تاريخ مدينة دمشق و ذكر فضلها و تسمية من حلها من الأمائل أو اجتاز بنواحيها من وارديها و أهلها
تصنيف الإمام العالم الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة اللّه بن عبد اللّه الشافعي المعروف بابن عساكر
499 ه-571 ه
تفاصيل النشر: بیروت: دارالفکرالمعاصر؛ دمشق: دارالفکر دمشق: معهد الفتح الاسلامي، 1420ق.= 1999م.= 1378 -
دراسة و تحقيق علي شيري
عدد المجلدات: 80
لسان: العربية
ابراهيم بن عبد اللّه - ارتاش بن تتش
دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
تصنيف الكونجرس: DS99 /د8 1378 الف243015
تصنيف ديوي: 956/9144
موضوع: تاريخ الإسلام | التاريخ والجغرافيا المحلية | الترجمة الجماعية | رجال
ص: 1
ص: 2
الجزء التاسع و الستون
أخبرنا والدي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن رحمه الله. قال: و هذا
من ذكر أسمائهن على الحروف:
[ذكر من اسمها: أسماء] (1)
ابن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد
ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ذات النطاقين التيمية (2)
زوج الزبير بن العوّام، و أم عبد اللّه بن الزبير، و أخت عائشة الصدّيقة، و أمّها قتيلة بنت [عبد] (3) العزى بن عبد أسعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، و يقال: قتلة، لها صحبة.
و روت عن: النبي صلى اللّه عليه و سلم أحاديث.
روى عنها ابناها عبد اللّه و عروة (4) ابنا الزبير، و أبو واقد الليثي، و عبد اللّه بن عباس، و عبّاد بن عبد اللّه بن الزبير (5)،و ابن أبي مليكة، و طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي
ص: 3
بكر، و مسلم بن عبد اللّه القرشي، و عبد اللّه مولى أسماء (1)،و أبو نوفل معاوية بن مسلم بن أبي عقرب، و وهب بن كيسان، و عبادة بن المهاجر، و المطلب بن عبد اللّه بن حنطب، و أبو بكر بن عبد اللّه بن الزبير، و محمّد بن المنكدر التيمي، و فاطمة بنت المنذر، و صفية بنت شيبة، و أم كلثوم مولاة الحجبة.
و شهدت اليرموك مع زوجها الزبير.
كتب إليّ أبو بكر عبد الغفار بن محمّد بن الحسين، و أخبرني أبو بكر محمّد بن عبد اللّه بن أحمد بن حبيب، و أبو منصور برغش (2) بن عبد اللّه عتيق القاضي الهروي عنه، أنبأ أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل الصيرفي، نا أبو العباس محمّد بن يعقوب، نا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أنا أناس بن عياض، عن هشام، عن فاطمة:
أن أسماء كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمّت تدعو لها أخذت الماء فصبّته بينها و بين جيبها و قالت: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يأمرنا أن نبرّدها بالماء[13689].
و من أعلى ما وقع إليّ من حديثها:
ما أخبرناه أبو بكر محمّد بن الحسين، ثنا أبو الحسين بن المهتدي قال: قرئ على عيسى بن علي، قال: قرئ على أبي القاسم البغوي، نا داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الثقة المأمون، نا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللّه بن عمرو:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«حوضي مسيرة شهر، و زواياه سواء (3)،ماؤه أبيض من الورق، و ريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا»[13690].
قال: و قالت أسماء بنت أبي بكر:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّي على الحوض انظر من يرد عليّ منكم، و سيوجد (4) أناس دوني فأقول: يا ربّ مني و من أمتي! فيقول: ما شعرت ما عملوا بعدك، و اللّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم»[13691].
ص: 4
فكان ابن أبي مليكة يقول: اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنبأ أبو علي بن المذهب، أنا أحمد بن جعفر، نا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (3)،[حدّثني روح] (4) نا شعبة، عن مسلم القري قال: سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها، و كان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم ابن الزبير تحدّث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رخّص فيها، فادخلوا عليها فسلوها، قال: فدخلنا عليها، فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت: قد رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيها[13692].
أخبرنا أبو غالب الماوردي، أنا أبو الحسن السيرافي، أنا أحمد بن إسحاق، نا أحمد بن عمران، نا موسى، نا خليفة (5)،حدّثني أبو بكر، عن محمّد بن أبي يحيى، أخبرني إسحاق مولى زائدة أنّ أبا واقد صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخبره أنه شهد اليرموك قال: و كانت أسماء بنت أبي بكر مع الزبير في خبائها، فسمعتها تقول للزبير: إن كان الرجل من العدو ليمرّ يسعى فيصيب قدميه عروة أطناب خبائي، فيسقط على وجهه ميتا ما أصابه السلاح.
رواه غيره عن محمّد بن أبي يحيى، فقال: إسحاق مولى محمّد بن زياد (6).
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، و أبو العز الكيلي، قالا: أنا أحمد بن الحسن، زاد الأنماطي: و ابن خيرون: قالا:- أنا محمّد بن الحسن، أنا محمّد بن أحمد بن إسحاق، نا عمر بن أحمد، نا خليفة قال (7):
أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة (8) أمّها قتيلة بنت عبد العزّى بن عبد بن أسعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي؛ هي أخت عبد اللّه بن أبي بكر لأبيه و أمّه، و هي
ص: 5
امرأة الزبير بن العوام، ولدت للزبير: عبد اللّه، و عروة، و المنذر و المهاجر بني الزبير.
[أخبرنا أبو غالب أحمد] (1) و أبو عبد اللّه يحيى ابنا الحسن قالا: أنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن عمر، أنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العباس بن زكريا، أنا أحمد بن سليمان بن داود، نا الزبير بن أبي بكر، قال (2):
و ولد أبو بكر الصدّيق: عبد اللّه بن أبي بكر قتل يوم الطائف، و أخته لأمه أسماء ابنة أبي بكر الصدّيق، ولدت للزبير بن العوام: عبد اللّه، و المنذر، و عروة، و عاصما، لا بقية له، و المهاجر، لا بقية له، و خديجة الكبرى، و أم حسن، و عائشة، و أسماء هي ذات النطاقين؛ و إنّما سمّيت ذات النطاقين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما تجهّز مهاجرا و معه أبو بكر الصدّيق أتاهما عبد اللّه بن أبي بكر في الغار ليلا بسفرتهما و لم يكن لها شناق (3) فشقت لها أسماء نطاقها فشنقتها به، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«قد أبدلك اللّه بنطاقك هذا نطاقين في الجنة» فقيل لها ذات النطاقين[13693].
أخبرني بذلك محمّد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه الضحاك بن عثمان، و أخبرنيه غيره.
و أم عبد اللّه و أسماء ابنة أبي بكر قتلة (4) بنت العزى بن عبد أسعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، و في قتلة نزلت لاٰ يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (5)كانت قتلة قدمت على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر، و قتلة راغبة عن الإسلام على دين قومها، و معها ابنها الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن مخزوم، فأبت أسماء أن تقبل هديتها حتى تسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسألته فأنزل اللّه تعالى لاٰ يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الآية، فأدخلتها أسماء و قبلت هديتها.
قال محمّد بن مسلمة: تصلون ذوي أرحامكم قال: ثم نسخ هذا بقوله لاٰ تَجِدُ قَوْماً
ص: 6
يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ، أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمٰانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ، وَ يُدْخِلُهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا، رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولٰئِكَ حِزْبُ اللّٰهِ أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) .
و أم قتلة صرما بنت خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، و أمها ليلى بنت عبد أسعد بن جحدم بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر، و أمّها إياس (2) بنت أهيب بن حذافة بن جمح، و أمّها أم راشد برة بنت أهيب بن عمران بن مخزوم، و أمّها تخمر بنت عبد بن قصي، و أمّها سلمى بنت عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر، و أمّها هند بنت عبد اللّه بن الحارث بن وائلة بن ظرب بن عدوان، وائلة بن ظرب أخو عامر بن ظرب حكم العرب الذي يقول فيه ذو الأصبع العدواني:
و منا حكم يقضي *** فلا ينقض ما يقضي
و في خلف بن وهب يقول ابن الزبعرى (3):
خلف بن وهب كل آخر ليلة *** أبدا يكثر أهله بعيال
سقيا لوهب كهلها و وليدها *** ما دام في أبياتها (4) الذيّال
نعم الكهول كهولهم و شبابهم (5) *** صيّابة (6) ليسوا من الجهال
أخبرني ذلك عمي مصعب بن عبد اللّه، عن عامر بن صالح و لا أراها إلاّ لغير ابن الزبعري.
قال: و أنشدني محمّد بن حسن المخزومي البيت الأول منها، و أنشدني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحي البيتين الأولين، و قال: كان يقال (7) لخلف بن وهب الذّيّال.
ص: 7
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، و أبو عبد اللّه البلخي، قالا: أنا أبو الحسين بن الطّيوري، و ثابت بن بندار، قالا: أنا أبو عبد اللّه الحسين بن جعفر، و أبو نصر محمّد بن الحسن، قالا: أنا الوليد بن بكر، أنا علي بن أحمد بن زكريا، أنا صالح بن أحمد، حدّثني أبي قال: أسماء ابنة أبي بكر، زوجها الزبير بن العوّام، و هي أم عبد اللّه و عروة ابني الزبير (1).
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري، أنبأ أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد (2) قال:
أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ابن أبي قحافة عثمان بن عامر (3) بن كعب بن سعد بن تيم و أمها قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، و هي أخت عبد اللّه بن أبي بكر الصدّيق لأبيه و أمه، أسلمت قديما بمكة، و بايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و هي ذات النطاقين، تزوجها الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، فولدت له عبد اللّه، و عروة و المنذر، و عاصما، و المهاجر، و خديجة الكبرى، و أم الحسن، و عائشة.
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن مندة قال: أسماء بنت أبي بكر الصديق عبد اللّه بن عثمان ذات النطاقين، أمها قتيلة بنت عبد العزّى ابن عبد أسعد من بني مالك بن حسل، و عبد اللّه بن أبي بكر أخوها لأمّها، و هي أم عبد اللّه ابن الزبير، تزوجها الزبير بن العوام بمكة، فولدت له عدة، ثم طلّقها، و كانت مع عبد اللّه ابنها حتى قتل، و بقيت مائة سنة حتى عميت، و ماتت بعد قتل عبد اللّه بن الزّبير سنة ثلاث و سبعين، بعد ابنها بليال (4)،و كانت أخت عائشة لأبيها.
قال ابن أبي الزناد: و كانت أكبر من عائشة بعشر سنين.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا محمّد بن طاهر، أنا مسعود بن ناصر، أنا عبد الملك ابن الحسن، أنا أبو نصر البخاري قال:
ص: 8
أسماء بنت أبي بكر الصديق، و اسمه عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، القرشية، التيمية، أخت عائشة، يقال لها: ذات النطاقين، و إنما قيل لها ذلك لأنها حين أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أبو بكر الصديق أن يخرجا من الغار الذي كانا فيه، و يقصدا المدينة أتتهما بسفرتهما (1)،و نسيت أن تجعل لها عصاما (2)،فحلت نطاقها فجعلت لها عصاما ثم علّقتها، فلذلك كان يقال لها ذات النطاقين، و كانت تحت الزّبير و هي أم عبد اللّه بن الزّبير (3)،و عروة، سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم. روى عنها ابنها عبد اللّه بن الزّبير، و عبد اللّه بن أبي مليكة، و عبد اللّه بن كيسان مولاها، و فاطمة بنت المنذر، و صفية بنت شيبة في العلم و النكاح، ماتت بمكة في سنة ثلاث و سبعين، بعد ما قتل الحجاج بن يوسف ابنها عبد اللّه بن الزّبير بها في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة من هذه السنة بنحو جمعة.
قال الذهلي: نا أحمد بن حنبل، نا سفيان بن عيينة، قال: بقيت أسماء بعد ابنها.
و قال هشام بن عروة: دخلت على أسماء قبل قتل عبد اللّه بن الزّبير بعشر ليال، و كانت بنت مائة سنة.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: قال لنا (4) أبو نعيم الحافظ :
أسماء بنت الصديق أبي بكر، أم عبد اللّه بن الزّبير، كانت تعرف بذات النطاقين، كانت تحت الزّبير بن العوام، فولدت له: عبد اللّه بن الزّبير، و عروة، و المنذر، ثم طلّقها، فكانت عند ابنها عبد اللّه، كانت أخت عائشة لأبيها، و كانت أسن من عائشة، ولدت قبل التاريخ بسبع و عشرين سنة، و قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم بعشر سنين، و ولدت لأبيها الصدّيق يوم ولدت و له أحد و عشرون سنة، توفيت أسماء سنة ثلاث و سبعين بمكة بعد قتل ابنها عبد اللّه بن الزّبير بأيام، و لها مائة سنة، و قد ذهب بصرها، و أم أسماء و أم عبد اللّه بن أبي بكر قتيلة بنت عبد العزّى بن عبد أسعد بن نصر بن مالك بن حسل، روى عن أسماء: عبد اللّه بن عباس، و ابنها عروة بن الزّبير، و عباد بن عبد اللّه بن الزّبير، و أبو بكر بن عبد اللّه بن الزّبير، و عامر بن عبد
ص: 9
اللّه بن الزّبير، و وهب بن كيسان، و المطلب بن عبد اللّه بن حنطب، و عبد اللّه بن أبي مليكة، و محمّد بن المنكدر، و طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر، و فاطمة بنت المنذر بن الزّبير، و صفية بنت شيبة الحجبي في آخرين.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي، أنا أحمد بن عبد الواحد السلمي، أنا جدي أبو بكر، أنا أبو محمّد بن زبر، نا أحمد بن سعد بن إبراهيم الزهري، نا محمّد بن أبي صفوان، نا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد قال: كانت أسماء بنت أبي بكر أكبر من عائشة بعشر سنين.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النّقّور، أنا أبو طاهر المخلص، أنا رضوان بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن (1) إسحاق قال (2):
في ذكر إسلام المهاجرين الأولين: قال: ثم أسلم ناس من قبائل العرب، منهم: أسماء بنت أبي بكر و هي صغيرة (3).
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أبو بكر بن [مالك، نا] (4)عبد اللّه بن أحمد (5)،نا أبي، نا أبو أسامة، نا هشام، عن أبيه و فاطمة عن أسماء قالت:
صنعت سفرة النبي (6) صلى اللّه عليه و سلم (7) في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة (8).[قالت: فلم نجد لسفرته، و لا لسقائه ما نربطهما به] (9).
قالت: فقلت لأبي بكر: و اللّه ما أجد شيئا أربطه به إلا نطاقي. قال: فقال [شقيه باثنين فاربطي بواحد السقاء] (10) و بالآخر السفرة، فلذلك سميت ذات النطاقين.
ص: 10
أخبرنا أبو عبد اللّه يحيى بن الحسن، أنا أبو القاسم بن البسري.
ح و أخبرنا أبو الفتح نصر اللّه بن محمّد الفقيه، و أبو محمّد هبة اللّه بن أحمد بن عبد اللّه، و أبو محمّد محمود بن محمّد بن مالك، و أبو يحيى بشير بن عبد اللّه، و أبو إسماعيل محمّد بن (1) عبد اللّه الأكاف، قالوا: أنا أبو محمّد التميمي.
قالا: أنا أبو عمر بن مهدي، أنا محمّد بن مخلد، نا محمّد بن عثمان بن كرامة، نا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، و فاطمة بنت المنذر، عن أسماء ابنة أبي بكر قالت:
صنعت سفرة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، فلم نجد لسفرته و لا لسقائه ما نربطهما به. قلت لأبي بكر: و اللّه ما أجد شيئا أربطها إلا نطاقي، قال:
فشقيه باثنين، فربطت بواحد السقاء و بواحد السفرة، فلذلك سمّيت ذات النطاقين.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنا رشأ بن نظيف، أنا الحسن بن إسماعيل، نا أحمد بن مروان، نا ابن أبي الدنيا، نا أبي، نا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد قال: كان أهل الشام ينادون ابن الزّبير بابن ذات النطاقين، فيقول: أنا ابنها حقا، أنا ابنها حقّا، و جعل يقول (2):
و عيّرها الواشون أنّي أحبها *** و تلك شكاة نازح عنك عارها
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد، أنا محمّد بن عمر، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة قال:
نادى رجل من أهل الشام: يا ابن الزّبير، يا ابن ذات النطاقين يعيره بذلك، فمشى ابن الزّبير نحوه و هو يقول:
و عيرها الواشون أني أحبها *** و تلك شكاة ظاهر عنك عارها
فإن أعتذر منها فإني مكذب *** و إن تعتذر يردد عليها اعتذارها
أنا ابن ذات النطاقين. هلمّ إليّ .
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا أبي علي، قالا: أنا أبو جعفر المعدل، أنا أبو
ص: 11
طاهر المخلص، أنا أحمد بن سليمان، نا الزّبير، حدّثني محمّد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، عن أبيه قال:
كان أهل الشام و هم يقاتلون عبد اللّه بن الزّبير بمكة يصيحون به: يا ابن ذات النطاقين، و يظنونه عيبا، فيقول ابن الزّبير: ابنها و الإله أنا، و اللّه و هي كما قال أبو ذؤيب الهذلي (1):
و عيرها الواشون أني أحبها *** و تلك شكاة ظاهر عنك عارها
فإن أعتذر منها فإني مكذب *** و إن تعتذر يردد عليها اعتذارها
ثم يقبل على ابن أبي عتيق عبد اللّه بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق فيقول: أ لا تسمع يا ابن أبي عتيق ؟! أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو بكر الشافعي، نا محمّد ابن يحيى بن سليمان، نا أحمد بن محمّد بن أيوب، نا إبراهيم بن سعد، عن محمّد بن إسحاق (2) قال:
حدّثت عن أسماء بنت أبي بكر أنّها قالت: لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتانا نفر من قريش منهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قلت: لا أدري و اللّه أين أبي، قالت: فرفع أبو جهل يده - و كان فاحشا خبيثا - فلطم خدي لطمة خرّ منها قرطي، قالت: ثم انصرفوا، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يغنّي بأبيات شعر غنى بها العرب، و إن الناس (3)ليتبعونه يسمعون صوته و لا يرونه، حتى خرج بأعلى مكة [و هو يقول] (4):
جزى اللّه رب الناس خير جزائه *** رفيقين قالا (5) خيمتي أم معبد (6)
هما نزلاها بالهدى و اهتدوا به (7) *** فأفلح من أمسى رفيق محمّد
ص: 12
ليهن بني كعب مكان فتاتهم *** و مقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أن وجهه إلى المدينة، و كانوا أربعة: رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أبو بكر، و عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، و عبد اللّه بن أريقط دليلهما.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنبأ أبو الحسين بن النّقّور، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أبو الحسين رضوان بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس، عن ابن إسحاق، حدّثني يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، عن أسماء ابنة أبي بكر، قالت: (1)
لما توجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مكة إلى المدينة معه أبو بكر، حمل أبو بكر معه جميع ماله، خمسة آلاف أو ستة آلاف، فأتاني جدي أبو قحافة، و قد ذهب بصره، فقال: إن هذا و اللّه قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلا يا أبة، قد ترك لنا خيرا كثيرا، فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة البيت، كان أبو بكر يجعل ماله فيها، و غطيت على الأحجار بثوب، ثم جيئت به فأخذت بيده فوضعتها على الثوب فقلت: ترك لنا هذا، فجعل يجد مسّ الحجارة من وراء الثوب، فقال: أما إذا ترك لكم هذا فنعم. و لا و اللّه ما ترك لنا قليلا و لا كثيرا.
أخبرنا أبو عبد اللّه الفراوي، أنبأ أبو بكر البيهقي (2)،أنا أبو عبد اللّه الحافظ و أبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: نا أبو العباس محمّد بن يعقوب، نا العباس بن محمّد، نا قيس بن حفص الدارمي، نا بشر (3) بن المفضل، نا كثير أبو الفضل، حدّثني رجل من قريش من آل الزّبير أن أسماء بنت أبي بكر أصابها ورم في رأسها و وجهها، و أنها بعثت إلى عائشة بنت أبي بكر: اذكري وجعي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعل اللّه يشفيني، فذكرت عائشة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجع أسماء، فانطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى دخل على أسماء فوضع يده على وجهها و رأسها من فوق الثياب فقال «بسم اللّه أذهب عنها سوءه و فحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك، بسم اللّه»، صنع ذلك ثلاث مرات، فأمرها أن تقول ذلك، فقالت ثلاثة أيام، فذهب الورم، قال كثير: يصنع ذلك عند حضور الصلوات المكتوبات [يقولها] (4) وترا ثلاثا.
ص: 13
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أبو الحسن بن معروف، نا الحسين، نا ابن سعد (1)،أنا يحيى بن عباد، نا حماد بن سلمة، عن أبي عامر الخزّاز (2)،عن ابن أبي مليكة أن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق كانت تصدع، فتضع يدها على رأسها و تقول: بذنبي (3) و ما يغفره اللّه أكثر.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أحمد بن جعفر، نا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (4)،نا أبو أسامة، نا هشام بن عروة، أخبرني أبي، عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: تزوجني الزّبير و ما له في الأرض من مال، و لا مملوك، و لا شيء غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه و أكفيه مئونته، و أسوسه، و أدق النوى لناضحه (5)،و أعلفه و أستقي الماء، و أخرز غربه (6)،و أعجن، و لم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، و كن نسوة صدق، و كنت أنقل النوى (7) من أرض الزّبير التي أقطعه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على رأسي، و هي مني على ثلثي فرسخ. قالت: فجئت يوما النوى على رأسي، فلقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه نفر من أصحابه، فدعاني، فقال:«إخ إخ» ليحملني خلفه، فقالت: و استحيت أن أسير مع الرجال، و ذكرت الزّبير و غيرته، قالت: و كان أغير الناس، فعرفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعني أني قد استحيت، فمضى، فجئت الزّبير فقلت: لقيني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (8) و على رأسي النوى و معه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب (9)،فاستحييت و عرفت غيرتك، فقال: و اللّه لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني[13694].
أخبرتنا أم المجتبى العلوية، قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنبأ أبو بكر بن
ص: 14
المقرئ، أنا أبو يعلى الموصلي، نا إسحاق بن أبي إسرائيل، نا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
تزوجني الزّبير و ما له في الأرض مال و لا مملوك غير ناضح و غير فرسه قالت: فكنت أعاني فرسه، و أكفيه مئونته، و أسوسه و أدق النوى لناضحه و أعلفه و أستقي الماء، و أخرز غربه - قال أبو أسامة: يعني الدلو [و أعجن، و لم أكن أحسن أخبز، فكن يخبزن لي جارات من [الأنصار] (1) و كن نسوة صدق و كنت أنقل النوى من أرض الزّبير التي أقطعه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على رأسي و هي ثلثي فرسخ، قالت: فجئت يوما و النوى على رأسي، فلقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه نفر من أصحابه، فدعاني ثم قال:«إخ إخ» ليحملني خلفه، قالت: فاستحييت أن أسير مع الرجال، و ذكرت الزّبير و غيرته، و كان أغير الناس، قال: فعرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنّي قد استحييت، فمضى فجئت الزّبير فقلت: لقيني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان على رأسي النوى و معه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه، فاستحييت و عرفت غيرتك، فقال: و اللّه لحملك النوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقتني (2)[13695].
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا عثمان بن عمرو بن محمّد بن المنتاب، نا يحيى بن محمّد بن صاعد، نا الحسين بن الحسن، أنا ابن المبارك، أنا عبد العزيز بن أبي روّاد (3) قال:
مر أبو بكر بأسماء ابنته و هي تقود فرسا للزّبير، إلى الغابة تحتشّ (4) عليه، و قد حملت ابنها عبد اللّه، فلمّا رأته استغاثت به. فقالت: أرسلني أحتش على فرسه و يحمحم الفرس، فانسل، فأخذني و ضربني. فقال أبو بكر: اتقي اللّه و أطيعي زوجك، مرتين، حتى لما أدركته رقة الولد حرّك فرسه فولى، و إنّي لأسمع نشيج بكائه، رحمة اللّه عليه.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي، أنا ابن يوسف، أنا الجوهري.
ص: 15
[أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف] (1) نا ابن الفهم،[نا محمّد بن سعد] (2)(3) أنا كثير بن هشام،[حدّثنا الفرات بن سلمان] (4) عن عبد الكريم، عن عكرمة، أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزّبير بن العوام و كان شديدا عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنّة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو القاسم بن مسعدة، أنا حمزة بن يوسف، أنا عبد اللّه بن عدي (5)،نا أبو عروبة، أخبرني أحمد بن بكار، أنا بشر بن السري، نا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه قال: نزلت هذه الآية في أسماء ابنة أبي بكر و كانت أمّها في الجاهلية يقال [لها قتيلة (6) بنت عبد (7) العزى فجاءتها بهدايا بأطباق قرص فأبت أن تقبله و قالت: لا أقبله حتى يأذن لي النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا تدخل عليّ فذكرت عائشة ذلك للنبي صلى اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه لاٰ يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ إلى آخر الآية و بعدها] (8).
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنّا، قالوا: أنا أبو جعفر المعدل (9)،أنا أبو طاهر الذهبي، أنا أحمد بن سليمان، نا الزّبير، حدّثني عبد اللّه بن محمّد ابن المنذر بن عبد اللّه بن المنذر بن الزّبير، عن صفية بنت الزّبير بن هشام بن عروة، و هي خالة أبيه محمّد بن المنذر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال:
جرى بين صفية بنت عبد المطلب و بين ابنها الزّبير بن العوام عتاب في أمر زوجته أسماء بنت أبي بكر، فسمعت الذي جرى بينهما من ذلك خديجة بنت الزّبير و هي جارية صغيرة، و كانت تكون مع جدتها صفية، فقالت لأمّها: يا أمتاه لأي شيء اشتكيت جدتي حتى اشتكت
ص: 16
إلى أبي ؟ فلم تزل بها أسماء حتى أخبرتها الخبر، فضجت أسماء من شكوى صفية لها و تعذرت منه، فبلغ صفية ما كان منها، فغضبت، و قالت للزبير: يكون بيني و بينك شيء فترفعه إلى امرأتك و تؤثرها عليّ ، فقال - و هو لا يعلم من نقل الحديث - لا و اللّه يا أمتاه ما فعلت، فازدادت غضبا. و كان غضبها ما لا يطاق فاندفعت تقول:
عالجت أزمان الدهور عليكم *** و أسماء لم تشعر بذلك أيّم
فيكثر أن عوفيتم (1) و سلمتم *** سروري و إني إن مرضتم لأرزم
و تؤثر أخرى لم تلدك على التي *** لها الحق ينثوه فصيح و أعجم
فلو كان في الكفار زبر عذرته *** و لكن زبرا أيها الناس، مسلم
و علم الزّبير من حيث خرج الخبر، فقال لها: يا أمتاه، التي خرج الحديث منها ابنتك خديجة، قالت: كذاك لا تدخل على خديجة أبدا.
أخبرنا أبو علي الحداد و غيره إذنا، قالوا: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا سليمان بن أحمد، نا أحمد بن زيد بن هارون، نا إبراهيم بن المنذر الحزامي (2)،نا عبد اللّه بن محمّد بن يحيى ابن عروة، عن هشام بن عروة قال:
ضرب الزّبير أسماء بنت أبي بكر فصاحت بعبد اللّه بن الزّبير، فأقبل، فلمّا رآه قال:
أمك طالق إن دخلت، فقال له عبد اللّه: أ تجعل أمي عرضة ليمينك ؟ فاقتحم عليه، فخلّصها منه، فبانت منه.
أخبرنا أبو غالب بن البنّا، بقراءتي عليه، عن أبي محمّد الحسن بن علي، أنا ابن حيوية، أنا ابن معروف، أنا ابن الفهم، نا ابن سعد (3)،أنا عفان بن مسلم، نا حماد بن سلمة، نا هشام بن عروة: أن الزّبير طلّق أسماء فأخذ عروة و هو يومئذ صغير.
قال: و نا ابن سعد (4)،أنا عبيد اللّه بن موسى، أنا أسامة، عن محمّد بن المنكدر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لأسماء بنت أبي بكر:«لا توكي (5) فيوكي اللّه عليك»، فكانت امرأة سخية النفس[13696].
ص: 17
أخبرنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر، نا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (1)،نا أبو بكر الحنفي، نا الضحاك بن عثمان، حدّثني وهب بن كيسان، قال: سمعت أسماء ابنة أبي بكر قالت: مرّ بي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أنا أحصي شيئا و أكيله، فقال:
«يا أسماء لا تحصي فيحصي اللّه عليك» قالت: فما أحصيت شيئا بعد قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، خرج من عندي و لا دخل عليّ ، و ما نفد عندي من رزق (2) إلاّ أخلفه اللّه.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النّقّور، أنا عيسى بن علي، أنا عبد اللّه بن محمّد البغوي، نا داود بن عمرو، نا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي عتبة، نا هشام بن عروة (3) أن أسماء بنت أبي بكر كانت تقول لبناتها: يا بناتا تصدّقن، و لا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل لم تجدنه و إن تفقدن (4) لا تجدن فقده.
[أخبرنا (5) أبو محمّد ابن الأكفاني و أبو المعالي ثعلب بن جعفر قالا: أنا عبد الدائم بن الحسن، أنا عبد الوهّاب بن الحسن، أبو العباس ابن عتّاب، نا أحمد بن أبي الحواري، نا أبو معاوية، نا هشام، عن فاطمة بنت المنذر قالت:
قالت أسماء: يا بناتي تصدقن، و لا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه، و إن تصدقتن لم تجدن فقده].
رواها أبو أسامة عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن الجوهري، أنا أبو عمر، أنا أحمد، نا الحسين [نا] (6) ابن سعد (7)،نا أبو أسامة، نا هشام، عن فاطمة، عن أسماء قالت: كانت تقول لبناتها و لأهلها: أنفقوا أو (8) أنفقن و تصدقن و لا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل لم تفضلن شيئا، و إن تصدقتن لم تجدن فقده.
ص: 18
أنبأنا أبو القاسم العلوي، أنا أبو محمّد الكتاني.
ح و أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد.
قالا: أنا أبو محمّد بن أبي نصر، نا أبو علي الحسن بن حبيب، نا جعفر بن محمّد - هو الفريابي - نا منجاب بن الحارث، نا علي بن مسهر (1)،عن هشام، عن القاسم بن محمّد قال:
سمعت ابن الزّبير يقول:
ما رأيت امرأتين (2) قط (3) أجود من عائشة و أسماء، وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، و أما أسماء فإنّها كانت لا تدّخر شيئا لغد.
قرأت على أبي غالب الحريري، عن الحسن بن علي، أنا أبو عمر الخزاز، أنا أحمد بن معروف، نا ابن الفهم، نا ابن سعد (4)،نا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، نا زهير، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر الأعطية ففرض لأسماء بنت أبي بكر ألف درهم.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس، أنا أبو الغنائم بن أبي عثمان، أنا عبد اللّه بن عبيد اللّه بن يحيى البيع (5)،نا أبو عبد اللّه المحاملي، نا محمّد بن عبد اللّه المخرمي، نا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدّثني أبو إسحاق، عن مصعب بن سعد (6) أن عمر فرض للمهاجرات ألفا ألفا منهن أم عبد، و أسماء.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو نصر بن قتادة، نا أبو منصور البصروي، نا أحمد بن نجدة، نا سعيد بن منصور، نا هشيم، أنا حصين، عن عبد اللّه بن عروة بن الزّبير قال:
قلت لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت: تدمع
ص: 19
أعينهم و تقشعر جلودهم، كما نعتهم اللّه، قال: قلت: فإن ناسا هاهنا إذا سمع أحدهم القرآن خرّ مغشيا عليه، فقلت: أعوذ باللّه من الشيطان.
أخبرنا أبو البركات محفوظ بن الحسن بن محمّد، أنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني، أنا أبو بكر الخليل بن هبة اللّه بن الخليل، أنا أبو علي الحسن بن محمّد بن القاسم، نا أحمد بن محمّد بن إسماعيل، نا إبراهيم بن يعقوب، نا عبد اللّه بن الربيع، نا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن عبد الرّحمن بن يحيى بن عثمان بن حمزة، عن أبيه، عن جده قال: أرسلتني أسماء بنت أبي بكر إلى السوق، و [قد] (1) افتتحت بسورة الطور، فخرجت و قد انتهت إلى وَ وَقٰانٰا عَذٰابَ السَّمُومِ (2)فذهبت إلى السوق ثم رجعت و هي تكررها، وَ وَقٰانٰا عَذٰابَ السَّمُومِ و هي تصلي.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا [ابن] (3) الفهم، نا ابن سعد (4)،نا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر أنّها كانت تمرض المرضة فتعتق كلّ مملوك لها.
قال: و نا ابن سعد (5) قال: قال محمّد بن عمر: كان سعيد بن المسيب من أعبر (6)الناس للرؤيا و كان أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر، و أخذته أسماء عن أبيها أبي بكر.
قال: و أنا ابن سعد (7)،نا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه - أو عن فاطمة بنت المنذر - أن أسماء بنت أبي بكر اتخذت خنجرا زمن سعيد بن العاص للصوص، و كان استعروا بالمدينة فكانت تجعله تحت رأسها.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، و أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن أحمد، قالا: أنا
ص: 20
أبو محمّد الصريفيني، أنبأ أبو بكر بن زنبور، نا عبد اللّه بن أبي داود، نا عيسى بن حماد زغبة، أنا الليث، عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر أنّها قالت: ما رأيت أسماء لبست إلاّ معصفرة حتى لقيت اللّه عزّ و جل، و إن كانت تلبس الدرع يقوم قياما من العصفر.
أخبرنا أبو طاهر محمّد بن محمّد بن عبد اللّه السنجي، أنا نصر اللّه بن أحمد بن عثمان الخشنامي، أنبأ أبو بكر الحيري، نا أبو العباس الأصم، نا بحر بن نصر، نا ابن وهب، أخبرني يحيى بن عبد اللّه بن سالم، و سعيد بن عبد الرّحمن الجمحي، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر أنّها قالت: ما رأيت أسماء لبست إلاّ معصفرا حتى لقيت اللّه، و إن كانت لتلبس الثوب يقوم قائما من التعصفر، و كان عروة بن الزّبير تعصفر له الملحفة بالدينار قال: و إن كان لآخر ثوب لبسه لثوب عصفر له بدينار.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا ابن سعد (1)،أنا معن بن عيسى، نا شعيب بن طلحة، عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت لعبد اللّه بن الزّبير حين قاتل الحجّاج: يا بني عش كريما، و مت كريما، لا يأخذكم القوم أسيرا.
قال: و نا ابن سعد، أنا محمّد بن عمر (2)،نا موسى بن يعقوب، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن (3) عبد اللّه بن أبي ربيعة، عن أمّه، عن أسماء بنت أبي بكر أنّها كانت تقول و ابن الزّبير يقاتل الحجّاج: لمن كانت الدولة اليوم ؟ فيقال لها: للحجّاج، فتقول: ربما أمر الباطل، فإذا قيل لها هي لعبد اللّه و أصحابه تقول: اللّهمّ انصر أهل طاعتك، و من غضب لك.
قال: و أنا ابن سعد، أنا محمّد بن عمر، حدّثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال:
اشتكت أسماء و عبد اللّه بن الزّبير يقاتل الحجّاج، و كانت قد كبرت و رقّت، فنظر إليها فقال: ما أحسن الموت، فسمعت ذلك العجوز، فقالت: يا بني، و اللّه ما أحبّ أن أموت
ص: 21
يومي هذا حتى أعلم إلى ما يصير إليه، إما ظفرت فذاك الذي نرجو و نسرّ به، و أما الأخرى فأحتسبك، و تمضي لسبيلك.
أنبأنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ (1)،نا محمّد بن علي، نا الحسين بن مودود، نا إبراهيم بن سعيد الجوهري، نا أبو أسامة، نا هشام بن عروة، عن أبيه قال:
دخلت أنا و عبد اللّه بن الزّبير على أسماء قبل قتل [ابن] (2) الزّبير بعشر ليال، و إنها وجعة، فقال لها عبد اللّه: كيف تجدينك ؟ قالت: وجعة، قال: إن في الموت لعافية، قالت:
لعلك تشتهي موتي فلذلك تتمناه، فلا تفعل، فالتفتت (3) إلى عبد اللّه فضحكت و قالت: و اللّه ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك، إمّا أن تقتل فأحتسبك، و إما أن تظفر فتقرّ عيني عليك، و إيّاك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت. و إنما عنى ابن الزّبير أن يقتل فيحزنها ذلك، و كانت ابنة مائة سنة.
أخبرنا أبو عبد اللّه الفراوي، أنا أبو بكر البيهقي (4)،أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، و أبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: نا أبو العباس محمّد بن يعقوب، نا العباس بن محمّد، نا عبد اللّه (5) بن الزّبير الحميدي المكي، ثنا سفيان، نا أبو المحياة، عن أمه قالت:
لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللّه بن الزّبير دخل الحجّاج على أسماء ابنة أبي بكر و قال لها: يا أمة إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة ؟ فقالت: لست لك بأمّ ، و لكني أم المصلوب على رأس الثنية، و ما لي من حاجة، و لكن انتظر حتى أحدّثك ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، إنّي سمعته يقول:«يخرج في ثقيف كذاب و مبير» فأما الكذاب فقد رأيناه تعني المختار، و أما المبير فأنت، فقال لها الحجاج: مبير المنافقين[13697].
أخبرنا أبو علي المقرئ في كتابه، أنبأ أبو نعيم الحافظ (6)،أنا أبو بكر الطلحي، نا أبو (7) حصين الوادعي، نا أحمد بن يونس، نا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي، عن أبيه
ص: 22
قال: دخلت مكة بعد ما قتل ابن الزّبير بثلاثة أيام - و هو حينئذ مصلوب - قال: فجاءت أمه عجوز طويلة مكفوفة البصر، فقالت للحجاج: أ ما آن لهذا الراكب أن ينزل ؟ فقال الحجّاج:
المنافق ؟ فقالت: و اللّه ما كان منافقا إن كان لصوّاما قوّاما برّا، فقال: انصرفي يا عجوز، فإنك قد خرفت، قالت: لا و اللّه ما خرفت منذ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«يخرج من ثقيف كذاب و مبير» فأما الكذاب فقد رأيناه و أما المبير فأنت[13698].
أخبرنا أبو الفضل محمّد بن إسماعيل الفضيلي، أنا أحمد بن محمّد بن محمّد ببلخ، أنا علي بن أحمد بن محمّد، أنا الهيثم بن كليب، نا أبو يحيى عيسى بن أحمد العسقلاني، أنا يزيد، أنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل العريجي (1):
أن الحجاج لما قتل ابن الزّبير، صلبه على عقبة المدينة، فمرّ به ابن عمر، فوقف عليه، فقال له: السّلام عليك، أبا خبيب، ثم قال: أما و اللّه لقد نهيتك عن هذا ثلاثا، أما و اللّه ما علمت ان كنت لصواما قواما و صولا للرحم، و أنّ أمه تكون أنت أشرهم لأمة صدق، فلمّا بلغ ذلك الحجاج أمر به فطرح في مقابر اليهود، ثم أرسل إلى أمه أن تأتيه [فأبت أن تأتيه] (2)فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك، فأرسلت إليه: و اللّه لا آتيك حتى تبعث إليّ من يسحبني بقروني، فلمّا رأى ذلك لبس سبتية (3) ثم خرج يتوذف (4)إليها حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد اللّه ؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، و أفسد عليك آخرتك، و قد بلغني أنك كنت تعيّره بأني ذات النطاقين، و قد و اللّه كنت ذات نطاقين، أما أحدهما فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، و أما الآخر فإنّي كنت أرفع فيه طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و طعام أبي، فأي ذلك ويل أمك عيّرته به ؟ أما إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يحدّثنا أنه سيخرج من ثقيف رجلان، كذاب و مبير، فأمّا الكذاب فابن أبي عبيد (5)،و أما المبير فأنت، قال: فانصرف عنها و لم يراجعها.
ص: 23
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن منده.
ح و أخبرنا أبو طالب علي بن عبد الرّحمن بن أبي عقيل، أنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين، أنا [أبو] (1) محمّد بن النحاس.
قالا: أنا أحمد بن محمّد بن زياد، نا الحسن بن عبد اللّه بن البستيثبان (2) الفارسي جار سعدان بن نصر، نا غسان بن عبيد - زاد ابن مندة: الموصلي - ثنا الأسود بن شيبان السدوسي، عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال:
لما قتل الحجاج ابن الزّبير صلبه على طريق المدينة يغايظ به قريش المدينة، فمرّ به عبد اللّه بن عمر، فوقف عليه، فقال: السّلام عليك أبا خبيب ثلاث مرات، و اللّه لقد كنت أنهاك عن هذا ثلاثا، و اللّه لقد كنت صوّاما قوّاما و صولا للرحم، و اللّه لأمة أنت شرها لنعم تلك الأمة، ثم مضى، فبلغ الحجاج موقف عبد اللّه بن عمر عليه فأرسل (3) و أنزله و ألقاه في مقبرة اليهود، ثم بعث إلى أسماء فقال: لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قالت: و اللّه لا آتيك حتى تبعث إليّ من يسحبني بقروني، قال: هاتوا سبتيّ ، فانتعل (4) بهما ثم مضى حتى دخل عليها، و ذلك بعد ما ذهب بصرها، فقال لها: كيف رأيت صنيعي بعدوّ اللّه ابن الزّبير، قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، و أفسد عليك آخرتك، و لقد بلغني أنك كنت تعيّره بابن ذات النطاقين، فأمّا نطاق فكنت أحمل فيه طعاما لأبي و لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هما في الغار، و أما النطاق الآخر فلا بدّ للمرأة من نطاق، و قال ابن مندة: فلا بدّ لي من نطاق، ثم ذكرت أحسبه [عن النبي] (5) صلى اللّه عليه و سلم أنه قال:«يكون من ثقيف»- و قال ابن مندة: في ثقيف - مبير و كذاب» فأما الكذاب فقد رأينا، و أما المبير فلا أخاله إلاّ أنت، فخرج من عندها متغيرا. و قال ابن النحاس: و هو متغيّر وجهه[13699].
أخبرنا (6) أبو محمّد و أبو طاهر ابنا سهل قالا: أنا أبو الحسين بن أبي المضرس، أنا
ص: 24
أبو الحسن علي بن محمّد بن إسحاق الحلبي و أبو عبد اللّه محمّد بن الوليد بن عوف الحمصي، نا أبو معاوية عثمان بن خالد بن عمرو، نا السلفي، نا أبي، نا عكرمة بن يزيد الألهاني، حدّثني الأبيض بن الأغر بن الصباح التميمي عن سفيان الثوري عن سهل بن أبي طلق عن أبيه قال:
كنت عند أسماء بنت أبي بكر إذ دخل عليها الحجاج قال: فقالت له: إنك قاتل عبد اللّه بن الزبير؟ فقال: نعم، قالت: أما إنك قتلت صوّاما قوّاما، أما إني سمعت خليلي صلى اللّه عليه و سلم يقول:«يخرج من ثقيف ثلاثة: كذاب و مبير و ذيّال (1)»فأمّا الكذاب فقد مضى - و هو المختار - و أما المبير فهو أنت، فقال: أبير المنافقين فقالت: بل تبير المؤمنين، و أما الذيّال فلم نره و سوف يرى][13700].
أخبرنا أبو الفضل الفضيلي، أنا أحمد بن محمّد، أنا علي بن أحمد بن محمّد الخزاعي، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب، نا عيسى بن أحمد العسقلاني، نا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، حدّثني شهر بن حوشب، حدّثني عبد الرّحمن بن سلمان قال علي:
هذا صاحب راية الحجاج، قال:
لما قتل الحجاج ابن الزّبير و صلبه قال لي يوما: انطلق بنا إلى ابنة الصديق نسلّم عليها و نحدث بها عهدا. قال: فركب دابة له و تبعته، فاستأذن فأذن له، فدخل عليها، فألقت له وسادة و قعد عليها، و دخلت معه، فقعدت على الأرض، و إذا امرأة قد كبرت و عميت و عرض بها صمم، و إذا عندها جارية من جواري أهل الحجاز تسمعها، فقال لها الحجاج: قولي لها:
إنّ الحجاج يقرئك السّلام، فقالت لها: يا هذه يا هذه، قالت: ما لك ؟ قالت: إن الأمير يقرئك السّلام، قالت: و أيّ أمير؟ قال الحجاج: قولي لها الحجاج بن يوسف، قالت لها:
الحجاج بن يوسف، قالت: وا ذفراه، و ما أدخل عليّ الحجاج بن يوسف و قد قتل ابن الزّبير؟ فقال لها الحجاج: قولي لها: قتلته عدوّ اللّه منافقا ملحدا (2) في حرم اللّه، قالت لها، قالت:
كذب، بل قتلته صوّاما بارّا بوالديه، سمعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«يخرج من ثقيف كذاب و مبير» فأما الكذاب فقد رأيناه، و أما المبير فلا أحسبك إلا أنت هو. قال: و غضب و قام فقال: أنا مبير المنافقين، قال: فلمّا كان يوم المنبر، و انهزم الناس فما بقي معه أحد إلاّ هو
ص: 25
فوق المنبر و أنا معه و معي الراية، فلما رأى ذلك تشوّف (1) فقال: يا ابن سلمان ويحك ترى بنت الصدّيق كذبتنا؟ قال: قلت في نفسي: لا و اللّه أرى، فبينما نحن كذلك أقبل فارس على فرسه، فقال له الحجاج: من أنت ؟ قال: قتيبة بن مسلم، قال: قف مكانك، قال: و ثاب الناس[13701].
أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن الفضل، أنا محمّد بن عبد اللّه بن عمر العمري، أنا أبو محمّد بن أبي شريح، أنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن عبد الجبار الرّذاني (2)،نا ابن زنجويه (3)،نا ابن أبي عباد، نا ابن عيينة (4)،عن منصور بن عبد الرّحمن (5)،عن أمه قالت:
لما صلب ابن الزّبير دخل ابن عمر المسجد، و ذلك حين قتل ابن الزّبير و هو مصلوب مطروح، فقيل له: إن أسماء في ناحية المسجد، فمال إليها، فقال: إنّ هذه الجثث ليست بشيء، و إنما (6) الأرواح عند اللّه، فاتقي اللّه و عليك بالصبر، فقالت: و ما يمنعني و قد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النّقّور، أنا عيسى بن علي، أنا عبد اللّه بن محمّد، نا أبو الربيع، نا حماد بن زيد، ثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة قال (7):
دخلت على أسماء بعد ما أصيب ابن الزّبير، فقالت: بلغني أن الرجل صلب عبد اللّه، اللّهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه، و أكفّنه، فأتيت به بعد ذلك قبل موتها، فجعلت تحنّطه بيديها و تكفّنه بعد ما ذهب بصرها.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد، أنا أبو منصور النهاوندي، أنا أبو العباس أحمد بن الحسين، نا عبد اللّه بن محمّد، نا البخاري، نا عبيد اللّه بن سعيد، نا سعيد بن عامر، نا صالح بن رستم أبو عامر الخزّاز (8)،عن ابن أبي مليكة، قال:
ص: 26
كنت أول من بشر أسماء بخبر (1) عبد اللّه بن الزّبير ثم أدرجناه في أكفانه، و صلّت عليه، فما أتت عليها إلاّ جمعة حتى ماتت (2).
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا ابن سعد، أنا معن بن عيسى، نا شعيب بن طلحة، عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر أنه لما قتل عبد اللّه بن الزبير كان عندها شيء أعطاها إياه النبي صلى اللّه عليه و سلم في سفط ، فأمرت طارقا فطلبه، فلمّا جاءها به سجدت (3).
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو محمّد الكتّاني، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة (4)،حدّثني محمّد بن الصباح، نا شريك، عن الركين بن الربيع قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر و قد كبرت، و هي تصلي و امرأة تقول لها: قومي، اقعدي، افعلي من الكبر.
أخبرنا أبو الحسن الخطيب، أنا أبو منصور، أنا أبو العباس، أنا ابن الأشقر، نا البخاري، ثنا عبيد بن إسماعيل، أنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه قال: دخلت و عبد اللّه بن الزّبير على أسماء قبل قتل عبد اللّه بعشر ليال، و كانت بنت مائة سنة.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا أبو الفضل بن خيرون، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو علي بن الصّوّاف، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، نا المنجاب، أنا علي بن مسهر، عن هشام قال: أتى على أسماء مائة سنة، و ما سقط لها سن.
أخبرنا أبو محمّد، نا أبو محمّد، أنا أبو محمّد، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة (5)،حدّثني نوح بن حبيب، نا عبد الملك بن هشام الذماري، ثنا القاسم بن معن عن (6) هشام بن عروة، عن أبيه قال: كانت أسماء و قد بلغت مائة سنة و لم يقع لها سن، و لم ينكر من عقلها شيء.
ص: 27
أخبرنا أبو الفتح الماهاني، أنا شجاع، أنا ابن مندة، أنا إبراهيم بن محمّد بن صالح القنطري بدمشق، نا أبو زرعة عبد الرّحمن بن عمرو، نا نوح بن حبيب القومسي، نا عبد الملك، نا القاسم بن معن، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت أسماء بنت أبي بكر قد بلغت مائة سنة، لم يقع لها سن، و لم ينكر (1) من عقلها شيء.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد اللّه، نا يعقوب (2)،نا سعيد، نا إسماعيل بن إبراهيم، أنا أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: دخلت على أسماء ابنة أبي بكر بعد قتل عبد اللّه بن الزّبير قال: و جاء كتاب عبد الملك: أن يدفع إلى أهله، فأتيت به أسماء فغسلته، و كفّنته، و حنّطته ثم دفنته، قال أيوب:
و أحسبه قال: فما عاشت بعد ذلك إلاّ ثلاثة أيام، ثم ماتت.
أخبرنا أبو محمّد هبة اللّه بن سهل، أنا أبو عثمان البحيري، أنا زاهر بن أحمد، أنا إبراهيم بن عبد الصّمد، نا أبو مصعب.
ح و أخبرنا أبو غالب بن البنّا، أنا محمّد بن أحمد بن محمّد (3) بن علي بن الآبنوسي، أنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن خشنام، أنا أبو عبد اللّه المحاملي، نا أبو حذافة.
قالا: نا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر أنّها قالت لأهلها: أجمروا (4) ثيابي إذا متّ ، و حنّطوني، و لا تذروا على كفني حنوطا، و لا تتبعوني بنار، و قال أبو مصعب: ثم حنّطوني.
خالفه الليث بن سعد، و عيسى بن يونس، فروياه عن هشام، عن امرأته فاطمة بنت المنذر.
أخبرناه أبو القاسم بن السّمرقندي، و أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن أحمد، قالا: أنا أبو محمّد الصريفيني، أنا أبو بكر محمّد بن عمر بن [علي بن] (5) خلف، نا عبد اللّه بن سليمان ابن الأشعث، نا عيسى بن حماد، زغبة، أنبأ الليث، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء أنّها
ص: 28
قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا متّ ، ثم حنّطوني و لا تذروا عليّ ، و لا تتبعوني بنار.
و أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي، أنبأ أبو علي الحسن بن عبد الرّحمن بن الحسن المكي، أنا أحمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد العبقسي، أنا أبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّه بن الفضل، نا أبو صالح محمّد بن أبي الأزهر المعروف بابن زنبور المكي، نا عيسى بن يونس، نا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر قالت: قالت ابنة أبي بكر: إذا أنا متّ فاغسلوني، و كفّنوني، و حنّطوني، و لا تذروا على كفني حنوطا، و لا تدفنوني ليلا.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا ابن سعد (1)،أنا محمّد بن عمر، نا يحيى بن عبد اللّه بن أبي فروة، عن أبيه قال: صلى عليه عروة بن الزّبير و دفنه بالحجون (2) و أمّه يومئذ حية، ثم توفيت بعد ذلك بأشهر بالمدينة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الفضل بن البقال، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا عثمان بن أحمد، نا حنبل بن إسحاق، حدّثني أبو عبد اللّه قال: ابن الزّبير سنة ثلاث و سبعين يعني قتل، و بقيت أسماء بعد ابنها.
أخبرنا أبو غالب بن البنا،[عن أبي محمّد الحسن بن علي الجوهري] (3)،عن أبي عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا ابن سعد قال (4):قالوا: ماتت أسماء بنت أبي بكر الصدّيق بعد قتل ابنها عبد اللّه بليال، و كان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث و سبعين.
أخبرنا أبو غالب الماوردي، أنا أبو الحسن السيرافي، أنا أحمد بن إسحاق، نا أحمد ابن عمران، نا موسى، نا خليفة قال (5):و في سنة ثلاث و سبعين ماتت أسماء ابنة أبي بكر الصديق.
ص: 29
قرأت على أبي محمّد السلمي، عن أبي محمّد التميمي، أنا مكي بن محمّد، أنا أبو سليمان بن زبر قال: سنة ثلاث و سبعين فيها ماتت أسماء ابنة أبي بكر الصدّيق بعد ابنها بليال.
المعروف والدها بأبي البركات بن الران سمعت جدها لأمّها القاضي أبا المفضل يحيى بن علي القرشي.
و هي ابنة خالتي الصغرى، و زوج أخي أبي عبد اللّه محمّد [بن] (1) الحسن رحمه اللّه، و أم أولاده الأكابر.
حجت مع أختها آمنة سنة خمس و خمسين و خمسمائة.
و سمع منها أولادها و غيرهم.
و توفيت في شوّال سنة خمس و تسعين و خمسمائة (2).
حدّثت عن أبيها.
روى عنها محمّد بن عبد الرّحمن المقدسي.
أنبأنا أبو علي الحداد و غيره، قالوا: أنا أبو بكر بن ريذة، أخبرنا سليمان بن أحمد، نا إسماعيل بن قيراط ، نا سليمان بن عبد الرّحمن، نا محمّد بن عبد الرّحمن.
ح و أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن الفضل، أنا أبو بكر محمّد بن [عبد اللّه بن] (3) عمر العمري الهروي، أنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن [أحمد بن] (4) محمّد بن أبي شريح، أنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن عبد الجبار الرذاني (5)،نا حميد بن زنجويه، نا أبو أيوب يعني سليمان بن عبد الرّحمن.
نا (6) محمّد بن عبد الرّحمن المقدسي قال:
ص: 30
حدّثتني أسماء بنت واثلة بن الأسقع عن أبيها أنّه كان - و في حديث الفراوي قالت: كان أبي - يصوم الاثنين و الخميس و يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم - و في حديث الفراوي: فقلت: ما هذا الصوم الذي لا تدعه و إن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم - يصومهما و يقول:«تعرض فيهما الأعمال على اللّه عزّ و جلّ »[13702].
أنبأنا أبو علي و غيره، قالوا: أنا ابن ريذة، أنبأ سليمان (1)،نا إسماعيل بن قيراط الدمشقي، نا سليمان بن عبد الرّحمن المقدسي.
و أخبرنا أبو عبد اللّه الفراوي، أنا أبو بكر العمري، أنا ابن أبي شريح، أنا محمّد بن أحمد، نا ابن زنجويه، نا أبو أيوب، نا محمّد بن عبد الرّحمن من أهل بيت المقدس، و قال:
و هو مشهور، قال: حدّثتني أسماء بنت واثلة بن الأسقع، قالت (2):كان أبي إذا صلى صلاة الصبح جلس مستقبل القبلة [لا] (3) يتكلم حتى تطلع الشمس، فربما كلمته في الحاجة فلا يكلمني - و قال الفراوي: فلم يكلمني - فقلت:- زاد (4) الفراوي [له] (5) و قالوا - ما هذا؟ فقال:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«من صلى صلاة الصبح ثم قرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ مائة مرة قبل أن يتكلم، فكلّما قال قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ غفر له ذنب سنة»[13703].
ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج
ابن عمرو بن عامر. أم عامر، و يقال: أم سلمة الأنصارية الأشهلية (6)
لها صحبة.
روت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أحاديث صالحة.
روى عنها أبو سفيان مولى ابن أبي أحمد الأنصاري، و عبد الرّحمن (7) بن ثابت بن
ص: 31
الصامت الأنصاري، و شهر بن حوشب الأشعري، و مجاهد بن جبر، و محمود بن عمرو، و إسحاق بن راشد، و مهاجر مولاها.
و أسماء من اللاتي بايعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و شهدت اليرموك.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين، نا أبو الحسين بن المهتدي.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النّقّور.
قالا: أنا عيسى بن علي، أنا عبد اللّه بن محمّد، نا خلف بن هشام، و داود بن عمرو قالا: نا داود العطار، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم (1)،عن شهر، عن أسماء بنت (2) يزيد:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خرج و النساء في جانب المسجد، و أنا فيهن، فسمع ضوضاء هن فقال:«يا معشر النساء، أنتن أكثر حطب جهنم» قالت: فناديت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كنت جريئة على كلامه فقلت: يا رسول اللّه بما ذا؟ قال:«إنكن إذا أعطيتن لم تشكرن، و إذا ابتليتن لم تصبرن، و إذا أمسك عنكن شكوتن، و إياكن و كفر المنعمين» فقلت: يا رسول اللّه، و ما المنعمون ؟ قال:«المرأة تكون تحت الرجل قد ولدت الولدين و الثلاثة فتقول ما رأيت منك خيرا قط »[13704].
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمّد الفضل التيمي، ح، و أبو بكر بن شجاع، قالا:
أنا أبو محمّد التميمي، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمّد الصفار، نا سعدان ابن نصر بن منصور، نا مسكين بن بكير، عن محمّد بن المهاجر، عن أبيه أن أسماء ابنة يزيد ابن السكن قتلت تسعة من الروم يوم اليرموك بعمود خبائها، أو فسطاطها.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد (3)،نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، نا أبي، نا إسماعيل بن عياش، عن محمّد بن مهاجر [و عمرو بن مهاجر] (4)،عن أبيهما، عن أسماء بنت يزيد بن السكن بنت (5) عمّ معاذ ابن جبل: قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها.
ص: 32
أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح بن عبد الملك، أنبأ أبو الفضل محمّد بن أحمد ابن أبي جعفر، أنا القاضي أبو بكر أحمد بن إبراهيم الصّدقي (1)،أنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن حكيم، أنا أبو الموجه محمّد بن عمرو بن الموجه، أنا سعيد بن منصور، أنا إسماعيل بن عياش، عن عمرو بن مهاجر، عن أبيه قال: كانت أسماء بنت يزيد الأنصارية شهدت اليرموك، و قتلت من الروم تسعة بعمود فسطاطها.
رواه عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، عن إسماعيل، عن محمّد و عمرو ابني مهاجر.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو محمّد الكتّاني، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة (2)،قال: شهدت يعني أسماء بنت يزيد اليرموك، و قتلت بعمود فسطاطها أعلاجا.
حدّثنيه عبد اللّه بن أحمد، عن عبد اللّه بن يوسف، عن محمّد بن المهاجر الأنصاري.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، و أبو العز الكيلي، قالا: أنا أحمد بن الحسن بن أحمد [زاد ابن المبارك: و أحمد] (3) بن الحسن بن خيرون، قالا: أنا محمّد بن الحسن، أنا محمّد ابن أحمد، ثنا عمر بن أحمد، نا خليفة قال (4):في تسمية من حفظ عنه الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من النساء من الأنصار: أسماء بنت يزيد بن السكن، أخت حواء بنت (5) يزيد بن السكن (6).روت أحاديث.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، أنا ابن الفهم، نا ابن سعد قال (7):أم عامر الأشهلية، و اسمها فكيهة و يقال: أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، و أمّها أم سعد بنت خزيم بن مسعود بن قلع بن حريش بن عبد الأشهل، أسلمت أم عامر و بايعت
ص: 33
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و روت عنه أحاديث، و شهدت [معه] (1) بعض المشاهد.
أخبرنا أبو الفتح الكروخي، أنا أبو عامر محمود بن القاسم، و أبو بكر أحمد بن عبد الصّمد، و أبو نصر عبد العزيز بن محمّد، قالوا: أنا عبد الجبّار محمّد الجرّاحي، أنا أبو العباس المحبوبي، أنا أبو عيسى الترمذي قال: سمعت عبد بن حميد يقول: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية (2).
أخبرنا أبو محمّد المزكي، نا أبو محمّد التميمي، أنا أبو القاسم البجلي، أنا أبو عبد اللّه الكندي، نا أبو زرعة قال: و أم سلمة أسماء بنت يزيد بن السكن، شهدت الفتح.
و أخبرنا أبو زرعة قال: فيمن حدّث بالشام من النساء: أسماء بنت يزيد بن السكن، يعني أم سلمة.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قراءة، عن أبي الحسين بن الآبنوسي، أنا أبو القاسم بن عتّاب، أنا ابن جوصا إجازة.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السوسي، أنا أبو عبد اللّه بن أبي الحديد، أنا أبو الحسن الربعي، أنا عبد الوهاب الكلابي، أنا ابن جوصا قراءة، قال: سمعت ابن سميع يقول: و أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري تكنى أم سلمة شهدت اليرموك، و قتلت سبعة (3) أعلاج.
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن مندة قال: أسماء بنت يزيد بن السكن، روى عنها: محمود بن عمرو و مهاجر (4)،أبو محمّد و شهر ابن حوشب.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: قال لنا (5) أبو نعيم الحافظ : أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، و هي بنت عمّ معاذ بن جبل، قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها.
ص: 34
حدث عنها (1) شهر بن حوشب، و مجاهد، و مهاجر الأنصاري، و إسحاق بن راشد، و محمود بن عمرو.
أخبرنا أبو غالب بن البنا، أنا أبو الحسين بن النرسي (2)،أنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد اللّه السراج، نا محمّد بن محمّد، نا علي بن المديني، نا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: بايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نسوة فقال:«إنّي لا أصافحكن، و لكن آخذ عليكن ما أخذ اللّه عزّ و جلّ »[13705].
أخبرنا أبو غالب بن البنّا، أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا محمّد بن سليمان بن محمّد الباهلي، و أحمد بن عبد اللّه بن محمّد الوكيل، قالا: نا عبد اللّه ابن عبد الصّمد بن أبي خداش، نا عيسى بن يونس، عن مقدام بن ثابت، و قال النعماني: عن ثابت أبي مقدام (3)،عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنا (4) و ابنة عم لي لنبايعه فقال:«إنّي لا أصافح النساء»[13706].
قال الدارقطني: تفرّد به عيسى بن يونس، عن مقدام بن ثابت - و هو أخو عمير بن ثابت.
أنبأنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ (5)،نا محمّد بن أحمد بن الحسن، نا بشر ابن موسى، نا خلاد بن يحيى، نا داود الأزدي (6)،نا شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم لأبايعه، فدنوت و عليّ سواران من ذهب فبصر ببصيصهما فقال:«ألقي السوارين يا أسماء، أ ما تخافين أن يسوّرك اللّه بسوارين من نار»؟ قال: فألقيتهما فما أدري من أخذهما.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي بكر، أنا ابن النقور، أنا أبو طاهر المخلص، أنا رضوان بن
ص: 35
أحمد، نا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن البصري الشيباني، نا شهر بن حوشب، حدّثتني أسماء بنت يزيد بن السكن:
أنّها كانت من النسوة اللاتي بايعهن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الحديبية قالت: فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده و قال:«إنّي لا أصافح النساء، و لكن إنما آخذ عليهن بالقول» و عليّ يومئذ حليّ لي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يا أسماء أ يسرّك (1) أن تكوني (2) بهذا الحلي يوم القيامة»؟ فقلت:
و ما ذاك يا با و أما؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من تحلّى ذهبا أو حلاه من ولده خربصيصة أو مثل عين الجرادة كوي بها يوم القيامة» قالت: فأخذت ذلك الحليّ فخلعته فألقيته، فما رفعته من مكانه، و ما أدري [من أخذه] (3) حتى الساعة[13707].
قال: و نا يونس، عن إسماعيل بن نشيط (4)،عن شهر بن حوشب، عن أسماء قالت:
لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببيعة النساء أتيته أنا و بنات عمّ لي نبايعه، فعرض علينا الإسلام، فأقررنا و أخرجت ابنة عمّ لي يدها لتبايعه، فكفّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده و قال:«إنّي لست أصافح النساء» و رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على المرأة سوارين و خواتيم في أصابعها من ذهب، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حصاة فرمى بها، ثم قال:«أيتها المرأة أ يسرّك (5) أن يحليك اللّه مكان هذا سوارين و خواتيم من نار»؟ قالت: لا، يا رسول اللّه قال:«فاطر حيه إذا» فانتزعت الخواتيم فوضعتهن بين يديها، و عالجت السوارين، فلم ينزع أحدهما و عسر الآخر عليها فاستعانت امرأة فلم تزالا تعالجاه حتى نزعتاه فوضعتاه بين أيدينا، فو اللّه ما أدري من أخذه من العالمين. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من حلى أو تحلى أو ترك مثل عين جرادة أو مثل خربصيصة كوي بها يوم القيامة معذبا أو مغفورا له» فقال رجل لشهر: ما خربصيصة ؟ قال: أصغر من عين الجرادة[13708].
أخبرتنا أم المجتبى الحسنية قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنبأ أبو بكر بن
ص: 36
المقرئ، أنبأ أبو يعلى، نا أبو خيثمة، نا الفضل بن دكين، نا يزيد الشامي قال: سمعت شهر ابن حوشب قال: حدثتنا أسماء أم سلمة الأنصارية قالت:
قالت امرأة من النسوة، يا رسول اللّه ما هذا المعروف الذي ليس لنا أن نعصيك فيه ؟ فقال:«لا تنحن» فقلت: يا رسول اللّه إنّ بني فلان قد أسعدوني على عمي فلا بدّ من قضائهن، فأبى عليّ فعاتبته مرارا، فأذن لي في قضائهن، فلم أنح بعد في قضائهن و لا غيره حتى الساعة، و لم يبق امرأة من النسوة إلاّ قد ناحت.
[قال ابن عساكر:] (1) كذا فيه يزيد الشامي، و هو خطأ، و صوابه: يزيد بن عبد اللّه الشيباني (2).
و قد رواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن أبي نعيم على الصواب.
قرأت على أبي غالب بن البنا (3)،عن أبي محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا ابن سعد (4)،أنا إسماعيل بن عبد اللّه بن أبي أويس، حدّثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن عبد الرّحمن بن عبد الرّحمن بن ثابت ابن صامت الأنصاري، عن أم عامر بنت يزيد بن سكن قال: و كانت من المبايعات أنّها أتت النبي صلى اللّه عليه و سلم بعرق فتعرّقه، و هو في مسجد بني عبد الأشهل، ثم قام فصلى، و لم يتوضأ.
قال: و نا ابن سعد (5)،أنا محمّد بن عمر، حدّثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت:
رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صلى في مسجدنا المغرب، فجئت منزلي فجئته بعرق و أرغفة فقلت: بأبي و أمي تعشّ ، فقال لأصحابه:«كلوا بسم اللّه» فأكل هو و أصحابه الذين جاءوا معه، و من كان حاضرا من أهل الدار، و الذي نفسي بيده لرأيت بعض العرق لم يتعرّقه و عامة الخبز و إنّ القوم أربعون رجلا، ثم شرب من ماء عندي في شجب (6) ثم انصرف، فأخذت
ص: 37
ذلك الشّجب فدهنته فطويته، يسقى (1) فيه المريض، و يشرب منه في الحين رجاء البركة.
قال محمّد بن عمر: الشّجب: القربة تخرز من أسفلها و يقطع رأسها إذا خلقت، شبه الدلو العظيم، و قد شهدت أم عامر الأشهلية خيبر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
حكى عنها أبو عبد رب الزاهد.
أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد، أنا أبو سعيد (2) عبد الرّحمن بن أحمد بن عمر بن يزيد الصفّار إجازة، نا جدي أبو بكر عبد اللّه بن أحمد بن القاسم.
ح و أنبأنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي، أنا أبو بكر محمّد بن عبد اللّه بن أحمد بن شاذان الأعرج، إجازة، أنا أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن محمّد المقرئ.
قالا: أنا إبراهيم بن محمد بن الحسن بن نصر بن عثمان، نا محمّد بن يعقوب بن خبيب، نا أبو مسهر، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبد رب قال:
أمرتني أم الدّرداء أن أبيع لها جارية فبعتها من امرأة يقال لها أسماء، فلم تلبث أن أصابها (3) طاعون فهلكت، فقالت: لا تأخذ منها شيئا، فلقيتها فأخبرتها، فقالت: اللّه إن كانت أم الدّرداء غنية تريد أن تكون أولى بالأجر مني، لا أفعل، فما زلت أمشي بينهما، حتى أصلحت بينهما على النصف من الثمن.
ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس
كانت زوج خالد بن يزيد بن معاوية، فطلّقها، فتزوجها الوليد بن عبد الملك، لها ذكر.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب (4)،و أبو عبد اللّه، ابنا البنّا، قالوا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار، قال:
و ولد خالد بن يزيد بن معاوية: سعيدا، و أمّه آمنة بنت سعيد بن العاص، و أمّها أم
ص: 38
عمرو بنت عثمان بن عفان، و أمّها رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس (1)،و فيها يقول خالد بن يزيد:
كعاب أبوها ذو العصابة و ابنه *** و عثمان ما أكفاؤها بكثير
فإن تغتلتها (2) و الخلافة تنقلب *** بأكرم علقى منبر و سرير
و فيها يقول، و طلقها:
أعطيت آمنة الطلاق كريمة *** عندي و لم يكبر عليّ طلاقها
و لأضربن بحبل أخرى فوقها *** يوما إذا لم تستقم أخلاقها
و قال الزبير في موضع آخر (3):فولد سعيد بن العاص عثمان الأصغر، و داود، و سليمان الأكبر (4)،و معاوية بني (5) سعيد، و أمّه (6) بنت سعيد تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، ثم هلك عنها، فخلف عليها الوليد بن عبد الملك بن مروان، و أمّهم: أم عمرو بنت عثمان بن عفّان، و أمّها [رملة] (7) بنت شيبة بن ربيعة، و أمّها أم عمر (8) بنت وقدان بن عبد ود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، و أمّها بنت عبد اللّه بن السباق بن عبد الدار بن قصي. و في أمة بنت سعيد ابن العاص يقول خالد بن يزيد بن معاوية:
كعاب أبوها ذو العصابة و ابنه *** و عثمان ما أكفاؤها بكثير
فإن تغتلتها و الخلافة تنقلب *** بأكرم علقى منبر و سرير
كذا سماها الزبير في الموضعين بهذين الاسمين، فاللّه أعلم.
أنبأنا أبو القاسم النسيب، و أبو الوحش و غيرهما، عن رشأ بن نظيف، أنا أحمد بن محمّد بن أحمد الغساني، أنا محمّد بن جعفر السامري، نا أبو الفضل الربعي، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن الهيثم بن عدي قال:
ص: 39
كانت ابنة سعيد بن العاص تحت الوليد بن عبد الملك، فمات عبد الملك فلم تبك عليه، فقال لها الوليد: ما يمنعك من البكاء على أمير المؤمنين ؟ قالت: و ما أقول له إلاّ أن أدعو اللّه أن يحييه حتى يقتل لي أخا آخر، قال: أي و اللّه لقد كسرنا ثناياه. فقالت: علمت من شقت استه السيوف. قال الحقي بأهلك، قالت: ألذ من الدنيا و أيسر.
زوج عمرو بن الحمق (1).كانت بدمشق، لها ذكر.
