

وخرجوا مع موسي و هم ستّمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلاً، (وَرفَعَ أَبَويهِ عَلَی العَرشِ) علي سرير ملکه إعظاماً لهما.

ثمّ دخل منزله واکتحل وادهن، ولبس ثياب العزّ والملک، فلمّا رأوه سجدوا له جميعاً إعظاماً له، وشکراً لله، ولم يکن يوسف في تلک المدة يدّهن، ولا يکتحل، ولا يتطيّب، حتي جمع الله بينه وبين أبيه وإخوته.

فلمّا رأوه (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) وکانت تحية الناس - في ذلک الزمان - بعضهم لبعضٍ يومئذ السجود، والانحناء، والتکفير، ولم يکونوا نهوا عن السجود الغير الله في شريعتهم، وأعطي الله تعالي هذه الأمّة السلام، وهو تحيّة أهل الجنّة.

(وَقَالَ) يوسف:(يَا أَبَتِ هَذَا تَأوِيلُ رُؤيَايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَهَا رَبَّي

حَقّاً) (1)في اليقظة.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : کان بين الرؤية و تأويلها

أربعون سنة.

وولد ليوسف من امرأة العزيز زليخا: أفرائيم(2) وميشا، ورحمة امرأة

ايوب، وکان بين يوسف وموسي عليهما السلام أربعمائة سنة.

وفي کتاب التبوة بالاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال يعقوب

اليوسف: حدّثني کيف صنع بک إخوتک ؟

قال: يا أبه دعني. قال: أقسمت عليک إلّا ما أخبرتني .

ص: 121


1- سورة يوسف: 100.
2- في المجمع: أفرايم.

فقال: أخذوني وأقعدوني علي رأس الجب، ثمّ قالوا: انزع قميصک، فقلت لهم: إنّي أسألکم بوجه يعقوب ألاّ تنزعوا قميصي عنّي، ولاتبدوا عورتي، فرفع فلان السکّين عليّ، فصاح يعقوب و خر مغشيّاً عليه، ثم أفاق، فقال: يا بنيّ، کيف صنعوا بک ؟

فقال يوسف: إنّي أسألک بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلّا أعفيتني،

قال: فترکه.

وروي أنّ يوسف قال ليعقوب عليهما السلام : يا أبة، لا تسألني عن صنع

إخوتي، واسأل عن صنع الله بي.

قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أن يعقوب عاش مائة وسبعاً (1)وأربعين سنة،

ودخل علي يوسف في مصر وهو ابن مائة سنة وثلاثين سنة، وکان عند يوسف في مصر سبع عشرة سنة، ثمّ توفّي صلوات الله عليه فنقل إلي الشام في تابوت من ساج، ووافق ذلک اليوم يوم مات عيصو، وکان يعقوب وعيصو ولدا في بطن واحد ودفنا في قبر واحد.

وکان يوسف عليه السلام قد مضي مع تابوت أبيه إلي بيت المقدس،

ولمادفنه رجع إلي مصر، وکان دفنه في بيت المقدس عن وصيّة منه إليه أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام، وعاش عليه السلام بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، ثمّ مات، وکان أوّل رسول في بني إسرائيل، وأوصي أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام.(2)

وعن أبي خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل يوسف السجن

ص: 122


1- کذا في المجمع - وهو الصحيح -، وفي الأصل: سنة.
2- مجمع البيان: 3/ 264 - 266.

وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ومکث فيه ثمانية عشرة سنة، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة، فذلک مائة سنة و عشر سنين.

قالوا: ولمّا جمع الله سبحانه شمله، وأقر عينه، وأتم له رؤياه، ووسع عليه في ملک الدنيا علم أنّ ذلک لا يبقي ولا يدوم، فطلب من الله سبحانه نعيماً لا يفني، و تاقت نفسه إلي الجنّة، فتمنّي الموت ودعا به، ولم يتمنّ ذلک نبي قبله ولا بعده، فقال:( رَبَّ قَد ءَاتَيتَنِي مِنَ المُلکِ وَعَلَّمتَنِي مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالأرضِ أنتَ وَليّي فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِماً وَألحِقنّي بِالصَّالِحينَ) (1) فتوفّاه الله تعالي بمصر وهو نبيّ، ودفن في النيل في صندوق من رخام، وذلک أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه، کلّ يحبّ أن يدفن في محلّته، لما

کانوا يرجون من برکاته، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه، ثم يصل (2)إلي جميع مصر، فيکون کلّهم شرکاء في برکته شرعاً، فکان قبره في النيل إلي أن حمله موسي عليه السلام لما خرج من مصر، ودفنه عند آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.(3)

وإنّما أوردت هذه القصة بتمامها ليکون ذلک تسلية للمؤمن التقّي وردّ علي الجاحد الشقيّ، فإنّ الله سبحانه يبتلي عباده الصالحين بأعدائه الطالحين، ليکون الجزاء علي قدر البلاء، والثواب علي قدر المشقّة، لأنّه سبحانه هو المدّبر الحکيم العليم بمصالح عباده في معاشهم ومعادهم ، فتارة يکون البلاء في النفس والولد - کما مر في قصّة يعقوب ويوسف - وتارة يکون في ضنک العيش والفقر کما ذکر سيّدنا أمير المؤمنين عليه

ص: 123


1- سورة يوسف : 101.
2- کذا في المجمع، وفي الأصل: رحل.
3- مجمع البيان : 266/3 ، عرائس المجالس: 142.

في إبتلاء موسي وهارون عليهما السلام

السلام عن موسي عليه السلام في قوله: (رَبَّ إنَّي لمَا أنزَلتَ إلَيَّ مِن خَير فَقِيرُ) (1)قال : والله ما سأله إلّا خبزاً يأکله، لأنّه (2)کان يأکسل بقلةَ الأرض، ولقد کانت خضرة البقلِ نُري من شفيف صِفاق بطنه(3)، لهزاله ، وتشذّب لحمه (4)- (5)

ولقد دخل هو وأخوه هارون عليهما السلام علي فرعون، وعليهما مدارعُ الصوف ، وبأيديهما العصيُّ، فشرطا له - إن أسلم - بقاء ملکه، ودوامَ عزه

فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوامَ العزّ، وبقاءَ الملک، وهما

علي ما ترونَ من حال الفقر والذلّ، فهلّا أُلقيَ عليهما أساورة من ذهب ؟ إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولُبسه! ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث [بعثهم](6) أن يفتح لهم کنوز الذَّهبان، ومعادن العِقيان، ومغارسَ الجِنان، وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعل، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء(7). کما ذکرنا أوّلاً (8)

کما حکي عن بعضهم انّه کان إذا أقبلت عليه الدنيا يقول: هذا ذنب

ص: 124


1- سورة القصص : 24.
2- کذا في النهج والمجمع، وفي الأصل: ولقد
3- کذا في النهج والمجمع، وفي الأصل : من صفاق سفاف بطنه. وشفيف : رقيق، يستشفّ ما وراءه. والصفاق: الجلد الباطن الّذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.
4- أي ّتفرّقه.
5- نهج البلاغة:226 خطبة رقم 160، مجمع البيان : 248/4.
6- من النهج.
7- نهج البلاغة: 291 خطبة رقم 192 «الخطبة القاصعة».
8- في ص 40، وذکرنا تخريجات أخري.

عجّلت عقوبته ، وإذا افتقر أو أصابته خصاصة قال : مرحباً بشعار الصالحين (1)- (2)

فکذلک الأنبياء والأولياء يسرّهم ما ينزل بهم من البلاء، ويفرحون بما امتحنوا به من الابتلاء، راحة أرواحهم فيما فيه رضي خالقهم، ولذّة أنفسهم فيما يمتحنهم الله به في أموالهم وأجسادهم، وما يختاره من فيض ثمرات قلوبهم وأحفادهم، فلا يغرّنّکم الشيطان بغروره، ولا يفتننکم مروره فيلقي في روعکم، ويوسوس في صدورکم.

إنّ ما أصاب من کان قبلکم من الأنبياء والمرسلين، والأولياء

والصالحين، في الدار الفانية والحياة البالية، من جهد البلاء وشدّة اللأواء والامتحان بجهاد الأعداء، هواناً بهم علي خالقهم، وهظماً لهم لدي بارئهم، بل أنزل بهم البأساء والضرّاء، ووجّه إليهم محن دار الفناء، من سقم الأجساد، وتحمّل الأذي من أهل الجحود والعناد، فتحمّلوا المشاقّ في ذاته من أداء الفرائض والنوافل، وصبروا علي جهاد أعدائه من أهل الزيغ والباطل، يسوقون العباد بسوط وعظهم إلي غفران ربّهم، ويجذبون النفوس بصوت لفظهم إلي منازل قربهم، لا توحشهم مخالفة من خالفهم، ولا يرهبهم عناد من عاندهم، بل يصدعون بالحقّ، ويقرعون بالصدق، ويوضحون الحجّة، ويهدون إلي المحجّة لا يزيدهم قلّة الأنصار إلا تصميماً في عزائمهم، ولا يکسبهم تظافر الأشرار إلّا شدّة لشکائمهم، ليس في قلوبهم جليل إلّا جلاله، ولا في أعينهم جميل إلّا

ص: 125


1- أي علامتهم. «مجمع البحرين: 349/3 - شعر - »
2- تفسير القمّي : 200/1 ، عنه البحار: 340/13 ح 16، و ج 199/67 .ورواه في الکافي : 263/2 ح 12، عنه البحار : 15/72 ح 14. وأورده في إرشاد القلوب : 156.

في صبر أيوب عليه السلام

جماله، لما شربوا من شراب جتته في حضيرة قدسه، أتحفهم بمقام قربه وآنسه، يختارون قطع أوصالهم علي قطع اتّصالهم، وذهاب أنفسهم علي بعد مؤنسهم.

أما تري کيف أثني الله علي نبيّه أيّوب بقول:( إنَّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعمَ العَبدُ إنَّهُ أوّابُ ) (1)؟ انظر کيف شرّفه الله بإضافته إلي نفسه، وأثني عليه بالصبر الجميل في محکم التنزيل، وکان عليه السلام في زمن يعقوب بن إسحاق عليه السلام ، وتزوّج ليا(2)بنت يعقوب ؛ وقيل : رحمة بنت يوسف (3)، وولد له سبعة بنين وثلاث بنات.

وکان له من المال والمواشي مالا يحصي کثرة. قيل : کان له أربعمائة عبد ما بين زرّاع وحمّال وراع وغير ذلک، وکان في أخفض عيش وأنعم بال مدّة أربعين سنة، ولمّا زاد الله ابتلاءه و امتحانه لا ليعلم صبره وشدّة عزيمته، بل زيادة في درجته، ورفعة لمنزلته ، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا أيّوب، أربعون سنة لک في خفض العيش والنعمة، فاستعدّ للبلاء، وارض بالقضاء، فإنّک ستتبدّل بالنعمة محنة، وبالغني فقراً، وبالصحّة سقماً

فأجابه أيّوب : ليس عليّ بأس من ذلک إذا رضي الله به. عذّب بما شئت غير البعد عنک تجد أوفي محبّ بما يرضيک مبتهجاً

فمضي علي ذلک مدّة فصلّي صلاة الصبح، وأسند ظهره إلي المحراب وإذا

بالضجّة قد علت، وإذا بقائل يقول: يا أيّوب، إنّ مواشيک کانت في الواد الفلاني فأتاها السيل واحتملها جميعاً، وألقاها في البحر، فبينما هو کذلک إذ أتته رعاة

ص: 126


1- سورة ص : 44.
2- في قصص الأنبياء للراوندي : 141ح 151 : إليا.
3- وقيل : رحمة بنت أفراثيم بن يوسف عليه السلام . انظر تفسير البرهان : 53/4 ومابعدها ح 11، ففيه قصّة أيوب عليه السلام مفصّلة نقلاً عن تحفة الاخوان .

وجهه .

الإبل، فسألهم : ما الخبر ؟

فقال قائلهم: هبت علينا سموم عاصف لو هَبت علي جبل لأذابته بحرّها،

فأتت علي أرواح الإبل جميعها، ولم تترک منها کبيراً ولا صغيراً إلّا أهلکته.

فبينا هو يتعجّب من ذلک ويحمد الله ويشکره إذ أتت الأَکَرَةُ قائلين : قد نزلت بنا صاعقة فلم تترک من الزرع والأشجار والثمار شيئاً إلا أحرقته، فلم يزده ذلک ولم يغيره ولم يفتر لسانه عن ذکر الله وعن التسبيح والتقديس.

فبينما هو کذلک يحمد الله ويشکره إذ أتاه آت قدأتي باکياً حزيناً يلطم

وجهه ويحثو التراب علي رأسه، فسأله أيّوب: ما الخبر ؟

فقال: إنّ ابنک الأکبر أضاف باقي إخوته فوضع لهم الطعام وبعضهم قد ابتدأ بالأکل، وبعضهم لم يبتديء إذ خرّ السقف عليهم فماتوا جميعهم، فاستعبر أيّوب، ثم استشعر لباس الصبر، والتوکّل علي الله، و تفويض الأمر إليه، وأخذ في السجود قائلاً: يارب إذا کنت لي لا أبالي، ثمّ بعد ذلک حلّ به من الأسقام والأمراض في بدنه ما لا يوصف کثرة، ولم يشتک إلي مخلوق، ولم يفوض أمره إلي غير ربه سبحانه، وأمّا قوله: (أنّي مَسُّنِيَ الضُّرُّ وَأنَتَ أرحمُ الرَّاحِمِينَ ) (1) فإنّما کان لما روي أنّ الشيطان أتاه في صورة طبيب فقال: إنّ أردت أنّ أشفيک من علّتک فاسجد لي، فإنّي أُزيل عنک ما يؤلمک، وأشفيک من علّتک، فصاح أيّوب عند ذلک، وأستغاث بالله قائلاً: (وأنَّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فولّي عنه إبليس، وقد يأس منه فأتي زوجته رحمة بنت يوسف ووسوس إليها.

روي أنّه أتاها في صورة طبيب، فدعته إلي مداواة أيّوب عليه السلام،

ص: 127


1- سورة الأنبياء : 83.

فقال : أُداويه علي أنّه إذا بريء قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سوي ذلک.

قال: فأشارت إلي أيّوب بذلک، فصاح واضطرب واستجار بالله وحلف

ليضربنّها مائة ضربة.

وقيل : أوحي الله إلي أيوب: يا أيوب، إنّ سبعين نبيّاً من أنبيائي سألوني هذا البلاء فلا تجزع، فلمّا أتاه الله بالعافية في بدنه اشتاق إلي ما کان عليه من البلاء، فلذلک قال سبحانه: (إنَّا وَجَدنَا هُ صَابِراً نِعمَ العَبد إنَّهُ أؤَّابُ)(1)

ولمّا انقضت المحنة وقرب الفرج أتاه جبرئيل بأمر الله بعد أن دامت به الأسقام والأمراض سبع سنين، وقال: يا أيّوب ، (ارکُض بِرِجِلِکَ)(2)أي ادفع الأرض برجلک (هذا مُغَتسَلُ بَارِدُ وَشَرَابُ)فرکض برجله فنبعت عينان فاغتسل من أحدهما فبريء، وشرب من الأخري

وروي عن الصادق عليه السلام أن الله تعالي أحيا له أهله الذين ماتوا

بأعيانهم قبل البليّة ، وأحيا أهله الّذين ماتوا وهو في البليّة.

قالوا: ولمّا ردّ الله عليه ولده وأهله وماله، وعافاه في بدنه أطعم أهل قرينه سبعة أيّام، وأمرهم أن يحمدوا الله ويشکروه، ثمّ أمره جبرئيل أن يأخذ ضغثاً وهو ملء الکفّ من الشماريخ وما أشبه ذلک، فيضربها ضربة واحدة براءة

اليمينه لأنّه کان قد حلف ليضربنّها ماءة ضربة.(3)

فانظر إلي شدّة إخلاصه، وعظيم اختصاصه، وحسن مراقبته لمعبوده

ومقابلته البلاء بالشکر في رکوعه وسجوده.

ص: 128


1- سورة ص : 44.
2- سورة ص : 42.
3- مجمع البيان : 59/4 و 478، عنه البحار :340/12 .

في إبتلاء عيسي بن مريم عليه السلام

وکذلک کان روح الله وکلمته المسيح بن مريم ، کان عليه السلام کما وصفه أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن بقوله: کان يَلبَسَ الخشِن، ويأکل الجشب(1)، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء (2)مشارق الأرض ومغاربها، ولم يکن له ولد يحزنه، ولا زوجة تفتنه، دابّته(3) رجلاه، وخادمه يداه. (4)

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: والله ما تبع عيسي شيئاً من المساويء قطّ، ولا انتهر يتيماً (5)قطّ، ولا قهقه ضاحکاً قطّ، ولا ذب ذباباً عن وجهه، ولا أخذ علي أنفه من شيء نتن قطّ،(6) ولا عبث قطّ.(7)»

وروي أنّه عليه السلام مرّ برهطٍ، فقال بعضهم لبعض: قد جاءکم الساحر ابن الساحرة، والفاعل ابن الفاعلة، فقذفوه بأمّه، فسمع ذلک عيسي عليه السلام، فقال: اللّهمّ أنت ربّي خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي، اللّهمّ العن من سبّني، وسبّ اُمّي، فاستجاب الله له دعوته، فمسخهم خنازير.

ص: 129


1- کذا في النهج. وفي الأصل: الحشيش - وهو تصحيف.. طَعامُ جَشِبُ ومجشوبُ: أي غليظ خَشِنَ. وقيل : هو الّذي لا أدم له. «لسان العرب: 265/1-جشب »
2- قال المجلسي رحمه الله : لعلّ المعني أن الإنسان إنّما يحتاج إلي الإدام لأنّه يعسر علي النفس أکل الخبز خالياً عنه. فأمّا مع الجوع الشديد فيلتذّ بالخبز ولا يطلب غيره، فهو بمنزلة الإدام، أو أنّه کان يأکل الخبز دون الشبع، فکان الجوع مخلوطاً به کالادام
3- في النهج: وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاکهته وريحانه ماتنبتُ الأرض للبهائم، ولم تکن له زوجة تفتِنُهُ ، ولا ولد يحزنُهُ . ولا مال يلفِتُهُ، ولا طمَعُ يذلّه دابّته....
4- نهج البلاغة : 227 خطبة رقم160، عنه البحار : 14/ 238 ح 16.
5- کذا في المجمع وفي الأصل، شيء.
6- کذا في المجمع ، وفي الأصل: ولا أخذ علي نفسه من بين شيء قطّ.
7- مجمع البيان :266/2 . عنه البحار: 263/14 . وانظر : عرائس المجالس: 398.

ولمّا مسخهم الله سبحانه بدعائه بلغ ذلک يهوذا وهو رأس اليهود، فخاف أن يدعو عليه، فجمع اليهود، فاتّفقوا علي قتله، فبعث الله سبحانه جبرئيل يمنعه منهم، ويعينه عليهم، وذلک معني قوله: (وَأَیَّدنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ)(1)فاجتمع اليهود حول عيسي، فجعلوا يسألونه فيقول لهم : يا معشر يهود، إنّ الله تعالي يبغضکم، فثاروا (2)إليه ليقتلوه، فأدخله جبرئيل خوخة البيت الداخل، لها روزنة في سقفها، فرفعه جبرئيل إلي السماء، فبعث رأس اليهود رجلاً من أصحابه اسمه ططيانوس(3)، ليدخل عليه الخوخة فيقتله، فدخل فلم يره، فأبطأ عليهم، فظنّوا أنّه يقاتله في الخوخة، فألقي الله عليه شبه عيسي، فلمّا خرج علي أصحابه قتلوه وصلبوه ؛ وقيل : ألقي الله عليه شبه وجه عيسي، ولم يلق عليه شبه جسده، فقال بعض القوم: إنّ الوجه وجه عيسي، والجسد جسد ططيانوس، فقال بعضهم : إن کان هذاططيانوس فأين عيسي ؟ وإن کان هذا عيسي فأين ططيانوس ؟ فاشتبه

الأمر عليهم.(4)

وعن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنّ عيسي لم يمت، وانّه راجع إليکم

قبل يوم القيامة.

وقد صحّ عنه صلّي الله عليه و آله أنّه قال: کيف أنتم إذا نزل ابن مريم

فيکم (5)وإمامکم منکم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.(6)

ص: 130


1- سورة البقرة: 87 و 253.
2- في المجمع : فساروا.
3- في المجمع: طيطانوس، وفي العرائس : فلطيانوس، وکذا في المواضع الآتية.
4- مجمع البيان : 135/2 - 136، عرائس المجالس: 400.
5- کذا في غالبية المصادر، وفي الأصل : عليکم.
6- صحيح البخاري : 205/4 ، صحيح مسلم: 1/ 136 ب 71ح 244 و 245. وانظر أيضاً: المصنف لعبد الرزّاق:400/11 ح 20841، جواهر البحار في فضائل النبي المختار للنبهاني: 311/1 ، منتخب الصحيحين للنبهاني: 289، مسند أحمد بن حنبل :2/ 272 و 336، مسند أبوعوانة: 106/1 ، ابن حبّان : 8/ 283 - 284 ح6764الأسماء والصفات للبيهقي: 535، مصابيح البغوي: 516/3 ح4261، شرح السنّةللبغوي: 82/15 ، الفردوس: 342/3 ح 4916، جامع الأصول: 47/11 ح 7808، مطالب السؤول : 2/ 80، بيان الشافعي : 495 - 496ب 7،عقد الدرر : 229ب 10، الفصول المهمة : 294 في 12 و ص 295و ص 299، جمع الجوامع: 1/632، برهان المتقي : 159ب 9ح4 ، کنز العمّال : 14/ 332 ح 38840 وص 334ح 38845الجامع لأحکام القرآن للقرطبي : 101/4 ، وج106/16 ، فرائد فوائد الفکر: 22 ب 6،نور الأبصار: 188، ينابيع المودة :186 ب 56، فيض القدير:58/5ح 6440، العطر الوردي : 71، تصريح الکشميري: 97 ح 2، عقيدة أهل السنّة: 8ح 1 و 2، العمدة لابن بطريق: 431 ح903 و ص 432 ح 905، کشف الغمّة : 3/ 228 و 269 و 279، إثبات الهداة: 599/3 ح 63 و ص 606 ح 106، غاية المرام للبحراني : 698ح 65 و 697 ح 40 - 42 و ص 702 ح 128، حلية الأبرار : 2/ 692 و 693 و 698و 710 ، البحار :88/51 ب 1.

وقوله سبحانه: (وَرَافِعُکَ إليَّ) (1)؛ قيل: أي بعد نزولک من السماء في

آخر الزمان. (2)

وروي أنّ عيسي لمّا أخرجه قومه وأمّه من بين ظهرانيهم عاد إليهم مع الحواريّين، وصاح فيهم بالدعوة، فهمّوا بقتله، فرفعه جبرئيل إلي السماء . کما

مرّ-.

وروي أنّ الحوارييّن اتبّعوا عيسي، وکانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله ،

جعنا، فيضرب بيده إلي الأرض، سهلاً کان أو جبلآً، فيخرج لکلّ إنسان رغيفين يأکلهما، وإذا عطشوا قالوا: يا روح الله، عطشنا، فيضرب بيده إلي الأرض، سهلاً

ص: 131


1- کذا الصحيح ، وفي الأصل : إلي آمنوا۔ والآية في سورة آل عمران: 55.
2- مجمع البيان : 449/1.

کان أو جبلاً، فتنبع عين ماء(1) فيشربون.

فقالوا: يا روح الله، من أفضل منّا، إذا جعنا أطعمتننا، وإذا عطشنا

سقيتنا(2)، وقد آمنّا بک واتبّعناک ؟

قال: : أفضل منکم من يعمل بيده، ويأکل من کسبه، فصاروا يغسلون

الثياب بالکراء.(3)

والحواري شدّة البياض، ومنه الحواري من الخبز لشدّة بياضه، فکأنّهم

هم المبيّضون للثياب. (4)

وقيل: إنّ الذي دلّهم علي المسيح کان رجلاً من الحواريين وکان منافقاً، وذلک أنّ عيسي جمعهم تلک الليلة، وأوصاهم، وقال: ليکفرنّ بي أحدکم قبل أن يصيح الديک، ويبيعني بدراهم يسيرة، وخرجوا وتفرّقوا، وکانت اليهود تطلبه، فأتي أحد الحوارّيين إليهم فقال (5)ما تجعلون لي إن دللتکم عليه ؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها ودلهم عليه، فألقي الله عليه شبه عيسي عليه السلام لما دخل البيت، ورفع عيسي فأخذ وقال: أنا الذي دللتکم عليه؛ فلم يلتفتوا إلي قوله، وقتلوه وهم يظنّون آنه عيسي

فلمّا رفع عيسي وأتي عليه سبعة أيّام قال الله له :اهبط علي مريم التجمع لک الحواريين ، وتبتهم في الأرض دعاة ، فهبط عليها، واشتعل الجبل نورة، فجمعت له الحواريين، فبتهم في الأرض دعاة، ثمّ رفعه الله

ص: 132


1- في المجمع : فيخرج ماء.
2- في المجمع: إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا.
3- مجمع البيان :448/1 .
4- مجمع البيان: 447/1
5- کذا في المجمع - وهو الصحيح - ، و في الأصل: وقالوا.

في معجزة ميلاد يحيي بن زکريا عليهما السلام

تعالي في تلک الليلة، وهذه الليلة هي الليلة الّتي تسمّيها النصاري ليلة الدخنة ويدخّنوا فيها.

فلمّا أصبح الحواريون حدّث کلّ واحدٍ منهم بلغة من أرسله إليه(1) عيسي عليه السلام(2)

وکانت مريم بنت عمران أمّ عيسي ليس أبوها عمران أبو موسي بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، بل هو عمران بن الهشم (3)بن امون من ولد سليمان بن داود عليه السلام ، وکان بينه وبين عمران أبي موسي ألف وثمانمائة سنة.

وکانت امرأة عمران اسمها حتّة أمّ مريم، وهي جدّة عيسي وأختها إيشاع واسم أبيها فاقوذ بن قبيل، وهي امرأة زکريّا، فيحيي و مريم ولدا

خالة. (4)

وکان يحيي بن زکريّا کما وصفه الله سبحانه وأثني عليه في کتابه العزيز بقوله: (وَآتَيناهُ الحُکم صَبّیاً وَحَناناً مِن لَدُنَّا وَکَاةً؛ وَکَاَنَ تَقِيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَيهِ وَلَم يَکُن جَبَّاراً عَصِيّاً وَسَلامُ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَمُوتُ وَ يَومَ يَنبعَثُ حَيّاً) (5)وکانت ولادته آية من آيات الله سبحانه، لأنّ زکريّا لمّا رأي من کرامات الله لمريم حين کفلها، وکان يري عندها فاکهة الصيف في الشتاء، وفاکهة الشتاء في

ص: 133


1- في المجمع : إليهم.
2- مجمع البيان 448/1-449.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: اشهم.
4- أنظر : الکامل في التاريخ : 1 / 298 - وفيه: عمران بن ماثان -، عرائس المجالس :166 و 371، ومجمع البيان: 1/ 433 - 434، و ج503/3.
5- سورة مريم : 12-15.

أن قاتل يحيي عليه السلام کان ولد زنا، وکذلک قاتل الحسين بن

علي عليهما السلام .

الصيف، خلاف ما جرت به العادة، فسألها عن ذلک فيقول: «أنّي لک هذا ؟ فتقول : من رزق الله.(1)

فعندها دعا الله سبحانه، کما قال سبحانه:(إذ نَادَي رَبَّهُ نِدَاءًخًفِيّاً)(2)أي دعا ربّه سرّاً غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء، وفي هذا دلالة علي أن المستحب في الدعاء الإخفاء، فإنّه أقرب إلي الاجابة.

وفي الحديث: خير الدعاء الخفي، وخير الرزق ما يکفي.

وقيل: إنّما أخفاه لئلّا يهزأ به الناس فيقولوا: انظروا إلي هذا الشيخ سأل

الولد علي الکبر.(3)

قال ابن عبّاس : کان عمر زکريّاحين طلب الولد عشرين ومائة سنة،

وکانت امرأته أبنة ثمان وتسعين سنة.(4)

فأوحي الله إليه : (يَا زَکَريَّا انَّا نُبَشَّرُکَ بِغُلَامٍ اُسَمُهُ يَحيَي لَم نَجعَل لَهُ مِن

قَبلُ سَمِیّاً) (5)أي لم نسم أحداً قبله بهذا الاسم.

وکذلک الحسين عليه السلام لم يسم أحد قبله باسمه. وکان قاتل يحيي ولد زنا، وکذلک قاتل الحسين عليه السلام کان ولد زنا. وحمل راس يحيي بن زکريّا إلي بغي من بغايا بني إسرائيل. وکذلک حمل رأس الحسين إلي نجل بغيّة من بغايا قريش، ولم تبک

ص: 134


1- إشارة إلي الآية : 37 من سورة آل عمران
2- سورة مريم : 3.
3- مجمع البيان : 502/3 .
4- مجمع البيان : 1/439، وفيه : يوم بشر بالولد.
5- سورة مريم: 7.

لا يقتل الأنبياء وولد الأنبياء إلا ولد زنا

السماء إلا عليهما بکت أربعين صباحاً.

وسئل الصادق عليه السلام عن بکائها، قال: کانت الشمس تطلع حمراء

و تغيب حمراء.(1)

وروي عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: خرجنا

مع الحسين عليه السلام إلي العراق فما نزل منزلاً، ولا ارتحل منه إلّا ذکر يحيي بن زکريّا(2)-(3)

وعن أبي جعفر عليه السلام ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله ، قال : لا

يقتل الأنبياء وولد الأنبياء إلّا ولد زنا(4)

وسئل الصادق عليه السلام عن قول فرعون: (ذَرُونِي أَقتُل مُوسَي)(5)

فقيل: من کان يمنعه منه ؟

قال: إنّه کان لرشده، ولم يکن ولد زنا، لأنّ الأنبياء والحجج لا يقتلها إلّا

ولد الزنا. (6)

ص: 135


1- انظر کامل الزيارات: 88ب 28، قصص الأنبياء للراوندي: 220 ح 291، بحار الأنوار:201/45 ب40، عوالم العلوم: 466/17 ب 2.
2- مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 85، عنه البحار: 45/ 298 ح 10 ، وعوالم العلوم: 608/17ح 3.
3- مجمع البيان: 504/3 ، عنه البحار : 175/14.
4- کامل الزيارات : 78 ح 9 و ص 79ح 10، عنه البحار: 27 / 240 ح 5 و 6. وأورده الراوندي في قصص الأنبياء: 220 ح 290 و 291، عنه البحار: 27 / 240ح 3 و 4.
5- سورة غافر : 26.
6- کامل الزيارات : 78 ح 7، علل الشرائع : 57ح 1، عنهما البحار: 27 / 239ح 2.وأخرجه في البحار: 132/13ح 35 عن العلل.

مناجاة للمؤلف رحمه الله

وکان يحيي أکبر من عيسي بستّة أشهر، وکلّف التصديق به، وکان أوّل مصدّق به، وشهد أنّه کلمة الله وروحه، وکان ذلک أحد معجزات عيسي عليه السلام، وأقوي الأسباب لإظهار أمره، فإن الناس کانوا يقبلون قوله لمعرفتهم بصدقه وزهده.(1)

فلهذا اجتمعت اليهود علي قتله (2)، فلمّا أحسّ بذلک فر منهم واختفي في أصل شجرة، فالتأمت عليه، فدلّهم إبليس عليه ؛ وقيل: إنّه جذب طرف ردائه فلاح(3) لهم في ظاهر الشجرة، فوضعوا عليه منشاراً، وقدوا أصل الشجرة ويحيي بنصفين، فأرسل الله سبحانه عليهم بخت نصّر، وکان دم يحيي يفور من أصل الشجرة، فقتل عليه سبعين ألفاً، وکذلک قتل بالحسين سبعون وسبعون ألفاً، وما أُخذ بثأره إلي الآن.

المناجاة

يا من أغرق أصحاب الأفکار الصائبة في بحار إلهيّته، وحيّر أرباب الأنظار الثاقبة في مبدأ ربوبيّته، ويا من تفرّد بالبقاء في قديم أزلیّته، ويامن توحّد بالعلي في دوام عظمته، ويامن وسم ما سواه بميسم ( کُلُّ شَيءٍ هَالِکُ إلَّا وَجهَهُ) (4)، و يامن جعل لکلّ حي إلي سبيل الموت غاية ووجهة، ويا

ص: 136


1- مجمع البيان : 1/ 438، عنه البحار : 169/14.
2- روي هذا في زکريّا عليه السلام ، انظر : علل الشرائع : 80ح 1، عنه البحار: 14/ 179ح15. وقصص الأنبياء للراوندي: 217 ح 284، عنه البحار: 14 / 181 ع 22.
3- في «ح» : أي فظهر.
4- سورة القصص : 88.

من رجوت وجوده منزه عن العدم، ويا من دوام بقائه متّصف بالأحديّة والقدم، ويا من هدانا السبيل إلي ما يز لفنا برضوانه، وعرّفنا الدليل إلي ما يتحفنا بجنانه، ونصب لنا أعلاماً يهتدي بها الحائر عن قصد السبيل في معتقده ونحلته، وأثبت لنا في سماء الصباح إيضاح بيانه أنجماً ينجو بنورها السائر بغير دليل في ظلمة حيرته، وجعلهم خاصّة نفسه من عباده، وولاة أمره في بلاده، لذّتهم في امتثال أوامره ونواهيه، وفرحتهم فيما يقرّبهم من حضرته ويرضيه، وکلّفهم بالتکاليف الشاقة من جهاد أعدائه، وألزمهم بکفّ أکفّ الملحدين في صفاته وآلائه.

فبذلوا وسعهم في إعلاء کلمته، وأجهدوا جهدهم إذعاناً لربوبيته، وقابلوا بشرائف وجوههم صفاح الأعداء، وتلقّوا بکرائم صدورهم رماح الأشقياء، حتي قطعت أوصالهم، وذبحت أطفالهم ، وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وأنهبت أثقالهم وأموالهم، وأهديت إلي رؤوس البغاة رؤوسهم، واستلّت بسيوف الطغاة نفوسهم، وصارت أجسادهم علي الرمضاء منبوذة، وبصوارم الأعداء موقوذة(1) تسفي (2) عليهم الأعاصير بذيولها، وتطأهم الأشقياء بخيولها، وتبکي عليهم السموات السبع بأفلاکها، والأرضون السبع بأملاکها، والبحار ببينانها، والأعصار بأزمانها، والجنّة بولدانها، والنار بخزّانهاء والعرش بحملته، والفرش بحملته، أبدانهم منبوذة بالعراء، وأرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلي.

أسألک بحقّ ما ضقت کربلاء من أشباحهم، وجنّة المأوي من أرواحهم،

ص: 137


1- الوقذ: شدة الضرب. «لسان العرب:519/3 - وقذ - ».
2- سَفَتِ الريح الترابَ تَسفِيهِ سَفياض، إذا أذرَته. «صحاح الجوهري: 6 / 2377 - سفي »

وبحقّ ألوانهم الشاحبةفي عراها، وأوداجهم الشاخبة (1)في ثراها، وبما ضمّ صعيدها من قبورهم وظرائحهم، وما غيّب في عراصها من أعضائهم وجوارحهم، وبحقّ تلک الوجوه التي طال ماقبّلها الرسول، وأکرمتها البتول ، وبحق تلک الأبدان التي لم تزل تدأب في عبادتک ، وتکدح في طاعتک، طالما سهرت نواظرها بلذيذ مناجاتک، وأظمأت هواجرها طلباً لمرضاتک ، شاهدت أنوار تجلّيات عظمتک بأبصار بصائرها، ولاحظت جلال ربوبيتّک بأفکار ضمائرها، فأشرقت أنوار الهيّتک علي مرايا قلوبها ، فأضاءت الأکوان بانعکاس أشعّة ذلک النور الّذي هو کمال مطلوبها

أن تصلّي علي محمد و آل محمد، وأن تجعل قلوبنا معمورة بحبّهم، وأنفسنا مسرورة بقربهم، وألسنتنا بذکر مناقبهم ناطقة ، و أبداننا بنشر فضائلهم عانقة ، ومدائحنا إلي نحو جهاتهم موجّهة ، وقرائحنا بمعاني صفاتهم مفوّهة، وشکرنا موقوفاً علي حضرة رفعتهم، وذکرنا مصر وفاً إلي مدحة عظمتهم،

الانعتقد سواهم سبيلاً موصلاً إليک، ولانري غير حبّهم سبباً منجياً لديک، تري کل مجد غير مجدهم حقيراً، وکلّ غنيّ بغير ولا تهم فقيراً، وکل فخر سوي فخرهم زوراً، وکلّ ناطق بغير لسانهم زخرفاً وغروراً، وکلّ عالم بغير علمهم جاهلاً ، وکل إمام يدّعي من دونهم باطلاً.

فلک الحمد علي ما اطّلعنا عليه من سرّک المصون بعرفان فضلهم، وأهّلنا

له من علمک المخزون بالاستمساک بحبلهم.

ص: 138


1- في حديث الشهداء: أوداجُهم تَشخُبُ دماً، قيل: هي ما أحاط بالعنق من العروق الّتي يقطعها الذابح. «لسان العرب : 397/2- ودج - ».

اللّهمّ فثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ونوّر بمصابيح

ولاتهم سبيل سلوکنا إليک في ظلمات الساهرة(1)وزیّن بذکرهم مجالس وعظنا، وشرّف بشکرهم نفائس لفظنا، واجعلنا وحاضري مجلسنا ممن يناله شفاعتهم يوم وقوفنا بين يديک، ومن تتلقّاهم الملائکة الکرام بالبشري حين العرض عليک، وأثبنا علي تحمّل الأذي فيهم من أعداء دينک ثواب الصدّيقين، وأيّدنا بروح قدسک، وانصرنا علي القوم الکافرين.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمد و آله الطاهرين.

ص: 139


1- الساهرة : الأرض ، الفلاة ؛ وقيل: أرض يجدّدها الله يوم القيامة. «لسان العرب: 4/382- سهر - .

ص: 140

المجلس الثاني في ذکر سيّد المرسلين، وما ناله من الأذي من

اشارة

المجلس الثاني في ذکر سيّد المرسلين، وما ناله من الأذي من أعداء الدين، وذکر وفاته، وذکر أمور تتعلّق بظلامة أهل بيته الطاهرين

صلوات الله عليهم أجمعين

الحمد لله الّذي وعد علي الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه، وتوعد بالعذاب الأليم علي ترک التسليم لقضائه، وابتلي أنبياءه بالمحن السابقة في علمه في دار بلائه، وکلفهم بالتکاليف الشاقة من حکمه في منزل ابتلائه، وأمرهم بکف أکفّ الملحدين في آياته، ورغم أنوف الجاحدين لصفاته، وأطلعهم علي أسرار عظمته بصغر ما سواه لديهم ، وکشف عن أبصار بصائرهم فوعوا ما ألقاه إليهم، وتجلّي لهم في ضمائرهم فطاح وجودهم في شهودهم، وخاطبهم في سرائرهم ، فهاموا طرباً بلذةّ خطاب معبودهم، حصّن مدينة وجودهم بسور توفيقه من وساوس الشکّ، وحمي حوزة نفوسهم بتوفيق مشيئته من شُبه الشرک، وأطلعهم علي عيوب دار الغرور فرفضوها، وحذّرهم مصارع بطشها المشهور ففرضوها.

وصلوا بقدم صدقهم إلي عين اليقين، وشربوا من شراب الجنّة بکأس من

ص: 141

معين، وسلکوا مفاوز البرزخ إلي الدار الباقية، فکشفوا حجب غيوبه لأهل الحياة الفانية، وحذّرهم ما يلقون في سلوکهم - بعد مماتهم - إلي دار قرارهم، وأراهم عواقب أمورهم بعد الاخراج من ديارهم، وأمرهم باتخاذ الزاد البعيد السفرهم، وحسن الارتياد قبل انقطاع عذرهم، ما وهنوا في سبيل ربهم، وما ضعفوا وما استکانوا بل أيّدوا الحقّ وأهله، ونصروا وأعانوا وجاهدوا في الله بأيديهم وألسنتهم، ونصحوا في سبيل الله في سرّهم وعلانيتهم، وکان أفضل سابق في حلبة الاخلاص لربه، وأکمل داع دعا إلي الله بقالبه وقلبه، وخير مبعوث بدأ الله به وختم، وأجمل مبعوث بالمجد الأعبل والشرف الأقدم، کم تلقّي صفاح الأعداء بطلعته الشريفة ؟! وکم قابل رماح الأشقياء ببهجته المنيفة !!صاحب بدر الصغري والکبري ، وسيد أهل الدنيا والأخري ، الّذي لم يجاهد أحد في أحد جهاده، ولا جائد جَليد في حنين جلاده(1)، أشجع الخلق بالحقّ، وأصدع الرسل بالصدق.

تاج رسالته: (سُبحَان الَّذِي أسرَي) (2) وتوقيع نبوّته : (فَاوحَي إلَي عَبدِهِ مَا أوحَي) (3)، ودلالة محبّته : (مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَی)(4)، وآية بعثه : (مَا کَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأي)(5) کل من الأنبياء مقدّمة جنده، وکلّ من الأولياء

خذ الميثاق علي من بعده بوفاء عهده، في صحف الخليل ذکره أشهر من أن يشهر، وفي توراة الکليم فضله من فلق الصبح أظهر، والمسيح في إنجيله دعا إليه وبشّر، وصاحب الزبور لمّا دعا باسمه أظهره الله علي جالوت و نصره أعني

ص: 142


1- الجلد: القوة والشدة، الصلابة. «لسان العرب : 125/3 - جلد - »
2- سورة الاسراء: 1.
3- سورة النجم: 10.
4- سورة الضحي : 3.
5- سورة النجم: 11.

الرسول صلي الله عليه وآله وأبو جهل

صاحب الحوض والکوثر، والتاج والمغفر، والدين الأظهر، والنسب الأطهر، محمد سيّد البشر، أشرف مبعوث إلي الکافّة، وخير مبعوث بالرحمة والرأفة، تحمّل أعباء الرسالة صابراً، وجاهد في الله مصابراً، ما أوذي أذاه نبيّ، ولاصبر صبره وليّ، کم راموا هدم بنيانه، وهدّ أرکانه، وإدحاض حجّته، وإذلال صحبته ؟ وأبي الله إلّا تأييده ونصره، وإعلاء فوق کلّ أمر أمره.

روي سيّدنا و مولانا الامام المفترض الطاعة الامام ابن الأئمّة، والسيّد ابن السادة، نجل النبيّ، وسلالة الوصيّ، الامام الزکي، أبو القائم المهديّ الحسن بن علي العسکري صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الطاهرين وولده الحجّة علي الخلق أجمعين ، أنُّ أبا جهل کتب إلي رسول الله صلّي الله عليه و آله - بعد أنّ هاجر إلي المدينة - : يا محمد، إن الخيوط (1)الّتي في رأسک هي الّتي ضيّقت عليک مکّة، ورمت بک إلي يثرب، وإنّها لاتزال بک إلي أن نوردک موارد الهلکة.. إلي آخر الکتاب.

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله للرسول : إنّ أبا جهل بالمکار(2)يهدّدني، وربّ العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق، والقبول من الله أحقّ، لن يضر محمد من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله عزّوجلّ، ويتفضّل بکرمه وجوده عليه.

ثمّ قال للرسول : قل له : يا أبا جهل، إنّک راسلتني بما ألقاه الشيطان في خلدک (3) وأنا أجيبک بما ألقاه في خاطري الرحمن، إنّ الحرب بيننا وبينک

ص: 143


1- في تفسير العسکري: الخبوط. وهو من تخبطه الشيطان: إذا مسه بحبل أو جنون. وما في المتن «الخيوط» فلعله کناية عن الجنون.
2- في التفسير والمناقب، بالمکاره و العطب.
3- الخلد : البال والقلب .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله بمصارع المشرکين في بدر

کافية (1)إلي تسعة وعشرين يوماً، وإن الله سيقتلک فيها بأضعف أصحابي، وستلقي أنت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان -وذکر عدداً من قريش - في قليب بدر مقتّلين، أقتل منکم سبعين، وآسر منکم سبعين، أحملهم علي الفداء (2) الثقيل.

ثمّ قال صلّي الله عليه و آله : ألا تحبّون أن أريکم مصرع (3)کلّ واحد من هؤلاء ؟ هلموا إلي بدر، فإن هناک الملتقي والمحشر، وهناک البلاء [الأکبر](4) فلم يجبه إلّا أمير المؤمنين ، وقال : نعم، بسم الله، فقال صلّي الله عليه و آله لليهود: اخطوا خطوة واحدة فإنّ الله يطوي الأرض لکم، ويوصلکم إلي هناک، فخطا القوم خطوة ، ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر.

فقال صلّي الله عليه و آله : هذا مصرع عتبة ، وذاک مصرع شيبة ، وذاک مصرع الوليد، إلي أن سمّي تمام سبعين، وسيؤسر فلان وفلان، إلي أن ذکر سبعين منهم، فلمّا انتهي (5) إلي آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل، يجرحه (6)فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي.

ثمّ قال: إنّ ذلک لحقّ کائن إلي بعد ثمانية وعشرين يوماً، فکان کما

ص: 144


1- في التفسير: کائنة.
2- کذا في التفسير والمناقب، و في الأصل: النداء
3- کذا في التفسير والمناقب، و في الأصل: مصارع.
4- من التفسير والمناقب
5- في التفسير والمناقب: انتهوا. .
6- کذا في التفسير والمناقب، وفي الأصل، آخرها فإن هذا مصرع أبي جهل يخرجه - وهو تصحيف ..

الهجرة إلي الحبشة

قال صلّي الله عليه و آله.(1)

ولمّا ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت کلّ قبيلة علي من فيها من المسلمين، يؤذونهم ويعذّبونهم ، فافتتن من افتتن، وعصم اللہ سبحانه منهم من شاء، وحمي(2) الله نبيّه بعمّه أبي طالب رضي الله عنه ، فلمّا رأي رسول الله صلّي الله عليه و آله ما بأصحابه، ولم يقدر علي منعهم، ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج إلي أرض الحبشة ، وقال : إن بها ملکاً صالحاً، لا يُظلم ولا يُظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتي يجعل الله عزّ وجلّ للمسلمين فرجاً، وأراد به النجاشي، واسمه أصحمة، وهو بالحبشية عطيّة، وإنّما النجاشي اسم الملک، کقولهم تبع ، وکسري (3)، وقيصر .

فخرج إليها سرّاً أحد عشر رجلاً ، وأربع نسوة ، وهم : الزبير بن العوّام ، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمان بن عوف، وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته سهلة بنت سهيلبن عمرو، ومصعب بن عمير ، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته سلمة بنت أبي أميّة، و عثمان بن مظعون، و عامر بن ربيعة، وامرأته ليلي بنت أبي خيثمة، وحاطب بن عمرو، وسهيل (4) بن بيضاء، فخرجوا إلي البحر، وأخذوا سفينة إلي برّ (5)الحبشة بنصف دينار، وذلک في رجب، في السنة الخامسة من

ص: 145


1- التفسير المنسوب إلي الأمام العسکري عليه السلام : 294 -296، عنه البحار : 17 /342، و تفسير البرهان :115/1 ح 1. وأورده في الاحتجاج : 1/ 38، ومناقب ابن شهر اشوب : 1/68 . وأخرجه في البحار : 19 /265 مع 6 عن تفسير العسکري والاحتجاج وانظر : الأحاديث الغيبية : 5/2 - 8 ح 351.
2- في المجمع: ومنع.
3- کذا في المجمع ، و في الأصل : کقوله : کسري
4- في المجمع: سهیل.
5- في المجمع: أرض.

مبعث النبي صلّي الله عليه و آله(1)

ثمّ خرج بعدهم جعفر بن أبي طالب، وتتابع المسلمون إليها، وکان جميع من هاجر إلي الحبشة من المسلمين علي التعاقب، اثنين وثمانين رجلاً (2)سوي النساء والصبيان.

فلمّا علمت قريش بذلک وجّهت عمرو بن العاص وصاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلي النجاشي وإلي بطارقته ليرّدوهم، وکان عمارة بن الوليد شابّاً حسن الوجه، وأخرج عمرو بن العاص أهله معه.

فلمّا رکبوا السفينة شربوا الخمر. فقال عمارة لعمرو بن العاص : قل لأهلک تقبلني، فلمّا انتشي(3)عمرو دفعه عمارة في الماء، ونشب (4)عمرو في صدر السفينة، وأخرج من الماء، وألقي الله العداوة بينهما في مسيرهما قبل أن يصلا إلي النجاشي

ثمّ وردا علي النجاشي ، فأنزلهم، ثمّ استدعي بهما وسألهما ما أقدمهما

إلي بلاده.

فقال عمرو: أيّها الملک، إنّ قوماً خالفونا في ديننا، وسبّوا آلهتنا(5) وصاروا إليک، فردّهم إلينا، فبعث النجاشي إلي جعفر، فحضر بين يديه، فقال: أيّها الملک، سلهم أنحن عبيد لهم ؟

فقال: لا ، بل أحرار. قال: سلهم ألهم علينا ديون يطالبونا بها؟

ص: 146


1- زاد في المجمع: وهذه هي الهجرة الأولي
2- کذا في المجمع، و في الأصل: إنساناً
3- الانتشاء : أوّل السکر.
4- نشب الشيء في الشيء : علق.
5- کذا في المجمع ، وفي الأصل: إلهنا.

قال: عمرو : لا، ما لنا عليکم ديون. قال: فلکم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها ؟ قال عمرو: لا. قال: فما تريدون منّا ؟! آذيتمونا ، فخرجنا من بلادکم(1)

قال جعفر: أيّها الملک، إن الله سبحانه بعث فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد، وبترک الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة، والزکاة، والعدل، والاحسان، وإيتاء ذي القربي، ونهانا عن الفحشاء، والمنکر، والبغي.

فقال النجاشي : بهذا بعث عيسي، ثمّ قال النجاشي (2) هل تحفظ ممّا أُنزل

علي نبيّک شيئاً ؟

قال : نعم .

قال: اقرأ، فقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ (وهُزَّي إلَيک بِجِذعِ النَّخلَةِ تُسَاقِط

عَلَيکِ رُطَباً جَنيّاً) (3) قال النجاشي: هذا والله هو الحقّ.

فقال عمرو: إنّه مخالف لنا، فردّه علينا.

فرفع الملک يده ولطم عمرو، وقال : اسکت والله لئن ذکرته بسوء لأفعلنّ بک، ثمّ قال : ارجعوا إلي هذا هديته، وقال لجعفر ولأصحابه: امکثوا أنتم سيوم، والسيوم: الآمنون، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناک بخير دار، وأحسن جوار، إلي أن هاجر رسول الله صلّی الله

ص: 147


1- في المجمع: ديارکم.
2- زاد في المجمع : لجعفر.
3- سورة مريم : 25.

في إيمان أبي طالب رضي الله عنه

عليه وآله إلي المدينة، وعلا أمره، وهادن قريشاً، وفتح خيبر، فوافي جعفر إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله بجميع من کانوا معه، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : لا أدري بأيّهما أسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟

وأتي مع جعفر وأصحابه من الحبشة سبعون راجلآً، منهم اثنان وستّون من الحبشة، و ثمانية من أهل الشام، منهم (1) بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول الله صلّی الله عليه و اله سورة يس إلي آخرها، فبکوا حين سمعوا القرآن و آمنوا، وقالوا: ما أشبه هذا بما أُنزل علي عيسي !(2)

ثمّ لم يزل رسول الله صلّی الله عليه و آله يقاسي منهم الأهوال، ولکنّ الله سبحانه کان يمنعهم عنه بعمّه أبي طالب، وکان أبو طالب رضي الله عنه يظهر لهم أنّه موافق لهم في دينهم ليتمّ له ما يريد من حماية رسول الله، وإلّا فهو کان مسلماً موحداً.

وقد أجمعت العصابة من أهل البيت عليهم السلام انّه قد مات مسلماً وإجماعهم حجّة علي ما ذکر في غير موضع (3)، وسبب الشبهة في ذلک أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه کان يعلن بنفاق أبي سفيان، فشکا معاوية ذلک إلي مروان وعمر وعبد الله بن عامر فقالوا : إنّ إسلام أبيه أخفي من نفاق أبيک، فأظهر کفره، فجعل يقول: ألا إنّ أبا طالب مات کافراً، وأمر الناس بذلک فصارت سنّة.

وقال الصادق عليه السلام : مثل أبي طالب مثل أصحاب الکهف، أسرّوا

ص: 148


1- في المجمع: فيهم.
2- مجمع البيان: 2/ 233 - 234، عنه البحار : 413-411/18.ورواه في تفسير القمّي: 176/1 - 178، بتفاوت، عنه البحار: 18 / 414 ح 1.
3- انظر البحار : 35 / 139 نقلاً عن مجمع البيان.

الايمان وأظهروا الشرک، فآتاهم الله أجرهم مرّتين(1)

وقد صنّف الشيخ أبو جعفر بن بابويه، وأبو علي الکوفي(2)، وسعد القمّي(3)، وعلي بن بلال المهلّبي،(4) والشيخ المفيد (5)في فضائله، وقد أجمع أهل البيت علي ذلک - کما ذکرنا أوّلاً ..

وروي شعبة، عن قتادة، عن الحسن في خبر طويل انّه لمّا حضرت ابا

طالب الوفاة دعا رسول الله صلّی الله عليه و آله و بکي و قال : يا محمد، إنّي أخرج من الدنيا ومالي غمّ إلاّ غمک ، و ستلقي هزواً وحروباً کثيرة من بني أميّة وبني المغيرة، فإذا متّ فخبّر أصحابک لينتقلوا من مکة إلي حيث شاؤا، فلا مقام لهم بمکّة بعدي.

ص: 149


1- أمالي الصدوق : 492 ح 12، معاني الأخبار: 285 ح 1، إيمان أبي طالب لفخّار بن معد: 321 - 322 و ص 362 و ص363. وأخرجه في البحار: 35/ 72ح 7 عن أمالي الصدوق. وفي ص 77ح 15 عن معاني الأخبار. وفي ص 158 عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
2- إيمان أبي طالب لأبي علي الکوفي أحمد بن محمد بن عمار، المتوفّي سنة «346 ه » . رجال النجاشي : 95 رقم 236 ، فهرست الطوسي : 29 رقم 78».
3- فضل أبي طالب وعبد المطّلب وأبي النبي صلّی الله عليه و آله لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي أبي القاسم، المتوفي سنة «299 ه» أو «301 ه» من ثقاة الطائفة ووجهائهم. «رجال النجاشي : 177 رقم 467، فهرست الطوسي: 75 رقم 306». .
4- البيان عن خيرة الرحمن لأبي الحسن علي بن بلال بن أبي معاوية المهلّبي الأزدي . رجال النجاشي: 265 رقم 690، فهرست الطوسي :96 رقم402».
5- إيمان أبي طالب لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي المفيد، المتوفّي سنة «413 ه» ، طبع - ولأکثر من مرّة . ضمن «نفائس المخطوطات» الّتي قام بتحقيقها وإصدارها العلّامة الشيخ محمد حسن آل ياسين، وذلک سنة « 1372 ه »، کما طبع ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد» نشر مکتبة المفيد - قم - ، وطبع أخيرة بتحقيق مؤسسة البعثة - قم سنة « 1412 ه » -

فبکي رسول الله صلّی الله عليه و آله وقال : ياعمّ، إنّک راحل من الدنيا، وإنّي راحل بعدک من مکّة إلي المدينة، وراحل بعد المدينة إلي الله، وإنّي وإيّاک نلتقي بين يدي الله بعد الموت، فيسألک عن الايمان بي، ويسألک عن ولاية ابنک علي.

ياعمّ، فاشهد بکلمة الاخلاص معي في حياتک قبل موتک، أُخاصم بها

عند ربيّ فترضي ربّک عن نفسي، وترضيني وترضي ولدک عليّاً.

ياعمّ، أما تأسف بنفسک أن يکون عليّ ولدک إمام أمّتي، وأسعد المقرّبين

في الجنان، وتکونَ الشقيّ المعذّب إن متَّ علي کفرک في النيران ؟

ياعمّ ، إنک تخاف عليَّ أذي أعاديّ ولا تخاف علي نفسک غداً عذاب

ربّي !

فضحک أبوطالب، وقال: ودعوتني وزعمت انّک ناصحي ولقد صدقت وکنت قدم أمينا(1)

وعقد علي ثلاثة وستّين (2) عقد الخنصر والبنصر وعقد الإبهام علي إصبعه الوسطي، وأشار بإصبعه المسبحة، يقول: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله.

فقام علي عليه السلام وقال: الله أکبر ، الله أکبر ، والّذي بعثک بالحقّ نبيّاً

لقد شفّعک الله في عمّک وهداه بک.

ص: 150


1- انظر «ديوان شيخ الأباطح أبي طالب» من جمع أبي هقان المهزمي: 41.
2- کذا في البحار، وفي الأصل: ثلاثة وتسعين. وتفسير ذلک أن الألف واحد واللام ثلاثون والهاء خمسة، والألف واحد والحاء ثمانية والدال أربعة والجيم ثلاثة والواو ستة والألف واحد والدال أربعة : فذلک ثلاثة وستون

امام

فقام جعفر وقال: لقد سُدتنا في الجنة يا شيخي کما سُدتنا في الدنيا.

فلمّا مات أبو طالب رضي الله عنه أنزل الله : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنّ

أرضِي وَاسِعَةُ فَإيّايَ فَاعبُدُونِ) (1)-(2)

تفسير وکيع : قال: حدّثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم،(3) عن أبيه ، عن أبي ذّر الغفاري قال: والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب حتي آمن بلسان الحبشة، وقال لرسول الله صلّی الله عليه و آله : يا محمد ، أتفقه لسان الحبشة ؟

قال: يا عمّ، إن الله علّمني جميع الکلام.

قال: يا محمد، «اسدن ملصافافاطالاها(4)يعني : أشهد مخلصاً: لا إله إلا

الله، فبکي رسول الله وقال : إنّ الله أقرّ عيني بأبي طالب (5)

الصادق عليه السلام : لما حضرت أبا طالب الوفاة أوصي بنيه، فکان فيما أوصي قال : إنيّ أوصيکم بمحمد ، فإنّه الأمين في قريش، والصدّيق في العرب، فقد حباکم بأمر قبله الجَنان (6)، وأنکره اللسان مخافة الشنان (7)، وأيم الله لکأنّي أنظر قد محضته العرب درها، وصفّت له بلادها، وأعطته قيادها، فدونکم يا بني

ص: 151


1- سورة العنکبوت: 56.
2- بحار الأنوار: 35/ 79 عن مناقب ابن شهر آشوب - ولم أجده فيه -
3- کذا في البحار، وفي الأصل: حدّثنا شيبان، عن منصور وإبراهيم.
4- في البحار: لمصافا قاطالاها.
5- بحار الأنوار: 30 / 78 ح 18 عن مناقب ابن شهر آشوب - ولم أجده فيه .. وقال المجلسي رحمه الله : يمکن حمل هذا الخبر علي أنه أظهر إسلامه في بعض المواطن البعض المصالح بتلک اللغة، فلا ينافي کونه أظهر الاسلام بلغة أخري أيضاً في مواطن أخر.
6- الجنان : القلب .
7- الشنان : البغضاء. ومراده : لم أظهره باللسان مخافة عداوة القوم .

عبد المطّلب، فقوه بآبائکم وأمّهاتکم وأولادکم، کونوا له دعاة، وفي حربه حماة، فوالله لا سلک أحد سبيله إلّا رُشِد، ولا أخذ أحد بهداه إلّا سُعِد، ولو کان في نفسي مدّة، وفي أجلي تأخير لکفيته الکوافي، ودفعت عنه الدواهي، غير أنّي أشهد بشهادته، وأعظّم مقالته.(1)

وقال رجل لأمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين ، إنّک لبالمنزل الذي أنزلک

الله ، وأبوک يعذّب بالنار ؟

فقال أمير المؤمنين : فضّ الله فاک، والّذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، لو شفع أبي في کلّ مذنب علي وجه الأرض لشفّعه الله تعالي فيهم، أبي يعذّب بالنار وابنه قسيم الجنّة والنار!

ثمّ قال: والّذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفيء أنوار الخلق إلّا خمسة أنوار، نور محمد صلّی الله عليه و آله ، ونوري ، ونور فاطمة، ونور الحسن، ونور الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله سبحانه من قبل خلق آدم بألفي عام.(2)

وما روي من أشعاره الدالّة علي إسلامه الّتي تنفث في عُقَد السحر، وتُغيَّر في وجه شعراء الدهر (3) تزيد علي ثلاثة آلاف بيت، مذکورة في کتب المغازي،

ص: 152


1- أورده في روضة الواعظين: 139 -140، باختلاف، عنه البحار : 107/35 ضمن ح 34.وأورده في سيرة الحلبي : 375/1 طبع مصر، باختلاف أيضاً.
2- مائة منقبة: 174 ح 98 ، أمالي الطوسي:311/1 - 312 الاحتجاج : 229 - 230، إيمان أبي طالب لفخّار : 74، کنز الفوائد: 1/ 183، بشارة المصطفي : 249 ، البحار:69/35ح 3 و ص 110 ح 39، غاية المرام : 46 ح 63و ص 208 ح16، الدرجات الرفيعة: 50، الغدير :387/7 ح 7.
3- کذا في المجمع ، وفي الأصل، الّذي ينفث في عند السجود يغبر في وجوه شعر الدهر.

يکاشف فيها من کاشف النبي صلّی الله عليه وآله ، ويصحّح نبوّته.(1)

في محاسن البرقي(2)يونس بن ظبيان، قال رجل عند الصادق عليه

السلام : إنّ أبا طالب مات مشرکاً.

قال أبو عبد الله : أبعد قوله: ألم تعلموا أن نبينا لا مکذّب لدينا ولا يعني بقول الأباطل (3) وأبيض يُستسقي الغمام بوجهه ثِمال اليتامي(4)عِصمةُ للأراملِ فأظهره(5)ربُّ العبادِ بنصرهِ وأظهر ديناً حقّه غير باطل(6)؟

و تظافرت الروايات أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله قال عند وفاته : ياعمّ وصلتک رَحم وجزيت خيراً ياعمّ ، کفلتني صغيراً ، و أحظيتني کبيراً، فجزيت عنّي

ص: 153


1- مجمع البيان : 260/4 ، متشابه القرآن ومختلفه لابن شهر آشوب: 2/ 65. ولقد جمع أشعار شيخ الأباطح أبي طالب رضوان الله تعالي عليه: أبو هفّان عبد الله بن أحمد المهزمي، المتوفّي سنة «257 ه »، ورواها عفيف بن أسعد، عن عثمان بن جني الموصلي البغدادي النحوي، المتوفي سنة « 392ه». . وقد طبع أخيرة بتحقيق وإستدراک الشيخ محمد باقر المحمودي، وصدر عن مجمع إحياء الثقافة - قم -، وتلته طبعة أخري بتحقيق مؤسّسة البعثة - قم -.
2- لم أجده في المحاسن.
3- في بعض المصادر : لقد علموا أنّ ابننا لا مکذّب لديهم ولا يعني بقول الأباطل وفي بعضها : ألم تعلموا أنّ ابننا لا مکذّب لدينا ولا يعباً بقول الأباطل
4- في بعض المصادر : وربيع اليتامي.
5- في بعض المصادر : فأيّده.
6- انظر : إيمان أبي طالب للشيخ المفيد: 21، الحجّة علي الذاهب : 305- 323، ديوان شيخ الأباطح : 26 - 37، الطرائف: 300 و 301 و305، البحار: 35/ 72ح 6 و ص 136ح 81 و ص 166.

خیراً

وفي رواية : فقد ربّيت وکفلت صغيراً، وآزرت و نصرت کبيراً

ثمّ أقبل علي الناس فقال : أم والله، لأشفعنّ لعميّ شفاعة يعجب بها

الثقلان(1)

فدعا له صلّی الله عليه و آله ، وليس للنبيّ أن يدعو بعد الموت لکافر لقوله تعالي: (وَلاَ تُصَلَّ عَلَی أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أبَداً) (2)، والشفاعة لا تکون إلّا لمؤمن

ولا يشفعون إلا لمني از تضي(3)

وأجمع أهل النقل من الخاصّة والعامة أن النبيّ صلّی الله عليه و آله قيل له:

ما ترجو لعمّک أبي طالب ؟

قال : أرجو له کلّ خير من ربيّ.(4)

ولمّا مات أبو طالب أمر رسول الله صلّی الله عليه و آله أمير المؤمنين من بين أولاده الحاضرين بتغسيله وتکفينه ومواراته دون عقيل وطالب، ولم يکن من أولاده من آمن في تلک الحال إلّا أمير المؤمنين عليه السلام و جعفر، وکان جعفر ببلاد الحبشة، ولو کان کافراً لما أمر أمير المؤمنين بتغسيله وتولية أمره،

ص: 154


1- تاريخ اليعقوبي : 35/2، إيمان أبي طالب للشيخ المفيد : 25 - 26، متشابه القرآن ومختلفه:64/2 ، الحجّة علي الذاهب: 265، الطرائف: 305ح 393، شرح نهج البلاغةلابن أبي الحديد:76/14 ، بحار الأنوار: 35/ 125 ح 67 و ص 163، الغدير: 373/7.
2- سورة التوبة :84.
3- سورة الأنبياء : 28.
4- إيمان أبي طالب للشيخ المفيد: 27، الحجّة علي الذاهب: 71 - 72، الطرائف: 305ح394، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 68/14 ، کنز الفوائد: 1/184، بحار الأنوار: 109/35 ح 38 و ص 151 و ص 156، الغدير: 7/ 373.

ولکان الکافر أحقّ به(1)

وتوفّي أبو طالب وخديجة في سنة ستّ (2) من الوحي، فسمّاه رسول الله صلّی الله عليه وآله عام الحزن. (3)

وقالت فاطمة بنت أسد وعلي صلوات الله عليه: أظهر إسلامک بسر

محمد.

فقال لهما: آمنت به منذ أربعين سنة. فقالا : جدّده.

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله، فاکتموا ذلک

عليَّ.

فقال أمير المؤمنين : لقد أظهرت دين عيسي و ملّة إبراهيم.

في کتاب دلائل النبوّة : قال العباس: لما حضرت أبي طالب الوفاة قال له نبيّ الله صلّی الله عليه و آله : ياعمّ، قل کلمة واحدة أشفع لک بها يوم القيامة: «لا إله إلّا الله». .

وکانت جميلة بنت حرب تقول: يا أبا طالب، مت علي دين الأشياخ،

فرأيته يحرّک شفتيه ، وسمعته يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله. (4)

ص: 155


1- الفصول المختارة :229/2 ، عنه البحار: 35/ 173.
2- قيل : تسع ، وقيل : عشر.
3- تاريخ اليعقوبي : 35/2 ، قصص الأنبياء للراوندي : 317، الحجّة علي الذاهب : 261،البحار : 82/35ح 24.
4- أمالي الطوسي:271/1 - 272 ، عنه البحار :76/35 ح 11.

الخطيب في الأربعين: بالاسناد عن محمد بن کعب أنّ أبا طالب لمّا رأي

النبيّ صلّی الله عليه و آله يتفل في فم علي، فقال : ما هذا ، يا محمد ؟

قال: إيمان وحکمة. فقال أبو طالب لعليّ: يا بنيّ، انصر ابن عمّک وآزره.(1)

وإذا استقرأت ورمت معرفة من کان أشدّ متابعة، وأعظم حياطة للنبي صلّی الله عليه وآله، وأعظم محاماة عنه وعن دينه لم تجد في المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين مثل أبي طالب رضي الله عنه وولده، فإنّ أحداً لم يحام عن رسول الله کأبي طالب، فإنّه ذبّ عن رسول الله صلّی الله عليه و آله مدّة حياته بمکّة، وکذلک لما حضر في الشعب، حتي انّ رسول الله لم يمکنه بعد موته الاقامة بمکّة، وهبط عليه جبرائيل وقال: يا محمد، إنّ الله يقرئک السلام، ويقول لک : اخرج قد مات ناصرک. (2)

وقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ما نالت قريش منّي ما نالت وما أکره

حتي مات أبو طالب (3)

ثمّ لم يستقرّ حتي خرج صلّی الله عليه و آله إلي الطائف.

وکذلک ولده جعفر رضي الله عنه لم يزل يذبّ في إعلاء کلمة الاسلام ونصر الرسول صلّی الله عليه و آله حتي قتل في دار غربة مقبلاً غير مدبر، وسماه رسول الله صلّی الله عليه و آله «ذا الجناحين» لأنّ يديه قطعتا في الحرب، فأبدله

ص: 156


1- مناقب الخوارزمي : 78، عنه کشف الغمة : 288/1وأخرجه في البحار :249/28 ح42 عن الکشف.
2- البحار : 19 /14ح، وج 35/ 112ح 43، ص 137 ح 83 و ص 174.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 67/1، عنه البحار: 19/17 ح 9.

الله منهما جناحين يطير بهما في الجنّة، ووجد فيه بعد أن قتل بضع وتسعون رمية وطعنة، ليس منها شيء في دبره(1)

وهذا أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن، لم يجاهد أحد جهاده، ولا يواسي الرسول صلّی الله عليه و آله مواساته، وهو صلوات الله عليه صاحب الوقائع المشهورة، والمقامات المذکورة، الّتي اتفّق المخالف والمؤالف علي نقلها، وضربت الأمثال بشجاعته فيها، کبدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين وأوطَاس(2)وغيرها من الغزوات والسرايا، وفدي رسول الله صلیّ الله عليه و آله بمبيته علي فراشه حتي أنزل الله فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَه ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللهِ) (3) وما زال صلوات الله عليه يذبّ عن رسول الله صلّی الله عليه وآله ويکدح في إعلاء کلمته في حياته وبعد موته حتي قتل في محرابه راکعاً.

وکذلک ولداه الحسن والحسين صلّی الله عليهما، فإنّهما بالغا في النصيحة الجدّهما، وثابرا علي آثار دينه وقمع الملحدين فيه ، لتکون کلمة الله العليا ، وکلمة الّذين کفروا السفلي ، حتي قتلا في سبيل الله وذرّيتّهما وولدهما، وسبيت نساؤهما وذرّيتّهما.

وکذلک زيد بن علي بن الحسين صلوات الله عليه ، وولده يحيي بن زيد،

ومحمد بن زيد، وغيرهما من أولاده وأحفاده.

ص: 157


1- انظر : الاستيعاب : 211/1، عنه البحار:276/22 .وجامع الأصول: 248/9 ح 6124، عنه البحار: 58/21ح 10. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/ 760، عنه البحار : 61/21 -62.
2- أوطاس : واد في ديار هوازن ، فيه کانت وقعة ځين.. ويومئذ قال النبي صلي الله عليه و آله : حبي الوطيش. «معجم البلدان: 281/1 »
3- سورة البقرة: 207.

وکذلک بنو الحسن عبد الله ومحمد وإبراهيم وغيرهم کصاحب فخ ومن تابعه، وکانوا أکثر من ثلاثمائة من ولد أبي طالب، حتي قال سيّدنا أبو الحسن الثالث علي بن محمد الهادي العسکري صلّی الله عليه : ما أُصبنا بمصيبة بعد کربلاء کمصيبة صاحب فخّ.(1)

ومن حفدته مسلم بن عقيل، وولده الّذين شروا أنفسهم من الله بالثمن الأوفر، وقد صنّف فيهم کتاب مقاتل الطالبيّين (2)وتواريخهم وسيرتهم فلانطوّل بذلک، ولولا حسن اعتقادهم، وصفاء ودادهم، وشدّة جهادهم، وقوة اجتهادهم لما جعلهم الله خلفاءه في أرضه ، والأمناء علي سنّته وفرضه .

بحار العلم، ومعادن الحلم، وأئمّة الهدي، ومصابيح الدجي، أوّلهم عليّ وآخرهم المهديّ، کلّما خوي لهم نجم بزغ نجم طالع، وکلّما اختفي منهم علم بدا علم لامع، وکفي فخراً کون المهديّ من ذرّيتّه الّذي يملأ الله الأرض به قسطاًوعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.

وکان أبو طالب رضي الله عنه ربيّ رسول الله صلّی الله عليه و آله صغيراً،

ص: 158


1- روي في عمدة الطالب : 183 عن محمد الجواد بن علي الرضا عليهما السلام أنه قال: لم يکن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ . عنه عوالم العلوم :363/21ح 7. وروي في معجم البلدان: 4/ 238 بهذا اللفظ ... ولهذا يقال لم تکم مصيبة بعد کربلاء أشد وأفجع من فخ. عنه البحار :165/48 و عن عمدة الطالب.
2- مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني - المتوفّي ببغداد سنة ستَ أو سبع وخمسين وثلاثمائة، ذکر فيه شهداءهم إلي أواخر المقتدر الّذي مات سنة «320 ه»، ابتدأ فيه بجعفر الطيار أول الشهداء من آل أبي طالب، وأختم بإسحاق بن عباس، المعروف به «المهلوس» الشهيد بأرمن، وذکر بعده جمعا متن حکي له قتلهم، وتبرأ من خطائه، وفرغ منه في جمادي الأولي سنة « 313 ها» . «الذريعة : 376/21 ». وقد طبع عدّة مرات، منها في إيران ستة «1307 ها»، وفي النجف سنة «1385 ه»، ومن ثمّ - بالأوفست علي طبعة النجف - في قم سنة «1405ه).

في شفقة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها علي رسول الله

صلي الله عليه و آله

وحصنه کبيراً.

وکانت زوجته فاطمة بنت أسد رضي الله عنها شديدة الحنّو والشفقة علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وهي أحد الصالحات القانتات، ولمّا سمعت قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا جَاَءَکَ المُؤمِنَاتُ يُبَايِعنَکَ)

(1) کانت أوّل امرأة بايعت

رسول الله صلّی الله عليه و آله هي.

وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله من مکّة إلي المدينة علي قدمها، وکانت أبرّ الناس برسول الله صلّی الله عليه و آله ، وسمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : الناس يحشرون يوم القيامة عراة، فقالت : و اسوأتاه.

فقال لها رسول الله صلّی الله عليه و آله : إني أسأل الله أن يبعثک کاسية. وسمعته يذکر ضغطة القبر، فقالت : واضعفاه. فقال لها رسول الله صلّی الله عليه و آله : إني أسأل الله أن يکفيک ذلک.(2)

وفي الخبر أنّها أسلمت بعد عشرين يوماً من مبعث رسول الله صلّی الله عليه و آله علي يد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولدها، وجاءت إلي رسول الله صلي الله عليه و آله باکية واستزادت، فأمرها رسول الله صلّی الله عليه و آله أن تقتفي آثار ابنها.

وروي أنّها لمّاماتت دخل عليها رسول الله صلّی الله عليه و آله فجلس عند رأسها، وقال: يرحمک الله يا أمّي، کنت أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني،

ص: 159


1- سورة الممتحنة : 12.
2- روي نحوه في اعتقادات الصدوق: 58 -59 (المطبوع في مصّفات الشيخ المفيد، ج 5)، عنه البحار: 279/6. وأورده أيضاً شاذان في الروضة : 5 - مخطوط ..

و تعرين وتکسيني، وتمنعين نفسک من طيب الطعام و تطعميني، تريدين بذلک وجه الله والدار الآخرة، ثمّ أمر صلّی الله عليه و آله أن تغسل ثلاثاً، فلما بلغ الماء الذي فيه الکافور سکبه رسول الله صلي الله عليه و آله بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسها إيّاه ولفّها فوقه، ثمّ دعا رسول الله صلّی الله عليه و آله أُسامة وأبا أيّوب وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله صلّی الله عليه وآله وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل فاضطجع فيه، ثمّ قال: الحمد لله الذي يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، [اللّهمّ](1) اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد، ولقّنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها، بحقّ نبيّک والأنبياء الذين من قبلي، فإنّک أرحم الراحمين.

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله بعد وضعها في الحد: يا فاطمة ، أنا محمّد سيّد ولد آدم ولا فخر، فإذا أتاک منکر و نکير فسألاک: من ربّک ؟ فقولي: الله ربّي، ومحمد نبیّي، والاسلام ديني، والقرآن کتابي، وابني عليّ إمامي ووليّي.

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله : اللّهمّ ثبّت فاطمة بالقول الثابت، ثمّ ضرب بيده اليمني علي اليسري فنفضهما، ثمّ قال: والّذي نفس محمّد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني علي شمالي.

وروي أنّه صلّی الله عليه و آله کبر عليها أربعين تکبيرة، فسأله عمّار عن ذلک، فقال: يا عمّار، التفتّ عن يميني فنظرت أربعين صفّاً من الملائکة، فکبرت لکلّ صفّ تکبيرة.

وفي خبر آخر: يا عمّار، إن الملائکة قد ملأت الفضاء، وفتح لها باب من الجنّة، ومهد لها مهاد من مهاد الجنّة، وبعث إليها بريحان من ريحان الجنّة، فهي

ص: 160


1- من الفصول المهمة.

فيما لاقاه النبي صلي الله عليه و آله من الأذي في الطائف من

عتبة وشيبة

في روح وريحان وجنّة نعيم، وقبرها روضة من رياض الجنّة(1)

وکفاها رضي الله عنها فضلاً وفخراً في الدنيا والآخرة ان ولدها ذرّيّة رسول الله صلّی الله عليه و آله ونسله، وهم أحد الحبلين اللذين لم ينقطعا حتي پردا علي رسول الله صلّی الله عليه و آله الحوض، ولولا خوف الإطالة لأوردت من شعر أبي طالب رضي الله عنه الّذي يحث فيه بنيه علي نصر رسول الله صلّی الله عليه و آله و اتّباع هديه جملة مفيدة تنبيء عن حسن عقيدته، وإخلاص سريرته، لکن اقتصرت علي هذا القدر والله الموفق، وهو حسبنا ونعم الوکيل وإنما قالت الناصبة ما قالت فيه عداوة لولده أمير المؤمنين وحطّاً من قدره، ويأبي الله إلا أن يتمّ نوره ولو کره المشرکون.(2)

ولمّا توفّي أبو طالب رضي الله عنه اشتدّ البلاء علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فعمد لثقيف في الطائف، فوجد ثلاثة، هم سادة، وهم إخوة : عبد ياليل، و مسعود، وحبيب، بنو عمرو، فعرض صلّی الله عليه و آله عليهم نفسه.

فقال أحدهم: أنا أسرق باب (3)الکعبة إن کان الله بعثک بشيء قطّ، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرک ؟ وقال الآخر: والله لا أکلّمک بعد مجلسک هذا أبداً، فإن کنت نبيّاً کما تقول لأنت أعظم خطراً من أن يزد عليک الکلام، وإن کنت تکذب علي الله فلا ينبغي لي أن أکلّمک، وتهزّؤوا به وأفشوا في قومه ما

ص: 161


1- أمالي الصدوق : 258ح 14، روضة الواعظين:142، الفصول المهنة لابن الصباغ: 31. وأخرجه في البحار: 25 / 70ح 4 عن الأمالي والروضة، وفي ص 179 عن الفصول المهمّة. . وفي ج 350/81ح 22 عن الأمالي.
2- إشارة إلي الآية: 32 من سورة التوبة
3- في إعلام الوري: استار . وفي مصادر أخري : أمرط ثياب الکعبة، و مراده: أمزقها.

راجعوه(1) ثمّ أغروا به سفهاءهم، فقعدوا له صفّين علي طريقه.

فلمّا مرّ رسول الله صلّی الله عليه و آله بين صفّيهم جعلوا لا يرفع قدماً ولا يضعها إلاّ رضخوها بالحجارة حتي أدموا رجليه، فخلص منهم وهما تسيلان بالدماء، فعمد إلي حائط من حوائطهم ، واستظلّ بظلّ حبُلة - وهي الکرمة وهو مکروب موجع تسيل رجلاه دماً ، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما من بني عبد شمس، وهما من أکابر قريش، وکان لهم أموال بالطائف، فلمّا رآهما کره مکانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله.

وکلاهما قتلا يوم بدر وقتل معهما الوليد بن عتبة، قتل عتبة أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، ضربه علي هامته بالسيف فقطعها، وضرب هو عبيدة بن الحارث علي ساقه فأطتها(2) فسقطا جميعاً، وحمل شيبة - أخوه - علي حمزة فتضاربا بالسيفين حتي انثلما، وحمل أمير المؤمنين عليه السلام علي الوليد فضربه علي حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه.

قال عليّ صلوات الله عليه : لقد أخذ الوليد يمينه بشماله فضرب بها هامتي، فظننت أن السماء سقطت علي الأرض، ثم اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا علي، أما تري الکلب فقد أنهر (3) عمّک ؟ فحمل عليه علي عليه السلام، ثمّ قال لحمزة: ياعمّ، طأطيء رأسک - وکان حمزة أطول من شيبة - فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ صلوات الله عليه فطرح نصف

ص: 162


1- في إعلام الوري: و أفشوا في قومهم الذي راجعوه به .
2- أي قطعها.
3- انهَرَ الطعنة : وسَعها . وأنّهرتُ الدم : أي أسلته . «لسان العرب: 5/ 237 - نهرّ -» . وفي مناقب ابن شهرآشوب : يهرّ . يقال : هرَّ الکلب یَهِرُّهريراً : إذا نَبَحَ وکَشَرَ عن أنيابه . «لسان العرب :261/5 - هرر -» .

رأسه، ثمّ أتي إلي عتبة وبه رمق فأجهز عليه.

واحتمل عبيدة رضي الله عنه وبه رمق، وحملاه عليّ وحمزة وأتيا به رسول الله صلّی الله عليه و آله و مخّ ساقه يسيل، فاستعبر رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقال عبيدة : ألست أوّل شهيد من أهل بيتک ؟ قال: بلي، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي)(1)

رجعنا إلي تمام القصّة:

فلمّا رأيا رسول الله صلّی الله عليه وآله أرسلا غلاماً لهما يدعي عدّاس معه عنب - وهو نصرانيّ من أهل نينوي -، فلمّا جاء رسول الله صلّی الله عليه و آله قال له رسول الله : من أيّ أرض أنت ؟

قال: من أهل نينوي. قال صلي الله عليه و آله : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّي؟ فقال عدّاس : وما أعلمک بيونس ؟

قال صلّی الله عليه و آله : أنا رسول الله ، والله تعالي أخبرني بخبره، فلمّا أخبره بما أخبره الله به من شأن يونس خرّ عدّاس ساجداً الرسول الله صلّی الله عليه و آله (2)، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان دماً، فلمّا نظر عتبة و شيبة ما يصنع غلامهما سکتا، فلمّا أتاهما قالا: ما شأنک سجدت لمحمّد، وقبلت قدميه، ولم نرک فعلت بأحدٍ منّا ذلک ؟

ص: 163


1- انظر في وصف هذا الموقف في غزوة بدر : تفسير القمي: 265/1 ، مجمع البيان : 527/2، مناقب ابن شهر آشوب: 119/3 ، عنها ألبحار: 254/19 ح 3 و ص225 وص290.
2- في إعلام الوري : ساجد له .

رجوع رسول الله صلي الله عليه و آله من الطائف إلي مکة ،

و عرضه نفسه علي قبائل العرب

قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا

يدعي يونس بن متّي.

فضحکا وقالا: لا يفتننّک عن نصرانيتّک فإنّه رجل خدّاع.(1)

وروي أنّ المشرکين لمّا مضوا إلي بدر لقتال رسول الله صلّی الله عليه و آله کان عدّاس مع سيديه عتبة وشيبة، فسأل منهما: من هذا الّذي عزمتم علي حربه والوقيعة به ؟

فقالا له: يا عدّاس، أرأيت الّذي أرسلناک إليه بالعنب في الطائف ؟ قد اتّبعه قوم من الصُّباة، وقد قصدنا حربهم، و تفريق کلمتهم، وأن نأتي بهم إلي مکة ساري، ونعرفّهم ضلالهم.

فقال عدّاس : بالله يا سيّديَّ، ارجعوا من فورکم هذا إلي مکّة، والله لئن لقيتموه لا تفرحوا بالحياة بعدها، والله إنه نبي حق، وقوله صدق، فزجراه ولم يعبئا بکلامه.(2)

ثمّ إنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله رجع إلي مکّة من الطائف واشتد البلاء، وأقبل المشرکون يردّون المسلمين ويفتنونهم عن دينهم، ثمّ أنّ النبي صلّی الله عليه و آله استجار بالأخنس بن شَريق ، وسهيل بن عمرو فتعلّا، ثمّ استجار بالمطعم بن عدّي حتي دبر في أمر الهجرة.(3)

وکان رسول الله صلّی الله عليه وآله يعرض نفسه علي قبائل العرب في

ص: 164


1- إعلام الوري : 64، عنه البحار : 6/19 ضمن ح 5.وأورده في مناقب ابن شهر آشوب: 68/1 ، عنه البحار:17/19ح 9.
2- المغازي للواقدي: 33، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :96/14. البحار: 330/19.
3- إعلام الوري:65، عنه البحار:7/19.

بيعة العقبة

الموسم، فلقي رهطاًمن الخزرج، فقال: ألا تجلسون أحدّثکم؟

قالوا: بلي، فجلسوا إليه، فدعاهم إلي الله، وتلا عليهم القرآن.

فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله انّه النبيّ الّذي کانوا يوعدوکم به اليهود(1)، فلا يسبقتّکم إليه أحد، فأجابوه، وقالوا له: إنّا ترکنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والسوء مثل مابينهم ، وعسي الله أن يجمع بينهم بک، فستقدم عليهم وتدعوهم إلي أمرک، وکانوا ستّة نفر.

فلمّا قدموا المدينة أخبروا قومهم بالخبر، فما دار حول إلّا وفيها حديث رسول الله صلّی الله عليه و آله ، حتي إذا کان العام المقبل أتي الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا النبي صلّی الله عليه و آله ، فبايعوه علي بيعة النساء ألا يشرکوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، إلي آخرها، ثمّ انصرفوا وبعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم ، وکان يسمّي بينهم في المدينة «المقريء»(2) فلم تبق دار في المدينة إلّا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار اميّة وحطيمة ووائل وهم من

الأوس.

ثمّ عاد مصعب إلي مکّة، وخرج من خرج من الأنصار إلي الموسم،

فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان في أيّام التشريق بالليل عند رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقال صلي الله عليه و آله : أبايعکم علي الاسلام.

فقال بعضهم: يا رسول الله، نريد أن تعرّفنا ما لله علينا، وما لک علينا، وما

لنا علي الله .

ص: 165


1- في المناقب والبحار: الّذي کان يوعدکم به اليهود.
2- سمّي بذلک لأنّه کان يقرئهم القرآن.

فقال صلّی الله عليه و آله : أمّا ما لله عليکم فتعبدوه، ولا تشرکوا به شيئاً،

وأمّا ما لي عليکم فتنصرونني مثل نسائکم وأبنائکم، وأن تصبروا علي عضّ السيوف، وأن يقتل خيارکم.

قالوا: فإذا فعلنا ذلک فما لنا علي الله ؟

قال: أمّا في الدنيا فالظهور علي من عاداکم، وفي الآخرة رضوان الله والجنّة، فأخذ البراء بن معرور بيده، وقال: والذي بعثک بالحقّ نبيّاً لنمنعنّک بما نمنع به أُزرنا(1)، فبايعنا يا رسول الله، فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناها کبار عن کبار.

فقال أبو الهيثم: إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنّا إن قطعناها أو قطعوها

فهل عسيت إن فعلنا ذلک، ثمّ أظهرک الله أن ترجع إلي قومک وتدعنا ؟

فتبسّم رسول الله، ثمّ قال : بل الدم الدم والهدم الهدم، أُحارب مسن حاربتم، و سالم من سالمتم، ثمّ قال صلي الله عليه و آله : أخرجوا لکم (2)اثني عشر نقيباً، فاختاروا، فقال: أُبايعکم کبيعة عيسي بن مريم للحوارييّن کفلاء علي قومهم بما فيهم، وعلي أن تمنعوني بما(3)تمنعون منه نساءکم وأبناءکم، فبايعوه علي ذلک، فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب(4) هل لکم في محمّد

ص: 166


1- ال ابن الأثير في النهاية: 1/ 45: وفي حديث بيعة العقبة «لَنَمنَعنَّکَ ممّا نمنع به اُزُرَنَا» أي نساءنا وأهلنا، کنّي عنهنّ بالأزرِ؛ وقيل: أراد أنفسنا . وقد يکنّي عن النفس بالازار.
2- في المناقب والبحار: إليَّ
3- في المناقب والبحار: ممّا .
4- قال ابن الأثير في النهاية: 1/234 : في حديث بيعة الأنصار «نادي الشيطان: يا أصحاب الجُبَاجب» هي جمع جُبجُب - بالضمّ - وهو المستوَي من الأرض ليس بحَزن، وهي هاهنا منازل بمنیً، سمّيت به ، قيل: لأنّ کروش الأضاحي تُلقَي فيها أيّام الحج والجَبجَبَة : الکَرِش يُجعل فيها اللحم يُتزوّد في الأسفار .

في أمر رسول الله صلي الله عليه و آله أصحابه بالهجرة من مکة إلي

المدينة واجتماع دار الندوة

والصباة معه ؟ اجتمعوا علي حربکم، ثمّ نفر الناس من مني وفشي الخبر، فخرجوا في الطلب، فأدرکوا سعد بن عبّادة والمنذر بن عمرو، فأمّا المنذر فأعجز القوم، وأمّا سعد فأخذوه، وربطوه بنسع رحله، وأدخلوه مکّة يضربونه، فبلغ خبره جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن أميّة فأتياه وخلّصاه.

وکان النبيّ صلّی الله عليه و آله في ذلک الوقت لم يؤمر إلّا بالدعاء والصبر علي الأذي، والصفح عن الجاهل، فطالت قريش علي المسلمين، فلمّا کثر عتوّهم أمر صلّی الله عليه و آله بالهجرة، فقال صلّی الله عليه و آله لأصحابه المؤمنين: إنّ الله قد جعل لکم داراً وإخواناً تأمنون بها، فخرجوا أرسالاً(1) يتسلّلون تحت الليل، حتي لم يبق مع النبي إلّا عليّ عليه السلام ، مع جماعة يسيرة من أصحابه، فحذرت قريش خروجه، وعلموا أنّه قد أجمع علي حربهم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قُصيّ بن کِلاب يتشاورون في أمره، فتمثّل لهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد، فقال: أنا ذو رأي حضرت لموازرتکم.

فقال عروة بن هشام : نتربّص به ريب المنون، وقال أبو البختري

أخرجوه عنکم تستريحوا من أذاه

وقال العاص بن وائل وأميّة و اُبيّ ابنا خلف : نبني له علماً (2)نستودعه فيه،

فلا يخلص إليه(3)من الصباة أحد.

ص: 167


1- قال المجلسي رحمه الله : الأرسال - بالفتح - : جمع الرسل - بالتحريک - وهو القطيع من کلّ شيء، أي زمراً زمراً. ويحتمل الإرسال - بالکسر - : وهو الرفق والتؤدة.
2- زاد في المناقب : ونترک له فرجاً. يقال لما يبُني في جواد الطريق من المنازل يستدلّ بها علي الطريق: أعلامُ، واحدها عَلَم والعَلَم : المنار ... والعَلَامة والعَلَمَ: شيء يُنصب في الفلوات تهتدي به الضالّة . «لسان العرب:419/12 - علم - ». .
3- کذا الصحيح ، وفي الأصل: فلا يخلص منه إليه.

مبيت علي عليه السلام في فراش رسول الله صلي الله عليه و آله

وقال عتبة وشيبة وأبو سفيان: نرحل بعيراً صعباً ونوثق محمّداً عليه کتافاً وشدّاً، ثمّ نقصع (1)البعير بأطراف الرماح فيوشک أن يقطعه بين الدکادک (2) إرباً إرباً.

فقال أبو جهل : أري لکم أن تعمدوا إلي قبائلکم العشرة فتنتدبوا من کلّ قبيلة رجلاً نجداً(3)، وتأتونه بياتاً، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعها، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلّب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل.

فقال أبو مرّة: أحسنت يا أبا الحکم، هذا الرأي فلا نعدلنّ له رأياً، فأنزل الله سبحانه : (يَمکُرُ بک الَّذِينَ کَفَروا لِيُثبتُوکَ أَو يَقتُلُوکَ أَو يُخرِجُوکَ) (4) الآية، فهبط جبرئيل علي رسول الله صلّی الله عليه و آله وقال: لاتبت هذه الليلة علي فراشک الذي کنت تبيت عليه، فدعا عليّاً عليه السلام ، فقال : إنّ الله سبحانه أوحي إليّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلي غار ثور أطحل (5) ليلتي هذه وأمرني أن آمرک بالمبيت علي مضجعي، وأن ألقي عليک شبهي .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أو تسلم بمبيتي هناک ؟ قال صلّی الله عليه و آله : نعم.

فتبسّم أمير المؤمنين ضاحکاً، وأهوي إلي الأرض ساجداً، فکان أوّل من سجد لله شکراً، وأوّل من وضع وجهه علي الأرض بعد سجدته، فلمّا رفع رأسه

ص: 168


1- أي نجرحه بأطراف الرماح حتي يغضب .
2- جمع الدکداک : وهو أرض فيها غلظ.
3- النجد : الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره.
4- سورة الأنفال : 30.
5- الطَّحلَة - بالضمّ -: لَونُ بَين الغُبرة والسواد ببياضٍ قليلٍ . «القاموس المحيط : 6/4 -طحل - ».

قال: امض بما أمرت به، فداک سمعي و بصري وسويداء قلبي.

قال: فارقد علي فراشي، واشتمل بردي الحضرمي، ثمّ إنيّ أُخبرک يا علي انّ الله تعالي يمتحن أولياءه علي قدر إيمانهم ومنازلهم من دينهم،(1) فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل (2) وقد امتحنک الله يا ابن امّ بي، وامتحنني فيک بمثل ما امتحن خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبراً صبراً ( إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبُ مِنَ المُحسِنِينَ) (3)ثمّ ضمّه إلي صدره، واستتبع رسول الله صلّی الله عليه وآله أبو بکر وهند بن أبي هالة وعبيد الله(4) بن فُهَيرة، ودليلهم أُريقط (5)الليثي فأمرهم رسول الله بمکان ذکره لهم، ولبث (6)صلّی الله عليه و آله مع عليّ يوصيه، ثمّ خرج في فحمة العشاء(7) والرصد من قريش فقد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ليهجموا عليه، وکان صلّی الله عليه وآله يقول: (وَجَعَلنَا مِن بَين أَيديِهم سَداً وَمِن خَلفِهِم سَدّاً) (8)الآية، وکان بيده قبضة تراب، فرمي بها في رؤوسهم، ومضي حتي انتهي إلي أصحابه الذين واعدهم، فنهضوا (9)معه

ص: 169


1- في المناقب : دينه.
2- تقدمت تخريجاته ص 39هامش 16
3- سورة الأعراف: 56.
4- في المناقب : عبدالله ، وکذا في المواضع الآتية . وفي الکامل : عامر بن فُهَيرَة . وهو مولي الطُّفَيل بن عبدالله الأزديّ - اشتراه أبو بکر . انظر في ترجمته «الکامل في التاريخ : 68/2». .
5- في المناقب : أزيقطة . ولعلّه أبو واقد کما سيأتي في ص 85-. وفي تاريخ الطبري : 2/ 378 و 380 دليلهم : عبد الله بن أرقد.
6- کذا في المناقب ، وفي الأصل:کتب - وهو تصحيف .
7- الفَحمَهُ من الليل: أوّله، أو أشدُّ سواده، أو ما بين غروب الشمس إلي نوم الناس. القاموس المحيط :158/4 - فحم - ».
8- سورة يس : 9.
9- في المناقب : فمضوا.

حتي وصلوا إلي الغار، وانصرف هند و عبيد الله بن فهيرة راجعين إلي مکّة.(1)

وکان قد اجتمع حول دار رسول الله صلي الله عليه و آله أربعمائة رجل

مکبّلين بالسلاح.

قال ابن عبّاس: فکان من بني عبد شمس عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن هشام وأبو سفيان، ومن بني نوفل طعمة(2) بن عديّ وجبير بن مُطعم والحارث بن عامر، و من بني عبد الدار النضر بن الحارث، ومن بني أسد أبو البختري وزمعة (3) ابن الأسود و حکيم بن حزام (4) ومن بني مخزوم أبو جهل، ومن بني سهم نُبَيه ومُنبَّه ابنا الحجّاج، ومن بني جُمَح أميّة بن خلف، هؤلاء الرؤساء وغيرهم

ممّن (5) لا يعدّ من قريش.(6)

وأحاطوا بالدار إلي أن مضي من الليل شطره هجموا علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه شاهرين سيوفهم ، ففطن بهم فاخترط سيفه وشدّ عليهم فانحازوا عنه ، وقالوا: أين صاحبک ؟

قال : لا أدري ، أو رقيب کنت عليه ، ألجأتموه إلي الخروج ، فخرج.

ص: 170


1- مناقب ابن شهر آشوب: 181/ 1 - 183، عنه البحار: 25/19 ح 15 «إلي قوله : يتشاورون في أمره». . وأخرجه في البحار: 19 / 23 عن المنتفي في مولد المصطفي للکازروني، ولم أعثر علي غير طبعته الفارسيّة والمسماة «نهاية المسؤول في رواية الرسول». . وانظر في هجرته صلّی الله عليه و آله : الکامل في التاريخ : 101/2 وما بعدها.
2- في تاريخ الطبري: طعَيَمَة.
3- کذا في المناقب وتاريخ الطبري، وفي الأصل: ربيعة.
4- کذا في المناقب وتاريخ الطبري، وفي الأصل: مزاحم
5- کذا في المناقب وتاريخ الطبري ، وفي الأصل: ممّا
6- مناقب ابن شهر آشوب: 2/ 58، عنه البحار: 290/38 . وانظر تاريخ الطبري:370/2 .

في هجرة علي عليه السلام من مکة إلي المدينة

وکان أمير المؤمنين في تلک الحال ابن عشرين سنة، فأقام صلوات الله عليه بمکّة حتي أدّي أمانات رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وأدّي إلي کلّ [ذي](1) حقّ حقّه، ثمّ عزم صلوات الله عليه علي الهجرة.

فکان ذلک دلالة علي خلافته وإمامته وشجاعته، وحمل نساء النبيّ صلّی الله عليه و آله بعد ثلاثة أيّام، وفيهنّ عائشة، فله المنّة علی أبي بکر بحفظ ولده، ولعليّ عليه السلام المنّة عليه في هجرته، وعليّ ذو الهجرتين والشجاع هو الثابت (2)بين أربعمائة سيف، وإنّما أباته النبي علي ّفراشه ثقة بنجدته، فکانوا محدقين به إلي طلوع الفجر ليقتلوه ظاهراً، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم بأنّ قاتليه من جميع القبائل.(3)

وقد ذکرنا رؤساءهم الّذين اجتمعوا لقتله قبل ذلک.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عزم علي الهجرة قال له العباس: إنّ محمداً ما خرج إلّا خفية، وقد طلبته قريش أشدّ طلب، وأنت تخرج جهاراً في أثاث و هوادج ومال ونساء ورجال تقطع بهم السباسب(4) والشعاب من بين قبائل قريش، ما أري لک أن تمضي إلّا في خُفَارَة (5)خزاعة.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

ص: 171


1- من المناقب
2- في المناقب: والشجاع البائت.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 2/58 - 59، عنه البحار:289/38- 291.
4- السباسب : جمع السَّبسُب: المَفَازة أو الأرض المستوية البعيدة. «القاموس المحيط :81/ 1 - سَبَّه - ».
5- فير القوم: جيرهم . «المحيط في اللغة : 331/4 - خف »

إنّ المنيّة شربة مورودة لا تجزعنّ(1)وشدّ للترحيل إنّ ابن آمنة النبيّ محمداً رجل صدوق قال عن جبريل أرخ الزمام ولا تخف من عائق فالله يرديهم عن التنکيل إني بربّي واثق وبأحمد وسبيله متلاحق بسبيلِ

قالوا: وکمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل، فلمّا رآه (2) أمير المؤمنين عليه السلام اخترط (3) سيفه ونهض إليه، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام فيه صيحة خرّ علی وجهه، وجَلَدَه(4)بسيفه، ثمّ مضي صلوات الله عليه ليلا.(5)

وکان مبيت أمير المؤمنين عليه السلام أوّل ليلة.

وأقام رسول الله صلّی الله عليه و آله في الغار ثلاثة أيّام، ولمّا ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقُباء منتظرة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وکان أمير المؤمنين أمر ضعفاء المسلمين أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن کلّ وادي وکان معه من النساء الفواطم (6) وأيمن بن أمّ أيمن (7)مولي رسول الله صلّی الله

ص: 172


1- في المناقب : لاتنزع
2- کذا في المناقب، و في الأصل: رأي.
3- في المناقب : سلّ.
4- في المناقب : جلله. يقال : جلدته بالسيف والسوط جلدة إذا ضربت جلده . «لسان العرب: 125/3 -جلد - »...
5- مناقب ابن شهر آشوب:59/2، عنه البحار:291/38.
6- أي : فاطمة بنت رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلّب - وقد قيل هي ضُباعة
7- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّ أيمن.

عليه وآله وغيرهم، وخرج عليه السلام إلي ذي طوي، وأبو واقد يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال أمير المؤمنين : أبا واقد، ارفق بالنسوة فإنّهنّ ضعائف.

قال : إنّي أخاف أن يدرکنا الطلب.

فال: اربع عليک،(1) إنّ النبي صلّی الله عليه و آله قال لي : يا علي، إنّهم لن يصلوا إليک من الآن بمکروه، ثمّ جعل أمير المؤمنين يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً ويرتجز عليه السلام:

ليس إلّا الله فارفع ظتکا يکفيک ربّ العرش (2) ما أهمکا

فلمّا شارف ضجنان (3) أدرکه الطلب بثمانية فوارس، فأنزل النسوة واستقبلهم منتضياً سيفه، فأقبلوا عليه وقالوا: يا غُدَر(4)، کيف أنت (5)ناج بالنسوة ؟ ارجع لا أبا لک.

قال: فإن لم أفعل أفترجعون؟ ودنوا من النسوة فحال بينهم وبينها وقتل

جناحاً، وکان يشدّ عليهم شدّ الأسد علي فريسته، وهو يقول:

خلّوا سبيل الجاهد المجاهدِ آليت لا أعبد غير الواح

فتقهقروا عنه، فسار ظاهرة حتي وافي ضجنان فتلوّم بها يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين، فصلّی ليلته تلک والفواطم يذکرون الله قياماً

ص: 173


1- أي توقّف وتحبّس.
2- في المناقب : الناس.
3- ضَجَنان: جبل قرب مکّة.
4- أي: يا غادر.
5- في المناقب : أظننت ياغدار آتک.

وقعوداً وعلي جنوبهم حتي طلع الفجر، فصلّی بهم صلاة الفجر، ثمّ سار بهم حتي وصل المدينة، وقد نزل الوحي بما کان من شأنهم قبل قدومهم، وهو قوله تعالي:(الّذيِنَ يَذکُرُّونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلی جُنُوبِهِم - إلي قوله - أنَّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَرٍ أَو أنثَي - فالذکر عليّ والأنثي فاطمة - بَغضُکُم مِن بَغضٍ - عليّ من الفواطم وهنّ من عليّ، إلي قوله - عِندَهُ حُسنُ الثَّوَابِ(1)

وتلا رسول الله صلّي الله عليه و آله : (إنَّ اللهَ اشتَرَي مِنَ المُؤمِنِينَ أنفُسَهُم وَأموَالَهُم)(2)الآية، ثمّ قال : يا عليّ، أنت أوّل هذه الأمّة إيماناً بالله وبرسوله، وأوّلهم هجرة إلي الله ورسوله، وآخرهم عهداًبرسول الله صلّی الله عليه وآله ، والّذي نفسي بيده لا يحبّک إلّا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضک إلّا منافق أو کافر.

وکان قيام علي بعد النبي بمکّة ثلاث ليال، ثمّ لحق برسول الله صلّی الله

عليه و آله (3)

روي السدّي، عن ابن عبّاس، قال: نزل قوله تعالي:(4)(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ انتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ) في عليّ بن أبي طالب حين هرب النبيّ صلّی الله عليه و آله عن المشرکين إلي الغار، ونام عليّ عليه السلام علي فراش رسول الله صلّی الله عليه و آله ، ونزلت الآية بين مکّة والمدينة.

ص: 174


1- سورة آل عمران : 191- 195.
2- سورة التوبة: 111.
3- مناقب ابن شهر آشوب : 84/2-86 ، عنه البحار: 65/19 .
4- سورة البقرة : 207.

في دخول رسول الله صلي الله عليه و آله و صاحبه الغار

وروي أنّه لمّا نام أمير المؤمنين عليه السلام قام جبرئيل عند(1) رأسه،

و ميکائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي : بخ بخ من مثلک يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائکة ؟(2)

وروي أنّ الله عزّ وجلّ أوحي إلي جبرئيل و ميکائيل أنّي قد جعلت عمر

أحدکما أطول من الآخر، فأکما يؤثر صاحبه بالزيادة ؟ فلم يجيبا.

