حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام المجلد 2

اشارة

سرشناسه : بحراني، هاشم بن سليمان، - 1107؟ق

عنوان و نام پديدآور : حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام/ تاليف هاشم البحراني؛ تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلاميه، [ 13] - 1415ق. = 1373.

مشخصات ظاهري : ج 5

فروست : (بنياد معارف اسلامي؛ 15، 16)

شابك : بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4) ؛ بها:5300ريال(ج.4)

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : چاپ اول: 1372؛ 4200 ريال (ج. )3

يادداشت : جلد چهارم (1372)؛ بها: 600 ريال

يادداشت : ج. 1 (چاپ اول: 2200 :1369 ريال)

يادداشت : كتابنامه

موضوع : چهارده معصوم

شناسه افزوده : مولانا بروجردي، غلامرضا، مصحح

شناسه افزوده : بنياد معارف اسلامي

رده بندي كنگره : BP36/ب 3ح 8

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : م 73-3586

ص: 1

اشارة

حليه الابرار في احوال محمد و آله الاطهار عليهم السلام

تاليف هاشم البحراني

تحقيق غلام رضا مولانا البروجردي

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:3

الحمدلله رب العالمین و الصلاه و السلام علی اشرف الخلق اجمعین محمد و آله الطیبین الطاهرین

ص:4

المنهج الثاني: في حلية الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) و صفاته

اشارة

و فيه خمسون بابا الباب الأول: في شأنه عليه السلام في الأمر الأول.

الباب الثاني: و هو من الباب الأول.

الباب الثالث: في مولده الشريف و كلامه عليه السلام في بطن أمه و حال ولادته (ع) .

الباب الرابع: في تربية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له عليه السلام و اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الباب الخامس: في أنه عليه السلام أول من أسلم و صلى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو صغير.

الباب السادس: في أنه عليه السلام أول من أسلم و صلى مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من طريق المخالفين.

الباب السابع: فيما أجاب به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين قيل في إسلامه طفلا.

الباب الثامن: في شدة يقينه و إيمانه.

الباب التاسع: فيما ذكره الحسن عليه السلام من سوابق أبيه عليه السلام.

الباب العاشر: في ترتيب أحواله عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

ص:5

الباب الحادي عشر: في صبره و تورّطه في صعب الأمور رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الباب الثاني عشر: في مبيته على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيه نزل قوله تعالى وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ .

الباب الثالث عشر: من الأول من طريق المخالفين.

الباب الرابع عشر: في فضل سوابقه عليه السلام وسعتها.

الباب الخامس عشر: و هو من الباب الأول من طريق المخالفين.

الباب السادس عشر: في حديث الأعمش مع المنصور، و أنّه كان يحفظ في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام عشرة آلاف فضيلة، و هو مذكور أيضا من طريق المخالفين.

الباب السابع عشر: في تضاعف ثوابه عليه السلام من طريق الخاصة و العامة.

الباب الثامن عشر: في قوّته عليه السلام.

الباب التاسع عشر: في شجاعته عليه السلام.

الباب العشرون: في عبادته عليه السلام.

الباب الحادي و العشرون: في بكائه من خشية اللّه و خشوعه عليه السلام.

الباب الثاني و العشرون: في خوفه من اللّه تعالى.

الباب الثالث و العشرون: في أدعية له مختصرة في السجود، و عند النوم، و إذا أصبح، و إذا أمسى عليه السلام.

الباب الرابع و العشرون: في تصوير الدنيا له عليه السلام و إعراضه عنها و طلاقه عليه السلام لها ثلاثا.

الباب الخامس و العشرون: في زهده في الدنيا، و هو من الباب الأول من طرق الخاصة و العامة.

الباب السادس و العشرون: في زهده عليه السلام في الملبس و المطعم و المشرب.

ص:6

الباب السابع و العشرون: و هو من الباب الأول.

الباب الثامن و العشرون: في زهده في المطعم و المشرب و الملبس من طريق المخالفين.

الباب التاسع و العشرون: في عمله عليه السلام بيده، و عتقه ألف مملوك من كدّ يده.

الباب الثلاثون: في عمله عليه السلام في البيت و تواضعه عليه السلام.

الباب الحادي و الثلاثون: في جوده عليه السلام، و فيه نزلت وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (1) .

الباب الثاني و الثلاثون: و هو من الباب الأول.

الباب الثالث و الثلاثون: في أنّه عليه السلام لا تأخذه في اللّه لومة لاثم.

الباب الرابع و الثلاثون: في تظلّمه ممن تقدّم عليه في الخطبة الشقشقية.

الباب الخامس و الثلاثون: في تظلّمه، و هو من الباب الأول.

الباب السادس و الثلاثون: في احتجاجه على أبي بكر في إمامته عليه السلام و أنّه عليه السلام الإمام دونه، و إقرار أبي بكر له عليه السلام باستحقاقه الإمامة دونه.

الباب السابع و الثلاثون: في احتجاجه على أبي بكر و عمر حين دعي إلى البيعة و اعتراف عمر له عليه السلام.

الباب الثامن و الثلاثون: في احتجاجه على أهل الشورى و فيهم عثمان و إقرارهم له عليه السلام.

الباب التاسع و الثلاثون: في علّة تركه مجاهدة من تقدّم عليه.

الباب الأربعون: في تركه مؤاخذة عدوه مع قدرته عليه.

الباب الحادي و الأربعون: في عدله عليه السلام و قسمته بالسوية.

الباب الثاني و الأربعون: في صبره و امتحانه عليه السلام قبل وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بعده.

الباب الثالث و الأربعون: في طلبه تعجيل الشهادة حين بشّر بها.

الباب الرابع و الأربعون: في صفته عليه السلام.

ص:7

الباب الخامس و الأربعون: إنّ أمير المؤمنين و بنيه الأئمة عليهم السلام أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الباب السادس و الأربعون: أنّه عليه السلام خير البرية من طريق الخاصة و العامة.

الباب السابع و الأربعون: في حسن خلقه، و إكرامه الضيف، و الحياء، و غير ذلك.

الباب الثامن و الأربعون: في المفردات.

الباب التاسع و الأربعون: في أنّه عليه السلام لم يفرّ من زحف، و مصابرته في القتال.

الباب الخمسون: انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أوصى إليه عليه السلام من طريق الخاصة و العامة.

ص:8

الباب الأول

«في شأنه عليه السلام في الأمر الأول»

1-روى السيّد الفاضل وليّ بن نعمة اللّه الحسيني الرضوي الحائري (1)رحمه اللّه تعالى في كتاب «منهج الحق و اليقين في تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على الأنبياء و المرسلين» ما عدا نبيّنا.

قال: روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: لمّا خلق اللّه سبحانه و تعالى آدم و حوّاء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحواء: ما خلق اللّه تعالى أحسن منّا فأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل عليه السلام أن آت عبدي إلى الفردوس الأعلى، فلمّا دخل الفردوس نظر إلى جارية على درنوك (2)من درانيك الجنّة، على رأسها تاج من نور، و في أذنيها قرطان من النور، قد أشرقت الجنان من نور وجهها، فقال: هذه فاطمة بنت محمّد من ولدك يكون في آخر الزمان، قال:

فما هذا التاج الذي على رأسها؟ قال. بعلها عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال

ص:9


1- 1) السيّد الفاضل ولي اللّه بن نعمة اللّه الحسيني الرضوي الحائري كان من العلماء الفضلاء المعاصرين لوالد الشيخ البهائي قدّس اللّه أسرارهم و له مصنّفات منها «كنز المطالب في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام» فرغ منه في صفر سنة (981) و منها منهاج أو «منهج الحق و اليقين في تفضيل أمير المؤمنين [1]على سائر الأنبياء و المرسلين» و قد جمع فيه الأدلّة و البراهين على تفضيله من كتب الفريقين.
2- 2) الدرنوك (بضم الدال و سكون الراء المهملة و النون المضمومة) : نوع من البسط أو الثياب له خمل كالزغب على وجه الطنفسة.

فما هذان القرطان؟ قال: ولداها الحسن و الحسين عليهما السلام قال آدم:

حبيبي أخلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم اللّه قبل أن تخلق بأربعين ألف سنة.

2-كتاب «در النظيم» (1)عن سليمان الأنصاري (2)قال: كنّا جلوسا في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبل عليّ عليه السلام فتحفّى (3)له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ضمّه إلى صدره، و قبّل ما بين عينيه، و كان له عشرة أيّام منذ دخل بفاطمة عليها السلام فقال: ألا أخبرك عن عرسك شيئا؟ قال: إن شئت فافعل صلّى اللّه عليك، قال: هذا جبرئيل عليه السلام، قال: تشاجر آدم و حوّاء في الجنّة، فقال آدم: يا حوّاء ما هذه المشاجرة؟ فقالت: يقع لنا ما خلق اللّه أحسن منّي و منك فأوحى اللّه إليه يا آدم طف الجنّة فانظر ماذا ترى.

قال: فبينما آدم يطوف في الجنّة إذ نظر إلى قبّة بلا علاقة من فوقها و لا دعامة من تحتها، داخل القبّة شخص على رأسه تاج، في عنقه خناق (4)، في أذنيه قرطان، فخرّ آدم ساجدا للّه، فأوحى اللّه إليه: يا آدم ما هذا السجود و ليس موضعك موضع سجود و لا عبادة؟

فقال آدم: يا جبرئيل ما هذه القبة الّتي رأيتها ما رأيت أحسن منها؟

ص:10


1- 1) الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم (جمع اللهموم بضم اللام و سكون الهاء بمعنى الجواد، و لهاميم الناس: أشياخهم و أسخياؤهم و ساداتهم) تأليف جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي تلميذ المحقق الحلّي الذي توفي سنة (676) ه و أجازه السيّد رضي الدين علي بن طاووس الحلّي المتوفى سنة (664) و هذا الكتاب جليل في بابه ينقل فيه عن «مدينة العلم» و كتاب «النبوة» للشيخ الصدوق فيظهر وجودهما عنده-الذريعة ج 8/86. [1]
2- 2) سليمان الأنصاري: بن عمرو بن حديدة الخزرجي الصحابي قتل هو و مولاه عنترة يوم أحد شهيدين سنة (3) ه-الاستيعاب ج 2/651 ط القاهرة.
3- 3) فتحفّى له: بالغ في إكرامه و تعظيمه، و في المصدر المخطوط: فتحفّز له و الظاهر أنّه مصحّف لأنّ معناه: تهيّأ للوثوب، أو استوى جالسا على ركبتيه، و إرادة هذا المعنى بعيدة.
4- 4) الخناق (بكسر الخاء) : القلادة.

فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لها: كوني فكانت، قال: فمن هذا الشخص الّذي داخلها؟ قال: شخص جارية حوراء إنسيّة تخرج من ظهر نبيّ يقال له:

محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فما هذا التاج الّذي على رأسها؟ قال:

هو أبوها محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فما هذا الخناق الذي في عنقها؟ قال: بعلها عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: ما هذان القرطان اللّذان في أذنيها؟ قال: هما قرطا العرش و ريحانتا الجنة، ولداها الحسن و الحسين عليهما السّلام.