أنبأنا أبو المظفر بن القشيري و غيره، عن أبي الوليد الحسن بن محمّد بن علي البلخي، أنا أبو الفرج محمّد بن إدريس بن محمّد بن إدريس الموصلي، قال: قرأت على أبي منصور المظفر بن محمّد الطوسي، أنبأ أبو زكريا يزيد بن محمّد بن إياس الأزدي، حدّثني عبد اللّه بن مغيرة القرشي، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن إسحاق بن أبي فروة، عن يوسف بن سليمان، عن جدته يعني ميمونة قالت:
كان تحت عمرو بن الحمق آمنة بنت الشريد، فحبسها معاوية في سجن دمشق زمانا حتى وجه إليها برأس عمرو بن الحمق فألقي في حجرها، فارتاعت لذلك، ثم وضعته في حجرها، و وضعت كفها على جبينه، ثم لثمت فاه، ثم قالت: غيبتموه عني طويلا، ثم أهديتموه إليّ قتيلا، فأهلا بها من هدية، غير قالية و مقلية.
ذكر أبو الحسن علي بن محمّد الكاتب المعروف بالشابشتي:
أن عمرو بن الحمق لما قتل حمل رأسه إلى معاوية، و هو أول رأس حمل في الإسلام، من بلد إلى بلد (2) و كانت آمنة بنت الشريد زوجته بدمشق، فلما حمل رأس عمرو إليه أمر أن يلقى في حجرها، و أن يسمع منها ما تقول، فلمّا رأته ارتاعت له، و أكبت عليه تقبّله و قالت:
وا ضيعتاه في دار هوان بقّيتموه (3) طويلا و أهديتموه إلي قتيلا، فأهلا و سهلا، كنت له غير قالية و أنا له غير ناسية، قل لمعاوية: أيتم اللّه ولدك، و أوحش منك أهلك، و لا غفر لك ذنبك،
ص: 40
فعاد الرسول إليه، بما (1) قالت فأمر بها فأحضرت، و عنده جماعة، و فيهم إياس بن شرحبيل، و كان في شدقه نتوء لعظم لسانه فقال لها معاوية: يا عدوة اللّه أنت صاحبة الكلام ؟ قالت: نعم غير فازعة، و لا معتذرة منه، قد لعمري اجتهدت في الدعاء، و أنا أجتهد إن شاء اللّه، إن نفع الاجتهاد، و اللّه من وراء العباد، فأمسك معاوية، و قال إياس: اقتل هذه فما كان زوجها بأحق بالقتل منها، فقالت له: تبا لك، ويلك بين شدقيك جثمان الضفدع، و أنت تأمره بقتلي، كما قال تعالى: إِنْ تُرِيدُ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ جَبّٰاراً فِي الْأَرْضِ وَ مٰا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (2)فضحك معاوية و الجماعة، و بان الخجل من إياس، ثم قال معاوية: اخرجي عني، فلا أسمع بك في شيء من الشام. قالت: سأخرج عنك، فما الشام لي بوطن، و لا أعرج فيه على حميم و لا سكن، و لقد أعظمت فيه مصيبتي، و ما قرّت به عيني، و ما أنا إليك بعائدة، و لا لك حيث (3) كنت بحامدة فأشار إليها بيده أن أخرجي، فقالت: عجبا لمعاوية يبسط عليّ غرب لسانه و يشير إليّ ببنانه، فلما خرجت قال معاوية: تحمل إليها ما يقطع به غرب لسانها، و تخفف به إلى بلدها، فقبضت ما أمر لها به، و خرجت تريد الكوفة، فلمّا وصلت إلى حمص توفيت.
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص
حدّثت عن ميمونة بنت سعد (4).
روى عنها عبد الحميد بن يزيد الخشني.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: أنا أبو نعيم الحافظ ، ثنا أبو بكر عبد اللّه بن محمّد، نا أبو بكر بن أبي عاصم.
ح و أخبرنا أبو الفتح الماهاني، أنا شجاع المصقلي، أنا محمّد بن إسحاق، أنا عبد اللّه بن محمّد بن الحجاج، و أحمد بن محمّد بن عاصم.
قالا: نا أحمد بن عمرو الشيباني، نا علي بن ميمون الرقي، نا عثمان بن عبد الرّحمن
ص: 41
الحراني، عن عبد الحميد بن يزيد، عن آمنة بنت عمر، عن ميمونة أنّها قالت:
يا رسول اللّه أفتنا عن الصدقة قال:«إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه اللّه» قالت: افتنا في ثمن الكلب قال:«طعمة جاهلية و قد أغنى اللّه عنها» قالت: افتنا عن عذاب القبر، قال:«أثر البول فمن أصابه بول فليغسله، فمن لم يجد ماء مسحه بتراب طيّب»[13709].
هذا حديث من نسخة رواها (1) إسحاق بن زريق الرسعني (2) عن عثمان بن عبد الرّحمن الطرائفي عن عبد الحميد بن يزيد الخشني عن آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، عن ميمونة بنت سعد (3).
و روى عمرو بن هشام الحراني عن عثمان شيئا منها و نسبها.
أنبأنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم الحافظ (4)،نا الحسن بن محمّد بن كيسان، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، نا محمّد بن أبي بكر، نا سعيد بن عامر، عن قربا بن دنيق (5)، قال: مرت ابنة لعمر بن عبد العزيز يقال لها أمينة، فدعاها عمر: يا أمين يا أمين، فلم تجبه، فأمر إنسانا فجاء بها، فقال: ما منعك أن تجيبيني ؟ قالت: إنّي عارية، فقال: يا مزاحم انظر تلك الفرش التي فتقناها، فاقطع لها منها قميصا،[فقطع منها قميصا] (6) فذهب إنسان إلى أم البنين عمتها، فقال (7):بنت أخيك عارية، و أنت عندك ما عندك، فأرسلت إليها بتخت من ثياب، و قالت: لا تطلبي من عمر شيئا.
رواه العباس بن الفرج الرياشي، عن سعيد بن عامر، عن قربا بن دنيق (8)،عن الحكم ابن النعمان، عن أبيه قال: و كان مولى لآل عمر، قال: كانت لعمر ابنة يقال لها آمنة، فذكره.
ص: 42
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد اللّه السلمي، أنا أبو محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا محمّد بن خلف، أنا أبو سعيد المديني - يعني محمّد بن الوليد - حدّثني إبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن زيد، عن شيخ من ساكني العقيق، قديم، قال:
إنّي لواقف بالعقيق و قد جاء الحاج إذ طلعت امرأة على رحال (1) حولها صفف (2)فنظرنا إليها فأعجبنا حالها، فلمّا أن كانت حذو قصور سفيان بن عاصم، يعني ابن عبد العزيز ابن مروان عدلت إليها، و نحن ننظر، فاضطجعت في موضع ساعة. ثم قامت فدخلت قصرا من تلك القصور، فأقامت فيه ساعة، ثم خرجت فركبت و مضت. قلنا: لننظران إلى ما صنعت هذه المرأة، فجئنا مضجعها الذي اضطجعت فيه، ثم دخلنا (3) القصر الذي دخلته، فإذا بكتاب يواجهنا في الجدار؛ فإذا هو:
كفى حزنا بالهائم الصب أن يرى *** منازل من يهوى معطلة قفرا
بلى إنّ ذا الشوق الموكل بالهوى *** يزيد اشتياقا كلما حاول الصبرا
مقيما بها يوما إلى الليل لا يرى *** أوانس قد كانت تكون بها عصرا
و تحته مكتوب: و كتبت آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، و كان سفيان بن عاصم زوجها.
9302 - آمنة (4)-أو أميّة - بنت أبي الشعثاء الفزارية
روت عن مدلوك أبي سفيان.
روى عنها ابن أخيها مطر بن العلاء.
و الذي شك في اسمها سليمان بن عبد الرّحمن راوي الحديث عن مطر. كذلك قال البخاري (5)،و الأظهر أنّ اسمها آمنة، لأن أبا بكر محمّد بن أحمد بن (6) مطر بن العلاء، روى
ص: 43
الحديث عن سليمان فقال فيه: آمنة بلا شك، فلعل سليمان حدّثه به بالشك، فرواه على ما عرف هو من اسمها، للقرابة بينه و بينها، و اللّه أعلم.
قرأت على أبي الفضل بن ناصر، عن جعفر بن يحيى، أنا أبو نصر الوائلي، أنا الخصيب بن عبد اللّه، أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرّحمن، أخبرني أبي، أنا علي بن حجر، أنا مطعم بن العلاء الفزاري، حدّثتني عمتي آمنة بنت أبي الشعثاء، عن مدلوك أبي سفيان قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم مع موالي فأسلمت. فمسح النبي صلى اللّه عليه و سلم يده على رأسي، قالت آمنة:
فرأيت ما مسح النبي صلى اللّه عليه و سلم من رأسه أسود، و قد شاب ما سوى ذلك.
[قال ابن عساكر:] (1) كذا قال، و الصواب مطر.
9303 - آمنة (2) بنت محمّد بن أحمد أم اليمن العجلية
والدة أبي الحسن بن الحنّائي.
حدّثت عن أبي محمّد عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأزدي المالكي.
روى عنها ابنها علي بن محمّد، و أبو سعد إسماعيل بن علي الرازي، و عبد العزيز الكتاني.
قرأت بخط علي بن محمّد الحنّائي، أخبرتنا والدتي آمنة ابنة محمّد بن أحمد العجلية، قالت: ثنا أبو محمّد عبد اللّه بن عبد الرّحمن المالكي.
و أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا عبد العزيز بن أحمد الكتاني من لفظه، قال:
أخبرتنا أم اليمن آمنة ابنة محمّد بن أحمد العجلية من أمها و أبيها، قالت: أنا أبو محمّد عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأزدي (3).
نا محمّد بن أحمد بن المسور، و عبد اللّه بن محمّد بن جعفر بن الورد الرازي، قالا: نا يوسف بن يزيد أبو يزيد القراطيسي، نا يعقوب بن أبي عباد، نا فضيل، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل أن يموت بثلاثة أيام يقول:«لا يموت أحدكم إلاّ و هو باللّه حسن الظن»[13710].
ص: 44
و أخبرتنا أم المجتبى فاطمة بنت ناصر قالت: أنبأ إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر بن المقرئ، أنا أبو يعلى، نا زهير بن حرب، نا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول قبل موته بثلاث:«ألا لا يموتن أحد منكم إلاّ و هو يحسن الظن باللّه عزّ و جلّ ».
المعروف والدها بأبي البركات بن القران
تكنى أم محمّد و هي ابنة خالتي الكبرى، و زوج ابن خالي القاضي أبي (1) الحسن.
سمعت جدها لأمها القاضي أبا المفضل (2) يحيى بن علي القرشي، و أبا محمّد عبد الكريم بن حمزة.
و استنسخ لها أبوها كتاب السنن لأبي داود، و سمعت بعضه من عبد الكريم بن حمزة.
و حجت هي و أختها أسماء (3) سنة خمس [و خمسين] (4) و خمسمائة.
و سمع منها ولدها و غيره، و حجّت بعد ذلك مرّتين و وقفت رباطا لسكنى الفقراء من النساء (5).
حاكمت إلى نمير بن أوس (6)،لها ذكر.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا الحسن بن حبيب، أنا أبو الحسن بن الحريص، نا هشام بن عمار، نا عبد الملك بن محمّد الصنعاني، قال: حدّثتني آمنة أم يزيد ذات الذنب، و كان لها ذنب مخلوق في عجزها فنخسها
ص: 45
مروان المرتعش فضرطت، فخاصمته إلى نمير بن أوس، فقضى لها بأربعين درهما و عباءة.
اسمها شكر. يأتي ذكرها في حرف الشين.
قدمت دمشق حاجّة سنة إحدى و عشرين و أربع مائة.
و حدّثت عن أبي عبد اللّه بن مندة.
سمع منها أبو العباس بن قبيس، و أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن المالكي، و أبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي.
- و يقال:[زيد الأطول-] (1) الأزدية
زوج عبد اللّه بن قرط الثّمالي الأزدي (2).
شهدت اليرموك مع بعلها، لها ذكر.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، أنا أبو الحسن بن الحمّامي، أنا أبو علي بن الصّوّاف، نا أبو محمّد الحسن بن علي القطان، نا إسماعيل بن عيسى العطار، نا أبو حذيفة إسحاق بن بشر، قال:
قالوا: و أقبلوا يعني الروم حتى نزلوا بمكان من اليرموك يدعى دير الخل (3) مقابل المسلمين، و المسلمون قد تحرّزوا و أصعدوا النساء.
قالوا: فمرّ قيس بن هبيرة على نسوة من نساء المسلمين مجتمعات، فلما رأينه قامت إليه أميمة بنت أبي بشر بن زيد بن الأطول الأزدية، و كانت تحت عبد اللّه بن قرط الثمالي، و كانت فرس قيس أشبه شيء بفرس عبد اللّه بن قرط ، و كان بادّه (4) على الفرس شبيها ببادّه فظنته زوجها، فقامت إليه، فقالت: استمتع، بنفسي أنت، فظنّ قيس أنّها شبّهته بزوجها، قال: أظنك شبّهتني بعبد اللّه ؟ قالت: وا سوأتاه، فانصرفت فقال: أيتها المرأة - و إياكن أعني
ص: 46
أيضا - قبّح اللّه امرأة تضطجع لزوجها، و هذا عدوّه قد حلّ بساحته يقاتله، إذا أراد منها ذلك فلتحث التراب في وجهه، ثم لتقل: اخرج فقاتل عني، فإني لست بامرأتك حتى تمنعني، فلعمري ما يقرب النساء على مثل هذه الحال إلاّ فشل (1) من الرجال، قال: ثم مضى، قال:
تقول المرأة: وا سوأتاه هذا يظن أنّي ظننت أنه زوجي، فقمت إليه أتعرّض له، إنّما ظننت أنه لبس قرط ، و لم يكن تعشى البارحة إلاّ عشاء خفيفا، كان تعشى عنده رجلان من إخوانه، فكنت قد هيأت له غداءه فأردت أن ينزل فيتغدى.
ذكر أبو مخنف (2) هذه القصة في فتوحه عن الحارث بن كعب المرادي عن عبد الرّحمن ابن الشليل الفزاري، عن عبد اللّه بن قرط الثّمالي.
9309 - أميمة (3) بنت رقيقة (4) و هي أميمة بنت عبد
- و يقال عبد اللّه - بن بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة
ابن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب (5)
أمّها رقيقة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، لها صحبة، و هي من المبايعات.
شهدت مؤتة، و قدمت على معاوية دمشق.
و روت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أحاديث.
روى عنها محمّد بن المنكدر، و ابنتها حكيمة (6) بنت أميمة.
أخبرنا أبو محمّد هبة اللّه بن سهل بن عمر، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي زاهر ابن أحمد، أنا إبراهيم بن عبد الصّمد، نا أبو مصعب، نا مالك (7)،عن محمّد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت:
ص: 47
أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نسوة نبايعه (1) فقلنا: نبايعك يا رسول اللّه على أن لا نشرك باللّه شيئا، و لا نسرق، و لا نزني، و لا نقتل أولادنا، و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا، و لا نعصيك في معروف، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«فيما استطعتن و أطقتن» فقالت: فقلت (2):اللّه و رسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلمّ نبايعك يا رسول اللّه، فقال:«إنّي لا أصافح النساء، إنّما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة»[13711].
رواه محمّد بن إسحاق، و عمرو بن الحارث، و سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، و أسامة ابن زيد، عن محمّد بن المنكدر.
فأمّا حديث ابن إسحاق:
فأخبرناه أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين البزاز (3)،أنا أبو طاهر، أنا أبو الحسن الصيدلاني، رضوان بن أحمد، نا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدّثني ابن المنكدر، عن أميمة ابنة رقيقة التيمية قالت:
بايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نسوة من المسلمين، فقلنا له: جئناك يا رسول اللّه، نبايعك على أن لا نشرك باللّه شيئا، و لا نسرق و لا نزني و لا نقتل أولادنا، و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا، و لا نعصيك في معروف، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«فيما استطعتن و أطقتن» فقلنا: اللّه و رسوله أرحم بنا من أنفسنا، فقلنا: بايعنا يا رسول اللّه، قال:«اذهبن فقد بايعتكن، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة»، و ما صافح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منا أحد[13712].
و أمّا حديث عمرو بن الحارث:
فأخبرناه أبو الوفاء عبد الواحد بن حمد، أنا أبو طاهر بن محمود، أنا أبو بكر بن المقرئ، أنا أبو العباس بن قتيبة، نا حرملة بن يحيى، أنا ابن وهب، أنا عمرو بن الحارث أن محمّد بن المنكدر حدّثه:
أن أميمة بنت رقيقة التميمية حدّثته أنّها أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نساء فقال:«تبايعن عَلىٰ أَنْ لاٰ يُشْرِكْنَ بِاللّٰهِ شَيْئاً، وَ لاٰ يَسْرِقْنَ [وَ لاٰ يَزْنِينَ ] (4) (5)»الآية كلها، ثم سكت، ثم
ص: 48
قال:«فيما استطعتن و أطقتن» فقلنا: اللّه و رسوله أرحم منا، ثم قلنا: يا رسول اللّه بايعنا، فقال:«إنّي لا أصافح النساء، إنّما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة»[13713].
[قال ابن عساكر:] (1)صوابه: التيمية (2).
و أمّا حديث سعيد:
فأخبرناه أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو بكر الشافعي، حدّثني إسحاق بن الحسن، نا ابن رجاء، و هو عبد اللّه، أنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، نا محمّد، و هو ابن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة التميمية (3)قالت:
دخلت على النبي صلى اللّه عليه و سلم في نسوة فقلنا: نبايعك يا رسول اللّه على أن لا نشرك باللّه شيئا، و لا نزني و لا نسرق و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا، و لا نعصيك في معروف، فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم:«فيما أطقتن و استطعتن» فقلنا: اللّه و رسوله أرحم بنا، بايعنا يا رسول اللّه، فقال:
«إني لا أصافح، و إنما قولي لمائة امرأة مثل قولي لواحدة»[13714].
و أمّا حديث أسامة:
فأخبرناه أبو عبد اللّه الحسين بن عبد الملك، أنا أبو طاهر بن محمود، أنا أبو بكر بن المقرئ، أنا أبو العباس بن قتيبة، نا حرملة، أنا ابن وهب، قال: و حدّثني أسامة يعني ابن زيد أن محمّد بن المنكدر حدّثه أن أميمة بنت رقيقة حدّثته:
أنّها أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نساء فقال:«تبايعن عَلىٰ أَنْ لاٰ يُشْرِكْنَ (4)بِاللّٰهِ شَيْئاً، وَ لاٰ يَسْرِقْنَ ، وَ لاٰ يَزْنِينَ » الآية كلها، ثم سكت، ثم قال:«فيما استطعتن و أطقتن»، فقلت: اللّه و رسوله أرحم بنا، ثم قلن: يا رسول اللّه بايعنا، فقال:«إنّي لا أصافح النساء، إنّما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة» أو نحو هذا.
قالت: و كانت هذه بيعة النساء.
تابعهم (5) موسى بن عقبة، و سفيان الثوري، و سفيان بن عيينة، و أبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي، عن ابن المنكدر.
ص: 49
[و رويت (1) متابعتهم إياه من وجه آخر.
أخبرناه أبو الفضل محمّد بن إسماعيل الفضيلي، أنا أبو القاسم أحمد بن محمّد الخليلي، أنا أبو الفضل علي بن أحمد الخزاعي، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، نا عيسى بن أحمد العسقلاني، نا عبد اللّه بن وهب، أخبرني ابن عياش، عن سليمان بن سليم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:
جاءت أميمة بنت رقيقة إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم تبايعه على الإسلام، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«نبايعك على ألاّ تشركي باللّه شيئا، و لا تسرقي، و لا تزني، و لا تقتلي ولدك، و لا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك و رجليك و لا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى»[13715].
و أخبرناه أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أحمد بن جعفر، نا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (2)،أنا خلف بن الوليد، نا ابن عياش، عن سليمان بن سليم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:
جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تبايعه على الإسلام فقال:«أبايعك على ألاّ تشركي باللّه شيئا، و لا تسرقي، و لا تزني، و لا تقتلي ولدك، و لا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك و رجليك، و لا تنوحي، و لا تبرّجي تبرّج الجاهلية الأولى»[13716].
أخبرنا أبو الفرج قوام بن زيد بن عيسى، و أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، قالا: أنا أبو الحسين بن النقور، أنا أبو الحسن الحربي، نا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار.
ح و أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد، أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن، أنبأ أبو عمرو بن حمدان، أنا أبو يعلى الموصلي.
قالا: نا يحيى بن معين، نا حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثتني حكيمة (3) بنت أميمة، عن أميمة أمّها:
أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع تحت سريره، فجاء فأراده، فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدمه - لأم حبيبة جاءت معها من
ص: 50
أرض الحبشة-: «البول الذي كان في القدح»؟ قالت: شربته يا رسول اللّه.
أخبرنا به أتم من هذا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن منده، أنا أبو عمرو أحمد بن محمّد بن إبراهيم، نا هلال بن العلاء، نا حجاج بن محمّد، نا ابن جريج أن حكيمة بنت أميمة أخبرته عن أمّها أميمة بنت رقيقة قالت:
كانت للنبي صلى اللّه عليه و سلم قدح من عيدان يبول فيه، و يضعه تحت السرير، فجاءت امرأة يقال لها بركة، قدمت مع أم حبيبة من الحبشة فشربته، فطلبه النبي صلى اللّه عليه و سلم فلم يجده، فقيل: شربته بركة، فقال [لها] (1):«لقد احتظرت من النار بحظار (2)»[13717].
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو علي بن صفوان، نا ابن أبي الدنيا، قال: و حدّثني المفضل بن غسان، نا علي بن صالح، نا عامر بن صالح الزبيري، عن ربيعة بن عثمان، عن ثابت بن عبد اللّه:
أن (3) ابنة رقيقة دخلت على معاوية في مرضه الذي مات فيه فقال:
اندبيني (4) يا بنت رقيقة، فتسجت بثوبها ثم قالت (5):
أ لا أبكيه، أ لا ابكيه *** ألا كل الفتى (6) فيه
ثم قال لابنتيه: اقلبنني، فقلبته هند و رملة، فقال: إنكما لتقلبان حوّلا (7) قلّبا (8)،إن وقي كبة (9) النار غدا ثم قال (10):
ص: 51
لا يبعدن ربيعة بن مكدم *** و سقى الغوادي قبره بذنوب (1)
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو محمّد الكتّاني، أنا أبو محمّد التميمي، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة قال (2):سمعت مصعب الزبيري قال: أميمة بنت رقيقة و هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، و أميمة هي عمة محمّد بن المنكدر، و قد كان معاوية حولها إليه إلى الشام و بنيت لها دار، و دخلت على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقال لها: بكّنى حتى أسمع.
و قال لي: حدّثنا عبد اللّه بن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة قال: سمعت عبد اللّه بن الزبير يقول: كان و اللّه، يعني معاوية، كما قالت بنت رقيقة يعني هذه:
أ لا ابكيه أ لا ابكيه *** ألا كل الفتى فيه
قرأنا على أبي عبد اللّه بن البنا، عن أبي تمام علي بن محمّد، عن أبي عمر بن حيوية، أنا محمّد بن القاسم بن جعفر، نا ابن أبي خيثمة، أنا مصعب قال (3):
أميمة التي يقال لها ابنة رقيقة ابنة أسد بن عبد العزى بن قصي، و كانت أميمة من المهاجرات، و هي التي حدّث عنها ابن المنكدر، و رقيقة ابنة أسد جدّة الحكم بن أبي العاص من قبل أمّه.
قال ابن أبي خيثمة: هكذا ينسبها أصحاب الحديث إلى أمها، و أمّها ابنة أسد بن عبد العزى، و هي أميمة بنت عبد بن بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد.
أخبرنا بذاك مصعب بن عبد اللّه.
[أخبرنا (4) أبو البركات الأنماطي، أنا أبو المعالي ثابت بن بندار، أنا أبو العلاء الواسطي، أنا أبو بكر محمّد بن أحمد البابسيري، أنا أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي، نا أبي، عن يحيى بن معين قال: ابن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة، أميمة بني تيم ابن مرة، و أمّها رقيقة بنت خويلد، أخت خديجة].
ص: 52
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، و أبو العز بن منصور، قالا: أنا أحمد بن الحسن بن أحمد - زاد الأنماطي: و أحمد بن الحسن بن خيرون، قالا:- أنا أبو الحسين الأصبهاني، أنا أبو الحسين الأهوازي، أنا أبو حفص الأهوازي، نا خليفة بن خياط ، قال (1):أميمة بنت رقيقة. روى عنها محمّد بن المنكدر في بيعة النساء.
أخبرنا أبو البركات المجهز، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو علي بن الصواف، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال: سمعت أبي يقول:
و ممن يروي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من نساء بني تيم: أميمة بنت رقيقة، و أمّها أخت خديجة بنت خويلد.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن أبي بكر، قال: ولدت رقيقة ابنة خويلد ابنة بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة، و هي التي يقال لها: ابنة رقيقة و هي من المبايعات، سكنت دمشق، لها بها دار و موالي كثير.
حدّثني علي بن صالح، عن جدي عبد اللّه بن مصعب، عن ربيعة بن عثمان، عن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير أن ابنة رقيقة دخلت على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقال:
يا بنت رقيقة اندبيني، فتسجّت بثوبها ثم قالت:
أ لا ابكيه أ لا ابكيه *** ألا كل الفتى فيه
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالا: أنا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا أحمد، نا الزبير، قال:
و من ولد عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد: أميمة بنت عبد بن بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد، و هي التي يقال لها: ابنة رقيقة. رقيقة أمّها بنت خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي، و كانت أميمة بنت عبد بن بجاد، و هي التي حدّث عنها محمّد بن المنكدر أنّها قالت: أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نسوة نبايعه، ثم ذكرت الحديث، أخبرني ذلك سفيان بن عيينة، عن محمّد بن المنكدر.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا
ص: 53
أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد (1) قال:
أميمة بنت رقيقة التي روى عنها محمّد بن المنكدر، و روت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم [حديثا] (2) في بيعة النساء، و هي أميمة بنت عبد اللّه بن بجاد بن عمير (3) بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم (4) بن مرة، و أمّها رقيقة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم و اغتربت أميمة فتزوجها خبيب (5) بن كعيب بن عتير الثقفي، فولدت له.
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن مندة قال: أميمة بنت رقيقة التميمية أخت خديجة بنت خويلد لأمّها؛ عدادها في أهل المدينة، روى عنها عبد اللّه بن عمرو، و محمّد بن المنكدر، و حكيمة (6) ابنتها.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: قال: أنا أبو نعيم الحافظ : أميمة بنت رقيقة بنت أبي صيفي ابن هاشم بن عبد مناف و رقيقة هي أم مخرمة بن نوفل صاحبة الرؤيا في استسقاء عبد المطلب بالنبي صلى اللّه عليه و سلم.
أخبرنا أبو محمّد بن حمزة، بقراءتي عليه، عن أبي نصر علي بن هبة اللّه (7) قال:
أميمة بنت بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة، و أمّها رقيقة بنت خويلد بن أسد، و هي تعرف بأميمة بنت رقيقة، بايعت النبي صلى اللّه عليه و سلم، و روت عنه، روى عنها محمّد بن المنكدر، و قيل: أميمة بنت أبي البجاد (8)،و روت عنها ابنتها حكيمة.
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه العبدي، أنا الهيثم بن كليب، نا عيسى بن أحمد العسقلاني [ثنا] (9) عبد اللّه بن وهب، نا إسماعيل بن
ص: 54
عياش، عن سليمان بن سليم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم تبايعه على الإسلام فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«نبايعك على أن لا تشركي باللّه شيئا، و لا تسرقي، و لا تزني، و لا تقتلي ولدك، و لا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك، و لا تبرّجي تبرّج الجاهلية الأولى»[13718].
ابن عبد شمس بن عبد مناف أم حبيب
بنت أبي سفيان القرشية الأموية، أخت أم حبيبة (1)،زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم [لأبيها] (2)،كانت بدمشق، و لها ذكر، و قد تقدم ذكر كونها بدمشق في ترجمة عبد الرّحمن بن صفوان.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا أبو محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا محمّد بن سعد قال (3):
فولد أبو سفيان: حنظلة قتل يوم بدر كافرا، و أم حبيبة، و أميمة، و هي أم حبيب بنت أبي سفيان [تزوجها حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس، من بني عامر بن لؤي، فولدت له أبا سفيان] (4) بن حويطب، ثم خلف عليها صفوان بن أمية، فولدت له عبد الرّحمن بن صفوان، و أمّهم جميعا صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.
9311 - أمينة بنت أحمد بن عطية العنسية (5)
أخت أبي سليمان الداراني.
عابدة، لها ذكر، يأتي ذكرها في ترجمة أختها عبدة.
مكية، و فدت مع أبيها و أخيها كردم إلى يزيد بن عبد الملك، ثم على ابنه الوليد بن يزيد.
ص: 55
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين، أخبرني إسماعيل بن يونس، نا عمر بن شبة، عن إسحاق قال:
بلغني أن الوليد بن يزيد اصطبح يوما و عنده أنيسة بنت معبد و أخوها كردم، و شهدة جاريته فقال لأنيسة: أ تعرفين صوتا كان أبي يقترحه على أبيك فيه ذكر لبابة ؟ فقالت: نعم، و غنته (1):
ودّع لبابة قبل أن تترحلا *** و اسأل فإن قلاله (2) أن تسألا
البث لعمرك ساعة و تأنّها (3) *** فلعل ما بخلت به أن يبذلا
حتى إذا ما الليل جن ظلامه *** و رجوت غفلة حارس أن يغفلا (4)
خرجت تأطر في الثياب كأنها *** أيم (5) يسيب على كثيب أهيلا
فطرب الوليد و قال: هو هو، و اصطبح عليه يومه، و والى الشرب سبعة أيام، فأمر فيها في كل يوم لأنيسة بألف دينار، ثم أمر أن تجهّز بذلك و تزوّج رجلا شريفا موسرا، فزوّجها رجلا من وجوه أصحابه من تنوخ.
قال أبو الفرج: أنيسة بنت معبد مولى ابن قطن يقال لها عروس (6) القيان و خرجت مع أبيها معبد و أخيها كردم إلى يزيد بن عبد الملك، فأقاموا (7) بالشام حياة يزيد كلها، ثم رجعوا إلى المدينة طول أيام هشام، فلمّا ولي الوليد بن يزيد استحضرهم، فخرجوا إليه و لم يزالوا مقيمين في عسكرة حتى مات معبد، فخرج الوليد بن يزيد و أخوه الغمر مبتذلين يحملان مقدم جنازته. و زوج الوليد أنيسة رجلا من وجوه أهل الشام، فولدت منه ابنا أدركه إسحاق الموصلي، و هو شيخ، عند الفضل بن الربيع و سمعه يغني عنده.
ص: 56
9313 - بثينة بنت حبا (1) بن ثعلبة بن الهوذ (2) بن عمرو الأحب بن حن
ابن ربيعة بن حرام بن ضنّة بن عبد بن كبير (3) بن عذرة بن سعد هذيم
ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف (4) بن قضاعة أم عمرو (5)،
و يقال: أم الوليد، و يقال: أم عبد الملك، و يقال: أم المسود العذرية (6)
صاحبة جميل بن معمر، و فدت على عبد الملك، و يقال إنّ لأبيها حبا صحبة.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، عن الدارقطني.
ح و قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي الفتح بن المحاملي، أنا الدارقطني قال:
بثينة (7) العذرية صاحبة جميل بن معمر، يقال: هي بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو الأحب بن حنّ بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة العذرية، و كان زوّجها بنبيه (8) بن الأسود العذري والد سعيد بن الأسود، الذي يروي عنه محمّد بن إسماعيل بن جعفر الجعفري، قطعة من أخبارها، يقال: هي بنت خالة جميل.
قرأت على أبي محمّد بن حمزة، عن علي بن هبة اللّه قال (9):
أما بثينة أوله باء مضمومة بعدها معجمة بثلاث مفتوحة، و ياء ساكنة و نون مفتوحة فهي بثنية العذرية صاحبة جميل، و هي بنت حيي بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحب بن حنّ بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة، و كان زوجها نبيه بن الأسود العذري.
ص: 57
قرأت على أبي الفتح نصر اللّه بن محمّد، عن نصر بن إبراهيم المقدسي، عن أبي الحسن بن السمسار، أنا محمّد بن أحمد بن عثمان الشاهد، أنا محمّد بن جعفر العسكري، قال: سمعت أبا العباس محمّد بن يزيد المبرد يقول:
دخلت بثينة على عبد الملك فأحدّ النظر إليها، ثم قال: يا بثينة ما رأى فيك جميل حين قال فيك ما قال ؟ قالت: ما رأى فيك الناس حين ولوك الخلافة يا أمير المؤمنين، فضحك عبد الملك حتى بدت سنّ له كان يخفيها، فما ترك لها من حاجة إلاّ قضاها.
و ذكر أبو محمّد بن زبر فيما قرأته من كتاب ابنه أبي سليمان عنه، أنا يحيى بن زكريا، عن الحسن بن علي، نا الهيثم بن عدي، أنا ابن عيّاش، عن أبيه قال:
أتى عبد الملك بن مروان آذنه أبو يوسف و أنا عنده (1) فقال: يا أمير المؤمنين بثينة بالباب، قال: ويلك، من بثينة ؟ بثينة جميل ؟[قال: نعم] (2) قال: ائذن لها، فدخلت امرأة طوالة سمراء قد - يعني - أسنّت، و إن بها بقايا من جمال. فقال: ويلك يا غلام كرسي لبثينة، فأتى بكرسي، فجلست عليه فحدثته طويلا، ثم قال: يا بثينة ليت شعري أي شيء رأى فيك جميل حين قال فيك ما قال ؟ قالت: ما رأى الناس فيك حيث استخلفوك ؟ قال: فضحك حتى بدت له سن سوداء.
قرأت بخط أبي بكر أحمد بن محمّد بن شرّام النحوي (3)،أنا أبو القاسم عبد الرّحمن ابن إسحاق الزّجّاج، أنا أبو الحسن الأخفش. أخبرنا أبو العباس المبرّد، عن أبي عثمان المازني قال:
حج عبد الملك بن مروان فنزل بوادي القرى، فدخلت عليه بثينة عليها ثياب من ثياب البادية، و على وجهها برقع، فقال: أقسمت عليك إلاّ نحّيت البرقع عن وجهك، ففعلت، فإذا وجه ليس ببارع الجمال، و عليه أثر كلف، فقال: ما أراك كما قال جميل (4):
بيضاء آنسة كأن حديثها *** درّ تهلّك سلكه منثور (5)
ص: 58
لو لا بثينة إن أخبت نفسها *** إني بها و ببذلها مسرور
لغدت برحلي في صحابة خالد *** و جناء ناجية الشعاب عسير
و لقد طربت إليك حتى إنني *** لأكاد من طرب إليك أطير
ما أنت يا بثينة بهذه الصفة! قالت: يا أمير المؤمنين لكنني كنت عنده كذلك. أ ما سمعت قول ابن أبي ربيعة (1):
و لقد قالت لأتراب لها (2) *** و تعرّت ذات يوم تبترد
أ كما ينعتني تبصرنني *** عمر كن اللّه أم لا يقتصد
فتضاحكن و قد قلن لها *** حسن في كل عين من تود
فبرّها، و قضى حوائجها.
أنبأنا أبو الحسن بن العلاف، و حدّثني أبو المعمر الأنصاري [عنه] (3).
و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، و ابن العلاف.
قالا: أنا عبد الملك بن محمّد، أنا أحمد بن إبراهيم، أنا محمّد بن جعفر، نا عمر بن شبة (4)،نا أبو سلمة الغفاري، قال: سمعت إبراهيم بن عبد اللّه بن أبي فروة قال: قال جميل لبثينة: ما رأيت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان (5) يخطر بالبلاط (6) إلاّ أخذتني عليك الغيرة و أنت بالجناب (7).
قال: و أنا محمّد، نا علي بن الأعرابي قال:
كانت عزّة كثيّر و بثينة يوما تتحدثان، فأقبل كثيّر نحوهما، فقالت بثينة لعزّة: استخفي حتى أولع بكثيّر، فتوارت، فأتى فسلّم فردت بثينة عليه السّلام و قالت له: أ ما آن لك أن تشبب بنا، فأنشأ يقول (8):
ص: 59
رمتني على قرب بثينة بعد ما *** تولّى شبابي و ارجحنّ شبابها
بعينين نجلاوين لو رقرقتهما (1) *** لنوء الثريا لاستهل سحابها
قال: فاطلعت عزة رأسها، فقال:
و لكنما ترمين نفسا مريضة *** لعزّة منها ودّها (2) و لبابها
قال: و نا أحمد (3)،نا علي بن داود، ثنا أحمد بن مرزوق، نا عبد اللّه بن أبي بكر الزبيري، نا سليمان بن أيوب قال:
كان مصعب بن الزبير و هو إذ ذاك على العراقين كثيرا ما يولع بقصيدة جميل بن معمر العذري و بهذا البيت خاصة (4):
ما أنس إلا أنس منها نظرة سلفت *** بالحجر يوم جلتها أم منظور
فقال يوما: و اللّه لقد كنت أشتهي أن أرى أم منظور و أسألها عن ذلك اليوم، فسأل عنها فقيل له: هي باقية بوادي القرى، فكتب إلى عامل الوادي يحملها إليه، و أمره أن يدفع إليها ما تحتاج إليه، و يرفق بها، فحملت إليه، فلمّا دخلت سألها ممن أنت ؟ قالت: من عذرة، فأنشدها البيت، و سألها عن ذلك اليوم، فقالت: نعم، أعرف و اللّه (5) ذلك اليوم و ما ذكر من تلك النظرة، أذكر، كان عندنا عرس لبعض الحي، فاختلفوا و نحرت الجزر، و صبغت النقاب، و دعيت الرجال، و بثينة يومئذ في تكامل من جمالها، و وافق ذلك إقبالا من الثمرة فعملت لها سخابا (6) من بلح، و وشاحا من بلح، و رجلت شعرها، و أصلحت من ذلك ما يصلح، و ألبستها ثيابا و جمّلتها لتذهب فتنظر، فاعترضنا جميل بن معمر فوافق خلوة من الرجال و اشتغالا منهم بذلك العرس، فلم يزل يعارضنا (7) ينظر إليها حتى بلغت بها فأرسلتها في وسط الجواري، فذلك قوله في ذلك اليوم.
قرأت على أبي محمّد بن حمزة، عن أبي بكر الخطيب، أخبرني أبو طاهر محمّد بن
ص: 60
علي بن محمّد الواعظ ، أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المرورّوذي، نا عبد اللّه بن سليمان.
ح و قال: و أنا [أبو طالب] (1) محمّد بن علي بن إبراهيم البيضاوي، نا أبو عمر محمّد [بن] (2) العباس الخزاز، نا أبو بكر عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، نا عمر بن شبة، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء (3)،عن أدهم التميمي (4) قال:
لقيت كثيّر عزّة في البادية فقال: لقيني جميل بن معمر في هذا الموضع و أنا جائي (5) من عند أبي بثينة صاحبته فقال: من أين يا كثيّر؟ فقلت: من عند أبي الحبيبة، يعني صاحبته، قال: و أين تريد؟ قلت: أريد الحبيبة، يعني عزّة، فقال: ارجع من حيث جئت، و واعد بثينة، فقلت: لا أقدر، من عندهم جئت، و إذا رجعت من ساعتي اتهمني أبوها، فقال: لا بد، فقلت: متى آخر عهدك بهم ؟ قال: بالدوم (6) و هم يرحضون أثوابا (7) لهم، قال: فرجعت، فلما رآني أبو بثينة قال: يا كثيّر، أ ليس كنت عندنا الآن ؟ قلت: بلى، و لكن ذكرت أبياتا قلتها في عزّة، فأحببت أن أنشدك إياها، قال: و ما هي ؟ قال: و بثينة في خيمة من وراء خيمته فأنشدته (8):
فقلت لها: يا عزّ أرسل صاحبي *** إليّ (9) رسولا و الموكل مرسل
بأن تجعلي بيني و بينك موعدا *** و أن تأمريني بالذي فيه أفعل
و آخر عهد منك يوم لقيتني *** بأسفل وادي الدوم و الثوب يغسل
قال: فضربت بثينة يدها على الخباء، و قالت: اخسأ. اخسأ. فقال أبوها: ما هذا يا بثينة ؟ قالت: كلب يأتينا من وراء الرابية إذا نام الناس. يؤذينا. قال: فرجعت إلى جميل، فقلت: قد وعدتك من وراء الرابية إذا نام الناس.
ص: 61
قرأت بخط بعض (1) أهل العلم لبثينة:
تواعدني قومي بقتلي و قتله *** فقلت: اقتلوني و أخرجوه من الذنب
و لا تتبعوه بعد قتلي أذية *** كفى بالذي يلقاه من شدة الحب
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا الحسن بن عيسى بن المقتدر، أنا أحمد بن منصور اليشكري، أنا الصولي، نا محمّد بن زكريا الغلاّبي، نا محمّد بن عبد الرّحمن، عن أبيه قال:
لما حضرت الوفاة جميلا بمصر قال: من يعلم بثينة (2)؟فقال رجل: أنا، فلما صار إلى حي بثينة فقال (3):
بكر (4) النعيّ و ما (5) كنى بجميل *** و ثوى بمصر ثواء غير قفول
بكر النعي بفارس ذي بهمة (6) *** بطل، إذا حمّ اللقاء، مذيل
سمعته بثينة فخرجت مكشوفة الرأس تقول (7):
و إنّ سلوي عن جميل لساعة *** من الدهر ما حانت و لا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر *** إذا متّ بأساء الحياة و لينها
أخبرنا أبو القاسم بن السوسي، أنا جدي أبو محمّد، أنا أبو علي الأهوازي، أنا أبو بكر بن أبي الحديد، أنا أبو بكر الخرائطي، حدّثني أبو الفضل العباس بن الفضل قال: يقال:
إنه لما مات جميل بن معمر رثته بثينة بهذين البيتين، و يقال: إنها لم تقل غيرهما:
و إن سلوي عن جميل لساعة *** من الدهر ما جاءت و لا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر *** إذا متّ بأساء الحياة و لينها
و تم و كمل، و الحمد للّه وحده بحسن توفيقه، و يليه ما بعده (8).
ص: 62
ابن مسعود الشّيبانيّة، امرأة عبيد اللّه بن عمر (1)
كانت حازمة عاقلة، و وردت معه الشام، و كانت معه بصفّين حين قتل (2).
حدّثت بحريّة بنت هانئ:
أنها زوّجت نفسها من القعقاع بن شور (3)،و بات عندها ليلة، و جاء أبوها فاستعدى عليّا فقال: أدخلت بها؟ قال: نعم، فأجاز النّكاح.
حدّث يزيد بن يزيد بن جابر (4):
أنّ معاوية دعا عبيد اللّه بن عمر فقال: إنّ عليّا كما ترى في بكر بن وائل، قد حامت عليه، فهل لك أن تسير في الشهباء قال: نعم، فرجع عبيد اللّه إلى خبائه فلبس سلاحه ثم إنّه فكر و خاف أن يقتل مع معاوية على حاله، فقال له مولّى له: فداك أبي، إنّ معاوية إنّما يقدّمك للموت، إن كان لك الظّفر فهو يلي، و إن قتلت استراح منك و من ذكرك (5)،فأطعني و اعتل؛ قال: ويحك قد عرفت ما قلت، فقالت له امرأته بحريّة بنت هانئ: ما لي أراك مشمّرا؟ قال: أمرني أمير المؤمنين أن أسير في الشهباء، قالت: هو و اللّه مثل التابوت لم يحمله أحد قطّ إلاّ قتل، أنت تقتل و هو الذي يريد معاوية، قال: اسكتي و اللّه لأكثرنّ من القتل في قومك اليوم، فقالت: لا تقل هذا (6)،خدعك معاوية، و غرّك من نفسك، و ثقل عليه مكانك، قد أبرم هذا الأمر هو و عمرو بن العاص قبل اليوم فيك، لو كنت مع عليّ أو جلست في بيتك كان خيرا لك قد فعل ذلك أخوك (7) و هو خير منك، قال: اسكتي - و هو يتبسّم ضاحكا - لترينّ الأسارى من قومك حول خبائك هذا، قالت: و اللّه لكأنّي راكبة دابّتي إلى قومي أطلب جسدك لأن أواريه؛ إنك مخدوع، إنّما تمارس قوما غلب الرّقاب (8)،فيهم
ص: 63
الحرون، ينظرونه نظر القوم إلى الهلال (1)،لو أمرهم ترك الطعام و الشراب ما ذاقوه؛ قال:
أقصري من العذل، فليس لك عندنا طاعة. فرجع عبيد اللّه إلى معاوية فضمّ إليه الشهباء، و هم اثنا عشر ألفا، و ضمّ إليه ثمانية آلاف من أهل الشام، فيهم ذو الكلاع في حمير؛ فقصدوا يؤمّون عليّا، فلمّا رأتهم ربيعة جثوا على الرّكب و شرعوا الرّماح، حتى إذا غشوهم ثاروا إليهم، و اقتتلوا أشدّ القتال، ليس فيهم إلاّ الأسل و السيوف؛ و قتل عبيد اللّه، و قتل ذو الكلاع (2)؛و الذي قتل عبيد اللّه زياد بن خصفة التيميّ (3)،فقال معاوية لامرأة عبيد اللّه: لو أتيت قومك فكلّمتهم في جسد عبيد اللّه بن عمر؟ فركبت إليهم و معها من يجيرها، فأتتهم، فانتسبت، فقالوا: قد عرفناك، مرحبا بك فما حاجتك ؟ قالت: هذا الذي قتلتموه، فأذنوا لي في حمله، فوثب شباب من بكر بن وائل فوضعوه على بغل، و شدّوه، و أقبلت امرأته [إلى عسكر معاوية، فتلقّاها معاوية بسرير فحمله عليه و حفر له و صلّى عليه و دفنه ثم جعل] (4)يبكي [و] (5) يقول: قتل ابن الفاروق في طاعة خليفتكم حيّا و ميتا، و إن كان اللّه قد رحمه و وفّقه للخير، قال: تقول بحرية و هي تبكي عليه، و بلغها ما يقول معاوية فقالت: أمّا أنت فقد عجّلت له يتم ولده و ذهاب نفسه، ثم الخوف عليه لما بعد أعظم الأمر. فبلغ مع معاوية كلامها فقال لعمرو بن العاص: أ لا ترى ما تقول هذه المرأة ؟ فأخبره فقال: و اللّه لعجب لك، ما تريد أن يقول الناس شيئا؟! فو اللّه لقد قالوا في خير منك و منّا، فلا يقولون فيك ؟ أيها الرجل، إن لم تغض عما ترى كنت في نفسك في غمّ . قال معاوية: هذا و اللّه رأيي الذي ورثت من أبي.
كتب (1) عامل الحجاز إلى عبد الملك بن مروان: إنّ بالحجاز رجلا يقال له ابن مسجح (2)،أسود يغنّي، و قد أفسد رهبان (3) قريش، و أنفقوا عليه أموالهم. فكتب إليه في نفيه عن الحجاز و أخذ ماله، فنفي، فخرج إلى الشام في صحبة رجل له جوار مغنّيات، فكان معه حتى بلغا دمشق، فدخلا مسجدها، فسألا من حضر عن أخصّ الناس بالخليفة ؟ فقالوا:
هؤلاء النفر من قريش و أخصّهم بنو عمه؛ فعمد ابن مسجح إلى القرشيّين فسلّم عليهم و قال لهم: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض، و كانوا قد تواعدوا أن يذهبوا إلى قينة يقال لها:«برق الأفق»، فتثاقلوا به إلاّ فتى منهم تذمّم (4)فقال: أنا أضيفك، و قال لأصحابه: انطلقوا أنتم و أنا أذهب مع ضيفي، فقالوا له: لا، بل تجيء أنت و ضيفك، فذهبوا جميعا إلى بيت القينة؛ فلمّا أتوا بالغداء قال لهم ابن مسجح:
إنّي رجل أسود، فلعلّ فيكم من يقذرني، فأنا أجلس ناحية، و قام، فاستحوا (5) منه و بعثوا إليه بما أكل، فلما صاروا إلى الشراب، قال لهم مثل ذلك، ففعلوا به، و أخرجت لهم القينة جاريتين، فجلستا على سرير قد وضع لهما، فغنّتا إلى العشاء، ثم دخلتا، و خرجت جارية حسنة الوجه و الهيئة، و هما معها، فجلست على السرير و جلستا أسفل منها عن يمين السرير و شماله؛ قال ابن مسجح: فتمثلت بهذا البيت:
فقلت أشمس أم مصابيح بيعة *** بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم
فغضبت الجارية و قالت: أ يضرب لنا هذا الأسود الأمثال ؟! فنظروا إليّ نظرا منكرا، و لم يزالوا يسكتونها (6)،ثم غنّت صوتا فقلت: أحسنت و اللّه، فغضب مولاها و قال: هذا الأسود يقدم على جاريتي! فقال لي الرجل الذي أنزلني عليه: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت أقوم، فتذمّم القوم مني و قالوا: بل أقم و أحسن أدبك، فأقمت،
ص: 65
و غنّت لحنا لي فقلت: أخطأت و اللّه - أي زانية - و أسأت، ثم اندفعت فغنّيت الصّوت، فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا و اللّه أبو عثمان سعيد بن مسجح، فقلت: إني و اللّه أنا هو، و لا أقيم عندكم، فوثب القرشيّون، فقال لي: هذا يكون عندي، و قال هذا: لا بل يكون عندي، فقلت: لا و اللّه لا أقيم إلاّ عند سيّدكم - يعني الرجل الذي أنزله - و سألوه عمّا أقدمه ؟ فأخبرهم، فقال له صاحب منزله: أنا أسمر الليلة عند أمير المؤمنين فهل تحسن أن تحدو؟ قال: لا و اللّه، و لكنّي أصوغ لحنا على الحداء، قال: فافعل، فصنع لحنا على ألحان الحداء في هذا الشعر:
إنّك يا معاوي (1) المفضّل *** إن زلزل الأقوام (2) لم تزلزل
عن دين موسى و الكتاب المنزل *** تقيم أصداغ القرون الميّل
للحقّ حتى ينتحوا للأعدل
و سمعه الفتى فقال: أحسنت و اللّه، و أجدت، رح معي، فراح معه و جلس على الباب، فلما طابت نفس عبد الملك بعث القرشيّ بغلامه إليه أن يعلو السّور و يرفع صوته بالأبيات، و كان من أحسن الناس صوتا، ففعل، فلما سمع عبد الملك صوته طرب و قال: من هذا؟ قال الفتى: هذا رجل من أهل الحجاز قدم علينا، فأحببت أن تسمع حداءه؛ قال: هاتوه فجاءوا به، فسمعه من قريب، ثم قال: أ تغنّي غناء الرّكبان ؟ قال: نعم، قال: فغنّ ، فغنّاه فازداد طربه و استزاده، ثم قال له: هل تغني الغناء المتقن ؟ قال: نعم، قال: غنّ ، فغنّاه، فاهتزّ عبد الملك طربا، و استزاده فقال له: أقسم إنّ لك في القوم اسما كبيرا فمن أنت منهم ؟ قال: أنا المظلوم المنفيّ ، المقبوض ماله ابن مسجح، فأمر بالكتاب إلى عامله بردّ ماله، و ألاّ يعرض له بسوء إذا عاد إلى وطنه. و أمر له بمائة، و سأل القرشيّ عن خبره ؟ فأخبره به، فضحك حتى استغرب، فقال عن الصوت الذي أخطأت فيه الجارية فغنّاه و هو للحادرة (3)(4):
بكرت سميّة غدوة فتمتّع *** و غدت غدوّ مفارق لم يرجع (5)
ص: 66
و تعرّضت لك فاستبتك بواضح (1) *** صلت كمنتصّ (2) الغزال الأتلع (3)
أ سمي ما يدريك كم من فتية *** باكرت لذتهم بأدكن مترع
بكروا عليّ بسحرة فصحبتهم (4) *** من عاتق كدم الذبيح مشعشع
فطرب عبد الملك و رمى إليه بمطرف كان عليه، و قال له: كن مع الحرس ما دمت مقيما حتى نأنس بصوتك، ففعل، و توسّل مولى برق الأفق إليه بصاحب منزله حتى وصل إليه فوصله صلة سنيّة، و أخذت جاريته عنه فأكثرت، و انصرف.
9316 - بلقيس (5) بنت شراحيل (6) الهدهاد بن شرحبيل
و في نسبها اختلاف، ملكة سبأ. قيل: إنّها ملكت اليمن تسع سنين، ثم كانت خليفة عليها من قبل سليمان بن داود أربع سنين.
قال مسلمة بن عبد اللّه بن ربعي:
لما أسلمت بلقيس تزوّجها سليمان بن داود و مهرها باعلبك (7).
روى أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«أحد أبوي بلقيس كان جنّيّا»[13719].
سئل الحسن عن ملكة سبأ، و قالوا: إنّ أحد أبويها جنّي ؟ فقال الحسن: لا يتوالدون؛ أي إنّ المرأة من الإنس لا تلد من الجن.
قال مجاهد:
ص: 67
كان تحت يدها اثنا عشر ألف قيل (1)،تحت يد كلّ قيل مائة ألف (2).
و عن مجاهد:
إن ذا القرنين ملك الأرض كلّها إلاّ بلقيس صاحبة مأرب (3)،و إن ذا القرنين كان يلبس ثياب المساكين ثم يدخل المدائن فينظر من عورتها قبل أن يقاتل أهلها؛ فأخبرت بلقيس بذلك، فبعثت رسولا يصوّر لها صورته في ملكه حين يقعد، و صورته في ثياب المساكين، ثم جعلت كلّ يوم تطعم المساكين فتجمعهم، فجاءها رسولها بصورته، فجعلت إحدى صورتيه على باب بيتها، و الأخرى على باب الأصطوان، فكانت تطعم المساكين كل يوم، فإذا فرغوا عرضتهم واحدا واحدا حتى جاء ذو القرنين في ثياب المساكين، فدخل مدينتها، ثم جلس المساكين إلى طعامها، فلما فرغوا أخرجتهم واحدا واحدا و هي تنظر إلى صورته في ثياب المساكين، حتى مرّ ذو القرنين فنظرت إلى صورته فعرفته فقالت: احبسوا هذا، فقال لها: لم حبستني فإنما أنا مسكين من المساكين ؟ قالت: أنت ذو القرنين و هذه صورتك في ثياب المساكين، و اللّه لا تفارقني أو تكتب أمانا بملكي أو أضرب عنقك؛ فلما رأى ذلك كتب لها أمانا بملكها. فلم ينج منه أحد غيرها.
و عن قتادة:
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ (4) قال:
بلغني أنها امرأة تسمّى بلقيس - أظنّه قال: بنت شراحيل - أحد أبويها من الجن (5)، مؤخر أحد قدميها مثل حافر الدابّة (6)؛و كانت بأرض يقال لها مأرب، على ثلاثة (7)أيام من صنعاء.
ص: 68
خرج ذو رعين ملك اليمن يتصيّد و معه العساكر، فطاب له الصيد و انقطع عن عسكره؛ فعطش و اشتدّ عطشه، فسار في تلك الصحراء يطلب ماء إذ رفع له خباء فقصده، فإذا شيخ محتب بفناء الخيمة فقال: أنعم صباحا أيّها الشيخ، قال: و أنت، قال: اسقني ماء، فقال الشيخ: يا حسنه اسقي عمّك ماء، فخرجت جارية كأنها الشمس الطالعة، أصاب الصحراء من نور وجهها، و بيدها كأس من ياقوت أحمر، فتعجّب الملك من جمالها و قال: في قصري ألف جارية ما فيهنّ جارية في جمالها، و لا في مملكتي مثل هذا الكأس؛ فأخذ الكأس من يدها فشرب حتى روي، و انصرفت، فقال الملك: أيّها الشيخ ما هذه الجارية منك ؟ قال:
ابنتي، قال: أ لها زوج ؟ قال: لا و لا تزوّجت قطّ ، قال: أ فتزوّجني إيّاها؟ قال: لا، قال:
و لم ؟ قال: لا تصلح لك، قال: لأيّ شيء؟ قال: لأني من الجن و أنت من الإنس، قال الملك: قد رضيت و أنا كفؤ كريم، أنا ذو رعين ملك اليمن بيدي و الحجاز و السّند و الهند، و قد هويت ابنتك فلا تحرمني إيّاها، فقال لها الشيخ: ما تقولين ؟ قالت: إن أجابني إلى خصلة واحدة تزوجت به! قال الملك: و ما هي ؟ قالت: لا تسألني عن شيء أعمله لم عملته، فإنّي لا آلوه نصحا؛ فمتى سألني عن شيء فعلته لم فعلته فهو طلاقي، و لا يراني أبدا، فأجابه الملك إلى ذلك، و أحضر الشيخ إخوانه من الجنّ و أقاربه، و عقد نكاح ابنته، و سار الملك إلى قصره و حملت إليه و دخل بها و جليت عليه، فكانت كل يوم تتصوّر له في صورة جديدة، و ثياب جدد، و حليّ جديد، ثم حملت منه؛ و كان للملك ذي رعين سبعون بنتا و ما رزق ابنا قطّ ، و هو يشتهيه و يتمنّاه، فلمّا تم حملها ولدت ابنا من أحسن البنين، فبشّر الملك بذلك فسرّ سرورا عظيما و فتح بيوت الأموال للصدقات و الجوائز، و قطعت ثياب الخلع للأمراء و القوّاد، و صنعت السروج، و أعدّ الطعام كل ذلك الأسبوع؛ فوثبت إلى الابن فذبحته، و إلى الطعام فأراقته، و إلى الخلع و السروج فضرّمت فيها النار؛ و لما بلغ ذلك الملك غضب غضبا شديدا و همّ بقتلها و قام ليسألها لم صنعت ذلك فقال له وزيره: كيف حبّك لها؟ قال: ما أحببت شيئا قطّ كحبّي لها، و لو غابت عن بصري حسبت التلف على نفسي، فقال: أيها الملك، لا تلم إلاّ نفسك إذ تزوّجت جنيّة ليست من جنسك و لا تحبّك و لا تشفق عليك، و لعلّها تبغضك و تريد فراقك ففعلت هذا! لتسلها، فتخرج من قصرك فيكون ابن الملك قد مات و يزول عن الملك من يحبّه و يهواه فلا يطيق فراقه و يعطيها مناها، فقال الملك: أما بغض فما تبغضني لأني أتتني محبّتها لي و شفقتها عليّ . و توقّف الملك عن مسألتها، و هي مع ذلك متحنّنة على الملك غير مقصرة عن خدمته و التذلّل له، فلمّا طهرت من نفاسها واقعها الملك فحملت،
ص: 69
فلما تمّ حملها ولدت بنتا، و لا شيء أبغض إليه من البنات إذ له سبعون بنتا، فلما ولدتها أرسلت إليه: أيّها الملك افتح بيوت الأموال و صدّق وهب و أعط ، و ادع الأمراء و القواد؛ فلمّا وصلت إليه الرسالة لم يملك نفسه من الغضب أن صار إليها فقال: ما هذه ؟ أنا لم يجئني ابن قطّ ، فلما جاءني و سررت به ذبحته و حرمتني إياه، فلما جاءتني ابنة و أنا لها كاره أمرتني بالفرح و السرور و هو عندي حزن؛ فما الذي دعاك إلى ذبح ابني و مهجة قلبي ؟! فلمّا قال لها ذلك أسبلت عينها بالدموع و البكاء، و لطمت وجهها و هتكت ثيابها و حلقت شعرها و قالت:
أيها الملك طلقتني بعد صحبة خمس سنين، و ما أحببت شيئا قطّ حبّي إيّاك، فكان هذا جزائي منك أو أملي فيك! ثم قالت: أيها الملك، اعلم أني ذبحت ابني و مهجة قلبي في هواك و محبتك، و ذلك أنّ والدي الذي رأيته ممّن يسترق السمع من السماء، فلما ولدت الابن عرج أبي إلى السماء فسمع الملائكة يقولون: إنّ اللّه قد قضى على ابنك أنّه إن عاش حتى يبلغ الحلم يذبحك على فراشك، فمن شدّة حبّي لك آثرتك على ابني و رأيت أن أذبحه صغيرا و لا يكبر، فيدخل قلبي من محبته ما أعاونه عليك، و لقد وجدت عليه مثلما تجد الوالدة على ولدها، إلاّ أني رأيت أنها نار أطفئت، كل ذلك محبة للملك، و أما الثياب و السروج التي حرقتها و الطعام الذي أهرقته فإنّ لي ابن عمّ كان مسمّى علي، فلمّا صرت إليك حسدني و عاداني، فلمّا ولدت الابن جاء ابن عمّي فسمّ الطعام و الثياب و السروج ليهلك الملك و رجاله؛ فلذلك فعلت الذي فعلت، فلما ولدت هذه الابنة صعد أبي إلى السماء فاسترق السمع فسمع الملائكة يتحدّثون أنّ هذه البنت أبرك بنت ولدت على وجه الأرض، و أشرفه و أجلّه، و إنها وارثة ملكك بعد أن يغصبه غاصب ليس من أهله، فهي التي ترتجّ منها البلاد، و تملك اليمن و حضر موت و الحجاز و يجلّ سلطانها و يعظم شأنها حتى يكون تحت يدها ألف أمير، و تحت يد كل أمير ألف قائد، تحت يد كل قائد ألف جندي، و إنه يتزوّج بها نبيّ يكون في زمانها يقال له سليمان، تسمع له الجنّ و الإنس و الشياطين و السحاب و الرياح و يسخّر ذلك كلّه له، و يسمعون و يطيعون أمره، و يفهم كلام الوحش و الطير، فيكون بيده نصف الأرض فاستوص أيها الملك بها خيرا إذ حرمتني قربها، و انظر كيف تكون لها بعدي، فلن تراني أبدا لا أراك بعد يومي هذا. ثم غابت عن بصره.
و عن ابن عباس قال:
كان سليمان إذا سار في ملكه فالإنس عن يمينه، و الجنّ عن يساره، و الشياطين بين يديه، و الوحوش خلفه، و الطير تظلّه و الريح تحمله؛ و كان دليله على الماء في المفاوز
ص: 70
الهدهد، فإذا احتاجوا إلى الماء جاء الهدهد فشمّ الأرض ثم نقر بمنقاره، فيحفر الماء على وجه الأرض، فبينما سليمان يسير بين المشرق و المغرب في مفازة احتاج الجنود إلى الماء، و كان الهدهد غائبا، فشكت الجنود العطش إلى آصف - و كان صاحب أمر سليمان - فقال: أيها الملك إنّ الجنود قد عطشوا و لا ماء، فرفع سليمان رأسه فنظر إلى الطير ففقد الهدهد فقال:
مٰا لِيَ لاٰ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كٰانَ مِنَ الْغٰائِبِينَ (1) فقالت الطير: هو من الغائبين، فغضب سليمان فقال: بعد عني و أنا في المفازة معي الجنود لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذٰاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطٰانٍ مُبِينٍ (2)قال: عذر مبين، فلما سمع الطير ذلك استقبلوا الهدهد فقالوا:
ويلك أين كنت (3)؟قد غضب عليك و حلف ليعذّبنّك أو ليذبحنّك أو لتأتينّه بعذر مبين يخرجك من ذنبك (4)،فلما سمع الهدهد ذلك أدبر راجعا، فارتفع حتى أشرف على الجبال و البحور، فبينا هو كذلك إذ أشرف على جبل سبأ، و نظر إلى بلقيس ملكتهم و هي جالسة على عرشها، و بين يديها ألف رجل متقلّدون السيوف، قيام، كلّ رجل منهم ملك على قومه؛ فلما رأى الهدهد ذلك قال: هذا حجتي التي أرجع بها إلى سليمان، فرجع فوقع بين يدي سليمان فسجد فقال سليمان: ما لك ؟ و أين غبت ؟ فقال: أَحَطْتُ بِمٰا لَمْ تُحِطْ بِهِ ، وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (5)قال: و ما نبؤك ؟ قال: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ، وَ لَهٰا عَرْشٌ عَظِيمٌ إلى فَهُمْ لاٰ يَهْتَدُونَ (6)فدعا سليمان برقّ فكتب فيه بيده و طواه و ختمه بخاتمه، و لم يكتب فيه عنوانا ثم قال سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ إلى فَانْظُرْ مٰا ذٰا يَرْجِعُونَ (7)فانطلق الهدهد بالكتاب حتى ألقاه في حجر بلقيس.
و في رواية:
فجاء الهدهد و قد غلّقت الأبواب، و كانت تغلق أبوابها و تضع مفاتحها تحت رأسها،
ص: 71
فجاء الهدهد فدخل من الكوّة فألقى الصحيفة عليها، ففرحت و ظنّت أنه ألقي إليها من السماء فقالت: يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتٰابٌ كَرِيمٌ (1)و ظنّت أنّه من عند اللّه، فمن هناك سمّته كريما، فلو أنّها علمت أنّه من سليمان ما سمّته كريما، و كانت هي أعزّ في نفسها من أن تسمّي كتاب سليمان كريما، فلمّا فتحته قالت: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمٰانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ، أَلاّٰ تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قٰالَتْ : يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مٰا كُنْتُ قٰاطِعَةً أَمْراً حَتّٰى تَشْهَدُونِ (2)قالوا: أيها الملكة ما أحد في الأرض أعزّ منا منعة، و لا أقوى منا بمال، و لا أشدّ منا بطشا و لا أبعد منا صوتا، و لا أقهر منا عزا، فنرى أن نسير إليهم وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مٰا ذٰا تَأْمُرِينَ (3)فقالت: إن سليمان قد ادّعى أنه نبي، فإن كان صادقا فإنّ اللّه معه، و من يكن اللّه معه يغلب، و إن كان نبيّا ثم سرنا إليه أهلكنا بجنود اللّه، و إن سار إلينا فوطئنا بمن معه من الجنود كان فساد بلادكم و أهل ملتكم، و لكنّي باعثة إليه بهديّة، فإن كان سليمان ملكا يرضى بالدنيا و يريدها (4)،فإنه سيرضى منّا بالهدايا و اللّطف، و إن كان نبيّا فإنه لا يرضى دون أن نأتيه مسلمين أو مقهورين، فإن كان نبيا أتيناه مسلمين أحبّ إلينا من أن يطأ بلادنا، فقال القوم: فأمرك عندنا طاعة؛ فبعثت إليه بثلاث لبنات من ذهب في كلّ لبنة مائة رطل من ذهب، و ياقوتة حمراء طولها شبر، مثقوبة، و ثلاثين و صيفا قد حلقت رءوسهم، و ثلاثين وصيفة قد حلقت رءوسهنّ ، و كتبت إليه: إنّي قد بعثت إليك بهديّة فاقبلها؛ و بعثت إليك بياقوتة طولها شبر مثقوبة فأدخل فيها خيطا ثم اختم على طرفي الخيط بخاتمك؛ و بعثت إليك بثلاثين و صيفا و ثلاثين وصيفة تميّز الغلمان من الجواري و لا تجرّد منهم أحدا. فلمّا فصلت الرسل (5)من عندها جاء دمرياط - و كان أميرا على الشياطين - فقال لسليمان: إنّ بلقيس قد بعثت إليك بثلاث لبنات من ذهب، و ياقوتة حمراء، و ثلاثين و صيفا و ثلاثين وصيفة؛ فقال سليمان لدمرياط : افرشوا من باب مجلسي إلى طريق القوم ثمانية أميال في ميل عرضا لبن ذهب، فبعث دمرياط الشياطين فقطعوا من الجبال الملس، فموّهوه بالذهب، ففرشوا من باب
ص: 72
سليمان الطريق للرسل ثمانية أميال في ميل عرضا، و نصبوا على جنبتي الطريق أساطين من ياقوت أحمر، فلما جاءت الرّسل فنظروا إلى الذهب و الياقوت! فقال بعضهم لبعض: أين ننطلق إلى هذا الرجل بثلاث لبنات من ذهب و عنده من الذهب ما قد فرش به الطريق!؟ فقال رئيسهم: إنما نحن رسل نبلغ ما أرسل به معنا؛ فمضوا حتى دخلوا على سليمان، فقرأ كتاب بلقيس، و وضعوا اللّبنات بين يديه فقال: أَ تُمِدُّونَنِ بِمٰالٍ إلى تَفْرَحُونَ (1)قال: تفرحون بثلاث لبنات ذهب ؟! انطلقوا فخذوا ما رأيتم ثلاثمائة أو ثلاثة آلاف أو ثلاثين ألفا أو ثلاث مائة ألف أو ثلاثة آلاف ألف، فقالوا: أيّها الملك إنما نحن رسل، فأمر بقبض اللّبنات، ثم دعا بالياقوتة فأخذ ذرّة فربط فيها خيطا ثم أدخلها في ثقب الياقوت حتى خرجت من الجانب الآخر، ثم جمع طرفي الخيط ثم ختم عليه، ثم دعا بتور (2)من ماء، فوضعوه، ثم أمر أولئك الوصفاء أن يتوضّئوا واحدا واحدا فميّزهم بالوضوء، الغلمان من الجواري ثم قال: هؤلاء غلمان و هؤلاء جوار. قالت الرسل: أيّها الملك اكتب إليها بجواب كتابها، فقال: لا، ارجعوا إليهم فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاٰ قِبَلَ لَهُمْ بِهٰا الآية (3)،فرجعت إليها الرسل فقالت: ما جئتم به من عند سليمان ؟ فقالوا: ما كنت صانعة حين يأتيك الجنود فالآن. فاستقلّت و من معها و حملت الخزائن و السلاح على سبعين فيلا، ثم توجّهت و معها أولئك الألف الذين بين يديها، و خلّفت عرشها، فلما فصلت جاء دمرياط فقال: أيها الملك إنّ بلقيس قد خرجت إليك و معها ألف ملك قد حملت خزانها و سلاحها على سبعين فيلا، فقال سليمان: ما فعل عرشها أ معها أم خلّفته ؟ فقال: بل خلّفته، قال سليمان: ف أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهٰا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (4)؟ قال دمرياط : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقٰامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (5) و كان سليمان يصلّي الصّبح ثم يجلس للناس إلى طلوع الشمس، فقال: آتيك به من حين تجلس إلى حين تقوم، فقال سليمان: أريد أعجل من ذلك، فقال آصف (6):
ص: 73
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (1) قال: يرتد إليك طرفك: هو أن تنظر إلى الشيء فتتبيّن أنه حمار أو دابّة حتى ينتهي إليك أو تنتهي إليه؛ و كان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف. قال: أنت ؟! قال: نعم، قال: فافعل، فنزّل آصف قائم السيف من يده ثم رفع يده فإذا العرش موضوع بين يدي سليمان، فكاد سليمان أن يفتتن، فقال: ربّ سألتك ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، ربّ فجعلت في ملك يميني و في خولي و من يجري عليه رزقي من قدر على هذا و لم أقدر عليه، هذا نقصان في ملكي، فدخلت سليمان فتنة، ثم عصم فراجع فقال: أ ليس هٰذٰا مِنْ فَضْلِ رَبِّي، لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ الآية (2). قٰالَ : نَكِّرُوا لَهٰا عَرْشَهٰا (3)،و كان عرشها عليه صفائح من ذهب و فضة، قد ركّبت فيه فصوص الياقوت الأحمر و الزّبرجد الأخضر و الدّر و اللّؤلؤ، و كان للعرش قائمتان من زبرجد و قائمتان من ياقوت أحمر، فكان تنكيرهم إيّاه، أن نزعوا صفيحة الذهب، فجعلوها مكان الفضّة، و صفيحة الفضّة مكان الذهب، و الياقوت مكان الزّبرجد، و الدّرّ مكان اللّؤلؤ، و القائمتين للزّبرجد مكان القائمتين للياقوت، فجاءت بلقيس فدخلت على سليمان و قد وضع لها بين يدي سليمان كرسي، فجلست عليه، فقال سليمان:
أنت امرأة من العرب يا بلقيس في بيت ملك و مملكة، تعبدين الشيطان و تشركين باللّه، و تكفرين النّعم ؟! فقالت: يا سليمان إنّك نبيّ مصطفى و قد انتخبك اللّه لنفسه، و اختارك لخلقه، و رضي بك لعباده، و لا ينبغي لك أن تعيّرني، لأنّ اللّه تعالى يغيّر و لا يغيّر؛ فكفّ سليمان عنها، فأنشأت تذكر منزلتها و مجلسها، فقال سليمان لآصف: خذ بيدها فأدخلها صرحي، و كان صرح سليمان ميلا في ميل، طول سقفه ثمانون ذراعا قارورة خضراء، أرضه و جدره و سقفه، فلما قامت بلقيس على باب الصّرح حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ سٰاقَيْهٰا و كانت بيضاء، كثيرة الشعر، فنظر سليمان إلى ساقيها ثم صرف بصره فقال آصف: أرسلي ثيابك إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوٰارِيرَ ،فلما مشت في الصّرح و رفعت رأسها و نظرت قالت في نفسها: لا و اللّه ما هذا عمل الإنس، قالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمٰانَ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ (4)،فقال سليمان لدمرياط : اصنعوا شيئا يذهب شعر بلقيس (5)،فقال:
ص: 74
الحلقة، فقال سليمان: هذا يحلق ما ظهر فكيف بما بطن ؟ فصنعوا النّورة (1)،فكانت النّورة أوّل ما صنعت. فأمر سليمان ببلقيس فانطلق بها إلى النساء فهيّئت، فتزوّجها سليمان فأحبّها و نزلت منه بمنزلة لم ينزلها أحد من نسائه.