فأوحي الله إليهما: هذا عليّ بن أبي طالب قد آثر محمداًبعمره، ووقاه

بنفسه، فاهبطا إليه واحفظانه، فهبط جبرئيل و ميکائيل، الحديث.(3)

وأمّا المشرکون فرکبوا الصعب والذلول في طلب رسول الله صلّی الله عليه

وآله (4)

قال الزهري : ولمّا دخل رسول الله صلّی الله عليه و آله وأبو بکر الغار أرسل الله زوجاً من حمام ، حتي باضا في أسفل الثقب، والعنکبوت حتي تنسج بيتاً، فلمّا جاء سراقة بن مالک في طلبهما فرأي بيض الحمام ونسج (5)العنکبوت، قال: لو دخله أحد لانکسر البيض و تفسّخ [ بيت ](6)العنکبوت، فانصرف.

ص: 175


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: علي .
2- مجمع البيان :301/1 . وفيه : بک الملائکة.
3- أمالي الطوسي : 2/ 83 -84، إحياء علوم الدين: 3/ 258، الروضة لشاذان: 2 مخطوط) ، إرشاد القلوب للديلمي: 224، تأويل الأيات : 89/1 ح 76. وأخرجه في البحار: 39/19 ص64 و ص 85 ح36و ص 86ح 37 عن بعض المصادر أعلاه .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 1/ 183.
5- في المجمع: وبيت.
6- من المجمع.

وقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : اللّهمّ أعمِ أبصارهم عنّا، فعميت

أبصارهم عن دخوله، وجعلوا ينظرون(1)يميناً وشمالاً حول الغار.

وقال أبو بکر: لو نظروا إلي أقدامهم لرأونا.

وروي علي بن إبراهيم في تفسيره: کان رجل من خزاعة، يقال له أبو کرز، فما زال يقفو أثر رسول الله صلّی الله عليه وآله حتي وقف بهم علي الحجر (2)، فقال : [ هذه] (3) قدم محمد، هي والله أخت القدم التي في المقام، وقال: هذه قدم أبي قحافة والله، وقال: ماجاوزا هذا المکان، إمّا أن يکونا صعدا في السماء أو نزلا في الأرض.

وجاء فارس من الملائکة في صورة الإنس، فوقف علي باب الغار، وهو

يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا.

ونزل رجل من قريش فاستقبل باب الغار وبال، فقال أبو بکر: قد

أبصرونا يا رسول الله.

فقال صلّی الله عليه و آله : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم.(4)

(فَاَنزَلَ اللهُ سَکِينَتَهُ عَلَيهِ) (5) أي علي رسوله صلي الله عليه وآله ، أي :

ألقي في قلبه ما سکن به، وعلم أنّهم غير واصلين إليه.

وفي تخصيص رسول الله صلّی الله عليه و آله بالسکينة، وعدم إدخال أبي

ص: 176


1- في المجمع: يضربون.
2- في المجمع : باب الغار.
3- من المجمع.
4- آورده عن علي بن إبراهيم في مناقب ابن شهر آشوب: 127/1 - 128، عنه البحار :77/199 ح 28.
5- سورة التوبة : 40.

بکر فيها، أقوي دليل علي عدم إيمانه، وقوّة يقينه صلّی الله عليه وآله ، ورباط جاشه، وقد أشرک الله المؤمنين مع رسوله في السکينة في هذه السورة وغيرها بقوله: (فَأَنَزَلَ اللهُ سَکينَتَهُ) علي رسوله وعلي المؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها، وفي سورة إنّا فتحنا: (فَأَنَزَلَ اللهُ سَکيِنَتَهُ عَلَی رَسُولِهِ وَعَلَی المُؤمِنيِنَ وَأَلزَمَهُم کَلَمِةَ التَّقوی(1)

الآية.(2)

وقد ردّ رسول الله صلّی الله عليه و آله هند وعبد الله بن فُهيرة حين أوصلاه إلي الغار، وحبس أبي بکر لعلمه برباط جأشهما، وشدّة يقينهما، وقوّة إيمانهما، وانّهما لو قتلا ما أخبرا بمکان رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وحبس أبا بکر عنده خوفاً علي نفسه منه، لأنّه کان قد علم أوّلاً بعزم الرسول، وخاف إن أذن له کما أذن لهما أن تعلم قريشاً بمکانه فيخبرهم به إمّا رهبة أو نفاقاً.

وقد روي أبو المفضّل الشيباني بإسناده عن مجاهد، قال: فخرت عائشة بأبيها ومکانه مع رسول الله صلّی الله عليه و آله في الغار، فقال لها عبد الله بن شدّاد بن الهاد: فأين أنتِ من علي بن أبي طالب حيث نام [في] (3) مکانه وهو يري أنّه يقتل ؟ فسکتت ولم تجد جواباً.

وشتّان بين قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ انتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ)(4) وبين قوله: (لَا تَخزَن إنَّ اللهَ مَعَنَا) (5) وکان النبي صلّی الله عليه و آله يقوّي قلبه، ولم يکن مع عليّ أحد يقوّي قلبه، وهو لم يصبه وجع، وعليُّ کان

ص: 177


1- سورة الفتح:26.
2- مجمع البيان: 31/3 ، عنه البحار: 19/ 33.
3- من المناقب .
4- سورة البقرة : 207.
5- سورة التوبة: 40.

أن الرسول صلي الله عليه و آله أسس مسجده بقبا

يرمي بالحجارة وهو علي فراش رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وأبو بکر مختف بالغار، وعلي ظاهر للکفّار.

واستخلفه الرسول لردّ الودائع لأنّه کان أميناً، فلمّا أدّاها قام صلوات الله عليه علي سطح الکعبة، فنادي بأعلي صوته : يا أيها الناس، هل من صاحب أمانة ؟ هل من صاحب وصيّة ؟ هل من صاحب عدة له قِبَل رسول الله صلّی الله عليه و آله ؟ فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبيّ صلّی الله عليه و آله.(1)

فنزل معه علي کلثوم(2) وکان أبو بکر في بيت خبيب(3)بن إساف، فأقام

النبيّ صلّی الله عليه و آله بقبا يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأتس مسجده، وصلي يوم الجمعة في المسجد الذي ببطن الوادي - وادي رانوقا(4) فکانت أوّل صلاة صلّاها بالمدينة، ثمّ أتاه غسان بن مالک وعبّاس بن عبادة في رجال من بني سالم، فقالوا: يا رسول الله ، أقم عندنا في العدّة والعدد والمنعة.

فقال صلّی الله عليه و آله : خلّوا سبيلها ، فإنّها مأمورة – يعني ناقته - ، ثمّ

ص: 178


1- مناقب ابن شهر آشوب : 57/2 - 58 ، عنه البحار:289/38 .
2- في المناقب : کلثوم بن هدم وهو کلثوم بن هدم بن امريء القيس بن الحارث بن مالک بن الأوس الأنصاري الأوسي، کان يسکن قباء، ويعرف بصاحب رسول الله صلي الله عليه و آله ، وکان شيخاً کبيراً، وأسلم قبل وصول النبي صلي الله عليه وآله إلي المدينة، توفي قبل بدر بيسير، وقيل: إنّه أوّل من مات من أصحاب رسول الله صلّی الله عليه و آله . «أُسد الغابة: 253/4 »
3- کذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : حبيب - وهو تصحيف .. وهو خُبيب بن إساف ؛ وقيل: يساف، ابن عِنَبة بن عَمرو الأنصاري الخزرجي: شهد بدراً وأحداًوالخندق، وکان نازلاً بالمدينة وتأخّر إسلامه حتي سار النبيّ صلّی الله عليه و آله إلي بدر، فلحق النبي صلّی الله عليه و آله في الطريق فأسلم. «أسد الغابة: 1/ 368 وج 101/2 - 102 »
4- في المناقب : رافوقا.

نزول النبي صلي الله عليه و آله في بيت أبي أيوب

تلقّاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة، فقال کذلک، ثمّ اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة ، ثمّ اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث، فانطلقت حتي إذا وازت دار بني مالک بن النجّار برکت علي باب مسجد رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وهو يومئذ مِربِد(1)لغلامين يتيمين من بني النجّار، فلما برکت ورسول الله لم ينزل و ثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلّی الله عليه وآله واضع لها زمامها لايثنيها به، ثمّ التفّت إلي خلفها فرجعت إلي مبرکها أول مرّة فبرکت، ثم تجلجلت (2) ورزمت ووضعت جرانها، فنزل صلّی الله عليه و آله عنها، واحتمل أبو ايوب رحله ووضعه في بيته، ونزل رسول الله في بيت أبي أيّوب وسأل عن المربد فأخبر انّه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء، فأرضاهما معاذ، وأمر النبي صلّی الله عليه و آله ببناء المسجد، وعمل رسول الله صلّی الله عليه و آله بنفسه، وعمل فيه المهاجرون والأنصار، وأخذ المسلمون پر تجزون وهم يعملون، فقال بعضهم : لئن قعدنا والنبيّ يعمل لذاک منّا

العمل المضلّل

ص: 179


1- کذا في المناقب، و في الأصل : مزيد . وکذا في المواضع التالية. والمربد : موضع الإبل.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : تخلخلت وتجلجلت : أي تخاضعت وتضعضعت . وما في الأصل لعلّه : تحلحلت - وهو الموافق لما في سيرة ابن إسحاق، ومعناه : تحرّکت. قال ابن الأثير في النهاية: 4 / 239 : «ثمّ تَلَحَلَتَ وأزَمَت، وَوَضَعَت جِرَائَها» تَلَخَلَتَ: أي أقامَت وَلَزِمَت مکانها ولم تَبرح، وهو ضدّ تَحَلحَل. وقال في ج 220/2 : «وأرز مت» أي صوَّتَت، والإز زام: الصوت لايفتح به الفَمُ، و «ناقةرازم» هي الّتي لا تتحرّک من الهزال. والجران باطن العنق ؛ وقيل: مقدّمه .

غزوات رسول الله صلي الله عليه وآله

والنبي صلّی الله عليه وآله يقول : لا عيش إلّا عيش الآخرة ربّ (1)ارحم الأنصار والمهاجرة

وعلي أمير المؤمنين يقول: لايستوي من يعمل (2) المساجدا يدأب فيها قائماً وقاعداً

ومن يُري عن الغبار(3) حائداً ثمّ انتقل من بيت أبي أيّوب إلي مساکنه الّتي بنيت له؛ وقيل: کانت مدّة مقامه بالمدينة إلي أن بني المسجد وبيوته من شهر ربيع الأوّل إلي صفر من السنة القابلة.(4)

ولمّا کان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليه صلّی الله عليه و آله بقول: (أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بأَنَّهُم ظُلِمُوا)(5) الآية، وقلّد في عنق رسول الله صلّی الله عليه و آله سيفاً. وفي رواية : لم يکن له غمد، وقال: حارب بهذا قومک حتي يقولوا لا إله إلا الله .

وروي أهل السير أنّ جميع ما غزا رسول الله صلّی الله عليه و آله بنفسه ستّ وعشرون غزاة، علي هذا النسق: الأبواء، بواط(6)العشيرة، بدر الأُولي، بدر

ص: 180


1- في المناقب : اللّهمّ.
2- کذا في المناقب، و في الأصل : يعمر.
3- في المناقب: الغيار. - بمعني : الغيرة -، وکلاهما يناسب المقام. والحائد: المعرض والمائل عن الشيء
4- مناقب ابن شهر آشوب: 1/184- 186، عنه البحار : 122/19 ح 9.
5- سورة الحج :40.
6- بُّواط: واد من أودية القبلية........ وهو جبلُ من جبال جهينة، بناحية رَضوَي به غزاة للنبيّ صلّي الله عليه و آله .« مراصد الاطلّاع: 228/1» سعة

سرايا رسول الله صلي الله عليه و آله

الکبري، السويق، ذي أمر، أُحد، نجران، بنو سليم، الأسد، بنو النضير، ذات الرقاع، بدر الأُخري، دومة الجندل، الخندق، بنو قريظة، بنو لحيان، بنو قرد، بنو المصطلق، [الحديبيّة، خيبر، الفتح، حنين، الطائف](1) ، تبوک، بنو قينقاع، قاتل في تسع، وهي: بدر الکبري، وأُحد، والخندق، وبني قريظة،(2) وبني لحيان، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف.

وأمّا سراياه فستّ وثلاثون، لا نطوّل بذکرها.(3)

وکان أمير المؤمنين عليه السلام قطب رحاها الّتي عليه تدور، وفارسها البطل المشهور، إلّا تبوک، فإنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله خلّفه علي المدينة لأنّه علم أنّه لا يکون فيها حرب، ولمّا لحق برسول الله صلّی الله عليه و آله وقال: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان، فردّه رسول الله صلّی الله عليه و آله من اللحوق، وقال: يا عليّ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، انّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک(4) فرجع صلوات الله عليه.

وکان المنافقون يتخرصون(5) الأخبار ، ويرجفونها في المدينة ، ويزوّدون

ص: 181


1- من المناقب .
2- زاد في المناقب : وبني المصطلق.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 186/1 و 212، عنه البحار : 172/19 ح 18.
4- انظر : مناقب ابن شهر آشوب: 15/3 -17، بحار الأنوار:254/37 - 289 ب 53 الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل: 5/ 182- 190 حيث يتبين من خلالها أن حديث المنزلة من حيث الأسانيد هو من أقوي الأحاديث والروايات الاسلاميّة الّتي وردت في مؤلفات جميع الفرق الاسلاميّة بلا استثناء، وان هذا الحديث يوضح لأهل الإنصاف من حيث الدلالة أفضليّة عليّ عليه السلام عليّ الأمة جمعاء، وأيضاً خلافته المباشرة - وبلا فصل - بعد رسول الله صلّی الله عليه و آله.
5- يتخرّصون : أي يفتعلون . ويرجفون : أي يخوضون في الأخبار السيئة وذکر الفتن التي يکون معها اضطراب في الناس .

موعظة جليلة للمؤلف رحمه الله

الأحاديث ليشوشّوا علي ضعفاء المؤمنين ، وکانوا کلّما ألقوا إلي المسلمين ما بينّوه من الإفک والإرجاف أمرهم أمير المؤمنين بالصبر، وأعلمهم أنّ ذلک لا حقيقة له، إلي أن رجع رسول الله صلّی الله عليه و آله مؤيّداً منصوراً قد خضعت له رقاب المشرکين، والتزموا الشرائط شرطها عليهم صلّی الله عليه و آله .

وکفي أمير المؤمنين فخراً ودلالة علي فضله و تقديمه ما صدر منه في بدر وأحد وخيبر والخندق، فإنّ القتلي کانت سبعين، قتل صلوات الله عليه بيده الشريفة ثمانية وعشرين، وقيل: ستّة وثلاثين، وقتلت الملائکة والناس تمام العدد.

موعظة جليلة فرّغ نفسک أيّها المؤمن متفکّراً بعين بصيرتک، وأيقظ قلبک أيّها المخلص ناظراً بعين باصرتک، أما کان الله سبحانه قادراً علي صب سوط عذابه(1) علي من آذي نبيّه ؟ أما کان جلّ جلاله عالماً عن نصب حبائل غوائله، وناجر وليه ؟ أما کان في شدة بطشه قوة تزيل جبال تهامة عن مراکزها، وتنسفها نسفاً(2)؟ أما کان في عموم سلطانه قدرة أن يخسف الأرض بأهلها، أو يسقط السماء عليهم کِسَفاً(3)لما ارتکبوا من خلاف نبيّهم ما ارتکبوا، واحتقبوا من کبائر الذنوب ما احتقبوا، واتخذوا الأصنام آلهة من دون مبدعهم وخالقهم، واستقسموا بالأزلام عتوّاً علي مالکهم ورازقهم، وجعلوا له البنات ولهم البنين بجائر قسمتهم،

نمود

ص: 182


1- إقتباس من الآية: 13 من سورة الفجر.
2- إقتباس من الآية: 105 من سورة طه.
3- إقتباس من الآية: 92 من سورة الاسراء

وبحروا البحيرة، وسيّبوا السائبة (1)ببدعة جاهليّتهم ؟ أما کان سبحانه قادراً حين آذوا الرسول وراموا قتله علي مسخهم قردة خاسئين (2) ؟ أکان عاجزاً لمّا أخرجوانبيّهم أن ينزل عليهم آية فتضلّ أعناقهم لها خاضعين (3)؟

بلي هو القادر الّذي لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، القاهر فلا يفلت من قبضة سطوته من دنا أو نأي، الّذي لا يزيد في ملکه طاعة مطيع من عباده، ولا ينقص من سلطانه معصية متهتّک بعباده، لکنه سبحانه أمهلهم بحلمه، وأحصاهم بعلمه، ولم يعاجلهم بنقمته، ولم يخلهم من رحمته، وفتح لهم أبواب الهدي إلي رضوانه، وحذّرهم سلوک سبيل الردي إلي عصيانه ، وکلّفهم بالتکاليف الشاقّة من بعثتهم علي طاعته ، وحذرهم من الأعمال الموبقة بنهيهم عن مخالفته، ونصب لهم أعلاماً يستدلّون بمنارهها من حيرة الضلالة في مدارج السلوک، ونجوماً يهتدون بأنوارها من مداحض الجهالة ومهالک الشکوک.

ولمّا کان سبحانه منزّهاً عن العرض والجسم، مقدّساً عن الترکيب والقسم، لا تخطر صفته بفکر، ولا يدرک سبحانه ببصر، ولا تعده الأيّام، ولا تحدّه الأنام، قصرت الأفکار عن تبصرة کماله، وحارت الأنظار عن تحديد جلاله، وحسرت الأبصار عن مشاهدة جماله، وتاهت الأفهام في بيداء معرفته، وکلّت الأوهام عن تعيين صفته.

لم يخلق سبحانه خلقه عبثاً، ولم يترکهم هملاً، بل أمرهم بالطاعة وندبهم إليها، وکلّفهم بالعبادة وأثابهم عليها، قال سبحانه: (وَمَا خَلَقَتُ الجِنَّ والإنسَ إلَّا

ص: 183


1- إقتباس من الآية: 103 من سورة المائدة
2- إقتباس من الآية: 65 من سورة البقرة، والآية : 166من سورة الأعراف .
3- إقتباس من الآية: 4 من سورة الشعراء

لِيَعبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَ مَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ)(1) والعبث لا يليق بحکمته، والإغراء بالقبيح لا يحسن بصفته.

وجب في لطفه إعلامهم بما فيه صلاحهم في دنياهم وأُخراهم، وفي عدله تعريفهم مبدأهم ومنتهاهم، وجعل لهم قدرة واختيارة، ولم يجبرهم علي فعل الطاعة وترک المعصية اضطرارة، بل هداهم النجدين، وأوضح لهم السبيلين.

ولمّا کانت کدورات الطبيعة غالبة علي نفوسهم، وظلمة الجهالة مانعة من تطهيرهم وتقديسهم، والنفس الأمارة تقودهم إلي مداحض البوار، والشهوة الحيوانيّة تحثّهم علي ارتکاب موبقات الأوزار، والوسواس الخنّاس قد استولي بوساوسه علي صدورهم ، وزين لهم بزخارفه مزالق غرورهم، فوجب في عدله وحکمته إقامة من يسوقهم بسوط لفظه إلي ما يقرّبهم من حضيرة جلاله، ويزجرهم بصوت وعظه عمّا يوبق أحدهم في معاشه وماله، إذ أنفسهم منحطّة عن مراتب الکمال، غاوية في مسالک الوبال، منخرطة في سلک أن النفس الأمارة بالسوء إلّا من رحم، (2)غارقة في لجّة الجهل إلا من عصم، تقصر قواها عن تلقّي نفحات رحمته، وتضعف مراياها لعدم جلاها عن مقابلة أشعّة معرفته.

فأقام سبحانه لهم حججاً من أبناء نوعهم، ظاهرين في عالم الانسانيّة باطنين في عالم الروحانيّة، فظواهرهم أشخاص بشرية، وبواطنهم أملاک علويّة، قد توجّهم سبحانه بتيجان الحکمة، وأفرغ عليهم حلل العصمة، وطهرّهم من الأدناس، ونزّههم عن الأرجاس، فشربوا من شراب حبه (3) أشغلهم به عمن سواه، واطلّعوا علي أسرار ملکوته فما في قلوبهم إلّا إيّاه، لما انتشت نشاءة

ص: 184


1- سورة الذاريات : 56 و57.
2- إقتباس من الآية : 53 من سورة يوسف.
3- کذا الصحيح، وفي الأصل: حبهما.

نفوسهم من رحيق خطابه في عالم الذرّ، وسکنت هيبة عزّة جلاله شغاف قلوبهم حين أقرّ من أقرّ ، وأنکر من أنکر ، لم تزل العناية الأزليّة تنقلهم من الأصلاب الفاخرة إلي الأرحام الطاهرة، والألطاف الإلهية تمنحهم شرف الدنيا والآخرة.

جعلهم سبحانه السفراء بينه وبين عباده، والأمناء علي وحيه في سائر أنامه وبلاده، بشّرت الأنبياء الماضية بظهورهم، وأشرقت السماوات العالية بساطع نورهم، کتب أسماءهم علي سرادقات عرشه المجيد، وأوجب فرض ولايتهم علي عباده من قريب وبعيد، کلّفهم بحمل أعباء رسالته، وجعلهم أهلاً الأداء أمانته، يتلقّون بوجه باطنهم أنوار سبحات جمال عزته، ويقابلون بظاهر ضياء محاسن بهجاتهم عباده فيهتدون بنورهم إلي نعيم جنّته، (عِبَادُ مُکرَمُونَ لاَيَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ يَعلَمُ مَا بَينَ أَيديِهِم وَمَا خَلفَهُم وَلَا يَشفَعُونَ إلَّا لِمَنِ أُرتَضَي وَهُم مِن خَشيَتِه مُشفِقُونَ)(1)

أصلهم نبيّ تمّمت به النبوّة، وکملت به الفتوّة، وانتهت إليه الرئاسة العامّة، وخصّ من الله بالکلمة التامّة، وأيّده سبحانه بنصره في المواطن المشهورة وأظهره بقهره علي أعدائه في حروبه المذکورة، وشدَّ أزره بوصيّه المرتضي، وشيّد ملّته بصفيه المجتبي، صارم نقمته، وحامي حوزته، الّذي لم يخلق الله خلقاً أکمل منه من بعده ولا قبله، ولم يدرک مدرک شأوه(2)ولا فضله، ولا أخلص مخلص لله إخلاصه، ولا جاهد مجاهد في الله جهاده من العامّة والخاصّة.

إن دارت حرب فهو قطب رحاها، أو توجّهت آمال فهو غاية رجاها، أو ذکر علم فهو مطلع شمسه، أو اشتهر فضل فهو قالب نفسه، باب علم مدينة

ص: 185


1- سورة الأنبياء : 26 - 28.
2- الشَّأو : الغاية، الأمد، السَّبق.

المصطفي، وقاضي دَينه، ومنجز عداته، وقاضي دِينه، طال بقوادم الشرف لا علي بقدمه علي الکتف .

ناداه البيت الحرام بلسان الحال، وناجاه الرکن والمقام بمعاني المقال: يا صاحب النفس القدسية، ويا منبع الأسرار الخفية، ويا مطلع الأنوار الإلهيّة، ويا دفتر العلوم الربّانيّة، أما تري ماحلّ بي من الأرجاس ؟ أما تنظر ما اکتنفني من الأدناس ؟ الأنصاب حولي منصوبة، والأزلام في عراصي مضروبة، والأصنام مرفوعة علي عرشي، والأوثان محدّقة بفرشي، تنضح بالدماء جدراني، وتستلم الأشقياء آرکاني، ويعبد الشيطان في ساحتي، ويسجد لغير الرحمن حول بَنيَّتِي.

فالغوث الغوث يا صاحب الشدّة والقوّة، والعون العون ياربّ النجدة والفتوة، خذ بمجامع الشرف بخلاصي واستنقاذي، وفز بالمعلاّ من سهامه فيک معاني وملاذي.

ولمّا شاهد ربّ الرسالة العامة تضعها بوصیّه، وعاين صاحب الدعوة التامّة تشقعها بوليّه، ناداه بلسان الاخلاص في طاعة معبوده، وأنهضه بيد القوّة القاهرة لاستيفاء حدوده، وفتح له إلي سبيل طاعة ربّه منهاجاً، وجعل کتفه الشريفة بأمر ذي المعارج لأخمصه(1) معراجة، وأمره بتستم(2) ذروة بيت ربه، و تنزيهه عن الرجس من الأوثان بقالبه وقلبه، و تکسير صحيح جمعها بيد سطوته، وإلقاء هبلها عن ظهره بشدّة عزمته.

روي بحذف الاسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال : دخلنا مکّة

ص: 186


1- الأخمص: باطن القدم ومارقَّ من أسفلها وتجافي عن الأرض ؛ وقيل: الأخمَصُ خَصرُ القدم. «لسان العرب : 30/7 - خمص - ».
2- تم الشيء و تسمه : علاه . «لسان العرب :306/12 - سنم - ».

فتح مکة

يوم الفتح مع رسول الله صلّي الله عليه و آله وفي البيت وحوله ثلاثمائة وستّون صنماً، فأمر رسول الله صلّی الله عليه و آله فأُلقيت جميعها عي وجوهها، وأمر بإخراجها، وکان علي البيت صنم - لقريش - طويل يقال له «هبل»، وکان من نحاس علي صورة رجل موتّد با وتادٍ من حديدٍ إلي الأرض في حائط الکعبة.

قال أمير المؤمنين ، فقال لي رسول الله : اجلس، فجلست إلي جانب

الکعبة، ثمّ صعد رسول الله صلّی الله عليه و آله علي منکبي، ثمّ قال لي : انهض بي، فنهضت به، فلمّا رأي ضعفي عنه، قال: اجلس، فجلست وأنزلته عنّي، فقال: قم - يا علي - علي عاتقي حتي أرفعک، فأعطيته ثوبي، فوضعه رسول الله صلي الله عليه و آله علي عاتقه، ثمّ رفعني حتي وضعني علي ظهر الکعبة، وکان طول الکعبة أربعين ذراعاً، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لو أردت أن أمسک السماء بيدي لمسکتها.

وروي أنّه صلوات الله عليه لمّا عالج قلعه اهتزّت الکعبة من شدّة معالجته، فکسره وألقاه من فوق الکعبة إلي الأرض، ثمّ نادي رسول الله صلّی الله عليه و آله : انزل، فوثب من أعلي الکعبة کأنّ له جناحين.(1)

وقيل : إنّه صلوات الله عليه تعلّق بالميزاب، ثمّ أرسل نفسه إلي الأرض، فلمّا سقط صلوات الله عليه ضحک ، فقال النبي : ما يضحکک يا علي، أضحک الله سنّک ؟

قال: ضحکت - يا رسول الله - متعجّباً من اني رميت بنفسي من فوق

البيت إلي الأرض فما تألّمت، ولا أصابني وجع !

ص: 187


1- مناقب ابن شهر آشوب: 135/2 -136، وفيه عن جابر بن عبد الله ؛ وعن أبي مريم، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ؛ وعن ابن عبّاس.

فقال : کيف تتألّم يا أبا الحسن أو يصيبک وجع ؟! إنّما رفعک محمد،

وأنزلک جبرئيل(1)

وروي أنّ عمر تمنّي علي رسول الله صلّی الله عليه و آله أن يکسره ، فقال

صلّی الله عليه و آله : إن الذي عبده لا يکسره.

ولمّا صعد أبو بکر المنبر في بدء أمره نزل عن مقام رسول الله صلّی الله عليه و آله مرقاة، فلمّا صعد عمر نزل عن مقام أبي بکر مرقاة، فلمّا صعد عثمان نزل عن مقام عمر مرقاة، فلمّا تولّي أمير المؤمنين صلوات الله عليه صعد إلي مقام رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فسمع من الناس ضوضاء، فقال: ماهذا الّذي أسمع ؟

قالوا: لصعود إلي مقام رسول الله صلي الله عليه و آله الذي لم يصعد إليه

مَن تقدّمک.

فقال عليه السلام : سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : من قام مقامي ولم يعمل بعملي أکتبه الله في النار، وأنا والله العامل بعمله، الممتثل قوله، الحاکم بحکمه، فلذلک قمت هنا.

ثمّ ذکر في خطبته، فقال: معاشر الناس، قمت مقام أخي وابن عمي لأنّه أعلمني بسرّي وما يکون منّي، فکأنّه صلوات الله عليه قال: أنا الّذي وضعت قدمي علي خاتم النبوة، فما هذه الأعواد ؟ أنا من محمد و محمد منّي.

وقال صلوات الله عليه في خطبته (2): أنا کسرت الأصنام ، أنا رفعت

ص: 188


1- مناقب ابن شهر آشوب :141/2 .وانظر الغدير: 12/7.
2- في المناقب : خطبة الافتخار .

الأعلام، أنا ثبّتّ الاسلام.

[قال ابن نباتة: حتّی شدّ به أطناب الاسلام، وهدّ به أحزاب الأصنام،

فأصبح الايمان فاشياً بأقياله، والبهتان متلاشياًبصياله] ،(1) ولمقام إبراهيم شرف علي کلّ حجر لکونه مقاماً لقدم إبراهيم، فيجب أن يکون قدم عليّ أشرف من رؤوس أعدائه لأن مقامه کتف النبوّة، والغالية والمشبّهة من المجبّرة يقولون أکثر من هذا(2)

حتي روت المجبّرة عن النبي صلّی الله عليه و آله قال: لمّا بلغت سدرة المنتهي ليلة المعراج وضع الجليل سبحانه يده علي کتفي فأحسست ببردها علي

کبدي.(3)

وقيل في ذلک شعراً قيل لي قل في عليَّ المرتضي مدحاً يطفيء (4)ناراً موقده قلت لا يبلغ مدحي(5)رجلا حار ذو الجهل إلي أن عبده وعلي واضع أقدامه في مقام(6)وضع الله يده(7) وقيل أيضاً:

ص: 189


1- من المناقب.
2- مناقب ابن شهر آشوب : 135/2 - 136.
3- أورد مثل هذا الشهرستاني في الملل والنحل: 1/ 97 في «مشبهة الحشوية» بهذا اللفظ : حتي وجدت برد أنامله علي کتفي
4- في المناقب : کلمات تطفيء.
5- في المناقب : قولي.
6- في المناقب : وعلي واضعا رجلاً له ...... بمکان.
7- مناقب ابن شهر آشوب: 2/ 137 ناسباً الأبيات إلي أبي نؤاس. وانظر الغدير: 12/7 .

قالوا مدحت عليّ الطهر قلت لهم کلّ امتداح جميع الأرض معناه ماذا أقول بمن حطّت له قدم في موضع وضع الرحمن يمناه(1)

فيا من يتصدّي سواه للامامة، ويدوک(2)للزعامة، ويضعف سباله، ويرجل قذائه، وينتقص کمال الکامل ، وينکر فضل الفاضل ، ويکاثر بکثرة الأتباع، ويفاخر بالهمج الرعاع، يحسبه الظمآن ماء، حتي إذا جاءه لم يجده شيئاً، ويظنّه الجاهل إماماً وقد ضرب الحمق علي هامته من الجهل، ظلّاً وفيئاً، يدير لسانه في لهواته إذا سئل، ويجمد ريقه في بلعومه إذا جودل، يظنّ أنّه الفاضل الأعلم، وهو أجهل من البازل الأعلم، ويعذر انّه علم السنّة ، وهو أضل الحق والسنة.

تنحّ عن رتبة وليّ الحقّ في الخلق، و ميزان القسط والصدق، لفظه جلاء القلوب، ووعظه شفاء الکروب، ومعلّمه ربّ العالمين، ومؤدّبه سيّد المرسلين، ينصب له کلّ يوم علماً من علمه، ويفتح له باباً من حِکَمِهِ و حُکمِهِ ، يتبّعه اتباع الفصيل أثر أمّه، ويلازمه ملازمة شعاره (3)لجسمه.

ويک اربع علي ضلعک، و تفکّر في أصلک وفرعک، وطالع مراءة عقلک بعين الانصاف، واحذر ارتکاب طريقة الوقاحة والاعتساف، أليست أمّک صهاک ؟ أليس الخطاب أباک ؟ ألست جاحد النصوص علي أهل الخصوص ؟ ألست منکسّ الراية يوم القموص؟ أما في حنين وأوطاس کنت أوّل المدبرين

ص: 190


1- مناقب ابن شهر آشوب : 2/ 137 . وفيه :«لمن » بدل «بمن» .
2- في حديث خيبر : أنّ النبي صلّي الله عليه و آله قال: لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله علي يديه، فباتَ الناس يَدُوکون تلک الليلة فيمن يدفعها إليه، قوله: يَدُرکون أي يخوضون ويموجون ويختلفون فيه. والدَّوک: الاختلاط. وقع القوم في دَوکَةٍ ودَوکةٍ وبُوح أي وقعوا في اختلاط من أمرهم وخصومة وشر . «لسان العرب: 430/10 - دوک - ».
3- الشَّعار: ما ولي شَعَرَ جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب... وفي المثل : هم الشَّعار دون الدَّثار، يصفهم بالمودّة والقرب . «لسان العرب: 412/4 - شعر - ».

من الناس ؟ أأنت قاتل عمرو ومفرّق جموعه ؟ أأنت المتصدق بخاتمه في رکوعه ؟ أرضيک الرسول دون الخلق صهراً ؟ أم أوردک في الغدير من غدير الشرف ورداً وصدراً ؟

ويحک قف عند حدّک، ولا تفاخر بأبيک وجدّک، ولا تجار فرسان المجد فنضلّ في الحلبة طريحاً، ولا تساجل(1) أبطال الفخر فتصبح بسيوف الفضيحة طليحاً.

يا مغرور غرّتک دار الغرور، يا مثبور (2) وفتنتک ببطشها المشهور، وزينت لک سوء عملک فرأيته حسناً، فغادرتک بموبقات سيّئاتک مرتهناً، وعن قليل يسفر الصباح، ويري المبدع في دين الله ما حضر وأباح، و يکشف الجليل لک عن وجه غفلتک حجاباً، ويقوم الروح والملائکة صفّاً لا يتکلّمون إلّا من أذن له الرحمن وقال صواباً (3)، ويقف سيّد المرسلين، ووصيّه سيد الوصييّن، وابنته سيّدة نساء العالمين، ثمّ يؤتي بک موثوقاً بأغلالک، مرتهناً بأعمالک، يتبرّأ منک أتباعک، ويلعنک أشياعک، وملائکة العذاب تدعک إلي النار دعّاً، والزبانية تسفعک بعذبات العذاب سفعاً

فعندها يجثو سيّد المرسلين للخصومة، ويقف وصيّه المظلوم وابنته وينادي عليک باسمک، ويظهر للناس بعض حدّک ورسمک، وينظر في ديوان حسابک، وتتهيّأ ملائکة العذاب لأخذک وعذابک، ويقال لک علي رؤوس الأشهاد ومجمع العباد: يا قاطعاً رحم نبيّه، يا جاحداً فضل وليّه، يا منکراً نصّ الغدير، يا ظالماً أهل آية التطهير، ألست القائل : إنّ نبيّکم ليهجر، وقد قال الله في

ص: 191


1- ساجَلَ الرَّجلَ : باراه ... والمساَجَلَة: المفاخرة. «لسان العرب :326/11 - سجل - ».
2- المثبور : المغلوب، الملعون، المطرود، المعذب، المحبوس.
3- إقتباس من الآية : 38 من سورة النبأ .

خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يشکو فيها قريش

شأنه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي)(1)؟ ألست الزاعم أنّه غوي في حب وصّيه، والله يقول: (مَا ضَلَّ صَاحِبُکُم وَمَا غَوَي)) (2)؟ ألست المسند إلي رسول « ما ترکناه صدقة (3)؟

فلعن الله الحديث ومتخرّصه ومصدّقه، أما کان جزاء من أکلت الدنيا

بسلطانه ترک فدک لذرّيّته ؟ أما کان في شرع المروّة التغافل عن بقعة من الأرض ذات الطول والعرض لعترته ؟ هنالک تصحو من خمار خمرتک، وتفيق من غمار غمرتک، ويحقّ الحقّ، ويأتي النداء من قبل الحقّ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلسِلَةٍ ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعاً فَاسلُکَوهُ إنّه کَانَ لَا يُؤمِنُ بِاللهِ العَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَی طَعَام المِسکِینِ فَلَيسَ لَهُ اليَومَ هَا هُنَا حَمِيمُ وَلَا طَعَامُ إلَّا مِن غِسلِينٍ)(4)، فتجرّ مصفّداً، وتسحب مقيّداً، وتلقي في الجحيم مرکوساً، وتقذف في الحميم منکوساً، في شرّ سجن قعرها هاوية، وسجنتها زبانية، وما أدراک ما هيه نار حامية. (5)

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب فقال : ما لنا وقريش، وما

تنکر منّا قريش غير أنّا أهل بيت شيّد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلي فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا الله عليهم، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم،

ص: 192


1- سورة النجم : 3.
2- سورة النجم : 2.
3- انظر : طبقات ابن سعد : 28/2 ، صحيح البخاري :96/4 -98، و ج25/5 وص 115-114 ص 177، وج 82/7 . وج 8/ 185، و ج 9/ 122، ص حيح مسلم: 1380/3 ح1759، الملل والنحل: 2131
4- سورة الحاقة: 36-30
5- إقتباس من الآية: 10 و 11 من سورة القارعة.

[وسخطوا مارضي الله، وأحبّوا ما کره الله، فلمّا اختارنا عليهم ](1)شرکناهم في حريمنا، وعرّفناهم الکتاب والسنّة، وعلمناهم الفرائض والسنن، و حفظناهم الصدق والدين (2)، فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا، ومنعونا حقّنا، والتوونا أسباب أعمالنا.

اللّهمّ فإنّي أستعديک علي قريش، فخذ لي بحقّي منها، ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا ربّ - بحقّي فإنّک الحکيم (3) العدل، فإنّ قريشاًصغرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني علي ميراثي من ابن عمّي، وأغروا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب(4)وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وکدّي، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقيه(5) وقالوا إنّک لحريص متّهم.

أليس بنا اهتدوا من متاه الکفر، ومن عمي الضلالة، وغيّ الظلماء ؟ أليس

أنقذتهم من الفتنة الصمّاء العمياء (6) ؟ ويلهم ألم أُخلّصهم من نيران الطغاة (7)وسيوف البغاة، ووطأة الأسد، ومقارعة الطماطمة(8)، ومجادلة القماقمة الّذين

ص: 193


1- من المناقب.
2- في المناقب : اللين، ودّيناهّم الدين و الاسلام .
3- في المناقب : الحکم
4- في المناقب : العرب والعجم.
5- کذا في المناقب، و في الأصل: وجسمي وشفيقي.
6- في المناقب: الفتنة الظلماء والمحنة العمياء
7- زاد في المناقب : وکره العتاة
8- في المناقب : الصماء طميم الناس : أخلاطهم وکثرتهم. والطَّمطَة : العَجمة. والطَّماطِم: هو الأعجم الذي لايُفصِح. «لسان العرب:371/12 - طمم -» .

کانوا عجم العرب، وغنم الحرب(1)، وقطب الأقدام، وحبال (2)القتال، وسهام الخطوب، وسلّ السيوف ؟ أليس بي تسنّموا(3) الشرف، ونالوا الحقّ والنصف ؟ ألست آية نبوة محمّد صلّی الله عليه و آله ، ودليل رسالته، وعلامة رضاه، وسخطه الّذي يقطع بي الدرع الدلاص، ويصطلم(4) الرجال الحراص، وبي کان يبري جماجم البهم (5)وهام الأبطال إلي أن فزعت تيم إلي الفرار، وعدّي إلي الانتکاص (6)

ألا وإنّي لو أسلمت قريشاً للمنايا والحتوف وترکتها لحصدتها سيوف الغواة، ووطأتها الأعاجم، وکرّات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابک الصافنات (7)، وحوافر الصاهلات، في مواقف الأزل والهزل،(8) في طلاب الأعنّة، وبريق الأسنّة، ما بقوالهظمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا : إنّک

الحريص متهم .(9)

ثمّ قال بعد کلام :

ص: 194


1- أي الّذين يطلبون غنائمها.
2- في المناقب : جبال.
3- تسنّم الشيء : علاه وارتفع به.
4- الدَّلاص: الليَّن البراق الأملس، واصطلم : استأصل وأباد.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الهمم. واليهم: جمع بهمة: الفارس الذي لا يبالي في الحرب من شدة بأسه.
6- کذا في المناقب . وفي الأصل: إلي أن قرعت بهم إلي الفرار، وعدي إلي الانتقاص
7- السنابک : أطراف الحوافر. والصافنات: جمع الصافن: وهو الفرس القائم علي ثلاث قوائم، وطرف الحافر الرابعة . «المعجم الوسيط :453/1 و 517»
8- کذا في المناقب ، وفي الأصل : والقول. والأزل : شدة الزمان، وضيق العيش . والهزل : الضعف ، والهذيان وأسترخاء الکلام.
9- من المناقب . وفي الأصل عبارة « مابقوا ...» فيها تصحيف.

ألا وإنّي فتحت الاسلام، ونصرت الدين، وعزّزت الرسول، وثبّت(1) أعلامه، وأعليت مناره، وأعلنت أسراره، وأظهرت أثره وحاله، وصفيت الدولة، ووطأت الماشي(2)و الراکب، ثمّ قدتها صافية علي أنّي بها مستأثر.

[ثمّ قال بعد کلام:] (3)

سبقني إليها التيمي والعدوي کسباق الفرس احتيالاً واغتيالاً وخدعة

وغيلة.

ثمّ قال بعد کلامه:

يا معشر المهاجرين والأنصار، أين کانت سبقة تيم وعديّ إلي سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة [ألا کانت](4) يوم الأبواء، إذ تکافت الصفوف، و تکانفت الحتوف (5) وتقارعت السيوف ؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ودّ إذ شمخ بأنفه، وطمح ببصره ؟

ولِمَ [لم ](6)يشفقا علي الدين وأهله يوم بواط إذ اسودّ الأفق، واعوجّ

عظم العنق (7)

ولِمَ لم يشفقا يوم رضوي إذ السهام تطير، و المنايا تسير ، والأسد تزأر ؟

وهلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان [ تصطکّ ، والآذان](8) تستک،

والدروع تهتک ؟

ص: 195


1- في المناقب : و پنيت .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : للماضي.
3- من المناقب
4- من المناقب
5- في المناقب : إذ تکاثفت الصفوف ، وتکاثرت الحتوف.
6- من المناقب
7- زاد في المناقب : وانحل سيل الغرق.
8- من المناقب

وهلا کانت مبادرتهما يوم بدر إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد

بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟

ولِمَ لم يشفقا علي الدين يوم بدر الثانية، والدعاس ترعب، والأوداج

تشخب، والصدور تخضب ؟

وهلا بادرا يوم ذات الليوث(1) وقد أمجّ التولب (2) واصطلم الشوقب،

وادلهم(3)الکوکب.

[ولم لا کانت شفقتهما علي الاسلام يوم الأکدر] ،(4) والعين تدمع،

والمنية تلمع، والصفائح تنزع.

ثم عدّد وقائع النبي صلّی الله عليه و آله ، ثمّ قال : فإنّهما کانا في النظارة.

ثمّ قال : فما هذه الدهماء والدهياء الّتي وردت علينا(5) من قريش ؟ أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وابن هذه الأفعال الحميدة - إلي آخر الخطبة ..

ومن جملة قصيدة للناشيء رحمة الله عليه : فلِمَ لم يثوروا(6) ببدرٍ وقد تبلت من القوم إذ بارزوکا ؟ ولِمَ عرَّدوا إذ شجيت العدي بمهراس أُحد وقد (7) نازلوکا ؟

ص: 196


1- أي غزوة حنين
2- أمجَّ: جَري جَرياً شديداً. والتولب : ولد الأتان من الحمار الوحشي إذا استکمل الحول.
3- الشوقب : الطويل من الرجال، النعام، الإبل . وادلهم : اشتد ظلامه.
4- من المناقب : وفيه «والعيون» بدل «والعين». .
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل: عليها.
6- کذا في المناقب، وفي الأصل : تثور . والتبل : الثأر
7- ي المناقب : ولم؟ وعرد: هرب . والمهراس : صخرة منقورة تسع کثيراً من الماء، وقد يعمل منه حياض للماء ، وهو هنا اسم ماء بأحد.

وَلِمَ أجمحوا يوم سلعٍ،(1) وقد ثبتَّ لعمرو ولِمَ أسلموکا ؟ ولِمَ يوم خيبر لم يثبتوا براية (2) أحمد واسترکبوکا ؟ فلاقيت مرحباً والعنکبوت واسداً يحامون إذ واجهوکا فدکدکن حصنهم قاهراً وطوّحت بالباب إذ حاجزوکا ولَم يحضروا بحنين وقد صککت بنفسک جيشاً صکوکا فأنت المقدّم في کل ذلک فله درّک لِمَ أخروکا ؟

ومن نهج البلاغة :

اللّهم إنّي أستعديک علي قريش، فإنّهم [قد] (3) فطعوا رحمي، وکفروا آياتي(4)، وأجمعوا علي منازعتي حقّاً کنت أولي به من غيري، وقالوا : ألا

[إنّ] (5) في الحقّ أن (6)تأخذه، وفي الحق [ أن]تُمنعه، فاصبر مغموماً، أو مُت متأسّفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذابّ (7) ولا مساعد، إلّا أهل بيتي، فَضَنَتُن (8)(بهم عن المنية، فأغضيت علي القذي (9)، وجرعت ريقي علي الشَّجا(10) وصبرت علي الأذي، ووطّنت (11)نفسي علي کظم الغيظ، وما هو أمرّ

ص: 197


1- الجمع : استعمل بمعني إدامة النظر مع فتح العين. وسلع : موضع بقرب المدينة
2- في المناقب : صحابة.
3- من النهج والمناقب.
4- في النهج: وأکفَؤُوا إنائي. وهنا کناية عن تضييع الحقّ.
5- من النهج والمناقب.
6- من النهج والمناقب.
7- الرافد : المعين . والذات : المدافع
8- أي بخل
9- القذي : ما يقع في العين، ومراده عليه السلام : غضضت الطرف عنه.
10- الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، يريد به غصة الحزن
11- في المناقب : وطبت .. وحر ، وفي النهج: وصبر من کظم الغيظ علي أم من القلقم. وآلم للقلب من وخز الشفار. والعلقم: الحنظل. والشفار: جمع شفرة: حد السيف ونحوه.

من العلقم، و آلم من حرّ الشفار.

وکذلک قوله صلوات الله عليه في خطبته الشقشقيّة: أما والله لقد

تقمّصا(1)ابن أبي قحافة - إلي آخرها - (2)

إذا تقرّر هذا فاعلم - أيّها المؤمن - [أن ](3) الدنيا لم تزل مصائبها مولعة بالأنبياء والمرسلين، ومطالبها عسرة علي الأولياء الصالحين، وأبناءها لم تزل ترمي بسهام حسدها من شيّد الله بالتقوي بنيانه، وشدّ بالاخلاص أرکانه، وأعلي بالطاعة مجده، وأسعد بالجّد جدّه، يحسد دنيّهم شريفهم، ويظلم قویّهم ضعيفهم، فتفکّروا في رأس أبنائها، وأساس زعمائها، أول کل حاسد، وأصل کل مارد، أعني الشيطان المغوي، والفتان المردي، کيف افتخر بعنصره النورانّي، وأصله النيراني، ورمي صفّي الله المجتبي عن قوس غروره، وأصمي منه المعابل بنبال فجوره، وأخرجه وروحه من الجنّة ينزع عنهما لباسهما، ويبدي لهما سوآتهما ، فلعنه الله بما أبدي من حسده، وأبان عن سوء معتقده، وأخرجه من نعيم جنّته، وقلّدته بشقوته طوق لعنته، فطلب النظرة منه سبحانه إلي يوم الدين، فقال: (أنظِرنِي إلَي يَومِ يُبَعثُونَ) (4)فقال سبحانه: ( إنَّکَ مِنَ المُنظَرِينَ) (5)فقال: (فَبعِزَّتِکَ لَأغوِيَنَّهُم أجمَعِينَ إلَّا عِبَادَکَ مِنهُم المُخلَصِينَ)(6)

ثمّ ينظره سبحانه کرامة به عليه ولم يمهله لمنفعة واصلة منه إليه ، ولکن

ص: 198


1- أي لبسها کالقميص .
2- مناقب ابن شهر آشوب : 201/2 -204، نهج البلاغة : 336 خطبة 217 ص48 خطبة 3
3- أثبتناه لضرورة السياق.
4- سورة الأعراف : 14 و 15. وانظر الآيتين : 79 و 80 من سورة ص .
5- سورة الأعراف : 14و 15. وانظر الآيتين : 79 و 80 من سورة ص .
6- سورة ص : 82 و 83.

أراد سبحانه ليبلو عباده أتهم أشدّ مخالفة لأمره، وحذراً من زوره ومکره، وتباعداً من موبقات زخارفه، و فراراً من موديات مواقفه، فصدق اللعين عليهم ظنّه، وزيّن لهم ما فرض عليهم وسنّه، فاتبعوه إلّا فريقاً من المؤمنين، وعبدوه إلا قليلاً من المخلصين، واتّخذوه رّباً دون خالقهم، وأبتغوا عنده الرزق دون رازقهم، ونصروا أولياءه، وقهروا أعداءه، وذهبوا بهم کلّ مذهب، وسدّوا عليهم کلّ مطلب، واتخذوا الأوثان أربابا ، والأصنام أنصابة، وقتلوا النبتّين ، وفتنوا المؤمنين .

فهم أبناؤه المخلصون في طاعته، والمناصحون في متابعته ، زيّن لهم دينه، فاتّبعوا قوله وفعله ، وموه لهم سبيله، فاتّخذوه وجهة وقبلةً، وبحروا له البحيرة، وسيّبوا السايبة، ووصلوا الوصيلة بأحلامهم العازبة، فالصبور الشکور نوح، والخليل والکليم والروح، کم نصبت أسلافهم لهم العداوة والبغضاء، وأغرت أخلاقهم بهم السفهاء ؟ حتي نادي نوح : ربّ( أنّي مَغلُوبُ فَانتَصِر) (1)وأُلقي الخليل في نار ضرامها يستعر، وفرّ الکليم من الظالم الأشر، وابن مريم لولا أنّ الله تعالي رفعه إلي سمائه لأحلّوا به الشيء النکر.

ثمّ لم يزل الأشرار من أشياعه، والفجّار من أتباعه، والأرجاس من ذرّيته، والأوغاد من حفد ته، ترفع بالأنبياء (2) أوصياءهم، وتقصد بالأذي المخلصين من أوليائهم، إلي أن انتهت النوبة إلي سيّد المرسلين، وخاتم النبيين ، فنصبوا له غوائلهم، وفوّقوا نحوه معابلهم، حتي قتلوا في بدر وأُحد أهله، و راموا بجدّهم وجمعهم قتله، وأخرجوه عن عقر داره، وطردوه عن محلّ قراره، وحزّبوا أحزابهم علي حربه، ورکبوا الصعب والذلول في طلبه، وضربوا بطون

ص: 199


1- سورة القمر: 10.
2- کذا في الأصل .

دواخلهم لمتاجرته، وأغروا سفهاءهم وجهّالهم بمحاورته.

ولم يزل الله سبحانه مؤيّداً له بنصره، مشيّداً بنيانه بأخيه وصهره، قاصماً فقرات ظهور أولي النفاق بمشهور فقاره، قامعاً هامات ذوي الشقاق بمشحوذ غراره، مظهراً دين الاسلام بشدة عزمته، مدمّراً حزب الشيطان بعالي همّته، حتي أعلي الله بسيفه کلمة الاسلام وشيّدها، وأيّد ملّة الإيمان وأيّدها، وفلّ جنود الطغيان وفرقها، وأذلّ جموع العدوان ومزّقها، وقتل من قريش أبطالها وطواغيتها، وألقي عن البيت الحرام أنصابها وجوابيتها.

ولمّا علم الله أنه لا مزيد علي تعنّيه وإخلاصه، ولا أقرب إلي الرسول من قرباه واختصاصه، توجّه بتاج العصمة والزعامة، وجعل الامامة فيه وفي نسله إلي يوم القيامة.

ولمّا أکمل الله دين الحقّ وأظهره، ونصب علم العدل ويسّره، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسلکوا إلي سبيل رضوان الله منهاجاً، أراد الله أن ينقل نبيّه من داره الفانية إلي داره الباقية، وأن يتحفه بالحياة الدائمة في جنّة عالية، أنزل عليه بعد أن فتح حصون الشرک ودمّرها، وأعلي کلمة الحق وأظهرها، ونسف جبال الشرک وجعلها سراباً، وفتح لأهل الحق إلي عرفان جلاله أبواباً، وصير لهم باتّباع نبيه ووليه إلي رضوانه ماباً (إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتح وَرَأيتَ النَّاسَ يَدخُلَونَ فِي دِينَ الله أفوَاجا فَسَبَّح بِحَمدِرَ بَّکَ وَاستَغِفِرهُ انَّهُ کَانَ تَوَّاباً(1)

قال المفسّرون: لمّا نزلت هذه الآية (إنَّک مَيَّتُ وَإنَّهُم مَيَّتُونَ)(2) قال

ص: 200


1- سورة النصر: 1- 3.
2- سورة الزمر : 30.

في نعي رسول الله صلي الله عليه و آله نفسه

رسول الله صلّی الله عليه و آله : ليتني أعلم متي يکون ذلک، فأنزل الله سبحانه سورة النصر، فکان رسول الله صلّی الله عليه و آله يسکت بين التکبير والقراءة بعد نزول هذه السورة، فيقول : سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه.

فقيل : يا رسول الله ، لم تکن تقوله قبل هذا ! [ فقال] (1) أما إن نفسي نعيت إليّ، ثمّ بکي بکاء شديداً. فقيل : يا رسول الله، أو تبکي من الموت وقد غفر الله لک ما تقدّم من ذنبک وما تأخّر ؟!

قال: فأين هول المطّلع ؟ وأين ضيق القبر، وظلمة اللحد ؟ وأين القيامة

والأهوال؟

فعاش صلّی الله عليه و آله بعد نزولها عاماً تاماً .

ثمّ نزلت و(لَقَد جَاءَ کُم رَسُول مِن أنفسِکُم)(2)الآية إلي آخر السورة وهذه السورة آخر سورة کاملة نزلت من القرآن، فعاش صلي الله عليه و آله بعدها ستة أشهر، ثمّ لمّا مضي صلّی الله عليه و آله في حجّة الوداع نزلت عليه في الطريق (يَستَفتُونَکَ قُلی الله یُفتِيکُم فِي الکَلَالة)(3)إلي آخرها، فسمّيت آيةالصيف.(4)ثمّ لمّا أتمّ صلوات الله عليه و آله مناسکه نزل عليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلَّغ

مَا أنزِلَ إَليکَ مِن رَبَّکَ وإن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتهُ) (5)

ص: 201


1- من المناقب.
2- سورة التوبة: 128.
3- سورة النساء :176.
4- مناقب ابن شهر آشوب : 234/1، عنه البحار : 22 /471 ح 20.
5- سورة المائدة : 67.

أن الله تعالي أوحي إلي النبي صلي الله عليه و آله أن ينصب علي

للناس ويخبرهم بولايته ، وقول النبي صلي الله عليه و آله :

من کنت مولاه فعلي مولاه»

روي العيّاشي (1) بإسناده عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن الکلبي ، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمد صلّی الله عليه و آله أن ينصب عليّاً عليه السلام للناس فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلي الله عليه و آله أن يقولوا حابي ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلک عليه، فأنزل الله هذه الآية ، فقام صلوات الله عليه و آله بولايته يوم غدير خم

وروي هذا الخبر أيضاً الحاکم أبو القاسم الحسکاني بإسناده عن ابن أبي عمير إلي آخره في کتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل(2)، وفيه أيضاً (3)قال: لمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلّی الله عليه و آله بيد علي عليه السلام ورفعها، وقال : من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

وقد أورد هذا الخبر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في

تفسيره. (4)

و[قد ](5)اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام انّ الله أوحي إلي نبيّه صلّی الله عليه وآله أن يستخلف عليّاً عليه السلام ، فکان يخاف أن يشق ذلک علي جماعة من أصحابه، فأنزل الله تعالي هذه الآية(6)

ص: 202


1- تفسير العياشي : 331/1 ح 152، عنه البحار : 139/37ح 31، وتفسير البرهان :489/1 ح ، وعوالم العلوم: 50/3/15ح 16 « حديث الغدير».
2- شواهد التنزيل : 1/ 255 ح 249.
3- شواهد التنزيل :251/1 ح 245 ص 252 ح 247.
4- الکشف والبيان للثعلبي : 78( مخطوط)، عنه کشف المهمّ :107 ح 20 و ص 108ح22، والغدير: 217/1و ص 274.
5- من المجمع.
6- لفظ الجلالة من المجمع.

تشجيعاً له علي القيام بما أمره الله (1) بأدائه.(2)

الباقر والصادق عليهما السلام : لمّا نزلت هذه الآية وهي (اليَوم أکمَلتُ لَکُم دِينَکُم وَأتمَمتُ عَلَيکُم نِعمَتِي )(3) إلي آخرها قال يهوديّ لابن عبّاس (4): لو

کان هذا اليوم فينا لاتّخذناه عيداً.

فقال ابن عبّاس: وأيّ يوم أکمل من هذا اليوم (5)-2(6)

وسأُورد خطبة رسول الله صلّی الله عليه و آله في أثناء هذا الفصل عند

ذکر خطبتي، فإنّي بنيتها علي خطبة رسول الله صلي الله عليه و آله .

وجاء في تفسير قوله تعالي: (فَأَوحَي إلَي عَبدِهِ مَا أوحَي) (7) ليلة المعراج في علي، فلمّا دخل وقته أوحي الله : بلّغ ما أُنزل إليک من ربّک في ليلة المعراج

(8)

ص: 203


1- لفظ الجلالة من المجمع.
2- مجمع البيان : 2/ 223، عنه البحار:249/37 - 250، و عوالم العلوم : 3/15 /352 «حديث الغدير) .
3- سورة المائدة : 3.
4- في المنافب العمر
5- في المناقب : العيد
6- مناقب ابن شهر آشوب : 22/3 ، عنه البحار: 156/37 ح 39، وعوالم العلوم:115/3//15 ح 148 «حديث الغدير» . وانظر الإبانة لابن بطة : 2/ 632-635ح 818-821.
7- سورة النجم : 10.
8- في المناقب : قال : بلّغ ما أنزل إليک من ربک وما أوحي، أي بلّغ ما أنزل إليک في علي عليه السلام ليلة المعراج. ونسب فيه الأبيات الآتية إلي الشريف المرتضي. وهو السيّد المرتضي علم الهدي ذو المجدين علي بن الحسين بن موسي، وهو إمام في الفقه ومؤسّس لأصوله، شاعر، متکلّم ، مفسر، ولد سنة «355» ه ، و توفّي سنة «436» ه.

في قوله تعالي: (واليوم أکملت لکم دينکم)

الله درّ اليوم ما أشرفا ودرّ من کان به أعرفا ساقَ إلينا فيه ربُّ العُلي ما أمرض الأعداء أو أتلفا وخصّ بالأمر عليّاً وإن بدل من بدّل أو حرّفا إن کان قولاً کافياً فالّذي قال بخم وحدَه قد کفي قيل له بلّغ فمن لم يکن مبلّغاً عن ربّه ما وفي (1)

عن أبي حاتم الرازي أنّ جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قرأ (فَإذَا

فَرَغتَ) (2) من إکمال الشريعة (فَانصَب) لهم عليّاً إماماً.

وروي النطنزي في کتابه الخصائص قال : لما نزل قوله :(اليومَ أکمَلتُ لَکُم دِينَکُم) قال رسول الله صلّی الله عليه و آله : الله أکبر علي إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعدي.

وروي : لمّا نزل قوله:(إنَّما وَليُّکُم اللهُ وَرَسُولُهُ)(3) أمر الله سبحانه أن ينادي بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وضاق النبي بذلک ذرعاً لمعرفته بفساد قلوبهم، فأنزل سبحانه : (يَا أيَّهَا الرَّسُولُ بَلَّغ مَا أنزِلَ إلَيکَ)(4) الآية، ثمّ أنزل (أذُکُرُوا نِعمةَ اللهِ عَلَيکُم) (5)ثمّ أنزل (واليَوم أکمَلتُ لَکُم دِينَکُم)، وفي

ص: 204


1- مناقب ابن شهر آشوب:21/3، عنه البحار:155/37 ح 39.
2- سورة الشرح : 7.
3- سورة المائدة :55.
4- سورة المائدة : 67.
5- سورة المائدة : 11 و 20. سورة الأحزاب: 9، سورة فاطر : 3. وانظر سورة البقرة: 231، سورة آل عمران: 103، سورة المائدة : 7.

رواة حديث الغدير

هذه الآية خمس إشارات(1) إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرحمن، وإهانة الشيطان، ويأس الجاحدين.

وفي الحديث أنّ الغدير عبد المؤمنين، وعبد الله الأکبر.

وعن ابن عبّاس قال: اجتمعت في ذلک اليوم - الّذي نصب رسول الله صلّی الله عليه و آله و فيه (2)عليّاً - خمسة أعياد : الجمعة والغدير وعيد اليهود والنصاري والمجوس، ولم يجتمع قبل ذلک قطّ.

والعلماء مطبقون علي قبول هذا الخبر، وإنّما وقع الخلاف في تأويله.

ذکره محمد بن إسحاق، وأحمد البلاذري، ومسلم بن الحجّاج، وأبو

إسحاق الثعلبي، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً.(3)

وذکر عن الصاحب کافي الکفاة رحمه الله أنّه قال : روي لنا قصّة غدير خم القاضي أبو بکر الجعابي عن أبي بکر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة،

ص: 205


1- في المناقب : بشارات .
2- أثبتناه لضرورة السياق.
3- في المناقب : ومسلم بن الحجّاج، وأبو نعيم الأصفهاني، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو بکر بن مردويه، وابن شاهين، وأبو بکر الباقلاني، وأبو المعالي الجويني، وأبو إسحاق الثعلبي، وأبو سعيد الخرگوشي، وأبو المظفّر السمعاني، و أبو بکر بن شيبة ، وعلي بن الجعد، وشعبة ، والأعمش ، وابن عباس، وابن الثلاج، والشعبي، والزهري ، والأقليشي. وابن البيع، وابن ماجة، وابن عبد ربّه، والألکاني، وأبو يعلي الموصلي من عدّة طرق، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن بطّة من ثلاث وعشرين طريقة، وأبن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً في کتاب الولاية، وأبو العبّاس بن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو بکر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً. وقد صنّف علي بن بلال المهلّبي کتاب الغدير، وأحمد بن محمد بن سعيد کتاب من روي غدير خمّ، ومسعود السجزي کتاباً فيه رواه هذا الخبر وطرقه، واستخرج منصور اللائي الرازي في کتابه أسماء رواته علي حروف المعجم.

والزبير، والحسن ، والحسين ، و عبد الله بن جعفر، وعبّاس بن عبد المطلّب، وعبد الله بن عبّاس، وأبي ذرّ، وسلمان، وعبد الرحمان ، و أبي برزة الأسلمي، وسهل بن حنيف، إلي أن عدّ قريباً من مائة من أکابر الصحابة.

ومن النساء قد رواه : فاطمة الزهراء، وعائشة، وأمّ سلمة، وأمّ هانيء بنت

أبي طالب، وفاطمة بنت حمزة.

والغدير بين مکّة والمدينة في واد يقال له وادي الأراک ، وهو علي أربعة

أميال من الجحفة عند شجرات خمس دوحات عظام.

الصادق عليه السلام : تعطي حقوق الناس بشهادة عدلين (1) وما أعطي

علي حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس 1 - يعني الغدير -(2)- (3)

فضائل أحمد بن حنبل و أحاديث أبي بکر بن مالک وإبانة ابن بطّة وکشف الثعلبي عن البراء، قال: لمّا أقبلنا مع رسول الله صلّی الله عليه و آله في حجّة الوداع کنّا بغدير خمّ، فنادي صلّی الله عليه و آله : [ان] (4)الصلاة جامعة فکسح النبي صلّی الله عليه و آله بين (5)شجرتين، وأخذ بيد عليّ، وقال : ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟

قالوا : بلي ، يا رسول الله . ثمّ قال: ألست أولي من کلّ مؤمن بنفسه ؟ قالوا: بلي ، يا رسول الله .

ص: 206


1- في المناقب : شاهدين .
2- من المناقب
3- مناقب ابن شهر آشوب : 3/ 23 - 29، عنه البحار : 109/37 - 108 ح 39 و
4- من المناقب
5- في المناقب : تحت

قول عمر بن الخطاب لعلي عليه السلام : أصبحت مولاي

فقال : هذا مولي من أنا مولاه ، اللّهّم وال من والاه، وعاد من عاداه .

قال: فلقيه عمر بن الخطّاب، فقال: هنيئاً لک يا ابن أبي طالب، أصبحت

مولاي و مولي کلّ مؤمن ومؤمنة.

وروي هذا الحديث من عدّة طرق عن عمر بن الخطّاب.

السمعاني في فضائل الصحابة (1) قيل لعمر بن الخطّاب : إنا نراک تصنع

بعلیّ شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبيّ ؟!

قال: لأنه مولاي.(2) فقد أجري الله الحقّ علی لسانه، ولکن کان باطنه بخلاف ظاهره.

روي معاوية بن عمّار، عن الصادق عليه السلام في خبر قال: لمّا قال النبي : من کنت مولاه فعليّ مولاه، قال العدويّ: لا والله ما أمره بهذا، وما هو إلّا شيء تقوله، فأنزل الله سبحانه (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعضَ الأقَاوِيلِ - إلي قوله - عَلَی الکَافِرِينَ)(3)یعني محمداً، وقوله: (وَإنّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ) (4)

ص: 207


1- زاد في المناقب : بإسناده عن سالم بن أبي الجعد.
2- مناقب ابن شهر آشوب :35/3-36 ، عنه البحار: 37/159، وعوالم العلوم. 202/3/15 ح 270 و 207 ح 284«حديث الغدير». . انظر: مسند أحمد بن حنبل: 84/1 و 119 و 152، وج 4/ 281 و 370 و 372، وج361/5و 366و 370 و 419، فضائل الصحابة لأحمد: 563/2ح947 : ص569 ح 959 ص 598 ح 1021 ص 610ح 1042 و ص613 ح 1048 و 682 ح 1167 وص 705ح 1206. وانظر : کشف المهمّ : 99ح 1وص 103ح 11 ص 107ح 21 و ص 128 ح 53 وص 129 ح 55، عوالم العلوم المذکور: 60 ح 29 و ص 102 ح 118 وص 103ح 120 وص 202 ح 270 و 205 ح 278 ص 207 ح284 .
3- سورة الحاقّة: 41- 50.
4- سورة الحاقة: 51.

أقاويل المنافقين في ولاية علي عليه السلام

يعني عليّاً (1)

فهذا الحديث عن الصادق عليه السلام يؤيّد ما قلناه من فساد باطنه.

حسّان الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر أنّ المنافقين لمّا رأوا رسول الله صلّی الله عليه و آله و آله رافعا يد علي، قال بعضهم لبعض : انظروا عينيه کأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل بهذه الآية:(وَإن يَکَادُ الَّذِين کَفَرُوا لَيُزلقُونَکَ بِأبصَارِهِم لَمَّا سَمِعوا الذَّکرَ وَيَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجنُونُ) (2)- (3)

عبد العظيم الحسني : عن الصادق عليه السلام في خبر: قال رجل من بني عديّ: اجتمعت إليّ قريش ، فأتينا النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فقالوا: يا رسول الله، إنّا ترکنا عبادة الأوثان واتّبعناک، فأشرکنا في ولاية عليّ عليه السلام ، فهبط جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلّي الله عليه و آله وقال:(لَئِنَ أَشرَکتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُکَ) (4)- (5)

قال الرجل : فضاق صدري، فخرجت هارباً لما أصابني من الجهد، فإذا أنا بفارس قد تلقّاني علي فرس أشقر، عليه عمامة صفراء تفوح منه رائحة المسک، وقال لي: يا رجل، لقد عقد محمد عقدة لايحلّها إلّا کافر أو منافق.

ص: 208


1- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 37، عنه البحار: 160/37 ، وکشف المهمّ : 170 ح 17، وعوالم العلوم: 141/3/15 ح 207 «حديث الغدير». .
2- سورة القلم: 51.
3- مناقب ابن شهر آشوب : 3/ 37. عنه البحار: 160/37 ، وعوالم العلوم:141/3/15 ح208«حديث الغدير». . ورواه في الکافي : 566/4ح 2. وفي التهذيب : 3/ 263 ح746، عنه کشف المهمّ : 169ح 16.
4- کذا في المناقب ، و في الأصل : قال: جاء رجل
5- سورة الزمر: 65.

[قال: ](1)فأتيت النبيّ صلّی الله عليه و آله فأخبرته، فقال : هل عرفت الفارس ؟ ذاک جبرئيل عليه السلام عرض عليک(2) الولاية، إن حللتم أو شککتم کنت خصمکم يوم القيامة(3)

الباقر عليه السلام قال : قام ابن هند و تمطّی (4)وخرج مغضباً واضعاً يمينه علي عبد الله بن قيس الأشعري، ويساره علي المغيرة بن شعبة، وهو يقول: والله لا نصدّق محمداً علي مقالته، ولا نقرّ لعلئّ بولايته، فنزل (فَلَا صَدَّق وَلَا صَلَّي) الآيات، فهمّ به رسول الله صلّی الله عليه وآله أن يرده ويقتله.

فقال جبرئيل : (لَا تُحرَّک بِهِ لِسَانَکَ لِتَعجَلَ بِهِ)(5)

فسکت [عنه] (6)

رسول الله صلّی الله عليه و آله)(7)بإسناد متصّل بالامام الصادق عليه السلام قال :(8)

وروي الشيخ الطوسي وأبو علي الطبرسي في تفسير هما(9) لمّا نصب رسول الله صلّی الله عليه و آله عليّاً علماً يوم غدير خمّ، وقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، وطار ذلک في البلاد،

ص: 209


1- من المناقب .
2- تفسير التبيان : 113/ 10 ، مجمع البيان : 302/5 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : 3/38، عنه البحار: 161/37، وعوالم العلوم: 149/3/15 ح224حديث الغدير».
4- أي تبختر و تکبّر
5- سورة القيامة:31.
6- من المناقب .
7- سورة القيامة: 16.
8- مناقب ابن شهر آشوب : 3/ 38، عنه البحار: 161/37، وعوالم العلوم:124/3/15ح174 حديث الغدير». .
9- تفسيرالتبیان113/10مجمع البیان352/5. وانظر شواهد التنزيل : 3812 وما بعدها.

فقدم علي رسول الله صلي الله عليه و آله النعمان بن الحارث الفهري، (1)فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّک رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والصوم والصلاة والزکاة فقبلنا، ثم لم ترض حتي فضّلت هذا الغلام، فقلت: من کنت مولاه فعليّ مولاه ، فهذا شيء منک أو أمر من الله ؟

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : والله الذي لا إله إلّا هو ان ّهذا من

فوتي النعمان بن الحارث وهو يقول: :( اللَّهُمَ إن کَانَ هذَا هُوَ الحَقُّ مِن عِنِدکَ فَأَمطِر عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ آئتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (2) فرماه الله بحجر علي رأسه فقتله، وأنزل الله تعالي(سَألَ سَائِلَ بِعَذَابٍ وَاقعٍ لِلکَافِرينَ ليَسَ لَهُ دَافِعُ مِنَ اللهِ ذِي المَعَارِج ِ)(3)-(4)

وروي أنّه في الحال قام يريد راحلته فرماه الله بحجر قبل أن يصل إليها.

وروي أن رسول الله صلّی الله عليه و آله لمّا فرغ من غدير خمّ وتفرّق الناس اجتمع نفر من قريش يتأسّفون علي ما جري، فمر بهم ضبّ، فقال بعضهم : ليت محمداً أمّر علينا هذا الضبّ دون عليّ.

ص: 210


1- في المناقب : الحارث بن النعمان الفهري. وفي رواية: أبي عبيد جابر بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدري. وفي التبيان أن السائل هو : النضر بن کلدة ، وفي المجمع : النضر بن الحارث بن کلدة .
2- سورة الأنفال: 32.
3- سورة المعارج: 1- 3.
4- مناقب ابن شهر آشوب:40/3 . عنه البحار: 37/ 162، وعوالم العلوم:68/3/15 ح 45 «حديث الغدير». . ورواه في الکافي :57/8 ح 18، عنه البحار : 35/ 323ح 22، والبرهان: 4/ 150، وغاية المرام : 425ب 184ح 1، ومدينة المعاجز : 2/ 265 ح 544.

أن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض

فسمع ذلک أبو ذّر، فحکي ذلک لرسول الله صلّی الله عليه و آله ، فبعث إليهم وأحضرهم، وأعرض عليهم مقالهم، فأنکروا وحلفوا، فأنزل سبحانه تعالي :

(يَحلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا)(1) الآية.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت

الغبراء، الخبر.

وفي رواية أبي بصير، عن الصادق عليه السلام : أنّ النبيّ صلّی الله عليه وآله قال : نزل عليَّ جبرائيل وأخبرني أنّه يؤتي يوم القيامة بقوم إمامهم ضبّ، فانظروا ألا تکونوا أُولئک، فأنزل سبحانه : (يَومَ نَدعُواکُلَّ أُناسٍ بِإمَامِهم)(2)-(3)

وروي شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في أماليه عن أحمد[ بن محمد] بن نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال : حدّثني أبي، عن أبيه أنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، إنّ الله سبحانه في الفردوس قصر لينة من فضة، ولبنة من ذهب، فيه مائة ألف خيمة من ياقوتة حمراء (4) ومائة ألف خيمة من ياقوتة خضراء ، ترابه المسک والعنبر، فيه أربعة أنهار : نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من عسل، حواليه أشجار جميع الفواکه، عليها(5)طيور أبدانها من لؤلؤ، وأجنحتها من ياقوت، تصوّت بأنواع الأصوات، إذا کان يوم الغدير ورد إلي ذلک القصر أهل السماوات يسبّحون الله(6)

ص: 211


1- سورة التوبة:74.
2- سورة الإسراء: 71. -
3- مناقب ابن شهر آشوب : 41/37 ، عنه البحار :163/37، وتفسير البرهان : 2/ 147ح 7، وعوالم العلوم: 163/3/15 ح 240 «حديث الغدير».
4- من المناقب .
5- في المناقب : فيه مائة ألف قبة حمراء.
6- في المناقب: عليه.

زيارة المؤلف رحمه الله لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام

ويقدّسونه ويهلّلونه، فتطاير تلک الطيور فتقع في ذلک الماء، وتتمرّغ علي ذلک المسک والعنبر، فإذا اجتمعت الملائکة طارت فتنفض ذلک عليهم، وانّهم في ذلک و اليوم (1) ليتها دون نثار فاطمة عليها السلام ، فإذا کان آخر اليوم نودوا : انصرفوا إلي مراتبکم فقد أمنتم من الخطر والزلل إلي قابل في هذا اليوم تکرمة المحمد وعليّ ، الخبر. (2)

وفي سنة أحد وعشرين وتسعمائة زرت مشهده الشريف صلوات الله عليه وکان الله سبحانه قد ألقي علي لساني خطبة جليلة، وکلمات فصيحة في فضله صلوات الله عليه وذمّ أعدائه، وأوردت في أثنائها خطبة النبي صلّی الله عليه وآله يوم الغدير (3)، والخطبة الّتي من کلام أمير المؤمنين عليه السلام التي أوردها شيخنا أبو جعفر الطوسي في مصباحه الکبير (4)، وضممتها ألفاظاً رائقة

ص: 212


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهر آشوب : 42/3، عنه البحار :163/37 ، وکشف المهم : 174ح 21،وعوالم العلوم: 152/3/15 ح 232 و ص 221 ح 304 «حديث الغدير». وأورده في فرحة الغرّي : 106، عنه البحار: 118/97 ح 9. وفي إقبال الأعمال: 468، عنه کشف المهمّ: 72ح 20. وأورد صدره في مصباح المتهجدّ : 737. وانّ حديث الغدير ممّا تواتر نقله وروايته عند علماء الفريقين، حيث رواه عن النبي صلّی الله عليه و آله نحو مائة وعشرين من الصحابة. ولقد أجاد يراع العلّامة الحجّة السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدّس سرّه في إحصاء تدوين الکتب التي أفردت في التأليف حول واقعة الغدير منذ القرن الثاني وحتي يومنا هذا. ويمکنک أيضاً مراجعة تخريجات الحديث في مصادر أهمّها: مناظرة الشيخ والد البهائي مع أحد علماء العامة في حلب : 49، صحيفة الامام الرضا عليه السلام : 172 - 224ح .109
3- انظر مثلاً : الاحتجاج للطبرسي: 58، عنه عوالم العلوم: 178/3/15 «حديث الغدير» .
4- مصباح المتهجدّ: 702.

خطبة يوم الغدير للمؤلف رحمه الله ، متضمنة خطبة النبي صلي الله

عليه و آله يوم الغدير ، وخطبة أمير المؤمنين عليه السلام التي

رواها الشيخ الطوسي في مصباحه

واستعارات شائقة، يطرب لها المؤمن التّقيّ، ويصدر عنها المنافق الشقيّ، فخطبت بها في ذلک اليوم الشريف في مشهده صلوات الله عليه تجاه ضريحه في جمع لا يحصي کثرة، وأحببت إيرادها في هذا المجموع لتکون تذکرة لمن کان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.

الخطبة

الحمد لله الذي ثبتّ بکلمة التوفيق قواعد عقائدنا، وأثبت في صحائف التصديق دلائل معارفنا، وذلّل لقلوبنا سلوک مشارع الايمان في مواردنا ومصادرنا، وسهّل لنفوسنا حزونة شرائع العرفان بقدم صدقنا واستقامتنا، وخاطبنا ببيان عنايته:

(أجيبُوا دَاعِيَ اللهِ)(1)فأجبنا، ونادانا بلسان سيّد بريّته :( أن آمِنُوا بِرَبَّکُم فَامَنَّا)(2)، وأمرنا بالتمسّک بعروة خليفته في خليقته فقلنا: ربّنا (سَمِعنَا وَأَطَعنَا) (3) لمّا سلک الناس مسالک المهالک، وارتکبوا متن الضلالة فلم يحصلوا من طائل علي ذلک، ورأوا شرار الضلالة وظنّوه سراباً، وشاهدوا علم الجهالة فحسبوه صواباً، سلکنا سبيل نبيّنا وعترته، واستقمنا علي طريقة وليّنا وذرّيّته ، الذي زيّن الله کتابه بذکر مناقبه، وأوضح في تنزيله عن شرف مراتبه، بدلالة إشارة (إنَّما وَلِیُّکُمُ)(4)، وآية عبارة (إنَّمَا يريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنکُم الرَّجسَ أهلَ

ص: 213


1- سورة الأحقاف : 31.
2- سورة آل عمران: 193.
3- سورة البقرة : 285، سورة النساء: 46، سورة المائدة: 7، سورة النور: 51.
4- سورة المائدة : 00.

البَيتِ وَيُطَهَّرَکُم)(1)

ولمّا علم الله صدق نبيّه، وإخلاص طويتّه ، ليس له ثان في الخلق، ولم يثنه ثان عن التوجّه إلي الحقّ، مصباح الظلام إذا العيون هجعت ، المتهجدّ القوّام إذا الجنوب اضطجعت، المستأنس بالحقّ إذا الليل سجا ، المستوحش من الخلق إذا الغسق دجا، له مع الله حالات و مقامات، وتقلبه في صحائف الاخلاص سمات وعلامات، لا يقصد بتهجدّه إلّا مولاه، ولا يرجو بتعبّده إلّا إيّاه، لولا جِدُّه لما قام للاسلام عمود، ولولا علمه لما عرف العابد من المعبود، اصطفاه سبحانه لنفسه، وأيّده بروح قدسه، وأوجب له عرض الولاية علي جِنّه وإنسه، وساوي بينه وبين الرسول في علمه وحلمه، وطمّه ورمّه، وجدّه ورسمه، وفضله وحقّه.

وجعل له في قلوب المؤمنين ودّاً، وأمر نبیّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير صدراً وورداً، وأن يثبت له في الأعناق إلي يوم التلاق عقداً و عهداً، وأن يرفع له بالرئاسة العامة في الآفاق علي الاطلاق شرفاً ومجداً.

فقام صلّی الله عليه و آله صادعاً بأمر الله، منفّذاً لحکم الله، خاطباً في الغدير علي منبر الکرامة ، مخاطباً للجم الغفير بفرض الامامة ، مبّينا أمر وصیّه ووليّ عهده، مظهراً شرف صفيّه وأخصّ الخلق من بعده، راغباً معاطياً طال ما شمخت تعزّزاًوکبراً، قاهراً أسي کم أظهرت لوليّ أمرها عقداًوعذراً، قاطعاً أسباب أولي النفاق بمبين وعظه، قامعاً هامات الشقاق بمتين لفظه.

ما أظهر صلّی الله عليه و آله شرفه و ميثاقه في الخطبة إلّا بعد أن أعلي الله في الملکوت الأعلي شأنه وخطبه، وأمر الصاقين الحافّين بالقيام علي قدم

ص: 214


1- سورة الأحزاب: 33.

الخدمة الاستماع النصّ الجليّ علي الامام العظيم، الّذي زينّ الله کتابه بذکر أسمائه بقوله:(إنَّهُ فِي أمَّ الکِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيُّ حَکِيمُ)(1)

صاحب الکرامات السامية، والمقامات العالية، وجه الله الّذي يتوجّه به إليه، وسبيله الّذي بسلوکه يفوز السالکون فيه يوم العرض عليه، ويده الباسطة في بلاده، وعينه الباصرة في عباده، وحبيبه حقّاً فمن فرط فيه فقد فرط في حبيب الله، ولسانه صدقاً فمن ردّ عليه فقد ردّ علي الله، لما شرب بالکأس الرويّة من شراب(يُحبُّهُم وَيُحبُّونَهُ) (2) وفاز بالدرجة العليّة من مقامات(لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَستَنبِطُونَه)(3) قابل بوجه باطنه أنوار تجلّيات قيّوم الملکوت، و ظهرت بانعکاس مرآة کمال عرفانه أسرار صاحب العزّة والجبروت، فصار قلبه مشکاة النور الإلهي من حضيرة جلاله ونفسه ، منبع السر الخفيّ من فيضان کماله.

جلّ أن يدرک وصفه بيان واصف، أو يوصف قدره بنان راصف، نقطة دائرة الموجودات فعليه مدارها، وصفوة خلاصة الکائنات فهو قيمها ومختارها، من نحو منطقه يعرف الحق فما زيد وعمر؟ وإلي مصباح علمه يعشق الخلق فما خالد وبکر ؟

من اعتقد أنّ الحق بميزان غير علومه يعرف فالوبال والنکال له وفيه ومن زعم أن الرب بمنطق غير بيانه يوصف فالتراب بل الکثکث (4)بفيه، کلّيّ العلم وجزئيّه به يعرف، وفضل العدل وجنسه برسمه وحده معرّف.

ص: 215


1- سورة الزخرف : 4.
2- سورة المائدة : 54.
3- سورة النساء : 83.
4- الکثکث: دُقاقُ التراب، وفُتاتُ الحجارة ؛ وقيل: التراب مع الحجر .«لسان العرب: 179/2- کشت - .

لا شرف إلّا لمن شرف باقتفاء آثاره، ولا سؤدد إلّا لمن استضاء بلوامع أنواره، ولا عُرف إلا لمن تمسک بأسبابه، ولا عَرَف إلا لمن تمسّک بترابه، فلک النجاة في بحار الضلالة، وعلم الهداة في أقطار الجهالة، من التجأ إلي کنف عصمته نجا، ومن غوي عن طريق طريقته هوي، لا يحبه إلا من علت همته، وغلت قيمته، فطابت آرومته، وارتفعت جرثومته.

فيا أيّها العارفون بفضله، المتمسّکون بحبله، السالکون سبيله، التابعون دليله، أبشروا بروح وريحان(1) ومغفرة ورضوان، وجنّات لکم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم (2)، قلتم ربنّا ثمّ استقمتم، وسلکتم سبيل نبيّکم و ولیّکم و تبتم، فأنتم خلاصة الله في خلقه، القائمون بوظائف عزائمه وحقّه، فهنّاکم الله في هذا اليوم الرحمة، وأتمّ عليکم النعمة، وجعلکم خير أمّة، وسلک بکم سبيل سيد الأئمّة، الذي ضربه الله مثلاً في محکم تنزيله، وشدّ به عضد نبيّه ورسوله، وهزم بعزمه الأحزاب، وقصم بسيفه الأصلاب، وجعل حبّه فارقة بين الکفر والإيمان، واتّباعه وسيلة إلي الفوز بنعيم الجنان.

فانشروا في هذا اليوم أعلام الإسلام بنشر فضله، وابشروا إذ سلکتم منهاج سبيله واستمسکتم بحبله، وأظهروا آثار النعمة فهو يوم الزينة للمخلصين من أتباعه، واشکروا حسن صنيع ربکم إذ جعلکم من خاصّته وأشياعه، وارعوا أسماعکم إلي ما أورد الرسول من شرفه في خطبته، واستضيئوا بلوامع أنواره واستسنّوا بسنّته.

فقد روي أنّه صلّی الله عليه و آله لمّا أتمّ مناسک حّجه، وفرغ من شعائر

ص: 216


1- إقتباس من الآية: 89 من سورة الواقعة
2- إقتباس من الآية: 21 و 22 من سورة التوبة.

عجّه و ثجّه(1)ناداه الله بلسان التشريف مبين فضله من لدنه ومکانته : يا أيها الأشول بلغ ما أنزل إليک من ربک وإن لم تفعل فما بلغت رسالتهه.(2)

فأراد صلّی الله عليه و آله تأخير بلاغها إلي دار هجرته، و مستقرّ دعوته،

ظنّاً منه أنّها فريضة موسعة، وأنّ الأمر فيه مندوحة وسعة، وفَرَقاً من فرق الضالّين المضلّين، الزالّين المزلّين، أن يکذّبوا بالکتاب وحججه وبیّناته، وأن يتّهموا الرسول فيما أنزل عليه في وصيّه بمحاباته.

فعاتبه سبحانه علي ترک الاولي مهدّداً، ووعده العصمة علي من لجّ في الباطل واعتدي، وشرّف الله غدير خمّ بما أنزل فيه من الرحمة، وأتمّ من النعمة.

فقام صلّي الله عليه و آله فيه خاطباً علي منبر الکرامة ، موضحاً فضل درجة الامامة، هذا والجليل سبحانه يسدّده، وروح القدس عن يمينه يمجدّه، و ميکائيل عن يساره يعضده، وجبرئيل معظم شأنه وخطبه، وحملة العرش مادّة أعناقها لاستماع الخطبة، والروحانيون وقوف علي قدم الخدمة، والکروبيون صفوف لتلقّي نفحات الرحمة، والحور العين من القصور علي الأرائک ينظرون، والولدان المخلّدون لتشار السرور منتظرون، آخذاً بعضد من کان في المباهلة معاضده و مساعده، و في المصاولة عضده وساعده.

سيفه القاطع، ونوره الساطع، وصدّيقه الصادق، ولسانه الناطق، أخوه وابن عمّه، والخصّيص به کابن أمّه، ليث الشري(3)، غيث الوري ، أسد الله

ص: 217


1- في الحديث: أفضل الحجّ العج ّوالثلجُّ، العج: رفع الصوت بالتلبية، والثجُّ: صَبُ الدم وسَیَلان دماء الهدي، يعني الذبح. «لسان العرب: 318/2 - عجج - ».
2- سورة المائدة : 67.
3- الشَّري: موضع تُنسب إليه الأُسدُ. «لسان العرب : 431/14- شري -

المِحراب، (1)حليف المسجد والمحراب، قاصم العُداة ، وقاسم العِدات، في المعرکة ليث، وفي المخمصة غيث، طريقه أبلج، ونهجه أوضح منهج، بابه عند سدّ الأبواب مفتوح، وصدره لتلقّي نفحات الرحمن مشروح

کم عنيد بصارمه شدخ ؟ وکم صنديد ببطشه دوّخ ؟ وکم ريح للشرک أرکد؟ وکم نار للظلم أخمد ؟ وکم صنم جعله جذاذاً ؟ وکم وثن ترکه أفلاذاً ؟ قسيم الجنة والنار، و سيِّد المهاجرين والأنصار، و حياة المجديين لدي الاغوار، ونکال الظالمين يوم البوار، جعله الله للمصطفي ختناً ونفساً، وله الزهراء سکناًوعرساً، ورفع له فوق عرش المجد عرشاً، و خلقه أشدّ خلقة قوّة وإيماناً وبطشاً و کم أسد بثعلب رمحه قنص ؟ وکم صنديد حذراًمن حسامه کعَّ وقع ؟ أعلم من علي وجه الأرض، بالکتاب والسنّة والفرض، الإيمان بحبّه منوط، والکفر ببغضه مسوط (2)، أفصح من لفظ، وأنصح من وعظ، وأتقي من سجد لله ورکع، وأخشي من خشي الرحمن بالغيب وخضع، حلل الإمامة ربّنا علي هامة مجده أفرغ، ولبوس الزعامة نبيّنا علي قدّ قامته فصل وأسبغ، وله بالرئاسة العامّة فضَّل وشرَّف، ولأسماع أوليائه بذکر مناقبه لَذَّذَ وَشَنَّفَ، شهد الله له بالاخلاص وصدق، لما انه بخاتمه في رکوعه تصدق.(3)

الزاهد السالک، العابد الناسک، العالم العامل، الوليّ الکامل، صراط الله المستقيم، ونهجه القويم، وأمينه المأمون، وخازن سرّه المخزون، النجم في منزله هوي، والرسول في نصبه علماً للمسلمين ما ضلّ وما غوي ولا ينطق عن

ص: 218


1- المحِراب: شديد الحرب، شُجاعُ . «لسان العرب: 303/1 - حرب - ».
2- المخمَصَة : الجوع ، المجاعة.
3- مَسُوط: أي ممزوجُ و مخلوطُ . «لسان العرب :326/7- سوط - ».

المجلس الثاني: في ذکر سيد المرسلين و الهوي، المرجع في علم التوحيد إليه ، والمعوّل في معرفة الکتاب و السنّة عليه، أجلّ العالمين جلالاً، وأفصحهم مقالاً.

الامام الزکيّ القدسيّ الربانيّ الإلهيّ، أمير المؤمنين أبو الحسن عليّ الجليل العليّ، حامداً لله حمداً يليق بجلال عظمته، شاکراً لأنعمه شکراً يحسن بتمام نعمته، موضحاً دين الحقّ في خطبته، شارحاً قول الصدق في کلمته، قائلا : معاشر الناس، ألست أولي منکم بأنفسکم؟

قالوا: بلي ، يا رسول الله. قال: فمن کنت مولاه فهذا علي مولاه، ومن کنت نبيّه فعلّي إمامه ووليّه.

أيّها الناس، إنّ الله آخي بيني وبين عليّ، وزوّجه ابنتي من فوق عرشه، وأشهد علي ذلک مقربّي ملائکته، فعليّ منّي وأنا من علي، محبّه محبّي، ومبغضه مبغضي، وهو وليّ الخلق من بعدي.(1)

معاشر الناس ، إنّ هذا اليوم وهو يوم غدير خمّ من أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الّذي أمرني الله فيه بنصب عليّ أخي علماً لأمّتي، يبيّن لهم ما اختلفوا فيه من سنّتي، وهو أمير المؤمنين، ويعسوب المتّقين، وقائد الغر المحجّلين.

أيّها الناس، من أحبّ عليّاً أحببته، ومن أبغض عليّاً أبغضته، ومن وصل عليّاً وصلته، ومن قطع عليّاً قطعته، ومن والي عليّاً و اليته، ومن عادي عليّاً عاديته.

أيّها الناس ، أنا مدينة الحکمة وعليّ بابها، لا تؤتي المدينة إلّا من قبل

الباب، وکذب من يزعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً

ص: 219


1- إشارة إلي الآيات: 3-1 من سورة النجم.

أيّها الناس، والّذي بعثني بالرسالة، وانتجبني للنبوة، ما أقمت عليّاً علماً في الأرض حتي نوّه الله بذکره في السماء، وفرض ولايته علي سائر ملائکته.

ثمّ قلت عقيبها: يا لها من خطبة نشر فيها صلّی الله عليه و آله لواء الإيمان ، وظهر منها رواء الإحسان، وخفق علم الحقّ في الملکوت الأعلي، و برق بارق العدل في أقطار الدنيا، فالملائکة المقرّبون مشغولون بتکرارها لاستظهارها، والولدان المخلّدون مأمورون بإظهارها وإشهارها، يحيي موات القلوب مزن سحابها، وينشي نشوات السرور في النفوس رحيق شرابها، و تنعش قلب المؤمن التقيّ بلذّة خطابها، وتتعس جدّ المنافق الشقيّ بشدّة عتابها.

يا لها من خطبة الحقّ منبرها، والصدق مخبرها ، والنبوّة أصلها، والإمامة نسلها، والنبيّ موردها ومصدرها، والوصيّ موردها ومصدرها، العهود فيها مؤکّدة، والعقود مشدّدة، والإيمان بامتثال نواهيها وأوامرها منوط، والکفر بمخالفة بواطنها وظواهرها مَسُوط، بلبل دوح فصاحتها يطرب أسماع القلوب بشهيّ نغمته، وسربال جمال بلاغتها يروق أبصار البصائر بوشيّ صنعته.

دقّت لها کؤوس الحبور في الملکوت الأعلي، وأُديرت کؤوس السرور في جنّة المأوي، وتلقّت الملائکة المقرّبون بالبشري أهل التحقيق علي مراکب التوفيق، وطافت الولدان المخلّدون علي أهل التصديق من الرحيق المختوم بأکواب وأباريق، وفتح رضوان باب الرضوان بأمر المهيمن السلام، وقال لأهل الولاية من المؤمنين : (اَذخُلُوهَا بِسَلامٍ) (1) ومشي بين أيديهم قائماً بشرائط

ص: 220


1- سورة الحجر : 46، سورة ق : 34.

الخدمة، وأجلسهم علي أرائک التعظيم مجرياً عليهم من الاکرام عادته ورسمه،(يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانُ مُخَلَّدُونَ بَأَکوَابٍ وَأبَارِيقَ وَکَأسٍ مِن مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاکِهَةٍ ممَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحمِ طَيرٍ ممَّا يَشتَهُونَ)

فابشروا - معاشر المؤمنين العارفين - بفضل هذا اليوم الشريف، والعيد المنيف، الذي أقام الله فيه عليّاً أمير المؤمنين علماً للمسلمين، وأمرکم باتّباع نيّر دليله في محکم تنزيله، فقال عزّ من قائل : (وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّق بِکُم عَن سَبِيِله) (1)-(2)

والله لقد نظرتم حيث نظر الله ، وواليتم من والي الله ، وعاديتم من عادي الله، أنتم الشعار والدثار، والأبرار الأطهار، طهرت ولادتکم، وخلصت طينتکم، فما المؤمنون إلّا أنتم، ولا المخلصون إلّا منکم، اختارکم الله لدينه ، واصطفاکم علي غيبه، فما خُلقت الجنّة إلا لکم، ولا برزت الجحيم إلّا لعدوّکم.

أنتم في النار تطلبون فلا توجدون، ومن الکوثر تردون ولا تصدّون، فلا يحزنکم إقبال الدنيا علي غيرکم، واجتماع أهلها علي إهانتکم وتأخيرکم، فإنّما هم ذئاب ضارية، بل کلاب عاوية، فلا تمدّوا أعينکم إلي ما متّعوا به من زينتهاء وفتنوا فيه من زهر تها ، من الثياب الموشّاة، والمراکب المغشّاة، والخيل المسوّمة، والنعم المطهّمة، والحلل المزرّرة، والعمائم المقوّرة، والرقاب الغليظة، والأقفاء العريضة، والعثانين (3) المصفّفة، واللحي المغلّفة ، والدور المزخرفة والقصور المشرفة، والأموال المکنوزة، والأمتعة المحروزة، والمنازل العامرة،

ص: 221


1- سورة الواقعة : 17 - 21.
2- سورة الأنعام : 103.
3- العُثنُوين من اللحية: ما نبت علي الذَّقَن وتحته سِفلاً ؛ وقيل : اللحية کلّها؛ وقيل : عُثنون اللحية: طرفها . «لسان العرب :276/13 - عثن - .

والجنان الغامرة، فإنّ ذلک متاع قليل، وجناب و بيل، مرجعه إلي زوال، وتملکه إلي انتقال.

وعن قليل يسفر الصباح، ويحيعل الداعي إلي الفلاح، ويحمَد المؤمن التقيّ غِبّ السُّري(1) وينجلي عن المنافق الشقّي غيابات الکري(2)، ويري أنّ ما کان فيه من النعيم الزائد ، والزبرج الجائد، إلّا(3) کسرابٍ بقيعةٍ،(4) أو حلم يقتضيها سويعة، ويتجلّی الجليل لحسابه، وتتهيّاً ملائکة العذاب لأخذه وعقابه، ويري سيّده عتيق الأوّل، وابن صهاک الزنيم الأرذل، في الدرک الأسفل ، والعذاب الأطول، مصفّدين مقرّنين، يستغيثان فلا يغاثان، ويناديان فلا يجابان، کلّما سدّت عليهما سيل المسالک استغاثا بخازن النار : يا مالک يامالک، نضجت منّا الجلود، يا مالک أثقلتنا القيود.

إذا أراد الله أن يحلّ بأهل النار أليم عذابه، و وخيم عقابه، أمر ملائکة العذاب بفتح کوة من سجنهما، فيتأذّي أهل النار من ريحهما ونتنهما، شرابهما حميم، وعذابهما مقيم، وأشياعهما من حولهما في السلاسل يسحبون، وبالمقامع يضربون، وفي النار يسجرون، وفي العذاب محضرون، يقولون: (رَبَّنَا أَخرِجنَا مِنَها فَإن عُدنَا فإِنَّا ظَالِمُون)(5)، فيجابون: (اخسَئوا فِيهَا وَلَا تُکَلَّمُونَ إنَّهُ کَانَ فَرِيقُ مِن عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغفِر لَنَا و اُرحَمنَا وَأَنتَ خَيرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذتُمُوهُم سِخرِيّاً حَتَّی أَنسَوکُم ذِکرِي وَکُنتُم مِنهُم تَضحَکُون إنَّي جَرَيتُهَمَ

ص: 222


1- غِبُّ الأمر ومغبَّتُه: عاقبته وآخره . السُّري : سير الليل بعامتّه.
2- غَيابة کلّ شيء: قعره. الکَرَي : النوم.
3- کذا في الأصل ، ولو کانت العبارة هکذا: «لم يکن إلّا » أو « ليس إلا » لکانت أصحّ . والزبرج : الوشي، الذهب، وکلّ شيء حسن. والجائد: الکثير، الغزير.
4- إقتباس من الآية: 39 من سورة النور.
5- سورة المؤمنون: 107.

اليَومَ بِمَا صَبَرُوا أنَّهُم هُم الفَائِزُونَ)(1)

يطلع الله عليهما فيلعن، والملائکة تؤمّن، والنبيّ يعنّف، والوصيّ يؤفّف، والزهراء تتظلّم، والجحيم تتضرَّم، والزبانية تقمع، والنار تسفع (2)، هذا جزاء من وسم غير إبله ، وخالف الله ورسوله بقوله وعمله، ومنع الزهراء تراثها(3) من والدها سيّد المرسلين ، وآذي الله ورسوله وآذي إمام المسلمين وسيّد الوصيّين.

کلّ ذلک وأنتم علي الأرائک تنظرون، ومن الکفار تضحکون، ومن زيارة سادتکم لا تحجبون،(يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ َمختُوم خِتَامُهُ مِسکُ وَفِي ذَلِکَ

فَليَتَنَا فَسِ المِتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسنِيمٍ عَيناً يَشرَبُ بِهَا المُقرَّبُونَ) (4) إذا نظرتم إلي نبيّکم واليّکم علي الحوض للمؤمن يوردون، وللمنافق يطردون قلتم:( الحَمدُ للهِ الَّذي هَدَانَا لِهذَا وَمَاکُنَّالِنَهتَدِيَ لَولَا أَن هَدَانَا اللهُ ) فيجابون: (أن تِلکُمُ الجَنَّةُ أورِثتمُوهَا بِمَا کُنتُم تَعمَلُونَ)(5)

فاحمدوا ربّکم علي هذه النعمة التي أهّلکم لها، وجعلکم من أهلها، واقتدوا في هذا اليوم بسنّة ولیّکم ووسيلتکم إلي أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن، فقد روي أنّه صلوات الله عليه خطب في هذا اليوم الکريم، والعيد العظيم، فقال - بعد أن حمد الله وأثني عليه، وذکر النبي وصلّی عليه -: أيّها الناس ، هذا يوم

ص: 223


1- سورة المؤمنون: 108-111.
2- سَفَعَته النارُ والشمسُ: لَفَفَحته لَفَحَاً يَسيراً فغيَّرت لون بشرته وسوّدته . «لسان العرب:157/8 - سفع مس»
3- الوِرثُ والازثُ والتُّراثُ والمِيراثُ : ما وُرِثَ . «لسان العرب: 2/ 200 - ورث .
4- سورة المطففين : 25- 28.
5- سورة الأعراف : 43.

عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، وعلت(1) الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم الايضاح، ويوم الافصاح، ويوم الکشف عن المقام الصراح، ويوم کمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم الشاهد والمشهود، ويوم بيان(2) العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم البرهان، ويوم دحر الشيطان.

هذا يوم الفصل الّذي کنتم توعدون(3) ويوم الملأ الأعلي إذ يختصمون ، ويوم النبأ العظيم الّذي أنتم عنه معرضون، ويوم الارشاد، ويوم محنة العباد، ويوم الدليل علي الروّاد، ويوم إبداء خفايا الصدور، ومضمرات الأمور، هذا يوم النصوص علي أهل الخصوص، هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم هود، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون ( هذا يوم الأمن المأمون )، هذا يوم إبراز المصون من المکنون، هذا يوم إبلاء السرائر.(4)

فلم يزل صلوات الله عليه يقول : هذا يوم ، هذا يوم،(5) ثمّ قال: فراقبوا الله عزّوجلّ واتّقوه، واسمعوا له وأطيعوه، واحذروا المکر ولا تخادعوه، وفتشوا ضمائرکم ولا(6) تواربوه، و تقرّبوا إلي الله بتوحيده وطاعة من أمرکم أن تطيعوه، ولا تمسکوا بعصم الکوافر، ولا يجنح بکم الغي فتضّلوا عن سواء السبيل باتّباع أولئک الّذين ضلّوا وأضلّوا، قال الله سبحانه عن طائفة ذکرهم بالذم في کتابه فقال سبحانه (7) (وَإذ يَتحَاجُّون فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء الَّذِينَ استَکبَرُاانَّا

ص: 224


1- في المتهجدّ: ورفعت، وفي المناقب : ورفع الدرج، وصحّت الحجج.
2- في المتهجد والمناقب: تبيان
3- کذا في المتهجدّ والمناقب، و في الأصل: کنتم به تکذبون.
4- في المتهجد والمناقب: ويوم الملأ الأعلي الذي أنتم عنه معرضون.
5- في المناقب : الذواد.
6- من المتهجد
7- کذا في المتهجد، وفي الأصل : فيجمع.

کُنَّالَکُم تَبَعاً فَهَل أَنتُم مُغنُون عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ)(1)

وقال سبحانه: (رَبَّنَا إنَّا أطَعنَا سَادَتَنَا وَکُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّوا السَّبِيلاً رَبَّنَا آتِهِم

ضِغفَين مِنَ العَذَاب وَالعَنهُم لَعناً کَبيِراً)(2)

أتدرون ما الاستکبار؟ هو ترک الطاعة لمن أُمروا بطاعته، والترفّع عمّن ندبوا إلي متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن کثير إن تدبّره متدّبر وعظه و زجره.