قال: فكيف ترد القيامة هذه الجارية؟ قال: إنّ اللّه يقول: ترد على ناقة ليست من نوق دار الدنيا، رأسها من بهاء اللّه، و مؤخّرها من عظمة اللّه، و خطامها (1)من رحمة اللّه، و قوائمها من خشية اللّه، و لحمها و جلدها معجونان بماء الحيوان، قال اللّه: كن فكانت، يقود زمام الناقة سبعون ألف صفّ من الملائكة، كلّهم يقولون غضّوا أبصاركم يا أهل الموقف حتى تجوز الصديقة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام (2).

3-الشّيخ الفاضل شرف الدين النجفي (3)في «تأويل الآيات الباهرة في العترة الطّاهرة» قال: روى مرفوعا إلى محمد بن زياد (4)، قال: سأل ابن مهران (5)عبد اللّه بن العباس رضي اللّه عنه عن تفسير قوله تعالى: وَ إِنّا لَنَحْنُ اَلصَّافُّونَ وَ إِنّا لَنَحْنُ اَلْمُسَبِّحُونَ (6)فقال ابن عبّاس: إنّا كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلما رآه النبيّ

ص:11


1- 1) الخطام (بكسر الخاء المعجمة) : حبل يجعل في عنق البعير و يثنى في خطمه أي أنفه.
2- 2) الدرّ النظيم:149 مخطوط مكتوب سنة (734) في مكتبة السيّد الجليل عبد العزيز الطباطبائي.
3- 3) السيّد الفاضل العلاّمة شرف الدين علي الحسيني الأستر آبادي المتوفى حدود (965) أو (970) .
4- 4) محمد بن زياد: هو ابن أبي عمير البغدادي المتوفى سنة (217) تقدم ذكره.
5- 5) ابن مهران: هو سليمان الأعمش المتقدّم ذكره المتوفى سنة (148) .
6- 6) الصافّات:165. [1]

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تبسّم في وجهه و قال: مرحبا بمن خلقه اللّه قبل آدم بأربعين ألف عام، فقلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكان الإبن قبل الأب؟ قال: نعم إنّ اللّه تعالى خلقني و خلق عليّا من قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة، خلق نورا فقسّمه نصفين، فخلقني من نصفه و خلق عليّا من النصف الآخر قبل الأشياء كلّها ثم خلق الأشياء فكانت مظلمة، فنورها من نوري و نور عليّ، ثمّ جعلنا عن يمين العرش.

ثم خلق الملائكة فسبّحنا و سبّحت الملائكة، و هلّلنا و هلّلت الملائكة، فكبّرنا فكبّرت الملائكة، فكان ذلك من تعليمي و تعليم عليّ، و كان ذلك في علم اللّه السابق أن لا يدخل النار محبّ لي و لعليّ، و لا يدخل الجنّة مبغض لي و لعليّ ألا و إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوءة من ماء الحياة من الفردوس، فما من أحد من شيعة عليّ إلاّ و هو طاهر الوالدين تقيّ مؤمن باللّه، فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله، جاء ملك من الملائكة الّذين بأيديهم أباريق من ماء الجنّة، فيطرح ذلك الماء في آنيته التي يشرب منها، فيشرب ذلك الماء فينبت الإيمان في قلبه، كما ينبت الزرع فهم على بيّنة من ربّهم و من نبيّهم و من وصيّه عليّ، و من إبنتي الزهراء ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام، فقلت يا رسول اللّه و من هم؟ قال: الأئمّة أحد عشر منّي، و أبوهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الحمد للّه الّذي جعل محبّة عليّ و الإيمان سببين يعني سببا لدخول الجنّة و سببا للفوز من النار (1).

4- «الرّوضة و الفضائل» عن ابن عباس قال: قد أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)فقال له (3): يا رسول اللّه صلى اللّه عليك و آلك جاء

ص:12


1- 1) تأويل الآيات ج 2/501 ح 20 و عنه البحار [1]ج 24/88 ح 4، و ج 35/29 ح 25-و البرهان ج 4/309 [2] ذ ح 3 و أخرجه في البحار ج 26/345 ح 18 [3]عن إرشاد القلوب:404 و [4]أورده في المحتضر:165. [5]
2- 2) في الفضائل: [6] أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
3- 3) في الفضائل و [7]البحار: [8] فقالوا:

أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: إنّ عليّا سمّي بأمير المؤمنين من قبلي (1)، قيل: قبلك يا رسول اللّه؟ قال: و من قبل عيسى، و موسى (2)، قيل: و من قبل عيسى و موسى؟ قال: و من قبل سليمان بن داود (3)، و لم يزل حتى عدد الأنبياء كلّهم (4)إلى آدم عليه السلام ثمّ قال: إنّه لمّا خلق اللّه آدم طينا خلق بين عينيه درّة (5)تسبّح اللّه و تقدّسه، فقال عزّ و جلّ: لأسكننك رجلا أجعله أمير الخلق أجمعين فلمّا خلق عليّ بن أبي طالب عليه السلام أسكن الدرّة فيه فسمّي أمير المؤمنين قبل خلق آدم عليه السلام (6).

ص:13


1- 1) في الفضائل: [1] سمّي بامرة المؤمنين قبلي.
2- 2) في الفضائل: [2] فقال: و قبل موسى و عيسى.
3- 3) في البحار: و [3]قبل سليمان و داود.
4- 4) في الفضائل: و [4]لم يزل يعدّ الأنبياء كلّهم.
5- 5) في البحار: [5] خلق من عينيه درّة، و في الفضائل [6]خلق بين عينيه ذرّة (بالذال المعجمة) .
6- 6) فضائل شاذان:104-و الروضة:5، و [7]عنهما البحار ج 37/337 ح 77. [8]

ص:14

الباب الثاني

«و هو من الباب الأول»

1-الشيخ البرسي في كتابه قال: روى أصحاب التواريخ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا و عنده جنّي يسأله عن قضايا مشكلة، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فتصاغر الجنّي حتى صار كالعصفور، ثمّ قال:

أجرني يا رسول اللّه فقال: ممّن؟ فقال: من هذا الشابّ المقبل، فقال: و ما ذاك؟ فقال الجنّي: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثمّ أخرج يده مقطوعة، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هو ذاك (1).

2-قال: و من ذلك الإسناد أنّ جنيّا كان جالسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فاستغاث الجنّيّ و قال: أجرني يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذا الشابّ المقبل، قال: و ما فعل بك؟ قال: تمرّدت على سليمان فأرسل إليّ نفرا من الجنّ و طلت عليهم، فجاءني هذا الفارس فأسرني و جرحني و هذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل (2).

3-و قال أيضا: أما سمعت قصّة الجنّي، إذ كان عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جالسا، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام، فجعل الجنّي يتصاغر

ص:15


1- 1) مشارق الأنوار:85-و أورده المصنّف أيضا في البرهان ج 3/226 ح 3. [1]
2- 2) مشارق الأنوار:85-و أورده المصنّف أيضا في البرهان ج 3/226 ح 4. [2]

لديه (1)فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من هذا الذي تتصاغر لديه تعظيما له و خوفا منه (2)؟ فقال: يا رسول اللّه إنّي كنت أطير مع المردة إلى السّماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام، فرأيت هذا في السّماء فجرحني (3)و ألقاني في الأرض، فهربت إلى الأرض (4)السابعة منها، فرأيته هناك كما رأيته في السماء (5).

4-و قال أيضا: و من كراماته ما روي أنّ فرعون-لعنه اللّه-لمّا ألحق هارون بأخيه موسى عليه السلام دخلا عليه يوما، و أوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما، و لباسه من ذهب، و بيده سيف من ذهب، و كان فرعون يحبّ الذّهب، فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين، و إلاّ قتلتك، فانزعج فرعون لذلك، و قال: عودا إليّ غدا.

فلمّا خرجا دعا البوّابين و عاقبهم، و قال: كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون إنّه ما دخل إلاّ هذان الرجلان، و كان الفارس مثال عليّ عليه السلام، الّذي أيّد اللّه تعالى به النبيّين سرّا، و أيّد به محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جهرا، لأنّه كلمة اللّه الكبرى التي أظهرها اللّه لأوليائه فيما شاء من الصور، فينصرهم (6)بها، و بتلك الكلمة يدعون فيجيبهم اللّه و ينجيهم (7)، و إليه الإشارة بقوله: وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا (8)قال ابن عباس: كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس (9).

ص:16


1- 1) في المصدر: يتصاغر لديه تعظيما له و خوفا منه.
2- 2) ليس في المصدر المطبوع: مقالة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و استفهامه من الجنيّ.
3- 3) في المصدر: فأخرجني.
4- 4) في المصدر: فهويت إلى السابعة منها.
5- 5) مشارق الأنوار:217.
6- 6) في المصدر: فنصرهم بها.
7- 7) في المصدر: يدعون اللّه فيجيبهم و ينجيهم.
8- 8) القصص:35. [1]
9- 9) مشارق الأنوار:81.

5-و قال أيضا: قولهم: الحقّ أنّ ميتنا إذا مات لم يمت، و إنّ غائبنا إذا غاب لم يغب (1).

لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام ليست حقيقته بهذا الجسد المحدث الذي ظهر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيّام حياته، لا غير، بل أمير المؤمنين لمن عرفه؛ هو الآية الكبرى التي عليها وقعت الإشارة من قوله: ما عرفك إلاّ اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا النور القديم (2)الذي يتقلب في الصور كيف شاء اللّه، الذي كان قبل خلق الخلق في لباس الظلمة في عالم النور، و على العرش قبل خلق السموات و الأرض في لباس الظهور، و مع الملائكة في عالم الأرواح، و مع النبيين في عالم الأشباح، و له قوّة الظهور فيما شاء من الصور، لأنّه كان سرّ النبيّين في ظهورهم و ظهوره، و بذلك جاء الكتاب و السنّة.

أما الكتاب: فقوله سبحانه حكاية عن موسى و هارون: وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا (3)قال المفسرون: كانت الآية و السلطان صورة عليّ عليه السلام، و كذا كان لسائر النبيّين.

و أما السنّة: فقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا علي إنّ اللّه أيّد بك النبيّين سرّا، و أيّدني بك جهرا و من أنكر ما جاء به الكتاب و السنّة، فقد كفر، فمن أنكر أنّ عليّا كان مع النبيّين سرا و مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جهرا، فقد كفر، فلا تطع المكذّبين المرتابين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام.

6-و قال أيضا: رويت حكاية سلمان عليه السلام و أنّه لمّا خرج عليه الأسد قال: يا فارس الحجاز أدركني، فظهر إليه فارس و خلّصه منه، و قال

ص:17


1- 1) في المصدر:161-يا سلمان إنّ ميّتنا إذا مات لم يمت، و مقتولنا لم يقتل، و غائبنا إذا غاب لم يغب.
2- 2) الظاهر أنّ الصحيح: هو النور القديم.
3- 3) القصص:35. [1]

للأسد: أنت دابّته من الآن، فعاد يحمل عليه الحطب إلى باب المدينة امتثالا لأمر عليّ عليه السلام إنتهى كلام البرسي (1)(2).

ص:18


1- 1) الحافظ البرسي الشيخ رجب بن محمد بن رجب الحلّي المتوفى بعد (813) له مصنّفات منها: مشارق أنوار اليقين ألّفه سنة (773) و لخصه و سمّاه مشارق الأمان و فرغ منه سنة (811) - الذريعة ج 21/33-34-معجم المؤلفين ج 4/153. [1]
2- 2) مشارق أنوار اليقين:216 ط طهران.