و كان سليمان قبل أن يتزوّج بلقيس لا يدفع خاتمه إلى أحد و لا يأمن عليه أحدا، فلمّا تزوّج بلقيس أمّنها على خاتمه، و كان إذا دخل لحاجته جاءت بلقيس فدفع الخاتم إليها، فإذا قضى حاجته خرج فقال لها: هاتي ماء فتوضّئه، ثم يأخذ الخاتم منها فيخرج إلى الناس، فبينما هو ذات يوم قد دخل لحاجته، و قد دفع الخاتم لبلقيس؛ إذ جاء دمرياط (2) فدخل في صورة سليمان ثم تسوّر الحائط فخرج من باب المخرج فقال لبلقيس: هاتي ماء، فجاءته بماء فوضّأته، قال: هاتي الخاتم فأخذ الخاتم فلبسه فأفرغ على الخبيث بهجة الملك؛ و كان سلطان سليمان في خاتمه، فخرج الخبيث فجلس على عرش سليمان و بنو إسرائيل حوله جلوس لا ينكرونه، و آصف قام على رأسه لا يعرفه، فخرج سليمان من الحاجة، فثارت بلقيس، فقالت في نفسها: ما لسليمان أن دخل معه الخاتم ؟! فقال لها سليمان: هاتي ماء، فجاءته بماء، فتوضّأ. ثم قال: هاتي الخاتم قالت: قد دفعت إليك الخاتم، قال سليمان: يا بلقيس اتقي اللّه، فإنّ اللّه قد هداك على يدي للإسلام، و أخرجك من الشّرك و أهله، و إني قد ائتمنتك على سلطان ربّي الذي وهبه لي فلا ينبغي لك أن تخونيني، قالت بلقيس: و أنت يا سليمان فاتّق اللّه، فإنّ اللّه قد اصطفاك و أكرمك برسالاته، و لا ينبغي لك أن تخونني، فإني لم أخنك، فقال سليمان: من أخذ الخاتم ؟ قالت: أنت أخذته و لا أنكرك، فعرف سليمان أن البليّة قد نزلت، فاطّلع إلى مجلسه فإذا دمرياط جالس على عرشه، فطرح سليمان ثيابه و لبس ثيابا دونها ثم خرج يسيح في الأرض، فإذا جاع دخل بعض القرى فيأتي العجوز جالسة بباب بيتها فيستطعمها فتردّه فيقول: أطعميني فإني سليمان، فتقول: سليمان ملك الدنيا و تأخذ التراب و الحجارة و ترميه به و تقول: لم تكذب على سليمان ؟ فلم يزل يطوف حتى انتهى إلى بحر القلزم، فإذا صيّادون في سفينة يصيدون الحيتان، فقال لهم سليمان: أؤاجركم على نفسي على أن تطعموني. قالوا: نعم، فاستأجروه كلّ يوم بأربعة أرغفة و حوتين (3)،فكان
ص: 75
معهم فإذا جاءت السفينة فيها حيتان أخذ سليمان مكيلا فنقل الحيتان من السفينة إلى البر، فلم يزل مع الصيّادين.
و أنكرت بنو إسرائيل أحكامهم و أمورهم و قضاياهم؛ ففزع بعضهم إلى بعض و لقي بعضهم بعضا، و فزعت الأشراف إلى الفقهاء فقالوا: ما أنكرتم ما أنكرنا من أمر سليمان ؟ فقال الفقهاء: بلى، فقالوا: لئن كان هذا سليمان لقد خولط فهلكت الأرض و من عليها، فلقي الفقهاء آصف، فقالوا: هل أنكرت من أمر سليمان ؟ فقال: لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا، و كان آصف غلاما من أولاد الأنبياء، كان في حجر سليمان قد تبنّاه، و كان يدخل على نسائه، فقال الفقهاء لآصف: ادخل على النساء فسلهنّ ؛ فدخل آصف على النساء فسألهنّ ، فقلن: ما هذا سليمان و بكين (1)،و قلن: لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا و هلكتم و هلكت الأرض، لا و اللّه ما هو سليمان. و كان ذلك لتسع و ثلاثين ليلة من بليّة سليمان، فخرج آصف فقال: يا معشر بني إسرائيل افعلوا ما أنتم فاعلون، فإن هذا ليس بسليمان، و اجتمعت بنو إسرائيل و أجمعوا على أن ينهضوا بالفاسق دمرياط ؛ فبلغه ذلك فهرب، و ذهب معه بالخاتم صبيحة أربعين ليلة من بليّة سليمان حتى أتى بحر القلزم، و كان القلزم من أبعد البحور قعرا، فرمى بالخاتم في البحر و قال: لا يرجع إلى سليمان ملكه أبدا، ثم أتى جزيرة من القلزم فكان فيها، و بعث اللّه حوتا تدعى الملكة فالتقمت الخاتم حين طرحه الفاسق، فانطلق الصيّادون الذين معهم سليمان فألقوا شبكتهم، فجرّوا الشبكة و ألقوا ما فيها في السفينة، فأخذ سليمان مكيلا ينقل الحيتان على عنقه إلى الشاطئ حتى حان غداؤه، فقال لأصحابه: هاتوا غدائي فأعطوه رغيفين، ثم تناول بعضهم حوتا و طرحه إليه و هي الملكة، فأخذها و شق بطنها، فبدر الخاتم فأخذه سليمان فقبّله و وضعه في يده فجاءته الطير فأظلّته و جاءت الرّيح فحفّت به و جاءت الجنّ فطارت بجنبيه، فنظر إليه الملاّحون فكبّروا و خرّوا سجّدا له، فقالوا: أيها الملك إنّا لم نعرفك، فقال سليمان: لست ألومكم على ما كان، و لا أحمدكم على ما صنعتم، إنما هو سلطان ربّي أعطانيه قهر به خلقه، و سخّرهم لي.
و أمر الريح فحملته و من معه من الجنود تزيف (2) بهم على وجه الأرض و على البحور حتى أتى منزله؛ ثم قال للشياطين عليّ بالفاسق دمرياط ؛ فطافت الشياطين حتى وجدوه في
ص: 76
جزيرة القلزم، فصرخوا به فخرج، فقالوا: يا دمرياط أجبّ سليمان، قال: و أين سليمان ؟ أ ليس قد هلك، ألقيت خاتمه حيث لا يرجع ملكه إليه أبدا!؟ فقالوا: ويلك، إنّ سليمان قد ردّ اللّه إليه خاتمه و رجع إليه ملكه، فقال الفاسق: لا و اللّه لا آتيه أبدا، فرجعوا إلى سليمان فقالوا: إنه قد أبى، فدعا سليمان بطينة فختمها بخاتمه ثم قال: انطلقوا بهذه الطّينة و اصرخوا به، فإذا خرج فاطرحوا الطّينة إليه فإنّه سيأتي صاغرا، فانطلقوا فصرخوا به، فلمّا خرج إليهم، قالوا: انطلق إلى سليمان، قال: لا و اللّه، قالوا: فانظر في هذه الطينة، فطرحوا إليه الطّينة، فنظر فيها، فبكى و قال: قهرني سليمان بسلطان ربّي، فجاء حتى عبر إليهم فأخذوه و أوثقوه، و أتوا به سليمان، فلمّا كلمه سليمان قال له دمرياط : لا عذر لي فاصنع ما أنت صانع. فأمر سليمان الشياطين، فأتوه بحجر طوله أربعون ذراعا فقال: خذوا الخبيث فأدخلوه في جوفه، ثم أمر بالقطر - و هو النّحاس الأحمر - فصبّ عليه، ثم قال: خذوا هذه الصخرة فانطلقوا بها إلى القلزم فاطرحوه في قعرها ففعلت الشياطين (1).
قال ابن عباس:
لم يجر عرش صاحبة سبأ بين السماء و الأرض، و لكنه انشقّت له الأرض، فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان.
و كان عرشها ثلاثة أبيات بعضها على بعض من ياقوتة حمراء، على أربع دعائم.
قال أبو المليح:
أردت سفرا فأتيت ميمون بن مهران أودّعه فقال لي: لا تيأس أن تصيب في سفرك هذا أفضل ما طلبت، فإنّ موسى خرج يقتبس لأهله نارا فكلّمه اللّه، و إنّ صاحبة سبأ خرجت ليس شيء أحبّ إليها من ملكها فرزقها اللّه الإسلام.
قال همّام بن منبّه:
قدمت مكة فجلست إلى ابن الزّبير و معه جماعة من قريش. فقال رجل من قريش: ممّن أنت ؟ قلت: من اليمن. قال: ما فعلت عجوزكم ؟ قلت: أيّ عجوز؟ قال: بلقيس. قلت له:
عجوزنا أسلمت مع سليمان صلى اللّه عليه و سلم. و عجوزكم حمّالة الحطب في جيدها حبل من مسد.
ص: 77
روى الأوزاعيّ قال:
كسر برج من أبراج تدمر، فأصابوا فيه امرأة حسناء، دعجاء، مدرجة مدمجة (1)،كأنّ أعطافها طي الطوامير (2) المدرجة، عليها عمامة طولها ثمانون ذراعا مكتوب على طرف العمامة بالذهب:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم، أنا بلقيس ملكة سبأ، زوجة سليمان بن داود ملكت الدنيا كافرة و مؤمنة، ملكت ما لم يملكه أحد قبلي، و لا يملكه أحد بعدي، صار مصيري إلى الموت، فأقصروا يا طلاّب الدّنيا.
و لما تزوّج سليمان بلقيس قالت ما مسّتني حديدة قطّ ، فقال للشياطين: انظروا أي شيء يذهب بالشعر غير الحديد، فوضعوا له النّورة، فكان أول من وضعها له شياطين سليمان (3).
لم تنسب، كانت مع أبي عبيدة بدمشق، و شهدت وفاته.
حدّث عياض بن غطيف (4) قال (5):
دخلنا على أبي عبيدة بن الجرّاح نعوده، فإذا وجهه نحو الحائط و عنده امرأته تجيفة (6)، فقلنا: كيف بات أبو عبيدة ؟ فقالت: بات بأجر، فالتفت إلينا، فقال: ما بتّ بأجر. قال (7):
فسكتنا، فقال: أ لا تسلوني عما قلت! فقلنا و اللّه ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه. فقال: إنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«من أنفق نفقة فاضلة في سبيل اللّه فبسبع مائة، و من أنفق على نفسه و أهله، أو عاد مريضا (8)،أو أماط (9) أذى عن الطريق فحسنة بعشر أمثالها؛ الصّوم جنّة
ص: 78
ما لم يخرقها، و من ابتلاه اللّه ببلاء في جسده فهو له حطّة»[13720].
و كان سفيان صحّف اسم امرأة أبي عبيدة فقال: حفتة بالحاء.
قال سليمان بن عامر:
لما قدم عمر بن الخطاب الجابية، جلس في أمر الناس و القضاء بينهم حتى إذا حان الانصراف فقال: قم يا أبا عبيدة نحو منزلك. فقال: مرحبا و أهلا بأمير المؤمنين، و تقدّم إلى منزله، فقال لأهله: هذا أمير المؤمنين، ثم دخل عمر، فقالت امرأة أبي عبيدة: مرحبا بك يا أمير المؤمنين و أهلا، قال عمر: أ فلانة ؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: أما و اللّه لأسوءنّك، قالت: إيّاي تعني يا أمير المؤمنين ؟ قال: نعم. و الذي نفسي بيده لأسوءنّك، قالت: و اللّه ما تقدر على ذلك، فقال عمر: لا! قالت: لا و اللّه. فأشفق أبو عبيدة أن تبدر منه إليها بادرة، فقال: بلى و اللّه يا أمير المؤمنين، إن شئت لتفعلنّ . فقالت: كلاّ و اللّه ما هو على ذلك بقادر. فقال عمر: لكأنك تدلّين! قالت: إنك لا تستطيع تسلبني الإسلام، قال: لا و اللّه. قالت: فو اللّه ما أبالي ما كان بعد ذلك. قال عمر: استغفر اللّه، ثم سلّم. قال صفوان:
فسألت سليمان بن عامر ما الذي أغضب عمر عليها؟ قال: بلغه أن امرأة طاعية الرّوم حين فتحت دمشق أهدت لها عقد خرز و لؤلؤ و شيء من ذهب، لعلّه أن يساوي ثلاث مائة درهم.
و قد روي أنه لما قدم عمر نزل على أبي عبيدة، فخرجت بنت أبي عبيدة، و هي جويرية من داخل إلى عمر، فجعل عمر يسترسلها الكلام، ما حليك ؟ قالت: كذا و كذا، قال عمر:
حليك الذي تخرجين به ؟ فسمعت أمّها من داخل البيت، فقالت: كأنك تريد التاج، نعم، و قد أهدي له تاج، فقسمه أبو عبيدة بين المسلمين و لم يجعل لنا منه شيئا.
9318 - تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة (1) بن حصن (2) بن ضمضم
ابن عديّ بن جناب بن هبل الكلبيّة زوج عبد الرّحمن بن عوف
من أهل دومة الجندل (3) من أطراف دمشق، سكنت المدينة، و أدركت سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و هي أم أبي سلمة بن عبد الرّحمن الفقيه.
ص: 79
بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل (1) فتخلّف عن الجيش حتى غدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليه عمامة حرقانيّة (2) سوداء. فقال له:«ما خلّفك عن أصحابك ؟» قال: أحببت أن أكون أخرهم عهدا بك، فأجلسه، فنقض عمامته، و عمّمه بيده، و أسدلها بين كتفيه قدر شبر، و قال:«هكذا فاعتمّ يا بن عوف، اغد باسم اللّه، فجاهد في سبيل اللّه تقاتل من كفر باللّه، إذا لقيت شرفا (3) فكبّر، و إذا ظهرت فهلّل، و إذا هبطت فاحمد و استغفر، و أكثر من ذكري عسى أن يفتح بين يديك، فإن فتح على يديك، فتزوّج بنت ملكهم». و قال بعضهم: بنت شريفهم. و كان الأصبغ بن ثعلبة (4) شريفهم، فتزوّج بنته تماضر، فلمّا قدم بها المدينة رغب القرشيّون في جمالها، فجعلوا يسترشدونها، فترشدهم إلى بنات أخواتها و بنات إخوتها.
و تماضر أوّل كلبيّة نكحها قرشي (5)،و لم تلد لعبد الرّحمن بن عوف غير أبي سلمة.
قال عبد الرّحمن بن عوف:
لا تسلني امرأة لي طلاقا إلاّ طلّقتها، فأرسلت إليه تماضر تسأل طلاقها، فقال للرسولة:
قولي لها إذا حضت فلتؤذني، فحاضت، فأرسلت إليه، فقال للرسولة: قولي لها: إذا طهرت فلتؤذني، فطهرت، فأرسلت إليه في مرضه فقال: و أيضا، و غضب، فقال: هي طالق البتّة لا أرجع لها. فلم تمكث إلاّ يسيرا حتى مات، فقال عبد الرّحمن بن عوف: لا أورّث تماضر شيئا. فرفع ذلك إلى عثمان، فورّثها (6)،و كان ذلك في العدة (7)،فصالحوها من نصيبها من ربع الثمن على ثمانين ألفا و ما وفوها. و كنّ له أربع نسوة.
حدّث ابن أبي مليكة:
أنه سأل ابن الزّبير عن الرجل يطلّق المرأة فيبينها ثم يموت و هي في عدّتها؟ فقال عبد
ص: 80
اللّه بن الزّبير: طلّق عبد الرّحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبيّة فبتّها، ثم مات، و هي في عدّتها، فورّثها عثمان. قال ابن الزّبير: و أما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة.
و من شعر عمر بن أبي ربيعة (1):
ألا يا لقومي قد سبتني تماضر *** جهارا و هل يسبيك إلاّ المجاهر
أرتك ذراعي بكرة بحرية *** من الأدم لم تقطع مطاها العوابر
فبلغ الشعر تماضر، فتعلّقت بثوبه، و هو يطوف بالبيت، فقالت: سبيتني، و اجتمع الناس عليها، فقال: إنّي و اللّه ما سبيتها و لا أعرفها و لا رأيتها قطّ قبل ساعتي هذه. قالت:
صدق عدوّ اللّه، اشهدوا على كذبه، فإنه قال لي كذا و كذا.
و لمّا طلّق عبد الرّحمن بن عوف امرأته الكلبيّة تماضر حمّمها جارية سوداء - يقول:
متّعها إيّاها (2).
ابن الحارث، و يقال: بنت عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن الحارث
ابن أميّة الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشميّة المكيّة
وفدت على الوليد بن عبد الملك - بعد موت سهيل بن عبد الرّحمن (3) زوجها - في دين عليها، و هي التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة في شعره.
تزوّج سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف الثّريّا بنت عبد اللّه بن الحارث، فحملت إليه من مكّة إلى الشام (4)،فقال عمر بن أبي ربيعة (5):
ص: 81
أيّها المنكح الثّريّا سهيلا (1) *** عمرك اللّه كيف يجتمعان (2)
هي شاميّة إذا ما استقلّت *** و سهيل إذا استقلّ (3) يماني
فلمّا (4) وفدت على الوليد، دخل عليها الوليد و هي عند أمّ البنين بنت عبد العزيز، فقال: من هذه يا بنت عبد العزيز؟ قالت: هذه الثريا بنت عبد اللّه، جاءتك في دين ركبها، فأقبل الوليد على الثريا فقال: هل تروين من شعر عمر شيئا؟ فقالت: نعم، أما إنّه رحمه اللّه كان عفيف الشعر أروي قوله (5):
ما على الرّسم المعرّس (6) لو ب *** يّن رجع التسليم (7) أو لو أجابا
فإلى قصر ذي العشيرة (8) فالمأ *** لف (9) أمسى من الأنيس جوابا (10)
ربّما قد أرى به حيّ صدق *** طاهر (11) العيش نعمة و شبابا
و حسانا مثل المها خفرات *** حافظات عند الهوى الأحبابا (12)
لا يكثّرن في الحديث فلا يت *** بعن ينعقن بالبهام (13) الظّرابا (14)
فلما خلا الوليد مع أمّ البنين قال لها: للّه درّ الثريّا! أ ما تدرين ما أرادت بإنشادها الذي أنشدتني من قول ابن أبي ربيعة ؟ قالت: لا، قال: لما عرّضت لها به عرّضت لي بأنّ أمّي أعرابيّة (15).
ص: 82
قال إسحاق الموصلي:
بلغني أن الثريّا كانت من أكمل النساء، و أحسنهم خلقا، فكانت تأخذ جرّة من ماء فتفرغها على رأسها فلا تصيب باطن فخذها قطرة من عظم كفلها.
قال أبو سفيان بن العلاء:
بصرت الثريا بعمر بن أبي ربيعة و هو يطوف حول البيت فتنكّرت و في كفّها خلوق فرجمته، فأثّر الخلوق في ثوبه، فجعل الناس يقولون: يا أبا الخطّاب، ما هذا زيّ المحرم.
فأنشأ يقول (1):
أدخل اللّه ربّ موسى و عيسى *** جنّة الخلد من ملاني خلوقا
مسحت كفّها بجيب قميصي *** حين طفنا (2) بالبيت مسحا رفيقا
فقال له عبد اللّه بن عمر: مثل هذا القول تقول في مثل هذا الموضع!؟ فقال له: يا أبا عبد الرّحمن قد سمعت مني ما سمعت، فو ربّ هذه البنيّة (3) ما حللت إزاري على حرام قطّ .
قال الزّبير بن بكّار:
لما صرمت (4) الثريا عمر بن أبي ربيعة اشتدّ وجده بها، دعا غلاما له، ثم كتب معه في قرطاس (5):
من رسولي إلى الثّريا فإني (6) *** ضقت ذرعا بهجرها و اجتنابي (7)
و هي مكنونة (8) تحيّر منها *** في أديم الخدّين ماء الشباب
ص: 83
ذكّرتني من بهجة الشمس لمّا *** طلعت بين دجنة و سحاب
دمية عند راهب قسّيس (1) *** صوّروها في مذبح المحراب
فارجحنّت في حسن خلق عميم *** تتهادى في مشيها كالحباب (2)
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا *** عدد الرمل (3) و الحصى و التراب
سلبتني محاجر الماء عقلي *** فسلوها بما يحلّ اغتصابي (4)
ثم قال للغلام: انطلق بهذا الكتاب إلى ابن أبي عتيق (5) بالمدينة؛ فلمّا قرأ ابن أبي عتيق الكتاب قال: أنا و اللّه رسوله إليها، فسار من فوره لا يعلم به أهله حتى قدم مكة، فأتى منزل عمر، فوجده غائبا، فنزل عن دابّته و ركب دابّة لعمر، و قال لغلامه: دلّني على منزل الثّريا؛ فمضى معه، فلما انتهى إلى منزلها وجدها قد خرجت إلى البادية على رأس أميال من مكة، فخرج نحوها، فلمّا دنا من الحيّ صهل البرذون، فعرفت الثريّا صوته، فقالت لجواريها: هذا برذون الحبيب، ثم دعت براحلة، فرحّلتها و ركبتها و خرجت تلقاه، فإذا هي بابن [أبي] (6)عتيق، فقالت: مرحبا، قد آن لك أن نراك يا عم ما جاء بك ؟ قال: أنت و العاشق جئتما بي، فقالت: أما و اللّه لو بغيرك تحمل ما أجبناه و ليس لك مدفع، امرر بنا نحوه. قال: فأقبل نحو منزل عمر، و قد كان بعض غلمانه صار إليه فأعلمه أن رجلا قد صار إليهم من صفته كذا و كذا، قال: ويحك هو ابن أبي عتيق اسبقني إليه فقل له: هذا مولاي يأتيك الساعة. ثم انصرف مسرعا فصار إلى منزله فسأل عن ابن أبي عتيق فأخبر أنه قد توجه إلى الثريا، فلم يلبث إلاّ يسيرا حتى وافاه ابن أبي عتيق، فخرج إليه فقبّل يديه و رجليه، ثم قال: انزل جعلني اللّه فداك، فقال ابن أبي عتيق: مكة عليّ حرام إن أقمت بها ساعتي هذه، ثم دعا بدابته فتحوّل عنها، و شخص إلى المدينة راجعا.
ص: 84
9320 - جويرية بنت أبي سفيان صخر بن حرب (1)أخت أم حبيبة و يزيد و معاوية بني أبي سفيان
أسلمت بعد الفتح و بايعت سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و شهدت اليرموك، و سكنت دمشق، و أمهم جميعا هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.
دخلت جويرية بنت أبي سفيان على أخيها معاوية (2) تشكو إليه الأرق. فقال: و لم ذاك يا أخته ؟ قالت: أم و اللّه إنه لمن غير ألم، و ما هو إلاّ تفكر فيك و في علي بن أبي طالب، و تفضيل الناس عليا عليك، و أنت ابن صخر بن حرب بن أمية، و كان أمية من قريش لنابها (3)الذي تقضى عنده آرابها، و أنت ابن صخر بن حرب بن أمية، القائل الفاعل. ابن ماء المزن الحلاحل (4)،و أنت بعد ذلك كاتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و ذو صهره من أمته و نجيبه من عترته.
فقال لها معاوية: فعلى عليّ تعوّلين (5) بالشرف! و هو ابن عبد المطلب، المطعم في الكرب، الفرّاج للكرب، مع ما كان له من الفواضل و السوابق مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. أما إني سأريك التي حاولت و حاولت، حتى تعلمي فضل رأيي و حلمي، فادخلي القبة، و أرخى عليك السّجف (6).
ثم قال لآذنه: انظر من بالباب. فإذا هو بأربعة من بني تميم، الأحنف بن قيس (7)، و زيد بن جلبة (8)،و جارية بن قدامة (9)،و سماك بن مخرمة، فقال: ائذن للأحنف بن قيس
ص: 85
فدخل و قضى سلامه فقال: أيّها يا حنيف بني قيس! قال: مهلا يا أمير المؤمنين، بل الأحنف بن قيس (1).قال: أ أنت المطلع غدرا، النار في عطفيه شزرا، تحمل قومك على مدلهمات الفتن، و تذكرهم بقديمات الإحن، مع قتلك أمير المؤمنين عثمان، و خذلانك أم المؤمنين عائشة، و ورودك عليّ بالخيل يوم صفّين (2)!فقال: و اللّه يا أمير المؤمنين، إنّ منه ما أعرف، و منه ما أنكر، فأما قولك قتل أمير المؤمنين، فأنتم معشر قريش نحرتم ودجه (3)،و سقيتم الأرض دمه. و أما قولك خذلاني أم المؤمنين عائشة، فإني نظرت في كتاب اللّه فلم أر لها عليّ حقا إلاّ أن تقر في بيتها و تستتر بسترها. فلما برزت عطّلت ما كان لها عليّ من حق. و أما قولك ورودي عليك بالخيل يوم صفّين، حين أردت أن تقطع أعناقهم عطشا و تقتلهم غرثا.
و أيم اللّه لو أحد الأعجمين غلب كانوا أنكى شوكة و أشد كلبا. قال: اخرج عني.
ثم قال (4):ائذنوا لزيد بن جلبة. فدخل و قضى سلامه. فقال له: إيها يا زييد بني جليبة! قال: مهلا يا أمير المؤمنين، بل زيد بن جلبة يا أمير المؤمنين. إنا فررنا قريشا كلها، فوجدناك آمنها عهدا، و أوفاها عقدا، فإن تف فأهل الوفاء أنت، و إن تغدر فإنا خلّفنا خلفنا خيلا جيادا، و أذرعة شدادا، و أسنّة حدادا، و إن شئت لتصفينّ روعة صدورها بفضل رأيك و حلمك. قال: إذا نفعل. قال: إذا نقبل. قال: اخرج عني.
ثم قال: ائذن لجارية بن قدامة (5).فدخل و قضى سلامه. فقال له: إيها يا جويرية بني قدامة! قال: مهلا يا أمير المؤمنين، بل جارية بن قدامة يا أمير المؤمنين. إنا كنا نصّار حرب يوم الفجار، حين حزتم الغبار، و همّت قريش بالفرار. فقال له: مه، لا أرضى (6) لك، أنت الذي قريت أهل الشام ظباة السيوف و أطراف الرماح، قال: إي و اللّه يا أمير المؤمنين إني لأنا هو، و لو كنت بالمكان الذي كان فيه أهل الشام لقريتك بمثل ما قريتهم به، قال: فحاجتك يا
ص: 86
أبا فندش (1)؟قال: أما إنها إليك غير طويلة، تقرّ الناس في بيوتهم فلا توفدهم إليك، إنما يوفد إليك الأغنياء و تذرون الفقراء.
قال: ائذن لسماك بن مخرمة (2).فدخل و قضى سلامه. فقال: إيها يا سميك بني مخرمة! قال: مهلا يا أمير المؤمنين، بل سماك بن مخرمة، و اللّه يا أمير المؤمنين ما أحببناك منذ أبغضناك، و لا أبغضنا عليا منذ أحببناه، و إن السيوف التي ضربناك بها لعلى عواتقنا، و إن القلوب التي قاتلناك بها لبين جوانحنا، و لن قدّمت إلينا شبرا من غدر، لنقدّمن إليك باعا من ختر (3)،قال: اخرج عني.
ثم قال لأخته: الذي عانيت من قبيلة واحدة (4)،فما ذا رأيت ؟! قالت: و اللّه يا أمير المؤمنين لقد ضاق بي مجلسي حتى أردت أن أكلمهم لما كلموك به. قال: إذا و اللّه كانوا إليك أسرع، و عليك أجرأ، هم العرب لا تفرّوها.
ابن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان، المرية (5)
شاعرة، تزوجها يحيى بن الحكم بن أبي العاص (6) زوجه إياه أبوه، ثم طلّقها فأقبل إليها عقيل و معه ابناه العملّس و حزام (7)،فحملها، فقال في ذلك عقيل (8):
قضت و طرا من دير يحيى (9) و طالما *** على عجل ناطحنه بالجماجم
فأصبحن (10) بالموماة ينقلن فتية *** نشاوى من الإدلاج (11) ميل العمائم
ص: 87
ثم قال: أجز يا حزام، فأرتج عليه، فقالت الجرباء:
كأنّ الكرى يسقيهم صرخدية (1) *** عقارا تمشّت في القرى و التوائم (2)
فقال عقيل: شربتها و ربّ الكعبة، و شدّ عليها بالسيف، فطرح حزام نفسه عليها، فضربها، فأصاب حزاما. و قيل: إنّ الذي حال بينه و بينها عملّس.
9322 - حبابة (3) بالتخفيف، و هو لقب
و اسمها العالية، و تكنى أم داود مولاة يزيد بن عبد الملك، شبّب بها وضاح اليمن (4)بالحجاز، قبل أن تصير إلى يزيد، و هي من مولّدات المدينة.
كانت لرجل يعرف بابن مينا، و يقال: لآل لاحق المكيين (5)،أخذت الغناء عن ابن سريج و معبد و غيرهما، و كانت أحسن أهل عصرها وجها و غناء، و أحلاهم منظرا و شمائل و أشكلهم (6).
قال أبو الحسن الدارقطني:
حبابة قينة، كانت لسليمان بن عبد الملك بن مروان.
قالوا: و وهم في ذلك، و إنما كانت ليزيد بن عبد الملك، و هي التي ردّته بعد النسك
ص: 88
إلى الفتك، و كانت شاعرة متأدبة، و لها فيه مرتبة، و لها مع الأحوص أخبار.
قال ابن ماكولا (1):
حبابة بفتح الحاء المهملة و تخفيف الباء التي تليها المعجمة بواحدة (2).
حدث سلام الجمحي قال: بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك (3):
يا أمير المؤمنين: ببابك وفود الناس، و يقف ببابك أشراف العرب، فلا تجلس لهم، و أنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز، و قد أقبلت على هؤلاء الإماء؟!.
قال: إنّي لأرجو ألا تعاتبني على هذا بعد اليوم.
فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، و جاءت حبابة جاريته فلم يكلمها، فقالت: ما دهاك ؟ فأخبرها بما قال مسلمة، و قال: تنحّي عني حتى أفرغ للناس، قالت:
فأمتعني منك يوما واحدا، ثم اصنع ما بدا لك، قال: نعم، فقالت لمعبد (4):كيف الحيلة ؟ قال: يقول الأحوص أبياتا، و تغنّي فيها! قالت: نعم، فقال الأحوص (5):
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا *** فقد غلب (6) المحزون أن يتجلّدا
إذا كنت عزهاة (7) عن اللهو و الصّبا *** فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلاّ ما تحبّ (8) و تشتهي *** و إن لام فيه ذو الشنان (9) و فنّدا
فغنى به معبد، و قال: مررت البارحة بدير نصارى، و هم يقرءون بصوت شج فحاكيته في هذا الصوت، فلما غنّته حبابة قال: فعل اللّه بمسلمة، صدقت، و اللّه لا أطعتهم أبدا.
ص: 89
و قيل:
إن يزيد قال لجاريته حبابة و كان عاشقا لها شديد الوجد بها، فقال لها يوما: إني قد وليت فلانا الخادم ما حوته يدي شهرا لأخلو أنا و أنت فلا يشغلنا أحد.
فقالت: إن كنت و ليته فقد عزلته أنا، فغضب لذلك و خرج من المجلس الذي كان فيه.
فلما أضحى النهار و لم يرها ضاق صدره، و قلّ صبره، فدعا بعض خدمه و قال: اذهب فانظر ما الذي تصنع حبابة ؟ فمضى الخادم ثم رجع فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي مرتدية برداء أصفر، و هي تلعب بلعبها.
فقال: احتل في أن تجيز (1) علي، فذهب الخادم فلاعبها، ثم استل لعبة من لعبها وعدا بين يديها فتبعته تعدو وراءه، فمرت على يزيد، فلما بصر بها، قام إليها فاعتنقها و قال لها:
فإني قد وليته، قال: فولي الخادم و عزل و هو لا يدري.
ثم إنه خلا معها أياما و تشاغل عن النظر في أمور الناس، فدخل عليه مسلمة و عذله على ذلك، فأخذت العود و غنته:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا
قال أبو إسحاق: غنت جارية بين يدي يزيد بن عبد الملك (2):
و إنّي لأهواها و أهوى لقاءها *** كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا
علاقة حبّ كان (5) في سنن الصبا *** فأبلى و ما يزداد إلاّ تجلّدا
فغنت حبابة (6):
كريم قريش حين ينسب و الذي *** أقر له بالفضل كهلا و أمردا
ص: 90
فأرسلتها سلامة فغنت:
تردّى بمجد من أبيه و جدّه (1) *** و قد أورثا بنيان مجد مشيّدا
فطرب يزيد، و شق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض، ثم قال: أحسنتما أ فتأذنان لي أن أطير؟ قالت له حبابة: على من تدع الأمة ؟ قال: عليك.
قال يزيد بن عبد الملك لحبابة ذات يوم (2):
أ تعرفين أحدا هو أطرب مني ؟ قالت: نعم مولاي الذي باعني، فأمر بإشخاصه، فأشخص إليه مقيدا، فأدخل و حبابة و سلامة تغنيان، فغنته سلاّمة لحن الغريض (3):
تشطّ غدا دار جيراننا (4)
فطرب و تحرك في قيوده.
ثم غنته حبابة لحن ابن سريج (5) المجرد في هذا الشعر، فوثب و جعل يحجل (6) في قيده، و يقول: هذا و أبيكما ما لا تعذلاني به، حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فأحرقت، و جعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد و قال: هذا و اللّه أطرب الناس حقا، و وصله و سرّحه إلى بلده.
قال أبو أويس (7):قال يزيد بن عبد الملك:
ما تقرّ عيني بما ولّيت من أمر الدنيا حتى أشتري سلاّمة جارية مصعب بن زهير الزهري و حبابة جارية لاحق، فأرسل فاشترتا له، فلما اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قيل (8):
ص: 91
فألقت عصاها و استقرّ بها النّوى *** كما قرّ عينا بالإياب المسافر
و عن الزّبير بن بكار قال: قال يزيد بن عبد الملك (1):
زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوما واحدا، فإنّي أريد أ لا تخبروني غدا بشيء، فإني أريد أن أتخلّى نظري و لذتي، فلعلها تدوم لي، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا و شربا و طربا، و كان بين يدي حبابة رمان، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت، فمكث ثلاثا لا يدفنها، ثم غسلت بعد ثلاث و أخرجت، فمرّ يزيد في جنازتها.
و قيل:
إن يزيد بن عبد الملك نزل مكانا بالأردن يقال له، بيت رأس (2) و معه حبابة، فتوفيت، فمكث ثلاثا لا يدفنها حتى أنتنت يشمها و يرشفها، فكلمه قراباته في ذلك، و عابوا عليه ما يصنع، و قالوا: قد صارت جيفة بين يديك، حتى أذن لهم في غسلها و دفنها، فحملوها في نطع، و خرج معهم حتى أجنّها (3) في حفرتها (4)،فلما فرغوا قال: إنا و اللّه كما قال كثير بن أبي جمعة (5):
فإن تسل عنك النفس (6) أو تدع الصّبا *** فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد
و كلّ حبيب زارني (7) فهو قائل *** من اجلك: هذا هالك (8) اليوم أو غد
فما مكث بعدها إلاّ خمس عشرة حتى دفن.
دخل يزيد بن عبد الملك يوما بعد موت حبابة إلى خزانتها و مقاصيرها، فطاف فيها و معه جارية من جواريها، فتمثلت الجارية:
ص: 92
كفى حزنا بالواله الصّبّ أن يرى *** منازل من يهوى معطّلة قفرا (1)
فصاح صيحة و خرّ مغشيّا عليه، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويّ (2) فلم يزل بقية ليلة باكيا و من غده، فلما كان اليوم الثاني و قد انفرد في بيت يبكي عليها، جاءوا إليه فوجدوه ميتا.
توفيت حبابة في رجب سنة خمس و مائة، و لم يلبث بعدها يزيد إلاّ أربعين يوما حتى هلك (3).
من النسوة الفصيحات، قدمت دمشق مستأمنة لزوجها عبد اللّه بن فضالة.
قال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن فضالة الزهراني:
نادى منادي الحجاج بن يوسف يوم رستقباذ (4)،أمن الناس كلهم إلاّ أربعة: عبد اللّه ابن الجارود (5)،و عبد اللّه بن فضالة، و عكرمة بن ربعي، و عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان (6).
قال: فأتي برأس عبد اللّه بن الجارود فلم يصدق فرحا به، و قال: عمموه لي أعرفه، فإني لم أره قط إلاّ معتما، فعمّم له، فعرفه.
و أما عبيد اللّه بن زياد فإنه انطلق إلى عمان، فأصابه الفالج بها فمات.
و أما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد (7)،فعطف عليهم فقتل منهم نيفا و عشرين رجلا ثم قتلوه.
و أما عبد اللّه بن فضالة فإنه أتى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي المهلب خراسان،
ص: 93
و أمر بأخذه حيث أصابه، و قيل له: أكنّ ذلك و لا تبده فيحذر، و يحترز، و احرص على أسره دون قتله، فبعث المهلب ابنه حبيبا أمامه، و سار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة، فأخذه غارا (1) بمرو و هو لا يشعر.
ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنت الفضل امرأة عبد اللّه بن فضالة، و هي ابنة عم عبد اللّه، فأرسل إليها أن حبيبا قد أخذ عبد اللّه، و قد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فإن كان عندك خير فشأنك، و عولي على المال ما بدا لك، فأرسلت إليه: لا، و لا كرامة، تقتلونه و آخذ منكم المال ؟! هذا ما لا يكون.
فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي، و أرسلت إلى بني سعد، فاشتري لها باب عظيم، فألقته على الخندق ليلا، ثم جازت عليه فغشي عليها، فلما أفاقت قالت: إني لم أكن أتعب، فمتى أصابني هذا فشدّوني وثاقا ثم سيروا بي، فخرجت مع خادمها و غلامها و دليلها، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان، فأتت أم أيوب بنت عمر (2) بن عثمان بن عفان، و كانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي.
قالت: يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني (3) و غمّ كظّني (4)،و أعلمتها الخبر، و قصت عليها القصة، فقالت أم أيوب: قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك، و يظهر التلظي عليه، قالت: و أين رحلتي إليك ؟ قالت: سأدخلك مدخلا و أجلسك مجلسا إن شفعت ففيه، و إن رددت فلا تنصبي، فلا شفاعة لك بعده، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلا مغترا.
فلما دنا أخذت بجانب ثوبه، ثم قالت: هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين. ففزع عبد الملك و أنكر الكلام.
فقالت أم أيوب: ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها اللّه إليك ؟.
فقال: عذت معاذا، فمن أنت ؟.
ص: 94
قالت: تؤمّن، يا أمير المؤمنين، من جئتك فيه. من كان من خلق اللّه، ممن تعرف أو لا تعرف، ممن عظم ذنبه لديك أو صغر شاميا أو عراقيا أو غير ذلك. من الآفاق ؟.
قال: نعم هو آمن.
قالت: بأمان اللّه ثم بأمانك يا أمير المؤمنين ؟.
قال: نعم، فمن هو أيتها المرأة ؟.
قالت: عبد اللّه بن فضالة، قال: أرسلي ثوبي أنبئك عنه.
قالت: أ غدرا يا بني مروان ؟.
قال: لا، أرسلي ثوبي أحدثك ببلائي عنده و هو آمن لك و لمعاذك.
قالت: فحدّثني يا أمير المؤمنين ببلائك عنده.
قال: أ لم تعلمي أني وليته السوس (1) و جنديسابور (2) و أقطعته كذا و وهبت له كذا و نوهت بذكره و رفعت من قدره ؟.
قالت: بلى و اللّه يا أمير المؤمنين، أ فلا أحدثك ببلائه عندك ؟.
قال: بلى.
قالت: أتعلم أن داره هدمت ثلاث مرار بسببك لا يستر من السماء بشيء؟.
قال: نعم.
قالت: أ فتعلم يا أمير المؤمنين أنك كتبت إلى وجوه أهل البصرة و أشرافها، و كتبت إليه، فلم يكن منهم أحد أجابك و لا أطاعك غيره ؟.
قال: نعم.
قالت: أ فتعلم أنه كان قبل زلته سيفا لك على أعدائك و سلما و بساطا لأوليائك ؟.
قال: نعم حسبك. قد أجبت و أبلغت.
قالت: أ فيذهب يوم من أيامه بصالح أيامه و طاعته و حسن بلائه ؟.
ص: 95
قال: لا، هو آمن.
قالت: يا أمير المؤمنين إنها الدماء، و إنه الحجاج و إن رآه قتله.
قال: كلا.
قالت: فالكتاب يا أمير المؤمنين مع البريد.
قال: فكتب لها كتابا مؤكدا: إياك و إياه، و أحسن جائزته و رفده و خلّ سبيله، ثم وجه به مع البريد، ثم أقبل عليها فقال: ما أنت منه ؟ قالت: امرأته، و ابنة عمه.
قال: فضحك و قال: أين نشأت ؟ قالت: في حجر أبيه.
قال: فو اللّه لأنت أعرب و أفصح لسانا، فهل معه غيرك ؟ قالت: نعم، ابنة عبيد بن كلاب و كذا كذا جارية.
قال: فأنا أوليك طلاقها و عتق جواريه قالت: بل تهنئه نساءه كما هنأته (1) دمه.
فأقبل على أم أيوب فقال: يا أم أيوب، لا نساء إلاّ بنات العم، ثم قال: أقيمي عند أم أيوب حتى يأتيك الكتاب بمحبتك إن شاء اللّه.
و قدم الكتاب، و قد قدم به على الحجاج من خراسان، فأقامه للناس في سراويل، و قد كان نزع ثيابه قبل ذلك و عرضه على الناس في الحديد ليعرفوه.
فلما أمسى دعا به الحجاج، فقال له عبد اللّه: أ تأذن في الكلام ؟ قال: لا كلام سائر اليوم.
قال: فكساه و حمله و أجازه و خلّى سبيله، فانصرف إلى أهله فسألهم عن حبة، فأخبر بأمرها، و قيل: ما ندري أين توجهت، ثم بلغه ما صنعت، فكتب إليها: إنك قد صنعت بنا ما لم تصنعه أنثى فأعلميني بمقدمك أتلقاك و يتلقاك الناس معي، فلم تعلمه حتى قدمت ليلا و هو عند ابنة عبيد بن كلاب، فقالت: لا و اللّه لا يؤذن (2) بي الليلة، فلما أصبح أخبر بمكانها فأتاها.
قال ابن شهاب:
ص: 96
حججت مع سليمان بن عبد الملك، فلما كان يوم النحر أراد أن يفيض (1)،فأرسل إلى عمر بن عبد العزيز و إلى سالم بن عبد اللّه و إلى أبي بكر بن حزم، و هو أمير على المدينة يومئذ، فقال: إنّي أريد أن أفيض فأخبروني ما بلغكم عن الطيب اليوم ؟ أتطيّب الآن قبل أن أفيض ؟.
فقال سالم: أخبرني أبي عبد اللّه بن عمر أن عمر بن الخطاب قال في خطبته يوم عرفة:
إذا رميتم الجمرة غدا، إن شاء اللّه، بسبع حصيات، و ذبح من كان عنده ذبح أو نحر، فقد حلّ له ما حرم عليه إلاّ الطّيب و النساء حتى يطوف بالبيت.
قال أبو بكر بن حزم: أخبرتني عمرة بنت عبد الرّحمن بن سعد بن زرارة، خالتي، أن عائشة قالت:
طيّبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة لحرمه قبل أن يحرم، و طيبته بمنى قبل أن يفيض يوم النحر.
فقال سليمان بن عبد الملك حين رأى اختلافهم: ادعوا لي حسينة مرجّلة (2) عبد الملك ابن مروان، فسألها: ما صنع عبد الملك هذا اليوم ؟ قالت: لم يمس طيبا. فقال: يا غلام أرسل حرسنا مع سالم يقلبه إلى منزله، و أبى أن يمس الطيب.
و قيل:
إن اسمها سلافة. و قيل: إن اسمها حبيبة.
و زاد في ترجمة سلافة:
و روي حديث عائشة عن القاسم، قال القاسم: فعجبت أني أخبره عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و يسأل سلافة.
ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة الزهرية
ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه (3) قال:
ص: 97
خرجت امرأة من بني زهرة في حي (1)،فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشام فأعجبته، فسأل [عنها] (2) فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوجوه [إياها] بكره منها، فخرج بها إلى الشام، فخرجت مخرجا فسمعت متمثلا يقول (3):
ألا ليت شعري هل تغير بعدنا *** جبوب (4) المصلّى أم كعهدي القرائن
و هل آدر (5) حول البلاط عوامر *** من الحيّ أم هل بالمدينة ساكن
إذ برقت نحو الحجاز سحابة *** دعا الشوق مني برقها المتيامن
فلم أتركنها (6) رغبة عن بلادها *** و لكنه ما قدّر اللّه كائن
قال: فتنفست فوقعت ميتة.
قال أيوب: فحدّثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج، فقال: أتعرفها؟ قلت: لا، قال: فهي و اللّه عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرّحمن بن عوف، و هذا الشعر لأبي قطيفة عمرو بن الوليد، قاله لما سيّره ابن الزبير مع بني أمية إلى الشام.
كهول دمشق و فتيانها (1) *** أحبّ إلينا من الجالية (2)
و قيل: هذا الشعر لأختها عمرة.
قال محمّد بن سعد:
فولد النعمان بن بشير: الوليد، و يحيى، و بشيرا، و أم محمّد، و هي حميدة تزوجها روح بن زنباع الجذامي (3)،و عمرة تزوجها المختار بن أبي عبيد الثقفي، و هي التي قتلها مصعب بن الزّبير (4).
أنشد سعيد بن عبد العزيز لحميدة بنت النعمان بن بشير تبكي أباها:
ليت ابن مزنة و ابنه *** كانا لحتفك واقيه
و بنو أمية كلّهم *** لم تبق منهم باقيه
و أنشد أبو مسهر لها:
جاء البريد برأسه *** يا للحلوم الغاويه
يستفتحون بقتله *** دارت عليهم ثانيه
فلأبكينّ مسرّة *** و لأبكينّ علانيه
و لأبكينك ما حيي *** ت مع الكلاب لعاويه
قال أبو مسهر: في جوف الليل.
قال المدائني:
أشرفت امرأة روح بن زنباع تنظر إلى وفد من جذام قدموا عليها، فزجرها روح، فقالت: و اللّه إني لأبغض الحلال من جذام فكيف تخافني على الحرام منهم ؟! و كانت امرأته بنت النعمان بن بشير.
ص: 99
و قيل: إنها تزوجت روح بن زنباع فلم يؤدم (1) بينهما، فقال لها روح في بعض ما يتنازعان فيه: اللّهمّ إن بقيت بعدي فابتلها ببعل يلطم وجهها، و يملأ قيئا حجرها.
فتزوجها بعده الفيض بن محمّد بن الحكم (2)،و كان شابا جميلا يصيب من الشراب، فأحبته، فلطمها يوما وقاء في حجرها، فقالت: رحم اللّه أبا زرعة فقد أجيب فيّ ، و قالت للفيض (3):
سمّيت فيضا و ما شيء تفيض به *** إلاّ بخزيك (4) بين الباب و الدار
فتلك دعوة روح الخير أعرفها *** سقى الإله صداه الأوطف (5) السّاري
و قالت (6):
ألا يا فيض كنت أراك فيضا *** فلا فيضا وجدت (7) و لا فراتا
و قالت (8):
و ليس فيض بفيّاض العطاء لنا *** لكنّ فيضا لنا بالقيء فيّاض
ليث اللّيوث علينا باسل شرس *** و في الحروب هيوب الصدر جيّاض (9)
فولدت من الفيض ابنة، فتزوجها الحجاج بن يوسف، و كان عند الحجاج قبلها أم أبان بنت النعمان بن بشير فقالت حميدة (10):
إذا تذكّرت نكاح الحجّاج *** فاضت له العين بدم (11) ثجّاج
لو كان نعمان قتيل الأعلاج *** مستوي الشّخص صحيح الأوداج
ص: 100
أو كنت منها بمكان النّسّاج *** و كنت أرجو بعض ما يرجو الرّاج
أن تنكحيه ملكا أو ذا تاج
فقدمت حميدة زائرة لا بنتها، فقال لها الحجاج: يا حميدة إني قد كنت أحتمل مزاحك مدّة (1)،فأما اليوم فإنّي بالعراق و هم قوم سوء فإياك! فقالت: سأكف حتى أرحل.
حدّثت:
أن عمر بن عبد العزيز كان ينهى بناته أن ينمن مستلقيات، و قال: لا يزال الشيطان مطلا على إحداكن إذا كانت مستلقية يطمع فيها.
و يقال: حميدة: بالضم.
9328 - حواء أم البشر (2)قيل:
إنها كانت تسكن بيت لهيا (3)،و كان آدم يسكن في بيت أبيات (4).
عن مجاهد:
في قوله عزّ و جل: يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ (5)قال:
آدم، وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا ،قال: حواء خلقت من ضلعه.
قال: نام آدم فخلقت حواء من قصراه (6)،فاستيقظ فرآها، فقال: من أنت ؟ فقالت:
آثا، يعني امرأة (7)بالسريانية، و في رواية أخرى: بالنبطية.
ص: 101
قال ابن عباس:
سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء، و سميت حواء: لأنها أمّ كل حيّ .
و كان آدم و حشيا في الجنة لا يطمئن إلى أحد حتى خلقت حواء منه، و هو نائم، فلما أن استيقظ ، و هي جالسة إلى جنبه، فقال: من أنت ؟ فقالت: أنا زوجتك لتسكن إليّ ، قال:
نعم، فسكن إليها (1).
قال عطاء:
لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولّى مدبرا، و هو يلتفت أحيانا هل عصى أحد ربه غيره إلاّ إبليس، فعصمهم اللّه، ثم قال اللّه لآدم: قم يا آدم فسلّم عليهم، قال: فقام فسلّم عليهم وردوا عليه، ثم عرض الأسماء على الملائكة و هو سرح الجنة، فقال اللّه لملائكته: زعمتم أنكم أعلم منه، أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ (2)قالوا:
سبحانك إن العلم منك و لك، و لا علم لنا إلاّ ما علمتنا، و ذلك قوله عزّ و جل: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (3)قال: و العلم يرجع من رجل إلى رجل، و يأثره رجل عن رجل حتى يجيء العلم إلى اللّه و لا يأثره عن أحد فإنه هو العليم، علم ما هم إليه صائرون.
قال: فلما أقروا بذلك قٰالَ : يٰا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمٰائِهِمْ (4)،فقال آدم: هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، و هو من خلق ربي، فكل شيء سمّى آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة، و جعل يدعو كل شيء باسمه حتى يمر بين يديه، حتى بقي الحمار و هو آخر شيء مر عليه، فخالف الحمار من وراء ظهره، فدعاه آدم: أقبل يا حمار، فعلمت الملائكة، أنه هو أكرم على اللّه و أعلم منهم.
ثم قال له ربه: يا آدم، ادخل الجنّة تحيا و تكرم، قال: فدخل الجنة، فنهاه عن الشجرة قبل أن تخلق حواء، فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة، و لا يسكن إليه، و لم يكن في الجنة شيء يشبهه، فألقى اللّه عليه النوم و هو أول يوم كان، قال: فانتزعت من ضلعه الصغرى
ص: 102
من جانبه الأيسر (1)فخلقت حواء منه، فلما استيقظ آدم فجلس فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر. و لكل امرأة فضل على الرجل بضلع.
و كان اللّه علّم آدم اسم كل شيء فجاءته الملائكة فهنئوه، و سلموا عليه، فقالوا: يا آدم ما هذه ؟ قال: هذه امرأة. قيل له: فما اسمها؟ قال: حواء. فقيل له: لم سميتها حواء؟ قال: لأنها خلقت من حيّ ، فنفخ بينهما من روح اللّه عزّ و جل، فما كان من شيء يتراحم له الناس فهو من فضل رحمتهما.
قال وهب بن منبه (2):
لما أسكن اللّه آدم و زوجه حواء الجنّة، نهاه عن الشجرة (3)،و كانت الشجرة متشعبا غصونها بعضها (4)في بعض، و كان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، و هي الثمرة التي نهى اللّه آدم عنها و زوجته.
فلما أراد إبليس أن يستزلهما (5)،دخل في جوف الحية، و كانت لها أربع قوائم كأنها بختيّة من أحسن دابة خلقها اللّه، فلمّا دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التى نهى اللّه عنها آدم و زوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها! و أطيب طعمها! و أحسن لونها! فأخذتها حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، و ما أحسن لونها (6)!فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت ؟ قال: أنا هذا يا رب. قال: أ لا تخرج ؟ قال: أستحي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي منها خلقت، لعنة تتحول ثمارها شوكا.
قال: و لم يكن في الجنة و لا في الأرض شجرة كانت (7)أفضل من الطلح و السدر.
ص: 103
ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلاّ حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت.
و قال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك فلا يكون لك رزق إلاّ التراب، و أنت عدوة بني آدم و هم أعداؤك حيثما لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، و حيث لقيك شدخ رأسك.
قيل لوهب:
و هل كانت الملائكة تأكل ؟ قال: يفعل اللّه ما يشاء.
قال الكلبي:
ذكر لنا أن آدم لما سكن الجنّة حذر أكل الشجرة. فيقال، و اللّه أعلم: إنها شجرة يقال لها: شجرة العلم.
و قال مجاهد:
الشجرة التي أمر اللّه آدم أن لا يأكل منها: تينة.
و قال ابن عباس:
عنب.
و قال غيره:
حنطة شجرة البرّ، و الحنطة هي السنبلة.
قالوا:
و كان آدم و حواء في جوار اللّه، و في داره ليس لهما رب غيره، و لا رقيب دونه، يأكلان منها رغدا، و يسكنان منها حيث شاءا و أحبا.
فأتاهما الشيطان في صورة غير صورته، فقام عند باب الجنة فنادى حواء: يا حواء، فأجابته هي و آدم فقال: ما أمركما به ربكما، و ما نهاكما عنه ؟ قالا: أمرنا أن نأكل من شجر الفردوس كله غير هذه الشجرة التي في وسط الفردوس كيلا نموت.
قال إبليس: فإن اللّه قد علم أنكما لستما تموتان، و لكن علم أنكما حين تأكلان من هذه الشجرة فتكونان ملكين يعلمان الخير و الشر فحسدكما على ذلك، و إنّي أقسم لكما، يا آدم
ص: 104
و حواء إِنِّي لَكُمٰا لَمِنَ النّٰاصِحِينَ (1)،إنها شجرة الخلد، من أكل منها لم يمت، و أيكما أكل قبل صاحبه، كان هو المسلط على صاحبه.
فابتدرا الشجرة، فسبقته حواء، و أعجبها حسن الشجرة و ثمرها، فأكلت و أطعمت آدم (2)،فلما ذاقا الشجرة سلبا ثيابهما، و بدت عوراتهما، فأبصر كل واحد منهما ما و روي من صاحبه من عوراتهما، فاستحييا، فقعدا يَخْصِفٰانِ (3)عَلَيْهِمٰا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ (4) ليواريا سوءاتهما.
ثم ناداهما ربهما فقال: يا آدم، فقال: يا رب، أنا ذا عريان، قال له: و ممّ ذلك ؟ إنك عريان من أجل أنك أكلت من الشجرة التي نهيت أن تأكل منها، يا آدم، حرام على الأرض أن تطعمك شيئا إلاّ برشح الجبين أيام حياتك، حتى ترجع إلى الأرض التي أخذت منها، فاعتلّ آدم بحواء فقال: هي أطعمتني و أكلت، قال: اِهْبِطُوا مِنْهٰا جَمِيعاً (5).
و قال عطاء:
إن اللّه تعالى كان أمر آدم ألا يأكل من تلك الشجرة، و لم تعرف حواء تلك الشجرة، فجاء إبليس إلى سرح الجنة (6) فعرض نفسه عليهم، فأبى أحد منهم أن يقبله، فجاء إلى الحية فتنفس الصعداء، فقالت الحية: يا إبليس، ما لك ؟.
و ذلك أن إبليس كان قبل ذلك أحسن ملائكة أهل سماء الدنيا وجها و أشدهم عبادة و أعلمهم.
فقال اللّه: اهبط منها و اخرج منها، يعني من صورة الملائكة إلى صورة الأبالسة، فتحول إبليس عن صورته، فسمي إبليس لأنه أبلس فصار ملعونا، فصار ذقنه مما يلي جبينه، و جبينه مما يلي ذقنه، و منخراه مما يلي عينيه، و جفون عينيه شقهما مما يلي رأسه، و تحول
ص: 105
أصابعه مما يلي زنديه، و أصابع رجليه مما يلي عقبيه، و صار شره ناتئا في رأسه منكوشا كأنه أجمة.
قال: فلما رأته الحية رقت له، و تنفس الصعداء إبليس، فقالت له: ما بك يا إبليس ؟ فقال لها: ليس على نفسي أحزن، لقد نزل بي ما ترين، و لكن أحزن عليك أن ينزل بك من هذا مثل الذي نزل بي، فقالت الحية: ما أنا بآمنة منه، فقال لها: هل لك، ويلك، أن تحمليني بين شدقيك فتدخليني الجنّة، فإن الخزّان لا يدعونني أن أدخلها ظاهرا، و إذا كنت بين شدقيك لم يروني، و أنا أغويه حتى أخرجه من الجنّة.
فقالت: نعم، ففغرت فاها فاحتملته بين شدقيها ثم دخلت الجنة، فجاءت الحية إلى حواء، فقالت لها: و إبليس يقول لها على لسان الحية، يا حواء، ما نهاكما ربكما في الجنة ؟ قالت: شجرة أمرنا ألا نقربها. قال: فأين تلك الشجرة ؟ قالت: إنما علم بذلك آدم، فقال إبليس بلسان الحية: قد ترين سعة الجنة، و أنا لك ناصحة، فلعلك فيما تجولين في الجنة و ليس معك آدم فتنتهين إلى تلك الشجرة، فتأكلين فتخرجين من الجنة، و يبقى آدم، أ فلا تسألين آدم أن يخبرك: أي شجرة نهانا ربّنا عنها؟ فقال لها: ويلك ما لك و ذاك ؟ إن ربي أمرني ألاّ أعلمها أحدا، فقلت: فلعلي أفارقك في بعض ما أجول في الجنّة، فآكل منها، فأخرج منها و تبقى أنت فيها، فرقّ لها، و خاف عليها، فانطلق بها إلى الشجرة، فقال: هذه.
فانصرف عنها إبليس، فجاءت الحية إليها فقال لها إبليس على لسان الحية: أخبرك آدم عن الشجرة ؟ قالت: نعم، فقال: أي شجرة هي ؟ قالت هذه التي في وسط الجنة، ثم سكت عنها إبليس حتى نسيت.
ثم جاء و هو في الحية إلى آدم فقال: يا آدم، أخبرك ربك أن في الجنة شجرة من أكل منها خلد في الجنة، و صار ملكا يعلم كل شيء؟ قال: لا، قال: فيسرك أن أريك ؟ قال:
نعم، فانطلق به إلى الشجرة التي نهي عنها، فعجب فقال: إن ربي نهاني عنها، و قال: لا تخبر أحدا بهذه الشجرة، و لم أخبر بها أحد غيرك يا حواء، فمن أين علم هذا؟.
فقال عند ذلك: يا آدم، و حلف له: إِنِّي لَكُمٰا لَمِنَ النّٰاصِحِينَ (1) هذه شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لاٰ يَبْلىٰ (2) فلما أن حلف قال آدم لحواء: فأنا أدع أكل هذه الشجرة، فقالت حواء: أما
ص: 106
ترى إلى يمينه باللّه إنه لنا لمن الناصحين ؟ و ذلك أنهما لم يريا أحدا يحلف باللّه، و لا علما أن أحدا يحلف باللّه كاذبا، قال: فابتدرت حواء فأكلت ثم ناولت آدم فأكل منها، فبدت سوءاتهما.
قال وهب بن منبه:
كان لباس آدم و حواء النور (1)،لا يرى هذا عورة هذا، و لا هذا عورة هذا، و هو قول اللّه عز و جل: يَنْزِعُ عَنْهُمٰا لِبٰاسَهُمٰا (2).
قال ابن عباس:
كان لباس آدم و حواء كالظّفر، فلما أكلا الشجرة لم يبق منه شيء إلاّ مثل الظفر، وَ طَفِقٰا يَخْصِفٰانِ عَلَيْهِمٰا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ (3)،قال: ورق التين.
و عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال (4):
«لو لا بنو إسرائيل لم يختر (5) اللحم، و لم يخبث الطعام، و لو لا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر».
و عن أبي صالح:
في قوله عزّ و جل: اِهْبِطُوا مِنْهٰا جَمِيعاً (6) قال: آدم و حواء و الحية و إبليس.
و في حديث قال:
اهبطوا الأرض فلدوا للموت و ابنوا للخراب.
و عن ابن عباس قال:
إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال اللّه له: يا آدم: ما حملك على ما
ص: 107
صنعت ؟ قال: فاعتلّ آدم، فقال آدم: ربّ زيّنته لي حواء، قال: فإني أعاقبها ألاّ تحمل إلاّ كرها، و لا تضع إلاّ كرها، و دمّيتها في الشهر مرّتين (1)،فرنّت (2) عند ذلك حواء، قال:
فقيل: عليك الرنّة و على بناتك.
و عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«فضّلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني اللّه عليه فأسلم، و كن، أزواجي، عونا لي، و كان شيطان آدم كافرا، و كانت زوجته عونا له على خطيئته» (3).
حدّث عبد الرّحمن بن زيد:
أن آدم عليه السلام ذكر محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: إن أفضل ما فضل به عليّ ابني، صاحب البعير، لأن زوجته كانت عونا له على دينه و كانت زوجتي عونا لي على الخطيئة.
قال سعيد بن المسيب:
سمعت عمر بن الخطاب، و امرأة تسأله عن الحيض. فقال لها: أي ويحك، أشهد لسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يقول:
«أخبرني جبريل حبّي عليه السّلام: أنّ اللّه بعثه إلى أمّنا حواء حين دميت، فنادت ربّها:
جاء مني دم لا أعرفه، فناداها: لأدمينّك و ذريتك و لأجعلنّه لكنّ كفارة و طهورا».
و عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (4):
«هبط آدم و حواء عليهما السّلام عريانين جميعا، عليهما ورق الجنّة، قال: فأصابه الحرّ حتى جعل (5) يبكي، فيقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، قال: فجاءه جبريل بقطن و أمرها أن تغزل، و علّمها، و أمر آدم بالحياكة و علّمه أن (6) ينسج».
و قال: كان آدم لم يجامع امرأة (7) في الجنة حتى هبط منها، للخطيئة التي أصابها أكلهما
ص: 108
الشجرة (1)،قال: و كان كل منهما ينام على حدة، ينام أحدهما في البطحاء، و الآخر من ناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله و علّمه كيف يأتيها، فلما أتاها جاء جبريل فقال:
كيف وجدت امرأتك ؟ قال: صالحة (2).
و في حديث آخر:
أنه لما فرغ قالت له حواء: يا آدم، ما أطيب هذا، زدنا منه.
و قيل:
إن آدم ولد له في الجنة هابيل و قابيل و أختاهما.
و قيل:
إنه لم يولد لآدم في الجنّة حتى خرج من الجنّة. و اللّه أعلم (3).
و عن سلمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«إن آدم هبط بالهند، و معه السندان، و الكلبتين، و المطرقة، و أهبطت حواء بجدة» (4).
و عن ابن عباس قال (5):
أهبط آدم بالهند و حواء بجدة، فجاء في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت إليه حواء، فلذلك سمّيت المزدلفة، و اجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعا.
و عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنّه قال:
«إن اللّه لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهبا و لا فضة».
قال: فلما أن أهبط آدم و حواء أنزل معهما ذهبا و فضة، فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعدهما.
قال: و ذلك جعله صداق آدم لحواء، فلا ينبغي لأحد أن يتزوّج إلاّ بصداق.
و عن أبي صالح:
ص: 109
في قوله: لَئِنْ آتَيْتَنٰا صٰالِحاً (1) قال: أشفقا أن يكون بهيمة، قال: لئن آتيتنا بشرا سويا.
و عن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«إنّ حواء لما حملت كان لا يعيش لها ولد، فقال لها الشيطان: سمّيه عبد الحارث فإنه يعيش، فسموه، فكان ذلك من وحي الشيطان و أمره (2)،فحملت حملا خفيفا تقول: خفيف، لم يستبن! فمرت به لما استبان حملها».
و عن ابن عباس (3):
أن حواء لما حملت جاءها إبليس فقال: إنّي أخرجتكما من الجنّة، لئن لم تطيعيني لأجعلن لولدك قرنين يشقان بطنك أو لأخرجنّه ميتا، فقضى اللّه أن خرج ميتا، فلما حملت الثاني جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى، فقضى أن الولد خرج ميتا، فلما حملت الثالث جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى، قالت: و ما الذي تريد أن نطيعك فيه ؟ فقال: سمياه عبد الحارث، ففعلت، فقال اللّه عزّ و جل: جَعَلاٰ لَهُ شُرَكٰاءَ فِيمٰا آتٰاهُمٰا (4).
و قال عكرمة:
لم يخص بها آدم و لكنها عامة لجميع الناس.
قال رجل لسعيد بن جبير (5):
يا أبا عبد اللّه: أشرك آدم ؟ قال: معاذ اللّه، أن نقول أشرك آدم، إنما ذكر اللّه في كتابه فَلَمّٰا آتٰاهُمٰا صٰالِحاً جَعَلاٰ لَهُ شُرَكٰاءَ فِيمٰا آتٰاهُمٰا (6) لأن حواء لما حملت فأثقلت أتاها إبليس فقال لها: أ رأيت هذا الذي في بطنك ؟ من أين يخرج ؟ أ من فيك ؟ أم من منخرك ؟ أم من
ص: 110
أذنيك ؟ أ رأيت إن خرج صحيحا سويا لم يضرك أ تطيعانني في اسمه ؟ قالت: نعم. فلما ولدت قال: سمياه عبد الحارث، فسمياه عبد الحارث.
قيل:
إن حواء ولدت لآدم أربعين ولدا في عشرين بطنا، فكانت تلد غلاما و جارية (1).
قيل:
إن آدم لما مات ابنه قال: يا حواء مات ابنك، قالت: و ما الموت ؟ قال: لا يأكل، و لا يشرب و لا يقوم و لا يمشي و لا يتكلم أبدا، قال: فصاحت حواء فقال آدم: عليك الرنّة و على بناتك، و أنا و بنيّ منها براء.
أخت مؤمنة، كانت صوفية، شهدت عند محمّد بن يحيى بن حمزة، و كان قاضيا على دمشق، و كان لا يجيز شهادة إلاّ من امتحنه بخلق القرآن، يعني أيام ابن أبي دؤاد، فقال للحولاء: ما تقولين في القرآن ؟ فنشرت كفيها و فرقت بين أصابعها و أشارت بهما على وجهه و قالت: سخام على وجهك، ثم ولّت و خرجت.
قيل:
لم تر أن تشهد عنده بعد ما سمعت من امتحانه إياها في القرآن.
9330 - حية: و يقال: فاختة (2)و لقبها: حيّة - و يقال: حبة - بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم هاشم القرشية العبشمية، زوج يزيد بن معاوية و أم ابنه خالد، و كان زوجها يزيد مكنيها بأم خالد، فابنها خالد.
حدّث القاسم الشامي:
أن مولاة له يقال لها أم هاشم أجلسته في الستر بدواة و قلم، و أرسلت إلى أبي أمامة فسألته عن حديث حدّثه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الوضوء، فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:
«من قام إلى الوضوء فغسل يديه خرجت الخطايا من يديه، فإذا مضمض خرجت
ص: 111
الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت من أنفه كذلك حتى يغسل القدمين، فإن خرج إلى صلاة مفروضة كانت كحجة مبرورة، و إن خرج إلى صلاة تطوع كانت كعمرة مبرورة»[13721].
و في أم خالد يقول يزيد بن معاوية (1):
و ما نحن يوم استعبرت أمّ خالد *** بمرضى ذوي داء و لا بصحاح
كان عبيد اللّه بن رباح ندمانا (2) ليزيد بن معاوية، فسكر ذات ليلة و طرب، و بعث إلى زوجته أم خالد لتأتيه، و كانت من أجمل الناس و أحبهم إليه، فأبت، فأقسم عليها فأتته في جواريها فقال لها يزيد: أقسمت عليك لما أقمت فسقيتني، فبكت و قالت: أ لمثلي يقال هذا؟ فلما رأى يزيد بكاءها و كراهتها لذلك، أذن لها في الانصراف و قال في ذلك:
و ما نحن يوم استعبرت أمّ خالد *** بمرضعى ذوي داء و لا بصحاح
و قامت لتسقي الشّرب حمرا عيونهم *** مخضّبة الأطراف ذات و شاح
لها عكن (3) بيض كأن غضونها (4) *** إذا شفّ عنها السابريّ (5) قداح
قال مصعب بن عبد اللّه الزبيري:
خرج يزيد بن معاوية إلى بعض غزواته، فارتاح إلى امرأته أم هاشم، و هي أم خالد بن يزيد بن معاوية، و هي من ولد شيبة بن ربيعة فقال:
إذا سرت ليلا أو بغيت جمامة (6) *** دعتني دواعي الحبّ من أمّ خالد
إذا نحن هجّرنا و أنت أمامنا *** فلا بدّ من سير إلى الحيّ قاصد
أخت أبي الحسن محمّد بن علي. حدّثت بدمشق.
ص: 112
روت عن أبيها بسنده عن ابن عباس أنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم قال:
«اطلبوا الخير عند صباح الوجوه»[13722].
و أنشد خيثمة:
أنت شرط النبيّ إذ قال يوما: *** اطلبوا الخير من صباح الوجوه
9332 - خصيلة (1) بنت واثلة بن الأسقع
كانت تسكن بيت المقدس.
[روت عن أبيها واثلة بن الأسقع.
روى عنها: البطال الخثعمي، و سلمة بن بشر الدمشقي، و صدقة بن يزيد، و عباد بن كثير الفلسطيني، و محمّد بن الأشقر اللخمي و سماها خصيلة، و ابن رزام مؤذن بيت جبرين] (2).