واعلموا عباد الله - أنّ الله سبحانه يقول في محکم کتابه :( إنّ اللهَ يُحِبُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبيِلهِ صَفّاً کأَنَّهُم بنُيَانُ مَرصُوصُ) (3) أتدرون ما سبيل الله ؟ ومن سبيل الله ؟ وما صراط الله ؟ ومن صراط الله ؟

أنا صراط الله الّذي نصبني (4) للاتّباع بعد نبيّه صلّی الله عليه و آله ، وأنا سبيل الله الذي من لم يسلکه بطاعة الله [فيه](5) هوي به إلي النار، وأنا حجة الله علي الأبرار والفجار، [ونور الأنوار] (6)، وأنا قسيم الجنّة والنار، فتيقّضوا من رقدة الغافلين (7)، [وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا إلي مغفرة من ربّکم] قبل أنّ يُضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتدعون فلا يسمع دعاؤکم،(8) وتصيحون فلا يُحفل بصيحتکم، وأن(9) تستغيثوا

ص: 225


1- سورة غافر : 47. وفي الأصل والمتهجدّ تصحيف، حيث فيهما صدر الآية المذکورة يليه ذيل الآية 21 من سورة إبراهيم : (فَهَل أنتُّم مُغنُونَ عَنَّا مِن عَذَابِ اللهِ مِن شَي قَالُوا لَوهَدَانَا اللهُ لَهَدينَاکُم).
2- سورة الأحزاب:67 و 68 . وفي المتهجدّ تقدّمت هاتان الآيتان علي الآية السابقة.
3- سورة الصفّ: 4.
4- کذا في المتهجدّ ، وفي الأصل: تصدي. وهذه الجملة جاءت في المتهجدّ بعد قوله: هوي به إلي النار
5- من المتهجد
6- من المتهجدّ
7- في المتهجدّ: فانتبهوا عن رقدة الغفلة.
8- من المتهجد
9- في المتهجدّ: فتنادون فلا يسمع نداؤکم ، وتضجون فلا يُحفل بضجيجکم، وقبل أن .

فلا(1) تغاثوا، بادروا بالطاعات قبل فوات الأوقات، فکأن قد جاءکم هادم اللّذات، ولات حين مناصٍ (2)، ولا محيص تخليص

عودوا رحمکم الله بعد انقضاء مجمعکم بالتوسعة علي عيالکم، والبرّ بإخوانکم، والشکر لله عزّ وجلّ علي ما منحکم، واجتمعوا يجمع الله شملکم، وتبارّوا يصل الله أُلفتکم، وتهانوا نعمة الله کما هنّأکم بالثواب(3)علي أضعاف الأعياد قبله وبعده إلّا في مثله، والبرّ فيه يثمر المال، ويزيد في العمر، والتعطّف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه.

فافرحوا وفرّحوا إخوانکم باللباس الحسن، والمأکل الهنيء، والرائحة الطيّبة، وهنّؤا إخوانکم وعيالاتکم بالفضل من برّ کم، وما(4) تناله القدرة من استطاعتکم، وأظهروا البشر والحبور فيما بينکم ، والسرور في ملاقاتکم، والحمد لله علي ما منحکم ، وعودوا بالمزيد من الخير علي أهل التأميل لکم، وصلوا بکم ضعفاءکم بالفضل من أقواتکم(5)، وما تناله القدرة من استطاعتکم، وعلي حسب طاقتکم، فالدرهم فيه بمائة ألف درهم، والمزيد من الله عزّوجلّ ما لادرک له، وصوم هذا اليوم ممّا ندب الله تعالي إليه، وجعل الثواب الجزيل کفالة عنه، حتي لو أن عبدا من العبيد تعبّد به بالتشبيه من ابتداء الدنيا إلي انتهائها، صائماًنهارها، قائماً ليلها، إذا أخلص المخلص في صيامه لتقاصرت إليه أيّام الدنيا [عن کفاية، ومن أسعف أخاه مبتدأ وبرّه راغباً فله کأجر من صام هذا اليوم

ص: 226


1- کذا في المتهجدّ، وفي الأصل: لن
2- في المتهجدّ: فلا مناَص نجاءٍ
3- في المتهجدّ : وتهادوا نعم الله کما منّاکم بالثواب فيه
4- في المتهجدّ : وهيّؤا لإخوانکم وعيالکم عن فضله بالجهد من جودکم وبما.
5- في المتهجد : وساووا بکم ضعفاءکم في ماکلکم.

قام ليلته]، ومن فطّر مؤمناً في ليلته کان کمن فطَّر فئاماً وفئاماً .

فلم يزل صلوات الله عليه يعدّ بيده الشريفة حتي عدّ عشراً . فنهض ناهض وقال: يا أمير المؤمنين ، وما الفئام ؟ (1)

قال: مائة ألف نبيّ وصدّيق وشهيد، فما ظنّکم بمن تکفّل عدداً من المؤمنين ؟ فأنا الضامن له علي الله تعالي الأمان من الکفر والفقر، وإن مات في يومه أو في ليلته أو فيما بعده إلي مثله [من غير ارتکاب کبيرة] (2) فأجره علي الله تعالي، ومن استدان لإخوانه فأسعفهم فأنا الضامن له علي الله، إن بقّاه أدّاه، وإن مات قبل تأديته تحمله عنه، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، [تهانوا النعمة في هذا اليوم] (3)، وليعلم بذلک الشاهد الغائب والحاضر البائن، وليعد القوي علي الضعيف، والغني علي الفقير، بذلک أمرني رسول الله عن الله .(4)

وفي الحديث أنّ النبي صلّی الله عليه و آله کان يخبر عن وفاته بمدّة ويقول: قد حان منّي خفوق من بين أظهرکم، وکان المنافقون يقولون: لئن مات محمد ليخرب دينه، فلمّا کان موقف الغدير قالوا:بطل کيدنا، فنزلت : (اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ کَفَرُوا مِن دِینِکُم) (5) -(6)

ص: 227


1- من المتهجدّ.
2- من المتهجدّ
3- من المتهجد. وفيه : «وليبلّغ» بدل «وليعلم»
4- مصباح المتهجّد : 755 - 758 - وليس فيه: «عن الله» -، عنه مناقب ابن شهر آشوب : 43/3. وأورده في إقبال الأعمال: 462- 464، عنه کشف المهمّ : 62 - 65. وأخرجه في البحار: 196/ 37 ، وعوالم العلوم: 118/3/15 ح 109 و ص 209ح290 «حديث الغدير» عن مناقب ابن شهر آشوب.
5- سورة المائدة : 3.
6- مناقب ابن شهر آشوب : 40/3 ، عنه البحار: 163/37 .

وکان الجمع الکبير والجمّ الغفير في الغدير حين أخذ البشير النذير بيد صنوه نور الله المبين، وسببه المتين، وإمام المتّقين، وأمير المؤمنين، أکثرهم ممّن الإلحاد دينه، والنفاق قرينه، قد استحوذ الشيطان علي قلبه، واستولي علي لبه، فأعطي بلسانه ما ليس في فؤاده ، وظهر علي صفحات وجهه ما أضمر من إلحاده، وأسرّ غدراً، وأخفي مکراً، ونصب لنبيّه الغوائل، وجادل في أمر الغدير بالباطل، وأرصد بابه لتنفر ناقته، وعاقد علي إنزال المنون بساحته، واستئصال شأفته.

وأطلع الله نبيّه علي ما دبّروا، ووقاه سيّئات ما مکروا، ولمّا أشرقت دار الهجرة بنور مقدمه، وشرفت أرجاؤها بموطيء قدمه ، وقد أکمل صلّی الله عليه و آله الدين بنصب و صيّه علماً لأمّته، وعمم النعمة بجعله حافظاً لشريعته، ونشر أعلام الإيمان بنشر مناقبه، وأعلي کلمة الاسلام بإعلاء مراتبه، وجلا أحکام الشريعة النبوّية في مدامس الاشتهار، وحلّي جيد الملّة الحنيفيّة بنفائس الافتخار(1)، ودارت رحي العدل علي قطبها، وأشرقت الأرض بنور ربّها، دعاه

ص: 228


1- في «ح »: نظم هذا المضمون علي بن حماد رحمه الله وقال: أخي الصحابة أشکالأفأفرده فقال لم يا رسول الله تفردني قال النبيّ لنفسي قد ذخرتک ما في الأرض لي من أخ إلّاک يشبهني أنا أخوک الّذي ترضي و أنت أخي ولا تزال تواسيني وتسعفني تشدّ أزري وترعي سنّتي وعلي کلّ الأمور تواتيني وتعضدني ما عشت أنت وزيري .... وإذا قضيتُ نحبي تواليني وتخلفني وأنت تغسّلني عند الوفاة فما يحلّ لغيرک عند الغسل ينظرني وأنت وارث علمي والأمين علي جميع أمري من سرَّ ومن علن وسوف تبدي لک الأعداء ما نقموا من الضغائن والأحقاد والإحن واستعمل الحلم عنهم وانتظر.... وبالإله عليهم فاستعن تعن ألقي إليه رسول الله سائر ما ألقي إليه من الرحمن ذي المنن علما بما کان وما قد يکون وما يقول في لقن أوحي إلي لقن وبعد دفن رسول الله کم ظهرت له معاجز قد دقّت علي... آل النبيّ إليکم کلّ مکرمة تتري علي رغم من ...... سفن النجاة الّتي قد فاز... لله ما حل في هاتيکم السفن قد جاد أجدائکم جود به... وصار ربعکم صوب... أنا ابن حماد العبدي فضلني ربّي بما خصّني فيکم و.... لاعذّب الله أمّي انّها شربت حبّ الوصيّ وأسقتنيه في اللبن وکان لي والد يهوي أبا حسن فصرت من ذي وذا أهوي أبا حسن يا نفس إنّ شبابي کان يغدرني في اللهو والشيب فيه اليوم يعذلني کم من أخ لک عللتيه ثمّ قضي نحب الحياة وأدرجتيه في الکفن وأنت عمّا قليل تلحقين به فأکثري الزاد للترحال واحتجن وسوف تلقين بعد الموت ما کسبت يداک من سيُء يا نفس أو حسن لولا اتکالي علي عفو الإله إذاً لکاد ذنبي بما أسلفت يؤنسني وليس لي عمل أرجو النجاة به إلّا موالاة مولاي أبي حسن أقول : وعلي بن حمّاد هو : أبو الحسن علي بن حمّاد بن عُبيد الله بن حماد العدويّ العبدي البصري، من معاصري الشيخ الصدوق والنجاشي . «انظر: الغدير :153/4، أدب الطفّ،161/2 - 198»..

بدء مرض النبي صلي الله عليه و آله

الله إلي جواره مختاراً، وناداه بلسان قضائه جهاراً : يا من أطلعته علي سرّي المصون، وغيبي المکنون، (إنَّکَ مَيَّتُ وَإنَّهُم مَيَّتُونَ) (1)

ولمّا انقضي أجله الجليل، وألقت به الأسقام مؤذنة بوشک الرحيل،

انصدعت لتوجعه قلوب المؤمنين، وهمعت لتألّمه عيون المسلمين .

وکان بدؤ مرضه صلّی الله عليه و آله يوم السبت أو يوم الأحد من صفر.

ولمّا اشتدّ مرضه قام صلّی الله عليه و آله آخذاً بيد عليّ عليه السلام، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجه إلي البقيع، فقال : السلام عليکم أهل القبور، ليهنئکم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن کقطع الليل المظلم، يتبع

ص: 229


1- سورة الزمر : 30.

النبي صلي الله عليه وآله يوصي قبل وفاته

آخرها أوّلها، إنّ جبرئيل کان يعرض عليَّ القرآن کلّ سنة مرّة، وهذه السنة عرضه عليَّ مرّتين، ولا أراه إلّا لحضور أجلي.

فقام إليه عمّار بن ياسر وقال: بأبي أنت وأُمي يا رسول الله، إذا کان ذلک

من يغسّلک منّا ؟

قال: ذاک عليّ بن أبي طالب، إنّه لا يهمّ بعضو من أعضائي إلّا أعانته

الملائکة علي ذلک.

قال: فمن يصلّي عليک منّا إذا کان ذلک ؟

قال: مه رحمک الله، ثمّ قال لأمير المؤمنين عليه السلام : ياعلي، إذا

رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وانق غسلي، وکفّنّي في طمريّ اللّذين أصلّي فيهما أو في بياض مصر وبرد يمانيّ، ولا تغال في کفني، واحملوني حتي تضعوني علي شفير قبري، فأوّل من يصلّي عليَّ الجليل جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل و ميکائيل وإسرافيل في جنود من الملائکة لا يحصي عددهم إلّا الله عزّ وجلّ، ثم الحافّون بالعرش، ثمّ أهل سماء فسماء، ثمّ جلّ أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون، يؤمون إيماء، ويسلّمون تسليماً، لا تؤذوني بصوت نادب ولا برنّة.

ثمّ قال لعمّه العبّاس: يا عبّاس، يا عمّ رسول الله، تقبل وصيّتي، وتنجز

عدتي، و تقضي ديني.

فقال العبّاس: يا رسول الله، عمّک شيخ کبير، ذو عيال کثير، وأنت تباري

الريح سمحاً وکرماً، وعليک وعد لا ينهض به عمّک.

فأقبل علي عليّ عليه السلام، فقال: تقبل وصيّتي، و تنجز عدتي، و تقضي

ديني ؟

ص: 230

الصلاة الأخيرة للنبي صلي الله عليه و آله بالناس

فقال: نعم، يا رسول الله.

فقال: ادن منّي، فدنا منه، فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده، فقال: خذ هذا

فضعه في يدک، ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته، فدفع ذلک إليه، والتمس عصابة کان يشدّها علي بطنه إذا لبس الدرع، وروي أنّ جبرئيل أتاه بها من السماء، فجيء بها إليه، فدفعها إلي عليّ وقال: اقبض هذا في حياتي، ودفع إليه بغلته، وقال: امض علي اسم الله إلي منزلک.

ثمّ أُغمي علي رسول الله صلي الله عليه و آله ، وحضر وقت الصلاة، وأذَّن

بلال، ونادي: الصلاة يا رسول الله .

ففتح صلّی الله عليه و آله عينيه وقال: ادعوا لي حبيبي، فجعل يُعرَضُ عليه رجل فرجل وهو يُعرِض عنه، إلي أن حضر أمير المؤمنين فتهلّل وَجهُهُ، ثمّ قال : يا بلال، هلمّ عليَّ بالناس، فأجمع الناس.

فخرج صلّي الله عليه و آله متوکّئاً علي أمير المؤمنين بيده اليمني، وعلي الفضل بن العبّاس باليد الأخري، متعصّباً بعمامته، متوکّئاً علي قوسه، فصلّي بالناس جالساً، وقد کانت عائشة قد أرسلت إلي أبيها أن يصلّي بالناس، فنحّاه رسول الله صلّي الله عليه و آله وصلّي.

ثمّ قام وصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنّه قد حان منّي خفوق من بين أظهرکم، فأيّ نبيّ کنت لکم ؟ ألم أجاهد بين أظهرکم، ألم تکسر رباعيتي ؟ ألم يعفّر جبيني ؟ ألم تسل الدماء علي حرّ وجهي حتي الثقت(1)لحيتي ؟ ألم أکابد الشدّة والجهد مع جهّال قومي ؟ ألم أربط حجر

المجاعة علي بطني ؟

ص: 231


1- لثقت : ابتلت .

الرسول صلي الله عليه و آله يعطي القصاص من نفسه

قالوا: بلي، يا رسول الله ، لقد کنت صابراً، وعن المنکر ناهياً، فجزاک الله

عنّا أفضل الجزاء.

قال: وأنتم جزاکم الله ربي ثم قال : إن ربّي سبحانه أقسم ألّا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتکم بالله أيّ رجل منکم کانت له قِبَل محمّد مظلمة فليقم وليقصّ،

فإنّ القصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في الآخرة علي رؤوس الملائکة والأنبياء؟

فقام إليه رجل - من أقصي القوم - يقال له سوادة بن قيس فقال: فداک أبي وامّي، إنّک - يا رسول الله - لمّا أقبلت من الطائف استقبلتک وأنت علي ناقتک العضباء وبيدک القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فلا أدري أعمداً أم خطأ ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : معاذ الله أن أکون تعمّدت، ثمّ قال: يا بلال، قم إلي منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق، فخرج بلال وهو ينادي في سکک المدينة: معاشر الناس، من الّذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة ؟ فطرق بلال الباب علي فاطمة عليها السلام وهو يقول : يا فاطمة، قومي فوالدک يريد القضيب الممشوق، فصاحت فاطمة وهي تقول: وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا اليوم يومه ؟!

فقال : أما علمتِ أنّ أباک قد صعد المنبر وهو يودّع الناس ويعطي القصاص من نفسه ؟ فصاحت فاطمة وهي تقول: واعماه لغمّک يا أبتاه، من للفقراء والمساکين وابن السبيل بعدک يا رسول الله، يا حبيب الله، وحبيب القلوب ؟ ثمّ ناولت بلا القضيب، فجاء به وناوله رسول الله صلّی الله عليه و آله.

ص: 232

فقال رسول الله : أين الشيخ؟

فقال: ها أنذا يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. قال: قم فاقتصّ حتي ترضي۔

فقال الشيخ: اکشف لي عن بطنک يا رسول الله، فکشف صلّی الله عليه وآله عن بطنه، فقال الشيخ: أتأذن لي - يا رسول الله - أن أضع فمي علي بطنک ؟ فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : يا سوادة ، أتعفو أم تقتصّ ؟ قال : بل أعفو ، يا رسول الله.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : اللّهمّ اعف عن سوادة بن قيس کما

عفا عن نبيک.

ثمّ نزل رسول الله صلّی الله عليه و آله ودخل منزل أمّ سلمة وهو يقول:

ربّ سلّم أمّة محمد من النار، ويسّر عليهم الحساب.

فقالت أم سلمة: يا رسول الله، مالي أراک مغموما متغير اللون ؟

فقال صلّی الله عليه و آله :نعيت إليّ نفسي، فسلام لک منّي في الدنيا فلا

تسمعين صوت محمد بعد هذا أبداً.

فقالت أمّ سلمة: واحزناه حزناً لا تدرکه الندامة عليک يا محمد.

ثمّ قال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ادع لي حبيبة نفسي وقرّة عيني فاطمة، فجاءت فاطمة وهي تقول: نفسي لنفسک الفداء، ووجهي لوجهک الوقاء، يا أبتاه، ألا تکلّمني کلمةً، فإني أراک مفارق الدنيا، وأري عساکر الموت تغشاک ؟

ص: 233

قول النبي صلي الله عليه وآله: «ائتوني بدواة وکتف ...»

وقول عمر:

«إن النبي قد اشتد به الوجع وهو يهجره

فقال: يا بنيّة، إنّي مفارقک، فسلام عليک منّي. قالت : يا أبتاه ، فأين الملتقي يوم القيامة ؟ قال: عند الحساب. قالت: فإن لم ألقک عند الحساب ؟ قال: عند الشفاعة لأمتّي. قالت : فإن لم ألقک عند الشفاعة لاُمتک.

قال: عند الصراط، جبرئيل عن يميني، و ميکائيل عن يساري، والملائکة من خلفي وقدّامي ينادون: ربّ سلّم أمّة محمد من النار، ويسّر عليهم الحساب.

قالت فاطمة عليها السلام : فأين والدتي خديجة ؟ قال: في قصر له أربعة أبواب إلي الجنّة.

وعن ابن عبّاس قال: اشتدّ برسول الله صلّی الله عليه و آله وجعه يوم

الخميس، فقال: ائتوني بدواة وکتف لأکتب لکم کتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر : إنّ النبيّ قد اشتدّ به الوجع وهو يهجر، عندکم القرآن حسبنا کتاب الله(1)، فاختلف الناس حينئذٍ بينهم، فمنهم من يقول: القول ما قال عمر،

ص: 234


1- انظر : صحيح مسلم : 1259/3ح 22، شرح نهج البلاغة: 2/55، وج 51/6 ، الملل والنحل للشهرستاني : 29/1، المسند للحميدي : 241/1ح526، طبقات ابن سعد:36/2 و 37، مسند أحمد بن حنبل: 293 و 355 ، صحيح البخاري: 39/1 ، وج85/4 و 121 ، المعجم الکبير للطبراني: 445/11 ح 12261، شرح السنّة للبغوي : 180/11ح 2755، الکامل في التاريخ: 2/ 320. . وأخرجه في البحار: 468/22 عن إعلام الوري: 141 ، إرشاد المفيد: 89. وفي ص 472 ح 21 عن مناقب ابن شهر آشوب : 235/1. وفي ص 474 عن أمالي المفيد : 36ح 3. وفي ص 498ح 44 عن کتاب سُليم بن قيس: 210.

نزول ملک الموت لقبض روح النبي صلي الله عليه وآله

فلمّا کثر اللغط(1)عند رسول الله صلّی الله عليه و آله قال: قوموا، فکان ابن عباس يقول: الرزيّة کلّ الرزيّة ما خلا بين رسول الله صلّی الله عليه و آله و بين أن يکتب لهم ذلک الکتاب من اختلافهم ولغطهم

ثمّ أُغمي علي رسول الله صلّی الله عليه وآله ، فلمّا أفاق قال: انطلقوابي إلي فاطمة، فجيء به حتي وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبکيان ويصيحان ويضطربان، وهما يقولان: أنفسنا لنفسک الفداء، ووجوهنا لوجهک الوقاء

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : يا علي، من هاذان ؟

فقال: ابناک الحسن والحسين، فعانقهما وقبلهما، وکان الحسن أشدّ بکاءً

من الحسين.

فقال أمير المؤمنين : کفّ يا حسن، فقد شققت علي رسول الله ، ونزل ملک

الموت، فقال: السلام عليک، يا رسول الله .

فقال : وعليک السلام ، يا ملک الموت، لي إليک حاجة، ألّا تقبض روحي

حتي يأتي جبرئيل أخي.

فخرج ملک الموت وهو يقول: وامحمداه، فاستقبله جبرئيل في الهواء،

وقال: يا ملک الموت، قبضت روح محمد صلّی الله عليه و آله ؟

قال: سألني ألا أقبضه حتي يلقاک فيسلم عليک وتسلم عليه.

فقال جبرئيل : يا ملک الموت، أما تري أبواب السماء قد فتحت لروح

محمد ؟ أما تري الحور العين قد تزيّنت لمحمد ؟

ص: 235


1- کذا الصحيح، وفي الأصل: اللفظ.

مناجاة الرسول صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام

ثمّ نزل جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليک، يا أبا القاسم.

فقال: وعليک السلام ادن منّي يا جبرئيل، فدنا منه، فنزل ملک الموت، فقال له جبرئيل : يا ملک الموت، احفظ وصيّة الله في روح محمدصلّی الله عليه وآله ، وکان جبرئيل عن يمينه، و ميکائيل عن يساره، وملک الموت آخذ بروحه صلّی الله عليه و آله ، وجبرئيل يقول: يا محمد(إنَّکَ مَيَّتُ وَإنَّهُم مَيَّتُونَ)(1) (کُلُّ نَفسٍ ذَائِقَهُ المَوتِ (2)-(3)

مسند أبي يعلي وفضائل أحمد: عن أمّ سلمة في خبر: والّذي تحلف أمّ سلمة به أنّه کان آخر عهد برسول الله صلّی الله عليه و آله عليّ عليه السلام، وکان رسول الله قد بعثه في حاجة غداة قبض، وکان يقول: جاء عليّ - ثلاث مرّات - قالت : فجاء عليّ قبل طلوع الشمس، فخرجنا من البيت لمّا علمنا انه له إليه حاجة، فانکب عليه علي، فکان آخر الناس به عهدا ، وجعل يساره ويناجيه(4)

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام أنّ عائشة دعت أباها فأعرض عنه رسول الله صلّی الله عليه و آله ، ودعت حفصة أباها فأعرض عنه، ودعت أمّ(5)

ص: 236


1- سورة الزمر: 30.
2- سورة آل عمران: 185، سورة الأنبياء : 35، سورة العنکبوت: 57.
3- أمالي الصدوق : 505 ح 6، عنه البحار: 507/22 ح 9. وأورد قطعات منه في مناقب ابن شهر آشوب : 1/ 234 - 235، عنه البحار: 22 / 472. وانظر : الأحاديث الغيبية : 1/ 38ح 12.
4- مناقب ابن شهر آشوب236/1.
5- مسند أبي يعلي الموصلي : 12 / 364ح 1936، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل:286/2 ح 1171.

سلمة عليّاً عليه السلام فناجاه طويلاً (1) . حتي إذا اشتد کربه ، وارتفع أنينه، وعرق لهول الموت جبينه نادي لشدّة السياق: واکر باه.

فنادت فاطمة : واکرباه لکربک يا أبتاه . فأجابها مسکّناً لحرقتها بين القوم: لاکرب علي أبيک بعد اليوم.(2)

ثمّ سالت نفسه الشريفة صلّی الله عليه و آله مختاراً، فسالت لها العيون من شؤونها مدراراً، وانقطع بموته الوحي والتنزيل، وامتنع من الأرض. جبرئيل، وأظلمت المدينة بعد نورها وضيائها، وارتفع الضجيج من قصورها وأرحابها.(3)

وروي أنّه صلّی الله عليه و آله لما دنا منه الأجل المحتوم جذب عليا إليه،

وغشاه بثوبه الذي عليه، ووضع فاه علي فيه، وجعل يناجيه.

فلما حضره الموت وقضي صلّی الله عليه و آله استل أمير المؤمنين عليه السلام من تحت الثوب، وترکه علي رسول الله صلي الله عليه و آله ؛ فقيل لأمير المؤمنين : ما الذي ناجاک به رسول الله صلّی الله عليه و آله ؟

فقال: علّمني ألف باب من العلم، ينتج کلّ باب إلي ألف باب ، وأوصاني

بما أنا به قائم إن شاء الله.(4)

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله جذب عليّاً تحت ثوبه، وجعل يناجيه، فلمّا حضره الموت قال: يا عليّ، ضع

ص: 237


1- مناقب ابن شهر آشوب:236/1-237، عنه البحار: 521/22 ح 29.
2- کشف الغمّة: 16/1 ، عنه البحار: 22 / 531.
3- أرحاب: جمع رحبة، وهي الصحراء.
4- في oالمناقب : فتح لي من کل باب ألف باب.

قبض النبي صلي الله عليه وآله ويد أمير المؤمنين عليه السلام

تحت حنکه ، وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في هذا

المعني

رأسي في حجرک، فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدک، وامسح بها وجهک، ثمّ وجّهني إلي القبلة، وتول أمري، وصلّ عليّ أوّل الناس، ولا تفارقني حتي تواريني في رمسي، واستعن بالله سبحانه .

فأخذ عليّ برأسه، ووضعه في حجره، فأُغمي عليه، فبکت فاطمة، فأومأ

إليها بالدنوّ منه، فأسرّ إليها شيئاً فضحکت وتهلّل وجهها.

فسئلت عن ذلک، فقالت: أعلمني أنّي أوّل أهل بيته لحوقاً به.

ثمّ قضي صلّی الله عليه و آله ويد أمير المؤمنين عليه السلام تحت حنکه، ففاضت نفسه صلّی الله عليه و آله ، فرفعها أمير المؤمنين إلي وجهه فمسحه بها، ثمّ مدّ عليه إزاره، واستقبل بالنظر في أمره(1)

وممّا قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في نهج البلاغة في هذا المعني:

وقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلّی الله عليه و آله أني لم أرد علي الله ولا علي رسوله ساعة فقط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنکص(2)فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجد(3) أکرمني الله بها .

ولقد قُبض رسول الله صلّی الله عليه و آله وإن رأسه لعلي صدري، وقد سالت نفسه في کفّي، فأمررتها علي وجهي، ولقد وليت غسله صلّی الله عليه وآله والملائکة أعواني، فضجّت الدار والأفنية ؛ ملأ يهبط، وملا يعرج، وما فارقت سمعي هيئمة (4) منهم ، يصلون عليه حتي واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به متي حيّاً وميّتاً؟ فانفذوا علي بصائرکم، ولتصدق نيّاتکم في جهاد

ص: 238


1- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 237، عنه البحار: 521/22 - 522.
2- تنکص: تتراجع.
3- لجدة: الشجاعة
4- الهينمة: الکلام الخفي لا يفهم.

عدوّکم، فوالّذي لا إله إلّا هو إنّي لعلي جادّة الحقّ، وإنّهم لعلي مزلّة الباطل، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولکم !(1)

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام(2)

قال: قال الناس: کيف کانت الصلاة

ص: 239


1- نهج البلاغة : 311 خطبة رقم 197، عنه البحار: 22 / 540 ح 49 من قوله «ولقد قبض».
2- في «ح» : عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا قبض رسول الله صلّی الله عليه و آله بات آل محمد عليهم السلام بأطول ليلة حتي ظنوا أن لاسماء تظلهم، ولا أرض تقلهم، لأن رسول الله صلّی الله عليه وآله وتر الأقربين والأبعدين في الله. فبينما هم کذلک إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون کلامه، فقال: السلام عليکم أهل البيت ورحمة الله وبرکاته ، إنّ في الله عزاء من کلّ مصيبة، ونجاة من کل هلکة، ودرکاً لما فات : (کُلَّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإنَّمَا تُوفَّونَ أُجُورَکُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ)، [ آل عمران : 185 ]، إنّ الله اختارکم وفضّلکم وطهّرکم وجعلکم أهل بيت نبّيه، واستودعکم علمه، وأورثکم کتابه، وجعلکم تابوت علمه وعصا عزّه، وضرب لکم مثلاً من نوره، وعصمکم من الزلل، وآمنکم من الفتن، فتعزّوا بعزاء الله. فإنّ الله لم ينزع منکم رحمته، ولن يزيل عنکم نعمته، فأنتم أهل الله عزّوجلّ الذين بهم تمّت النعمة، واجتمعت الفرقة، وائتلفت الکلمة، وأنتم أولياؤه، فمن تولاّکم فاز، ومن ظلم حقّکم زهق، مودّتکم من الله واجبة في کتابه علي عباده المؤمنين، ثم الله علي نصرکم إذا يشاء قدير، فاصبر والعواقب الأمور، فإنّها إلي الله تصير، قد قبلکم الله من نبیّه وديعة، واستودعکم أولياءه المؤمنين في الأرض، فمن أدي أمانته أتاه الله صدقه، وأنتم الأمانة المستودعة، ولکم المودة الواجبة، والطاعة المفروضة، وقد قبض رسول الله صلّی الله عليه و آله وقد أکمل لکم الدين، وبيّن لکم سبيل المخرج، فلم يترک لجاهل حجّة، فمن جهل أو تجاهل أو أنکر أو نسي أو تناسي فعلي الله حسابه، والله من وراء حوائجکم . وأستودعکم الله ، والسلام عليکم. فسألت أبا جعفر عليه السلام ممن أتاهم للتعزية. قال: من الله تعالي شأنه. نقل من کتاب اصول الکافي للکليني رحمه الله [ج 1ص 445 ح 19،عنه البحار: 22 / 537 ح 39].

أن أمير المؤمنين عليه السلام نزل قبر رسول الله صلي الله عليه و آله

عليه ؟ فقال عليّ عليه السلام: [إن] (1)رسول الله صلّی الله عليه وآله إمام حيا و ميّتاً فدخل عليه عشرة عشرة، فصلوّا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتي الصباح ويوم الثلاثاء، حتي صلّی عليه الأقرباء والخواصّ، ولم يحضر أهل السقيفة، وکان عليّ عليه السلام أنفذ لهم بريدة، وإنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه صلّی الله عليه و آله.

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: إنما أنزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي: (إنَّ اللهَ وَمَلَائِکَتَهُ يُصَلُّون عَلَي النَّبِيَّ.(2)الآية.

وسئل الباقر عليه السلام : کيف کانت الصلاة علي رسول الله صلّی الله

عليه و آله ؟

فقال: لمّا غسله أمير المؤمنين عليه السلام وکفّنه وسجّاه أدخل عليه عشرة عشرة فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين في وسطهم فقال:( إنُّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ يُصَلُونَ عَلَی النَّبِيّ) الآية، فيقول القوم مثل ما يقول حتي صلّی عليه أهل المدينة والعوالي، واختلفوا أين يدفن ؟ فقال بعضهم: في البقيع، وقال آخرون : في صحن المسجد.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ الله لم يقبض نبيّه إلّا في أطهر بقاع الأرض، فينبغي أن يدفن في البقعة الّتي قبض فيه، فاتّفقت الجماعة علي قوله. ودفن في حجرته.

ونزل في قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 240


1- سورة الأحزاب: 56.
2- من المناقب .

أمير المؤمنين عليه السلام يرثي النبي صلي الله عليه وآله

والفضل بن العبّاس وقثم وشقران، ولهذا قال أمير المؤمنين : أنا الأوّل وأنا الآخر(1)

وأنشأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول:

نَفسي علي زَفَراتها محبوسةُ

يالَيتَها خرجت مع الزَّفراتِ

الاخَير بعدک في الحياة وإنّما

و أخشَي (2)مخَافَةَ أن تطولَ حياتي (3)

وله صلوات الله عليه : ألَا طرق النَّاعي بلَيلٍ فَراعنَي

وَأرَّقَني لمَّا استقلّ(4) مُنَاديا

فقلتُ له لمَّاسمعتُ الّذي نَعي(5)

أغيرَ رسولِ الله إن کنتَ (6)ناعِيا

فحقّق ما أسعفت(7)منه ولم أجد

وکان خليلي عزّتي وجماليا

ص: 241


1- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 239 -240.
2- في الديوان: أبکي.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 240/1 ، ديوان أمير المؤمنين عليه السلام : 57 ( دار الکتاب العربي) و ص 55 ( دار ابن زيدون) .
4- في الديوان : استهل.
5- في الديوان : لمّا رأيتُ الّذي أتي.. أغير رسول الله أصبح
6- في المناقب : فخفق ما أشفقت.
7- في الديوان : ولم يبل ... وکان خليلي عدّتي. وهذا البيت غير مذکور في طبعة دار الکتاب.

فَوَاللهِ ما أنساک أحمدُ ما مَشَت(1)

بي العيس(2)في أرضٍ وجاوزتُ واديا

وکنتُ متي أهبِط مِنَ الأرضِ تَلعَةً

أريدها أقرأينه جديد و باليا

شجاعُ (3)تَشطُّ الخيل عنه کأنَّما

يَرَينَ بِهِ لَيثاً عَلَيهنّ عاديا(4)

[وله عليه السلام :] ألا يا رسول الله کنتَ حمیً لنا

وکنت بنا برّاً ولم تک جافيا(5)

وکأن علي قلبي لذکر محمد(6)من المناقب(7)

وما جيب(8) من بعد النبي المکاويا(9)

ص: 242


1- في المناقب : مست .
2- في الديوان : العيش.
3- کذا في المناقب والديوان، وفي الأصل : بلغة.
4- في المناقب : أجد، وفي الديوان: أجد أثراً مِنهُ جَديراً وبافيا.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل: يشطي، وفي الديوان : جواد تشظّي وتشط : أي تبعد
6- في الديوان : ضاريا. مناقب ابن شهر آشوب: 241/1 ، ديوان أمير المؤمنين عليه السلام :126( دار الکتاب
7- العربي ) وص 153 ( دار ابن زيدون ) ، أنساب الأشراف: 592/1 .
8- في المناقب : رجائيا.
9- في المناقب : وما جاء . والمکاوي : جمع المکواة.

أفاطم صلّي الله ربّ محمّد

علي جدث أُمّي بيثرب ثاويا

فدي لرسول الله أمي وخالتي

وعمّي وزوجي(1) ثم نفسي وخاليا

فلو أنّ ربّ العرش أبقاک بيننا

سعدنا ولکن أمره کان ماضيا

عليک من الله السلام تحيّة

وأدخلتَ جنّات من العدن راضيا(2)

وقالت الزهراء صلوات الله عليها : قل للمغيّب تحت أطباق الثري

إن کنت تسمع صرختي وندائيا

ص بت عليَّ مصائب لو أنّها

و صبّت علي الأيّام عدن(3) لياليا

قد کنتُ ذات حميً بظلّ محمد

لا أخش من ضيم وکان جماليا

فاليوم أخشع للذليل وأتّقي

ضيعي وأدفع ظالمي بردائيا

ص: 243


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروحين
2- مناقب ابن شهر آشوب : 242/1،وأنساب الأشراف: 594/1 ، وفيه الأبيات منسوبة الصفية بنت عبد المطلب.
3- في المناقب : صرن.

فإذا بکت قمريّة في ليلها

شجناً علي غصن بکيت صباحيا

[فلاجعلنّ الحزن بعدک مؤنسي](1)

ولأجعلنّ الدمع فيک وشاحيا(2)

ماذا علي من شم تربة أحمد

ألا يشم مدي الزمان غواليا(3)

ولها صلوات الله عليها: کنتَ السواد لمقلتي يبکي عليک النساظر من شاء بعدک فليمت فعليک کنت أحاذر (4)

وقالت أم سلمة: فجعناه بالنبيّ وکان فينا إمام کرامة نعم(5) الإمام وکان قوامنا والرأس منّا فنحن اليوم ليس لنا قوام ننوح ون(6)شتکي ماقد لقينا ويشکو فقدک البلد الحرام فلا تبعد فکلّ فتئً کريم سيدرکه وإن کرها الحمام(7)

ص: 244


1- من المناقب .
2- الوشاح : نسيج عريض يرصَّع بالجوهر، وتشدّه المرأة بين عاتقها وکشحَیها . «المعجم الوسيط : 2/ 1033 - وشح - ».
3- مناقب ابن شهر آشوب: 242/1. والغوالي: جمع الغالية: أخلاط من الطيب کالمسک والعنبر. «المعجم الوسيط : 660/2».
4- مناقب ابن شهر آشوب : 243/1
5- کذا في المناقب، و في الأصل: فنا.
6- کذا في المناقب ، وفي الأصل : کرم
7- مناقب ابن شهر آشوب: 243/1 .

صفية بنت عبدالمطلب وحسان بن ثابت يرثيان النبي صلي الله

عليه و آله

وقالت صفيّة بنت عبد المطّلب (1)يا عَين جودي بدمع منک منحدر

ولا تَملّي وابکي(2) سيّد البشرِ

ابکي (3)-(4)الرسولَ فَقَد هَدَّت مصيبتُه

جميع قومي وأهل البدو والحضر

ولاتَملّي بکاک الدهر معولةً

عليه ما غرّد القُمريّ في السحر(5)

وقال حسان : إنّ الرزيّة لا رزيّة مثلها ميّت بطيبة مثله لم يفقد ميّت بطيبة أشرقت بحياته ظلم البلاد إنهم أو منجد والکوکب الدرّي أصبح أفلاً بالنور بعد تبلّج وتصعّد لله ماضمّت(6) حفيرة قبره منه وما فقدت سواري المسجد (7)

الکافي : اجتمعت نسوة بني هاشم، وجعلن يذکرن النبي صلّی الله عليه و آله ،

فقالت فاطمة عليها السلام : اترکن التعداد و عليکنّ بالدعاء.

ص: 245


1- صفيَة بنت عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، عمّة النبيّ صلّی الله عليه و آله ، أمّ الزبير بن العوّام، کانت من أشجع النساء في زمانها. انظر في ترجمتها: أعيان الشيعة : 7/ 390، الاصابة: 348/4 ، أعلام الزرکلي:206/3 .
2- في المناقب ، وبکّي
3- في المناقب : بکّي .
4- مناقب ابن شهر آشوب؛243/1، وأنساب الأشراف: 594/1.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الشجر
6- في المناقب : ضمنت .
7- مناقب ابن شهر آشوب: 244/1 .

أن النبي صلي الله عليه و آله أوصي علي عليه السلام بأن لا

يغسله غيره

مناجاة للمؤلف رحمه الله

وقالت فاطمة : قال النبيّ صلّی الله عليه و آله لعليّ: يا علي، من أُصيب

بمصيبة فليذکر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب (1)

روي يزيد بن بلال، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أوصي النبيّ صلّی الله عليه و آله : أن لا يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يري أحد عورته إلّا طمست عيناه.

قال: فما أتناول عضواً إلّا کان کأنّما نقله ثلاثون رجلا (2)حتي فرغت

من غسله.(3)

وروي أنّه لمّا أراد أمير المؤمنين تغسيله استدعي الفضل بن العبّاس ليعينه، وکان مشدود العينين، وقد أمره أمير المؤمنين عليه السلام [بذلک] (4) إشفاقاًعليه من العمي(5)

المناجاة

يا من جمال جلاله منزه عن التغيير والزوال، ويا من دوام کماله مقدّس عن الحدوث والانتقال، ويا من جلّ في ذاته وصفاته عن المعاني والأحوال. ويامن دلّ بافتقار مخلوقاته علي انّه الکبير المتعال.

سبحانک من قاهر تردّی بالجبروت والکبرياء، وتعاليت من قادر لا

ص: 246


1- مناقب ابن شهر آشوب : 1/ 238 - وليس فيه «وقالت فاطمة»، عنه البحار: 22 /522. ولم أجده في الکافي.
2- في المناقب: فما تناولت عضواً إلّا کأنّما يقلبه معي ثلاثون رجلاً
3- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 239، عنه البحار: 22 /524.
4- من المناقب .
5- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 239 ، عنه البحار : 22 /524.

يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لا تشارک في وجوب وجودک، ولا تضاهي في فضلک وجودک، ولا يخرج عن سلطانک قويّ ولا ضعيف، ولا يفلت من قبضتک دنّي ولا شريف، ولا يخرج عن إحصائک وفي ولا طفيف، أنت الظاهر ببديع قدرتک، القاهر بعموم ربوبيّتک، حکمت بالموت، وقضيّت بالفوت، فلا رادّ لقضائک، ولا مفر من بلائک .

سبحانک أخرجتنا من عالم الغيب إلي عالم الشهادة، وقضيتّ لنا في دار بلائک بالحسني وزيادة، وجعلتَ لنا أرضک فراشاً، وسخرت لنا من رزقک معاشاً، ورکبت فينا أدوات معرفتک، و آلات عبادتک، من عقول کاملة، وأرکان عاملة، وجوارح مطيعة، وقویً مستطيعة.

وأودعت في أجسادنا من عجائب حکمتک، وغرائب صنعتک، أعدل شاهد علي وحدانيتک، وأکبر دال علي فردانيّتک، من آلات بسط وقبض ، ورفع وخفض ، وحرکة وسکون ، وظهور وبطون ، وطبائع مصرفة ، وقویً مختلفة ، من باصرة وسامعة، ومفرقة وجامعة، وماسکة ودافعة، وموصلة ومانعة، وذاکرة وحافظة، وذائقة ولافظة.

ونصبت لنا من خواصک أعلاماً جعلت قلوبها مواطن حبّک، ومعادن قربک، لما فازت بالدرجة العليّة من فيضان عنايتک، وشربت بالکأس الروية من شراب محبّتک، أطربها بلبل دوح عرفانک تشتهي نغمته، وأرقّها صوت مجيد فرقانک بفصيح کلمته، فطالعت جلال جمالک بأبصار بصائرها، وشاهدت أنوار تجلّيات عظمتک بأفکار سرائرها، فجرت في مضمار عشقها إلي حضيرة قدسک، وسلکت بقدم صدقها إلي مقام انسک، لم تقصر قواها عن الترقي في مدارج السلوک بتوفيقک و تأييدک، ولم تختلجها عوارض الشکوک بإرشادک

کار 1

ص: 247

وتسديدک، حتي إذا وردت من عين اليقين ورداً وصدراً، وکشف بها الحقّ المبين عن غوامض أسراره حجاباً و ستراً، وصار المحبّ حبيباً، والطالب مطلوباً.

جعلتهم معادن علمک ، و مواضع حکمک ، وتراجمة وحيک ، وسفرة أمرک، وعصمتهم من کلّ عيب ، ونزّهتهم من کلّ ريب ، وتوجتهم بتاج عنايتک، وأفرغت عليهم خلع کرامتک، وأسريت بهاديهم إلي الصفيح الأعلي، وسموت بساميهم إلي المقام الأدني، وأطلعته علي أسرار ملکوتک، وشرفته بخطاب حضرة جبروتک ، ووسمته بخاتم النبيين ، وسميته بأحمد ومحمد وطه وياسين ، وجعلته أفضل أهل السماوات وأهل الأرضين، وأيدته بوليک سيّد الوصيّين ، وفرضت ولاءها وولاء أهل بيتهما علي عبادک أجمعين، فقلت : (يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِيِنَ)(1)

فمن سلک سبيلهم، واقتفي دليلهم، فهو ممّن الحقته جناح رحمتک،

وأورثته نعيم جنّتک، ورقمت اسمه في جرائد المنتجبين من خواصّک، وأثبتّ وسمه في صحائف الموسومين بإخلاصک.

ومن تولّی عن أمرهم، وأنکر عنهم برهم، وتوالي من جرت عليه نعمتهم، وعظمت لديه مننهم، واستطال علي الناس برفيع مجدهم، واشتهر بالباس بغرار حسدهم، وتاه في ظلمة ضلالته، وغرق في لجة جهالته، فهو ممن قلت فيه: (يُؤمنون بِالجِبتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ اللَّذِينَ کَفَروا هؤلاَءِ أهدَي مِنَ الَّذِينَ

ص: 248


1- سورة التوبة: 119.

آمَنُوا سَبِيلاً أولَئِکَ الَّذِينَ لَعَنَهُم اللهُ وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (1)

(يُرِيُدونَ أنَ يَتَحَاکَمُوا إلَي الطَّاغُوتِ وَقَد أمِرُوا أَن يَکفُرُوا بِهِ وَيُريِدُ الشَّيطَانُ أن يُضِلَّهُم ضَلَالاً بَعِيداً وَإذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إلَي مَا أنَزَلَ اللهُ وَإلَي الرَّسُولِ رَأيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّون عَنکَ صُدُوداً)(2) وأُولَئِکَ الَّذِينَ کَفَرُوا بِآيَاتِ رَبَّهم وَلِقَائِهِ فَحَبطَت أعمَالهُم فَلَا نُقِيم لَهُم يَومَ القِيَامَةِ وَزناً ذَلِکَ جَزَاؤُهُم جَهنَّم بِمَا کَفَرُوا وَاتَّخَذوا آيَاتِي وَزُسُليِ هُزُواً.(3)

اللّهمّ إنّا لا نعلم نبيّاً من أنبيائک، ولا نعتقد وليّاً من أوليائک، ولا ملکاًمن حملة عرشک، ولا هابطاً بوحيک وأمرک، ولا أميناً علي غيبک وسترک، أفضل الديک من نبيک المصطفي، وأمينک المجتبي، الّذي انتجبته لرسالتک، واصطفيته بکلمتک، وختمت به أنبياءک، ووصيّه الذي اخترته لخلافتک، وقرنت طاعته بطاعتک، وضربته مثلاً في محکم تنزيلک، وشددت به عضد نبيّک ورسولک وأيّدته بالفضل والحکم، وآتيته بسطة في العلم و الجسم، وهزمت بجدّه الأحزاب، وقصمت بسيفه الأصلاب، وجعلت حبّه فارقاً بين الکفر والإيمان، وحبّه وسيلة إلي الفوز بنعيم الجنان.

الانعتقد ذنباً بعد الإلحاد في آياتک، والجحود لصفاتک، وادّعاء إلهاً سواک،

والتکبّر علي جلالک وعلاک، أعظم ولا أکبر، ولا أوثق ولا أشقّ، من ذنب من وضع من قدره، واجتري عليه بکفره، وقدّم عليه من لا يعادل عند الله شسع نعله، وأخره عمّن ليس له فضل کفضله، ولا أصل کأصله، وجحد نصّ رسولک

ص: 249


1- سورة النساء : 51 و 52.
2- سورة النساء : 60 و61.
3- سوررة الکهف : 105 و 109.

و حرّف آيات تنزيلک، وشهد أنّ طاعتک مقرونة بطاعته، وولايتک مشروطة بولايته، إذ هو «أُولوا الأمر الذي أمرت باقتفاء أثره، ونوهت في کتابک بذکره، وأمرت نبيک أن يأخذ ميثاق خلافته علي کلّ مقرّ بوحدانيّتک، معتقد لربوبيّتک، فمن ردّ مقال رسولک، وسلک غير سبيلک، فهو ممّن قلّدته لعنتک، ووعدته نقمتک، وأعددت له أليم عذابک، ووخيم عقابک.

ونشهد أنّه سبيلک القويم، وصراطک المستقيم، ونشهد أنّ من ابتزّه سلطانه غاصباً، وتسمّي باسمه کاذباً، وأنکر ما أوصيت من فرض ولايته، وأخفي ما أظهرت من حقّ خلافته، فقد بعد من الصواب، وحقّت عليه کلمة العذاب، فلا عذاب أعظم من عذابه، ولا عقاب أنکي من عقابه، إذ الثواب والعقاب علي مقدار الفعل المکتسب في دار البلاء، ومحلّه الابتلاء، ومن جحد الوصي منزلته، ورد ّعلي الرسول مقالته ، وأوّل نصّ الکتاب بالتأويل الواهي، والخيال الساهي، وقدّم من يستحقّ التأخير لنقصه، وأخر من قدّم الله ورسوله منصبه، ونصب العداوة لأهل بيت نبيه، وجحد الولاية بضلاله وغيه، وعدل بميراث الرسول عن أهله، ووضعه في غير محلّه، فهو ممّن أنکر أصول الإيمان، وانتظم في مسلک عبدة الأوثان، وأعداء الرحمن، ومقره في الدرک الأسفل، وجزاؤه العذاب الأطول، يتعوّذ فرعون وهامان من عذابه، وينفر عبدة الأوثان من أليم عقابه.

کما ذکرت هنا في فقرات نثري، وأوردت قديماً في خطبي وشعري،

مخاطباً من تجرّأ علي الله والرسول ، وغصب حقّ الوصي والبتول :

غرّتک دنياک فصرت حاکماًوللوصي والبتول ظالما وللنبي المصطفي مخاصماً فسوف تصلي بعد ذا سعيرا

ص: 250

عقوبة الذنب من الله علي مقدار ذنب العبد في دار البلا وظلم من يؤذي النبي المرسلا هل فوقه ظلم فکن بصيرا

اللّهمّ فکما جعلتنا من المستمسکين بحبل نبيک وعترته، والمستظلّين بظلال وليّک وذرّيته، المعتصمين بمعاقل محبيهم، الموسومين بخاصة شيعتهم، الواثقين بعروة عصمتهم، السالکين واضح طريقتهم فصلّ علي محمد و آله ، وأمتنا علي الحق الّذي هديتنا إليه من عرفان حقهم، وابعثنا علي النهج الذي نحن عليه من الاقرار بصدقهم، ومتّعنا بالنظر إلي جلال جمالهم في حشرنا، واجعلهم شفعاءنا إليک يوم نشرنا، وارزقنا منازل السعداء، واسقنا من حوضهم شربة لا نظمأ بعدها أبداً، إنّک علي کلّ شيء قدير، وبالاجابة جدير، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علي سيّدنا محمد

وآله الطاهرين .

ص: 251

ص: 252

المجلس الثالث: في ذکر شيء من فضائل أمير المؤمنين، وذکر أدلة شريفة علي فرض إمامته، و...

اشارة

المجلس الثالث: في ذکر شيء من فضائل أمير المؤمنين، وذکر أدلة شريفة علي فرض إمامته، والاستدلال علي کفر من أنکر نص خلافته، وذکر طرف من ظلامة سيدة النساء صلوات الله عليها، وذکر وفاتها، ووفاة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلي أبنائه الطاهرين

خطبة للمؤلف رحمه الله

في ذکر شيء من فضائل أمير المؤمنين، وذکر أدلّة شريفة

علي فرض إمامته ، والاستدلال علي کفر من أنکر نصّ خلافته ، وذکر طرف من ظلامة سيّدة النساء صلوات الله عليها، وذکر وفاتها ، ووفاة أمير المؤمنين

صلوات الله عليه وعلي أبنائه الطاهرين

الخطبة

الحمد لله الذي أسبغ علينا فضله العميم، وأسدي إلينا برّه الجسيم، وهدانا صراطه المستقيم، وسلک بنا سبيله القويم ، وجعلنا من أمّة رسوله الکريم، وشيعة وليه الأواه الحليم ، أعني سيد الوصيين ، وإمام المتقّين ، وحبل الله المتين ، ونوره المبين ، عليّ أمير المؤمنين ، المغصوب أمره ، المجهول قدره، المشهور فضله ، المنشور عدله ، المظلوم حقّه المکذوب صدقه ، المقتول في محرابه، المهدوم رکن الاسلام بمصابه، أفضل من ارتدي بالخلافة واتّزر، وأشرف من تسمّي بالإمامة واشتهر ، صنو الرسول و مواريه في رمسه ، وصارمه المسلول

ص: 253

ومواسيه بنفسه .

کم رکن للشرک هدم ، وکم صلب للکفر قصم ، وکم أدحض للجهل حجّة، وکم أمعن للبغي مهجة ، وکم أخفي للنفاق محجّة ، وکم أفاء الله علي المسلمين بسيفه أموالا ودياراً وحدائق ذات بهجة.

کتب الله بيد عظمته منشور ولايته ، وختم بطابع عنايته توقيع خلافته، وأوجب فرض ولايته علي کافّة بريّته ، وجعل الرئاسة العامّة إلي يوم القيامة فيه وفي ذرّيّته ، (إنَّمَا وَليُّکُم)(1)تاج سلطانه ، و (قُل لَا أَسأَلکُم) (2) خلعة عظيم شأنه ، وآية النجوي في حلية الفخر جواد سباقه ، وسورة هل أتي في عرصة المجد ميدان انطلاقه.

قرن الشمس مقعد أصله ، وهامة السماک مرکب فضله ، عدله عميم ، وفضله عظيم ، ونوره تامّ ، وجوده عامّ ، وعلمه بحر زاخر ، وکفّه جود هامر، ولفظه لؤلؤ منثور ، وعزمه سيف مشهور ، وحبّه شرف وفخر ، وبغضه نفاق وکفر.

يعشق جماله قلبي ، ويعتقد کماله لبّي ، ويهوي ذکره لساني ، ويعتاد شکره جناني ، و يحلو تکرّر لفظه في لهواتي ، ويجلو فصيح وعظه کرباتي ، کلامه شفاء غمومي ، وخطبه مجلية همومي ، ونهج بلاغته سبيل بلاغتي ، وغرر درره حلية فصاحتي ، ينشي مدحه نشوات السرور في فؤادي ، ويستعذب وصفه دقيق فکري في إصداري وإيرادي .

إن ابني من عدوّي ناب وظفر ، فزعت إلي الدعاء باسمه في الجهر

ص: 254


1- سورة المائدة : 55.
2- سورة الشوري : 23 .

والسرّ، ليجعل الله معاندي بصواعق توسّلاتي مقهوراً ، وبسهام دعواتي محسوراً، ويطرق لعيني مذؤوماً مدحوراً ، وأن يردّ الّذين کفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً (1)

اللهمّ اجعل کيده في تضليل ، وأرسل عليه حجارة من سجّيل (2) وشهباً ثاقبة يضعف عن تحمّل سعيرها الطوق ، وسحائب هلکه برد بارودها بمطر من تحت إلي فوق .

اللهمّ أرسل عليه شواظاً من نار ونحاس (3)، وبنادق من رصاص تترکه کهشيم المحتظر (4) ولا توفّقه للتوبة ، ولا ترشده للأوبة ، وصمّ سمعه عن سماع نصيحتي ، ولا تنفعه بتبياني و تذکرتي ، حتي تخرجه من دار الفناء وأنت عليه غضبان ، و تصليه جهنّم وقلبه غير مطمئنّ بالإيمان .

ربّنا أفرغ علينا صبراً علي ظلمه ، وأعظم لنا من لدنک أجراً علي هظمه،

واجعل لنا أُسوة بنبیّک وأهل بيته الأطهار ، وارفع لنا عندک درجة في منازل الأبرار ، إنّک ذو الفضل الجزيل ، والصنع الجميل . .

روي عن شمس فلک النبوّة ، وروح جسد الفتوّة ، ومن أعلي الله علي کلّ علوّ علوّه ، وأسمي علي کلّ سموّ سموّه ، بلبل دوح ( اقرَأ وَرَبُّکَ الأکرَمُ) (5) قاريء لوح (وَعَلَّمَکَ مَا لَم تَکُن تَعلَم)(6)، صدر مجلس(ألَم نَشرَح لَکَ

ص: 255


1- إقتباس من الآية : 25 من سورة الأحزاب
2- إقتباس من الآية : 2 و 4 من سورة الفيل
3- إقتباس من الآية :35 من سورة الرحمن .
4- إقتباس من الآية : 31 من سورة القمر .
5- سورة العلق : 3.
6- سورة النساء : 113.

صَدرَ کَ) (1) بدر مشرق (وَرَفَعنَا لَکَ ذِکرَکَ)(2)، تاج نبوّته (مَا کَانَ مُحَمَّدُ أَبَا أحَدٍ مِن رِجَالِکُم وَلکِن رَسُول اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّين) (3)ومنهاج ملّته (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلَام دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيِنَ) (4)، وقسم رسالته (يس وَالقُرآن اِلحَکِيمِ إنَّکَ لَمِنَ المُرسَلِينَ) (5) وصحيفة أدبه(خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجَاهِليِن)(6)، ومعراج رفعته (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَي)(7)، وکمال معرفته (سَنُقرِئُکَ فَلَا تَنسَی) (8)

رسخت قدمه في صعيد المجد الأطول ، وشمخت شجرته في روضة

الشرف الأعبل ، طار بقوادم التقديم لمّا أُسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي ، وفاز بدرجة التعظيم لمّا وطيء بأخمصه بساط العزّة والکبرياء ، نودي في ذلک المقام : دس البساط بنعليک ، وخوطب بلسان الحال: (انَّا أوحَينَا )(9)النبيّون طلائع جنودک ، والکروبيّون مقدّمة عديدک ، ( وانَّا فَتَحنَا) (10)علم نصرتک وتأييدک ، (وَلَسَوفَ يُعطِيکَ رَبَّکَ فَتَرضَي) (11)علامة رفعتک و تمجيد .

ص: 256


1- سورة الشرح : 1.
2- سورة الشرح : 4.
3- سورة الأحزاب : 40.
4- سورة آل عمران : 85.
5- سورة يس : 1- 3.
6- سورة الأعراف : 199 .
7- سورة الاسراء : 1.
8- سورة الأعلي : 6.
9- سورة النساء : 163.
10- سورة الفتح : 1.
11- سورة الضحي : 5.

الدنيا والآخرة في قبضة حکمک ، و علوم الأوّلين والآخرين کالقطرة في بحر علمک ، لم أخلق خلقاً أکرم منک عليّ ، ولم أنشيء نشأً أدني منک إليّ ، السبع الطباق ميدان سباقک ، وسدرة المنتهي غاية براقک ، شجرتک في دوحة المجد نسقت ، ونبعتک في ربوة العز سمقت ، قلبک خزانة علمي ، وشرعک مناط حکمي ، ويمنک موضع سّري ، وأمرک قرين أمري .

(مَن يُطع الرَّسُولَ فَقَد أطَاعَ اللهَ) (1)عنوان صحيفتک ، (فَاتَّبعُونِي يُحبِبکَمُ اللهُ)(2)توقيع رسالتک ، يا بدر دجي أسريت به ليلاً إلي حضرة قدسي، ويا شمس ضحي أبديت سناها من مقام أنسي ، خذ ما أتيتک بقوّة .

فإذا لسان حاله ، صلّی الله عليه و آله : يا من شرّفني - بلذيذ مناجاته بي إلي الصفيح الأعلي من سماواته ، وأطلعني علي أسرار ملکوته ، وأسمعني نغمة خطاب جبروته ، ربتي(3)وحق ما أزلفتني به من قربک ، وأتحفتني من خالص حبّک ، وما ضمّت عليه جوانحي وأحشائي من صحّة يقيني وولائي ، وما سکن من بهجتک في سواد ناظري وسويداء ما في قلبي إلّا جلال جمالک ، ولا في نفسي إلا بهاء کمالک ، صرفت کلّي نحو طاعتک ، ووجّهت وجهي إلي کعبة محبّتک ، ووقفت سمعي علي خطاب حضرتک ، حلية لساني شريف ذکرک، وراحة جناني دوام شکرک.

يا معبودي ومقصودي ، ومن له خضوعي وسجودي ، نوّر بمصابيح التوفيق سبيل سلوکي إليک ، واحملني علي مطايا التحقيق موضحاً أدلّة الحق عليک ، إنّک الهادي إلي طريق الرشاد، والموضح سبيل السداد ، هذا الّذي جليت

ص: 257


1- سورة النساء : 80.
2- سورة آل عمران : 31.
3- کذا في الأصل .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام

رين القلوب بذکر مفاخره ، وجلوت علي النفوس غروس مآثره ، ونقلت درّه من طور مراتبه ، وصببت قطرة من بحر مناقبه .

روي عنه بالروايات القاطعة ، والآثار الساطعة ، متّصلة إليه صلّی الله

عليه و آله أنّه صعد المنبر فخطب بعد أن اجتمع الناس إليه ، فقال :

يا معشر المؤمنين ، إنّ الله سبحانه أوحي إليّ أنّي مقبوض ، وان ابن عمّي علياً مقتول ، وإنّي - أيّها الناس - آخبرکم بخبرٍ إن عملتم به سلمتم ، وإن ترکتموه هلکتم ، إن ابن عمي علية هو أخي ووزيري ، وهو خليفتي ، وهو المبلّغ عنّي، وهو إمام المتقّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، إن استرشد تموه أرشدکم ، وإن تبعتموه نجوتم ، وإن خالفتموه ضللتم ، وإن أطعتموه فالله أطعتم ، وإن عصيتموه فالله عصيتم ، وإن بايعتموه فالله بايعتم ، وإن نکثتم بيعته فبيعة الله نکثتم ، وإن الله سبحانه أنزل عليَّ القرآن ، وهو الّذي من خالفه ضلّ ، ومن ابتغي علمه عند غير علي هلک .

أيّها الناس ، اسمعوا قولي ، واعرفوا حقّ نصيحتي ، ولا تخلفوني في أهل بيتي إلّا بالّذي أمرتم به من حقّهم(1) فإنّهم حامتي و قرابتي وإخوتي وأولادي، وإنّکم مجموعون ومساءلون عن الثقلين ، فانظروا کيف تخلفوني فيهما ، إنهم أهل بيتي ، فمن آذاهم آذاني ، ومن ظلمهم ظلمني ، ومن أذلّهم أذلنّي ، ومن أعزهم أعزّني ، ومن أکرمهم أکرمني او [من نصرهم نصرني ، ومن خذلهم خذلني ، ومن طلب الهدي في غير هم فقد کذّبني].(2)

أيّها الناس ، اتّقوا الله وانظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه، فإنّي خصيم لمن

ص: 258


1- في الأمالي : حفظهم .
2- من الأمالي .

آذاهم ، ومن کنت خصمه خصمه الله (1) ، أقول قولي [هذا] (2) وأستغفر الله لي ولکم.(3)

أقول : في موجب هذه الخطبة الّتي ذکر الرسول صلّی الله عليه و آله فيها شرف أمير المؤمنين ، وأبان عن فضله الّذي لا يوازيه فضل أحد من العالمين ، إذ اختصه بخلافته وإخوته ، وسجّل انّه الأولي بتدبير أمّته ، وأوضح عن شرف رتبته ، وأفصح برفعة منزلته بقوله : هذا أخي ووزيري وخليفتي والمبلّغ عنّي ، ثمّ زاده شرفاً بقوله : هو إمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وإنّما خصّ المتّقين بالذکر لکونهم هم الفائزون بإخلاص الطاعة له في سرهم وعلانيتهم ، وهم المتّبعون بأداء أمره ونواهيه في ظواهرهم وبواطنهم ، وهم الذين اهتدوا فزادهم الله هدي وآتاهم تقواهم (4) ، وهم الّذين اعتصموا بحبل الله فعصموا من الردي في دنياهم وأخراهم(5) ، وان کان صلوات الله عليه إماماً لجميع الخلق من الثقلين ، وسيّداً لمن أقرّ بتوحيد ربّ المشرقين وربّ المغربين

ثمّ عرّفنا صلّی الله عليه و آله إن استرشدناه استرشدنا ، وإن تبعناه نجونا، وإن خالفناه ضللنا ، وإن أطعناه فالله أطعنا ، وإن عصيناه فالله عصينا ، وإن

بالا

ص: 259


1- في الأمالي : خصمه خصمته
2- من الأمالي .
3- أمالي الصدوق : 62ح 11 ، عنه البحار :94/38 ح 10، وإثبات الهداة :1 /279ح .148ورواه في بشارة المصطفي : 16 - 17 بالاسناد إلي الصدوق. وأورده في مشارق أنوار اليقين : 52 - 53 ، عنه البحار : 23 /153 ح 118.
4- إقتباس من الآية : 17 من سورة محمد صلّی الله عليه و آله
5- إقتباس من الآية : 103 من سورة آل عمران .

بايعناه فالله بايعنا، وإن نکثنا بيعته فبيعة الله نکثنا .

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله : إن الله أنزل عليَّ القرآن الّذي من خالقه ضلّ،

ومن ابتغي علمه عند غير عليّ هلک.

وما کان صلّی الله عليه و آله ليثبت له هذه الخصائص تشهّياً ، ولا ليوجب له هذه الفضائل اقتراحاً ، بل بوحي يوحي ، لکونه صلي الله عليه و آله لا ينطق عن الهوي (1).

ولم يکن سبحانه ليوجب علينا متابعته ، ويفرض علينا ولايته ، ولا يحثّنا علي الاستمساک بعروته ، ويأمرنا بسلوک طريقته ، إلّا لأنّه سبحانه علم تشدّده في حبه ، وإخلاصه بقالبه وقلبه .

و قد طهّره سبحانه بالعصمة ، وأيده بالحکمة ، لا تأخذه فيه لومة لائم، ولا يثني عزيمته عن التوجّه إليه عقائد العزائم ، قلبه منبع الأسرار الإلهيّة ، ونفسه معدن العلوم الربّانيّة والفضائل النفسانية ، إلي کعبة علومه تشدّ الرحال ، وببيت معارفه يطوف الرجال ، وعلي قواعد استنباطه تبني الأحکام ، وهو الذي وضع قوانين العلوم بأسرها، وتفرّد دون الخلق بضبطها وحصرها ، فالعلوم الإلهيّة من عين يقينه نبعت ، الأحکام الشرعيّة من تحقيقه و تبيينه تفرّعت ، وموازين الفصاحة بلسانه استقام لسانها ، و قعر البلاغة بنهج بلاغته قامت سوقها و استقامت أوزانها ، والقواعد الرياضيّة بحدّة فطنته أوضح غامض إشکالها ، وأقام البرهان علي وحدة الصانع ووجوب وجوده بستر تيب قضاياها وأشکالها.

کلّ علم لا يعزي إليه فهو باطل ، وکلّ نثر لا يحلّي بجواهر کلامه فهو

ص: 260

عاطل ، وکلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل ، وکلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل(1)، وکل فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.

ما من علم إلّا وهو أصله وفرعه ، وما من أدب إلّا وهو بصره وسمعه ، إليه يرجع المتالّهون في سلوکهم ، وبنور کشفه تکشف ظلمة الحيرة من سلوکهم ، أقدم الناس سلمة ، وأغزرهم علما ، وأعرفهم بکتاب الله ، وأذبّهم عن وجه رسول الله . .

سيفه القاطع ، ونوره الساطع ، وصدّيقه الصادق ، ولسانه الناطق ، وأنيس وحشته ، وجليس وحدته ، ووليّ عهده ، وأبو ولده ، وأفضل الخلق من بعده ، لم يسبقه الأولون بعلم و جهاد ، ولم يلحقه الآخرون بجدّ واجتهاد ، نصر الرسول إذ خذلوا، وآزره إذ فشلوا، وآثره بنفسه إذ بخلوا ، واستقام علي طريقته ، إذ غيرّوا وبدّلوا.

مجده شامخ ، وعلمه راسخ ، کم حجّة لمارق أدحض ، وکم شبهة لزاهق قوّض ، وکم علم للشرک نکسّ ، وکم جدّ للظلم أتعس ، وکم جمع للنفاق أرکس، وکم منطبق من أولي الشقاق أبلس ، أوّل من صام وصلي وتصدّق ، وأقام الإسلام في بدر و حنين واحد والخندق ، کم قصم فقار مشرک بذي الفقار ، کالوليد وعمرو وذي الخِمار(2) ردّت له الشمس وقد دنت للطفل ، حتي أدّي فرضه وعن طاعة ربّه ما اشتغل .

أوّل في الدين ذو قدم وله عزّ إذا انتسبا خصّه ربّي فصيّره لبني بنت النبيّ أبا

ص: 261


1- باقلُ : اسم رجل يضرب به المثل في العِيَّ . «لسان العرب : 62/11 - بقل -» .
2- هو مبيع بن الحارث ، من بني مالک .

قول النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام: «لک أشياء ليس لي مثلها»

فهو سيّد الوصييّن ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ، وعمه حمزه سيّد الشهداء ، وأخوه جعفر يسمّي ملکا ، سيّد الطيور في الجثة يطير مع الملائکة ، وأبوه سيّد العرب حامي رسول الله ، وجدّه رئيس مکة وجدّ جدّه عبد مناف سيّد العرب ، وحماته أمّ المؤمنين أوّل امرأة أسلمت وصلّت وأنفقت ، ومنها نسل النبيّ صلّی الله عليه و آله ، وأمّه فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة ولدت من هاشميّين.

وروي الثقات عن رسول الله صلّی الله عليه و آله أنّه قال : يا عليّ ، لک أشياء ليس لي مثلها ؛ إنّ لک زوجة مثل فاطمة وليس لي مثلها ، ولک ولدين من صلبک وليس لي مثلهما من صلبي ، ولک مثل خديجة أمّ أهلک وليس لي مثلها، ولک حمو (1)مثلي وليس لي حمو مثلي ، ولک أمّ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب ، ولک أمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة وليس لي أمّ

مثلها .

سلمان وأبوذرّ والمقداد : أنّ رجلاً فاخر عليّاً عليه السلام فقال [النبيّ صلّی الله عليه و آله] (2) : إن فاخرت العرب فأنت أکرمهم ابن عمّ ، وأکرمهم نفساً وأکرمهم زوجة، وأکرمهم ولداً ، وأکرمهم أخاً ، وأکرمهم عمّاً ، وأعظمهم حلماً وأکثرهم علماً ، وأقدمهم سلماً ، [وفي خبر :] (3) وأشجعهم قلباً ، وأسخاهم کفّاً.

وفي خبر آخر : أنت أفضل أمّتي فضلاً (4) وروي شيخ السنّة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل أنّ

ص: 262


1- في المناقب : صهر ، وکذا في الموضع الآتي .
2- من المناقب
3- من المناقب
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 170، عنه البحار : 68/40 ح 102.

فاطمه بنت اسد رأت النبي صلّی الله عليه وآله يأکل تمراً له رائحة تزداد علي کلّ الأطائب من المسک والعنبر ، من نخلة لا شماريخ لها ، فقالت : ناولني - يا

رسول الله - أنل منها .

قال صلّی الله عليه و آله: لا تصلح إلا أن تشهدي معي لأن (1)

لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فشهدت الشهادتين ، فناولها فأکلت ، فازدادت رغبتها ، وطلبت أُخري لأبي طالب ، فأوعز إليها صلّی الله عليه و آله ألا تعطيه

إلا بعد الشهادتين .

الا

فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نسيماً ما اشتمّ مثله قطّ فأظهرت ما معها فالتمسه منها ، فأبت عليه،(2) إلّا أن يشهد الشهادتين ، فلم يملک نفسه أنّ شهد الشهادتين غير أنّه سألها أن تکتم عليه لئلّا تعيّره قريش ، فعاهدته علي ذلک ، وأعطته ما معها ودنا إليها ، فعلقت بعلي صلوات الله عليه في تلک الليلة ولمّا علقت بعليّ عليه السلام از داد حسنها ، وکان يتکلم في بطنها ، وکانت يوماً في الکعبة فتکلّم عليّ عليه السلام مع جعفر فغشي عليه ، فالتفتت فإذا الأصنام خرّت علي وجوهها ، فمسحت علي بطنها وقالت : يا قرّة العين ، تخدمک (3)الأصنام فيّ داخلاً ، فکيف شأنک خارجا ؟! وذکرت لأبي طالب ذلک ، فقال : هو الّذي قال لي عنه أسد في طريق الطائف. (4)

وروي الحسن بن محبوب ، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا أخذ فاطمة

ص: 263


1- من المناقب .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : إليه .
3- في المناقب : سجدتک .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 172 ، عنه البحار :17/35ح 14 ، وحلية الأبرار : 19/2ح 1.

ميلاد أمير المؤمنين علي عليه السلام في الکعبة

بنت أسد الطلق أتت الکعبة فانفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ثلاثة أيّام تأکل من ثمار الجنّة وأرزاقها حتي ولدت أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الکعبة.

وقيل : إنّه لمّا أخذها المخاض أنّت الکعبة وقالت : ربّ إنّي مؤمنة بک وبما جاء من عندک من کتب ورسل ، مصدّقة بکلام جدّي إبراهيم ، فبحقّ الّذي بني هذا البيت ، وبحقّ المولود الّذي في بطني لما يسّرت عليَّ ولادتي .

فانفتح البيت ودخلت فيه وإذا بحوّاء و مريم و آسية وأمّ موسي ، وصنعن به کما صنعن برسول الله صلّی الله عليه و آله عند ولادته ، فلمّا ولدته سجد علي الأرض يقول : أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، [وأشهد أنّ عليّاً وصيّ محمد رسول الله] (1)بمحمد تختم النبوّة ، وبي تتمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين ، ثمّ سلّم علي النساء، وأشرقت الأرض(2) بضيائها، فخرج أبو طالب وهو يقول : أبشروا، فقد خرج وليّ الله .

وفي رواية أُخري : أنّه لمّا خرجت به أمّه من البيت قال لأبي طالب: السلام عليک يا أبة ورحمة الله وبرکاته ، ثمّ تنحنح وقرأ : (بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ قَد أفلَحَ المُؤمِنُونَ) (3) الآيات ، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : قد أفلحوا بک ، أنت والله أميرهم تميرهم من علومک فيمتارون ، وأنت والله دليلهم وبک يهتدون .

ووضع رسول الله صلّی الله عليه و آله لسانه في فيه فانفجر اثنتا عشرة

ص: 264


1- من المناقب .
2- في المناقب : السماء .
3- سورة المؤمنون : 1.

عليّاً وظلامة الزهراء علي عينة - الحديث - فحتکه رسول الله بريقه ، وأذّن في أُذنه اليمني ، وأقام في اليسري ، فعرف الشهادتين وولد علي الفطرة.(1)

وروي أنّه لمّا ولد [عليّ عليه السلام] (2)أخذ أبو طالب بيد فاطمة - وعليّ

علي صدره و خرج ليلاً إلي الأبطح ونادي : ياربَّ هذا الغسق الدجي والقمر المبتلج المضيَّ بيَّن لنا من حکمک المقضيّ لماذا تري في اسم ذا الصبيّ؟ (3)

قال : فجاء شيء کالسحاب يدبّ علي وجه الأرض حتي حصل في صدر أبي طالب فضمه مع عليّ إلي صدره ، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مکتوب :

خ صصتما بالولد الزکيّ والطاهر المنتجب الرضيّ فاسمه مسن شامخ علي علي اشتق من العليّ (4)

قال : فعلّق (5) اللوح في الکعبة ، وما زال هناک حتي أخذه هشام بن عبد الملک لعنه الله ، وإجماع أهل البيت أنّه ولد في الزاوية اليمني في الکعبة، فالولد الطاهر من النسل الطاهر ، ولد في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه

ص: 265


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 173 - 174، عنه البحار : 17/30 ذح 14.
2- من المناقب .
3- من المناقب . وفي «ح» : قال أبو طالب : سمّيته بعليّ کي يدوم له عزّ العلوّ وخير العزّ أدومه.
4- انظر کفاية الطالب :406، عنه الغدير : 347/7 . وفي الفضائل لشاذان : 56 - 57، عنهالبحار :102/35 - 103.
5- في المناقب : فعلّقوا .

أمير المؤمنين عليه السلام يقضي في رجل زني مرة بعد مرة

أن النبي صلي الله عليه وآله أخذ عليا عليه السلام من أبي طال

الکرامة لغيره ؟ فأشرف البقاع الحرم، وأشرف الحرم المسجد ، وأشرف

[بقاع](1) المسجد الکعبة ، ولم يولد فيه مولود سواه ، فالمولود فيه يکون في غاية الشرف، وليس المولود في سيد الأيام يوم الجمعة في الشهر الحرام في البيت الحرام سوي أمير المؤمنين عليه السلام. (2)

وأجمع أهل البيت بأدلّة قاطعة بأنّه معصوم ، وأجمع الناس انّه لم يشرک

بالله أبداً ، وانّه بايع(3) النبيّ في صغره و ترک أبويه .

وروي جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلّی الله عليه و آله قال : ثلاثة لم يکفروا بالله (4) طرفة عين : مؤمن آل يس ، وعليّ بن أبي طالب ، و آسية امرأة

فرعون. (5)

وروي أنّه أعترف رجل [محصن] (6) عند أمير المؤمنين عليه السلام أنه

زنا مرّة بعد مرّة وأمير المؤمنين يتغافل عنه حتي اعترف الرابعة ، فأمر صلوات الله عليه بحبسه ، ثمّ نادي في الناس ، ثمّ أخرجه بالغلس(7) ثمّ حفر له حفيرة ووضعه فيها ، ثمّ نادي : أيها الناس ، هذه حقوق الله لا يطلبها من کان عليه مثلها، فانصرفوا ما خلا عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين صلوات الله

عليهم. (8)

ص: 266


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/174 - 175 ، عنه البحار : 18/35 - 19.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : تابع .
4- في المناقب : بالوحي .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 177 .
6- من مناقب .
7- الغلس : ظلمة آخر الليل
8- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 177 ، وزاد فيه : فرجمه ، ثمّ صلّی عليه

أبيات لديک الجن

وفي التهذيب أنّ محمد بن الحنفية کان ممّن رجع(1)

وکان أمير المؤمنين ممّن وصفه الله تعالي (وَأجبُنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ) (2)ثم قال : (وَمِن ذریَّتنَا يا أمة مُسلِمَةً لَکَ)(3)، فنظرنا في أمر الظالم فإذا الأمَّةً قد فسّروه انّه عابد الأصنام ، وانّ من عبدها فقد لزمه الذلّ ، وقد نفي الله أن يکون الظالم إماماً (4)لقوله :(لَا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ) (5)

ووجدنا العامّة بأسرهم إذا ذکروا عليّاً قالوا: کرّم الله وجهه ، وأجروا ذلک

علي ألسنتهم ، يعنون بذلک : عن عبادة الأصنام.(6)ديک الجنّ (7)

شرفي محبّة معشر شرًّفوا بسورة هل أتي وولاي من في فتکه سمَّاه ذو العرش الفتي لم يعبد الأصنام قطّ ولا ألام ولا عتا ثبتاً إذا قدما سواه إلي المهاوي زلّتا ثقل الهدي وکتابه بعد النبيّ تشتّتا

ص: 267


1- تهذيب الأحکام : 11/10ذح 23 وفيه أن ذلک کان في قضيّة أخري .
2- سورة إبراهيم : 35.
3- سورة البقرة : 128.
4- في المناقب : خليفة .
5- سورة البقرة :124.
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 177
7- هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، أصله من مؤتة ، وولد في حمص ، وهو شاعر مشهور مجيد... وکان يتشيّع ، له مرات کثيرة للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، توفّي سنة «235» ه. «الکني والألقاب :212/2 »

أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يشرب الخمر حتي قبل تحريمها

واحسرتا من ذلّهم وخضوعهم واحسرتا

طالت حياة عدوّهم حتّي متي وإلي متي؟ ثمّ انّه صلوات الله عليه لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يأکل ما ذبح علي

النصب ، وغير ذلک من الفسوق وقريش ملوّثون بها.(1)

روي قتادة ، عن الحسن البصري ، قال : اجتمع علي و عثمان بن مظعون

وأبو طلحة و أبو عبيدة ومعاذ بن جبل و سهيل بن بيضاء وأبو دجانة في منزل سعد بن أبي وقّاص ، فأکلوا شيئاً، ثم قُدَّم إليهم شيئاً من الفضيح، فقام أمير المؤمنين عليه السلام و خرج من بينهم ، فقال عثمان في ذلک ، فقال علي: لعن الله الخمر ، والله لا أشرب شيئاً يذهب بعقلي ، ويضحک بي من رآني ، و أزوّج کريمتي من لا أريد ، وخرج من بينهم ، فأتي المسجد ، وهبط جبرئيل بهذه الآية : (يَا أيُّها الذِينَ آمَنُوا - يعني الذين اجتمعوا في منزل سعد - إنَّمَا الخَمرُ والمَيسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزلَامُ رِجسُ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ ) (2) إلي آخرها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : تبا لها ، والله - يا رسول الله - لقد کان بصري فيها نافذ منذ کنت صغيراً.

قال الحسن :] (3)والله الّذي لا إله إلّا هو ما شربها (4)قبل تحريمها ولا

ساعة قطّ. (5)

ثمّ إنّه کان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربّيا رسول الله صلّی الله عليه و آله،

ص: 268


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 178 .
2- سورة المائدة : 90.
3- من المناقب .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : ما شربتها .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 178 .

ليعينه علي أمره

وربّي النبي صلّی الله عليه و آله وخديجة لعلي عليه السلام ، وسمعنا(1)مذاکرة أنّه لمّا ولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يفتح عينيه ثلاثة أيّام ، فجاء النبيّ صلّی الله عليه و آله ففتح عينيه ، ونظر إلي النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فقال النبي صلّی الله عليه و آله : خصّني بالنظر ، وخصصته بالعلم .

وروي أنّ النبي صلّی الله عليه و آله حين تزوّج خديجة قال لعمّه أبي طالب : إنّي أحبّ أن تدفع إليّ بعض ولدک يعينني علي أمري ويکفيني ، وأشکر لک بلاءک عندي.

فقال أبو طالب : خذأیّهم شئت ، فأخذ عليّاً عليه السلام.(2)

نهج البلاغة : وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّی الله عليه و آله بالقرابة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلي صدره، ويلفّني(3) في فراشه ، ويمسّني خدّه ،(4) ويشمّني عّرفّهُ(5)وکان يمضغ الشيء ويلقمنيه ، وما وجد لي کذبة في قول ولا خطلة (6) في فعل ، ولقد قرن الله به صلي الله عليه و آله من لدن لأن (7) کان فطيماً أعظم مَلَکٍ من ملائکته يسلک به طريق المکارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره، ولقد کنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي[ في](8) کلّ يوم عَلَماً من أخلاقه ،

ص: 269


1- في المناقب : وسمعت .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 179، عنه البحار : 38 /294 ح 1، وحلية الأبرار :28/2ح 2 (صدره).
3- في النهج : وأنا ولد ... يکنفني .
4- في المناقب والنهج : جسده
5- عرفه : رائحته الذکية .
6- لخطلة : واحدة الخَطَل ، وهو الخطأ ينشأ عن عدم الروية
7- من النهج.
8- من المناقب والنهج .

ويأمرني بالاقتداء به.(1)

فمن استقت عروقه من منبع النبوّة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، و تهدّلت أغصانه(2) من نبعة الامامة ، ونشأ في دار الوحي ، وربّي في بيت التنزيل، ولم يفارق النبيّ صلّی الله عليه و آله ساعة في حال حياته إلي حال وفاته ، لا يقاس به أحد من سائر الخلق ، وإذا کان صلوات الله عليه نشأ في أکرم آرومة ، وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمي ، والشهاب الثاقب يسري ، و تعليم الرسول نافع(3)، ولم يکن الرسول صلّی الله عليه و آله ليتولي تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا علي ضربين (4) إمّا علي التفرّس فيه ، أو بالوحي من الله سبحانه ، فإن کان بالتفرّس فلا تخطيء فراسته ولا يخيب [ظنّه](5)، وإن کان بالوحي فلا منزلة أعلي ولا حال أدل علي الفضيلة والامامة منه. (6)

ثمّ إنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله خصّه بسيّدة النساء دون غيره بأمر الله سبحانه ، وتولّي سبحانه عقدة نکاحها ، وأنزل في ذلک قرآناً يتلي إلي يوم القيامة.

روي ابن عبّاس رضي الله عنه وابن مسعود وجابر والبراء وأنس

ص: 270


1- نهج البلاغة : 300 خطبة رقم 192 ، عنه مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 180 ، والبحار :38 / 320 ح 33. وأخرجه في حلية الأبرار : 2/ 30ح 4 عن المناقب.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه أغصانه
3- في المناقب : ناجع.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : إلا علي خير بين .
5- من المناقب
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 180 ، عنه البحار : 38/ 295.

أن عليا عليه السلام کان کفو فاطمة عليها السلام

الجواب علي ما قالته الناصبة: تزوج النبي صلي الله عليه

وآله من الشيخين، وزوج عثمان بنتين

وأمّ سلمة ، ورواه السدّي وابن سيرين(1) و الباقر عليه السلام في قوله تعالي :

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً) قالوا : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (وَکَانَ رَبُّکَ قَديراً) (2)[القائم في آخر الزمان](3) لأنّه لم يجتمع نسب وسبب في الصحابة[ والقرابة ](4) إلّا له . (5)

عوتب صلّی الله عليه و آله في أمر فاطمة ، فقال : لو لم يخلق الله عليّ بن

أبي طالب ما کان لفاطمة کفو علي وجه الأرض.(6)

ومثله روي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، وزاد فيه : آدم و من

دونه (7)

قالت الناصبة : تزوّج النبي صلّی الله عليه و آله من الشيخين، وزوّج

عثمان بنتين .

قلنا : الترويج لا يدلّ علي الفضل ، وإنّما هو مبنيّ علي إظهار الشهادتين،

ثم إنّه صلّی الله عليه و آله تزوّج في جماعة ، وأما عثمان ففي زواجه خلاف کثير، وأنّه صلّی عليه و آله [کان زوّجهما من کافرين قبله ]، (8)وليس حکم

ص: 271


1- کذا في المناقب ، و في الأصل : سدير
2- سورة الفرقان : 54.
3- من المناقب .
4- من المناقب .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 181 ، عنه البحار :106/43 ، وعوالم العلوم : 279/11.
6- مناقب ابن شهرآشوب : 181/2 ، عنه البحار : 107/43 ، وعوالم العلوم : 11 / 282ح 17.
7- من المناقب .
8- مناقب ابن شهرآشوب : 181/2، عنه البحار : 107/43 ، وعوالم العلوم : 281/11ح 13.

فاطمة مثل ذلک، لأنّها ولدت في الاسلام ، و من أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت ، ووردت فيها آية التطهير ، وافتخر جبرائيل بکونه منهم ، وشهد الله لهم بالصدق ، ولها أمومة الأئمّة إلي يوم القيامة ، ومنها الحسن والحسين عليهما السلام، وعقب الرسول ، وهي سيّدة نساء العالمين ، وزوجها من أصلها وليس بأجنبيّ.

وأمّا الشيخان فقد توسلا إلي النبيّ بذلک .

وأمّا علي فتوسّل النبيّ إليه بعد ما ردّ خطبتهما ، والعاقد عليها(1) هو الله تعالي ، والقابل جبرائيل ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، وصاحب النثار رضوان ، وطبق النتار شجرة طوبي ، والنثار الدر والياقوت والمرجان، والرسول هو الماشطة ، وأسماء صاحبة الحجلة (2)، ووليد هذا النکاح الأئمة الطاهرين عليهم السلام.(3)

مع انّه قد روي أنّ زينب ورقيّة لم يکونا ابنتي رسول الله صلّی الله عليه و آله علي الحقيقة ، بل ربيبتيه من جحش - کان زوج خديجة قبل رسول الله صلّی الله عليه و آله - روي ذلک صاحب کتاب الکشف واللمع، ورواه البلاذري(4) أيضاً ، وکانت زينب تحت أبي العاص بن الربيع ، وأمّا رقية فتزوّجها عتبة بن أبي لهب ومات علي کفره بعد أن طلّقها ، وتزوّج بها عثمان.

ص: 272


1- في المناقب : بينهما .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وسيّدة النساء صاحبة الحجلة
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 182 ، عنه البحار : 107/43 ، وعوالم العلوم : 282/11.
4- أنساب الأشراف: 397/1 و 401.

مؤاخاة النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام

وصار أمير المؤمنين أخا رسول الله صلّی الله عليه و آله من ثلاثة أوجه:

[أولها :](1)لقوله عليه السلام : ما زال ينقل من الآباء الأخائر ، الخبر.

الثاني : أنّ فاطمة بنت أسد ربّت رسول الله صلّی الله عليه و آله حتي قال: هذه أمّي ، وکان رسول الله صلّی الله عليه و آله عند أبي طالب من أعزّ أولاده، ربّاه في صغره ، وحماه في کبره ، ونصره بالمال واللسان والسيف والأولاد ز[والهجرة ](2)، والأب أبوان : أب ولادة وأب إفادة ، ثمّ انّ العمّ والد، قال سبحانه حکايه عن يعقوب :( مَا تَعبُدونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إلهَکَ وَإلهَ آبَائِکَ إبرَاهِيمَ وَإسمَاعِيلَ) (3) الآية ، وإسماعيل کان عمّه .

وقال سبحانه حکاية عن إبراهيم : (وَإذ قَالَ إبرَاهِيمَ لأبِيِه آزَرَ) (4) قال

الزجاج : أجمع النسّابة أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ.

[والثالث :] (5)آخاه النبيّ صلّی الله عليه و آله في عدّة مواضع : يوم بيعة العشيرة حين لم يسبايعه أحد بايعه علي علي أن يکون له أخاًفي الدارين . وقال في مواضع کثيرة ، منها : يوم خيبر : أنت أخي ووصيّي . وفي يوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاصّ والعام ّصحتّه ، وقد رواه ابن بطّة من ستّة طرق.

وروي أنّ النبي صلّی الله عليه و آله کان بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً ، فنزل جبرئيل وقال : إن الله تعالي آخي بين الملائکة : بيني وبين ميکائيل، وبين إسرافيل وعزرائيل ، وبين دردائيل و راحيل ، فأخي النبي صلّی

ص: 273


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- سورة البقرة : 133 .
4- سورة الأنعام : 74.
5- من المناقب .

الله عليه و آله بين أصحابه.

وروي خطيب خوارزم في کتابه (1) بالاسناد عن ابن مسعود ، قال النبي صلّی الله عليه و آله : أوّل من اتّخذ عليّ بن أبي طالب أسفاً إسرافيل ثمّ جبرائيل ، الخبر.

وعن ابن عبّاس ، قال : لما نزل قوله تعالي : (إنَّمَا المُومِنَونَ إخوَة) (2) آخي رسول الله صلّی الله عليه و آله بين الأشکال والأمثال : فآخي بين أبي بکر وعمر ، وبين عثمان وعبدالرحمان ، وبين سعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيّوب الأنصاري ، وبين أبي ذر وابن مسعود ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين حمزة وزيد ، وبين أبي الدرداء و بلال ، وبين جعفر الطيّار ومعاذ بن جبل ، وبين المقداد وعمار ، وبين عائشة وحفصة ، وبين زينب بنت جحش وميمونة ، وبين أم سلمة وصفيّة ، حتي آخي بين أصحابه بأجمعهم علي قدر منازلهم ، ثمّ قال : يا عليّ، أنت أخي وأنا أخوک .

تاريخ البلاذري : قال علي عليه السلام : يا رسول الله ، أخسيت بين

أصحابک و ترکتني؟

فقال : أنت أخي ، أما ترضي أن تدعي إذا دعيتُ ، وتکسي إذا کسيتِ

وتدخل الجنة إذا دخلت ؟ !(3)

ص: 274


1- مناقب الخوارزمي : 31- وفيه : اسرافيل ، ثم ميکائيل، ثم جبرئيل -، عنه کشف الغمة :376/1 . وفي البحار : 110/39ح 17 عن الکشف
2- سورة الحجرات : 10.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/184 - 185 وزاد فيه : قال : بلي ، يا رسول الله ، عنه البحار : 38/ 335ح 10.

أبيات لأمير المؤمنين عليه السلام بعد مؤاخاة النبي صلي الله عليه واله له

وقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : إذا کان يوم القيامة نادي منادٍ(1) من بطنان العرش : يا محمد ، نعم الأب أبوک إبراهيم ، ونعم الأخ أخوک عليّ بن أبي طالب. (2)

وروي أبو إسحاق العدل ، قال أبو يحيي : ما جلس عليّ صلوات الله عليه علي المنبر إلّا قال : أنا عبدالله ، وأخو رسول الله ، لا يقولها بعدي إلّا کذاب (3)

الصادق عليه السلام قال : لمّا آخي رسول الله صلّی الله عليه و آله بين أصحابه وترک عليّاً ، فقال له في ذلک ، فقال النبي صلّی الله عليه و آله : إنّما (4) اخترتک لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوک في الدنيا والآخرة.

فبکي عند ذلک أمير المؤمنين وقال : أقيک بنفسي أيّها المصطفي الّذي

هدانا به الرحمن من عَمَهِ (5)الجهل

بروحي أفديه(6)وما قدر مهجتي؟

المن أنتمي منه إلي الفرع والأصل

ومن ضمني مذ کنت طفلا ويافعة

وأنعشني بالبّر والعللّ والتهل(7)

ص: 275


1- في المناقب : نوديت .
2- مناقب ابن شهرآشوب 2: 189 ، عنه البحار : 38 / 337.
3- مناقب ابن شهرآشوب 2:186 ، عنه البحار : 38 / 337.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : أنا .
5- العمة : الحيرة والتردد
6- في المناقب : وأفديک حوبائي . والحوباء : النفس .
7- العلّ : الشرب الثاني ، والنهل : الشرب الأول . وهذا کناية عن غاية اهتمامه صلّی الله عليه و آله بتربيته علي جميع الحالات

ومن جدّه جدّي ومن عمّه عمّي

: ومن أمه(1) أُمّي ومن بنته أهلي

ومن حين آخي بين من کان حاضراً

دعساني و أخاني وبيّن من فضلي

لک الفضل إني ما حييت لشاکرُ

لإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل؟(2) قيل لقثم بن العبّاس : بأي شيء ورث عليّ النبي صلّی الله عليه و آله دون

العبّاس ؟

قال : لأنّه [کان] (3)أشدّنا به لصوقاً ، وأسرعنا به لحوقاً (4)

وقد علمنا أنّ أمير المؤمنين لم يکن أخاً للرسول في النسب ، فلمّا جعله شکلا له وأخا بين الأشکال والأمثال واستخلصه لنفسه علمنا بذلک أنّه الإمام الحقّ علي سائر المسلمين ، فلا يجوز لأحدٍ أنّ يتقدّمه ، ولا أن يتأمر عليه ، لأنّه شبه الرسول ومشاکله ، والعرب تقول للشيء : إنّه أخو الشيء إذا أشبهه وقاربه، فکما لا يجوز التقدم علي رسول الله صلّی الله عليه و آله (لَا تُقَدَّمُوا بَين يَديَ اللهِ وَرَسُوِلِه ) (5)کذلک لا يجوز التقدّم علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنّه

ص: 276


1- في المناقب : أهله .
2- مناقب ابن شهرآشوب :186/2 - 187 ، عنه البحار : 28 / 337. وانظر ديوان الإمام علي عليه السلام - طبعة دار ابن زيدون -: 246.
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 188 ، عنه البحار : 340/38 .
5- سورة الحجرات : 1.

سد رسول الله صلي الله عليه و آله أبواب الصحابة وترک باب علي عليه السلام

مشابهه ومماثله ، ولهذا أمر الله نبيّه بسدّ أبواب الصحابة و ترک باب عليّ لکونه مماثله و مشابهه.(1)

روي أحمد في کتاب الفضائل(2) أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله قال في ذلک - لمّا تکلّم الناس -: والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولکن أمرت بشيء فاتّبعته(3)

تاريخ البلاذري ومسند أحمد في خبر قال عمرو بن ميمون (4) خلا ابن عباس مع جماعة ، فنالوا من علي ، فقام ابن عباس ، ثم قال : آف آف وقعوا في رجل قال له رسول الله صلّی الله عليه و آله : من کنت مولاه فعليّ مولاه ، ومن کنت وليه فعلي وليه.

وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي ، الخبر . وقال : لأدفعنّ الراية غدا إلي رجل ، الخبر .

وسدّ أبواب الصحابة إلّا بابه . ونام مکان رسول الله ليلة الغار . وبعث

ببراءة مع أبي بکر ، ثمّ أرسل عليّاً فأخذها منه(5)

وفي فضائل أحمد : قال عبدالله بن عمر : ثلاثة أشياء کنّ لعليّ لو کان لي واحدة منها لکانت أحبّ إلي من حمر النعم ؛ أحدها : إعطاؤه الراية يوم خيبر، و تزويجه فاطمة ، وسدّ الأبواب .

ص: 277


1- نحوه في مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 189 ، عنه البحار : 38 / 340.
2- فضائل الصحابة : 2/ 581 ح 985، مسند أحمد :175/1 ، وج 369/4 .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 190.
4- من المناقب .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 191/2 ، عنه البحار : 39 / 28.

وقيل : إنّ العبّاس خرج يوم سدّ الأبواب ، وهو يبکي ويقول : سددت

باب عمّک(1) وأسکنت ابن عمک ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : ما أخرجتک ولا أسکنته ، ولکنّ الله أسکنه . (2)

وفي رواية أنّه قال : أمّا عليّ فابن عمّ رسول الله وختنه ، وهذا بيته -

وأشار بيده إلي بيت علي - حيث ترون أمر الله تعالي نبيه أن يبني مسجده فبني فيه عشرة أبيات : تسعة لبنيه وأزواجه وأصحابه ، وعاشرها وهو متوسّطها لعليّ وفاطمة ، وکان ذلک في أوّل سنة الهجرة ؛ وقيل : کان في آخر عمر النبي صلي الله عليه و آله ، والأوّل أصحّ ، وبقي علي کونه مفتوح الباب إلي المسجد ، ولم يزل علي وولده فيه إلي أيام عبدالملک بن مروان ، فعرف الخبر فحسد القوم علي ذلک واغتاظ ، وأمر بهدم الدار ، وأظهر أنّه يريد أن يزيد في المسجد ، وکان في الدار الحسن بن الحسن فقال : لا أخرج ولا أمکّن من هدمها ، فضرب بالسياط ، وتصايح الناس ، وأُخرج عند ذلک ، وهدمت الدار ، وزيد في المسجد.(3)

وروي عيسي بن عبدالله أنّ دار فاطمة عليها السلام حول تربة النبي

صلّی الله عليه و آله ، وبينهما حوض(4)

وفي منهاج الکراجکي أنّه ما بين البيت الّذي فيه رسول الله صلّی الله عليه و آله و بين الباب المحاذي لزقاق البقيع . فتح له باب وسدّ علي سائر الأصحاب ، من قلع الباب کيف يُسدّ عليه الباب ؟ قلع باب الکفر من التخوم ،

ص: 278


1- في المناقب : ويقول : أخرجت عمّک .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 191/2 ، عنه البحار : 39 / 28.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 191/ 2 - 192 ، عنه البحار : 29 / 29 ح 11.
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 192، عنه البحار : 39 / 29 .

محبة النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام

فتح له أبواب من العلوم (1)

ومن شدّة تحن رسول الله صلّی الله عليه و آله ما رواه ابن مسعود ، قال : رأيت کفّ عليّ في کف رسول الله صلّی الله عليه و آله وهو يقبّلها فقلت : ما منزلته منک ، يا رسول الله ؟

قال : منزلتي من الله (2)

وسئل النبيّ صلّی الله عليه و آله عن بعض أصحابه فذکره بخير (3) فقال

قائل : فعليّ ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن

نفسي (4)

مَن نفسه مِن نفسه وجنسه من جنسه

وغرسه من غرسه(5) فهل له معادل ؟(6) وروي أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله کان إذا جلس وأراد أن يقوم لا

يأخذ بيده غير علي عليه السلام.(7)

أنساب الأشراف(8) قال رجل لابن عمر : حدّثني عن عليّ بن أبي

ص: 279


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 192 ، عنه البحار : 29/39
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 220 .
3- في المناقب : فذکر فيه .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 217.
5- في المناقب : وعرسه من عرسه .
6- مناقب ابن شهرآشوب : 218/2 ، والبيت للسوسي .
7- مناقب ابن شهرآشوب : 219/2 ، عنه البحار : 297/38
8- أنساب الأشراف : 2/ 180 ع 211.

طالب.

قال : تريد أن تعلم ما کانت منزلته من رسول الله صلّی الله عليه و آله، فانظر إلي بيته من بيوت رسول الله صلّی الله عليه و آله ، هو ذاک بيته أوسط بيوت النبي صلّی الله عليه و آله(1)

وکان النبيّ (2)إذا غضب لم يجترئ عليه أحد أن(3)يکلمه إلا علي، وأتاه

يوما فوجده نائم فلم يوقظه .

لا شک انّ النبيّ صلّی الله عليه و آله کان أکبر سنّاً وأکثر(4) جاهاً من عليّ فلمّا کان يحترمه هذا الاحترام إمّا انّه کان من الله تعالي أو من قبل نفسه ، وعلي الحالين جميعاً أظهر للناس فضله، وعلوّ درجته عند الله ، ومنزلته عند رسول الله صلّی الله عليه و آله (5)

وروي عن عائشة ، قالت : رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله التزم عليّاً و قبله وقال : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد ، ذکره أبو يعلي الموصلي

في المسند.(6)

وانّه لمّا جرح أمير المؤمنين في رأسه من ضربة عمرو بن عبدودّ يوم الخندق ، فجاء إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله فشدّه ونفث فيه فبرأ ، فقال :

ص: 280


1- مناقب ابن شهرآشوب :219/2، عنه البحار : 38 / 297
2- أنساب الأشراف : 2/ 107 ح 44.
3- من المناقب .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأکبر
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 219، عنه البحار : 38 / 298 .
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 220.

أين أکون إذا خضبت هذه من هذه؟(1)

وکان النبي صلّی الله عليه و آله إذا لم ير(2)عليّاً قال : أين حبيب الله،

وحبيب رسوله؟ (3)

وکان أمير المؤمنين من أوثق أصحابه عنده .

روي محمد بن الحنفيّة أنّ الّذي قذفت به مارية وهو خصي يقال له مابور

وکان المقوقس أهداه مع مارية(4) إلي النبي صلّی الله عليه و آله .

وکان (5) سبب القذف أن عائشة قالت لرسول الله صلّی الله عليه و آله : إن

إبراهيم ليس منک ، وإنّه من فلان القبطي.

فبعث رسول الله صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام وأمره بقتله ، فلمّا رأي عليّاً وما يريد به تکشف حتي يتبين لعلي أنّه أجبّ لا شيء له ممّا يکون للرجال ، فکفّ عليه السلام عنه(6)

وفي خبر أنّه کان ابن عمّ مارية ، (7)فأرسل عليّاً ليقتله ، فقال أمير المؤمنين : يا رسول الله ، أکون في أمرک کالسکّة المحماة - وفي رواية : أو المسمار المحمي - ولا يثنيني شيء حتي أمضي لما أمرتني به ، أو الحاضر پري ما لا يري الغائب .

ص: 281


1- مناقب ابن شهرآشوب : 220/2.
2- في المناقب : يلق.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 221.
4- في المناقب : الجاريتين .
5- تفسير القتي : 318/2 ، عنه البحار : 22 / 153 ح 8.
6- مناقب ابن شهرآشوب: 225/2.
7- أي الذي قذفت به .

دعاء الرسول صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام في عدة

مواضع ، وإرساله إياه إلي ثلاثة نفر آلوا باللات والعزي ليقتلوا

النبي صلي الله عليه وآله

فقال صلّی الله عليه و آله : الحاضر پري(1) ما لا يري الغائب .

قال أمير المؤمنين : فأقبلت متوشّحاً بالسيف فوجدته عندها ، فاخترطت السيف ، فلمّا أقبلت نحوه عرف أنّي أريده فأتي نخلة فرقي فيها ، ثمّ رمي بنفسه علي قفاه و شغر برجليه ، وإذا به أجبّ أمسح ماله مما للرجال قليل ولا کثير، فأغمدت سيفي ، وأتيت رسول الله صلّی الله عليه و آله فأخبرته ، فقال : الحمد لله الذي يصرف عنّا أهل البيت(2)

ودعا له رسول الله صلّی الله عليه و آله في عدّة مواضع : في قوله يوم

الغدير : اللّهمّ وال من والاه .

ودعا له يوم خيبر : اللّهمّ قه الحرّ والبرد.

ودعا له يوم المباهلة : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم

الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ودعا له لمّا مرض : اللّهمّ عافه و اشفه . وغير ذلک ، ودعا له بالنصر

والولاية ، والولاية لا تجوز إلّا لوليّ الأمر ، فبان بذلک إمامته.(3)

وفي أمالي الشيخ أبي جعفر بن بابويه رضي الله عنه في خبر طويل أنّ النبي صلّی الله عليه و آله کان يوماً جالساً ، فقال : يا معاشر أصحابي ، أيّکم ينهض إلي ثلاثة نفر آلواء(4)باللات والعزّی ليقتلوني ، وقد کذبوا وربّ الکعبة؟ فأحجم الناس.

ص: 282


1- في المناقب : بل الشاهد قد پري
2- مناقب ابن شهرآشوب : 225/2 ، وزاد فيه : الامتحان .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 226، عنه البحار : 303/38 ح 5.
4- أي حلفوا .

فقال : ما أحسب عليّاً فيکم . فأُخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلک، فجاء إلي النبي صلّی الله عليه و آله ، وقال : أنا وحدي لهم سريّة ، يا رسول الله، فعمّمه ودرّعه وقلّده سيفه وأرکبه فرسه .

فخرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه فمکث ثلاثة أيام لا يصل إلي رسول الله صلي الله عليه و آله منه خبر لا من السماء ولا من الأرض ، فأقعدت فاطمة عليها السلام الحسن والحسين عليهما السلام علي ورکها ، وهي تقول: يوشک أن تؤتم هذين الغلامين .