الباب الثالث

«في مولده الشريف عليه السلام و كلامه في بطن أمّه

و حال ولادته»

1-الشيخ الفاضل محمّد بن عليّ بن شهر اشوب، في كتاب «المناقب» عن شيخ السنّة القاضي أبي عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل: إنّ فاطمة بنت أسد رأت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يأكل تمرا، له رائحة يزداد على كلّ الأطايب من المسك و العنبر، من نخلة لا شماريخ (1)لها، فقالت: ناولني أنل منها، قال: لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشهدت الشهادتين، فناولها فأكلت فازدادت رغبتها، و طلبت أخرى لأبي طالب فعاهدها أن لا تعطيه إلاّ بعد الشهادتين، فلمّا جنّ عليهما الليل (2)اشتمّ أبو طالب نسيما (3)ما اشتمّ قطّ مثله، فأظهرت ما معها، فالتمسه منها، فأبت عليه إلاّ أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين، غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلاّ تعيّره قريش، فعاهدته على ذلك، فأعطته ما معها، و آوى إلى زوجته فعلقت بعليّ عليه السلام في تلك الليلة، و لمّا حملت بعليّ عليه السلام ازداد حسنها، و كان يتكلّم في بطنها.

فكانت في الكعبة يوما فتكلّم عليّ عليه السلام مع جعفر فغشي عليه،

ص:19


1- 1) الشماريخ (جمع شمراخ بكسر الشين المعجمة و سكون الميم) : عذق عليه بسر أو عنب.
2- 2) في المصدر: فلمّا جنّ عليها الليل. و في البحار: [1] فلمّا جنّ عليه الليل.
3- 3) في المصدر: اشتم ابو طالب نسما.

فالتفتت (1)فإذا الأصنام قد خرّت على وجوهها، فمسحت على بطنها، و قالت: يا قرّة العين تخدمك (2)الأصنام فيّ داخلا فكيف شأنك خارجا؟ و ذكرت ذلك لأبي طالب فقال: هو الذي قال لي أسد في طريق الطائف (3).

2-الشيخ الطوسي، في «مجالسه» قال: أخبرنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان (4)، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن أيوب (5)، قال: حدّثنا عمر بن الحسن القاضي (6)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد (7)قال: حدّثني أبو حبيبة (8)قال: حدّثني سفيان بن عيينة (9)عن الزهري، عن عائشة.

قال محمّد بن أحمد بن شاذان: و حدّثني سهل بن أحمد (10)قال: حدّثني أحمد بن عمر الربيقي (11)، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى (12)، قال: حدّثنا أبو داود (13)، قال: حدثنا شعبة (14)عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العبّاس بن عبد المطّلب.

ص:20


1- 1) في المصدر: فألقيت الأصنام خرّت، و في البحار: [1] فالتفت الأصنام.
2- 2) في المصدر و البحار: [2] سجدتك.
3- 3) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/172-و [3]عنه البحار ج 35/17 ح 14. [4]
4- 4) أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الكوفي القمي من مفاخر أعلام قرني الرابع و الخامس.
5- 5) أحمد بن محمد بن الحسن بن أيّوب أبو عبد اللّه الحافظ.
6- 6) عمر بن الحسن القاضي ابن نصر بن طرخان أبو حفيص الحلبي المتوفى سنة (306) .
7- 7) عبد اللّه بن محمد بن إسحاق الجزري أبو عبد الرحمن الأذرمي الموصلي.
8- 8) أبو حبيبة: ابراهيم بن إسماعيل أبو إسماعيل المدني المتوفى سنة (165) .
9- 9) سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي المتوفى سنة (198) .
10- 10) سهل بن أحمد: بن عبد اللّه الديباجي أبو محمد البغدادي المتوفى سنة (380) ه.
11- 11) في المصدر و البحار: [5] الربيعي (بالعين المهملة) و على أيّ حال ما وجدت له ترجمة.
12- 12) زكريا بن يحيى: بن عبد الرحمن الساجي البصري الحافظ المتوفى سنة (307) ه.
13- 13) أبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني المتوفى سنة (275) .
14- 14) هو شعبة بن الحجاج المتوفى سنة (160) تقدّم ذكره.

قال ابن شاذان: و حدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناد (سقط من النسخة المأخوذ منها الحديث) عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام قال: كان العبّاس بن عبد المطلب، و يزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت اللّه الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليهما السلام، و كانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر (1)و كان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، و قد أخذها الطّلق، فرمت بطرفها نحو السماء، و قالت: أي ربّ إنّي مؤمنة بك، و بما جاء به من عندك الرسول، و بكلّ نبيّ من أنبيائك، و بكلّ كتاب أنزلته، و إنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، و إنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت و من بناه، و بهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني و يؤنسني بحديثه، و أنا موقنة أنّه إحدى آياتك و دلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.

قال العبّاس بن عبد المطّلب، و يزيد بن قعنب: فلمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، و دخلت فاطمة فيه، و غابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة و التزقت بإذن اللّه، فرمنا (2)أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نساءنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر اللّه تعالى، و بقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام، قال: و أهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك و تتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة و عليّ (3)على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ اختارني من خلقه، و فضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي (4)، و قد

ص:21


1- 1) في البحار: [1] تسعة أشهر.
2- 2) فرمنا: أردنا و قصدنا.
3- 3) في الأصل: بعليّ عليه السلام.
4- 4) في البحار: [2] ممّن كنّ قبلي.

اختار اللّه آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت اللّه عزّ و جلّ سرّا في موضع لا يحبّ أن يعبد اللّه فيه إلاّ اضطرارا، و إنّ مريم بنت عمران اختارها اللّه حيث يسّر (1)عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطبا جنيّا.

و إنّ اللّه تعالى اختارني و فضّلني عليهما و على كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق، و بقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة و أرزاقها (2).

فلمّا أردت أن أخرج و ولدي على يديّ هتف بي هاتف، و قال: يا فاطمة سميّه عليّا، فأنا العليّ الأعلى، و إنّي خلقته من قدرتي و عزّ جلالي و قسط عدلي، و اشتققت اسمه من إسمي و أدّبته بأدبي (3)و هو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، و يكسر الأصنام و يرميها على وجوهها (4)، و يعظّمني، و يمجّدني، و يهلّلني، و هو الإمام بعد حبيبي و نبيّي و خيرتي من خلقي محمّد رسولي، و وصيّه، فطوبى لمن أحبّه و نصره، و الويل لمن عصاه و خذله، و جحد حقّه.

فلمّا رآه أبو طالب سرّ، و قال عليّ عليه السلام: السلام عليك يا أبة و رحمة اللّه و بركاته، ثمّ قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام و ضحك في وجهه و قال: السلام عليك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رحمة اللّه و بركاته، ثم تنحنح بإذن اللّه تعالى، و قال: بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (5)فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد أفلحوا بك. و قرأ تمام الآيات إلى قوله أُولئِكَ هُمُ اَلْوارِثُونَ اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ

ص:22


1- 1) في المصدر: و مريم بنت عمران حيث هانت و يسّرت عليها.
2- 2) في البحار: و [1]أرواقها: جمع الروق و هو الصافي من الماء و نحوه.
3- 3) في المصدر و البحار: و [2]أدّبته بأدبي، و فوّضت إليه أمري، و وقفته على غامض علمي و ولد في بيتي، و هو أول. . .
4- 4) في المصدر و البحار: [3] على وجهها.
5- 5) المؤمنون:1-2. [4]

هُمْ فِيها خالِدُونَ (1)فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و اللّه أميرهم تميرهم (2)من علومك (3)فيمتارون، و أنت و اللّه دليلهم و بك يهتدون.

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة، فبشّريه به، فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟ قال: أنا أرويه، فقالت فاطمة: أنت ترويه؟ قال: نعم. فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لسانه في فيه، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اِثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً (4)قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية.

فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد، رأت نورا قد ارتفع من عليّ إلى أعنان السّماء، قالت (5): ثم شددته، و قمطته قماطا، فبتر القماط (6)، ثم جعلته (7)قماطين، فبترهما، فجعلته ثلاثة، فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ (8)مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستّة من ديباج، و واحد من الأدم فتمطّى (9)فيها فقطعها كلّها بإذن اللّه، ثمّ قال بعد ذلك: يا أمّه لا تشدّي يديّ فإنّي أحتاج إلى أن أبصبص (10)لربّي باصبعي.

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنّه سيكون له شأن و نبأ، قال (11):

فلمّا كان من غدّ، دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فاطمة، فلمّا

ص:23


1- 1) المؤمنون:10-11. [1]
2- 2) تميرهم: يقال: ماره يميره: أتاه بالطعام.
3- 3) في البحار: [2] علومهم.
4- 4) اقتباس من سورة البقرة:60. [3]
5- 5) في المصدر و البحار: [4] قال: ثمّ شدّته و قمطته.
6- 6) بتر: قطع، و القماط (بكسر القاف) : خرقة عريضة تلفّ على الصغير إذا شدّ في المهد.
7- 7) في المصدر و البحار: [5] قال: فأخذت فاطمة قماطا جيّدا فشدّته به فبتر القماط ثم جعلته قماطين.
8- 8) الرقّ (بفتح الراء المهملة و القاف المشدّدة) : جلد رقيق يكتب فيه.
9- 9) تمطّى: تمدّد و مدّ يديه.
10- 10) بصبص: تملّق.
11- 11) كلمة (قال) ليست في المصدر.

بصر عليّ عليه السلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، سلّم عليه، و ضحك في وجهه، و أشار إليه؛ أن خذني إليك و اسقني مما سقيتني بالأمس، قال: فأخذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالت فاطمة: عرفه و ربّ الكعبة، قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، تعني أنّ أمير المؤمنين عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فلمّا كان اليوم الثالث، و كان العاشر من ذي الحجّة، أذّن أبو طالب في الناس أذانا جامعا، و قال: هلمّوا إلى وليمة ابني عليّ، قال: و نحر ثلثمائة من الإبل و ألف رأس من البقر و الغنم، و اتّخذ وليمة عظيمة، و قال: معاشر النّاس! ألا من أراد من طعام عليّ ولدي فهلمّوا و طوفوا بالبيت سبعا سبعا (1)، و ادخلوا، و سلّموا على ولدي عليّ فإنّ اللّه شرّفه و لفعل أبي طالب شرّف يوم النحر (2).

و روى ابن شهر اشوب هذا الحديث، عن الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام مختصرا معترفا باختصاره (3).

3-و من طريق المخالفين: ما رواه أبو الحسن الفقيه عليّ بن محمد الشافعي المعروف بابن المغازلي في كتاب «مناقب أمير المؤمنين» عليه السلام قال: أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد بن البيّع (4)، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن خالد الكاتب (5)، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي (6)، قال: حدّثني عمر بن أحمد بن روح الساجيّ، حدّثني أبو طاهر يحيى بن الحسن العلويّ، قال: حدّثني محمد بن

ص:24


1- 1) في المصدر: طوفوا بالبيت سبعا.
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/317-و [1]عنه البحار ج 35/35 ح 37-و [2]البرهان ج 3/107 ح 9. [3]
3- 3) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/174-و عنه البحار ج 35/17. [4]
4- 4) أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه البيّع البغدادي المتوفى سنة (450) ه.
5- 5) أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن خالد المعروف بابن الكاتب المتوفى سنة (425) ه.
6- 6) أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم بن راشد أبو بكر الختلي المتوفى سنة (365) ه.