حدّثت خصيلة قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:
«إنّ من الكبائر أن تقول للرجل عليّ ما لم أقل»[13723].
و عن خصيلة بنت واثلة قالت:
دعاني أبي واثلة يوما فقال: يا خصيلة، ادني مني، فدنوت منه، فقال: أدنى مني يدك اليمني؛ فثنى إصبعي الخنصر، ثم قال لي: عليك بالصّبر؛ ثم ثنى التي تليها ثم قال: عليك بالصبر؛ ثم ثنى التي تليها ثم قال: عليك بالصبر؛ حتى ثنى الخمس ثم قال: أدنى مني يدك الأخرى؛ ففعل مثل ذلك، ثم جمع يديّ جميعا و قال: يا خصيلة، فعلت بك كما فعل بي النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و قلت لك كما قال لي النبيّ صلى اللّه عليه و سلم.
[قال ابن ماكولا (3):
و أما خصيلة أوله خاء معجمة بعدها صاد مهملة، فهي خصيلة بنت واثلة بن الأسقع، روى عنها محمّد بن الأشقر اللخمي] (4).
ص: 113
9333 - خيرة بنت أبي حدرد أمّ الدّرداء الكبرى الأسلميّة، زوج أبي الدّرداء (1)لها صحبة. و روت عن سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
[روى عنها: سهل بن معاذ عن أبيه، و صفوان بن عبد اللّه، و عبد اللّه بن باباه، و معاذ ابن أنس، و طلحة بن عبيد اللّه، و ميمون بن مهران] (2).
حدّثت أمّ الدّرداء أنها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:
«من شرب الخمر لم يرض اللّه عنه أربعين صباحا، فإن مات مات كافرا»[13724].
و حدّثت أمّ الدّرداء:
أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقيها يوما فقال:«من أين جئت يا أمّ الدّرداء؟» فقالت: من الحمام، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيتها إلاّ هتكت ما بينها و بين اللّه» (3)[13725].
و في حديث آخر بمعناه:
إلاّ هتكت كلّ ستر بينها و بين الرحمن عزّ و جلّ (4).
قال ميمون بن مهران:
سألت أمّ الدّرداء: أهل سمعت من النبيّ صلى اللّه عليه و سلم شيئا؟ قالت: نعم، سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول:«أوّل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن» (5)[13726].
قال الحافظ :
هذا الحديث وهم، فإنّ أمّ الدّرداء الكبرى توفيت في حياة أبي الدّرداء؛ و ميمون بن مهران ولد عام الجماعة سنة أربعين؛ و إنما يروى عن أمّ الدرداء الصغرى، و لم تسمع من النبيّ صلى اللّه عليه و سلم شيئا؛ و هذا الحديث محفوظ عن أمّ الدرداء عن أبي الدّرداء عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم.
ص: 114
سمعت أباها.
حدّثت بنت أبي الدّرداء، عن أبي الدّرداء قال:
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا، و لخرجتم إلى الصّعدات (1)تجأرون (2) إلى اللّه، لا تدرون تنجون أم لا تنجون!.
لمّا هلكت درداء صلّوا عليها؛ قالت أمّ الدّرداء: يا درداء اذهبي إلى ربّك حتى أذهب أنا إلى ربي. فذهب بتلك إلى المقبرة، و دخلت أمّ الدّرداء إلى المسجد.
و هلكت درداء تحت صفوان بن عبد اللّه بن صفوان بن أميّة الجمحيّ (3).
خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدّرداء ابنته الدّرداء، فردّه و أنكحها غيره، فقيل لأبي الدّرداء: أ تركت يزيد و تنكح فلانا؟! فقال أبو الدّرداء: ما ظنّكم بابنة أبي الدّرداء إذا قام على رأسها الخصيان، و نظرت في بيت يلتمع منها بصرها، أين دينها يومئذ؟!.
9335 - رابعة بنت إسماعيل (4)من المتعبّدات. كانت زوج أحمد بن أبي الحواري (5)،و كانت هي خطبت أحمد، فكرة ذلك لما كان فيه من العبادة و قال لها: ليس لي همّة في النساء لشغلي بحالي فقالت: إني لأشغل بحالي منك، و ما لي شهوة، و لكنّي ورثت مالا جزيلا من زوجي فأردت أن أنفقه على إخوانك و أعرف بك الصالحين فتكون لي طريقا إلى اللّه. فقال: حتى أستأذن أستاذي، قال:
ص: 115
فرجعت إلى أبي سليمان (1)-و كان ينهاني عن التزويج و يقول: ما تزوّج أحد من أصحابنا إلاّ تغيّر - فلما سمع كلامها قال: تزوّج بها فإنها وليّة للّه، هذا كلام الصّدّيقين. قال: فتزوجها.
قال: و تزوّجت عليها ثلاث نسوة، فكانت تطعمني الطيّبات و تطيّبني و تقول: اذهب بنشاطك و قوّتك إلى أزواجك (2).و كانت تشبّه في أهل الشام برابعة العدويّة (3) في أهل البصرة.
قال سريّ السّقطي (4):
أتيت دمشق فسألت عن أحمد بن أبي الحواري فأرشدوني إليه في المسجد، فقلت: يا أحمد، عظني و أوجز، فقال: ما أحسن، قلت: فأرشدني إلى من يحسن، قال: صر إلى المنزل فإنّ أهلي تحسن - يعني زوجته - فمضيت في طريقي فلقيت راهبا كبيرا يتبعه راهب صغير، فقلت للصغير: لم تتبع هذا؟ قال: هو طبيبي يسقيني الدواء، فردّد عليه من كلامه شيئا لا أعقله؛ فجئت إلى منزل أحمد بن أبي الحواري فقرعت الباب، فكلّمتني امرأة من وراء حجاب فقلت: إني أتيت أحمد فقلت: عظني فقال: ما أحسن، فقلت: أرشدني إلى من يحسن، فقال: صر إلى المنزل فإنّ أهلي هي تحسن، فمضيت في طريقي فإذا براهب كبير يتبعه راهب صغير، فقلت للصغير: لم تتبع هذا؟ قال: هو طبيبي يسقيني الدواء، فورد عليّ من كلامه شيء لا أعقله. فقالت: يا ليت شعري! أيّ الدواءين يسقيه دواء الإفاقة أم دواء الراحة ؟ قلت: رحمك اللّه، و ما دواء الإفاقة و ما دواء الراحة ؟ قالت: أمّا دواء الإفاقة فالكفّ عن محارم اللّه، و أمّا دواء الراحة فالرضى عن اللّه في جميع الأمور كلّها. ثم كلّمتني بكلمة لا تخرج من رأسي أبدا، قلت: و ما هي رحمك اللّه ؟ قال: قالت: أ ما علمت أنّ العبد إذا أخلص بعمله للّه عزّ و جلّ ، أطلعه الجليل على مساوئ عمله، فاشتغل بها عن جميع خلقه. قلت: بسّي (5).
قالت رابعة:
قالت لي راهبة: إن أردت أن يطهر قلبك و يزكو بدنك فأريدي اللّه بصومك و صلاتك، و لا تريدي بهما قضاء الحوائج منه.
ص: 116
قال أحمد: فحدّثت به أبا سليمان فقال لي: ما هذا كلام راهبة و لا كلامها، هذا كلام الأنبياء.
قال أحمد بن أبي الحواري:
لقيت راهبا بالأردن فقلت: ما اسمك ؟ قال: يوسف، قلت: إلى أين ؟ قال: إلى ذاك الدّير، قلت: ما تقول في الزّهد؟ قال: و ما الزّهد؟! إذا وقع في يميني شيء أخرجته بشمالي في الوقت، قلت: ما تحبس لنفسك شيئا؟ قال: لا، إذا جاع أو عطش سبّح فشبع و روي، و مضى و تركني؛ فالتفتّ فإذا أنا بامرأة تقول: يا فتى، ما كان فيما جاء به محمّد صلى اللّه عليه و سلم كفاية حتى تسأل الراهب ؟ فسألت عنها، فإذا هي رابعة امرأة أحمد بن أبي الحواري.
قال أحمد بن أبي الحواري:
جئت إلى البيت و أنا متفكّر فقالت لي امرأتي رابعة: لم تتفكر؟ قال: قلت: رأيت شيخا راهبا و وراءه غلام حدث ذاهب، فقلت للغلام: لم تتبع هذا؟ قال: يسقيني الدواء، فقالت لي رابعة: فما ذا قلت له ؟ قال: قلت: ما قلت له شيئا، قالت: فألا قلت له: دواء الخوف أو دواء المحبّة ؟.
قال أحمد بن أبي الحواري (1):
جلست آكل، و جعلت رابعة تذكّرني، قلت لها: دعينها تهنّينا (2) طعامنا، قالت: ليس أنت و أنا ممّن يتنغّص عليه الطعام عند ذكر الآخرة.
و قال أحمد: سمعت رابعة تقول (3):
ما رأيت ثلجا قطّ إلاّ ذكرت تطاير الصحف، و لا رأيت جرادا قط إلاّ ذكرت الحشر، و لا سمعت أذانا قطّ إلاّ ذكرت منادي القيامة.
قال: و قلت لنفسي: كوني في الدنيا بمنزلة المطر الواقع حتى يأتيك قضاؤه.
قال أحمد (4):
ص: 117
قلت لرابعة - و هي امرأتي - و قامت بالليل: قد رأينا أبا سليمان و تعبّدنا معه، ما رأيت من يقوم في أوّل الليل؛ فقالت: سبحان اللّه! مثلك يتكلّم بمثل هذا! إنما أقوم إذا نوديت.
قال أحمد بن أبي الحواري (1):
كان لرابعة أحوال شتى، فمرّة غلب عليها الحب، و مرة غلب عليها الأنس، و مرة غلب عليها الخوف؛ فسمعتها في حال الحبّ تقول:
حبيب ليس يعدله حبيب *** و لا لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري و شخصي *** و في قلبي حبيب لا يغيب
و سمعتها في حال الأنس تقول (2):
و لقد (3) جعلتك في الفؤاد محدّثي *** و أبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس *** و حبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
و سمعتها في حال الخوف تقول (4):
زادي قليل ما أراه مبلّغي *** فللزاد (5) أبكي أم لبعد مسافتي ؟
أ تحرقني بالنّار يا غاية المنى *** فأين رجائي فيك أين مخافتي (6)؟
قال أبو دجانة:
كانت رابعة إذا غلب عليها الحبّ تقول:
تعصي الإله و أنت تظهر حبّه *** هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته *** إنّ المحبّ لمن أحبّ مطيع
ص: 118
ابن كعب بن عليم بن هبل بن عبد اللّه بن كنانة الكلبيّة
زوج الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و أمّ ابنته سكينة (1).كانت فيمن قدم به من آل الحسين دمشق بعد قتله على يزيد؛ و ذكرها الحسين عليه السّلام في شعر له.
قال عوف بن خارجة (2):
إني عند عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في خلافته إذ أقبل رجل أصعر (3) يتخطّى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر، فحيّاه تحيّة الخلافة، فقال عمر: ما أنت ؟ فقال: امرؤ نصرانيّ ، و أنا امرؤ القيس بن عديّ الكلبيّ ، فلم يعرفه عمر، فقال له رجل من القوم: هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم في الجاهليّة يوم فلج (4)،فما تريد؟ قال: أريد الإسلام، فعرض عليه، فقبله ثم دعا له برمح، فعقد له على من أسلم (5) من قضاعة. قال:
فأدبر الشيخ و اللواء يهتزّ على رأسه. قال عوف بن خارجة: ما رأيت رجلا لم يصلّ سجدة أمّر على جماعة من المسلمين قبله.
قال: و نهض عليّ بن أبي طالب و معه ابناه الحسن و الحسين عليهم السّلام من المجلس حتى أدركه، فأخذ برأسه (6) فقال: أنا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صهره، و هذان ابناي من ابنته، و قد رغبنا في صهرك فأنكحنا، قال: قد أنكحتك يا عليّ المحياة بنت امرئ القيس، و أنكحتك يا حسن سلمى بنت امرئ القيس، و أنكحتك يا حسين الرّباب بنت امرئ القيس.
و هي التي يقول فيها الحسين عليه السّلام (7):
ص: 119
لعمرك إنني لأحبّ دارا *** تحلّ (1) بها سكينة و الرّباب
أحبّهما و أبذل بعد مالي *** و ليس للائمي فيها عتاب (2)
و لست لهم و إن عتبوا مطيعا (3) *** حياتي أو يغيّبني التراب
و هي التي أقامت على قبر الحسين عليه السّلام حولا ثم قالت:
إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما *** و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر
و سكينة اسمها آمنة أو أميمة، و إنما سكينة لقب لقّبتها أمّها الرّباب بنت امرئ القيس.
و لما توفي الحسين خطبت الرّباب و ألحّ عليها فقالت: ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم تزوّج، و عاشت بعده سنة لم يظلّها سقف بيت حتى بليت و ماتت كمدا. و كانت من أجمل النساء و أعقلهنّ .
و قيل: إنها ماتت في زمن الحسين.
9337 - رحمة (4) بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
و يقال: رحمة بنت ميشا (5) بن يوسف بن يعقوب
زوج أيّوب (6) عليهم و على نبيّنا الصّلاة و السّلام. كانت مع زوجها أيّوب بأرض البثنيّة (7).
لما شطّ إبليس على أيّوب لم يسلّط على زوجه و لا على عينيه و لا قلبه و لا لسانه، فكان قلبه للشّكر، و لسانه للذّكر، و عيناه ينظر بهما إلى السماء. فلمّا أصابه الجدريّ جاءت امرأته حتى جلست بين يديه - و كانت امرأته رحمة (8) بنت ميشا بن يوسف، و كانت أمّ ميشا أزليخا
ص: 120
امرأة يوسف، و كان قبل يوسف امرأة فوطرقير العزيز الذي كان اشترى يوسف - فلمّا جاءت امرأته إليه فجلست، و جاء إبليس فجلس معها إلى أيّوب، فقالت رحمة: يا أيّوب، قد هلك الولد و هي تبكي، فجثا إبليس كأنّه حاضن ولده، ينوح على ولده و على أيّوب، يقول: يا أيّوب، قد صبرنا على ذهاب المال فكيف بالولد، و كيف لو رأيت حين رضخوا بالحجارة، و كيف تفلّقت الهام منهم، و كيف سال الدّماغ من مناخرهم، و كيف رضّت عظامهم، و كيف تناثرت أحداقهم؛ يا أيّوب، فكيف بالصّبر بعد هؤلاء على ما نرى بك من هذا البلاء؟ قال:
فالتفت إليهما فقال: أمّا الولد فاللّه كان أرحم بهم مني و منك أيتها المرأة - يعني امرأته - و أمّا المال، فكان عاريّة أعارنيه ربّي توسعت فيه ما دام عندي، ثم قبضه، فله الحمد؛ و أمّا أنت يا أيّها المتكلّف، فما بكاؤك و نوحك ؟! اذهب عني، فإني قد رضيت بقضاء ربّي و سلّمت لأمره. ثم قال لامرأته: يا هذه، دعيني عنك من جزعك، و الزمي الصّبر، قالت: يا سيّدي، أصبر معك في الضّيق و البلاء و الشدّة، كما صبرت في الرّخاء و النعيم.
و كذلك كان السلف من آبائنا، إذا ابتلوا صبروا. قال: فانصرف إبليس خائبا منكسرا؛ قال: و تساقط جلد أيّوب و تناثر لحمه، و جرى الدّود بين الجلد و العظم (1)،و انقطع عنه ما كان فيه من نعيم الدّنيا، فكانت امرأته تتصدّق (2) الكسرة و اللّقمة فتطعمه إيّاه، و تطحن للناس بيدها و تأخذ بأجرها طعاما (3)؛فلم تزل على ذلك لا يغيّرها عن حالها لأيّوب من طول البلاء.
فجعل إبليس يجمع المردة و أصحابه، و يطوف المشارق و المغارب يطلب المكيدة لأيّوب، لا يقدر على شيء يعلم أنه يصل إلى مكايدته إلاّ أتاه، حتى أعياه ذلك؛ فأتاه من قبل النصيحة و الطّب، فجعل يختلف إليه في صورة رجل مسافر يعرض عليه أنواع المعاصي بسبب الطّب، فلا يجيبه أيّوب إلى شيء، فانطلق الخبيث إلى ثلاثة إخوة لأيّوب كانوا مصافين له، يحبّونه في اللّه، فقال لهم: هل تعلمون ما نزل بأخيكم أيّوب ؟ قالوا: لا، فقصّ عليهم قصة أيّوب، فقال لهم: أرى لكم أن تنطلقوا إليه بطعام، فإنّ امرأته تتصدّق، و احملوا إليه
ص: 121
خمرا فإنّ شفاءه فيها؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا منه و لم تستطع دوابّهم أن تدنو منه، لنتن ريحه و ما قد تغيّر من لونه، و لم يبق من أيّوب غير العينين ينظر بهما إلى السماء.
و عن ابن عباس:
إن إبليس حين أيس من أيّوب جمع المردة فقال: ويلكم! أين مكركم و كيدكم الذي كنتم تضلّون به بني آدم ؟ قالوا: يا سيّدنا، قد اضمحلّ ذلك كلّه، إنما بقيت واحدة، أن تأتيه من قبل امرأته، فلعلّ هي أن تخدعه و هو يرقّ لها فتظفر بحاجتك منه. فانطلق إبليس فجلس لها على طريقها فقال لها: يا رحمة، أين المال ؟ أين البنيان ؟ أين النعيم ؟ أين السّعة ؟ أين الخدم ؟ أين الولد، فبكى معها و بكت، فقال لها: ما تستطيعين أن تكلّميه أن يشرب شربة من خمر، فإنّ فيها شفاءه، ثم يتوب ؟ قال: وسوس إليها و جرى منها مجراه من ابن آدم؛ فانطلقت محمارّة وجنتاها، يرعد كلّ مفصل منها حتى جلست بين يدي أيّوب فقالت: يا أيّوب، أين المال ؟ أين السّعة ؟ أين الولد؟ أين الخدم ؟ أ لا تنظر إلى ما صرنا إليه، إنما هي شربة ثم تتوب، فنظر إليها فقال: لعن اللّه من وسوس إليك! و من علّمك هذا؟ للّه عليّ إن عوفيت لأجلدنّك مائة جلدة عقوبة لك بما فعلت (1).فلمّا أن رأت ندمت و ذهب عنها الخبيث، فوقعت على أيّوب تلحسه و تقول: يا سيّدي؛ هذا مكان العائذ من غضبك، فلم تزل به حتى رضي عنها و عذرها.
و عن ابن عباس قال (2):
قالت امرأة أيّوب لأيّوب: إنك رجل مجاب الدعوة، فادع اللّه أن يشفيك، فقال: كنّا في النعماء سبعين سنة، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة، فمكث في ذلك البلاء سبع سنين (3).
و عن ابن عباس:
أنّ أيّوب اشتهى إداما من سمن أو لحم أو جبن أو لبن، فلم تصب امرأته حتى باعت
ص: 122
قرنا من شعرها، فعند ذلك نادى أيّوب ربّه، و ذلك أنّ امرأته أتته بشهوته، فلمّا رأى ذلك قال لها: من أين لك هذا؟ فكشفت عن رأسها فقالت: بعت قرنا من شعري (1)،فقال عند ذلك:
إلهي؛ ابتليتني بذهاب المال و الولد، ثم البلاء في جسدي، ثم صيّرتني أن أعيش من شعر حليلتي، فارض عني، و إن كان هذا رضى لك فزدني و أنت أرحم الراحمين، قد ترى ما نزل بي. فذلك قوله: وَ أَيُّوبَ إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ (2)يقول اللّه:
فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ فَكَشَفْنٰا مٰا بِهِ مِنْ ضُرٍّ (3) .
قال ابن عباس:
جاءه جبريل عليه السّلام فقال: السّلام عليك يا أيّوب، ربّ العزّة يقرئك السّلام و يقول:
اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ (4) اليمين، قال: فضرب بها الأرض، فتناثر كلّ دود عليه من قرنه إلى قدميه، و نبعت عين من تحت رجله اليمني، ثم قال: اركض برجلك اليسرى، قال: فضرب بها الأرض فتناثر ما كان بقي من الدّود، و نبعت عين من تحت قدمه اليسرى، فقال جبريل: قم فادخل هذه العين هٰذٰا مُغْتَسَلٌ فاغتسل فيه، فاغتسل فيها فخرج منها صحيحا سليما نشيطا على حسنه و جماله و شبابه؛ و اشرب من الأخرى و هي اليمنى بٰارِدٌ وَ شَرٰابٌ قال: فشرب منها، فخرج كلّ شيء كان في بطنه، و جرت النّضرة في بشره و شعره. قال: و كسي و ردّ اللّه عليه أمواله و خدمه و مثلهم معهم، و صارت منازله و جنانه و خدمه على ما كان، و فسح اللّه له فيها مثلهم. يقول اللّه تعالى: وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ (5)قال: و جلس جبريل معه يحدّثه إذ جاءته امرأته فرأت منازلها و مجالسها و أنكرت المكان الذي تركت فيه أيّوب - و كانت تركته على زبل يتمرّغ في الرّماد - فصكّت وجهها و دعت بالويل و قالت: من رأى المبتلى ؟ فقال أيّوب: أ ما تعرفينه لو رأيته ؟ فقالت: أمّا في حال صحّته و شبابه كأنّه أشبه الناس بك، قال جبريل: فهو هو، قال أيّوب: قد منّ اللّه عليّ ، و ردّ عليّ مالي، و خدمي، و أهلي، و مثلهم معهم. قالت:
فأين الولد؟- و كان له ثلاثة عشر ولدا - فأوحى اللّه إليه عند مقالتها أين الولد، قال: يا أيّوب إن شئت بعثتهم لك و إن شئت أقررتك في الجنّة، و أعطيتك بدلهم في الدنيا مثلهم، فقالا جميعا
ص: 123
أيّوب و امرأته: يا ربّ ، دعهم في الجنّة و أعطنا غيرهم (1)،قال قد فعلت.
قال ابن عباس:
فمن زعم أنّ أولاده نشروا و بعثوا فقد كذب (2).و قال جبريل: إنّ اللّه يأمرك أن تأخذ بِيَدِكَ ضِغْثاً (3)فَاضْرِبْ بِهِ وَ لاٰ تَحْنَثْ (4)و ذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثا فيه مائة ساق من عيدان القتّ (5)،فيضرب به امرأته لليمين التي حلف عليها (6).قال ابن عباس: و لا يجوز ذلك لأحد بعد أيّوب إلاّ الأنبياء. قال: و بعث اللّه سبحانه (7)فأمطر عليه في داره - بعد صلاة العصر حتى توارت بالحجاب - جراد الذّهب.
و في حديث عكرمة قال:
أتى إبليس فقيل له: هذا أيّوب قد خلّينا بينك و بينه فأت فيه بما قدرت عليه من شيء إلاّ اثنتين، قال إبليس: و أيّ شيء هاتين الثنتين التي منعتنيها. قال: قال له الرسول: يقول لك ربّك: ليس لك أن تخرج نفسه ثم تعيدها، و ليس لك على امرأته سلطان. قال: و علم اللّه بما يلقى أيّوب ممّا لم يعلم إبليس، فجعل امرأته عونا له. قال إبليس: فنعم. قال: و كان أيّوب هو بنى المصلّى الذي كانوا يصلّون فيه، و كان منزله فيه، و كان ذا ماشية و رقيق، و كان إمامهم، قال: فأقبل على ماشيته فأفناها، قال: فلا يرى من أيوب شيئا يحبه، قال: ثم أقبل على رقيقه فأفناهم، فلا يرى شيئا يحبه، قال: ثم أقبل على ولده فأفناهم فلا يرى شيئا يحبّه، قال: فأقبل على أيّوب في بدنه فابتلاه بلاء شديدا.
فلمّا اشتدّ بأيّوب البلاء، و ذهبت ماشيته و رقيقه و ولده، فلم يبق إلاّ هو و امرأته، قال لها: يا هذه، انظري إلى ما آمرك به فاصنعيه، قالت: و ما هو؟ قال: احمليني فألقيني في
ص: 124
القرية، قالت: يا أيّوب، أ لا تتقي اللّه، قد نزل بك ما ترى و أنا امرأة ضعيفة تأمرني أن أخرج من منزلنا الذي هو منزلنا؟! قال: نعم، أطيعيني فإني أخاف أن أكون قد شققت على أهل هذا المصلّى؛ فاحتملته فألقته في القرية. قال: فاشتدّ ريحه، فدعاها فقال: يا هذه، لا أحسبني إلاّ قد شققت على أهل هذه القرية، يمرّون فيجدون ريحي فتؤذيهم، قالت: يا أيّوب، اتق اللّه، أنا امرأة ضعيفة، ليس معي غيري، قالت: فأين أذهب بك ؟ نرى أن نكون مع الناس؛ قال: نعم، انظري إلى هذه الكساحة (1) الخارجة من القرية، فاحمليني فألقيني عليها و لا تؤذي أهل القرية، فلا أحسبني إلاّ قد شققت عليهم فأطيعيني، فاحتملته فألقته على الكساحة. قال:
و ألحّ عليه إبليس لا يرى منه شيئا يحب، لا يراه إلاّ صابرا. قال: فلا أدري ما قال لامرأته يوما، فجاء منها شيء (2)،فآلى ليجلدنّها مائة جلدة إن برئ.
قال: و اشتدّ به البلاء، فقالت له امرأته: و اللّه إنّي لأعلم أنّ اللّه لم يفعل بك هذا من هوانك عليه، هو ربّك، و لكنه أراد أن يبتليك كما ابتلى أباك إبراهيم، لينظر أتصبر و تشكر؟ قال: فتريدين ما ذا؟ قالت: ادع اللّه، فو اللّه ليكشفنّ عنك ذا البلاء، قال: فكم مضى من عمري ؟ قالت: كذا و كذا، قال: فقد كنت في تلك النعمة و الرفاهية و الخير، فما ابتلاني بعد ذلك، قال: فجزعت و قالت: يا أيّوب! فإنك تريد أن تصبر على قدر ذلك (3)!.
فأصبحت يوما و قد اشتدّ بأيّوب البلاء حتى ما يقدر على المنطق، و ذهل عنه أهل المصلّى فقالوا: هذا المبتلى سبع سنين على الكساحة و سبعة أشهر و سبعة أيام (4)،و قد أغفلناه لا نتعاهده، انطلقوا بنا نتعاهده و نسلّم عليه و نسأله أ له حاجة ؟ فأقبلوا بجماعتهم، و غدت امرأته حتى تقضي ما تطلب له، و بقي وحده، و انتهوا إليه فلم يستطيعوا يدنون منه ساعة و لا يسمعونه (5)،قالوا: فكيف نصنع، نرجع ؟ فقال بعضهم: أغفلناه هذه السنوات، فلمّا جئناه و رأيناه و رآنا ننصرف و لا نكلّمه ؟! فقال بعضهم: نضع ثيابنا على أنفنا و ندنو منه فنكلّمه، ثم ننصرف عنه، و نعرض عليه الحاجة؛ قال: فأخذوا على أنفهم و دنوا منه حيث
ص: 125
يسمعونه الكلام، فلما رأوه عاينوا عظيما لم يروه قبل ذلك في أحد، حتى رأوا الدوابّ تخترق فيه، فقال رجل: يا أيّوب، لو علم اللّه فيك خيرا لم يبتلك بما نرى، و انصرفوا عنه راجعين. قال: فعرض لربّه بالدعاء فقال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ (1) قال:
و نزل عليه جبريل، فخرق له الأرض بجناحيه، فنبعت له عينان، فقال: يا أيّوب، اشرب من هذه و اغتسل في هذه؛ قال: فشرب و اغتسل، فإذا أيّوب أحسن ما كان صورة و أتمّه، و نهض عنه جبريل. قال: ففكّر أيّوب في بلاء امرأته عنده و حسن صنيعها إليه و صبرها عليه، قال: لا أبرح حتى تجيء؛ قال: فقعد في فيء شيء، و أقبلت امرأته من حاجتها و لم تره، فانطلقت والهة إلى القرية تسعى ثم عادت والهة، لا تعقل، و مرّت بأيّوب فقالت: يا عبد اللّه، هل رأيت ذاك المبتلى الملقى على الكساحة ؟ قال: يقول لها أيّوب: و ما ذا تخشين عليه ؟ قالت:
صدقت، و لكن أخشى أن يكون كلب أو سبع اجترّه، قال: فما تمالك أيّوب أن بكى و قال:
هل تعرفينه لو رأيته ؟ فنظرت إليه فقالت: و اللّه إنك لأشبه خلق اللّه به إذ كان صحيحا، قال:
فأنا أيّوب، قالت: أنت أيّوب! قال: أنا أيّوب، أ لم أخبرك أنّ اللّه أراد أن يتمّ نعمته عليّ ، قال: فرجع إلى محرابه.
و حكى وهب بن منبّه قال (2):
قال إبليس لامرأة أيّوب: بم أصابكم ما أصابكم ؟ قالت: بقدر اللّه، قال: و هذا أيضا! فاتبعيني،[فاتبعته] (3) فأراها جميع ما ذهب منهم في واد، فقال: اسجدي لي و أردّ عليكم، فقالت: إنّ لي زوجا أستأمره، فأخبرت أيّوب فقال: أ ما آن لك أن تعلمي، ذاك الشيطان، لئن برئت (4) لأضربنّك مائة جلدة (5).
و عن ابن المسيّب:
أنه بلغه أنّ أيّوب على نبيّنا و عليه الصّلاة و السّلام كان حلف ليجلدنّ امرأة له في أن
ص: 126
جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه، فخشي أن تكون قد قارفت شيئا من الخيانة. فلما رحمه اللّه و كشف عنه الضّرّ، و علم براءة امرأته ممّا اتهمها به، قال اللّه: خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لاٰ تَحْنَثْ (1) فأخذ ضغثا من ثمام (2)،و هو مائة، فضرب به كما أمره.
ابن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ ، القرشيّة الأسديّة (3)
تزوّجها خالد بن يزيد بن معاوية، و نقلها إلى دمشق، و له فيها أشعار. و كانت جزلة عاقلة.
و عن جويرية بن أسماء قال (4):
نشزت سكينة على زوجها عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام (5)،و أمّه رملة بنت الزّبير بن العوّام، فدخلت رملة بنت الزّبير و هي عند خالد بن يزيد بن معاوية على عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين، لو لا أن تذر أمورنا (6) ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا، سكينة نشزت على ابني، فقال: يا رملة، إنها سكينة، قالت: و إن كانت سكينة، فو اللّه لقد ولدنا خيرهم [و نكحنا خيرهم] (7) و أنكحنا خيرهم (8)،فقال: يا رملة غرّني منك عروة، قالت: ما غرّك، و لكن نصح لك، إنك قتلت مصعبا أخي، فلم يأمنّي عليك.
و عن عمر بن عبد العزيز قال (9):
حجّ خالد بن يزيد بن معاوية (10) سنة قتل الحجاج عبد اللّه بن الزّبير، فخطب رملة
ص: 127
بنت الزّبير، فبلغ ذلك الحجاج، فأرسل إليه حاجبه (1) و قال له: قل لخالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزّبير حتى تشاورني، و لا كنت أراك تخطب إليهم و ليسوا لك بأكفاء، و قد قارعوا أباك على الخلافة و رموه بكلّ قبيح. فأبلغه الرسالة، فنظر إليه خالد طويلا ثم قال: لو كانت الرسل تعاقب لقطّعتك آرابا (2) ثم طرحتك على باب صاحبك! قل له: ما كنت أظنّ أن الأمور بلغت بك أن أشاورك في مناكحة قريش (3).
و أمّا قولك: أن ليسوا بأكفاء، فقاتلك اللّه يا حجّاج، يكون العوّام كفؤا لعبد المطلب بزوجه صفيّة (4)،و يتزوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خديجة بنت خويلد، و لا تراهم أكفاء لآل أبي سفيان ؟.
و أمّا قولك: قارعوا أباك على الخلافة و رموه بكلّ قبيح، فهي قريش يقارع بعضها بعضا، حتى إذا أقرّ اللّه الحقّ مقرّه، عادت إلى أحلامها و فضلها. فرجع إليه، فأعلمه ذلك.
و تزوّج خالد رملة بنت الزّبير أخت مصعب لأمّه. أمّها الرّباب (5) الكلبيّة.
و في رملة يقول خالد (6):
تخيّرتها من سرّ نبع كريمة *** موسّطة فيهم زبيريّة قلبا
و قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى:
حجّ عبد الملك بن مروان، و حجّ معه خالد بن يزيد، و كان من رجالات قريش المعدودين و علمائهم، و كان عظيم القدر عند عبد الملك، فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزّبير بن العوّام فعشقها عشقا حديدا، و وقعت بقلبه وقوعا متمكّنا، فلمّا أراد عبد الملك القفول همّ خالد بالتخلّف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمة، فسأله عن أمره ؟ فقال:
ص: 128
يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزّبير رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي، و اللّه ما أبديت إليك ما بي حتى عيل صبري، و لقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، و السّلوّ على قلبي فامتنع؛ فأطال عبد الملك التعجّب من ذلك و قال: ما كنت أقول إنّ الهوى يستأسر مثلك! فقال: إنّي أشد تعجّبا من تعجّبك مني، و لقد كنت أقول: إنّ الهوى لا يتمكّن إلاّ من صنفين من الناس:
الشعراء و الأعراب؛ فأمّا الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء و الغزل، فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا إليه منقادين. و أما الأعراب فإنّ أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالب عليه غير حبّه لها، و لا يشغله شيء عنها، فضعفوا عن دفع الهوى فتمكّن منهم. و جملة أمري، فما رأيت نظرة حالت بيني و بين الحرم، و حسّنت عندي ركوب الإثم مثل نظري في هذه؛ فتبسّم عبد الملك و قال: أو كلّ هذا قد بلغ بك ؟ فقال: و اللّه ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا. فوجّه عبد الملك إلى [آل] الزّبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا و اللّه أو يطلّق نساءه، فطلّق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش، و الأخرى من الأزد، و كانتا كريمتين عنده. و ظعن بها إلى الشام و فيها يقول (1):
أ ليس يزيد السّوق (2) في كلّ ليلة *** و في كلّ يوم من حبيبتنا (3) قربا
خليليّ (4) ما من ساعة تذكرانها *** من الدّهر إلاّ فرّجت عنّي الكربا
أحبّ بني العوّام طرّا لحبّها *** و من أجلها (5) أحببت أخوالها كلبا
تجول خلاخيل النساء و لا أرى *** لرملة خلخالا يجول و لا قلبا
قال فيها:
نظرت إليها فاستحلّت بها دمي *** و كان دمي غال فأرخصه الحبّ
و غاليت في حبّي لها فرأت دمي *** حلالا فمن ها ذاك داخلها العجب
و قيل: إنّ خالدا تزوّج رملة و هو بالشام و هي بالمدينة، و كتب إليها فوافته بمكّة، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحلّ فأبت عليه، فألحّ عليها، فرحلت في جوف الليل متوجهة
ص: 129
إلى المدينة، فبلغ ذلك خالدا فطلبها و معه عبيد الرّاعي النّميري، فأدركها في المنصف (1) بعد يوم و ليلة، فحلف لها أن لا يقربها حتى تحلّ ، و قال في ذلك (2):
أحنّ إلى بيت الزّبير و قد علت *** بي (3) العيس خرقا من تهامة أو نقبا (4)
إذا نزلت ماء (5) تحبّب أهله *** إلينا و إن كانت مسابقة (6) حربا
و إن نزلت ماء و كان قليبها (7) *** مليحا (8) وجدنا شربه باردا عذبا
فإن تسلمي أسلم و إن تتنصّري *** تخطّ رجال بين أعينهم صلبا
قيل: إنّ عبد الملك ذكر له هذا البيت، فقال خالد: على قائله لعنة اللّه يا أمير المؤمنين. يعني:
إن تسلمي أسلم و إن تتنصّري (9)
] (10)
روت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و عن أم المؤمنين زينب بنت جحش.
روى عنها: أخواها: معاوية و عنبسة ابنا أبي سفيان، و ابن أخيها عبد اللّه [بن عتبة] (1)ابن أبي سفيان، و عروة بن الزبير، و أبو المليح عامر بن أسامة (2) الهذلي، و أبو صالح ذكوان السمان، و أبو الجراح القرشي مولاها، و شتير بن شكل العبسي، و سالم بن شوال المكي مولاها، و أبو سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريف الثقفي، و صفية بنت شيبة، و زينب بنت أبي سلمة عبد اللّه بن عبد الأسد المخزومية، و محمّد (3) بن أبي سفيان الثقفي الدمشقي.
و قدمت دمشق زائرة لأخيها معاوية، و قيل إن قبرها بها، و الصحيح أنها ماتت بالمدينة.
أخبرنا أبو عبد اللّه الفراوي (4)،و أبو المظفر بن القشيري، قالا: أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن، أنا [أبو] (5) عمرو بن حمدان.
و أخبرتنا أم المجتبى العلوية، قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر بن المقرئ.
قالا: أنا أبو يعلى، نا أبو خيثمة - زاد ابن حمدان: زهير بن حرب - نا سفيان بن عيينة، نا عمرو، عن سالم بن شوال، عن أم حبيبة قالت: كنا نفعله على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، يعني نصلي الصبح بمنى يوم النحر.
أخرجه مسلم (6)،عن أبي بكر بن أبي شيبة (7)،و عمرو الناقد عن ابن عيينة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، و أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن أحمد المقرئ (8)،قالا: أنا أبو محمّد الصريفيني، زاد ابن السمرقندي، و أبو نصر الزينبي، قالا:
أنا أبو بكر محمّد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور، أنا أبو بكر عبد اللّه بن سليمان بن
ص: 131
الأشعث، نا عيسى بن حماد زغبة، أنا الليث بن سعد، عن هشام، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة أنها قالت:
دخل علي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت له: هل لك في أختي ابنة أبي سفيان ؟ قال:«فأفعل ما ذا» فقالت: تنكحها، قال:«أختك» (1) قالت: نعم [قال:«أ تحبين ذلك ؟» قالت: نعم] (2) لست لك بمخلية و أحب من شركني في خير أختي. قال:«فإنها لا تحلّ لي»، قالت: فو اللّه لقد أنبئت أنك تخطب درة (3) ابنة أبي سلمة، قال:«ابنة أبي سلمة ؟» قالت: نعم، قال:
«فو اللّه لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي، إنّها لابنة أخي (4) من الرضاعة، أرضعتني و أباها ثويبة فلا تعرضن عليّ بناتكن و لا أخواتكن»[13727].
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا أبي علي، قالا: أنا أبو سعد محمّد بن الحسين بن أحمد بن أبي علاّنة (5) الفقيه، أنا أبو طاهر المخلص، نا يحيى بن محمّد بن صاعد، نا إبراهيم بن سعيد الجوهري، نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة، عن أمها يعني أم حبيبة، عن زينب بنت جحش قالت:
استيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم محمرا وجهه و هو يقول:«لا إله إلا اللّه، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذا و حلّق (6)»قال: قلت: يا رسول اللّه أ نهلك و فينا الصالحون ؟ قال:«نعم، إذا كثر الخبث»[13728].
أخرجه مسلم (7)،هكذا عن جماعة، عن سفيان، و رواه جماعة عن الزهري، و لم يذكروا حبيبة في إسناده.
أخبرنا أبو الحسن الفرضي، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة (8)،حدّثني محمّد بن عثمان، نا محمّد بن شعيب، أخبرني سعيد ابن عبد العزيز أن اسم أم حبيبة رملة.
ص: 132
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا عبد العزيز، أنا ابن أبي نصر، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة، حدّثني محمّد بن عثمان، نا محمّد بن شعيب، عن سعيد بن عبد العزيز قال: اسم أم حبيبة رملة.
أخبرنا أبو يعلى حمزة بن الحسن الأزدي، أنا أبو الفرج سهل بن بشر، و أبو نصر أحمد بن محمّد الصوفيان، قالا: أنا القاضي أبو الفضل محمّد بن أحمد بن عيسى السعدي، أنا أبو العباس منير بن أحمد بن الحسن، أنا أبو (1) محمّد جعفر بن أحمد بن إبراهيم الحذاء، أنا أبو جعفر أحمد بن الهيثم البلدي قال: قال أبو نعيم الفضل بن دكين في تسمية النساء الصحابيات: أم حبيبة بنت أبي سفيان، و اسمها رملة.
أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن عبد الملك، و أبو المطهّر عبد المنعم بن أحمد بن يعقوب، قالا: أنا أبو طاهر بن محمود، أنا أبو بكر بن المقرئ، قال: سمعت أبا عبد الرّحمن مكحولا البيروتي قال: سمعت عمر بن خرّزاد (2) يقول: سمعت مصعبا الزبيري يقول: اسم أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم رملة.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، و أبو العز ثابت بن منصور، قالا: أنا أحمد بن الحسن ابن أحمد - زاد أبو البركات: و أحمد بن الحسن بن خيرون، قالا:- أنا محمّد بن الحسن، أنا محمّد بن أحمد بن إسحاق، نا عمر بن أحمد، نا خليفة قال (3):
أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الفضل بن البقال.
و أخبرني أبو المظفر بن القشيري، أنا أبو بكر البيهقي.
ح قالا: أنا أبو الحسين بن بشران، أنا عثمان بن أحمد، نا حنبل بن إسحاق، حدّثني
ص: 133
أبو عبد اللّه قال: و من بني عبد شمس بن أمية: أم حبيبة بنت أبي سفيان، و اسمها رملة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، و اسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية.
أخبرنا أبو غالب الماوردي، أنا أبو الفضل بن خيرون.
ح و أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا ثابت بن بندار (1).
قالا: أنا أبو القاسم الأزهري، أنا أبو الحسين بن البواب، أنا أبو الحسين الجوهري، أنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمّد بن حنبل، قال: قال أبي: أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم اسمها رملة.
أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك، أنا أبو الحسين بن السقا، و أبو محمّد بن بالويه، قالا: نا محمّد بن يعقوب، نا عباس قال: سمعت يحيى يقول: أم حبيبة ابنة أبي سفيان، اسمها رملة.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو علي بن الصّوّاف (2)،نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: سمعت عمي أبا بكر يقول: اسم أم حبيبة بنت أبي سفيان (3) زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم رملة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الفضل بن البقال، أنا أبو الحسن بن الحمامي، أنا أبو بكر بن أحمد، أنا إبراهيم بن أبي أمية، قال: سمعت نوح بن حبيب يقول:
و اسم أم حبيبة بنت أبي سفيان رملة، سمعته من ابن عائشة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الفتح نصر بن أحمد بن نصر، أنا محمّد بن أحمد بن عبد اللّه.
و أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا ابن الطيوري، و ابن سوّار، قالا: أنا الطناجيري، أنا محمّد بن زيد بن علي، أنا محمّد بن محمّد بن عقبة (4)،نا هارون بن حاتم قال: اسم أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم رملة.
ص: 134
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد (1) قال:
فولد أبو سفيان بن حرب: حنظلة، قتل يوم بدر كافرا، و لا عقب له، و أم حبيبة زوجها عبيد اللّه بن جحش بن رئاب الأسدي حليف بني عبد شمس، فولدت له حبيبة، ثم توفي عبيد اللّه مرتدا بأرض الحبشة، فتزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة و هي بأرض الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، و أميمة و هي أم حبيب بنت أبي سفيان تزوجها حويطب بن العزى و أمّهم جميعا صفيا (2) بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد اللّه، نا يعقوب، قال (3):و أم (4) حبيبة رملة.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو محمّد الكتاني، أنا أبو القاسم تمام بن محمّد، أنا أبو عبد اللّه الكندي، نا أبو زرعة قال: فيمن حدّث بالشام من النساء أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم اسمها رملة بنت أبي سفيان.
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن مندة، قال:
أم حبيبة اسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية القرشي، و كانت تحت عبيد اللّه ابن جحش، فتنصر و هلك بأرض الحبشة، فتزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعده، و كان النجاشي زوّجها إياه سنة ست و أمهرها من عنده، و كان وليها عثمان بن عفان، و توفيت في خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة اثنتين و أربعين و قيل سنة أربع و أربعين، روى عنها معاوية، و عنبسة ابنا أبي سفيان، و أنس بن مالك، و معاوية بن حديج، و عبد اللّه بن عتبة بن أبي سفيان.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا أبو الفضل محمّد بن طاهر، أنا مسعود بن ناصر، أنا عبد الملك بن الحسن، أنا أبو نصر البخاري قال:
ص: 135
رملة بنت أبي سفيان، و اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أم حبيبة أخت معاوية بن أبي سفيان القرشية المدنية زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، و أمها آمنة بنت عبد العزى (1) بن حرثان (2) بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، و كانت قبل أن يتزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تحت عبيد اللّه بن جحش الأسدي أسد خزيمة، و كان خرج بها من مكة مهاجرا إلى أرض الحبشة، و افتتن بها عبيد اللّه و تنصر بها، و مات على النصرانية، و أبت أم حبيبة أن تتنصّر، فأتمّ اللّه لها الإسلام و الهجرة، حتى قدمت المدينة، فخطبها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فزوّجها إياه عثمان بن عفان، و يقال: تزوجها النبي صلى اللّه عليه و سلم و هي بأرض الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، و مهرها أربعة آلاف درهم و جهزها من عنده، و بعث بها إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم مع شرحبيل بن حسنة، و ما بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم إليها بشيء.
و قال أبو عبيدة: و خليفة بن خياط : تزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في سنة ست.
و قال خليفة: و دخل بها في سنة سبع من الهجرة، و سمعت أم حبيبة النبي صلى اللّه عليه و سلم و حدّثت عن زينب بنت جحش عنه عليه السّلام، أيضا روت عنها زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد في الجنائز، و النكاح، و الطّلاق، و بدأ الخلق، و صفة النبي صلى اللّه عليه و سلم، و الفتن.
قال ابن أبي خيثمة: توفيت قبل موت معاوية بسنة (3)،و توفي معاوية في رجب سنة ستين.
قال أبو نصر: فكأنها ماتت في سنة تسع و خمسين من الهجرة، على ما ذكره ابن أبي خيثمة.
و قال محمّد بن سعد: و فيها يعني سنة أربع و أربعين توفيت أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: قال أبو نعيم الحافظ :
أم حبيبة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم اسمها رملة، كانت فيمن هاجر إلى الحبشة مع زوجها عبيد اللّه (4) بن جحش، فمات عبيد اللّه بها
ص: 136
متنصرا، و تزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة و عقد له عليها النجاشي، و أمهر عنه أربع مائة دينار، و قيل إن عثمان بن عفان أنكح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة، و ذلك أن أمّها صفية بنت أبي العاص أخت عفان (1) بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان، و قيل و لي عقد نكاحها خالد بن سعيد أبي أحيحة و بعث بها النجاشي مع شرحبيل بن حسنة، توفيت في ولاية معاوية بن أبي سفيان سنة ثنتين، و قيل سنة أربع و أربعين، أسندت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم، روى عنها أخوها معاوية، و أنس بن مالك، و زينب بنت أبي سلمة، و عبد اللّه بن عتبة بن أبي سفيان، و عنبسة بن أبي سفيان.
أخبرنا أبو الحسين (2) بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير، حدّثني إبراهيم بن طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق قال:
أمّ أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، صفيا بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، و أمها آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا أحمد بن عبيد بن بيري (3)،أنا محمّد بن الحسين، نا ابن أبي خيثمة، أنا مصعب، قال: أم حبيبة بنت أبي سفيان أمها آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو بكر الخطيب، أنا أبو الحسين (4) محمّد بن الحسين، أنا محمّد بن عبد اللّه بن عتاب، أنا القاسم بن عبد اللّه، نا إسماعيل بن أبي أويس، نا إسماعيل بن إبراهيم، عن عمّه موسى بن عقبة قال في تسمية من يذكر أنه خرج إلى أرض الحبشة أم حبيبة بنت أبي سفيان، و ابنتها حبيبة ابنة عبيد اللّه بن جحش الأسدي، توفي هنالك نصرانيا.
قرأت (5) على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و نا عمي رحمه اللّه، أنا ابن يوسف، أنا أبو محمّد.
ص: 137
أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، أنا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد (1)،أنا محمّد بن عمر، نا عبد اللّه بن جعفر، عن عثمان بن محمّد الأخنسي أن أم حبيبة بنت أبي سفيان ولدت حبيبة ابنتها من عبيد اللّه بن جحش بمكة قبل أن تهاجر (2) إلى أرض الحبشة، قال عبد اللّه بن جعفر، و سمعت إسماعيل بن محمّد بن سعد يقول: ولدتها بأرض الحبشة.
قال محمّد بن عمر: فأخبرني أبو بكر بن إسماعيل بن محمّد بن سعد، عن أبيه قال:
خرجت من مكة و هي حامل بها، فولدتها بأرض الحبشة.
قال (3):و أنا محمّد بن عمر، نا إسحاق بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال:
بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، يخطب (4) عليه أم حبيبة بنت أبي سفيان، و كانت تحت عبيد اللّه بن جحش، فزوجها إياه و أصدقها النجاشي من عنده عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أربع مائة دينار.
قال أبو (5) جعفر: فما نرى عبد الملك بن مروان وقت صداق النساء أربع مائة دينار إلاّ لذلك.
قال (6):فحدّثني محمّد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: و حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم، قالا: كان الذي زوّجها و خطب إليه النجاشي خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس و ذلك سنة سبع من الهجرة، و كان لها يوم قدم بها المدينة بضع و ثلاثون سنة.
أخبرنا أبو القاسم الشحامي، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، حدّثني أبو بكر محمّد بن أحمد بن بالويه، نا أبو بكر محمّد بن شاذان الجوهري، نا معلى بن منصور، نا ابن المبارك، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة أنّها كانت تحت عبيد اللّه بن
ص: 138
جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوّجها النجاشي النبي صلى اللّه عليه و سلم و أمهرها عنه أربعة آلاف، و بعث بها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مع شرحبيل بن حسنة.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أحمد بن جعفر، نا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (1)،نا إبراهيم بن إسحاق، نا عبد اللّه بن المبارك، عن معمر.
قال: أبي: و علي بن إسحاق، أنا عبد اللّه، أنا معمر.
ح و أخبرنا أبو محمّد بن حمزة، أنا أبو بكر الخطيب.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري.
قالا: أنا ابن الفضل، أنا ابن درستويه، نا يعقوب، نا عبد اللّه بن عثمان، أنا عبد اللّه بن المبارك.
ح و أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد، و أبو نصر بن طلاب، قالا: أنا أبو بكر بن أبي الحديد، أنا أبو الحسن محمّد بن عثمان بن أبي الحديد المصري، نا إبراهيم بن مرزوق، نا عبد اللّه بن سنان الخراساني، نا عبد اللّه بن المبارك، عن معمر.
ح و أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنا أبو حامد أحمد بن الحسن، أنا محمّد بن عبد اللّه بن حمدون، أنا أبو حامد بن الشرقي، نا محمّد بن يحيى الذهلي، نا نعيم بن حماد، نا ابن المبارك، نا معمر.
عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة:
أنّها كانت تحت عبيد اللّه بن جحش و كان رحل إلى النجاشي [فمات] (2)،و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تزوج أم حبيبة و أنها لبأرض - و في حديث ابن حنبل: و إنها بأرض - الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، و مهرها.- و قال نعيم: و أمهرها - أربعة آلاف درهم ثم جهزها من عنده، و بعث بها مع شرحبيل بن حسنة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جهازها كله من عند النجاشي، و لم يرسل إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشيء.- و قال ابن سنان: شيئا - و كان مهر (3) أزواج النبي صلى اللّه عليه و سلم أربعمائة درهم.
ص: 139
أخبرنا أبو الفتح الماهاني، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد اللّه بن مندة، أنا عبد الرّحمن بن يحيى، نا أبو مسعود [الرازي] (1)،أنا عبد الرزّاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة أنّها كانت عند عبيد اللّه بن جحش، فمات، و كان ممن هاجر إلى أرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو بالمدينة.
خالفه ابن مسافر عن الزهري.
أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنا أحمد بن الحسن، أنا محمّد بن عبد اللّه بن حمدون، أنا أحمد بن محمّد بن الحسن، نا محمّد بن يحيى الذهلي، نا سعيد بن كثير بن عفير (2) الأنصاري، حدّثني الليث، عن ابن مسافر، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت.
ح و أخبرنا أبو الفتح، أنا شجاع، أنا ابن مندة، أنا محمّد بن عبد اللّه بن معروف الأصبهاني، أنا عبيد (3) بن عبد الواحد، نا سعيد بن عفير (4)،نا الليث، عن عبد الرّحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنّها قالت:
هاجر عبيد اللّه بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان و هي امرأته إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة تنصّر، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فبعث - و في حديث يوسف: و بعث - معها النجاشي شرحبيل بن حسنة فأهداها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
[قال ابن عساكر:] (5) و في حديث يوسف: عبد اللّه بن جحش، و هو وهم شنيع؛ عبد اللّه بن جحش من أفاضل الصحابة، و استشهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم أحد و الذي تنصّر أخوه عبيد اللّه بغير شك.
و رواه أبو صالح عن الليث، فلم يقل عن عائشة و لا أم حبيبة.
ص: 140
أخبرنا أبو بكر بن أبي عبد الرّحمن، أنا أحمد بن الحسن بن محمّد، أنا محمّد بن عبد اللّه بن حمدون، أنا أحمد بن محمّد بن الحسن، نا محمّد بن يحيى، نا أبو صالح، حدّثني الليث، حدّثني عبد الرّحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير بهذه (1) القصة، و لم يذكر عائشة.
أخبرنا أبو عبد اللّه بن أبي مسعود الفقيه، أنا أحمد بن الحسين الحافظ (2)،أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس محمّد بن يعقوب.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النّقّور، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أبو الحسين رضوان بن أحمد.
قالا: نا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق (3)،حدّثني أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوّجه (4) أم حبيبة بنت أبي سفيان و ساق عنه أربعمائة دينار.
أخبرنا أبو القاسم أيضا، أنا ابن النقور، أنا المخلص، أنا رضوان بن أحمد، نا أحمد، نا يونس، عن ابن إسحاق، قال: و كانت أم حبيبة خرجت مع زوجها عبيد اللّه بن جحش إلى أرض الحبشة، فمات بها، و قد كان دخل في النصرانية، و ترك الإسلام، فمات بها مشركا.
[أخبرنا أبو القاسم الشحامي، أنا أبو بكر البيهقي (5)] (6).
و أخبرنا أبو محمّد بن حمزة، نا أبو بكر الخطيب.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن اللالكائي.
قالوا: أنا أبو الحسين (7) بن الفضل القطان، أنا عبد اللّه بن جعفر، نا يعقوب بن
ص: 141
سفيان، نا عبد اللّه بن عثمان، عن عيسى بن يونس، عن محمّد بن إسحاق، قال: بلغني أن الذي ولي نكاحها ابن عمّها خالد بن سعيد بن العاص.
قال: و نا يعقوب بن سفيان، حدّثني عمرو بن خالد، و حسان، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أنكحه إيّاها عثمان بن عفّان بأرض الحبشة (1).
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو علي بن الصواف، نا محمّد بن عثمان، نا أبو بلال الأشعري، نا عيسى بن يونس، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن علي بن الحسين قال:
كانت أم حبيبة بالحبشة مع زوجها، فمات زوجها مرتدا، فزوّج النجاشي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على أربعمائة دينار، و نقد الدنانير عنه و دفعها إليه، و كان الذي ولي عقدة النكاح خالد بن سعيد بن العاص، و كان أقرب من هنالك منها ثم بعث بها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مع أبي عامر الأشعري، و كان شيخ من هناك من المهاجرين.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا أحمد بن سليمان، نا الزبير، حدّثني محمّد بن الحسن، عن أبي ضمرة أنس بن عياض، عن أبي بكر بن عثمان:
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، و اسمها رملة، و اسم أبي سفيان صخر، زوّجه إياها عثمان بن عفان [و هي] (2) بنت عمته، أمها ابنة أبي العاص، زوّجه إياها النجاشي و جهزها إليه و أصدق أربعمائة دينار (3)،و أولم عليها عثمان بن عفان لحما و زبدا (4) و بعث إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شرحبيل بن حسنة فجاء بها.
قرأت (5) على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا عبد القادر بن محمّد، أنا أبو محمّد قراءة.
ص: 142
أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد (1)،أنا محمّد بن عمر، أنا عبد اللّه بن عمرو بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد ابن العاص، قال: قالت أم حبيبة رأيت في النوم كأن عبيد اللّه بن جحش زوجي (2) بأسوإ صورة و أشوهه ففزعت، فقلت: تغيرت و اللّه حاله، فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيبة، إنني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية، و كنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمّد، ثم قد رجعت إلى النصرانية، فقلت: و اللّه ما خير لك، و أخبرته بالرؤيا التي رأيت (3)له فلم يحفل بها، و أكبّ على الخمر حتى مات فأري في النوم كأن آتيا (4) يقول يا أم المؤمنين ففزعت فأوّلتها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتزوجني قالت: فما هو إلاّ أن انقضت عدتي، فما شعرت إلاّ برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه و دهنه فدخلت عليّ فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب إليّ أن أزوجكه. فقالت:
بشّرك اللّه بخير، قالت: يقول لك [الملك] (5) وكّلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكّلته و أعطت أبرهة سوارين من فضة، و خدمتين كانتا في رجليها و خواتم (6) فضة كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشّرتها، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب و من هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال: الحمد للّه الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز (7) الجبار، أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمّدا عبده و رسوله، و أنّه الذي بشّر به عيسى ابن مريم صلى اللّه عليه و سلم، أما بعد، فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد أصدقتها أربعمائة دينار، ثم سكب الدنانير بين [يدي] (8) القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال:
الحمد للّه أحمده و أستعينه و أستنصره و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمّدا عبده و رسوله، أرسله
ص: 143
بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون، أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و زوّجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك اللّه لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و دفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا، فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام، فأكلوا ثم تفرقوا.
قالت أم حبيبة: فلما وصل إليّ المال (1) أرسلت إلى أبرهة التي بشّرتني فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ و لا مال بيدي فهذه الخمسون مثقالا فخذيها فاستعيني (2) بها، فأبت و أخرجت حقّا فيه كل ما (3) كنت أعطيتها فردته عليّ و قالت: عزم علي الملك ألاّ أرزأك شيئا، و أنا التي أقوم على ثيابه و دهنه، و قد اتبعت دين محمّد و أسلمت للّه، و قد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر، قالت: فلما كان من الغد جاءتني بعود و ورس و عنبر و زباد (4) كثير فقدمت بذلك كله على النبي صلى اللّه عليه و سلم، فكان يراه عليّ و عندي فلا ينكره، ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مني السّلام و تعلميه أني قد اتّبعت دينه، قالت: ثم لطفت بي و كانت هي التي جهزتني و كانت كلما دخلت عليّ تقول: لا تنسي حاجتي إليك، قالت: فلمّا قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخبرته كيف كانت الخطبة و ما فعلت بي أبرهة، فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أقرأته منها السّلام فقال (5):و عليها السّلام و رحمة اللّه و بركاته.
أخبرنا (6) أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: أنا أبو نعيم الحافظ ، نا عبد اللّه ابن محمّد، نا أبو بكر بن أبي عاصم، نا محمّد بن مصفى، نا بقية، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس أن أم حبيبة كانت في أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب، و أن النبي صلى اللّه عليه و سلم تزوجها و أصدق عنه النجاشي أربعمائة دينار.
أخبرنا أبو الحسين (7) بن الفراء، و أبو غالب و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير، حدّثني محمّد بن
ص: 144
الحسن، عن أبي ضمرة أنس بن عياض، عن أبي بكر بن عثمان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي [و اسمها] (1)رملة و اسم أبي سفيان صخر زوّجه إياها عثمان بن عفان و هي بنت عمته أمها ابنة أبي العاص، زوّجه إياها النجاشي، و جهزها إليه، و أصدق أربعمائة دينار، و أولم عليها عثمان بن عفان لحما و زبدا (2)،و بعث إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شرحبيل بن حسنة، فجاء بها.
قال: و نا الزبير، حدّثني محمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن وهب، عن ابن لهيعة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن نوفل، قال: خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على أم حبيبة بنت أبي سفيان و اسمها رملة زوّجه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة، و أمّها صفية بنت أبي العاص عمة عثمان.
قال: و نا الزبير، حدّثني محمّد بن حسن، عن سفيان بن عيينة، عن سعيد بن بشير، عن قتادة أن النجاشي زوّج النبي صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بأرض الحبشة و أصدق عنه مائتي (3)دينار.
قال: نا الزبير، حدّثني محمّد بن حسن، حدّثني إسحاق بن عيسى، عن يحيى بن عمر، عن أبيه قال: ولي عقدة نكاح أم حبيبة رجل من قريش، و ساق عنه النجاشي أربعمائة دينار و قلادة.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا ثابت بن بندار، أنا أبو العلاء الواسطي، أنا أبو بكر البابسيري، أنا الأحوص بن المفضل، نا أبي، نا أحمد بن حنبل، نا حجاج، نا ليث، حدّثني عقيل، عن الزهري، قال: ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مهاجرا من مكة إلى المدينة فتزوج بالمدينة أم حبيبة بنت أبي سفيان من بني أمية، و كانت قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عند عبيد اللّه بن جحش أخي بني أسد، فمات عنها و هي بأرض الحبشة، خرج بها من مكة مهاجرا في المهاجرين فافتتن و تنصّر، فمات نصرانيا، و ثبت (4) اللّه لأم حبيبة الإسلام و الهجرة.
قال: و نا أبي، حدّثني الواقدي، عن أصحابه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي فزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان.
ص: 145
قال الواقدي: و حدّثني محمّد بن أبي ميسرة (1)،عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر.
قال: و نا إسحاق بن محمّد، عن جعفر (2) بن محمّد، عن أبيه (3):
أن النجاشي زوّج النبي صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، و أصدق من عنده أربعمائة دينار قال أبو جعفر: فما رأى عبد الملك بن مروان جعل المهر أربع مائة دينار إلاّ لهذا الحديث.
قرأت (4) على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا أبو طالب بن يوسف، أنا الجوهري، قراءة.
أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، أنا الحسين بن فهم، نا ابن سعد (5)،نا عبد الرّحمن بن عبد العزيز، عن الزهري قال: و جهّزها إليه النجاشي، و بعث بها مع شرحبيل ابن حسنة.
قال (6):و حدّثنا ابن سعد، حدّثني عبد اللّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى اللّه عليه و سلم ابنته قال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه.
أخبرنا أبو الحسين، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا أحمد، نا الزبير، حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن طلحة، قال: قدم خالد بن الوليد و عمرو بن العاص بأم حبيبة من أرض الحبشة عام الهدنة.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا أبو المعالي ثابت بن بندار، أنا أبو العلاء محمّد بن علي، أنا أبو بكر البابسيري، أنا الأحوص بن المفضل، نا أبي، نا يحيى بن معين، نا أبو مسهر، عن محمّد بن شعيب بن شابور، عن من سمع يونس بن حلبس قال:
لما قدمت أم حبيبة أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بلالا فأخذ بخطام بعيرها فأنزلها المنزل الذي أمره النبي صلى اللّه عليه و سلم، فإذا فيه كناسة، فقالت لمولاة لها أو مولاة أبيها: إن شئت كفيتني السقي و كنست، و إن شئت استقيت و كنست. قال: فكنست البيت ثم بسطت فيه بساط شعر، ثم
ص: 146
بسطت عليه شيئا، ثم أسرت، ثم أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالدخول على أهله، فلما دخل عليها فوجد ريح الطيب، قال:«إنهن قرشيات، بطاحيات، قرويات، ليس (1) بأعرابيات و لا بدويات»[13729].
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا أبو بكر أحمد بن عبيد، إجازة، أنا محمّد بن الحسين، نا ابن أبي خيثمة، قال: قال أبو عبيدة:
ثم تزوج صلى اللّه عليه و سلم في سنة ست من التاريخ من قريش أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، و أم حبيبة اسمها رملة.
أخبرنا (2) أبو محمّد بن الآبنوسي، ثم أخبرني أبو الفضل بن ناصر عنه، أنا أبو محمّد الجوهري، أنا أبو الحسين بن المظفر، أنا أبو علي المدائني، أنا أبو بكر بن البرقي قال:
يقال: إن النبي صلى اللّه عليه و سلم تزوّجها سنة ست، و يقال: سنة سبع، و يقال: إنها توفيت سنة أربع و أربعين.
فأما ما أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ ، أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو عبد اللّه الصفار، نا أحمد بن محمّد البرتي، نا موسى بن مسعود، نا عكرمة بن عمار.
[ح] (3) قال: و أنا أبو عبد اللّه، أنا أبو عبد اللّه بن يعقوب، و أبو عمرو الفقيه، قالا: نا عبد اللّه بن محمّد، نا العباس بن عبد العظيم العنبري، و أحمد بن يوسف، قالا: نا النضر بن محمّد، نا عكرمة بن عمار.
نا أبو زميل، حدّثني ابن عباس قال:
كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان و لا يقاعدونه، فقال للنبي صلى اللّه عليه و سلم: يا نبي اللّه، ثلاث اعطيتهن (4) قال:«نعم» قال: هذين (5) أحسن العرب و أجملهن أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال:«نعم»، قال: و معاوية كاتبا بين يديك، قال:«نعم»، قال: و تأمرني حتى
ص: 147
أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال:«نعم»، قال أبو زميل: و لو لا أنه طلب ذلك من النبي صلى اللّه عليه و سلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلاّ قال نعم[13730].
قال أبو بكر (1):رواه مسلم (2) في الصحيح عن عباس بن عبد العظيم، و أحمد بن جعفر، فهذا أحد ما اختلف فيه البخاري و مسلم بن الحجاج، فأخرجه مسلم و تركه البخاري و كان لا يحتج في كتابه الصحيح بعكرمة بن عمار، و قال: لم يكن عنده كتاب فاضطرب حديثه.
قال أبو بكر: و هذا الحديث في قصة أم حبيبة قد أجمع أهل المغازي على خلافه، فإنهم لن يختلفوا في أن تزويج أم حبيبة كان قبل رجوع جعفر بن أبي طالب و أصحابه من أرض الحبشة، و إنّما رجعوا زمن خيبر، فتزويج أم حبيبة كان قبله، و إسلام أبي سفيان بن حرب كان زمن الفتح، فتح مكة، بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث، فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسألته ؟ و إن كانت مسألته الأولى إياه وقعت في بعض حركاته (3) إلى المدينة و هو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، و المسألة (4) الثانية و الثالثة وقعتا بعد إسلامه لا يحتمل إن كان الحديث محفوظا إلاّ ذلك، و اللّه أعلم.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو القاسم بن مسعدة، أنا حمزة بن يوسف، أنا أبو أحمد (5)،نا محمّد بن خلف بن المرزبان، نا أحمد بن منصور الرمادي، نا شبابة، نا خارجة بن مصعب، عن ابن السائب و هو الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في هذه الآية عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عٰادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (6) قال: فكانت المودة التي جعل اللّه بينهم تزويج النبي صلى اللّه عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين، و صار معاوية خال المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه، إذنا، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنا أبو
ص: 148
بكر عبد اللّه بن أحمد بن عثمان بن خلف بن سلمان العكبري بها، نا محمّد بن محمّد الخطيب، نا أحمد بن علي، نا محمّد بن سليمان، نا عثمان بن محمّد العبسي، نا عبد اللّه بن إدريس، عن الأعمش (1)،عن أبي رزين، عن ابن عباس في قوله عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عٰادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً قال: إن المودة أن النبي صلى اللّه عليه و سلم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو القاسم بن مسعدة، أنا حمزة، أنا أبو أحمد (2)،نا روح بن عبد المجيب البلدي، نا محمّد بن يحيى بن رزين، نا إسماعيل بن يحيى، عن مسعر، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما تزوجت شيئا من نسائي، و لا زوّجت شيئا من بناتي إلاّ بإذن جاءني به جبريل عن اللّه عز و جل»[13731].
قال ابن عدي: و هذا الحديث باطل بهذا الإسناد.
أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار بن محمّد بن أبي القاسم القايني، و أبو الحسن علي بن محمّد بن الحسن (3) الصوفيان، قالا: أنا أبو المظفر موسى بن عمران بن محمّد بن أحمد الأنصاري، أنا أبو الحسن محمّد بن الحسين بن داود العلوي، أنا أبو عبد اللّه محمّد بن سعد بن حمويه النسوي، نا أبو بكر بن أبي خيثمة، نا عثمان بن زفر، نا سيف بن عمر، عن عبد اللّه بن محرز، عن هند بن هند بن أبي هالة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إن اللّه أبى لي أن أتزوج أو أزوّج إلاّ أهل الجنّة»[13732].
أخبرنا (4) أبو الحسن الفرضي، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنا أبو بكر العكبري، نا أبو العباس محمّد بن قحطبة بن محمّد البغدادي، بالبصرة، نا الحسن بن محمّد بن بهرام، نا روح بن الفرج، نا إسماعيل بن إبراهيم، نا الحسن بن أبي جعفر، عن رجل، عن الحسن قال:
دخل معاوية على النبي صلى اللّه عليه و سلم و عنده أم حبيبة و كانت إلى جانب النبي صلى اللّه عليه و سلم فلما رآها (5)
ص: 149
رجع فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم:«يا معاوية ارجع» فرجع فقعد معهم، فقال لهم النبي صلى اللّه عليه و سلم:«و اللّه إني لأرجو أن أكون أنا و هذه في الجنة ندير الكأس بيننا»[13733].
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النقور، أنا أبو طاهر المخلّص، نا عبد اللّه بن محمّد بن زياد، نا علي بن حرب، نا زيد بن الحباب، حدّثني حسين (1) بن و واقد، عن زيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ (2) قال: نزلت في أزواج النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة، قال عكرمة: و من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم (3).
أخبرنا أبو غالب بن البنّا بقراءتي عليه، عن أبي محمّد بن علي الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا عبد القادر، أنا أبو محمّد بن علي، قراءة.
أنا أبو عمر الخزاز، أنا أحمد بن معروف، أنا أبو علي الفقيه، نا محمّد بن سعد (4)،أنا محمّد بن عمر، نا محمّد بن عبد اللّه، عن الزهري قال:
لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى اللّه عليه و سلم طوته دونه، فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟ قالت: بل هو فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أنت امرؤ نجس مشرك، فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شرّ (5).
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا عبد الوهاب بن أبي حية، أنا محمّد بن شجاع، أنا محمّد بن عمر (6)،حدّثني حزام (7) بن هشام الكعبي، عن أبيه قال:
أقبل أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا محمّد، إنّي كنت
ص: 150
غائبا في صلح الحديبية، فاشدد العهد و زدنا في المدة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«و لذلك قدمت يا أبا سفيان ؟» قال: نعم (1) فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«فنحن على مدتنا و صلحنا يوم الحديبية لا نغير و لا نبدل» ثم قام من عنده، فدخل على ابنته [أم حبيبة] (2)،فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طوته دونه، فقال: أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه ؟ قالت: بل هو فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أنت امرؤ نجس مشرك، قال: يا بنية أ قد أصابك بعدي شيء (3)؟ قالت: هداني اللّه للإسلام، و أنت يا أبة سيد قريش و كبيرها، كيف يسقط عنك الدخول (4) في الإسلام ؟ و أنت تعبد حجرا لا يسمع و لا يبصر؟ قال: يا عجباه و هذا منك أيضا؟ أ أترك ما كان يعبد آبائي و أتبع دين محمّد؟ ثم قام من عندها، و ذكر الحديث[13734].