فأسبل النبيّ صلّی الله عليه و آله عينيه يبکي ، ثمّ قال : معاشر الناس ، من

يأتيني بخبر علي فأُبشّره بالجنّة.

فافترق الناس في طلبه ، وأقبل عامر (1)بن قتادة يبشّر بعليّ ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أسيران ، ورأس ، وثلاثة أبعرة ، وثلاثة أفراس ، وقال : لمّا صرت في الوادي رأيت هؤلاء رکباناً علي الأباعر، فنادوني : من أنت ؟

فقلت : أنا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فشدّ عليّ هذا المقتول ودارت(2)بيني وبينه ضربات ، وهبّت ريح حمراء سمعت صوتک فيها - يا رسول الله - وأنت تقول : قطعت لک جربّان (3) در عه ، فضربته ، فلم أحف(4)، ثم هبّت ريح صفراء سمعت صوتک فيها وأنت تقول : قلبت لک

ص: 283


1- کذا في جميع المصادر ، وفي الأصل : عمرو .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وثارت .
3- جربان : جيب القميص .
4- الأحفاء : المبالغة في الأخذ . وفي الأمالي : أخفه : أي لم أخف السيف في بدنه .

أن النبي صلي الله عليه و آله دفع الراية إلي علي عليه السلام يوم خيبر

الدرع عن فخذه ، فضربته ووکزته(1). فقال الرجلان : صاحبنا هذا کان يعدّ بألف فارس فلا تعجل علينا ، وقد بلغنا أنّ محمداً رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه .

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : أمّا الصوت الأوّل فصوت جبرئيل، والآخر فصوت ميکائيل ، فعرض النبي عليهما الإسلام فأبيا ، فأمر رسول الله صلّی الله عليه و آله بقتلهما ، فقتل أحدهما بعد أن عرض عليه الاسلام وأبي، وقال [الآخر] (2) الحقني بصاحبي ، فهمَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقتل الآخر ، فهبط جبرائيل و قال لرسول الله صلّی الله عليه و آله : لا تقتله ، فإنّه حسن الخلق ، سخيّ في قومه .

فقال النبيّ : يا علي ، أمسک ، فإنّ هذا رسول الله جبرئيل يخبرني انه

سخيّ في قومه ، حسن الخلق .

فقال الرجل : والله ما ملکت مع أخ لي درهماً قطّ ، ولا قطبت (3) وجهي

في الحرب (4) ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله (5)

ومن قوّته وشدّته انه قلع باب خيبر.

روي أحمد بن حنبل ، عن مشيخته ، عن جابر بن عبد الله أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله دفع الراية إلي عليّ صلوات الله عليه يوم خيبر بعد أن دعا له ،

ص: 284


1- الوکز: الضرب بجمع الکف والطعن والدفع.
2- أثبتناه لما يتطلبه المقام
3- القطوب : العبوس.
4- في الخصال : الجدب ، ولعله الأنسب . والجدب : القحط .
5- أمالي الصدوق : 93 ح 4، الخصال : 14 ح 41، عنهما البحار : 41/ 73ح 4، وج 390/71ح 49. وأخرجه في مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 236 ، وحلية الأبرار : 2/ 88ح 3 عن الأمالين

فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له : ارفق ، حتي انتهي إلي الحصن فاجتذب بابه وألقاه علي الأرض ، ثمّ اجتمع منّا سبعون رجلاً وکان جهدهم أن أعادوا الباب. (1)

أبو عبدالله الحافظ بإسناده إلي أبي رافع : لمّا دنا عليّ من القموص أقبلوا

پر مونه بالنبل والحجارة ، فحمل حتي دنا من الباب فاقتلعه ، ثمّ رمي به خلف ظهره أربعين ذراعاً، ولقد تکلف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوا (2)

وروي أبو القاسم محفوظ(3) البستي في کتاب الدرجات أنّ أمير المؤمنين بعد أن قتل مرحب حمل علي القوم فانهزموا إلي الحصن ، فتقدّم إلي باب الحصن وضبط حلقته . وکان وزنها أربعين منّاً- وهر الباب ، فارتعد الحصن بأجمعه حتي ظنّوا زلزلة ، ثمّ هزّه أخري فقلعه ، ودحا به في الهوي أربعين ذراعاً . (4)

أبو سعيد الخدري : (وهزّ حصن خيبر حتي] (5) قالت صفيّة : کنت جالسة علي طاق کما تجلس العروس ، فوقعت عليّ وجهي ، فظننت الزلزلة ؛ فقيل : هذا عليّ قد هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب.(6)

وفي کتاب رامش افزاي(7)قال : کان طول الباب ثمانية عشر ذراعاً،

وعرض الخندق عشرون ، فوضع صلوات الله عليه طرف الباب علي الخندق

ص: 285


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 293، عنه البحار : 41/ 279.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 293، عنه البحار : 41/ 279.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : أبو القاسم بن محفوظ.
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 294، عنه البحار : 41/ 280
5- من المناقب .
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 294، عنه البحار : 41/ 280.
7- رامش افزاي آل محمد للشيخ محمد بن الحسين المحتسب ، ويعني بالفارسية : الطرب والعيش . «الذريعة : 59/10 » .

في توجه أمير المؤمنين عليه السلام إلي الله وإقباله عليه ، وإعراضه

عن الدنيا ..........

وضبط بيده الطرف الآخر ، حتي عبر الجيش وکانوا ثمانية آلاف [وسبعمائة رجل ، وفيهم من کان يتردّد ويخف عليه] (1)-(2)

روض الجنان : قال بعض الصحابة : ما عجبنا يا رسول الله من قوته في

حمله ورميه ، وإنّما عجبنا من إجساره وإحدي طرفيه علي يده !

فقال النبي صلّی الله عليه و آله کلاماً معناه : يا هذا ، نظرت إلي يده فانظر

إلي رجليه .

قال : فنظرت إلي رجليه فوجدتهما معلّقتين (3)في الهواء ، فقلت : هذا

أعجب (رجلاه (4) علي الهواء ؟

فقال النبي صلّی الله عليه و آله : ليستا علي الهواء وإنما هما علي

جناحي (5)جبرائيل.(6)

وأمّا توجّهه إلي الله وإقباله بقلبه وکلّيته عليه ، وإعراضه عن الدنيا فلا

يختلف فيه أحد.

تفسير وکيع وعطاء والسدّي : انّه قال ابن عبّاس : أُهدي إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله ناقتان سمينتان عظيمتان ، فقال لأصحابه : هل فيکم أحد يصلّی رکعتين بقيامهما ورکوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشيء، ولا يحدّث قلبه بفکر الدنيا أهدي إليه إحدي

ص: 286


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 296 ، عنه البحار : 61/ 280 .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فوجدتها متعلقتين .
4- من المناقب .
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : جناح .
6- مناقب ابن شهر آشوب : 2/295 ، عنه البحار :281/41 .

الناقتين؟

فقال لهم مرّة بعد مرّة ، فلم يجبه أحد من الصحابة ، فقام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فقال : أنا ۔ يا رسول الله - أصلّي رکعتين أکبر التکبيرة الأولي وإلي أن أسلم منهما ، لا أحدّث نفسي بشيء من أمر الدنيا .

فقال : يا عليَّ، صلَّ صلَّي الله عليک ، فکبر أمير المؤمنين ودخل في الصلاة ، فلمّا سلم من الرکعتين هبط جبرئيل ، وقال : يا رسول الله ، إنّ الله يقرئک السلام ، ويقول : أعط عليّاً إحدي الناقتين.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : إنّي شارطته أن يصلّي رکعتين لا يحدث [فيهما ](1) نفسه بشيء من الدنيا ، وإنّه جلس في التشهد فتفکّر في نفسه أيّهما يأخذ.

فقال جبرائيل : إنّ الله يقرئک السلام ، ويقول لک : إنّه تفکّر أيّهما يأخذ، أسمنهما وأعظمهما فينحرها ويتصدّق بها لوجه الله ، فکان تفکّره لله عز وجل لا لنفسه [ولا للدنيا ](2) فبکي رسول الله صلّی الله عليه و آله وأعطاه کلتيهما ، وأنزل الله فيه : (إنَّ فِي ذَلِکَ لذِکرَی لِمَن کَانَ لَهُ قَلَبُ أو ألقيّ السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدُ)(3) أي يستمع أمير المؤمنين بأُذنيه إلي ما تلاه بلسانه من کلام الله ، لا يتفکر (4) بشيء من أمر الدنيا ، بمعني أنّه حاضر القلب في صلاته لله. (5)

الاول

ص: 287


1- من المناقب
2- من المناقب
3- سورة ق : 37.
4- کذا في المناقب - بتصرف - ، و في الأصل : يسمع بأذنيه إلي ما تلاه لسانه لا يتفکّر .
5- مناقب ابن شهرآشوب :20/2 ، عنه تأويل الآيات : 2/ 612 ح 8، والبرهان :228/4ح3وأخرجه في البحار : 161/36 ح 142 عن التأويل .

في غزارة علم أمير المؤمنين عليه السلام، وثناء الجاحظ علي علمه رغم انحرافه عنه

وأمّا سبقه بالعلم، فروي مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاک ، عن ابن عبّاس في قوله(1) تعالي :(إنّمَا يَخشَي اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) (2)قال : کان عليّ يخشي الله ويراقبه ، ويعمل بفرائضه، ويجاهد في سبيله.(3)

وروي من طريق الخاصّة والعامّة أنّهم قالوا في قوله تعالي : (قُل کَفَی بِاللهِ شَهِيداً بَينِي وَبَينَکُم وَمَن عِنُدهُ عِلمُ الکِتَابِ) (4) هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وزعم بعض الناصبة أنّ هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام فيقال له : إنّ السورة مکّيّة ، وعبد الله بن سلام لم يسلم إلّا بعد أن هاجر النبي المدينة.

وروي عن ابن عباس : لا والله ما هو إلّا علي بن أبي طالب عليه

السلام.(5)

وقد ظهر علمه علي سائر الصحابة بالأدلّة الساطعة والحجج القاطعة .

قال الجاحظ : اجتمعت الأُمّة (علي) أنّ الصحابة کانوا يأخذون العلم عن أربعة : عليّ ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وقالت طائفة : و عمر بن الخطّاب ، ثم أجمعوا (6)[علي] (7) أنّ الأربعة کانوا أقرأ من

ص: 288


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فروي سليمان ، عن الضحاک في قوله
2- سورة فاطر : 28.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 28، عنه البحار : 145/40ح53..
4- سورة الرعد : 43.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 29 ، عنه البحار : 146/40 ، وتفسير البرهان :304/2ح 20 و 22، وينابيع المعاجز : 19.
6- من المناقب .
7- من المناقب .

عمر لکتاب الله.

وقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : يؤمّ القوم أقرأهم لکتاب الله ، فسقط

عمر.

ثمّ أجمعوا علي قول النبي صلّی الله عليه و آله : الأئمّة من قريش ، فسقط ابن مسعود وزيد ، وبقي علي وابن عبّاس إذ کانا عالمين فقيهين قرشيّين فأکبرهما سنّاً وأقدمهما هجرة علي، فسقط ابن عبّاس وبقي عليّ أحقّ بالإمامة بالاجماع.

وکانوا يسألونه ولا يسأل هو أحداً . وقال النبيّ صلّی الله عليه وآله : إذا

اختلفتم في شيء فکونوا مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام.(1)

قال صاحب کشف الغمّة رضي الله عنه کلاماً معناه : انّ الجاحظ کان عثمانيّاً شديد الانحراف عن أمير المؤمنين ، ولکنّ الله ألقي علي لسانه الحقّ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، ولو کان مع هذا الاعتراف معتقداً فضل أمير المؤمنين باطناً ظاهراً تارکاً لطريق التعصب والضلال ، مستمسکاً بدليل العقل والنقل لکان من أسعد الخلق ، وهذا الکلام حجة عليه فقد يهتدي به ، ويحتجّ بصحة استنباطه ، ويستضيء بواضح أدلته من ليس له قدرة علي استنباط الأدلّة من مظانّها ، فيکون ذلک سببة لتصحيح عقيدته ، وإزاحة شکّه، فيکون من الفائزين المنتظمين في سلک أصحاب السعادة الدائمة ، نعوذ بالله من سلوک

طريق الهوي ، والتسايب عن سبيل الهدي .

احرم فيکم(2) بما أقول وقد نال به العاشقون من عشقوا

ص: 289


1- مناقب ابن شهرآشوب : 29/2 ، عنه البحار : 146/40 .
2- في الکشف : منکم.

صرت کأنّي ذبالة(1) نصبت تضيء للناس وهي تحترقُ(2)

قال ابن عبّاس : عليّ علم علماً علمه رسول الله صلّی الله عليه و آله، ورسول الله علّمه الله ، فعلم النبيّ من علم الله ،(3)وعلم علي من علم النبيّ، وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم أصحاب محمد في علم عليّ الّاکقطرة في سبعة أبحر.(4)

قال ابن عبّاس : أعطي علي عليه السلام تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلم

بالعشر الباقي(5)

أمالي الطوسي(6): مز أمير المؤمنين بملأ فيهم سلمان ، فقال سلمان : قوموا فخذوا بحجزة هذا، فوالله لا يخبرکم بسرّ نبيکم صلّی الله عليه و آله أحد غيره.(7)

قال محمد بن المنذر :(8) سمعت أبا أمامة يقول : کان علي عليه السلام إذا قال شيئاً لم نشکّ فيه ، وذلک أنا سمعنا رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : خازن سرّي (بعدي )(9) عليّ بن أبي طالب عليه السلام. (10)

ص: 290


1- الذبالة : الفتيلة
2- . کشف الغمة : 1/ 39- 40.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عليّ .
4- مناقب ابن شهرآشوب :30/2 ، عنه البحار : 40/ 147.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 30/2 - وفيه : لأعلمهم -، عنه البحار : 147/40 .
6- أمالي الطوسي : 1/ 124، عنه البحار : 131/40 ح 9.
7- مناقب ابن شهرآشوب : 30/2 .
8- أمالي الصدوق : 440 ح 18 - وفيه : محمد بن المنکدر -، عنه البحار : 40/ 184ح66.
9- من المناقب .
10- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 30.

وقد اشتهر عن أبي بکر أنّه قال : فإذا استقمت فاتّبعوني ، وإذا زغت فقوّموني ، وقوله : أمّا الفاکهة فأعرفها ، وأمّا الأب فالله أعلم ، وقوله في الکلالة:[ أقول فيها برأيي ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمنيّ ومن الشيطان ، [الکلالة :](1) ما دون الوالد والولد.(2)

وعن النبيّ صلّي الله عليه و آله : أُعطي عليّ من الفضل جزءاًلوقسّم علي

أهل الأرض لوسعهم(3)حلية الأولياء (4): عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنه سئل عن علي عليه

السلام ، فقال : قشمت الحکمة عشرة أجزاء ، فأُعطي علي تسعة أجزاء ، والناس

جزءاً واحداً (5)

أبان بن تغلب (6) والحسين بن معاوية ، وسليمان الجعفري [وإسماعيل ابن عبدالله بن جعفر ]،(7) کلّهم رووا عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: لما حضرت رسول الله صلّی الله عليه و آله الوفاة دخل عليه علي عليه السلام فأدخل رأسه معه ، ثمّ قال له : يا علي ، إذا متُّ فغسّلني وکفّنّي وأقعدني واسألني واکتب.

تهذيب (8): فخذ بمجامع کفني وأجلسني ، ثمّ اسألني عمّا

ص: 291


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 32، عنه البحار : . 149/40 .وانظر الغدير : 104/7 وما بعدها.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 32، عنه البحار :149/40.
4- حلية الأولياء : 65/1.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 32، عنه البحار :.149/40 .
6- الکافي : 1/ 297 ح 8. .
7- من المناقب .
8- الأحکام تهذيب الأحکام : 1/ 430ذح 42

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام وقوله : «سلوني قبل أن تفقدوني»

شئت ](1)فوالله لا تسألني عن شيء إلّا أجبتک فيه.

قال أمير المؤمنين : ففعلت فأنباني بما هو کائن إلي يوم القيامة. (2)

وروي الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه بإسناد متصّل إلي الأصبغ بن نباتة : وقال :(3)لما جلس أمير المؤمنين عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس ظاهراًخرج إلي مسجد رسول الله صلّی الله عليه و آله متعمماً بعمامة رسول الله صلّی الله عليه و آله ، لابسة بردة رسول الله ، متنعّلاً نعل رسول الله ، متقلّداً سيف رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فصعد المنبر وجلس عليه متمکّناً (4) ثم شبک بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثمّ قال : يا معشر الناس ، سلوني (5)قبل (6)أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلّی الله عليه و آله ، هذا ما زقّني رسول الله زقّاًزقّاً.

سلوني فإنّ عندي علم الأولين والآخرين ، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتي تنطق [التوراة فتقول : صدق عليّ ما کذب ، لقد أفتاکم بما أنزل الله فيَّ ، وأفتيت أهل] (7)الإنجيل بإنجيلهم حتي ينطق الله الإنجيل فيقول: صدق عليّ وما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل الله في وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتي ينطق الله القرآن فيقول : صدق علي وما کذب ، لقد أفتاکم بما أنزل فيّ، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً فهل فيکم أحد

ص: 292


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 37، عنه البحار : 152/40 .
3- من الأمالي .
4- في الأمالي : متحکة.
5- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : اسألوني ، وکذا في الموضع الآتي .
6- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : من قبل .
7- من الأمالي .

يعلم مانزل فيه ؟ ولولا آية في کتاب الله سبحانه لأخبرتکم [بما کان أوبما يکون](1) وبما هو کائن إلي يوم القيامة ، وهي هذه الآية : (يَمحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الکِتَابِ) (2)

ثمّ قال صلوات الله عليه : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة ، لو سألتموني عن آيةٍ آية في ليل أُنزلت أم في نهار ، مکّیّها ومدنيّها، سفرِّیها وحضریّها، ناسخها ومنسوخها، ومحکمها ومتشابهها، و تأويلها وتنزيلها، لأخبرتکم به.

فقام إليه رجل يقال له ذغلب وکان ذرب اللسان (3) بليغاً في الخطب، شجاع القلب، فقال : لقد ارتقي ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلته اليوم لکم في مسألتي إيّاه، فقال : يا أمير المؤمنين: هل رأيت ربک ؟

قال: ويلک يا ذعلب لم أکن بالذي أعبد ربّاً لم أره. قال: فکيف رأيته ؟ صفه لنا.

قال: ويلک يا ذعلب، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولکن تراه (4)

القلوب بحقائق الإيمان .

ويلک يا ذعلب ، إنّ ربّي لا يوصف بالبعد، ولا بالحرکة، ولا بالسکون، ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا ذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، کبير الکبرياء لا يوصف بالکبر، جليل الجلالة لا

ص: 293


1- من الأمالي.
2- سورة الرعد : 39.
3- لسان ذرب : فصيح ، فاحش .
4- في الأمالي : رأته .

يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرک لا بمجسّة (1) قائل لا بلفظ ، هو في الأشياء علي غير ممازجة ، خارج منها [علی](2) غير مباينة ، فوق کلّ شيء لا يقال : شيء فوقه ، أمام کل شيء ولا يقال: له أمام(3)، داخل في الأشياء لاکشيء في شيء داخل وخارج من الأشياء لاکشيء من شيء خارج.

فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه ، ثمّ قال : ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله

الأعدت إلي مثلها.

ثمّ نادي صلوات الله عليه : سلوني قبل أن تفقدوني .

فقام إليه الأشعث بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، کيف تؤخذ الجزية

من المجوس ، ولم ينزل عليهم کتاب ، ولا بعث الله فيهم نبيّاً ؟

فقال : بلي ، يا أشعث ، قد أنزل الله عليهم کتاباً ، وبعث فيهم (4) نبيّاً ، وکان [لهم] (5) ملک سکر ذات ليلة فدعا بابنته إلي فراشه فارتکبها ، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلي بابه ، فقالوا: أيّها الملک ، دست علينا ديننا فأهلکته، فاخرج نطهّرک وتقيم عليک الحدّ.

فقال لهم : اجتمعوا واسمعوا کلامي ، فإن يکن لي مخرج ممّا ارتکبت وإلّا

فشأنکم ، فاجتمعوا.

فقال لهم : هل علمتم أنّ الله سبحانه لم يخلق خلقاً أکرم عليه من أبينا آدم

ص: 294


1- المجسَة : موضع اللمس . أي مدرک لا بالحواش .
2- من الأمالي
3- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : ولا يقام به امام .
4- في الأمالي : إليهم.
5- من الأمالي

واُمناحوّاء؟

قالوا: لا.(1) قال : أفليس قد زوّج بنيه من بناته وبناته من بنيه ؟

قالوا: صدقت، هذا هو الدين ، فتعاقدوا علي ذلک ، فمحا الله مافي صدورهم من العلم ، ورفع عنهم الکتاب ، فهم الکفرة يدخلون النار بغير حساب ، والمنافقون أشدّ حالاً منهم(2)

فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلي مثلها

أبداً

ثمّ نادي صلوات الله عليه : سلوني قبل أن تفقدوني .

فقام إليه رجل من أقصي المسجد متوکّئاًعلي عکازة ، فلم يزل يتخطّي الناس حتي دنا منه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دلّني علي عملٍ إذا أنا عملته نجّاني الله من النار .

قال : يا هذا ، اسمع ، ثمّ افهم، ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغنيّ لا يبخل بماله علي أهل دين الله عز وجل ، وبفقير صابر، فإذا کتم العالم علمه ، وبخل الغني ، ولم يصبر الفقير ، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله إن الدار قد رجعت إلي بدئها - أي إلي الکفر بعد الإيمان - .

أيّها السائل ، لا تغترت بکثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم

ص: 295


1- في الأمالي : قالوا: صدقت أيها الملک
2- هنا تعريض بالسائل لأنه کان منهم.

مجتمعة وقلوبهم شتيّ

أيّها الناس ، إنّما الناس ثلاثة : زاهد ، وصابر ، وراغب .

فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ، ولا يحزن علي شيء منها

فاته.

وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه ، فإذا أدرک منها شيئاً صرف (عنها)(1) نفسه لما

يعلم من سوء عاقبتها.

وأمّا الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام. قال : يا أمير المؤمنين ، فما علامة المؤمن في ذلک الزمان ؟

قال : ينظر إلي ما أوجب الله عليه من حق فيتولّاه ، وينظر إلي ما خالفه

فيتبرّأ منه ، وإن کان المخالف حبيباً قريباً .

قال : صدقت والله ، يا أمير المؤمنين ، ثمّ غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبسم عليه السلام علي المنبر ، ثمّ قال : ما لکم ؟ هذا أخي الخضر عليه السلام.

ثمّ نادي : سلوني قبل أن تفقدوني ، فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثني عليه ، وصلي علي النبيّ صلّی الله عليه و آله ، ثم قال الحسن : قم يا حسن، فاصعد المنبر ، و تکلّم بکلام لا تجهلک قريش بعدي فيقولون : إنّ الحسن لا يحسن شيئاً .

قال الحسن : کيف أصعد وأتکلّم وأنت حاضر في الناس تسمع وتري؟ قال : بأبي أنت وأمّي واري نفسي عنک ، وأسمع وأري ولا تراني .

ص: 296


1- من الأمالي .

فصعد الحسن عليه السلام المنبر ، فحمد الله وأثني عليه بمحامد بليغة،

وصلّی علي النبيّ وآله صلاة موجزة ، ثمّ قال : أيها الناس ، سمعت جدّي رسول الله صلّی الله عليه وآله يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تدخل المدينة إلّا من بابها ، ثمّ نزل.

فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلي صدره.

ثمّ قال للحسين عليه السلام : قم يا بنيّ فاصعد المنبر ، و تکلّم بکلام لا تجهلک قريش بعدي ، فيقولون : إنّ الحسين لا يحسن(1)شيئاً ، وليکن کلامک تبعاً لکلام أخيک.

فصعد الحسين عليه السلام المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّی علي النبي [وآله] (2)صلاة موجزة ، ثمّ قال : معاشر الناس ، سمعت جدي رسول الله صلّی الله عليه وآله يقول : إنّ عليّاً مدينة هدي من دخلها نجا ، ومن تخلّف عنها هلک ، فنزل.

فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلي صدره وقبّله ، ثمّ قال :

أيّها الناس ، اشهدوا أنّهما فرخا رسول الله صلّی الله عليه و آله و وديعته التي استودعنيها ، وأنا أستودعکموها - معاشر الناس - ورسول الله صلّی الله عليه و آله مسائلکم عنه(3) -(4)

ص: 297


1- في الأمالي : لا يبصر
2- من الأمالي.
3- في الأمالي : سائلکم عنهما.
4- الأمالي للصدوق : 280 ح 1، التوحيد :304 ح 1، الاختصاص :235 ، الاحتجاج : 258، عنها البحار : 117/10 ح 1. وأخرج قطعات منه في البحار : 4/ 97 ح 4، و ج 461/14 ح 26، وج 8/70ح 1.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام جمع القرآن

ومن عجيب أمره صلوات الله عليه في هذا الباب أنّه لا شيء من العلوم

إلا وأهله يجعلون عليّاً قدوة فيه ، فصار قوله قبلة في الشريعة.(1)

أبو نعيم في الحلية(2) والخطيب في الأربعين : بالإسناد عن السدي ، عن عبد خير (3) عن علي عليه السلام ، قال : لمّا قبض رسول الله صلّی الله عليه و آله أقسمت - أو حلفت - أن لا أضع ردائي عن ظهري حتي أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتي جمعت القرآن(4)

وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنّه إلي أن لا يضع رداءه علي عاتقه إلّا للصلاة حتي يؤلّف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدّة إلي أن جمعه ، فخرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنکروا مصيره بعد انقطاعه(5)، فقالوا : لأمر ما جاء أبو الحسن(6) فلمّا توسّطهم وضع الکتاب بينهم، ثمّ قال : إنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله قال : إنّي مخلّف فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلّوا ؛ کتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهذا کتاب الله وأنا العترة.

فقام إليه الثاني ، فقال : إن يکن عندک قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا

فيکما ، فحمل صلوات الله عليه الکتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجّة(7)

وعن الصادق عليه السلام أنّه حمله وولّي راجعاً وهو يقول :(فَنَبَذُوهُ

دو

ص: 298


1- مناقب ابن شهرآشوب: 40/2 ، عنه البحار : 154/40 ، وج 51/92ح 18.
2- حلية الأولياء : 67/1 .
3- کذا في المناقب والحلية ، وفي الأصل : الحسين .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 41/2 ، عنه البحار :155/40 ، وج 52/92 .
5- في المناقب : بعد انقطاع مع البته ، والالبة : الجماعة.
6- في المناقب : الأمر ما جاء به أبو الحسن
7- مناقب ابن شهر آشوب: 41/2 ، عنه البحار : 155/40 ، و ج 52/92.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أعلم الصحابة بالقراءات

وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاَشتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِسَ مَا يَشتَروُنَ) (1)- (2)

فأمّا ما روي أنّه جمعه أبو بکر وعمر وعثمان فإنّ أبا بکر قال - لمّا التمسوا منه أن يجمع القرآن - : کيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلّی الله عليه وآله ولا أمرني به ؟(3)

رواه البخاري في صحيحه.(4)

ومنهم العلماء بالقراءات(5)، وکان علي أعلم الصحابة بالقراءات (6)حتي

أن القرّاء السبعة إلي قراءته يرجعون.

فأمّا حمزة والکسائيّ فيعوّلان علي قراءة عليّ عليه السلام و ابن مسعود،

وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلي عليّ ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجري الاعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أقرأ من عليّ بن أبي طالب للقرآن.

فأمّا نافع وابن کثير وأبو عمرو فمعظم قراء تهم ترجع إلي ابن عباس ،

وقرأ ابن عباس علي عليّ عليه السلام.

وأما عاصم فقرأ علي أبي عبد الرحمان السلمي ، وقال أبو عبد الرحمان: قرأت القرآن کلّه علي عليّ بن أبي طالب ، فقالوا: أفصح القراءات قراءة عاصم،

دلا

ص: 299


1- سورة آل عمران : 187.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 41/2 ، عنه البحار : 156/40 ، و ج 52/92 .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 42/2 ، عنه البحار : 156/40 ، وج 53/92 .
4- صحيح البخاري : 225/6.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بالقرآن
6- کذا الأنسب في المقام ، وفي الأصل : بالقرآن .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أعلم الصحابة بکتاب الله تعالي

لأنّه أتي بالأصل ، وذلک أنّه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقّق من الهمز ما سهّله(1)غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.

والعدد الکوفي في القرآن منسوب إلي عليّ صلوات الله عليه ، وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره،(2) وإنّما کتب الناس العدد عن التابعين من أهل الأمصار (3)- (4)

ومنهم المفسّرون کعبدالله بن العبّاس، وعبدالله بن مسعود ، وأبيّ بن کعب،

و زيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدّم.

تفسير النقّاش : قال ابن عباس : جُلّ ما تعلّمت من التفسير من عليّ بن

أبي طالب عليه السلام

وقال ابن مسعود : أُنزل القرآن(5) علي سبعة أحرف ، ما منها إلّا وله ظهر

وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام علم الباطن والظاهر.(6)

فضائل العکبري : قال الشعبيّ : ما أحد أعلم بکتاب الله بعد نبيّ الله من

عليّ بن أبي طالب عليه السلام» (7)

ص: 300


1- في المناقب : ما لينه
2- حيث أنّ عدد أهل المدينة منسوب إلي أبي جعفر يزيد بن القعقاع القاريء وشيبة بن نصّاح وإسماعيل بن جعفر ، وعدد أهل البصرة منسوب إلي عاصم بن أبي الصباح الجحدري وأيوب بن المتوکّل ، وعدد أهل مکّة منسوب إلي مجاهد وإسماعيل المکي، وعدد أهل الشام منسوب إلي عبدالله بن عامر . انظر «زبدة التفاسير لفتح الله الکاشاني : 2- مخطوط - ».
3- في المناقب : وإنّما کتب عدد ذلک کل مصر عن بعض التابعين .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 42/2 ، عنه البحار :156/40 ، و ج 53/92 .
5- في المناقب : جل ما تعلمت ... من علي بن أبي طالب وابن مسعود ، انّ القرآن أنزل
6- مناقب ابن شهرآشوب : 43/2، عنه البحار : 157/40.
7- مناقب ابن شهرآشوب : 43/2 ، عنه البحار : 157/40.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أفقه الصحابة

تاريخ البلاذري و حلية الأولياء (1): قال أمير المؤمنين عليه السلام : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليل نزلت أم بنهار نزلت ، في سهل أو جبل ، إنّ ّ وهب لي قلبا عقوط ولساناً سؤولاً.

قوت القلوب : قال علي عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في

تفسير الفاتحة.(2)

ومنهم الفقهاء وهو أفقههم ، فإنّه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر عنه ، ثمّ إن

جميع فقهاء الأمصار إليه يرجعون ، ومن بحره يغترفون.

أمّا أهل الکوفة ففقهاؤهم : سفيان الثوريّ ، والحسن بن صالح بن حيّ، وشريک بن عبدالله ، وابن أبي ليلي ، وهؤلاء يفرّعون المسائل ويقولون : هذا قياس قول عليّ بن أبي طالب ، ويترجمون الأبواب بذلک.

وأمّا أهل البصرة فقهاؤهم : الحسن ، وابن سيرين ، وکلاهما کانا يأخذان عن ابن عبّاس ، وهو أخذ عن عليّ بن أبي طالب(3)، وابن سيرين يفصح بأنّه(4)

أخذ عن أهل الکوفة وعن عبيدة السلماني ، وهو أخصّ الناس بعلي صلوات الله عليه.

وأمّا أهل مکة فأخذوا عن ابن عبّاس ، وعن عليّ عليه السلام. وأمّا أهل المدينة فعنه أخذوا(5)

ص: 301


1- أشراف الأنساب :98/2ح 27 ص 99 ح 28 ، حلية الأولياء: 67/1 .
2- مناقب ابن شهرآشوب :43/2 ، حسنه البحار :157/40. وما في الأصل وقع فيه التصحيف ، وصححّناه وفقاً لما في المناقب .
3- في المناقب : يأخذان عمّن أخذ عن عليّ .
4- في المناقب : السمعاني ، وهو اشتباه . انظر جامع الرواة :531/1 .
5- مناقب ابن شهرآشوب:44/2، عنه البحار : 158/40.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أعلم أهل المدينة بالفرائض

وقد صنّف الشافعي کتاباً مفرداً في الدلالة علي اتّباع أهل المدينة لعلي

عليه السلام وعبد الله .

وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما

علمنا حکم أهل البغي.

ولمحمد بن الحسن کتاب يشتمل علي ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي

بناء علي فعله عليه السلام(1)

مسند أبي حنيفة : هشام بن الحکم قال : قال الصادق عليه السلام لأبي

حنيفة : من أين أخذت القياس ؟

قال : من قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن ثابت حسين سألهما(2) عمر في الجد مع الإخوة ، فقال له علي عليه السلام : لو أنّ شجرة انشعب منها غصن، وانشعب (3) من الغصن غصنان أيما أقرب إلي أحد الغصنين، أصاحبه الّذي يخرج معه أم الشجرة؟

فقال زيد : لو أنّ جدو لاًانبعث فيه (4) ساقية ، وانبعث من الساقية ساقيتان،

أيّما أقرب(5) ، أحد الساقيتين إلي صاحبتهما أم الجدول ؟(6)

ومنهم الفرضيّون وهو أمهرهم(7). فضائل أحمد: قال عبدالله : إنّ أعلم

ص: 302


1- مناقب ابن شهرآشوب :44/2 ، عنه البحار : 159/60 .
2- في المناقب : شاهدهما
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وانبعث.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : من .
5- مناقب ابن شهرآشوب: 44/2 ، عنه البحار :40/159.
6- في المناقب : أشهرهم.
7- فضائل الصحابة : 1/ 534 ح 888..

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أکثر الصحابة رواية

أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال الشعبي : ما رأيت أفرض من عليّ بن أبي طالب ، ولا أحسب منه، وقد سئل - وهو علي المنبر يخطب - : رجل مات وترک امرأة وأبوين وابنتين ، کم نصيب الامرأة ؟

قال عليه السلام : صار ثمنها تسعاً ، فلقبت بالمسألة المنبريّة.

شرح ذلک : للأبوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن ، عالت الفريضة فکان لها ثلاث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلمّا صارت إلي سبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقي أربعة وعشرون، للبنتين ستّة عشر وللأبوين ثمانية .

وهذا القول صدر منه صلوات الله عليه إمّا علي سبيل الاستفهام ، أو علي قولهم صار ثمنها تسعاً (1)، أو بين کيف [يجيء](2) الحکم علي مذهب من يقول بالعول، أو علي سبيل الانکار فبيّن الحساب والجواب ، والقسمة والنسبة بأوجز لفظ(3)

ومنه أنّه سئل عليه السلام عن عدد تخرج منه الآحاد صحاحاً لاکسر فيها ، فقال من غير ترو : اضرب أيام سنتک في أيّام أسبوعک ، والآحاد هي النصف والثلث والربع والخمس ، هکذا إلي العشرة.

ومنهم الرواة وهم نيف وعشرون رجلاً، منهم : ابن عباس ، وابن مسعود،

ص: 303


1- زاد في المناقب : أو علي مذهب نفسه.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 44/2، عنه البحار :159/40 .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام وضع أصول الکلام

[وجابر الأنصاري ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وأنس ،] وأبو سعيد الخدري، وأبو رافع ، وغيرهم ، وهو صلوات الله عليه أکثرهم رواية ، وأثبتهم حجة، ومأمون الباطن ، لقوله صلّی الله عليه و آله : علي مع الحقّ والحق ّمع عليّ.

قال الترمذي والبلاذري : قيل لعلي صلوات الله عليه : ما لک (1) أکثر

أصحاب النبيّ صلّی الله عليه و آله حديثاً ؟

قال : کنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سکتّ ابتدأني.(2)

ومنهم المتکلّمون وهو الأصل في الکلام. قال النبيّ صلّی الله عليه و آله:

عليّ ربّانّي هذه الأّمّة. (3)

قال صلوات الله عليه : أوّل معرفة الله توحيده ، وأصل توحيده نفي

الصفات عنه ، إلي آخر الخبر.(4)

وهو الّذي وضع أصول الکلام وفرع المتکلّمون علي ذلک ، فالإماميّة يرجعون إلي الصادق عليه السلام ، وهو إلي آبائه ، والمعتزلة والزيديّة يرجعون إلي رواية القاضي عبد الجبّر[بن] أحمد ، عن أبي (5)عبدالله الحسين البصري، وأبو إسحاق عبّاس ، عن أبي هاشم الجبّائيّ ، عن أبيه أبي علي ، عن أبي يعقوب الشام ، عن أبي الهذيل العلاف ، عن أبي عثمان الطويل ، عن واصل بن(6)

ص: 304


1- في المناقب : ما بالک ؟
2- في المناقب : وأتقنهم
3- الجامع الصحيح: 637/5 ح 3722.
4- أنساب الأشراف:98/2 ح 26.
5- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 45. عنه البحار : 159/40 - 160.
6- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 45، عنه البحار : 160/40 .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أفصح الخلق

عطاء ، عن أبي هاشم عبدالله بن محمد بن علي ، عن أبيه محمد بن الحنفيّة ، عن أبيه صلوات الله عليه.(1)

ومنهم الخطباء والفصحاء، وهو أفصح الخلق ، ألا تري إلي خطبه مثل: خطبة التوحيد، (2)[والشقشقية] (3)، والهداية ، والملاحم ، واللؤلؤة ، والغرّاء، والقاصعة ، والافتخار ، وخطبة الأشباح ، والدرة اليتيمة ، والأقاليم ، والوسيلة ، والطالوتيّة ، والقصبيّة، والنخيليّة ، والسلمانية ، والناطقة ، والدامغة والفاضحة؟(4)

بل تفکّر في نهج البلاغة فإنّ فيه عجباً لمن کان له حظّ من الذوق السليم، والفهم القويم ، وأکثر الخطباء والبلغاء من مواعظه أخذوا ، ومن شواظه اقتبسوا، وعلي مثاله احتذوا ، وإذا تأمّل من له قلب سليم ولب مستقيم رأي من کلامه صلوات الله عليه ما يدلّ علي أنه صلوات الله عليه کان آية من آيات الله ، وحجّة لرسول الله صلّی الله عليه و آله دالة علي صحّة نبؤّته ، لکون کلامه قد اشتمل من أدلة التوحيد ، والتعظيم للملک المجيد، وإبطال کلما يدعي من دونه، وإدحاض حجّة من ألحد في آياته ، وأبدع في صفاته ، من الملاحدة والمشبّهة والمعطّلة والمجبّرة ما لا مزيد عليه .

وقد يذمّ مقال القائلين من متألّهة الحکماء کأُرسطوطاليس و جالينوس

ص: 305


1- مناقب ابن شهرآشوب : 46/2 ، عنه البحار : 161/40 .
2- من المناقب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : والدرة ، واليتيمة، والوسيلة .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 47/2 ، عنه البحار : 162/40 .

وبطليموس ، وغيرهم ممّن وضع قوانين العلوم الربّانيّة ، وشققوا الشعر في تحصيل القواعد الفلسفيّة ، وغاصوا في بحار المعارف الإلهيّة ، وهو صلوات الله عليه لم يتردد إلي عالم غير سيّد المرسلين ، ولم يکن بمکّة وما والاها من البلاد من أرباب العلوم الإلهيّة وغيرها من پسند عنه ذلک ، وإنما کانوا جاهلية أجلافة لا بصيرة لهم بالعلوم ، ولا تمييز بين صحيح الفکر وفاسده ، ولا استنباط دليل يهديهم إلي سبيل الرشاد، ولو کان لهم أدني فکر صائب و ترتيب مقدّمات تهديهم إلي سواء السبيل لم يتّخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، ولا نصبوا الأنصاب ، ولا استقسموا بالأزلام ، ولا بحروا البحيرة ، ولا سيّبوا السائبة ، ولا وصلوا الوصيلة ، ولا وأدوا البنات ، ولا عظّموا هبل واللّات ، ولم يعتقدوا من الجاهليّة ، ولا أبطلوا القول بالدليل القاطع، ولم يقلّدوا آباءهم السالفين من لدن خندف إلي عهد رسول الله صلّی الله عليه و آله.

وإنّما سمّوا جاهليّة لفرط جهلهم ، وشدّة عنادهم ، وعدم انقيادهم ، فإذا خرج رجل منهم لم يتردّد إلي عالم ، ولم يطالع ما دوّنه القدماء من المتألّهة في دفاترهم عن المنطقي والطبيعي والإلهي والعلوم الرياضيّة من الحساب والهندسة وغيرها ، ثم أتي بکلام أبطل مقالهم ، وأدحض حجتهم ، وأبطل شبهتهم، ودلّ علي وحدة الصانع سبحانه وقدمه ، وحدوث ما سواه ، وعلي قدرته واختياره، وعلمه بالحريّ الزماني وغيره مما کان قبل أن يکون وما هو کائن ، ونزّههه عمّا لا يليق بکماله ، علم أنّ علمه من علم صاحب الشريعة الّذي علمه بالوحي الإلهي من حضرة واجب الوجود سبحانه تعالي عمّا يقول الظالمون علواً کبيراً.(1)

ص: 306


1- اقتباس من الآية : 43 من سورة الإسراء .

قال شيخنا وسيّدنا ومفخرنا السيّد الجليل محمد الرضي الموسوي رضي الله عنه في خطبة کتاب نهج البلاغة : من کلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومن عجائبه التي تفرّد بها ، وأمن المشارکة فيها أنّ کلامه الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذکير والزواجر إذا تأمّله المتأمّل ، وفکّر فيه المتفکّر، وخلع عن قلبه أنّه کلام مثله ممن عظم قدره [ونفذ أمره](1) وأحاط بالرقاب ملکه ، لم يعترضه الشکّ في أنّه کلام مَن لا حظّ له في غير الزهادة ، ولا شغل له في غير العبادة ، قد قبع في کسر بيت (2)، أو انقطع في (3) سفح جبل ، لا يسمع إلّا حسّه ، ولا يري إلّا نفسه ، ولا يکاد يوقن بأنّه کلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه يقطّ الرقابة،(4) ويجدّل الأبطال، ويعود به ينطف (5)دماً ، ويقطر مُهَجاً ، وهو مع ذلک زاهد الزهّاد ، وبدلّ الأبدال (6)، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، الّتي جمع [بها] (7)بين الأضداد ، وألّف بين الأشتات.(8)

قال الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد عند شرحه الخطبة الّتي قالها أمير المؤمنين صلوات الله عليه عند تلاوتة(ألهَاکُم التَّکَاثُرُ) (9) وهي : ياله

ص: 307


1- من النهج .
2- کسر بيت : جانب الخباء .
3- في النهج : إلي .
4- يقطّ الرقاب : يقطعها عرضاً . فإن کان القطع طولاً قيل : يقد
5- ينطف : يسيل.
6- الأبدال : قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم ، إذا مات منهم واحد بدلّ الله مکانه آخر، والواحد : بدل أو بديل .
7- من التهج والمناقب .
8- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 35-36 وفي «عبده» : 12، عنه مناقب ابن شهرآشوب: 49/2 .
9- سورة التکاثر : 1.

مراماً ما أبعده ! [وزَوراً ما أغفله] (1) وخطراً ما أفظعه(2)! إلي آخرها(3)، وقد أتي في هذه الخطبة ما لا مزيد عليه من ذکر الموت ، والتحذير من الدنيا ، وما يؤول من الانسان إليه حين الموت من السکرات والغمرات ، وذکر من اعتزّ بالدنيا ورکن إليها:

هذا موضع المثل ملعاياظليم وإلا فالتّخوية (4)من أراد أن يعظ ويخوّف الناس ، ويعرّفهم قدر الدنيا و تقلّيها بأهلها فليأت بمثل هذا الکلام الفصيح في مثل هذه الموعظة البالغة وإلّا فليسکت ، فإنّ السکوت أصلح، والعيّ خير من منطق يفضح صاحبه.

ولعمري من وقف علي هذه الخطبة علم مصداق قول معاوية : والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ، وينبغي إذا اجتمع الفصحاء وتليت عليهم هذه الخطبة أن يسجدوا لها کما سجد الشعراء لقول عديّ بن الرقاع :

قلم أصابَ من الدَّواهِ مِدَادها(5)

فقيل لهم في ذلک ، فقالوا : إنّا نعلم سجدات الشعر کما تعلمون أنتم

سجدات القرآن.

وإنّي لأطيل التعجّب من رجل يخطب في مقام الحرب بکلام يدلّ علي أنّ طبعه مشابه لطباع الأسود والنمور وغيرهما من السباع الضارية ، ثمّ يخطب

ص: 308


1- من النهج ، والزور : الزائرون .
2- کذا في النهج ، وفي الأصل : ما أوصفه .
3- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 338 خطبة رقم 221.
4- الملع : السير السريع . ويقال : خوي الطائر ، إذا أرسل جناحيه
5- صدره :تُرجِی أغنّ کأن إبرة روقه.

لله في ذلک المقام بعينه إذا أراد الموعظة بکلام يدلّ علي أنّ طبعه مشابه لطباع الرهبان لابسي المسوح الّذين لم يأکلوا لحماً، ولم يريقوا(1)دماً قطّ، فتارة يکون في صورة سقراط الحبر اليونانّي ، ويوحنّا المعمدان الإسرائيليّ ، وعيسي بن مريم الإلهيّ ، وتارة يکون في صورة عتيبة بن الحارث اليربوعيّ ، وعامر بن الطفيل العامريّ ، وبسطام بن قيس الشيبانيّ.

وأُقسم بالّذي تقسم الأمم کلّها به ؛ لقد تلوت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلي الآن أکثر من ألف مرّة ، وما تلوتها مرّة إلا وأحدثت في قلبي وجيباً ، وفي أعضائي رعدة ، وخيل لي مصارع من مضي من أسلافي ، وتصورت في نفسي أنّي أنا ذلک الشخص الّذي وصف أمير المؤمنين صلوات الله عليه في

قوله :

فکم أکلت الأرض من عزيز جسدٍ ، وأنيق لون کان في الدنيا غذي ترف،

وربيب شرف ، إلي آخرها(2)

وکم قال الناس ، وکم سمعت ، وما دخل کلام ما دخل هذا الکلام من قلبي (3)، فإمّا أن يکون ذلک لفرط حبي لصاحبه ، أو أنّ نيّة القائل کانت صادقة، ويقينه ثابت ، فصار لکلامه تأثير في النفوس. (4)

وقال أيضاً الفاضل ابن أبي الحديد عند شرحه کلامه صلوات الله عليه في خطبة الأشباح (5): عالم السرّ من ضمائر(6)المضمرين ، إلي آخر الفصل : لو

ص: 309


1- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : يرتعوا
2- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 240 خطبة رقم 221.
3- في شرح النهج : فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الکلام في نفسي
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 152/11 - 153.
5- کذا في النهج ، وفي الأصل : ضمير
6- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 134 خطبة رقم 91.

سمع النضر بن کنانة هذا الکلام لقال لقائله ما قاله عليّ بن العبّاس بن جريح

الإسماعيل بن بلبل : قَالُوا أبُو الصَّقرِ مِن شَيبَانَ قُلتُ لَهُم

حَاشا وَکَلّا وَلِکِن مِنه.(1) شيبان

وَکَم أبٍ قَد عَلَا بابنٍ ذُرا شَرَفٍ (2)

کَمَا عَلَابِرَسُولِ اللهِ عدنَانُ إذ کان يفخر به علي عدنان وقحطان ، بل کان يقرّ به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن (3) ويقول له : إنّه لم يُعفِ ما شيِّدتُ من معالم التوحيد ، بل أخرج الله تعالي لک من ظهري ولداً ابتدع من علوم التوحيد في جاهليّة العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهليّة النبط (4)، بل لو سمع هذا الکلام أرسطوطاليس القائل بأنّه تعالي لا يعلم الجزئيّات ؛ لخشع قلبه ، وقَفّ شعره(5)، وارتعدت فرائصه، واضطرب قلبه ، أما تري ما عليه من الرواء والجزالة والفخامة(6) مع ما قد أشرب من الحلاوة والطلاوة واللطف والسلاسة ؟ لا أري کلاماً قطّ يشبه هذا الکلام إلّا أن يکون کلام الخالق سبحانه ، فإنّه نبعة من تلک الشجرة ، أو جدول

ص: 310


1- في شرح النهج : کلا ولکن لعمري منه .
2- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : يابن له شرفاً
3- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : بل کان يفخر علي عدنان وقحطان ، بل کان يفخر علي إبراهيم الخليل.
4- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : ويقول له : إن الله قد أخرج من صلبي ولد وستدأ من معالم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تشيده أنت في جاهلية النبط.
5- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : لا يعلم الحري الزماني لفق شعره .
6- في شرح النهج : من الرواء والمهابة ، والعظمة والفخامة ، والمتانة والجزالة .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أوفر الفصحاء والبلغاء حظا

وخطبته الخالية من الألف، وخطبته الخالية من النقطة

من ذلک البحر ، أو جذوة من تلک النار.(1)

ومنهم الفصحاء والبلغاء وهو أوفرهم حظّاً .

قال السيّد الرضي الموسوي رضي الله عنه : کان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه ظهر مکنونها ، وعنه أخذت قوانينها. (2)

قال الجاحظ في کتاب الغرّة : کتب عليّ إلي معاوية : غرّک عزّک ، فصار

قصار ذلک ذلّک ، فأخش فاحش فعلک فعلک تهدأ بهذا ، و السلام (3)

وروي أبو جعفر بن بابويه رضي الله عنه بإسناده عن الرضا عليه السلام،

عن آبائه عليهم السلام أن الصحابة اجتمعت فتذاکروا أنّ الألف أکثر دخولا في الکلام من غيره، فارتجل صلوات الله عليه الخطبة المونقة(4)وهي : حمدت من عظمت منّته ، وسبغت نعمته ، وسبقت رحمته (5)ها

، وتمّت کلمته ، ونفذت مشيئته،

وبلغت قضيّته (6) ، إلي آخرها

ثمّ ارتجل صلوات الله عليه خطبة أخري علي غير نقطة ،(7) أوّلها . الحمد

ص: 311


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 23/7 - 24.
2- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 34.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/48، عنه البحار : 163/40 . وأورد القطعة الأخيرة في مطالب السؤول : 1/ 176، عنه البحار : 83/78 ح 86.
4- انظر : شرح نهج البلاغة : 140/19 ، الخرائج والجرائح : 2/ 740ح 56، کفاية الطالب : 393 مطالب السؤول : 1/ 173 ، مصباح الکفعمي :741 في 49، الصراط المستقيم: 1/ 222، البحار :304/41 ح36، و ج 340/77 ، إثبات الهداة : 499/2 ح 372 و ص 514 ح 432 و ص 519 ح 457.
5- في بعض المصادر : وسبقت رحمته غضبه .
6- أي حکمه وقضاؤه.
7- في المناقب : من غير النقط ، التي أولها .

أن أمير المؤمنين عليه السلام هو أشعر الشعراء والبلغاء ، وأن من

داره خرجت دائرة العروض

الله أهل الحمد و مأواه ، وله أوکد الحمد(1)، وأحلاه ، وأسرع الحمد وأسراه ، وأظهر الحمد وأسماه ، وأکرم الحمد وأولاه ، إلي آخرها.

ومثل قوله : من جهل شيئاً عاداه ، مثل قوله سبحانه : (بَل کَذَّبُوا بِمَا لَم يُحِيطُوا بِعلمِهّ) (2) وقوله : المرء مخبوء تحت لسانه ، مثله : (وَلَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ)(3)وقوله : قيمة کلّ امريء ما يحسنه ، مثله (4): وإنَّ اللهَ اصطَفَاهُ عَلَيکُم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ) (5)- (6)

ومنهم الشعراء والبلغاء [وهو أشعرهم](7)

قال الجاحظ في البيان والتبيين[وفي کتاب فضائل بني هاشم أيضاً،

والبلاذري في أنساب الأشراف] (8): إنّ عليّاً کان أشعر الصحابة .

تاريخ البلاذري(9) کان أبو بکر يقول الشعر، وعمر يقول الشعر ، وعثمان

يقول الشعر ، وعلي أشعر الثلاثة.

ومنهم العروضيّون و من داره خرجت دائرة العروض.

روي أنّ الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد بن علي الباقر [أو علي بن الحسين ](10) عليه السلام، ووضع لذلک أصولاً.

ص: 312


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأهل الحمد
2- سورة يونس : 39.
3- سورة محمد صلّی الله عليه و آله : 30.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : قوله .
5- سورة البقرة : 267.
6- مناقب ابن شهرآشوب:48/2 ، عنه البحار :163/40 .
7- من المناقب .
8- من المناقب .
9- أنساب الأشراف : 152/2ح155.
10- من المناقب .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أحکم أصحاب اللغة العربية ،وأنه ليس للوعاظ مثل ما له من الأمثال والعبر والمواعظ

والزواجر، وأنه أرجح الفلاسفة

ومنهم أصحاب اللغة العربيّة وهو أحکمهم.

قال أبو محمد القاسم(1)الحريري في کتابه درة الغواص(2) روابن فياض في شرح الأخبار (3): إن الصحابة اختلفوا في الموءودة ، فقال لهم علي عليه السلام : إنها لا تکون موءودة حتي تأتي عليها التارات السبع.

فقال له عمر: صدقت أطال الله بقاءک ، أراد بذلک [المبيّنة] (4)بقوله سبحانه : (وَلَقَد خَلَقنَا الإنسَانَ من سُلَالَةٍ مِن طِينٍ) (5)إلي آخرها، فأشار إلي أنه إذا (6)استهل بعد الولادة ثمّ دفن فقد وُئد(7)

ومنهم الوعّاظ وليس لأحد من الأمثال والعبر [والمواعظ](8)والزواجر ما له ، نحو قوله : من زرع العدوان حصد الخسران ، من ذکر المنيّة نسي الأمنيّة، من قعد به العقل قام به الجهل ، يا أهل الغرور ما ألهجکم بدار خيرها زهيد، وشرّها عتيد ، ونعيمها مسلوب ، [وعزيزها منکوب] (9)، ومسالمها محروب، ومالکها مملوک ، وتراثها متروک ، وصنّف عبدالواحد الآمدي کتاب غرر الحکم (10) علي حروف المعجم من کلامه عليه السلام.

ومنهم الفلاسفة وهو أرجحهم عليه السلام.

ص: 313


1- کذا الصحيح ، وفي الأصل : أبو القاسم. وهو أبو محمد القاسم بن علي الحريري ، منسوب إلي صناعة الحرير أو بيعه ، ولد قرب البصرة سنة446ه ، وتوفّي فيها سنة 516 ه. «مقدّمة کتاب : درّة الغوّاص في أوهام الغواصّ» .
2- درّة الغوّاص : 8.
3- من المناقب
4- من المناقب . وفي درّة الغواصّ : وأراد علي عليه السلام بالتارات السبع طبقات الخلق السبعة المبينة في قوله تعالي .
5- سورة المؤمنون : 12.
6- من المناقب
7- قصد عليه السلام بذلک أن يدفع قولَ من توهّم أن الحامل إذا أسقطت جنينها بالتداوي فقد وأدّته .
8- من المناقب
9- من المناقب
10- غُرر الحِکم و دُرَر الکَلِم ، جمعه عبد الواحد بن محمد الآمدي التميمي ، المتوفّي سنة «510» ه .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أکيس المنجمين

قال : أنا النقطة ، أنا الخطّ ، [أنا الخطّ،] (1) أنا النقطة ، أنا النقطة والخطّ.

فقال جماعة : إنّ النقطة (2) هي الأصل ، والجسم حجابه ، والصورة حجاب الجسم ، لأن النقطة هي الأصل ، والخط حجابه [ومقامه](3)، والحجاب غير الجسد الناسوتي.

وسئل صلوات الله عليه عن العالم العلوي ، فقال : صور عارية عن الموادّ، عالية عن القوّة والاستعداد ، تجلّي لها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وألقي في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله ، وخلق الإنسان ذا نفسٍ ناطقة ، إن زکّاها بالعلم فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارک بها السبع الشداد.

قال الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا : لم يکن فيلسوفاً شجاعاً قطّ إلاّ

عليّ بن أبي طالب عليه السلام. (4)

ومنهم المنجّمون وهو أکيسهم.

سعيد بن جبير ، قال : استقبل أمير المؤمنين عليه السلام دهقان ؛ قيل : إنّ اسمه کان مرخان بن شاسو(5) استقبله من المدائن إلي جسر توران ،(6) فقال : يا أمير المؤمنين ، تناحست النجوم الطالعات، وتمازجت النحوس بالسعود(7)، وإذا کان مثل هذا اليوم وجب علي الحکيم الاختفاء ، ويومک هذا يوم صعب قد

ص: 314


1- من المناقب .
2- في المناقب : القدرة.
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 2/ 48 - 49، عنه البحار : 164/40- 165.
5- في المناقب : وفي رواية قيس بن سعد : مرجان بن شاشوا
6- في المناقب : بوران
7- في المناقب : وتناحست السعود بالنحوس .

اقترن فيه کوکبان ، وانکفأ فيه الميزان ، وانقدح من برجک النيران ، وليس الحرب لک بمکان.

فقال أمير المؤمنين : أيّها الدهقان ، المنبيء بالآثار ، المخوف من الأقدار، ما کان البارحة صاحب الميزان ، وفي أيّ برج کان صاحب السرطان؟ وکم الطالع من الأسد والساعات في الحرکات ؟ وکم بين السراري والزراري ؟

قال : سأنظر في الاسطرلاب.

فتبسّم أمير المؤمنين وقال : ويلک يا دهقان ، أنت مسيّر الثابتات ؟ أم کيف تقضي علي الحادثات(1)؟ وأين ساعات الأسد من المطالع ؟ وما الزهرة من التوابع و الجوامع ؟ وما دور السراري المحرّکات ؟ وکم قدر شعاع المنيرات؟ وکم التحصيل بالغدوات ؟

فقال : لا علم لي بذلک ، يا أمير لمؤمنين .

فقال له : يا دهقان ، هل نتج علمک أنّه انتقل بيت ملک الصين ، واحترقت دور بالزنج ، وخمد بيت نار فارس ، وأنهدمت منارة الهند، وغرقت سرانديب، وانتفض حصن الأندلس [ونتج بترک الروم بالروميّة] (2) وفي رواية : البارحة وقع بيت بالصين ، وأنفرج برج ماجين ، وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديّان اليهود بايلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلک ملک افريقية ، أکنت عالماً بهذا؟

قال : لا ، يا أمير المؤمنين . وفي رواية : أظنّک حکمت باختلاف المشتري وزحل ، إنّما أنارا لک في الشفق ، ولاح لک شعاع المرّيخ في السحر،

ص: 315


1- في المناقب : الجاريات
2- من المناقب .

واتّصل جرمه بجرم القمر.

ثم قال صلوات الله عليه : البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في کلّ عالم سبعون ألفاً ، والليلة يموت مثلهم ، وأومأ بيده إلي سعد بن مسعدة الخارجي (1)وکان جاسوساً للخوارج في عسکره ، وقال : هذا منهم ، فظن الملعون بأنّه يقول : خذوه ، فأخذ بنفسه فمات ، فخرّ الدهقان ساجداً ، فلمّا أفاق قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألم أروّک من عين اليقين (2)؟

قال : بلي ، يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام : أنا وصاحبي لا غربيّون ولا شرقيّون ، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلک ، أمّا قولک انقدح من برجک النيران(3) فکان الواجب أن تحکم به لي لا علي ، أمّا نوره وضياؤه فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه فذهب عنّي، وهذه مسألة عقيمة احسبها إن کنت حاسباً.

فقال الدهقان : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّک وليّ

الله (4)

قلت : اللّهمّ إنّک أطلعته علي أسرار عظمتک ، وأظهرته علي آثار قدرتک ، وجعلت قلبه مشکاة مخزون علمک ، ونفسه مراة مکنون حلمک ، وکشفت عن بصر بصيرته فشاهد غرائب حکمتک ، وعرجت بروحه إلي

ص: 316


1- في المناقب : الحارثي .
2- في المناقب : التوفيق.
3- کذا في المناقب ، وزاد في الأصل : وظهر منه السرطان . وذکر في هامش البحار أن هذه الجملة مشطوب عليها في النسخ . وهي أيضاً ليست في کلام الدهقان .
4- مناقب ابن شهر آشوب:51/2 - 52. عنه البحار :166/40 -168، ومدينة المعاجز :154/2ح464.

الصفيح الأعلي فعاين عجائب صنعتک ، وأريته ملکوت سماواتک فعلم من اختلاف حرکاتها ما أشبه علي غيره ، وأحصي بلطيف روحانيّته مقادير کل من أفلاکها وتقديره في مسيره ، ولاحظ ما رصعت به أجرامها من درر دراريها وزواهرها ، وزينّت صفيحها بجواهر نیرّاتها من ثابتها وسائرها ، فالشمس والقمر بحسبان حسابه عرف انتقالهما بتحوّلهما، وبکشف صور الأشياء الهويته علم مقدار صعودهما وهبوطهما.

آتيته من لدنک علماً فخرق بتأييدک صفوف ملائکتک ، وکشفت الحجاب عن بصيرته فشاهد صفات أشباحهم بعين عنايتک ، فعرّفنا هيئاتهم ، و اختلاف أشخاصهم ، وأعلمنا بتقارب درجاتهم وخواصهم ، حتي کأنه عمر فيهم عمره ، وأقام بينهم دهره، وشارکهم في الإخلاص بعبادة معبودهم ، وشابههم بخشوعهم في رکوعهم وسجودهم ، وساواهم في الاذعان بالطاعة لرّبهم ، وساماهم في شرف منازلهم وقربهم.

فأصبح يخبرنا عن شدّة اجتهادهم في تعظيم مبدعهم ، وإخلاص جهادهم في توجهّهم إلي معبودهم وتضرعهم ، ووصف لنا من عظم أجسادهم ما أذهل عقولنا ، وأعلمنا من تفاوت أشباحهم ما حيرّنا، وأرجف قلوبنا بقوله صلوات الله عليه: ثمّ فتق ما بين السماوات العلي فملاهنّ أطواراً من ملائکته ، منهم سجود لا يرکعون ، ورکوع لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون(1) ومسبّحون لا يسأمونَ - إلي قوله صلوات الله عليه: - ومنهم الثابتة في الأرضين السفلي أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أرکانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أکتافهم ، ناکسة دونه أبصارهم ، متلفَعون (2)

ص: 317


1- أي قائمون صفوفة لا يتفارقون
2- التلقع : الالتحاف بالثوب ، وهو أن يشتمل به حتي يجتل جسده. «لسان العرب : 320/8 . = لفع- ». .

تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزّة وأستار القدرة ، لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدونه بالأماکن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر(1)

فکان صلوات الله عليه في ذلک کما وصف نفسه بقوله : لأنا بطرق السماء

أعلم منّي بطرق الأرض. (2)

فبهذا أوضح لنا عرفان صفات أفلاکها ، وبيّن هيئات نفوسها وأملاکها ، وکشف عن خواصّ نيّراتها ، واختلاف حرکاتها ، وهبوطها وصعودها ، ونحوسها وسعودها ، واجتماعها و افتراقها ، وما أجري سبحانه من العادة من حوادث العالم عند غروبها وإشراقها ، وتأثيرات أشعّة أجرامها في الأجسام الحيوانيّة والنباتيّة ، وما أودع سبحانه في کرة العناصر من کمونها وظهورها بتقدير الإرادة الواحدیّة و أرانا أنّ القادر المختار قد جعل له التصرف في العالم العلوي کما جعل له التصرّف في العالم السفليّ ، وأوجب له فرض الولاية علي کل روحاني و جسماني ، فلهذا ردّت له الشمس وعليه سلمت ، وانقادت له أملاکها وله أسلمت ، وزوّجه الجليل سبحانه بسيّدة نساء الدنيا والآخرة في صفوف ملاَهم ، وزادهم بحضور عقدة نکاحه شرفاً إلي شرفهم ، وجعل نثار طوبي لشهود عرسه نثراً، وأثبت الإمامة والزعامة فيه وفي غرسه إلي حين حلول القيامة الکبري.

فيا أصحاب الأرصاد والزيجات ، ومعتقدي التأثيرات بالاقترانات

ص: 318


1- نهج البلاغة (د. صبحي الصالح) : 41 - 42 خطبة رقم 1
2- نهج البلاعة (د. صبحي الصالح : 280 خطبة رقم 189.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أعرف الصحابة بعلم

و الفرائض والحساب

مجيدسعد

والامتزاجات ، دسّوا في التراب هامات رؤوسکم، وامسحوا اسطرلابکم وبطليموسکم ، فهذا هو العالم المطلق الذي کشف الله له من حجب غيوبه کلّ مغلق وسقاه بالکأس الرويّة من عين اليقين ، وجمع فيه ما تفرّق في غيره من علوم الأولين والآخرين ، فقال سبحانه وهو أصدق القائلين: (وَکُلَّ شَيءٍ أحصَینَاهُ فِي إمَام مُبِينٍ) (1)

اللّهمّ فبحقّ ما أوجبت له من فرض الطاعة علي العامّة والخاصّة ، وجعلت له بعد نبيّک الرئاسة العامّة والخاصّة ، فصلّ علي محمد و آل محمد وأرقمنا في دفاتر المخلصين من أرقّائه وخدمه ، وأثبتنا في جرائد المطوّقين بطوق العبوديّة لخدمة شريف حرمه ، إنّک علي کلّ شيء قدير .

ومنهم الحسّاب، وکان صلوات الله عليه أعرف الصحابة بعلم الفرائض

والحساب.

روي ابن أبي ليلي أن رجلين جلسا يتغدّيان في سفرٍ ومع أحدهما خمسة أرغفة ، ومع الآخر ثلاثة ، فمرّ بهما ثالت فواکلاه ، فلمّا نهض أعطاهما ثمانية دراهم عوضاً عمّا أکل.

فقال صاحب الخمسة : أنا آخذ بعدد أرغفتي وخذ أنت بعدد أرغفتک ،

فأبي صاحب الثلاثة ، واختصما وارتفعا إلي أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال : هذا أمر فيه دناءة (2) والخصومة فيه غير جميلة ، والصلح أحسن.

فقال صاحب الثلاثة : لا أريد إلّا مر الحق والقضاء.

فقال عليه السلام : إن کنت لا ترضي إلّا بمرّ القضاء ، فإنّ لک درهم واحد

ص: 319


1- سورة يس : 12.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : زيادة .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أکثر أصحاب الکيمياء حظ

من الثمانية ، ولصاحبک سبعة ، أليس کانت لک ثلاثة أرغفة ولصاحبک خمسة ؟ قال : بلي.

[قال :](1)فهذه أربعة وعشرون ثلثا أکلت منها ثمانية والضيف ثمانية ،

فلمّا أعطاکما الثمانية الدراهم کان لصاحبک سبعة ولک واحد(2)

ومنهم أصحاب الکيمياء ، وهو أکثرهم حظّأ.

سئل عليه السلام عن الصنعة ، فقال : هي أخت النبوّة ، وعصمة المروّة ، والناس يتکلّمون فيها بالظاهر، وإنّي لأعلم ظاهرها وباطنها ، ما هي والله إلّا ماء جامد ، وهواء راکد ، ونار جائلة ، وأرض سائلة .

وسئل عليه السلام في أثناء خطبته عن الکيمياء : هل لها حقيقة ؟ فقال : نعم ، کانت وهي کائنة وستکون . فقيل : من أي [شيء](3)هي ؟

قال : من الزئبق الرجراج ، والأسرب و الزاج ، والحديد المزعفر ،

و زنجار النحاس الأخضر والحبور الا توقف علي عابرهنّ].(4)

فقيل : فهمنا لا يبلغ إلي ذلک.

فقال : اجعلوا البعض أرضاً، واجعلوا البعض ماء، وأفلجوا الأرض

بالماء فقد تمّ

فقيل : زدنا ، يا أمير المؤمنين.

ص: 320


1- من المناقب .
2- رواه إبراهيم بن هاشم القمي في کتابه «قضايا أمير المؤمنين عليه السلام» ح 118 بإسناده إلي ابن أبي ليلي - وهو عندنا قيد التحقيق -.
3- من المناقب .
4- من المناقب .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو الأصل في علم المکاشفة

علي طريق الصوفية

فقال : لا زيادة عليه ، فإن الحکماء القدماء ما زادوا عليه لئلاّ يتلاعب

الناس بها.(1)

ومنهم الصوفيّة ومن تکلم في علم المکاشفة(2)علي طريق الصوفية ، قالت مشايخهم : إنّه الأصل في علومهم ، ولا يوجد لغيره إلّا اليسير ، وأکثر مشايخهم يتّصل سلسلة بکميل بن زياد ، وهو تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواصّه.(3)

روي مولانا أبو عبد الله الصادق عليه السلام ، ورواه أيضاً أبو أمامة الباهلي ، کلاهما عن النبيّ صلّی الله عليه وآله في خبر طويل ، واللفظ لأبي أمامة : أنّ الناس دخلوا علي النبي صلّی الله عليه و آله يهنؤونه بولادة الحسين عليه السلام، فقام رجل من وسط الناس ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، رأينا من عليّ عجباً في هذا اليوم !

قال : وما رأيتم ؟

فقال : أتيناک لنسلّم عليک ، ونهنئک بولدک ، فَحجَبَنا عنک ، وأعلمنا أنّه هبط عليک مائة ألف ملک و أربعة وعشرون ألف ملک ، فعجبنا من إحصائه عدد الملائکة.

فأقبل عليه النبي صلّی الله عليه و آله متبسّماً ، وقال : ما أعلمک أنّه هبط

عليّ مائة وأربعة وعشرون ألف ملک ؟(4)

ص: 321


1- مناقب ابن شهرآشوب : 52/2 ، عنه البحار :168/40 .
2- في المناقب : المعاملة.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 54/2 عنه البحار : 169/40 .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : مائة ألف ملک و أربعة وعشرون ملک .

فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، سمعت مائة ألف لغة ، وأربعة

وعشرين ألف لغة ، فعلمت أنّهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألف ملک .

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : زادک الله علماً وحلماً ، يا أبا

الحسن ؟(1)

قال الفرغاني شارح قصيدة نظم السلوک في حضائر الملائکة من نظم الشيخ عمر بن الفارض المصري العارف الصوفي(2)عند شرحه لهذا البيت، وهو:

وحُز بالولاء ميراثَ أرفَعِ عَارفٍ غَدا هَمّهُ إيثارَ تأثيرِ هِمَّةِ

«وحز»: أي اجمع ، وفي قوله : «بالولاء» مرهم معني الحبّ المذکور، ومعني حبّ أهل البيت عليهم السلام علي اصطلاح الشيعة القائلين بالولاء، و «أرفع عارف» المراد به أمير المؤمنين علي عليه السلام، فإنه صاحب المعرفة الحقيقية بالأصالة وغيره بالتبعيّة ، فإنّ النسبة إلي الولاية التي هي منبع العلوم الحقيقية والمعارف الأصلية لا تصحّ إلّا من جهته وحيثيته ، فإنّه کان مظهر الولاية الأحمدية حيث انشقت عن نبوته صلّی الله عليه و آله الذي کان انشقاق القمر صورة ذلک الانشقاق وهو باطنه وسرّه الظاهر بسبب ظهوره فإنّ کلّ معني لا بدّ أن يظهر له صورة محسوسة ، وکان عليّ عليه السلام هو أرفع عارف في الدنيا من حيث ما حضر أصله بقوله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ،

ص: 322


1- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 55، عنه البحار : 170/40 - 171.
2- هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن الحموي الأصل ، المصري المولد والدار ، عرف بابن الفارض لأن أباه - علي ما يظهر من هذا اللقب - کان يکتب فروض النساء علي الرجال . «مقدمة ديوانه المطبوع». . والبيت المذکور هو في ص 75 من الديوان .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو واضع النحو

وهو علم الحقيقة ما خلا أصله صلّی الله عليه و آله.

وقوله : «غدا همّه ايثار تأثير همّة» يعني انّه آثر الصبر علي تأثير همّته.

انظر کيف تظاهر وتظافر خلق في غاية الکثرة وجماعة جمّة علي إيذائه ووضعه وقمعه ومحاربته ومقابلته حتي قام الشيخ العارف سعيد مدافعتهم ومقاتلتهم في الظاهر بالسيف ، ولم يسلط عليهم همّته الفعّالة وهمّه الدفعهم وإهلاکهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم واير ولا ديار مع تحقّقه بذلک لکن ترکهم بمعرفته علي الحقيقة لوقوع ذلک کله ، وان لا مندوحة عمّا جري علي نحو ما جري ، فلذلک ترک التأثير بالهمّة ووکلّ الأمر إلي مجزيه

تعالي و تقدّس.

ومنهم النحاة ، وهو واضع النحو ، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسي بن عمرو الثقفي ، عن عبدالله بن إسحاق الحضرمي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، عن ميمون الأقرن، [عن عنبسة الفيل،] (1)عن أبي الأسود الدؤلي، عنه عليه السلام ، والسبب في ذلک أن قريشاً کانوا يتزوّجون في الأنباط ، فرفع فيما بينهم أولادهم فأفسدوا لسانهم ، حتي انّ بنت حرملة بن خويلد الأسدي(2) کانت متزوّجة في الأنباط ، فقالت : إن أبوي مات وترک علئَّ مال کثير (3)، فلمّا رأوا فساد لسانها أخبروا أمير المؤمنين عليه السلام فأسّس

النحو.

وروي أن أعرابيّاً سمع من سوقي يقرأ : إنّ الله بريء من المشرکين

ص: 323


1- من المناقب .
2- في المناقب : أنّ قريشاً کانوا يزوجون بالأنباط ، فوقع فيما بينهم أولاد ، ففسد لسانهم ، حتي أن بنتا لخويلد الأسدي .
3- والصحيح أن تقول : إن أباي مات وترک علئ مالا کثيرة .

ورسولِهِ ، فشجّ رأسه ، فخاصمه إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له في ذلک ، فقال : إنّه کفر بالله في قراءته .

فقال صلوات الله عليه : إنّه لم يتعمد ذلک.

وروي أنّ أبا الأسود کان في بصره سوء وله بنيّة تقوده إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالت : يا أبتاه ما أشدّ حرّ الرمضاء ! تريد التعجّب ، فنهاها عن مقالتها ، وأخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلک فأسس النحو.

وروي أنّ أبا الأسود کان يمشي خلف جنازة ، فقال قائل : من المتوفّي ؟

فقال أبو الأسود : الله ، ثمّ إنّه أخبر عليّاً عليه السلام بذلک فأسس النحو

ودفعه(1) إلي أبي الأسود، وقال : ما أحسن هذا النحو ، فسمّي نحواً.

قال ابن سلّام : کانت الرقعة : الکلام ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف جاء

المعني.

فالإسم : ما أنبأ عن المسمّي. والفعل : ما أنبأ عن حرکة المسمّي. والحرف : ما أوجد معني في غيره .

وکتب صلوات الله عليه : وکتبه علي بن أبي طالب ، فعجزوا عن ذلک ، فقالوا : أبو طالب : اسمه لا کنيته (2)، وقالوا : هذا ترکيب مثل[در احناو](3)حضرموت وبعلبک.

ص: 324


1- في المناقب : فأسس النحو ، فعلي أي وجه کان وقعه
2- کذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : اسمه کنيته
3- من المناقب .

في إخلاص أمير المؤمنين عليه السلام وسبقه بالجهاد وأعماله الصالحة

وقال الزمخشري في الفائق(1) : تُرِک في حال الجر علي لفظه في حال

الرفع ، لأنه اشتهر بذلک وعُرف ، فجرَی مجری المثل الّذي لا يغيّر.(2)

وأمّا إخلاصه وسبقه بالجهاد والأعمال الصالحة الّتي لم يقصد بها إلّا

وجه الله فقد شهد الله له بها في کتابه ، وکذلک رسول الله صلّی الله عليه و آله.

روي أنّه لمّا أسر العبّاس بن عبد المطّلب[يوم بدر] (3) أقبل المسلمون يعيّرونه بکفره بالله وقطيعة الرحم ، وأغلظ له أمير المؤمنين عليه السلام القول، فقال العباس : ما لکم تذکرون مساوئنا ولا تذکرون محاسننا ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ألکم محاسن ؟

فقال : نعم ، إنّا لنعمرّ المسجد الحرام ، ونحجب الکعبة ، ونسقي الحاج، ونفي العاني(4)فأنزل الله تعالي - ردّاً علي العبّاس ووفاقاً لعليّ بن أبي طالب عليه السلام -](5) : (مَا کَانَ لِلمُشرِکِينَ أَن يَعمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ) (6) الآية ، ثم قال:(إنّما يَعمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَوم الآخِرِ)(7) الآية، ثم قال :

(أجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجّ وَعَمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ کَمَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ

الآخرِ)(8)الآية.(9)

وروي إسماعيل بن خالد ، عن عامر . وابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس . ومقاتل ، عن الضحّاک ، عن ابن عبّاس . والسدّي ، عن أبي صالح. وابن

ص: 325


1- الفائق في غريب الحديث : 1/ 14.
2- مناقب ابن شهر آشوب : 46/2-47، عنه البحار : 161/40 -162.
3- من المناقب .
4- العاني : الأسير .
5- من المناقب .
6- سورة التوبة : 17 - 19.
7- سورة التوبة : 17 - 19.
8- سورة التوبة : 17 - 19.
9- أسباب النزول للواحدي : 163.

آبي خالد وزکريّا(1)عن الشعبي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام.

[الثعلبي والقشيريّ والجبّائي والفلکي في تفاسيرهم ، والواحدي في أسباب نزول القرآن (2) عن الحسن البصري وعامر الشعبي ومحمد بن کعب القرظي . وروينا عن عثمان بن أبي شيبة ووکيع بن الجرّاح وشريک القاضي ومحمد بن سيرين ومقاتل بن سليمان والسدي وأبي مالک] (3) ومرّة الهمداني وابن عبّاس أنّه افتخر العبّاس بن عبد المطّلب ، فقال : أنا عمّ محمد ، وأنا صاحب سقاية الحجيج ، فأنا أفضل من عليّ بن أبي طالب.

فقال شيبة بن عثمان أو طلحة أو عثمان : وأنا أعمّر بيت الله الحرام،

وصاحب حجابته ، فأنا أفضل.

وکان أمير المؤمنين عليه السلام حاضراً ، فقال : أنا أفضل منکما ، لقد

صلّيت قبلکما بستّ سنين ، وأنا أجاهد في سبيل الله.

وفي رواية الحاکم أبي القاسم الحسکاني (4)بإسناده عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بينا شيبة والعبّاس يتفاخران إذ مرّ بهما علي بن أبي طالب ، فقال : بماذا تتفاخران ؟

فقال العبّاس : لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد سقاية الحاجّ. وقال

شيبة : أُوتيت عمارة المسجد الحرام.

فقال أمير المؤمنين : لقد استحييت لکما فقد أُوتيت علي صغري مالم

ص: 326


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروي عن ابن عبّاس وعطاء وابن جريح ومقاتل ، عن الضحاک والسدّي ، عن أبي صالح وزکريا.
2- أسباب النزول : 164.
3- من المناقب ، وفي الأصل : وروي السدي وأبو مالک .
4- شواهد التنزيل : 329/1 ح 328.

تؤتيا .

فقالا : وما أُوتيت يا علي ؟ قال : ضربت خراطيمکما بالسيف حتي آمنتما بالله ورسوله .

فقام العبّاس مغضباً يجرّ ذيله حتي دخل علي رسول الله صلّی الله عليه

و آله وقال : أما تري ما استقبلني به عليّ ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : ادعوا لي عليّاً ، فدعي له ، فقال : ما حملک

علي ما استقبلت به عمّک ؟

فقال : يا رسول الله صلّی الله عليک و آلک ، صدمته بالحقّ، فمن شاء فليغضب ، ومن شاء فليرض ، فنزل جبرائيل وقال : يا محمد ، إن ربّک يقرئک السلام ويقول لک : اتل عليهم (أجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ) (1) الآيات.

فقال العبّاس : أنا قد رضيت - ثلاث مرّات - (2)

في کتاب أبي بکر الشيرازي بإسناده عن مقاتل ، [عن مجاهد ،](3) عن ابن عبّاس في قوله تعالي : (رِجَالُ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةُ وَلاَ بَيعُ عَن ذِکِر اللهِ - إلي قوله - بِغَيرِ حِسَابٍ) (4) قال : والله هو أمير المؤمنين.

ثمّ قال بعد کلام : (5)وذلک » أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله أعطي عليّاً

ص: 327


1- سورة التوبة : 19.
2- مناقب ابن شهرآشوب:68/2-69، عنه البحار : 63/41 - 64.
3- من المناقب .
4- سورة النور : 37 و 38.
5- من المناقب .

[يوماً ](1)ثلاثمائة دينار أهديت إليه ، قال علي : فأخذتها وقلت : والله الأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي من هذه الدنانير ، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول الله صلّی الله عليه و آله أخذت منها مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير ، فأصبح الناس بالغد يقولون تصدق علي في هذه الليلة بمائة دينار علي امرأة فاجرة ، فاغتممت غماً شديداً.

فلمّا صلّيت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد ، وقلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله متي ، فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير ، فأصبح الناس(2) يقولون : إنّ عليّاً في هذه الليلة تصدق بمائة دينار علي رجل سارق ، فاغتممت لذلک غمّاً شديداً ، وقلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي ، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول الله صلّی الله عليه و آله وخرجت من المسجد ومعي المائة دينار الباقية ، فلقيت رجلاً فأعطيته إيّاها ، فأصبح الناس يقولون : إنّ عليّاً تصدق البارحة علي رجل غني ، فاغتممت لذلک غما شديدا ، وأتيت رسول الله صلي الله عليه و آله فأخبرته .

فقال : يا عليّ ، [هذا جبرئيل يقول لک : إنّ الله عزّ وجلّ قد قبل صدقاتک ، وزکّي عملک ،](3) إن المائة دينار الأولي التي تصدقت بها وقعت في يد امرأة فاسدة فرجعت إلي منزلها وتابت إلي الله تعالي من الفساد، وجعلت تلک الدنانير رأس مال لها(4) ، وهي في طلب بعل تتزوّج

ص: 328


1- من المناقب .
2- في المناقب : أهل المدينة ، وکذا في الموضع الآتي
3- من المناقب .
4- في المناقب : رأس مالها .

[به ،](1) وإن الصدقة الثانية وقعت في يد سارق فرجع إلي منزله وتاب إلي الله من سرقته ، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها ، وإنّ الصدقة الثالثة وقعت في يد غني لم يزکّ ماله منذ سنين ، فرجع إلي منزله ووبّخ نفسه وقال : شحّاً عليک يا نفس ، هذا عليّ بن أبي طالب تصدّق عليَّ بمائة دينار ولا مال له ، وأنا قد أوجب الله عليَّ في مالي الزکاة أعواما کثيرة لم أزکه، فحسب ماله وزګاه وأخرج زکاة ماله کذا وکذا ديناراً ، وأنزل الله سبحانه فيک : (رِجَالُ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةُ وَلَا بَيعِ ُعَنِ ذِکر اللهِ) (2) الآية.

أبو الطفيل : رأيت عليّاً عليه السلام يدعو اليتامي فيطعمهم العسل حتي

قال بعض أصحابه : لوددت انّي کنت يتيماً .(3)

محمد بن الصمّة ، عن أبيه ، [عن عمّه ،](4) قال : رأيت في المدينة رجلاً علي کتفه(5)قربة وفي يده صحفة يسقي ويطعم الفقراء ويقول : اللّهمّ وليّ المؤمنين ، وإله المؤمنين ، وجار المؤمنين ، اقبل قرباني [الليلة ](6)، فما أمسيت أملک سوي ما في صحفتي و غير ما في قربتي(7)، فإنّک تعلم أنّي منعته نفسي من شدّة سغبي لطلب القربة إليک. (8)

اللّهمّ فلا تخلق وجهي ، ولا تردّ دعوتي . فأتيته وتأمّلته (9)، فإذا هو أمير

ص: 329


1- من المناقب
2- سورة النور : 37.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 74 - 75، عنه البحار : 28/41 - 29.
4- من المناقب
5- کذا في المناقب ، و في الأصل : في المدينة عليا وعلي کتفه
6- من المناقب
7- في المناقب : وغير ما يواريني .
8- في المناقب : مع شدة سغبي في طلب القربة إليک غنمة . والسغب : الجوع.
9- في المناقب : فأتيته حتي عرفته .

المؤمنين عليه السلام [فأتي رجلاً فأطعمه](1)-(2)

روت الخاصّة والعامة [منهم : ابن شاهين المروزيّ ، وابن شيرويه الديلمي ، عن الخدري وأبي هريرة] (3) أنّ عليّاً عليه السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمة طعاماً ، فقالت : ما کان إلّا ما أطعمتک منذ يومين ، آثرتک به علي نفسي وعلي الحسن والحسين.

فقال : ألا أعلمتني فأتيکم بشيء ؟

فقالت : يا أبا الحسن ، إني لأستحيي من الله أن أکلّفک ما لا تقدر عليه، فخرج واستقرض [من النبي صلّی الله عليه و آله](4) ديناراً ، وخرج يشتري به شيئاً ، فلقيه المقداد قائلاً : ما شاء الله ، فناوله عليّ عليه السلام الدينار ، ثمّ دخل المسجد ووضع رأسه ونام ، فخرج النبي صلّی الله عليه و آله فإذا هو به ، فحر که وقال : ما صنعت ؟ فأخبره ، فقام وصلي معه ، فلمّا قضي النبيّ صلاته قال : يا أبا الحسن ، هل عندک شيء نفطر عليه فنميل معک ؟ فأطرق لا يجد جوابا حياء منه، وکان الله قد أوحي [إليه] (5)أن يتعشّي تلک الليلة عند عليّ ، فانطلقا حتي دخلاً علي فاطمة وهي في مصلّاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما ، فسألها علي عليه السلام : أنّي لک هذا؟

قالت : هو من عند الله(6) إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب(7) قال : فوضع النبيّ صلّی الله عليه و آله کفّه المبارک بين کتفي عليّ ، وقال:

ص: 330


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهر آشوب: 79/ 2 ، عنه البحار : 29/61 -30.
4- اشارة إلي الآية : 37 من سورة آل عمران
5- من المناقب .
6- في المناقب : من فضل الله ورزقه
7- اشارة إلي الآية : 37 من سورة آل عمران

في شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام

هذا بدل دينارک ، ثم استعبر النبيّ [باکياً ](1)، وقال : الحمد لله الذي لم يعتني حتي رأيت في ابنتي ما رأي زکريا لمريم(2)

وأمّا شجاعته فهي أشهر من أن تشهر ، حتي انّ النبيّ صلّی الله عليه و آله

کان يهدّد به قريشاً .

روي (3)عن رسول الله صلّی الله عليه و آله أنّه قال لأهل الطائف : والّذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزکاة ، أو لأرسلنّ [إليکم](4)رجلاً منّي - أو کنفسي - فليضربنّ أعناق مقاتليکم ، وليسبين ذراريکم ، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال:

هذا (5)

وروي عن الرضا عليه السلام أنّه قال : قوله سبحانه : (وَالّذين مَعَهُ

أشِدَّاء عَلَي الکُفّارِ)(6) أن عليا منهم(7)

فواعجباً لمن يقايس من لم يصب محجمة [من ](8)دم في جاهليّة ولا إسلام مع من علم أنّه قتل في يوم بدر خمساً وثلاثين رجلاً مبارزاً دون الجرحي ، وکانوا من أماثل قريش وأبطالها وشجعانها والمشهورين بالنجدة والبأس ، حتي سمّي الله سبحانه وأقعة بدر بالبطشة الکبري ، وما ذاک إلّا لهلاک من هلک فيها ، فإنّه حصل بقتلهم هظيمة عظيمة في الشرک وأهله ، وکانت

ص: 331


1- من المناقب
2- مناقب ابن شهرآشوب :76/2 - 77، عنه البحار : 30/41 .
3- في المناقب : تاريخ النسوي : قال عبد الرحمان بن عوف : قال النبي ..
4- من المناقب . وفيه : «لأبعثن» بدل «لأرسلت»
5- في المناقب : قال : فرأي الناس أنه عني أبا بکر وعمر ! فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال : هذا.
6- سورة الفتح : 29.
7- مناقب ابن شهرآشوب: 2/85، عنه البحار :68/41 .
8- من المناقب

أسماء الذين قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام في بدر وأحد

القتلي سبعين من سادات قريش وأعيانهم ، قتل علي منهم خمساً وثلاثين رجلاً ، وقتلت الملائکة وباقي الناس تمام العدد.

وأسماء الّذين قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام: الوليد بن عتبة ،

والعاص بن سعيد بن العاص ، وطعمة(1) بن عدي بن نوفل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، ونوفل بن خويلد ، وزمعة(2) بن الأسود، والحارث بن زمعة ، والنضر بن الحارث بن عبد الدار ، وعمير بن عثمان بن کعب عم طلحة ، وعثمان ومالک أخوا طلحة(3)، ومسعود بن أبي أميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاکهة بن المغيرة ، وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة (4)، وعمرو بن مخزوم، والمنذر بن أبي رفاعة ، و منبه بن الحجاج السهمي ، والعاص بن منّبه ، وعلقمة بن کلدة ، وأبو العاص بن قيس بن عديّ ، ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، ولوذان بن ربيعة ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، و مسعود بن أمية بن المغيرة ، [ الحاجب بن السائب بن عويمر ، وأوس بن المغيرة] بن لوذان ، وزيد بن مليص ، وعاصم بن أبي عوف ، وسعيد بن وهب ، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس ، وعبد الله بن جميل بن زهير ، والسائب بن سعيد(5) بن مالک ، وأبو الحکم بن الأخنس ، وهشام بن أبي(6)أمية ؛ وقيل: إنه قتل بضعة وأربعين رجلاً.

وقتل عليه السلام يوم أحد کبش الکتيبة طلحة بن [أبي] (7)طلحة ، وابنه

ص: 332


1- في المناقب : ومطعم.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : ربيعة . وکذا في المورد التالي .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وعثمان أخو طلحة
4- من المناقب .
5- کذا في المناقب ، و في الأصل : ومعاذ بن عامر ...سعد .
6- من المناقب .
7- من المناقب . واسم أبي طلحة هو: عبدالله بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار ، وإليه ينتسب آل الشيبي الذين لا يزال مفتاح الکعبة في أيديهم حتي اليوم.

أبا سعيد ، وإخوته خالداً و مخلّداً وکلدة والمخالس (1)، وعبد الرحمان بن حميد بن زهرة ، والحکم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطاة ، وأميّة بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن أميّة ، ومسافع ، وعمرو بن عبدالله الجمحي ، بشر بن مالک المغافري ، وصواب مولي عبد الدار، وأبا حذيفة بن المغيرة ، أو قاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة (2) سوي من قتلهم بعد ما هزمهم. ولا إشکال في هزيمة عمر وعثمان ، وإنّما الإشکال في هزيمة أبي بکر ، هل ثبت إلي وقت الفرج أو انهزم ؟(3)

قال الشيخ أبو علي الطبرسي في کتابه مجمع البيان : ذکر أبو القاسم البلخي انه لم يبق مع النبي صلّی الله عليه وآله[ يوم أحد](4) إلا ثلاثة عشر نفساً ، خمسة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.

فأمّا المهاجرون فعلي عليه السلام وأبو بکر وطلحة وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، وقد اختلف في الجميع إلا في عليّ عليه السلام

وطلحة.

وقد روي عن عمر بن الخطاب[انّه] (5) قال: رأيتني أصعد في الجبل کأني أروي ولم يرجع عثمان (6)من الهزيمة إلا بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّ صلّی الله عليه و آله: لقد ذهبت فيها عريضة.(7)

ص: 333


1- في المناقب : والمحالس . وفي بعض المصادر : الجلاس .
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 82- 83، عنه البحار :65/41-66 .
4- من المجمع .
5- مجمع البيان: 524/1 .
6- من المجمع .
7- مجمع البيان: 524/1 .

کيفية قتل أمير المؤمنين عليه السلام لعمرو بن عبدود في يوم

الأحزاب

وقتل عليه السلام يوم الأحزاب عمرو بن عبدودّ.

قال الشيخ أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره : کان عمرو بن عبد ود فارس قريش ، وکان قد قاتل يوم بدر حتي ارتثّ(1) وأثبته الجراح فلم يشهد أحداً ، فلمّا کان يوم الخندق خرج مُعلماً ليري مشهده ، وکان يعدّ بألف فارس ، وکان يسمّي فارس يليل ، لأنه أقبل في رکب من قريش حتي إذا هو بيليل - وهو واد قريب من بدر - عرض لهم بنو بکر بن وائل في عدد ، فقال لأصحابه: امضوا، [فمضوا ،] (2)فقام في وجوه بني بکر حتي منعهم من آن يصلوا إليه ، فعرف بذلک ، وکان الموضع الّذي حفر فيه الخندق يقال له المدادي وکان أوّل من طفره عمرو وأصحابه ، فقيل في ذلک :

عمرو بن عبد کان أوّل فارس جزع المداد وکان فارس يليل وذکر ابن إسحاق أنّ عمرو بن عبد وکان ينادي: هل من مبارز ؟ فقام علي عليه السلام وهو مقتع بالحديد فقال : أنا له يا نبيّ الله. فقال: إنّه عمرو ، اجلس.

ونادي عمرو: ألا رجل - وهو يؤتبهم ويقول : أين جئتکم التي تزعمون

أنّ من قتل منکم دخلها -؟

فقام عليّ عليه السلام وقال : أنا له يا رسول الله. ثم نادي الثالثة وقال :

ولقد بححت من النداء بجمعکم هل من مبارز

ص: 334


1- أي حمل من المعرکة .
2- من المجمع.

ووقفت إذ جبن المشجّع موقف البطل المناجز

إنّ السماحة والشجاعة في الفتي نعم(1)الغرائز

فقام أمير المؤمنين وقال: أنا له يا رسول الله. فقال: إنه عمرو.

فقال أمير المؤمنين : وإن کان عمرة ، ثم استأذن رسول الله صلي الله عليه

و آله فأذن له.

وروي الحاکم أبو القاسم الحسکاني (2)بالإسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن جدّه (3) ، عن حذيفة ، قال فألبسه رسول الله صلّی الله عليه و آله درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعممه بعمامته السحاب ، علي رأسه تسعة أکوار ، فقال له : تقدم

فمضي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله لمّاوّلي(4) : اللّهمّ احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن

فوق رأسه ، و من تحت قدميه.

قال ابن إسحاق : فمشي أمير المؤمنين إليه وهو يقول :

لاتعجل فقد أتا ک مجيب صوتک غير عاجز ذونية وبصيرة والصدق منجي کلّ فائز إنّي لأرجو أن أقيم

عليک نائحة الجنائز

ص: 335


1- في المجمع : خير.
2- شواهد التنزيل : 10/2 ح 634.
3- قيل : «عن جدّه» زائدة .
4- کذا في المجمع ، وفي الأصل : دنا .

من ضربة نجلاء يبقي ذکرها عند الهزاهز فلما دنا أمير المؤمنين عليه السلام منه قال عمرو : من أنت ؟

قال : أنا علي

قال : ابن عبد مناف. قال : أنا عليّ بن أبي طالب.

قال : غيرک يا ابن أخي من أعمامک لمن هو(1) أسن وأکبر منک فإني

أکره أن أهريق دمک.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لکنّي والله ما أکره [أن] (2) أهريق دمک، فغضب ونزل عن فرسه و سلّ سيفه کأنّه شعلة نار ، ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً فاستقبله أمير المؤمنين بدرقته ، وضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأس أمير المؤمنين فشجّه، وضربه أمير المؤمنين علي حبل عاتقه فسقط.

وفي رواية حذيفة : فسيّف عليّ رجليه بالسيف من أسفل فوقع علي

قفاه، وثارت بينهما عجاجة ، فسمع عليّ يکبّر .

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : قتله والّذي نفسي بيده ، فکان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطّاب فإذا عليّ يمسح سيفه بدرع عمرو ، فکبّر عمر بن الخطّاب ، وقال : يا رسول الله قتله ، فحزّ أمير المؤمنين رأسه وأقبل به إلي رسول الله صلي الله عليه و آله ووجهه يتهلّل .

فقال له عمر : هلا سلبته در عه فإنّه ليس في العرب درع خير منها ؟

ص: 336


1- من المجمع
2- من المجمع

فقال : ضربته فاتّقاني بسوء ته فاستحييت أن أسلب ابن عمّي.

وروي الحاکم أبو القاسم الحسکاني،(1) أن عبدالله بن مسعود کان يقرأ :

(وَکَفَي اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ - بعليّ -(2)

وخرج أصحابه منهزمين حتي طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون (3)فوجدوا نوفل بن عبد العزي قد سقط ، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة ، فقال : موتة (4)أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضکم أقاتله.

قال ابن إسحاق : فنزل إليه علي عليه السلام فطعنه في ترقوته حتي

أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق.

قال : وأرسل المشرکون إليّ رسول الله صلّی الله عليه و آله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم ، فقال النبي صلّی الله عليه و آله : هو لکم لا نأکل ثمن الموتي.

وذکر أمير المؤمنين صلوات الله عليه أبياتاً ، (منها)(5)

نَصَر الحجارةَ من سفاهة رأيه ونَصرتُ ربَّ محمّدٍ بصواب فضربته وترکته متجدّلاً کالجذع بين دکادک وروابي(6) و عففت عن أثوابه ولو أنّني کنت المقطّر بزّني أثوابي(7)

ص: 337


1- شواهد التنزيل : 7/2 . 9 ح 629 - 632.
2- سورة الأحزاب : 25.
3- من المجمع.
4- في المجمع : قتلة .
5- من المجمع.
6- الدکادک : جمع دکداک : الرمل اللين . والروابي : جمع الرابية : ما ارتفع وعلا وأشرف من الأرض .
7- أي قتلته ولم أفکّر في سلبه ، ولو کان هو الذي قتلني لأخذ أثوابي .

قصيدة للمؤلف رحمه الله بهذا المعني

وروي عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، قال : إنّ عليّاً لمّا قتل عمرو حمل رأسه وألقاه بين يدي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقام أبو بکر وعمر فقبّلا رأس عليّ عليه السلام.

وروي عن أبي بکر بن عيّاش أنّه قال : ضَرب عليّ ضربة ما کان في الاسلام أعزّ منها - يعني ضربة عمرو - وضرب عليّ ضربة ما کان في الاسلام أشأم منها - يعني ضربة ابن ملجم عليه لعنة الله (1)

قلت في المعني : يامنکراً فضل الوصيّ وحقّه حسداً وغدرا وعليه أعلن بالتقدّم بعد خير الخلق طرّا هلا جسرت بيوم سلع في الوغا وأجبت عمرا إذ ضلّ يخطر شبه ليث الغاب يزأر مکفهرّا في کفه ماضي الغرار ب حده الأعناق تبرا أسدي جري بأسه قد فاق في الآفاق ذکرا لا ينثني عن قرنه إذ لا يري الأحجام غدرا نادي فصرت تحيد عنه م خافة وتروم سترا شبه الکماع إذا جرت من ربّها ترجو مفرّا هلا أجبت کما أجاب مجدل الأبطال قسرا أعني الوصي أخا النبيّ أجلّ

خلق الله قدرا من أطلع الرحمن في بدر به للحق بدرا وکذاک في الأحزاب شدّ به لخير الخلق أزرا

ص: 338


1- مجمع البيان : 342/4 - 344، عنه البحار : 202/20 -206.

نادي ألا هل من مبارز م نکم ويحوز فخرا فأجابه هاقد أتاک مجيب صوتک لن يفرّا في معرک کلّا ولا اولي المبارز منه ظهرا

م ن

کان دون الخلق للهادي النبيّ أخاً وصهرا کم أسبغت حملاته في الحرب جامعةٍ ويسرا

فتخالسا نفسيهما وترامقا بالظرف شزرا هذا الدين الحقّ قام مؤيداً عزّاً ونصرا وقرينه في الحرب أضحي ناصراً عزّاً ونسرا فعلاه منه بصارم کم هدّ رکناً مشمخرا فهوي کجذع في الثري نسحرته أبد الدهر نحرا وأفاض من فيض الدماء حلل عليه صبغن حمرا وأبان م نه الرأس ثمّ أتي به المختار جهرا أعني به مولي الوري وإمامهم برّاً وبحرا من بالزعامة والصرامة والامامة کان أحرا ليث الحروب مجدل أبطالها فتکاًوصبرا رفع الفخار لمجده في هاشم نسباً أغرا ماخاب متّخذ ولايته ليوم الحشر ذخرا کلّا ولا تربت يداه ولا غدا مسعاه خسرا من فيه سورة هل أتي أبداً مدي الأيام تقرا ردّت عليه الشمس حتي عاد وقت الفرض عصرا فقضي فريضته وعادت ک الشهاب إذا استمرّا هذا الّذي قبّلت منه الرأس تلبيساً ومکراً

ص: 339

في شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم حنين .

وفديته بالروح لکن في حشاک حشوت غدرا حتي إذا خلت الديار من النبيّ وعدن قفرا أبديت ما أخفيت من فرط النفاق وجرت کفرا

عن مذهب الحقّ السوي فجئت يا مغرور نکرا

وأمّا قتلاه عليه السلام يوم حنين فقتل أربعين رجلاً وفارسهم(1)، أبو جَزوَل(2)، وإنّه صلوات الله عليه قدّه بنصفين بسيفه بضربة واحدة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلي القربوس.

ووقوفه صلوات الله عليه يوم حنين وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلي أن ظهر المدد من السماء(3) من أعظم الآيات علي صحّة إمامته ، وان هذه کرامة أکرمه الله بها ، وقوة اخته الله بفضلها ، وکذلک جميع خواصّه الّتي اصطفاه الله بها إذا استقرأها من له قلب سليم ولبّ مستقيم قضي منها عجباً، واستدل بها أنّ الله سبحانه ما أيّده بهذه الفضائل الّتي تخرج عن طوق البشر إلّا لکونه أفضل خلقه ، وأقربهم منزلة من جلال کبريائه ، وأحق الخلق بالرئاسة العامة في أمر الدين والدنيا ، لکونه أکمل الخلق في علمه وحلمه وزهده ،

ص: 340


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّا قتلاه عليه السلام يوم أحد فقتل أربعين رجلاً . وقد ذکرت أسماءهم من قبل - وفارسهم
2- کان أبو جرول يرتجز ويقول : أنَا أبو جَزوَلَ لا بَراحُ حتي نُبيحَ القومَ أونُباح فصمد له أمير المؤمنين عليه السلام فَضرب عجز بعيره فَصَرَعه ، ثمّ ضربه فَقَطَّره، ثمّ قال : قد عَلمِ القومُ لدي الصباح آنّي في الهيجاء ذو نصاح فکانت هزيمة المشرکين بقتل أبي جَروَل لعنه الله . انظر «إرشاد المفيد :143/1 » .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 83/7 ، عنه البحار : 66/41 .

وتوجّهه إلي معبوده ، وإخلاصه بطاعة ربّه في سرّه وعلانيته ، وجهاده في سبيل خالقه ، وشدّة بأسه ، ومحاماته عن صاحب الدعوة و بذله نفسه وقاية له من أعدائه ، فيظهر له بذلک أعظم دليل علي وجوب اتّباعه ، وهذه مقدّمة إجماعيّة لا يختلف فيها مسلم ، بل جميع الأمّة مجمعة علي صحّة ذلک ، المؤالف والمخالف، إلا ما شذّ من أهل الزيغ والتعصّب بالباطل ، الذين لا يعبأ بشذوذهم ، لکونهم قد خرجوا عن ربقة المؤمنين والصغري ضرورية ، فثبت انّه صلوات الله عليه واجب الطاعة علي الأحمر والأبيض.

روي أنّ عمرو بن العاص قال : والله ما أحد يعيّر بفراره من عليّ

طالب.

ولمّا نعي بقتل أمير المؤمنين عليه السلام بالعراق دخل عمرو بن العاص علي معاوية مبشّراً فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقي شعوبه.(1)

صاحب الفائق (2) قال : کانت ضربات علي أبکاراً . إذا اعتلي قدّ، وإذا

اعترض قطّ ، وإذا أتي حصناً هدّ.

وقالوا أيضاً : کانت ضربات علي أبکاراًلاغُوناً؛ يقال : ضربه بکر أي [قاطعة] (3) لا يحتاج أن يثنّی ، والعوان التي يحتاج أن تثنّی . زعمت الفرس أنّ أصول الضرب سبعة(4)، وکلّها مأخوذة عنه صلوات الله عليه ، [وهي : ](5) علويّة

ص: 341


1- مناقب ابن شهرآشوب: 85/2-86، عنه البحار :69/41 .
2- الفائق في غريب الحديث للزمخشري : 125/1 .
3- من المناقب .
4- في المناقب : ستة .
5- من المناقب .