سعيد الدارميّ (1)، حدّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: كنت جالسا مع أبي و نحن زائرون (2)قبر جدّنا عليه السلام، و هناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلت لها: من أنت رحمك (3)اللّه؟ فقالت: أنا زبدة بنت فريبة العجلان (4)من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شيء تحدّثينا؟

فقالت: إي و اللّه حدّثتني أمّي أمّ عمارة بنت عمارة (5)بنت نضلة بن مالك بن العجلان الساعديّ: أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا، فقالت له: ما شأنك؟ يا أبا طالب! فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يده (6)على وجهه، فبينا هو كذلك إذ أقبل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: ما شأنك؟ يا عم! فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده، و جاء (7)و هي معه فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال اجلسي على اسم اللّه.

قالت: فطلقت طلقة، فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظفا لم أر كحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب عليّا، و حمله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى أدّاه إلى منزلها.

قال عليّ بن الحسين عليه السلام: فو اللّه ما سمعت شيئا قطّ إلاّ و هذا أحسن منه (8).

ص:25


1- 1) في البحار: [1] محمّد بن سعيد المكي الدارمي-و على أيّ حال ما وجدت له ترجمة.
2- 2) في البحار: [2] نزور.
3- 3) في المصدر: يرحمك اللّه.
4- 4) في المصدر: زيدة بنت قريبة العجلان، و في البحار: [3] زيدة بنت العجلان.
5- 5) في المصدر: و البحار، و [4]العمدة: بنت عبادة.
6- 6) في المصدر و العمدة: ثمّ وضع يديه.
7- 7) في البحار: و [5]جاءا و قمن معه، و في ذيل البحار: و [6]لعلّ المراد أنّ محمّدا (ص) و أبا طالب جاءا و قمن النساء ليساعدنها.
8- 8) مناقب ابن المغازلي:6 ح 3 و [7]أخرجه في البحار ج 35/30 ح 26 [8] عن العمدة لابن البطريق: 27 ح 8 و الطرائف:16 ح 2- [9]نقلا من مناقب ابن المغازلي-و الفصول المهمّة:30.

4-ابن شهر اشوب قال: أجمع أهل البيت أنّه عليه السلام ولد في زاوية البيت الأيمن من ناحية الباب (1)، فالولد الطاهر من النسل الطاهر، ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة لغيره؟ فأشرف البقاع الحرم، و أشرف الحرم المسجد، و أشرف بقاع المسجد الكعبة، و لم يولد مولود فيه (2)سواه، فالمولود فيه يكون في غاية الشرف، فليس المولود في سيّد الأيّام (3)، في الشهر الحرام، في البيت الحرام، سوى أمير المؤمنين عليه السلام (4).

و الروايات في خبر مولده عليه السلام متكرّرة في الكتب، بل صنّف كتاب (5)في مولده مشهور بين الناس، و اقتصرت على ما ذكرت مخافة الإطالة، إذ الكتاب مبنيّ على الإختصار، و اللّه سبحانه الموفّق.

ص:26


1- 1) في المصدر و البحار: [1] في الزاوية الأيمن من ناحية البيت.
2- 2) في المصدر و البحار: و [2]لم يولد فيه مولود سواه.
3- 3) في المصدر و البحار: [3] في سيّد الأيام-يوم الجمعة-.
4- 4) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/175-و [4]عنه البحار ج 35/19. [5]
5- 5) بل صنّفت كتب في مولده الشريف منها: «كتاب مولد أمير المؤمنين عليه السلام» لأبي البحتري وهب بن عبد اللّه ربيب الامام الصادق عليه السلام على ما حكاه النجاشي و الخطيب في تاريخه ج 7/419 في ترجمة الحسن بن محمد أبي محمد العلوي، و «كتاب مولد أمير المؤمنين عليه السلام» لأبي مخنف الأزدي لوط بن يحيى بن سعيد ينقل عنه السيّد الجليل المصنّف البحراني. و «مولد أمير المؤمنين عليه السلام» للشيخ الصدوق المتوفى سنة (381) ه، و «مولد أمير المؤمنين عليه السلام» لبعض المتأخرين من علماء البحرين و لعلّه الذي ذكره المصنّف، و من أراد التفصيل فليرجع إلى الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 23/274. [6]

الباب الرابع

«في تربية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له عليه السلام

و اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»

1-ابن بابويه قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن يحيى بن الحسن بن عبيد اللّه بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)، قال: حدّثني جدّي يحيى بن الحسن (2)، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبيد اللّه الطلحي، قال:

حدّثني أبي عن ابن هانىء مولى بني مخزوم، عن محمد بن إسحق، قال: حدّثني ابن أبي نجيح (3)، عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج (4)، قال: كان من نعم اللّه عزّ و جلّ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما صنع اللّه له و أراد به من الخير، أنّ قريشا أصابتهم أزمة (5)شديدة، و كان أبو طالب في عيال كثير.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّه العبّاس و كان من أيسر بني هاشم: يا أبا الفضل إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، و قد أصاب الناس ما

ص:27


1- 1) أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام البغدادي المتوفى سنة (358) ه.
2- 2) يحيى بن الحسن بن جعفر: أبو الحسين الفاضل الصدوق، روى عن الرضا عليه السلام و صنّف كتبا منها: «أنساب الطالبيين» و هو أول من صنّف فيها، توفي سنة (277) -الذريعة ج 1/349-و [1]الأعلام ج 9/170. [2]
3- 3) ابن أبي نجيح: عبد اللّه بن يسار الثقفي المكي المتوفى سنة (131) .
4- 4) مجاهد بن جبر أبو الحجّاج المكّي التابعي المفسّر المتوفى سنة (104) .
5- 5) الأزمة (بفتح الهمزة و سكون الزاء المعجمة) : الشدة و الضيقة.

ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه فنخفّف عنه عياله، آخذ من بنيه رجلا و تأخذ رجلا فنكفيه.

فقال العباس: قم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه من هذه الأزمة، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا، فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام، و أخذ العبّاس جعفرا، فلم يزل عليّ عليه السلام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى بعثه اللّه عزّ و جلّ نبيّا، فآمن به و اتّبعه و صدّقه، و لم يزل جعفر مع العباس حتّى أسلم و استغنى عنه (1).

و روى هذا الحديث من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفق بن أحمد (2)بإسناده عن أبي الحجّاج (3).

2-و قال ابن شهر اشوب: كان أبو طالب و فاطمة بنت أسد، ربّيا النبيّ صلى اللّه عليه و آله، و ربّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خديجة عليّا عليه السلام.

ثم نقل عن «تاريخ الطبري» ، و البلاذري، و تفسير الثعلبي، و الواحدي، و «شرف المصطفى» ، و «الأربعين» للخوارزمي، و «درجات محفوظ» البستي، و «مغازي» محمد بن إسحق، و «معرفة» أبي يوسف النسوي أنّه قال مجاهد: كان من نعمة اللّه على عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحمزة (4)و العباس: إنّ أبا طالب كثير العيال و قد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة، فانطلق (5)بنا نخفّف من عياله،

ص:28


1- 1) علل الشرائع:169 ح 1 و [1]عنه البحار ج 38/315 ح 19-و [2]في ص 237 عن روضة الواعظين:86-و [3]كشف الغمة ج 1/79 [4] نقلا من مناقب الخوارزمي:17.
2- 2) أبو المؤيّد الموفق بن أحمد المكي الحنفي المعروف باخطب خوارزم المتوفى سنة (568) ه.
3- 3) المناقب للخوارزمي:17.
4- 4) حمزة: بن عبد المطلب عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استشهد في أحد سنة (3) ه.
5- 5) كذا في النسخ و المصدر، و الظاهر كما ذكر في هامش البحار: « [5]فانطلقا بي» .

فدخلوا عليه، فطالبوه (1)بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثمّ بقي وحده (2)إلى أن أخذ يوم بدر، و أخذ حمزة جعفرا، فلم يزل معه في الجاهليّة و الإسلام إلى أن قتل حمزة، و أخذ العباس طالبا و كان معه إلى يوم بدر، ثمّ فقد و لم يعرف له خبر، و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام و هو ابن ستّ سنين كسنّه يوم أخذه أبو طالب، فربّته خديجة و المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن جاء الإسلام، و تربيتهما أحسن من تربية أبي طالب و فاطمة بنت أسد، فكان مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن مضى و بقي عليّ بعده.

و في رواية انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اخترت من ولّى اللّه (3)عليكم عليّا.

قال: و ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق، إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله حين تزوّج خديجة، قال لعمّه أبي طالب: إنّي أحبّ أن تدفع إليّ بعض ولدك يعينني على أمري و يكفيني و أشكر لك بلاءك عندي، فقال أبو طالب: خذ أيّهم شئت، فأخذ عليا عليه السلام (4).

3-و في الحديث انّ أمير المؤمنين عليه السلام يوم ولد كان يومئذ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من العمر ثلاثون سنة، فأحبّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حبا شديدا، و قال لأمّه اجعلي مهده بقرب فراشي، و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتولّى أكثر تربيته (5)، و كان يطهّر عليا عليه السلام في وقت غسله، و يوجره (6)اللّبن عند شربه، و يحرّك مهده عند نومه، و يناغيه في يقظته،

ص:29


1- 1) في المصدر و البحار: و [1]طلبوه بذلك.
2- 2) في المصدر: ثم بقي في وحدة.
3- 3) في المصدر و البحار: [2] من اختار اللّه لي.
4- 4) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/179، [3]عنه البحار:38/294 ح 1. [4]
5- 5) في كشف اليقين: [5] يولّي على أكثر تربيته، و في نهج الحق و [6]البحار: [7] يلي أكثر تربيته.
6- 6) يوجره: يجعل اللبن في فيه.

و يحمله على صدره (1)، و يقول هذا أخي، و وليّي، و ناصري، و صفيّي، و ذخري و كهفي، و صهري (2)، و وصيّي، و زوج كريمتي، و أميني على وصيّتي، و خليفتي.

و كان يحمله على كتفه دائما، و يطوف به جبال (3)مكّة، و شعابها و أوديتها (4).

4- «نهج البلاغة» : و قد علمتم بموضعي (5)من رسول اللّه بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا وليد (6)يضمّني إلى صدره، و يلفّني (7)في فراشه، و يمسّني جسده، و يشمّني عرفه (8)و كان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول، و لا خطلة (9)في فعل، و لقد قرن اللّه به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من لدن (10)كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، و محاسن أخلاق العالم، ليله و نهاره، و لقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل (11)أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم علما من أخلاقه (12)، و يأمرني بالإقتداء به (13).