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس، أنا طراد بن محمّد، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو علي بن صفوان، نا ابن أبي الدنيا، حدّثني أبي، عن الأسود بن عامر، عن أبي هلال، عن حميد بن هلال، قال:
لما حضر عثمان أتته أم المؤمنين، فجاء رجل فاطّلع في خدرها فجعل ينعتها للناس، فقالت: ما له قطع اللّه يده، و أبدى عورته، قال: فدخل عليه داخل فضربه بالسيف، فاتقى بيمينه فقطعها، و انطلق هاربا آخذا إزاره بفيه أو بشماله باديا عورته.
[قال ابن عساكر:] (5) أم المؤمنين هذه هي أم حبيبة لأنها كانت معنية بأمر عثمان.
قرأت (6) على أبي غالب أحمد بن علي، أنا الحسن (7).
و حدّثنا عمي، أنا أبو طالب (8)،أنا الحسن قراءة.
أنا محمّد بن العباس، أنا أبو الحسن الساجي، أنا الحسين بن فهم، نا محمّد بن
ص: 151
سعد (1)،أنا محمّد بن عمر، حدّثني أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عوف بن الحارث قال: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر اللّه لي و لك، ما كان من ذلك، فقلت: غفر اللّه لك ذلك كله و تجاوز و حلّلك من ذلك، فقالت: سررتني (2) سرّك اللّه، و أرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك، و توفيت سنة أربع و أربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا ثابت بن بندار، أنا أبو العلاء الواسطي، أنا أبو بكر البابسيري، أنا الأحوص بن المفضل، نا أبي قال: و أم حبيبة سنة اثنتين و أربعين يعني ماتت.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا علي بن أحمد بن محمّد، أنا أبو طاهر المخلّص إجازة، نا عبيد اللّه (3) بن عبد الرّحمن، أخبرني عبد الرّحمن بن محمّد بن المغيرة، أخبرني أبي، حدّثني أبو عبيد القاسم بن سلام قال: سنة أربع و أربعين فيها توفيت أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم.
أخبرنا أبو محمّد بن حمزة، نا أبو بكر الخطيب.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا محمّد بن هبة اللّه.
قالا: أنا محمّد بن الحسين، أنا عبد اللّه بن جعفر، نا يعقوب، و قد قيل في هذه السنة يعني سنة أربع و أربعين: توفيت أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم.
قرأت على أبي محمّد السلمي، عن أبي محمّد عبد العزيز بن أحمد، أنا مكي بن محمّد، أنا أبو سليمان بن زبر قال: قالوا فيها: ماتت أم حبيبة رملة ابنة أبي سفيان زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم و هي سنة أربع و أربعين.
أخبرنا أبو غالب و أبو عبد اللّه، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا أحمد بن عبيد، قراءة، أنا محمّد بن الحسين، نا ابن أبي خيثمة، قال: و توفيت أم حبيبة قبل موت معاوية بسنة (4).
ص: 152
قال: و أنا محمّد بن بكار، قال: توفي معاوية في رجب سنة ستين (1).
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار، قال: و حدّثني محمّد بن حسن، عن حسن بن علي، قال: قدمت (2) منزلي في دار علي بن أبي طالب فحفرنا في ناحية منه، فأخرجنا حجرا فإذا فيه مكتوب: هذا قبر رملة بنت صخر، فأعدناه في مكانه.
9340 - رملة الصغرى بنت صخر أبي (3) سفيان
ابن حرب بن أمية بن عبد شمس (4)
كانت تحت سعيد بن عثمان، ثم تزوجها (5) عمرو بن سعيد الأشدق (6)،و قتل عنها بدمشق.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العباس، أنا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار، قال (7):
فولد أبي سفيان - فذكرهم ثم قال: و رملة بنت أبي سفيان تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان، فولدت له محمّدا، و أمّها من بني الحارث بن عبد مناة، و أخوها (8) لأمّها سليمان بن أزهر بن عبد مناة الزهري.
[قال ابن عساكر:] (9) كذا في روايتنا و في الرواية العتيقة: أزهر بن عبد عوف، و هو الصواب (10).
ص: 153
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا محمّد بن سعد (1) قال: في تسمية ولد أبي سفيان:
و رملة تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، فولدت له محمّدا، ثم خلف عليها عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، فقتل عنها، و أمّها أمامة بنت سفيان بن وهب بن الأشيم من بني عبد مناة.
ابن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية (2)
زوج عمرو بن عثمان بن عفّان، و كانت دارها بدمشق في عقبة السمك في طرف زقاق الرمان و طاحونتها معروفة إلى اليوم، و شهدت وفاة أبيها بدمشق.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا محمّد بن أحمد بن محمّد [أنا محمّد] (3) بن عبد الرّحمن بن العباس، أنا أحمد بن سليمان بن داود، نا الزبير بن أبي بكر قال (4):في تسمية ولد معاوية: رملة بنت معاوية تزوجها عمرو بن عثمان فولدت له خالدا و عثمان، أمها كنود بنت قرظة أخت فاختة بنت قرظة، و لهند و رملة بنتي معاوية يقول عبد الرّحمن بن الحكم (5):
أؤمّل هندا أن يموت ابن عامر *** و رملة يوما أن يطلّقها عمرو
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد قال: فولد معاوية رملة زوجها عمرو بن عثمان بن عفان، فولدت له خالدا، و عثمان، و أمّها كنود بنت قرظة بن عبد عمرو.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن كرتيلا، أنا محمّد بن علي المقرئ (6)،أنا أحمد
ص: 154
بن عبد اللّه السوسنجردي، أنا أبو جعفر أحمد بن أبي طالب علي بن محمّد الكاتب، أنا أبي، أنا أبو عمرو محمّد بن مروان بن عمر السعيدي، حدّثني أبو بكر محمّد بن أحمد الخزاعي عن جده، عن الحكم بن عوانة قال:
كتبت رملة بنت معاوية إلى أبيها و كانت عند عمرو بن عثمان بن عفان تشكو آل أبي العاص، و أنهم يتكبّرون عليّ حتى وددت أنّ ابني كان منبوذا في البحر، فكتب إليها: أنا أشقى من أن تكوني رجلا، قال: و عزل مروان عن المدينة.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا المخلص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير، حدّثني عمي مصعب بن عبد اللّه (1)،عن عبد اللّه بن محمّد بن يحيى بن عروة بن الزبير - أو غير عبد اللّه - و حدثنيه محمّد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه:
أن عمرو بن عثمان اشتكى، فكان العوّاد يدخلون عليه، فيخرجون، و يتخلف مروان ابن الحكم عنده، فيطيل، فأنكرت رملة بنت معاوية ذلك، فخرقت كوة، فاستمعت على مروان، فإذا هو يقول لعمرو: ما أخذ هؤلاء (2) الخلافة إلاّ باسم أبيك، فما يمنعك أن تنهض بحقك ؟ فلنحن أكثر منهم رجالا. منا فلان و منهم فلان، و منا فلان و منهم فلان، حتى عدد رجالا، ثم قال: و منا فلان و هو فضل، و فلان فضل، حتى عدد فضول رجال بني أبي العاص على [رجال] (3) بني حرب، فلمّا برأ عمرو تجهّز للحج و تجهّز برملة (4) في جهازه، فلمّا خرج عمرو إلى الحج، خرجت رملة إلى أبيها فقدمت عليه الشام.
قال محمّد بن الضحاك: فقال لها معاوية: وا سوأتاه. و ما للحرة تطلّق، أطلّقك عمرو؟ قال عمي، و محمّد بن الضحاك: فأخبرته الخبر، و قالت: فما زال يعد فضل رجال بني أبي العاص على بني حرب، حتى [عدّ] (5) ابني عثمان و خالدا ابني عمرو فتمنيت أنهما ماتا، و كتب معاوية إلى مروان:
ص: 155
أ واضع رجل فوق أخرى تعدنا *** عديد الحصى (1) ما إن تزال تكاثر (2)
و أمكم تزجي (3) تؤاما لبعلها *** و أم أخيكم نزرة الولد عاقر
أشهد يا مروان أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إذا بلغ ولد الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللّه دولا، و دين اللّه دخلا، و عباد اللّه خولا» قال: فكتب إليه مروان: أما بعد يا معاوية، فإنّي أبو عشرة، و أخو عشرة و عمّ عشرة، و السلام.
و قال عبد الرّحمن بن الحكم:
أؤمل هندا أن يموت ابن عامر *** و رملة يوما أن يطلّقها عمرو
و كانت هند بنت معاوية عند عبد اللّه بن عامر بن كريز[13735].
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن (4) بن علي، أنا محمّد بن العباس، أنا أحمد بن معروف، أنا ابن الفهم، نا محمّد بن سعد، أنا علي بن محمّد بن أبي طيبة الحمّاني، عن شبة بن عقال قال:
أغمي على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقالت ابنته رملة أو امرأة من أهله متمثلة شعرا للأشهب بن رميلة النهشلي يمدح القباع، و هو الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي:
إذا (5) مات مات الجود و انقطع الندى *** من الناس إلاّ من قليل مصرد
وردت ألف السائلين و أمسكوا *** من الدين و الدنيا بخلف (6) محرد
أخبرنا أبو السعود بن المجلي، أنا محمّد بن محمّد بن أحمد العكبري، أنا أبو الطيب محمّد بن أحمد بن خاقان البيع.
قال: و نا القاضي أبو محمّد عبد اللّه بن علي بن أيوب الشافعي، أنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن الجراح، قالا: أنا أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد، نا أبو حاتم عن العتبي قال:
أغمي على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقالت له رملة ابنته: أو امرأة من أهله متمثلة:
ص: 156
إذا مات ماد الجود و انقطع الندى *** من الناس إلاّ من قليل مصرد
وردت أكف السائلين و أمسكت *** عن الدين و الدنيا بخلف مجدد (1)
فأفاق فقال:
لو فات شيء إذا لفات أبو *** حسان لا عاجز و لا وكل
الحول القلب الأريب و هل *** يدفع دون المنية الحيل
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو علي بن صفوان، نا ابن أبي الدنيا، حدّثني الحسين بن عبد الرّحمن، عن الوليد بن هشام القحذمي (2) قال:
لما حضرت معاوية الوفاة جعلوا يديرونه في القصر، فقال: هل بلغنا الخضراء؟ فصرخت ابنته رملة، فقال: ما أصرخك ؟ قالت: نحن ندور بك في الخضراء، تقول: هل بلغت الخضراء بعد. فقال: إن عزب عقل أبيك فطال ما وقر.
قال: و نا ابن أبي الدنيا، حدّثني محمّد بن صالح القرشي، أخبرني أبو القيظان عامر بن حفص، حدّثني جويرية بن أسماء قال:
لما حضرت معاوية الوفاة احتوشته بناته فضرب بيده فسقطت يده على حجر رملة ابنته، فقال: من هذا؟ قالت: رملة أنا يا أبتاه، قال: حولي أباك فإنك تحوّلينه حوّلا قلّبا ثم قال (3):
لا يبعدن ربيعة بن مكدم *** و سقى الغوادي قبره بذنوب (4)
فكانت آخر كلامه.
ابن عمرو بن يحمد (5) الأوزاعي البيروتية
حدّثت عن أبيها.
ص: 157
روى عنها عبد الرّحمن بن عبد الغفار بن عثمان البيروتي.
أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد، إذنا، و حدّثني أبو مسعود عبد الرحيم بن علي عنه، أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد (1)،نا الحسن بن جرير (2) الصوري، نا عبد الرّحمن ابن عبد الغفار البيروتي، حدّثتني رواحة بنت عبد الرّحمن بن عمرو الأوزاعي، حدّثني أبي قال (3):سمعت سليمان بن حبيب المحاربي يقول: حدّثني أبو أمامة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لرجل:«قل (4) اللّهمّ إنّي أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك، و ترضى بقضائك، و تقنع بعطائك»[13736].
رواه أبو طالب عبد اللّه بن أحمد بن سوادة البغدادي عن عبد الرّحمن بن عبد الغفار.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن الحسين (5) بن سكينة، أنا أبو أحمد محمّد بن عبد اللّه بن أحمد بن القاسم بن جامع الدهان، أنا أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّه (6)،نا أبو طالب عبد اللّه بن أحمد بن سوادة، حدّثني عبد الرّحمن بن عفان البيروتي، حدّثتني رواحة ابنة عبد الرّحمن بن عمرو الأوزاعي قالت:
سمعت أبي يقول: سمعت سليمان بن خبيب المحاربي يقول: عن أبي أمامة (7) قال: علم النبي صلى اللّه عليه و سلم رجلا فقال:«قل: اللّهمّ إني أسألك نفسا بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، و ترضى بقضائك، و تقنع بعطائك»[13737].
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني، و ابن السمرقندي، قالا: نا عبد العزيز بن أحمد، أنا أبو الحسن علي بن موسى بن السمسار قال: قال أبو سليمان بن زبر: حديث رواحة هذا واحد أمه.
امرأة شاعرة، عاشت إلى أن أدركت دولة بني العباس، و حكت أن أمّها أدركت النبي صلى اللّه عليه و سلم، و سمعت من عمر بن الخطاب.
ص: 158
يحكي عنها حمزة بن يزيد الحضرمي والد يحيى بن حمزة.
أنبأنا أبو القاسم النسيب، نا عبد العزيز بن أحمد الكتاني.
و حدّثني أبو القاسم بن السّمرقندي قال: وجدت في كتاب جدي لأمّي (1) أبي القاسم عبد الرّحمن بن بكران المقرئ الدربندي (2).
قالا: أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا أبو الحارث أحمد بن محمّد بن عمارة بن أحمد ابن أبي الخطاب، أنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة، حدّثني أبي، عن أبيه يحيى بن حمزة بن يزيد (3)،أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال:
رأيت امرأة من أجمل النساء و أعقلهن يقال لها ريّا كان بنو أمية يكرمونها، و كان هشام يكرمها، و كانت إذا جاءت إلى هشام تجيء راكبة، فكلّ من رآها من بني أمية أكرمها و يقولون: ريّا حاضنة يزيد بن معاوية، فكانوا يقولون: قد بلغت من السن مائة سنة، و حسن وجهها و جمالها باق بنضارته، فلمّا كان من الأمر الذي كان استترت في بعض منازل أهلنا فسمعتها و هي تقول: و تعيب بني أمية مداراة لنا.
قالت: دخل بعض بني أمية على يزيد فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، فقد أمكنك اللّه من عدو اللّه و عدوك، يعني الحسين بن علي، قد قتل، و وجّه برأسه إليك، فلم يلبث إلاّ أياما حتى جيء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طشت (4) فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه فحين رآه خمر وجهه بكمه كأنه يشم منه رائحة، و قال: الحمد للّه الذي كفانا المئونة بغير مئونة، كُلَّمٰا أَوْقَدُوا نٰاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّٰهُ (5)،قالت ريّا: فدنوت منه، فنظرت إليه، و به ردع (6) من حناء. قال حمزة: فقلت لها: اقرع ثناياه بالقضيب كما يقولون ؟ قالت: أي
ص: 159
و الذي ذهب بنفسه، و هو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده، و يقول أبياتا من شعر ابن الزبعرى، و لقد جاء رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له: قد أمكنك اللّه من عدو اللّه، و ابن عدو أبيك، فاقتل هذا الغلام (1) ينقطع هذا النسل، فإنك لا ترى ما تحبّ و هم أحياء (2).آخر من ينازع فيه يعني علي بن حسين بن علي، لقد رأيت ما لقي أبوك من أبيه، و ما لقيت أنت منه، و قد رأيت ما صنع مسلم بن عقيل (3)،فاقطع أصل هذا البيت، فإنك إن قتلت هذا الغلام انقطع نسل الحسين خاصة، و إلاّ فالقوم ما بقي منهم أحد طالبك بهم، و هم قوم ذوو (4) مكر، و الناس إليهم مائلون و خاصة غوغاء أهل العراق، يقولون: ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابن علي و فاطمة. اقتله، فليس هو بأكرم من صاحب هذا الرأس، فقال: لا قمت و لا قعدت فإنك ضعيف مهين، بل أدعهم كلما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان.
قال: إنّي قد سميت الرجل الذي من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لكن لا أسميه أبدا، و لا أذكره.
قال حمزة: فسألتها: من هي ؟ فقالت: كانت أمي امرأة من كلب، و كان أبي رجلا من موالي بني أمية، و قالت لي: ماتت أمي يوم ماتت و لها مائة سنة و عشر سنين، و ذكرت أن أمّها عجيبة عاشت تسعين سنة، و أنّها أدركت زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و سمعت و هي امرأة أم أولاد، و أنها رأت عمر بن الخطاب حين قدم الشام و هي مسلمة.
قال أحمد: قال أبي: قال لي يحيى بن حمزة: قال أبي: يعني حمزة بن يزيد (5):قد رأيت ريّا بعد ذلك مقتولة مطروحة على درج جيرون (6) مكشوفة الفرج في فرجها قصبة مغروزة.
قال حمزة: و قد كان حدّثني بعض أهلنا: أنه رأى رأس الحسين مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام.
ص: 160
قال أبي: فحدّثني أبي عن أبيه أنه حدّثه أن ريّا حدثته أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه فجاء به و قد قحل (1)،و بقي عظم أبيض فجعله في سفط و طيّبه (2) و جعل عليه ثوبا و دفنه في مقابر المسلمين، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الخازن خازن بيت السلاح: وجّه إليّ رأس الحسين بن علي، فكتب إليه أن سليمان أخذه و جعله في سفط و صلّى عليه و دفنه، فصح ذلك عنده، فلمّا دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه و أخذوه و اللّه أعلم ما صنع [به] (3).
قال حمزة: ما رأيت في النساء أجود من ريّا، قلت: كيف علمت أنه شعر ابن الزبعرى ؟ قال: أنشدتني مائة بيت من قولها ترثي بها يزيد، و ذهبت في عهد عبد اللّه بن طاهر.
قال محمّد: كنت ذكرتها لبعض من جاء مع عبد اللّه فاستعارها مني و مطلني بها و أنسيتها، و خرج و هي عنده فذهبت.
- و هو عبد اللّه - بن عبد المدان و اسمه عمرو بن الديان و اسمه يزيد
ابن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث
ابن كعب بن عمرو بن علة بن جلد (4) بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب
ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان
أم أبي العباس السفاح
كانت تسكن الحميمة (5) من أرض البلقاء، و كانت قبل محمّد بن علي تحت عبد اللّه بن عبد الملك بن مروان، لها ذكر.
أخبرنا أبو الحسين محمّد بن محمّد، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا أبي علي، قالوا:
ص: 161
أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار قال (1):
ريطة بنت عبيد اللّه بن عبد اللّه كان يقال له عبد الحجر بن عبد المدان بن الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة ابن جلد (2) كانت قبل أن يتزوجها (3) محمّد عند عبد اللّه بن عبد الملك بن مروان.
قرأت على أبي غالب أحمد بن الحسن، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا أبو طالب بن يوسف، أنا الجوهري.
أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا محمّد بن سعد قال:
و من ولد عبد الحجر أيضا بنو الربيع، و زياد و يزيد بني عبيد اللّه بن عبد اللّه الذي يقال له عبد الحجر بن عبد المدان، و ريطة بنت عبيد اللّه بن عبد المدان، و هي أم أبي العباس عبد اللّه بن محمّد بن علي أمير المؤمنين القائم بدعوة بني العباس.
أخبرنا أبو علي بن نبهان في كتابه.
ثم أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الفضل محمّد بن أحمد بن محمّد المحاملي.
ح و أخبرنا أبو عبد اللّه البلخي، أنا أبو الفضل بن خيرون.
قالوا: أنا أبو علي بن شاذان.
و أخبرنا أبو عبد اللّه أيضا، أنا أبو الفوارس طراد بن محمّد، و أبو محمّد التميمي، قالا: أنا أبو بكر بن وصيف، قالا: أنا أبو بكر الشافعي، نا عمر بن حفص السدوسي، نا محمّد بن يزيد (4)،قال: و استخلف (5) أبو العباس السفاح، و أمه رائطة بنت عبيد اللّه [بن عبد اللّه] (6) بن عبد المدان بن الديان بن الحارث بن كعب.
ص: 162
[زجلة] (1)
9345 - زجلة (2) مولاة عاتكة بنت عبد اللّه بن معاوية
و قيل إنها مولاة عاتكة بنت يزيد بن معاوية (3).
روت عن أم الدرداء،[و عبد اللّه] (4) ابن أبي زكريا، و سالم بن عبد اللّه، و عمر بن عبد اللّه (5)،و عمر بن عبد العزيز، و كويسة (6) امرأة ذكرت أنّها رأت النبي صلى اللّه عليه و سلم.
روى عنها صدقة بن خالد، و كليب بن عيسى بن أبي حجير الثقفي.
أخبرني أبو القاسم هبة اللّه بن عبد اللّه، أنا أبو بكر الخطيب، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن عثمان السوّاق، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، نا إدريس بن عبد الكريم الحداد المقرئ، نا الهيثم بن خارجة، نا كليب بن عيسى بن أبي حجير الثقفي، قال:
سمعت زجلة مولاة معاوية قالت: أدركت يتامى كنّ في حجر النبي صلى اللّه عليه و سلم إحداهن تسمى كويسة. قالت: فخرجت معهن إلى بيت رجل و قد هلك لأعزي أهله، فلما أخرجت الجنازة وضعت رجلي أخرج من عتبة الباب، فأخذتني حتى أدخلتني البيت. قالت: و لم تكن تشيع (7) الجنازة امرأة إلاّ أن تكون نفساء أو مبطونة، تخرج معها امرأة من ثقاتها حتى يضعوها في المصلى تدخل يدها تنظر هل خرج شيء. فلا يزال القوم جلوسا أو قياما حتى إذا توارت المرأة قالوا للإمام كبّر (8).
قال: و أنا السواق، أنا القطيعي.
ح و أخبرنا أبو الحسن الفرضي، نا عبد العزيز الكتاني، نا عبد العزيز بن محمّد بن
ص: 163
محمّد (1) النخشبي، أنا محمّد بن محمّد بن عثمان، أنا أحمد بن جعفر، نا إدريس بن عبد الكريم، نا الهيثم بن خارجة، نا صدقة بن خالد القرشي مولى أم البنين قال (2):حدثتنا زجلة مولاة معاوية قالت: كنا مع أم الدرداء، فأتاها هشام بن إسماعيل المخزومي، فقال: يا أم الدرداء ما أوثق خصالك في نفسك ؟ قالت: الحب في اللّه عزّ و جلّ .
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو محمّد الكتاني، أنا أبو القاسم تمام بن محمّد، أنا أبو عبد اللّه الكندي، نا أبو زرعة قال فيمن حدث بالشام من النساء: زجلة روت عن أم الدرداء، و ابن أبي زكريا، و سالم، و عمر بن عبد العزيز.
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني، أنا أبو الحسن (3) بن أبي الحديد.
و أنبأنا أبو القاسم النسيب، نا عبد العزيز الكتاني.
قالا: أنا أبو محمّد بن أبي نصر، نا الحسن بن حبيب (4)،نا يزيد بن محمّد بن عبد الصّمد، نا أبو مسهر، نا سعيد بن عبد العزيز قال:
كانت زجلة أمة لعاتكة بنت عبد اللّه بن معاوية، فكانت ترى من مولاتها ما لا تحبّ فقالت لها: ما أرضاك للّه، فغضبت عليها عاتكة فزوجتها عبدا أسود حبشيا، ثم أدخلته عليها، قال سعيد فأراها دعت اللّه فكفّ عنها الأسود، فبلغ ذلك عبد الرّحمن بن يزيد بن معاوية، فركب إليها في أمرها، فلما رأت عاتكة أن أمرها قد بلغ هذا أعتقتها.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي الفتح بن المحاملي، أنا أبو الحسن الدارقطني قال: و أما زجلة فامرأة من أهل الشام روت عن أم الدرداء، و ابن أبي زكريا، و عمر بن عبد العزيز، و سالم بن عبد اللّه بن عمر، قال ذلك أبو زرعة الدمشقي فيما أخبرنا أبو عبد اللّه الفارسي عنه، روى عنها صدقة بن خالد، و ذكر البخاري فيما أنا علي بن إبراهيم، عن ابن فارس عنه فقال: زجلة قال: حججت مع عبد اللّه بن أبي زكريا، فأهدى لعمر بن عبد العزيز مري (5) النينان، و هو أمير المدينة.
ص: 164
قاله يحيى بن حسان، حدّثنا صدقة بن خالد، قال: نا زجلة.
و كأن عند البخاري أنّه رجل، و هي امرأة.
و هذا الذي حكاه الدارقطني عن البخاري ليس في روايتنا لتاريخ البخاري فلعلّ البخاري وقع له الصواب فرجع عنه (1).
قرأت على أبي محمّد السلمي، عن أبي نصر الحافظ قال (2):أما زجلة أوله زاي مضمومة فهي زجلة امرأة من أهل الشام مولاة معاوية بن أبي سفيان، روت عن أم الدرداء و عبد اللّه بن أبي زكريا، و سالم بن عبد اللّه بن عمر، و عمر بن عبد العزيز، حدّث عنها صدقة بن خالد القرشي، و كليب بن عيسى بن أبي حجير الثقفي.
قال البخاري في باب الواحد: زجلة قال حججت مع عبد اللّه بن أبي زكريا، و أهدي لعمر بن عبد العزيز مري النينان و هو أمير المدينة.
قاله (3) يحيى بن حسان: نا صدقة بن خالد، نا زجلة و ذكرها البخاري فظنّ أنها رجل.
امرأة فصيحة، استقدمها معاوية بن أبي سفيان، فقدمت عليه، و كانت له معها محاورة (4).
أخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن علي، أنا محمّد بن علي بن محمّد، أنا أحمد بن عبد اللّه بن الخضر، أنا أبو جعفر أحمد بن علي بن محمّد بن أحمد، حدّثني أبي، حدّثني محمّد بن مروان بن عمر القرشي، أخبرني جعفر بن أحمد، نا الحسن بن جهور، نا إبراهيم ابن عبد اللّه المقدّمي، نا محمّد بن الفضل، نا إبراهيم بن محمّد الشافعي، عن محمّد بن إبراهيم، عن خالد بن الوليد المخزومي، عن سعيد بن حذافة الجمحي قال:
سمر معاوية بن أبي سفيان ذات ليلة، فذكر كلاما للزرقاء بنت عدي بن مرّة من أهل الكوفة، و كانت ممن يعين عليا يوم صفّين فقال لأصحابه: أيكم يحفظ كلام الزرقاء بنت
ص: 165
عدي، قال القوم: يا أمير المؤمنين كلنا نحفظه، قال: فما تشيرون عليّ فيها؟ قالوا: نشير بقتلها، قال: بئس الذي أشرتم به (1)،أ يحسن بمثلي أن يتحدث الناس أنّي قتلت امرأة بعد أن ملكت و صار الأمر إليّ ، ثم دعا كاتبه في الليل، فكتب إلى واليه بالكوفة: أن أوفد عليّ الزرقاء بنت عدي مع ثقة من محرمها، و عدة من فرسان قومها، و مهّد لها وطاء لينا، و استرها بستر خصيف (2)،فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها فأقرأها إياه، فقالت: أما أنا فغير زائفة عن طاعة، و إن كان أمير المؤمنين جعل المشيئة إليّ لم أرم من بلدي هذا، و إن كان حتّم الأمير فالطاعة له هو أولى بي.
فحملها في عمارية (3) و جعل غشاها خزاء أدكن مبطنا بقوهي (4) ثم أحسن صحبتها فلما قدمت على معاوية قال لها: مرحبا و أهلا خير مقدم قدمه و افد، كيف حالك يا خالة، و كيف كان مسيرك ؟ قالت: خير مسير كأني كنت ربيبة بيت (5) أو طفلا ممهدا له. قال بذاك أمرتهم.
هل تعلمين لم بعثت إليك ؟ قالت: سبحان اللّه و أنّي لي (6) بعلم ما لم أعلم و هل يعلم ما في القلوب إلاّ الذي خلقها، قال: بعثت إليك لأسألك هل أنت الراكبة الجمل الأحمر يوم صفّين، و أنت بين الصفّين توقدين الحرب و تحضّين على القتال ؟ فما حملك على ذلك ؟ قالت: يا أمير المؤمنين إنه قد مات الرأس و بتر (7) الذنب، و الدهر ذو غير، و من تفكر أبصر، و الأمر يحدث بعده الأمر. فقال لها: صدقت، فهل تحفظين كلامك يوم صفّين ؟ قالت: و اللّه ما أحفظه، قال: لكني أحفظه للّه (8) أبوك لقد سمعتك تقولين: أيها الناس قد أصبحتم في فتنة، غشّتكم (9) جلابيب الظلم، و حادت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من فتنة عمياء صماء، لا يسمع لقائلها، و لا ينقاد لسائقها. أيها الناس إن المصباح لا يضيء في الشمس، و لا الكوكب يبصر في القمر، و إن البغل لا يسبق الفرس، ألا من استرشدنا أرشدناه، و من
ص: 166
سألنا أخبرناه. إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معشر المهاجرين و الأنصار، فكأنّ قد اندمل شعب الشتات، و التأمت كلمة العدل، و غلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد فيقول: كيف [العدل] (1) و أني ؟ ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا، ألا إن خضاب النساء الحناء، و خضاب الرجال الدماء، و الصبر خير في الأمور عواقب. إيها إلى الحرب قدما غير ناكصين و هذا يوم له ما بعده.
ثم قال معاوية: يا زرقاء لقد شركت عليا في كل ما فعل. قالت: له الزرقاء: أحسن اللّه بشارتك يا أمير المؤمنين، و أدام سلامتك، فمثلك بشر بخير و سر جليسه. فقال لها: و قد سرّك ذلك ؟ قالت: نعم، و اللّه لقد سرّني قولك فأنّى لي بتصديق الفعل ؟ فقال لها معاوية:
لوفاؤكم له بعد موته، أعجب إليّ من حبكم له في حياته. اذكري حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين إنّي امرأة آليت ألا أسأل أمرا أعنت (2) عليه شيئا. فمثلك أعطى عن غير مسألة، و جاد عن غير طلب، قال: صدقت، فأقطعها ضيعة أغلتها في أول سنة ستة عشر ألف درهم، و أحسن صفدها (3) وردها مكرمة.
تاج الدولة لأمه، و زوج تاج الملوك بوري بن طغتكين (4)
و أم شمس الملوك إسماعيل و الشهاب محمود ابني بوري
كانت امرأة محبة للخير، مكرمة لأهل العلم، سمعت الحديث من الفقيهين أبي الحسن ابن قيس (5)،و أبي الفتح نصر اللّه بن محمّد (6)،و أبي طالب بن أبي عقيل الصوري، و استنسخت (7) الكتب، و قرأت القرآن على أبي محمّد بن طاوس، و أبي بكر القرطبي، و بنت
ص: 167
المسجد الذي عند صنعاء (1)،و وقفت عليه الوقوف، و لما خافت من ابنها إسماعيل دبرت عليه حتى قتل بحضرتها، و أقامت أخاه محمودا مقامه، و تزوجها الأمير أتابك [ابن] (2)قسيم (3) الدولة زنكي (4) و خرجت إليه إلى حلب، و عادت إلى دمشق بعد موت أتابك فأقامت مديدة يسيرة، و توجهت إلى بغداد و حجّت ثم عادت إلى بغداد و رجعت إلى مكة فجاورت إلى أن ماتت، و كان قد نفد ما بيدها و كان موتها في شهور سنة سبع و خمسين و خمس مائة.
9348 - زينب بنت الحسن بن [الحسن بن] (5)علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمية
و أمّها فاطمة بنت الحسين (6) بن علي بن أبي طالب.
كانت زوج الوليد بن عبد الملك (7)،لها ذكر.
أخبرنا أبو الحسين (8) بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالوا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكّار قال (9):في تسمية ولد الحسن بن الحسن قال: و حسن و إبراهيم و زينب و أمّهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، و كانت زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي عند الوليد بن عبد الملك بن مروان و هو خليفة.
أنبأنا أبو طاهر بن الحنائي، عن علي بن محمّد بن أبي الهول، أنا تمام بن محمّد، أخبرني أبي، أخبرني أبو العباس محمود بن محمّد بن الفضل بن الصباح المازني الرافقي (1)بحمص، أنا حسن (2) بن موسى الضبي، أنا العباس بن هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، حدّثني أبي أبو (3) المنذر هشام بن محمّد، حدّثني أبو مخنف (4)،حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم الأزدي قال: سماع أذني من الحسين (5) و هو يقول: قتل اللّه قوما قتلوك يعني ابنه عليا الأكبر بن الحسين (6)،ما أجرأهم على انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك الدبار، و كأني أرى امرأة خرجت كأنّها شمس طالعة تنادي: يا أخاه، فقيل: هي زينب بنت حسين و أكبت عليه فجاء الحسين فأخذ بيدها و ردّها إلى الفسطاط .
[قال ابن عساكر:] (7) لم أجد لزينب هذه ذكرا في كتاب النسب للزبير.
ابن عباس بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشمية (8)
كانت مع أهلها بالحميمة من أرض البلقاء، و هي زوج محمّد بن إبراهيم (9) الإمام، و إليها ينسب الزينبيون من ولد العباس لأن زوجها كان له ولد من غيرها فنسب ولدها إليها ليفرّق بينهم و بين ولد الزوج الأخرى.
حدثت عن أبيها سليمان بن علي.
روى عنها عاصم بن علي بن عاصم الواسطي، و جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن
ص: 169
سليمان بن علي ابن (1) ابن أخيها، و عبد الصّمد بن موسى بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد اللّه بن العباس، و أبو العباس أحمد بن الخليل بن مالك بن ميمون، و محمّد بن صالح القرشي. و حكى عنها المأمون.
و عمّرت عمرا طويلا، و كانت من أولات الفضل، و دخلت على مروان بن محمّد عند هلاك إبراهيم بن محمّد بن علي الإمام تستأذنه في دفنه فأذن لها، و ذكر ذلك يأتي في ترجمة مرية امرأة مروان.
أخبرنا أبو محمّد طلحة بن أبي غالب بن عبد السّلام البطيخي (2) ببغداد، أنا أبو يعلى ابن الفراء، أنا أبو الحسن علي بن معروف بن محمّد البزاز، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصّمد بن موسى بن محمّد بن إبراهيم، حدّثني أبي رحمه اللّه، حدثتني زينب ابنة سليمان الهاشمية قالت: حدّثني أبي، عن جدي، عن عبد اللّه بن العباس قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول:«من أكل مما يسقط من الخوان نفي عنه الفقر، و صرف عن ولده الحمق»[13738].
أخبرنا أبو غالب بن البنّا، أنا أبو الغنائم بن المأمون، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصّمد بن موسى الهاشمي، حدّثني أبي قال: حدثتنا زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس عن أبيها، عن جدّها.
ح و أخبرنا أبو محمّد طلحة بن أبي غالب، أنا أبو يعلى بن الفراء، أنا علي بن معروف ابن محمّد، أنا إبراهيم بن عبد الصّمد، حدّثني أبي، حدثتني زينب ابنة سليمان الهاشمية زوجة محمّد بن إبراهيم (3) الإمام، عن أبيها، عن جدها، عن عبد اللّه بن عباس قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول:«اللهم بارك لأمتي في بكورها»- زاد ابن معروف: يوم خميسها»[13739].
أخبرنا أبو منصور بن زريق، أنا أبو بكر الخطيب (4)،أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم، أنا محمّد بن العباس الخزاز (5)،نا أبو عبد اللّه محمّد بن مخلد بن حفص، نا أحمد بن الخليل بن مالك بن ميمون أبو العباس قال: رأيت زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس أيام المأمون، و قد دخلت دار أمير المؤمنين، فرفع عطاء لها الستر، و علي بن صالح
ص: 170
يومئذ الحاجب، حاجب المأمون، و عطاء يخلفه، فقام إليها، فقبّل رجلها في الركاب، و هي على حمار لها أشهب، مختمرة بخمار (1) عدني أسود، عليها طيلسان مطبق أبيض، فقال علي ابن صالح لها: يا مولاتي، حديث سمعته من أمير المؤمنين يذكره عنك، قالت: اذكر منه شيئا، قال: حديث أبيك عبد اللّه بن عباس حين بعثه العباس إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم فسمعت زينب تقول: أخبرني أبي عن جدي، عن أبيه عبد اللّه بن عباس قال: بعثني أبي العباس إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم، فجئت و عنده رجل، فقمت خلفه، فلما قام الرجل التفت إليّ فقال:«يا حبيبي متى جئت ؟ قلت: منذ ساعة، قال: فرأيت عندي أحدا؟ قلت: نعم، الرجل، قال: ذاك جبريل، أما إنه ما رآه أحد إلاّ ذهب بصره إلاّ أن يكون نبيا، و أنا أسأل اللّه أن يجعل ذلك في آخر عمرك، اللّهم فقّهه في الدّين، و علّمه التأويل، و اجعله من أهل الإيمان»[13740].
قال لنا أبو منصور بن زريق و أبو الحسن بن سعيد، قال لنا أبو بكر الخطيب (2):
زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطّلب الهاشمي كانت من أفاضل النساء، و حدثت عن أبيها، روى عنها عاصم بن علي الواسطي، و جعفر بن عبد الواحد القاضي، و عبد الصّمد بن موسى الهاشمي، و أحمد بن الخليل بن مالك.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن أحمد العكبري، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك الأشناني، نا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثني محمّد بن صالح القرشي، حدثتني زينب بنت سليمان بن علي قالت: مات المأمون و له ثمان و أربعون سنة و خمسة أشهر و أيام.
و هذا يدل على أن زينب بقيت بعد المأمون (3)،و كانت وفاة المأمون في رجب سنة ثماني عشرة و مائتين.
ابن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشمية
تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، و قدم بها دمشق.
ص: 171
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا المخلص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير، قال: حدّثني بعض القرشيين، و حدّثني عمي مصعب بن عبد اللّه قال:
تزوج خالد بن يزيد بن معاوية زينب بنت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فقال فيها (1):
جاءت (2) بها دهم البغال و شبهها *** مقنّعة في جوف قرّ مخدّر (3)
مقابلة (4) بين النبي محمّد *** و بين علي و الحواري جعفر (5)
منافية جادت بخالص ودّها (6) *** لعبد منافيّ أغرّ مشهّر
قال الزبير: قال عمي مصعب بن عبد اللّه: و سمعت من ينكر أن يكون تزوجها، و ينكر الشعر.[كان] (7) كذا في النسخة: بنت [عبد اللّه بن] (8) جعفر غير مسماة، فألحقت فيها من نسخة السماع زينب بنت عبد اللّه، و لا أظن اسمها محفوظا، و قد ذكرها في غير موضع فلم يسمّها. و قال: بنت عبد اللّه بن جعفر (9).
9352 - زينب بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام المخزومية (10)لها ذكر.
قرأت على أبي محمّد عبد الكريم بن حمزة، عن عبد العزيز بن أحمد، أنا تمام بن محمّد، أخبرني أبي، نا أبو العباس محمّد بن جعفر بن ملاس، نا الحسن بن محمّد بن بكار ابن بلال، حدّثنا أبي، نا يحيى بن حمزة قال:
ص: 172
كان عبد الملك بن مروان فرض الصداق أربع مائة دينار لا يزاد عليها، و كان ذلك بدعة منه، و ذلك أنّه خطب امرأة من قريش يقال لها زينب، و نافسه فيها رجل من أهل بيته، فقال لها ذلك الرجل: أصدقك (1) عشرين ألف دينار فتزوّجته، و تركت عبد الملك، فقال عبد الملك: أرى النساء يذهب بهن المهور، و لو كان المهر واحدا ما وضعت المرأة نفسها إلاّ في الفضل، و ما كانت زينب تذهب إلى فلان عني، فكتب: لا يزاد في المهر على أربعمائة دينار. قال يحيى: فكان يقال لذلك الرجل: خربت نفسك، فيقول: كعكات زينب أحبّ إليّ من الدنيا و ما فيها، قال: و كانت توصف بشيء عجيب. كان مما توصف به: أنها تستلقي على قفاها فيرمى تحتها بالأترجة (2) فتنفذ إلى الناحية الأخرى لعظم عجيزتها.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر المعدل، نا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار، حدّثني محمّد بن حسن، عن إبراهيم بن محمّد الزهري، عن أبيه قال (3):
كانت زينب بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام بارعة الجمال، و كانت تدعى الموصولة، فكانت عند أبان بن مروان بن الحكم، فلما توفي أبان بن مروان دخل عليه عبد الملك، فرآها، فأخذت بنفسه، فكتب إلى أخيها المغيرة بن عبد الرّحمن يأمره بالشخوص إليه، فشخص إليه، فنزل على يحيى بن الحكم، فقال يحيى: إن أمير المؤمنين إنّما بعث إليك لتزوّجه أختك زينب، فهل لك في شيء أدعوك إليه، قال: هلمّ فاعرض. قال: أعطيك لنفسك أربعين ألف دينار، و لها عليّ رضاها و تزوجنيها. قال له المغيرة: ما بعد هذا شيء.
فزوّجه إياها، فلما بلغ عبد الملك بن مروان ذلك أسف عليها، فاصطفى كل شيء ليحيى بن الحكم. فقال يحيى: كعكتين و زينب، يريد أنه يجتزئ بكعكتين، إذا كانت عنده زينب.
قال الزبير: و إنّما قيل لها الموصولة لأنها كأنما انتعت كلّ عضو منها ثم وصلت (4).
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو جعفر المعدل، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار قال: و أخبرني نوفل بن ميمون السهمي،
ص: 173
عن أبي مالك محمّد بن مالك بن علي بن هرمة،[أنه أنشده لعمه إبراهيم بن علي بن هرمة:] (1)
فمن لم يرد مدحي فإن قصائدي *** توافق عند الأكرمين سوام
نوافق عند المشتري الحمد بالندى *** نفاق بنات الحارث بن هشام
قال: و أخبرني مصعب بن عثمان قال: كانت الجارية تولد لأحد آل الحارث بن هشام فيتراسل النساء تباشرا بها، و يرى أهلها أنهم بها أغنياء.
ابن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف (2)
امرأة جزلة، كانت مع أخيها الحسين بن علي حين قتل، و قدم بها على يزيد بن معاوية مع أهلها.
و حدّثت عن أمّها فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أسماء ابنة عميس، و مولى للنبي صلى اللّه عليه و سلم اسمه طهمان، أو ذكوان.
روى عنها: محمّد بن عمرو، و عطاء بن السائب، و بنت أخيها فاطمة بنت الحسين بن علي.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا علي بن محمّد بن أحمد ابن كيسان، أنا يوسف بن يعقوب القاضي، نا أبو الربيع، نا شريك، عن عطاء بن السائب قال (3):دلني أبو جعفر على امرأة يقال لها زينب بنت علي أو من بنات علي، قالت: حدثني مولى للنبي صلى اللّه عليه و سلم يقال له طهمان - أو ذكوان - أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ الصدقة لا تحل لمحمّد، و لا لآل محمّد، و إنّ مولى القوم منهم»[13741].
أخبرنا أبو عبد اللّه الفراوي، و أبو المظفر بن القشيري، قالا: أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن، أنا أبو عمرو بن حمدان.
ص: 174
ح و أخبرتنا أم المجتبى بنت ناصر، قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر ابن المقرئ، قالا: أنا أبو يعلى الموصلي، نا أبو سعيد الأشج، نا ابن (1) إدريس، عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف (2)،عن محمّد بن عمرو الهاشمي، عن زينب بنت علي، عن فاطمة بنت محمّد قالت: نظر النبي صلى اللّه عليه و سلم [إلى علي] (3) فقال:«هذا في الجنة، و إن من شيعته [قوما] (4) يعلنون (5) الإسلام يرفضونه لهم نبز (6) يسمون الرافضة من لقيهم فليقتلهم، فإنهم مشركون»[13742].
[قال ابن عساكر:] (7) كذا قال، و إنما هو أبو إدريس، و هو تليد بن سليمان.
أخبرناه أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النّقّور، أنا عيسى بن علي، أنا عبد اللّه بن محمّد، حدّثني عبد اللّه بن سعيد أبو سعيد الأشج، نا تليد بن سليمان، عن أبي الجحاف (8) داود بن أبي عوف، عن محمّد بن عمرو الهاشمي، عن زينب بنت علي، عن فاطمة بنت محمّد صلى اللّه عليه و سلم قالت: نظر النبي صلى اللّه عليه و سلم إلى علي فقال:«هذا في الجنة، و إنّ من شيعته قوما يلفظون (9) الإسلام لهم نبز يسمون الرافضة من لقيهم فليقتلهم، فإنهم مشركون»[13743].
رواه محمّد بن الحسين بن حميد بن الربيع، عن الأشج (10)،فقال محمّد بن عمرو بن الحسن بن علي، و رواه سوار بن مصعب، عن أبي الجحّاف، عن محمّد بن علي، عن فاطمة بنت علي، عن أم سلمة و قد تقدم الحديثان في فضائل علي عليه السّلام.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا أحمد، نا الزبير (11) قال: في تسمية ولد علي: و زينب بنت علي الكبرى ولدت لعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، و ذكر غيرها، ثم قال: و أمّهم فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
ص: 175
أخبرنا أبو محمّد بن حمزة، نا أبو بكر الخطيب.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري.
قالا: أنا ابن الفضل، أنا عبد اللّه بن جعفر، نا يعقوب قال:
و أما فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له: الحسن بن علي الأكبر، و حسين بن علي، و هو المقتول بالعراق، بالطفّ (1)،و زينب، و أم كلثوم، فأما زينب فتزوجها عبد اللّه بن جعفر، فماتت عنده، و قد ولدت له: علي بن عبد اللّه، و أخا له آخر يقال له: عون.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا ابن يوسف، أنا الجوهري، قراءة.
أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا ابن سعد قال (2):
زينب بنت علي بن أبي طالب بن [عبد المطلب بن] (3) هاشم بن عبد مناف بن قصي، و أمّها فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، تزوّجها عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب، فولدت له: عليا، و عونا الأكبر، و عباسا، و محمّدا، و أم كلثوم.
قال: و أنا ابن سعد (4)،أنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، حدّثني عبد الرّحمن بن مهران أن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب تزوّج زينب بنت علي، و تزوج معها امرأة على ليلى بنت مسعود، فكانتا تحته جميعا.
قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين، عن عبد العزيز بن أحمد، أنا عبد الوهاب الميداني، أنا أبو سليمان بن زبر، أنا عبد اللّه بن أحمد بن جعفر، أنا محمّد بن جرير الطبري، قال (5):
قال هشام بن محمّد، قال أبو مخنف (6)،عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي
ص: 176
قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رقّ لنا أول شيء، و ألطفنا، قال ثمّ إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه - يعنيني - و كنت جارية وضيئة، فأرعدت و فرقت، و ظننت أنّ ذلك جائز لهم، و أخذت بثياب أختي زينب قالت:
و كانت أختي زينب أكبر مني و أعقل، و كانت تعلم أن ذلك لا يكون، فقالت: كذبت و اللّه و لؤمت ما ذلك لك و لا له، فغضب يزيد فقال: كذبت و اللّه إنّ ذلك لي لو شئت أن أفعله لفعلت. قالت: كلا و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إلاّ أن تخرج من ملتنا، و تدين بغير ديننا، قالت: فغضب يزيد و استطار ثم قال: إياي تستقبلين (1) بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك و أخوك، فقالت زينب: بدين اللّه و دين أبي و دين أخي و جدّي اهتديت أنت وجدك و أبوك، قال: كذبت يا عدوة اللّه، قالت: أنت أمير [مسلّط ] (2) تشتم ظالما و تقهر بسلطانك. قالت:
فو اللّه لكأنه استحيى، فسكت، ثم عاد الشامي فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، قال: اعزب، وهب اللّه لك حتفا قاضيا، قالت: ثم قال يزيد بن معاوية: يا نعمان بن بشير:
جهّزهم بما يصلحهم، و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا، و ابعث معه خيلا و أعوانا يسير بهم إلى المدينة، ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة، معهن أخوهن علي ابن الحسين، في الدار التي هو (3) فيها قال: فخرجن حتى دخلن دار زيد فلم يبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي و تنوح على الحسين، فأقاموا عليه المناحة ثلاثا، و كان يزيد لا يغتدي و لا يعشى (4) إلاّ دعا علي بن الحسين إليه. قال: فدعاه ذات يوم و دعا عمرو (5) بن الحسن بن علي و هو غلام صغير، فقال لعمرو: أ تقاتل هذا، يعني خالدا ابنه، قال: لا، و لكن أعطني سكينا [و أعطه سكينا] (6) ثم أقاتله، فقال (7) له يزيد و أخذه فضمه إليه ثم قال:
شنشنة أعرفها من أخزم (8).هل تلد الحية إلاّ حية (9)؟!.
ص: 177
كتب إليّ أبو نصر بن القشيري، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو عبد اللّه الحافظ قال:
سمعت زاهر بن أحمد يقول: أملى علينا أبو بكر بن الأنباري بإسناد له: أن زينب بنت علي ابن أبي طالب يوم قتل الحسين بن علي أخرجت رأسها من الخباء و هي رافعة عقيرتها بصوت عال تقول (1):
ما ذا تقولون إن قال النبي لكم: *** ما ذا فعلتم و أنتم آخر الأمم
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي (2) *** منهم (3) أسارى و منهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بشرّ (4) في ذوي رحمي
و ذكر الزبير: أن زينب التي أنشدت هذه الأبيات زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب.
أخبرنا أبو الحسين (5)،و أبو غالب، و أبو عبد اللّه قالوا: أنا ابن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير قال (6):في تسمية ولد عقيل بن أبي طالب قال:
و زينب الصغرى بنت عقيل التي خرجت على الناس بالبقيع تبكي قتلاها بالطفّ و هي تقول:
ما ذا تقولون إن قال النبي لكم: *** ما ذا فعلتم، و أنتم آخر الأمم
بأهل بيتي و أنصاري و ذريتي *** منهم أسارى و قتلى ضرجوا بدم ؟
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
فقال أبو الأسود الديلي (7):نقول: رَبَّنٰا ظَلَمْنٰا أَنْفُسَنٰا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنٰا وَ تَرْحَمْنٰا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ (8).
ص: 178
أمها أم ولد، تزوجها ابن عمها محمّد بن عبد اللّه بن عبد الملك، فولدت له، لها ذكر.
9355 - زينب بنت يوسف (1)بن الحكم الثقفية (2)
أخت الحجاج، كانت تحت المغيرة بن شعبة، فطلّقها ثم تزوجها الحكم بن أيوب الثقفي، فلما خرج عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث بالعراق، بعث بها الحجاج في حرمه إلى دمشق، فأدركها بها أجلها، كانت امرأة حازمة عفيفة و هي التي شبّب بها محمّد بن عبد اللّه بن نمير الثقفي المعروف بالنّميري (3)فمن قوله فيها (4):
تضوّع مسكا بطن نعمان إن مشت *** به زينب في نسوة خفرات (5)
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (6)،أخبرني أحمد بن الحسين ابن يحيى، عن حماد بن إسحاق، حدّثني أبي قال: و كان الحجاج وجه زينب مع حرمه إلى الشام لما خرج ابن الأشعث خوفا عليهم، فلمّا قتل ابن الأشعث كتب إلى عبد الملك بن مروان بالفتح و كتب مع الرسول كتابا إلى زينب يخبرها الخبر، فأعطاها الكتاب، و هي راكبة على بغلة في هودج، فنشرته تقرؤه، فسمعت البغلة قعقعة الكتاب فنفرت، و سقطت [زينب] (7)عنها فاندقت عضدها و تهرّأ (8)جوفها، فماتت، ثم عاد الرسول الذي بعثه بالفتح بوفاة زينب.
ص: 179
9356 - سارة بنت هازان بن باحورا (1)،و يقال: بنت فوهن (2)
ابن باحور زوج إبراهيم الخليل عليهما السّلام (3)
روي أنّها كانت معه بعين الجرّ (4)من أعمال دمشق.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيّوية، أنا أحمد بن معروف، أنا الحارث بن أبي أسامة، أنا الحسن بن علي، أنا محمّد بن سعد (5)،أنا هشام بن محمّد، عن أبيه قال:
ولد لإبراهيم إسماعيل و هو أكبر ولده و أمّه هاجر، و هي قبطية، و إسحاق و كان ضرير البصر، و أمه سارة بنت بثويل (6)بن ناحور بن ساروع بن أرعوا بن فالح بن عابر بن سالح بن أرفخشذ (7)بن سام بن نوح، و ماتت سارة فتزوج إبراهيم امرأة من الكنعانيين يقال لها:
قنطورا.
أخبرنا أبو محمّد عبد الجبار بن محمّد [بن أحمد، أنا علي بن أحمد بن محمّد] (8)قال: و امرأته - يعني إبراهيم-: سارة بنت هازان بن ياحور (9)بنت عمّ إبراهيم.
أنبأنا أبو الفضائل الحسن بن الحسن بن أحمد، و أبو تراب حيدرة بن أحمد، و أبو الحسن علي بن بركات (10)قالوا: أنا أبو بكر الخطيب، أنا محمّد بن أحمد بن رزقويه (11)،
ص: 180
أنا عثمان بن أحمد، و أحمد بن سندي، قالا: نا الحسن بن علي، نا إسماعيل بن عيسى، أنا إسحاق بن بشر، قال: فحدّثني مقاتل بن سليمان عن الضحاك قال:
كان اسم سارة يسارة قال فلما قال لها جبريل: يا سارة قالت: سارة إن اسمي يسارة فكيف تسميني سارة.
قال مقاتل عن الضحاك قال: يسارة: العاقر من النساء التي لا تلد، و سارة: الطالق الرحم التي تلد و تحمل الولد، فقال لها جبريل: كنت يسارة لا تحملين، فصرت سارة تحملين الولد، و ترضعينه. قال: فقالت سارة يا جبريل: نقصت اسمي، قال جبريل: إنّ اللّه قد وعدك بأن يجعل هذا الحرف في اسم ولد من ولدك في آخر الزمان، و ذلك أن اسمه عند اللّه حسين فسمّاه يحيى.
و أنبأنا أبو الفضائل، و أبو تراب، قالا: أنا أبو بكر، أنا ابن رزقويه، أنا ابن أحمد، و أحمد بن سندي، قالا: أنا الحسن (1)،نا إسماعيل، نا إسحاق بن بشر قال: قال آخرون فخرج يعني إبراهيم حتى جاوز كوثى ربّا (2)و تزوج سارة بنت قوهن بن ناحور بعد ما أهلك اللّه الملك، و أمره [اللّه بالاجلاء عن بلاده و أمره] (3)أن يلحق بالأرض المقدسة، و كان يوم تزوج و خرج من بلاد قومه إلى الأرض المقدسة ابن ثمانين سنة، ثم خرج و تزوج سارة، و خرج معها هاران أخوه، و لوط بن هاران و هو ابن أخيه، فذلك قوله عزّ و جل: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قٰالَ إِنِّي مُهٰاجِرٌ إِلىٰ رَبِّي (4)فمضى مع إبراهيم و سارة فتزوجها إبراهيم على أن لا يرثها غيره و كانت سارة من أحسن نساء العالمين.
قال: و نا إسحاق، عن مقاتل، عن ابن عباس قال:
قسم اللّه عزّ و جلّ الحسن عشرة أجزاء، فجعل منه ثلاثة أجزاء في حواء، و ثلاثة أجزاء في سارة، و ثلاثة أجزاء في يوسف و جزءا في سائر الخلق، فكانت سارة من أحسن نساء أهل الأرض، و كانت من أشد نسائهم غيرة.
ص: 181
قرأت بخط أبي محمّد عبد (1)الرّحمن بن أحمد بن علي بن صابر، فيما ذكر أنه نقله من خط أبي الحسين الرازي، أخبرني محمود بن محمّد بن الفضل، نا القاسم بن عمرون، نا العباس بن هشام بن محمّد بن السائب، عن أبيه قال:
و خرج إبراهيم من حرّان يؤم أرض بني كنعان حتى عبر الفرات إلى الشام، فانحرف لسانه عن السريانية [إلى العبرانية] (2)و إنما سميت العبرانية لأنه تكلم بها حين عبر الفرات، و مضى حتى أتى أيتملك ملك بني كنعان بالشام و عظيمهم الذي يدين له عظماؤهم يومئذ، و كان ينزل عين الجر من أرض البقاع من حدّ (3)دمشق و كانت الشام يومئذ منسوبة إلى فلسطين فقال له أيتملك: إنه لا طاقة لي بمعاندة نمرود، و قد جاورتنا (4)مخالفا له. فقال إبراهيم: إنّ إلهي يمنعك منه، فأجار إبراهيم، و سأله أن يزوّجه سارة، فقال: إنها زوجتي فلم يعرض لها، و قال: انزل حيث شئت من أرضنا، و بعث إلى عظماء النواحي يأمرهم بحفظه، و حسن مجاورته، فنزل اللّجون - قرية من قرى الأردن - ثم تحوّل منها إلى أرض فلسطين، فنزل بناحية منها يقال لها السبع (5)من أرض بيت جبرين (6)،ثم تحوّل إلى قرية يقال لها حبرى (7)فيما بين بيت جبرين و بيت المقدس، فأقام بها.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أبو بكر القطيعي، أنا أبو عبد الرّحمن عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (8)،نا علي بن حفص المدائني (9)عن ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات: قوله حين دعي إلى آلهتهم إِنِّي سَقِيمٌ (10)،
ص: 182
و قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا (1)و قوله: لسارة إنها أختي» قال: و دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس، قال:
فأرسل إليه الملك أو الجبار: من هذه معك ؟ قال: أختي. قال: أرسل بها إليّ ، قال: فأرسل بها إليه، و قال لها: لا تكذبي، قولي فإنّي قد أخبرته أنك أختي أن على الأرض مؤمن غيري و غيرك؛ فلما دخلت إليه قام إليها قال: فأقبلت توضّأ و تصلّي و تقول: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي آمنت بك و برسولك و أحصنت فرجي إلاّ على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر، قال: فغط حتى ركض برجله.
قال أبو الزناد: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة أنها قالت: اللّهمّ إنه إن يمت يقل هي قتلته قال: فأرسل، قال: ثم قام إليها قال: فقامت توضأ و تصلي و تقول: اللّهمّ إن كنت تعلم أني آمنت بك و برسولك و أحصنت فرجي إلاّ على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر، قال: فغط حتى ركض برجله.
قال أبو الزناد: و قال أبو سلمة عن أبي هريرة أنّها قالت: اللّهمّ إنه إن يمت يقل هي قتلته، قال فأرسل، قال: فقال في الثالثة أو الرابعة ما أرسلتم إليّ إلاّ شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم و أعطوها هاجر، قال: فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن اللّه ردّ كيد الفاجر (2)و أخدم وليدة.
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، و أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة، قالا: أنا أبو الحسين عبد الدائم بن الحسن بن عبيد اللّه القطان، أنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي، نا أبو بكر محمّد بن خريم البزاز إملاء، نا هشام بن عمار، نا عبد الأعلى بن محمّد، نا عمران بن خالد، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:
«إنّ إبراهيم لم يكذب إلاّ ثلاث كذبات، اثنتين في اللّه قوله إِنِّي سَقِيمٌ و قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا و إنه كان يسير هو و سارة في أرض جبار من الجبارة فنزل منزلا فأتي ذلك الجبار فقيل له إن هاهنا رجلا معه امرأة هي أحسن الناس، فأرسل إليه فجيء به فقال: ما هذه المرأة ؟ قال: أختي، قال: ابعث بها إليّ فأتاها إبراهيم فقال: إنّ هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني عنده، فإنه ليس في الأرض مسلم غيري و غيرك، و إنك أختي في كتاب
ص: 183
اللّه، فأتته فتناولها فأخذه شيء، فقال: ادعي ربك يطلقني فلك ألاّ أضرك، فدعت اللّه فأطلق، ثم عاد فأخذه شيء أشدّ فقال: ادعي ربك أن يطلقني، فدعته فأطلق. فدعا أدنى حجبته فقال: أخرجها. و أعطاها هاجر. فأتت إبراهيم و هو يصلي فقالت: ردّ اللّه كيد الفاجر، و أخذ منا هاجر»، فكان أبو هريرة يقول: فتلك أمكم يا بني ماء السماء (1).
أخبرنا أبو محمّد هبة اللّه بن سهل، و أبو المظفر بن القشيري، قالا: أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو عمرو بن حمدان، أنا أبو يعلى الموصلي، نا مسلم بن أبي مسلم الجرمي، نا مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لم يكذب إبراهيم إلاّ في ثلاث كذبات كلهن في اللّه قوله إِنِّي سَقِيمٌ ، و قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا ،و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم:«و خرج إبراهيم يسير في أرض جبار من الجبابرة و معه سارة و كانت من أجمل النساء»- و قال ابن القشيري: الناس - فبلغ ذلك الجبار أن في عملك رجلا معه امرأة ما رأى الراءون أجمل منها، فأرسل إليه فأتاه، فسأله عن المرأة، من المرأة التي معك ؟ قال: أختي قال: فابعث بها إليّ ، فبعث معه رسولا فأتاها فقال: إنّ هذا الجبار سألني عنك، فأخبرته أنك أختي و أنت أختي في الإسلام، و سألني أن أرسلك إليه فاذهبي إليه، فإنّ اللّه سيمنعه منك، قال: فذهبت إليه مع رسوله، فلما أدخلها عليه وثب إليها فحبس عنها فقال لها: ادعي إلهك الذي تعبدين أن يطلقني و لا أعود فيما تكرهين، فدعت اللّه، فأطلقه ففعل ذلك ثلاثا، ثم قال للذي جاء بها أخرجها عني (2)،فإنك لم تأتني بإنسية إنما أتيتني بشيطانة، فأخدمها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم، فاستوهبها منها، فوهبتها له»[13744].
قال محمّد: فهي أمكم يا بني ماء السماء، يعني العرب.
أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد، أنا عبد الرّحمن بن الحسين (3) بن محمّد بن إبراهيم، نا عبد العزيز بن أحمد التميمي، نا عبد الرّحمن بن عثمان، أنا أبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم، نا الحسين بن حميد، نا زهير (4) بن عباد، حدّثني أبو الحسن المفسر قال: لما
ص: 184
أخذ صاحب مصر سارة من إبراهيم الخليل ذهب ليتناولها فأيبس اللّه يده في عنقه فقال لها: يا هذه ما أطوع ربك لك حين دعوتيه عليّ فقالت له: و أنت إن أطعته أطاعك.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو القاسم بن مسعدة، أنا حمزة بن يوسف، أنا أبو أحمد بن عدي (1) نا (2) يحيى بن محمّد بن أبي الصفيرا (3) قال: نا إبراهيم بن سعيد، نا عفان، نا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أعطي يوسف و أمّه شطر الحسن» يعني سارة[13745].
قال ابن عدي: و هذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان، و غيره أوقفه عن حمّاد بن سلمة.
أنبأنا أبو الحسن بن العلاّف، و أخبرني أبو المعمر الأنصاري عنه.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، و أبو الحسن.
قالا: أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أحمد بن إبراهيم الكندي، نا محمّد بن جعفر الخرائطي، نا طاهر بن خالد بن نزار الأيلي، حدّثني أبي، نا سعيد بن سالم، عن إسرائيل الكوفي - قال أبي: أظنه ابن يونس - عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي قال: قسم الحسن نصفين: فبين سارة و يوسف نصف الحسن، و نصف الحسن بين سائر الناس.
أخبرنا أبو محمّد عبد الجبار بن محمّد البيهقي، أنا أبو الحسن الواحدي، أنا إسماعيل ابن إبراهيم الواعظ ، أنا عبد اللّه بن عمر الجوهري، نا عبد اللّه بن محمود السّغدي (4)،نا موسى بن بحر، نا عبيدة بن حميد، حدّثني منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي (5) قال:
قسم الحسن نصفين: نصف ليوسف و سارة و نصف بين الناس.
أنبأنا أبو الفضائل الحسن بن الحسن (6)،و أبو تراب حيدرة بن أحمد، و أبو الحسن
ص: 185
علي بن بركات، قالوا: أنا أبو بكر الخطيب، أنا أبو الحسن بن رزقويه (1)،أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد، و أبو بكر أحمد بن سندي، قالا: أنا الحسن بن علي، نا إسماعيل بن عيسى، أنا إسحاق بن بشر، حدّثني محمّد بن إسحاق، عن عبد الرّحمن الأعرج، عن أبي هريرة: أن إبراهيم لم يولد له، فكانت سارة لا تلد، فلمّا رأت سارة ذلك أحبت أن تعرض هاجر على إبراهيم، فكان يمنعها غيرتها.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، و محمّد بن موسى، قالا: نا أبو العباس الأصم، نا أسيد (2) بن عاصم، نا الحسين يعني ابن حفص، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مصرف، عن علي قال:
كانت آجر (3) لسارة فأعطت آجر لإبراهيم، فاستبق إسماعيل و إسحاق فسبقه إسماعيل، فجلس في حجر إبراهيم، قالت سارة:- أظنه - و اللّه لأغيّرنّ منها ثلاثة أشراف (4)،فخشي إبراهيم أن تجدعها أو تخرم أذنيها، فقال لها: هل لك أن تفعلي شيئا يبرّي يمينك، تثقبين أذنيها و تخفضينها فكان أول انخفاض هذا.
و قد روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس.
أخبرناه أبو محمّد بن حمزة بقراءتي عليه، عن أبي بكر الخطيب، أنا أبو الحسن (5) بن رزقويه (6)،أنا عثمان بن أحمد الدقاق، و أحمد بن سندي، قالا: أنا الحسن بن علي القطان، نا إسماعيل بن عيسى، أنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر، عن جويبر، عن الضحاك، و مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس و محمّد بن إسحاق بإسناد له، قالوا:
كانت هاجر ذات هيئة، فوهبتها سارة لإبراهيم، فقالت: إنّي أراها وضيئة، فخذها لعل اللّه أن يرزقك منها ولدا، و كانت سارة قد منعت الولد، فلم تلد لإبراهيم حتى أيست، و كان إبراهيم قد دعا ربه: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّٰالِحِينَ (7)،فأخّرت الدعوة حتى كبر إبراهيم
ص: 186
و عقمت سارة، ثم إن إبراهيم وقع على هاجر فولدت له إسماعيل (1).
قال إسماعيل بن عيسى، أنا إسحاق، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، و لم يذكره عن ابن عباس: أن سارة حين ولد لإبراهيم إسماعيل اشتدّ حزنها على ما فاتها من الولد.
و قال إسحاق عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال:
فلما رأت سارة إبراهيم قد شغف بإسماعيل غارت غيرة شديدة و حلفت لتقطعن عضوا من أعضاء هاجر، قال: فبلغ ذلك هاجر، فلبست درعا لها و جرت ذيلها فهي أول نساء العالمين جرّت الذيل، و إنما فعلت ذلك لتعفي أثرها في الطريق على سارة، فلم تقدر عليها، فقال لها إبراهيم: هل لك إلى خير أن تعفي عنها و ترضي بقضاء اللّه، قالت: و كيف لي بما قد حلفت ؟ قال: اخفضيها فتكون سنة النساء و تبرّي يمينك، قالت: أفعل، فأخذتها فخفضتها، فمضت السنّة للنساء بالخفض منها (2)(3).
أنبأنا أبو الحسن بن العلاّف، و أخبرني أبو المعمر المبارك بن أحمد عنه.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن أبي جعفر، و ابن العلاف، قالا:
أنا عبد الملك بن محمّد، أنا أحمد بن إبراهيم، نا أبو بكر الخرائطي، نا الصاغاني، نا الواقدي، عن محمّد بن صالح، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال:
كانت سارة تحت إبراهيم خليل الرحمن، فمكثت معه دهرا لا ترزق منه ولدا، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت لإبراهيم إسماعيل عليهما السّلام، فغارت من ذلك سارة و وجدت في نفسها و عتيت (4) على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف، فقال لها إبراهيم: هل لك أن تبرّي يمينك ؟ قالت: كيف أصنع ؟ قال: اثقبي أذنيها و اخفضيها، و الخفض هو الختان، ففعلت ذلك بها، فوضعت هاجر في أذنيها قرطين، فازدادت بهما حسنا، فقالت سارة: أراني إنّما زدتها جمالا، فلم تقارّه (5) على كونها معه
ص: 187
و وجد بها إبراهيم وجدا شديدا، فنقلها إلى مكة، فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها، و قلة صبره عنها.
أخبرنا أبو القاسم هبة اللّه بن أحمد بن عمر، أنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أنا محمّد ابن عبد اللّه بن خلف بن بخيت (1) الدقاق، نا إسماعيل بن موسى الحاجب، نا جبارة، نا علي بن مسهر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يحيى بن أبي رافع في قوله: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ (2)،قال: صيحة، فولولت.
قرأنا على أبي عبد اللّه يحيى بن الحسن، عن أبي تمام علي بن محمّد، عن أبي عمر ابن حيوية، أنا محمّد بن القاسم، نا ابن أبي خيثمة، أنا الفضل بن غانم، عن سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق قال:
كان إسماعيل بكر إبراهيم، و أكبر ولده، فلمّا ولدت سارة لإبراهيم إسحاق فذكر لي بعض أهل الكتاب أنّها لما ولدت جعل الكنعانيّون يقولون: أ لا تعجبون لهذا الشيخ و لهذه العجوز (3) وجدوا صبيا سقيطا فأخذاه يزعمان أنّه ولدهما، و هل يلد مثلها من النساء، فكوّن اللّه صورة إسحاق على صورة إبراهيم حتى لا يراه أحد إلا قال: و اللّه إنه لمن الشيخ.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو علي الروذباري، أنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن بكر القاضي، ببغداد، نا الحسن بن علي بن شبيب قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول:
شكا إبراهيم إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة، فأوحى اللّه إليه: يا إبراهيم البسها (4)على ما كان فيها ما لم تجد عليها خزية (5) في دينها.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنّا، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا أبو
ص: 188
الطيب عثمان بن عمرو، نا يحيى بن محمّد بن صاعد، نا الحسين بن الحسن، أنا ابن المبارك، أنا سفيان بن عيينة، عن شيخ، عن من حدّثه عن أبيه قال:
جاء جرير (1) إلى عمر فشكا إليه ما يلقى من النساء، فقال عمر: إنا لنجد ذلك حتى إنّي لأريد الحاجة فتقول: ما تذهب إلاّ إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن، فقال ابن مسعود: أ ما بلغك أن إبراهيم شكا إلى اللّه درء (2) خلق سارة فقال له: إنما خلقت من الضلع، فألبسها على ما كان، ما لم تر عليها خزية (3) في دينها، فقال عمر: لقد حشا اللّه بين أضلاعك علما كثيرا.
قال: و نا الحسين بن الحسن، أنا مؤمل، يعني ابن إسماعيل، نا سفيان، عن عبد الرّحمن الأصبهاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أولاد المسلمين في جبل في الجنّة و كفلهم (4) إبراهيم و سارة، فإذا كان يوم القيامة دفعوهم إلى آبائهم»[13746].
قال ابن صاعد: نا به جماعة بكار بن قتيبة و غيره، و لا أعلم أحدا رفعه إلاّ مؤمّل.
أخبرناه أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة، نا أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد لفظا، و أبو القاسم عبيد اللّه بن [عبد اللّه بن] (5) هشام بن سوار العنسي الداراني، قالا: أنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن عثمان بن أبي نصر، نا أبو الحسن خيثمة بن سليمان، إملاء، نا محمّد بن إسحاق (6) بن كثير الصوري، أنا مؤمل، نا سفيان، عن عبد الرّحمن بن الأصبهاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللّه عليه و سلم:«أطفال المسلمين في جبل في الجنّة فكفلهم (7)إبراهيم و سارة حتى يدفعوهم إلى آبائهم يوم القيامة»[13747].