في کرم أمير المؤمنين عليه السلام

و سفليّة وغاله وماله وحاله (1)وجر وهام(2)

ولولا خوف الإطالة لأوردنا نبذة يسيرة بالنسبة إلي کثرة قتلاه بين يدي رسول الله صلّی الله عليه و آله و بعده ؛ کمرحب في خيبر ، وذي الخمار والعنکبوت ، وما لا يحصي کثرة في غزاة السلاسل ، وقتاله بعد الرسول الناکثين والقاسطين والمارقين في وقعة الجمل حتي بلغ إلي قطع يد الجمل ثمّ قطع رجليه حتي سقط ، وله ليلة الهرير خمسمائة وست وثلاثين تکبيرة - وفي رواية : سبعمائة (3)

وقال صلوات الله عليه : لو تظاهرت العرب علي قتالي لما ولّيت عنها.

وکانت قريش إذا رأته في الحرب تواصت خوفاً منه ، وکان رسول الله

صلّی الله عليه واله يخوّف المشرکين به. (4)

وأمّا کرمه فلا مزيد عليه حتي انّه آثر بقوته وقوت عياله حتي أنزل الله

فيه وفي زوجته وابنيه سورة تتلي إلي يوم القيامة.

وروي المخالف أنّ عليّاً عليه السلام کان يحارب رجلاً من المشرکين،

فقال المشرک : يا ابن ابي طالب ، هبني سيفک ، فرماه إليه.

فقال المشرک : عجباً يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إليَّ

سيفک ؟

ص: 342


1- في المناقب : وغلبة
2- في المناقب : وجرهام. .
3- في المناقب : وله ليلة الهرير ثلاثمائة تکبيرة، أسقط بکلّ تکبيرة عدوّاً ، وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم، وفي رواية : سبعمائة ، ولم يکن لدرعه ظهر ، ولا لمرکوبه کرّ وفرّ
4- مناقب ابن شهر آشوب: 83/2 - 84، عنه البحار : 67/41-68. و قطعا

تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه وهو راکع

فقال : يا هذا ، إنّک مددت إليَّ يد المسألة ، وليس من الکرم أن يردّ السائل ، فرمي الکافر بنفسه إلي الأرض و أسلم، وقال : هذه شيمة (1)أهل الدين، وقبّل قدم أمير المؤمنين .

وقال جبرائيل في حقّه : لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتي إلّا علي.(2)

وحسبه صلوات الله عليه فضيلة صدقته بخاتمه في رکوعه حتي أنزل الله فيه (إنَّمَا وَلیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّکَاةً وَهُم رَاکِعُونَ)(3) وأجمع الموالف والمخالف انها نزلت في علي عليه السلام لمّا تصدق بخاتمه في رکوعه ، رواه أبو بکر الرازي في کتاب أحکام القرآن (4)علي ما حکاه المغربي عنه والطبري والرّماني ، وهو قول مجاهد والسدّي. وأمّا علماء أهل البيت لا يختلفون في ذلک کأبي جعفر الباقر وابنه أبي عبد الله عليهما السلام. ورواه أبو صالح ، عن ابن عبّاس.

وأورد الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره بإسناد متصل ، قال: بينا ابن عبّاس رضي الله عنه جالس علي شفير زمزم يقول: قال رسول الله صلّی الله عليه و آله إذ أقبل رجل معتمّ(5) بعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله صلّی الله عليه وآله إلّا قال الرجل : قال رسول الله صلّی الله عليه و آله .

ص: 343


1- في المناقب : سيرة.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 87 نقلاً عن أبي السعادات في فضائل العشرة، عنه البحار :69/41.
3- سورة المائدة : 55.
4- أحکام القرآن : 446/1 .
5- في المجمع : متعمم .

فقال ابن عباس : سألتک بالله - يا أيّها الرجل - من أنت ؟

فکشف العمامة عن وجهه وقال: أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ،

ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي ، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول الله صلیّ الله عليه و آله بهاتين وإلّا فصمّتا ، ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا ، يقول : عليّ قائد البررة، وقاتل الکفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله، أما إنّي صلّيت العصر مع رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلي السماء ، فقال : اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله صلّی الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئاً ، وکان علي راکعاً فأوما بخنصره اليمني إليه - وکان يتختّم فيها - فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره ، وذلک حين صلاة النبيّ صلّی الله عليه وآله (1)، فلمّا فرغ النبيّ من صلاته رفع رأسه إلي السماء وقال: اللّهمّ إنّ أخي موسي سألک وقال: (رَبَّ اشرَح لِي صَدرِي وَيَسَّر لِي أمرِي وَ احلُل عُقدَةً مِن لِسَانِي يَفقَهُوا قَولِي وَأجعَل لي وَزِيراً مِن أهِلي هَارُون أخِي اشدُد بِهِ أزرِي وَأشرِکهُ فِي أمرِي)(2)فأنزلت عليه قرآن ناطقاً: (سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأخّيکَ وَنَجعَلُ لَکُمَا سُلطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إلَيکُمَا،) (3)

اللّهمّ وأنا محمد نبيّک وصفيک فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري ،

واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً اشدد به أزري .

قال أبو ذرّ : فوالله ما استتمّ رسول الله کلامه حتي نزل عليه جبرائيل من

عند الله ، فقال : يا محمد ، اقرأ.

ص: 344


1- في المجمع : وذلک بعين رسول الله صلي الله عليه و آله
2- سورة طه : 25 - 32.
3- سورة القصص : 25.

قال : وما أقرأ؟

قال : اقرأ (إنَّما وَلیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلَاةَ

وَيُؤتُونَ الزَّکَاةَ وَهُم راَکِعُونَ)(1)

وروي هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه ، وروي أبو بکر الرازي في کتاب أحکام القرآن ، علي ما حکاه المغربي عنه والطبري والرّماني ، وهو قول مجاهد والسدّي ، وهو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام.(2)

وفي رواية أخري أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله دخل المسجد والناس بين راکع

و ساجد فبصر بسائل ، فقال : هل أعطاک أحد شيئاً ؟

فقال : نعم ، خاتم من فضة. فقال النبي صلّی الله عليه و آله : من أعطاکه ؟ قال : ذلک القائم - وأومأ بيده إلي أمير المؤمنين صلوات الله عليه - . فقال النبي صلّی الله عليه و آله : علي أي حال أعطاکه ؟ قال : أعطاني وهو راکع.

فکبّر النبي صلّی الله عليه و آله ، ثمّ قرأ (وَمَن يَتَولَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ

آمَنُوا فإنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ) (3)

فأنشأ حسّان بن ثابت (4)

ص: 345


1- سورة المائدة : 55.
2- مجمع البيان : 2/ 210، عنه البحار:195/35 .
3- سورة المائدة : 56.
4- في المناقب : خزيمة بن ثابت .

أبيات لحسان بن ثابت بهذا المعني

أبا حسن تفديک روحي(1) ومهجتي وکلّ بطيء في الهدي ومسارع أيذهب مدحيک المحبر ضائعاً وما المدح في جنب الإله بضائع فأنت الّذي أعطيتَ إذ کنتَ راکعاً زکاة فدتک النفس یَاخَير رَاکِع فأنزل فيک الله خير ولاية وبينّها في محکمات الشرائع(2)

فمن أوّل هذه الآية بالتأويلات الواهية ، والآراء الساهية ، فقد عدل عن الظاهر ، وارتکب الطريق الجائر ، وأعمت العصبّية قلبه فما له من قوّة ولا ناصر، وأصمت الضلالة سمعه فصار من أهل المثل السائر، حبک الشيء يعمي ويصم وإلا فالظاهر الّذي لا يعدل عنه في هذه الآية أن الله سبحانه بيّن في هذه الآية من له التصرّف في الخلق والولاية عليهم فقال : (إنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ)

أي (3)الّذي يتولّي مصالحکم و تدبير کم هو الله الّذي لا إله إلّا هو، ثمّ من بعده رسول الله صلّی الله عليه وآله ، يفعل فيکم ما يفعل بأمر الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُون الزَّکَاةَ وَهُم رَاکِعُون) (4)أي في حال رکوعهم.

وفي هذه الآية أعظم دلالة علي صحّة إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد رسول الله بلا فصل ، والدلالة فيه انّ لفظة إنّما تفيد الحصر ، فصارت الولاية منحصرة في الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة يؤتون

ص: 346


1- في المجمع : نفسي.
2- مجمع البيان : 210/2 - 211. وانظر : مناقب ابن شهرآشوب :2/3 -6 ، کشف الغمة : 301/1 و 311، عنهما البحار :189/35 ح 13 وص 194ح 15 و ص196 ح 16.
3- من المجمع .
4- سورة المائدة : 55.

الزکاة وهو راکعون ، کما تقول : إنّما الفصاحة للعرب ، فحصرت الفصاحة فيهم وتفيتها عن غيرهم ، وکما تقول : إنّما أکلت رغيفاً ، وإنّما رأيت زيداً ، فتفيت أکل أکثر من رغيف ورؤية غير زيد.

ووجه آخر وهو أن الولاية مختصّة بمن ذکرنا هو انّه سبحانه قال : (إنَّمَا وَلیَّکُمُ اللهُ) فخاطب جميع المؤمنين ، ودخل في الخطاب النبيّ وغيره، ثمّ قال : (وَرَسُولُهُ) فأخرج النبي من جملتهم لکونهم مضافين إلي ولايته ، ثم قال :

(وَالَّذيِنَ آمَنُوا،) فوجب أن يکون الّذي خوطب بالآية غير الّذي حصلت له الولاية ، ولا أدّي أن يکون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلي أن يکون کلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه ، وهذا باطل ، فثبت بذلک الولاية العامة لله ولرسوله وللمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون ، وليس الأحد أن يقول : إنّ لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) جمع ولا يجوز أن يتوجّه إلي أمير المؤمنين علي الانفراد، وذلک أنّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد علي سبيل التعظيم والتفخيم ، وذلک أشهر في کلامهم من الاستدلال عليه ، وليس لهم أن يقولوا : إن المراد بقوله : (وَهُم رَاکِعُونَ) انّ هذه سمتهم(1) فلا يکون حالاً الإيتاء الزکاة وذلک لأنّ قوله : (يُقِيمُون الصَّلَاة) قد دخل فيه الرکوع، فإذا

حملناه علي أنّ من سمتهم(2) الرکوع کان ذلک کالتکرار الغير مفيد ، وتأويل المفيد أولي من البعيد الذي لا يفيد ، فثبتت الولاية العامّة لأمير المؤمنين عليه السلام کما ثبتت لله ولرسوله.(3)

کلمات القاها جناني إلي لساني ، وسجعات أملاها إيماني علي بياني ،

ص: 347


1- في المجمع: شيمتهم .
2- في المجمع : صنعهم.
3- راجع مجمع البيان : 211/2 - 212.

و مناجاة توسّلت بها إلي ربي ، وفقرات أسداها صادق عهدي إلي قلبي:

اللّهمّ إنّک طهّرت قلوبنا من کلّ ريب ، ونوهت نفوسنا من کلّ عيب ، وجعلتها مأوي الإخلاص لولاية وليک ، ومثوي الإمحاض(1) لوصيّ نبيّک ، لا نعتقد بعد نبيّک أقرب منه إليک، ولا نعلم وليّاً نتوسل به سواه لديک ، قرنت طاعته بطاعتک ، وأوجبت ولايته کولايتک ، ونوّهت بذکره في محکم تنزيلک ، وشددت به عضد نبيّک ورسولک ، وأفرغت علي أعطاف إمامته خلع الرئاسة الکبري ، وجعلته أفضل خلقک بعد رسولک في الدنيا والأخري ، لا يدخل الجنّة إلا مستمسکاً بحبله ، ولا يذوق النار إلا جاحد لفضله، حبّه فرض علي کافّة بريتّک ، وبغضه کفر موجب لنکال عقوبتک.

يطرب ذکره قلبي ويکشف مدحه کربي ، وينشي وصفه نشوة السرور في

سرائري ، وينتج ذکره نشاءة الحبور في ضمائري.

حبّه منوط بلحمي ودمي ، ولفظه شفاي من أوصابي وسقمي ، لا تقبل صلاتي إلّا بالصلاة عليه ، ولا تخلص طاعتي إلّا بتفويض أموري إليه، لما جعلت حبه عنوان الإيمان بک ، والتفريط في جنبه تفريط في جنبک ، فهو وليک في عبادک حين أخذت عليهم الميثاق ، وخليفتک في بلادک علي الاطلاق ، ولسانک الناطق بالحق ، ويدک الباسطة علي الخلق ، من أطاعه أدخلته جنتک وإن عصاک ، ومن عصاه خلدته نارک وإن أطاعک ، کنز علمک ، و معدن حکمک ، و مشرق أنوارک ، ومظهر أسرارک.

(هَل أَتَي (2) في شأنه أتيت ، (انَّمَا وَلِیُّکُ)م (3)بها في بيانه أنزلت ، وآية

ص: 348


1- کل شيء أخلصته فقد أمضته . «الصحاح : 1104/3 - محض -» .
2- سورة الانسان : 1 وما بعدها.
3- سورة المائدة : 55.

المباهلة (1) تشهد بمساواته لنبيّک ، والإخلاص بحبّه أجر بلاغ صفيک ، ومائدة شرفه بحديث: «لحمک لحمي»(2)کملت ، وملّة الاسلام بنصبه علماً للأمّة کملت، وسمت نفسي بميسم العبوديّة لحضرته ، وقدّرت انّي أقلّ خدمه وإن کنت من حفدته.

إذا ذکرت صغائر ذنوبي وکبائرها، وموبقات عيوبي وتکاثرها ، قرعت باب الرجاء بيد حبّه ، وتوسلت إلي خالقي بإخلاصه وقربه ، فيناجيني بلسان نبيّه في سرائري ، ويخاطبني ببيان وليه في ضمائري: «حبّ علي حسنة لايضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة»(3)، فيحلو مکرّر حديثها في الهواتي ، ويجلو ترداد خطابها همومي في خلواتي

لا أعتقد بعد توحيد ربّي و تنزيهه عما لا يليق بکماله والاقرار لنبي بعدم المماثل له في شرفه وجلاله أوجب طاعة ، ولا أفوض متابعة ، ولا أثبت إيماناً ، ولا أعلي تبياناً ، ولا أشدّ رکناً ، ولا أبين معني ، ولا أوضح حجّة ، ولا أهيع

ص: 349


1- فَمَن حَاجَّکَ فَيهِ مِن بَعد مَا جَاءَکَ مِنَ العِلم فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أبنَاءَنَا وَأبنَاءَکَم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُم وَأنَفُسَنَا وأنفُسَکُم ثُمَ نبَتهِل فَنَجعَل لَعنَهَ اللهِ عَلَي الکاذِبِينَ) آل عمران : 61.
2- ورد هذا الحديث بألفاظ متفاوتة ، انظر : إحقاق الحق: 4 / 78 و149 و 245 - 248و482 و 484 - 486، و ج 1 / 5 - 2، وج6/ 443 - 448. وج 61/15 و 664 و692، و ج 117/16 ، و ج 249/20 و 290 و 292 و 295 و 315.
3- أورده الديلمي في فردوس الأخبار : 2/ 142 ح 2725 عن معاذ، عنه کشف الغمة : 93/1 ، والبحار : 304/39 ح 118. وأخرجه في مناقب ابن شهرآشوب : 197/ 3 عن أبي تراب في الحدائق ، والخوارزمي في الأربعين بإسنادهما عن أنس ، والديلمي في الفردوس ، وجماعة ، عن ابن عمر ، عنه البحار : 256/39 ح 31.وفي البحار : 248/39 ح 10 عن کشف الغمة .

محجّة ، ولا أشمخ فخراً ، ولا أرفع ذکراً ، من الاذعان بالطاعة لنهيه وأمره، ولا يعتاد بالمتابعة لسرّه و جهره.

فيا من يحسده علي ما آتاه الله من فضله ، ويدّعي رتبته ، وهو لا يعادل عند الله شسع نعله ، لقد طرت مستکبراً، وتعاظمت صغيراً ، وأوثقت نفسک ، وأنکرت جنسک ، وجهلت قدرک ، وشبت درّک ، وبادرت خالقک بمعصيتک ، ولم يحسن يوماً تؤخذ فيه بناصيتک ، أتريد أن تستر الشمس بکفّک ، أو تنقص البحر بغرفک ، و تجار الجواد بأناتک ، أو تنال السماء بينانک ؟

و يک ارفق بنفسک ، ولا تفخر بغرسک ، فهذا الّذي شرفت بذکره مقالي ، ووجّهت إلي کعبة جوده امالي، ورجوته معادي في حشري ، ونوري في قبري، وکنزي لفقري ، ووجهتي في عسري ويسري ، هو البحر الّذي لا ينزف ، والعارف الّذي لا يعرف ، والشمس الّتي لا تخفي ، والنور الذي لا يطفأ ، المنزه بکماله عن الأنداد ، الجامع في خصاله بين الأضداد ، يحيي بجوده الآمال، ويميت بفتکه الأبطال ، وتصل بکفّه الاقصار ، و تقطع بسيفه الآجال.

إن ذکر ليل فهو راهب دجاه ، أو ذکر حرب فهو قطب رحاه ، أسد الله المحراب ، حليف المسجد والمحراب ، يجز بصارمه الأعناق ، ويدر بنائله الأرزاق ، نقمة الله علي أعدائه ، ورحمته لأوليائه ، الشامخ بأنفه في الحرب، والمتواضع من عظمته للرب ، الناسک في خطوته ، والفاتک بسطوته ، قتّال الأبطال إذا الحروب وقعت ، وبدل الأبدال إذا الجنوب اضطجعت ، امتحن الله به خلقه ، وأبان بالأدلّة الواضحة صدقه ، و أکرمه بالشهادة التي فضّله بها علي من سواه ، وأحبّ سبحانه لقاءه ، کما أحبّ صلوات الله عليه لقاءه ، لما تفرّد عن النظير من أبناء جنسه ، وتعالي عن التمثيل في طهارته وقدسه .

ص: 350

تعصّبت عصب الضلالة لقتاله ، وتحزّبت أحزاب الجهالة لاغتياله، وضربت إلي حربه بطون رواحلها ، وأجلبت علي هظمه بأبطال کفرها و باطلها.

فتبّاً لها من أمةً الغدر شعارها، والمکر دثارها ، والنفاق قرينها، والشقاق حديثها ، خسرت صفقتها ، وکسدت تجارتها ، فما أضمي فيها ، وظمي ريّها، وأضلّ سعيها ، وأشقي ميّتها وحيّها ، تاهت في بيداء حيرتها ، وغرقت في متلاطم شقوتها ، وزيّن الشيطان لها سوء فعلها ، ودلّاها بغروره فأوقعها في ورطة جهلها.

أفهذاکان جزاء نعمة ربّها عليها ، و مننه إليها ؟! إذ أقام لها وليّاً من أوليائه يثقف (1)، أودها ، ويقوم عوجها ، ويوضح بها الدليل ، ويهديها سواء السبيل ، أن تشن عليه غاراتها ، وتطلبه بنزاتها(2)، وتقصده في نفسه وعترته ، وتغمده في حفدته وشيعته ، و تنصب له الغوائل ، وتضمي منه المقاتل ، وأن تتقدمه أوغادها سامریّها وعجلها، وأن تجلب مرافقها عليه بخيلها ورجلها ، وأن تجمع فتاقها علي حربه في صفّينها وجملها ، وأن تنکر فجّارها ما بيَّن الرسول من قربه بتفضيلها وجملها .

وهکذا لم يزل الدنّي يحسد العليّ ، والطفيف يحسد الشريف ، والباخل يحسد الباذل ، واللئيم يحسد الکريم ، والأوغاد تتقدّم الأمجاد ، والناس أميل في أشکالهم ، وأشبه بأمثالهم ، أتباع کلّ ناعق ، وأشياع کل زاهق ، العلم أکسد بضاعة تجبي إليهم ، والکتاب أنکد کلمة تتلي عليهم ، يبدلّونه بأهوائهم،

ص: 351


1- الأو: العوج ، والثقاف : هو تقويم المعوج . «لسان العرب : 75/3 - أود -
2- قتلته النزُة : أي الشهوة . «لسان العرب : 417/5 - نزز -». والتَنرَّي : التوثُّب والتسرُّع ...والانتِزاءُ والتَّنرَّي أيضاً : تسرع الإنسان إلي الشرَّ . «لسان العرب : 320/15 - نزا » .

ويلحدون في آياته ، ويکذّون بیّناته ، ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة (1) ويقصدون من سفه أحلامهم لتبديلهم بکل حجة ، ولما روي صلوات الله عليه شدّة شکيمتهم، وخبث عقيدتهم ، يحرّفون الکلم عن مواضعه ، ويعدلون بالحقّ عن مواقعه، لا يجيبون صوته ، ولا يرهبون سوطه ، ولا يستجيبون لدعائه ، ولا يجعلون بندائه ، فبرم من صحبتهم ، وتظلّم من معصيتهم ، وشکاهم إلي الله في

خطبه ونثره ، واستعدي عليهم الله في سره وجهره.

کقوله صلوات الله عليه :

اللّهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني ، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم ،

وأبدلهم بي شرّاً منّي

اللّهمّ مث قلوبهم (2) کما يُماث الملح في الماء.(3)وکقوله صلوات الله عليه - من جملة کلامه -:

أيّها القوم الشاهدة أبدانهم(4)، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلي بهم أمراؤهم، صاحبکم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت - والله - أن معاوية صارفني بکم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ متي عشرة منکم وأعطاني رجلاً منهم!

يا أهل الکوفة ، منيت منکم بثلاث واثنتين : صمّ ذوو اسماع، وبکم ذوو کلام ، وعمي ذوو أبصارٍ ، لا أحرار صدقٍ عند اللقاء ، ولا إخوان ثقةٍ

ص: 352


1- إشارة إلي الآية : 7 من سورة آل عمران .
2- أي أذيها.
3- نهج البلاغة : 67 خطبة رقم 25. وانظر البحار : 19/34 .
4- کذا في النهج ، وفي الأصل : أيها المشاهد أبدانهم .

من کلام أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب به أصحابه

ا عند البلاء! تربت أيديکم ! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ! کلّما جمعت من جانبٍ تفرّقت من آخر ، والله لکأنّي ابکم(1) فيما إخالکم : [أن] (2) لو حمس الوغي ، وحمي الضراب ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها . وإنّي لعلي بينّة من ربّي ، ومنهاج من نبیّي ، وإنّي لعلي الطريق الواضح القطه لقطاً. (3)

و من کلام له صلوات الله عليه يخاطب به أصحابه :

يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحِجال (4) وددت أنّي لم أرکم ولم أعرفکم معرفةً - والله - جرّت ندماً ، وأعقيت سدماً (5) قاتلکم الله ! لقد ملأتم قلبي قَيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرّعتموني نُغب الهمام أنفاساً ، وأفسدتم (6)عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان ؛ حتي [لقد] (7)قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولکن لا علم له بالحرب.

الله أبوهم ! وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً(8) وأقدم فيها مَقاماً منّي ؟! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وهاأنذا قدر ذرفت علي الستّين(9) ولکن لا

ص: 353


1- من النهج . وإخال : أظن. وحمس : اشتد . والوغي : الحرب .
2- من النهج . وإخال : أظن. وحمس : اشتد . والوغي : الحرب .
3- نهج البلاغة : 142خطبة رقم 97
4- ربّات الحجال : النساء
5- کذا في النهج ، وفي الأصل : ذم . والسدم : الهم مع أسف أو غيظ
6- کذا في النهج ، و في الأصل : وجرّعتموني قعب البهتان ، وأفسدتم . ونُغب : أي جُرَع. والهمام : الهمّ. والمراد أنّ أنفاسه أمست همّأ يتجرّعه جرعة بعد جرعة.
7- من النهج
8- أي عالجه وزاوله وعاناه .
9- أي زدت علي الستّين . وفي رواية المبرد . نيفت ، و هو بمعناه .

من کلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذم أهل العراق

رأي لمن لا يُطاع !(1)

ومن کلام له في ذمّ أهل العراق :

أمّا بعد [ - يا أهل العراق - ](2) ، فإنّما أنتم کالمرأة الحامل ، حملت فلمّا أتمّت أملصت (3) ومات قيّمها، وطال تأيّما(4)، وورثها أبعدها . أما والله ما أتيتکم اختياراً ، ولکن جئت إليکم شوقا . ولقد بلغني أنکم تقولون : إعلي (5)يکذب ، قاتلکم الله تعالي ! فعلي من أکذب ؟ أعلي الله ؟ فأنا أوّل من آمن به ! أم علي نبيّه ؟ فأنا أوّل من صدّقه کلّا - والله - ولکنّها لهجة غبتم عنها، ولم تکونوا

من أهلها. (6)

وغير ذلک من مقاماته المشهورة ، ومکاناته المرموزة ، فبعدأ لها من أمّة شرت الضلالة بالهدي ، والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرها علي النار ، وأولاها بغضب الجبّار ؟! ثم لم يجترئ أعلامها بغصب حقّه و تکذيب صدقه ، حتي أعلنوا بسبّه علي منابرهم ، وتشادقوا بثلبه في منائرهم ، وأبي الله إلا أن يتمّ نوره، ويجري في خلقه أموره.

وأخفي الأعداء فضله حنقاً ، وکتم مدحه الأولياء فرقاً، وظهر من بينهما ما طبق الآفاق ، وملأ الأوراق ، واستمرّت به الأزمان، وسادت به الرکبان ، وثبت علي الحق من ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ،(7)

ص: 354


1- نهج البلاغة : 70 خطبة رقم 27.
2- من النهج.
3- أملصت : أسقطت، وألقت ولدها ميتا
4- قيّمها : زوجها . وتأيّهما : خلوّها من الأزواج .
5- من النهج.
6- نهج البلاغة : 100 خطبة رقم 71.
7- إشارة إلي الآية : 27 من سورة إبراهيم.

معجزة أمير المؤمنين عليه السلام في قطع يد السارق الأسود

وإرجاعها مکانها

واستقام علي الصدق من طاب خيمه(1) وصفا معينه ، وکانت ينابيع أصوله ظاهرة ، لا تحرّکه الرياح العواصف ، کما قال صلوات الله عليه : لو ضربت خيشوم (2) المؤمن بسيفي علي أن يسبغضني لما بغضني ، ولو صببت الدنيا بحذافيرها علي المنافق علي أن يحبّني لما أحبني ، وذلک عهد عهده إليّ رسول الله صلّی الله عليه و آله (3) لا يحبّک إلّا مؤمن ، ولا يبغضک إلّا منافق.(4)

روي الحاتمي بإسناده إلي ابن عبّاس ، قال : دخل أسود علي أمير المؤمنين عليه السلام وأقرّ أنّه سرق ، فسأله عليه السلام ثلاث مرات ، فقال : يا أمير المؤمنين ، طّهرني فإنّي سرقت ، فأمر عليه السلام بقطع يده ، فأخذ يمينه بشماله ومضي ، فاستقبله بن الکوّاء فقال : من قطع يدک ؟

فقال : ليث الحجاز ، وکبش العراق ، ومصادم الأبطال ، المنتقم من الجّهال، کريم الأصل ، شريف الفضل ، محلّ الحرمين ، وارث المشعرين ، أبو السبطين ، أوّل السابقين ، وآخر الوصيين من آل يس ، المؤيّد بجبرائيل، المنصور بميکائيل ، حبل الله المتين ، المحفوظ بجنود السماء أجمعين ، ذلک والله أمير المؤمنين علي رغم الراغمين - في کلام له - .

فقال ابن الکوّاء : قلع يدک وتثني عليه ! قال : لو قطعني إرباً إرباً لمل ازددت له إلّا حبّاً ، فدخل ابن الکوّاء علي

ص: 355


1- الخيم: الشيمة والطبيعة والحلق والسجنية ...والخيم: الأصل. «لسان العرب: 194/12 - خيم - »
2- الخيشوم : أصل الأنف .
3- کذا، وفي النهج : وذلک أنّه قضي فانقضي علي لسان النبيّ الأمّي صلّی الله عليه و آله وسلّم ؛ أنّه قال : يا علي ، لا يبغضک مؤمن ، ولا يحبّک منافق .
4- نهج البلاغة : 477 حکمة رقم 45، عنه البحار :296/39 ح 97.وانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 83/4 ، عنه البحار : 39/ 290.

أمير المؤمنين وأخبره بقصّة الأسود.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن الکوّاء ، إنّ محبيّنا لو قطّعناهم إرباً إرباً لما ازدادوا لنا إلّا حبّاً ، وإنّ في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن والعسل ما ازدادوا لنا إلّا بغضاً.

وقال أمير المؤمنين للحسن عليه السلام : عليک بعمّک الأسود .

فأحضر الحسن عليه السلام الأسود بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام، فأخذ يده فنصبها في موضعها ، وغطّاها بردائه ، وتکلّم بکلمات أخفاها ، فاستقرّت يده کما کانت ، فصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام إلي أن استشهد بالنهروان ، ويقال : کان اسم الأسود أفلح(1)

وأمّا من کان من أعدائه بسبّه موسوم، وببغضه موسوم ، وأصله دنيّ ، وخيمه خني ، قد اکتنفه فجور الآباء وعهر الأمّهات ، وأحاطت به رذالة الأقرباء والأمور المظلمات ، فأعلن بسبّه وبغضه ، ولم يحسن الله يوم حشره وعرضه ، وزيّن له الشيطان سوء عمله، وقبيح زلله ، فاتّخذ بغضه وسيلة إلي أئمّة الضلال، و تقرّباً إلي الآثمة الضلاّل ، فأحلّ الله بهم أليم عقابه و وخيم عذابه ، في دار الفناء

ص: 356


1- مناقب ابن شهرآشوب : 235/2 ، عنه البحار : 210/41ح24. وأورد نحوه شاذان في الفضائل : 172 - 173. والروضة في الفضائل : 42 (مخطوط) ، عنهما البحار : 281/40- 283 ح 44. وفي الخرائج والجرائح : 561/2 ح 19 (مختصراً)، عنه البحار : 202/41 ح 15،وج 188/79 ح24، ومستدرک الوسائل : 151/18 ح 11.وأخرجه في إثبات الهداة : 518/18 ، ح 454 (مختصراً) عن الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب . وفي مدينة المعاجز : 68/2ح403 عن البرسي - ولم نجده في مشارق أنوار اليقين - إلا أن ما فيه يوافق ما في الفضائل والروضة. وفي ص 71ح 404 عن السيّد الرضي في المناقب الفاخرة.

في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وما حدث لمن لعن أو شتم

علي عليه السلام

قبل يوم الجزاء ، ولعنهم کما لعن أصحاب السبت إذا اعتدون سبتهم ، وأنزل بهم نکاله لما صرفوا عن آيات الله بزورهم و بهتهم، وجعلهم عبرة في بلاده ، و تذکرة لعباده ، و غيرّ سبحانه صورهم ، وقطع بدعائه دابرهم ، فقد خرجوا عن حدّ الإحصاء ، وفاتوا العدّ والاستقصاء ، وبلغت أخبارهم من التواتر حدّاً شافياً ، وقدرة کافياً.

کما روي عن الأعمش ، [عن رواته ،](1) عن حکيم بن جبير ؛ وعن عقبة الهجري ، عن عمّته ؛ وعن أبي يحيي ، قال: شهدت عليّاً عليه السلام علي منبر الکوفة يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، ورثت نبيّ الرحمة ، ونکحت سيدة نساء الأمّة(2)، وأنا سيّد الوصيين ، وآخر أوصياء النبييّن ، لا يدّعي ذلک غيري إلا أصابه الله بسوء.

فقال رجل من عبس : من الذي لا يحسن أن يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ؟ فلم يبرح مکانه حتي تخبّطه الشيطان ، فجرّ برجله إلي باب المسجد.(3)

العياشي (4) بإسناده إلي الصادق عليه السلام في خبر قال النبي صلّی الله عليه و آله : يا عليّ، إنّي سألت الله سبحانه أن يوالي بيني وبينک ففعل ، وسألته أن

ص: 357


1- من المناقب .
2- في المناقب : أهل الجنة .
3- مناقب ابن شهرآشوب :314/2 - 342، عنه مدينة المعاجز : 284/2 ح 553. وأورده في کشف الغمة : 284/1مرسلاً. وأخرجه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2/ 287 عن الغارات. وفي البحار : 205/41ح 22 عن إرشاد المفيد : 352/1 - 353، والمناقب .والخرائج والجرائح :209/1 ح 51.
4- تفسير العياشي :141/2 ح 11، عنه البحار : 36/ 100ح 44.

يؤاخي بيني وبينک ففعل ، وسألته أن يجعلک وصيّي ففعل.

فقال رجل: والله لصاعٍ من تمر في شنّ (1) بالٍ خير ممّا سأل محمد ربّه ، هلّا سأل ملکاً يعضده علي عدوهّ، أو کنزاً يستغني به علي فاقته ؟ فأنزل سبحانه (فَلَعَلَّکَ تَارِکُ بَعضَ مَا يُوحَي إليَکَ) (2) الآية . وفي رواية : انه أصاب قائله علة .(3)

أبو بصير ، عن الصادق عليه السلام ، قال : لمّا قال النبيِّ صلّی الله عليه و آله: يا علي، لولا أنّي أخاف أن يقال فيک کما قالت النصاري في المسيح لقلت اليوم فيک مقالة لا تمرّ بملأٍ من المسلمين إلّا أخذوا التراب من تحت قدميک (4) قال الحارث بن عمرو الفهري لقوم من أصحابه : ما وجد محمد لابن عمّه مثلاً إلا عيسي بن مريم يوشک أن يجعله نبيّاً من بعده والله إن آلهتنا الّتي کنّا نعبد خير منه ، فأنزل الله تعالي:( وَلَمَا ضُرِبَ ابنُ مَرَيَمَ مَثلاً إذَا قَومُکَ مِنهُ يَصِدُّونَ - إلي قوله : وَإنَّهُ لَعِلمُ لِلسَّاعَةِ فَلَاَ تَمتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هذَا صِرَاطَ مُستَقِيمُ) (5)

وفي رواية أنّه نزل أيضاً (إن هُوَ إلّا عَبدُ أنعَمنَا عَلَيهِ) (6)، فقال النبي

صلّی الله عليه و آله : يا حارث ، اتقّ الله وارجع عمّا قلت من العداوة لعليّ.

فقال : إذا کنت رسول الله ، وعليّ وصيّک من بعدک ، وفاطمة بنتک سيّدة

ص: 358


1- الشن : القربة الخلقة «خ».
2- سورة هود : 12. وفي الأصل والمنافب : (فَلَعَلَّکَ بَاخِعُ نَفسَکَ) ، وهي الآية: 6 من سورة الکهف . وما أثبتناه وفقاً لما في العيّاشي.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 342، عنه البحار :40/ 72 ذح 19 وعن أمالي المفيد :279 ح 5، وأمالي الطوسي:105/1 .
4- کذا في المناقب ، وزاد في الأصل : الخبر . ممّا يوهم بتقطيع الخبر
5- سورة الزخرف : 57 - 11.
6- سورة الزخرف : 59.

نساء العالمين، والحسن والحسين ابناک سيّدا شباب أهل الجّنة ، وحمزة عمّک سيّد الشهداء، وجعفر الطيّار ابن عمک يطير مع الملائکة في الجنّة ، والسقاية للعبّاس عمک ، فما ترکت لسائر قريش وهم ولد أبيک ؟

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ويلک يا حارث ، ما فعلتُ ذلک ببني

عبد المطّلب ، لکنّ الله سبحانه فعله بهم.

فقال الحارث : (اللهُمَّ إنّ کَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِکَ فَأمطِر عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ) (1) فأنزل الله سبحانه : ( وَمَا کَانَ اللهُ لِيُعَذَّبَهُم وَأنتَ فِيهِم) (2) فدعا رسول الله صلي الله عليه و آله الحارث فقال: إمّا أن تتوب أو ترحل عنّا.

فقال : إنّ قلبي لا يطاوعني للتوبة ، لکنّي أرحل عنک ، فرکب راحلته ، فلمّا أصحر أرسل (3) الله عليه طيراً من السماء في منقاره حصاة مثل العدسة ، فأنزلها علي هامته فخرجت من دبره إلي الأرض، ففحص برجله ، وأنزل سبحانه (سَأَلَ سَائِلَ بِعَذَابِ وَاقع) (4) للکافرين بولاية عليّ ، [قال :](5) هکذا نزل به جبرائيل عليه السلام (6)

قال زياد بن کليب : کنت جالساً في نفر فمرّ بنا محمد بن صفوان مع عبيد الله بن زياد ، فدخلا المسجد ، ثمّ رجعا إلينا وقد ذهبت عينا محمد بن صفوان ،

ما

ص: 359


1- سورة الأنفال : 32 و 33.
2- سورة الأنفال : 32 و 33.
3- في المناقب : أنزل. وأصحر : أي صار في الصحراء
4- سورة المعارج: 1
5- من المناقب .
6- مناقب ابن شهرآشوب:342/2 -343، عنه البحار : 35/ 320 ح 17.

فقلنا: ما شأنه؟

فقال: إنّه قام في المحراب وقال : إنّه من لم يسب عليّاً بيّنةً(1)فأنا أسته

بيّنة ، فطمس الله بصره.

وقد روي هذا عمرو بن ثابت ، عن أبي معشر.

البلاذري(2)والسمعاني والمامطيري (3)والنطنزي والفلکي أنّ سعد بن

مالک مرّ برجل يشتم عليّاً عليه السلام ، فقال : ويحک ما تقول ؟

قال: أقول ما تسمع. فقال : اللّهمّ إن کان کاذباً فاهلکه ، فخبطه جمل بختّي فقتله.(4)

ابن المسيّب قال : صعد مروان العنبر وذکر عليّاً عليه السلام فشتمه ، قال سعيد بن المسيب : فهوّمت عيناي فرأيت کفّاً في منامي خرجت من قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله - يري الکف ولا يري الذراع - عاقدة علي ثلاث وستين (5)، وسمعت قائلاً يقول : يا أموي (أکَفَرت بِالَّذِي خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ ين

نُطفَةٍ ثُمَّ سَؤَّاکَ رَجُلاً ) (6)؟

قال : فما مرّت بمروان إلّا ثلاث حتي مات .

ص: 360


1- في المناقب : بنية . وکذا في الموضع التالي .
2- أنساب الأشراف: 2/ 177 ح204.
3- هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالله المامطيري ، و مامطير : بليدة بناحية آمل طبرستان .
4- في أنساب الأشراف والمنافب : فخبطه جمل حتي قتله. والبخت والبختية : هي الإبل الخراسانية . «لسان العرب:9/2 - بخت - »
5- علي حساب العقود العقد علي ثلاث وستين هو أن يثتي الخنصر والبنصر والوسطي ويأخذ ظفر الإبهام بباطن العقدة الثانية من السبابة ، فأشار بعقد الثلاثة إلي أنه لا يعيش أکثر منها.
6- سورة الکهف : 37.

مناقب إسحاق [العدل] (1)انه کان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً عليه السلام علي المنبر ، فخرجت کف من قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله - يري الکفّ ولا يُري الذراع - عاقدة علي ثلاث وستّين ، وإذا کلام من القبر: ويلک [من أمويّ](2)(أکَفَرتَ بِالَّذِي خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ) الآية ، وألقت ما فيها ، فإذا دخان أزرق ، قال: فما نزل عن المنبر إلّا وهو أعمي يقاد ، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتي مات(3)

وروي علماء واسط أنّه لما رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقَّ السور ، ودخل المدينة ، وأتي الجامع ، وصعد المنبر، ونطح الخطيب فقتله ، وغاب عن أعين الناس ، فسدّوا الباب الذي دخل منه(4)، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.

وقال هاشمّي : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه - وهو يغطّيه - فسألته عن سبب ذلک ، فقال : نعم ، قد جعلت علي نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلک إلّا أخبرته ، کنت شديد الوقيعة في عليّ ، کثير الذکر له بالمکروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا باتٍ أتاني في منامي فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي؟ فضرب شقّ وجهي؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود کما تري.(5)

ص: 361


1- من المناقب
2- من المناقب
3- مناقب ابن شهرآشوب :343/2 - 344، عنه البحار : 318/39ح 19 ، ومدينةالمعاجز : 283/2 -284ح 511 و 552 إلي قوله : فخبطه جمل حتي قتله.
4- کذا في المناقب ، و في الأصل : فيه.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 344/2 ، عنه البحار :319/39 ح 20، ومدينة المعاجز :314/1 ح 198 من قوله «قال هاشمي».. وأورد نحوه في الفضائل لشاذان : 115 ، والروضة في الفضائل : 10 (مخطوط)، عنهما البحار :42/8 ح 10. وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب : 241 ح 6. وأخرجه في مدينة المعاجز : 1/ 314 ح 199 عن البرسي - ولم نجده في مشارق أنوار اليقين - وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان

وکان بالمدينة رجل ناصبيّ ، ثم تشيّع بعد ذلک ، فسئل عن السبب ، فقال: إنّي رأيت في منامي عليّاً عليه السلام يقول[لي] (1): لو حضرت صفّين مع من کنت تقاتل ؟

قال: فأطرقت أفکّر ، فقال عليه السلام: ياخسيس ، هذه مسألة تحتاج إلي [هذا ](2)الفکر العظيم ! اصفعوا قفاه ، فصفعت(3)حتي انتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا کنت عليه. (4)

روي شيخنا ووسيلتنا إلي ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عماد الدين محمد بن علي بن الحسين [بن موسي] (5)بن بابويه القتي في أماليه ، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثني محمّد بن جرير الطبري ، قال: حدّثني أحمد بن رشيد ، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم (6) قال: حدّثني سعد ، عن الحسن البصري أنّه بلغه أن زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه ، فقام في أصحابه يوماً فقال: لقد هممت أن أغلق بابي ثم لا أخرج من بيتي حتي يأتيني أجلي ، بلغني أن زاعماً منکم يزعم أني أنتقص خير الناس بعد نبيّنا صلّی الله عليه و آله ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج عنه الکرب عند الزلازل، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقکم رجل قرأ القرآن فوقّره ، (وأخذ العلم

ص: 362


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- في المناقب : اعطوا قفاه ، فصفقت.
4- مناقب ابن شهرآشوب :344/2 ، عنه البحار :7/42 ح 7.
5- من الأمالي .
6- في الأمالي : خيثم (خثيم) .

فوفّره ](1)، وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه ، صابراً علي مضض الحرب ، شاکراً عند اللأواء والکرب ، عمل بکتاب الله ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه ، آخاه دون أصحابه ، وجعل عنده سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه کبيراً، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دين الله حتي وضعت الحرب أوزارها، مستمسکاً بعهد نبيّه صلّی الله عليه و آله ، لا يصدّه صادّ، ولا يمالي عليه مضاد، ثمّ مضي النبيّ صلّی الله عليه و آله وهو عنه راض.

أعلم المسلمين علماً، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم في الإسلام، لا نظير له في مناقبه ، ولا شبيه له في ضرائبه ، فظلفت(2)نفسه عن الشهوات ، وعمل لله في الغفلات ، وأسبغ الوضوء (3) في السبرات ، وخشع (4)لله في الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذّات ، مشمّراً عن ساق ، طيّب الأخلاق ، کريم الأعراق ، واتّبع سنن نبيه ، واقتفي آثار وليه ، فکيف أقول فيه ما يوبقني؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فکفّوا عنّا الأذي ، وتجنّبوا طريق الردي.(5)

وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسي الدقّاق و محمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمّد الصائغ ، قالوا : حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيي بن(6) زکريّا القطّان ، قال: حدّثنا أبو محمد بکر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني علي بن محمّد ، قال: حدّثنا الفضل بن العباس ، قال حدّثنا عبد القدوس الوراق ، قال: حدّثنا

ص: 363


1- من الأمالي.
2- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : طلقت . وظلفت : منعت .
3- في الأمالي : الطهور . والسبرات : جمع السبرة ، الغداة الباردة .
4- کذا في الأمالي ، و في الأصل : وخضع
5- أمالي الصدوق : 352 ح 1، عنه البحار : 117/40 ح 2.
6- من الأمالي .

حديث أبي جعفر الدوانيقي للأعمش في فضل علي عليه السلام

محمد بن کثير ، عن الأعمش.

وحدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المکتّب ، قال: حدّثنا أحمد بن يحيي القطّان ، قال: حدّثنا بکر بن عبد الله بن حبيب ، قال: حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه(1) ، قال: حدّثنا محمد بن کثير ، عن الأعمش.

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما کتب إلينا من أصفهان ، قال: حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين ، قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال: حدّثنا مندل بن علي العنزي (2)، عن الأعمش.

وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، قال: حدّثنا علي بن عيسي الکوفي ، قال: حدثّنا جرير(3) بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وزاد بعضهم علي بعض في اللفظ ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض ، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي ، عن الأعمش، قال: بعث إليَّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب ، قال: فبقيت (4) متفکر فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إلي [في](5)هذه الساعة إلّا ليسألني عن فضائل علي عليه السلام ، ولعلي إن أخبرته قتلني.

قال: فکتبت وصيّتي ، ولبست کفني ، ودخلت عليه ، فقال ادن منّي ، فدنوت و عنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثمّ قال: ادن منّي ،

ص: 364


1- في الأمالي : عبدالله (عبيد الله بن محمد بن باطريه (ناطويه) .
2- في الأمالي : العنزي العتري
3- وکذا في الموضع التالي .. 31، کذا في الأمالي ، وفي الأصل : حريز .
4- ني الأمالي : فقمت .
5- من الأمالي .

فدنوت حتي کادت تمس ّرکبتي رکبته ، قال: فوجد منّي رائحة الحنوط ، فقال: والله لتصدّقتّني وإلا لأصلبنّک.(1)

فقلت : ما حاجتک ، يا أمير المؤمنين ؟ قال : ما شأنک متحنّطاً ؟

قلت : أتاني رسولک في جوف الليل أن أجب ، فقلت : عسي أن يکون أمير المؤمنين بعث إليَّ [في](2) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّ عليه السلام . فلعليّ إن أخبرته قتلني ، فکتبت وصيّتي ، ولبست کفني.

قال : وکان متّکئاً فاستوي جالساً وقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، سألتک

- يا أعمش(3)کم حدّيثا ترويه في فضائل علي عليه السلام؟ -

قال : فقلت : يسيراً، يا أمير المؤمنين. قال : کم. قلت : عشرة آلاف وما زاد.

فقال : يا سليمان ، لأحدّثنّک بحديث في فضل عليّ عليه السلام تنسي

کلّ حديث [سمعته] (4)

قال : قلت : حدّثني ، يا أمير المؤمنين.

قال: إنّي کنت هارباً من بني أميّة وکنت أتردّد في البلدان (5) و أتقرّب إلي الناس بفضائل عليّ عليه السلام ، وکانوا يطعموني ويزوّدوني حتي وردت إلي

ص: 365


1- في الأمالي : لتصدقني أو لأصلبتک .
2- من الأمالي.
3- في الأمالي : سألتک بالله يا سليمان .
4- من الأمالي.
5- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : من بني يزدد في البلدان .

بلاد الشام ، وإنّي لفي کساء خلق ما عليَّ غيره ، فسمعت الاقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لأصلّي وفي نفسي أن أکلّم الناس في عشاء [يعشوني](1)، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان ، فالتفت الإمام إليهما وقال : مرحباً بکما، ومرحباً بمن اسمکما علي اسمهما ، وکان إلي جانبي شابّ فقلت: يا شابّ ، ما الصبّيان ؟ ومن الشيخ ؟

قال : هو جدّهما ، وليس أحد في هذه المدينة يحب عليّاً إلا وهذا(2) الشيخ ، فلذلک سمّي أحدهما الحسن و الآخر الحسين ، فقمت فرحاً إلي الشيخ، فقلت: أيّها الشيخ ، هل لک حاجة في حديثٍ أقرّ به عينک ؟

قال : إن أقررت عيني أقررت عينک .

قال : قلت : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه قال : کنّا قعوداً عند رسول الله صلّی الله عليه و آله إذ جاءت فاطمة عليها السلام وهي تبکي ، فقال لها النبي صلّی الله عليه و آله: ما يبکيک يا فاطمة؟

قالت: يا أبة ، خرج الحسن والحسين فما أدري أين با تا۔

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله: يا فاطمة ، لا تبکي ، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منک ، ورفع النبيّ صلّی الله عليه و آله يديه إلي السماء ، وقال : اللّهمّ إن کانا أخذا برّاً أوبحراً فاحفظهما وسلمهما ، فنزل جبرائيل عليه السلام من السماء وقال: يا محمد ، إنّ الله سبحانه يقرئک السلام ويقول: لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة، و أبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حظيرة بني النجّار ، وقد وکلّ الله بهما ملکاً.

قال: فقام رسول الله صلّی الله عليه و آله فرحاً ومعه أصحابه حتي أتي

ص: 366


1- من الأمالي .
2- من الأمالي .

حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن (1)معانقاً للحسين عليه السلام ، وإذا الملک الموکلّ بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر.

قال : فمکث النبيّ صلی الله عليه و آله يقبّلهما حتي انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلّی الله عليه و آله الحسن ، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول: والله لأشرّفنّکما کما شرفکم الله عزّ وجلّ.

فقال له أبو بکر: ناولني أحد الصبييّن أخفّف عنک.

فقال: يا أبا بکر ، نعم الحاملان ، ونعم الراکبان ، وأبوهما أفضل منهما فخرج حتي أتي باب المسجد فقال: يا بلال ، هلمّ عليَّ بالناس ، فنادي منادي رسول الله صلي الله عليه و آله في المدينة ، فاجتمع الناس عند رسول الله صلّی الله عليه و آله في المسجد ، فقام علي قدميه ، فقال: يا معشر الناس ، هل أدلّکم علي أفضل الناس جدّاً وجدّة ؟

قالوا : بلي ، يارسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ جدهما محمد صلّی الله عليه و آله ، وجدتّهما

خديجة بنت خويلد.

يا معشر الناس ، هل أدلّکم علي خير الناس أمّاً وأباً ؟ قالوا : بلي ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ،

وأمّهما فاطمة بنت رسول الله صلّی الله عليه و آله.

يا معشر الناس ، هل أدلکم علي خير الناس عمّاً وعمّة؟

ص: 367


1- في الأمالي : حتي أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا هم بالحسن .

قالوا: بلي ، يا رسول الله .

قال : الحسن الحسين فإنّ عمهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائکة

وعمّتهما أمّ هانيء بنت أبي طالب.

يا معشر الناس ، هل أدلّکم علي خير الناس خالاً وخالة ؟ . قالوا: بلي ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثم قال بيده هکذايحشرنا الله (1)، ثمّ قال : اللّهمّ إنّک تعلم أن الحسن في الجنّة ، والحسين في الجنة ، وجدهما في الجنة ، وجدتّهما في الجنّة ، [وأباهما في الجنّة ، وأمّهما في الجنّة] (2) ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في

الجة.

اللّهمّ إنّک تعلم من يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار . قال : فلمّا قلت ذلک للشيخ قال : من أنت يا فتي ؟ قلت : رجل من أهل الکوفة. قال : أعربيّ أنت أم مولي؟ قلت : بل عربيّ قال : فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الکساء ، فکساني خلعته،

ص: 368


1- الظاهر أن رسول الله صلي الله عليه و آله ضمهما إلي صدره وأشار إلي الناس : هکذا يحشرنا الله .
2- من الأمالي .

وحملني علي بغلته فبعتها بمائة دينارٍ ، وقال: يا شابّ(1) أقررت عيني فوالله الأقرن عينک ، ولأرشدک إلي شابّ يقرّ عينک اليوم.

قال : قلت : أرشدني.

قال : إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذنّ ، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن أمّه ، وأما المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن أمّه.

قال : قلت : أرشدني ، فأخذ بيدي حتي أتي بي إليَّ باب الأمام، فإذا برجل خرج إليَّ وقال: أمّا البغلة والکسوة فأعرفهما ، والله ما کان فلان يکسوک ويحملک إلّا لأنّک تحبّ الله ورسوله ووصي رسوله ، فحدّثني بحديث في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال: قلت: أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : کنّا قعوداً عند رسول الله صلّی الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة تبکي بکاء شديداً، فقال لها رسول الله صلّی الله عليه و آله: ما يبکيک ، يا فاطمة؟

قالت: يا أبة ، عيرّتني نساء قريش وقلن: إنّ أباک زوّجک من معدم لا مال

فقال لها النبيّ صلّی الله عليه و آله: لا تبکي فوالله ما زوّجتک حتي زوجک الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلک جبرائيل و ميکائيل ، وإنّ الله سبحانه اطلع علي أهل الأرض (2)فاختار من الخلائق أباک فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فزوّجک إيّاه ، واتّخذه وصيّاً ، فعلي أشجع الناس قلباً ، وأحلم الناس حلماً ، وأسمح الناس کقا، وأقدم الناس سلماً ، وأعلم الناس علماً ،

ص: 369


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : بغلته باعها بمائة دينار ، وقال : يا شيخ.
2- في الأمالي : الدنيا .

والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، واسمهما في التوراة شبير و شبر لکرامتهما علي الله سبحانه.

يا فاطمة ، لا تبکي فوالله إذا کان يوم القيامة يکسي أبوک حلّتين ، وعليّ

حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فأُنا وله عليّاً لکرامته علي الله.

يا فاطمة ، لا تبکي فإنّي إذا دعيت إلي ربّ العالمين يجيّ عليّ معي ، وإذا

شفّعني الله شفّع عليّ معي

يا فاطمة ، لا تبکي فإنّه إذا کان يوم القيامة ينادي منادٍفي أهوال ذلک اليوم : يا محمد ، نعم الجدّ جدّک إبراهيم خليل الرحمن ، ونعم الأخ أخوک علي بن أبي طالب.

يا فاطمة ، علي يعينني علي مفاتيح الجنّة ، وشيعته هم الفائزون غداً يوم

القيامة في الجنّة ، فلمّا قلت ذلک قال : يا بنيّ ممّن أنت ؟

قلت : من أهل الکوفة. قال : أعربيّ أنت أم مولي ؟ قلت : عربيّ

قال : فکساني ثلاثين ثوباً ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثم قال : يا

شات ، أقررت عيني ولي إليک حاجة ، قلت : انقضيت إن شاء الله.

قال : فإذا کان غداً فائت مسجد آل فلان کيما تري أخي المبغض لعليّ بن

أبي طالب عليه السلام.

قال : فطالت عليَّ تلک الليلة ، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الّذي وصف لي وقمت في الصفّ الأوّل فإذا إلي جانبي شابّ متعمّم فذهب ليرکع فسقطت

ص: 370

عمامته ، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ، ووجهه وجه خنزير ، فوالله ماعلمت ما تکلّمت (به ) (1)في صلاتي حتي سلم الامام ، فقلت : يا ويحک ما الّذي أري بک ؟

فبکي وقال لي : انظر إلي هذه الدار ، فنظرت ، فقال لي : ادخل،

فدخلت ، فقال لي : کنت مؤذّناً لآل فلانٍ کلما أذّنت (2) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وکلّما کان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتکأت علي هذا الدکّان الّذي تري فرأيت في منامي کأنّي في الجنة وفيها رسول الله صلّی الله عليه و آله وعلي عليه السلام فرحين ، ورأيت کأنّ النبي صلّی الله عليه و آله عن يمينه الحسن ، وعن يساره الحسين ومعه کأس ، فقال : يا حسن ، اسقني فسقاه ، ثمّ قال: اسق الجماعة ، فسقاهم (3) ثمّ رأيته کأنّه قال : اسق المتّکيء علي

هذا(4) الدکان.

فقال الحسن عليه السلام: يا جدّ ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في کلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة؟ ! فأتاني النبيّ صلّی الله عليه وآله وقال: مالک عليک لعنة الله تلعن عليّاً ، وعليّ منّي ، [وتشتم عليّاً وعلي منّي] (5)؟ ورأيته کانّه تفل في وجهي وضربني برجله ، وقال: قم غيرّ الله ما بک من نعمة ، فانتبهت[ من نومي](6) فإذا رأسي رأس خنزير ، ووجهي وجه خنزير .

ثم قال لي أبو جعفر المنصور : أهذان الحديثان في يدک ؟

ص: 371


1- من الأمالي .
2- في الأمالي : أصبحت .
3- في الأمالي : فشربوا .
4- من الأمالي .
5- من الأمالي .
6- من الأمالي .

فقلت : لا.

فقال : يا سليمان ، حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق ، والله لا يحبّه إلّا مؤمن،

ولا يبغضه إلّا منافق.

قال : فقلت : الأمان ، يا أمير المؤمنين . قال : لک الأمان. فقلت : ما تقول في قاتل الحسين عليه السلام ؟ فقال : في النار ، وإلي النار .

قلت : وکذلک من يقتل ولد رسول الله صلّی الله عليه و آله في النار ، وإلي

النار.

قال : يا سليمان ، الملک عقيم ، اخرج فحدّث بما سمعت.(1)قلت : ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر ، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر،

ص: 372


1- أمالي الصدوق : 253ح 2، عنه مدينة المعاجز : 311/1 ح 196، وج 276/3 ح 894، وغاية المرام : 657ح108 ، وحلية الأبرار : 137/2 ح 1. ورواه في مناقب ابن المغازلي : 143 ح 188، ومناقب الخوارزمي: 200، وبشارة المصطفي : 170 - 175. وأورده في روضة الواعظين: 120 - 124، وفضائل شاذان : 116 - 121. وأخرجه في البحار :37 / 88ح 55 عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفي ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة. وفي ج 302/43 ، وعوالم العلوم:60/16-61 عن کشف الغمّة : 1/ 523 - 525 مختصراً. وفي مدينة المعاجز : 11/4ح 1051عن عيون المعجزات :60 - 61. وفي غاية المرام :653ح 107 عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة . وفي حلية الأبرار : 2/ 138ح 2 عن مناقب الخوارزمي.

حتي يتبع بالأذي ذرّيّته ، وقصد بالأدا(1) عترته ، فکم علويّ أضحي منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر، وأسبغ حکم وقهر ، قد أکلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلي حقويه ، وأثرّت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن کثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم

وکم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم، وکم حسينيّ انتظم في سلک الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم، سل فخّاً (2)وما حلّ بال الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، و خراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.

تري مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اکمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها، ويکشف الکروب بالعکوف بحضراتها ومبانيها.

کلّما تقادمت الأيام تجدّد فجرهم ، وکلّما تعاقبت الأعوام تعالي ذکرهم، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تتمت بجدهم الرسالة ، وعلت کلمتهم في الآفاق ، لما أقيم أبوهم وليّاً علي الإطلاق ، شد الله بزکيهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم علي برهان ربوبيّته ، وزن بعابدهم أوراد عبادته ، وبين بباقرهم وصادقهم أسرار شريعته ، وأظهر بعالمهم وکاظمهم أنوار حکمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزونة في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتباع سبيل

ص: 373


1- کذا في الأصل
2- فخّ : واد بمکّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسن يوم التروية سنة تسع وستين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته ... «مراصد الاطلاع:1019/3».

هاديهم ، وولاه منوطاً بولاء عسکريهم وزکيّهم ، وقوام الخلق بقائمهم ، وقيام الحقّ بعالمهم، صاحب الشرکة والقوّة ، وظاهر الملّة والدعوة ، حجّة الله علي بريتّه ، ومحجّته في خليقته ، والقائم بالقسط في أمّة جدّه ، والداعي إلي الحقّ بجدّه وجهده .

ذکره راحة روحي وقلبي ، ومدحه مجلي همّي وکربي ، وخياله نصب

سواد مقلتي ، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي ، أحنّ إلي رؤيته ولو في طيف المنام ، وأشتاق الي بهجته وإن بعد المرام ، أودّ لو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده ، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده ، وأن يسمني بميسم العبودية في جنبي لعزيز جنابه ، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة رکابه ، أسير بين يديّ طرفه ولو علي رأسي وطرفي ، وأستلمح أنوار بهجته من بين يدي ومن

خلفي ، وأسارع إلي أمره بقلبي وقالبي ، و أستظلّ بظلّ جواده وذلک أقصي مطالبي ، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه ، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه، قائلاً : معاشر المؤمنين ، افرجوا عن سبيل سبيل ربکم ، و تتحوا عن طريق وليّ أمرکم.

هذا علّة وجودکم ، هذا دليلکم علي معبودکم ، هذا صاحب زمانکم ، هذا ناصب أعلامکم، هذا وسيلتکم إلي ربکّم يوم حشرکم ، هذا نورکم الذي يسعي بين أيديکم ومن خلفکم حين بشرکم ، هذا الّذي وعدکم به سيد المرسلين ولا

خلف لوعده ، هذا الذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده ، هذا فرع الشجرة المبارکة ، هذا خليفة الله بلا مشارکة ، هذا علم العترة الطاهرة ، هذا مصباح الأسرة الفاخرة ، هذا شمس الشريعة النبويّة ، هذا بدر الذريّة العلويّة ، هذا ممصّر الأمصار ، هذا مدمّر الفجّار ، هذا هادم أرکان النفاق ، هذا قاطع أسباب الشقاق ، هذا الصادع بالحقّ ، هذا الناطق بالصدق ، هذا طود الحلم ، هذا

ص: 374

طلب بحر العلم ، هذا إمام الأمّة ، هذا صاحب (وَنُرِيدُ أن نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئمَِّةً»(1)، هذا الّذي لولا وجوده لصاخت الأرض بکم، ولأخذکم العذاب من فوقکم ومن تحت أرجلکم، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء.

غضّوا أبصارکم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتکم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلکم إليه، لا يقبل الله منکم صرفاً ولا عدلاً إلّا باتبّاع سبيله ، ولا يقيم لکم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.

فلا أزال أهتف بهذه الکلمات مدّة مسيري في ظلّ رکابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتي إذا التقي الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقیّضت الأجساد بثعلب رمحي شکاً شکاً، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتکاً فتکاً ، لا أوقر کبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم، ولا أغمد حسامي حتي أبيد أميرهم ومأمورهم.

الونشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلک الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءي لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولاذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جات جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدها بعالي صوتي ، ولشفيت عليک صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتي أجعلها في عرصة الجمع تذکرة لمن کان له قلب أو ألقي السمع.

ص: 375


1- سورة القصص : 5.

قصيدة للمؤلف رحمه الله في الامام المهدي عليه السلام

يا ابن من أسري به الله إلي حضرته

وبه أظهر دين الحقّ من بعثته

يا سمّي الفاتح الخاتم يانور الهدي

يا منار الحائر التائه في حيرته

يا أمان الملک الجبار في عالمه

يا أمين المصطفي المختار في أمّته

کم غياب عن عليل عظمت علّته

کم حجاب من مشوق مات من غصّته

لو تزره عائداً لو في الکري أحييته

وبثثت الروح بعد الموت في جثّته

لم يزل منک جمال في سويداء قلبه

وخيال في سواد الطرف من مقلتِه

مستمر عهده من عالم الذرّ إلي

أن يوافيکم غداً بالصدق في رجعته

نوره مذت منکم صار لا يخشي بکم

زخرفاً من باطل يوديه في ظلمتهِ

مذ خلا عمّا سواکم قلبه صار له

ذکرکم دأباًبه يأنس في خلوته

نحوکم منطقه کالدرّ في ترصيعه

ببديع يطرب الأسماع من دقّته

ص: 376

بيان من معان صرفها في مدحکم

يزدريه الجاهل الهالک في شبهته

قسما بالله ثم المصطفي أکرم من

أرسل الله وبالأطهار من عترته

انّ لي صدق يقين بولاکم لا أري

و غيره ينقذ للإنسان في لعنته

يامليکاً جعل الله له في ملکه

بسطة منها مدار الخلق في قبضته

لونهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت

ومنعت الفلک الدوّار عن دورته

کلّما فکّرت في جرمي وما أسلفته

من کبير موبق أسعفت من تبعته

قال لي حسن يقيني لک حصن مانع

ذلک المولي الّذي بالغت في مدحته

حّجة الوقت وليّ الله

في عالمه

ساطع البرهان والظاهر في حجّته

بحر علم طود حلم لا يضاهي مجده

کنز جود لا يسامي في علا رفعته

غائب عن مقلتي لکن بقلبي حاضر

لم يزل فيه خيال من سنا بهجته .

ص: 377

ما حدث لمن لعن أو شتم علي عليه السلام

يا مديد العمر صل صبا تقضّي عمره

في انتظار و اشفِهِ بالوصل من علّته

يا إلهي إن تقضّي أجلي من قبل أن

تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته

فامح عنّي موبقات ليس تحصي کثرة

واجعلنّي يوم حشر الخلق في زمرته

أقول : إنّ هذه الجملة المعترضة التي قررتها ، والأبيات المسطّرة الّتي ذکرتها ، ليست من ملازمات المجلس المذکور ، ولا من غصون المقصد المذکور، لکن لمّا صبت الصبابة شآبيبها علي قلبي ، وأضرمت الکآبة لهيبها في لبّي ، وذلک لمّا ألقي الله علي لسان الحائد عن الحق ، ونطق به الجاحد من الصدق ، وشهد بما هو حجّة عليه في الدنيا والأخري ، فصار ومن انتمي إليه تحري الله أحق وأحري ، أوحي جناني إلي لساني ، وألقي بياني علي بناني ، هذه الکلمات المحلّاة بترصيعي و تسجيعي ، والأبيات المستمعة بمعاني بياني و بديعي ، فصارت کالعقد في صدر الخريدة ، أو العهد في صدر الجريدة.

ولنرجع إلي تمام المجلس الموعود ، والله المستعان علي کلّ جبّار کنود.

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : کان إبراهيم بن هاشم المخزومي واليا علي المدينة ، وکان يجمعنا کلّ يوم جمعة قريبا من المنبر ويشتم عليّاً عليه السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، فرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، ألا يحزنک ما يقول هذا ؟

قلت : بلي ، والله .

ص: 378

قال : افتح عينيک انظر ما يصنع الله به ، وإذا هو قد ذکر عليّاً فرمي به من

فوق المنبر فمات(1)

عثمان بن عفّان السجستاني :[ إنّ محمد بن عبّاد](2) قال : کان في جواري رجل صالح ، فرأي النبي صلّی الله عليه و آله في منامه علي شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الأمة ، فاستسقيت فأبيا علئَّ ، فأتيت النبي صلّی الله عليه و آله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإن في جوارک رجل يلعن عليّاً فلم تنهه ، ثم ناولني سکّيناً ، وقال : اذهب فاذبحه.

قال : فخرجت فذبحته ودفعت السکّين إليه ، فقال : يا حسين ، اسقه، فسقاني ، فأخذت الکأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا، فانتبهت فإذا بولولة ويقولون : فلان ذبح علي فراشه ، وأخذ الشرطة الجيران ، فقمت إلي الأمير ، فقلت: أصلحک الله أنا فعلت به هذا والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : اذهب جزاک الله خيرا .(3)

عبد الله بن السائب وکثير بن الصلت ، قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الکوفة في مسجد الرحبة ليحملهم علي ست أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل أهدب (4)، قد سدّ مابين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟

ص: 379


1- مناقب ابن شهراشسوب : 245/2 ، عنه البحار : 320/39، ومدينة المعاجز : 285/2 ح 554.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 345، عنه البحار : 39/ 320.وأخرجه في مدينة المعاجز :286/2 ح 555عن مناقب ابن شهرآشوب والثاقب في المناقب : 239ح 202.
4- الأهدل : المسترخي الشفة السفلي الغليظها . والأهدب : طويل شعر الأجفان .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله بما يلقاه أمير المؤمنين عليه السلام من بعده

قال : أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلي زياد، فانتبهت فزعاً فسمعت

الواعية ، وأنشأت أقول قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

بحملهم (1)حين أدّاهم إلي الرحبة

يدعو علي ناصر الإسلام حين يري

الله علي المشرکين الطول والغلبة

ماکان منتهياً عمّا أراد به(2)

ح تي تناوله النقّاد ذو الرقبة

فأسقط الشقّ منه ضربة عجباً

کما تناول ظلماً صاحب الرحبة (3)-(4)ولمّا أتمّ الله سبحانه به دينه ، وأثبت في صحائف الاخلاص يقينه ، قاتل علي تأويل القرآن کما قاتل علي تنزيله ، وشدّ أرکان الإيمان بواضح دليله، ومهّد سبيل الإسلام براسخ علمه ، وبيّن طريق الأحکام بصائب حکمه ، وأبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته ، وأدحض حجّة أولي الغيّ بصائب حکمته، وأحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله : لتقاتلنّ بعدي الناکثين والقاسطين

ص: 380


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بحمله .
2- في الأمالي : بنا.
3- المراد من «صاحب الرحبة» أمير المؤمنين عليه السلام.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 345/2، عنه البحار : 321/39 . ورواه في أمالي الطوسي : 1/ 238 (مختصراً) ، عنه البحار : 314/39 ح 10.وفي ج 2/ 232، عنه البحار :6/42ح 6.وأخرجه في مدينة المعاجز : 262/2 ح 542، عن الأمالي - الرواية الثانية - والمناقب .

والمارقين.(1)

روي الحسن وقتادة أنّ الله أکرم نبيّه صلّی الله عليه وآله بأن لم يره تلک النقمة ، ولم ير في أمّته إلّا ما قرّت به عينه ، وکان بعده صلّی الله عليه و آله نقمة شديدة .

وقد روي أنّه صلّی الله عليه و آله أُري ما تلقي أمّته من بعده ، فما زال

منقبضاً ولم ينبسط ضاحکاً حتي لقي الله تعالي.

وروي جابر بن عبدالله الأنصاري [قال] (2) : إنّي لأدناهم من رسول الله صلّی الله عليه و آله في حجّة الوداع بمني حين(3) قال : لألفينّکم ترجعون بعدي کفاراً يضرب بعضکم رقاب بعض ، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّني في الکتيبة التي تقاتلکم (4)، ثمّ التفت إلي خلفه فقال : أو عليّ أو عليّ - ثلاث مرّات - فرأينا ان جبرئيل غمزه(5)، فأنزل الله علي أثر ذلک (فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِکَ فَإنَّا مِنهُم مُنتَقُونَ)(6) بعليّ بن أبي طالب عليه السلام(7)

ص: 381


1- حديث مشهور روي من طريق الخاصة والعامة ، انظر الأحاديث الغيبية : 72/1-80ح 35-38 ففيه جملة وافرة من المصادر .
2- من المجمع.
3- في المجمع : حتي .
4- في المجمع : تضاربکم.
5- انظر في هذا المعني : أمالي المفيد : 112 ح 4، عنه البحار : 304/32 ح268.وأمالي الطوسي: 75/2 ، عنه إثبات الهداة : 309/1 ح 239.ومناقب ابن شهرآشوب : 219/3.وتأويسل الآيات : 559/2ج 18، عنه البحار : 22 / 313ح 279 ، والبرهان : 144/4ح4.
6- سورة الزخرف: 41.
7- مجمع البيان : 49/5 ، عنه البحار :150/9وج290/32 ح 242 وماتبله . وج23/36 ذح 6.

لولا أمير المؤمنين عليه السلام ما علم حکم أهل البغي

وقال الشافعي کلاماً معناه : إنّما علم الناس قتال أهل البغي من عليّ عليه

السلام. (1)

وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب ما علمنا حکم أهل البغي، ولمحمد بن الحسن کتاب يشتمل علي ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناها علي فعله صلوات الله عليه ، والأصل في قتال أهل البغي قوله سبحانه :

(وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأصِلحُوا بَينَهُمَا فَإنَ بَغَت إحدَاهُمَا عَلَی الأخرَي فَقَاتِلُوا الَّتي تَبغِي ... ) (2) فإذا بغت طائفة من أهل الاسلام علي آخري وقلنا بوجوب قتالهم للأمر ، فقتال الطائفة الخارجة علي إمام الحقّ أولي ، وقد قاتل أمير المؤمنين عليه السلام الناکثين والقاسطين والمارقين وهم أهل البصرة وعائشة وطلحة والزبير وعبدالله بن الزبير وغيرهم وهم الناکثون الذين نکثوا بيعته ، وقاتل أهل الشام معاوية ومن تابعه وهم القاسطون أي الحائرون ؛ وقيل : أهل النهروان وهم الخوارج ، وهؤلاء جميعهم عندنا کفّار محکوم بکفرهم، لأن الإمامة عندنا من شرائط الإيمان کما انّ التوحيد والعدل والنبوة من أرکانه وشروطه ولا يستحق الثواب الدائم إلا به ، ولقول النبيّ صلّی الله عليه و آله : «يا عليّ ، حربک حربي ، وسلمک سلمي»(3) وهذا الحديث لم يختلف أحد من أهل الاسلام فيه ، وقد رواه أهل الخلاف في صحاحهم.(4)

ص: 382


1- کنز العرفان للمقداد السيوري :386.ونقل عن أبي حنيفة قوله : لولا سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في أهل البغي ماکنا نعرف أحکامهم. «شرح الأصول الخمسة : 141».
2- سورة الحجرات : 9.
3- الإفصاح : 128، تلخيص الشافي : 2/134 - 135 ، مناقب ابن المغازلي : 50 مناقب ابن شهرآشوب : 217/3 ، مناقب الخوارزمي : 129، شرح المقاصد : 308/5 لسان الميزان : 2/ 438.
4- رووه بهذا اللفظ : يا عليّ ، أنا حرب لمن حاربک ، وسلم لمن سالمک .انظر : مسند أحمد: 442/2 ، سنن ابن ماجة :52/1 ، سنن الترمذي : 656/5 ،المستدرک علي الصحيحين : 149/3، تاريخ بغداد : 137/7 ، مناقب ابن المغازلي :64 ، أسد الغابة :11/3 ، ذخائر العقبي :25 ، الإحسان : 61/9 ، مجمع الزوائد : 169/9.

بدء فتنة عائشة ومضيها إلي مکة، واستئذان طلحة والزبير من أمير

المؤمنين عليه السلام في المضي إلي مکة

وقال رسول الله صلّي الله عليه و آله : ما سمع واعيتنا أهل البيت أحد فلم

يجبنا إلّا أکتبه الله علي منخريه في النار (1)-(2)

وکانت عائشة لمّا اجتمع الناس لقتل عثمان من أعظم المحرّضين عليه، کانت تقول : اقتلوا نعثلاً(3) قتل الله نعثلاً. وکانت تقول : هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنّته، وترکته في الفتنة ومضت إلي مکّة ، وکانت تؤلّب عليه وتقول : لا يصلح للخلافة إلّا ذو الاصبع - يعني طلحة - .(4)

ولمّا سمعت بقتله أقبلت من مکّة قاصدة المدينة ، وفي کلّ منزل تثني علي طلحة وترجو أن يکون الأمر له، فلمّا وصلت إلي مکان في طريق مکة يقال له «سرف» وسمعت ببيعة علي عليه السلام قالت : ردّوني ، وأنصرفت راجعة إلي مکّة تنتظر الأمر ، وجعلت تؤلّب علي علي عليه السلام ، وکاتبت طلحة والزبير وعبدالله بن عامر بن کريز، فلحقوا بها بعد أن طلبوا من أمير

ص: 383


1- قال المجلسي رحمه الله : لعلّ المراد أن مع سماع الواعية وترک النصرة العذاب أشد ، وإلّا فالظاهر وجوب نصرتهم علي أيّ حال.
2- روي الصدوق في الأمالي : 118ح 6 قول الحسين عليه السلام : فوالذي نفس الحسين بيده لا يسمع اليوم وأعيتنا أحد فلا يعيننا إلا أکسبه الله لوجهه في جهنم . عنه البحار : 256/44ح 4، ومدينة المعاجز : 171/2 ح 473، وعوالم العلوم : 147/17ح 3.
3- قال ابن الأثير في النهاية : 5/ 80: النَعثَل : الشيخ الأحمق . ومنه حديث عائشة: «اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلا ً» تعني عثمان . وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط : 59/4 : النَعثَل : الذَکَر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، و يهودي کان بالمدينة ، ورجل لخياني کان يُشبَّه به عثمان.
4- انظر : کشف الغمة : 238/1- 239 ، و نهج الحقّ وکشف الصدق : 368-369.

خروج عائشة إلي البصرة

المؤمنين عليه السلام الأذن في المضي إلي مکّة.

فقال لهم : ما تريدون بعضکم إلي مکّة ، وليس موسم حجّ؟ فقالوا: نريد العمرة.

فقال عليه السلام : والله ما تريدون إلّا الغدرة، ثمّ أذن لهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق ، فأدرکوا عائشة بمکّة ، وعزموا علي قتال أمير المؤمنين ، ونکثوا بيعته ، وأرادوا عبدالله بن عمر علي البيعة، فقال: تريدون أن تلقوني في مخالب عليّ وأنيابه، لا حاجة لي بذلک.

ثمّ أدرکهم يعلي بن منية من اليمن(1) وأقرضهم ستّين ألف دينار ، وأرسلت عائشة إلي أمّ سلمة تلتمس منها الخروج معها فأبت ، وأتاحفصة فأجابت، وصوّبت رأيها ، ثمّ خرجت عائشة في النفر الأول عامدة إلي البصرة لکثرة ما بها من أهل النفاق وشيعة بني أميّة ، حتي إذا کانت بالحوأب وهو ماء علي طريق البصرة من مکّة، صاحت کلابه عليها ، فقالت : ما هذا الماء ؟

فقيل : اسمه الحوأب.

فقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وکانت قد سمعت من رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول لنسائه : أيّتکنّ صاحبة الجمل الأدبّ(2)تنبحها کلاب الحوأب ؟(3)

ص: 384


1- في البحار : قادماً من اليمن .
2- جَمَلَ أدَبَّ : کثير الوبر. «المحيط في اللغة : 267/9 - دب -» .
3- انظر : المصنف لعبد الرزاق : 365/11 ح 20753، المعيار والموازنة : 28 ، الفتن النعيم بن حماد : 1/ 83 ح 188 و ص84ح 189 ، المصنّف لابن أبي شيبة : 259/15 - 260ح19617، مسند إسحاق بن راهويه : 891/3-892ح 1569. ومن أراد المزيد من مصادر هذا الحديث فليرجع إلي الأحاديث الغيبية : 1/135 ح 78.

خروج أمير المؤمنين عليه السلام من المدينة إلي الربذة، ومنها إلي

ذي قار، وکتابه إلي أهل الکوفة

وروي الأعثم في الفتوح(1) وشير ويه في الفردوس ، وابن مردويه في فضائل علي ، والموقق في الأربعين ، وشعبة والشعبي أنّ عائشة لمّا سمعت نباح الکلاب قالت : أي ماء هذا؟

فقالوا : الحوأب.

قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، إنّي نهيت ، قد سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله وعنده نساؤه [يقول] (2) : ليت شعري أيّتکنّ صاحبة الجمل الأدب [تخرج] وتنبحها کلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها ويسارها قتلي کثيرة ،

و تنجو بعد ما کادت تقتل ؟

ثمّ لم تعتبر بما رأت وسمعت من رسول الله صلّی الله عليه و آله لشدّة حنقها وعداوتها لأمير المؤمنين عليه السلام حتي قصدت البصرة بخيلها ورجلها.

فلمّا نزلت الخريبة خارج البصرة قصدهم عثمان بن حنيف رضي الله عنه . وکان والياً علي البصرة من قبل أمير المؤمنين - فحاربهم حرباً شديداً ، وسمّي ذلک اليوم (3)يوم الجمل الأول» وأصدعهم المصاع، ومنعهم من دخولها أشدّ المنع، وعلموا أنّه لا طاقة لهم به ، ثم کتب إلي أمير المؤمنين يخبره الخبر ، ثمّ بعد ذلک دعوا عثماناً إلي الصلح علي أن يکون علي حاله في يده بيت المال والامرة والجمعة والجماعة والمسجد الجامع ، ويقيموا علي حالهم في الخريبة حتي يجمع الناس علي أمر فيه صلاح المسلمين ، وإلي أن يصل إليهم أمير

ص: 385


1- الفتوح: 2/ 460.
2- من المناقب .
3- من المناقب .

المؤمنين عليه السلام.

فقال طلحة لأصحابه في السرّ: والله لئن قدم عليّ البصرة لنؤخذنّ بأعناقنا، وحثّهم علي بيات عثمان و نقض عهده ، فأجابوه وقصدوا عثمان في ليلة مظلمة وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة، وقتلوا من شرطه خمسين رجلا ً، واستأسروه، ونتفوا شعر لحيته ، وحلقوا رأسه ، وحبسوه.

وکان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولّي علي المدينة أخاه سهل بن حنيف ، فلمّا بلغه الخبر کتب إلي عائشة : أعطي الله عهداً لئن لم تخلوا سبيله الأبلغ من أقرب الناس إليکم ، فأطلقوه . وبعثت عائشة إلي الأحنف بن قيس تدعوه ، فأبي واعتزل في الجَلحاء علي فرسخين من البصرة في ستّة آلاف رجل ، ثمّ بعث طلحة والزبير عبدالله بن الزبير في جماعة إلي بيت المال فقتل أبا سالمة الزطي وکان علي بيت المال ؛ وقيل : معه خمسين رجلاً من أصحابه.

وخرج أمير المؤمنين عليه السلام في ستّة آلاف رجل من المدينة ونزل بالربذة، ومنها إلي ذي قار بالقرب من الکوفة ، وأرسل الحسن وعمّار إلي الکوفة وکتب معهم :

من عبدالله ووليّه علي أمير المؤمنين إلي أهل الکوفة حمية (1) الأنصار وسام العرب ، ثمّ ذکر ماتّم علي عثمان وفعل طلحة و الزبير وعائشة (2)، ثم قال: ألا إن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها ، وجاشت جيش المرجل، وقامت الفتنة علي القطب ، فأسرعوا إلي أميرکم ، وبادروا عدوّکم.

فلمّا بلغا الکوفة قال أبو موسي الأشعري: يا أهل الکوفة ، اتّقوا الله ولا

ص: 386


1- في المناقب : جبهة .
2- من المناقب .

تقتلوا أنفسکم ، إن الله کان بکم رحيماً (وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمَّداً) (1) الآية وجعل يثبّط الناس ، وکان رأسا من رؤساء المنافقين لأمير المؤمنين عليه السلام، وکانت عائشة قد أرسلته أن يثبط الناس عن علي عليه السلام، فسکّته عمار.

فقال أبو موسي : هذا کتاب عائشة تأمرني أن أثبّط الناس من أهل

الکوفة ، وأن لا يکونّن لنا ولا علينا ليصل إليهم صلاحهم.

فقال عمّار : إن الله تعالي أمرها بالجلوس فقامت، وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس!! فقام زيد بن صوحان ومالک الأشتر في أصحابهما وتهددوه ، فلما أصبحوا قام زيد بن صوحان وقرأ: (المَ أحَسِبَ النَّاسُ أن يُترَکُوا أن يَقولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ)(2) الآيات.

ثمّ قال : أيها الناس ، سيروا إلي أمير المؤمنين ، وانفروا إليه أجمعين ،

تصيبوا الحقّ راشدين.

ثمّ قال عمّار : هذا ابن عمّ رسول الله يستنفرکم فأطيعوه - في کلام له ..

وقال الحسن بن علي عليهما السلام: أجيبوا دعوتنا، وأعينونا علي ما

بلينا به - في کلام له -، فخرج قعقاع بن عمرو ، و هند بن عمرو ، وهيثم بن شهاب ، وزيد بن صوحان ، والمسيّب بن نجبة ، و يزيد بن قيس ، وحجر بن عديّ ، وابن مخدوج ، والأشتر ، يوم الثالث في تسعة آلاف ، فاستقبلهم أمير المؤمنين علي فرسخ، وقال: مرحباً بکم أهل الکوفة سنام العرب ، وفئة الإسلام ، و مرکز الدين - في کلام له - وخرج إلي أمير المؤمنين من شيعته من أهل البصرة من

ص: 387


1- سورة النساء : 93.
2- سورة العنکبوت : 1 و 2.

کتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلي طلحة والزبير ، وکتابه إلي عائشة

ربيعة ثلاثة آلاف رجل ، وبعث الأحنف إلي أمير المؤمنين: إن شئت جئتک في مائتي فارس فکنت معک ، وإن شئت اعتزلت ببني سعد وکففت عنک ستّة آلاف سيف ، فاختار أمير المؤمنين اعتزاله.

ثمّ کتب أمير المؤمنين إلي طلحة والزبير : أمّا بعد :

فإنّي لم أرد الناس حتي أرادوني ، ولم أُبايعهم حتي أکرهوني ، وأنتما ممّن أراد بيعتي ، ثمّ قال عليه السلام بعد کلام: ودفعکما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه کان أوسع لکما من خروجکما منه بعد إقرارکما.

البلاذري : قال : لمّا بلغ أمير المؤمنين قولهما: ما بايعناه إلا مکرهين

تحت السيف ، قال : أبعدهما الله إلي أقصي دار وأحرّ نار.

وکتب أمير المؤمنين عليه السلام إلي عائشة : أمّا بعد:

فإنّک خرجت من بيتک عاصية لله تعالي ولرسوله محمد صلّی الله عليه و آله تطلبين أمرأ کان عنک موضوعاً ، ثمّ تزعمين أنک تريدين الاصلاح بين المسلمين ، فخبريني ما للنساء وقود العساکر والاصلاح بين الناس ؟ وطلبت کما زعمت بدم عثمان ، وعثمان رجل من بني أميّة ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة ، ولعمري إنّ الّذي عرّضک للبلاء ، وحملک علي العصبّية، لأعظم إليک ذنباً من قتلة عثمان ، وما غضبت حتي أغضبت ، ولا هجت حتي هيّجت ، فاتّقي الله - يا عائشة - وارجعي إلي منزلک ، واسبلي عليک سترک.

فقال طلحة والزبير: احکم کما تريد، فلن ندخل في طاعتک.

ص: 388

أبيات لحبيب بن يساف الأنصاري، وإرسال أمير المؤمنين عليه السلام

زيد بن صوحان وابن عباس إلي عائشة فوعظاها و خوفاها

وقالت عائشة: لقد جلّ الأمر عن الخطاب ، وأنشأ حبيب بن يساف

الأنصاري: أبا حسن أيقظت من کان نائماً

وما کلّ من يدعو(1) إلي الحق يتبع

وإنّ رجالاً بايعوک وخالفوا

و هواک وأجروا في الضلال وضيّعوا(2)

وطلحة فيها والزبير قرينة

وليس لمالايدفع الله مدفعُ

وذکرهم قتل ابن عفّان خدعة

هم قتلوه والمخادع يخدع تاريخ الطبري والبلاذري أنّه ذکر مجيء طلحة والزبير عندالحسن البصري،

فقال : يا سبحان الله ! ما کان للقوم عقول أنّ يقولوا ، والله ما قتله غيرکم.

تاريخ الطبري : قال يونس النحوي: فکّرت في أمر عليّ وطلحة والزبير إن کانا صادقين أنّ عليّاً عليه السلام قتل عثمان، فعثمان هالک، وإن کذبا عليه فهما هالکان.

ثمّ أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام زيد بن صوحان وابن عبّاس فوعظاها

وخوّفاها.

فأجابتهم: لا طاقة لي بحجج عليّ.

ص: 389


1- في المناقب : وما کان من يدعي .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأوضعوا

فقال ابن عبّاس: لا طاقة لک بحجج المخلوق ، فکيف طاقتک بحجج

الخالق ؟(1)

ولمّا رأي أمير المؤمنين انّ الشيطان قد أستحوذ ، وانّ الآيات والنذر لا تغني عنهم ، زحف عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين ، وعلي ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس ، وعلي ميسرته عمّار بن ياسر و شريح بن هانيء، وعلي القلب محمد بن أبي بکر وعدي بن حاتم، وعلي الجناح زياد بن کعب و حجر بن عديّ ، وعلي الکمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير ، وعلي الرجّالة أبو قتادة الأنصاري، وأعطي رايته محمد بن الحنفية، ثمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلي صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ، ويقول لعائشة: إن الله أمرک أنّ تقرّي في بيتک ، فاتّقي الله وارجعي، ويقول لطلحة والزبير: خبأتما نساء کما وأبرزتما زوجة رسول الله صلي الله عليه وآله واستغررتماها (2)

فيقولان: إنّما جئنا للطلب بدم عثمان ، وأن نرد الأمر شوري .

وألبست عائشة درعاً ، وضربت علي هودجها صفائح الحديد ، وألبس الهودج أيضاً درعاً، وکان الهودج يومئذ عند لواء أهل البصرة (3) وهو علي جمل يدعي عسکرا.(4)

ابن مردويه في کتاب الفضائل : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للزبير: أما تذکر يوماً کنت مقبلاً بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول الله صلّی الله عليه

ص: 390


1- مناقب ابن شهرآشوب : 149/3 -153، عنه البحار : 117/32 ح 94.
2- في المناقب : واستفززتماها
3- في المناقب : وکان الهودج لواء أهل البصرة .
4- إلي هنا رواه في أنساب الأشراف : 239/2 .

و آله فرآک معي وأنت تتبسّم إلي ، فقال : يا زبير ، أتحبّ عليّاً ؟

فقلت : وکيف لا أحبّه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما ليس

الغيره ؟!

فقال : إنّک ستقاتله وأنت ظالم له . فقلتَ: أعوذ بالله من ذلک . فقال: اللّهم نعم. فقال: أجئت تقاتلني ؟ فقال: أعوذ بالله من ذلک .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دع هذا ، بايعتني طائعاً، ثم جئت

محارباً ، فما عدا ممّا بدا ؟!

فقال: لا جرم والله لا قاتلتک . قال: فلقيه عبدالله ابنه ، فقال: جُبناً جُبناً.

فقال: يا بنيّ ، قد علم الناس أنّي لست بجبان، ولکن ذکّرني عليّ شيئاً

سمعته من رسول الله صلّی الله عليه وآله فحلفت [أن](1)لا أقاتله.

فقال : دونک غلامک فلان فأعتقه کفّارة عن يمينک.

فقالت عائشة: لا والله ، [بل] (2) خفت سيوف ابن أبي طالب ، فإنّها طوال حداد ، تحملها سواعد أنجا(3)، ولئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلک ، فرجع

ص: 391


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : أمجاد . ورجل نَجدُ : شجاع ماض فيما يعجز عنه غيره ؛ وقيل : هو الشديد البأس ؛ وقيل : هو السريع الإجابة إلي ما دعي إليه . «لسان العرب : 417/3.

إلي القتال.

فقيل لأمير المؤمنين: إنّه قد رجع. فقال : دعوه ، فإن الشيخ محمول عليه.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس ، غضّوا أبصارکم ، وعضّوا علي نواجذکم ، وأکثروا من ذکر ربّکم ، وإيّاکم وکثرة الکلام فإنّه فشل.

ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفّين ، [فقالت :](1) انظروا إليه فإنّه

يفعل کفعل رسول الله صلّی الله عليه وآله يوم بدر.

فقال أمير المؤمنين : يا عائشة ، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين.

فجدّ الناس في القتال، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اللّهمّ أعذرت وأنذرت ، فکن لي عليهم من الشاهدين ، ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم (وَ إن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا)(2) الآية.

فقال مسلم المجاشعي : ها أنذا يا أمير المؤمنين ، فخوّفه أمير المؤمنين

بقطع يمينه وشماله وقتله.

فقال : لا عليک يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات الله ، فأخذوه وهو يدعوهم إلي الله فقطعوا(3)يده اليمني ، فأخذ المصحف بيده اليسري فقطعت ، فأخذه بأسنانه فقتل رضي الله عنه ، فقالت أمّه:

- نجد» .

ص: 392


1- من المناقب .
2- سورة الحجرات : 9.
3- في المناقب : فأخذه ودعاهم إلي الله فقطعت .

بروز محمد بن الحنفية للقتال

ياربّ إنّ مسلماً أتاهم بمحکم التنزيل إذ دعاهم يتلو کتاب الله لا يخشاهم فرمّلوه رمّلت لحاهم

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الآن طاب الضراب ، ثمّ قال لابنه محمد بن الحنفيّة والراية في يده : يا بنيّ ، تزول الجبال ولا تزول ، عضّ علي ناجذک ، أعر الله جمجمتک ، تد في الأرض قدميک، ارم ببصرک أقصي القوم وغضّ بصرک ، واعلم أن النصر من عند الله (1) ، ثمّ صبر سويعة ، فصاح الناس من کلّ جانب من وقع النبال.

فقال أمير المؤمنين: تقدّم يا بنيّ ، وقال : اطعن بها طعن أبيک تحمد لا خير في حرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا [المسدّد والضرب بالخطّي] ،(2) والمهنّد.(3)

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفع الراية إلي ابنه محمد يوم

الجمل وقال: تزول الجبال ولا تزول - الکلام المتقدّم -، ثمّ قال: احمل ، فتوقّف محمد قليلاً ، فقال أمير المؤمنين: احمل.

فقال: يا أمير المؤمنين ، أما تري السهام کأنّها شآبيب المطر؟

فدفع أمير المؤمنين في صدره وقال: أدرکک عرق من أمّک ، ثمّ أخذ عليه السلام الراية منه وهزّها وأنشد الأبيات المتقدمة، ثمّ حمل عليه السلام، وحمل الناس خلفه ، ففرّق عسکر البصرة کما تتفرق الغنم من سطوة الذئب ، ثمّ رجع

ص: 393


1- نهج البلاغة : 55خطبة رقم 11، عنه البحار : 195/32ح 144، وج 39/100 ح.41.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 3/153 -155، عنه البحار : 32/ 172ح 132.

أبيات لخزيمة بن ثابت

عليه السلام ودفع الراية إلي محمد ، وقال له : امح الأولي بالأخري وهؤلاء الأنصار معک ، وضمَّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من البدرييّن، فحمل حملات منکرة ، وأبلي بلاء حسناً ، وقتل خلقاً کثيراً، وصيّر عسکر الجمل کر ماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، ورجع إلي أمير المؤمنين.

فقال خزيمة بن ثابت: أمّا إنه لو کان غير محمد لافتضح.

وقال الأنصار: لولا ما نعلم من جعل الإمامة للحسن والحسين لما قدّمنا

علي محمد أحداً.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أين النجم من الشمس والقمر؟ أين نفع

ابني من ابن رسول الله صلي الله عليه و آله ؟

وأنشأ خزيمة بن ثابت رضي الله عنه يقول :

محمّد مافي عودک اليوم وضمة

ولا کنت في الحرب الضروس معرّدا(1)

أبوک الذي لم يرکب الخيل مثله

عليّ وسمّاک النبيّ محمّدا

وأنت ب حمد الله أطول هاشم

لساناً وأنداها بما ملکت يدا

سوي أخويک السيّدين کلاهما

إمام الوري والداعيان إلي الهدي

ص: 394


1- التعريد : الفرار ؛ وقيل : سرعة الذهاب في الهزيمة . «لسان العرب :288/3 -غرد

قيل لمحمد بن الحنفية: لِمَ کان أبوک يغرر بک في الحرب ولم يغرر

بالحسن والحسين ؟

قال: لأنّهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه (1)

وروي أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر الأشتر أن يحمل ، فحمل وقتل هلال بن وکيع صاحب ميمنة الجمل ، وکان زيد بن صوحان يحمل ويقول :

ديني ديني وبيعتي بيعتي.(2)

وجعل مخنف بن سليم (3)يقول : قد عشت يا نفس وقد غنيت دهراً وقبل اليوم ما عييت وبعد ذا لا شک قد فنيت أمامللت طول ما حييت

فخرج عبدالله بن اليثربي يقول : يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن ذاک الّذي يعرف حقّاً بالفتن

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً:

ص: 395


1- أورده في شرح نهج البلاغة : 244/1 باختلاف يسير ، عنه البحار : 99/42. وفي ذوب النضار لابن نما - بتحقيقنا: 55. وأورده في کشف الغمة : 2/ 25 بهذا اللفظ : قيل لمحمد بن الحنفية رحمه الله : أبوک يسمح بک في الحرب ويشحّ بالحسن والحسين عليهما السلام !! فقال : هما عيناه وأنا يده ، والانسان يقي عينيه بيده. وقال مرة أخري - وقد قيل له ذلک -: أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلي الله عليه وآله . عنه البحار : 96/42 ح 27.
2- في المناقب : وبيعي بيعي
3- کذا في البحار ، وفي الأصل والمناقب : مسلم. وهو مخنف بن سليم الأزدي ، ابن خالة عائشة . راجع رجال الطوسي : 58 رقم 12.

إن کنت تبغي أن تري أبا الحسن فاليوم تلقاه مليّاً فاعلمن

وضربه ضربة فقتله.

فخرج بنو ضبّة وجعل بعضهم يقول : نحن بنو ضبة أعداء عليّ ذاک الذي يعرف فيهم بالوصيّ

وقال آخر منهم: نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل والموت أحلي عندنا من العسل ردّوا علينا شيخنا بمرتحل إنَّ عليّاً بعد من شرّ النذل

وقيل: إنّ ابن اليثربي عمرو - أخوه عبدالله المذکور - يقول : إن تنکروني فأنا ابن اليثربي قاتل علباء ثم هند الجملي

ثمّ (1)ابن صوحان علي دين عليّ

فبرز إليه عمّار رضي الله عنه قائلاً: لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي اثبت أقاتلک، علي دين عليّ

فأرداه عمار عن فرسه وجر برجله إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقتله

بيده.

فخرج أخوه أيضاً قائلاً أضربکم ولو أري عليا ع ممته أبيض مشرفيّا وأسمراً عنطنطاً خطيّا(2) أبکي عليه الولد والوليا

ص: 396


1- في المناقب : يوم.
2- الأسمر : الرمح . وعنطنط : الطويل . والخَطُّ : مرفاً السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح .

فخرج إليه أمير المؤمنين عليه السلام متنکّراً وهو يقول: يا طالباً في حربه عليّا يمنحه(1) أبيض مشرفيّا اثبت لتلقاه(2)بها مليّا مهذّباً سميدعاً،(3) کمیّا

فضربه فرمي بنصف رأسه ، قنادي عبدالله بن خلف الخزاعي صاحب

منزل عائشة بالبصرة لعليّ: أتبارزني؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما أکره ذلک ، ولکن ويحک يا ابن

خلف ما راحتک في القتل وقد علمت من أنا ؟

فقال : ذرني من بذخک يا ابن أبي طالب ، ثمّ قال: إن تدن منّي ياعليّ فترا فإنّني دان إليک ش برا بصارم يسقيک کأساً مرّا إنّ في صدري عليک وترا

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً يا ذا الّذي تطلب منّي الوترا إن کنت تبغي أن تزور القبرا حقّاً وتّصلي بعد ذاک جمرا فادن تجدني أسداً، هزبرا

أذيقک (4)اليوم ذعافاً صبرا فضربه أمير المؤمنين عليه السلام فطيّر جمجمته .

ص: 397


1- في المناقب : يمنعه
2- في المناقب : ستلقاه .
3- السميدع : السيد الشريف السخي والشجاع.
4- في المناقب : اصطک. واصحطه : أي أدخله في أنفه . والذعاف : السم الذي يقتل من ساعته

مصرع طلحة ، وأبيات للسيد الحميري

فخرج مازن الضبي قائلاً: لا تطمعوا في جمعنا المکلّل الموت دون الجملّل المجل

فبرز إليه عبدالله بن نهشل قائلاً: إن تنکروني فأنا ابن نهشل فارس هيجاء وخطب فيصل

فقتله. وکان طلحة يحثّ الناس ويقول: عباد الله ، الصبر الصبر - في کلام له ..(1)

قال (2): وکان مروان بالقرب منه ، فقال: والله لا أطلب أثراً بعد عين، ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبداً ، فرمي طلحة بسهم فأصاب رکبته ، والتفت إلي أبان بن عثمان ، وقال: لقد کفيتک أحد قتلة أبيک.

وفي ذلک يقول السيّد الحميري من جملة قصيدته : واغتر طلحة عند مختلف القنا

عبل الذراع شديد عظم(3) المنکب

فاختل حبّة قلبه بمدلق

ريان من دم جوفه المتصبّب

في مارقين من الجماعة فارقوا

دين الهدي وحيا (4) الربيع المخصب

ص: 398


1- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 155 - 157، عنه البحار :175/32 - 177.
2- نقله ابن شهرآشوب عن البلاذري في أنساب الأشراف: 29/2 .
3- في المناقب : أصل.
4- في المناقب : باب الهدي وجباء والجباء: الحوض.

وکانت بنو ضّبة مکتنفي الجمل ، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فکانوا کرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، وکان کلّ من استقبل قبض علي زمام الجمل ، وانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز فقتله ، وأتي برأسه إلي أمير المؤمنين عليه السلام .. القصّة.

فقالوا العامّة: قتل طلحة والزبير وخرج عبدالله بن عامر ، وقال: يا

عائشة ، صافحي عليّاً علي يدي(1)

فقالت : کبر(2)عمرو عن الطوق ، وجل أمر عن العتاب ، ثمّ تقدمت .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتي قطع أيدي ثمانية وتسعين رجلا، ثم تقدّمهم کعب بن سور الأزدي - وکان قاضياً علي البصرة - وهو يقول :

يا معشر الناس عليکم أمّکم فإنّها صلاتکم وصومکم والحرمة العظمي التي تعمّکم لا تفضحوا اليوم فداکم قومکم

فقتله الأشتر.

فخرج وائل بن کثير باکياً مرتجزاً: ياربّ فارحم سيّد القبائل کعب بن سور غرّة الأوائل

ص: 399


1- في المناقب : فقالوا : يا عائشة ، قتل طلحة والزبير وجرح عبدالله بن عامر من يدي علي ، فصالحي عليّاً .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : شب. قال في القاموس المحيط : 259/3 - طوق -: «کَبِرَ عمروُ عَن الطَّوقِ» يضرب لمُلابس ما هو دون قدره ، وهو عمرو بن عديّ....

فقتله الأشتر أيضاً.

فخرج ابن جبير الأسدي(1) يقول: قد وقع الأمر بما لا يحذر والنبل يأخذن وراء العسکر

وأنا في خدرها المشهر

فبرز إليه الأشتر قائلاً اسمع ولا تعجل جواب الأشتر واقرب تلاقي کأس موت أحمر

ينسيک ذکر الهودج(2) المشهر فقتله ، ثمّ قتل عمير الغنوي وعبدالله بن عتاب بن أسيد ، ثمّ جال في

الميدان جولاً وهو يقول:

و نحن بنو الموت به غذينا فخرج إليه عبدالله بن الزبير فطعنه الأشتر فأرداه ، وجلس علي صدره اليقتله، فصاح عبدالله: اقتلوني ومالکاً، واقتلوا مالکاً معي ، وقصدوه(3) من کل

جانب فخلّاه ورکب فرسه ، فلمّا رأوه راکباً تفرّقوا عنه ؛ وقيل : إنّه فر من تحت

الأشتر وفي ذلک يقول :

أعايش لولا أنني کنتُ طاوياً ثلاثاً(4) لألفيت ابن أختک هالِکاً

ص: 400


1- في المناقب : ابن جفير الأزدي
2- في المناقب : الجمل
3- في المناقب : فقصد إليه.
4- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 63/1 - 64: وکان الأشتر طاوياً - أي جائعاً - ثلاثة أيّام لم يطعم ، وهذه عادته في الحرب.

غَداةَ یُنادي والرماحُ تنوشُه وسمر العوالي اقتلوني ومالکاً فنجّاه منّي سبعة وشبابه وإنّي شيخ لم أکن متماسکاً

وشدّ رجل من الأزد علي محمد بن الحنفية وقال : يا معشر الأزد ، کرّوا۔ فضربه محمد بن الحنفيّة ، فقطع يده ، وقال : يا معشر الأزد ، فرّوا.

فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلاً : ارحم إلهي الکهل (1)من سليم وانظر إليه نظرة الرحيم(2)

فقتله عمرو بن الحمق.

فخرج جابر الأزدي قائلاً : يا ليت أهلي من عمار حاضري من سادة الأزد وکانوا ناصري(3)

فقتله محمد بن أبي بکر .

وکانت عائشة تنادي بأعلي صوتها: أيها الناس عليکم بالصبر ، فإنما

يصبر الأحرار.

فأجابها کوفيّ:

قلنا(4) لها وهي علي مهوات ان تناسواک أمّهات

في مسجد الرسول ثاويات والتحم القتال وشکت السهام الهودج حتي کأنّه جناح نسر أو شوک قنفذه

ص: 401


1- في المناقب : الکل .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الرحمة
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : حاضري .
4- في المناقب : قلت .

أن أمير المؤمنين عليه السلام أوصي محمد بن أبي بکر بأن يدرک

أخته عائشة

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما أراه يقاتلکم إلّا هذا الهودج ، اعقروا الجمل. وفي رواية : عرقبوه فإنّه شيطان.

وقال أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بکر : إذا عرقب الجمل فادرک أُختک فوارها ، فعرقب رجل منه فدخل تحته رجل ضبيّ ، ثمّ عرقب أُخري (عبد الرحمان] (1)فوقع علي جنبه ، فقطع عمار نسعه ، فأتاه أمير المؤمنين عليه السلام ودق رمحه علي الهودج ، وقال : يا عائشة ، أهکذا أمرک رسول الله أن تفعلي ؟

فقالت : يا أبا الحسن ، ظفرت فأحسن ، وملکت فأسجح(2) . فقال لمحمد بن أبي بکر : شأنک وأختک فلا يدنو أحد منها سواک .