ص:30


1- 1) في نهج الحق: و [1]يحمله على صدره و رقبته.
2- 2) في كشف اليقين و [2]البحار: و [3]ظهري.
3- 3) في نهج الحق: به في جبال.
4- 4) كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام:7-و [4]نهج الحق و كشف الصدق:233- و [5]عنهما البحار ج 35/9. [6]
5- 5) في المصدر و البحار: [7] موضعي.
6- 6) في المصدر و البحار: و [8]أنا ولد.
7- 7) في المصدر و البحار: و [9]يكنفني.
8- 8) العرف (بفتح العين) : الرائحة الذكيّة.
9- 9) الخطلة (بفتح الخاء المعجمة و سكون الطاء) واحدة الخطل، أي الخطاء.
10- 10) في المصدر: من لدن إن كان.
11- 11) الفصيل: ولد الناقة.
12- 12) في المصدر: من أخلاقه علما.
13- 13) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة 300 خ 192-و [10]عنه البحار ج 38/320 ح 33 و [11]مناقب ابن شهر اشوب ج 2/180. [12]

5-أبو عليّ الطبرسيّ في «إعلام الورى» : روى عباد بن يعقوب (1)و يحيى بن عبد الحميد الحماني (2)، قال: حدّثنا عليّ بن هاشم، عن محمد بن عبيد اللّه (3)، عن أبيه عبيد اللّه بن أبي رافع عن جدّه أبي رافع، قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ عليه السلام.

و قال الحمّاني في حديثه: كان إذا جلس اتّكى على عليّ عليه السلام، و إذا قام وضع يده على عليّ عليه السلام (4).

ص:31


1- 1) عباد بن يعقوب: أبو سعيد الرواجني الكوفي توفي سنة (250) [1] ه-الاعلام ج 4/30. [2]
2- 2) يحيى بن عبد الحميد الحمّاني الكوفي أبو زكرياء توفي سنة (228) ه.
3- 3) محمد بن عبيد اللّه: بن أبي رافع كان من أصحاب الصادق عليه السلام توفي سنة (157) ه.
4- 4) اعلام الورى:189-و [3]عنه البحار ج 38/306 ح 8-و [4]أخرجه في البحار ج 38/297 [5] عن مناقب ابن شهر اشوب ج 2/219.

ص:32

الباب الخامس

«في أنه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى

مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و هو صغير»

1-محمد بن يعقوب بإسناده، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيّب، قال: سألت عليّ بن الحسين عليه السلام، كم كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أسلم؟ فقال: أو كان كافرا قطّ؟ إنّما كان لعلي عليه السلام حيث بعث (1)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عشر سنين، و لم يكن يومئذ كافرا، و لقد آمن باللّه تبارك و تعالى و رسوله (2)صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و سبق النّاس كلّهم إلى الإيمان باللّه و رسوله (3)، و إلى الصلاة بثلاث سنين، و كانت أوّل صلاة صلاّها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الظهر ركعتين، و كذلك فرضها اللّه تبارك و تعالى على من أسلم بمكّة ركعتين ركعتين، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّيها بمكّة ركعتين، و يصلّيها عليّ عليه السلام بمكة ركعتين مدّة عشر سنين حتّى هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى المدينة و خلّف عليّا عليه السلام في أمور، لم يكن يقوم بها أحد غيره.

و كان خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكّة في أوّل يوم من ربيع الأول، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث، و قدم المدينة

ص:33


1- 1) في المصدر و البحار: [1] حيث بعث اللّه عزّ و جلّ رسوله.
2- 2) في المصدر و البحار: و [2]برسوله.
3- 3) في المصدر و البحار: و [3]برسوله.

لإثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول (1)فنزل بقبا فصلّى الظّهر ركعتين و العصر ركعتين الحديث (2).

2-الشيّخ المفيد (3)في «الإرشاد» قال: أخبرني أبو الجيش المظفّر بن محمد البلخي (4)قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثّلج (5)قال:

حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم البرتي (6)، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن صالح الأزدي (7)، قال: حدّثنا سعد بن خثيم (8)، قال: حدّثنا أسد بن عبيدة (9)، عن يحيى بن عفيف (10)، عن أبيه، قال: كنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطّلب (11)قبل أن يظهر أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء شابّ فنظر إلى السّماء حين تحلقت الشّمس ثمّ استقبل الكعبة فقام يصلّي، فجاء غلام فقام عن يمينه، ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشّابّ فركع الغلام و المرأة، ثمّ رفع الشّابّ فرفعا، ثم سجد الشّابّ فسجدا.

ص:34


1- 1) في المصدر و البحار: [1] ربيع الأول مع زوال الشمس.
2- 2) الكافي ج 8/338 ح 536-و [2]عنه البحار ج 19/115 ح 2. [3]
3- 3) الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الشيخ الجليل المتوفى سنة (413) .
4- 4) أبو الجيش: المظفر بن محمد بن أحمد البلخي المتكلم المتوفى سنة (367) .
5- 5) أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج الكاتب البغدادي المتوفى سنة (325) .
6- 6) أبو الحسن أحمد بن القاسم البرتي: بن محمد بن سليمان توفي سنة (296) .
7- 7) عبد الرحمن بن صالح الأزدي أبو صالح البغدادي المتوفى سنة (235) .
8- 8) سعد بن خثيم: بن رشد الهلالي أبو معمر الكوفي المتوفى سنة (180) .
9- 9) أسد بن عبيدة: في ثقات ابن حبان: أسد بن عبدة-و في تهذيب التهذيب 1/259: [4] أسد بن عبد اللّه بن يزيد بن أسد البجلي المتوفى سنة (120) .
10- 10) يحيى بن عفيف: ترجمه ابن حبّان في الثقات ج 5/521 و قال: يروي عن أبيه و له صحبة روى عنه أسد بن عبدة البجلي.
11- 11) في المصدر: مع العباس بن عبد المطلب رضي اللّه عنه بمكة-و في البحار [5]عن كشف الغمة: [6]كنت امرء تاجرا. فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه بعض التجارة و كان امرء تاجرا، فو اللّه أتى لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس فلمّا راها قد مالت قام يصلّي قال: ثم خرجت امرأة من الخباء الذي خرج ذلك الرجل منه فقامت خلفه فصلّت، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه فصلّى. . .

فقلت: يا عبّاس أمر عظيم! فقال العبّاس: أمر عظيم، أتدري من هذا الشّابّ؟ هذا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب ابن أخي، أتدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ بن أبي طالب ابن أخي، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد، إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات و الأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، و لا و اللّه ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (1).

3-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثنا الحسين بن عليّ بن شعيب الجوهري رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان، قال:

حدثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب (2)، قال: حدثنا الفضل بن الصّقر العبدي، قال أبو معاوية: عن الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمد (3)عليهما السلام، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليه خميصة (4)قد اشتمل بها، فقيل (5): من كساك هذه الخميصة؟ فقال: كساني حبيبي، و صفيّي، و خاصّتي، و خالصتي، و المؤدّي عنّي، و وصيّي، و وارثي، و أخي، و أوّل المؤمنين إسلاما، و أخلصهم إيمانا، و أسمح الناس كفّا سيّد الناس بعدي، قائد الغر المحجّلين، إمام أهل الأرض، عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلم يزل يبكي حتّى ابتلّ الحصى من دموعه شوقا إليه (6).

4-و عنه قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن معمّر، قال: قال:

أحمد بن عليّ الرملي، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنا يعقوب بن

ص:35


1- 1) إرشاد المفيد:20-و [1]عنه البحار ج 38/243-244 و [2]عن كشف الغمّة ج 1/84 مع اختلاف يسير [3]في العبارات، و عن روضة الواعظين:85. [4]
2- 2) بكر بن عبد اللّه بن حبيب المزني أبو محمد ساكن الري و له كتاب نوادر.
3- 3) في المصدر و البحار: [5] جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:
4- 4) الخميصة: ثوب أسود مربّع.
5- 5) في المصدر و البحار: [6] فقيل: يا رسول اللّه من كساك؟
6- 6) أمالي الصدوق:155 ح 13 و [7]عنه البحار ج 38/96 ح 13. [8]

إسحاق المروزي، قال: حدّثنا عمرو بن منصور، و قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، عن يحيى بن أبي كثير (1)، عن أبيه، عن أبي هارون العبدي (2)، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

عليّ بن أبي طالب أقدم أمتي سلما، و أكثرهم علما، و أصحّهم دينا و أفضلهم يقينا، و أكملهم (3)حلما، و أسمحهم كفّا، و أشجعهم قلبا، و هو الإمام و الخليفة بعدي (4).

5-و عنه قال: حدّثنا محمد بن عليّ (5)رحمه اللّه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم (6)، عن محمد بن عليّ الكوفي (7)، عن محمد بن سنان، عن المفضّل، عن جابر بن يزيد، عن أبي الزبير المكّي (8)، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى اصطفاني، و اختارني، و جعلني رسولا، و أنزل عليّ سيّد الكتب، فقلت:

إلهي و سيّدي إنّك أرسلت موسى إلى فرعون، فسألك أن تجعل معه أخاه هرون وزيرا، تشدّ به عضده، و تصدّق به قوله، و إنّي أسألك يا سيّدي و إلهي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشدّ به عضدي.

فجعل اللّه لي عليّا وزيرا، و أخا، و جعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوّه، و هو أوّل من آمن بي، و صدّقني، و أوّل من وحّد اللّه معي،

ص:36


1- 1) يحيى بن أبي كثير صالح ابن المتوكل أبو نصر اليمامي المتوفى سنة (129) أو 132.
2- 2) أبو هارون العبدي: عمارة بن جوين التابعي المتوفى سنة (134) .
3- 3) في المصدر و البحار: و [1]أحلمهم حلما.
4- 4) أمالي الصدوق:16 ح 6-و [2]عنه البحار ج 38/90 ح 1. [3]
5- 5) محمد بن علي ماجيلويه القمي من مشايخ الصدوق قدّس سرّه روى عنه كثيرا في المشيخة و الأمالي و [4]يعبّر عنه كثيرا بمحمد بن علي عن عمّه.
6- 6) محمد بن أبي القاسم عبيد اللّه بن عمران الجنابي البرقي القمي الملقب ببندار وثقه النجاشي و قال: عالم فقيه عارف بالأدب و الشعر.
7- 7) محمد بن علي الكوفي القرشي له ترجمة في معجم رجال الحديث ج 17/53. [5]
8- 8) أبو الزبير المكي: محمد بن مسلم بن تدرس توفي سنة (126) ه-تهذيب التهذيب ج 9/442. [6]

و إنّي سألت ذلك ربّي عزّ و جلّ، فأعطانيه، فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، و اسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، و زوجته الصديقة الكبرى ابنتي، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ابناي، و هو و هما و الأئمة بعدهم حجج اللّه على خلقه بعد النبيّين، و هم أبواب العلم في أمّتي، من تبعهم نجا من النار، و من اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم، لم يهب اللّه عزّ و جلّ محبّتهم لعبد، إلاّ أدخله اللّه الجنّة (1).

6-و عنه، قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (2)رحمه اللّه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الهمداني (3)، قال: حدثنا أحمد بن صالح، عن حكيم بن عبد الرحمن، قال: حدّثني مقاتل بن سليمان (4)، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا عليّ أنت منّي بمنزلة هبة اللّه من آدم، و بمنزلة سام من نوح، و بمنزلة إسحاق من إبراهيم، و بمنزلة هارون من موسى، و بمنزلة شمعون من عيسى، إلاّ أنّه لا نبيّ من بعدي (5).

يا عليّ أنت وصيّي، و خليفتي، فمن جحد وصيّتك و خلافتك فليس منّي و لست منه، و أنا خصمه يوم القيمة.