رفعه يحيى القطان عن (8) سفيان.
أخبرنا (9) به أبو القاسم إسماعيل بن محمّد، نا أبو منصور محمّد بن أحمد، أنا أبو
ص: 189
بكر أحمد بن موسى بن مردويه، أنا أبو بكر الشافعي، نا معاذ بن المثنى، نا مسدد بن مسرهد، نا يحيى، عن سفيان، حدّثني عبد الرّحمن بن الأصبهاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: أولاد المسلمين في كهف جبل تكفلهم سارة و إبراهيم عليهما السّلام حتى إذا كان يوم القيامة دفعوا إلى آبائهم.
أنبأنا [أبو محمّد ابن الأكفاني شفاها أنا عبد العزيز - أنا] (1) أبو الحسن علي بن المسلم و غيره أن عبد العزيز بن أحمد أجاز لهم، أنا عبد الوهاب بن جعفر، أنا أبو سليمان بن زبر، أنا عبد اللّه بن أحمد الفرغاني، أنا محمّد بن جرير (2)،نا القاسم بن الحسن، نا الحسين بن داود، حدّثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي (3)قال: ألقي إبراهيم في النار و هو ابن ست عشرة سنة، و ذبح إسحاق و هو ابن تسع سنين (4)، و ولدته سارة و هي ابنة تسعين سنة، و كان مذبحه من بيت إيليا على ميلين فلما علمت سارة بما أراد بإسحاق بطنت (5) يومين و ماتت اليوم الثالث، و قيل: ماتت سارة و هي بنت مائة سنة و سبع و عشرين سنة (6).
[قال ابن عساكر:] (7) و بلغني أن سارة حين أراد إبراهيم ذبح إسحاق حزنت حزنا شديدا و مرضت من شدة الغم، و ماتت و لها مائة و سبع و عشرون سنة، و كان لإسحاق في ذلك الوقت سبع و ثلاثون سنة، و قيل: تسع سنين، و كان أصابها البطن ثلاثة أيام.
[ست العشيرة] (8)
ابن عبد الواحد بن أبي الحديد (9) السلمية
سمعت جدها القاضي الخطيب أبا عبد اللّه و وجدت سماعها على جزء فعزمت على
ص: 190
قراءته عليها فلم يتفق، و أظن أن ابن ابنة أخيها ابن خال القاضي الزكي، أبا (1) الحسن رحمه اللّه قرأه عليها، و هي أم الرئيس أبي الفوارس المسيب بن علي بن الصوفي و إخوته.
و عمرت و حجّت مرتين. ماتت في الآخرة منهما في طريق مكة، و هي راجعة في يوم الثلاثاء الثامن عشر من المحرم سنة ست و خمسين و خمسمائة، و قد بلغت إحدى و تسعين سنة.
[ستيت] (2)
حكى عنها أبو الفرج محمّد بن أحمد بن عثمان الزملكاني مناما رأته لفاطمة بنت مجلي يأتي في ترجمة فاطمة إن شاء اللّه.
[سعدة] (3)
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أم سعيد (4)
كانت تحت يزيد بن عبد الملك ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك، و كان يزيد تزوجها بالمدينة حين قدمها حاجا في خلافة أخيه سليمان على عشرة آلاف دينار، لها ذكر.
أخبرنا أبو الحسين بن الفرّاء، و أبو غالب و أبو عبد اللّه ابنا أبي علي الفقيه، قالوا: أنا محمّد بن أحمد المعدل، أنا أبو طاهر المخلّص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير قال (5):في تسمية ولد عبد اللّه بن عمرو: و أم سعيد لأم عمرو بنت أبان بن عثمان بن عفان، و لأم سعيد بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، و لأم حسن بنت الزبير بن العوام، و تزوج أم سعيد بنت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان يزيد بن عبد الملك بن مروان، فولدت له: عبد اللّه، و عائشة، و أم عمرو، ثم توفي عنها، فخلف عليها هشام بن عبد الملك، و فارقها، و لم تلد له، و لم تزوّج بعده.
ص: 191
9360 - سفّانة بنت حاتم الطائية (1)
أخت عدي بن حاتم (2)،و يقال: عمته. و إن ثبت أن اسمها سفّانة فهي أخته.
حكت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم.
و قد قدمت الشام في طلب أخيها.
أخبرنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم، أنا أبو الفضل أحمد بن علي ابن الفضل بن طاهر، أنا رشأ بن نظيف، أنا عبد الوهّاب بن جعفر بن علي، أنا محمّد بن عبد اللّه بن أحمد بن ربيعة العبدي، أنا أبي، أنا محمّد بن يونس بن موسى، نا إسحاق بن إدريس الأسواري، نا مسلمة بن علقمة، نا داود بن أبي هند، نا عامر الشعبي، و سماك بن حرب، عن عدي بن حاتم الطائي قال:
قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مهاجرا إلى المدينة فلما رأيت ذلك من أمره في علوه و أنه بعث (3)سرايا فتغير فلا يقوم لها شيء،[قلت لنفسي:] (4) يا نفس لو أني خلّفت لي أجمالا، فإن أغير على النعم و الغنم كان عندي ما أتحمّل عليه، فخلفت عندي من الإبل ما أعلم أنه يحملني إن بليت ببلوى؛ فبينا أنا ذات يوم جالس إذ جاءني راعي الإبل بعصاه، فقلت له: ما وراءك ؟ قال: قد أغير على النعم، فقلت: و من أغار عليها؟ قال: خيل محمّد، فقلت: يا نفس هذا الذي كنت أحاذر، و أين الفرار؟ فقربت أجمالي، و حملت أهلي لأنجو بهم، و كنت نصرانيا، فدخلت على عمّتي، فقلت: ما عسى أن يصنع بمثل هذه و قد كبرت. فحملت امرأتي، فقالت لي عمي: يا عدي، أ ما تتّقي ربك ؟ تنجو بامرأتك و تدع عمتك ؟ فقلت: و ما عسى أن يصنع بنا (5) و أنت امرأة قد كبرت ؟ فمضيت، و لم ألتفت إلى عمتي حتى وردت الشام، و انتهيت إلى قيصر، و كان بأرض حمص، فأدخلت عليه، فقلت له: إنّي رجل من العرب، و أنا على دينك، و هذا الرجل قد تناولنا ببلدنا، فكان المفر منه إليك، فقال لي قيصر: اذهب
ص: 192
فانزل في مكان كذا و كذا حتى نرى لك رأيا في أمره، فنزلت بذلك الزمان، فمكثت فيه حينا، فإني في بعض أيام بهمّ و غمّ فإذا أنا بظعينة متوجهة نحونا، فلما انتهت إليّ نظرت فإذا هي عمتي، فلما رأتني ابتدرتني فقالت لي: يا عدي أ ما اتقيت ربك نجوت بامرأتك مما تحاذره، و تركت عمتك.
فذكر الحديث و ليس فيها أنّها أسلمت.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر السوسي، أنا أحمد بن معروف، أنا الحارث بن أبي أسامة، نا محمّد بن سعد (1)،أنا محمّد بن عمر الأسلمي، حدّثني أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي سبرة، عن أبي عمير الطائي - و كان يتيم الزهري - قال:
و أنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، نا عبّاد الطائي، عن أشياخهم قالوا:
و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد بعث علي بن أبي طالب إلى الفلس (2) صنم لطيئ يهدمه، و يشن الغارات، فخرج في مائتي فرس، فأغار على حاضر آل حاتم فأصابوا ابنة حاتم، فقدم بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في سبايا من طيّئ و في حديث هشام بن محمّد: أن الذي أغار عليهم و سبى ابنة حاتم من خيل النبي صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد، ثم رجع الحديث إلى الأول قال: و هرب عدي بن حاتم من خيل النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى لحق بالشام و كان على النصرانية، و كان يسير في قومه بالمرباع (3) و جعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد، و كانت امرأة جميلة جزلة، فمرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قامت إليه فقالت: هلك الوالد و غاب الوافد، فامنن عليّ منّ اللّه عليك، قال:«من أوفدك»؟ قالت: عدي بن حاتم، قال:«الفار من اللّه و من رسوله»؟ و قدم وفد من قضاعة من الشام قالت: فكساني النبي صلى اللّه عليه و سلم و أعطاني نفقة و حملني، و خرجت معهم حتى قدمت الشام على عدي، فجعلت أقول له: القاطع الظالم، احتملت بأهلك و ولدك، و تركت بقية والدك ؟ فأقامت عنده أياما، و قالت له: أرى أن تلحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فخرج عدي حتى قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعني، فسلّم عليه و هو في المسجد، فقال:«من الرجل ؟» قال: عدي
ص: 193
ابن حاتم، فانطلق به إلى بيته، و ألقى له وسادة محشوة بليف و قال:«اجلس عليها»، فجلس و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الأرض و عرض عليه الإسلام، فأسلم عدي و استعمله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على صدقات قومه[13748].
أخبرنا أبو بكر أيضا، أنا الجوهري، أنا أبو عمر، أنا عبد الوهاب بن أبي حية، أنا محمّد بن شجاع، أنا محمّد بن عمر الواقدي (1)،نا عبد الرّحمن بن عبد العزيز قال: سمعت عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم يقول لموسى بن عمران بن منّاح (2) و هما جالسان بالبقيع: تعرف سرية الفلس ؟ قال موسى: ما سمعت بهذه السرية، قال: فضحك ابن حزم ثم قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليا في خمسين و مائة رجل على مائة بعير و خمسين فرسا؛ و ليس في السرية إلاّ أنصاري فيها وجوه الأوس و الخزرج، فاجتنبوا الخيل، و اعتقبوا (3) على الإبل حتى أغاروا على أحياء من العرب، و سأل عن محلّة آل حاتم فدلّ عليها (4)،فشنوا الغارة مع الفجر، فسبوا حتى ملئوا أيديهم من السبي و النّعم و الشاء، و هدم الفلس و خرّبه (5)،و كان صنما لطيئ ثم انصرف راجعا إلى المدينة.
قال: عبد الرّحمن بن عبد العزيز: فذكرت هذه السرية لمحمّد بن عمر بن علي فقال:
ما أرى ابن حزم زاد على أن نتف (6) من هذه السرية و لم يأتك بها. قلت: فائت بها أنت، فقال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم علي بن أبي طالب إلى الفلس ليهدمه في مائة و خمسين من الأنصار، ليس فيهم مهاجري واحد، و معهم خمسون فارسا و ظهر (7)،فامتطوا الإبل و جنبوا الخيل، و أمره أن يشن الغارات، فخرج بأصحابه معه راية سوداء و لواء أبيض، معهم القنا و السلاح الظاهر، و قد دفع رايته إلى سهل بن حنيف و لواءه إلى جبّار بن صخر السّلمي، و خرج بدليل من بني أسد يقال له: حريث، خرّيتا (8)،فسلك بهم على طريق فيد (9)،فلما
ص: 194
انتهى بهم إلى موضع قال: إنّ بينكم و بين الحي الذي تريدون يوما تاما، و إن سرناه بالنهار وطئنا أطرافهم و رعاءهم (1) فأنذروا الحي فتفرقوا، فلم تصيبوا منهم حاجتكم، و لكن نقيم يومنا هذا في موضعنا حتى نمسي، ثم نعتشي (2) ليلتنا على متون الخيل، فنجعلها غارة حتى نصبّحهم في عماية الصبح، قالوا: هذا الرأي، فعسكروا و سرّحوا إبلهم، و اصطنعوا، و بعثوا نفرا منهم يتقصّون (3) ما حولهم، فبعثوا أبا قتادة و الحباب بن المنذر، و أبا نائلة، فخرجوا على متون خيل لهم يطوفون حول العسكر، فأصابوا غلاما أسود فقالوا: ما أنت ؟ فقال: أطلب بغيتي، فأتوا به عليا، فقال: من أنت ؟ قال: باغي (4)،قال: فشدوا عليه فقال: أنا غلام لرجل من طيّئ من بني نبهان أمروني بهذا الموضع، و قالوا: إن رأيت خيل محمّد فطر إلينا فأخبرنا، و أنا لا أدرك شرا (5)،فلما رأيتكم أردت الذهاب إليهم، ثم قلت: لا أعجل حتى آتي أصحابي بخبر بيّن من عددكم و عدد خيلكم و ركابكم، و لا أخشى ما أصابني، فلكأني كنت مقيدا حتى أخذتني طلائعكم.
قال علي: أصدقنا ما وراءك، قال: أوائل الحي على مسيرة ليلة طرّادة (6) تصبّحهم (7)الخيل في مغارهم خبّا (8) و عدوا، قال علي لأصحابه: ما ترون ؟ قال جبار بن صخر: رأيي أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا حتى نصبّح القوم و هم غارون، فنغير عليهم و نخرج بالعبد الأسود دليلا (9)،و نخلف حرسا مع العسكر حتى يلحقونا إن شاء اللّه، قال علي: هذا الرأي، فخرجوا بالعبد الأسود، و الخيل تعادى (10)،و هو ردف بعضهم عقبة (11)،ثم ينزل فيردف
ص: 195
آخر عقبة، و هو مكتوف، فلما ابهار (1) الليل كبت (2) العبد و قال: قد أخطأت الطريق و تركتها ورائي فقال علي: فارجع بنا إلى حيث أخطأت. فرجع ميلا أو أكثر، ثم قال: أنا على خطأ.
فقال عليّ : إنّا منك على خدعة، ما تريد إلاّ أن تتيّهنا (3) عن الحيّ ، قدّموه، لتصدقنا أو لنضر بن عنقك، قال: فقدّم و سلّ السيف على رأسه، فلمّا رأى الشر، قال: أ رأيت إن صدقت أ تنفعني ؟ قال: نعم، قال: فإن صنعت ما رأيتم، إنه أدركني ما يدرك للناس من الحياء، فقلت: أقبلت بالقوم أدلّهم على الحي من غير محنة و لا خوف منهم (4)،فلمّا رأيت منكم ما رأيت و خفت أن تقتلوني كان لي عذر (5)،فأنا أحملكم على الطريق، قالوا: اصدقنا، قال:
القوم منكم قريب، فخرج بهم حتى انتهوا إلى أدنى الحي، فسمعوا نباح الكلاب، و حركة النعم في المراح، و الشاء فقال: هذه الأصرام (6) و هي [على] فرسخ، ينظر بعضهم إلى بعض، قالوا: فأين آل حاتم ؟ قال: هم متوسطو الأصرام، قال القوم بعضهم لبعض: إن أفزعنا الحي تصايحوا و أفزع بعضهم بعضا، فيغيب عنا إخوانهم في سواد الليل، و لكن نمهل [القوم] (7) حتى يطلع الفجر معترضا (8) فقد قرب طلوعه، فنغير، فإن أنذر بعضهم بعضا لم يخف علينا أين أخذوا و ليس عند القوم خيل يهربون عليها و نحن على متون الخيل، قالوا:
الرأي ما أشرت به، قال: فلما اعترضوا الفجر أغاروا عليهم فقتلوا من أشرف (9)،و استاقوا الذرية و النساء و جمعوا النعم و الشاء و لم يخف عليهم أحد تغيب فملئوا أيديهم. قال: تقول جارية من الحي و هي ترى العبد الأسود، و كان اسمه أسلم، و هو موثق: ما له هبل، هذا عمل رسولكم، أسلم لا سلم، هو جلبهم عليكم، و دلّهم على عورتكم.
قال: يقول الأسود: اقصري يا ابنة الأكارم، ما دللتهم حتى قدّمت ليضرب عنقي قال:
ص: 196
فعسكر القوم و عزلوا الأسرى، فهم ناحية، و عزلوا الذرية و أصابوا آل حاتم أخت عدي، و نسيات معها، فعزلوهن على حدة. فقال أسلم لعلي: ما تنتظر بإطلاقي ؟ قال: تشهد أن لا إله إلا اللّه، و أن محمّدا رسول اللّه. قال: أنا على دين قومي هؤلاء الأسرى. ما صنعوا صنعت. قال: أ لا تراهم موثقين، فنجعلك معهم في رباطك ؟ قال: نعم أنا مع هؤلاء موثق أحبّ إليّ من أن أكون مع غيرهم مطلقا، يصيبني ما أصابهم، فضحك أهل السرية منه، فأوثق و طرح مع الأسرى و قال: أنا معهم حتى تروا فيهم ما أنتم راءون، فقائل يقول له من الأسرى: لا مرحبا بك أنت جئتنا بهم، و قائل يقول: مرحبا بك و أهلا ما كان عليك أكثر مما صنعت، لو أصابنا الذي أصابك لفعلنا الذي فعلت و أشدّ منه، ثم قد آسيت بنفسك، و جاء العسكر فاجتمعوا فقربوا الأسرى فعرضوا عليهم الإسلام فمن أسلم ترك، و من أبى ضربت عنقه حتى أتوا على العبد الأسود فعرضوا عليه الإسلام فقال: و اللّه إنّ الجزع من السيف للؤم، و ما من خلود. قال يقول رجل من الحي ممن أسلم: يا عجبا منك أ لا كان هذا حيث أخذت، فلما قتل من قتل منا، و سبي من سبي [منا] (1) و أسلم من أسلم راغبا في الإسلام تقول ما تقول ؟! ويحك، أسلم و اتبع دين محمّد قال: فإني أسلم و أتبع دين محمّد، فأسلم، فترك، و كان بعد ذلك قد بقي حتى كانت الردة فشهد مع خالد بن الوليد اليمامة فأبلى بلاء حسنا.
قال: و سار علي إلى الفلس فهدمه و خربه، و وجدوا في بيته ثلاثة أسياف: رسوب و المخزم و سيف يقال له: اليماني، و ثلاثة أدرع، و جردوه و كان عليه ثياب يلبسونه [إياها] (2)و جمعوا السبي فاستعمل أبا قتادة و استعمل عبد اللّه بن عتيك السلمي على الماشية الرثة، ثم ساروا حتى نزلوا ركك (3) فاقتسموا السبي و الغنائم، و عزل للنبي صلى اللّه عليه و سلم صفيا (4):رسوب و المخزم، ثم صار له بعد السيف الآخر، و عزل الخمس، و عزل آل حاتم، فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة.
قال الواقدي (5):فحدّثت هذا الحديث عبد اللّه بن جعفر الزهري (6) فقال: حدّثني ابن
ص: 197
أبي عون قال: كان في السبي أخت عدي بن حاتم لم تقسم، فأنزلت دار رملة بنت الحارث، و كان عدي بن حاتم قد هرب حين سمع بحركة علي، و كان له عين بالمدينة فحذّره فخرج إلى الشام، و كانت أخت عدي، إذا مر النبي صلى اللّه عليه و سلم تقول: يا رسول اللّه هلك الوالد، و غاب الوافد، فامنن علينا منّ اللّه عليك كلّ ذلك يسألها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من وافدك»؟ فتقول: عدي ابن حاتم، فيقول:«الفار من اللّه و رسوله ؟» حتى يئست، فلمّا كان يوم الرابع مرّ النبي صلى اللّه عليه و سلم فلم تكلّم فأشار إليها رجل: قومي فكلّميه، فكلمته، فأذن لها و وصلها، و سألت عن الرجل الذي أشار إليها، فقيل: علي، و هو الذي سباكم أ ما تعرفينه ؟ فقالت: لا و اللّه ما زلت مدنية طرف ثوبي على وجهي، و طرف ردائي على برقعي، من يوم أسرت حتى دخلت هذه الدار، و لا رأيت وجهه و لا وجه أحد من أصحابه[13749].
أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمّد، ثم أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا أحمد ابن الحسن بن خيرون، قالا: أنا أبو القاسم بن بشران، أنا محمّد بن أحمد بن الحسن، أنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، نا المنجاب بن الحارث، أنا أبو عامر العقدي (1) عن عبد العزيز بن أبي روّاد (2) قال المنجاب: و أنا إبراهيم بن يوسف، أنا زياد، عن ابن إسحاق قال (3):
قال عدي بن حاتم فيما بلغنا: ما رجل من العرب كان أشدّ كراهية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرأ شريفا و كنت نصرانيا و كنت أسير في قومي بالمرباع، و كنت في نفسي على دين، فكنت ملكا في قومي للذي كان يصنع أبي (4)،فلما سمعت برسول (5)اللّه صلى اللّه عليه و سلم كرهته، فقلت لغلام لي و كان راعي الإبل: لا أبا لك، أعدد لي من إبلي جمالا ذللا (6) سمانا، مسان (7)،فاحبسها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش محمّد قد وطئ هذه البلاد
ص: 198
فآذنّي، ففعل، ثم إنه أتاني ذات غداة يوم (1)،فقال: يا عدي، ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمّد فاصنعه [الآن] (2)،فإني قد رأيت رايات فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمّد.
قال: قلت: قرّب لي أجمالي، فقرّبها لي، فاحتملت بأهلي و ولدي ثم قلت: ألحق بالشام (3)،فسلكت الجوشية (4) و خلّفت (5) ابنة لحاتم في الحاضر، فلما قدمت الشام أقمت بها.
و تخالفني خيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتصيب ابنه حاتم، فيمن أصابت، فقدم بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم [في سبايا طيّئ، و قد بلغ رسول اللّه] (6) هربي إلى الشام قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد، كانت تحبس السبايا فيها، فمرّ بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقامت إليه، و كانت امرأة جزلة، فقالت: يا رسول اللّه هلك الوالد، و غاب الوافد، فامنن عليّ منّ اللّه عليك، قال:«و من وافدك ؟» قالت: عدي بن حاتم، قال:«الفارّ من اللّه و من رسوله ؟» قالت: ثم مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تركني، حتى إذا كان الغد مرّ بي، فقلت له مثل ذلك. فقال مثل ما قال بالأمس، حتى إذا كان بعد الغد مرّ بي و قد يئست منه، قالت: فأشار إليّ رجل خلفه: قومي، فكلّميه، قالت: فقمت، فقلت: يا رسول اللّه، هلك الوالد، و غاب الوافد، فامنن عليّ منّ اللّه عليك، قال:«قد فعلت، لا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة [حتى] (7) يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني» قالت: فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن كلميه، فقيل: علي بن أبي طالب. قالت: و أقمت حتى قدم نفر من بليّ أو من قضاعة، و إنّما أريد أن آتي الشام قالت: فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت: يا رسول اللّه قد قدم رجال من قومي لي فيهم ثقة و بلاغ، قالت: فكساني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و حملني، و أعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.
قال أبو عامر في حديثه: و قد كانت أسلمت فحسن إسلامها.
ص: 199
قال عدي: فو اللّه إنّي لقاعد في أهلي، إذ نظرت إلى ظعينة (1) تصوب (2) إليّ تؤمنا قال:
فقلت ابنة حاتم فإذا هي هي (3).فلما وقفت عليّ انسحلت (4):القاطع الظالم، ارتحلت بأهلك و ولدك و تركت بقية والدك أختك و عورتك ؟ قال: قلت يا خيّة (5) لا تقولي إلاّ خيرا، فو اللّه ما لي من عذر، و لقد صنعت ما ذكرت، قال: ثم نزلت فأقامت عندي، قال: فقلت لها، و كانت امرأة حازمة: ما ذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت: أرى و اللّه أن نلحق (6) به سريعا، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق (7) إليه فضله، و إن يكن ملكا فلن نزل في عزّ اليمن و أنت أنت، قال: قلت: و اللّه إن هذا الرأي.
قال: فخرجت حتى أقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة، فدخلت عليه و هو في مسجده، فسلّمت عليه فقال:«من الرجل ؟» (8) قال: قلت: عدي بن حاتم.
قال أبو عامر في حديثه: فرحب به النبي صلى اللّه عليه و سلم و قرّبه (9)،و كان يتألف شريف القوم ليتألف به قومه.
قال ابن إسحاق في حديثه: فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانطلق به إلى بيته. قال: فو اللّه إنه لعامد بي (10) إليه، إذ لقيته امرأة كبيرة ضعيفة، فاستوقفته، فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال: قلت في نفسي: و اللّه ما هذا بملك، قال: ثم مضى حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقدمها إليّ فقال:«اجلس على هذه»، قالت: بل أنت فاجلس، قال: فقال:
بل أنت فاجلس عليها، قال: فجلست عليها و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالأرض، قال: قلت في نفسي: ما هذا بأمر ملك.
ص: 200
قال أبو عامر في حديثه: فدخل الإسلام في قلبي، و أحببت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حبّا لم أحبه شيئا قط ، قال: و لم يكن في البيت إلاّ خصاف (1) و وسادة أديم، و قال في حديثه: فلم يجلس عليها، و لم أجلس عليها، ثم أقبل عليّ فقال: هيه يا عدي بن حاتم أ فررت أن توحّد اللّه، و هل من أحد غير اللّه ؟! هيه يا عدي بن حاتم أ فررت أن تكبّر اللّه، و من أكبر من اللّه ؟ هيه يا عدي بن حاتم، أ فررت أن تعظّم اللّه و من أعظم من اللّه ؟! هيه يا عدي بن حاتم أ فررت أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و هل من إله غير اللّه ؟! هيه يا عدي بن حاتم أ فررت أن تشهد أن محمّدا رسول اللّه ؟! قال: فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول نحو هذا، و أنا أبكي، قال: ثم أسلمت (2).
قال ابن إسحاق في حديثه: ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم، أ لم تك ركوسيا (3)،قال:
قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحلّ لك في دينك. قال: قلت: أجل و اللّه، و عرفت أنّه نبي مرسل، يعلم ما يجهل، قال ثم قال: لعله (4) يا عدي بن حاتم إنّما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فو اللّه لأوشك (5) أن يفيض فيهم يعني المال حتى لا يوجد من يأخذه، و لعله أن يمنعك من ذلك ما ترى من كثرة عدوّهم (6) و قلّة عددهم، فو اللّه ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف، و لعلك إنّما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك و السلطان في غيرهم، و أيم اللّه، ليوشكن أن تسمع بالقصور من أرض بابل البيض (7) قد فتحت عليهم، قال: فأسلمت.
فكان عدي يقول: مضت اثنتان و بقيت الثالثة، و و اللّه لتكونن (8)،لقد رأيت القصور البيض من أرض بابل و قد فتحت عليهم، و رأيت المرأة تخرج على بعيرها لا تخاف إلا اللّه حتى تحجّ هذا البيت من القادسية، و أيم اللّه لتكونن الثالثة، ليفيضنّ (9) المال حتى لا يوجد من يأخذه.
ص: 201
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور، أنا أبي أبو العباس الفقيه، أنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الشهرزوري المالكي، إملاء، نا أبو علي أحمد بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد الرّحمن الأصبهاني العدل بالري، أنا أحمد بن محمّد بن إسحاق، حدّثني سالم (1) بن معاذ بن سلم (2)،نا سليمان بن الربيع الكوفي، نا عبد الحميد بن صالح البرجمي، نا زكريا ابن عبد اللّه بن يزيد الصهباني، عن أبيه، عن كميل بن زياد النخعي، عن علي بن أبي طالب أنّه قال:
يا سبحان اللّه، ما أزهد كثيرا من الناس في الخير، عجبت لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة لا يرى نفسه للخير أهلا، فلو أنّا لا نرجو جنّة، و لا نخشى نارا، و لا ثوابا و لا عقابا لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها تدلّ على سبل النجاح، فقام رجل فقال: فداك أبي و أمي يا أمير المؤمنين، سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: نعم، و ما هو خير منه، لما أتينا بسبايا طيء و وقفت (3) جارية جماء، حواء لعساء (4)،لمياء (5)،عيطاء (6) شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين، جدلة الساقين، لفاء العجزين، خميصة الخصرين، مصقولة المتنين، ضامرة الكشحين، فلمّا رأيتها أعجبت بها، فقلت: لأطلبن إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يجعلها من فيئي، فلمّا تكلمت نسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها. فقالت: يا محمّد، إن رأيت أن تخلّي عني. فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، و إنّ أبي كان يفك العاني، و يحمي الذمار، و يقري الضيف، و يشبع الجائع، و يفرج عن المكروب، و يفشي السلام، و يطعم الطعام، و لم يرد طالب حاجة قط ، أنا ابنة حاتم طيء، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«يا جارية، هذه صفة المؤمن حقا، لو كان أبوك إسلاميا لترحمنا عليه، خلّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، و اللّه يحب مكارم الأخلاق» فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول اللّه، اللّه يحب مكارم الأخلاق، قال:«يا أبا بردة لا يدخل الجنّة أحد إلاّ يحسن الخلق»[13750].
ص: 202
أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري، نا أبي الأستاذ أبو القاسم إملاء، أنا الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ ، حدّثني أبو بكر محمّد بن عبد اللّه بن يوسف العماني، نا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي، نا ضرار بن صرد، نا عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، و هو الثّمالي (1)،عن عبد الرّحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي قال: قال علي بن أبي طالب:
يا سبحان اللّه، ما أزهد كثيرا من الناس في خير، عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كان لا يرجو حسابا، و لا يخشى عذابا، لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنّها تدل على سبيل النجاح، فقام إليه رجل، فقال: فداك أبي و أمي، يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ؟ قال: نعم، و ما هو خير منه، لما أتى بسبايا طيء، وقفت جارية جمّاء، حواء (2) لعساء، لفّاء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة و الهامة، درماء الكعبين، جدلة الساقين، لفّاء الفخذين (3)،خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين، قال: فلما رأيتها أعجبت بها و قلت: لأطلبن إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليجعلها في فيئي، فلمّا تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها فقالت: يا محمّد إن رأيت أن تخلي عني، و لا تشمت بي أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، فإن أبي كان يحمي الذمار، و يفك (4) العاني، و يشبع الجائع، و يكسو العاري، و يقري الضيف، و يطعم الطعام، و يفشي السلام، و لم يرد طالب حاجة قط ، أنا ابنة حاتم طيء، فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم:«يا جارية، هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق»، فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول اللّه، اللّه يحب مكارم الأخلاق، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«و الذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة أحد إلاّ يحسن الخلق»[13751].
قال الأستاذ: قوله جماء: أي كثيرة شعر الرأس، و قوله: لعساء: إذا كان في لونها أدنى سواد مشرب حمرة، و يقال لعساء الشفة أي حمراؤها حمرة تضرب إلى السواد، و قوله لفاء:
أي كثيرة شعر الرأس، و شجرة لفاء ملتفة الأغصان، و قوله عيطاء: أي طويلة العنق في
ص: 203
اعتدال، و شماء الأنف بخلاف الفطساء، و قوله درماء الكعبين (1):أي لا تبين من اللحم، و قوله جدلة الساقين: أي ممتلئة لحما. و لفّاء الفخذين كذلك، و مصقولة المتنين أي ليست بمنتفخة الجنبين. و صقلت الناقة إذا أضمرتها.
أنبأنا أبو سعد المطرز، و أبو علي الحداد، قالا: أنا أبو نعيم قال: سفانة بنت حاتم الطائي أخت عدي بن حاتم، سبيت، فقدم بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في سبايا من طيء، فحبسها أياما ثم منّ عليها، و أعطاها نفقة و كسوة، و ردّها إلى مأمنها فأشارت على أخيها عدي ابن حاتم بالقدوم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
[سكينة] (2)
ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية (3)
قدمت دمشق مع أهل بيتها بعد قتل أبيها، ثم خرجت إلى المدينة، و يقال: إنها عادت إلى دمشق بعد ذلك، و أن قبرها بها.
حدّثت عن أبيها.
روى عنها فائد المدني مولى عبيد اللّه بن أبي رافع.
قرأت على أبي محمّد [بن] (4) حمزة، عن أبي بكر الخطيب، أنا أبو الحسين محمّد بن الحسن بن أحمد الأهوازي، نا أحمد بن محمود بن خرّزاذ (5) القاضي، نا أحمد بن سهل بن أيوب، نا الحزامي، نا إسحاق بن إبراهيم مولى جميع بن حارثة، نا عبد اللّه بن ماهان الأزدي، نا فائد المدني.
ح و أخبرنا أبو علي الحداد، و غيره إذنا، قالوا: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا سليمان بن
ص: 204
أحمد (1)،نا مسعدة بن سعد المكي العطار، نا إبراهيم بن المنذر الحزامي، نا إسحاق بن إبراهيم مولى جميع بن حارثة الأنصاري، حدّثني عبد اللّه بن ماهان الأزدي، حدّثني فائد مولى عبيد اللّه بن أبي رافع، حدّثتني سكينة بنت الحسين بن علي، عن أبيها قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«حملة القرآن عرفاء أهل الجنة» زاد سليمان:«يوم القيامة»[13752].
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا أحمد بن سليمان، نا الزبير قال (2):في تسمية ولد الحسين:
و سكينة، و اسمها آمنة، و إنّما سكينة لقب لقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس، و تزوج سكينة بنت حسين عبد اللّه بن حسن بن علي، أمه بنت الشليل بن عبد اللّه البجلي، بنت أخي جرير ابن عبد اللّه، فقتل مع عمه الحسين بالطّفّ ، قبل أن يبني بها، ثم تزوجها مصعب بن الزّبير، فولدت له جارية اسمها الرّباب، كانت عند عثمان بن عروة بن الزبير، ثم خلف عليها عبد اللّه ابن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام (3) بن خويلد، فولدت له حكيما و عثمان، و هو قرين، و ربيحة، تزوج ربيحة العباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، ثم خلف على سكينة زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، ثم خلف عليها إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، فلم ينفذ (4) نكاحه. قال الزبير: قال عمي مصعب بن عبد اللّه: فرّق بينهما هشام بن عبد الملك، ثم خلف عليها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، فلم ينفذ (5) نكاحه، و قال عمي مصعب بن عبد اللّه: حملت إليه بمصر، فوجدته قد مات.
قرأت على أبي غالب بن البناء، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا أبو طالب بن يوسف، أخبرنا الجوهري قراءة.
أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا محمّد بن سعد (6)قال: سكينة بنت حسين بن علي بن أبي طالب، و أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن
ص: 205
أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد اللّه بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة (1) بن ثور بن كلب، تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام، ابتكرها فولدت له فاطمة ثم قتل عنها فخلف عليها عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام (2) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فولدت له عثمان الذي يقال له قرين، و حكيما، و ربيحة، فهلك عنها فخلف عليها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، فهلك عنها، فخلف عليها إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف الزهري (3)،كانت ولية نفسها فتزوجها فأقامت معه ثلاثة أشهر فكتب هشام بن عبد الملك إلى و اليه بالمدينة أن فرّق بينهما، ففرّق بينهما. و قال بعض أهل العلم: هلك [عنها] (4) زيد بن عمرو بن عثمان و تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم.
أنبأنا أبو محمّد بن الآبنوسي، ثم أخبرني أبو الفضل السلامي عنه، أنا الحسن بن علي، أنا محمّد بن محمّد (5) بن المظفر، أنا أبو علي المدائني، أنا أبو بكر بن البرقي قال في تسمية ولد الحسين بن علي: و سكينة بنت الحسين، و كانت سكينة من أجلّ نساء قريش، دخلت على هشام في قواعد نساء قريش، فسلبته منطقته و مطرفه و عمامته، و قال لها هشام لما طلبت ذلك منه أو غيره ؟ تقول: ما أريد غيره، و كان هشام يعتمّ و يلبس، فسلبته ذلك كله، و دعا بثياب غيرها فلبسها، و كانت إذا لعن مروان جدّها عليا رضي اللّه عنه لعنته، و أباه و أبا أبيه، و كانت من أجمل الناس.
أخبرنا أبو محمّد بن حمزة بقراءتي عليه عن أبي نصر بن ماكولا قال (6):أما سكينة بضم السين و فتح الكاف و تخفيفها و فتح النون فهي سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، لها أخبار مشهورة، و قد روت عن أبيها. روى عنها فائد المديني (7).
كتب إليّ أبو طالب عبد القادر بن محمّد بن يوسف، أنا أبو إسحاق البرمكي.
ص: 206
ثم حدّثني أبو المعمر الأنصاري، أنا أبو الحسين بن الطيوري، أنا علي بن عمر بن محمّد بن الحسن و إبراهيم البرمكي.
قالا: أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أبو عمر محمّد بن عبد الواحد، أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي قال (1):يروى عن سكينة بنت الحسين أنّها جاءت و هي صغيرة إلى أمّها و هي تبكي، فقالت لها: ما لك ؟ فقالت: مرّت بي دبيرة (2) فلسعتني بأبيرة فأوجعتني قطيرة (3).
أخبرنا أبو الحسين محمّد بن كامل بن مجاهد، أنا محمّد بن أحمد بن عمر بن المسلمة إذنا، أن أبا عبيد اللّه محمّد بن عمران بن موسى أجاز لهم، نا محمّد بن أحمد الكاتب، نا عبد اللّه بن أبي سعد الوراق، نا محمّد بن أحمد بن عيسى، حدّثني محمّد بن الفضل النهشلي، حدّثني أبو مسلم الخشاب قال: لما خرج مصعب بن الزبير فصار على عشرة أيام من الكوفة كتب إلى سكينة بنت الحسن عليهما السّلام:
و كان عزيزا أن أبيت و بيننا *** شعار، فقد أصبحت منك على عشر
و أبكاهما (4)،و اللّه، للعين فاعلمي *** إذا ازددت مثليها فصرت على شهر
و أبكي لعيني منهما اليوم أنني *** أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر
فلما قتل، أنشأت سكينة تقول:
فإن تقتلوه تقتلوا الماجد الذي *** يرى الموت إلا بالسيوف حراما
و قبلك ما خاص الحسين منية *** إلى السيف حتى أوردوه حماما
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد الخطيب، أنا أبو منصور النهاوندي، أنا أبو العباس، أنا ابن الأشقر، نا البخاري، نا عبد اللّه، يعني ابن صالح، حدّثني الليث، حدّثني يونس، عن ابن شهاب قال: نكحت سكينة ابنة الحسين (5) إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف بغير ولي، فكتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل أن فرّق بينهما.
أخبرنا أبو بكر الشّحّامي، أنا أبو حامد الأزهري، أنا أبو سعيد بن حمدون، أنا أبو
ص: 207
حامد بن الشّرقي (1)،نا محمّد بن يحيى، نا أبو صالح، حدّثني الليث، حدّثني يونس، عن ابن شهاب في المرأة تنكح نفسها بغير إذن وليها، قال: زوّجت سكينة بنت حسين نفسها إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، فكتب فيها هشام بن إسماعيل إلى عبد الملك بن مروان، فكتب عبد الملك أن يفرّق بينهما، فإن كان دخل بها فلها صداقها بما استحلّ منها، و إن لم يكن دخل بها خطبها مع الخطّاب.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه قالوا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا المخلص، أنا أبو عبد اللّه الطوسي، نا الزبير قال (2):حدّثني محمّد بن سلاّم، عن شعيب بن صخر، عن أمه سعدة بنت عبيد اللّه (3) بن سالم قالت (4):لقيت سكينة بنت حسين بين مكة و منى، فقالت: قفي [لي] يا بنت عبيد اللّه، و كشفت عن ابنتها (5)،قالت:
فإذا بها قد أثقلتها بالحلي، فقالت: ما ألبستها إياه إلاّ لتفضخه (6).
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، أخبرني أبو بكر الخطيب، أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد، نا أبو خليفة، نا محمّد بن سلاّم قال: سمعت أبي يقول: قالت جارية سكينة لسكينة:
بالباب رجل يقول: لي حاجة، قالت: ما حاجته ؟ فذهبت ثم عادت قالت: يقول: لي حاجة، حتى فعلت ذلك مرة أو مرتين أو أكثر، قالت: فلعلها حاجة الديك إلى الدجاجة ؟ أخبرنا أبو منصور بن زريق، أنا أبو بكر الخطيب (7)،أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي (8)،أنا محمّد بن عمران بن موسى المرزباني، حدّثني محمّد بن طاهر الطاهري، نا أحمد بن يحيى النحوي، نا عبد اللّه بن شبيب، حدّثني عمر بن عثمان قال: مرّت سكينة بعروة بن أذينة فقالت له: يا أبا عامر أنت الذي تقول:
ص: 208
يا نظرة لي ضرت يوم ذي سلم *** حتى متى لي هذا الضر في نظري
قالت و أبثثتها سري فبحت به-: *** قد كنت عندي تحت الستر فاستتري (1)
أ لست تبصر من حولي ؟ فقلت لها: *** غطّي هواك و ما ألقى على بصري
و أنت القائل:
إذا وجدت أذى للحب في كبدي *** أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هذا بردت ببرد الماء ظاهره *** فمن لحرّ على الأحشاء يتّقده ؟
قالت: هن حرائر - و أشارت إلى جواريها - إن كان خرج هذا من قلب سليم.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، بقراءتي، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا تمام بن محمّد الرازي، نا أبو الحسن مزاحم بن عبد الوارث بن إسماعيل بن عباد البصري، قدم دمشق، و نزل في دار خديجة في سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة، نا محمّد بن زكريا الغلابي، نا محمّد بن عبد الرّحمن بن القاسم، حدّثني أبي، عن حماد الراوية، حدّثني بعض أهل الكوفة قال (2):
خرجت حاجا، فأتيت منزل سكينة ابنة الحسين مسلّما عليها، معظما لحقّها، فألفيت (3) ببابها الفرزدق و جريرا و كثيّر عزّة و جميلا، و الناس مجتمعون ما بين مقتبس من علمهم و ناظر إليهم، فلم ألبث إلاّ يسيرا حتى خرجت جارية لها عليها قميص كأن شعاع الشمس فيما بين جلدها و قميصها، و إذا هي بيضاء عطبول، لم يشنها قصر و لا طول. فقالت: سيدتي تقرأ عليكم السّلام و تقول لكم: أين الفرزدق ؟ فقال: ها أنا ذا، قالت: تقول لك سيدتي: أنت القائل (4):
إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتا، دعائمه أعزّ و أطول
بيتا بناه لنا المليك و ما بنى *** ملك السماء فإنه لا ينقل
و أنت القائل (5):
هما دلتاني من ثمانين قامة *** كما انقضّ باز أقتم (6) الرأس كاسره
ص: 209
صوابه: الريش.
فلما استوت رجلاي في الأرض نادتا (1) *** أ حيّ نرجّي أم قتيل نحاذره
فأصبحت في القوم القعود و أصبحت (2) *** مغلقة دوني عليها دساكره
قال: نعم، أنا القائل، قالت: سوأة (3) لك قضت حاجتك، و أتت مسرتك، ثم أخبرت عنها و عن نفسك و هتكت سترها، هتك اللّه سترك، ثم انصرفت، فلم تلبث إلاّ يسيرا حتى خرجت فقالت: أيكم جرير؟ فقال: أنا ذا، قالت: تقول لك سيدتي أنت القائل (4):
يا أم ناجية، السلام عليكم *** قبل الرحيل (5)،و قبل لوم العزّل
و إذا غدوت فباكرتك تحية *** سبقت سروح الشاحجات (6) الحجّل
لو كنت أعرف أن آخر عهدكم *** يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
قال: نعم أنا القائل لهذا. قالت: غفر اللّه لك يا أبا حزرة. و أنت القائل (7):
سرت الهموم فبتن غير نيام *** و أخو الهموم يروم كل مرام
ذم المنازل بعد منزلة اللوى *** و العيش (8) بعد أولئك الأقوام
طرقتك صائدة القلوب و ليس ذا *** وقت الزيارة فارجعي بسلام
قال: نعم أنا القائل هذا. قالت: فسوأة لك. جعلتها صائدة لقلبك. حتى إذا أناحت ببابك ألقيت من دونها الحجاب و قلت: ليس ذا وقت الزيارة. فارجعي بسلام ؟ ويلك و هل تكون الزيارة إلاّ بالليل ؟ أ لا رفعت حجابك. و أخذت بيدها، و قربت مجلسها، و لم تردها بحسرتها، و قلت: هذا وقت الزيارة فادخلي بسلام ؟ فسوأة لك. قال: أجل فسوأة لي، ثم انصرفت، فلبثت قليلا ثم خرجت. فقالت: أيكم كثيّر عزة ؟ قال: ها أنا ذا. قالت: تقول لك سيدتي. أنت القائل:
ص: 210
أراعي نجوما في السماء كأنني *** أوكل باللاتي تغيب و تطلع
إذا ما بدا نجم يلوع بناره *** يعين لي قلبي فقلبي مروع
شفيت فما طول اشتياقي إلى التي *** سبتني فعيني تستهل و تدمع
قال: نعم، أنا القائل هذا. قالت: غفر اللّه لك و لقومي. و لا كتب عليك بهذا الكلام سيئة أبدا. و أنت القائل (1):
و كنت كذي رجلين، رجل صحيحة *** و رجل رمى فيها الزمان فشلّت
و كنت كذات الطلع لما تحاملت *** على ظلعها بعد العثار (2) استقلّت
هنيئا مريئا غير داء مخامر *** لعزّة من أعراضنا ما استحلت
فما أنا بالداعي لعزة بالردى *** و لا شامت إن نعل عزة زلّت
قال: أنا القائل هذا، قالت: غفر اللّه لك و لقومك، و لا كتب عليك بهذا الكلام سيئة أبدا. و أنت القائل (3):
و أعجبني يا عز منك خلائق *** كرائم إذا عدّ الخلائق أربع
دنوك حتى تذكري العاشق الهوى (4) *** و بعدك أسباب الهوى حين يطمع
لزمت لنا بالبخل منك طريقة (5) *** فليتك ذوا (6) لونين يعطي و يمنع
قال: نعم أنا القائل هذا. قالت: فسوأة لك. جعلتها ذا لونين تعطي من يستحق المنع، و تمنع من يستحق الإحسان و العطية ؟! قال: نعم، فسوأة لي ثم انصرفت فلم تلبث إلاّ يسيرا حتى خرجت. فقالت: أيكم جميل ؟ فقال: ها أنا ذا قالت: تقول لك سيدتي: أنت القائل:
أيا من أجاب العبد أيوب إذ دعا *** و كان طويل ليله يتململ
و يا من دعاه يونس (7) فأجابه *** لدى ظلمات جوف حوت يهلل
و يا من فدى إسحاق منه برحمة *** و رد إلى يعقوب ما كان يأمل
ص: 211
عليّ إلهي ردّ من قطع الهوى *** فإني به في كل يوم أوكل
و إلاّ فموتا، إن في الموت راحة *** و في الموت راحات لمن كان يعقل
قال: نعم أنا القائل هذا. قالت: قد رأى اللّه مكانك يا مسكين، و لقد أكثرت التضرع إلى ربك حين قلت: يا من، يا من، و أنت القائل (1):
لقد ذرفت عيني و طال سجومها (2) *** و أصبح من نفسي معنى (3) صحيحها
فلا (4) أنا أرجو أن نفسي صحيحة *** و لا الموت فيما قد شجاها يريحها
ألا ليتنا نحيا جميعا و إن نمت *** يجاور في الموتى، ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغب *** إذا قيل قد سوي عليها صفيحها
أظلّ نهاري، مستهاما و يلتقي *** لدى الليل، روحي، في المنام، و روحها
قال: نعم أنا القائل. قالت: غفر اللّه لك و لقومك، يا أخا عذرة، و لا كتب عليك بهذا الكلام سيئة أبدا. و أنت القائل:
ألا ليتني أعمى أصم تقودني *** بثينة لا يخفى عليّ كلامها (5)
قال: نعم، أنا القائل هذا، قالت الجارية: تقول لك سيدتي: أرضيت من الدنيا و عيشها و نعيمها أن تكون أعمى أصمّ إلاّ أنه لا يخفى عليك كلام بثينة ؟ قال: نعم، فدخلت فأخبرت مولاتها بما سمعت من لفظه، فلم تلبث إلاّ يسيرا حتى خرجت الجارية معها كيس فيه ألفا درهم و منديل فيه أصناف، فقالت: تقول لك سيدتي اقطع لك هذه الثياب، و أنفق هذه الدراهم، فإذا نفدت فائتنا، فإنّ لك عندنا المواساة، و أمرت للشعراء بألف ألف.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفرضي، أنا أبو محمّد جعفر بن أحمد بن الحسين (6) السراج، أنا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي بمكة، أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن لال الهمداني، نا أبو منصور أحمد بن شعيب البخاري، نا سهل بن شاذويه
ص: 212
البخاري، نا عيسى بن الجنيد أبو أحمد النحوي الكشي، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: حدث عوانة بن الحكم قال (1):
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب و هي تحت مصعب بن الزبير الفرزدق بن غالب، و جرير بن الخطفي، و كثيّر عزّة، و نصيب، و جميل بن معمر، فمكثوا ثلاثا، فأذنت لهم، فجلسوا حيث تراهم و لا يرونها، و تسمع (2) كلامهم، فخرجت إليهم وصيفة قد روت الأحاديث و الأشعار، فقالت: أيكم الفرزدق، فقال: ها أنا ذا. قالت:
أنت القائل (3):
هما دلتاني (4) من ثمانين قامة *** كما انقضّ باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض نادتا *** أ حيّ يرجى أم قتيل نحاذره ؟!
فقلت: ارفعوا (5) الأسباب (6) لا يشعروا بنا *** و أقبلت في أعجاز ليل أبادره
أبادر بوابين قد وكلا (7) بنا *** و أحمر من ساج تبصّ مسامره
فأصبحت في القوم القعود و أصبحت *** مغلقة دوني عليها دساكره
ترى أنها أمست حصانا و قد جرت *** لنا برتاها (8) بالذي أنا شاكره
قال: نعم أنا قائله. قالت: فما دعاك إلى إفشاء سرك و سرها؟ أ لا سترت على نفسك و عليها؟ خذ هذه الألف و الحق بأهلك. ثم دخلت على مولاتها. و خرجت فقالت: أيكم جرير؟ قال: ها أنا ذا، قالت: أنت القائل:
طرقتك صائدة القلوب و ليس ذا *** حين الزيارة فارجعي بسلام
تجري السواك على أغر كأنه *** برد تحدر من متون غمام
لو كان عهدك كالذي حدثتنا *** لوصلت ذاك فكان عير رمام (9)
إني أواصل من أردت وصاله *** بحبال لا صلف و لا لوام
ص: 213
قال: نعم. قالت: أ فلا أخذت بيدها و رحبت بها. و قلت لها ما يقال لمثلها؟ أنت عفيف و فيك ضعف، خذ هذين الألفين (1) و الحق بأهلك.
ثم دخلت إلى مولاتها. و خرجت فقالت: أيكم كثير؟ فقال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل:
و أعجبني يا عز منك خلائق *** كرام إذا عدّ الخلائق أربع
دنوك حتى يذكر الجاهل الصبا *** و رفعك أسباب الهوى
فو اللّه ما يدري كرم وصلته *** أيناك إذ باعدت أم يتضرع
قال: نعم. قالت: ملحت و شكلت. خذ هذه الثلاثة الآلاف درهم و الحق بأهلك. ثم دخلت إلى مولاتها. ثم خرجت قالت: أيكم نصيب (2)؟قال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل (3):
و لو لا أن يقال: صبا نصيب *** لقلت: بنفسي النشأ الصغار
بنفسي كل مهضوم حشاها *** إذا ظلمت فليس لها انتصار
إذا ما الزل ضاعفن الحشايا *** كفاها أن يلاث بها الإزار
قال: نعم. قالت: ربيتنا صغارا، و مدحتنا كبارا. خذ هذه الأربعة الآلاف درهم، و الحق بأهلك. ثم دخلت إلى مولاتها، و خرجت فقالت: يا جميل تقرأ عليك السلام و تقول: و اللّه، ما زلت مشتاقة إلى رؤيتك منذ سمعت قولك:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بوادي القرى إني إذا لسعيد
لكل حديث بينهن بشاشة *** و كل قتيل بينهن شهيد
جعلت حديثنا بشاشة، و قتلانا شهداء، خذ هذه الألف (4) دينار، و الحق بأهلك.
قال: و أخبرنا ابن لال، أنا أحمد بن الحسين بن علي، نا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك، نا إسحاق بن سيار، نا الأصمعي عبد الملك بن قريب، عن أبيه، عن لبطة (5) بن الفرزدق بن غالب قال:
ص: 214
اجتمع أبي و جميل بن معمر العذري، و جرير بن الخطفي، و نصيب مولى عمر (1)، و كثيّر عزّة في موسم من المواسم، فقال بعضهم لبعض: و اللّه لقد اجتمعنا في هذا الموسم لأمر خير أو شر، و ما ينبغي لنا أن نتفرق إلاّ و قد تتابع (2) لنا في (3) الناس شيء يذكرنه فقال جرير: هل لكم في سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب نقصدها فنسلم عليها، فلعل ذلك يكون سببا لبعض ما نريد، فقالوا: امضوا بنا، فمضينا إلى منزلها، فقرعنا الباب فخرجت لنا جارية لها، بديعة ظريفة، فاقرأها كلّ رجل منهم السّلام باسمه و نسبه، فدخلت الجارية و عادت فبلّغتهم سلامها، ثم قالت: أيكم الذي يقول (4):
سرت الهموم فبتن غير نيام *** و أخو الهموم يروم كلّ مرام
درست معالمها (5) الروامس (6) بعدنا *** و سجال كلّ مجلجل (7) سجّام
و من المنازل بعد منزلها اللوى *** و العيش بعد أولئك الأقوام
طرفتك (8) صائدة القلوب و ليس ذا *** حين الزيارة فارجعي بسلام
يجري السواك على أغرّ كأنه *** برد تحدّر من متون غمام
لو كنت صادقة لما حدثتنا *** لوصلت ذاك و كان غير تمام (9)
قال جرير: أنا قلته، قالت: فما أحسنت و ما أجملت، و لا صنعت صنيع الحر الكريم لا ستر اللّه عليك، كما هتكت سترك و سترها، ما أنت بكلف و لا شريف حين رددتها بعد هدوء العين، و قد تجشمت إليك هول الليل. أ لا قلت:
طرقتك صائدة القلوب فمرحبا *** نفسي فداؤك فادخلي بسلام
خذ هذه الخمسمائة درهم، فاستعن بها في سفرك، ثم انصرفت إلى مولاتها و قد
ص: 215
أفحمتنا و كلّ واحد من الباقين يتوقع ما يخجله، ثم خرجت فقالت أيكم الذي يقول:
ألا حبّذا البيت الذي أنا هاجره *** فلا أنا ناسيه و لا أنا ذاكره
فبورك من بيت و طال نعيمه *** و لا زال مغشيّا و خلد عامره
هو البيت بيت الطول و الفضل دائما *** فأسعد ربي جد من هو خادره
به كلّ موشيّ الذراعين يرتعي *** أصول الخزامى ما ينفر (1) طائره
هما دلتاني من ثمانين قامة *** كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلمّا استوت رجلاي بالأرض قالتا *** أ حيّ يرجى أم قتيل نحاذره
فأصبحت في أهلي (2) و أصبح قصرها *** مغلّقة أبوابه و دساكره
فقال أبي يعني الفرزدق: أنا قلته، قالت: ما وفقت و لا أصبت، أ ما أيست (3) بتعريضك من عودة عندك محمودة ؟ خذ هذه الستمائة فاستعن بها، ثم انصرفت إلى مولاتها، ثم عادت فقالت: أيكم الذي يقول:
فلو لا أن يقال صبا نصيب *** لقلت: بنفسي النشأ الصغار
بنفسي كلّ مهضوم حشاها *** إذا ظلمت فليس لها انتصار
فقال نصيب: أنا قلته، فقالت: أغزلت و أحسنت و كرمت إلاّ أنك صبوت إلى الصغار و تركت الناهضات بأحمالها. خذ هذه السبع مائة درهم فاستعن بها، ثم انصرفت إلى مولاتها ثم عادت فقالت: أيكم الذي يقول:
و أعجبني يا عزّ منك خلائق *** كرام إذا عدّ الخلائق أربع
دنوّك حتى يذكر الجاهل الصبي *** و مدّك أسباب الهوى حين يطمع
و أنك لا تدري غريم مطلته *** أ يشتد إن لاقاك أم يتضرّع ؟
و أنك إن واصلت أعلمت بالذي *** لديك فلم يوجد لك الدهر مطمع
قال كثيّر: أنا قلته، قال: أغزلت و أحسنت، خذ هذه الثمان مائة درهم فاستعن بها، ثم انصرفت إلى مولاتها و خرجت فقالت: أيكم الذي يقول:
لكلّ حديث بينهن بشاشة *** و كلّ قتيل بينهن شهيد
ص: 216
يقولون: جاهد يا جميل بغزوة *** و أيّ جهاد غيرهنّ أريد
و أفضل أيامي و أفضل مشهدي *** إذا هيج لي يوما و هن قعود
فقال جميل: أنا قلته، قالت: أغزلت و كرمت و عففت، ادخل، فلما دخلت سلمت، فقالت لي سكينة: أنت الذي جعلت قتيلنا شهيدا و حديثنا بشاشة و أفضل أيامك يوم تنوب فيه عنا و تدافع، و لم تتعد ذلك إلى قبيح، خذ هذه الألف درهم، و ابسط لنا العذر، أنت أشعرهم.
قرأت بخط علي بن محمّد بن إبراهيم الحنائي، حدّثونا (1) شيوخنا عن أسلافهم: أن قبر سكينة بنت الحسين (2) بدمشق، و لكن يضعفه أهل العلم.
أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمّد قالت: أنا أبو طاهر بن محمود، أنا أبو بكر بن المقرئ، أنا محمّد بن جعفر، نا عبيد اللّه بن سعد أبو الفضل، قال: شيبة بن نصاح صلّى على سكينة بنت الحسين (3) بن علي، قدّم لفضله، و هذا كان بالمدينة.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي،[أنا أبو الفضل] (4) ابن خيرون، أنا أبو العلاء الواسطي، أنا محمّد بن أحمد البابسيري، أنا الأحوص بن المفضل الغلابي، أنا أبي قال: قال أبو عبد اللّه مصعب يعني الزبيري: شيبة بن نصاح صلّى على سكينة بنت الحسين قدّم لفضله.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا ابن يوسف، أنا الجوهري قراءة.
أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، نا أبو علي بن فهم، أنا ابن سعد (5)،أنا ابن السائب الكلبي، أخبرني خلف الزهري قال: ماتت سكينة بنت الحسين بن علي، و على المدينة خالد بن عبد اللّه (6) بن الحارث بن الحكم فقال: انتظروني حتى أصلي عليها، و خرج إلى البقيع فلم يدخل حتى الظهر، و خشوا أن تغيّر (7)،فاشتروا لها كافورا بثلاثين دينارا، فلمّا
ص: 217
دخل أمر شيبة بن نصاح (1) فصلى عليها.
في نسخة أخرى إلى العقيق، و هو الصواب.
أنبأنا أبو بكر الفرضي و غيره عن أبي محمّد الجوهري، عن أبي عمر بن حيوية، أنا سليمان بن إسحاق بن إبراهيم، أنا الحارث بن محمّد، أنا محمّد بن سعد، أنا محمّد بن عمر قال: سنة سبع عشرة و مائة، فيها ماتت سكينة بنت حسين بن علي يوم الخميس، لخمس خلون من ربيع الأول.
أخبرنا أبو غالب الماوردي، أنا أبو الحسن السيرافي، أنا أحمد بن [إسحاق، نا أحمد ابن] (2) عمران، نا موسى، نا خليفة قال (3):سنة سبع عشرة و مائة ماتت سكينة بنت الحسين ابن علي بالمدينة.
قرأت على أبي محمّد السلمي، عن أبي محمّد التميمي، أنا مكي المؤدب، أنا أبو سليمان الربعي قال: و فيها يعني سنة سبع عشرة و مائة، ماتت سكينة بنت الحسين في [شهر] (4) ربيع الأول و عائشة بنت سعد.
9362 - سكينة زوج أبي الحسين (5) زيد
ابن عبد اللّه بن محمّد البلّوطي
حكى أبو الحسن بن الحنائي عن وجوده في كتابها.
أخبرنا أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد اللّه بن الحسن بن حمزة بن الحسن العطار، أنا جدي أبو محمّد قراءة عليه، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن إبراهيم الحنائي إجازة قال:
وجدت للحفظ في كتاب سكينة زوجة الشيخ أبي الحسين البلوطي رحمها اللّه تقرأ فاتحة الكتاب، و قل هو اللّه أحد، و قل أعوذ برب الفلق، و قل أعوذ برب الناس، و آية الكرسي،
ص: 218
و تقرأ: سَنُقْرِئُكَ فَلاٰ تَنْسىٰ (1)إِنَّ عَلَيْنٰا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذٰا قَرَأْنٰاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا بَيٰانَهُ (2)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوىٰ (3)، عَلَّمَ الْإِنْسٰانَ مٰا لَمْ يَعْلَمْ (4)، اَلرَّحْمٰنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسٰانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ (5)بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (6)كَذٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤٰادَكَ وَ رَتَّلْنٰاهُ تَرْتِيلاً (7)فَفَهَّمْنٰاهٰا سُلَيْمٰانَ (8)قٰالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسٰانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هٰارُونَ أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً، إِنَّكَ كُنْتَ بِنٰا بَصِيراً، قٰالَ : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰا مُوسىٰ (9).
ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية
أم سلمة زوج هشام بن عبد الملك، ثم خلف عليها الوليد بن يزيد بن عبد الملك و هي التي حلف بطلاقها قبل دخوله بها، و استقدم فقهاء المدينة ليفتوه في أمرها، و كانت عنده أختها لأبيها، و أختها (10) أم عبد الملك سعدة بنت سعيد بن خالد.
أخبرنا أبو الحسين، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا أحمد، نا الزبير قال: في تسمية ولد سعيد بن خالد: و أم سلمة بنت سعيد كانت عند الوليد بن يزيد، و أمهن: أم عمر (11) بنت مروان بن الحكم، و أمّها زينب بنت عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم، و أمها مليكة بنت عبد
ص: 219
المنذر بن زنبر (1) من بني عمرو بن عوف من الأنصار.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي (2)،أنا أبو عبد الرّحمن السلمي، و أبو نصر بن قتادة، قالا: نا يحيى بن منصور القاضي، نا محمّد بن إبراهيم.
قال: و أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، نا يحيى بن منصور القاضي، و يحيى بن محمّد العنبري، و أبو النّضر الفقيه، و الحسن بن يعقوب العدل، و محمّد بن جعفر المزكي، قالوا: نا أبو عبد اللّه (3) محمّد بن إبراهيم بن سعيد العبدي، نا أبو بكر عبد اللّه بن يزيد الدمشقي، نا صدقة بن عبد اللّه الدمشقي قال:
جئت محمّد بن المنكدر، و أنا مغضب، فقلت: أ اللّه، أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة ؟ قال: أنا! و لكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؛ حدّثني جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«لا طلاق لما (4) لا يملك، و لا عتق لما لا يملك»[13753].
و روي أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى سعيد (5) بن خالد ينهاه عن تزويج الوليد بن يزيد، و يقول له: أ تريد أن تتخذ الوليد فحلا؟ فلم يزوجه إياها، فلما امتنع من تزويجه أنف و حلف بطلاقها إن تزوجها، و قيل إنّه لم يزوجها لسبب آخر، و هو أنّه دخل دار أبيها يوم مات، و هي بدمشق، و كانت تحته أختها أم عبد الملك بنت سعيد فخرجت في ثياب بياض مسفرة، فقالت له و هي لا تعرفه: ويلك مات أبي، فوقعت في نفسه، فطلق أختها، و خطبها، فلم يزوّجوه إياها. فاللّه أعلم بالصحيح من القولين و للوليد فيها أشعار كثيرة.
قرأت بخط أبي الحسين الميداني في سماعه من أبي سليمان بن زبر، عن أبيه، عن من ذكره من شيوخه قال:
قال الوليد لسلمى يعني بعد أن دخل بها: خطبتك إلى أبيك و أنا ولي عهد، فلم يزوّجني و أطاع هشاما، أ كان أبوك يطمع في الخلافة ؟ و قال الوليد:
و إنك و الخلافة يا سعيد *** لكالحادي و ليس له بعير (6)
ص: 220
فماتت (1) سلمى بعد ما دخل بها الوليد بأربعين يوما فبكاها الوليد فقال (2):
أ لمّا تعلما سلمى أقامت *** مضمنة من الصحراء لحدا
لعمرك بالسفاء لقد أجنّوا *** ثنا (3) حسنا و مكرمة و مجدا
و وجها كان يعظم أن تراه (4) *** شعاع الشمس يكثر أن يفدّى
فلم أر ميتا أبكى لعين *** و أكثر جازعا و أجلّ فقدا
و أجدر أن ترى ملكا لديه (5) *** يريك (6) جلادة و يسرّ وجدا
أخبرنا أبو بكر الفرضي، أنا أبو محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيوية، أنا سليمان ابن إسحاق، نا الحارث بن أبي أسامة، نا محمّد بن سعد قال: فولد سعيد بن خالد: عبد اللّه، و خالدا لأم ولد، و محمّدا لأم ولد، و عبد الملك، و الوليد لأم ولد، و أم عبد الملك تزوجها الوليد بن يزيد بن عبد الملك فولدت له سعيدا، و أم سلمة بنت سعيد بن خالد تزوجها هشام بن عبد الملك فولدت له، و أمّهم أم عمر (7) بنت مروان بن الحكم.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد اللّه، نا يعقوب قال: و كان الوليد بن يزيد قال: يوم أتزوج (8) سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان فهي طالق.
حدّثني سلمة، نا عبد الرزّاق، عن معمر قال: كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح، و كان قد ابتلي بذلك، فكتب إلى عامله باليمن، فدعا ابن طاوس و إسماعيل بن شروس (9) و سماك بن الفضل، فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه، و إسماعيل بن شروس عن عطاء بن أبي رباح، و سماك عن وهب بن منبه أنّهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح،
ص: 221
ثم قال سماك من عنده: إنّما النكاح عقدة تعقد، و الطلاق يحلّها فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد، فأعجب الوليد من قوله، و أخذ به، و كتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، أنا أبو بكر الخطيب، أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان ابن أحمد، نا أحمد بن يحيى ثعلب، نا الزبير بن بكار قال:
كانت سلمى ابنة سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان تحت الوليد بن يزيد بن عبد الملك فطلّقها، ثم تزوج أختها، فتتبعتها نفسه فقال فيها أشعار كثيرة من ذلك (1):
خبروني أن سلمى *** خرجت يوم المصلى
فإذا طير مليح *** فوق غصن يتفلّى
قلت: من يعرف سلمى ؟ *** قال: ها، ثم تعلّى
قلت: هل أبصرت سلمى ؟ *** قال: لا، ثم تولّى
فنكا في القلب كلما *** باطنا ثم تعلّى (2)
قال الزبير: و قال الوليد (3):
ألا ليت الإله يجيء بسلمى *** كذاك اللّه (4) يفعل ما يشاء
فيخرجها فيطرحها بأرض *** فيرقدها و قد سقط الرداء
و يأتي بي فيطرحني عليها *** فيوقظها (5) و قد قضي الشتاء
و يرسل ديمة سحا علينا *** فتغسلنا و لا يبقى غثاء (6)
قال الزبير: و قال الوليد بن يزيد (7):
ص: 222
ويح سلمى لو تراني *** لعناها ما عناني
متلفا في اللهو ما لي *** عاشقا حور الغواني (1)
و لقد كنت زمانا *** خالي الروع لثاني
قال الزبير: و قال الوليد بن يزيد (2):
شاع شعري بسليمى (3) و ظهر *** و رواه كل بدو و حضر
و تهادته العذارى (4) بينها *** و تعنين به حتى انتشر
قلت قولا لسليمى معجبا *** مثلما قال جميل و عمر
لو رأينا لسليمى أثرا *** لسجدنا ألف ألف للأثر
و اتخذناها إماما مرتضى *** و لكانت حجنا و المعتمر
إنما بنت سعيد قمر *** هل حرجنا إن سجدنا للقمر؟
و قال عبد اللّه بن سعيد القطربلي: و قال الوليد (5):
أنا في يمنى يديها *** و هي في يسرى يديه
إن هذا لقضاء *** غير عدل يا أخيه
ليت من لام محبّا *** في الهوى لاقى البليه
فاستراح الناس منه *** ميتة غير سويه
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد، أنا أبو منصور، أنا أبو العباس النهاوندي، أنا أبو القاسم بن الأشقر، نا البخاري، حدّثني الأويسي، نا سليمان، عن يحيى بن سعيد قال:
كتب الوليد بن يزيد حين استخلف إلى محمّد بن هشام أو إلى يوسف بن محمّد: أن ادع الفقهاء فسلهم، قال يحيى: فأرسل إلى جميع فقهاء المدينة منهم عبد الرّحمن بن القاسم و ربيعة بن أبي عبد الرّحمن و عبد اللّه بن يزيد بن هرمز، و أبو بكر [بن] (6) محمّد بن عمرو بن حزم، و أبو الزناد، و محمّد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، و مصعب بن محمّد بن شرحبيل
ص: 223
العبدري (1)،و محمّد بن المنكدر، و عبيد اللّه بن عمر بن حفص، و عمر بن حسين، و سعد ابن إبراهيم، و عباس بن عبد اللّه بن معبد، و زيد بن أسلم، و عثمان بن عروة، و عبد الرّحمن ابن حرملة الأسلمي.
و يقال: استخلف الوليد سنة خمس و عشرين.
9363 - سودة بنت عمارة بن الأسك (2) الهمدانية (3) اليمانية (4)
امرأة شاعرة، و فدت على معاوية و جرت له معها محاورة.
أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن نصر بن محمّد بن خميس في كتابه، أنا القاضي أبو نصر محمّد بن علي بن ودعان، أنا عمي أبو الفتح أحمد بن عبيد اللّه بن أحمد بن ودعان، أنا أبو القاسم هارون بن أحمد بن محمّد بن روح البصري، نا أبو علي الحسين بن إبراهيم بن عبد اللّه بن منصور الصائغ، نا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى، نا محمّد ابن زكريا (5) الغلابي و أنا أبو بكر أحمد بن عبد اللّه بن جلين الدوري، أنا أبو جعفر محمّد بن حمزة بن أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي، نا العباس بن بكار الضبي.
و حدّثني أبو بكر محمّد بن علي بن رزق اللّه بن عبد الواحد الخلال، نا أبو العباس أحمد بن موسى الجوهري، نا العباس بن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الحنفي، نا العباس بن بكار.
ثم اتفقوا، قالا: نا محمّد بن عبيد اللّه الخزاعي، عن الشعبي قال:
استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان فأذن لها فسلمت فردّ عليها السّلام ثم قال: هيه يا بنت الأسك أ لست القائلة لأخيك يوم صفّين:
شمر كفعل أبيك (6) يا بن عماره *** يوم الطعان و ملتقى الأقران
و انصر عليا و الحسين و رهطه (7) *** و اقصد لهند و ابنها بهوان
ص: 224
إن الإمام أخا (1) النبي محمّد *** علم الهدى، و منارة الإيمان
فقه الحمام، و سر أمام لوائه *** قدما بأبيض صارم و سنان
قالت: يا أمير المؤمنين ما مثلي رغب عن الحق، و لا اعتذر إليك بالكذب.