قال محمد بن أبي بکر : فقلت لها : ما فعلت بنفسک ؟ عصيت ربّک ، وهتکت سترک ، ثمّ أبحت حرمتک ، وتعرّضت للقتل ، فذهب بها إلي دار عبدالله بن خلف الخزاعي ، فقالت: أقسمت عليک أن تطلب عبدالله بن الزبير جريحا کان أو قتيلاً، فقلت : إنه کان هدفا للأشتر ، فانصرف محمد إلي المعرکة (3)فوجده بين القتلي ، فقال : اجلس يا ميشوم أهل بيته ، فأتاها به ، فصاحت وبکت ، ثم قالت : يا أخي استأمن له من علي ، فأتي أمير المؤمنين عليه السلام : فاستأمن له منه .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أمنته وأمنت جميع الناس . وکانت وقعة الجمل بالخريبة ، وقع القتال بعد الظهر ، وانقضي عند المساء،

ص: 402


1- من المناقب .
2- أي قدرت فسهل وأحسن العفو .
3- في المناقب : العسکر .

عدد القتلي يوم الجمل

وکان مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه عشرون ألفاً ، منهم البدرون ثمانون رجلاً ، و ممّن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ، ومن الصحابة غير هؤلاء ألف وخمسمائة رجل ، وکانت عائشة في ثلاثين ألفاً أو يزيدون ، منها المکيون ستمائة رجل.

قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفاً . وقال الکلبي : قتل من عسکر(1) علي ألف راجل وسبعون فارساً ؛ منهم زيد بن صوحان ، وهند الجملي ، وأبو عبد الله العبدي ، وعبد الله بن رقيّة .

وقال أبو مخنف والکلبي : قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصة أربعة آلاف رجل ، و من بني عديّ ومواليهم تسعون رجلاً ، ومن بني بکر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل، والباقي من أخلاط الناس إلي تمام تسعة آلاف إلا تسعين رجلاً ، والقرشيّون منهم طلحة ، والزبير ، وعبد الله بن عتاب بن أسيد ، وعبدالله بن حکيم بن حزام ، وعبد الله بن شافع بن طلحة ، ومحمد بن طلحة ، وعبدالله ابن أبي خلف (2) الجمحي ، وعبد الرحمان بن معد ، او عبدالله بن معد](3)

و عرقب الجمل أوّلاً أمير المؤمنين عليه السلام ، ويقال : مسلم بن

عدنان ، ويقال : رجل من الأنصار ، ويقال : رجل من ذهل.(4)

قلت : ولما صارت أحاديث هذه الفتنة الصماء، والمحنة العظمي

ص: 403


1- في المناقب : أصحاب
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عبدالله بن خلف .
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 157/3- 162 ، عنه البحار :177/32 - 182 .

ضروريّة لايختلف في صحّتها ، ومتواترة لايشکّ في واقعتها ، ونقلها المخالف، ودوّنها الموالف ، وصارت في وضوحها کالشمس ، منزّهة عن الشک واللبس .

أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في کفر من أضرم نارها ، وشبّ أوارها(1)

وارتکب عارها ، واحتقب أوزارها ، ورکب جملها، وسلک سبلها.

وأمّا المنافق الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها ، ويصوّب فعل قائدها وسائقها ، ويرتکب التعسّف في تأويلها ، والتعصّب في تنزيلها ، ويعتذر لمن سلب وقودها ، ونصبت عمودها ، وخالفت بعلها ونبيّها ، وحاربت سيّدها وولتها.

ولمّا رأيت شدّة عضتها ، وحدة کلتها، لا يرتدع بوعظ واعظ ، ولا ينتفع بلفظ لافظ ، قد طبع الشيطان علي قلبها ، واستحوذ علي فيها ، فغرقت في لجّة نفاقها ، وتاهت في بيداء شقاقها ، قد أحدقت الطغاة بجملها ، وحقت البغاة بمحملها ، تمثّلتها في فکري ، وعنّفتها بزجري ، وخاطبتها بلسان الحال ، وعنّفتها ببيان المقال ، وقلت مشيراًإليها ، وزارياً عليها

أيّها المائحة في غرب غيّها وجهلها ، المخالفة أمر ربّها وبعلها ، المنافقة بإسلامها ، والخارجة علي إمامها ، الباغية بخروجها وحربها ، الکافرة بقالبها وقلبها ، ما للنساء وعقد البنود ؟ وما لذوات وقود الجنود ؟ ألم تؤمرين بالقرار في منزلک ؟ أما کان لک شغل شاغل بمغزلک ؟ نهيت أن تتبرّجي(2) وعن بيتک

ص: 404


1- الأوار : شدّة حرّ الشمس ولفح النار ووهجها والعطش . «لسان العرب : 4/ 35 - اور .
2- إشارة إلي قوله تعالي في سورة الأحزاب : 32 و 33 :( يَانِسَاءَ النَّبيَّ...وَقَرنَ فِي بُيُوتِکُنَّ وَلا تَبَرَّجن تَبَرَّجَ الجَاهِلِيَّةِ الاولَي).

أن لا تخرجي ، فهتکت حجابک ، وأسفرتِ نقابک ، وقدت الفتنة بخطامها ، وأرخيت لها فاضل زمامها ، فحبطت بأرجلها ، وقنصت بأحبلها ، وکشرت عن نابها ، ومرقت عجلاً بها، لمّا أقبلتِ يحثّ بک جملک ، عصيت ربک بتفصيلک وجملک ، خرجت من ديارک بطرأ ورئاء الناس ، وفصلت عن قرارک تکتفک الأوغاد الأرجاس ، لما علمک سيّد المرسلين بخروجک ، جريت في تيه الضلال بل فروحک .

يا صاحبة العطفة ، کفرت بالّذي خلقک من نطفة ، يا ربّة الهودج ، خالفت ربک في المولج والمخرج ، أظهرت غلاً کامناً بحربک ، وحسداً قاطناً في قلبک ، لمّا انتقلت الزهراء إلي جوار ربّها ، امتنعت من حضور عزيتها وقربها ، وتعلّلت باستيلاء علة علي هامتک وفسادک ، وذلک أعظم دليل علي کفرک وإلحادک ، فهلّا تعلّلت يوم مسيرک علي بعيرک ، قاصدة حرب حليلها بعيرک وبغيرک ؟ ولم لا عصبت رأسک يوم موت ولدها ؟ بل أظهرت الشماتة بهلاک فلذّة کبدها ، وأقبلت علي بغلک ، ولم تراع حرمة بعلک ، ولم ترعوي عن جهلک ، بل أجلبي علي هضم آل الرسول بخيلک ورجلک .

فلعنة الله علي فرعک و أصلک ، وقومک وأهلک ، آمثّلک في يوم البصرة في محملک ، تحرّضين الأوغاد بقولک وعملک ، کالحيّة النافثة بسمّها ، أو الذئبة الضارية بکلمها ، حتي إذا خاب أملک ، وعقر جملک ، وقتلت رجالک ، وخذلت أبطالک ، وصار طلحتک طليحاً ، وزبيرک طريحاً ، ومعلّاک سفيحاً ، ونافسک

منيحاً.

ألحفک ساتر العورات جناح رحمته ، وأسبل عليک مقيل العثرات ستر مغفرته ، وأرجعک إلي قرارک الذي أخرجک الشيطان منه ، وأعادک إلي منزلک الذي فصلک العدوان عنه ، وسدّ عنک باب الانتقام ، وستر منک ما فضحته

ص: 405

قصيدة للمؤلف رحمه الله في ذم عائشة

الآثام، کلّ ذلک وجدک يغلي بنار حقدک ، وحودک يشبّ بضرام حسدک ، ثم أتبعت بالطلقاء وأبناء الطلقاء علي حربه ، وأغريت الأشقياء اللصقاء بسبّه، وفعلت إلي ابن هند محرّضة له عليه ، وأغريت بني حرب بإرسال شواظ حربهم إليه ، ونبذت کلّ عهدٍ عهده الرسول إليک فيه ، ثائرة بدم عثمان وکنت من أعظم خاذليه ، لمّا وضعت قميصه علي رأسک ، وحفت به الأوغاد من أرجاسک. .

حقّت عليکِ کلمة العذاب ، واستوجبتِ اللعنة من ربّ الأرباب ، وأقسم لوشاهدتک يوم بصرتک ، وقد انفردت من أهلک وأسرتک ، وعقر بعيرک ، وقلّ نصيرک ، وقتل جندک ، وفلّ حدّک ، لم أولک منِي صفحاً ، ولم أطوِعنک کشحاً ، و لقرعت سمعک بقوارع عذلي ، ولوجأت(1) خدّک بسبت نعلي ، ولسفعت ناصيتک بسوطي ، ولرفعت بلعنتک صوتي ، لا لأنّي مخالف سيّدي في فعله ، ولا زار علي صفحه بفضله ، إذ ستر بحلمه ما فضح منک ، وعفا بمنّه ما صدر عنک ، بل غضباً لله ، و تعصّباً لأولياء الله .

يا من عصت بخروجها قصداً لحرب وليّها کفرت بأنعم ربّها وخلاف أمر نبيّها وأتت من البلد الحرام بفتنة من غيتها تذکي سعير ضرامها بسفيهها زهريّها وبذي السلا أحببت (2) غادرٍ تيميّها وکذا بنجل طريدها وعتلها أمويها تنحب عليها عاريات الحبوب عند مجيّها ومضت لشدّة حقدها لم ت عتبر بعویّها

ص: 406


1- الوجء : اللکز، الضرب.
2- کذا في الأصل .

حتي إذا نشرت صحائف بغيها من طيّها في عصبةٍ سلکت سبيل عنيدها وعصيّها صارت حماة بعيرها قد فلّ حلّ نديّها بسيوف أقوام علت أعلامهم بعليّها

صنو الرسول وخير أمّته وربّانيها وأب الحروب وربّها ومدار قطب رحيّها

بدريّها أحدها سلعیّها جملیّها

علويّها قدسيّها نوریّها مهديّها أعني قصيّ رتبته من ذاتها وقصيّها أبدت خضوعاً ظاهراً والغدر حشو طویّها فلذاک موت السبط أبد الغلّ من مخفيها

وأتت علي بغل تحثّ بکفرها وفديّها فالله يلعن حشدها من تيمها وعسديها

والسائقين بعيرها ومن استظلّ بفيها

لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من هذه الفتنة الّتي طار شررها ،

وشاع خبرها ، واشتهرت أوغادها ، وأظهرت أحقادها ، وعمّت بليّتها ، وغمّت ظلمتها، وأحرق لهبها ، واشتدّ کلبها ، وأبرزت أعداء الرحمن فيها رؤوسها ، وبذلت في طاعة الشيطان نفوسها، وسلکت طريق البغيّ بقتالها مولاها ، وارتکبت سبيل الغيّ فما أحقّها بخزي الله وأولاها ، لم تشکر ربها علي ما أولاها ، ولم تحفظ نبيّها فيما أوصاها، الّذي أضرمت المخدّرة المصونة مقباسها ، ووصلت البّرز الميمونة أمراسها ، وأقامت السجاعة المطرقة سوقها ، وأظهرت الأصيلة المعرقة فسوقها ، حتي قتلت رجالها ، وجدّلت أبطالها ، وعقر مرکبها ،

ص: 407

فيالها فتنة کفر قتامها لراکبها ، وغمر غمامها کتائبها ، وبرقت بوارق صفاحها في سحائب غبرتها ، ولمعت أسنّة رماحها في ظلمة فترتها ، فکم اقتطفت فيها رؤوس ، واختطفت نفوس ، وأريق دم ، وبري قدم ، وأبين عضد وساعد ، وأبيد معاضد ومساعد، أشنع فتنة في الاسلام حدثت ، وأفضع واقعة بها القصاص تحدّثت ، قطعت آجال رجالها بمصاعها ، وصبغت أثباج أبطالها بجريانها.

يالها فتنة کانت رأساً لک فتنة ، وبدعة وضعت أساساً لأقبح سنّة ، وهل قتال القاسطين إلّا فرع شجرتها ؟ وهل جهاد المارقين إلّا شزرة من جمرتها ؟ وهل اقتدي ابن حرب إلّا بحربها ؟ وهل اغترف نجل هند إلّا من شربها ؟ وهل نسج الطاغي إلّا علي منوالها ؟ وهل احتذي الباغي إلّا بمثالها ؟

وکان أمير المؤمنين صلوات الله عليه أثر جلاها ، وطلاع ثناياها ، وفحل

شولها ، وصاحب قولها ، وخائض هولها ، والمخصوص بقوّتها وحولها ، کبش الکتيبة ، مشهور الضريبة ، جبر صدع الاسلام ، لما کسر الأصنام ، ونصب من الحقّ الأعلام، لمّا خفض الأنصاب والأزلام ، کم کسر بعامله منصوباً ؟ وکم وفّر من نائله نصيباً ؟ کاسر هبل الکفرة ، وعاقر جمل الغدرة ، الفائز من قداح النجدة بمعلّاها ، والحائز من خلال الشجاعة بأعلاها ، قاطع أمراس(1) البغاة ، وقالع أساس الطغاة ، منه تعلّم الناس الشجاعة في قتالهم ، ومن علومه فزعوا مآخذ

أقوالهم.

بنصرته جماعة الحقّ نصرت ، وبطريقه طريقة العلم ظهرت ، لمّاصبغ

ص: 408


1- المَرِس : الشديد الّذي مارَسَ الأُمورَ وجرَّبها ، والجمع : أمراس .

الحمرة نجيع (1)الأبطال صعيد البصرة، صار بياض وجه الاسلام لا يرهقه فترة ، لکن بقي خدّ الخارجة من عتبة بيتها لقتاله صار حالکاً ، وداخل فيضها من يدها منتزعاً هالکاً.

دراية فرحها نکيساً، وتدبير فکرها معکوساً ، وصارت کرّتها خاسرة ، وهمّتها قاصرة ، وسلعتها بائرة ، وخسرت الدنيا والآخرة ، وقرعت بقوارع الملام، وکملت بمعابل الکلام.

فيا من يصوّب آراءها ، ويداوي أدواءها ، ويستخفّ وزرها ، ويستقلّ شرّها، ويسدّد اجتهادها، ويصوّب مرادها ، لقد أبعدت مرماک ، واتّبعت هواک ، ومهّدت قاعدة نفاقک ، وغرست في ظلمة محاقک ، وأوردت تصحيح المعتل من فعل و ترجيح المرجوع من نقلک ، لقد اجتثت أصولک ، وفسد معقولک ، وعتم قياسک ، وقلع أساسک ، واهملت قضيّتک ، وانقبضت بسطتک ، وفلّت غرستک، وقلّت بطشتک .

يا من عصت ربّها بخروجها وحربها ، وتعصّبت علي مولاها بقالبها وقلبها ، أنّي لک هذه الشجاعة والقوّة ، والشدّة والنخوة ؟ أمن أبيک يوم خيبر ؟ أم من جدّک المبجّل الموقّر ، صاحب خوان بن جذعان ، وناصب أنصاب الأوثان ، أقتم قريش أصلاً ، وألأمهم فعلاً ، وأرذلهم بيتاً، وأنذلهم حيّاً وميّتاً ...... (2)من آل قصي ، ولا في السراة من بني لؤي ، فأنتم يا ابنة الکاذب المصدّق، کما قال فيکم الشاعر وصدق :

ويقضي الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود فإنّک لو رأيت عبيد تيم وتيما قلت إنّهم العبيد

ص: 409


1- النَّجيع : الدمُ .
2- غير مقروءة في الأصل .

فلعن الله ابن صهّاک المغتلمة ، ونجل البغيّة حنتمة ، فهو الّذي أعلي قدرکم، وأسمي ذکرکم ، ورفع بعضکم ، وصحّح المکسّر من جمعکم ، وجعلکم أعلاماً تفضلون علي أولياء الله ، تفخرون علي أهل بيت نبيّکم وبهم فخرکم ، وتتأمّرون علي عترة ولیّکم و بهم علا أمرکم ، وزيّن الشيطان للأمّة الضالّة اتّباعکم ، وصيّر هم أشياعکم وأتباعکم ، فاتّبعوه إلّا فريقاً من المؤمنين ، وأطاعوه إلّا قيلاً من المخلصين ، ونبذوا کتاب الله وراء ظهورهم ، وحرّفوا کلام الله بزخرفهم وغرورهم ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، ونصروا من أوجب العقل له أن يخذل ، ونصبوا العوائل لأهل بيت نبيّهم ، وأراقوا القواتل الذرّيّة ولیّهم ، وجعلوا أحفادهم إلي يوم الناس هذا عالة يتکفکفون ، وخاملين

لا يعرفون .

قد أبکم الفقر فصيحهم ، وقبح العسر صبيحهم ، يرهن أحدهم إزاره السدّ فورته ، ويبذل مقداره لفرط عسرته ، منعتموهم ما فرض الله لهم في محکم تنزيله، وحرمتموهم ما أوجب لهم من الحقّ علي لسان رسوله ، حتي نکحت به الفروج المحرّمة ، واستبيحت من دين الله کلّ حرمة ، واشتريت منه البغايا والقيان ، وصار زمام الاسلام بأيدي عبدة الصلبان ، فأنتم أصل البلاء ، وفرع الشقاء ، وحمة الشيطان ، وجمة البهتان ، هذه الشجرة الملعونة في القرآن ، والطائفة المارقة عن الايمان ، أعداء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، قربتموها وکان أحق أن تبعد ، ونشأتموها وکان أولي أن تعضد، وغرستم أصلها علي رقاب المؤمنين ، وسقيتم فرعها بدماء المهاجرين الأولين ، رآهم الرسول ينزون علي منبره نزو القردة فمارئي بعد ضاحکاً حتي بلغ من الحياة أمده

روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنّ رسول الله صلّی الله

ص: 410

عليه و آله رأي في منامه أنّ قرود اًتنزوا علي منبره و تنزل وتصعد ، فساءه ذلک واغتم ، ولم ير بعدها ضاحکاً حتي مات .

(وَالشَّجرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ) (1)هم بنو أميّة أخبره سبحانه بتغلّبهم (2)

علي مقامه وقتلهم ذريته.(3)

روي عن منهال بن عمرو ، قال : دخلت علي علي بن الحسين عليه

السلام ، فقلت : کيف أصبحت ، يا ابن رسول الله ؟

قال : أصبحنا والله کبني إسرائيل في أيدي القبط ، يذبّحون أبناءهم ،

ويستحيون نساءهم ، وأصبح خير البريّة بعد رسول الله صلّی الله عليه و آله يلعن علي المنابر ، وأصبح من يحبّنا منقوصاً حقّه بحبّه إيّانا. (4)

وقيل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، قتل الحسين بن علي عليه السلام،

ص: 411


1- سورة الاسراء : 60.
2- کذا في المجمع ، وفي الأصل : تغليبهم .
3- انظر : کتاب سليم بن قيس : 153، سنن الترمذي : 5/ 414 ح 3350، الکافي : 222/8 ح 280 ، تفسير العيّاشي : 2/ 298 ح 98 ، تفسير القمّي : 431/2، مستدرک الحاکم : 3/ 170 - 171 ، أمالي الطوسي : 2/ 300، إعلام الوري : 46، مجمع البيان : 424/3 ، ترجمة الامام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق : 198 ح 327، مناقب ابن شهرآشوب : 35/4 ۔36، تفسير الرازي : 236/20 ، الکامل في التاريخ : 3/ 407، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 /16 ، تفسير القرطبي : 20 / 132 ، البداية والنهاية :48/10 ، تأويل الآيات: 281/1 ح 12، تفسير الصافي : 351/5 إثبات الهداة :1 /156 ح 16 و ص 366 ح 479، البحار : 44/ 58ح 7، و ج 61/ 155 و ص 168ح 23 ، تفسير نور الثقلين : 3/ 180 ح 281 ، و ج 65/4 - 66ح87.
4- انظر : مقتل الخوارزمي : 71/2 - 72، مجمع البيان : 3/ 424، مناقب ابن شهر اشوب:169/4،البحار :175/45 ضمن ح 22، عوالم العلوم : 17 /409 -410 ضمن ح6، إحقاق الحقّ : 121/12.

فبکي حتي اختلج جنباه ، ثم قال : واذلّاه لأمّة قتل ابن دعيّها ابن بنت

نبیّها.(1)

فهل تجرّوا علي أولياء الله إلّا بکم ؟ وهل ألحدوا في دين الله إلّا بسببکم ؟ ما أقام أبوک ابن صهّاک والياًمن بعده ولا قلّده ولاية عهده إلّا لعلمه بقوّة شقاقه ، وشدّة نفاقه ، وعظيم إلحاده ، وعميم فساده ، فقام عدوّ الله ناسجاً علي منواله ، مقتدياً بأقواله وأفعاله ، فرفع بضبع المنافق الشقيّ ، وأعلا کعب المارق الغويّ ، أعني ابن هند البغيّة ، رأس العصابة الأمويّة ، فولّاه رقاب المسلمين ، وأذلّ بتوليته أعلام المؤمنين ، ومهدّ له قواعد ظلم الأطهار ، وأوضح له مقاصد هضم الأخيار ، وقرن دولته بدولته ، وولايته بولايته ، ثمّ جعل الأمر شوري بعد انقضاء أجله ، وانتهاء أکله ، بيد ابن عوفه قرين الشيطان وأليفه ، رأس الغدرة الکذبة ، أصحاب ليلة العقبة ، الّذين نصبوا الغوائل لنبيّهم ، وأضمروا له القواتل بغیّهم ، وراموا تنفير ناقته ، واستئصال شأفته ، و أطلع الله نبيّه علي ما أضمروا ، وحاق بهم سيئّات ما مکروا.

ما أدخله الزنيم في مشورته ، ولا جعله اللعين قياس نتيجته ، إلا لعلمه بخبث سريرته ، وسوء عقيدته ، وبغضه للحقّ وأهله ، وتعصبه للباطل بقوله وفعله ، فجعلها في البيت الّذي رسخت في الشرک قوائمه ، وشمخت بالظلم دعائمه ، و شقيت بالنفاق شجرته ، وشاعت في الآفاق بدعته .

أوّل الاثمة ، وثالث الظلمة ، وفرع الشجرة الملعونة ورأس الأمّة المفتونة، حتي إذا قام منه زرع الباطل علي سوقه ، وعم المسلمين بظلمه وفسوقه ، أجمعت الأمّة علی خلعه وخذله ، واجتمعت لحربه وقتله ، وسقته من کؤوس

ص: 412


1- مجمع البيان : 61/ 155.

نزول أمير المؤمنين عليه السلام - بعد انقضاء حرب الجمل -

في الرحبة

المنون صبراً ، واخترمته بسيوف الحتوف صبراً، وأعادته طريحاً مهيناً ، وطليحاً ظميناً ، وأخرجه الله من دار الفناء ملوماًمحسوراً ، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ، حتي إذا عاد الحقّ إلي أهله ، والتفت الفرع علي أصله ، وقام بأمر الله وليّه الکامل ، وجاء الحقّ وزهق الباطل ، ظهر کامن غلّک وحسدکِ ، واشتعلت نار البغي في فؤادک وجسدي ، وشيّدت ما شيّد أبوک وعمّکِ، وأظهرت الطلب بدم المخذول بزعمکِ ، ونصر الله الحقّ علي رغمک ، وخاب من سهام الخير وعد سهمک .

ثمّ لم يزل غلّک يغلي عليک ، و حقدک يلقي إليک ، والخنّاس يوسوس في صدرک ، وينفث في سرّک ، حتي أغريت الجبّار العنيد بعداوته ، وحمّلت الشيطان المريد علي مناجزته ، فکفر الطليق بأنعم ربّه ، و أجهد اللصيق جهده في حربه ، ورابطه ثمانية عشر شهراً ، مجدّاً في عداوته سرّاً وجهرة ، فلولا خليفة أبيک ، ونتيجة ذويک . لما حصل ما حصل ، ولا اتصل من اتّصل ، فأنتم أصل البغي وفرعه ، وموقف الظلم وجمعه ، ووتر العدوان وشفعه ، وبصر الشيطان وسمعه ، فلعناً الله علي أصولک الماضية ، وقرونک الخالية ، وجموعک الباغية ، وجنودک الطاغية ، لعنأ لا انقطاع لعدده ، ولانفاد لأمده ، آمين ربّ العالمين .

ولنرجع إلي تمام المجلس :

نزل صلوات الله عليه بعد انقضاء الحرب في الرحبة السادس من رجب وخطب فقال : الحمد لله الّذي نصر وليه ، وخذل عدوّه ، وأعزّ الصادق المحقّ ، وأذلّ الناکث المبطل.

ثمّ إنّه عليه السلام دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربايجان ، والأحنف

ص: 413

بن قيس من البصرة ، وجرير بن عبد الله البجلي من همذان فأتوه إلي الکوفة ، ووجّه جرير إلي معاوية يدعوه إلي طاعته.(1)

وأمّا عائشة فإنّ أمير المؤمنين ردّها إلي المدينة وأرسل معها قريباً من

مائتي امرأة(2) ، فلم تلبث إلاّ قليلاً حتي لحقت بمعاوية بالشام ووضعت قميص عثمان ملطّخاً بالدم علي رأسها .

فقال عمرو لمعاوية : حرّک لها جوارها نحن (3)، فأخذه معاوية وصعد

المنبر ، فکان من أمر صفّين ما أنا ذاکره :

لمّا قدم جرير علي معاوية يدعوه إلي طاعة أمير المؤمنين عليه السلام توقّف معاوية وماطل جرير وطاوله حتي قدم عليه شرحبيل ، فصعد معاوية المنبر وخطب ، وقال : أيّها الناس ، قد علمتم أنّي خليفة عمر وعثمان ، وقد قتل عثمان مظلوماً ، وأنا وليّه وابن عمه وأولي الناس بالطلب بدمه ، فما رأيکم ؟

فقالوا: نحن طالبون بدمه .

فدعا عمرو بن العاص ووعده أن يطعمه مصر - وکان واليأ عليها من قبل

عثمان - فسار إليه ، وکان يتثاقل في مسيره.(4)

فقال له غلام له يقال له وردان : تفکر في أمرک أنّ الآخرة مع عليّ والدنيا

مع معاوية .

ص: 414


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فأقره في
2- مناقب ابن شهرآشوب : 164/3 .
3- انظر : تاريخ اليعقوبي : 183/2، تذکرة الخواصّ : 81، تاريخ الطبري : 544/4 ،تجارب الأمم : 331/1 ، الکامل في التاريخ : 3/ 258، فقد ذکرت فيهما کيفيّة إرسال عائشة إلي المدينة ، وفي عدد النساء اللاتي أرسلهنّ أمير المؤمنين عليه السلام مع
4- کذا في الأصل . عائشة اختلاف .

کتاب معاوية إلي أهل المدينة، وجواب أهل المدينة له

فقال عمرو: ي اقاتل الله وردانة وفطنته

لقد أصاب الذي في القلب ورداناً (1)

فقال له ابن عمرو : ألا ياعمرو ما أحرزت نصراً ولا أنت الغداة إلي رشادِ أبعت الدين بالدنيا خساراً فأنت لذاک من شرّ العبادِ

[فانصرف جرير ،] (2)وکتب معاوية إلي أهل المدينة : إنّ عثمان قتل مظلوماً، وعليّ آوي قتلته ، فإن دفعهم إلينا کففنا عنه ، وجعلنا الأمر شوري بين المسلمين کما جعله عمر عند وفاته ، فانهضوا معنا - رحمکم الله - إلي حربه.

فأجابوه بکتاب : معاوي إن الحقّ أبلج واضحُ

وليس کما ربصت (3) أنت ولا عمرو

نصبت لک (4)اليوم ابن عفّان خدعة

کما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر

ص: 415


1- البيت في المناقب هکذا : لا قاتل الله ورداناً وابنه أبدي لعمري ما في الصدر وردان .
2- من المناقب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل غير مقروءة .
4- في المناقب : لنا.

کتاب معاوية إلي أمير المؤمنين عليه السلام

رميتم عليّاً بالّذي لم يضرّه

وليس له في ذاک تسهي(1) ولا أمر

فما ذنبه إن نال عثمان معشر

أتوه من الأحياء يجمعهم مص(2)

وکان علي لازماً قعر بيته

وهمته التسبيح والحمد والذکر

ف ما أنتما لا درّ درّ أبيکما

وذکرکم الشوري وقد وضح الأمر

فما أنتما والنصر منّا وأنتما

طليقا أساري ماتبوح به الخمر(3)وأرسل معاوية أبا مسلم الخولاني بکتاب إلي أمير المؤمنين عليه السلام، من

جملته :

وکان أنصحهم لله خليفته الأوّل ، ثمّ خليفة خليفته ، ثم الخليفة الثالث المقتول ظلماً ، فکلّهم حسدت ، وعلي کلّهم بغيت ، عرفنا ذلک من (4) نظرک الشزر ، وقولک الهجر ، و تنفّسک الصعداء ، وإبطاؤک عن الخلفاء ، وفي کلّ ذلک تقاد کما يقاد الجمل المغشوش ، ولم تکن لأحدٍ منهم (5) أشدّ حسداً منک لابن

ص: 416


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : سعي.
2- کذا في المناقب ،وفي الأصل غير مقروءة.
3- في المناقب : طليق أساري ما تبوح بها الخمر .
4- في المناقب : ثم .
5- من المناقب .

جواب أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية

عمک ، وکان أحقّهم ألاّ تفعل [ذلک](1)لقرابته وفضله ، فقطعت رحمه ، و قبّحت حسنه ، وأظهرت له العداوة ، وبطنت له بالغشّ ، و الّبت الناس عليه ، فقتل معک في المحلّة ، وأنت تسمع الواعية (2)، لا تدرأ عنه بقول ولا فعل .

فلمّا وصل أبو مسلم وقرأ الکتاب علي الناس قالوا : کلّنا قاتلون ،

ولأفعاله منکرون .

فکان جواب أمير المؤمنين عليه السلام:

وبعد، فإنّي رأيتک قد أکثرتَ في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ، ثمّ حاکم القوم إليّ أحملکم علي کتاب الله وسنة رسوله صلّی الله عليه و آله ، وأمّا الّذي تريده في خدعة (3) الصبي عن اللبن ، ولعمري لئن نظرت بعقلک [ودون هواک] (4) لعلمت أنّي من أبرأ الناس من دم عثمان ، وقد علمت أنّک من أبناء الطلقاء الّذين لا تحلّ لهم الخلافة.

قال : ثمّ صعد عليه السلام المنبر وحضّهم علي ذلک .

قال ابن مردويه : قال قيس بن أبي حازم التميمي وأبو وائل : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أتفروا إلي بقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، انفروا إلي من يقول کذب الله ورسوله .

وجاء رجل من عبس إلي أمير المؤمنين عليه السلام فسئل : ما الخبر ؟

فقال : إنّ في الشام يلعنون قتلة عثمان ، ويبکون علي قميصه.

ص: 417


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- في المناقب : الهائعة
4- في المناقب : وأمّا تلک الّتي تريدها فإنّها خدعة

مکاتبات بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية

فقال عليه السلام : ما قميص عثمان بقميص يوسف ، ولا بکاؤهم عليه إلا

کبکاء أولاد يعقوب ، فامّا فتح الکتاب وجده بياضاً فحولق.

وکتب معاوية إلي أمير المؤمنين عليه السلام : ليت القيامة قد قامت فتري

المحقّ من المبطل.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : (يَستَعجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤمنُونَ بِهَا

وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشفِقُونَ مِنهَا (1)

وکتب معاوية أيضاً إلي أمير المؤمنين - بعد کلام طويل -:

يا عليّ ، اتّق الله ، ولا تفسدنّ سابقة قدمک ، و ذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله ، فإنّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تعمدن بباطل في حقّ من لا حق له ، فإن تفعل ذلک فلن تضرّ إلّا نفسک ، ولا تمحق إلّا عملک .

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام - بعد کلام طويل -

عظتي لا تنفع من حقّت عليه کلمة العذاب ، ولم يخف العقاب ، ولا يرجو الله وقاراً ، ولم يخف إلّا حذاراً (2)، فشأنک وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة تجد الله عزّ وجلّ في ذلک بالمرصاد.

ثم قال في آخر کلامه :

فأنا أبو الحسن قاتل جدّک عتبة ، وعمّک شيبة ، وخالک الوليد بن عتبة ،

وأخيک حنظلة الّذين سفک الله دماءهم علي يدي في يوم بدر ، وذلک السيف معي ، وبذلک القلب ألقي عدوّي .

ص: 418


1- سورة الشوري : 18 .
2- في المناقب : ولم يخف حذارة.

خروج معاوية ونزل صفين

[و من کلامه] (1) ومتي ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناکلين ، وبالسيوف مخوفين ، فالبث قليلاً تلحق الهيجاء جمّل ، فسيطلبک من تطلب ، ويقرب منک من تستبعد ، وأنا مرقل نحوک في جحفل(2) من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم ، قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيک وخالک وجدّک ، وما هي من الظالمين ببعيد.

فنهاه عمرو عن مکاتبته ولم يکتب بعدها إلّا بيتاً واحداً: ليس بيني وبين قسيس عتاب غير طعن الکلا وضرب الرقاب

قال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتلت الناکثين وهؤلاء القاسطين وسأقاتل المارقين ، ثمّ سار أمير المؤمنين راکباً فرس رسول الله صلّی الله عليه وآله وقصده في تسعين ألفاً.

قال سعيد بن جبير : منها تسعمائة رجل من الأنصار وثمانمائة من

المهاجرين.

وقال عبد الرحمان بن أبي ليلي : وسبعون رجلاً من أهل بدر ؛ وقيل : مائة

وثلاثون رجلاً.

وخرج معاوية في مائة ألف وعشرين ألف ، يتقدّمهم مروان وقد تقلّد

بسيف عثمان ، فنزل[صفّين](3) في المحرّم علي شريعة الفرات .

ص: 419


1- من المناقب .
2- المرقل : المسرع . والجحفل : الجيش .
3- من المناقب .

نزول أمير المؤمنين عليه السلام بصفين

ومنعوا عسکر أمير المؤمنين عليه السلام من الماء ، فأنفذ أمير المؤمنين

صعصعة (1)بن صوحان العبدي فقال في ذلک عنفاً.

فقال معاوية : أنتم قتلتم عثمان عطشاً.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : رؤوا السيوف من الدماء ترووا من الماء

والموت في حياتکم قاهرين خير من الحياة في دنياکم مقهورين (2)

وقال الأشتر رضي الله عنه : ميعادنا الآن بياض الصبح لا يصلح الزاد بغير ملح

وحملوا في سبعة عشر ألف رجل حملة واحدة فغرق بعضهم وانهزم الباقون من عسکر معاوية ، فملک الشريعة أصحاب علي عليه السلام ، فأمر أمير المؤمنين أن لا يمنعونهم من الماء ، وکان نزوله عليه السلام بصفّين لليال بقين من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين ، فأمر معاوية النقّابين أن ينقّبوا تحت عسکر علي أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال أمير المؤمنين : فلو آنّي أطعت عصيت قومي إلي رکن اليمامة أو شئام ولکنّي إذا أبرمت أمراً تخالفني أقاويل الطغام فتقدّم الأشتر وقتل صالح بن فيروز العکّي (3)ومالک بن الأدهم وزيد(4) بن عبيد

ص: 420


1- في المناقب : شبث بن ربعي الرياحي وصعصعة
2- في المناقب : في موتکم قاهرين .
3- کذا في وقعة صفّين :174 ، وفي الأصل : العاملي ، وفي المناقب : العتلي. وفي وقعة صفّين هکذا عد الباقين : و مالک بن أدهم السلماني ، ورياح بن عتيک الغسّاني ، والأجلح بن منصور الکندي - وکان فارس أهل الشام - وإبراهيم بن وضَّاح الجمحي، وزامل بن عبيد الحزامي ، ومحمد بن روضة الجمحي
4- في المناقب : زياد.

تعبئة الجيشين للقتال

الکناني وزامل بن عبيد الخزاعي ومالک بن روضة الجُمحي مبارزة، وطعن الأشعث لشُرَحبِيل بن السَّمط ولأبي الأعور السلمي ، فخرج حوشب ذو الظليم وذو الکلاع في نفر فقالوا : أمهلونا هذه الليلة :

فقالوا : لا نبيت إلّا في معسکرنا ، فانکشفوا۔

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أنفذ سعيد بن قيس الهمداني وبشر (1)بن

عمرو الأنصاري إلي معاوية ليدعواه إلي الحقّ فانصرفا بعد ما احتجّا عليه.

ثمّ أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام [شبث بن ربعي و ](2) عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وزياد بن خصفة(3) بمثل ذلک ، فکان معاوية يقول : سلّموا إلينا قتلة عثمان النقتلهم به ، ثمّ نعتزل الأمر حتي يکون شوري ، فتقاتلوا في ذي الحجّة وأمسکوا في المحرم ، فلمّا استهلّ صفر سنة سبع وثلاثين أمر أمير المؤمنين عليه السلام فنودي في عسکر الشام بالاعذار والانذار ، ثمّ عبّي عسکره فجعل علي ميمنة الجيش الحسنين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل ، وعلي ميسر ته محمد بن الحنفيّة ومحمد بن أبي بکر وهاشم بن عتبة المرقال ، وعلي القلب عبدالله بن العبّاس والعبّاس بن ربيعة بن الحارث والأشتر والأشعث ، وعلي الجناح سعد (4)بن قيس الهمداني وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شداد البجلي وعديّ بن حاتم ، وعلي الکمين عمّار بن ياسر وعمرو بن الحمق وعامر بن واثلة الکناني وقبيصة بن

ص: 421


1- في وقعة صفّين : بشير . وأضاف إليهما شبث بن ربعي التميمي.
2- من وقعة صفّين والمناقب
3- کذا في وقعة صفّين ، وفي الأصل والمناقب : حفص
4- کذا في وقعة صفين والمناقب ، وفي الأصل : سعيد . وکذا في الموضع الآتي

جابر الأسدي .

وجعل معاوية علي ميمنته ذا الکَلاع الحميري وحوشب ذا الظليم ، وعلي

الميسرة عمرو بن العاص وحبيب بن مَسلمة ، وعلي القلب الضحّاک بن قيس الفهري وعبد الرحمان بن خالد بن الوليد ، وعلي الساقة بسر بن أرطاة الفهري ، وعلي الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري وهمام بن قبيصة النمري ، وعلي الکمين أبا الأعور السلمي وحابس بن سعد الطائي .

فبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلي معاوية أن أخرج إليّ أبارزک ، فلم يفعل ، وقد جري بين العسکرين أربعون وقعة تغلّب فيها أهل العراق : أوّلها يوم الأربعاء بين الأشتر و حبيب بن مسلمة ، والثانية بين المرقال و(أبي) (1)الأعور السلمي ، والثالثة بين عمّار وعمرو بن العاص ، والرابعة بين محمد بن الحنفيّة وعبيد الله بن عمر ، والخامسة بين عبد الله بن عبّاس والوليد بن عقبة ، والسادسة بين سعد بن قيس وذي الکلاع، إلي تمام الأربعين ، وکان آخرها ليلة الهرير(2)

ولأبطال أهل العراق مع أبطال أهل الشام وقعات وحروب وأشعار الانطوّل بذکرها خوف الملل ، ففي بعض أيّامها جال أمير المؤمنين عليه السلام

في الميدان قائلاً :

أنا علي فاسألوني تخبروا ثمّ ابرزوا لي في الوغي وابتدروا سيفي حسام وسناني يزهرُ منّا النبيّ الطاهر المطهّرُ وحمزة الخير ومنّا جعفر وفاطمُ عرسي وفيها مفخرُ

ص: 422


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 164/3-169.

بدء المبارزات بين الطرفين

هذا لهذا وابن هند محجرُ مذبذب مطرد مؤخّر

فاستلحقه(1) عمرو بن الحصين السکوني علي أن يطعنه فرآه سعيد بن

قيس فطعنه .

وأنفذ معاوية ذا الکلاع إلي بني همدان فاشتبکت الحرب بينهم إلي الليل ،

ثم انهزم أهل الشام ، وأنشد أمير المؤمنين عليه السلام :

فوارس من همدان ليسوا بعزل غداة الوغي من شاکر وشبام يقودهم حامي الحقيقة ماجد سعيد بن قيس والکريم محام جزي الله همدان الجنان فإنّهم سهام العدي في يوم کل حمام(2)

ونادي خالد السدوسي من أصحاب علي عليه السلام : من يبايعني علي الموت ؟ فأجابه تسعة آلاف ، فقاتلوا حتي بلغوا فسطاط معاوية ، فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه ، وأنفذ معاوية إليه : يا خالد ، لک عندي إمرة خراسان[متي] (3) ظفرت فاقصر ويحک عن فعالک هذا ، فنکل عنه ، فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلي الليل .

وخرج حمزة بن مالک الهمداني من أصحاب معاوية قائلاً لهاشم

المرقال :

يا أعور العين ومافينا عور تبغي ابن عفّان و نلحَي مَن غَدَر (4)

ص: 423


1- في المناقب : فاستخلفه .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 171 - 172 .
3- من المناقب .
4- أورد الأرجاز في وقعة صفين : 367 هکذا : يا أعورَ العين وما بي من عَوَر أثبُت فإنّي لستُ من فَزعَي مُضر نحن اليمانون وما فينا خَوَر کيفَ تري وقع غُلام من عُذَر يَنعي ابن عَفّانٍ ويَلحی مَن غَدَر سِيَّان عِندِي مَن سَعَي ومن أمَر

استشهاد هاشم المرقال و عبدالله بن بديل الخزاعي

فقتله المرقال ، فهجموا علي المرقال فقتلوه رحمة الله عليه ، فأخذ سفيان بن الثور رايته(1) فقاتل حتي قتل ، فأخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتي قتل، فأخذها أبو الطفيل الکناني مرتجزاً: يا هاشم الخير دخلت الجنّه قتلت في الله عدوّ السنّه (2)

فقاتل حتي جرح فرجع القهقري ، وأخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء

الخزاعي مرتجزاً :(3)

أضربکم ولا أري معاويه برج العين العظيم الحاويد فيها کلاب عاويه.(4)

فهجموا عليه فقتلوه ، فأخذها عمرو بن الحمق وقاتل أشدّ قتال ، وخرج من أصحاب معاوية ذو الظليم ، وبرز من عسکر عليّ عليه السلام سليمان بن صرد الخزاعي ، وحملت الأنصار معه حملة رجل واحد ، فقُتل ذو الظليم وذو

ص: 424


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فجر شيبان بن الثور رأسه . وهو تصحيف.
2- أورد الأرجاز في وقعة صفين : 309 هکذا يا هاشم الخَيرِ جُزيتَ الجنّة قتلتَ في اللهِ عدُوَّ السُّنَّه والتَّارکي الحقّ وأهلَ الظنَّه أعظِم بِما فُزتَ بِهِ من مِنَّه صیَّرني الدَّهرُ کأنّي شَنَّه يا ليتَ أهلِي قَد عَلَوني رَنَّه و من حَوبةٍ وعَمَّةٍ وَکَنَّه
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : خاوية.
4- نسب هذه الأرجاز في وقعة صقين: 399 إلي مالک الأشتر ، وبهذا اللفظ : أضربُهُم ولا أرَي مُعاوِيَة الأخزَرَ العَينِ العظيمَ الحاوِيَة هوت به في النار أمُّ هاويَة جَاوَرَهُ فيها کِلابُ عاوِيَة أغوي طَغاماً لاهَدَتهُ هادية.

الکلاع وساروا (1)إليهم وکاد معاوية يؤخذ .

وخرج عُبيد الله بن عمر ودعا محمد بن الحنفية إلي البراز ، فنهض محمد

فنهاه أبوه ، وکان لعنة الله عليه وعلي أبيه يقول : أنا عُبيد الله ينميني عمر خيرُ قريشٍ مَن مَضيَ ومن غَبر

فقتله عبد الله بن سوار ؛ ويقال : حريث بن خالد(2) ؛ ويقال : هانيء بن الخطّاب ؛ ويقال : محمد بن الصبيح ، فأمر معاوية بتقديم سبعين راية ، وبرز عمّار في رايات ، فقُتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل ، ومن أصحاب عليّ مائتا رجل.

وخرج العراد بن الأدهم ودعا العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب ، فقتله العباس ، فنهاه عليّ عليه السلام عن المبارزة ، فقال معاوية : من قتل العبّاس فله عندي کذا ما يشاء ، فخرج رجلان لخميان (3)، فدعاه أحدهما إلي البراز .

فقال : إن أذن لي سيّدي أبارزک ، وأتي عليّاً عليه السلام ، فلبس علي

سلاح العباس ، ورکب فرسه متنکرّاً.

فقال الرجل : أذن لک سيّدک ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أُذِنَ

لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا)(4) فقتله ، ثمّ برز الآخر، فقتله.

ص: 425


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل ، و ساير ، وفي وقعة صفين : واستدار القوم .
2- في وقعة صفّين : 299 : څريث بن جابر الحنفيّ .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : نحيبان . واللخم : حي باليمن .
4- سورة الحج : 39.

استشهاد أويس القرني

وخرج حَجل بن عامر (1) العبسي فطلب البراز ، فبرز إليه ابنه (2)آثال ، فلمّا رآه أبوه قال : انصرف إلي أهل الشام فإنّ فيها أموالا جمة فقال أبنه : يا أبة انصرف إلينا فجنّة الخلد مع عليّ.

وعبّي معاوية أربعة صفوف فتقدّم أبو الأعور السلمي يحرّض أهل الشام، ويقول : يا أهل الشام ، إيّاکم والفرار فإنّه سبّة وعار ، فدقّوا (3)[علي] أهل العراق، فإنّهم أهل فتنة ونفاق ، فبرز سعيد بن قيس وعديّ بن حاتم والأشتر والأشعث ، فقتلوا منهم ثلاثة آلاف ونيفّاً ، وانهزم الباقون.

وبرز عبدالله بن جعفر فقتل خلقا کثيراً حتي استغاث عمرو بن العاص، وأتي أويس القرني وهو متقلّد بسيفين ؛ وقيل : کان معه مرماة ومخلاة من الحصي ، فسلّم علي أمير المؤمنين عليه السلام و ودعه وبرز مع (4)رجّالة ربيعة ، فقتل من يومه ، فصلّی عليه أمير المؤمنين ودفنه .

ثمّ إنّ عمّار کان يقاتل ويقول : نحن قتلناکم(5) علي تنزيله ثمّ قتلناکم علي تأويله ضرباً يزيل الهامَ عن مَقيله ويذهل الخليلَ عن خليلهِ(6)

ص: 426


1- في الأصل والمناقب : حجل بن أثال ، والصحيح ما أثبتناه وفقاً لوقعة صفّين: 443.
2- کذا في المناقب ، وهو الصحيح ، وفي الأصل : أبوه .
3- من المناقب .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : معه.
5- في المناقب : ضربنا کم.
6- أورد الرجز في وقعة صفين : 341هکذا : نحن ضربناکم علي تنزيله فاليوم نضربکم علي تأويله ضرباً يُزيلُ الهامَ عن مَقيلِه ويذهل الخليلَ عن خليلهِ؟ أو يَرجِعَ الحقُّ إلي سبيلهِ وما في المناقب يختلف عمّا هو في الأصل ورقعة صفّين .

بروز أمير المؤمنين عليه السلام لعمرو بن العاص متنکرا

ثمّ قال : والله لو قتلونا حتي بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ

وهم علي الباطل (1)

وبرز أمير المؤمنين عليه السلام ودعا معاوية وقال : أسألک أن تحقن دماء المسلمين وتبرز إليّ وأبرز إليک ، فيکون الأمر لمن غلب ، فبهت معاوية ولم ينطق بحرف ، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام علي الميمنة فأزالها، ثمّ حمل علي الميسرة فطحنها ، ثمّ حمل علي القلب وقتل منهم جماعة، ثمّ أنشد :

فهل لک في (2)أبي حسن عليّ لعلّ الله يمکّن من قفاکا دعاک إلي البراز فکعت عنه ولو بارزته تربت(3) يداکا

وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام وخرج متنکّراً ، فخرج عمرو بن

العاص مرتجزاً :

يا قادة الکوفة من أهل الفتن يا قاتلي عثمان ذاک المؤتمن کفي بهذا حَزَنا مِن (4) الحَزَن أضربکم ولا أري أبا الحسن(5)

ص: 427


1- قوله : «ثمّ قال : والله علي الباطل» ليس في المناقب . وسيأتي هذا الکلام مکرّراً في ص 450، فراجع .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : من .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : تبت . وانظر الأبيات في وقعة صفين : 432.
4- في المناقب : مع
5- رويت هذه الأرجاز والأرجاز التي تليها في وقعة صفّين : 371 منسوبة إلي عمرو بن العاص ، وبهذا اللفظ : أنا الغلام القرشيّ المؤتمن الماجدُ الأبلجُ ليث کالثَّطن يرضي به الشامُ إلي أرض عدن يا قادة الکوفة من أهل الفتن يأيّها الأشرافُ من أهل اليمن أضَربُکُم وَلَا أري أبا حسن أعني عليّاً وابنَ عمَّ المؤتَمَن کفي بهذا حَزَناً من الحَزَن.

فتناکل(1)عنه عليّ عليه السلام رجاء أن يتبعه عمرو ، فتبعه ، فرجع أمير

المؤمنين إليه مرتجزاً أنا الغلام القرشي المؤتمن الماجدُ الأبلجُ ليث کالشَّطن (2) يرضي به السادة من أهل اليمن [من ساکني نجد ومن أهلِ عَدَن](3) أبو الحسين فاعلمن وأبو الحسن جاک يقتاد العنان والرسن

فولّي عمرو هارباً ، فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه ، فاستلقي

علي قفاه وأبدي عورته ، فصفح عنه أمير المؤمنين استحياء وتکرّماً .

فقال له معاوية : أحمد الله الّذي عافاک ، وأحمد استک الّذي وقاک.

في ذلک يقول أبو نؤاس : فلا خير في دفع الأذي(4) بمذلّة کما ردّها يوماً بسوء ته عمرو

ثمّ دعا أمير المؤمنين معاوية إلي البراز ، فنکل عنه ، فخرج بسر بن أرطاة

طامعاً في علي ، فصرعه أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستلقي علي قفاه وکشف عورته ، فانصرف عليّ عليه السلام.

فقال أهل العراق (5): ويلکم يا أهل الشام ، أما تستحيون من معاملة

المخانيث ؟! لقد علّمکم رأس المخانيث عمرو في الحرب کشف الاساءة.

ولمّا رأي معاوية کثرة براز عليّ أخذ في الخديعة ، فأنفذ عمرو إلي ربيعة

ص: 428


1- أي نکص وأظهر الجبن .
2- الأبلج : المشرق الوجه أو منفصل الحاجبين . والشطن : الحبل المضطرب أو الطويل
3- من المناقب ، وليس فيه العجز الأخير : «جاک يقتاد...»..
4- في المناقب : الردي .
5- نسب هذا القول في المناقب إلي أمير المؤمنين عليه السلام .

مکاتبات بين معاوية وعمرو بن العاص وابن عباس

فوقعوا فيه ، فقال : اکتب إلي ابن عباس وغيره ، فکتب : طال البلاء فما يدري له آسِ بعد الإله سوي رِفق ابن عبّاس

فکان جواب ابن عبّاس : يا عمرو حسبک من خُدعٍ ووَسواسِ

فاذهب فمالک في ترک الهدي(1)آس

إلا بوادر (2) طعن في نحورکم

تشجي النفوس له في النقع إفلاسِ

إن عادت الحرب عدنا فالتمس هرباً

في الأرض أو سلّماً في الأُفق يا قاسي

ثمّ کتب إليه معاوية أيضاً:

إنّما بقي من قريش ستّة نفر : أنا وعمرو بالشام، وسعد وابن عمر في الحجاز ، وعلي وأنت في العراق ، علي خطبٍ عظيم، ولو بويع لک بعد عثمان

الأسرعنا فيه .

فأجابه ابن عبّاس :

دعوتَ ابن عبّاس إلي السلم خدعة (3)

وليس لها حتي تموت بقابِل(4)

ص: 429


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الأذي .
2- البوادر : جمع البادرة ، طرف السهم من جهة النصل . وفي وقعة صفّين : 413 : تواتر
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بدعة.
4- في المناقب : بخادع . والأبيات طويلة وردت في وقعة صفّين : 416 منسوبة إلي الفضل ابن عبّاس .

کتاب معاوية إلي أمير المؤمنين عليه السلام، وجواب أمير المؤمنين له

وکتب إلي عليّ عليه السلام :

أمّا بعد ، فإنّا لو علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبک ما بلغت لِمَ تجهّمنا بعضنا علي بعض ؟ وإن کنّا قد غلبنا علي عقولنا فقد بقي لنا ما نرمّ(1) به ما مضي ، ونصلح به ما بقي ، وقد کنت سألتک الشام علي ألّا تلزمني لک طاعة ولا بيعة ، فأبيتَ ، وأنا أدعوک اليوم إلي ما دعوتک إليه أمس ، فإنّک لا ترجو من البقاء إلّا ما أرجو ، ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف ، وقد والله رقت الأجساد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل علي بعض يستذلّ به عزيز ، ويسترقّ به حرّ.

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام :

أمّا قولک إنّ الحرب قد أکلت العرب إلا حشاشات أنفس بقيت ، ألا ومن أکله الحقّ فإلي النار ، وأمّا طلبک إلي الشام فإنّي لم أکن لأعطيک [اليوم](2)ما منعتک أمس ، وما استواؤنا في الخوف والرجاء (3)، فلست أمضي علي الشک متي علي اليقين ، وليس أهل الشام علي الدنيا بأحرص من أهل العراق علي الآخرة.

وأمّا قولک إنّا بنو عبد مناف فکذلک نحن ، وليس أميّة کهاشم ، ولا حرب کعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان کأبي طالب ، ولا الطليق کالمهاجر ، ولا الصريح کاللصيق ، ولا المحقّ کالمبطل ، ولا المؤمن کالمدغل ، وفي أيدينا فضل النبوّة الّذي أذللنا به العزيز ، وأنعشنا به الذليل ، وبعنا بها الحرّ.

ص: 430


1- في المناقب : نصلح . وکلاهما بمعني واحد .
2- في المناقب : والرضا.
3- من المناقب .

وأمر معاوية ابن خَديج الکندي أن يکاتب الأشعث ، والنعمان بن بشير أن يکاتب قيس بن سعد في الصلح ، ثمّ أنفذ عمر و حبيب بن مسلمة والضحاک بن قيس إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا کلّموه قال : أدعوکم إلي کتاب الله وسنّة رسوله ، فإن تجيبوا إلي ذلک فللرشد أصبتم ، وللخير وفّقتم ، وإن تأبوالم تزدادوا من الله إلّا بعداً.

فقالوا : قد رأينا أن تنصرف عنّا فنخلّي بينکم وبين عراقکم ، وتخلّون

بيننا وبين شامنا ، فتحقن (1) دماء المسلمين.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لم أجد إلّا القتال أو الکفر بما أُنزل علي

محمد صلّي الله عليه و آله.

ثمّ برز الأشتر وقال : سوّوا صفوفکم.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس ، من يبع يربح في هذا اليوم - في کلام له - ألّا إنّ خضاب النساء الحنّاء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير في عواقب الأمور ، ألّا إنّها إحن بدريّة ، وضغائن أحديّة ، وأحقاد جاهليّة، ثمّ قرأ عليه السلام : (فَقَاتِلُوا أئمَّةَ الکُفرِ إنَّهُم لَا أيمَانَ لَهُم لَعَلَّهُم يَنتَهُونَ)(2)

ثمّ تقدّم عليه السلام وهو يرتجز : دُبُّوا دَبِيبَ النَّملِ لا تفُوتوا

وأصبِحُوا فِي حَربِکُم وَبِيتَوا

ک يما تَنَالُوا الدين أو تَمُوتوا

أو لَا فإنَي طَالما

عُصِيتَ

ص: 431


1- في المناقب: فتحن نحقن
2- سوره التوبه :12

استشهاد أبي الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر

قد قُلتم لو جئتنا فجيتُ(1) ثمّ حمل عليه السلام في سبعة آلاف(2) رجل فکسروا الصفوف . فقال معاوية لعمرو : اليوم صبر وغداً فخر.

فقال عمرو : صدقت ، ولکنّ الموت حقّ ، والحياة باطل ، ولو حمل عليّ

في أصحابه حملة أخري فهو البوار .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فما انتظارکم إن کنتم تريدون الجنّة ؟ فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلاً: أحمد ربّي فهو الحميد ذاک الّذي يفعل ما يريد

دين قويم وهو الرشيدُ

فقاتل حتي قُتل . وبرز عمّار بن ياسر ، وکان له من العمر ثمانون سنة ، فجعل يقول: اليوم نلقي الأحبّه محمداً وحزبه

والله والله لو قتلونا حتي بلغوا بنا سعفاتِ هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ وهم علي الباطل ، وهو الّذي قال رسول الله صلي الله عليه و آله في حقّه : عمّار جلدة بين عيني ، تقتله الفئة الباغية لأنالهم شفاعتي» (3)، فقاتل

ص: 432


1- انظر ديوان الإمام علي بن أبي طالب (طبعة دار الکتاب العربي) : 54 ففي آخره : قَد قُلُتُمُ لَو جِئتَنا فَجِيتُ لَيسَ لکّم ما شِئتُم وَشِيتُ بَل ما يريدُ المُحيِيُ المُمِيتُ
2- في المناقب : في سبعة عشر ألف .
3- انظر الأحاديث الغيبية :218/1 - 228.

استشهاد خزيمة بن ثابت الأنصاري

حتي قُتِل. (1)

وبرز خزيمة بن ثابت الأنصاري قائلاً : کم ذَا يُرجّي أن يعيشَ الماکثُ والناس موروث ومنهم وارث

هذا عليُّ مَن عَصاه ناکثّ(2)

فقاتل حتي قتل . وبرز عدي بن حاتم قائلاً أبعد عنا وبسعد هاشم وابن بديل صاحب الملاحم

ترجو البقاء من بعد با اين حاتم(3)

فما زال يقاتل حتي فقئت عينه . وبرز الأشتر قائلاً : سيروا إلي اللهِ ولا تعرَّجوا دينُ قويمُ و سبيل مُنهَجُ(4)

وقتل جندب بن زهير ، فلم يزالوا يقاتلوا حتي دخلت وقعة الخميس وهي ليلة الهرير ، وکان أصحاب عليّ عليه السلام يضربون الطبول من أربع جوانب عسکر معاوية ، ويقولون : عليّ المنصور ، وهو عليه السلام يرفع رأسه إلي السماء ساعة بعد ساعة ويقول : اللّهمّ إليک نقلت الأقدام ، وإليک أفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، ومدّت الأعناق ، وطلبت الحوائج ، وشخصت الأبصار . اللّهمّ افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين .

ص: 433


1- قوله : «وبرز عمّار...حتي قُتِل» لم يرد في المناقب .
2- انظر هذه الأرجاز في وقعة صفّين : 398.
3- انظر هذه الأرجاز في وقعة صفّين : 403.
4- انظر هذه الأرجاز في وقعة صفّين :404.

وکان عليه السلام يحمل عليهم مرّة بعد مرّة ويدخل في غمارهم ويقول: الله الله في البقيّة ، الله الله في الحرم والذرّيّة ، فکانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل، فلمّا أصبح صلوات الله عليه کان القتلي من عسکره أربعة آلاف رجل ، وقتل من عسکر معاوية اثنين وثلاثين ألفاً ، فصاحوا : يا معاوية ، هلکت العرب، فاستغاث بعمروٍ ، فأمره برفع المصاحف .

قال قتادة : کانت القتلي يوم صفّين ستّون ألفاً . وقال ابن سيرين : سبعون ألفاً ، وهو المذکور في أنساب الأشراف ، ووضعوا علي کلّ قتيل قصبة ، ثمّ عدّوا القصب. (1)

قلت : أعظم بها فتنة يملّ من رصفها البنان ، ويکلّ عن وصفها اللسان، ويخفق لذکرها الجنان ، ويرجف لهولها الانسان ، طار شررها فعمّ الآفاق، وسطع لهبها فعم بالاحراق ، وارتفع رهج سنابکها فبلغ أسباب السماء ، وضاقت سبيل مسالکها فانسدّ باب الرجاء.

يالها فتنة اطّيّرت رؤوس رؤوسها عن أبدانها ، وابترت نفوس قرومها بخرصانها ، وبرقت بوارق صفاحها في غمائم عبر تھا ، وضعفت رواعد هزبر أبطالها في سحائب مزنها ، قد کفر النقع شمسها، وأخرس الهول نفسها ، وأبطلت مواقع صفاحها حرکات أبطالها ، وصبغت أستة رماحها أثباج رجالها بحرباتها، لا يسمع فيها إلا زئير أسد غابها سمر القنا ، ولا تري منها إلّا وميض بريق مواضي الأستة والضبا، کم افترست ثعالب عواملها ليثاً عبوساً؟ وکم اخترمت بحدود مضاربها أرواحة ونفوسة ؟ وکم أرخصت في سوق قيامها علي ساقها نفيساً ؟ وکم أذلّت بتواصل صولات حملات

ص: 434


1- مناقب ابن شهرآشوب : 174/3 - 181 ، عنه البحار : 32/ 580 - 589.

قرومها رئيساً ؟

أبدان الشجعان ضرام وقودها ، وأجساد الأمجاد طعام حديدها ، ما صيحة عاد و ثمود بأهول من وقعة صفعتها ، ولا ظلّة أصحاب الأيکة بأصحي من ظلمة ظلّتها ، طفي نحرها فأعرق ، واضطرم جرها فأحرق ، وعمّ قطرها فاجتاج فرعها وأصلها، ودارت رحي منونها فطحنت خيلها ورجلها ، صبح

عادياتها يذهل السامع، وقارعة قوارعها تصخّ المسامع ، تزلّ الأقدام التکاثر زلزالها ، ويحجم الأبطال لخطر نزالها، اختلط خاثرها بزبادها ، وأشبهت أمجادها بأوغادها ، وموافقها بمنافقها ، ومخالفها بموالفها ، ودنيّها بشريفها ، وصريحها بحليفها ، وبرّها بفاجرها ، ومؤمنها بکافرها، فئة تقاتل في سبيل الله وآخري کافرة ، وفرقة تبتغي عرض الحياة الدنيا وفرقة ترجو ثواب الآخرة.

قد فتحت أبواب الجنان الأرواح بذلت وسعها في طاعة ربّها ووليّها ، وشجرة درکات النيران لأنفس أخلفت عهد إمامها ونبيّها ، طالت ليلة هريرها فکم حلايلاً تمت ؟ واضطربت حطمة سعيرها فکم أطفالاً أيتمت ؟ امتدت ظلمتها ، واشتدت سدفتها ، وثلمت صفاحها ، وحطمت رماحها ، وعلا ضجيجها، وارتفع عجيجها ، وتکادمت فحولها ، وتصادمت خيولها ، وتزاّرت آسادها ، و تقطّرت أمجادها.

وکان أمير المؤمنين عليه السلام نجمها الثاقب ، وسهمها الصائب ، وليثها الخادر ، وعينها الهامر ، وبحرها الزاخر ، وبدرها الزاهر ، کم أغرق في لجة بطشه منافقاً ؟ وکم أخرق بشهاب سيفه متنافقأ ؟

جبريل في حروبه مکتب کتابته ، وميکائيل في وقائعه يعجب من

ص: 435

ضرائبه، وملک الموت طوع أمر حسامه ، وروح القدس يفخر بثبات جأشه وإقدامه .

کم فلّ بحدّ غضبه حدّاً ؟ وکم قدَّ بعزم ضربه قداً؟ وکم عفّر في الثري

بصارمه جبيناً و خدّاً ؟ وکم بني للاسلام بجهاده فخراً و مجداً؟

أمثّله في فکرتي ، وأصوّره في سريرتي ، في حالتي مسيره بکتائبه إلي خصمه ، وجلوسه علي وسادته لنشر غرائب علمه ، طوداً يقلّه طرف ، وبحراً يظلّه سقف ، إن تکلّم بيّن وأوضح ، وإن کلم هشم و أوضح ، يقط الأصلاب بضربه ، ويقصّ الرقاب في حربه، آية الله في خلقه ، ومعجز النبيّ علي صدقه، و مساويه في وجوب حقّه ، ومضاهيه في خَلقه وخُلقه ، أفضل خلق من بعده، وأشرف مشارک له في مجده ، کلّ من الرسل الأولي عاتبه ربه علي ترک الأولي؛ قال سبحانه في آدم :( وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی)(1)، وفي نوح : (إنّي أعِظُکَ أن تَکُونَ مِنَ الجَاهِليِنَ) (2) وفي الخليل : (قَالَ أوَلَم تُؤمِن) (3) وفي الکليم :

(فَعَلتُهَا إذاً وأنَا مِنَ الضَّالَّينَ)(4)، وفي داود : (وَظَنَّ دَاوُدَ أنَّمَا فَتَنَّاهُ) (5) وفي سليمان : (إنّي أحبَبتُ حُبَّ الخَيرِ عَن ذِکرِ رَبَّي )(6)، وفي يونس : (وَذَا النُّونِ إذ َذهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ ) (7)

وأمير المؤمنين باع نفسه من ربّه ، وحبس قلبه علي حبّه ، ووقف

ص: 436


1- سورة طه : 121.
2- سورة هود : 46.
3- سورة البقرة :260.
4- سورة الشعراء : 20 .
5- سورة ص : 24.
6- سورة ص : 32.
7- سورة الأنبياء : 87.

جسده علي طاعته ، وفرغ روحه لمراقبته ، أطلعه سبحانه علي جلال عظمته ، وکمال معرفته ، وسقاه من شراب حبه ، واختصه بشرف قربه ، فما في فؤاده إلّا إيّاه ، وما في لسانه إلّا ذکراه ، يفني وجوده في شهوده إذا هو ناجاه ، ويصفو أبحر ندّه في سجوده عمّا سواه ، قد استشعر لباس المراقبة ، وحاسب نفسه قبل المحاسبة.

يأنس بالظلام إذا الليل سجي ، ويستضيء بأنوار الکشف إذا الغسق دجا، ويستوحش من الخلق في حال خلوته مع حبيبه ، ويستنشف نفحات الحق إذ هو کمال مطلوبه ، رقي تقدّم صدقه صفوف الکروبيّين بروحانيّته ، وطار بقوادم عشقه ففات أشباح الصافّين الحافّين بإخلاص محبته ، جذبته يد المحبة بزمام العناية إلي حضرة معشوقه ، وأزاحت کدورات الطبيعة عن مسالک طريقه ، حتي إذا آپس من جانب طور قيّوم الملکوت أنوار عظمته ، واستأنس بمناجاة صاحب العزّة والجبروت واطلع علي أسرار الهيته ، وقرع بيد إخلاصه شريف بابه ، وأصغي بصماخ (وَتَعَيِهَا أُذُنُ وَاعِيَةُ)(1) إلي لذيذ خطابه ، وأشعر قلبه لباس الخضوع بين يديه ، وأحضر لبّه جلال من وجّه مطايا عزمه إليه ، وشاهد بعين يقينه عزّة هيبة سلطانه ، وقطع العلائق عمّا سوي القيام بشروط الخدمة الکبرياء عظم شأنه .

کشف فياض العناية به الحجاب عن جلال کمال عزّته ، ورفع النقاب عن ذلک الجناب فأدرک بکمال عرفانه بهجة حضرته ، أجلسه علي بساط المنادمة في غسق الدجا ، وناجاه بلسان المحبة وقد برح الخفا ، وسقاه بالکأس الروية من شراب ( يُحِبُّهُم وَيُحبُّونَهُ)(2) ويشب في مدارج السلوک إلي عين اليقين

ص: 437


1- سورة الحاقة : 12.
2- سورة المائدة : 54.

يقينه ، و توّجه بتاج وإنَّمَا وَليُّکُمُ) (1)ونفعه نحلة (وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقيِماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّق بِکُم) (2)وجعل له الرئاسة العامّة في خلقه ، وقرن طاعته بطاعته ، وحقّه بحقّه ، وأثبت في ديوان الصفيح الأعلي منشور عموم ولايته ، ووقّع بيد القدرة العليا توقيع شمول خلافته ، يطالع رهبان صوامع العالم الأشرف في اللوح المحفوظ أحرف صفاته ، ويصغي بصماخ توجّهاتها إلي لذيذ مناجاته ، فتحتقر شدّة کدحها في طاعة ربّها في حبّ طاعته ، وتري عبادتها لمبدعها کالقطرة في اليمّ في جانب عبادته.

باهي الله به ليلة الفراش (3) أمينيه جبرئيل و ميکائيل ، وناداهما بلسان الابتلاء وهو العالم من أفعال عباده بکلّ دقيق و جليل : إني قد جعلت عمر أحدکما أطول من عمر الآخر ، فأیّکما يؤثر أخاه بالزيادة ؟ فکلّ منهما بخل ببذل الزيادة لأخيه ، وتلکأ عن جواب صانعه و منشيه ، فأوحي إليهما : هلاکنتما کابن أبي طالب ؟! فإنّه آثر أخاه بالبقية من أجله، وبات مستاقا (4)بسيوف الأعداء من أجَله ، اهبطا إلي الأرض فاحسنا کلاءته وحفظه ، وامنعاه من کيد عدوه في

حالتي المنام واليقظة.

وکذلک يوم أُحد وقد ولّوا الأدبار ، واعتصموا بالفرار ، وأسلموا الرسول إلي الجبن ، ولم يعد بعضهم إلّا بعد يومين ، هذا ووليّ الله يتلقّي عنه السيوف

ص: 438


1- سورة المائدة : 50.
2- سورة الأنعام : 152.
3- حديث مبيت أمير المؤمنين علي عليه السلام علي فراش رسول الله صلّی الله عليه و آله من الأحاديث المتواترة والمشهورة ، انظر : الفصول المائة في حياة أبي الأئمّة : 1/227 - 263 فقد أوفي الکلام في هذا الحديث
4- کذا في الأصل .

بشريف طلعته ، ويمنع عوامل الحتوف بشدة عزمته ، حتي باهي الله يومئذ ملائکته ببطشه القوّي ، ونادي منادٍ من السماء : لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتي إلّا

عليّ

وفي بدر إذا التقي الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، وشخصت الأعين، وخرست الألسن ، وجبت الجيوب ، ووجبت القلوب ، کان صلوات الله عليه و آله قاصم أبطالها ، وميتمّ أشبالها ، وليث ناديها ، وصل داريها ، صب الله بشدة بطشه علي أعدائه سوط عذابه ، وأنزل بالملحدين في آياته من صولة سطوته وخيم عقابه .

صاحب بطشتها الکبري ، وناصب رايتها العظمي ، جعل الله الملائکة المسومين فيها من جملة حشمه وجنده ، ولواء الفتح المبين خافقاًعلي هامة رفعته ومجده ، وشمس الشرک ببدر وجهه مکوّرة ، وجموع البغي بتصحيح عزمه مکشرة ، وهل أتاک نبأ الخصم الألد ؟ أعني مقدام الأحزاب عمرو بن ود البطل الأعبل ، وفارس يليل ، إذ أقبل برز کالليث القرم ، ويهدر کالفحل المغتلم، ويصول مدلاً بنجد ته ، ويجول مفتخراً بشدته ، ويشمخ بأنفه کبراً، ويبذخ بخده صعراً، قد تحامته الفرسان خوفاً من سطوته ، وأحجمت عنه الشجعان حذرة من صولته ، وانهلعت قلوب الأبطال لما طبق الخندق بطرفه ، وذهلت عقول الرجال لما شزرهم بطرفه ، کالأسد الکاسر في غابه ، أو النمر الکاشر عن نابه ، فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وأحجمت الأنصار لما سمعت زئير الأسد المبادر ، وامتدّت نحوه الأعناق ، وشخصت إليه الأحداق ، وخشعت الأصوات، وسکنت الحرکات ، وهو يؤنّب بتعنيفه ، ويجبر بتأفيفه .

فعندها أشرق بدر الحقّ من شفق الفتوة ، وطلعت شمس المجد من برج

ص: 439

النبوّة ، وأقبل علم الاسلام يرفل في ملابس الجلال ، وتبدّی نور الايمان يخطر في حلل الکمال ، کالطود الشامخ في مجده ، أو البحر الزاخر عند مدّه ، قد أيده الله بروح قدسه ، وأوجب من ولائه ما أوجب من ولاء نفسه ، وأيده بالعصمة التامة ، وشرّفه بالرئاسة العامّة، کالقمر المنير في کفّه شهاب ساطع ، أو الموت المبير إذا علا بسيفه القاطع ، حتي إذا قارنه وقاربه وشزره بطرفه عند المصاولة علاه بمشحوذ العذاب لو علا به رضوي لغادر کثيباً مهيلاً ، ولو أهوي به علي أکبر طود في الدنيا لصيّره منفطراً مقلولاً، فخر کالجذع المنقعر ، أو البعير إذا نحر ، يخور بدمه ، ويضطرب لشدّة ألمه ، قد سلبته ملابس الحياة أيدي المنية ، وکسته من نجاح دمه حلّة عدميّة، وکفي الله المؤمنين القتال بوليّه المطلق ، وصدّيق نبيّه المصدّق ، الذي أعزّ الله الاسلام وأهله بعزمه ، وأذلّ الشرک وجنده بقدمه .

فيا من کفر بأنعم ربه ، وأجلب بخيله ورجله علي حربه ، ورابطه مصابراً، وعانده مجاهراً، وأظهر نفاقه الکامن ، وغلّه الباطن ، ألم يکن أبوک في تلک المواطن رأساً للمشرکين ؟ ألم يکن في حرب نبيه ظهيرة للکافرين ؟ ألست ابن آکلة الأکباد البغية ؟ ألست زعيم العصابة الأمويّة ؟ ألست فرع الشجرة الملعونة؟ ألست رأس الأمّة المفتونة ؟ أليس قائد أحزاب المشرکين أباک ؟ أليس أوّل المبارزين في بدر جدّک وخالک وأخاک ، أديرت کؤوس المنون بيد ولي الله عليهم ، وبطرت الحتوف من کثب إليهم ، وأنزل سبحانه (وفَاضرِبُوا فَوقَ الأَغناقِ وَأضرِبُوا مِنهُم کُلَّ بَنَانٍ) (1)منهم ذلک بما قدّمت أيديهم ، قلبت أشلاءهم بعد الموت في القلب ، (وَلَو تَرَی إذ فَزِعُوا فَلَا فَوتَ

ص: 440


1- سورة الأنفال : 12.

قصيدة في أمير المؤمنين عليه السلام

وَأخِدُوا مِن مَکَان قَرِيبً) (1)، لرأيت أعناقهم تقطع صبراً ، وأشلاءهم تبضّع هبراً ، وأمراء هم قد ولّوا الأدبار ، ثمّ لا ينصرون ، وأسراءهم کأنّما يساقون إلي الموت وهم ينظرون.

هؤلاء أسلافک الماضية ، وآباؤک الغاوية ، الّذين قصّ الله قصصهم في محکم تنزيله ، ولعنهم علي لسان نبيّه ورسوله ، وسمّاهم الشجرة الملعونة في القرآن (2) والعصابة الخارجة عن الايمان ، الذين اتخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، واستقسموا بالأزلام خلافاً لأمر الله ، وکان سيّدنا ووليّ أمرنا ومعتقدنا ووسيلتنا إلي ربّنا حينئذٍ أوّل من أسلم لربّ العالمين ، قائماً يومئذ بنصر سيّد المرسلين .

مقالکم في أحدٍ أعل هبل وقوله الله أعلي وأجل أوّل من آمن بالله ومن صلّی وصام تابعاً خير الرسل وخير من واسي النبيّ في الوغا وخير من في الله نفسه بذل يا من تلمني في هواه لا تلم فحبّه وجدته خير العمل من کفّه رجوت أسقي شربة ختامها مسک وفي ذلک فل أنا الذي من عهده مستمسک بعروة عقد ولاها لا تحل خير ولي ليس يحصي فضله ومجده عزّ عن الوصف وجل

ب عد إلهي ونبیّي لا أري سواه ينجيني إذا الخطب نزل في القلب منّي منزل لحبه متحکّم بصدق عهدي لم يزل أهتف باسمه إذا خطب عرا وأسأل الله به

وأبتهل فإننّي ومن أجل کيده بسا حتي العکس جابني الأمل (3)

ص: 441


1- سورة سبأ : 51.
2- إشارة إلي الآية : 60 من سورة الاسراء .
3- البيت لا يخلو من اضطراب - کما تلاحظ .. !

رفضت رجسين تسمّيا بما سمّاه ذو العرش قديماً في الأول ودنت ديناً قيّماً إنّهما في الکفر شرّ من يغوث وهبل وهکذا ثالثهم أظلم من حلّ علي وجه الثري أو ارتحل ومن أتت لحربه و خالفت إلهها وبعلها يوم الجمل وسائقي بعيرها وقائدي نفيرها ومن رضي ومن دخل ومن بصفّين عليه جرّدوا بيض الضبا واعتقلوا سمر الأسل وأقبلوا يقدمهم زعيمهم رأس النفاق والغرور والحيل نجل الطغاة الطلقاء والّذي لعنهم في محکم الذکر نزل ومن عن الحق السوي مرقوا وخالفوا جميع أرباب الملل کلّهم قد فارقوا دين الهدي وقارفوا الکفر بقول وعمل عليهم من ذي الجلال لعنة دوامها حتي القيام متّصل ما سيّرت أفلاکها بشمسها وابتلج الصبح وأظلم الطَفَل(1)

اللّهمّ يا من أفرغ علي أعطاف عقولنا ألطاف کرامته ، وحلّي أجياد نفوسنا بجلي عنايته ، ورفع قواعد ملتنا ، وجمع علي التقوي کلمتنا ، وأثبت في دوحة الايمان أصولنا ، وسقي بزلال الاخلاص فروعنا ، و تمّم باتّباع سبيل نبيّه ووليّه

حدودنا ورسومنا ، فصرنا لا نعتقد سواه قديماً أزليّاً ، ولا نري وجوداً غير وجوده أبدي ديموميا ، ننزّهه عن الشريک والعديل، ونقدّسه عن الشبيه والمثيل، خلقنا لننرّهه ونمجده ، وأوجدنا لنعبده ونوحدّه ، وجعل نفع ذلک واصلاً إلينا ، ومضاعفاً علينا ، لا لحاجة منه إلي عبادتنا ، ولا لفائدة عائدة إليه من

طاعتنا.

ص: 442


1- الطَفَل : المساء .

ظهر لأفکارنا بآثار صنعته ، واحتجب عن أبصارنا بکبريائه وعظمته، وفرض علينا بعد الإقرار بأنّه الواحد الأحد المبتدع المخترع ، و عرفان ما يصحّ علي ذاته الشريفة ويمتنع ، و تعاليه عمّا لا يليق بجلاله من تعارض خلقه، والاذعان بالتسليم لأمره وقضاء حقّه ، سلوک سبيل من أقامهم هداة إليه ، وإدلاء في مفاوز الضلالة عليه ، والتسليم لأمرهم ، والتنويه بذکرهم ، والاخلاص بشکرهم ، والاتّضاع لقدرهم ، والاغتراف من بحر علمهم ، والاعتراف بصواب حکمهم ، وأن لا يقدّم عليهم من سجد لصنم ، أو استقسم بزلم ، أو بحر بحيرة ، أو عتر عتيرة ، قد نمته الخبيثون والخبيثات ، وحاق به دناءة الآباء و عهر الأمّهات.

ونعتقده انّه سبحانه قرن حبّهم بحبّه ، وجعل حربهم کحربه ، وسلمهم کسلمه ، وعلمهم من علمه ، فهم أولوا الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعته ، وهداة الخلق إلي ما اختلفوا فيه من فرض دينهم وسنّ حسدهم من لعنه الله وغضب عليه ، وأعدّ له خزه يوم يقوم الناس لديه .

أغري الشيطان بهم سفهاءه ، وأعلي عليهم أولياءه ، وزيّن للناس اتّباعهم، وجعلهم أشياعهم وأتباعهم ، وستي رأس الکذبة صديقهم ، وأساس الظلمة فاروقهم ، وخائن الأمّة وليّ أمرهم ، وأجهل الأمّة کاتب وحيهم ، وولوا الناس بغرورهم ، وحرّفوا کتاب الله بزورهم ، وأخلفوا عهد الرسول ونبذوا ميثاقه المأخوذ عليهم ، وجرّدوا عليهم سيوفهم وعواملهم ، وفوّقوا نحوهم سهامهم ومعابلهم .

ثمّ تفکّر في حال الرجس اللئيم ، والدنس الأثيم ، ابن آکلة الأکباد ،

ونتيجة الآثمة الأوغاد ، وما أظهر من الکفر والالحاد ، والبغي والعناد، وليس ذلک ببدع من قبيح فعله ، وزنيم أصله ، فهو من قوم طوّقهم الله بطوق لعنته في

ص: 443

قصيدة للمؤلف رحمه الله في مثالب أعداء أمير المؤمنين عليه

السلام

الدار الفانية ، وأعدّ لهم أليم عقوبته في جحيمه الهاوية.

اللّهمّ إنّا نتقرّب إليک بلعنته وسبّه ، وتکفير مصوّبي اجتهاده في حربه ، ولما تصوّرت شدّة شکيمته في غيّه، وخبث سريرته بيغيه ، وأذاه للنبيّ وأهله، وعداوته للوصيّ ونجله ، کنت أخاطبه بکلمات أوحاها جناني ، وأقصده بلعنتي في سرّي وإعلاني ، وأذبحه بذکر مساويه ببليغ نثري ، وأورد نبذة من مخازيه بفصيح شعري ، فمن جملة ذلک أبيات القاها خالص الايمان علي بنان نطقي، وأهداها الملک الديّان إلي لسان صدقي ، تحلّي الطروس بذکرها ، و تسرّ النفوس بنشرها ، وهي هذه : يا ابن البغيّة يا رأس البغاة ويا

نجل الطغاة وأهل الزيغ والزلل

وأهل بدر وأُحدٍ والذين سروا

الحرب خير الوري بالبيض والأسل

ومن بلعنتهم جاء الکتاب وفي

الأحزاب ذکرهم حتي القيام جلي

و يا ابن من کان رأس المشرکين ويا

رأس النفاق وأهل الشرک والخطل

رمتم بأن تطفئوا نور الهدي بعدت

أحزابکم مثل سهل الأرض والجبل

فأرسل الله جندة لم تروه علي

جموعکم فانثنيتم خائبي الأملِ

.

يقسومواهد

ص: 444

حتي إذا قام دين الحقّ منتصباً

يزهو فخاراً إذ المحفوظ منه

وذل ماعز من تراکم وغدا

مکسراً جمعها للکسر من هبل

وعمرو ودّکم أمسي کودکم

مقسماً بحسام الضيغم البطل

هادي الخليقة محمود الطريقة

معصوم الحقيقة نور الله في الأزل

ليث الکتيبة مشهور الضريبة

ذي القربي القريبة ثاني خاتم الرسل

نفس الرسول وواقيه بمهجته

وناصر دينه بالقول والعمل

ربّ الفراش إذا المختار اخرج من

مقامه في الدجا يسري علي وجل

بدت لأهل العلي أنوار طلعته

فوق الفراش کبدرٍ تمّ في الطَفلَ

من جدّک الرجس في بدرٍ و خالک مع

و أخيک عمّا لقوه منه قف وسَل

يُنبيک صارمه عنهم بأنّهم

مابين منعفر منه ومنجدل

ص: 445

يا أکفر الخلق من بدوٍ ومن حضر

وأظلم الناس في حلٍّ ومرتحل

لم تؤمنوا رغباً في الدين بل رهباً

وخشيته من حسام قاطع الأجل

في کف أبلج يوم الروع طلعته

کالشمس مشرقة في دارة الحمل

غدا وليدکم من ثدي صارمه

البان صرف الردي بالغلّ والنهل

کهف الأنام وهاديهم ومنقذهم

ومن بهم سالک في أوضح السبل

وغيث ما حلتم إن أزمّة قرعت

وغيث صارخهم في الحادث الجلل

سل عن فضائله جماً فإنّ له

في الذکر ذکر جليل سار کالمثل

يوم القموص علي شأناً بسطوته

إذ ردّ شانئه بالخذل والفشل

کانت حصوناً حصاناً في شوا

هقها إلي ذراها سحاب المزن لم تصل

فافتضّ بالذکر الصمصام عذرتها

فأصبحت من دماء القوم في حلل

ص: 446

في عدد القتلي من العسکرين ، ورفع المصاحف

وظيخها(1) طاح قد صارت سلالمه

منکساً منه أعلاها إلي السفل

يا قالع الباب يا باب النجاح ومن

أوقفت دون الوري في بابه أملي

أرجو بک الله يوم الحشر ينقذني

وأن يضاعف ما قد قلَّ من عملي

ولا يجبهني حيث الفضيحة بي

أولي ويستر ما أخفيت من زللي

ولا تکلني إلي نفسي وتجعلني

في کلّ حال علي علياه متّکلي

ولمّا جري ما جري في ليلة الهرير وکان القتل فاشياً في عسکر معاوية کمابيّنّا أوّلاً أنّ القتلي کانت من عسکر علي عليه السلام أربعة آلاف رجل ، ومن عسکر معاوية اثنين وثلاثين ألفاً ؛ وقيل : أکثر کما ذکر فأصبح معاوية وقد أسقط في يده ، وأشرف علي الهلکة ، فقال لعمرو : نفرّ أو نستأمن ؟

قال : نرفع المصاحف علي الرماح ونقرأ : (ألَم تَرَ إلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِن الکِتَابِ يُدعَونَ إلَي کِتَابِ اللهِ لِيَحکُمَ بَينَهُم) (2)فإن قبلوا حکم القرآن رفعنا الحرب وواقفناهم(3)إلي أجل مسمّي ، وإن أبي بعضهم إلّا القتال فللنا شوکته (4) ووقعت الفرقة بينهم .

ص: 447


1- کذا في الأصل
2- سورة آل عمران : 23.
3- في المناقب : ورافعنا بهم .
4- في المناقب : شوکتهم ، وتقع بينهم الفرقة ، وآمر بالنداء : فلسنا ولستم من المشرکين ...

فرفعوا المصاحف علي الرماح، وبان من جملتها مصحف يقال إنّه مصحف الإمام وحملوه علي أربعة رماح، وأتبعوه بأربعمائة مصحف أخري، ونادوا من کلّ جانب : فلسنا ولستم من المشرکين، ولا المجمعين علي الردّة، فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين وللبلدة، وإن تدفعوها ففيها الفناء وکلّ بلاء إلي مدّة.(1)

وکان جلّ عسکر أمير المؤمنين منافقين عليهم لعائن الله کمسعر بن فدکي ، وزيد بن حصين الطائي ، والأشعث بن قيس الکندي ، وغيرهم، ممن کان أشدّ الناس عداوة لأمير المؤمنين في الباطن ، وإنّما خرجوا معه تعصّباً لأنّهم کان لهم أضراب وأنداد عند معاوية، فخرجوا حميّة لذلک وللدنيا، ولهذا کان أکثرهم ممّن حضر حرب الحسين عليه السلام، واستحلّوا منه کلّ حرمة ، وأظهروا له کامن عداوتهم ، فلعنة الله عليهم ، وکذلک خذلوا مسلم بن عقيل وزيد ابن علي بن الحسين حتي قتل بين ظهرانيهم، لم يراعوا فيه حرمة جدّه رسول الله ، فلهذا رمي الله بلدتهم بالذلّ الشامل والسيف القاطع، واستجاب دعاء سيّد الوصييّن صلوات الله عليه بقوله : اللّهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف الذالّ المیّال (2)يبيد خضراءهم ، ويستأصل شأفتهم (3)

قيل : إنّ رجلاً من ذوي العقول من أهل الکوفة لمّا رأي سبايا الحسين عليه السلام وحرم رسول الله صلّی الله عليه و آله وبناته يطاف بهنّ في شوارع الکوفة علي أقتاب الجمال کأساري الخزر والترک عمد إلي جميع ما يملک من

ص: 448


1- مناقب ابن شهرآشوب : 182/ 3
2- الذيّال : الّذي يجرّ ذيله علي الأرض تبختراً. والميّال : الظالم
3- نهج البلاغة : 174 خطبة رقم 117، شرح نهج البلاغة : 277/7 ، الکامل في التاريخ :587/4 ، البحار : 91/34 ح 941،وج 332/41 ح 54، وج 327/66 .

في کثرة من مات في سجن الحجاج، وسيرته مع أهل العراق

عقار و غيره فباعه وارتحل عنها ، وقال : بلد يطاف فيه بعيال رسول الله ونسائه. وترفع رؤوس رجالهم علي رؤوس الرماح لا يفلح أبداً، فما عسي أن يقال في بلدة خذل أهلها الوصيّ المرتضي، ونافقوا سبط خاتم الأنبياء، وراموا قتله، وانتهبوا ثقله، ونکثوا بيعته ، ثمّ کانت واقعة سيّد الشهداء، وقرّة عين سيدة النساء، وخامس أصحاب الکساء، کاتبوه ووعدوّه النصر علي عدوّه، فجرّدوا عليه سيوفهم وعواملهم، وقتلوه عطشاناً، وسبوا ذراريه ونساءه، ليس منهم رجل رشيد ينکر فعلهم، بل ضربت عليهم الذلّة وشملهم خزي الدنيا ( وَلَعذَابُ الآخِرَةِ أخرَي وَهُم لا يُنصَرُونَ )(1)

فلهذا منعهم الله لطفه، وأحلّ بهم غضبه، وسلّط عليهم غلام ثقيف الّذي توعّدهم به أمير المؤمنين، وزياد بن أميّة، وغيرهم، من الخارجين في الاسلام حتي صارت براحاً کأن لم تغن بالأمس(2).

روي أنّه مات في سجن الحجّاج مائة وعشرون ألف من غير قتل(3) وکان سجنه ليس له سقف يضلّ من حرًّ أو قرّ، وکان عليه لعنة الله لا يرفع عنهم سيفه ولا سوطه، وکان لا يخاطبهم إلّا بالتهديد والوعيد ويقول : يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق ومساويء الأخلاق، إنّه قد ضاع سوطي فأقمت مقامه السيف ، والله لألحوَنّکُم لَحوَ العَصَا(4)، ولأضربنّکم ضرب غرائب الإبل، ولمّا تجهّز عليه اللعنة إلي حرب الأزارقة قال : والله لا أري أحداً منکم بعد ثلاث إلّا

ص: 449


1- سورة فصلت: 16.
2- إشارة إلي الآية : 24من سورة يونس .
3- انظر : الکامل في التاريخ :587/4 .
4- انظر الکامل في التاريخ :376/4 - 377. واللحاء : ما علي العصا من قشرها.

کلام أمير المؤمنين علي عليه السلام مع أهل الکوفة

ضربت عنقه ، ثمّ بعد ثلاث سار في أزقّة الکوفة فلم ير أحداً ، وکان الرجل منهم يرسل أمته من منزل العسکر لتلحقه بزاده ولا يجسر علي الدخول لذلک.

وهذا معني قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إنّي والله - يا أهل

الکوفة - أعلم ما يصلحکم، ولکنّي لا أفسد نفسي بصلاحکم.(1)

معني کلامه عليه السلام : انّه لا يقيم أودهم إلّا الظلم والعسف والقتل کما فعل الحجّاج وغيره بهم، ولو کان الايمان قد أثلج في قلوبهم، والاخلاص قد باشر نياتهم، لابتغوا الدليل المرشد ، والهادي الناصح ، والمعلّم المشفق، الّذي جعله الله لسانه في خلقه ، وعينه في عباده ، وأيّده بالعصمة ، وقلده أحکامه، لا يوازي في العلم، ولا يضاهي في المجد، فنافقوه وخذلوه وغدروا به بعد أن لاحت علامات النصر ، وسطعت أنوار الفتح ، وطلع فجر الحق ، وأشرف صلوات الله عليه بثبات جأشه ، وقوة نصيحته ، وحياطته للاسلام وأهله، علي إدحاض الباطل وجد أصله، واستئصال شأفته ، فتقاعسوا عن نصره، وأظهروا مکنون نفاقهم، وأبدوا مستور شقاقهم ، وقالوا ما قالوا ، وواجهوه بما واجهوا ، فعليهم العائن الله ما أخبث نياتهم ، وأدغل قلوبهم، وأعظم فتنتهم، فلهذا أنزل الله بهم ما أنزل، وأحل بهم ، فلا تراهم إلي يوم الناس إلا مقهورين مضطهدين تسومهم الاعتام سوءً العذاب ، ويفتح عليهم من الأذي کلّ باب، لا يخلصون من فتنة إلّا

ص: 450


1- انظر : نهج البلاغة : 99 خطبة رقم 69.

انخداع أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام حين رفع المصاحف

البلاد وقعوا فيما هو أعظم منها ، ولا ينجون من ظالم إلّا أتاهم ظالم ينسيهم ذکر الظالم الأوّل.

روي أنّ مسعر بن فدکي و زيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس وکانوا من جلّة عسکر أهل العراق قالوا لأمير المؤمنين لمّا رفعت المصاحف : أجب القوم إلي کتاب الله .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويحکم والله ما رفعوا المصاحف إلّا

خديعة ومکيدة حين علمتموهم.

وقال خالد بن معمّر السدوسي: يا أمير المؤمنين ، أحبّ الأمور إلينا ما

کفينا مؤنته.

فلمّا سمع عسکر أهل العراق کلامهم أقبل إلي أمير المؤمنين منهم عشرون ألفاً يقولون: يا عليّ، أجب القوم إلي کتاب الله إذ دعيت وإلّا دفعناک برّمتک إلي القوم ، أو نفعل بک کما فعلنا بعثمان.

فأجابهم صلوات الله عليه ، فقال : احفظوا عنّي مقالتي فإنّي آمرکم

بالقتال، فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لکم.

قالوا: فابعث إلي الأشتر ليأتيک ، فبعث يزيد بن هانيء السبيعي يدعوه.

فقال الأشتر رضي الله عنه : قد رجوتُ أن يفتح الله لا تعجلني ، وشدّد في القتال، فقالوا حرّضته علي الحرب، ابعث إليه بعزيمتک فليأتيک وإلّا والله اعتزلناک(1)

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا يزيد، عد إليه فقل له : أقبل إلينا فإنّ

ص: 451


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : اغترفناک .

رجوع الأشتر، واختيار المخدوعين لأبي موسي

الفتنة قد وقعت.

فأقبل الأشتر يقول : يا أهل العراق، يا أهل الذلّ والوهن، أحين علوتم

القوم وعلموا أنّکم لهم قاهرون رفعوا المصاحف خديعة ومکراً؟

فقالوا: قاتلناهم في الله ونصالحهم في الله. فقال : أمهلوني ساعة، أحسست بالفتح، وأيقنت بالظفر . قالوا: لا. قال : أمهلوني عدوة فرسي.

فقالوا : إنّا لسنا نطيعک ولا لصاحبک ، ونحن نري المصاحف علي رؤوس

الرماح ندعي إليها.

فقال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم إلي وضع الحرب فأجبتم.

فقام جماعة من بني بکر بن وائل، فقالوا: يا أمير المؤمنين ، إنّ أجبت

القوم أجبنا، وإن حاربت حاربنا، وإن أبيت أبينا.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نحن أحقّ من أجاب إلي کتاب الله ، وإنّ معاوية وعمرواً، وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحّاک بن قيس ليسوا بأصحاب دين و قرآن ، أنا أعرف منکم بهم، قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً - في کلام له -، ثمّ اتّفقوا علي أن يقيموا حکمين، فقال أهل الشام : قد اخترنا عمرو اً.

فقال الأشعث وابن الکوّاء ومسعر بن فدکي وزيد الطائي: نحن اخترنا أبا

موسي.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إبتکم عصيتموني في أوّل الأمر فلا

ص: 452

تعصوني الآن.

فقالوا : إن أبا موسي کان يحذّرنا ممّا وقعنا فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّه ليس بثقة، إنّه فارقني وخذّل الناس

عنّي ، ثمّ هرب منّي حتي أمنته بعد شهر ، ولکن هذا ابن عبّاس اولّيه ذلک .

فقالوا : ما نبالي أنت کنت أو ابن عبّاس. قال : فالأشتر. فقال الأشعث: رجل مسعر حرب وهل نحن (1)إلّا في حکم الأشتر؟

قال الأعمش : حدّثني من رأي عليّاً عليه السلام يوم صفّين وهو يصفق إحدي يديه علي الأخري ويقول : يا عجباً أعصي ويطاع معاوية ! ثمّ قال : قد أبيتم (2) إلّا أبا موسي؟

قالوا: نعم. قال : فاصنعوا ما بدا لکم، اللّهمّ إنّي أبرأ إليک من صنيعهم.

فقال خريم (3)بن فاتک الأسدي: لو کان للقوم رأي يرشدون به أهل العراق رموکم بابن عبّاس لکن رموکم بشيخ من ذوي يمنٍ لم يدر ما ضرب أخماس بأسداس

فلمّا اجتمعوا کان کاتب أمير المؤمنين عليه السلام عبيد الله بن أبي رافع ، وکاتب معاوية عمير بن عبّاد الکلبي ، فکتب عبيد الله بن أبي رافع: هذا ما

ص: 453


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : يجز .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : قال : رمتم.
3- کذا في أعيان الشيعة :315/6 ، وفي الأصل والمناقب : خزيم.

في صلح الحديبية ، وإخبار النبي صلي الله عليه و آله لأمير المؤمنين

عليه السلام بأن له مثلها يعطيها وهو مضطهد

تقاضي عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان .

فقال عمرو: اکتبوا اسمه واسم أبيه هو أميرکم أمّا أميرنا فلا. فقال الأحنف : لا تمح إسم إمارة المؤمنين ، فلم يقبلوا منه .

فقال أمير المؤمنين : امح نزحه الله ، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام(1): الله أکبر ، واحدة بواحدة، وسنّة بسنّة، ومثل بمثل ، إنّي لکاتب رسول الله يوم الحديبيّة.

روي أحمد في المسند(2) أن النبيّ صلّی الله عليه و آله أمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يکتب يوم الحديبيّة : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: هذا کتاب بيننا وبينک فافتحه بما نعرفه، واکتب : باسمک اللّهمّ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله صلّی الله عليه و آله وسهيل بن عمرو وأهل مکّة.

فقال سهيل : لو أجبتک إلي هذا لأقررت لک بالنبوة.

فقال : امحها يا عليّ ، فجعل أمير المؤمنين يتلکّأ ويأبي فمحاها النبيّ صلي الله عليه و آله، وکتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و أهل مکّة .

روي محمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفيان ، عن محمد بن کعب أن النبيّ

صلّی الله عليه و آله قال لعلي: فإنّ لک مثلها تعطيها وأنت مضطهد(3)

ص: 454


1- في المناقب : لا تمح اسم إمارة المؤمنين ، امح نزحه من الله ، فقال علي عليه السلام .
2- مسند أحمد:86/4 - 87.
3- انظر فيه وفيما يليه : وقعة صفّين : 509، تفسير القمّي: 313/2 ، خصائص النسائي :152ح186 ، المسترشد: 70، دلائل النبوّة للبيهقي : 147/4 ، إرشاد المفيد : 63، تنزيه الأنبياء:186، الذخيرة : 406، أمالي الطوسي: 191/1 ، مناقب الخوارزمي: 193 ح 231، مجمع البيان: 5/ 119، إعلام الوري : 106 و 191، الخرائج والجرائح : 116ح192، الکامل لابن الأثير :232/2، وج 3/ 320، مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 184،شرح نهج البلاغة : 232/2 ، الفصول المهمّة : 97، کشف الغمّة : 210/1، سبل الهدي 123/5.

اتفاق الحکمين : عمرو بن العاص وأبو موسي الأشعري

الماوردي في أعلام النبوّة أنّه قال صلّی الله عليه و آله : ستسأم مثلها يوم

الحکمين.

وفي رواية : ستدعي إلي مثل هذا فتجيب وأنت علي مضض.

وفي رواية : إن لک يوماً - يا عليّ - مثل هذا اليوم، أنا أکتبها للآباء، وأنت

تکتبها للأبناء.

فقال عمرو : يا سبحان الله ! نشبّه بالکفّار ونحن مسلمون مؤمنون .

فقال عليه السلام : يا ابن الباغية(1) أو لم تکن للمشرکين وليّاً وللمؤمنين عدوّاً؟ أو لم تکن في الضلالة رأساً وفي الاسلام ذنباً ؟ - في کلام له - فکتبوا أن يحکموا بما في کتاب الله وينصرفوا والمدّة بينهم سنة واحدة کاملة ويکون مجتمع الحکمين بدومة الجندل .

فلمّا اجتمعا قال عمرو لأبي موسي : نخلع هذين الرجلين ونختار لهذه

الأمّة، فأجابه أبو موسي إلي ذلک وقال : سمّ لي رجلاً يليق لهذا الأمر.

قال عمرو: يا أبا موسي، أنت أولي أن تسمّي رجلاً يلي أمر هذه الأمّة ،

فإنّي أقدر علي أن أبايعک منک علي أن تبايعني.

قال أبو موسي : أسمّي لک عبد الله بن عمر .

ص: 455


1- في المناقب : النابغة .

فقال عمرو: فإني أسمّي لک معاوية بن أبي سفيان.

وفي رواية : انّ عمرو قال : إنّهما ظالمان فإنّ عليّاً آوي قتلة عثمان، وأمّا معاوية فخذله، فتخلعهما ونبايع عبد الله بن عمر لزهادته واعتزاله عن الحرب .

فقال أبو موسي: نعم ما رأيت.

قال : فإنّي قد خلعت معاوية فاخلع أنت عليّاً، وإن شئت فاخلعه غداً فإنّه يوم الاثنين، وکان ذلک بينهما، فلمّا أصبحا خرجا إلي الناس، فقالا: قد اتّفقنا، فقال أبو موسي: تقدّم فاخلع صاحبک بحضرة الناس.

فقال عمرو : سبحان الله ! أتقدّم عليک وأنت في موضعک وسنّک وفضلک مقدّم في الاسلام والهجرة، ووافد رسول الله صلّی الله عليه و آله إلي اليمن، وصاحب مقاسم أبي بکر، وعامل عمر، وحکم أهل العراق ، فتقدّم أنت ، فقدمه .

فقال أبو موسي لعنه الله : إنا والله - أيّها الناس - قد اجتهدنا رأينا ولم نر أصلح للأمّة من خلع هذين الرجلين ، وقد خلعت عليّاً ومعاوية کخلع خاتمي

هذا.

فقال عمرو: لکنّي خلعت صاحبه کما خلع وأثبت معاوية کخاتمي

[هذا] (1) وجعله في شماله . (2)

فلعنة الله علي عمرو وصاحبه. فوالله لقد علما الحقّ وأنّه مع أمير المؤمنين

ص: 456


1- من المناقب
2- مناقب ابن شهرآشوب: 182/2 - 185، عنه البحار : 312/33 - 314 إلي قوله : « وأنت مضطهد ».

يدور حيث ما دار ، وأنّه کتاب الله الناطق الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولکن الحقد القديم، والنفاق الکامن، والميل مع الدنيا وأهلها کيف مالت، والشيطان المغويّ.

فلعنة الله عليهم کأنّهم لم يسمعوا قول الله سبحانه : ( يّا أيُّها الَّذين آمَنُوا

اتَّقُوا اللهَ وَکُونوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (1) وقوله سبحانه : و (أفَمَن يَهدِي إلي الحَقّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أم مَن لاَ يَهدَّي إلّا أن يُهدَی فَمَالکُم کَيفَ تَحکُمُونَ) (2) وقوله سبحانه : ( تِلکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعلُهَا لِلَّذينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرِض وَلَا فَسَاداً واَلعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ) (3) بلي والله سمعوها ووعوها -کما قال أمير المؤمنين - ولکن حلت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها(4)، وعدلوا بالحقّ عن أهله، ووضعوه في غير محلّه ، واتّبعوا کلّ ناعق، واقتدوا بکلّ ناهق.

و تبّاً لدنيا يقدّم فيها الأشرار علي الأخبار، والأوغاد علي الأبرار،

وسحقاً لأمّة عدلت سيّد الخلق وأعلمهم وأفضلهم، وأکملهم علماً وحلماً وطاعة لله، وحياطة لرسول الله ، ونصراً للاسلام وأهله، وجهاد في الله، وقرباً من رسول الله صلّی الله عليه و آله ، أول الناس إسلاماً ، وأقربهم من الله مقاماً، لم يشرک بالله طرفة عين، ولّاه الله أمر خلقه في کتابه ، وأقامه إماماً لبريته في تنزيله وعلي لسان رسوله ، فقام بأمر الله صادعاً، وبالحقّ ناطقاً.

کم غرّر نفسه في المهالک لإقامة دين الحقّ؟ وکم قذف بذاته في أضيق

ص: 457


1- سورة التوبة : 119.
2- سورة يونس: 35.
3- سورة القصص : 83.
4- نهج البلاغة : 49- 50 خطبة رقم 3. والزِبرِج: الزينة من وَشي أو جوهر .