يا عليّ أنت أفضل أمّتي فضلا، و أقدمهم سلما، و أكثرهم علما، و آمنهم (6)حلما، و أشجعهم قلبا، و أسخاهم كفّا.

ص:37


1- 1) أمالي الصدوق:28 ح 5-و عنه البحار ج 38/92 ح 6. [1]
2- 2) محمد بن إبراهيم بن إسحاق: أبو العباس المكتّب الطالقاني من مشايخ الصدوق رواياته عنه كثيرة و في بعض أسانيده: حدّثه بالري سنة (349) -و ترضى عليه في مشيخته.
3- 3) أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن السبيعي الهمداني الكوفي و له كتب كثيرة توفي سنة (333) .
4- 4) مقاتل بن سليمان: بن بشير البلخي أبو الحسن المفسّر المتوفى بالبصرة سنة (150) -و عدّه الشيخ قدّس سرّه من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام.
5- 5) في المصدر و البحار: [2] لا نبيّ بعدي.
6- 6) في المصدر و البحار: و [3]أوفرهم حلما.

يا علي (1)أنت قسيم الجنّة و النار، بمحبّتك يعرف الأبرار، و يميّز بين الأشرار و الأخيار و بين المؤمنين و الكفّار (2).

7-محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى (3)، عن البرقي (4)، عن أحمد بن زيد النيشابوري، قال: حدّثني عمر بن إبراهيم الهاشمي (5)عن عبد الملك (6)بن عمير، عن أسيد بن صفوان (7)صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: لمّا كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام، ارتجّ (8)الموضع بالبكاء، و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جاء رجل باكيا، و هو مسرع مسترجع، و هو يقول اليوم انقطعت خلافة النبوّة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: رحمك اللّه يا أبا الحسن كنت أوّل القوم إسلاما، و أخلصهم إيمانا، و أشدّهم يقينا، و أخوفهم للّه عزّ و جلّ، و أعظمهم عناء، و أحوطهم (9)على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و آمنهم على أصحابه و أفضلهم مناقب، و أكرمهم سوابق، و أرفعهم درجة، و أقربهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أشبههم به

ص:38


1- 1) في المصدر و البحار: [1] يا علي أنت الامام بعدي و الأمير، و أنت الصاحب بعدي و الوزير، و مالك في أمّتي من نظير-يا علي أنت قسيم الجنّة. . .
2- 2) أمالي الصدوق:47 ح 4-و [2]عنه البحار: ج 37/254 ح 1. [3]
3- 3) هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي المتقدم ذكره.
4- 4) هو محمد بن خالد البرقي المتقدم ذكره.
5- 5) عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي الهاشمي مولاهم توفي بعد سنة (220) ه.
6- 6) عبد الملك بن عمير: بن سويد بن حارثة القرشي اللخمي المعروف بالقبطي توفي سنة (136) و له (103) سنة-تقدم ذكره.
7- 7) أسيد بن صفوان (بفتح الهمزة) ترجمه ابن الأثير في «أسد الغابة» ج 1/90 و [4]قال: له صحبة عداده في أهل الحجاز، تفرّد بالرواية عنه عبد الملك بن عمير.
8- 8) ارتجّ: اضطرب.
9- 9) أحوطهم: أشدّهم حياطة و حفظا و صيانة.

هديا، و خلقا، و سمتا (1)و فعلا، و أشرفهم منزلة و أكرمهم عليه، فجزاك اللّه عن الإسلام، و عن رسوله، و عن المسلمين خيرا.

قويت حين ضعف أصحابه، و برزت حين استكانوا، و نهضت حين وهنوا، و لزمت منهاج رسوله صلى اللّه عليه و آله إذ همّ أصحابه، و كنت خليفته حقا لم تنازع، و لم تضرع (2)برغم المنافقين، و غيظ الكافرين، و كره الحاسدين، و ضغن (3)الفاسقين.

فقمت بالأمر حين فشلوا، و نطقت حين تتعتعوا (4)، و مضيت بنور اللّه إذ وقفوا، فاتّبعوك (5)فهدوا، و كنت أخفضهم صوتا، و أعلاهم قنوتا (6)، و أقلّهم كلاما، و أصوبهم نطقا، و أكبرهم رأيا، و أشجعهم قلبا، و أشدّهم يقينا، و أحسنهم عملا، و أعرفهم بالأمور.

كنت و اللّه يعسوب (7)الدين أوّلا و آخرا: الأوّل حين تفرّق الناس، و الآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، و حفظت ما أضاعوا، و رعيت ما أهملوا، و شمّرت إذ اجتمعوا، و علوت إذ هلعوا، و صبرت إذ أسرعوا (8)، و أدركت أوتار ما طلبوا (9)، و نالوا بك ما لم يحتسبوا.

كنت على الكافرين عذابا صبّا و نهبا، و للمؤمنين عمدا (10)و حصنا،

ص:39


1- 1) السمت (بفتح السين المهملة و سكون الميم) : الطريق و هيئة أهل الخير.
2- 2) لم تضرع: لم تضعف.
3- 3) الضغن (بكسر الضاد) : الحقد-و في المصدر: و صغر الفاسقين.
4- 4) تتعتعوا: تردّدوا في الكلام من حصر أو عيّ.
5- 5) في الكمال و البحار: و [1]لو اتّبعوك لهدوا.
6- 6) في الكمال: قوّتا.
7- 7) في الكمال و البحار: [2] كنت و اللّه للدين يعسوبا.
8- 8) في الكمال و البحار: و [3]صبرت إذ جزعوا.
9- 9) في الكمال و البحار: و [4]أدركت إذ تخلّفوا.
10- 10) في الكمال و البحار [5]صبّا و للمؤمنين غيثا و خصبا و في النسخة المخطوطة من «الحلية» [6] المؤرخة (1351) و الموجودة في مكتبة المؤسسة: و للمؤمنين عمودا و حصنا.

فطرت و اللّه بنعمائها (1)، و فزت بحبائها (2)، و أحرزت سوابقها، و ذهبت بفضائلها، لم تفلّ حجتك (3)، و لم يزغ قلبك، و لم تضعف بصيرتك، و لم تجبن نفسك، و لم تخن (4).

كنت كالجبل لا تحركه العواصف (5)، و كنت كما قال صلى اللّه عليه و آله: أمن النّاس في صحبتك و ذات يدك.

و كنت كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ضعيفا في بدنك، قويّا في أمر اللّه، متواضعا في نفسك، عظيما عند اللّه، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، و لا لقائل فيك مغمز (6)، و لا لأحد فيك مطمع، و لا لأحد عندك هوادة (7)، الضعيف الذليل عندك قويّ عزيز حتّى تأخذ له بحقّه، و القويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحقّ، و القريب و البعيد عندك في ذلك سواء: شأنك الحقّ و الصدق و الرفق، و قولك حكم و حتم، و أمرك حلم و حزم، و رأيك علم و عزم فيما فعلت، و قد نهج السبيل، و سهل العسير، و اطفئت النيران، و اعتدل بك الدين، و قوي بك الإسلام، و ظهر أمر اللّه و لو كره الكافرون، و ثبت بك الإسلام و المؤمنون، و سبقت سبقا بعيدا، و أتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء؛ و عظمت رزيّتك في السماء، و هدّت مصيبتك الأنام فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، رضينا عن اللّه قضاءه، و سلّمنا للّه أمره، فو اللّه لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا.

ص:40


1- 1) في البحار: [1] فطرت و اللّه بعنانها.
2- 2) في البحار: و [2]فزت بجنانها.
3- 3) في البحار: [3] لم يفلل حدّك.
4- 4) في المصدر: «لم تخرّ» من الخرور و هو السقوط.
5- 5) في الكمال و البحار: [4] لا تحركه العواصف و لا تزيله القواصف.
6- 6) المغمز: المطعن و العيب و المطمع و كذلك المهمز.
7- 7) الهوادة (بفتح الهاء) : السكون و الصلح و المحاباة و الميل من الحق إلى الباطل.

كنت للمؤمنين كهفا و حصنا، و قنّة (1)راسيا، و على الكافرين غلظة و غيظا، فألحقك اللّه بنبيّه، و لا أحرمنا (2)أجرك، و لا أضلّنا بعدك، و سكت القوم حتّى انقضى كلامه و بكى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ طلبوه فلم يصادفوه (3).

8-عليّ بن إبراهيم بن هاشم، انّ النبوّة نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الاثنين، و أسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).

و الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام، بأنّه عليه السلام أوّل من أسلم لا تحصى اقتصرنا على ذلك، مخافة الإطالة.

ص:41


1- 1) القنّة (بضم القاف و فتح النون المشدّدة) : الجبل الصغير-قلّة الجبل.
2- 2) في البحار: و [1]لا حرّمنا.
3- 3) الكافي ج 1/454 ح 4-و [2]عنه البحار ج 42/303 ح 4 و [3]عن كمال الدين:387 ح 3-و [4]رواه الصدوق في أماليه:200 ح 11. [5]
4- 4) تفسير القمي ج 1/378-و [6]عنه البحار ج 18/179 ح 10. [7]

ص:42

الباب السادس

«في أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى

مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين»

1-من «مسند» أحمد بن حنبل، حدّث عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: حدّثني معمر، و أخبرني عثمان الجزري (1)، عن مقسم (2)، عن ابن عباس، انّ عليا عليه السلام أوّل من أسلم (3).

2-حدّث عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: حدّثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن (4)، و غيره انّ عليّا أوّل من أسلم بعد خديجة (5).

ص:43


1- 1) عثمان الجزري: ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» ج 3/174 و قال: يقال له: عثمان المشاهد، روى عن مقسم، و روى عنه معمر.
2- 2) مقسم: بن بجرة أو ابن نجدة. و يقال له: مولى ابن عباس للزومه له، توفي سنة (101) ه.
3- 3) فضائل أحمد ج 2/589 ح 997 روى الحديث عنه في ملحقات الاحقاق ج 7/501 و رواه عبد الرزاق في كتاب المغازي من «المصنف» ج 5/325.
4- 4) الحسن: بن يسار البصري المتقدم ذكره. توفي سنة (110) ه.
5- 5) رواه عبد الرزّاق في كتاب المغازي من «المصنّف» ج 5/325-و رواه عنه أحمد في كتاب الفضائل ج 2/589-و الحاكم في «المستدرك» ج 3/111-و [1]ابن عبد ربّه في «العقد الفريد» ج 2/194. [2]

3-و عنه، عن أبيه، قال: حدّثنا محمد بن جعفر (1)، قال: حدّثنا شعبة، عن سلمة (2)بن كهيل، قال: سمعت حبّة العرني (3)يقول: سمعت عليّا عليه السلام يقول: أنا أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).

4-و عنه، عن أبيه، عن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن (5)مرّة، عن أبي حمزة (6)، عن زيد بن أرقم (7)، قال: أوّل من أسلم مع النبيّ (8)صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ عليه السلام (9).