قال: فما حملك على ذلك ؟ قالت: حب علي و اتباع الحق، قال: و اللّه ما أرى عليك من علي أثرا، قالت: أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين، و إعادة ما مضى، و تذكار ما نسي قال:
هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى، و لا لقيت من أحد (2) ما لقيت من قومك، قالت: صدق قولك، لم يكن و اللّه أخي ذميم المقام، و لا خفي المكان، كان و اللّه كقول الخنساء (3):
و إن صخرا ليأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار
و باللّه أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه، قال: قد فعلت فما حاجتك ؟ قالت: يا أمير المؤمنين إنك أصبحت للناس سيدا و لأمورهم متقلدا، و اللّه سائلك عن أمرنا و عما افترض عليك من حقنا، و لا يزال يقدم علينا من ينوء بعزك، و يبطش بسلطانك، فيحصدنا حصاد السنبل، و يدوسنا (4) دياس البقر، يسومنا الخسيسة، و يسألنا الجليل، هذا ابن أبي أرطأة قدم بلادي فقتل رجالي و أخذ مالي. يقول: فوهى بما استعصم اللّه منه، و الجأ إليه فيه، و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة، فإما عزلته فعرفناك، و يروى فشكرناك (5)،فقال معاوية: أ تهدديني (6) بقومك ؟ لقد هممت أن أردك إليه على قتب أشرس - و هو المائل المعرج - و أحملك إليه فينفذ فيك حكمه، فأطرقت ثم بكت و رفعت رأسا تقول:
صلى الإله على روح تضمنها *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا (7) *** فصار بالحق و الإيمان مقرونا
قال: من ذلك ؟ قالت: علي بن أبي طالب، قال: و ما علمك بذلك ؟ قالت: أتيته في رجل ولاه على صدقاتنا، لم يكن بيننا و بينه إلاّ كما بين الغثّ إلى السمين، فوجدته قائما
ص: 225
يصلي، فلمّا نظر إليّ انفتل من مصلاه، ثم قال لي برقّة و تعطف: أ لك حاجة ؟ فأخبرته الخبر، فبكا ثم قال: اللّهم أنت الشاهد عليّ و عليهم، أي لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقك (1)ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب، فكتب فيها:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بيّنة من ربكم، فأوفوا الكيل وَ الْمِيزٰانَ بِالْقِسْطِ وَ لاٰ تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ ، وَ لاٰ تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللّٰهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ مٰا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (2) إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يأتي من يقبضه منك، و السلام.
فأخذته منه و اللّه ما ختمه بطين و لا خزمه بخزام، فعزلته به فقال معاوية: اكتبوا لها بإنصافها و العدل عليها، فقالت: أ لي خاص أم لقومي عام (3)؟قال: ما أنت و غيرك ؟ قالت:
هي إذا و اللّه الفحشاء و اللؤم، فإن كان عدلا شاملا، و إلاّ أنا كسائر قومي، فقال معاوية:
هيهات هيهات.[لقد] لمظكم (4) ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئا ما تفطمون بغيره، اكتبوا لها بحاجتها.
أنبأنا أبو بكر الحاسب، عن أبي محمّد الحسن بن علي، عن محمّد بن العباس، أنا أبو أيوب الجلاب، نا الحارث بن أبي أسامة، نا محمّد بن سعد، أنا الواقدي، حدّثني أفلح هو ابن حميد، قال: سمعت القاسم يقول: لما حجّ سليمان [بن عبد الملك] (5) فكان بمنى بعد عرفة، أرسل إليّ و إلى سالم و عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عمر، و خارجة بن زيد، و أبي بكر ابن حزم، فسألنا عن الطيب، فأمره خارجة و أبو بكر بالطيب، فقال له سالم و عبد اللّه [إن عبد اللّه] (6) بن عمر كان رجلا جادا مجدا، فكان لا يقرب النساء حتى يطوف بالبيت، قال القاسم: ثم سألني فقلت: حدثتني عائشة أنّها طيّبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لإحرامه و لحلّه قبل أن
ص: 226
يفيض، قال القاسم: فكنت أرى أنّه لا يريد بعد هذا شيئا، فقال: ادعوا لي سلافة،[فجاءت سلافة] (1) فسألها ما كان أمير المؤمنين يصنع في هذا اليوم في هذا الموضع ؟ فقالت (2):
طيبت أمير المؤمنين هاهنا بيدي قبل أن يزور، فكان يقول سليمان فما يطلب بعد خبر سلافة ؟ قال القاسم: فعجبت أني أخبره عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يسأل سلافة.
قال: روى الزبيري (3) هذه القصة و سمى المرجلة حسينة (4)،و روى عن معمر عن الزهري فسماها فيه حسنة (5).
لها ذكر.
قرأت في كتاب الفرج علي بن الحسين، أخبرني محمّد بن عمران الصيرفي، أنا الحسن ابن عليك (6) العنزي (7)،حدّثني محمّد بن معاوية قال:
سمع عبد الملك بن مروان ليلة غناء في أقصى قصره، و قد مضى شطر الليل، فاتبع الصوت و طلبه حتى أفضى إليه، فإذا هو عند ابنه يزيد، فسمع، فإذا هي جارية لأثيلة بنت المغيرة، يقال لها: سلافة تغنيه من شعر الأقيشر الأسدي يمدح زكريا بن طلحة (8):
و قضى (9) اللّه بالسلام و حيّا *** زكريا بن طلحة الفيّاض
معدن الضيف إن أناخوا إليه *** بعد أين الطلائح (10) الأنقاض
ساهمات العيون خوصا رذايا *** قد براها الكلال بعد إباض
زاده خالد ابن عم أبيه *** منصبا في الغلا ذا انتهاض
ص: 227
فرع تيم من تيم مرة حقّا *** قد قضى ذاك لابن طلحة قاض
فدخل عبد الملك عليهم فلما رأوه، وثبوا فقال: على رسلكم، ثم قال للجارية:
أعيدي غناءك، فأعادته، فقال: ويحك من زكريا هذا؟ فأخبرته قال: و من قائله ؟ قالت:
الأقيشر، قال: هذا و اللّه المدح على غير طمع و لا خوف، أشعر الناس الأقيشر. ثم أمر بأن يكتب إلى صاحب العراق له بصلة، و إلى صاحب الحجاز لزكريا بصلة تعينه على مروءته (1).
قال أبو الفرج: سلافة جارية أثيلة بنت المغيرة بن عبد اللّه بن معمر، حجازية صفراء مولده، نشأت بالحجاز و أخذت عن ابن سريج، و ابن محرز.
جارية شاعرة، كانت ليزيد بن معاوية، و كان نسب (2) بها الأحوص، و هي من مولّدات المدينة، و يقال إن اسم صاحبة هذه القصة حسن.
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الأصبهاني قال (3):نسخت (4) من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي، نا الزبير بن بكار، حدّثني أبو محمّد الجزري قال:
كانت بالمدينة جارية مغنية يقال لها سلاّمة من أحسن النساء وجها، و أتمهن عقلا، و أحسنهن عقلا (5)،قد قرأت القرآن و روت الشعر و قالته، و كان عبد الرّحمن [بن حسان] (6)و الأحوص يجلسان إليها فيرويانها الشعر و يناشدانها إياه. فعلقت الأحوص و صدّت عن عبد الرّحمن [فقال لها عبد الرّحمن] (7) يعرّض لها بما ظنه من ذلك:
أرى الإقبال منك على جليسي (8) *** و ما لي في حديثكما (9) نصيب
ص: 228
فأجابته:
لأن اللّه علقه فؤادي *** فحاز الحب دونكم الحبيب
فقال الأحوص:
خليلي لا تلمها في هواها *** ألذ العيش ما تهوى القلوب
قال: فأضرب عنها ابن حسان و خرج ممتدحا ليزيد بن معاوية، فأكرمه و أعطاه، فلمّا أراد الانصراف قال له: يا أمير المؤمنين عندي نصيحة قال: و ما هي ؟ قال: جارية خلّفتها بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس و أكملهم و لا تصلح إلاّ أن تكون لأمير المؤمنين و في سمّاره، فأرسل إليها يزيد، فاشتريت له و حملت إليه فوقعت منه موقعا عظيما و فضّلها على جميع من عنده، و قدم عبد الرّحمن المدينة فمرّ بالأحوص و هو قاعد على باب داره و هو مهموم، فأراد أن يزيده على ما به فقال:
يا مبتلى بالحب مفدوحا *** لاقى من الحب تباريحا
أفحمه (1) الحب فما ينثني *** إلاّ بكأس الحب (2) مصبوحا
و صار ما يعجبه مغلقا *** عنه و ما يكره مفتوحا
قد حازها من أصبحت عنده *** ينال منها الشم و الريحا
خليفة اللّه، فسل الهوى *** و عز قلبا منك مجروحا
فأمسك الأحوص عن جوابه، ثم إن شابين من بني أمية أرادا (3) الوفادة إلى يزيد فأتاهما الأحوص فسألهما أن يحملا له كتابا، ففعلا، و كتب إليهما معهما:
سلام ذكرك ملصق بلساني *** و على هواك تعودني أحزاني
ما لي رأيتك في المنام مطيعة *** و إذا انتبهت لججت في العصيان
أبدا محبك ممسك بفؤاده *** يخشى اللجاجة منك في الهجران
إن كنت عاتبة فإني معتب *** بعد الإساءة فاقبلي إحساني
لا تقتلي رجلا يراك (4) لما به *** مثل الشراب لغلة الظمآن
ص: 229
و لقد أقول لقاطنين من أهلها (1) *** كانا على خلقي من الاخوان
يا صاحبي على فؤادي جمرة *** و برى الهوى جسمي كما تريان
أمرقّيان إلى سلامة أنتما *** ما قد لقيت بها و تحتسبان
لا أستطيع الصبر عنها إنها *** من مهجتي نزلت أجل مكان (2)
قال: ثم غلبه الجزع فخرج إلى يزيد ممتدحا له فلما قدم عليه قرّبه و أكرمه، و بلغ لديه كل مبلغ، فدست إليه سلافة خادما، و أعطته مالا على أن يدخله إليها، فأخبر الخادم يزيد بذلك، فقال: امض لرسالتها، ففعل ما أمره و أدخل الأحوص، و جلس يزيد بحيث يراهما، فلما أبصرت الجارية بالأحوص بكت إليه و بكى إليها، و أمرت فألقي له كرسي فقعد عليه، و جعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق؛ فلم يزالا يتحدثان إلى السحر، و يزيد يسمع كلامهما من غير أن يكون بينهما ريبة، حتى هم بالخروج قال:
أمسى فؤادي في همّ و بلبال *** من حب من لم أزل منه على بال
فقالت:
صحا المحبون بعد النأي إذ يئسوا *** و قد يئست و ما أصحو على حال
فقال:
من كان يسلو بيأس عن أخي ثقة *** فعنك سلام (3) ما أمسيت بالسالي
فقالت:
و اللّه و اللّه لا أنساك يا شجني (4) *** حتى تفارق مني الروح أوصالي
فقال:
و اللّه ما خاب من أمسى و أنت له *** يا قرة العين في أهل و لا (5) مال
ثم ودّعها و خرج، فأخذه يزيد و دعا بها فقال: أخبراني عما كان في ليلتكما و أصدقاني، فأخبراه و أنشداه ما قالا، فلم يخرما حرفا و لا غيّرا شيئا مما سمعه. فقال له يزيد أ تحبها يا أحوص ؟ قال: أي و اللّه يا أمير المؤمنين:
ص: 230
حبا شديدا، تليدا غير مطرف *** بين الجوانح مثل النار تضطرم
فقال لها: أ تحبيه ؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين:
حبّا شديدا جرى كالروح في جسدي *** فهل يفرّق بين الروح و الجسد
فقال لهما يزيد: إنكما لتصفان حبا شديدا، خذها يا أحوص، فهي لك، و وصله صلة سنية، فانصرف بها و بالجائزة إلى الحجاز، و هو من أقرّ الناس عينا.
حكت مناما رأته، و كانت تسكن مع سيدها محمّد بن علي بالحميمة (1) من أرض البلقاء.
حكى عنها طيفور.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، و أبو الحسن علي بن أحمد، قالا: نا - و أبو منصور ابن خيرون، أنا - أبو بكر الخطيب (2)،حدّثني الحسن بن محمّد الخلال، نا عمر بن محمّد بن الزيات إملاء، نا عبد اللّه بن محمّد بن [عبد] (3) العزيز.
ح قال: و أنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد الواحد البزار، و اللفظ له، أنا محمّد بن المظفر الحافظ ، نا محمّد بن إبراهيم، نا الحارث بن محمّد، قالا: نا منصور بن أبي مزاحم، حدّثني أبو سهل الحاسب، حدّثني طيفور مولى أمير المؤمنين قال: حدّثتني سلاّمة أم أمير المؤمنين قالت: لما حملت بأبي جعفر، رأيت كأنّه خرج من فرجي أسد فزأر ثم أقعى فاجتمعت حوله الأسد، فكلّ ما انتهى إليه منها (4) أسد (5) سجد له.
و كانت قبل يزيد لسهيل بن عبد الرّحمن بن عوف، و كانت من مولدات المدينة، بها نشأت، و أخذت الغناء عن معبد، و ابن عائشة، و مالك بن أبي السمح، و ابن سريج (1)، و جميلة، و عزّة الميلاء، و كانت أحسن القيان غناء في زمانها.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي الفتح بن المحاملي، أنا أبو الحسن الدارقطني قال: و أما سلاّمة فهي مولاة يزيد بن عبد الملك بن مروان تعرف بسلاّمة القسّ كانت مغنية؛ لها خبر مشهور، و القسّ هو عبد الرّحمن بن [عبد اللّه بن] (2) أبي عمار، يروي عن جابر بن عبد اللّه و غيره.
قرأت على أبي محمّد السلمي، عن أبي نصر بن ماكولا قال (3):أما سلاّمة بتشديد اللاّم فهي سلاّمة مغنية مشهورة تعرف بسلامة القسّ و هو عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن أبي عمار، يروي عن جابر و غيره، و اشتراها يزيد بن عبد الملك، و لها أخبار.
قرأت في كتاب عتيق أظنه من جمع الصولي: أنّ سلامة كانت جارية لسهيل بن عبد الرّحمن بن عوف التي تعرف بسلامة القسّ ، فاشتراها يزيد بثلاثة آلاف دينار، فأعجب بها، و فيها قال ابن قيس الرقيات (4):
لقد فتنت (5) ريا و سلاّمة القسّا *** فلم يتركا للقسّ (6) عقلا و لا نفسا
أنبأنا أبو علي بن نبهان، ثم أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن.
ح (7) و حدّثنا أبو الفضل بن ناصر، أنا أبو طاهر، و أبو الحسن محمّد بن أحمد بن إبراهيم، و أبو علي بن نبهان.
قالوا: أنا أبو علي بن شاذان، أنا محمّد بن الحسن بن مقسم، نا أحمد بن يحيى
ص: 232
ثعلب، نا ابن شبة، نا خلاّد بن يزيد الأرقط الباهلي قال (1):
سمعت أهل مكة يقولون: كان القسّ بمكة يقدّم على عطاء في النّسك، فمرّ يوما بسلاّمة و هي تغني، فأصغى إلى غنائها، و فعل ذلك غير مرة، حتى رآه مولاها فقال له: أ لا أدخلك عليها، فتقعد مقعدا لا تراك فيه منه ؟ و تسمع ؟ فأبى عليه، فلم يزل به المولى حتى أجاب، و قعد، فوقعت في نفسه، و وقع في نفسها، فخلت به ذات يوم، فقالت: و اللّه إني لأحبك، قال: و أنا (2) و اللّه أحبك، قالت: و أشتهي أن أضع فمي على فمك، قال: و أنا و اللّه أشتهي ذلك، قالت: و صدري على صدرك، و بطني على بطنك، قال: و أنا و اللّه أحب ذاك، قالت: فما يمنعك، فو اللّه ما معنا أحد، قال: ويحك إنّي سمعت اللّه يقول: اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (3)فأكره أن تكون (4)خلّة بيني و بينك في الدنيا عداوة (5)يوم القيامة، قال: و قال فيها (6):
أهابك أن أقول بذات نفسي *** و لو أنّي أطيع القلب قالا
حياء منك حتى سلّ جسمي *** و شقّ عليّ كتماني و طالا
[و قال] (7):
قد كنت أعذل في الصبابة أهلها *** فأعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أعذرهم و أعلم إنما *** سبل الضلالة و الهدى أقسام
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد في كتابه، و أخبرني أبو المعمر المبارك بن أحمد عنه.
و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن أبي جعفر، و أبو الحسن بن العلاّف.
قالا: أنا أبو القاسم عبد الملك بن محمّد، أنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم، نا أبو بكر
ص: 233
الخرائطي، نا أبو يوسف الزهري، نا الزبير بن بكار قال:
كان عبد الرّحمن بن أبي عمار من بني جشم (1)بن معاوية ينزل مكة، و كان من عبّاد أهلها، يسمى القسّ من عبادته، فمرّ ذات يوم بسلاّمة و هي تغني، فوقف يسمع غناءها، فرآه مولاها، فدعا إلى أن يدخله عليها، فأبى عليه، فقال له: فاقعد في مكان تسمع غناءها و لا تراها (2)،ففعل، فغنت فأعجبته فقال له مولاها: هل لك أن أحوّلها إليك، فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك، فنظر (3)إليها فأعجبته، فشغف بها، و شغفت به و كان ظريفا فقال فيها:
أم سلاّم لو وجدت من الوج *** د عشير الذي بكم أنا لاقي
أم سلام أنت همي و شغلي *** و العزيز المهيمن الخلاق
أم سلام ما ذكرتك إلاّ *** شرقت بالدموع مني المآقي
قال: و علم بذلك منه أهل مكة فسموها سلاّمة القسّ ، فقالت له يوما: أنا و اللّه أحبك، فقال: و أنا و اللّه أحبك، فقالت: أنا و اللّه أحبّ أن أضع فمي على فمك، قال: و أنا و اللّه أحب ذلك، قالت: فما يمنعك، فو اللّه إنّ الموضع لخال ؟ فقال لها: ويحك إنّي سمعت اللّه جل و عزّ يقول اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ أنا و اللّه أكره أن تكون (4) خلة ما بيني و بينك في الدنيا عداوة يوم القيامة، ثم نهض و عيناه تذرفان من حبّها، و عاد إلى الطريقة التي كانت عليها من النسك و العبادة، فكان يقف بين الأيام ببابها فيرسل بالسّلام إليها، فيقال له: ادخل، فيأبى، و مما قال فيها:
إن سلامة التي *** افقدتني تجلدي
لو تراها و العود في *** حجرها حين تبتدي
للريجي و الغريض *** و للقرم معبد
خلتهم تحت عودها *** حين تدعوه بالسيد
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنا أبو نصر عبد الرّحمن بن علي بن محمّد بن
ص: 234
موسى، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو علي بن صفوان، نا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثني أبو زيد النميري، حدّثني خلاد بن يزيد، قال: سمعت شيوخنا من أهل مكة منهم سليم يذكرون:
أن القسّ كان عند أهل مكة من أحسنهم عبادة، و أطهرهم تبتلا، و أنه مرّ يوما بسلاّمة، جارية كانت لرجل من قريش و هي التي اشتراها يزيد بن عبد الملك، فسمع غناءها فتوقف يستمع، فرآه مولاها، فدنا منه فقال: هل لك أن تدخل فتسمع، فأبى (1) عليه، فلم يزل [به حتى تسمح، و قال: أقعدني في لا أراها و لا تراني. قال: أفعل. فدخل، فتغنت، فأعجبته، فقال مولاها: هل لك أن أحولها إليك ؟ فأبى، ثم تسمح، فلم يزل] (2) يسمع غناءها حتى شغف بها، و شغفت به، و علم ذلك أهل مكة، فقالت له يوما: أنا و اللّه أحبك، قال: و أنا و اللّه أحبك. قالت: و أحب أن أضع فمي على فمك، قال: و أنا و اللّه، قالت: و أحب أن ألصق صدري بصدرك، و بطني ببطنك، قال: و أنا و اللّه، قالت: فما يمنعك فو اللّه إنّ الموضع لخال، قال: إنّي سمعت اللّه يقول اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ و أنا أكره أن تكون (3) خلة ما بيني و بينك تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة، قالت: يا هذا تحسب أنّ ربي و ربك لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه ؟ قال: بلى، و لكن لا آمن أن أفاجأ، ثم نهض و عيناه تذرفان، فلم يرجع و عاد إلى ما كان إليه من النسك.
أنبأنا أبو القاسم غانم بن محمّد بن عبيد اللّه، عن أبي علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، حدّثني أبي أحمد بن إبراهيم بن شاذان، نا أبو عبد اللّه أحمد بن سليمان ابن داود بن محمّد الطوسي، نا الزبير بن بكار، حدّثني هارون بن موسى، نا عبد اللّه بن عمرو الفهري، عن عمّه الحارث بن محمّد، عن عيسى بن عبد الأعلى، قال (4):
كانت بالمدينة جارية لآل أبي رمّانة (5)،أو لآل تفاحة، يقال لها سلاّمة، قال: فكتب فيها يزيد بن عبد الملك لتشترى له، فاشتريت بعشرين ألف دينار، فقال أهلها: ليس تخرج حتى تصلح من شأنها، فقالت الرسل: لا حاجة لكم بذلك معنا ما يصلحها، قال: فخرج بها
ص: 235
حتى أتى بها سقاية سليمان. قال: فأنزلها رسله، فقالت: لا و اللّه لا أخرج حتى يأتيني قوم كانوا يدخلون عليّ فأسلم عليهم، قال: فامتلأت (1) رحبة ذلك الموضع قال: ثم خرجت فوقفت بين البابين و هي تقول (2):
فارقوني و قد علمت يقينا *** ما لمن ذاق ميتة من إياب
إن أهل الحصاب (3) قد تركوني *** موزعا مولعا بأهل الحصاب
سكنوا الجزع و هو جزع أبي موسى *** إلى النّخل من صفي السّباب (4)
أهل بيت تتابعوا (5) للمنايا *** ما على الدهر بعدهم من عتاب
قال: فما زالت على ذلك تبكي و يبكون حتى راحت، ثم أرسلت إليهم ثلاثة آلاف درهم.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النقور، و أبو القاسم بن البسري، و أبو محمّد بن أبي عثمان، قالوا، أنا أحمد بن محمّد بن موسى بن القاسم بن الصلت المجبّر، نا أبو بكر محمّد بن القاسم بن بشار، إملاء، أنشدني محمّد بن المرزبان لابن أبي عمار المكي (6):
من لقلب يجول بين التراقي *** مستهام (7) يتوق كل متاق
حذرا أن تبين دار سليمى *** أو يصيح الصّدى (8) لها بفراق
ص: 236
أم سلاّم ما ذكرتك إلاّ *** شرقت بالدموع مني المآق
كيف ينسى المحب ذكر حبيب *** طيب الخيم طاهر الأخلاق
حسن الصوت بالغناء على المز *** هر يسلي الغريب ذا الأشواق
و حديث يشفي السقيم من السق *** م دواء السقيم كالترياق
حبذا أنت من جليس إلينا *** أم سلام لو يدوم التلاقي
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، نا أبو بكر الخطيب، أنا أبو علي بن شاذان، أنا أبو علي عيسى بن محمّد بن أحمد الطوماري، نا أبو العباس أحمد بن يحيى، نا الزبير، أخبرني محمّد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه. و أخبره سعيد بن عمرو الزبيدي قال:
بينما الناس ينتظرون أن يخرج يزيد بن عبد الملك حيث مات إذ خرج بسريره بين يدي عودية سلاّمة تقول (1):
لا تلمنا إن جزعنا *** أو هممنا بجزوع (2)
كلما أبصرت ربعا *** خاليا فاضت دموعي
خاليا من سيد كا *** ن لنا غير مضيع
قال الزبير: وجدتها بخط الضحاك بن عثمان، و قد زاد فيها (3):
و هو كالليث إذا ما *** خام (4) أصحاب الدروع
يعني: جبن.
قرأت في كتاب عتيق أظنه من جمع الصولي قال: و مما رثت به سلاّمة يزيد بن عبد الملك:
لا تلمنا إن خشعنا *** أو هممنا بخشوع
قد لعمري بت ليلي *** كأخ الداء الوجيع
ثم بات (5) الهم مني *** دون من لي بضجيع
ص: 237
للذي حل بنا اليو *** م من الأمر الفظيع
كلما أبصرت ربعا *** خاليا فاضت دموعي
و مما قالت فيه أيضا:
بين التراقي و اللهاة حرارة *** ما تطمئن و ما تسوغ فتبرد
و بلغني أن سلاّمة كانت حية إلى بعد قتل الوليد ابن سيدها يزيد بن عبد الملك، فقالت ترثي الوليد بن يزيد بن عبد الملك:
أيا سيّد الفتيان ما لك ناصر *** فقد نيل منك اليوم ما لا يقادر (1)
لقد ركب القسري (2) منا عظيمة *** فما في قريش، لا أبا لك ثائر
فقل لبني مروان: عيشوا بذلة *** فقد جدّعت آنافكم و المناخر
امرأة شاعرة قالت تجيب امرأة من عنس قتل لها ابن بداريا، فيما قرأت بخط أبي الحسين الرازي مما أفاده بعض أهل دمشق عن أبيه عن جده و أهل بيته من المؤمنين:
أ علينا تحرضين وفينا *** خير خلق و سادة الفتيان
أول الناس قلد (3) اللّه سيفا *** قيس عيلان (4) فارس الفرسان
و له حيكت الدروع و صيغت *** قبل داود فاعلمي بزمان
و على قدر رأسه صنع البيض *** و حيكت جواشن الأبدان
فلو أن الحديد (5) ينطق يوما *** قال: إني خلقت من عيلان
و بكى عولة إذا لبسته *** أنكس الناس من بني قحطان
أعلى عامر تنادين قوما *** قد رماهم بذلّة و هوان
لو به يسمعون بالوا من الخو *** ف و طاروا من آبد البلدان
ص: 238
أم الحسين الطرسوسية الماجدية
حكت عن أبي بكر الدّقّي الصوفي.
حكى عنها تمام بن محمّد، و علي الحنّائي، و الحسن بن إبراهيم الأهوازي.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنا أبو علي الأهوازي قراءة عليه قال: أخبرتنا أم الحسين سيدة بنت عبد اللّه الطرسوسية قالت: نا أبو بكر محمّد بن داود الدّينوري قال:
سمعت مباركا القاضي يقول (1):سمعت أبا بكر الخراز يقول: أكبر ذنبي إليه معرفتي به.
قال: و حدّثتني أم الحسين قالت: سمعت أبا بكر الدّقّي (2) يقول: سمعت الزقاق (3)يقول لي (4):سبعون سنة أربّ هذا الفقر، من لم يصحبه فيه التقية أكل الحرام النص (5).
أخبرنا أبو محمّد هبة اللّه بن أحمد بن محمّد الأكفاني، قراءة، نا أبو بكر محمّد بن علي بن محمّد بن موسى الحداد، إجازة، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن إبراهيم الحنائي، نا عبدان بن عمر المنبجي. و صدقة بن المظفر الأنصاري، و سيدة بنت عبد اللّه بن مرحوم الماجدية الطرسوسية قالوا: نا أبو بكر محمّد بن داود الدينوري المعروف بالدقي قال:
و سمعت ابن حسان يقول: قال سهل: لا يبلغ الإنسان إلى السماء حتى يدفن نفسه في الأرض، فإذا دفنها في الأرض الاولى، بلغ سماء الدنيا و كذا الأرضين السبع، فإذا بلغ الثرى بلغ العرش، و قال أبو بكر الدقي: سمعت الزّقاق (6) يقول: سمعت من الجنيد (7) كلمة في الفناء هيمتني أربعين سنة و بقاياها في رأسي.
قال أبو بكر الدقي: و حكى لنا الزقاق (8) أنه قيل لذي النون: لمن أصحب ؟ قال: لمن
ص: 239
يسقط بينك و بينه مئونة التحفظ ، ثم سألته ثانية لمن أصحب من الناس ؟ قال: لمن إذا أذنبت أنت تاب هو، و إذا مرضت (1) عادك؛ و سئل مرة أخرى: لمن أصحب من الناس ؟ قال: لمن يعلم منك ما يعلمه اللّه منك، فتأمنه على ذلك.
حكت عن أستاذ زوجها أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم بن مهدي البلوطي (2).
حكى عنها علي الحنائي.
قرأت بخط أبي الحسن الحنائي، سمعت سيدة (3) ابنة عبد اللّه امرأة أبي الحسين البلوطي تقول: سمعت أبا إسحاق البلوطي يحرص على قراءة سورة القدر.
قدمت دمشق، و حدّثت عن أبي عبد اللّه بن مندة.
روى عنها عبد العزيز بن أحمد.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا عبد العزيز الكتاني، أخبرتنا أمة العزيز شارزما ابنة جعفر الديلمية قدمت علينا قراءة عليها قالت: نا أبو عبد اللّه محمّد بن إسحاق، أنا يحيى بن مندة (4)،نا عبد اللّه بن يعقوب بن إسحاق، نا محمّد بن أبي يعقوب الكرماني، نا حسان بن إبراهيم، عن سعيد بن مسروق، عن سعيد بن حيان، عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه، فقلنا له: لقد رأيت خيرا، صاحبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صلّيت خلفه، قال: لقد رأيته و لقد خشيت انما أخرت لشرّ ما حدثتكم فاقبلوا (5)،و ما سكتّ عنه فدعوه، قال: قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بواد بين مكة و المدينة يدعى خمّ (6) و قال:«إنّما أنا بشر يوشك أن أدعى فأجيب ألا و إنّي تارك
ص: 240
فيكم الثقلين، كتاب اللّه حبل من اتبعه كان على الهدى و من تركه كان على الضلالة» ثم قال:
«أهل بيتي اذكروا (1) اللّه في أهل بيتي» ثلاث مرّات.
ابن بشر بن أحمد بن سعيد الأسفرايني أمة العزيز
سمعت أباها أبا الفرج، و أبا نصر أحمد بن محمّد بن سعيد الطّريثيثي.
كتبت عنها شيئا يسيرا، و كان سماعها صحيحا.
أخبرتنا أمة العزيز شكر بنت أبي الفرج قالت: أنا أبي و أبو نصر أحمد بن محمّد بن سعيد الطريثيثي الصوفيان قراءة عليهما في صفر سنة تسع و سبعين و أربع مائة قالا: أنا أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الفارسي بمصر، أنا أبو الحسن محمّد بن عبد اللّه بن زكريا بن حيوية قراءة علينا بلفظه، نا أبو العلاء محمّد بن أحمد بن جعفر الكوفي، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا محمّد بن بشر العبدي، نا مسعر، نا علي بن زيد بن جدعان، نا الحسن، نا عبد الرّحمن بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لا تسأل الإمارة فإنّك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، و إن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها، و إذا حلفت على يمين فرأيت [غيرها] (2) خيرا منها فائت الذي هو خير، و كفّر عن يمينك»[13754].
ذكر أبوها أبو الفرج فيما وجدته بخطه: أنها ولدت بصور ليلة الخميس الثاني عشر من ذي الحجة سنة اثنتين و سبعين و أربعمائة، و ماتت في جمادى الأولى سنة إحدى و خمسين و خمس مائة، و دفنت في [أول] (3) مقبرة باب الفراديس.
[شهدة] (4)
حكت عن الوليد. حكى عنها إسماعيل بن جامع السهمي.
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين، أخبرني محمّد بن عمران الصيرفي، نا
ص: 241
الحسن بن عليك العنزي، حدّثني أحمد بن محمّد بن سليمان الجهني أبو عبد اللّه قال: زعم لي ابن الموصلي أن ابن جامع حدّثه عن شهدة جارية الوليد بن يزيد أنها غنت الوليد بن يزيد يوما:
خبّرتها قالت لأترابها: *** ما لأبي الخطّاب قد أعرضا؟
إن كان قد مل فما حيلتي *** أو كان غضبانا فعندي الرضا
فطرب طربا شديدا و استحسنه، و قال: ويحك يا شهدة لمن هذا الغناء قالت: يا سيدي هذا أخذته من الحنفاء و الهبيرية (1) جاريتي أيوب بن سلمة المخزومي، و لا أدري لمن هو قال: فما فعلتا؟ قالت: أما الهبيرية فماتت و أما الحنقاء فعجوز كبيرة، فقال: فهل فيها فضل فنستدعيها؟ قالت: لا، فأمر بالكتاب لها إلى صاحب الحجاز بعشرة آلاف درهم.
قال أبو الفرج: شهدة جارية الوليد بن يزيد بن عبد الملك و هي أم عاتكة بنت شهدة إحدى المحسنات من قيان الحجاز، ابتيعت للوليد بن يزيد لما ولي الخلافة، و هي في وسط عمرها لتعلّم جواريه، و عمّرت حتى أدركت دولة بني العباس و أخذت عن معبد و طبقته الأولى من كبار المغنين، و يقال: إن شهدة كانت مغنية نائحة، و كان ذلك عاما في مغني أهل الحجاز و مغنياته، و كان الغريض مغنيا نائحا، و كانت سلاّمة مغنية نائحة كذلك.
[صفية] (2)
ابن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية
لها ذكر.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفهم، نا محمّد بن سعد قال: فولد معاوية فذكرهم و قال:
و صفية زوجها محمّد بن زياد بن أبي سفيان، و أمّها أم ولد.
فارغة
ص: 242
و هي مولاة زجلة من فوق (1).
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد.
ح و أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، و أبو تراب حيدرة بن أحمد بن الحسين، قالا:
نا عبد العزيز الكتاني.
قالا: أنا أبو محمّد بن أبي نصر، نا أبو علي الحسن (2) بن حبيب، نا يزيد بن عبد الصّمد، نا أبو مسهر، نا سعيد بن عبد العزيز قال: كانت عاتكة بنت عبد اللّه بن معاوية تحت خالد بن يزيد بن معاوية فرآها لبست لبسة رجل، فطلّقها.
ذكر أبو العباس أحمد بن يحيى، عن عبد اللّه بن شبيب المدني، حدّثني أبو عبد اللّه يعني الزبير بن بكار قال: رأت عاتكة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية في المنام قائلا يقول (3):
إن الشباب و عيشنا اللذّ الذي (4) *** كنا به زمنا نسرّ و نجذل
ذهبت بشاشته و أصبح ذكره *** حزنا يعل به الفؤاد و ينهل
قال: فأوّل الناس ذلك من رؤيا عاتكة، زوال ملك بني أمية، فكان كما أوّلوا.
و أمها الملاءة بنت أوفى.
امرأة حازمة، خرجت من البصرة إلى هشام بن عبد الملك تشكو مالك بن المنذر حين قتل زوجها عمر بن يزيد التميمي.
ص: 243
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو محمّد عبد الوهّاب بن علي بن عبد الوهّاب، أنا علي بن عبد العزيز الطاهري، أنا أحمد بن جعفر بن سلم (1) الختّلي، أنا أبو خليفة الفضل ابن الحباب، نا ابن سلاّم قال: كانت عاتكة بنت معاوية بن الفرات البكائي، و أمّها الملاءة بنت أوفى الحرشي (2) أخت زرارة عند عمر بن يزيد، فخرجت إلى هشام و أعانتها القيسية على مالك فحمل مالك (3).
أخبرنا أبو القاسم أيضا، أنا أبو الحسين بن النقور، و أبو منصور بن العطار، قالا: أنا أبو طاهر المخلص، أنا عبيد اللّه بن عبد الرّحمن السكري، نا زكريا المنقري، نا الأصمعي، نا أبو عاصم النبيل قال: مالك بن المنذر ضرب عمر بن يزيد بالسياط حتى قتله.
و حدّثنا أبو عاصم النبيل عن العذافر بن زيد قال:
خرجت عاتكة بنت الملاءة امرأة عمر بن يزيد الأسيّدي في نفر إلى هشام فشكت إليه ما فعل مالك بن المنذر، فأمر بإشخاصه فلما قدم مالك بن المنذر الكوفة أتيته (4) أنا و أبي فجاء رسول لأمير المؤمنين فكلّمه على باب خالد، فقال: يا دكين اكسر أنفه، فقام فكسر أنفه، فدخل على خالد، فقال: كسر أنفي ببابك، فقال: يا مالك (5) ما لك و له ؟ قال: أردت الدخول عليك فمنعني، فقال: و لم منعته ؟ فلما أراد الخروج إلى الشام أتيناه، فقال زياد بن القاسم: ما سرّني أنّ اللّه عافاني من النقرس (6) و رجعني من وجهي هذا سليما (7)،و أنّي لم أكن فعلت الذي فعلت فذل (8) مالك بن المنذر حيث قتل عمر بن يزيد حتى كان سلك الطريق، فيقول: أنا بين الاختلاط ، فلما دخل مالك على هشام قال: لا مرحبا و لا أهلا، قتلت عمر بن يزيد.
و ذكر الحكاية، و أمر بحبسه، فمات في السجن.
ص: 244
فيقال: إنّ القيسية رهط عاتكة بنت الملاءة دسّوا إليه من قتله في السجن، و يقال: مص خاتمه، و كان تحت الفص شيء من السّمّ .
ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية (1)
أم البنين الأموية، و أمها أم كلثوم بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز، و هي زوج عبد الملك ابن مروان، و أم يزيد بن عبد الملك، و إليها تنسب (2) أرض عاتكة خارج باب الجابية، و كان لها بها قصر، و به مات عبد الملك بن مروان.
روى عنها مهاجر والد عمرو بن مهاجر الأنصاري.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار، قال (3):في تسمية ولد يزيد بن معاوية: عبد اللّه بن يزيد الذي يقال له الإسوار، و عاتكة، ولدت مروان و يزيد ابني عبد الملك.
حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي (4)،عن عبد اللّه بن أبي عبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسر قال (5):
لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب بن الزبير ناشت (6) به امرأته عاتكة بنت يزيد، و بكت فبكى جواريها [معها] (7)،فجلس ثم قال: قاتل اللّه ابن أبي جمعة (8) حين يقول:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه (9) *** حصان عليها نظم درّ يزينها
ص: 245
نهته فلمّا لم تر النهي عاقه *** بكت فبكى ممّا عراها (1) قطينها
ثم مضى. و أمهما (2) أم كلثوم بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس.
عبد اللّه الكندي، نا أبو زرعة قال فيمن حدّث بالشام من النساء: عاتكة بنت يزيد بن معاوية.
روى عنها مهاجر الأنصاري.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قراءة، عن أبي الحسين بن الآبنوسي، نا [أبو] (3) القاسم بن عتاب (4)،أنا ابن جوصا، إجازة.
ح (5) و أخبرنا أبو القاسم بن السوسي، أنا أبو عبد اللّه الخطيب، أنا علي بن الحسن، أنا عبد الوهّاب بن الحسن، أنا ابن جوصا، قراءة، قال: سمعت محمود يقول في الطبقة الثالثة: عاتكة بنت يزيد بن معاوية، زاد الكلابي: دمشقية.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، و حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن طاهر بن بركات عنه، أنا مشرف بن علي بن التمار، إجازة، أنا أبو خازم (6) بن الفراء، أخبرني أبو عمر محمّد بن العباس بن حيوية، فيما أجازه لي، نا أحمد بن كامل، نا عبد اللّه بن محمّد اليزيدي، حدّثني محمّد بن حبيب (7)،قال:
كانت عاتكة بنت يزيد بن معاوية تضع خمارها بين يدي اثني عشر خليفة كلهم لها محرم، أبوها يزيد بن معاوية، و أخوها معاوية بن يزيد، وجدها معاوية بن أبي سفيان، و زوجها عبد الملك بن مروان، و أبو زوجها مروان بن الحكم، و ابنها يزيد بن عبد الملك، و بنو زوجها الوليد و سليمان و هشام و ابن ابنها الوليد بن يزيد، و ابن ابن (8) زوجها يزيد بن الوليد بن عبد الملك، و إبراهيم بن الوليد المخلوع، و هو ابن ابن زوجها أيضا.
ص: 246
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، بقراءتي، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا أبو الميمون، نا وزيرة (1)،نا محمّد بن عبيد اللّه العتبي، حدّثني أبي قال:
قال عبد الملك بن مروان لعاتكة بنت يزيد: لو أشهدت بمالك لولدك قالت: ادخل علي عدة من ثقات مواليّ حتى أشهدهم، فوجه إليها بعدة منهم، و وجّه معهم روح بن زنباع فأبلغها روح الرسالة، فقالت: يا روح بنيّ في غنى من مالي بأبيهم و موضعهم من الخلافة، و لكن أشهدكم أني قد أوقفت جميع مالي على آل أبي سفيان، فهم إلى ذلك أحوج لتغيّر حالهم، فخرج روح و قد تغيّر لونه، فقال له عبد الملك: ما لك ؟ قال: وجهتني إلى معاوية جالس في أثوابه، و أخبره الخبر.
قال: و نا وريزة (2)،نا عمر بن شبة، نا محمّد بن سلاّم، عن ابن جندب قال (3):
استأذنت ابنة يزيد بن معاوية عبد الملك بن مروان في الحج فأذن لها، و قال: ارفعي (4)حوائجك، و استظهري، فإن عائشة بنت طلحة تحجّ ، و إن أقمت كان أحب إليّ ، فأبت، فرفعت حوائجها، و تهيّأت و جهّزها، فلما كانت بين مكة و المدينة أقبل ركب في جماعة، فضعضعها (5) و فرّق جماعتها، فقالوا: عائشة بنت طلحة، فإذا ذلك مع جارية من جواريها، ثم جاء ركب في موكب مثله، فقال: ماشطتها، ثم جاء موكب أعظم من ذلك، في ثلاثمائة راحلة، فقالت عاتكة: ما عند اللّه خير و أبقى.
أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنا أبو حامد أحمد بن الحسن، أنا محمّد بن عبد اللّه بن حمدون (6)،أنا أبو حامد بن الشّرقي (7)،نا محمّد بن يحيى الذهلي، نا عثمان بن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، نا إسحاق بن سعيد بن عمرو القرشي، عن الزهري قال:
دعاني عبد الملك في قرّاء من قرّاء أهل دمشق، قال: فدخلنا عليه، و إذا امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية جالسة، و ابن لها صغير مريض، قال: فأخذنا ندعو، و أخذ هو يدعو،
ص: 247
فقال: بحق مكاني الذي وضعتني قال: فلم يبرح حتى مات، قال: و كان هو أشدّ جزعا من أم الصبي، فلما مات صبر، قال: قلت: يا أمير المؤمنين إن كنت أشدّ جزعا منها، و هي الساعة أشدّ جزعا منك، فقال: إنّا نجزع من الأمر ما لم يقع، فإذا وقع صبرنا.
بلغني أن عاتكة بنت يزيد بقيت حتى أدركت قتل ابن ابنها الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
ابن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي أم عمران التيمية (1)
و أمّها أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق
روت عن خالتها أم المؤمنين عائشة.
روى عنها ابنها طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، و ابن أخيها طلحة (2)،و حبيب بن أبي عمرة، و عبيد اللّه بن يسار، و معاوية بن إسحاق بن طلحة، و فضيل بن عمرو الفقيمي.
و قال أبو زرعة الدمشقي: عائشة بنت طلحة امرأة جليلة تحدّث عن عائشة، و تحدّث الناس عنها بقدرها و أدبها، و وفدت على عبد الملك بن مروان، و على هشام بن عبد الملك.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أحمد بن جعفر، نا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي (3)،نا سفيان، حدّثني طلحة بن يحيى، عن عائشة [بنت سعد، عن عائشة] (4) قالت: قلت: يا رسول اللّه إنّ صبيا من الأنصار لم يبلغ السن عصفور من عصافير الجنّة ؟ قال:«أ و غير ذلك ؟ يا عائشة، خلق اللّه الجنّة و خلق لها أهلا، و خلق النار و خلق لها أهلا، و هم في أصلاب آبائهم»[13755].
أخبرنا أبو الوفاء عبد الواحد بن حمد، و أم البهاء فاطمة بنت محمّد بن أحمد، قالا:
أنا أبو طاهر بن محمود، أنا أبو بكر بن المقرئ، نا محمّد بن الربيع بن سليمان الجيزي (5)،
ص: 248
نا هارون بن سعيد الأيلي، نا سفيان، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، قالت:
جاءت الأنصار بصبيّ لهم إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالت - أو قيل:- هنيئا له يا رسول اللّه، لم يعمل سوءا قط ، و لم يدركه عصفور من عصافير الجنّة، قال:«أ و غير ذلك ؟ إن اللّه خلق الجنّة و خلق لها أهلا، و هم في أصلاب آبائهم، و خلق النار، و خلق لها أهلا و هم في أصلاب آبائهم»[13756].
ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب «البغال» أن عائشة بنت طلحة لما وفدت على عبد الملك، و أرادت الحجّ حملها و أحشامها على ستين بغلا من بغال الملوك، فقال عروة بن الزبير (1):
يا عيش (2) يا ذات البغال السّتّين *** أ كلّ عام هكذا تحجين
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير قال في تسمية ولد طلحة قال (3):و زكريا بن طلحة، و عائشة بنت طلحة، و أمّهم (4) أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق، و أخوتهم لأمّهم: عثمان، و إبراهيم، و موسى بنو عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي، و حمل الحديث عن عائشة بنت طلحة و عن أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري.
و حدّثنا عمي رحمه اللّه، أنا أبو طالب عبد القادر بن محمّد، أنا أبو محمّد، قراءة.
أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، أنا أبو علي بن الفهم، نا ابن سعد قال (5):عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، و أمّها أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق، تزوجها عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير بن العوام، فقتل عنها، فخلف عليها عمر بن عبيد اللّه بن معمر بن
ص: 249
عثمان التيمي، و قد روت عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين.
أخبرنا أبو البركات بن المبارك، أنا محمّد بن طاهر، أنا مسعود بن ناصر، أنا عبد الملك بن الحسن، أنا أبو نصر البخاري قال:
عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر التيمية القرشية، سمعت عائشة أم المؤمنين، روى عنها حبيب ابن أبي عمرة، و معاوية بن إسحاق، في أول الحج، يعني و أول الجهاد و وسطه.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا أبو الحسين (1) بن الطيوري، أنا الحسين بن جعفر، و محمّد بن الحسن، و أحمد بن محمّد العتيقي.
و أخبرنا أبو عبد اللّه البلخي، أنا ثابت بن بندار، أنا الحسين (2) بن جعفر.
قالوا: أنا الوليد بن بكر، أنا علي بن أحمد، أنا صالح بن أحمد، حدّثني أبي قال:
عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه مدنية، تابعية، ثقة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو منصور بن عبد العزيز، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا عمر بن الحسن الأشناني.
و أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا أبو بكر الخطيب، أنا أبو الحسن بن الحمامي، أنا علي بن أحمد بن أبي قيس قالا: نا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثني أبو زيد النميري، عن شيخ و قال الأكفاني: نا عمر بن شبة، نا شيخ من قريش، قال [قال] (3) أبو هريرة: ما رأيت أحدا أجمل من عائشة بنت طلحة إلاّ معاوية على منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
أنبأنا أبو الحسن بن العلاّف، و أخبرني أبو المعمر عنه.
و أنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، و أبو الحسن بن العلاف.
قالا: أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو العباس الكندي، نا أبو بكر الخرائطي، نا عمر [بن] (4) شبة، نا خلاّد بن كثير بن قتيبة بن مسلم، حدّثني علي بن محمّد بن عبيد اللّه بن
ص: 250
سيف قال (1):قال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: و اللّه ما رأيت أحسن منك إلاّ معاوية على منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقالت: و اللّه لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارّة (2).
قال: و نا عمر بن شبة، نا حجاج بن نصير، نا قرّة، عن عبد اللّه بن محمّد، عن أنس ابن مالك، و [هو] (3) عمّه (4) قال:
دخلت علي عائشة بنت طلحة في حاجة، فقلت: إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك، قالت: أ لا قلت لي فألبس ثيابي! و كانت من أحسن الناس في زمنها.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا عمي أبو علي محمّد بن القاسم، نا علي بن بكر قال: حدّثت عن يحيى بن معين قال: الثقات من النساء: عائشة بنت طلحة ثقة حجّة، و ذكر غير هذه.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا أبي علي، قالا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد، نا الزبير، حدّثني إسماعيل بن أبي أويس، حدّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه إسحاق بن طلحة قال:
دخلت على أم المؤمنين و عندها عائشة بنت طلحة، و هي تقول لأمّها أم كلثوم بنت أبي بكر: أنا خير منك، و أبي خير من أبيك، قال: فجعلت أمّها تسبّها (5) و تقول: أنت خير مني ؟ قال: فقالت عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم: أ لا أقضي بينكما؟ قالتا: بلى، قالت: فإن أبا بكر دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له:«أنت يا أبا بكر عتيق اللّه من النار»، فمن يومئذ سمي عتيقا، قالت: و دخل طلحة بن عبيد اللّه (6) عليه فقال:«أنت يا طلحة ممن قضى نحبه».
قرأت على أبي عبد اللّه يحيى بن الحسن (7)،عن أبي المعالي محمّد بن عبد السّلام، أنا أبو الحسن علي بن محمّد الصيدلاني، أنا محمّد بن الحسين، نا ابن أبي خيثمة، نا
ص: 251
الحوطي، يعني عبد الوهّاب بن نجدة، نا إسماعيل بن عياش، حدّثتنا عائشة بنت عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق قالت: رأيت عائشة بنت طلحة لها سبحة تسبّح بها.
أخبرنا أبو محمّد هبة اللّه بن سهل، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي زاهر بن أحمد، أنا إبراهيم بن عبد الصّمد، نا أبو مصعب، نا مالك (1)،عن أبي النّضر (2) مولى عمر ابن عبيد اللّه: أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنّها كانت عند عائشة أم المؤمنين، فدخل عليها زوجها هنالك،[و هو عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق] (3) و هو صائم، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبّلها و تلاعبها، فقال: أقبّلها و أنا صائم، فقالت: نعم.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين [نا أبو الحسين] (4) بن المهتدي.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو الحسين بن النقور، قالا: أنا عيسى بن علي، نا عبد اللّه بن محمّد، نا داود بن عمرو، نا منصور بن أبي الأسود، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة، عن يوسف بن ماهك، عن عائشة بنت طلحة، قالت: سافرت إلى مكة في العمرة، فلقيت عائشة أم المؤمنين فقالت لي: ما لي أراك شعثة سيئة الهيئة ؟ قالت: قلت: أسقطت سقطا أو ولدت ولدا، و لم أغتسل بعد، قالت: اغتسلي و اذهبي و تطيّبي، فإنه قد حلّ لك كل شيء إلاّ زوجك.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف، و أنبأنيه أبو القاسم العلوي، و أبو الوحش المقرئ عنه، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن [إبراهيم بن] (5) سيبخت (6)،نا أبو بكر محمّد ابن يحيى الصولي، حدّثني عون يعني ابن محمّد عن أبيه عن الهيثم، عن ابن عياش (7):
أن عائشة بنت طلحة كانت عند عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر، و كان أبا عذرتها (8) ثم هلك فتزوجها مصعب بن الزبير، فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد اللّه بن
ص: 252
معمر حيث وجهه عبد الملك من الشام إلى أبي فديك، و أمره أن ينتخب من أهل الكوفة ستة آلاف، و من أهل البصرة ستة آلاف فبنى بها بالحيرة.
قال ابن عياش: فحدّثني من شهد عرسه تلك الليلة أنه مهدت له فرش لم أر مثلها سبعة أذرع في عرض أربعة أذرع، قال: فانصرف تلك الليلة عن سبع مرات، قال: فلقيته مولاة له حين أصبح فقالت له: أبا حفص فديتك كملت في كل شيء حتى في هذا.
قال ابن عياش: فلما مات ناحت عليه قائمة، و لم تنح على أحد منهم قائمة غيره، و كانت العرب إذا ناحت المرأة على زوجها قائمة علموا أنها لا تزوّج بعده، فقيل لها: يا عائشة، و اللّه ما صنعت هذا بأحد من أزواجك، فقالت: إنه كان فيه خلال ثلاث (1) لم تكن في واحد منهم، كان سيد بني تيم، و كان أقرب القوم، و أردت أن لا أتزوج بعده أبدا، قال:
فعلم أنّها كانت تؤثره على غيره.
أنبأنا أبو الحسن الفرضي، أنا أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن أحمد بن المبارك، و أبو السرايا غنائم بن أحمد بن [الخضر بن] (2) أبي الوبر، قالا: أنا رشأ بن نظيف، أنا أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن يوسف العلاف، أنا أبو علي الحسين بن صفوان البردعي، نا ابن أبي الدنيا، نا أبو كريب، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن أبيه قال:
دخلت على عائشة بنت طلحة، و كانت لا تحتجب من الرجال تجلس و تأذن كما يأذن الرجل، فلقد رأتني دخلت عليها و هي منكبة (3) و لو أنّ بعيرا أنيخ وراءها ما رئي.
قال ابن إسحاق: فتزوجها مصعب بن الزبير على مائة ألف دينار، ثم تزوّجها ابن عمّ لها عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيمي، فأصدقها مائة ألف دينار.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا عمي أبو علي، نا علي بن بكر، أنا ابن (4) الخليل، أنا عمر بن عبيدة، أنا هارون بن معروف، نا ابن ربيعة، عن السّدّي، عن الشعبي.
ص: 253
قال ابن عبيدة: و نا ابن معاوية، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبي و قد اختلفا في اللفظ و المعنى واحد، قال (1):
قال لي مصعب يوما: إذا قمت فاتبعني، فلما قام اتبعته حتى دخل الدار، ثم مضى بي إلى باب حجرة فقال: مكانك يا شعبي، فأقمت و ألقيت لي وسادة، فجلست عليها، فلم ألبث أن فتح باب الحجرة، فإذا قبالتي حجلة (2) فيها مصعب و عائشة، فقال لي مصعب: أ تعرف هذه يا شعبي ؟ قلت: نعم، هذه سيدة نساء الناس، هذه عائشة بنت طلحة، قال: هذه ليلى (3):
و ما زلت في ليلى لدن طرّ شاربي *** إلى اليوم أبدي إحنة (4) و أداجن (5)
و أضمر في ليلى لقوم ضغينة *** و تضمر (6) في ليلى عليّ الضغائن
إذا شئت يا شعبي، قال أبو بكر: و سمعت في غير هذا الحديث، فقالت: تنصرف هكذا، و قد رآني فأمرت له بحقّ (7) حلي و ثياب، فانصرفت و معي كارة قصار.
رجع إلى حديث ابن الخليل: فلما كان الغد دخلت المسجد، فإذا مصعب على سريره، فقال: ادن، فدنوت منه، فقال: كيف رأيت ذلك الإنسان، قلت: أحسن الناس، قال: ما أدخلناك إلاّ لتخبر،- و قال (8) ابن ربيعة في حديثه: ما أدخلناك إلاّ لمهانتك.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف، و أنبأنيه أبو القاسم النسيب، و أبو الوحش عنه، أنا إبراهيم بن علي بن إبراهيم، نا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي، نا عون، يعني ابن محمّد، نا أبي، عن الهيثم، و هو ابن عدي، نا ابن عياش، عن الشعبي قال:
و نا أبو يعقوب الثقفي [نا] (9) عبد الملك بن عمير، عن الشعبي قال:
ص: 254
دخلت المسجد باكرا فإذا أنا بمصعب بن الزبير على سرير جالسا، و الناس عنده، فجلست، و ذهبت لانصرف فقال: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه، فقال: إذا قمت فاتبعني، فجلست مليا ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة، و تبعته فلمّا طعن (1)في الدار (2) التفت إلي فقال: ادخل، و مضى نحو حجرة و تبعته فالتفت إلي فقال: ادخل، فدخلت فدخل صفّته (3)،فدخلت معه بازاء حجلة، إنّها لأول حجلة رأيتها لأمير، فقمت، و دخل الحجلة، فسمعت حركة، فكرهت الجلوس، و لم يأمرني بالانصراف و لا الجلوس، فإذا جارية قد جاءت فقالت: يا شعبي يأمرك الأمير أن تجلس، فجلست على وسادة، و رفع سجف الحجلة، فإذا أجمل الخلق، فلم أر زوجا قط أجمل منهما، مصعب و عائشة، فقال:
يا شعبي أ تعرف هذه ؟ قلت: نعم، قال: و من هي ؟ قلت: سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة، قال: لا، و لكن هذه ليلى، ثم أنشأ يقول:
و ما زلت في ليلي لدن طرّ شاربي *** إلى اليوم أخفي إحنة و أداجن
و أحمل في ليلي لقوم ضغينة *** و تحمل في ليلي عليّ الضغائن
إذا شئت يا شعبي، قال: فقمت، ثم رحنا إلى المسجد، فإذا مصعب جالس على سريره، فسلّمت، فقال: ادن، فدنوت [ثم قال: أدن، فدنوت] (4) حتى وضعت يدي على مرافقه (5)،فأصغى إليّ ، فقال: هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط؟ قلت: لا و اللّه، قال: أ تدري لم أدخلناك ؟ قلت: لا، قال: لتحدث بما رأيت، ثم التفت إلى عبد اللّه بن أبي فروة، فقال:
أعطه عشرة آلاف درهم و ثلاثين ثوبا، قال: فما انصرف أحد يومئذ بما انصرفت به، عشرة آلاف درهم، و مثل كارة القصّار ثيابا، و نظر إلى عائشة.
أخبرنا أبو العزّ (6) أحمد بن عبيد اللّه مناولة و إذنا، و قرأ علي إسناده، أنا محمّد بن الحسين، أنا المعافى بن زكريا القاضي، نا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن إبراهيم العجلي البزار (7) المعروف بالمراجلي، بسرّمن رأى، نا محمّد بن يونس الكديمي، نا يحيى
ص: 255
ابن عمر الليثي، نا الهيثم بن عدي، نا المجالد، عن الشعبي، قال (1):
مرّ بي مصعب بن الزبير و أنا في المسجد، فقال لي: يا شعبي، قم، فقمت، فوضع يده في يدي و انطلق حتى دخل القصر، فقصرت فقال: ادخل يا شعبي، فدخل حجرة، فقصّرت فقال: ادخل يا شعبي، ثم دخل بيتا فقصرت، فقال: ادخل، فدخلت، فإذا امرأة في حجلة، فقال: أ تدري من هذه ؟ فقلت: نعم، هذه سيدة نساء المسلمين، عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه (2)،فقال: هذه (3) ليلى، و تمثل:
و ما زلت في ليلى لدن طرّ شاربي *** إلى اليوم أخفي حبها و أداجن
و أحمل في ليلى لقوم ضغينة *** و تحمل في ليلى عليّ الضغائن
ثم قال لي: يا شعبي، إنها اشتهت عليّ حديثك، فحادثها، فخرج و تركها قال:
فجعلت أنشدها و تنشدني، و أحدّثها و تحدّثني، يعني حتى أنشدتها قول قيس بن ذريح (4):
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي *** أحاذر من لبنى، فهل أنت واقع ؟
تبكي على لبنى، و أنت قتلتها؟ *** فقد هلكت لبنى فما أنت صانع ؟
قال: فلقد رأيتها و في يدها غراب تنتف ريشه، و تضربه بقضيب و تقول له: يا مشئوم ؟! قرأت بخط رشأ بن نظيف، و أنبأنيه أبو القاسم، و أبو الوحش عنه، أنا الحسن بن إسماعيل بن محمّد، بمصر، نا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرع، نا أبو مسلم عبد اللّه ابن مسلم، حدّثني أبي، حدّثني مشايخ من مشايخ الحي، قالوا (5):
وجّه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية مولاه بهز و كانت من أعقل النساء، فأتته فقال لها: يا عزة قد اعتزمت على تزويج عائشة، يعني ابنة طلحة، و أنا أحبّ أن تصيري إليها متأملة لخلقها، مؤدية لخبرها إليّ ، فقالت: يا جارية عليّ بمنقليّ (6)،فلبسته، ثم صارت إلى منزل عائشة، فلما دخلت عليها قالت عائشة: مرحبا بالحبيبة، كيف نشطت لنا؟ قالت: جئت في
ص: 256
حاجة، قالت: إذا نقضي، قالت: ارمي عنك جلبابك، قالت: إذا أفعل، ففعلت، ثم قالت لها: أعوذك بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، اللّه جارك، ثم رجعت إلى مصعب، فقال:
ما الخبر يا عزّة ؟ قالت: رأيت وجها أحسن من العافية، و لها عينان نجلاوان هما مسكن هاروت و ماروت، من تحت ذلك أنف أقنى، و خدّان أسيلان، و فم كفم الرمانة، و عنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدر فيه حقّا عاج، تحت ذلك بطن أقب، و لها عجز كدعص الرمل، و فخذان لفاوان، و ساقان ريّاوان، غير أنّي رأيت في رجليها كبرا (1)،و هي تغيب (2)عنك في وقت الحاجة.
فلما تزوّجها مصعب و دخل بها، دعت عائشة عزّة و نسوانا من قريش، فلمّا أصبن من طعامها غنتهن و مصعب قائم في دهليز الدار (3):
و ثغر أغرّ شتيت النبات *** لذيذ المقبل و المبتسم
و ما ذقته غير ظنّي (4) به *** و بالظنّ يحكم فينا الحكم
فقال مصعب و هو في الدهليز: بارك اللّه عليك يا عزّة، لكنا و اللّه قد ذقناه فوجدناه كما ذكرت.
أنبأنا أبو الحسن علي بن محمّد بن العلاّف، و أخبرني أبو المعمر الأنصاري عنه، و أخبرنا أبو القاسم بن أبي بكر، أنا أبو علي بن أبي جعفر، و أبو الحسن بن العلاف، قالا: أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أحمد بن إبراهيم الكندي، نا محمّد بن جعفر، نا علي بن داود، نا أحمد بن مرزوق، نا عبد اللّه بن أبي بكر الزبيري، نا سليمان بن أيوب قال: كان مصعب بن الزبير و هو إذ ذاك على العراق كثيرا ما يولع بقصيدة (5) جميل بن معمر العذري، و بهذا البيت خاصة (6):
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت *** بالحجر، يوم جلتها أمّ منظور
ص: 257
فذكر قصة إرساله إلى أم منظور، و سؤاله عن ذلك، و قد ذكرت ذلك في ترجمة بثينة (1)،فقال مصعب: أ فلا تجلين عائشة بنت طلحة عليّ كما جليتها؟ قالت (2):هيهات هي بين يديك في كلّ ساعة، و في كلّ وقت، قال: فإنها من أشكر خلق اللّه خلقا فتصلحين بيني و بينها، لقد بلغ من شكايتها أنّي بعثت إليها أترضّاها، و بعثت إليها بأربعمائة ألف درهم فردّتها عليّ ، و شتمت الرسول، قال: فدخلت عليها أم منظور، ثم قالت: مثلك في شرفك (3)و قدرك في نفسك ينسب إليك هذا الخلق، و هذا الفعال (4) الذي لا يشبهك، تحوجين زوجك إلى هذا؟ قال: فسكتت عائشة فلم ترد عليها، و خرجت أم منظور، فقالت لمصعب: قد كلّمتها لك، فسكتت، و رضاها صمتها. قال: و دخل مصعب، فلما رأته أمرت بالباب فأغلق في وجهه، فكسر الباب، و دخل، فتنازعا فضربها، و ضربته فأصلحت بينهما أم منظور، فقال مصعب لعائشة: هذه أربعمائة ألف درهم، قد حضرت، و إلى أيام يأتينا مثلها، نأمر بدفعها إليك، قال: فأمرت عائشة بدفع الأربع مائة المعجلة إلى أم منظور.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس، أنا أبي أبو البركات أحمد بن عبد اللّه بن طاوس، أنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ببغداد، أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن شاذان، نا أبو بكر محمّد بن أبي الأزهر قال: و أخبرني ابن وادع (5) الوراق قال: مرّ بي بلبل المجنون يوما، فجلس إلي، و أقبل ينظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه (6)،فمرّت به أبيات فيها:
و نهتجر الأيام ثم يردّنا (7) *** إلى الوصل أنّا لم يكن بيننا ذحل (8)
فقال لي: أ تعرف من تمثّل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت: لا، قال: كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه، فهجرته فبلغ ذلك منه
ص: 258
و انفتق عليه فتق بالبصرة، فثار إليه، فرتقه و رجع، فقالت لها أم حبيبة امرأة أبي فروة: لو صرت إلى الأمير فأهديت إليه التهنية بظفره لسرّه ذلك. فقامت نحوه، فلما رآها مصعب قال:
مرحبا بالغضبان الغائب (1)،ثم أنشأ يقول:
و نهتجر الأيام ثم يردنا (2) *** إلى الوصل أنّا لم يكن بيننا ذحل
فقالت: و اللّه لو لا التهنية لطال الإعراض، ثم أهوت إليه فعانقته، فقال: معذرة من سهك الحديد فقال: أو ذنب ذاك ؟ لهو أطيب من ريح المسك، ثم قالت: أفلح الوجه، و علا العقب، و ليهنك الظفر، يا جوار أرخين الستور و انصرفن، فخلّوا لشأنهما. قال ابن وادع:
فكتبت هذا، ثم لم ألبث أن مرّ بنا غلام الطاهري، فأقبل عليّ فقال:
بحقّ الهوى إن كنت ممن يحبه *** بحبّ غلام الطاهري المقرطقا (3)
فإن قلت لي: لا كنت كالشاة خبثة (4) *** و إن قلت: أيهما كنت عندي الموفقا
و قام يسرع الشعبي خلفه، ثم نادى الشاه بن ميكال، الشاه بن ميكال، فأثبت البيتين، و لم أعرف آخر خبره.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو الغنائم محمّد بن علي بن علي ابن الدجاجي، أنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل، نا أبو علي الحسين بن القاسم ابن جعفر، نا أبو بكر أحمد بن زهير، نا سليمان بن أبي شيخ، أنا محمّد بن الحكم، عن عوانة قال (5):
كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى بن سعيد يخطب عليه عائشة بنت طلحة، ففعل، فقالت ليحيى: ما أنزل أبان أيلة ؟ قال: أراد رخص سعرها، و أراد العزلة، فقالت: اكتب إليه عني:
حللت محل الضب لا أنت ضائر *** عدوّا و لا مستنفع بك نافع
وردته.
ص: 259
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي، أخبرني أبو بكر الخطيب، أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد، نا أحمد بن يحيى ثعلب، نا الزّبير بن بكار قال: قال عمر بن أبي ربيعة في عائشة بنت طلحة (1):
لقد عرضت لي بالمحصب من منى *** مع الحج شمس سترت بثمان (2)
فلما التقينا بالثنية سلمت *** و نازعها (3) البغل اللعين عناني
بدا لي منها معصم حيث جمرت *** و كفّ لها مخضوبة ببنان (4)
فو اللّه ما أدري و إني لحاسب *** بسبع رميت الجمر أم بثمان
فقلت لها: عوجي فقد كان منزل *** خصيب، لكم ناء من الحدثان
فعجنا، فعاجت ساعة فتكلمت *** فظلّت لها العينان تبتدران
و أمّها ولاّدة أم الوليد و سليمان، تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، لها ذكر.
أم عبد اللّه السّلمية المعروف والدها بأبي الحسن بن المحل البزار (5) المعدل، ابنة خالتي الكبرى، و أم أولادي.
أسمعتها الحديث من فاطمة بنت علي بن الحسين بن جدّا (6) العكبرية في دارنا، و سمع منها أولادها في دارها.
أخبرنا (7) أبواي رضي اللّه عنهما، قالا: أخبرتنا فاطمة بنت علي بن الحسين بن جدّا، قالت (8):أنا أبو الغنائم محمّد بن علي بن علي، أنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمّد بن
ص: 260
الحسن، نا أبو بكر محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي، نا محمّد بن عبد اللّه بن عمار الموصلي، نا المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أهل البدع شرّ الخلق و الخليفة»[13757].
ولدت عائشة في سنة سبع - أو سنة ثمان - و خمسمائة، و توفيت ليلة الخميس و دفنت يوم الخميس الثالث عشر من شوال سنة أربع و ستين و خمسمائة بمقبرة الباب الصغير.
9382 - عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد اللّه التيمية (1)
تزوجها عبد الملك بن مروان فولدت له بكار بن عبد الملك.[و حكت عن زوجها عبد الملك] (2).
حكى عنها ابن أخيها أبو بكر بن عيسى بن موسى بن طلحة.
قرأت في كتاب عن عبد الصّمد بن عبد اللّه بن عبد الصّمد بن أبي يزيد الدمشقي، نا معاوية بن صالح الأشعري، حدّثني عبد الرّحمن بن شريك، نا أبو بكر بن عيسى بن موسى ابن طلحة قالت: سمعت عائشة بنت موسى و كانت تحت عبد الملك بن مروان قالت: قال لي عبد الملك: يا عائشة لو لا أنّ مروان قتل طلحة (3) ما تركت على ظهرها طلحيا إلاّ قتلته.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير قال (4):و ولد موسى بن طلحة: عيسى، و محمّدا، قتله شبيب الخارجي، و عائشة تزوجها عبد الملك بن مروان، فولدت له بكارا، قتله عبد اللّه ابن علي (5)،و أمّهم أم حكيم بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق.
قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمّد الجوهري، أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا ابن (6) سعد قال (7):فولد موسى بن طلحة: إبراهيم
ص: 261
ابن موسى، و عائشة تزوجها عبد الملك بن مروان، فولدت له بكارا، ثم خلف عليها علي بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب، و قريبة بنت موسى، و أمّهم أم حكيم بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق (1).
[عبدة] (2)
أخت أبي سليمان الداراني من النسوة المتعبدات، لها ذكر.
أنبأنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ (3)،نا أحمد بن إسحاق، نا إبراهيم بن محمّد بن الحارث، نا أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا سليمان يقول: إنّي لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به [و قد] (4) أصابني مرض لم أعرف له سببا، قال: فدخلت عليّ أختي، فقلت لها: دعوت اللّه أن يسلط علي المرض ؟ قالت: نعم، قال: لو لم أجد إلاّ أن أعترض على الحمار لم أدع الحج، قال أحمد: فخرج إلى الحجّ .
أخبرنا أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصّمد بن علي بن الحسين، أنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد، أنا أبو طاهر محمّد بن علي بن محمّد بن يوسف بن العلاّف الواعظ ، أنا أبي أبو الحسن علي بن محمّد، أنا أبو علي محمّد بن أحمد بن الحسن بن الصوّاف، أنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي، نا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول:
إني لأعرف الذنب الذي به أمرض، فمرضت مرضة فلم أعرف لها سببا، و كانت لأبي سليمان أختان إحداهما عبدة، و الأخرى أمينة، فقال لي سليمان: إن عمتي (5) أزهد من أبي، يعني عبدة، قال أبو سليمان فقلت لأختي: سألت اللّه أن يسلّط عليّ الحمّى ؟ قالت: نعم، قال: لو صار أن أعترض على حمار لم أدع الحج، قال: فخرجت فما زلت عليلا.
ص: 262
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس، أنا علي بن محمّد بن محمّد، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو علي بن صفوان، نا ابن أبي الدنيا، نا سلمة بن شبيب، نا أحمد بن أبي الحواري قال:
سمعت أبا سليمان الداراني يقول: وصفت لأختي عبدة قنطرة من قناطر جهنم، فأقامت يوما و ليلة في صبيحة واحدة ما سكتت، ثم انقطع عنها بعد فكلما (1) ذكرت لها صاحت صيحة واحدة ثم سكتت، قلت من أي شيء كان صياحها؟ قال: مثلت نفسها على القنطرة و هي تكفأ بها.