المسالک في الحروب لإعلاء کلمة الصدق ؟ حتي قتل أبطال المشرکين، وکسر أصنام الملحدين، وأدخل الناس في دين الله أفواجاً، بمن لا يعادل عند الله جناح بعوضة، أجهل الخلق أباً وأمّاً، والأمهم أصلاً وفرعاً، ربّي في حجر الشرک، ونشي في معهد الکفر، وارتضع ثدي النفاق، فرع الشجرة، وأصل الفجرة، ورأس المنافقين، وأساس القاسطين، الذي لعنه رسول الله صلّی الله عليه و آله ولعن أباه وابنه في قوله : اللّهمّ العن الراکب والقائد والسائق (1)

فتبّاً لها أمّة ضالة، وسحقاً لها طائفة عن الحقّ عادلة، ما أشدّ جهلها ، وأسفه حلمها، وأضعف عقولها، وأخسر صفقتها ، و أکسد تجارتها ؟ إذ عدلت عن مهابط التنزيل إلي مواطن الأباطيل ، وعن أعلام الإيمان إلي أحزاب الشيطان، واستبدلوا بالدرّ الثمين السرجين ، واتّبعوا ما يتلو الشيطان(2)

روي في معني قوله سبحانه : ( وَمِنَ النَّاس مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَی حَزفٍ) (3)

أنّه کان أبو موسي وعمرو.

وروي ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة ، قال : کنت مع أبي موسي علي شاطيء الفرات ، فقال : سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتي بعثوا حکمين ضالّين ضالّ من اتّبعهما، ولا تنفکّ أمورکم تختلف حتي تبعثوا حکمين يضلّان ويضلّ من

تبعهما.

ص: 458


1- وقعة صقين : 220، عنه البحار : 190/33 ، والمقصودون هم: أبو سفيان، ومعاوية وأخوه.
2- إقتباس من الآية : 102 من سورة البقرة
3- سورة الحجّ: 11.

رجوع أمير المؤمنين عليه السلام بعد التحکم إلي الکوفة

فقلت : أعيذک بالله أن تکون أحدهما.

قال : فخلع قميصه وقال : برّأني الله من ذلک کما بأني من قميصي(1)

اللّهمّ العن عمرواً وأبا موسي، ومن أشار بتحکّمهما، ورضي بحکمهما، وصوّب اجتهادهما، وحسّن رأيهما، وشکّ في نفاقهما، وحصّر لعنهما ، إنّک أشدّ بأساً وأشدّ تنکيلاً.

ولمّا رجع أمير المؤمنين عليه السلام بعد التحکّم إلي الکوفة اجتمعت الفرقة المارقة عن الايمان، أهل الزيغ والبهتان، وقالوا : إنّ عليّا قد حکم في دين الله، وکلّ من حکم في دين فقد کفر، لقوله سبحانه : ( وَمَن لَم يَحکُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأولَئِکَ هُم الکافِرُونَ)(2)ودخلت عليهم الشبهة في ذلک ، فهم الضالّون المضلون الذين قال الله فيهم : ( (قُل هَل نُنَبَّئُکُم بِالأخسَرِينَ أعمَالاً . قال أمير المؤمنين لمّا سئل عن معناها : هم أهل حروراء، ثمّ قال : - الَّذِينَ ضلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أنَّهم يُحسِبُونً صُنعاً - في قتال أمير المؤمنين عليه السلام - أُولَئِکَ الَّذين کَفَرُوا بِآيَاتِ رَبَّهِم وَلِقَائِهِ فَحَبطَت أعمَالُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزناًذَ لِکَ جَزَاؤُ هُم جَهَنَّمُ بِمَا کَفَرُوا - بولاية عليّ بن أبي طالب - وَاتَّخَذُوا آيَاتِي - القرآن - وَرُسُلي - يعني محمّداً - هُزواً (3) واستهزوا (4) بقوله صلّی الله عليه و آله : من کنت مولاه فعليّ مولاه.

ص: 459


1- مناقب ابن شهرآشوب : 181/3 - 182، عنه البحار : 311/33 - 562.وانظر : تاريخ اليعقوبي : 2/ 190، ومروج الذهب :403/2 .
2- سورة المائدة : 44.
3- سورة الکهف : 106-103.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : استهزاء .

تفسير الفلکي : قال النبيّ صلّی الله عليه و آله في قوله سبحانه : ( يَومَ تَبيَضُّ وُجُوهُ وَتَسوَدُّ وُجُوهُ فَأمَّا الَّذِينَ آسوَدَّت وُجُوهُهُم » (1) فهم الخوارج (2)

وقال صلّی الله عليه و آله فيهم: يأتي قوم من بعدي يحتقر أحدکم صلاته في جنب صلاتهم وعبادتهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية ، طوبي لمن قتلهم وقتلوه.(3)

وروي البخاري ومسلم والطبري والثعلبي في کتبهم أنّ ذا الخويصرة

التميمي((4)أتي النبي صلّی الله عليه و آله وقال : أعدل بالسوية.

فقال له رسول الله صلّی الله عليه و آله : ويحک، إنّ لم أعدل أنا فمن

يعدل ؟

فقال عمر: ائذن لي حتي أضرب عنقه .

فقال : دعه فإنّ له أصحاباً ، فذکر وصفه (5) فنزل (وَمِنهُم مَن يَلمزُکَ فِي

الصَّدَقاتِ ) (6)

وروي من طرق شتّي أنّه ذکروه بين يدي (7)رسول الله صلّی الله عليه و آله

ص: 460


1- سورة آل عمران: 106.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 186/3 - 187، عنه البحار : 326/33 - 327ح 573. وانظر : العمدة لابن البطريق : 461 ح 9687.
3- انظر : الأحاديث الغيبية : 281/1 - 307ح164 - 177.
4- هو حرقوص بن زهير رئيس الخوارج.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وصيه.
6- سورة التوبة : 58.
7- في المناقب : مسند أبي يعلي الموصلي وإيانة ابن بطّة العکبري وعقد ابن عبد ربّه الأندلسي وحلية أبي نعيم الأصفهاني وزينة أبي حاتم الرازي وکتاب أبي بکر الشيرازي أنّه ذکر بين يدي ..

قول رئيس الخوارج حرقوص بن زهير لرسول الله صلي الله عليه

وآله : أعدل بالسوية !

بکثرة العبادة ، فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : لا أعرفه ، فإذا هو قد طلع.

فقالوا : هو هذا.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : إنّي لأري بين عينيه سفعة(1) من الشيطان ، فلمّا رآه قال : هل حدّثتک نفسک إذ طلعت علينا إنّه ليس في القوم مثلک ؟

قال: نعم، ثمّ دخل المسجد فوقف يصلّی، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ألا رجل يقتله؟ فجرّد(2) أبو بکر عن ذراعيه وصمد نحوه فرآه راکعاً، فقال : أقتل رجلاً يرکع ويقول : لا إلّا الله !

فقال صلّی الله عليه و آله : لست بصاحبه.

ثم قال : ألا رجل يقتله ؟ فقام عمر فرآه ساجداً، فقال : أقتل رجلاً يسجد

ويقول: لا إله إلّا الله !

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : اجلس فلستَ بصاحبه، قم يا عليّ، فإنک

أنت قاتله، فمضي وانصرف، فقال : ما رأيته .

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : أما إنه لو قتل لکان أوّل فتنة وآخرها.

وفي رواية : هذا أوّل قرن يطلع في أمّتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي

اثنان.

وقال ابن عبّاس : أنزل الله فيه ( ثَانِيَ عِطفِهِ ليُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي

ص: 461


1- السفعة : العلامة.
2- في المناقب : فحسر.

قول الخوارج لأمير المؤمنين عليه السلام : لا حکم إلا لله

الدُّنيا خِزيُ - القتل - وَنُدِيقُهُ يَوم القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ) (1) بقتاله أمير المؤمنين عليه السلام.

ثمّ إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ورؤساؤهم زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي - الذي تقدّم ذکره وهو ذو الثديّة - وقالوا: لا حکم إلّا لله.

فقال عليه السلام : کلمة حقّ يراد بها باطل.

قال حرقوص: فتب من خطيئتک ، وارجع عن فعلتک (2)، واخرج بنا إلي

عدونا نقاتلهم حتي نلقي ربنّا.

فقال عليه السلام : قد أردتکم علي ذلک فعصيتموني ، وقد کتبنا بيننا وبين القوم کتاباً وشروطة، وأعطيناهم عليها عهوداً ومواثيقاً، وقد قال الله سبحانه :

(وَأوفُوا بِعَهدِ. اللهِ إذَا عَاهَدتُم(3)

فقال حرقوص: فذلک ذنب ينبغي أن تتوب عنه .

فقال أمير المؤمنين : ما هو ذنب ، ولکنّه عجز من الرأي، وضعف في

العقل، وقد تقدّمت ونهيتکم عنه.

فقال ابن الکواء: الآن صحّ عندنا أنّک لست بإمام، ولو کنتَ إماماً لما

رجعت .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ويلکم ، قد رجع رسول الله صلّی الله

وه 1

ص: 462


1- سورة الحجّ : 9.
2- في المناقب : قصتک
3- سورة النحل : 91.

عليه و آله عام الحديبية عن قتال أهل مکة، ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا: لا حکم إلا لله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وکانوا اثني عشر ألف رجل من أهل الکوفة والبصرة وغيرهما، ونادي مناديهم أن أمير القتال شبث بن ربعي، وأمير الصلاة عبد الله بن الکواء، والأمر شوري بعد الفتح، والبيعة لله علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، وخرجوا من الکوفة إلي المدائن، ثمّ إلي النهروان ، واستعرضوا الناس ، وقتلوا عبد الله بن خبّاب بن الارت، وکان عامل أمير المؤمنين عليه السلام علي النهروان.

فقصدهم أمير المؤمنين عليه السلام وأرسل إليهم ابن عبّاس، وقال : امض إلي هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟ فلمّا وصل إليهم قالوا: ويلک يا ابن عبّاس أکفرت کما کفر صاحبک علي بن أبي طالب ؟؟

وخرج خطيبهم عتّاب بن الأعور الثعلبي ، فقال ابن عبّاس : من بني

الاسلام ؟ قال : الله ورسوله.

قال : فالنبيُ أحکم أموره وبيّن حدوده أم لا؟ قال : بلي. قال : فالنبيّ بقي في دار الاسلام أم ارتحل ؟ قال : بل ارتحل قال : فأُمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده ؟ قال : بل بقيت. قال : فهل أحد قام بعمارة ما بناه؟ قال : نعم.

ص: 463

قال : من هو؟ قال : الذرّية والصحابة . قال : فعمروها أم خرّبوها؟ قال : بل عمّروها. قال : فالآن هي معمورة أم خراب ؟ قال : بل خراب. قال : خرّبها ذرّيتّه أم أمّته؟ قال : بل أمتّه. قال : أنت من الذرّية أم من الأمّة ؟ قال : من الأمّة.

قال : أنت من الأمّة وخرّبت دار الاسلام، فکيف ترجو الجنّة ؟ - و جري بينهما کلام کثير - ثمّ حضر أمير المؤمنين عليه السلام بمائة رجل، فلمّا قابلهم خرج إليه ابن الکوّاء في مائة رجل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنشدکم بالله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلي کتاب الله ، فقلت لکم : إنّي أعلم بالقوم منکم - وذکر مقاله إلي أن قال - فلمّا أبيتم إلي الکتاب اشترطت علي الحکمين أن يحييها ما أحيا القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن، فإنّ حکما بحکم القرآن فليس لنا أن نخالف حکمه ، وإن أبيا فنحن منه (1)براء.

ص: 464


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : منهم.

توجه أمير المؤمنين عليه السلام لقتال الخوارج

قالوا: أخبرنا أتراه عدلاً تحکيم الرجال في الدماء(1)

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نحن ليس الرجال حکّمنا، وإنّما حکّمنا القرآن، والقرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق، وإنّما يتکلّم به الرجال.

قالوا: فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينک وبينهم؟

قال : ليعلم الجاهل، ويثبت العالم، ولعلّ الله يصلح في هذه المدّة هذه

الأمّة، وجرت بينهم مخاطبات وجعل بعضهم يرجع، فأعطي أمير المؤمنين عليه السلام راية أمان مع أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه. فنادي أبو أيوب: من جاء إلي هذه الراية، وفارق الجماعة فهو آمن ، فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يتميّزوا منهم ، وأقام الباقون علي الخلاف.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام استنفر الناس فلم يجيبوه ، فقال : أمرتکم أمري بمنعرج اللوي فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحي الغي

ثم استنفر هم فنفر معه ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم وهو يقول : إلي شرّ خلق من شراة تحزّبوا وعادوا إله الناس ربّ المشارق

ثمّ توجّه أمير المؤمنين نحوهم ، وکتب إليهم علي يد (2) عبد الله بن أبي عقب، وفيها : والسعيد من سعدت به رعيّته، والشقيّ من شقيت به رعيّته ، وخير

الخلاو

ص: 465


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الدنيا .
2- في المناقب : يدي

الناس خيرهم لنفسه، وشرّ الناس شرهم لنفسه، وليس بين الله وبين أحد قرابة ، و( کُلُّ نَفسٍ بِمَا کَسَبَتُ رَهِينَةُ )(1)

فلمّا وصل إليهم أمير المؤمنين عليه السلام استعطفهم فأبوا إلّا قتاله ، و تنادوا أن دعوا مخاطبة عليّ وأصحابه وبادروا إلي الجنّة ، وصاحوا: الرواح الرواح إلي الجنّة، وأمير المؤمنين يعبيء أصحابه ونهاهم أن يتقدّم إليهم أحد.

فکان أوّل من تقدّم من الخوارج أخنس بن العيزر(2) الطائي ، وجعل

يقول : ثمانون من حيي جديلة قتّلوا علي النهر کانوا يخضبون العواليا ينادون لا لا حکم إلّا لربّنا حنانيک فاغفر حوبنا والمساويا هم فارقوا من جار في الله حکمه فکلّ إلي (3) الرحمن أصبح ثاويا

فقتله أمير المؤمنين عليه السلام.

وخرج عبد الله بن وهب الراسبي، وقال : أنا ابن وهب الراسبي الشاري أضرب في القوم لأخذ الثار ح تي تزول دولة الأشرار ويرجع الحق إلي الأخبار

فقُتل.

وخرج مالک بن الوضّاح قائلاً: إنّي لبائع مايفني بباقية ولا أُريد لدي الهيجاء تربيضا

ص: 466


1- سورة المدّثر : 38.
2- في المناقب : العيزار ، وفي البحار : العزير .
3- في المناقب : علي .

في القتلي من العسکرين

وخرج إلي أمير المؤمنين عليه السلام الوضّاح بن الوضّاح من جانب ،

وابن عمّه حرقوص من جانب، فقتل الوضّاح، وضرب ضربة علي رأس حرقوص فقطعه، ووقع [رأس] (1) سيفه علي الفرس فشرد وأرجله في الرکاب حتي أوقعه في دولاب خراب فصارت الحروريّة کرمادٍ اشتدّت به الريح في يوم عاصفٍ .

وکان المقتولون من عسکر أمير المؤمنين عليه السلام: رؤبة بن وبر البجلي ، ورفاعة بن وائل الأرحبي، والفياض بن خليل الأزدي، وکيسوم بن سلمة الجهني ، وحبيب بن عاصم الأزدي ، إلي تمام تسعة ، وانفلت من الخوارج تسعة ، کما أخبر أمير المؤمنين عليه السلام في بدء الأمر، فقال : إنهم لا يقتلون منّا عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة .(2)

أبو نعيم الأصفهاني : عن سفيان الثوري أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر

أن نفتّش علي المُخدَج بين القتلي فلم نجده .

فقال رجل: والله ما هو فيهم.

ص: 467


1- من المناقب .
2- انظر : الکامل للمبّرد :102/3 ، مقتل الامام أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 22، الفتوح لابن أعثم: 120/4 ، الهداية الکبري : 137، کمال الدين : 120/1 ، نهج البلاغة : 93خطبة رقم 59، المحاسن والمساوئ : 385، السنن الکبري للبيهقي : 185/8 ، تاريخ بغداد : 365/14 ، مناقب ابن المغازلي : 406، البدء والتاريخ : 224/5 ، مناقب الخوارزمي : 263 ح 245، شرح نهج البلاغة : 273/2 ، إعلام الوري : 173، الخرائج والجرائح: 228/1 ، الکامل في التاريخ : 345/3 ، مطالب السؤول : 132، الفخري :95، کشف الغمّة : 274/1، مشارق أنوار اليقين : 80، مجمع الزوائد: 241/6، کنزالعمّال : 290/11 .

العثور علي المخدج بين القتلي

فقال صلوات الله عليه : والله ما کذبت ولا کذّبت . وروي (1)أنّ أمير المؤمنين قال : اطلبوا المُخدَج. فقالوا : لم نجده.

فقال : والله ما کذبت ولا کذّبت ، يا عجلان ، ائتني ببغلة رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فأتاه بالبغلة، فرکبها وجال في القتلي، [ثم ](2)قال: اطلبوه هاهنا.

قال : فاستخرجوه من تحت القتلي في نهر وطين، فسجد أمير المؤمنين

شکراً لله .

تاريخ القّمي: إنّه رجل أسود، عليه قريطق ، مُخدَج اليد (3)، أحد ثدييه

کثدي المرأة ، عليه شعيرات مثل شعيرات تکون علي ذنب اليربوع (4).

وفي مسند الموصلي : حبشيّ (مثل البعير ) (5)في منکبه مثل ثدي المرأة ،

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق الله ورسوله.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : من يعرف هذا؟ فلم يعرفه

أحد.

ص: 468


1- انظر : سنن أبي داود :245/4 ، صحيح مسلم :749 ذح 156.
2- من المناقب.
3- قريطق : تصغير قرطق ، وهو قباء. ومُخدَجُ اليد : ناقصها .
4- اليَربُوعُ: حيوان صغير علي هيئة الجُرَذ الصغير ، وله ذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر ، وهو قصير اليدين طويل الرجلين . « المعجم الوسيط : 1/ 325» .
5- من المناقب .

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام القاصعة

فقال رجل: أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت : إلي أين تريد؟ فقال : هذه ، وأشار إلي الکوفة ، ومالي بهذا(1)معرفة. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق، هو من الجان. وفي رواية : هو من الجنّ

وفي مسند الموصلي: من زعم من الناس أنه رآه قبل مصرعه فهو

کاذب.

وفي مسند أحمد: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : أما إنّه أخبرني خليلي بثلاثة إخوة من الجنّ هذا أکفرهم(2)، والثاني له جمع کثير، والثالث فيه ضعف.

وفي رواية عن سعد بن أبي وقّاص : هو شيطان الردهة (3)

وإلي هذا أشار أمير المؤمنين في خطبته القاصعة (4) : ألا وقد أمرني الله سبحانه بقتال أهل البغي والنکت و الفساد في الأرض ، فأمّا الناکثون فقد قاتلت، وأمّا القاسطون فقد جاهدت، وأمّا المارقة فقد دوّخت، وأمّا شيطان الردهة فقد کفيته بصعقنةٍ سمعت لها وجبة قلبه ورجّة صدره(5)

ص: 469


1- في المناقب : بها .
2- في المناقب : أکبرهم.
3- الرَّدهة : النُّقرة في الجبل قد يجتمع فيها الماء، وشيطان الرَّدهة : ذو الثَدِيّة وُجِد مقتولاً في ردهة.
4- نهج البلاغة : 299 - 300 خطبة رقم 192.
5- الصَعقة : الغشيّة تصيب الإنسان من الهول. ووجبة القلب : اضطرابه وخفقانه. ورجّة المصدر : اهتزازه وار تعاده .

أبيات للحميري

[للحميري : ](1) إنّي أدينُ بما دان الوصيُّ به يوم الخُرَيبة (2)من قتل المحلّينا وما به دان يوم النهر دنت به وبايعت کَفّه کَفّي بصفّينا في سفير ما سفکت فيها إذا حضروا وأبرزَ الله للقسط المَوازينا تلک الدماء معاً يا ربّ في عنقي ثمّ اسقِني مثلَها آمينَ آمينا(3)

الحميري: ومارقة في دينهم فارقوا الهدي ولم يأتلوا بغياً عليه وحکّموا سطوا بابن خبّاب وألقي بنفسه وقتل ابن خبّاب عليهم محرّم فلمّا أبوا في الغيّ إلّا تمادياً سما لهم عبل الذراعين ضيغم فأضحوا کعا دٍأو ثمود کأنّما تساقوا عقاراً أسکرتهم فنوّموا(4)

ثم لما انقضي أمر الخوارج عليهم اللعنة خاض الناس في أمر الحکمين ، فقال بعض الناس: ما يمنع أمير المؤمنين عليه السلام أن يأمر بعض أهل بيته فيتکلم ؟

فقال الحسن عليه السلام : قم فتکلم في هذين الرجلين : عبد الله بن

قيس ، وعمرو بن العاص .

ص: 470


1- من المناقب .
2- الخُرَيبة : موضع بالبصرة کانت فيه واقعة الجمل .
3- العقد الفريد: 285/3 ، الأغاني : 373/7، أعيان الشيعة : 416/3دیوان السید الحميري : 418
4- ديوان السيد الحميري : 372. ، ديوان السيد

خطبة الامام الحسن عليه السلام وابن عباس في أمر عبدالله بن

قيس وعمرو بن العاص

فقام الحسن عليه السلام، فقال : أيّها الناس، إنّکم قد أکثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وإنّما بعثناهما(1)ليحکما بکتاب الله فحکما بالهوي علي الکتاب ، ومن کان هکذا لم يسمّ حکماً ولکنّه محکوم عليه، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إن أفضي (2) بها إلي عبد الله بن عمر، فأخطأ في ذلک في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها، وفي أنّه لم يستأمره، وفي أنّه لم يجتمع عليه الأنصار والمهاجرون الّذين نفذوها لمن بعده ، وإنّما الحکومة فرض من الله، وقد حکم رسول الله صلّی الله عليه و آله سعداً في بني قريظة فحکم فيهم بحکم الله لا شکّ فيه، فأنفذ رسول الله صلّی الله عليه و آله حکمه ولو خالف ذلک لم يجزه، ثمّ جلس.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عبّاس : قم فتکلّم.

فقام، وقال : أيّها الناس، إن للحقّ أهلاً أصابوه بالتوفيق والناس بين راضٍ به وراغب عنه ، وإنّما بعث عبد الله بن قيس لهُديً من ضلالة، وبعث عمرو الضلالة من هدي(3) فلما التقيا رجع عبد الله عن هداه وثبت عمرو علي ضلالته ، والله لئن حکما بالکتاب لقد حکما عليه ، وإن حکما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا عليّ شيء، وإن کانا قد حکما بما سارا إليه لقد سار عبد الله وإمامه علي ، وسار عمرو وإمامه معاوية، فما بعد هذا من غيب ينتظر، ولکنّهم سئموا الحرب وأحبّوا البقاء، ودفعوا البلاء، ورجا کلّ قوم صاحبهم.

ص: 471


1- في المناقب : بعثا.
2- في المناقب : أوصي
3- في المناقب : بهدي إلي ضلالة ... بضلالة إلي الهدي

خطبة عبدالله بن جعفر في أمر عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص،

وکلام أمير المؤمنين عليه السلام

ثمّ قال عليه السلام لعبد الله بن جعفر : قم فتکلّم.

فقام عبد الله ، وقال : أيّها الناس، إن هذا الأمر کان النظر فيه إلي عليّ عليه السلام والرضي فيه لغيره فجئتم بعبد الله بن قيس فقلتم: لا نرضي إلّا بهذا فارض به فإنّه رضانا، وأيم الله ما استفدناه علماً، ولا انتظرنا منه غائباً، ولا أمّلنا ضعفه، ولا رجونا به صاحبه، ولا أفسدا بما عملا العراق، ولا أصلحا الشام، ولا أماتا حقّ عليّ، ولا أحييا باطل معاوية، ولا يذهب الحقّ رقية راقي ولا نفحة شيطان، وإنّا اليوم علي ما کنّا عليه أمس، وجلس.

ومن کلام أمير المؤمنين عليه السلام(1)ألّا ومن دعا إلي هذا الشَّعار (2)

فاقتلوه، ولو کان تحت عمامتي هذه ، فإنّما حُکّم الحکمان ليحييا ما أحيي القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، وإحياؤه الاجتماع عليه، وإماتته الافتراق عنه ، فإن جرنا القرآن إليهم اتّبعناهم، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا، فلم آت - لا أبا لکم - بُجراً، ولا ختلتکم عن أمرکم، ولا لبّسته.(3)عليکم، إنّما اجتمع رأي ملئِکم علي اختيار رجلين ، أخذنا (4) عليهما ألّا يتعدّيا القرآن، فتاها عنه، وترکا الحقّ وهما يبصرانه ، فکان الجور هواهما فمضيا عليه، وقد سبق استثناؤنا

ص: 472


1- نهج البلاغة : 185 خطبة رقم 127.
2- الشَّعار: علامة القوم في الحرب والسفر، وهو ما يتنادون به ليعرف بعضهم بعضاً.
3- البُجر : الشرّ والأمر العظيم. وختلتکم : خدعتکم. والتلبيس : خلط الأمر وتشبيهه حتي لا يعرف. وفي الأصل : لا أبا لکم بجواب ، لا قلبتکم عن أمرکم ، ولا لبسنّه عليکم. وما أثبتناه في المتن وفقاً للنهج.
4- کذا في النهج ، وفي الأصل : أخذتما .

خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام

عليهما - في الحکومة بالعدل والصَّمد (1)للحق - سوء رأيهما ، وجور حکمهما.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب الخطبة المذکورة في نهج البلاغة (2)من کلامه عليه السلام الّذي رواه نوف البکالي أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بها قائماًعلي حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام، وهي الّتي أوّلها : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق، وعواقب الأمر، إلي آخرها، فلمّا فرغ من خطبته عليه السلام نادي بأعلا صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ، ألا وإنّي معسکر في يومي هذا، فمن أراد الرواح إلي الله تعالي فليخرج.

قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف، وللحسن في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيّوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم علي أعدادٍ أخر وهو يريد الرجعة إلي صقين ، فما دارت الجمعة حتي ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه ، فتراجعت العساکر ، فکنّا کأغنامٍ فقدت راعيها تتخطّفها الذئاب من کلّ مکان .(3)

قلت : ولمّا تفکّرت في هذه العصابة المارقة عن الدين، الخارجة عن الحقّ المبين، الّتي کفي الله المؤمنين فتنتها ، وأدحض حجّتها، واستأصل شأفتها ، وأوضح فسادها، وبيّن إلحادها، علي لسان لسانه الناطق ، وأمينه الصادق ، خير الخلق بعد نبيّ الله، وأعلمهم بصفات الله ، وأقومهم بحدود الله، نظمت هذه

ص: 473


1- الصمد: القصد.
2- نهج البلاغة : 260 خطبة رقم 182 .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 187 - 194، عنه البحار :338/33 - 394 ح 618 من قوله : « ثم إنهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ». .

قصيدة للمؤلف رحمه الله في الخوارج

الأبيات تقرّباً إلي الله بلعنتهم وسبّهم، ووشحت نظامي بذمّهم وثليهم، وأوضحت من مساوئهم، وکشفت عن مخازيهم، وخاطبتهم خطاب المجاهد المناجز، وقاتلتهم مقاتلة المصاول المبارز، وجردت عضب لساني من عمد مقولي وطعنت بعامل نظامي في أعداء معاذي وموئلي ، قاتل الناکثين والقاسطين والمارقين ، أعلي من فاز بالمعلّا من قول رب العالمين :( وَکَاَیَّن مِن نَبِيًّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبَّيُّون کَثِيرُ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِي سَبيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا استَکَانُوا وَالله حِبُّ الصَّابِرِينَ) (1) يا أمّة فارقت منهاج هاديها وأوضعت بوجيف في مغاويها وأصبحت عن طريق الحقّ خارجة کالتبل تمرق من محني راميها سوق العسوف بها قامت فأنفسها بالسيف أُرخص منها سعر غاليها ما ان شري الله منها أنفسة زهقت في النهروان بل الشيطان شاريها عن نور شمس الهدي أبصارها برقت إذ البصائر فرط الجهل معشيها زلّت مطالبها ضلّت مذاهسبها عمت مصائبها خابت مساعيها تري حرورا بها معني لأعظمها لمّا غدا البغي نحو الحتف داعيها رامت علي الحق أن تعلو بشيهتها فانّهد بنيانها وانحطّ عاليها تنکبت عن طريق الرشد وارتکبت سبل الضلال فأضحي حتفها فيها بسيف أعلا الوري جدّاً وأشرفها جدّاً وأعظمها مجداً وواليها وخير من فرض الله الولاء له علي الخلائق دانيها وقاصيها وأعظم الناس قدر بل وأسمحهم کفّاً وأجملهم وصفاً وبنويها أخ الرسول وفاديه بمهجته وخير أمّته طرّاً وقاضيها

ص: 474


1- سورة آل عمران : 146.

ومن إذا أشکلت في الدين معضلة ف هو الّذي بقضاياه يجليها في محکم الذکر کم في مدحه نطقت آياته وجلت عنه معانيها عن حاز بالبضعة الزهراء مکرمة دون العباد فلا خلق يدانيها الله زوجها والروح ش اهدها أکرم بشاهدها أعظم بواليها نثار طوبي لحسد العرس يومئذٍ کان النثار فيا طوبي مواليها في سورة الدهر حاز الفخر من مدحٍ في شأنه انزلت سبحان منشيها حتي القيامة تتلي في خصائصه يسرّ قلب أولي الايمان تاليها يا من يروم بلا علم مراتبه أقدام رومک زلّت عن مراقبها أبالأصول الّتي شاعت فضائحها أم بالفروع التي جمت مخازيها ترجو بجهلک يا مغرور منزلة من المهيمن لا ترقي معاليها منّتک نفسک سلطاناً مناصبه لا يستطيع خبيث الأصل يأتيها هي الخلاقة بالنصّ الجليّ من الله الجليل فما أعلي مبانيها

ص: 475

فصل في مقتله صلوات الله وسلامه عليه ، وما ورد فيه من الأحاديث

اشارة

الصحيحة عن أئمّة الهدي وغيرهم من أهل العلم . روي الشيخ محمد بن عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد صحيح متصّل إلي عليّ بن الحسن بن فضال ، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا علي بن موسي ، عن أبيه موسي بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : خطبنا رسول الله صلّی الله عليه و آله ذات يوم - قلت: وربّما کانت هذه الخطبة آخر جمعة من شهر شعبان - فقال : أيّها الناس، قد أظلکم شهر الله بالبرکة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات.

شهر دعيتم فيه إلي ضيافة الله، وجعلتم من أهل کرامة الله ، أنفاسکم فيه تسبيح، ونومکم فيه عبادة، وعملکم فيه مقبول، ودعاؤکم فيه مستجاب ، فأسألوا الله ربّکم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقکم لصيامه و تلاوة کتاب الله فيه ، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم - إلي تمام الخطبة ، ذکرها الشيخ المذکور رضي الله عنه في أماليه، إلي أن قال : - أيّها الناس، إن

ص: 476

أبواب الجنان مفتحة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربّکم أن لا يغلقها عليکم، وأبواب النيران مغلقة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربکم أن لا يفتحها عليکم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربکم ألّا يسلّطها عليکم.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقمت وقلت: يا رسول الله ، ما أفضل

الأعمال في هذا الشهر الشريف ؟

فقال : يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزوجل، ثمّ بکي رسول الله صلّی الله عليه و آله، فقلت: يا رسول الله ، ما يبکيک ؟

قال : أبکي لما يستحلّ منک في هذا الشهر ، کانّي بک وأنت تصلّي لربک ، وقد انبعث أشقي الأوّلين وأشقي الآخرين، شقيق (1)عاقر ناقة ثمود، فضربک علي قرنک ضربة خضب منها لحيتک.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقلت: يا رسول الله ، أفي سلامة من

ديني؟

فقال : في سلامة من دينک .

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله : يا عليّ، من قتلک فقد قتلني، ومن أبغضک فقد أبغضني، ومن سبّک فقد سبّني، لأنّک منّي کنفسي ، روحک من روحي ، وطينتک من طينتي، إنّ الله سبحانه خلقني وإيّاک، واصطفاني وإياک، واختارني للنبوّة، واختارک للامامة، فمن أنکر إمامتک فقد أنکر نبوّتي.

يا عليّ، أنت وصيتيّ ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي، وخليفتي علي أمّتي في

ص: 477


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : شبيه .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله بمقتله عليه السلام

حياتي وبعد موتي، أمرک أمري، ونهيک نهيي ، أُقسم بالّذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البريّة إنّک لحجّة الله علي خلقه، وأمينه علي سرّه(1)، وخليفته علي عباده (2)

تفسير وکيع والسدّي وسفيان وأبي صالح: أنّ عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالي : ( أوَلَم يَرَوا أنَّا نأتِي الأَرضَ نَنقُصهَا مِن أطرَافِهَا) (3)قال : هو يوم قتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال: يا أمير المؤمنين ، لقد کنتَ الطرف الأکبر في العلم ، اليوم نقص علم الاسلام، ومضي رکن الايمان.

وروي الزعفراني، عن المزني، عن الشافعي (4) عن مالک، [عن سمّي ،] (5)عن أبي صالح، قال : لمّا قتل عليّ بن أبي طالب قال ابن عبّاس : هذا اليوم نقص العلم والفقه من أرض المدينة، ثمّ قال : إنّ نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها، إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، لکن يقبض العلم بقبض العلماء، حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس دوننا(6) جهالاً، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا

سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قوله سبحانه :( رَبَّ اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِي مُؤمِناً) ، وقد کان قبر أمير المؤمنين عليه السلام مع نوح في

ص: 478


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : بريّته .
2- أمالي الصدوق: 84 ح 4، عيون أخبار الرضا عليه السلام: 295/1 ح 53، فضائلالأشهر الثلاثة : 77ح 11، عنها البحار:356/96ح 25.وأخرجه في البحار : 190/42 ح 1 عن الأمالي والعيون
3- سورة الرعد: 41.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروي المازني عن الشافعي
5- من المناقب .
6- في المناقب : رؤساء.

السفينة ، فلمّا خرج من السفينة ترک قبره خارج الکوفة، فسأل نوح ربّه المغفرة لعلي وفاطمة قوله : ( وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ ) ، ثمّ قال: ( وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ -لال محمد - إلَّا تَبَاراً )

وروي أنّه نزل فيه - أي في قاتل علي -: (1) (وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلبِونَ) (2)

وروي أبو بکر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو بکر الشيرازي في نزول القرآن، أنّه قال سعيد بن المسيّب : کان أمير المؤمنين يقرأ : ( إذِ انبَعَثَ أشقَاهَا ) (3) قال : والّذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا - وأشار بيده إلي رأسه ولحيته(4)

وروي الثعلبّي والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحّاک . وروي ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن صهيب وعن عمّار وعن ابن عديّ وعن الضحّاک . والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة. وروي الطبري والموصلي عن عمّار. وروي أحمد بن حنبل عن الضحّاک أنّه قال (5)النبيّ صلّی الله عليه و آله : يا عليّ، أشقي الأوّلين عاقر ناقة ثمود، وأشقي الآخرين قاتلک .

ص: 479


1- سورة الشعراء: 227.
2- سورة نوح : 28.
3- سورة الشمس : 12.
4- نعي أمير المؤمنين عليه السلام نفسه کثيراً، انظر : الأحاديث الغيبّية : 132/2 - 150ح 27 4- 441.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروي الثعلبّي والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وجابر بن سمرة عن عمّار أنّه قال .

أن أمير المؤمنين عليه السلام سهر في ليلة مقتله

وفي رواية : من يخضّب هذه من هذا.

وروي الحسن البصري انّه عليه السلام سهر في تلک الليلة الّتي ضرب

فيها ولم يخرج لصلاة الليل علي عادته ، فقالت أمّ کلثوم : ما هذا السهر؟

قال : إنّي مقتول لو قد أصبحت . فقالت : مر جعدة فليصلّ بالناس.

[قال : نعم، مروا جعدة ليصلّ](1)، ثمّ مرّ وقال : لا مفرّ من الأجل، وخرج

قائلاً

خلّوا سبيل الجاهد المجاهد في الله ذي الکتب وذي المشاهد في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ الناس إلي المساجد

وروي أنّه عليه السلام سهر في تلک الليلة فأکثر الخروج والنظر إلي السماء، وهو يقول : والله ما کذبت ولا کذّبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثمّ يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر نادي ابن النباح (2) الصلاة، فقام فاستقبلته الإوز، فصحن في وجهه ، فقال : دعوهنّ، فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح، و تعلّقت حديدة غلق (3) الباب بمئزره، فشدّ إزاره وهو يقول:

أشدد حيازيمک للموت فإن الموت لاقيک ولا تجزع من الموت إذا حلّ

بناديک

ص: 480


1- من المناقب .
2- في المناقب علي.
3- في المناقب : ابن التياح

أمير المؤمنين عليه السلام ينعي نفسه

فقد أعرف أقواماً وإن کانوا ص عاليک (1) مساريع إلي الخير وللشرّ

متاريک (2) أبو صالح الحنفي: قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول : رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله في منامي، فشکوت إليه ما لقيت من أمّته من الأود واللدد(3) وبکيت، فقال : لا تبک يا علي، والتفتَ والتقتُّ، فإذا رجلان مصفّدان ، وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما.

وروي أنّه عليه السلام قال لابنته أمّ کلثوم: يا بنيّة ، إنّي أراني قلّ ما

أصحبکم.

قالت : وکيف ذاک يا أبتاه ؟

قال : رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله في المنام وهو يمسح الغبار عن

وجهي ، ويقول: يا عليّ، لا عليک قضيت ما عليک .

قالت: فما مکثنا حتي ضرب في تلک الليلة.

وروي أنّه قال : يا بنيّة ، إني رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله يشير إليّ

بکفّه، ويقول: يا عليّ، إلينا، فإنّ ما عندنا خير لک.

أبو مخنف الأزدي ، وابن راشد، والرفاعي ، والثقفي جميعاً ، قالوا : لما رجع أمير المؤمنين عليه السلام من حرب الخوارج وقتلهم الله علي يده ، وأنجز ما وعده ، اجتمع في مکّة جماعة من الخوارج فقالوا: إنّا شرينا أنفسنا لله فلو

ص: 481


1- الصعاليک : جمع الصعلوک ، وهو الفقير ، الضعيف .
2- انظر خصائص الأئمّة عليهم السلام : 63.
3- الاود : الاعوجاج . اللدد : الخصومة.

العاص، وشغف ابن ملجم بقطام التميمية.

أتينا أئمّة الضلال، وطلبنا غِرّتهم أرحنا العباد والبلاد منهم.

فقال عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله : أنا أکفيکم عليّاً، وقال الحجّاج بن عبد الله السعدي الملقّب بالبُرَک : أنا أکفيکم معاوية ، وقال عمرو بن بکر التميمي: أنا أکفيکم عمرو بن العاص، واتّعدوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، ثمّ تفرّقوا، فدخل ابن ملجم الکوفة فرأي رجلاً من تيم الرباب عند قَطام التميميّة ، وکان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها، وخطبها فأجابته بمهر ذکره العبدي في کلمته: فلم أر مهراً، ساقهُ ذو سماحةٍ کمهر قَطام من فصيح وأعجم

ث لاثة آلافٍ وعبدُ وقَينَةُ وقتل(1)عليّ بالحسام المسمّم فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا ولا فتک إلّا دون فتک(2) ابن ملجم

فقبل أبن مُلجَم ذلک ، ثمّ قال : يا ويلک ، ومن يقدر عليّ قتل عليّ ، وهو فارس الفرسان، ومغالب الأقران، والسبّاق إلي الطعان؟ وأمّا المال فلا بأس عليَّ منه.

قالت : اقبل، فقبل ، وقال لها : إنّي ما أتيت هذه البلدة إلّا لذلک ، ولم أُظهر

ذلک لأحد إلّا لک.

قالت : فإنّي أرسل إلي جماعة رأيهم رأيک في ذلک ، فبعثت إلي ابن عمّ لها يقال له وردان (3) بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بَجَرة، وأعانه رجل من وکلاء عمرو بن العاص فأطعمتهم

ص: 482


1- في المناقب : وعبد وفتية وضرب علي
2- في المناقب : ولا قتل إلا دون قتل
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : ورقاء.

ضرب ابن ملجم لأمير المؤمنين عليه السلام

اللوزينج والجوزينق وسقتهم الخمر العکبري، فنام شبيب و تمتّع ابن ملجم معها، ثمّ قامت فأيقظتهم وعصبت صدورهم بحرير، و تقلّدوا أسيافهم.

وقيل : إنّ ابن ملجم قال لها : أترضين منّي بضربة واحدة ؟

قالت: نعم، ولکن اعطني سيفک، فأعطاها فأمست ملطّخة بالسمّ، ثمّ مضوا وکمنوا له مقابل السدّة، وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم، وقال لابن ملجم : النجا النجا لحاجتک ، فقد فضحک الصبح، فأحسّ حجر بن عديّ بما أراد الأشعث، فقال : قتلته يا أشعث، وخرج مبادراً ليمضي إلي أمير المؤمنين

عليه السلام، فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف.

وعن عبد الله بن محمد (1) الأزدي، قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادي : الصلاة الصلاة ، فإذا هو مضروب، وسمعت قائلاً يقول: الحکم لله يا علي لا لک ولا لأصحابک، وسمعت عليا يقول: فزت وربّ الکعبة، ثمّ قال: لا يفوتنکم الرجل.

وکان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، ومضي هارباً حتي دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره، فقال:

العلّک قتلت أمير المؤمنين ؟ فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فقتله الأزدي،

وأمّا ابن مُلجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه.

وانسلّ الثالث بين الناس وأتوا بابن ملجم إلي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال : النفس بالنفس، إن أنا متّ فاقتلوه کما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي.

وفي رواية : إن عشت رأيت فيه رأيي، وإن هلکت فاصنعوا به ما يفعل

ص: 483


1- في المناقب : محمد بن عبد الله .

بقاتل النبيّ صلّی الله عليه و آله .

فسئل : ما معناه؟ فقال : اقتلوه، ثمّ حرّقوه بالنار.

فقال ابن ملجم : لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله،

ولقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلکتهم..

وفي محاسن الجوابات عن الدينوريّ: أنّ ابن ملجم قال : لقد سألت الله

أن يقتل به شرّ خلقه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد أجاب الله دعوتک، يا حسن، إذا

متّ فاقتله بسيفه.

روي أنّه عليه السلام قال: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ، فإن أصحّ

فأنا وليّ دمي، إن شئت عفوت، وإن شئت استنفذت، وإن هلکت فاقتلوه.

وروي أنّه لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام وسمعوا قوله : فزت وربّ

الکعبة ، وارتفع الصياح في المسجد : قُتِل أمير المؤمنين ، أقبل أهل الکوفة رجالاً ونساء بالمصابيح، فوجدوا أمير المؤمنين عليه السلام مطروحاً في محرابه فارتفعت أصوات الناس بالبکاء والنحيب.

وأقبل الحسن والحسين ، فلمّا رأيا أمير المؤمنين وقعا علي قدميه وأعلنا بالبکاء والنحيب ، وأقبلت بنات أمير المؤمنين مشقّقات الجيوب، وجعل أمير المؤمنين يأخذ الدم من رأسه ويلطّخ وجهه و محاسنه، ويقول: هکذا ألقي الله ، هکذا ألقي رسول الله ، هکذا ألقي فاطمة، هکذا ألقي جعفر الطيّار، وسمع أمير المؤمنين بکاء بناته ، فقال : احملوني إلي المنزل لأودّع بناتي وأهلي ،

ص: 484

فوضع إحدي يديه علي کتف الحسن، والأُخري علي کتف الحسين، ومضيا به إلي حجرته ورجلاه تخطّان الأرض، وقد علا لونه الاصفرار، ولمّا وصل إلي الحجرة تنفّس الصبح ، فقال : يا صبح ، اشهد لي عند ربّک أنّني منذ کفلني رسول الله صلّی الله عليه و آله طفلاً إلي يومي هذا ما طلعتَ عليّ وأنا نائم أبداً، ثمّ قال : اللّهمّ اشهد وکفي بک شهيداً أنّي لم أعص لک أمراً، ولا ترکت فرضاً، ولا خطر في بالي ما يخالف أمرک.

وروي ابن نباتة في خبر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد ضربت في الليلة الّتي قبض فيها يوشع بن نون، ولأُقبضنّ في الليلة الّتي رفع (1)فيها عيسي عليه السلام

عن الحسن عليه السلام في خبر : ولقد صعد بروحه في الليلة الّتي صعد

فيها بروح يحيي بن زکريّا عليهما السلام.

وکان عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله في عداد مراد. قال ابن عبّاس : من نسل قدار عاقر ناقة صالح، وقصّتهما واحدة، لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها رباب کما عشق ابن ملجم قطاماً.

وسُمِعَ ابن ملجم يقول : لأضرب عليّاً بسيفي هذا، فذهبوا به إليه

عليه السلام، فقال : ما اسمک؟

قال : عبد الرحمان بن ملجم. قال : نشدتک بالله عن شيء تخبرني به ؟ قال : نعم.

ص: 485


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : قبض .

قال : هل مرّ بک رجل متوکّئاً علي عصا وأنت في الباب فمشقک بعصاه ،

ثمّ قال : بؤساً لک يا أشقي من عاقر ناقة ثمود؟

قال : نعم. قال : هل کان الصبيان يسمّونک ابن راعية الکلاب ؟ قال : نعم.

وروي أنّه أتي ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام يبايعه فردّه مرتين أو ثلاثاً، ثمّ بايعه و توتق منه ألا يغدر ولا ينکث ، فقال : والله ما رأيتک تفعل هذا بغيري.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : امض يا ابن ملجم، فوالله لتخضبنّ هذه

من هذا - وأشار إلي لحيته ورأسه ..

وروي أنّ ابن ملجم أتي أمير المؤمنين عليه السلام يستحمله، فقال : يا

غزوان احمله علي الأشقر ، ثمّ قال عليه السلام : أريد حياته ويريد قتلي عذيري من خليلي(1)من مراد(2)

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام کان کثيراً ما يقول : ما يمنع أشقاها ؟ أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا؟ وکان يقول : والله ليخضنّ هذه من دم هذا، ثمّ يشير إلي لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير (3).

ص: 486


1- في المناقب : عذيرک من خليلک
2- مناقب ابن شهرآشوب :308/3-313 ، عنه البحار : 236/42 -240ح 45.
3- انظر: الطبقات الکبري : 33/3، مقتل أمير المؤمنين عليه السلام لابن أبي الدنيا: 41ح26، الآحاد والمثاني :148/1 ح176، أنساب الأشراف: 500/2 ح 545.

اجتماع الأطباء لأمير المؤمنين عليه السلام

وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّ ابن ملجم يسمّ بسيفه ويقول: إنّه

سيقتلک به فتکةً يتحدّث بها العرب، فبعث إليه ، فقال له : لم تسمّ سيفک ؟

قال : لعدوّي وعدوک، فخلّا عنه ، وقال : ما قتلني بعد.

وقال ابن عبد الرحمان السلمي: أخبرني الحسن بن علي عليه السلام أنّه سمع أباه في ذلک السحر يقول : يا بنيّ ، إنّي رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله الليلة في المنام، فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت من أمّتک من الأود واللدد؟

فقال : ادع عليهم.

فقلت : اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرّاً منّي(1). ثمّ انتبه وجاء مؤذّنه يؤذنه بالصلاة ، فخرج فاتورة الرجلان، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأمّا الآخر فضربه في رأسه وذلک في صبيحة يوم الجمعة لتسع عشرة من رمضان صبيحة بدر.

وروي أنّه جمع الأطبّاء لأمير المؤمنين عليه السلام، وکان أبصرهم بالطب أثير (2) بن عمرو السکوني، وکان صاحب کسري يتطبّب له، وهو الّذي تنسب إليه صحراء أثير فأخذ رئُة شاة حارّة فتتبّع عرقاً منها فأخرجه وأدخله في جراحة أمير المؤمنين عليه السلام، ثم نفخ العرق واستخرجه فإذا عليه بياض دماغ وإذا الضربة قد وصلت إلي أمّ رأسه .

ص: 487


1- انظر نهج البلاغة : 99 خطبة رقم 70، عنه البحار:79/34ح 936، وج 226/42 ح 37.
2- کذا في الاستيعاب، وفي الأصل : کثير ، وفي مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 43ح 28 أنّ طبيبه کان ابن أثير الکندي .

وصية أمير المؤمنين عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام

فقال : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنّک ميّت(1)

فعندها أوصي أمير المؤمنين عليه السلام للحسن والحسين صلوات الله عليهما بالوصيّة الّتي رواها سيّدنا ومفخرنا السيّد محمد الرّضي الموسويّ في کتاب نهج البلاغة من کلام أمير المؤمنين ، وهي قوله عليه السلام :

ومن وصيّة له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن

ملجم عليه اللعنة :

أُوصيکما بتقوي الله، وألّا تبغياً الدنيا وإن بغتکما، ولا تأسفا علي شيء منها زوي عنکما، وقولا بالحقّ، واعملا للآخرة(2) وکونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

أوصيکما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه کتابي بتقوي الله، ونظم أمرکم، وصلاح ذات بينکم، فإنّي سمعت جدّکما رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول: صلاح ذات البيت أفضل من عامة الصلاة والصوم.

الله الله في الأيتام فلا تُغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتکم.

الله الله في جيرانکم، فإنّهم وصيّة نبيّکم، وما زال عليه السلام يوصي بهم

حتي ظننّا(3) أنه سيورثهم.

والله الله في القرآن لا يسبقکم بالعمل به غيرکم . والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينکم.

ص: 488


1- الاستيعاب : 62/3.
2- في النهج : للأجر.
3- کذا في النهج ، وفي الأصل : ظننت

والله الله في بيت ربّکم، لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترک لم تناظروا . والله الله في الجهاد بأموالکم وأنفسکم وألسنتکم في سبيل الله.

وعليکم بالتواصل والتباذل ، وإيّاکم والتدابر والتقاطع، ولا تترکوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فيولّی عليکم أشرارکم ثمّ تدعون فلا يستجاب

لکم.

[ثم] (1)قال : يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّکم تخوضون دماء المسلمين

خوضاًتقولون :(2) قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يقتل فيَّ (3) إلّا قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثّلوا بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : إيّاکم والمُثلة ولو بالکلب العقور .(4)

أبو بکر الشيرازي في کتابه عن الحسن البصري ، قال : أوصي عليّ صلوات الله عليه عند موته للحسن والحسين عليهما السلام وقال لهما : إذا أنا متّ فإنّکما ستجد ان عند رأسي حنوطاً من الجنّة و ثلاثة أکفان من استبرق الجنّة فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وکفّنوني.

قال الحسن عليه السلام : فلمّا قبض عليه السلام وجدنا عند رأسه طبقاً

ص: 489


1- من النهج .
2- کژرت هذه الجملة في الأصل .
3- في النهج : لا تقتلت بي
4- نهج البلاغة :421 رقم 47، عنه البحار: 256/42 ح 78. وروي الوصيّة أيضاً ابن أبي الدنيا في مقتل الامام أمير المؤمنين عليه السلام ص 45 وما بعدها ، فراجع.

من الذهب عليه خمس شمّامات من کافور الجنّة ، وسدراً من سدر الجنّة .

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحکام(1) عن سعد الاسکافي قال : حدثني أبو عبد الله عليه السلام قال (2): لمّا أصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام : غسّلاني وکفّناني وحنّطاني، واحملاني علي سريري، واحملا مؤخّره تکفيان مقدّمه، فإنّکما تبتهيان إلي قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن موضوع، فالحداني واشرجا اللبن علي ، وارفعا لبنة من عند (3) رأسي فانظرا ما تسمعان.

وعن منصور بن محمد بن عيسي، عن أبيه، عن جدّه[زيد بن عليّ، عن

أبيه، عن جدّه ](4)الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذکر فيه:

أوصيکما وصيّة فلا تظهرا علي أمري أحداً، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمني لوحاً وأن يکفّناه فيما يجدان، فإذا غسّلاه وکفّناه وضعاه علي اللوح، وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره، وأن يصلّي الحسن مرّة والحسين مرة صلاة إمام، ففعلا بما رسم عليه السلام، فوجدا اللوح وعليه مکتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما ادّخره نوح النبي لعليّ بن أبي طالب،

ص: 490


1- تهذيب الأحکام: 106/6 ح 3ورواه في الکافي : 457/1 ح 9، وفرحة الغريّ: 30، عنهما البحار: 213/42 ح 14.وأخرج قطعة منه في البحار :251/42 ح 53 عن الکافي
2- من المناقب .
3- في المناقب : ممّا يلي .
4- من المناقب .

وأصابا الکفن في دهليز الدار موضوعاً فيه حنوط قد أضاء نوره علي نور النهار.

وروي أنّ الحسين عليه السلام قال وقت الغسل : أما تري خفّة أمير

المؤمنين؟

فقال الحسن : يا أبا عبد الله ، انّ معنا قوماً يعينونا، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدم السرير، ولم نزل نتّبعه إلي أن وردنا الغريّ، فأتينا إلي قبر کما وصف عليه السلام ونحن نسمع خفق أجنحة کثيرة وضجّة وجَلَبة (1) فوضعنا السرير وصلّينا علي أمير المؤمنين عليه السلام کما وصف النا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضّدنا عليه اللبن.

وفي الخبر عن الصادق عليه السلام : فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعدما أشرجنا عليه اللبن ، وإذا ليس في القبر شيء، وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين

عليه السلام کان عبداً صالحاً، فألحقه الله بنبيّه صلّی الله عليه و آله ، وکذلک يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتي لو أنّ نبيّاً مات بالمشرق و مات (2) وصيه بالمغرب لألحق الله الوصيّ بالنبيّ.

وفي خبر عن أمّ کلثوم بنت علي عليه السلام : فانشقّ القبر عن ضريح فإذا

هم بساجة(3) مکتوب عليها بالسريانيّة:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ

ص: 491


1- الجَلَبة - بالتحريک : اختلاط الصوت
2- من المناقب .
3- الساحة : الطيلسان الواسع المدور .

سعي إسماعيل بن عيسي العباسي عام 293 في تخريب قبر أمير ام المؤمنين عليه السلام

محمد صلّی الله عليه و آله قبل الطوفان بسبعمائة سنة .

وعنها رضي الله عنها أنّه لمّا دفن أمير المؤمنين عليه السلام سمع ناطق

يقول : أحسن الله لکم العزاء في سيّدکم و حجّة الله علي خلقه.

التهذيب(1)في خبر أنّه نفذ إسماعيل بن عيسي العبّاسي غلاماً أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين في جماعةٍ وقال : امضوا إلي هذا القبر الذي قد افتتن به النّاس ويقولون انّه قبر عليّ حتي تنبشوه (2)إلي قعره، فحفروا حتي نزلوا خمسة أذرع فبلغوا إلي موضع صلب عجزوا عنه ، فنزل الحبشي وضرب ضربة سمع طنينها في البّر(3)، ثمّ ضرب ثانية وثالثة ، ثم صاح صيحة وجعل يستغيث فأخرجوه بالحبل فإذا علي يده من أطراف أصابعه إلي ترقوته (4) دم فحملوه علي بغل، ولم يزل ينتثر من عضده وسائر شقّه الأيمن فرجعوا إلي العبّاسي، فلمّا رآه التفت إلي القبلة وتاب من فعله و تولّي و تبرّأ، ومات الغلام من وقته ، ورکب في الليل إلي عليّ بن مصعب ابن جابر وسأله أن يجعل(5)علي القبر صندوقاً.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه : حدّثني أبو الحسن محمد بن تمّام الکوفي ، قال : حدّثني أبو الحسن بن الحجّاج ، قال : رأينا هذا الصندوق

ص: 492


1- هذيب الأحکام: 111/6 ح16. وفيه إسماعيل بن عديّ العبّاسي .
2- في التهذيب : القبر .
3- کذا في التهذيب ، وفي الأصل والمناقب : تنبشون .
4- في التهذيب : مرفقه .
5- في التهذيب والمناقب : يعمل .

العلة في إخفاء قبر أمير المؤمنين عليه السلام

وذلک قبل أن يبني الحسن بن زيد الحائط .(1)

أقول: وإنّما أمر أمير المؤمنين عليه السلام بإخفاء قبره عن غير أهله وولده لأمرٍ لا نعلم نحن سرّه، ولتکن المحنة أشدّ، والبلاء أعظم، أو لکثرة أعدائه، وقصدهم إطفاء نوره، أو غيرهما؛ کخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته ، کالناکثين والقاسطين والمارقين الذين غرروا بأنفسهم في حربه ، ورابطوه قاصدين إطفاء نوره واستئصال شأفته، حتي قتلوه في محرابه راکعاً ، وأعلنوا بسبّه علي منابرهم، وقتلوا ولده وشيعته ، وسبوا نساءه وبناته وولده ، ثمّ تتبعوا أبرار شيعته بالأذي والقتل ، کما فعل زياد بن أبيه والحجّاج، وغيرهما ، وکانوا يقتلون علي التهمة والظنّة، حتي روي أنّهم سمعوا برجل يحدث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله وقتلوه غيلة (2)، فما ظنّک لو علموا بموضع قبره؟ وهو عليه السلام أعلم بما قال وأوصي.

ولم يکن قبره عليه السلام مخفيّاً عند ولده وأهله وأحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم، حتي أنّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتي من المدينة لزيارته وأخفي نفسه في الحياة وزاره ليلاً ورجع من فوره إلي المدينة، وکذلک الباقر عليه السلام. : روي جابر بن عبد الله الأنصاري، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : أتي علي بن الحسين عليه السلام زائراً أمير المؤمنين فوضع خدّه علي القبر ،

ص: 493


1- مناقب ابن شهرآشوب: 348/2 - 350، عنه البحار : 234/42 -236 ح 44.
2- الغيلة : المکر.

وقال : السلام عليک يا وليّ(1) الله في أرضه، وحجّته علي عباده، إلي آخر الزيارة، ثمّ قال : اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليک والهة(2) وسبل الراغبين إليک شارعة، إلي آخره ، کما ذکر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه(3)

ولم يزل قبره عليه السلام مخفيّاً عند العامة معلوماً عند الخاصة إلي أن انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن - أعني بني أميّة عليهم لعائن الله - فأظهره الصادق عليه السلام لخاصّته وأصحابه (4)

وکان يأتي إليه من المدينة جماعة من شيعته، وکان معلوماً لأکثر الناس في تلک الناحية، حتي أنّ بعض خلفاء بني العبّاس خرج يتصّيد في ناحية الغرييّن والثويّة وأرسل الکلاب فلجأت [الظباء] (5) إلي أکمة ورجعت الکلاب، ثمّ إنّ الضباء هبطت منها وصنعت الکلاب مثل الأول، فسئل شيخاً من بني أسد فقال : إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله الله حرماً لا يأوي إليه شيء إلّا أمن .(6)

ص: 494


1- في الصحيفة السجّادية ومصباح المتهجّد: يا أمين . وهذه الزيارة معروفة بزيارة أمين
2- المخبتين : الخاشعين . والهة : متحيّرة من شدّة الوجد
3- مصباح المتهجد: 738، الصحيفة السجّادية الجامعة : 590 دعاء 250. وانظر أيضاً : کامل الزيارات : 39 ب 11ح 1 ، مزار الشهيد : 95، البلد الأمين : 295، مصباح الکفعمي : 480، فرحة الغريّ: 40.
4- انظر : إرشاد المفيد : 12.
5- من المناقب .
6- مناقب ابن شهرآشوب: 350/2 . ورواه مفصلاً في فرحة الغري: 119 وفيه أنّ الخليفة هو هارون الرشيد ، عنه البحار :329/42 ح16.

قضي أمير المؤمنين عليه السلام نحبه ليلة الحادي والعشرين، ونعي الخضر عليه السلام له

ولنرجع إلي تمام الحديث:

ولمّا فرغ أمير المؤمنين من وصيّته وکانت ليلة الحادي والعشرين وذهب شطر من الليل فتحت أبواب السماء، وزيّنت الجنان، و تهيّأت أرواح الأنبياء والأولياء لاستقبال روحه الشريفة صلوات الله عليه . قال عليه السلام للحسن والحسين : احملوني إلي هذا البيت، ودعوني وحدي، واغلقوا عليَّ الباب، واجلسوا خارج الباب إلي أن أمضي إلي جوار الله تعالي، فوضعوه عليه السلام وفعلوا ما أمرهم، فلم يلبثوا إلاّ قليلاً حتي سمعوا أمير المؤمنين عليه السلام يقول : لا إله إلّا الله ، فلما سمع الحسن والحسين تهليله صلوات الله عليه لم يتمالکا إلي أن دخلا عليه، فوجدوه قد قضي صلوات الله عليه نحبه ، فأخذوا في تجهيزه کما ذکرنا أوّلاً صلوات الله ورحمته وبرکاته عليه وعلي روحه وبدنه ، ولعنة الله علي ظالمه وقاتله ومانعه حقّه.

وروي الکليني في الکافي(1) أنّه لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السلام جاء شيخ يبکي وهو يقول : اليوم انقطعت علاقة النبوّة ، حتي وقف بباب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام - وذلک حين موته قبل أن يخرجوه ويأخذوا في جهازه . فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال : رحمک الله ، فلقد کنت أول الناس إسلاماً ، وأفضلهم إيماناً ، وأشدّهم يقيناً، وأخوفهم من الله، وأطوعهم لنبيّ الله ، وأفضلهم مناقباً، وأکثرهم سوابقاً، وأشبههم به خَلقاً وخُلقاً ، وسيماء وفضلاً وکنتَ أخفضهم صوتاً، وأعلاهم طودا، وأقلهم کلاماً، وأصوبهم منطقاً ،

ص: 495


1- الکافي : 454/1ح 4، عنه البحار: 303/42 ح 4 وعن کمال الدين : 387 ح 3.وأخرجه في مدينة المعاجز : 65/3ح730 عن الکافي .

مقتل ابن ملجم عليه اللعنة

وأشجعهم قلباً، وأحسنهم عملاً(1) وأقواهم يقيناً، حفظت ما ضيعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمّرت إذا اجتمعوا، وعلوت إذا هلعوا، ووقفت إذا أسرعوا، وأدرکت أوتار ما ظلموا

کنتَ علي الکافرين عذاباً واصباً، وللمؤمنين کھفاً وحصناً، کنت کالجبل الراسخ لا تحرّکه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، کنت للأطفال کالأب الشفيق ، وللأرامل کالبعل العطوف، قسمت بالسوية، وعدلت بالرعيّة، وأطفأت النيران، وکسرت الأصنام، وذللت الأوثان، وعبد الرحمن - في کلام کثير - فالتفتوا فلم يروا أحداً، فسئل الحسن عليه السلام عنه ، فقال : کان الخضر، فارتجّت الدار بالبکاء والنحيب ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون .(2)

ولمّا رجع الحسن والحسين عليهما السلام من دفن أمير المؤمنين عليه السلام أمر الحسن عليه السلام بإخراج ابن ملجم والاتيان به، فأمر عليه السلام فضربت عنقه، واستوهبت أمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّي إحراقها، فوهبها لها فأحرقتها بالنار، وأما الرجلان اللذان کانا مع ابن ملجم في العقد علي معاوية وعمرو بن العاص، فإنّ أحدهما ضرب معاوية علي إليته وهو راکع ، وأمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري وهو يظنّ أنّه عمرو، وکان قد استخلفه لعلّة وجدها .(3)

وممّا رثي به عليه السلام قول سيّدنا و مولانا الحسن السبط التابع لمرضاة

ص: 496


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : علماً.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 347/2 ، عنه مدينة المعاجز : 68/3 ح 731.
3- إرشاد المفيد : 18 وفيه : خارجة بن أبي حبيبة العامري، مناقب ابن شهرآشوب : 313/3

في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام

الله صلوات الله عليه:

أين من کان لعلم المصطفي في الناس بابا أين من کان إذا ما أقحط الناس سحابا أين من کان إذا نو دي في الحرب أجابا

أين من کان دعا و مستجاباً ومجاب(1)

وسمع هاتف من الجنّ يقول: يا من يوم إلي المدينة قاصداً أدّ الرسالة غير ما متوان قتلت شرار بني أميّة سيّداً خير البريّة ماجداًذا شان ربّ الفضائل في السماء وأرضها سيف النبيّ وهادم الأوثان بکت المشاعر والمساجد بعدما بکت الأنام له بکلّ مکان

صعصعة بن صوحان :

إلي من لي بأنسک يا أخيّا ومن لي أن أبثّک مالدیّا طوتک خطوب دهر قد تولّي کذاک خطوبه نشراً وطيّا فلو نشرت قواک إلي المنايا شکوت إليک ما صنعت إليّا بکيتک يا عليّ بدمع (2)عيني فلم يغن البکاء عليک شيّا کفي حزناً بدفنک ثمّ إنّي نفضت تراب قبرک من يديّا وکانت في حياتک لي عظات وأنت اليوم أوعظ منک حيا فيا أسفي عليک وطول شوقي إليک لو أت ذلک ردّ شياً

ص: 497


1- مناقب ابن شهرآشوب : 312/3 .
2- في المناقب : الدّر .

العلامات التي ظهرت عند مقتل أمير المؤمنين عليه السلام

وله أيضاً:

هل خبّر القبر سائليه أم

قر ّعيناً بزائريه؟ أم هل تراه أحاط علماً بالجسد المستکن فيه؟ لو علم القبر من يواري تاه علي کلّ من يليه يا موت ماذا أردت منّي حقّقت ما کنت أتّقيه ياموت لو تقبل افتداء لکنت بالروح أفتديه دهر رماني بفقد الفي أذمّ دهري وأشتکيه(1)

عن ابن عبّاس رضي الله عنه : لقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام علي

أرض الکوفة فأمطرت السماء ثلاثة أيّام دماً

أبو حمزة، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه

السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وفي أخبار الطالبيّين أن الروم أسروا قوماً من المسلمين فأتي بهم الملک فعرض عليهم الکفر، فأبوا، فأمر بإلقائهم في الزيت المغلي، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم ، فبينا هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل ، فوقف فنظر إلي أصحابه الذين ألقوا في الزيت ، فقال لهم في ذلک ، فقالوا: قد کان ذلک ، فنادي مناد من السماء في شهداء البّر والبحر انّ عليّ بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة ، فصلوا عليه، فصلّينا عليه ونحن راجعون إلي مصارعنا.

أبو ذرعة الرازي، عن منصور بن عمّار أنّه سئل عن أعجب ما رآه ، قال :

تري هذه الصخرة في وسط البحر، يخرج من هذا البحر طائر في کلّ يوم مثل

ص: 498


1- مناقب ابن شهرآشوب : 314/3 - 315.

أبيات لأبي الأسود الدؤلي في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام

النعامة فيقع عليها، فإذا استوي واقفاً تقيّاً رأساً، ثمّ تقيأ يداً، وهکذا عضواً عضواً، ثمّ تلتئم الأعضاء بعضها إلي بعض حتي يستوي إنساناً قاعداً، ثمّ يهمّ بالقيام، فإذا همّ للقيام نقره نقرةً فيأخذ رأسه، ثمّ يأخذ عضواً عضواً کما قاءه ، فلمّا طال عليَّ ذلک ناديته يوماً: ويلک من أنت ؟

فالتفت إليّ ذليلاً وقال : أنا ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين عليه السلام،

وکلّ الله بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلي يوم القيامة.(1)

وسأل أبو مسکان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغريّ . فقال : نعم، إنّهم لمّا جاءوا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام انحني أسفاً وحزناً علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه . (2)

وممّا رثاه به أبو الأسود الدؤلي رضي الله عنه:

ألا ياعين ويحک فاسعدينا ***ألا فابکي أمير المؤمنينا

رزئنا خير من رکب المطايا *** وأفضلها (3)ومن رکب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها ***ومن قرأ المثاني والمبينا (4)

إذا استقبلت وجه أبي حسين *** رأيت البدر راق الناظرينا

يقيم الحدّ لا يرتاب فيه *** ويقضي بالسرائر(5)مستبينا

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** فلاقرّت عيون الشامتينا

ص: 499


1- مناقب ابن شهرآشوب: 346/2 - 347، عنه البحار :308/42-309 ح 9.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 348/2.
3- في المناقب : وحثحثها ، وفي الديوان : ويسها، وفي الأعيان : وفارسها. وحثحثها : أي أسرعها
4- في الديوان والأعيان : والمئينا .
5- في المناقب : بالفرائض .

ما قاله عمران بن حطان الخارجي في ابن ملجم ، وجواب بکر بن

أفي شهر الصيام فجعتمونا ***بخير الناس طرّاً أجمعينا

ومن بعد النبيّ فخير نفس *** أبو حسن وخير الصالحينا

کأنّ الناس إذ فقدوا عليّاً *** نعام جال في بلد سنينا

وکنّا قبل مهلکة بخير *** نري فينا وصيّ المسلمينا

فلا والله لا أنسي عليّاً *** وحسن صلاته في الراکعينا

لقد علمت قريش حيث کانت *** بأنّک خيرها نسباً(1) و دينا

فلا تشمت معاوية بن حرب *** فإنّ بقيّة الخلفاء فينا(2)

ولمّا قال عمران بن حِطّان الخارجي لعنة الله عليه في ابن ملجم : يا ضربة من تقي ما أراد بها إلّا ليدرک من ذي العرش رضوانا إنّي لأذکره حيناً فأحسبه أوفي البريّة عند الله ميزانا(3)

أجابه بکر(4)بن حمّاد التاهرتي معارضاً له:

قل لابن ملجم والأقدار غالبة *** هدَّمتَ ويلک للإسلام أرکانا

قتلتَ أفضل من يمشي علي قدمٍ *** وأوّل الناس إسلاماً وإيماناً

وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما *** سنَّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

ص: 500


1- في المناقب : خيرهم حسباً.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 315/3 ، ديوان أبي الأسود الدؤلي : 71 رقم 45، أعيان الشيعة : 403/7 . وقد اختلف في نسبة هذه القصيدة وفي عدد أبياتها؛ فقد نسبت في الاستيعاب وکفاية الطالب لأمّ الهيثم بنت العريان النخعيّة ، ونسبت في الکامل في التاريخ لأمّ العريان ، ونسبت في الأغاني وإنباه الرواة وتاريخ الطبري للدؤلي .
3- الفرق بين الفرق : 72، الغدير : 324/1.
4- کذا في الأصل والاصابة :179/3، وفي الاستيعاب: 472/2 : أبو بکر، وفي الغدير :326/1 : بکر بن حسّان الباهلي .

کلام للمؤلف رحمه الله

عيد صهر الرسول ومولاه(1) وناصره أضحت مناقبه نوراً وبرهانا وکان منه علي رغم الحسود له مکان هارون من موسي بن عمرانا وکان في الحرب سيفاً صارماً ذکراًليثاً إذا مالقي الأقران أقرانا ذکرتّ قاتله والدمع منحدر فقلت سبحان ربّ الناس سبحانا إنّي لأحسبه ما کان من بشرٍ يخشي المعاد ولکن کان شيطانا أشقي مراد إذا عدّت قبائلها وأخسر الناس عند الله ميزانا کعاقر الناقة الأولي الّتي جلبت علي ثمودَ بأرض الحجر خسرانا قد کان يخبرهم أن سوف يخضبها ق بل المنّية أزمانفأزماناً فلا عفا الله عنه ماتحمله ولا سقي قبر عمران بن حطانا القوله في شقيًّ ظلَّ مجترماً ونال ماناله ظلماً وعدوانا يا ضربة من تقيّ ما أراد بها إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا بل ضربة من غويّ أورثته لظي وسوف يلقي بها الرحمن غضبانا کأنّه

لم يرد قصداً بضربته إلّا ليصلي عذاب الخلد نيرانا(2)

قلت : يا من حبّه أعظم وسائلي إلي ربّي في حشري، ويا من ذکره أطيب ما يخطر بقلبي ويمرّ بفکري، ويا من ولاه رأس إيماني واعتقادي ، ويا من مدحه راحة روحي وأقصي مرادي ، مصابک جدّد أحزاني، وهيّج أشجاني ، وقرّح مقلتي، وأجري عبرتي، وأسهر ناظري، وأظهر سرائري ، کلما أردت أن أکفکف دموعي ذکت نيران الأسي في ضلوعي ، وکيف لا أذيب فؤادي بنار حسراتي ، وأصاعده دماً من شؤوني بتصاعد زفراتي، وأشقّ لمصابک فؤادي لا

ص: 501


1- في الغدير: صهر النبيّ ومولانا .
2- الغدير: 326/1 - 327.

قميص حزني، وأحرّم رقادي لوفاتک علي قريح جفني ، و حبّک جُنّتي وجَنّتي في دنياي وآخرتي، وولاؤک معاذي وملاذي يوم حشري وفاقتي؟

کتبت أحرف خالص اعتقادي في حبک علي صفحات سرائري، وظهرت آثار محض ودادي لمجدک علي وجهات بواطني وظواهري، عمّر الله لحبّک في قلبي منزلاً شامخاً، وثبّت بي في طريق شکوکي إلي عرفانک قدماً راسخاً، لمّا شرّفني ربّي باتّباعک ، وأکرمني بولائک، ونزّهني عن دنس الشکّ في أمرک، وأطلعني علي جلال مجدک و فخرک ، وأعلمني أنّ أفضل الأعمال حبّک ، وأقرب القربي إلي الرسول قربک.

وقفت خالص ودّي علي باب جلالک ، ووجّهت شکري إلي کعبة إفضالک ، لا أريد بعد الله ورسوله منک بدلاً، ولا أبغي عن اتّباع سبيلک حولاً، بل طوّقت بطوق العبوديّة عنقي، ووسمت بميسم الرقية لجنابک حسّي ومفرقي، راجياً أن يثبتني في جرائد أرقّائک عبداً حبشيّاً، وإن کنت علويّاً قرشي .

نزّهک الله عن الدنيا الفانية، واختار لک الدار الباقية، وابتلي عباده بولائک، وأخبرهم باتّباعک، فمن اتّبع سبيلک فقد اتّبع سبيل المؤمنين ، وانتظم في سلک المخلصين ، وأسلم لربّ العالمين، واستمسک بحبله المتين ، ومن تولّي عن أمرک، وخفض المرفوع من قدرک، ولم يفق واضح أمرک، وکذّب بعلانيتک وسرّک ، وغشي بصره عن نور عدلک ، وقدّم عليک من لا يعادل عند الله شسع نعلک ، وسمّي الکاذب صدّيقاً، والجاهل فاروقاً، فقد ألحد في دين الله، وکب بنات الله ، وصار اسمه في صحائف التحقيق مذؤوماً مدحوراً، وغضب الله عليه ولعنه وأعّد له جهنّم وساءت مصيراً، وخرج من عبادة الله إلي عبادة

ص: 502

الشيطان ، واتّبع ما تتلو الشياطين علي ملک سليمان (1)

أنت نور الحقّ، ومحنة الخلق ، والسبب المتّصل بين الله وعباده ، والنهج

الموصل لسالکه إلي سبيل رشاده، لمّا أعلي الله علي کل شأن شأنک ، ورفع علي کلّ بنيان بنيانک ، و توّجک بتاج العلم، وحلّاک بحلية الحلم، فصارت نفسک أشرف النفوس الإنسيّة، وروحک أطهر الأرواح القدسيّة، وقلبک مشکاة الأنوار الإلهية، وذاتک مظهر الأسرار الربّانيّة، وقرن طاعتک بطاعته، ومعصيتک بمعصيته، يدخل الجنّة من أطاعک وإن عصاه، ويدخل النار من أبغضک وإن والاه.

وأمر رسوله أن يوردک في الغدير من زلال الاختصاص کأساً رويّاً، وأن يرفع لک بآية التطهير في سماء الاخلاص مکاناً عليّاً، وأن يکمل الاسلام بعد نقصه بولايتک ، وأن يتم الايمان بصريح نصه علي خلافتک ، فقام صلّی الله عليه و آله آخذاً ميثاقک علي الأسود والأحمر، موجباً ولاءک علي کلّ من أخلص بالوحدانيّة لربه وأقرّ، وأخلصک بالاصطفاء، وخصّک بسيّدة النساء ، وأعلمنا أن الله سبحانه تولّي عقدة نکاحها بشريف إرادته ، وأشهد علي ذلک مقرّبي ملائکته وقرن حبّه بحبّک ، وجعل ذرّيته من صلبک .

فشمخت لذلک معاطس أقوام حسداً وکفراً، وأضمروا في حياة نبيّهم الجلال رفعتک حقداً وغدراً، حتي إذا نقل الله نبيه إلي جواره، واختصّه بدار قراره، أظهروا ما کمن من نفاقهم، وأشهروا ما بطن من شقاقهم، واتّخذوا عجلاًکقوم موسي، وفارقوا الحقّ کأمّة عيسي، وبالغوا في إخفاء دين الله بآرائهم،

ص: 503


1- اقتباس من سورة البقرة : 102.

وراموا إطفاء نور الله بأفواههم، وخالفوا الرسول بما أکّد عليهم بوصيّته ، وقطعوا الموصول ممّا أمر الله بصلته من عترته، واتّخذوا الولائج من دون الله ورسوله ، وأجهدوا جهدهم في تحريف کتاب ربّهم وتبديله، وعبدوا الطاغوت وقد أمروا أن يکفروا به ، وصدّقوا من اتّفق النقل والعقل علي تکذيبه ، وأقاموا مقام الرسول صلّی الله عليه و آله شيطاناً مريداً، و جبّاراً عنيداً، وجهولاً ظلوماً، وعتلّاً؟ زنيماً، وأکفأوا الاسلام، و عبّروا الأحکام، وحرّفوا الکتاب بأهوائهم، وأوّلوا القرآن بآرائهم، فلم يبق من الملّة الحنيفيّة إلا رسمها، ولا من الشريعة النبويّة الّا اسمها .

ثم لم يقنعوا باغتصاب تراثک، وانتهاب ميراثک، حتي نصبوا لک غوائلهم، ودفنوا لاخترامک حبائلهم، وجرّدوا عليک مناصلهم وعواملهم، وفوّقوا نحوک سهامهم ومعابلهم ، ولم يترکوا عهداً فيک إلّا نکثوه، ولا وعداً إلا أخلفوه، وعدلوا بک من لا يمتّ بنسبک، ولا يتصّل بسببک.

ثمّ أظهروا ما أخفوا من النفاق في عهد نبيّهم ، وأبدوا ما أضمروا من العناد بحقدهم وبغيهم، وجعلوا خلافة الله ملکاً عضوضاً، وما عاهدوا الرسول عليه عهداً منقوضاً، و تواصوا بظلمک وهضمک ، وتعاهدوا علي إخفاء فضلک وعلمک ، وموّهوا علي الأمّة المفتونة بزورهم، وشبّهوا عليها بغرورهم ، وأغرّوا سفهاءها بسبّک، وحملوا طلقاءها علي حربک، حتي اغتالوک في حال توجّهک إلي معبودک ، وقتلوک حين رکوعک وسجودک ، وهدموا دين الاسلام بهدم بنيتک ، وفرّقوا کلمة الايمان بفرق هامتک ، وغاوروک في محرابک طريحاً، وبين أصحابک طليحاً.

قد صدقت ما عاهدت الله عليه ، ووفيت بما ندبک سبحانه إليه، ففزت

ص: 504

.

بالشهادة الّتي فضّلک بها، واصطفاک بفضلها، فکنت لوقتها منتظراً، وبوصفها مشتهراً، بما أعلمک به الصادق الأمين، ومن هو علي الغيب ليس بضنين(1) بقوله صلّی الله عليه و آله : لتخضبنّ هذه من هذ(2) وبقوله صلّی الله عليه و آله : کأنّي وأنت قائم تصلّي لربّک وقد انبعث أشقي الأوّلين والآخرين فضربک علي هامتک ضربة خضب منها لحيتک (3) وقال سبحانه في شأنک، ومن أصدق من الله قيلاً: ( رِجَالُ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلیهِ؛ فَمنهُم مَن قَضَی نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً)؟ (4)

فلأنفذنّ لمصابک ماء شؤوني، ولأحر منّ لذيذ الکري علي عيوني ، ولأستنفذنّ العمر في مدائحک و مراثيک ، ولأبکينّ الدهر علي ما حلّ بک وبنيک ، ولاذيبنّ بنار حزني فؤادي ، ولأصعدنّه دماً من مقلتي بطول سهادي ، ولأندبنّک آناء ليلي ونهاري، ولأجعلنّ الحزن يمهجتي ألفاً، والبکاء علي مقلتي وقفاً ووجّهنّ إلي غاصبي حقّک مطايا لعني وهضمي، ولأقرعنّ هامات مکذّبي صدقک بمقامع نثري ونظمي ، ولابيّنن ما دلّسوا بغرورهم، ولأُظهرنّ ما أخفوا من باطلهم وزورهم، معتقداً ذلک من أعظم الوسائل إلي ربّي في حشري ، وأکمل الفضائل يوم بعثتي من قبري .

فمن جملة ذلک قصيدة تحلّي الطروس بجواهر مصارعها، و تسرّ النفوس بتواصل مقاطعها ، نظمتها قبل ابتدائي بتأليف الکتاب ، والله الموفّق للصواب :

ص: 505


1- اقتباس من سورة التکوير :24.
2- انظر : الأحاديث الغيبية : 48/1 ح 19 و ص 49 ح20 وص51ح22.
3- انظر : الأحاديث الغيبية :53/1 ح 23.
4- سورة الأحزاب : 23.

قصيدة للمؤلف رحمه الله في حق أمير المؤمنين عليه السلام

صرف الردي بفني الزمان موکل ولهم

بأسياف المنّية تقتل

وهُم لأسهم فتکه غرض فليس لهم

سبيل عنه أن يتحوّلوا في حکمة بقضائه في أخذهم بالموت جمعة لا يجور ويعدل کم غادرت قدراته من قاهر في الترب مقهوراً تطأه الأرجل عفت العواصف قبره بهبوبها وعلي ثراه السائمات تهرول أين الملوک بنو الملوک ومن هم کانوا إذا رکبوا يذوب الجندل لعب الزمان بهم فعمّا قد جري في حقهم من صرفه لا تسألوا بليت محاسنهم وشتّت شملهم وخلت مجالسهم وأفني المنزل واستبدلوا بطن الثري من ظهرها واروعتا بحشاي ممّا استبدلوا يا من حديث مدامعي من أجلهم في صحن خدّي مطلق ومسلسل عتي خذوا خبر الصبابة اني مابين أرباب الغرام معدل سقمي لدعواي المحبة معجز إذ دمع عيني مذنأيتم مرسل يا من حقيقة محنتي في حبّهم منها سقامي مجمل ومفصّل ما ان ضممت إلي زلال لقاکم إلا ولي من فيض دمعي منهل کلّا ولا عنّي تأخّر وصلکم إلا وهيّجني غرام مقبل فلأندينّ بحرقةٍ من لوعتي رضوي يذوب لها ويذبل بالخيف خفت منيتي إذ لم أنل بمني المني منکم فخطبي مشکل وبجمع أجمعتم قطيعة صبّکم فغدا جمالکم يخد ويزمل ورميتم قلبي بجمرة لوعة بشِواظها منّي أصيب المقتل

ف لأصرفن مودّتي عنکم إلي قوم لهم في المجد باع أطول قوم هم اما وليّک عادل أو عالم أو حاکم أو مرسل

ص: 506

ا أو عابد أو حامد أو زاهد أو ماجد أو عاضد أو مفضل أو فائز يوم الغدير برتبة بعلوّها خضع السماک الأعزلُ مولي إليه في الحساب حسابنا وعليه في ذاک المقام نعوّل وإذا بنو الدنيا توالت مثلها فإليه من دون الخلائق نسعد فرض الإله علي الأنام ولاءهُ فرضاً به نزل الکتاب المنزل إن کنت مرتاباً فسل عن إنّما(1) فهي الدليل لمن يصحّ ويعقل کتف النبيّ لأخمصيک مواطيء فلذاک خدّ سواک حقّاً أسفل يا أوّل الأقوام إيماناً بما أوحي الإله لابن عمّک من عل يا آخراً عهداً به لمّا قضي حزت العلي أنت الأخير الأوّل ما رمتُ نظماً فيک إلّا زانه سحراً يزيّن مقولي ويجمّل وإذا مديح سواک رامت فکرتي سمح القريض له وکلّ المقول وإذا طغي ريب الزمان بعسره فدعائي باسمک للعسير يسهّل أعمالنا

منقوصة مقصورة إن لم يصححّها ولاک و يکمّل مديحک ألبسني ملابس رفعة لعلوّها فوق المجرّة أرفل کم منبر شرّفته بمدائح في وصف مجدک فضلها لا يجهل وخطابة رصّعتها بجواهر هام الثناء بها عليک يکلّل تعنوا وجوه أولي التقي لجلالها وذوو الشقاء حسداً بها يتضاءلوا ماطال مجد بالمکارم والتقي إلّا ومجد علاک منه أطول رقمت حروف علاک في الصحف الأولي مفروضة إذ ماسواها مهمل

ص: 507


1- أي قوله تعالي في سورة المائدة : 55: و إَّنّما وَلیَّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّکَاةَ وَهُم رَاکِعُونَ ).

سل عنه بدراً والوليد وعتبة تنبيک عن ندب يقول ويفعل قدّ ابن ميشا فانثني وحسامه بدمائه متوشّح متسربل وقموص خيبر مذ آبيد غدت لها قمص المذلّة والإهانة تشمل وبنو قريظة لم يزل ربّ العلي بيديک يا مولي الأنام يزلزلُ أعمالنا في حشرنا وصلاتنا بسوي ولائک ربّنا لا يقبل علقت يدي منه بأوثق عروة يفني الزمان وحبلها لا يفصلُ يا من يقيس به سواه سفاهة ما أنت إلا أعفک (1) لا يعقل تربت يداک فضلّ سعيک في الوري أيقاس بالدرّ الثمين الجندلُ من تيم من أعلامها مافضلها ما مجدها من حبترٍ من نعثل بل ما الأکاسرة العظام وما القياصرة الکرام ومن يجور ويعدل فيه بنوح والخليل وبالکليم وبابن مريم وهو منهم أفضل يا زائرة جدث الوصيّ معظماً وله علي البيت الحرام يفضل ويري الخضوع لديه خير وسيلة بثوابها يتوسّل المتوسّل قف خاشعاً والثم ثراه ففضله وکماله من کلَّ فضل أکمل واعدد قيامک في صعيد مقامه سبباً إلي رضوانِ رَبَّک يوصل وجميع ما تأتي به من طاعة جزماً بغير ولائه لا يقبل وأبلغه عنّي بالسلام تحية هي خير مايهدي إليه ويرسل ومدائحا في غير وصف کماله ترصيعها وبديعها لا يجمل وإليه أبدي بسالخطاب ألوکه عن صدق إخلاصي رواها المقول من بعد ما نأتي به من طاعةٍ بأدائها يتنفّل المتنفّل

ص: 508


1- الأعفک : الأحمق.

وإذا فرض أو إقامة سنّة أو زورة منها النجاة تؤمّل قف ثمّ قل يا خير من لولائه في مهجتي دون الخلائق منزل و معارج الدعوات حول ضريحه وعسليه أملاک السماء تنزل ترکوک ياطود العلوم وقدّموا رجساً بحبَّة خردل لا يعدل وبنوا قواعد دينهم سفهاً علي جرفٍ فتاهوا في الضلال وضلّلوا وتراث أحمد منک حازوه وما استحيوا وللقرآن جهلاً أوّلوا وعلي عبادة عجلهم عکفوا وأض حي السامريّ بهم إليه يعدلوا ولزوجک الزهراء عن ميراثها حجبوا وحکم الله فيها بدلوا وعليک من بعد النبيّ تحزّبت أحزابهم وأتوا لحربک يرفلوا وغدا برا کسبة البعير بعيرها للکفر والإلحاد مسنها يحمل وأتت من البلد الحرام بفتنةٍ لبّ اللبيب لها يحير ويذهل لم أنسها وجموعها من حولها لضبا العوامل والمناصل مأکل حتي إذا شرفت بعصبة بغيها ورأت بنيها حولها قد قتلّوا أبدت خضوعة واستقالت عثرة ما أن يقال ومثلها لا يحمل ثمّ انثنت نحو ابن هند والحشا منها به للحقد نار تشعل جعلت دم المقتول حقّاً شبهة منها بدار أخ الرسول تؤمّل ماتيم مرّة من أميّة فانکصي فالبغي يصرع طالبيه ويخذل أغراک غلّ في فؤادک کامنُ يغلي مراجله وحقد أوّل لم تجر بعد المصطفي من فتنةٍ إلا وبغيک وردها والمنهل فلذاک رأس القاسطين ورهطه بک في الضلال تتابعوا وتوغّلوا والمارقون عن الهدي والسابقون إلي الردي وبنهروان جدّلوا منک أحتدوا وبک اقتدوا في ضيمهم وعلي اجتهادک في خروجک عولوا

ص: 509

أغواهم الشيطان حتي أکفروا بحر العلوم وخطّأوه وجهّلوا وعدوا عليه مصلّياً متهجّداً بتخشّع وتضرّع يتبتّل کفروا بأنعم ربّهم ونبيّهم ووليّهم إذ ضيّعوا ما حملوا بکت السماوات العلي لمصابه بدم عبيط لا بدمع يهمل أذکت رزيّته بقلبي لوعة حتي الممات رسيسها يتجلجل وعلي عيوني حرّمت طيب الکري فلذا بفيض نجيعها لا تبخل صلّی عليک الله يا من ديننا حقّاً بغير ولائه لا يسقبل وعلي الّذين تقدّموک وفا رقوادين الهدي و وکيد عهدک أهملوا العناً وبيلاً ليس يحصي عدّه حتي القيامة وصله لا يفصل ما ارتاح ذو شجن ينشر صارماً عصفت جنوب واستمرّت شمائل

ص: 510

فصل في ذکر سيدة النساء صلوات الله وسلامه عليها

خطبة للمؤلف رحمه الله

نبدأ من ذلک بخطبة في ذکر شيء من مناقبها و تزويجها بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قلتها بإذن الله وخطبت في مشهد ولدها السبط التابع المرضاة الله أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم السادس من ذي الحجّة الحرام ، وهي هذه :

الحمد لله الّذي أعلا بعليّ أمره کلمة رسوله ونبيّه وانمي له في سماء المجد قدراً، وأوضح أحکام شريعته بوصيّه في أمّته وشدّ به منه عضداً وأزراً و نصب أعلام ملّته بشدّة عزمته وجعله نسباً وصهراً.

وأمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير ورداً وصدراً، وأن يخاطب الجمّ الغفير بفرض ولايته علانية وسرّاً، وأن يرفع له بالرئاسة العامّة إلي

حين حلول الطامّة الکبري قدراً، لمّا زوّجه الجليل سبحانه بالبتولة الزهراء والانسيّة الحوراء جعل سبحانه نثار طوبي لشهود العرس نثراً، وتولّي سبحانه عقدة نکاحها بلسان العناية الإلهيّة ، وخاطب نبيّه ببيان الإرادة الأزليّة : إنّي قد زوّجت نوري من نوري فأعظم بذلک فخراً.

يا له نکاحاً وليه الملک الجليل ، وعقد شاهداه جبرائيل وميکائيل ، و جمعا (1)

خطبته علي منبر الکرامة راجيل ، قد جعل الله نثار قاصرات الطرف فيه

ص: 511


1- کذا في الأصل .

ياقوتاً ودرّاً، يتفاخرن به في قصور دار المقامة ، ويتهادينه في منازل السرور إلي يوم القيامة ، تلک أرواح سالکي طريق الحقّ من أهل الامامة ، قد جعل الله لهنّ حسن إخلاص المخلصين بالايمان ...(1)مهر الولاء وجود عين الوجود في الکربين ، أعني صاحب بدر وأحد وحنين ، لم يکن للزهراء کفو ما بين المشرفين والمغربين ، فلهذا أحدث الله لهما في صحائف التطهير والتقديس أمراً

بحران التقيا بتدبير العليّ العظيم، وبدران اقترنا بتقدير العزيز العليم، ونوران اجتمعا بمشيئة المدبّر الحکيم، قد کفّر الله بولائهما سيّئات أوليائهما وأعظم لهم أجراً، يخرج من صدف بحريهما اللؤلؤ والمرجان، ويشرق بزاهر نوريهما الملوان(2) والخافقان ، ويهتدي بعلم علمهما الثقلان من الإنس والجانّ، ويجعل الله بذريتهما لدين الحقّ بعد الطي نشرة ، أمناء الحقّ من نجلهما، وهداة الخلق من نسلهما، ودعاة الصدق من الهماهم غيوث و ليوث في قري، وقراع فهم أسد الشري، سادة الخلق وأعلام الوري، فعليهم أهل بيت و مقام وصفا، ومناجاة بصدق وصفا، من لهم بالمجد حقّاً وصفا، نال من ذي العرش صلوات الله تتراً، توقيراً وبرّاً.

نحمد ربّنا علي ما اختصّنا به من عرفان حقّهم ، ونشکره إذ جعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم، ووفّقنا في حلبة الفخر للاقرار بتقديمهم وسبقهم، وخلص ابريز خالص معتقدنا لحبّهم سرّاً وجهراً.

ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريک له ، شهادة تدحض عن قائلها ذنباً

ووزراً، وترمض من منکرها سحراً وبحراً .

ص: 512


1- الظاهر سقط من الأصل هنا بمقدار صفحة واحدة
2- کذا في الأصل .

ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الّذي أطلعه الله علي أسرار ملکوته ليلة

الاسراء، وشرّفه حضرة جبروته علي الخلق طرّاً.

صلّی الله عليه صلاة عرفها کالمسک عطرة، ونشرها کالروض نشراً وعلي آلها الّذين من استمسک بحبل ولائهم فاز من الله بالبشري ، وحاز السعادة الکبري في الدنيا والأخري، ما أظهر النهار بنور صباه من الليل فجراً، وهزم بمسلول صارم حسامه صباحه جنود الحنادس فلم يبق منها عينا ولا أثراً.

يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّکم علي تجارةٍ تنجيکم من عذاب أليم(1) وسعادة باقية ببقاء الربّ الرحيم ، وجنّات لکم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم(2)، أن تسلکوا سبيل ولي الله في برّه وبحره ، والداعي إلي الله علي بصيرة من أمره ، والمخلص بطاعته لرّبه في سرّه وجهره ، وعيبة علمه ، وموضع سرّه ، ووجهه الواضح في خلقه ، ولسانه الناطق بحقّه، ويده الباسطة في بلاده ، وعينه الباصرة في عباده .

صاحب الخندق وبدر، وقاتل الوليد وعمرو ، الّذي دکّ الله بيده حصن

القموص ، واختصه بأشرف النصوص علي الخصوص.

بحر العلم، طود الحلم، وينبوع الکرم، ومعدن الحکم.

أفصح الخلق لساناً، وأوضحهم بياناً، وأکرمهم بناناً ، وأعلاهم في الشرف

تبياناً.

السائق الصادق، والصادع الناطق ، والفاتح الخاتم، والمتصدّق في

ص: 513


1- إقتباس من سورة الصفّ: 10.
2- إقتباس من سورة التوبة : 21 و 22.

قصيدة في حق الزهراء عليها السلام

رکوعه بالخاتم.

نفسه نفس الرسول، وعرسه الطاهرة البتول، سيّدة نساء الأمّة، وامّ السادة الأئمّة ، وابنة شفيع المحشر، وحليلة ساقي الکوثر، الخاشعة الزاهدة ، الراکعة الساجدة ، الصائمة القائمة، العاملة العالمة ، السالکة الناسکة ، العفيفة الشريفة، المتهجدّة المتعبّدة ، البتولة الطاهرة ، سيّدة نساء الدنيا والآخرة ، أمّ الحسنين ، وابنة شفيع الکونين ، وحليلة إمام الثقلين.

تخجل الشمس حياءً منها إن أسفرت، وتبتهج الأرض سرورة إن عليها

خطرت، شجرة دوحة النبوّة ، ودرّة صدفة الفتوّة ، نور من نور خلقت ، وشمس من شمس أشرقت ، فضلها لا يخفي ، ونورها لا يطفي ، لمّا کان والدها لقلادة النبوّة واسطة ، کلّمه الجليل سبحانه ليلة الاسراء بلا واسطة ، وجعل بعلها له وصيّاً ووليّاً، وبأعباء رسالته حفيّاً مليّاً ، و تولّي سبحانه عقدة نکاحها في حضيرة القدس ، وجعل جبرائيل وميکائيل من جملة خدمها ليلة العرس: بنت خير الخلق طرّاً وأجلّ الخلق قدرا

من بها الله بصنو المص

في أصفي وبرّا عالم الأمّة والهادي لها برّاً وبحرا

ولا سما الخلق مجداً نسباً

کان وصهرا وبأحدٍ شدّمنه الله للمختار أزرا وببدر أطلع الحق به للحق بدرا هازم الأحزاب والقاتل ذاک اليوم عمرا سل به خيبرکم هدبها رکناً وقصرا ناصب الراية لمّاکعّ مَن کَعّ وفرّا

ص: 514

في حنين نصر الله به الاسلام نصرا

رفع الله له

في الدوح بالإمرة أمرا

کان بالزهراء من کلّ عباد الله أحري لم يکن

کفوا لها لولاه بين الناس يدري جعل الله لها خمس ج ميع الأرض مهرا طهرت مع نجلها من س ائر الأرجاس طهرا ذکرها يوم الکساء في الذکر بتلي مستمّرا بعلها قامع هامات جنود الشرک قهرا قاصم الأصلاب والقاسم للأسلاب قسرا وامرح فکري مدحة في وصفه نظماً ونثرا فرأيت الله قد أعلي له في الذکر ذکرا هل أتي(1)فيه وفي زوجته وابنيه تقرا آثروا بالقوت لکّا أن وفوا عهداً ونذرا عبد الخالق لمّاعبد الأقوام جهرا هبلاً ثمّ يسغوث وسواعاً ثمّ نسرا

مذبني بالبضعة الزهراء أهدي الله عطرا شرفاً منه لهاقد فاق في الآفاق ذکرا عرفه مسن يثرب في مکّةٍ ينفح نشرا

روي عن الأصبغ بن نباتة بإسناد متصل قال : لمّا زوج رسول الله صلّی الله عليه و آله فاطمة من علي عليه السلام وأراد أن يدخلها به أتاه جبرائيل ،

ص: 515


1- المراد سورة الإنسان .

جملة من مناقبها عليها السلام

فقال : يا محمد ، ما تصنع؟

قال : أدخل فاطمة بعليّ

قال : إنّ ربّک يقرؤک السلام ، ويقول لک : لا تحدث شيئاً حتي آتيک ، ثمّ عرج جبرائيل وهبط علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ومعه قدح من الياقوت فيه من مسک الجنّة ، وزعفران من زعفران الجنّة ، مضروب بماء الحياة ، وقال الرسول الله صلّی الله عليه و آله : ربک يقرؤک السلام ، ويقول لک : مرّ فاطمة فلتضع هذا في مفرقها ونحرها ، ففعلت ذلک ، فکانت صلوات الله عليها بعد ذلک إذا حکّت رأسها بالمدينة تفوح رائحته من مکّة ، فيقول الناس : ما هذه الرائحة ؟

فيقال : إن فاطمة قد حکت رأسها بالمدينة اليوم ، فهذه رائحة الطيب الذي

أهداه الله إليها.

وروي الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد هممت بتزويج فاطمة عليها السلام وما يمنعني من ذلک إلّا أنّي لم أتجرّأ علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وإنّ ذلک ليختلج في صدري ليلاً ونهاراً حتي دخلت علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ذات يوم فقال : يا علي.

فقلت: لبيّک ، يا رسول الله . قال : هل لک في التزويج ؟

قلت : رسول الله صلّی الله عليه و آله أعلم ، وإذا به يريد أن يزوّجني بعض نساء قريش(1) وإني لخائف علي فوات فاطمة ، فانصرفت فلم أشعر بشيء حتي

ص: 516


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : بعض بنات نساء قريش .

أتاني رسول الله صلّی الله عليه و آله فقال لي : أجب النبيّ وأسرع، فما رأيت أشدّ فرحاً منه اليوم ، قال : فأتيته مسرعاً ، فإذا هو في حجرة أمّ سلمة رضي الله عنها ، فلمّا نظر إليَّ تهلّل وجهه فرحاً، وتبسّم حتي نظرت إلي بياض أسنانه يبرق.

فقال : يا عليّ ، أبشر ، فإن الله سبحانه قد کفاني ما کان أهمني من أمر

تزويجک.

فقلت : وکيف ذلک ، يا رسول الله ؟

فقال : أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولنيهما فأخذتهما

وشممتهما، وقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟

فقال : إنّ الله سبحانه أمر سکّان الجنّة (1)من الملائکة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان کلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطيب والعطر، وأمر حور عينها بقراءة سورة طه وطواسين ويس و حمعسق ، ثمّ نادي منادٍ من تحت العرش:

ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب، ألا إنّي أُشهدکم أني قد زوجت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله من علي بن أبي طالب رضي متي بعضهما البعض.

ثم بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائکة فنثرت من سنبل الجنّة وقرنفلها، وهذا ممّا نثرته الملائکة.

ص: 517


1- في الأمالي : الجنان .

ثمّ أمر الله سبحانه ملکاً من ملائکة الجنّة يقال له راحيل(1)، وليس في الملائکة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل ، فخطب بخطبةٍ لم يسمع بمثلها أهل السماوات ولا أهل الأرض ، ثمّ نادي منادٍ : ألا يا ملائکتي وسکّان جنّتي، بارکوا عليّ علي حبيب محمد صلّی الله عليه و آله وفاطمة بنت محمد فقد بارکت عليهما ، ألا إنّي قد زوجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين(2)

فقال راحيل الملک : يا ربّ وما برکتک عليهما بأکثر مما رأينا [لهما ](3)

في جنّتک ودار رضوانک ؟

فقال عزّ وجلّ : يا راحيل ، إنّ من برکتي عليهما أنّ أجمعهما علي محبّتي،

وأجعلهما حجّة علي خلقي ، وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً ، ولأنشئنّ منهما ذرّية أجعلهم خزّاني في أرضي ، ومعادن لعلمي ، ودعاة إلي ديني ، بهم أحتجّ علي خلقي بعد النبيّين والمرسلين.

فأبشر يا عليّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ أکرمک بکرامة لم يکرم بمثلها أحداً، وقد زوّجتک ابنتي علي ما زوّجک الرحمن ، ورضيت بما رضي الله لها، فدونک أهلک ، فإنّک أحقّ بها منّي ومن کلّ أحد، وقد أخبرني جبرائيل أنّ الجنّة مشتاقة

ص: 518


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : راجيل . وکذا في المواضع الآتية
2- في «ح»: سمعت من علماء الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين [أنه] قد وجد بالکوفة بعد قتل الحسين عليه السلام درّة حمراء وقد کتب فيها بخطّ کوفيَ جلي هذا الرباعي بحسن الخطّ: أنا درّ من السماء نثروني يوم تزويج والد الحسنين کنت أصفي من اللجين ولکن صبّغتني دماء نحر حسين
3- من الأمالي ، وفيه بعده : في جنانک و دارک .

إليکما، ولولا أنّ الله سبحانه قدّر أن يخرج منکما ما يتّخده علي الخلق حجّة الأجاب فيکما الجنّة وأهلها ، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب

أنت ، وکفاک برضي الله رضي.

قال عليّ عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، أبلغ بقدري حتي ذکرتُ في

السما(1) وزوّجني ربّي في ملائکته ؟؟

فقال صلّی الله عليه و آله : إنّ الله سبحانه إذا أکرم وليّه أکرمه بما لا عين

رأت ولا أذن سمعت، فأحباها الله لک.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن سجد شکراًلله : (رَبَّ أوزِعنِي أَن

أَشکرَ نِعمَتَکَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ (2)

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله: آمين .(3)

الخرگوشي في کتابيه شرف المصطفي واللوامع ، بإسناده عن سلمان. وأبو بکر الشيرازي أيضاً روي في کتابه . وأبو إسحاق الثعلبي، وعليّ بن أحمد الطائي ، وغيرهم من علماء السنّة في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير . وروي أيضاً سفيان الثوري وأبو نعيم الأصفهاني أيضاً فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس. وعن [أبي مالک ، عن] (4) ابن عبّاس والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة ، عن الصادق عليه السلام.

ص: 519


1- في الأمالي : الجنّة
2- سورة النمل : 19.
3- أمالي الصدوق : 448 ح 1، عيون أخبار الرضا عليه السلام: 222/1 ح 1 ص225ح2، عنهما البحار : 101/43 ح 12، وفي ص 103ح 12 عن تفسير فرات :156.
4- من المناقب .