5-و عنه، عن أبيه أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا يزيد بن هارون (10)، قال: أخبرنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حبّة العرني، يقول: سمعت عليّا عليه السلام يقول أنا أوّل رجل صلى مع

ص:44


1- 1) محمد بن جعفر: هو الحافظ البصري المسمّى بغندر (بضم أو له و سكون ثانيه و فتح ثالثه و قد تضمّ) توفي سنة (193) و قد تقدم ذكره.
2- 2) سلمة بن كهيل: أبو يحيى الحضرمي الكوفي التابعي المتوفى سنة (121) ه.
3- 3) حبّة العرني: بن جوين بن علي البجلي أبو قدامة الكوفي المتوفى سنة (76) أو (79) .
4- 4) فضائل أحمد ج 2/590 ح 999-و عنه العمدة لابن البطريق:61 ح 65-و أخرجه في البحار ج 38/203 [1]عن مناقب ابن شهر اشوب 2/15 و [2]رواه ابن عبد البر، في «الاستيعاب» ج 2/458 ط حيدر [3]آباد بعين ما رواه أحمد في المسند سندا و متنا.
5- 5) عمرو بن مرّة: الجملي (نسبة إلى جمل بن كنانة المرادي) توفي سنة (116) .
6- 6) أبو حمزة: الكوفي طلحة بن يزيد الأيلي (بفتح الهمزة و سكون الياء) مولى قرظة بن كعب الأنصاري. له ترجمة في ثقات ابن حبان ج 4/394 و في التهذيب ج 5/29.
7- 7) زيد بن أرقم: الصحابي الخزرجي المتوفى سنة (66) أو سنة (68) .
8- 8) في المصدر: رسول اللّه.
9- 9) فضائل الصحابة لابن حنبل ج 2/590 ح 1000-و [4]عنه العمدة لابن البطريق:61 ح 67 و رواه ابن سعد في الطبقات ج 2/21-و أحمد في المسند ج 4/368 و 371-و [5]النسائي في الخصائص: 16 ح 3.
10- 10) يزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي المتوفى سنة (206) .

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (1).

6-و عنه، قال: حدّثني أبي أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال:

أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال:

سمعت أبا حمزة يحدّث، عن زيد بن أرقم قال: أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عليّ عليه السلام (2).

7-و عنه، قال: حدّثنا إبراهيم (3)قال: حدّثنا أبو الوليد (4)، قال:

حدّثنا شعبة، عن عمرو يعني ابن مرّة قال: سمعت أبا حمزة يقول: سمعت زيد بن أرقم يقول: أوّل من صلّى مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام (5).

8-و عنه، قال: حدّثنا أبو الفضل الخراساني (6)قال: حدّثنا أبو غسان (7)، عن إسرائيل (8)، عن جابر، عن عبد اللّه بن نجيي (9)، عن عليّ عليه السلام قال: صلّيت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاث سنين قبل

ص:45


1- 1) فضائل الصحابة ج 2/591 ح 1002-و [1]عنه العمدة:61 ح 68-و رواه ابن سعد في الطبقات ج 2/21.
2- 2) فضائل الصحابة ج 2/591 ح 1003-و [2]عنه العمدة:61 ح 69-و أخرجه في البحار ج 38/203 [3]عن مناقب ابن شهر اشوب: ج 2/14 و [4]رواه النسائي في خصائصه:15 ح 2 و له تخريجات.
3- 3) إبراهيم: هو أبو مسلم إبراهيم بن عبد اللّه بن مسلم البصري الكجّي المتوفى سنة (292) .
4- 4) أبو الوليد: هو هشام بن عبد الملك الطيالسي الحافظ المتوفى سنة (227) .
5- 5) فضائل أحمد ج 2/609 ح 1040-و عنه العمدة:61 ح 70-و أخرجه في البحار ج 38/251 [5]عن الطرائف:18 ح 5-و [6]رواه النسائي في الخصائص:17 ح 14.
6- 6) في المصدر: حدثنا عبد اللّه، قال: حدثني سفيان بن وكيع، حدّثنا أبي-عن إسرائيل. عن جابر. . .
7- 7) أبو غسّان: مالك بن إسماعيل النهدي الحافظ المتوفى سنة (219) تقدم ذكره.
8- 8) إسرائيل: بن يونس السبيعي المتقدم ذكره توفي سنة (162) ه.
9- 9) عبد اللّه بن نجيى (بضم النون و فتح الجيم) بن سلمة بن جشم ترجمه العسقلاني في التهذيب ج 6/55.

أن يصلّي معه أحد (1).

9-و عنه، قال: سمعت محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق (2)، قال:

سمعت أبي، قال: حدّثنا أبو حمزة (3)، عن جابر الجعفي، عن عبد اللّه بن نجيي، قال: سمعت عليّا عليه السلام يقول: لقد صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاث سنين قبل أن يصلّي معه أحد من الناس (4).

10-و عنه، أعني عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا الأزرق بن علي (5)، و داود بن عمرو (6)، قالا: حدّثنا حسّان بن إبراهيم (7)، حدّثنا محمد بن سلمة (8)، عن أبيه، عن حبّة العرني قال: رأيت عليّا عليه السلام يضحك (9)يوما لم أره ضحك أكثر منه حتى بدت نواجذه، قال: بينما أنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و ذكر الحديث قال: ثم قال: اللّهمّ إنّي لا أعرف أنّ عبدا لك من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيّك صلى اللّه عليه و آله قال: فقال ذلك: ثلاث مرّات، ثمّ قال: لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد (10).

11-أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (11)في تفسيره، قال الكلبي (12):

ص:46


1- 1) فضائل أحمد ج 2/682 ح 1165-و عنه العمدة لابن البطريق:62 ح 71 و أخرجه في البحار ج 38/268 [1]عن الفصول المختارة للمفيد:210 [2] نحوه.
2- 2) محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: بن دينار المروزي المتوفى سنة (250) ه.
3- 3) أبو حمزة: محمد بن ميمون السكري المروزي المتوفى سنة (168) ه.
4- 4) فضائل أحمد ج 2/682 ح 1166-و عنه العمدة لابن البطريق:62 ح 72.
5- 5) الأزرق بن علي: بن مسلم الحنفي أبو الجهم ترجمه العسقلاني في تهذيب التهذيب ج 1/200-و [3]التقريب ج 1/51 و قال: من الحادية عشرة.
6- 6) داود بن عمرو: بن زهير أبو سليمان البغدادي المتوفى سنة (228) .
7- 7) حسّان بن إبراهيم: الكرماني قاضي كرمان المتوفى سنة (182) أو (186) .
8- 8) محمد بن سلمة: بن كهيل، ترجمه الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3/568.
9- 9) في المصدر: ضحك يوما ضحكا لم أره. . .
10- 10) فضائل أحمد ج 2/681 ح 1164-و عنه العمدة لابن البطريق:62 ح 73 و رواه أحمد في مسنده ج 1/99 [4] نحوه مفصلا، و أخرج ذيله في البحار: ج 38/241 [5]عن كشف الغمة ج 1/81. [6]
11- 11) أبو اسحاق الثعلبي: أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المتوفى سنة (427) .
12- 12) الكلبي: محمد بن سائب بن بشر أبو النضر الكوفي المتوفى سنة (146) .

أسلم عليّ عليه السلام و هو ابن تسع سنين.

و قال مجاهد، و ابن إسحاق (1): أسلم عليّ عليه السلام و هو ابن عشر سنين (2).

12-و قال ابن إسحاق: حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان من نعم (3)اللّه على عليّ بن أبي طالب عليه السلام و ما صنع اللّه له، و أراده من الخير، أنّ قريشا أصابتهم أزمة (4)شديدة، و كان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للعبّاس عمّه، و كان من أيسر بني هاشم: يا عبّاس أخوك أبو طالب كثير العيال، و قد أصاب النّاس ما تراه (5)من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفّف عنه من عياله، آخذ (6)من بنيه رجلا، و تأخذ من بنيه رجلا، فنكفهما (7)عنه، فقال العباس رضي اللّه عنه:

نعم. فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه.

فقال لهما أبو طالب: إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا فضمّه إليه، و أخذ العباس جعفرا و ضمّه إليه، فلم يزل عليّ عليه السلام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى بعثه اللّه نبيّا فأتبعه عليّ فآمن به و صدّقه، و لم يزل جعفر عند العباس حتّى أسلم و استغنى عنه (8).

ص:47


1- 1) ابن إسحاق: عبد اللّه بن أبي نجيح يسار الثقفي المكي المتوفى سنة (131) .
2- 2) تفسير الثعلبي:210 [1] مخطوط-و عنه العمدة لابن البطريق:63.
3- 3) في العمدة: كان من نعمة اللّه.
4- 4) الأزمة (بفتح الهمزة و سكون الزاء المعجمة) : الشدّة و القحط.
5- 5) في المصادر: ما ترى.
6- 6) في الطرائف: [2] آخذا أنا من بيته رجلا و تأخذ أنت من بيته رجلا.
7- 7) في الطرائف و [3]البحار: [4] فنكفيهما عنه-و في العمدة: فنكفلهما عنه.
8- 8) تفسير الثعلبي [5]في ذيل آية «وَ اَلسّابِقُونَ اَلْأَوَّلُونَ» من سورة برائة و عنه العمدة لابن البطريق: 63-و أخرجه في البحار ج 35/24 ح 19 [6]عن الطرائف:17 ح 3 [7]نقلا عن تفسير الثعلبي. [8]

13-قال: و روى إسماعيل بن إياس بن عفيف (1)، عن أبيه، عن جدّه عفيف (2)، قال: كنت امرءا تاجرا، فقدمت مكّة أيّام الحجّ، فنزلت على العباس بن عبد المطّلب، و كان العباس لي صديقا، و كان يختلف إلى اليمن، يشتري العطر، فيبيعه أيّام الموسم، فبينما أنا و العباس بمنى، إذا رجل شابّ حين حلقت الشمس في السماء فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة، فقام مستقبلها، فلم يلبث حتّى جاء غلام، فقام عن يمينه فلم يلبث أن جاءت امرأة، فقامت خلفه فركع الشابّ و ركع الغلام و المرأة فخرّ الشابّ ساجدا فسجدا معه، فرفع الشابّ و رفع الغلام و المرأة فقلت: يا عباس أمر عظيم! فقال: أمر عظيم، فقلت: ويحك ما هذا؟ ! فقال: هذا ابن أخي محمد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب، يزعم أنّ اللّه بعثه رسولا، و أنّ كنوز كسرى و قيصر ستفتح على يديه، و هذا الغلام ابن أخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و هذه خديجة بنت خويلد زوجته تابعاه على دينه، و أيم اللّه ما على ظهر الأرض كلّها أحد على هذا الدين غير هؤلاء.

قال عفيف الكندي: ما أسلم و رسخ الإسلام في قلبه غيرهم، يا ليتني كنت رابعا (3).

14-قال: و يروى أنّ أبا طالب قال لعليّ عليه السلام: أي بنيّ! ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: يا أبت آمنت باللّه و رسوله، و صدّقته فيما جاء به، و صلّيت معه للّه، فقال له: أما إنّ محمدا ما يدعو إلاّ إلى خير فألزمه (4).

15-و روى عبيد اللّه بن محمد، عن العلاء بن المنهال بن عمرو، عن

ص:48


1- 1) اسماعيل بن اياس: ترجمه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان و أورد الحديث مع تفاوت يسير في العبارات ج 1/395.
2- 2) عفيف الكندي: بن قيس له صحبة، ترجمه العسقلاني في التهذيب ج 7/236.
3- 3) تفسير الثعلبي مخطوط-و عنه العمدة لابن البطريق:63 ح 75.
4- 4) تفسير الثعلبي مخطوط-و عنه العمدة لابن البطريق:64 ح 75.