ابن أبي سفيان بن حرب بن أميّة بن عبد شمس (2)
زوج هشام بن عبد الملك، كانت دارها بدمشق بشام الجامع بغرب.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء، و أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالوا: أنا محمّد بن أحمد بن محمّد، أنا أبو طاهر الذهبي، نا أبو سليمان، نا الزبير قال (3):في تسمية ولد عبد اللّه بن يزيد بن معاوية: و عبدة بنت عبد اللّه تزوجها هشام بن عبد الملك، فولدت له، و أمّها أم موسى بنت عمرو بن سعيد بن العاص، و عبدة بنت عبد اللّه هي المذبوحة، ذبحت أيام عبد اللّه بن علي بن العباس، و لها يقول عمرو بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص حين أخذت أمها أم موسى بنت عمرو بن سعيد درع عبدة بنت عبد اللّه:
يا عبد لا تأسي عليّ بعدها *** فالبعد خير لك من قربها
لا بارك الرحمن في عمتي *** ما أبعد الإيمان من قلبها
أخبرنا أبو العزّ بن كادش مناولة و إذنا، و قرأ عليّ إسناده، أنا محمّد بن الحسين، أنا المعافى القاضي (4)،نا أبو بكر و هو ابن الأنباري، حدّثني أبي، نا الحسن بن عبد الرّحمن الربعي، حدّثني عياش بن عبد الواحد، حدّثني ابن عياش، حدّثني أبي قال:
كانت عبدة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية عند هشام بن عبد الملك، و كانت من أجمل النساء، فدخل عليها يوما و عليها ثياب سود رقاق من هذه التي يلبسها النصارى يوم
ص: 263
عيدهم، فملأته سرورا حين نظر إليها، ثم تأمّلها فقطب ففطنت (1)،فقالت: ما لك يا أمير المؤمنين ؟ أكرهت هذه، ألبس غيرها؟ قال: لا، و لكن رأيت هذه الشامة التي على كشحك من فوق الثياب، و بك تذبح النساء - و كان بها شامة في ذلك الموضع - أما إنهم سينزلونك (2)عن بغلة شهباء وردة - يعني بني العباس - ثم يذبحونك ذبحا.
قوله بك تذبح (3) النساء، يعني إذا كانت دولة لأهلك ذبحوا بك من نساء القوم الذين ذبحوك، فأخذها عبد اللّه بن علي بن العباس، فكان معها من الجوهر ما لا يدرى ما هو، و معها درع يواقيت و جوهر منسوج بالذهب، فأخذ ما كان معها، و خلّى سبيلها، فقالت في الظلمة: أي دابة تحتي ؟ قيل لها دهماء كظلمة الليل، فقالت: نجوت، قال: فأقبلوا على عبد اللّه بن علي، فقالوا: ما صنعت أدنى ما يكون يبعث أبو جعفر إليها، فيخبره بما أخذت منها، فيأخذه منك، اقتلها. فبعث في إثرها، و أضاء الصبح، فإذا تحتها بغلة شهباء وردة (4)، فلحقها الرسول فقالت: مه، قال: أمرنا بقتلك، قالت: هذا أهون عليّ ، فنزلت فشدّت درعها من تحت قدميها و كميها على أطراف أصابعها و خمارها فما رئي من جسدها شيء، و الذي لحقها مولى لآل العباس.
قال ابن عائشة: فرأيت من يدخل دورنا يطلب اليواقيت للمهدي ليتم به تلك الدرع التي أخذت منها، و إنما كانت [بدنا] (5) يغطي (6) المرأة إذا قعدت.
قال الحسن بن عبد الرّحمن: فلما دخل البصرة الزّنج فيما أخبرني مشايخنا - لا يختلفون - دخلوا دار جعفر بن سليمان بن (7) عبد اللّه بن العباس فجاءوا إلى بنته آمنة و هي عجوز كبيرة قد بلغت تسعين سنة، فلما رأتهم قالت لهم: اذهبوا بي إليه، فإنه ابن خال جدتي أم الحسن (8) بنت جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي. قالوا: بك أمرنا، فقتلوها (9).
ص: 264
قرأت بخط أبي بكر أحمد بن محمّد بن أحمد بن شرام (1)،أنا أبو القاسم عبد الرّحمن ابن إسحاق الزجاجي النحوي، قال: أنا الأخفش، أنا ثعلب، نا أحمد بن إبراهيم قال:
كانت عبدة بنت عبد اللّه الأسوار بن يزيد بن معاوية عند يزيد بن عبد الملك ثم خلف عليها هشام، و كانت من أحب الناس إليه، و كانت حولاء جميلة، فقبض عليها عبد اللّه بن علي بحمص و دفعها إلى الكاملي (2)،و قال له: اذهب بها فاذبحها، فلمّا ضرب بيده إليها أنشأت تقول متمثّلة بشعر خال الفرزدق:
إذا جرّ الزمان على أناس *** كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا
فقال لها: يا خبيثة أ تدرين لم أقتلك ؟ قالت: لا، قال: إنّما أقتلك بامرأة زيد بن علي، فذهب بها الكاملي (3) فذبحها بخربة بحمص، فيقال: إنّ السفياني يخرج ثائرا بها.
قال أبو القاسم هكذا أنشدنا هذين البيتين في هذا الخبر، و أنشدنا أبو بكر بن السراج قال: أنشدني المبرّد عن المازني عن الجرمي (4):
فإن نغلب فغلاّبون قدما *** و إن نغلب فغير مغلّبينا (5)
و ما إن طبنا جبن و لكن *** منايانا و دولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا
[عتبة] (6)
الفضل بن محمّد اليزيدي، حدّثني إسحاق الموصلي، عن الزبيري (1)،عن محمّد بن يحيى، [عن أبيه] (2) عن جده قال:
كانت بالمدينة جارية جميلة يقال لها عتبة، و كان لها في الغناء ذكر كبير، فلما ولي الوليد بن يزيد الخلافة أمر بأن تخرج إليه، فأخرجت، فلمّا قدمت عليه دعا بها، و جمع ندماءه و المغنّين (3) فلما رأت كثرة من حضر ممن يغني قالت: يا أمير المؤمنين قد دعوت بي، فاسمع ما عندي، فإن أعجبك فاصرف هؤلاء و استمتع بما سمعت مني، و إن لم يعجبك فاصرفني و أقبل عليهم. فقال لها: هاتي، فقد أنصفت (4) في القول، فغنّت:
يقولون من طول اعتلالك بالقذى (5) *** أجدك ما تلقى لعينيك شافيا
بلى، إن بالجزع الذي ينبت الغضى *** لعينيّ لو لاقيته لمداويا
و أقبلن (6) من أقصى الخيام يعدنني *** بقية ما أبقين نصلا يمانيا (7)
يعدن مريضا هن هيّجن داءه *** ألا إنما بعض العوائد دائيا
تجمعن شتى من ثلاث و أربع *** و واحدة حتى كملن ثمانيا
فقال لها: أحسنت. و اللّه ما نريد مزيدا عليك، و أمر بالمغنين فانصرفوا يومئذ، و اقتصر عليها.
[عثامة] (8)
امرأة متعبدة.
ذكر أبو العباس أحمد بن محمّد بن مسروق الطوسي، نا محمّد بن الحسين أبو شيخ
ص: 266
الترجماني (1)،حدّثني الحسن بن عبد العزيز بن الوزير الجذامي، حدّثني عبد اللّه بن يوسف الدمشقي:
أن عثامة بنت بلال بن أبي الدرداء كفّ بصرها، و كانت متعبدة، فدخل عليها ابنها يوما و قد صلى فقالت: أ صليتم أي بني ؟ قال: نعم، فقالت:
عثام ما لك لاهيه *** حلّت بدارك داهيه
أبكي الصلاة لوقتها *** إن كنت يوما باكيه
و ابكى القرآن إذا تلي *** قد كنت يوما تاليه
تتلينه بتفكر *** و دموع عينك جاريه
لهفي عليك صبابة *** ما عشت طول حياتيه
9387 - عريب المأمونية (2)
قيل أنها ابنة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي لما انتهت دولة البرامكة سرقت و هي صغيرة، و بيعت، و اشتراها الأمين ثم اشتراها المأمون، و كانت شاعرة مجيدة، و مغنية محسنة، و قدمت دمشق مع المأمون و قد ذكرنا ما يدل على قدومها في ترجمة إبراهيم بن يحيى بن المبارك.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن علي، أنا محمّد بن أحمد بن عبد العزيز، أنا أحمد بن محمّد بن الصلت، نا علي بن الحسين بن محمّد الأصبهاني، حدّثني محمّد بن يزيد، و يحيى بن علي قالا: نا حماد بن إسحاق قال: قال أبي:
ما رأيت امرأة قط أحسن وجها، و أدبا، و غناء، و ضربا (3)،و شعرا، و لعبا بالشطرنج، و النّرد من عريب و ما تشاء أن تجد خصلة حسنة طريفة بارعة في امرأة إلاّ وجدتها فيها.
قال: و نا الأصبهاني (4)[حدّثني جحظة، حدّثني علي بن يحيى المنجم قال: خرجت
ص: 267
يوما من حضرة المعتمد] (1) فصرت إلى عريب فلما قربت من دارها أصابني مطر بلّ ثيابي إلى أن وصلت إلى دارها، فلما وصلت إليها أمرت بأخذ ثيابي عني و أتتني بخلعة فلبستها، و أحضرنا الطعام فأكلنا، و دعت بالنبيذ، و أخرجت جواريها، ثم سألتني عن خبر الخليفة في أمس ذلك اليوم، و شربه و أيش كان صوته، و على من كان ؟ فأخبرتها أن بنانا غناه:
و ذي كلف بكى جزعا *** و سفر القوم منطلق
به قلق يململه *** و كان و ما به قلق
جوارحه (2) على خطر *** بنار الشوق تحترق
جفون حشوها الأرق *** تجافى ثم تنطبق (3)
فأمرت صاحبا لها بالمصير إلى بنان و إحضاره، فمضى إليه و جاء بنان معه، و قدّم إليه الطعام، فأكل و شرب، و أتى بعود، فاقترحت عليه الصوت فغنّاه، فأخذت دواة و درجا (4)و كتبت (5):
أجاب الوابل الغدق *** و صاح النرجس الغرق
فهات الكأس مترعة *** كان حبابها حرق
زاد غيره (6):
يكاد لنور بهجته *** حواشي الكأس تحترق
و قال:
فقد غنى بنان لنا: *** «جفون حشوها الأرق»
قال علي بن يحيى: فعدل بنان بلحن الصوت إلى شعرها، و غنانا فيه، فشربنا عليه بقية يومنا حتى سكرنا.
قال: و نا الأصبهاني، قال (7):حدّثني هاشم بن محمّد الخزاعي، قال: حدّثني ميمون
ص: 268
ابن هارون، قال: كتبت عريب إلى محمّد بن حامد الذي كانت تحبه تستزيره، فكتب إليها:
إني أخاف على نفسي من المأمون، فكتبت إليه:
إذا كنت تحذر ما نحذر *** و تعلم أنك لا تجسر
فما لي أقيم على صبوتي *** و يوم لقائك لا يقدر
قال: فكتب إليها محمّد بن حامد يعاتبها على شيء بلغه عنها، فاعتذرت إليه، فلم يقبل عذرها فكتبت إليه:
تبينت عذري فما تعذر *** و أبليت جسمي و ما تشعر
ألفت السرور و خلّيتني *** و دمعي من العين ما يفتر
فقبل عذرها، و صار إليها.
قال: و نا الأصبهاني قال (1):و حدّثت عن بعض جواري المتوكل أنّها دخلت يوما على عريب فقالت لها: تعالي ويحك قبلي هذا الموضع مني، فإنك ستجدين ريح الجنّة منه، و أومأت إلى سالفتها (2) قال: ففعلت و قالت لها: ما السبب في هذا، فقالت: قبّلني [الساعة] (3) صالح المنذري في ذلك الموضع.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف، و أنبأنا أبو القاسم النسيب و أبو الوحش المقرئ، عن رشأ بن نظيف، أخبرني أبو الفتح إبراهيم بن علي بن الحسين، نا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي، حدّثني عبيد اللّه بن محمّد الموصلي قال: حدّثني قطبة بن سعيد الكاتب قال:
كان المعتصم يطرق عريب كثيرا فشغل أياما عنها، و كانت تتعشق فتى، فأحضرته ذات يوم و قعدت تسقيه و تشرب معه و تغنيه، إذ أقبل أمير المؤمنين المعتصم، فأدخلته بعض المجالس، و وافى المعتصم فرأى من الآلة و الزي ما أنكره، و قال لها: ما هذا؟ قالت: جفاني أمير المؤمنين هذه الأيام، و اشتدّ شوقي إليه، و عيل صبري، فتمثّلت مجلس أمير المؤمنين إذا طرقني، و أحضرت من الآلة ما كنت أحضره إذا زارني، و أكرمني، و نصبت له شرابه بين يديه كما كنت أفعل، و جعلت شرابي بين يدي كما كنت أصنع، ثم غنيت لأمير المؤمنين صوته،
ص: 269
و شربت كأسه، و غنيت صوتي، و شربت كأسي، فهذه حالي إلى أن دخل سيدي أمير المؤمنين فصح فالي، فقعد المعتصم، و شرب، و فرح، و سكر؛ فلما انصرف أخرجت الفتى فما زالا في أمرهما إلى الصبح.
أخبرنا أبو بكر بن المزرفي (1)،أنا أبو منصور بن عبد العزيز، أنا أحمد بن محمّد بن الصلت، أنا أبو الفرج الأصبهاني (2)،أخبرني جعفر بن قدامة، حدّثني عبد اللّه بن المعتز قال:
رفعت إليّ رقاع لعريب، مكاتبات منثورة و منظومة فقرأت رقعة منها إلى المأمون و قد خرج إلى فم الصلح (3) لزفاف بوران:
انعم تخطتك صروف الردى *** بقرب بوران مدى الدهر
درة خدر لم يزل نجمها *** بنجم مأمون العلى يجري
حتى استقر الملك في حجرها *** بورك في ذلك من حجر
يا سيدي لا تنس عهدي فما *** أطلب شيئا غير ما تدري
قال عبد اللّه: فذكرت ذلك لعجوز من جواري بوران فعرفت القصة.
و حدّثتني أن المأمون قرأ الرقعة على بوران و قال: أ فهمت معنى الزانية ؟ قالت: نعم، فباللّه يا سيدي إلاّ سررتني بالكتاب بحملها (4) إليك، فحملت إليه (5).
و من شعرها في المتوكل قولها:
بجعفر زادنا (6) الرحمن إيمانا *** جزاه ذو العرش بالإحسان إحسانا
و زاد في عمره طولا و مدّ له *** فيه و أعلى له في الأرض سلطانا
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد اللّه إذنا و مناولة، و قرأ عليّ إسناده، أنا محمّد بن
ص: 270
الحسين، أنا المعافى بن زكريا (1)،نا محمّد بن يحيى الصولي، نا أبو العيناء، نا أحمد بن جعفر بن حامد، قال: لما توفي عمي محمّد بن حامد و هو الذي كانت عريب تحبّه صار أبي (2) إلى منزله لينظر إلى تركته، فأخرج إليه سفط مختوم، فإذا فيه رقاع عريب، فجعل يتصفحها و يضحك، فأخذت منها رقعة فإذا فيها شعر لها:
ويلي عليك و منكا *** أوقعت في القلب (3) شكا
زعمت أنّي خئون *** جورا عليّ و إفكا
و لم يكن ذاك مني *** إلاّ مجونا و فتكا
إن كان ما قلت حقّا *** أو كنت حاولت تركا
فأبدل اللّه قلبي *** بفتكة الحبّ نسكا
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين، أنا محمّد بن محمّد بن عبد العزيز، أنا أبو الحسن ابن الصلت، أنا أبو الفرج علي بن الحسين، حدّثني عرفة وكيل بدعة (4) قال (5):دخلت عريب إلى المتوكل، و قد نهض من علة أصابته و عاد إلى عاداته، و اصطبح، فغنت:
شكرا لأنعم من عافاك من سقم *** كنت المعافى من الآلام و السقم (6)
عادت بنورك (7) للأيام بهجتها *** و اهتز بيت (8) رياض الجود و الكرم
ما قام للدين (9) بعد المصطفى ملك *** أعفّ منك و لا أرعى على الذمم
فعمّر اللّه فينا جعفرا و نفى *** بنور سنته عنّا دجى الظّلم
فطرب و شرب عليه رطلا، و أجلسها إلى جنبه، و لم تزل تغنيه إياه، و يشرب عليه حتى سكر.
ص: 271
قال (1):و دخلت إليه قبل نهوضه من العلة و الحمى تعتاده، فقال لها: أنت مشغولة عني [بالقصف] (2)،و أنا عليل، فقالت هذا الشعر:
أتوني و قالوا: بالخليفة علة *** فقلت: و نار الشوق تقدح في صدري
ألا ليت بي حمى الخليفة جعفر *** فكانت لي (3) الحمى و كان له أجري
كفى حزنا أن قيل حم، فلم أمت *** من الحزن، إني بعد هذا لذو صبر
جعلت فداء للخليفة جعفر *** و ذاك قليل للخليفة من شكر
فلمّا عوفي قالت:
حمدنا الذي عافى الخليفة جعفرا *** على رغم أشياخ الضّلالة و الكفر
و ما كان إلاّ مثل بدر أصابه *** كسوف قليل، ثم أجلى (4) عن البدر
سلامته للدين عزّ و قوّة *** و علّته للدين قاصمة الظهر
مرضت فأمرضت البرية كلها *** و أظلمت الأبصار من شدّة الذعر
فلمّا استبان الناس منك إفاقة *** أقاموا و كانوا كالقيام على الجمر
سلامة دنيانا سلامة جعفر *** فدام معافى سالما آخر الدهر
إمام (5) يعمّ الناس بالعدل و التّقى *** قريبا من التقوى بعيدا من الوزر
و في غير هذه الرواية:
حمدنا الذي عافاك يا خير من مشى *** بأنفسنا الشكوى و كان لك الأجر
أتوني فقالوا [لي] (6) بجعفر علة *** فقلت لهم: يا ربما يكسف البدر
و غنت في الأبيات الأول نشيدا، و في الثانية بسيطة و هزجا.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ، أنا محمّد بن محمّد بن أحمد، أنا أحمد ابن محمّد بن الصلت، أنا أبو الفرج قال (7):
ص: 272
نسخت من كتاب جعفر بن قدامة، حدّثني أبو عبد اللّه أحمد بن حمدون قال: وصف للمتوكل [موضع] (1) شبداز (2) بقرميسين فأمر أن يبنى له قصر، و يجعل في صدره ثلاثة آزاج (3) معقودة، و يصور فيها تلك الصورة، و يجمع له حذاق الصّنّاع، و يجعل فيه من المجالس، و الحجر ما يصلح، ففعل ذلك، فلمّا فرغ منه، أمر بأن يفرش له الأزج المصور ففرش، و جلس فيه [يشرب] (4)،فغنت فيه عريب شعرا قالته فيه، و هو:
بالسعد و اليمن فانزل قصر شبداز *** ملّيته في سعادات و إعزاز
و اشكر لمن بك تمت فيك نعمته *** بناؤه تمّ في يسر و إنجاز
لو رام هذا لأعيا دون مبلغه *** دارا عجزا و سابورا و برواز (5)
بجعفر وضحت سبل الهدى و به *** راش البرية ربي بعد إعواز
قال: و نا أبو الفرج (6)،حدّثني عمي، حدّثني أحمد بن المرزبان قال: غضبت قبيحة على عريب ثم رضيت عنها، فقالت فيها هذا الشعر، و غنت فيه:
سبحان من أعطى عريب الذي *** رجته في المولاة و المولى
أعطاك في المعتز أمنية *** و السّول في سيّدة الدنيا
و ردّ حسن الرأي فيها لها *** فطيّب اللّه لها المحيا
و ذكر ابن المعتز (7):أن بعض جواريهم حدثته أن عريب (8) كانت تعشق صالحا المنذري (9) و تزوّجته سرا، فوجه به المتوكل في حاجة له إلى مكان بعيد، فقالت فيه شعرا و صاغت لحنه في خفيف الثقيل و هو:
أما الحبيب فقد مضى *** بالرغم مني لا الرضا
ص: 273
أخطأت في تركي لمن *** لم ألق منه عوضا
لبعده عن ناظري *** صرت بعيشي عرضا (1)
و غنته يوما بين يدي المتوكل، فاستعاده مرارا، و جواريه يتغامزن و يضحكن. ففطنت و أصغت إليهن سرا من المتوكل، و قالت: يا سحاقات هذا خير من عملكن.
قال: و نا أبو الفرج (2):حدّثني ابن حمدون قال:
مرضت قبيحة، فقال المتوكل لعريب: قولي في علة قبيحة شيئا و غنّي فيه، و ليكن قولك الشعر على لسان يذكر (3) قلقي بها، فقالت:
بثت (4) قبيحة في قلبي لها حرقا *** و بدلت مقلتي من نومها أرقا
ما ذاك إلاّ لشكواها فقد عطفت *** قلبي على كل شاك بعدها شفقا
كأنها زهرة بيضاء قد ذبلت *** أو نرجس مسّ مسكا طيبا عبقا
و غنت فيه لحنا من خفيف الرمل، فاستحسنه المتوكل، و أمرها أن تدخل إلى قبيحة فتنشدها الشعر، و تغنيها به، ففعلت، فقالت لها قبيحة: فأجيبيه عني (5)،فقالت:
يا سيدي أنت حقّا سمتني الأرقا *** و أنت علمت قلبي الوجد و الحرقا
لولاك لم أتألم علة أبدا *** لكن على كبدي أسرفت فاحترقا
إذا شكوت إليه الوجد كذبني *** و إن شكا قال قلبي - خيفة - صدقا-
و خرجت إليه، و أنشدته الشعر، و غنت [فيه] و في الشعر الأول لحنا واحدا.
قال أبو الفرج (6):و لها في المستعين:
بوجه المستعين يزيد حسنا *** بنا (7) قد جلّ عن كنه الصفات
و أم المستعين (8) لها أياد *** سوابق في الندى متتابعات
ص: 274
على البركات حلت خير دار *** و أيمن طائر و على الثبات
أقامت في مجالس مونقات *** شوامخ بالسعود متوجات
بناء مشرف يزداد حسنا *** بأحمد (1) ذي العلى و المكرمات
و لها فيه:
أيها الطارقون في الأسحار *** أصبحونا فالعيش في الابتكار
لا تخافوا صرف الزمان علينا *** ما لصرف الزمان و الأحرار
إنما المستعين باللّه جار *** و هو باللّه في أعز الجوار
ملك في جبينه كسنا البر *** ق، و نور يعلو على الأنوار
حل بستان شاهك طائر الس *** عد بوجه الإمام ذي الابصار
جدد اللّه فيه كل نعيم *** في معين بربوة و قرار
و به (2) النرجس المضاعف يدعو *** نا خلال الأشجار و الأنهار
أنزلوا عندنا سرور مقيم *** و حديث يطيب للسمار
و به زهرة البنفسج تهت *** ز مع الورد في عراض لبهار
و نبات الأترج قد قابل التف *** اح، صلى صغاره للكبار (3)
و أغاني عريب إذ تنثر الد *** رّ إذا ما شدت على الأوتار
و ترى الأرض وجهها مشرق يض *** حك بين النوار في الأشجار
و بها الصيد من حبارى و درا *** ج و غرّ (4) يصاد بالأطيار
و متى شئت صدت فيها غزالا *** و تصيد الحيتان في جوف دار
و ترى الضب فيه و النون و الملاح *** و الحاديين خلف القطار (5)
مجمع العير و السفين إليه *** فرضة البر، فرضة للبحار (6)
ص: 275
حكمة تعجر الشياطين عنها *** و اختراق الزلال جوف المجاري
ما رأينا كسيد جمع الفض *** ل بحسن التدبير و الاختيار
فإذا عاش للامام (1) و صيف *** و بغا فالملك ثبت القرار (2)
فهما جنّة الإمام و سيفا *** ه، و أنصاره على الكفار
و الموالي فإنهم عصمة المل *** ك و خير الكفاة و الأنصار (3)
دام هذا و زاد فيه بمولا *** نا على رغم أنفس الأشرار
و لها فيه بسيط و هزج مطلق.
و من شعرها في المستعين أيضا قولها (4):
بارتياح الخليفة المستعين *** جمع اللّه كل دنيا و دين (5)
و بعدل الخليفة المستعين *** استجارت من البكاء جفوني
و قولها (6):
بالمستعين إمام (7) أمة أحمد *** عم الأنام (8) سوابغ النعماء
اللّه منّ على الأنام بملكه *** لولاه كانوا في دجى عشواء
يا خير من قصدت له آمالنا *** لسداد ثغر أو لبذل عطاء
أعطاك في العباس رب محمّد *** ما يأمل الخلفاء في الخلفاء (9)
و وقاك فيه و الرعية كلها *** ما يحذر الآباء في الأبناء
و أراكه من فوق منبر أحمد *** يتلو عليه مواعظ الخلفاء
ص: 276
و لها فيه (1):
بالمستعين أنارت الدنيا *** و صفا لأهل الطاعة المحيا
ملك إذا عدّت محاسنه *** لم يستطع أحد لها إحصا
أبقاه في عز و عافية *** رب العلى ما شاء أن يبقى
و لها فيه (2):
بالمستعين الإمام أحمد قا *** م العدل فينا، فالخير منتشر
بدا لنا يوم عقد بيعته *** يشرق نورا كأنّه القمر
و الحمد للّه لا شريك له *** قد رزق الناس أحسن الخبر
و لها فيه (3):
بوجهك أستجير من الزمان *** و يطلق كل مكروب و عاني (4)
أشعت العدل و الإحسان حتى *** غدوت من المآثم في أمان
فنسأل ربنا عونا بشكر *** فقد أعطاك مفروج الأمان
إذا سلم الإمام فكلّ نفس *** فداء المستعين من الزمان
قال: و أنا أبو الفرج، قال (5):أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان، أنشدني محمّد بن الفضل النيسابوري لعريب ترثي العباس بن الفضل (6):
يا من بمصرعه زها الدهر *** قد كان منك تضاءل الدهر
زعموا: قتلت و عندهم عذر *** كلا، و ربك ما لهم عذر
بلغني أن مولد عريب سنة إحدى و ثمانين و مائة، و توفيت سنة سبع و سبعين و مائتين، و لها ست و تسعون سنة، و ماتت بسرّمن رأى.
ص: 277
9388 - عزّة بنت حميل بن حفص (1)،و يقال: بنت حميد (2) بن وقاص
ابن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار، و يقال: عزّة بنت عبد اللّه
إحدى بني حاجب بن عبد اللّه بن غفار، أم عمرو الضّمريّة، صاحبة كثيّر.
وفدت على عبد الملك.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، عن أبي الحسن الدارقطني.
و قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي الفتح بن المحاملي، أنا أبو الحسن الدارقطني قال: عزّة صاحبة كثيّر. قال ابن الكلبي: هي عزّة بنت حميل (3) بن حفص من بني (4) حاجب بن غفار.
قرأت على أبي محمّد السلمي، عن أبي نصر بن ماكولا، قال (5):و أما حميل بضم الحاء المهملة و فتح الميم: عزّة صاحبة كثيّر، قال ابن الكلبي: هي عزّة بنت حميل بن حفص من بني حاجب بن غفار.
و قال (6):و أما عزّة بالزاي، فهي عزّة بنت حميل بن وقاص بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار، صاحبة كثيّر الشاعر.
قرأت بخط رشأ، و أنبأنا أبو القاسم النسيب، و أبو الوحش المقرئ، عن رشأ بن نظيف، أخبرني أبو القاسم إبراهيم بن علي بن الحسين بن سيبخت، أنا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي، حدّثني عون (7) بن محمّد، نا أبي، نا الهيثم بن عدي قال (8):
ص: 278
دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان فخاطبته و خاطبها ثم قال لها:[هل تروين] (1)من شعر كثيّر فيك ؟ قالت: أيّ ذلك ؟ قال: أنشديني قوله (2):
و قد زعموا (3) أني تغيرت بعدها *** و من ذا الذي يا عزّ لا يتغيّر
تغير جسمي و الخليقة كالذي (4) *** عهدت و لم يخبر بسرّك مخبر
فاستحيت، و قالت: أما هذا يا أمير المؤمنين فلا أحفظه، و لكن أروي له (5):
كأني أنادي صخرة حين أعرضت *** من الصم لما أعرضت و تولّت (6)
صفوحا فما تلقاك إلا ملولة (7) *** فمن ملّ منها ذلك الوصل ملت
أنبأنا أبو الحسن علي بن محمّد، ثم أخبرني أبو المعمر المبارك بن أحمد عنه.
و أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، و أبو الحسن بن العلاف.
قالا: أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أحمد بن إبراهيم، نا محمّد بن جعفر، نا علي بن الأعرابي، نا علي بن عمروس قال:
دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان و هو لا يعرفها ترفع مظلمة لها، فلمّا سمع كلامها تعجّب منه، فقال له بعض جلسائه: هذه عزّة كثيّر، فقال عبد الملك: إن أردت أن أردّ عليك مظلمك فأنشديني ما قال فيك كثيّر، فاستحيت و قالت: و اللّه ما أعرف كثيّرا لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال فيّ (8):
قضى كل ذي دين علمت غريمه (9) *** و عزّة ممطول معنى غريمها
فقال عبد الملك: ليس عن هذا أسألك، و لكن أنشديني من قوله:
ص: 279
و قد زعمت أنّي تغيرت بعدها *** و من ذا الذي يا عزّ لا يتغير
تغيّر جسمي و الخليفة كالذي *** عهدت و لم يخبر بسرّك مخبر
قالت: قد سمعت هذا، و لكني سمعت الناس يحكون أنه قال فيّ :
كأني أنادي صخرة حين أعرضت *** من الصم لو تمشي بها العصم زلّت
صفوح فما تلقاك إلاّ بخيلة *** فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
فقضى حاجتها و ردّ مظلمتها، و قال: أدخلوها على الجواري يأخذن من أدبها.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا البنا، قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، عن أبي الحسن الدارقطني.
و قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي الفتح بن المحاملي، أنا الدارقطني.
نا الحسين بن إسماعيل، نا عبد اللّه بن شبيب، نا الزبير (1)،حدّثني يعقوب بن حكيم السلمي، عن قسيمة (2) بنت عياض الأسلمية، عن بنّة (3) و هي أم البنين ابنة عياض بن الحسن (4) الأسلمية (5)،قالت:
سارت علينا عزّة في جماعة من قومها، فنزلت على يبر ابن يربوع الجهنية (6)،فسمعنا بها، فاجتمعت جماعة من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها، فرأينا امرأة حميراء (7) حلوة لطيفة، فتضاءلنا لها (8)،و معنا نسوة كلهن لهن الفضل عليها في الجمال و الخلق إلى أن تحدّثت عزّة، فإذا هي أبدع الخلق و أحلاه حديثا، فما فارقناها إلاّ و لها الفضل في أعيننا، و ما نرى أن امرأة تفوقها حسنا و جمالا و حلاوة.
أنبأنا أبو القاسم يحيى بن ثابت بن بندار بن إبراهيم، أنا أبي أبو المعالي، أنا أبو
ص: 280
العباس أحمد بن عمر بن أحمد البرمكي، أنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن علي بن عبد الرّحمن بن منصور المروزي الكاتب، نا أبو بكر محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشار الأنباري النحوي، نا أبي، نا أحمد بن عبيد قال (1):
دخل كثير على عبد الملك بن مروان، و كان كثيّر دميما، فلما نظر إليه عبد الملك قال:
تسمع بالمعيدي لا أن تراه (2)،فقال كثيّر (3):
ترى الرجل النحيف فتزدريه *** و تحت ثيابه أسد يزير (4)
و يعجبك الطرير إذا تراه (5) *** فيخلف ظنك الرجل الطرير
و ما عظم الرجال لهم بزين *** و لكن زينهم (6) كرم و خير
فقد عظم البعير بغير لبّ *** فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الضبي بكل وجه *** و يحمله (7) على الخسف الجرير
شرار الأسد أكثرها فراخا *** و أم الصقر مقلات (8) نزور
فقال له عبد الملك: إن كنا أسأنا لك اللقاء فلست أنسى (9) لك الثواب، فاذكر حاجتك، فقال: حاجتي أن تزوّجني عزّة، فوجه إلى أهلها، فأحضرهم، و أمرهم بتزويجه إياها، فقالوا: يا أمير المؤمنين هي امرأة بالغ لا يولى على مثلها، و نحن نعرض ذلك عليها، فإن أجابت إليه أمسكناه (10)،فأمر بإحضارها، فأحضرت فعرض عليها التزويج به، فقالت بعد ما شهرني في العرب، و شبّب بي فأكثر ذكري، ما إلى هذا سبيل. فقال لها: فإذا أبيت هذا و كرهته فاكشفي وجهك فثقل ذلك عليها، ثم فعلت، و مضت مكشوفة الوجه إلى بعض حجر
ص: 281
عبد الملك، فدخلت الحجرة، و نظرت إلى كثيّر مغضبة، فقال بعض من حضرها: جنّت جنّت فأنشأ كثيّر يقول (1):
أصاب الردى من كان يهوى لك الردى *** وجن اللواتي قلن: عزّة جنّت
فهن لأولى بالجنون و بالخنا *** و بالسيئات ما حيين و حيّت
و لما رأت من حولها نقص (2) الحيا *** رمتني بباقي وصلها ثم ولت
فصرت كذات (3) البو تتبع بكرها (4) *** فلما قضت بأسا من البو حنت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة (5) *** لدينا و لا مقلية إن تقلّت
فحلفت ألا تكلم كثيّرا سنة، فلما انصرفت من الحج بصرت بكثيّر، و هو على جمله، يخفق نعاسا، فضربت رحله بيدها، و قالت كيف أنت يا جمل ؟ فأنشأ كثيّر يقول (6):
حيتك عزة بعد البين و انصرمت *** فحي ويحك من حياك يا جمل
لو كنت حييتها ما زلت ذا مقة *** عندي و ما منك الإدلاج و العمل
ليت التحية كانت لي فأبد لها (7) *** مكان يا جملا (8) حييت يا رجل
فجنّ من جزع إذ قلت ذاك له *** و رام تكليمها لو تنطق الإبل (9)
أنبأنا أبو الحسن بن العلاف، و أخبرني أبو المعمر عنه.
ح و أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، و ابن العلاف، قالا:
أنا عبد الملك بن محمّد، أنا أحمد بن إبراهيم، نا محمّد بن جعفر، نا أبو يوسف يعقوب بن عيسى الزهري، نا الزبير بن بكار، قال:
ص: 282
أرسل عبد العزيز بن مروان إلى عزّة كثيّر، فلما جاءت أدخلها بيتا، و أسبل عليها سترا، ثم دعا كثيّرا فقال له: حاجتك يا كثيّر، قال: أرضك التي بمكان كذا و كذا، ناقة برعائها. قال لك ذلك: أ فتبغي غير هذا؟ قال: لا، قال: يا غلام ارفع الستر، فلمّا نظر إليها أنشأ يقول (1):
عجبت لتركي خطّة الرّشد بعد ما *** بدا لي من عبد العزيز قبولها
حلفت بربّ الراقصات إلى منى *** يغول البلاد نصّها و ذميلها
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها *** و أمكنني منها إذا لا أقيلها
فهل أنا إن راجعتك القول مرة *** بأحسن منها عائدا (2) فتقيلها
فأصبحت كالمجفو من غير جفوة *** و ما بقيت من حاجة أستقيلها
قال: و نا محمّد بن جعفر، نا إبراهيم بن الجنيد، نا محمّد بن الحسين، حدّثني يوسف ابن الحكم الرقي، نا مروان بن محمّد بن عبد الملك بن مروان قال (3):
دخلت عزّة على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز، فقالت لها: يا عزّة ما قول كثيّر:
قضى كل ذي دين علمت غريمه *** و عزّة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدّين ؟ قالت: كنت وعدته قبلة، ثم إنّي حرجت منها، فقالت: أنجزيها له و عليّ إثمها.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المسلم الشافعي، أنا جعفر بن أحمد بن الحسين، نا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي بمكة، نا أبو بكر أحمد بن علي بن لال الهمداني، نا أحمد بن الحسين (4)،نا حامد (5) بن حماد، نا إسحاق بن سيار، نا الأصمعي، نا سفيان بن عيينة قال: دخلت عزّة على سكينة بنت الحسين بن علي ذات يوم فقالت لها: يا عزّة أ رأيتك إن سألتك عن شيء هل تصدقينني (6)؟قالت: نعم، قالت: ما عنى كثيّر بقوله:
قضى كل ذي دين فوفّى غريمه *** و عزّة ممطول معنى غريمها
ص: 283
فتحايت، و قالت: فداك أبي، إن رأيت أن تعفيني. فقالت: لا أعفيك بل أعزم عليك؛ قالت: كنت وعدته قبلة، قالت: أنجزيها و إثمها عليّ .
أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا عبد العزيز الكتاني، أنا عبيد اللّه بن أحمد الصيرفي إجازة، أنا أبو عمر بن حيوية، أنا محمّد بن خلف بن المرزبان، حدّثني يزيد بن محمّد، أخبرني محمّد بن سلاّم الجمحي قال (1):
أرادت عزّة أن تعرف ما لها (2) عند كثيّر، فتنكرت له و مرت به متعرضة، فقام فاتبعها فكلمها فقالت له: فأين حبك عزّة ؟ فقال: أنا الفداء لك لو أنّ عزّة أمة لي لوهبتها لك، قالت: ويحك لا تفعل، فقد بلغني أنها لك في صدق المودة، و محض المحبة و الهوى، على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك و أكثر، و بعد فأين قولك (3):
إذا وصلتنا خلّة كي نزيلها (4) *** أبينا و قلنا: الحاجبية أوّل
فقال كثيّر: بأبي أنت و أمي اقصري عن ذكرها و اسمعي ما أقول، ثم قال:
هل وصل عزّة إلاّ وصل غانية *** في وصل غانية من وصلها بدل
قالت: فهل لك في المجالسة (5)،فقال لها: و كيف لي بذلك ؟ فقالت له: فكيف بما قلت في عزّة و سيّرته لها؟ فقال: أقلبه فيتحول إليك، و يصير لك، قال: فسفرت عن وجهها عند ذلك و قالت: أ غدرا و تنكاثا يا فاسق، و إنك لها هنا يا عدوّ اللّه قال: فبهت و أبلس (6) و لم ينطق (7)،و تحيّر و خجل، ثم إنّها عرفت أمرها و نكثه و غدره بها، و أعلمته سوء فعاله، و قلة حفاظه، و نقضه للعهد و الميثاق، ثم قالت: قاتل اللّه جميلا حيث يقول (8):
لحى اللّه من لا ينفع الودّ عنده *** و من حبله إن مدّ (9) غير متين
ص: 284
و من هو ذو وجهين ليس بدائم *** على العهد حلاّف لكل يمين
فأنشأ كثيّر يقول بانخزال و حصر و انكسار يعتذر إليها، و يتنصل مما كان منه، و احتال في دفع زلّته متمثلا بقول جميل، و يقال: بل سرقه من جميل، و نحله إلى نفسه فقال (1):
ألا ليتني قبل الذي قلت شيّب لي *** من المذعف القاضي (2) و سمّ الذّرارح
فمتّ ، و لم تعلم عليّ خيانة *** ألا ربّ باغي الربح ليس برابح
فلا تحمليها و اجعليها جناية (3) *** تروّحت منها في مياحة مائح
أبوء بذنبي إنني (4) قد ظلمتها *** و إنّي بباقي سرّها غير بائح
أنبأنا أبو الحسن بن العلاّف، و أخبرني أبو المعمر عنه.
و أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو علي بن المسلمة، و ابن العلاف، قالا: أنا أبو القاسم الواعظ ، أنا أحمد بن إبراهيم، نا أبو بكر الخرائطي، نا أبو يوسف الزهري، نا الزبير بن بكار، قال:
بينا كثيّر ينشد الناس و قد حشدوا له، إذ مرت به عزّة و معها زوجها، فقال لها زوجها:
و اللّه لتسبنه أو لأسوّأنك (5)،فقربت منه تسبّه فأنشأ يقول (6):
يكلفها الخنزير سبي (7) و ما بها *** هواني و لكن للمليك استدلّت
هنيئا مريئا غير داء مخامر *** لعزّة من أعراضنا ما استحلت
فما أنا بالداعي لعزّة بالجوى (8) *** و لا شامت إن نعل عزّة زلّت
أصاب الردى من كان يهوى لك الردى *** وجن اللواتي قلن: عزّة جنت (9)
قال: و نا الزبير بن بكار، قال: بلغ كثيّرا أن عزّة مريضة بمصر، و أنها تشتاقه، فخرج
ص: 285
يريدها، فلما صار ببعض الطريق إذا بغراب (1) بانة ينتف ريشه، فتطيّر من ذلك، فبينا هو يسير لقي رجلا عائفا زاجرا فأخبره بما قصد له، و ما رأى في طريقه فقال له: لقد ماتت هذه المرأة و استبدلت به بديلا، فقدم مصر فوجد الناس منصرفين من جنازتها فأنشأ يقول (2):
فما أعيف النّهديّ لا درّ درّه *** و أعلمه (3) بالزجر لا عز ناصره
رأيت غرابا واقعا (4) فوق بانة *** ينتف أعلى ريشه و يطايره
فأما غراب فاغتراب من النوى *** و بان فبين من حبيب تعاشره (5)
أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي و غيره عن أبي القاسم التنوخي.
و أخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الفرج في كتابها قالت: أنا جعفر بن أحمد بن الحسين، أنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي بقراءتي عليه، أنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي، نا أبو بكر بن دريد، أنا عبد الأول بن مريد (6)،أخبرني حماد بن إسحاق، عن أبيه قال (7):
خرج كثيّر يريد عبد العزيز بن مروان و أكرمه و رفع منزلته، و أحسن جائزته، و قال:
سلني ما شئت من الحوائج، قال: نعم، أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزّة، فيقفني عليه، فقال رجل من القوم: إنّي لعارف به، فوثب كثيّر فقال لعبد العزيز: حاجتي أصلحك اللّه، فانطلق به الرجل حتى انتهى إلى موضع قبرها، فوضع يده عليه و عيناه تجري، و هو يقول (8):
وقفت على ربع لعزّة ناقتي *** و في (9) البرد رشاش من الدمع يسفح
فيا عزّ أنت البدر قد حال دونه *** رجيع التراب و الصّفيح المضرّح
ص: 286
و قد كنت أبكي من فراقك خيفة *** و هذا لعمري (1) اليوم أنأى و أنزح
فألاّ فداك الموت من أنت زينه *** و من هو أسوأ منك حالا و أقبح (2)
ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذّة *** لشيء و لا ملحا لمن يتملّح
فلا (3) زال وادي رمس عزّة سائلا *** به نعمة من رحمة اللّه تسفح
فإن التي أحببت قد حال دونها *** طوال (4) الليالي و الضريح المرجّح (5)
أ ربّ بعينيّ البكا كلّ ليلة *** فقد كاد مجرى دمع عينيّ يقرح
إذا لم يكن ماء تحلّبنا دما *** و شرّ البكاء المستعار الممنّح (6)
[عفراء] (7)
9389 - عفراء بنت عقال بن مهاصر (8) العذرية (9)
صاحبة عروة بن حزام بن مهاصر (10)،و ابنة عمه.
قدمت الشام، و نزلت البلقاء، و كانت بنواحي بصرى، و هي شاعرة، قالت ترثي عروة حين هلك (11):
ألا أيها الركب المخبّون (12) ويحكم *** بحقّ نعيتم عروة بن حزام
فلا يهنأ الفتيان بعدك لذة *** و لا رجعوا من غيبة بسلام
و قل للحبالى لا ترجّين غائبا *** و لا فرحات بعده بغلام (13)
ص: 287
و قيل إنها لم تزل تردد هذه الأبيات أياما و تندبه بها حتى ماتت بعده بأيام قلائل.
و بلغني عن أبي الحسن محمّد بن العباس بن أحمد بن الفرات، عن أخيه أبي القاسم عبيد اللّه بن العباس، عن أبي عبد اللّه محمّد بن العباس اليزيدي، قال: قرأت على أبي العباس أحمد بن يحيى عن من ذكره عنه قال:
مر بوادي القرى ركب يريدون البلقاء، فسألوا: من الميت ؟ فقيل: عروة بن حزام، فقال بعضهم لبعض: أما و اللّه لنأتين عفراء بما يسوؤها، فساروا حتى إذا مروا بمنزلها مروا ليلا فصاح صائح بأعلى صوته:
ألا أيها القصر المغفل أهله *** إليكم نعينا عروة بن حزام
فسمعت عفراء الصوت، ففهمته و نادته بهم:
ألا أيها الركب المخبّون (1) ويحكم *** أ حقا نعيتم عروة بن حزام
فقال بعضهم:
نعم قد دفناه بأرض بعيدة *** مقيم بها في سبسب و آكام
فقالت:
فإن كان حقّا ما تقولون فاعلموا *** بأن قد نعيتم بدر كل ظلام
نعيتم فتى يسقي الغمام بوجهه *** إذا هي أمست غير ذات غمام
فلا نفع الفتيان بعدك لذة *** و لا ما لقوا من صحة و سلام
و لا لبس الضيفان بعدك لابس *** و لا حممت (2) بعد الحبيب حمام
و بتن الحبالى لا يرجّين غائبا *** و لا فرحات بعده بغلام
ثم أقبلت على زوجها فقالت: يا هناه إنه قد كان من أمر ذلك الرجل ما قد بلغك، و اللّه ما كان إلاّ على الحسن الجميل، و قد بلغني أنه مات قبل أن يصل إلى أهله، فإن رأيت أن تأذن لي فأخرج في نسوة من قومه فنندبه و نبكي عليه، فعلت، فأذن لها، فخرجت تنوح بهذه الأبيات:
ألا أيها الركب المخبّون (3) ويحكم...
حتى ماتت.
ص: 288
أخبرنا أبو عبد اللّه بن البنا، عن أبي تمام علي بن محمّد العبدي، عن محمّد بن العباس السوسي، حدّثني أبو بكر محمّد بن خلف، حدّثني أبو محمّد البلخي، حدّثني أحمد ابن سراقة، حدّثني العباس بن الفرج قال: سمعت الأصمعي يقول عن ابن أبي الزناد قال:
قال عمر بن الخطاب: لو أدركت عفراء و عروة جمعت بينهما (1).
أنبأنا أبو القاسم النسيب، و أبو الفرج غيث بن علي و غيرهما، عن أبي بكر الخطيب، أنا علي بن أيوب القمي، نا أبو عبيد اللّه محمّد بن عمران، نا عبد اللّه بن محمّد بن أبي سعد، حدّثني إسحاق بن محمّد النخعي، حدّثني معاذ بن يحيى الصنعاني قال:
خرجت من مكة إلى صنعاء، فلما كان بيننا و بين صنعاء خمس مراحل رأيت الناس ينزلون عن محاملهم، و يركبون دوابّهم، فقلت: أين تريدون ؟ فقالوا: نريد أن ننظر إلى قبر عفراء و عروة، فنزلت عن محملي، و ركبت حماري، و اتصلت بهم، فانتهيت إلى قبرين متلاصقين، قد خرج من هذا القبر ساق شجرة، و من هذا القبر ساق شجرة، حتى إذا صارا على قامة التقيا، فكان الناس يقولون تآلفا في الحياة و في الموت.
أنبأنا أبو منصور بن خيرون، عن أبي محمّد الجوهري، عن محمّد بن العباس الخزّاز (2)،حدّثني أبو بكر محمّد بن خلف بن المرزبان قال: و حدّثني إسحاق بن محمّد بن أبان، حدّثني معاذ بن يحيى قال: خرجت إلى صنعاء، فلمّا كنا ببعض الطريق قيل لنا إن قبر عفراء و عروة على مقدار ميل من الطريق، قال: فمضت جماعة كنت فيهم فإذا قبران متلاصقان قد خرج من كلّ قبر ساق شجرة، حتى إذا صارا على مقدار قامة التقت كل واحدة منهما بصاحبتها.
قال إسحاق: فقلت لمعاذ: أ ترى أيّ ضرب هو من الشجر؟ فقال: لا أدري، و لقد سألت أهل القرية فقالوا: لا نعرف هذا الشجر ببلادنا.
قال أبو بكر بن المرزبان أنشدني سعيد بن الفضل الأزدي قال: أنشدنا العتبي لعروة بن حزام (3)(4):
ص: 289
لو أن أشدّ الناس وجدا و مثله *** من الجنّ بعد الإنس يلتقيان
فيشتكيان الوجد ثمّت أشتكي *** لأضعف وجدي فوق ما يجدان
فقد تركتني ما أعي لمحدّث *** حديثا و إن ناجيته و نجاني
و قد تركت عفراء قلبي كأنه *** جناح عقاب (1) دائم الخفقان
[عكرشة] (2)
9390 - عكرشة بنت الأطش (3) بن رواحة
من الوافدات على معاوية (4)،لها معه قصة.
أنبأنا أبو عبد اللّه الحسين بن نصر بن محمّد بن خميس، نا محمّد بن علي بن ودعان، أنا أحمد بن عبيد اللّه بن أحمد بن ودعان، أنا هارون بن أحمد بن محمّد بن روح، نا الحسين ابن إبراهيم الصائغ، نا عبد العزيز بن يحيى الجلودي (5)،نا محمّد بن زكريا الغلابي، نا العباس بن بكار، نا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، و عبد اللّه بن سليمان عن أبيه قالا:
دخلت عكرشة بنت الأطشّ بن رواحة على معاوية بن أبي سفيان و بيدها عكاز في أسفله زجّ (6) مسقي فسلّمت عليه بالخلافة، فقال لها معاوية: يا عكرشة الآن صرت أمير المؤمنين، قالت: نعم إذ لا على حيّ . قال: أ لست صاحبة الكور المسدول و الوسط المشدود، المتقلدة بحمائل السيف تجولين (7) بين الصفين يوم صفين ؟ تقولين: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاٰ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (8) إن الجنّة دار لا يرحل [عنها] (9) من قطنها (10) و لا
ص: 290
يحزن (1) من سكنها، و لا يموت من دخلها. فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، و لا تنصرم غمومها (2)،و كونوا قوما مستبصرين. إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب، غلف القلوب (3)لا يفقهون ما الإيمان، و لا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا فأجابوه، و استدعاهم بالباطل فلبّوه. فاللّه اللّه عباد اللّه في دين اللّه، و إياكم و التواكل فإن في ذلك نقض (4) عرى الإسلام و إطفاء نور الحق، و إظهار الباطل، و إذهاب السنة، هذه بدر الصغرى، و العقبة الأخرى، يا معاشر المهاجرين و الأنصار امضوا على [بصيرتكم و اصبروا على] (5) عزيمتكم فكأني (6) بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كالحمير الناهقة و البغال الشّحاجة تصفق صفق البقر (7)،و لا تروب روب العناق، فكأني بك على عكازك هذه قد انكفأ عليك العسكران، يقولون هذه عكرشة بنت الأطش بن رواحة، فإن كدت لتلتفتين (8) عني أهل الشام لو لا ما أحب اللّه أن يجعل لنا هذا الأمر، و كان أمر اللّه قدرا مقدورا فما حملك على ذلك، قالت: يا أمير المؤمنين، يقول اللّه عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيٰاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (9) إنّ اللبيب إذا كره أمرا لم يجب إعادته قال: صدقت، اذكري حاجتك، قالت: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قد جعل صدقاتنا على فقرائنا و مساكيننا و رد أموالنا فينا إلاّ بحقها، و إنا قد فقدنا ذلك، فما ينعش لنا فقير، و ما يجبر لنا كسير، فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة، و راجع التوبة، و إن كان ذلك عن غير رأيك فما مثلك من استعان الخونة، و لا استعان بالظالمين.
فقال معاوية: يا هذه إنه ينوبنا أمور هي أولى بنا منكم من نحور (10) تنبثق، و ثغور تنفتق (11)،قالت: يا سبحان اللّه، و اللّه ما جعل اللّه لنا حقا جعل فيه ضررا على غيرنا، و لو
ص: 291
علم (1) أن فيما جعله لنا ضررا على غيرنا ما جعله لنا و هو علاّم الغيوب، قال: هيهات هيهات يا أهل العراق، فقهكم ابن أبي طالب فلن تطاقوا، ثم أمر لها بردّ صدقاتهم [فيهم] (2)و إنصافهم، و ردّها مكرمة.
[عمّارة] (3)
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين، أخبرني محمّد بن مزيد، نا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن عبد اللّه بن بكير العجلي، عن من حدثه قال:
كانت للغريض أخت يقال لها عمّارة، و كانت من أحسن الناس وجها و غناء، فاشتراها عبد اللّه بن جعفر بثلاثين ألفا، و وقعت منه أحسن موقع، ثم وفد إلى معاوية و معه سائب خاثر (4)،و بديح (5)،و نشيط (6)،فلما ورد عليه سرّ به و أنس بمكانه، و كان يسمر معه، فبينا معاوية ليلة قد خرج من بعض دور حرمه إذ سمع غناء من نحو دار يزيد ابنه، فسعى نحوه حتى قرب منه فإذا سائب خاثر يغنيه (7):
بينا ينعتنني (8) أبصرنني *** دون قيد الميل يعدو بي الأغرّ
قالت الكبرى: أ تعرفن الفتى ؟ *** قالت الوسطى: نعم، هذا عمر
قالت الصغرى و قد تيّمتها *** قد عرفناه، و هل يخفى القمر؟
فما فرغ من الصوت حتى طرب معاوية، فضرب برجله الأرض و بعث إلى ابن جعفر فأحضره، فقال له: يا هذا! ما جلبت علي بوفادتك بغلمانك المغنين (9) ثم دخل إلى يزيد
ص: 292
فلما [رآه قاموا و فزعوا إليه فأعلموه، فتناوم] (1) و مضى معاوية فلما كان من الغد بعث إلى يزيد: إن مكان القوم لم يخف عليّ عندك، فلا تعاودن ذلك، فلم يعاوده و مضى إلى عبد اللّه بن جعفر فسأله إخراجهم إليه، ففعل، و غنّوه و خرجت عمّارة فغنته فشغف بها و همّ بطلبها منه، ثم أمسك خوفا من أبيه، و كراهية أن يردّه ابن جعفر، و لم تزل في نفسه حتى ولي الخلافة، فوجه إليه سائب خاثر فأقام عنده أياما، ثم ذكر له يزيد أمرها و ما في نفسه منها، فقال له: عبد اللّه من قد علمت، و هو بعيد المرام، و لست أقدم عليه، و لا مثلي يجسر على مخاطبته في مثل هذا، و لكن عليك ببديح، فدعا به و أبثّه سرّه، و سأله السعي له في ذلك، فلمّا قدم عليه عبد اللّه بن جعفر صار إليه بديح فقال له: إنك قد جنيت على نفسك جناية أنت فيها على حالين من مفارقة لذة لك و حال تؤثرها أو سقوط الجاه و خيبة الوفادة و عداوة الخليفة. قال له: ويحك و فيم ذلك ؟ فأخبره بالقصة، فقال له: أخرجت أحسن الناس وجها و غناء إلى شاب مترف غزل فهويها، و ذهبت بعقله كلّ مذهب، فكتم ما يلقى خوفا من أبيه طول هذه المدة، فاختر الجارية أو رأيه. قال له: فما الرأي عندك ؟ قال:
الرأي عندي أن تدعني أمضي إليه فأخبره أنّي قد أشرت عليك أن تهديها له، كأنّك لم تعلم بذات نفسه، و تبعث بها إليه ابتداء فيكون ذلك أجمل من أن تجشّمه مسألة و شكوى بث، و تتسلى عنها، فإنّ لك في الجواري عوضا، فقال ابن جعفر: لا و اللّه ما لي منها عوض، و إن فراقها لفراق السرور ما بقيت، و لكن أفعل. فدخل بديح إلى يزيد مبادرا، و بشّره بالقصة؛ فلما كان الليل بعث بها أبو جعفر إليه، و قد زيّنها و حلاّها، و بعث بها مع قيّمة جواريه، و أمرها أن تقول له: هذه الجارية كنت ملكتها و هي رضى لك، و رأيت أن أؤثرك بها، فبارك اللّه لك، و سرّك.
فلما وصلت إليه عظم قدر ابن جعفر [عنده] (2) و وهب لبديح ألفي دينار، و قضى حوائج ابن جعفر لوفادته و زاده خمسمائة ألف درهم (3).
قال أبو الفرج: كانت عمّارة من أحسن الناس وجها و غناء، و أخذت عن ابن سريج و ابن
ص: 293
محرز، و اشتراها عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب من العبلات (1) مولياتها، و كتمها من زوجته، و كان يجد بها وجدا شديدا، ثم أهداها إلى يزيد بن معاوية، فأخبرني الحسين بن يحيى قال:
قال حمّاد بن إسحاق عن أبيه، حدّثني عبد اللّه بن بكير العجلي، عن أبيه، عن جماعة من مشيخة قريش قالوا: كانت للغريض أخت يقال لها عمّارة من أحسن الناس وجها و غناء.
و لها يقول بعض قيان المدينة:
لو تمنيت فانتهيت لكانت *** غاية النفس في المنى عمّاره
بأبي وجهك الجميل الذي يز *** داد حسنا و بهجة و نضاره
9392 - عمرة بنت النعمان بن بشير بن سعد الأنصارية (2)
امرأة شاعرة، سكنت دمشق.
أخبرنا أبو غالب، و أبو عبد اللّه ابنا أبي علي، قالا: أنا أبو جعفر المعدل، أنا أبو طاهر المخلص، نا أحمد بن سليمان، نا الزبير بن بكار، قال (3):
و كان الحارث بن خالد خطب في مقدمه دمشق عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية، فقالت:
كهول دمشق و شبانها *** أحب إليّ (4) من الجالية (5)
لهم ذفر كصنان التيو *** س أعيا على المسك و الغاليه (6)
فقال الحارث (7):
ساكنات العقيق أشهى إلى النف *** س (8) من الساكنات دور دمشق
ص: 294
يتضوعن إن تطيبن بالمسك *** ضنانا كأنه ريح مرق
و رواهما بعض علماء قريش للمهاجر بن خالد، و قال:
لنساء بين الحجون إلى الحثمة (1) *** في مقمرات ليل و شرق
و الحجون مقبرة أهل مكة، و جاه بيت أبي موسى، و الحثمة (2) صخرات مشرفات في ربع عمر بن الخطاب.
و قيل: إنّ هذا الشعر لأختها حميدة بنت النعمان، و قيل: إنه لأمها ليلى بنت هانئ بن الأسود الكندية ثم الجونية (3).
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي، أنا أبو عمر بن حيوية، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن فهم، نا محمّد بن سعد قال: فولد النعمان بن بشير عمرة تزوجها المختار بن أبي عبيد الثقفي، و هي التي قتلها مصعب بن الزبير، و أمّها ليلى بنت هانئ الكندي.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، و أبو الوحش سبيع بن المسلم، عن رشأ بن نظيف، أنا أبو شعيب عبد الرّحمن بن محمّد، و أبو محمّد عبد اللّه بن عبد الرّحمن، قالا: أنا الحسن ابن رشيق، نا أبو بشر محمّد بن أحمد، حدّثني أبو بكر الوجيهي، و هو أحمد بن محمّد بن القاسم، حدّثني أبي، حدّثني صالح بن الوجيه قال (4):
و كانت عند المختار امرأتان إحداهما أم ثابت بنت سمرة بن جندب و الأخرى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية، فعرضهما مصعب على البراءة من المختار، فأما بنت سمرة فبرئت منه فخلاّها و أما الأنصارية فقتلها، فقال عبد الرّحمن بن حسان بن ثابت في ذلك (5):
إن من أعجب العجائب (6) عندي *** قتل بيضاء حرة عطبول
ص: 295
قتلت (1) باطلا على غير جرم *** إن للّه درها من قتيل
كتب القتل و القتال علينا *** و على المحصنات (2) جرّ الذيول
و قد قيل: إنّ هذا الشعر لعمر بن أبي ربيعة (3).
أنبأني أبو محمّد بن الأكفاني، شفاها، أن أبا محمّد عبد العزيز بن أحمد أجاز لهم (4).
أنبأنا القاضي أبو المفضّل يحيى بن علي، و الفقيه أبو الحسن علي بن المسلّم و غيرهما أنّ عبد العزيز بن أحمد أجاز لهم.
أنا عبد الوهاب بن جعفر الميداني، أنا أبو سليمان بن زبر، أنا عبد اللّه بن أحمد الفرغاني، نا محمّد بن جرير الطبري قال (5):قال هشام بن محمّد: قال أبو مخنف، و حدّثني أبو علقمة الخثعمي:
أن المصعب بعث إلى أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار و إلى عمرة ابنة النعمان بن بشير الأنصارية - و هي امرأة المختار - فقال لهما: ما تقولان في المختار؟ فقالت أم ثابت: ما عسيت أن أقول فيه إلا ما تقولون فيه أنتم ؟ فقالوا لها: اذهبي، و أما عمرة فقالت:
رحمة اللّه عليه، إن كان عبدا من عباد اللّه الصالحين، فرفعها مصعب إلى السجن، و كتب فيها إلى عبد اللّه بن الزبير: أنها تزعم أنه نبي فكتب إليه: أن أخرجها، فاقتلها. فأخرجها بين الحيرة و الكوفة بعد العتمة، و ضربها مطر ثلاث ضربات بالسيف - و مطر تابع لآل ثعل (6) من بني عبد اللّه بن ثعلبة، كان يكون مع الشرط - فقالت: يا أبتاه يا أهلاه، يا عشيرتاه، فسمع به (7) بعض الأنصار، و هو أبان بن النعمان بن بشير، فأتاه، فلطمه فقال: يا ابن الزانية قطعت نفسها قطع اللّه يمينك؛ فلزمه حتى رفعه إلى مصعب فقال: إنّ أمي مسلمة و ادّعى شهادة بني
ص: 296
ثعل فلم يشهد له أحد، فقال مصعب: خلّوا سبيل الفتى فإنّه رأى أمرا فظيعا (1)،فقال عمر بن أبي ربيعة القرشي في قتل مصعب عمرة ابنة النعمان بن بشير:
إن من أعجب العجائب عندي *** قتل بيضاء حرة عطبول
قتلت هكذا على غير جرم *** إن للّه درها من قتيل
كتب القتل و القتال علينا *** و على المحصنات جرّ الذيول
قال (2):و حدّثني محمّد بن يوسف: أنّ مصعبا لقي عبد اللّه بن عمر، فسلّم عليه، فقال له: أنا ابن أخيك مصعب، فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة (3) واحدة، عش ما استطعت. فقال مصعب: إنّهم كانوا كفرة سحرة، فقال ابن عمر: و اللّه لو قتلت عدّتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا. فقال سعيد بن عبد الرّحمن ابن حسان بن ثابت في ذلك:
أتى راكب بالأمر ذي النبأ العجب *** بقتل ابنة النعمان ذي الدين و الحسب
بقتل فتاة ذات دلّ ستيرة *** مهذبة الأخلاق و الخيم و النسب
مطهرة من نسل قوم مطهر (4) *** من المؤثرين الخير في سالف الحقب
خليل النبي المصطفى و نصيره *** و صاحبه في الحرب و النكب و الكرب
أتاني بأن الملحدين توافقوا *** على قتلها لا جنّبوا القتل و السلب
فلا هنأت آل الزبير معيشة *** و ذاقوا لباس الذل و الخوف و الحرب
كأنهم إذ أبرزوها و قطعت *** بأسيافهم فازوا بمملكة العرب
أ لم تعجب الأقوام من قتل حرة *** من المحصنات الدين محمودة الأدب
من الغافلات المؤمنات بريئة *** من الذم و البهتان و الشك و الكذب
علينا كتاب القتل و اليأس واجب *** و هن العفاف في الحجال و في الحجب
على دين أجداد لها و أبوة *** كرام مضت لم تخز أهلا و لا ترب (5)
ص: 297
من الخفرات لا خروج بذيّة *** و لا نمة تبغي (1) على جارها الجنب
عجبت لها إذ كفنت و هي حية *** ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب
أخبرنا أبو القاسم بن أبي بكر، أنا أبو بكر بن أبي القاسم، أنا ابن (2) الفضل، أنا عبد اللّه، نا يعقوب قال: سنة سبع و ستين قتلت بنت النعمان بن بشير، و كانت تحت المختار، و ذكر أبو حسان الزيادي أنّ مصعبا قتلها في هذه السنة بغير أمر أخيه، فكتب إليه يعنّفه على ذلك.
بعونه تعالى تمّ الجزء التاسع و الستون من تاريخ دمشق و يليه الجزء السبعون و هو الأخير
ص: 298
حرف الألف
[ذكر من اسمها: أسماء]
9294 - أسماء بنت عبد اللّه أبي بكر الصديق بن أبي قحافة عثمان (ذات النطاقين) التيمية 5
9295 - أسماء بنت محمّد بن الحسن بن طاهر القرشية 32
9296 - أسماء بنت واثلة بن الأسقع الليثية 32
9297 - أسماء - و يقال فكيهة - بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس 33
9298 - أسماء امرأة كانت في عصر أم الدّرداء 40
9299 - آمنة - و يقال أمة - بنت سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس 40
9301 - آمنة بنت الشريد 42
9301 - آمنة - و يقال: أمينة - بنت عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص 43
9302 - آمنة - أو أميّة - بنت أبي الشعثاء الفزارية 45
9303 - آمنة بنت محمّد بن أحمد أم اليمن العجلية 46
9304 - آمنة بنت محمّد بن الحسن بن طاهر القرشية المعروف والدها بأبي البركات بن القران 47
9305 - آمنة ذات الذنب 47
9306 - أمة العزيز بنت سهل الأسفراييني 48
9307 - أمة العزيز بنت محمّد بن الحسن الديلمية 48
9308 - أميمة بنت أبي بشر بن زيد بن الأطول - و يقال:[زيد الأطول-] الأزدية 48
9309 - أميمة بنت رقيقة و هي أميمة بنت عبد - و يقال عبد اللّه - بن بجاد بن عمير بن الحارث 49
9310 - أميمة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أم حبيب 57
ص: 299
9311 - أمينة بنت أحمد بن عطية العنسية 57
9312 - أنيسة بنت معبد المغني 57
حرف الباء
9313 - بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو الأحب بن حن بن ربيعة بن حرام 59
9314 - بحريّة بنت هانئ بن قبيصة بن مسعود الشّيبانيّة، امرأة عبيد اللّه بن عمر 65
9315 - برق الأفق المدنيّة 66
9316 - بلقيس بنت شراحيل الهدهاد بن شرحبيل 69
أسماء النساء على حرف التاء
9317 - تجيفة زوج أبي عبيدة بن الجرّاح 80
9318 - تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن 81
أسماء النساء على حرف الثاء المثلثة
9319 - الثّريّا بنت عبد اللّه بن الحارث و يقال: بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث 83
أسماء النساء على حرف الجيم
9320 - جويرية بنت أبي سفيان صخر بن حرب أخت أم حبيبة و يزيد و معاوية بني أبي سفيان 87
9321 - جرباء بنت عقيل بن علّفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع 89
أسماء النساء على حرف الحاء
9322 - حبابة بالتخفيف، و هو لقب 90
9323 - حبة بنت الفضل 95
9324 - حسينة ماشطة عبد الملك بن مروان 98
9325 - حميدة بنت عمر بن عبد الرّحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة الزهرية 99
9326 - حميدة بنت النعمان بن بشير أم محمد الأنصارية 100
9327 - حميدة حاضنة ولد عمر بن عبد العزيز 103
9328 - حواء أم البشر 103
9329 - حولا بنت بهلول المتعبدة 113
9330 - حية: و يقال: فاختة 113
ص: 300
أسماء النساء على حرف الخاء المعجمة
9331 - خديجة بنت عليّ بن إبراهيم بن يوسف الشّقيقي البصريّة 114
9332 - خصيلة بنت واثلة بن الأسقع 115
9333 - خيرة بنت أبي حدرد أمّ الدّرداء الكبرى الأسلميّة، زوج أبي الدّرداء 116
أسماء النساء على حرف الدال المهملة
9334 - درداء بنت أبي الدّرداء عويمر بن قيس الأنصاريّة 117
أسماء النّساء على حرف الراء
9335 - رابعة بنت إسماعيل 117
9336 - رباب بنت امرئ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد اللّه ابن كنانة الكلبيّة 121
9337 - رحمة بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و يقال: رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب 122
9338 - رملة بنت الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ ، القرشيّة الأسديّة 129
9339 - رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أم حبيبة 132
9340 - رملة الصغرى بنت صخر أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس 155
9341 - رملة بنت معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية 156
9342 - رواحة بنت أبي عمرو عبد الرّحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي البيروتية 159
9343 - ريّا حاضنة زيد بن معاوية 160
9344 - ريطة - و يقال: رائطة - بنت عبيد اللّه بن عبد الحجر - و هو عبد اللّه - بن عبد المدان و اسمه عمرو بن الديان و اسمه يزيد بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب 163
حرف الزاي [زجلة]
9345 - زجلة مولاة عاتكة بنت عبد اللّه بن معاوية 165
9346 - زرقاء بنت عدي بن مرّة الهمدانية الكوفية 167
9347 - زمرد بنت جاولي بن عبد اللّه الخاتون أخت الملك دقاق تاج الدولة لأمه 169
ص: 301
9348 - زينب بنت الحسن بن [الحسن بن] علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمية 170
9349 - زينب بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم 170
9350 - زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشمية 171
9351 - زينب بنت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشمية 173
9352 - زينب بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام المخزومية 174
9353 - زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف 176
9354 - زينب بنت هشام بن عبد الملك بن مروان 181
9355 - زينب بنت يوسف بن الحكم الثقفية 181
حرف السين
9356 - سارة بنت هازان بن باحورا، و يقال: زوج إبراهيم الخليل عليهما السّلام 182 [ست العشيرة]
9357 - ست العشيرة بنت عبد اللّه بن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمية 192 [ستيت]
9358 - ستيت بنت الداراني 193 [سعدة]
9359 - سعدة بنت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أم سعيد 193
9360 - سفّانة بنت حاتم الطائية 194 [سكينة]
9361 - سكينة - و اسمها: أميمة، و يقال: أمينة و يقال: آمنة - بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية 206
9362 - سكينة زوج أبي الحسين زيد بن عبد اللّه بن محمّد البلّوطي 220
9363 - سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية 221
9363 - سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية اليمانية 226
9364 - سلافة مرجّلة عبد الملك بن مروان 228
9365 - سلافة الحجازية جارية آل المعمر التيميين 229
ص: 302
9366 - سلاّمة 230
9367 - سلامة أمّ المنصور 233
9368 - سلاّمة أم سلاّم المعروفة بسلاّمة القسّ 233
9369 - سيباء بنت النجم الهلالية 240
9370 - سيدة بنت عبد اللّه بن مرحوم أم الحسين الطرسوسية الماجدية 241
9371 - سيدة بنت عبد اللّه امرأة أبي الحسين البلّوطي 242
حرف الشين
9372 - شارزما بنت جعفر أمة العزيز الديلمية 242
9373 - شكر - و تسمى أيضا: مشكورة - بنت أبي الفرج سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد الأسفرايني أمة العزيز 243 [شهدة]
9374 - شهدة جارية للوليد بن يزيد بن عبد الملك 243
حرف الصاد [صفية]
9375 - صفية بنت لمعاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية 244
حرف الضاد و حرف الطاء و حرف الظاء فارغة حرف العين
9376 - عاتكة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان 245
9377 - عاتكة بنت معاوية بن الفرات البكائي 245
9378 - عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية 247
9379 - عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي أم عمران التيمية و أمّها أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق 250
9380 - عائشة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم 262
9381 - عائشة بنت علي بن الخضر بن عبد اللّه 262
ص: 303
9382 - عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد اللّه التيمية 263 [عبدة]
9383 - عبدة بنت أحمد بن عطية العنسية 264
9384 - عبدة بنت عبد اللّه بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة بن عبد شمس 265 [عتبة]
9385 - عتبة المدنية 267 [عثامة]
9386 - عثامة بنت بلال بن أبي الدرداء 268
9387 - عريب المأمونية 269
9388 - عزّة بنت حميل بن حفص، و يقال: بنت حميد بن وقاص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار، و يقال: عزّة بنت عبد اللّه 280 [عفراء]
9389 - عفراء بنت عقال بن مهاصر العذرية 289 [عكرشة]
9390 - عكرشة بنت الأطش بن رواحة 292 [عمّارة]
9391 - عمّارة أخت الغريض 294
9392 - عمرة بنت النعمان بن بشير بن سعد الأنصارية 296
ص: 304