وروي مشايخنا رضي الله عنهم عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي :

(مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقِيَانِ )(1)قال : عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما علي صاحبه ، وفي رواية : (بيَنَهُمَا بَرزَخُ) (2) رسول الله صلّی الله عليه وآله (يَخرُجُ مِنهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالمَرجَانُ)(3) الحسن الحسين عليهما السلام.(4)

أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس أنّ فاطمة عليها السلام بکت للجوع والعري، فقال لها رسول الله صلّی الله عليه وآله : اقنعي يا فاطمة بزوجک، فوالله إنّه سيّد في الدنيا ، سيّد في الآخرة، وأصلح بينهما، فأنزل سبحانه :( مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقيَانِ) ، يقول : أنا الله أرسلت البحرين : عليّاً بحر العلم، وفاطمة بحر النبوّة، يلتقيان : يتّصلان ، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما، ثمّ قال : (بَينَهُمَا بَرزَخُ) أي مانع رسول الله صلّی الله عليه و آله يمنع عليّاً أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا(فَبِأيَّ آلاَءِ رَبَّکُمَا) يا معشر الجنّ والإنس (تُکَذبَان) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة الزهراء، فاللؤلؤ الحسن ، والمرجان الحسين ، لأنّ اللؤلؤ الکبار والمرجان الصغار، ولا غرو أن يکونا بحرين لسعة فضلهما وکثرة خيرهما ، فإنّ البحر ما سمّي بحراً إلّا لسعته، وأجري النبيّ صلّی الله عليه و آله فرساً فقال : وجدته بحراً.(5)

القاضي أبو محمد الکرخي في کتابه عن الصادق عليه السلام، عن فاطمة

ص: 520


1- سورة الرحمن: 19.
2- سورة الرحمن : 20
3- سورة الرحمن : 22.
4- مناقب ابن شهرآشوب:318/3 - 319، عنه البحار : 31/43ح39.
5- مناقب ابن شهرآشوب: 319/3 ، عنه البحار :99/24 ح6.

عليها السلام قالت : لمّا نزلت (لاَ تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَکُم کَدُعَاءِ بَعضِکُم بَغضاً) (1) هبت رسول الله صلّی الله عليه و آله أن أقول له يا أبة ، فکنت أقول : يا رسول الله ، فأعرض عنّي مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أقبل عليَّ ، وقال : يا فاطمة ، إنّها لم تنزل فيک ولا في أهلک ولا في نسلک ، أنت منّي وأنا منک ، إنّما أنزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والکبر ، قولي : يا أبة ، فإنّها أحيي للقلب ، وأرضي للرب.(2)

سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح في قوله سبحانه : ( وَإذَا النُّفُوسُ زُوَّجَت) (3) قال : ما من مؤمن يوم القيامة إلّا إذا قطع الصراط زوجه الله علي باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدنيا ، وسبعين[ ألف] (4)حوراء من حور الجنّة إلّا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه زوج البتول فاطمة في الدنيا ، وهو زوجها في الجنّة ، ليست له في الجنّة زوجة غيرها من نساء الدنيا ، لکن له في الجنّة سبعون ألف حوراء، لکلّ حوراء سبعون ألف خادم(5)

عن الصّادق عليه السلام قال : حرّم الله النساء علی عليّ ما دامت فاطمة

حيّة لأنّها طاهرة لا تحيض.

وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين (6) سمّيت مريم بتولاً لأنّها بتلت عن

ص: 521


1- سورة النور: 63.
2- مناقب ابن شهرآشوب:320/3 ، عنه البحار :32/43- 32، وعوالم العلوم :74/11 ح6.
3- سورة التکوير : 7.
4- من المناقب.
5- مناقب ابن شهرآشوب:324/3 - 325، عنه البحار :154/43 .
6- الغريبين : 28 (مخطوط). وفيه : وقال الليث : البتول کل امرأة منقطعة عن الرجال لا شهوة لها. وقال أحمد بن يحيي : ستيت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا عن دينها ... وفي الأصل والمناقب والبحار : «عبيد» بدل «أبو عبيد» .

الرجال ، وسمّيت فاطمة بتولاً لأنّها بتلت عن النظير.

أو هاشم العسکري قال : سألت صاحب العسکر عليه السلام : لِمَ سمّيت

فاطمة الزهراء ؟

قال : کان وجهها يزهر الأمير المؤمنين من أوّل النهار کالشمس الضاحية ،

وعد الزوال کالقمر المنير ، وعند غروب الشمس کالکوکب.(1)

وروي عن الباقر والصادق عليهما السلام، ورواه أيضاً عامر الشعبيّ والحسن البصري [سفيان الثوري ومجاهد وابن جبير وجابر الأنصاري ] (2) عن النبيّ صلّی الله عليه و آله أنّه قال : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني . أخرجه البخاري عن المسوّر بن مخرمة.

وفي رواية جابر : فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذي الله .(3)

ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد، عن عبد الله بن الزبير - في خبر - عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : دخل الحسن بن عليّ علی جدّه رسول الله صلّی الله عليه و آله و هو يتعثّر بذيله ، فأسرّ إلي النبيّ صلّی الله عليه و آله سرّاً فرأيته قد تغيّر لونه ، ثمّ قام صلّی الله عليه و آله حتي أتي منزل فاطمة ، فأخذ بيدها فهزّها هزّاً، وقال لها : يا فاطمة ، إياک وغضب عليّ ، فإنّ الله يغضب لغضبه ، ويرضي ترضاه ، ثمّ جاء إلي علي عليه السلام فأخذه بيده ، ثمّ هزّها هزّاً خفيفة ، ثمّ قال :

ص: 522


1- مناقب ابن شهرآشوب: 3/ 330، عنه البحار :16/43 .
2- من المناقب.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 332/3 ، عنه البحار : 39/43 .

يا أبا الحسن ، إيّاک وغضب فاطمة ، فإنّ الملائکة تغضب لغضبها ، وترضي الرضاها.

فقلت (1): يا رسول الله ، مضيت مذعوراً ورجعت مسروراً ؛

فقال : يا معاوية ، کيف لا أسرّ وقد أصلحت بين اثنين هما أکرم أهل

الأرض علي الله ؟(2)

قلت : في روايته لهذا الحديث ثمّ خلافه له وارتکاب ما حذّر الرسول صلّی الله عليه و آله من أنّ الله يغضب لغضب عليّ ، ويرضي لرضاه أکبر دليل علي نفاقه واستهزائه بقول النبيّ صلّی الله عليه و آله، وقلّة مبالاة بأمره ونهيه، و خروج عن الدين بقالبه وقلبه ، وأنّه لا يعتقد الاسلام ديناً، ولا الله ربّاً، ولا محمداً رسولاً ، ولا کان متمسّکاً بالکتاب ، ولا أنّه منزل من عند الله ، ولا مقرّاً بما أنزل فيه ، ولا معتقداً ما وعد الله من الحشر والنشر والحساب ، والجنّة والنار وما أعد الله فيهما من الثواب والعقاب ، فلهذا أظهر ما أبطن من بغض النبيّ وأهله، وأجلب عليهم بخيله ورجله ، وأفضي بوصيّه إلي فتنته، وأسرته وذروته وشيعته ، بالانتقام منهم، وإظهار الأحقاد البدريّة فيهم ، فالله حسبه وطلبته ، وهو بالمرصاد لکلّ ظالم.

قال الشيخ محمد بن بابويه القمّي رضي الله عنه : وهذا الحديث ليس بمعتمد لأنّهما منزهان [عن] (3)أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلّی الله

ص: 523


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فقلنا .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 2/334، عنه البحار : 42/43 -43. وعوالم العلوم :154/11 ح 1.
3- من المناقب.

عليه و آله(1)

الباقر والصادق عليهما السلام: أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله کان لا ينام

حتي يقبّل عرض وجه فاطمة ، ويضع وجهه بين ثدييها .(2)

أُتي برجل إلي الفضل بن الربيع زعموا أنّه سبّ فاطمة فقال لابن غانم :

انظر في أمره ما تقول ؟

قال : يجب عليه الحدّ.

فقال له الفضل : إذاً کأمّک إن حددته ، فأمر به أنّ يضرب بألف سوط ، وأنّ

يصلب في الطريق .(3)

أبو علي الصولي في أخبار فاطمة ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، بالاسناد عن أبي ذّر الغفاري ، قال : بعثني النبيّ صلّی الله عليه و آله أدعوا عليا ، فأتيت بيته وناديته ، فلم يجبني ، فأخبرت النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فقال : عد إليه فإنّه في البيت فأتيت ودخلت عليه ، فرأيت الرحي تطحن ولا أحد عندها ، فقلت لعلي : إنّ النبيّ يدعوک ، فخرج متوشّحاً حتي أتي النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فأخبرت النبيّ بما رأيت، فقال : يا أبا ذر، لا تعجب فإنّ لله ملائکة سياحون في الأرض، موکّلون بمعونة آل محمد.

الحسن البصري وابن إسحاق ، عن عمّار وميمونة أنّ کليهما قالا: وجدت فاطمة نائمة والرحي تدور ، فأخبرت رسول الله صلّی الله عليه و آله بذلک ،

ص: 524


1- انظر التخريجة السابقة
2- مناقب ابن شهرآشوب: 3/ 334، عنه البحار : 42/43 ، وعوالم العلوم :134/11 ح 4.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 335/3، عنه البحار:43/43ذح 42، وعوالم العلوم :152/11 ح 1.

کلام فضة القرآني

فقال : إنّ الله علم ضعف أمته فأوحي إلي الرحي أن تدور فدارت.

وقد أورد هذا الحديث أبو القاسم البستيّ في فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه . وروي أنّها عليها السلام ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربّما بکي ولدها فرؤي المهد يتحرّک وکان ملک يحرّکه.

وروي عن الباقر عليه السلام، قال : بعث رسول الله صلّی الله عليه و آله

سلمان إلي منزل فاطمة عليها السلام بحاجة.

قال سلمان : فوقفت بالباب وقفة حتي سلّمت ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من داخل البيت والرحي تدور من خارج ما عندها أنيس ، فأخبرت رسول الله صلّی الله عليه و آله بذلک ، فتبسّم ، وقال : يا سلمان ، إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً إلي مشاشها(1)تفرّغت لطاعة الله فبعث الله ملکاً يقال له زوقابيل ؛ وقيل : جبريل، فأدار لها الرحي، وکفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة. (2)

أبو القاسم القشيري في کتابه : قال بعضهم : انقطعت في البادية عن قافلة

الحجّ، فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت ؟

فقالت : (وقُل سَلام فَسَؤفَ يَعلَمُونَ ) (3). فسلّمت عليها ، فقلت : ما تصنعين هاهنا ؟

ص: 525


1- أي رؤوس العظام اللينة.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 337/3 - 338، عنه البحار : 45/43 - 46، وعوالم العلوم : 155/11 ح 4 و ص 183ح 22.
3- سورة الزخرف: 89.

قالت : (مَن يُضلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ )(1)

فقلت : أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس ؟

قالت : ( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَکُم عِندَ کُلَّ مَسجِدٍ) (2) فقلت : من أين أقبلت ؟

قالت : ( أُولَئِکَ يُنَادَونَ مِن مَکَانٍ بَعِيدٍ (3).

فقلت : أين تقصدين؟

فقالت : ( وللهِ عَلَی النَّاس حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً (4) .

فقلت : متي انقطعت ؟

فقالت (وَلَقَد خَلَقنَا السَّموَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّة أيَّامٍ) (5)

فقلت : أتشتهين طعاماً ؟

فقالت : ( وَمَا جَعَلنَاهُم جَسَداً لا يَأکُلُونَ الطَّعام )(6)

فأطعمتها . ثمّ قلت : هرولي و تعجّلي.

فقالت : (لاَ يُکَلَّفُ اللهُ نَفساً إلاَّ وُسعَهَا)(7)فقلت: أردفک .

ص: 526


1- سورة الأعراف:186.
2- سورة الأعراف: 31.
3- سورة فصلت : 44.
4- سورة آل عمران : 97.
5- سورة ق: 38.
6- سورة الأنبياء : 8.
7- سورة البقرة : 286.

فقالت : (لَو کَانَ فِيهِمَا الِهَةً إلاَّ اللهُ لَفَسَدتَا)(1)

فنزلت وأرکبتها ، فقالت : (سُبحان الَّذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَاکَنَّا لَهُ

مُقرِنينَ ) (2).

فلمّا أدرکنا القافلة قلت : هل لک أحد فيها ؟

قالت : ( يا دَاؤُدُ إنَّا جَعَلنَاکَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ) (3)

(وَمَا مُحَمَّد إلَّارَسُولُ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ) (4)

( يَا يَحيي خُذِ الکِتابَ بِقُوَّةٍ)(5)

(يَا مُوسَی .. إنّني أنَا اللهُ) (6)

فصحت بهذه الأسماء ، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها (7) ، فقلت :

من هؤلاء منک ؟

قالت : (المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا) (8)فلما أتوها قالت : (يَا أَبَتِ استَأجِرهُ إنَّ خَيرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِيُّ الأَمِينُ) (9) فکافوني بأشياء فقالت :

(وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) (10)فزادوا عليَّ فسألتهم عنها ، فقالوا: هذه أمّنا فضّة

ص: 527


1- سورة الأنبياء: 22.
2- سورة الزخرف : 13
3- سورة ص : 26.
4- سورة آل عمران : 144.
5- سورة مريم : 12.
6- سورة طه : 11 و 14.
7- کذا في المناقب ، و في الأصل : موجهين إلي
8- سورة الکهف: 46.
9- سورة القصص : 26.
10- سورة البقرة: 261.

کلام للمؤلف رحمه الله

جارية الزهراء صلّی الله عليها ، ما تکلّمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن(1)

قلت : يا أصحاب الفکر الصائب ، والنظر الثاقب ، والقلب السليم، واللبّ المستقيم، تفکّروا في هذه النفس التي قدّسها الله وطهّرها وأطلعها علي أسرار کلامه ، و طهّرها وشرّفها بخدمة أولي نهيه وأمره، وأطلعها ببرکات فضلهم علي مکنون سرّه ، وجعل قلبها مشکاة نور حکمته ، وباطنها مرآة کمال معرفته ، وأسکن حبّه سويداء فؤادها ، وجعل ذکره أقصي مرادها ، فصارت لا تنطق إلّا بکلامه المجيد، الّذي

(لاَ يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وِلاَ مِن خَلفِهِ تَنزيلُ من حَکِيمٍ حَمِيدٍ)(2)

وأذهب عنها کلفة المشقّة في استنباط غرائبه ، وإعمال الفکرة في إظهار عجائبه ، وجعل جبلتها مطبوعة عليه ، وفکرتها مصبوبة لديه، ينبي عن مقاصدها بوجيز کلماته ، ويخبر عن مطالبها بعزيز آياته ، فهو في لوح نفسها مسطور، وفي رقّ علمها منشور، فکأنّه روضة أنيقة بين يديها ، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها ، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه وأنوارها، وتقتطف ما أرادت من فواکه تلک وثمارها، لمّا أخلصت له بطاعتها، وعظّمت ما عظّم الله من جلالة سيّدتها ، وعلمت أن الله سبحانه عصمها وصفاها، وعلي نساء العالمين اصطفاها، وجعل والدها کلمته التامّة في خلقه ، وبعلها لسانه الناطق بحقّه ، وذرّيتّها أولياءه علي عباده ، وعترتها أمناءه في بلاده، لا يقبل الله عمل عامل إلا بولايتهم، ولا يدخل الجنة إلا مستمسکاً بعروة محبّتهم ، تشارکهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم، وساوتهم في وفاء نذورهم وعهودهم، فأدخلها سبحانه في

ص: 528


1- مناقب ابن شهرآشوب : 343/3 - 344، عنه البحار : 86/43 -87.
2- سورة فصلت : 2.

کرامة شهرة بنت مسکة بنت فضة جارية الزهراء عليها السلام

زمرتهم، وأشرکها في مدحتهم ، وجعل ذکرها في جملة ذکره مذکوراً، في قوله سبحانه : ( إنَّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کَأسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُوراً) »(1)وأثبت في صحائف الايمان شرفها ورفعتها، وأصلح بصلاحها ولدها وحفدتها.

مالک بن دينار قال : رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة علي دابّة نحيفة والناس ينصحونها لتنکص وهي تمتنع ، فلما توسطنا البادية کلّت دابتها فعذلتها في إتيانها وعنّفتها فرفعت طرفها (2)إلي السماء ، وقالت : لا في بيتي ترکتني ، ولا إلي بيتک حملتني ، فوعزّتک وجلالک لو فعل هذا بي غيرک لما شکوته إلا إليک، فإذا شخص أتاها من الفيفاء ((3)وفي يده زمام ناقة وقال لها : ارکبي ، فرکبت وسارت الناقة کالبرق الخاطف ، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها: من أنتِ ؟

فقالت : أنا شهرة بنت مسکة بنت فضّة جارية (4)الزهراء عليها السلام.

وروي أنّ فاطمة عليها السلام سألت من رسول الله صلّی الله عليه و آله خاتماً، فقال لها : إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من الله عزّ وجلّ خاتماً، فإنّک تنالين حاجتک.

قال : فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف : يا فاطمة، الّذي طلبتِ منّي تحت المصلّی ، فرفعت المصلّی فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له ، فجعلته في إصبعها وفرحت ، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها کأنّها في الجنّة فرأت

ص: 529


1- سورة الانسان: 5.
2- في المناقب : رأسها .
3- الفيفاء : البادية
4- ي المناقب : خادمة

ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها، قالت : لمن هذه القصور ؟

قالوا: لفاطمة بنت محمد.

قال : فکأنّها دخلت قصراً من تلک ودارت[فيه] (1) فرأت سريراًقد مال علي ثلاث قوائم ، فقالت : ما لهذا السرير قد مال علي ثلاث قوائم ؟ فلمّا أصبحت دخلت علي رسول الله صلّی الله عليه و آله وقضت القصة.

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : معاشر آل عبد المطّلب ، ليس لکم الدنيا ، إنّما لکم الآخرة، وميعادکم الجنّة ، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غزارة ، فأمرها النبيّ صلّی الله عليه وآله أن تردّ الخاتم تحت المصلي، فردّته ، ثمّ نامت علي المصلّی فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة ، ودخلت ذلک القصر ، ورأت السرير علي أربع قوائم ، فسألت عن حاله ، فقالوا : رددت الخاتم فرجع السرير إلي هيئته .

أبو جعفر الطوسي : عن الصادق عليه السلام ، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتي انتهت إلي القبر وقالت: خلّوا عن ابن عمي، فوالّذي بعث محمداً بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعن قميص رسول الله صلّی الله عليه و آله علي رأسي ، ولأصرخنّ إلي الله؟(2)، فما ناقة صالح بأکرم علي الله منّي ، ولا الفصيل علي الله بأکرم من ولدي..(3)

قال سلمان : فوالله لقد رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها

ص: 530


1- من المناقب .
2- کذا في المناقب ، و في الأصل : ولأخرجن.
3- في المناقب : فما ناقة صالح بأکرم علي الله من ولدي .

حتي لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي ، إنّ الله سبحانه بعث أباک رحمة فلا تکوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتي سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا .(1)

في الصحيحين (2): أنّ عليّاً عليه السلام قال لفاطمة : إنّي أشتکي ممّا أندأ

بالقِرِب.

فقالت: والله وأنا أشتکي يديّ ممّا أطحن بالرحي، وکان قد أتي النبي صلّی الله عليه وآله بسبي ، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تمضي إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله و تطلب منه جارية ، فدخلت علي النبيّ صلّی الله عليه و آله وسلّمت ورجعت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مالک ؟

فقالت : والله ما استطعت أن أکلّم رسول الله صلّی الله عليه و آله من هيبته ،

فانطلق علي معها ، فقال لهما رسول الله صلّی الله عليه و آله : لقد جاءت بکما إلي حاجة.

فقال أمير المؤمنين لرسول الله صلّی الله عليه و آله : إنّ فاطمة قد طحنت بالرحي حتي مجلت کفّاها، وقمّت البيت حتي دکنت ثيابها، وخبّره بمرادهما.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : أريد أن أبيعهم وأنفق أثمانهم علي

أهل الصفّة ، وعلّمها تسبيح الزهراء

وعن أبي بکر الشيرازي (3) أنّها لمّا ذکرت حالها للرسول بکي صلّی الله

ص: 531


1- مناقب ابن شهرآشوب: 338/3- 340، عنه البحار :46/43 ح46، وعوالم العلوم : 156/11 ح6 صدره
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : کتاب الشيرازي : وفي الصحيحين
3- في المناقب : کتاب الشيرازي .

عليه و آله وقال : يا فاطمة ، والّذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي خصلة لأعطيتک ما سألت.

يا فاطمة ، إني لا أريد أن ينفکّ عنک أجرک إلي الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمک عليّ يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ إذا طلب حقّه منک ، ثمّ علمها صلاة التسبيح.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مضيت تريدين من رسول الله صلّی الله

عليه و آله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة.

قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول الله صلّی الله عليه و آله من عند فاطمة أنزل الله سبحانه عليه :(1) (وَإمَّا تُعرِضَنَّ عَنهُمُ ابتِغَاءَ رَحمَةٍ مِن رَبَّکَ تَرجُوهَا فَقُل لَهُم قَولاً مَیسُوراً) (2) يعني قولاً حسناً . فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول الله صلّی الله عليه وآله جارية للخدمة وسماها فضة.

تفسير القشيري : عن جابر الأنصاري ، قال : رأي رسول الله صلّی الله عليه و آله فاطمة صلّی الله عليها وعليها کساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وقال : يابنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.

فقالت : يا رسول الله ، الحمد لله علي نعمائه ، والشکر لله علي آلائه ، فأنزل

سبحانه ( وَلَسَوفَ يُعطِيک رَبُّک فَتَرضَي)(3)

أبو صالح المؤذّن في کتابه بالاسناد عن عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّی

ص: 532


1- لفظ الجلالة من المناقب .
2- سورة الإسراء : 28.
3- سورة الضحي : 5.

الأمر الإلهي بتزويج أمير المؤمنين من فاطمة عليهما السلام

دخل علي فاطمة وإذا في عنقها قلادة ، فأعرض عنها، فقطعتها ورمت بها[ فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : أنت منّي يا فاطمة] (1)، ثم جاءها سائل فناولته إياها (2)

وفي مسند الرضا عليه السلام أن رسول الله صلّی الله عليه وآله قال : يا فاطمة، لا يغرّنّک الناس أن يقولوا بنت محمد و عليک لبس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بثمنها رقبة فأعتقتها، فسر رسول الله صلّی الله عليه و آله بذلک . (3)تاريخ بغداد(4) بالاسناد عن بلال بن حمامة : طلع علينا النبيّ صلّی الله عليه و آله ووجهه مشرق کالبدر ، فسأله ابن عوف عن ذلک ، فقال : بشارة من ربّي أتني لأخي عليّ بن أبي طالب وابنتي فاطمة ، وأنّ الله زوّج عليّاً بفاطمة وآمر رضوان خازن الجنان فهر شجرة طوبي فحملت رقاعة بعدد محبي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائکة من نور، ودفع إلي کل ملک صکّاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائکة في الخلائق : أين محبّو عليّ وفاطمة عليهما السلام ؟ فلا يبقي محبّاً لنا إلّا دفعت إليه صکّاً براءة من النار ، بأخي وابن عمّي وابنتي فکاک رقاب رجال ونساء من أمُتي .

ص: 533


1- من المناقب.
2- مناقب ابن شهرآشوب :341/3 - 343، عنه البحار :85/43 -86 ح 8.
3- مناقب ابن شهرآشوب :343/3 . ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام: 44/2 ح 161، وفيه: يا فاطمة لا يقول الناس إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة ..، عنه البحار : 81/43 ح 2، وعوالم العلوم :269/11 ح 9.
4- تاريخ بغداد: 210/4.

وفي رواية : أنّ في الصکوک : براءة من العليّ الجبّار ، لشيعة علي وفاطمة

من النار .(1)

ابن بطّة والسمعاني في کتبهم بالاسناد عن ابن عبّاس وأنس بن مالک ، قالا: بينا رسول الله صلّی الله عليه و آله جالس إذ جاء عليّ ، فقال : يا عليّ، ما جاء بک ؟

قال : جئت أسلّم عليک.

قال : هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله سبحانه زوّجک فاطمة ، وأشهد علي تزويجها أربعين ألف ملک، وأمر سبحانه شجرة طوبي أن انثري عليهم الدر والياقوت ، وهنّ يتهادينه إلي يوم القيامة ، وکانوا يتهادونه ويقلن : هذا تحفة خير النساء.

وفي رواية ابن بطّة عن عبد الله : فمن أخذ منه شيئاً أکثر ممّا أخذ منه

صاحبه أو أحسن افتخر به علي صاحبه إلي يوم القيامة.

وفي رواية خبّاب بن الأرت، أنّ الله تعالي أوحي إلي جبرئيل أن زوّج النور من النور، وکان الوليّ الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميکائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائکة السماء والأرض ، ثمّ أوحي سبحانه إلي شجرة طوبي أن انثري ما عليک ، فنشرت الدرّ الأبيض، والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهنّ إلي بعض.

ص: 534


1- مناقب ابن شهرآشوب :346/3 ، عنه البحار : 123/43 ذح 31 وعن کشف الغمّة :352/1 نقلاً من مناقب الخوارزمي : 246.

وفي خبر أنّ الخطيب کان ملکاً يقال له راحيل(1)، وقد جاء في بعض الکتب أنّه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع ، فقال :

الحمد لله الأوّل قبل أوّلية الأوّلين ، والباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائکة روحانيين ، ولربوبيّته مذعنين ، وله علي ما أنعم علينا شاکرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب، أسکننا في السماوات ، وقريباً من السرادقات ، وحبس (2)عنّا النهم من الشهوات ، وجعل شهوتنا ونهمتنا في تسبيحه و تقديسه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشرکين ، و تعالي بعظمته عن إفک الملحدين.

ثمّ قال بعد کلام(3) : اختار الملک الجبّار صفوة کرمه، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء بنت خير النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وإمام المتقّين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه ، المصدّق دعوته، المبادر إلي کلمته، عليّ الوصول بفاطمة البتول ، ابنة الرسول.

وروي أنّ جبرئيل روي عن الله سبحانه أنّه قال عقيبها : الحمد ردائي، والعظمة کبريائي ، والخلق کلّهم عبيدي وإمائي ، زوّجت فاطمة أمتي ، من عليّ صفوتي ، اشهدوا يا ملائکتي.

وکان بين تزويج فاطمة بعلي صلّی الله عليهما في السماء وتزويجهما في الأرض أربعين يوماً، زوجها رسول الله صلّی الله عليه و آله من علي عليه السلام

ص: 535


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : راجيل . وکذا في المواضع الآتية
2- في المناقب : وقرّبنا إلي السرادقات ، وحجب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بعد ذلک.

أوّل يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : يوم السادس منه .(1)

علي (2)بن جعفر ، عن موسي بن جعفر عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلّی الله عليه و آله جالس إذ دخل عليه ملک له أربعة وعشرون وجهاً ، فقال له : حبيبي جبرئيل ، لم أرک في هذه الصورة ؟؟

قال الملک : لست بجبرئيل، أنا محمود ، بعثني الله أن أزوج النور من

النور.

قال : مَن بِمنَ ؟ قال : فاطمة من عليّ.

قال : فلمّا ولّي الملک إذا بين کتفيه : محمّد رسول الله ، عليّ وصيّه . فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : منذ کم کتب هذا(3) بين کتفيک ؟ فقال : من قبل أنّ يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام. وفي رواية : أربع وعشرين ألف عام.

وروي أنّه کان للملک عشرون رأساً، في کلّ رأس ألف لسان، وکان اسم

الملک صرصائيل.

وبالاسناد عن أبي أيّوب ، قال : دخل النبيّ صلّی الله عليه و اله علي

ص: 536


1- مناقب ابن شهرآشوب :346/3 -349، عنه البحار : 109/43- 110.
2- روي هذا الحديث الصدوق في معاني الأخبار: 103ح1، الخصال: 640 ح 17، الأمالي: 474 ح 19.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : منذ کم کنت وهذا ؟

خطبة النبي صلي الله عليه وآله في تزويج فاطمة عليها السلام

فاطمة وقال : يا فاطمة ، إنّي أمرت بتزويجک من عليّ من البيضاء(1). وفي رواية : من السماء

وعن الضحّاک ، قال : دخل النبيّ صلّی الله عليه و آله علي فاطمة ، وقال : يا فاطمة ، إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته منّي ، وفضله في الاسلام، وإنّي سألت الله أن يزوّجک خير خلقه ، وأحبّهم إليه ، وقد ذکر من أمرک شيئاً فما ترين ؟

فسکتت ، فخرج رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وهو يقول: الله أکبر،

سکوتها إقرارها.

وخطب رسول الله (2) صلّی الله عليه و آله في تزويج فاطمة أمام العقد علي المنبر ، رواها يحيي بن معين في أماليه ، وابن بطّة في الإبانة ، بإسناده عن أنس ابن مالک مرفوعاً، ورويناها نحن عن الرضا عليّ بن موسي عليه السلام ، فقال :

الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الّذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحکامه ، وأعزّهم بدينه ، وأکرمهم بنبيّه محمد صلّی الله عليه و آله ، إنّ الله تعالي جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمر مفترضاً، وشج بها الأرحام، وألزمها الأنام ، فقال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً )(3) ثمّ إنّ الله سبحانه أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ ، وقد

ص: 537


1- في المناقب : بتزويجک من البيضاء.
2- أخرج هذه الخطبة في کشف الغمة: 348/1 نقلاً من مناقب الخوارزمي:242، عنه البحار : 119/43 ح 29.
3- سورة الفرقان : 54.

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في زواجه

زوّجتها إيّاه علي أربعمائة مثقال فضّة، أرضيت يا عليّ ؟

فقال صلوات الله عليه : رضيت ، يا رسول الله . .

وروي ابن مردويه أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله قال لعليّ: تکلّم

يا عليّ خطيباً لنفسک. .

فقال : الحمد لله الّذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنّة من يتّقيه ، و أنذر بالنار من يعصيه ، نحمده علي قديم إحسانه و اياديه ، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه ، ومميته ومحبيه ، وسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستکفيه ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريک له شهادة تبلغه وترضيه ، وأن محمّداً عبده ورسوله صلّی الله عليه و آله صلاة تزلفه وتحظه ، وترفعه وتصطفيه ، والنکاح ممّا أمر الله [به] (1)ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدرّه الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله صلّی الله عليه و آله زوّجني ابنته فاطمة علي خمسمائة درهم، وقد رضيت، فاسألوه واشهدوا.

[وفي خبر : زوّجتک ابنتي فاطمة علي ما زوّجک الرحمن ، وقد رضيت

بما رضي الله لها ، فدونک أهلک فإنّک أحقّ بها منّي] (2)

وفي خبر : فنعم الأخ أنت، ونعم الصهر ، ونعم الختن أنت، فخرّ أمير المؤمنين عليه السلام ساجداً، فلمّا رفع أمير المؤمنين عليه السلام رأسه قال رسول الله صلّی الله عليه و آله : بارک الله عليکما، وبارک فيکما، وأسعد جدَّکما وجمع شملکما(3)، وأخرج منکما الکثير الطيّب ، ثمّ أمر رسول الله صلّی الله عليه و آله بطبق بُسر وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء وأمرهمنّ بضرب الدفّ.

ص: 538


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- في المناقب : بينکما .

في مهر الزهراء عليها السلام

وقيل للنبيّ صلّی الله عليه و آله : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما

مهرها في السماء ؟

فقال صلّی الله عليه وآله : سل عمّا يعنيک ، ودع ما لا يعنيک. فقيل : هذا ممّا يعنينا ، يا رسول الله .

قال : مهرها في السماء خمس الأرض، فمن مشي عليها مبغضاً لها

ولولدها مشي عليها حراماً إلي أن تقوم الساعة.

وفي الجلاء والشفاء عن الباقر عليه السلام - في خبر طويل -: جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا و ثلثي الجنّة ، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ.

ثمّ (1)إنّ النبي صلّی الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : قم فبع الدرع، فباعه بخمسمائة درهم من أعرابي ، وأتي النبيّ صلّی الله عليه و آله بها .

فقال : أعرفت الأعرابي ؟ قال : لا. قال : کان ذاک جبرئيل ، وأتاني بدرعک .

قال الصادق عليه السلام(2)وسکب الدراهم في حجره، فأعطي منها قبضة کانت ثلاثة وستّين أو ستّة وستّين إلي أمّ أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلي أسماء بنت عميس للطيب ، وقبضة إلي أمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عمّاراً، وأبا بکر

ص: 539


1- روي نحو هذا في دلائل الامامة : 13، عنه مدينة المعاجز : 325/2 - 326 و ص 443 - 444 ح16.
2- رواه الطوسي في الأمالي: 39/1 .

مراسم زواج أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام .

وبلالاً لابتياع ما يصلحها، فکان ممّا اشتروه : قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم ، وقطيفة سوداء خيبريّة، وسرير مزمّل بشريطٍ، وفراشان من خَيش مصر(1) حشو أحدهما ليف، والآخر من جزّ الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخِر (2)، وستر من صوف ، وحصير هَجَري ، ورحي اليد، وسقاء من آدم، ومِخضَب(3) من نحاس ، وقفّة (4) للّبن، ومطهرة للماء مزفّتة (5)، وجرّة خضراء وکيزان خزف.

وفي رواية : ونطع من أدم، وعباء قطراني ، وقربة ماء.

وکان من تجهيز عليّ داره انتشار رمل لبن ، وخشبة من حائط إلي حائط

للثياب ، وبسط إهاب کبش ، ومخدّة ليف.

أبو بکر بن مردويه قال : لبث أمير المؤمنين عليه السلام بعد عقده تسعة . وعشرين يوماً ، فقال له جعفر وعقيل : سل رسول الله صلّی الله عليه و آله أن

يدخل عليک أهلک ، فعرفت أمّ أيمن ذلک ، وقالت : هذا من أمر النساء، وخلت به أيضاً أم سلمة وطالبته بذلک ، فدعاه النبيّ صلّی الله عليه و آله ، وقال : حبّاً وکرامة ، فأتي الصحابة بالهدايا والتحف ، فأمر رسول الله صلّی الله عليه و آله بطحن البرّ و خبزه، وأمر عليّاً بذبح البقر والغنم، فکان النبيّ صلّی الله عليه و آله

ص: 540


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : جنس. والخَيش : ثيابُ رقاقُ النسج ، غلاظُ الخُيُوط ، تُتَّخدُ من مُشَاقَةٍ الکَتّان ومن أؤدَئه . « لسان العرب :301/6 - خيش -» .
2- الإذخِر : حشيش طيّب الرائحة ، أطول من الثيّل .
3- المِخضَب : إناء تغسل فيه الثياب .
4- في المناقب : قعب.
5- في المناقب : وشن للماء ومطهرة مزفّتة .

يفصل اللحم ولم ير علي يده أثر الدم

فلمّا فرغوا من الطبخ أمر رسول الله صلّی الله عليه و آله عليّاً أن ينادي علي رأس داره: أجيبوا رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فأجابوه من النخلات والزروع، فبسط التطوع في المسجد ، وصدر الناس وهم أکثر من أربعة آلاف رجل ، وسائر نساء المدينة ، ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شيء، ثمّ عادوا في اليوم الثاني فأکلوا، وفي الثالث أکلوا مبعوثة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، ثمّ دعا رسول الله صلّی الله عليه و آله بالصحاف فملئت ، ووجه إلي منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة ، وقال : هذه لفاطمة وبعلها ، ثم دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد علي ، وقال : بارک الله لک في ابسنة رسول الله ؛ يا علي ، نعم الزوج فاطمة ، ويا فاطمة ، نعم البعل عليّ .

وکان رسول الله صلّی الله عليه و آله أمر نساءه أن تزيّنها ويصلحن من شأنها في حجرة أمّ سلمة فاستدعين من فاطمة عليها السلام طيباً فأتت بقارورة ، فسئلت عنها ، فقالت : کان دحية الکلبّي يدخل علي رسول الله صلّی الله عليه و آله فيقول : يا فاطمة ، هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّک ، فکان إذا نهض سقط من بين ثيابه شيء، فيأمرني رسول الله صلّی الله عليه و آله بجمعه، فسألت رسول الله صلّی الله عليه و آله عن ذلک ، فقال : عنبر يسقط من زغب أجنحة جبرئيل ، وأتت بماء ورد فسألتها عنه أمّ سلمة ، فقالت : هذا عرق رسول الله صلّی الله عليه و آله کنت آخذه عند قيلولته عندي.

وروي أنّ جبرئيل أتي بحلّةٍ قيمتها الدنيا ، فلمّا لبستها تحيّرت نسوة

قريش منها ، وقلن : أتي لک هذا؟

ص: 541

ما أنشأن نساء النبي صلي الله عليه و آله في زفاف الزهراء عليها

السلام

قالت : هو من عند الله سبحانه(1)

تاريخ الخطيب : بإسناده إلي ابن عبّاس وجابر (2) أنّه لمّا کانت الليلة الّتي زفّت فيها فاطمة إلي عليّ عليهما السلام کان النبي صلّی الله عليه و آله أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، و ميکائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملک يشيعونها من خلفها ، يسبّحون الله ويقدّسونه حتي طلع الفجر.

کتاب مولد فاطمة عليها السلام عن ابن بابويه رضي الله عنه - في خبر - أنّ النبيّ صلیّ الله عليه وآله أمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة عليها السلام، وأن يفرحن ويرجزن ويکبّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي الله.

قال جابر : فأرکبها رسول الله صلّی الله عليه وآله [علي ](3) ناقته . وفي رواية : علي بغلته الشهباء ، وأخذ سلمان بزمامها ، وحولها سبعون حوراء والنبيّ صلّی الله عليه و آله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ، ونساء النبي قدامهم يرجزن ، فأنشأت أمّ سلمة رضي الله عنها : سرنا(4) بعون الله جساراتي واشکرنه في کلّ حالات واذکرن ما أنعم ربّ العُلي من کشف مکروه و آفات

ص: 542


1- في «ح» : کما قيل لمريم أمّ عيسي عليه السلام فقالت کقولها : ( هُوَ مِن عِندِ اللهِ) [سورة آل عمران: 37.]
2- في المناقب : تاريخ الخطيب ، وکتاب ابن مردويه ؛ وابن المؤذّن ؛ وابن شيرويه الديلميّ ، بأسانيدهم عن علي بن الجعد ، عن أبن بسطام ، عن شعبة بن الحجّاج ؛ وعن علوان ، عن شعبة ، عن أبي حمزة الضبعيّ ، عن ابن عبّاس وجابر .
3- من المناقب
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : سرّت .

فقد هدانا بسعد کفر وقد أنعشنا ربّ السموات فسرن مع خير نساء الوري تسفدي بعمّات وخالات يابنت من فضّله ذو العلي بالوحي منه والرسالات

ثمّ قالت عائشة: يانسوة استرن بالمعاجر واذکرن ما يحسن في المحاضر

واذکرن ربّ الناس إذ يخصّنا بدينه مع کل عبد شاکر فالحمد لله عليّ إفضاله والشکر لله العزيز القادر سرن بها فالله أعلي قدرها(1) وخصها منه بطهر طاهر

ثمّ قالت حفصة: فاطمة خير نساء البشر ومن لها وجه کوجه القمر فضّلک الله علي کلّ الوري بفضل من خُصّ بأي السو(2) زوّجک الله

فتئً مفضّلاً(3) أعني عليّاً خير مَن في الحضر فسرن جاراتي بها فيالها (4) کريمة بنت عظيم الخطر

ثمّ قالت معاذة أمّ سعد بن معاذ: أقول قولاً فيه ما فيه وأذکر الخير وأبديه محمد خير بني آدم ما فيه من کبر ولا تيه بفضله عرَّفنا رشدنا(5) ف الله بالخير يجازيه

ص: 543


1- في المناقب : فالله أعطي ذکرها
2- في المناقب : الزمر.
3- في المناقب : فاضة.
4- في المناقب : بها إنّها .
5- أي دليلنا .

دعاء النبي صلي الله عليه و آله لهما عليهما السلام في زواجهما

ونحن مع بنت نبيّ الهدي ذي شرف قد مکّنت فيه في ذروة شامخة أصلها فما أري شيئاً يدانيه

وکانت النسوة يرجعن أوّل بيت من کلّ رجز، ثم يکبّرن حتي دخلن الدار ، ثم أنفذ رسول الله صلّی الله عليه و آله إلي علي ودعاه إلي المسجد، ثمّ دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : بارک الله لکَ في ابنة رسول الله صلّی الله عليه و آله.

کتاب ابن مردويه : أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله دعا بماء، فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثمّ مجّها في القعب ، ثمّ صبّ منها علي رأسها، ثمّ قال : أقبلي ، فلما أقبلت نضح بين ثدييها ، ثمّ قال : أدبري ، فلمّا أدبرت نضح بين کتفيها، ثمّ دعا لهما.

أبو عبيد في غريب الحديث أنّه قال : اللهم أو نسهما أي ثبّت الودّ بينهما.

وروي أنّه صلّی الله عليه و آله قال: اللّهمّ إنّهما أحب خلقک إليّ فأحبّهما وبارک في ذرّيتّهما ، واجعل عليهما منک حافظاً، وإني أعيذهما وذرّيتّهما بک من الشيطان الرجيم

[وروي أنّه دعا لها فقال] (1): أذهب الله عنکِ الرجس وطهّرکِ (2) تطهيراً.

وروي أنّه قال : مرحباً ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان ، ثم خرج إلي الباب وهو يقول : طهّرکما الله وطهّر نسلکما، أنا حرب لمن حاربکما ، وسلم لمن سالمکما، أستودعکما الله وأستخلفه عليکما، وباتت عندها أسماء بنت

ص: 544


1- من المناقب .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عنکم الرجس وطهّرکم .

عميس اسبوعاً بوصيّة خديجة إليها، فدعا لها النبيّ صلّی الله عليه و آله في دنياها وآخرتها.

ثمّ أتاهما في صبيحتهما، وقال : السلام عليکم، أدخل رحمکما الله ، ففتحت له أسماء الباب ، وکانا نائمين تحت کساء، فقال: علي حالکما، فأدخل رجليه بين أرجلهما، فأخبر الله عن أورادهما(تَتَجَافَي جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ) (1)الآية ، فسأل عليّاً : کيف وجدت أهلک ؟

قال : نعم العون علي طاعة الله . وسأل فاطمة ، فقال : کيف وجدتِ بعلک ؟ فقالت: خير بعل.

فقال : اللّهمّ اجمع شملهما، وألّف بين قلوبهما ، واجعلهما وذرّيتّهما من ورثة جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّيّة طيّبة طاهرة مبارکة ، واجعل في ذرّيّتهما البرکة ، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرک إلي طاعتک ، ويأمرون بما يرضيک ، ثمّ أمر بخروج أسماء ، وقال : جزاک الله خيراً ، ثمّ خلا بها بعد ذلک بإشارة الرسول صلّی الله عليه وآله.

وروي أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله لمّا کانت صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ بعسّ (2)فيه لبن ، فقال لفاطمة : اشربي فداک أبوک ، وقال لعليّ: اشرب فداک ابن عمّک .(3)

ص: 545


1- سورة السجدة : 16.
2- العس : القدح أو الإناء الکبير .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 349/3 -356، عنه البحار : 111/43 - 117 ح 23 و 24.

فصل في مولدها وأحوالها وأسمائها وکناها عليها السلام

اشارة

ولدت فاطمة بمکّة بعد النبوة بخمس سنين ، وبعد الاسراء بثلاث سنين، في العشرين من جمادي الأخري ، وإقامتها مع أبيها بمکّة ثماني سنين ، ثم هاجرت إلي المدينة فزوجّها من عليّ بعد مقدمه (1) المدينة بسنتين؛ أول يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : اليوم السادس منه ، ودخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون منه بعد بدر . (2)

وقبض صلّی الله عليه و آله وکان لها ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاشت بعده اثنين وسبعين يوماً ، ويقال: خمسة وسبعين ؛ وقيل : أربعة أشهر، وقال القرباني: أربعين يوماً وهو أصحّ.

وولدت الحسن والحسين ولها اثنتا عشرة سنة(3)

وتوفّيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدي عشرة من الهجرة، ومشهدها بالبقيع ، وقالوا : إنّها دفنت في بيتها،

ص: 546


1- في المناقب : مقدمها.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 357.
3- في المناقب : وولدت الحسن ولها اثنتا عشرة سنة .

کلام للمؤلف رحمه الله

وقالوا : قبرها بين قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله و بين منبره.(1)

وکناها : أمّ الحسن، وأمّ الحسين ، وأمّ محسن ، وأمّ الأئمّة ، وأمّ أبيها.

وأسماؤها علي ما ذکره أبو جعفر القمّي -: فاطمة ، البتول، الحصان ، الحرة، السيّدة العذراء ، الزهراء، الحوراء، المبارکة ، الطاهرة ، الزکيّة ، الراضية ، المرضّية ، المحدّثة ، مريم الکبري ، الصدّيقة ؛ ويقال لها في السماء : النورية ، السماويّة، الحانية (2)الزاهدة، الصفيّة ، المتهجدّة الشريفة ، القانتة العفيفة ، سيّدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوّة، وأمّ الأئمّة ، وزهرة فؤاد شفيع الأمّة ، الزهراء المحترمة ، والغراء المحتشمة ، المکرّمة .(3)

فيامن يروم حصر مناقبها ، ويطلب ضبط مراتبها ، ويسأل عن معاليها ومحامدها، ويبحث عن خصائصها ومحامدها، لقد رمت حصر کواکب السماء الدنيا ، وأردت عدّ رمل عالج و الدهناء، هذه ابنة من أخذ عهده علي أهل الأرض والسماء ، وعرج بروحه وبدنه قاب قوسين أو أدني ، ورقمت أحرف أسمائه علي العرش المجيد، وجعل شفيع من استمسک بعروة عصمته يوم الوعيد.

القرآن منشور نبوّته ، والروح الأمين سفير رسالته ، «أرسله بالهدي و دين الحقّ)(4)بشير بعثته ، (فاتَّبِعُونِي يُحبِبکُمُ اللهُ) 4 (5)دليل محبّته ، وکَتَبَ

ص: 547


1- مناقب ابن شهر آشوب: 357/3 ، عنه البحار : 43/ 180 ح16.
2- أي المشفقة علي زوجها وأولادها.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 357/3 - 358، عنه البحار : 16/43 ح 15.
4- في سورة التوبة : 33، وسورة الفتح: 28، وسورة الصفّ : 9: (أرسَلَ رَسُولَه بِالهُديَ وَدِينِ الحق.
5- سورة آل عمران: 31.

اللهُ لأَغِلِبَنَّ أنَا وَرُسُلِي) (1)علم بصيرته ، ختم سجلّ ولايته (مَا کَانَ مُحَمّدُ أبَا أحَدٍ مِن رِجَالِکُم وَلَکِن رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيَّينَ) ، (2)وتوقيع علّة رسالته

(وَمَا أرسَلنَاکَ إلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ)(3) بها، نشأ في حجر الفتوّة ، وربّي في دار النبوّة ، وأضجع في مهد العصمة ، وأرضع ثدي الحکمة، ثمّ(4) أدخل مکتب (سَنُقرِئُکَ فَلاَ تَنسَی) وأدب بأدب و (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأعِرض عِنِ الجَاهِلِينَ) (5) ، فبلغ من القيام بشروطها الغاية القصوي.

مدّت يد العصمة بقلم القدرة علي لوح نفسه (وَعَلَّمَکَ مَا لَم تَکُن

تَعلَمُ )(6)، وخوطب بلسان العزّة والرفعة : ( اقرَأ بِاسمِ رَبَّکَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنسَانَ مِن عَلَق اقرَأ وَرَبَّک الأکرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ) (7)

لمّا استندت عناية المعلّم سبحانه بتهذيبه وتأديبه ، وشرّفه باختصاصه بتعليمه وتقريبه ، تفجرّت ينابيع الحکمة من صفا سريرته ، وظهرت أسرار العناية من ضفا روحانيّته ، وزفّت يد الإرادة الأزليّة عروس الرسالة النبويّة إليه ، وحلتها ماشطة المحبة الإلهيّة في ملابس الألطاف الخفيّة عليه ، وأفرغت علي أعطاف نبوتّه من ملابس الرئاسة العامّة تعظيماً وتوقيراً، وضربت علي

ص: 548


1- سورة المجادلة :31.
2- سورة الأحزاب : 40.
3- سورة الأنبياء : 107.
4- سورة الأعلي: 6.
5- سورة الأعراف: 199 .
6- سورة النساء : 113
7- سورة العلق: 1۔ 4.

هامة رفعته حجلة (إنَّا أَرسَلنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً )(1)، (وَدَاعياً إلي اللهِ بِإذِنِهِ وَسَرَاجاً مُنِيراً)(2)

لمّا انشرح صدره بخطاب ( الَم نَشرَح لَکَ صَدرَکَ )(3)، وعلا أمره

بمقال (وَرَفَعنَالَکَ ذِکرَکَ ) (4)، وصار قلبه مشکاة النور الإلهيّ ، وفضله حتي القيامة غير متناهي ، اجلس في صدر صفة مشارق فيضان الأنوار الإلهيّة علي جنانه ، فأضاءت الأکوان بانعکاس أشعّة مرآة کمال عرفانه ، فأظهر بدروس علومه من الايمان ماکان دارساً، وأنار بوضع قواعد شرعه من الاسلام ما کان طامساً.

وهذه النبذة الّتي أوردتها، واللمعة التي ذکرتها قطرة من بحر صفته ،

وذرّة من طود مدحته ، اللّهمّ اجعلنا من المهتدين بواضح دليله ، السالکين في منجم سبيله، المهتدين بأبرار عترته، المستضيئين بأنوار ذرّيتّه.

وأمّا بعلها فحسبک ما نطق به القرآن من خصائصه وفضائله ، ووضح بالبرهان الساطع فيه من مناقبه ودلائله ، (إنَّمَا وَلِیُّکُم)(5)عنوان منشور ولايته ، و(قُل لَا أسأَلُکُم)(6) توقيع مسطور نسبته ، وسورة هل أتي نزلت في رفعة عظيم إخلاصه، وآية النجوي (7)وردت في صفاته وخواصّه، خسف الله

ص: 549


1- سورة الفتح : 8.
2- سورة الأحزاب: 46.
3- سورة الشرح: 1
4- سورة الشرح: 4.
5- سورة المائدة : 55.
6- سورة الشوري : 23.
7- أي قوله تعالي في سورة المجادلة : 12: (يَا أيَّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيتُم الرَّسُولَ فَقَدَّمُوا بَين يَدَي نَجوَاکُم صَدَقَهً ذَلِکَ خَيرُ لَکُم وَأطهَرُ فَإن لَم تَجِدُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورُ رَحِيمُ ) .

بشمس وجهه بدر الشرک في بدر وأحد ، وأخمد بنور طلعته نار الکفر يوم عمرو بن ودّ، وهزم أحزابه بجدّ عزائمه، وقطع أسبابه بحدّ صارمه ، وشدّاً أزر الايمان ببطشه شد، وأليس دين الاسلام بفتکه شرفاً ومجداً.

لمّا آثر بالقرص في صيام نذره، ردّ الله له القرص بعد مغيبه وستره،

وأثبت في الذکر العزيز ذکره، وأعلي في الکتاب المجيد قدره ، تتلي آيات مدحه ومدح ذرّيّته إلي يوم القيامة ، وتنشر رايات شکره بإعجازه ومناديه إلي حين حلول الطامّة ، سمّاه الله وزوجته وابنيه في محکم تنزيله أبراراً(1)وزادهم

في ديوان شکره بمدحه إيّاهم فخاراً.

فالحمد لله الّذي أوضح لقلوبنا سلوک سبيلهم، وزادها لهم هدي ونوراً . وشرح صدورنا لاتّباع دليلهم ، وألبسها من ملابس ولائهم تزکية وتوقيراً . وقرّبنا زلفي من رضوانه بعرفان حقّهم ، وجعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم ، وسقانا من زلال خالص حبهم شراباً طهوراً . ثمّ أنزل لذّة زلاله في مذاق أفئدتنا منذ عالم الذر حين قال ربّنا : (الَستُ بِرَبَّکُم)(2)فاقرّ من اقرّ، وأنکر من أنکر ، ولم تزل عين عنايتهم تحرسنا من ظلم الضلال الأکبر إلي أن جعل الله لنا في عالم الشهادة بروراً وطهوراً . لولا استمساکنا بعروة عصمتهم، والتزامنا بحبل مودتهم ، واتّباعنا سبيل شرعتهم لم نکن شيئاً مذکوراً.

طهّرنا ربّنا بفاضل طهورهم من دنس الشرک، ونزّهنا باتّباع زاهر نورهم من دين الشکّ ، وخلص إبريز خالص معتقدنا بنار حبّهم عند السبک ، ورفع لنا في مقام المجد منبراً وسريراً.

ص: 550


1- في قوله تعالي في سورة الانسان : 5 : ( إ نَّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کَأنَ کان مَزَاجُهَا کَافُوراً ) .
2- سورة الأعراف : 172.

ووسم قلوبنا بميسم مودّتهم وطهّرها من الزلل، ورقم علي إبريز خالص معتقدنا أحرف حبّهم في دار ضرب الأزل، وأذاقنا من رحيق عنايتهم ما لذّته في مذاق أفئدتنا لم تزل کأساً کان مزاجها کافوراً.

تشهد أنّهم أبواب وسائلنا إلي ربّنا، وأسباب اتّصالنا بمنازل قربنا، فلهذا

وجّهنا إلي کعبة شرفهم مطايا حبّنا، واعتقدنا ما سوي جلال جنابهم من الخلق هباء منثوراً.

هل أتي نصّ هل أتي إلا في مدحة فضلهم ؟ وهل أنزلت آية النجوي إلّا تزکية لفعلهم ؟ وهل دنا بقدم الصدق إلي الملکوت الأعلي غير جدّهم صاحب آيات( إنّا أرسَلنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشَّراً ونذِيراً ) (1)

(وَدَاعِياً إلَي اللهِ بِإذِنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (2)

ردّ الله له القرص حين آثر في صيامه بالقرص ، وعليه الرسول بالرئاسة العامّة يوم الغدير نصّ ، وله الله بالبضعة الزهراء دون الخلق خصّ ، وجعله نسباً وصهراً وکان ربّک قديراً (3)

لمّا لم يثنهم عن الوفاء بعهد ربّهم ثاني ، ولم يکن لهم بالاخلاص في الطاعة من الخلق ثاني، أثني عليهم بآيات المثاني ، فقال :( يُوفُونَ بِالنَّذرِ وَيَخَافُونَ يَوماً کَانَ شَرُّهُ مُستَطِيراً) (4)

مصابيح ظلام إذا العيون هجعت، ومجارع أکرام إذا الغيوث منعت ،

ص: 551


1- سورة الفتح : 8.
2- سورة الأحزاب: 46.
3- إشارة إلي الآية : 54من سورة الفرقان .
4- سورة الإنسان: 7.

يؤثرون في صومهم بقوت يومهم ولا يخشون أزمّة قرعت، (وَيطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبَّهِ مِسکِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً)(1)

لم يتبعواصدقاتهم منّاً ولا أذي لمّا تصدّقوا، وما فاهوا بما يکدر الصنعة وما نطقوا ، بل قالوا في سرائر ضمائرهم لمّا تصدّقوا و صدقوا: (إنَّمَا نُطعِمُکُم لِوَجهِ اللهِ لا نُرِيدُمِنکُم جَزَاءً وَلًا شُکُوراً )(2)

إنّا نطمع أن يغفر لنا ربِّنا خطايانا يوم الدين ، إنّا نرغب أن يخلصنا ببذل معروفنا بالصالحين ، إنّا نطلب إليه أن يرقم أسماءنا في دفاتر المخصلين ، ( إنّا نَخَافُ مِن رَبَّنَا يَوماًعَبُوساً قَمطَرِيراً) (3)

تحقّقوا أن لا ملجأ من الله إلّا إليه ، وفرقوا من مقام التوبيخ حين العرض عليه ، وأشفقوا يوماً يعضّ الظالم علي يديه (4)( فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِکَ اليَوم وَلَقَّاهم نَضرَةً وَسُرُوراً)(5)

أجلسهم علي بساط أنسه في ظلّ جنابه ، وسقاهم من شراب قدسه أصفي شرابه ، وجعلهم خاصّة نفسه في دار ثوابه(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (6)

متقابلين فيها علي مضاعفات الأسرّة والفرش ، في جنّة صعيدها رضوان الله و سقفها العرش ، قد نزع الله ما في صدورهم من غلّ و غشّ ،( مُتَّکِئِیِنَ فِيهَا

ص: 552


1- سورة الإنسان : 8.
2- سورة الإنسان: 9.
3- سورة الإنسان: 10.
4- إشارة إلي الآية : 57 من سورة الفرقان
5- سورة الإنسان: 11.
6- سورة الإنسان : 12.

قصيدة في معني «سورة الانسان»

عَلي الأرائِکِ لا يَرَونَ فِيهَا شَمساً وَلاَ زَمهَريِراً(1)

ظلالها ممدودة عليهم

قطوفها دانية إليهم

ولدانها قسائمة لديهم

کلولو يحسبه منثورا

يطوف بالأکواب والکؤوس

في مجلس التطهير والتقديس

صار بأمر باريء النفوس

لهم شراباً سائغاً طهورا

جوهرها من فضّة نقيّة

من کوثر مترعة رويّة

موضوعة في الغرف المبنيّة

قدّرها مدبّرهاتقديرا

من دارهم منبع عين تسنيم

و ارقّ باللطف من النسيم

مقسم في جنة النعيم

يکسهم بشر به سرورا

عن سلسبيل سلسبيل تخبر

بانّ بدء جزئه من کوثر

ص: 553


1- سورة الإنسان: 13 .

خصّوا به من ذي الجلال الأکبر

ي زيدهم بصفوه حبورا

طووا ثلاثاً لم يذوقوا مطعماً . بل آثروا

بقوتهم تکرّما

فقال فيهم ذو العلي ونعما

قال مديحاً فيهم مشهورا

إن شئت فاتل سورة الانسان

تري لهم شأناً عظيم الشأن

به أقرّخالص الإيمان

لمّاعدا الرجس به کفورا

وإنّما وليّکم(1)في المائدة

عليهم بکلّ فضل عسائدة

يمجّها مسمع ذي المعاندة و ف ينثني

بغيظه مقهورا

إنّ عصبة النصّاب أضحت عازلة

النار في فضلهم مجادلة

إذا ت لونا آية المباهلة (2)

ولّوا علي أدبارهم نفورا

ص: 554


1- سورة المائدة : 55.
2- سورة آل عمران : 61.

لخير المرسلين آل

إليهم المرجع والمال

يوماً عبوساً کالحاً عسيرا

آل العبا خصّوا بآي الذکر

و والنصف من شفيع يوم الحشر

ونزّهوا من کلّ عيب يجري

في غيرهم وطهّروا تطهيرا

يامن يروم رتبة الامامة

سواهم والأمر والزعامة

بغير علم متقناً أحکامه

لقد رقوت موبقاً خطيرا

أتحسب الإمرة والخلافة

ب الکبر والغلظة والخلافة

أم بأب م ثل أبي قحافة

بؤخاسئاً مذمماً مدحوراً

سل أمّک البغية الشقية

صهّاک عن أصولک العليّة

فإنّها أخبر بالقضيّة فلا تکن بغيرها

فخورا

غرّتک دنياک فصرت حاکماً

وللوصّي والبتول ظالماً

ص: 555

وللنبيّ مؤذياً

مخاصماً

فسوف تصلي بعد ذا سعيرا

عقوبة الذنب من الله

علي

مقدار ذنب العبد في دار البلا

وظلم من يؤذي النبيّ المرسلا

هل فوقه ظلم فکن بصيرا

دع رتبة الوصيّ خير من بري

إلهنا وخير من فوق الثري

بعد النبيّ المصطفي هادي الوري

عنه اسأل التوراة والزبورا

والصحف الأولي ومن أتي بها

من لدن ذي العرش ومن صحابها

سل برّة المزمور في کتابها

معيّناً مبيّناً مسطورا

صاحب بدر و حنين وأحد

ا وخيبر وخندق يوم ابن ودّ

إذ ضلّت القلوب منه ترتعد

فصار من سطوته مثبورا

جلّله عضباً بائنا ذکر

فخرّ کالجذع الغريم المنعقر

له من المنون ورداً وصدر

معفراً بدمه تعفيرا

ص: 556

سل کلّ باغٍ غادر مشافق

من ناکث وقاسط ومارق

ماذا لقوا من الإمام الصادق

في حربهم فاسأل به خبيرا

الناقلوب ملئت من حبه

وحبّ أهل

بيته وصحبه

لمّاعلمنا قربه من ربّه

بارئنا زدناهديً ونورا

اللّهمّ فکما جعلت له في فؤادي ودّاً، لا أعادي له وليّاً، ولا أوالي له ضدّاً فصلّ علي محمد وآله واجعل لي بصدق ودادي عندک عهداً يوم ألقاک في معادي منشوراً .

وأشهد أن لا إله إلّا الله شهادة أعدّها لهول القيامة وظلماته نوراً مستنيراً ،

وعلي الملحدين في آياته سيفاً مشهوراً.

وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أفضل من أتي علي الطاعة بالنعيم

بشيرا، وبالجحيم علي المعصية نذيراً.

صلّی الله عليه وعلي آله سادة الخلق أوّلاً وآخرة، الّذين أذهب الله عنهم

الرجس وطهّرهم تطهيراً(1)

روي الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي في أماليه : قال : حدّثنا الحسن بن مهران ، قال : حدّثنا مسلمة بن

ص: 557


1- إشارة إلي الآية : 33 من سورة الأحزاب .

في قصة نزول آيات (وإنّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کَأسٍ کَانَ مِزَاجُها

کَافُوراً... مَشکُوراً) في عليّ وفاطمة والحسن والحسين

عليهم السلام وجاريتهم فضّة

خالد ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام.

وروي هذا الحديث بعينه شعيب بن واقد، عن القاسم بن بهرام، عن

ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه .(1)

وروي الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في تفسيره مجمع البيان لعلوم القرآن (2)أنّ هذه الآيات وهي : ( إنّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کأس کَاسٍ مِزَاجُهَا کَافُوراً - إلي قوله - وَکَانَ سَعيُکُم مَشکُوراً ) (3) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجارية لهم تسمّي فضّة .

ومضمون القصّة بالاسناد المتقدّم عن الصادق عليه السلام و ابن عبّاس ، قالوا: مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلّی الله عليه و آله ومعه رجلان ، فقال أحدهما لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيک نذراً إن الله (4) عافاهما.

فقال صلوات الله عليه : أصوم ثلاثة أيّام شکراً لله سبحانه ، وکذلک قالت فاطمة عليها السلام، وقال الصبّيان : ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيّام، وکذلک قالت جاريتهم فضّة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صيّاماً وليس عندهم شيئاً من الطعام ، فانطلق أمير المؤمنين عليه السلام إلي جار له يهوديّ يعالج الصوف

ص: 558


1- في الأمالي : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبدالعزيز بن يحيي الجلودي البصري ، قال : حدّثنا محمّد بن زکريّا ، قال : حدّثنا شعيب بن واقد ... عن ابن عبّاس ؛ وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيي الجلودي ، قال : حدّثنا الحسن بن مهران ........ عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام في قوله عزّ وجلّ.
2- مجمع البيان: 404/5.
3- سورة الإنسان: 5- 22.
4- لفظ الجلالة أثبتناه من الأمالي .

اسمه شمعون ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هل لک أن تعطيني جزازاً (1) من صوف تغزلها لک ابنة محمد بثلاثة أصواع من شعير؟

قال اليهودي : نعم. فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام بذلک ، فقبلت وأطاعت ، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکلّ واحد قرصاً(2)وصلّی أمير المؤمنين عليه السلام صلاة المغرب مع رسول الله

ص: 559


1- في الأمالي : جرّة .
2- في «ح»: في کتاب زهد النبيّ صلّی الله عليه و آله[لأبي محمد جعفر بن أحمد القمّي] : لمّا نزلت آية :( وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أجمَعِينَ لَهَا سَبعَةُ أبوَابٍ لِکُلَّ بَابِ مِنهُم جُزءُ مَقسومُ) (سورة الحجر : 43 و 44] بکي النبي صلّی الله عليه و آله بکاء شديداً، وبکي أصحابه لبکائه ، ولم يدر وا مانزل به جبرئيل عليه السلام، ولم يستطع أحد من أصحابه أن يکلّمه ، وکان النبيّ صلّی الله عليه و آله إذا رأي فاطمة عليها السلام فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلي بابها فوجد بين يديها شعير وهي تطحن فيه وتقول: (وَمَا عِندَ اللهِ خَيرُ وأبقَی ) [سورة القصص : 60] فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبي ، فنهضت والتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مکاناً بسعف النخل ، فلمّا خرجت نظر سلمان إلي الشملة وبکي وقال : واحزناه ! إنّ قيصر و کسري لفي السندس والحرير وابنة محمد عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مکاناً ، فلمّا دخلت فاطمة عليها السلام علي النبيّ قالت : يا رسول الله ، إنّ سلمان تعجّب من لباسي، فوالذي بعثک بالحقّ نبيّاً ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلّا مسک [المسک : الجلد] کبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا ، فإذا کان الليل افترشناه ، وإنّ مرفقتنا [المرفقة: المخدّة] لمن أدم حشوها ليف. ثمّ قالت : يا أبت فدتک نفسي، ما الّذي أبکاک ؟ فذکر لها ما نزل به جبرئيل من الآية ، فسقطت فاطمة عليها السلام علي وجهها ، وهي تقول : الويل، ثمّ الويل لمن دخل النار . فسمع سلمان ، فقال : يا ليتني کنت کبشاًفأکلوا لحمي ومزقوا جلدي . وقال أبو ذر : يا ليت أمّي کانت عاقراً ولم تلدني وقال عمار: يا ليتني کنت طائرة في القفار ولم يکن علي حساب ولا عقاب. وقال علي عليه السلام : يا ليت السباع مؤقت لحمي ، وليت أمّي لم تلدني ، ولم أسمع بذکر النار . ثمّ وضع عليّ عليه السلام يده عليَّ رأسه وجعل يبکي ويقول : وأبعد سفراه! واقلّة زاداه ! في سفر القيامة يذهبون ، في النار يتردّدون، وبکلاليب النار يتخطّفون ، مرضي لا يعاد سقيمهم، وجرحي لا يداوي جريحهم، أسري لا يفک أسيرهم ، من النار يأکلون ، ومنها يشربون ، وبين أطباقها يتقلّبون ، وبعد لبس القطن والکنّان مقطّعات النار يلبسون ، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرّنون. [أخرجه في البحار : 203/ 8 ] وفي الکتاب المذکور أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله قال : أخبرني عن النار - يا أخي جبرئيل - حين خلقها الله تعالي ، فقال : إنّه سبحانه أوقد عليها ألف عام فابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف عام فاسودّت . فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ، ولا ينطفيء لهبها ، والذي بعثک بالحقّ نبيّاً لو أن مثل خرق إبرة خرج منها علي أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم ، ولو أن رجلا دخل جهنم ثم أخرج منها لهلک أهل الأرض جميعاً حين ينظرون إليه ، لما يرون به ... الحديث. (أخرجه في البحار:305/8.

صلّی الله عليه و آله ، ثمّ أتي منزله فوضع الخوان وجلسوا يتعشّون خمستهم ، فأوّل لقمة کسرها أمير المؤمنين عليه السلام وإذا مسکين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليکم يا أهل بيت النبوّة، أنا مسکين من مساکين المسلمين أطعموني ممّا تأکلون أطعمکم الله علي موائد الجنّة ، فوضع أمير المؤمنين عليه السلام اللقمة من يده، ثمّ قال : فاطم ذات المجد واليقين يابنت خير الناس أجمعين أماترين البائس المسکين قد قام بالباب(1) له حنين يشکو

إلي الله ويستکين يشکو إلينا جائعاً حزين کل امرء بکسبه رهين من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنّة دهين حرّمها الله علی الضنين وصاحب البخل يقف حزين تهوي به النار إلي سجّين

شرابه الحميم والغسلين

ص: 560


1- في الأمالي : جاء إلي الباب .

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول : أمرک سمع يا ابن غمّ وطاعة مابي من لوم ولا ضراعة غدّيت باللبّ وبالبراعة أرجو إذا أشبعت من مجاعة أن ألحق الأخيار والجماعة وأدخل الجنّة في شفاعة

وعمدت إلي ما کان علي الخوان جميعه فدفعته إلي المسکين ، وباتوا جياعاً، وأصبحوا صائمين لم يذوقوا إلّا الماء القراح ، ثمّ عمدت إلي الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکل واحد قرصاً، وصلّي أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلّی الله عليه و آله المغرب، ثمّ أتي المنزل، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة کسرها أمير المؤمنين عليه السلام إذا يتيم ينادي بالباب : السلام عليکم أهل بيت النبوة ، أنا يتيم من يتامي المسلمين، أطعموني ممّا تأکلون أطعمکم الله علي موائد الجنّة، فرمي(1) أمير المؤمنين عليه السلام اللقمة من يدّه ، ثمّ قال : فاطم بنت السيّد الکريم بنت نبيّ ليس بالزنيم قد جاءنا الله بذا اليتيم من يرحم اليوم هو الرحيم موعده في جنّة النعيم حرّمها الله علي اللئيم وصاحب البخل يقف ذميم تهوي به النار إلي الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول: فسوف أعطيه ولا أبالي وأؤثر الله علي عيالي

ص: 561


1- في الأمالي : فوضع. وکذا في الموضع الآتي .

أمسوا جياعاً وهم أشبالي أصغرهما يقتل في القتال بکربلاء يقتل باغتيال القاتليه الويل مع الوبال تهوي به النار إلي سفال کبولة زادت علي الاکبال

ثمّ عمدت إلي جميع ما علي الخوان من الخبز فأعطته اليتيم وباتوا

جياعاً لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صيّاماً، فعمدت فاطمة إلي الثلث الباقي من الصوف فغزلته ، وطحنت الباقي من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکل واحد قرصاً، وصلّی أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلّی الله عليه و آله صلاة المغرب ، وأتي المنزل فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة کسرها أمير المؤمنين عليه السلام وأراد وضعها في فيه إذا أسير من أساري المشرکين ينادي بالباب : السلام عليکم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدّونا ولا تطعمونا ، فرمي أمير المؤمنين عليه السلام باللقمة من يده، ثمّ قال : فاطم يا بنت النسبي أحمد بنت نبيّ سيّد مسدّد(1) قد جاءنا(2) الأسير ليس يهتدي مکبّلاً في غلّه مقيّد

يشکو إلينا الجوع قد تقدّد من يطعم اليوم يجده في غد عند العليّ الواحد الموحّد مايزرع الزارع سوف يحصد

[فأعطيه ولا تجعليه ينکد](3)

ص: 562


1- في الأمالي : مسوّد .
2- في الأمالي : جاءک .
3- من الأمالي.

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول : لم يبق ممّا کان غير صاعٍ قد دبرت کفّي مع الذراع

ش بلاي والله هما جياع ياربّ لا تترکهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع عبل الذراعين(1)طويل الباع وما علي رأسي من قناع إلّاعباً نسجتها بصاع

وعمدت إلي ما کان علي الخوان جميعه فدفعته إلي الأسير ، وباتوا ليلتهم

جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.

قال شعيب في حديثه : وأقبل عليّ بالحسن والحسين عليهم السلام نحو رسول الله صلّی الله عليه و آله وهما يرتعشان کالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهما رسول الله صلّی الله عليه وآله قال : يا أبا الحسن شدّ ما يسوءني ما آري بکم.

فقام رسول الله صلّی الله عليه و آله و انطلق مع عليّ عليه السلام إلي منزل فاطمة عليها السلام، فإذا هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها في وجهها ، فلمّا رآها رسول الله صلّی الله عليه و آله ضمّها إليه ، وقال : واغوثاه أنتم منذ ثلاث فيما أري، فهبط جبرئيل عليه السلام ، وقال : خذ يا محمّد ما هيّاً الله لک في أهل بيتک.

قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ [قال : ](2)(هَل أَتَي عَلَی الانسَانِ حِينُ مِنَ

الدَّهِر - حتي بلغ - إنَّ هذَا کَانَ لَکُم جَزَاءً وَکَانَ سَعيُکُم مَشکُوراً)(3)

ص: 563


1- أي ضخمهما.
2- من الأمالي.
3- سورة الإنسان : 1- 22.

وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبيّ صلّی الله عليه و آله حتي دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأي ما بهم فجمعهم ، ثمّ انکبّ عليهم يبکي ويقول : أنتم منذ ثلاث فيما أري وأنا غافل عنکم ! فهبط عليه جبريل بهذه الآيات : ( إنَّ الأبرَارَ يشرَبُونَ مِن کَأسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُوراً عَيناً يَشرَبُ بِهَا

عِبَادُ اللهِ يُفَجَّرونَهَا تَفجِيراً)(1)

قال : هي عين في دار النبي صلّی الله عليه وآله تفجرّ إلي دور الأنبياء

والمرسلين (2)

وفي الحديث (3) أن رسول الله صلّی الله عليه و آله سئل عن هذه ، فقال : هي عين في داري في الجنّة ، ثمّ سئل مرّة أخري ، فقال : هي عين في دار عليّ .

فقيل : يا رسول الله ، ألم تقل عين في داري؟ فقال : إنّ داري ودار علي في الجنّة واحدة ..

(يُوفُونَ بِالنَّذرِ - يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضّة - وَيَخَافُونَ يَوماً کَانَ شَرُّه مُستَطِيراً - أي عابساًکلوحاً . وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبُّهِ - أي علي شهوتهم للطعام وإيثارهم له -مِسکِيناً - من مِساکين المسلمين - وَيَتِيماً - من يتامي المسلمين - وَأسِيراً - من أساري المشرکين ، ويقولون إذا أطعموهم : - إنَّمَا نُطعِمُکُم لِوَجِه اللهِ لا نُرِيدُ مِنکُم

ص: 564


1- سورة الإنسان : 5 و 6.
2- في الأمالي : والمؤمنين .
3- قد سئل النبيّ صلّی الله عليه و آله عن شجرة طوبي أين هي ؟ فقال صلّی الله عليه و آله : هي في داري في الجنّة ، وقد سأله آخر فقال صلّی الله عليه و آله : هي في دار عليّ عليه السلام في الجنّة ، فقيل له في ذلک ، فقال : إن داري ودار علي واحدة في الجنّة . انظر : تفسير فرات الکوفي : 75-76.

جَزَاءً وَلَا شُکُوراً (1) أي جزاء يجازوننا به من نفع عاجل ، ولا نريد أن تشکرونا عليه عن الخلق بل فعلناه لله ، قال : والله ما قالوا هذا لهم ولکنّهم أظهروه في أنفسهم، فأخبر الله بإضمارهم وأثني عليهم ليرغّب في ذلک الراغب.

عن سعيد بن جبير و مجاهد : قال الله سبحانه : ( فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِکَ اليَومِ وَلَقّاهُم نَضرَةً - في الوجوه - وَسُرَوراً - في القلوب - وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً - يسکنونها - وَحَرِيراً - يلبسونه ويفترشونه - مُتَّکِئِينَ فِيهَا عَلَی الأرَائِکِ - والأريکة : السرير عليه الحجلة - لَا يَرَونَ فِيهَا شَمساً يتأذّون بحرّها.

قال ابن عبّاس : بينا أهل الجنة في الجنّة إذ يرون نوراً مثل الشمس قد أشرقت له الجنان ، فيقول أهل الجنّة : يا ربّ ، إنّک قلت وقولک الحقّ - في کتابک : (لَا يَرَونَ فِيهَا شَمساً وَلاَ زَمهَرِيراً) ، فيرسل الله جلّ اسمه جبرئيل فيقول : ليس هذا بشمس ولکن عليّاً وفاطمة ضحکا من شيء أعجبهما فأشرقت الجنان من نور ضحکهما .

ص: 565


1- سورة الانسان: 7-9.

فصل في وفاتها عليها السلام

اشارة

فصل في وفاتها(1)عليها السلام

عن جابر بن عبدالله ، قال : قال رسول الله صلّی الله عليه و آله لعليّ عليه السلام قبل موته : السلام عليک أبا الريحانتين ، أوصيک بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهدّ رکناک عليک ، فلما قضي رسول الله صلّی الله عليه و آله قال أمير المؤمنين عليه السلام : هذا!(2)الرکن الأوّل، فلمّا ماتت فاطمة قال : هذا الرکن الثاني.

وروت عائشة أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله دعا فاطمة فسارّها فبکت،

ثمّ دعاها فسارّها فضحکت ، فسئلت عن ذلک ، فقالت : أعلمني أنه مقبوض فبکيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحکت.

وعن أمّ سلمة رضي الله عنها وعائشة أيضاً أنّها لمّا سئلت عن بکائها وضحکها قالت : أخبرني النبيّ أنّه مقبوض ، ثمّ أخبرني أنّ بنيّ سيصيبهم بعدي شدة فبکيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به ، فضحکت .

ص: 566


1- ذکرت في «ح» 8 أبيات شعريّة لعلي بن حمّاد رحمه الله ، مطلعها: فلمّا قضي الهادي النبيّ تناکروا .. غير انّي لم أتمکّن من قراءة بعض ألفاظها ، ولم أعثر عليها في مصدر آخر کي يسهل عليَّ ذلک ، فترکتها ، آملاً تثبيتها في طبعات لاحقة إن شاء الله تعالي.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل يحتمل القراءتين : «هذا» ، «هد» . الاهل

وأيضاً عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة لا تخطي مشيتها مشية رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : مرحباً بابنتي ، فأجلسها عن يمينه ، وأسرّ إليها حديثاً فبکت، ثمّ أسر إليها حدّيثا فضحکت ، فسألتها عن ذلک ، فقالت: ما أفشي سرّ رسول الله صلّی الله عليه و آله ، حتي إذا قبض صلّی الله عليه و آله سألتها ، فقالت : إنّه أسر إلي ، فقال : إنّ جبرئيل کان يعارضني بالقرآن کل سنّة مرّة، وإنّه عارضني (به ) (1)العام مرتين ، ولا أراني إلا وقد حضر أجلي ، وإنّک أوّل أهل بيتي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لک ، فبکيت لذلک ، ثمّ قال: ألا ترضين أن تکوني سيّدة نساء المؤمنين(2)؟ فضحکت لذلک.

روي أنّها صلّی الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس ، ناحلة الجسم،

منهدّة الرکن ، باکية العين ، محترقة القلب ، يغشي عليها ساعة بعد ساعة ، و تقول الولديها : أين أبوکما الّذي کان أشدّ الناس شفقة عليکما فلا يدعکما تمشيان علي الأرض، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً، ولا يحملکما علي عاتقه کما لم يزل يفعل بکما، ثمّ مرضت و مکثت أربعين ليلة، ثمّ دعت أمّ أيمن وأسماء بنت عميس (3) وعليّاً صلوات الله عليه ، وأوصت إلي علي بثلاث : أن يتزوّج بابنة [أختها ](4) أمامة لحبّها أولادها ، وأن يتخذ نعشاً لأنها کانت رأت الملائکة بصورة فصوّرته ووصفته لأمير المؤمنين عليه السلام ، وألّا يشهد أحد جنازتها

ص: 567


1- من المناقب .
2- في المناقب : نساء العالمين المؤمنين
3- انظر هامش البحار : 181/43 - 182 حيث استظهر أنّ أسماء مصحف سلمي امرأة أبي رافع ، أو سلمي امرأة حمزة بن عبدالمطّلب - وهي أخت أسماء - ، أو أسماء بنت يزيد بن السکن ، فراجع.
4- من المناقب .

علة دفنها عليها السلام ليلاً

متن ظلمها ، وألّا يترک أحد منهم يصلّي عليها.

وذکر مسلم، عن عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهريّ ، عن عروة ، عن عائشة - في خبر طويل - يذکر فيه أن فاطمة أرسلت إلي أبي بکر تسأل ميراثها من رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فمنعها - والقصة مشهورة ، فهجرته ولم تکلّمه حتي توفّيت ولم يؤذن بها أبو بکر ، ولم يصل عليها.

الواقدي : أنّ فاطمة عليها السلام أوصت إلي عليّ إذا حضرتها الوفاة ألّا

يصلّی عليها أبو بکر ولا عمر ، فعمل بوصيّتها.

وعن ابن عبّاس ، قال : أوصت فاطمة إلي عليّ عليهما السلام ألّا يعلم

- إذا ماتت - أبا بکر ولا عمر ، ولا يصلّيا عليها.

قال : فدفنها عليّ عليه السلام ليلاً ولم يعلمهما بذلک ، وغيّب قبرها.

وعن عائشة : عاشت فاطمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله ستّة

أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها عليّ ليلاً، وصلّی علي عليها.

وعن الزهري أن فاطمة دفّنت ليلاً، دفنها أمير المؤمنين والحسن

والحسين عليهم السلام ، وغيّبوا قبرها .

وفي روايتنا أنّه صلّی عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم

السلام و عقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار وبريدة.

وفي رواية أخري : والعباس وابنه الفضل. وفي رواية أخري : وحذيفة وابن مسعود .

الأصبغ بن نباتة أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن دفنها ليلاً، فقال : إنّها کانت ساخطة علي قوم کرهت حضورهم جنازتها، وحرام علي من

ص: 568

في تغسيلها عليها السلام

يتولّاهم أن يصلّي علي أحدٍ من ولدها.

وروي أنّه صلوات الله عليه سوّی قبرها مع الأرض مستوياً وقالوا: إنه

سوّی حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتي لا يعرف قبرها.

وروي أنّه صلوات الله عليه رشّ أربعين قبراً حتي لا يتبّين قبرها من

القبور فيصلّوا عليها(1)

روي أبو عبدالله حمّويه (2)بن عليّ البصري ، وأحمد بن حنبل (3) وأبو عبدالله بن بطّة ، بأسانيدهم قالت سلمي (4) امرأة أبي رافع : اشتکت(5) فاطمة شکواها التي قبضت فيها وکنت أمرّضها فأصبحت يوماً أسکن ما کانت، فخرج عليّ عليه السلام إلي بعض حوائجه وقالت : اسکبي لي غسلاً. فسکبت ، وقامت واغتسلت أحسن ما يکون من الغسل، ثمّ لبست أثوابها الجدد، ثمّ قالت : افرشي فراشي وسط البيت ، ثمّ استقبلت القبلة ونامت، وقالت : أنا مقبوضة ، وقد اغتسلت فلا يکشفني (6)أحد، ثمّ وضعت خدّها علي يدها، (7)ثمّ ماتت .

وعن أسماء بنت عميس ، قالت : أوصت فاطمة إليّ ألّا يغسّلها إذا ماتت

إلا أنا وعليّ، فأعنت عليّاً علي غسلها .

ص: 569


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه.
2- کذا في المناقب، و في الأصل : روي عبدالله بن حمويه .
3- فضائل أحمد:629/2 ح 1074 و ص 725ح1243..
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : رملة.
5- کذا الصحيح ، وفي الأصل : أمّ سلمي
6- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فلا يکقنني
7- کذا في المناقب ، وفي الأصل: يدها علي خدها .

کلام أمير المؤمنين عليه السلام عند دفنها عليها السلام

وعن أبي الحسن الخزّاز القمّي في الأحکام الشرعيّة : سئل أبو عبدالله

عليه السلام عن فاطمة من غسّلها ؟

فقال : غسلها أمير المؤمنين عليه السلام لأنها کانت صديقة لم يغسلها إلا

صدّيق.

تهذيب الأحکام(1): روي سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله عليه

السلام ، قال : سألته عن أوّل من جعل له النعش.

قال : فاطمة بنت محمّد صلّی الله عليها .

وفي رواية عبدالرحمان أنّها قالت لأسماء: استريني سترک الله من النار -

يعني بالنعش -.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال عند دفنها : (2)

السلام عليک يا رسول الله ، عنّي وعن ابنتک النازلة في جوارک، والسريعة اللحاق بک، قلَّ عن صفيّتک صبري ، ورقَ فيها تجلّدي ، إلا أن في التأسّي بعظيم فرقتک وفادح مصيبتک موضع تعزّ، ولقد وسّدتک في ملحود قبرک ، وفاضت بين صدري ونحري نفسک ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة، أمّا حزني فسرمد، وأما ليلي فمسّهد ، إلي أن يختار الله لي دارک الّتي أنت بها مقيم، وستنبئک ابنتک ، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد، ولم يخلق الذکر، والسلام عليکما سلام مودّع لا سئم ولا قال : فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء

ص: 570


1- تهذيب الأحکام:469/1ح 184 ، عنه البحار :212/43 ح 42.
2- الکافي: 458/1، عنه البحار : 193/43 ح 21.

ما قاله أمير المؤمنين والهاتف عند رجوعه عليه السلام من دفن

الزهراء، وفي موضع قبرها عليها السلام

ظنّ بما وعد الله الصابرين.

وروي أنّه لمّا سار بها إلي القبر المبارک خرجت يد فتناولتها، وانصرف.

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام: ذکرت أباودّي(1) فبتّ کأنّني بردّ الهموم الماضيات وکيل لکلّ اجتماع من خليلين فرقة وکلّ الّذي دون الفراق قليل وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمد دليل علي أن لا يدوم خليل

فأجابه هاتف : يريد الفتي ألّا يموت خليله وليس له إلّا الممات س بيل فلا بدَّ من موت (2)ولا بدّ من بلي وإنّ بقائي بعدکم لقليل إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي فإنّ بکاء الباکيات قليل ستعرض عن ذکري وتنسي مودّتي ويحدث من بعد الخليل (3) خليل (4)

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه : الأصوب أنّها مدفونة في دارها ، أو في الروضة ، ويؤيّد ذلک قول النبيّ صلّی الله عليه و آله : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة.

وفي البخاري وصحيح مسلم : ما بين بيتي ومنبري. وقال صلّی الله عليه و آله : منبري علي ترعة من ترع الجنّة .

ص: 571


1- أي من کان يلازم ودّي وحبّي.
2- لعلّه من تتمّة أبياته عليه السلام لا کلام الهاتف ، ولو کان من کلام الهاتف فلعلّه ألقاه علي وجه التلقين.
3- في المناقب : ويحدث بعدي للخليل بديل.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 361/3 - 365، عنه البحار : 43/ 180- 184 ذح 16.

کلام للمؤلف رحمه الله

وقالوا : حدّ الروضة ما بين القبر إلي المنبر إلي الأساطين الّتي تلي صحن المسجد.

أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام، فقال : دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد.

عن يزيد بن عبدالملک ، عن أبيه، عن جدّه ، قال : دخلت علي فاطمة

عليها السلام فبدأتني بالسلام، ثمّ قالت : ما غدا بک ؟

قلت : طلب البرکة.

قالت : أخبرني أبي وهو ذا : من سلَّم عليه وعليَّ ثلاثة أيّام أوجب الله له الجنّة.

قلت لها: في حياته وحياتک ؟

قالت : نعم ، وبعد موتنا (1)ياقبر فاطمة الّذي ما مثله قبر بطيبة طاب فيه مبيتا إذ فيه(2) حلّت زهرة الدنيا التي بحلي محاسن وجهها حليتا فسقي ثراک الغيث مابقيت به ن ور القبور بطيبة وبقيتا ف لقد برياها ظلت مطيبة وغداک مسکي في الأنوف قتيتا

قلت : أيّها الکريمة الممجّدة، المظلومة المضطهدة ، القانتة العفيفة ، السيّدة الشريفة ، المغصوبة ميراثها، المسلوبة تراثها، المحرومة نحلتها،

ص: 572


1- مناقب ابن شهرآشوب: 365/3، عنه البحار : 185/43ح17.
2- في المناقب : فيک .

المنهوبة بلغتها ، المشهور في الذکر ذکرها، المخفّي من دون القبور قبرها ، الّتي امتحن الله فيها أمّة أبيها ، فلم ترع حرمته فيها ، وفوقت نحوها سهام ظلمها، وأنزلت بساحتها مطايا هضمها ، حتي ماتت بغضتها عليها ساخطة ، و من خيرها قانطة.

أوّل مظلوم بعد الرسول من الرجال بعلها، وأضيع حقّ بعد النبيّ حقّها .

فيا لها من أمّة غادرة، وصحبة کافرة، وعصبة مارقة، وثلّة منافقة، أجلبت علي هدم الاسلام بجنودها وأحزابها ، ومنعت مساجد الله أن يذکر فيها اسمه ، وسعت في خرابها ، أعاد عتيقها الأوّل دين الجاهليّة بعد الضعف شديداً، وصير الثاني الأرذل بناء الکفر بعد الاندراس مشيّداً ، أطاع الشيطان وعصي الرحمن في يوم السقيفة ، وولي المسلمين بغرور وشهادة زور بشبهته السخيفة ، ومنع الزهراء نحلتها من والدها سيد المرسلين، و آذي الله ورسوله إذ أذي إمام المسلمين وسيّد الوصيّين.

فلعن الله السقيفة ومن حوت ، والعصابة الناصبة وماروت ، حملوا الناس علي أکتاف آل الرسول فيها ، وجحدوا النص الجليّ علي الامام العليّ فأبعد بها وبذويها، فاجتماع الأرجاس في ساحتها سبب لاغتيال سيد الأوصياء ، وتعصب عصب الضلال في عرصتها وسيلة لاغتصاب تراث سيدة النساء، وسمّ سبط المصطفي وغلبة ظلمة الظلمة في باحتها طريق إلي قتل سيّد الشهداء وخامس أصحاب الکساء. .

فأبعد بزمن صار فيه عتيق تيم للمسلمين إماماً ، ولعنت أمّة رضيت بالدلام نجل صهّاک بأمور الدين قوّاماً، أليس هو الّذي حمل بني أميّة علي رقاب المسلمين ؟ أليس هو الّذي منع الزهراء نحلتها وردّ شهادة

ص: 573

أمير المؤمنين ؟ أما جعل أمر خلافة الله شوري ؟ أما لفق من باطل القول زخرفاً وغروراً ؟ أما أسند إلي النبيّ الأمّيّ : «ما ترکناه صدقة» بزوره وکذبه ؟ فلعن الله الکاذب في جدّه ولعبه ، فهو زعيم الفتنة ورأسها، وأصل المحنة وأساسها ، والمصلّي والسابق في الجمل وصفّين ، والقائد والسائق في قتل ذرّيّة سيّد المرسلين.

فما قام ثالث القوم إلّا لمشورته وإشارته ، ولا تجرّی ابن حرب علي حرب أمير المؤمنين إلا بوصيّته وإرادته ، ولا سفک دم السبط الشهيد إلا وهو مثبت في صفحات صحيفته، وطامته في الظلم عالية ، وبدعته في الغيّ غالية ، والشيطان يسوق الناس إلي اتّباعه ، وهو في الحقيقة من بعض جنده وأتّباعه ، و تجرّأت عصبته علي المؤمنين بکلّ ناد ، ورمتهم عن قوس واحدة دون العباد ،

حتي لقد برح الخفاء ، وانقطع الرجاء

اللّهمّ العنه وأشياعه وأتباعه ومحبّيه والمائلين إليه ، والمتفّقين عليه ،

والمعتقدين لإمامته ، والناهضين بأجنحته ، والمستّنين بسنّته ، والمتسمين بسمته ، الّذين أسّس علي الباطل دينهم، وفصل من ينبوع الشرع معينهم ، وبنيت علي غير تقوي الله مساجدهم، وشيّدت بعداوة أهل بيت رسول الله مشاهدهم ، کلّ منهم في ثوبه ضلّ عابس ، وفي بدنه قلب حامس ، إذا عاينتهم يروقک عيانهم، وإذا رأيتهم تعجبک أجسامهم ، کأنّهم خُشب مسنّدة ، أو صور علي الجدران مجسّدة ، إذا تليت عليهم سورة هل أتي تلت وجوههم عبس و تولّي ، وإذا قرأت عليهم آية النجوي حقّت عليهم کلمة العذاب والبلوي.

مساجدهم بواطن الفجّار، ومدارسهم معادن الأشرار، فهم الوجوه

الخاشعة العاملة الناصبة، والطائفة المارقة الزاهقة الکاذبة ، يسندون کلّ منکر

ص: 574

في العالم إلي ربّهم ، وينسبون کبائر بني آدم إلي خالقهم بزورهم وکذبهم، ويعتقدون ربّهم جمادات حدود وأقطار، مدرک في الدنيا والآخرة بحاسّة العيان والابصار ، يشبهون علي الهمج الرعاع بأقاويلهم المزخرفة ، ويتسترون عند النزاع بحجّة التکلفة، ملّتهم محرفة ، وقلوبهم مغلفة ، وعمائمهم کقباب بيض علي کنف ، وقلوبهم من عمص الحقّ سود وغلف.

يسبون النبي والوصيّ بتکفير أبويهما ، ويسندون العيوب الموصمة بکفرهم إليهما، وأي ّسبّ أعظم من أن يقال للرجل : يا ابن الکافر ؟ وأيّ خطب أفضع من نسبة سيّد الأوّلين والآخرين إلي أنّه يهجر في المحاضر، تعاهدوا علي خلاف نبيهم ، وتعاقدوا علي إخراج الحق عن سيّدهم ووليّهم، وجحدوا نص الغدير ، وضلّلوا الهادي البشير ، ونصبوا أنصاب الشرک بنصب شقیّهم و عتيقهم، وسؤّدوا وجه الاسلام إذ وسموه بزکيّهم وصدّيقهم ، وهو أکذب من أبي تمامة ، وأحقر من قلامة في قمامة ، أنتهت إليه الزعامة ، أم حبرت له الامامة ، من أبيه أبي قحافة ، ذي الرذالة والخلافة ؟ الّذي کان اسمه في المجد کالنون في حال الاضافة ، تقلّد عارها في الدارين ، وباء بإثمها في الخافقين .

ثمّ لم يجتزيء بکفرها في حياته حتي احتقب وزرها بعد وفاته ،

وأوصي بها إلي ابن صهّاک لعلمه بشدة عناده ، و عظيم إلحاده، فقام عدّو الله ناسجاً علي منواله ، متقرّباً في عداوة آل الرسول بأقواله وأفعاله ، وهدّ الجمل وصفّين ، ومن قتل فيهما من المسلمين إلا جدول من بحره، وشعبة من کفره .

اللّهمّ إنّا نتقرّب إليک بلعنته في دار الفناء ، راجين بذلک الفوز في دار البقاء ، أبغضناه حبّاً لک ، وعصيناه طاعة لأمرک ، وخالفناه موافقة لکتابک ، وشنأناه رجاء لثوابک، لمّا قرعت أسماعنا رنّة آيات (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ

ص: 575

اللهِ مِن بَعد مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ أن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولِئکَ لَهُم اللَعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ) (1) و نعقت في أفکارنا نعمة بينّات(إنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُهِيناً )(2)، ورسخت في أفهامنا کلمة سيّد أنبيائک ومبلّغ أنبائک : فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذي الله ، ومن آذي الله أکبّه الله علي منخريه في النار .(3)

وتجلّت لألبابنا رواية السيد ابن السادة ، الفائز بدرجتي السعادة والشهادة ، فرع نبيک ، وسلالة وليّک ، المجاهد في سبيلک ، والداعي إلي الرضا من آل رسولک ، زيد بن إمام المتقّين ، علي بن الحسين زين العابدين ، زاد الله شرفاً إلي شرفه ، وأحلّه من جوار جده في أعلي غرفه ، وهو ما روي عنه الشيخ العالم العامل ، الوليّ الکامل ، المخصوص بکشف أسرار الکلام المجيد القدسّي، شيخنا ووسيلتنا إلي ربّنا أبو علي الطبرسي، أفاض الله عليه تيجان رحمته ، وحشره في زمرة نبيّه وأئمّته .

ص: 576


1- سورة الرعد: 25.
2- سورة الأحزاب: 57.
3- قاله رسول الله صلّی الله عليه و آله مرارة : انظر: بحار الأنوار: 279/21 ، و ج 236/22 ،وج 143/23ح97 و ص 234، وج 62/27 و63 ح 21، وج 38/28 ح 1وص. 85 وص303 ح 48، و ج 288/36 ح 110 وص308ح 146، و ج 66/37 - 68 ح 38 و ص69 و ص 85، و ج 23/43 ح 17 و 24 ح 20 و ص 39 ح 40 و41، ص 54 ح 48، وص76 ح 63 وص80 ح 69 و ص 91 و 92 ح16 و 133 ح 32 وص 171 ح 11 و ص 172 ح 13 وص199 ح 29 وص202 و 204 ح 31، وج 283/49 ، و ج 239/103 ح 43 ، ص 250 ح 40، وج 38/104 ح 36 فقد أخرجه بألفاظ مختلفة وعن عدّة مصادر معتبرة.

قال : حدّثني الحاکم أبو القاسم الحسکاني القامي (1)، قال : حدّثنا أبو عبدالله الحافظ ، قال: حدّثني أحمد بن [محمد بن أبي](2)دارم الحافظ ،

قال : حدّثنا علي بن أحمد العجلي، (3)قال : حدّثني عباد بن يعقوب . قال : حدّثني أرطاة بن حبيب ، قال : حدّثني أبو خالد الواسطي - وهو آخذ بشعره - قال : حدّثني زيد بن عليّ - وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني أبي سيّد العابدين - وهو آخذ بشعره -، قال : حدّثني أبي السيّد الشهيد أبو عبدالله الحسين - وهو آخذ بشعره -، قال : حدّثني أبي أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين - وهو آخذ بشعره -، قال : قال لي سيّد الأوّلين والآخرين محمد بن عبدالله الصادق الأمين - وهو آخذ بشعره -: يا علي، من آذي منک شعرة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذي الله ، ومن آذي الله فعليه لعنة الله .(4)

وقد علمنا يا إلهنا ما أسدي إلي سليلة نبيّک ، وحليلة وليّک ، من اغتصاب تراثها ، وانتهاب ميراثها ، واغتصاب نحلتها من أبيها، واستصفاء بلغتها وبلغة بنيها، قائلاً: آتوني بنار وحطب لأحرق منزلها علي من حوي (5) ناوية إطفاء نور الله بناره ولکلّ امريء ما نوي ، مخالفاً بقوله وفعله سيّد المرسلين ، سالّاً سيف بغيه علي أمير المؤمنين وإمام المتّقين ، فظهر لأفکارنا ، ونعق في أسرارنا ،

ص: 577


1- کذا في الأصل ، ولعلها «القاضي» .
2- من المجمع.
3- من المجمع.
4- مجمع البيان :370/4. و روي مثله في أمالي الطوسي : 66/2 ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام: 1/ 250ح3، وأمالي الصدوق: 271 ح 10، عنها البحار : 206/27 ح 13.
5- الامامة والسياسة: 19/1 ، عنه البحار : 28 / 354ح69. وأخرجه في البحار : 28 / 231 ح 16و 17 عن تفسير العياشي: 306/2ح 134 وأمالي المفيد :49. وفي ص 307ح 50 عن إثبات الوصيّة : 112.

بالأدلّة الساطعة ، والحجج القاطعة ، أنّ الجمل وصفّين ، وقتل ذرّيّة خاتم النبيّين ، نتيجة قياسه، وثمرة غراسه ، إذ هو الّذي أعلي الطلقاء القاسطين، ورفع کعبهم علي رقاب المسلمين ، مع علمه بأنّهم الشجرة الملعونة في القرآن، والطائفة المارقة عن الايمان ، أعني بني أميّة الضالّين المضلّين، الزالّين المزلّين ، کفرة الکتاب ، وبقيّة الأحزاب (1)

ص: 578


1- في «ح» : روي عن الصادق القمّي أن جميع الأئمة عليهم السلام خرجوا من الدنيا علي الشهادة : قتل علي عليه السلام فتکّاً، وسم الحسن عليه السلام سرّاً، و[قتل] الحسين عليه السلام جهرة ، وسم الوليد بن عبدالملک زين العابدين عليه السلام، وسمّ إبراهيم بن الوليد الباقر عليه السلام وسم أبو جعفر المنصور الصادق عليه السلام، وسمّ الرشيد الکاظم عليه السلام، وسمّ المأمون الملعون الرضا عليه السلام، وسمّ المعتصم محمّد الجواد عليه السلام ، وسم المعتز علي بن محمد عليه السلام ، وسمّ المعتمد الحسن بن علي عليه السلام، وأما القائم عجل الله فرجه فروي أنه هرب خوفا من المتوکل عليه اللعنة لأنه أراد قتله ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو کره الکافرون ، وکان أول من استفتح بالظلم من أخر عليّاً عن الخلافة، وغصب فاطمة ميراث أبيّها، وقتل المحسّن في بطن أمه، ووجاء عنق سلمان ، وقتل سعد بن عبادة ، ومالک بن نويرة ، وداس بطن عمار بن ياسر ، وکسر أضلاع عبدالله بن مسعود بالمدينة ، ونفي أبا ذر إلي الربذة، وأشخص عمار بن قيس، وغرب الأشتر النخعي ، وأخرج عدي بن حاتم الطائي ، وسيّر عميراً بن زرارة إلي الشام ، ونفي کميل بن زياد إلي العراق ، وخاض في دم محمد بن أبي بکر ، ونکب کعب بن جبل جارية بن قدامة ، وعذب عثمان بن حنيف ، وعمل ما عمل بحباب بن زهير و شريح بن هانيء، ونحو هؤلاء ممن مضي قتيلا وعاش في غصّة ذليلاً، نقل من کتاب الفخري النجفي رحمه الله . فانظروا - يا إخواني - إلي فعل أوائلهم، واقتفاء أرجاس بني أميّة آثارهم، يقتلون من قاربهم، ويعذبون من ظاهرهم ، کقتل معاوية عمّار بن ياسر وزيد بن صوحان و صعصعة بن صوحان وحنيف بن ثابت و أويس القرني ومالک الأشتر و محمد بن أبي بکر وهاشم المرقال و عبدالرحمان بن حسان وغيرهم، وتسليط زياد بن سمية علي قتل الألوف من الشيعة بالکوفة ، وهو الّذي دسّ في قتل الحسن بن علي عليهما السلام إلي جعدة بنت أشعث بن قيس ، وتبعه ابنه يزيد علي ذلک الظلم حتي قتل الحسين بن علي عليهما السلام في نيف وسبعين رجلاً ؛ منهم تسعة من بني عقيل ، وثلاثة من بني جعفر الطيار ، و تسعة من بني عليّ عليه السلام ، وأربعة من بني الحسن عليه السلام، وستة من بني الحسين عليه السلام، والباقي من أصحابه ، وقتل زيد بن علي بن الحسين علي يد نصر بن خزيمة الأسدي ، وصلبه يوسف بن عمر بالکناسة في الکوفة عرياناً فکسي من بطنه جلدة سترت عورته وبقي مصلوباً أربع سنوات، وکان لا يقدر أحد يندب عليه ، وألقوا امرأة زيد علي المزبلة بعدما دقت بالضرب حتي ماتت ، وعبيد الله بن زياد لعنه الله يصلب الشيعة علي جذوع النخل ، ويقتّلهم ألوان القتل، وهو الّذي خرب سناباد لمّا رجم أهلها من کان مع رأس الحسين فبقيت خراباً إلي الآن. «الفخري» [ انظر منتخب الطريحي : 3-5 ]

اللّهمّ العنه بما أعلي من قدرهم ، ورفع من ذکرهم ، وسدّ من خلّتهم، وکر

من قلبهم.

اللهمّ العنه بعدد کلّ نفاق أخفاه ، و شقاق أبداه ، وحقّ اغتصبه، وظلم

نصبه ، وعهد نقضه ، وإمام رفضه.

اللّهمّ العنه بعدد کلّ رطب ويابس ، ولين و جامس ، وبرّ وفاجر، وعاجز

وقادر .

اللّهمّ العنه بعدد کل مکيل وموزون، ومتروک ومخزون، ومعدود

ومحسوب ، ومرقوم و مکتوب.

اللّهمّ العنه بعدد ما أنبتت الأرض منذ خلقت ، وأحيت السماء منذ فتقت،

والعن أبويه وعترته ، و ابنيه وابنته ، وأنصاره و شيعته .

اللّهمّ أذقه أليم عذابک ، و وخيم عقابک ، واجعله في أسفل درک من الدرک الأسفل ، وأخفض منزل في العذاب الأطول ، يشرف عليه إبليس فيلعنه ، وتطلع عليه عبدة الأوثان فتوبخه، شرابه حميم ، وعذابه مقيم ، وطعامه زقّوم، وکتابه في سجين مرقوم ، ومقره في تابوت من حديد ، وعذابه في کلّ أن جديد ، قد وضعت سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً في فيه ، وأخرجت من دبره، ووضعت أغلال من قدميه إلي حقويه زيادة في ضلاله وسعره، يتأذّی أهل

ص: 579

النيران من رائحة قصبه ، وينفر عبدة الأوثان من مشامته وقربه.

اللّهمّ اجعله في سفال الفيلوق مديداً غمّه ، طويلاً همّه ، وافراً حزنه ،

والعن من لا يلعنه.

اللّهمّ العنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً جزيلاً ، فإنک أشدّ بأساً وأشدّ تنکيلاً

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علي محمدٍ وآله الطاهرين(1)

تمّ المجلد الأوّل ولله الحمد ، ويليه المجلّد الثاني بإذنه تعالي .

ص: 580


1- في الأصل : تمّ المجلس الثالث يوم الجمعة ثالث .... بعد طلوع الأسد بخمسة أيّام .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.