عبادة بن عبد اللّه قال: سمعت عليّا عليه السلام يقول: أنا عبد اللّه و أخو رسوله، و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر، صلّيت قبل النّاس بسبع سنين (1).

قال يحيى بن الحسين بن البطريق في «العمدة» : و هذا الخبر دليل على إيمان أبي طالب، لأنّه أمر ولده عليه السلام بلزومه و إقراره بأنّه لا يدعو إلاّ إلى خير تسليم، و اعتراف بصحّة دعواه.

و حقيقة الإيمان هو التسليم و التصديق بما أتى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

16-ابن المغازلي الفقيه الشافعي الواسطي في كتاب «مناقب أمير المؤمنين عليه السلام» في قوله تعالى وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ (2)عنه، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب (3)إجازة، أخبرنا عمر بن عبد اللّه بن شوذب (4)، حدّثنا محمد بن أحمد بن منصور، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين، قال: حدّثنا زكريّا، قال: حدّثنا أبو صالح بن الضحاك، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، في قول اللّه تعالى:

وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ ، قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى و صاحب يس إلى عيسى (5)و سبق عليّ عليه السلام إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (6).

ص:49


1- 1) تفسير الثعلبي [1]مخطوط-و عنه العمدة لابن البطريق:64 ح 75 و أخرجه في البحار ج 38/239 [2]عن كشف الغمة ج 1/89 [3] نقلا من مسند أحمد. [4]
2- 2) سورة الواقعة:10. [5]
3- 3) أحمد بن محمد بن عبد الوهاب بن طاوان الواسطي من شيوخ ابن المغازلي سمع منه سنة (449) .
4- 4) عمر بن عبد اللّه بن عمر بن شوذب أبو أحمد المقرئ الواسطي، ترجمه الجزري في غاية النهاية ج 1/506 [6] بعنوان عثمان بن عبد اللّه.
5- 5) في البحار: سبق آل ياسين إلى عيسى.
6- 6) مناقب ابن المغازلي:320-و عنه العمدة لابن البطريق:64 ح 77-و أخرجه في البحار ج 38/239 [7]عن كشف الغمة ج 1/88-و [8]أخرجه في الطرائف أيضا [9]ج 1/20 عن مناقب ابن المغازلي. [10]

17-و عنه، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر البغدادي (1)قدم علينا واسطا، قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن محمد بن عرفة بن لؤلؤ، قال: حدّثني عمر بن محمّد الباقلاني قال: حدّثني محمد بن خلف الحدّادي (2)قال: حدّثني عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية، قال:

حدّثني عمرو بن ثابت (3)، عن يزيد بن أبي (4)زياد، عن عبد الرحمن بن سعيد: مولى أبي أيّوب عن أبي أيوب الأنصاري (5)، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: صلّت الملائكة عليّ و على عليّ عليه السلام سبع سنين، و ذلك أنّه لم يصلّ معي أحد غيره (6).

18-و عنه قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن العبّاس البزّار، قال: حدّثنا أبو القاسم عبيد اللّه بن محمّد بن أحمد بن أسد البزّار، إملاء، قال: حدّثنا محمّد أبو مقاتل (7)، حدّثنا الحسن بن أحمد بن منصور، قال:

حدّثنا سهل بن صالح المروزي، قال: سمعت أبا معمر عبّاد بن عبد الصمد، يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

صلّت الملائكة عليّ و على عليّ سبعا، و ذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، إلاّ منّي و منه (8).

19-و عنه قال: أخبرنا أحمد بن موسى بن الطحّان إجازة عن القاضي أبي

ص:50


1- 1) أبو طالب محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن السوادي توفي بواسط سنة (445) .
2- 2) محمد بن خلف الحدادي المقرىء البغدادي المتوفى سنة (261) ه.
3- 3) عمرو بن ثابت: أبي المقدام بن هرمز الكوفي المتوفى سنة (172) ه.
4- 4) يزيد بن أبي زياد الكوفي القرشي مولاهم توفي سنة (136) ه.
5- 5) أبو أيوب الأنصاري: خالد بن زيد توفي بقسطنطنية سنة (81) ه.
6- 6) مناقب ابن المغازلي:13 ح 17-و [1]عنه العمدة:65 ح 78-و أخرجه في البحار ج 38/251 [2]عن الطرائف:19 ح 7- [3]نقلا من مناقب ابن المغازلي. [4]
7- 7) أبو مقاتل: محمد بن العبّاس بن أحمد بن شجاع المروزي المتوفى سنة (329) ه.
8- 8) مناقب ابن المغازلي:14 ح 19-و [5]عنه العمدة لابن البطريق:65 ح 79 و أخرجه في البحار ج 38/251 [6]عن الطرائف:19 ح 8 [7] نقلا من ابن المغازلي و في البحار ج 38/239 [8]عن كشف الغمة ج 1/79 [9] نقلا من مناقب الخوارزمي:19.

الفرج الخيوطي، حدّثنا ابن عبادة حدّثنا جعفر بن محمّد الخلدي (1)، حدّثنا عبد السلام بن صالح، حدّثنا عبد الرزّاق، عن الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن عليم بن قيس الكندي، عن سلمان، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أوّل الناس ورودا عليّ الحوض أوّلهم إسلاما علي بن أبي طالب عليه السلام (2).

قلت: الروايات من المؤالف و المخالف متواترة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو أوّل من أسلم، خصوصا الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، فإنّها متفقة على أنّه أوّل من أسلم على سبيل الإطلاق و لم يستثن فيها خديجة (3)في كلّ ما وقفت عليه من روايات أهل البيت، و هو أيضا كثير في روايات المخالفين، انّه أيضا أوّل من أسلم على سبيل الإطلاق.

20-قال ابن شهر اشوب: قد استفاضت الروايات أنّ أوّل من أسلم عليّ عليه السلام ثمّ خديجة ثمّ جعفر (4).

21- «تاريخ» الطبري، و «تفسير» الثعلبي و هو من أعيان المخالفين قال: قال محمد بن المنكدر (5)و ربيعة بن أبي عبد الرحمن، و أبو حازم المدني، و محمد بن إسحاق و محمد بن السائب الكلبي، و قتادة، و مجاهد، و ابن عباس، و جابر بن عبد اللّه، و زيد بن أرقم، و عمرو بن مرّة، و شعبة بن الحجّاج: عليّ أوّل من أسلم (6).

ص:51


1- 1) الخلدي: جعفر بن محمّد بن نصر بن القاسم أبو محمد الخواص المتوفى سنة (347) .
2- 2) مناقب ابن المغازلي:15 ح 22-و [1]عنه العمدة لابن البطريق:66 ح 80 و أخرجه في البحار ج 38/239 [2]عن كشف الغمّة ج 1/79 [3] نقلا من مناقب الخوارزمي:17. [4]
3- 3) خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية عليها السلام ولدت سنة (67) ق ه و توفيت سنة (3 ق ه) .
4- 4) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/4-و [5]عنه البحار ج 38/228 ح 35. [6]
5- 5) محمّد بن المنكدر بن عبد اللّه بن الهدير التيمي المدني المتوفى سنة (130) ه.
6- 6) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/7 و [7]عنه البحار ج 38/231. [8]

قال ابن شهر اشوب: و قد رواه وجوه الصحابة و خيار التابعين و أكثر المحدّثين ذلك، منهم سلمان، و أبوذر، و المقداد، و عمّار، و زيد بن صوحان (1)، و حذيفة، و أبو الهيثم و خزيمة (2)، و أبو أيّوب، و أبو سعيد الخدري، و أبيّ (3)، و أبو رافع، و أمّ سلمة، و سعد بن أبي وقاص (4)، و أبو موسى الأشعري (5)، و أنس بن مالك، و أبو الطفيل (6)، و جبير بن مطعم (7)، و عمرو بن الحمق (8)، و حبّة العرني، و جابر الحضرمي (9)، و الحارث الأعور، و عباية الأسدي (10)، و مالك بن الحويرث (11)، و قثم بن العبّاس (12)، و سعيد بن قيس (13)، و مالك الأشتر (14)و هاشم بن عتبة (15)، و محمد بن

ص:52


1- 1) زيد بن صوحان: بن حجر العبدي التابعي الكوفي كان مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل حتى استشهد سنة (36) ه.
2- 2) خزيمة: بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري ذو الشهادتين كان مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفين حتى استشهد سنة (37) ه.
3- 3) أبيّ بن كعب الصحابي كان ممّن جمع القرآن توفي ما بين العام (20) و (33) .
4- 4) سعد بن ابي وقّاص مالك بن أهيب الزهري مات سنة (55) ه.
5- 5) أبو موسى الأشعري: عبد اللّه بن قيس الصحابي المتوفى سنة (44) ه.
6- 6) أبو الطفيل: عامر بن واثلة الكناني الصحابي المتوفى سنة (110) ه.
7- 7) جبير بن مطعم: بن عدي بن نوفل الصحابي المتوفى سنة (59) ه.
8- 8) عمرو بن الحمق (بفتح الحاء و كسر الميم) الخزاعي الصحابي الشهيد بالموصل سنة (51) ه.
9- 9) جابر الحضرمي: بن إسماعيل أبو عبّاد المصري، له ترجمة في الثقات لابن حبّان ج 8/163- و تهذيب التهذيب ج 2/37. [1]
10- 10) عباية الأسدي: بن ربعي من أصحاب أمير المؤمنين و الحسن عليهما السلام.
11- 11) مالك بن الحويرث: الليثي الصحابي المتوفى سنة (74) ه.
12- 12) قثم بن العبّاس: بن عبد المطلب المتوفى سنة (57) ه.
13- 13) سعيد بن قيس: مشترك بين رجلين: سعيد بن قيس بن صخر الأنصاري الصحابي، و سعيد بن قيس بن زيد الهمداني من خواص أمير المؤمنين عليه السلام توفي حدود سنة (50) ه.
14- 14) مالك الأشتر: بن الحارث النخعي من أبطال أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الشهيد سنة (37) ه.
15- 15) هاشم بن عتبة: بن أبي وقاص الملقب بالمرقال الشهيد في صفين سنة (37) ه.

كعب (1)، و أبو مجلز (2)، و الشعبي، و الحسن البصري، و أبو البختري، و الواقدي، و عبد الرزاق، و معمّر، و السدي (3)، و الكتب برواياتهم مشحونة.

الحميري (4)(ره) :

من فضله أنّه قد كان أوّل من صلّى و آمن بالرحمن إذ كفروا

سنين سبعا و أيّاما محرّمة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على خوف و ما شعروا

و قد روى المخالف، و المؤالف عن طرق متعدّدة منها: عن أبي صبرة، و مصقلة (5)بن عبد اللّه، عن عمر بن الخطاب، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: لو وزن إيمان عليّ بإيمان أمّتي لرجّح.

و في رواية: و إيمان أمّتي لرجح إيمان عليّ على إيمان أمّتي إلى يوم القيمة (6)إلى هنا انتهى كلام ابن شهر اشوب.

و اعلم أنّ المؤالف و المخالف اتّفقوا على أنه أوّل من أسلم من الذكور، و رواية أهل البيت عليهم السلام على الإطلاق، و قال به الجمّ الغفير من العامّة، و ربما رووا تقديم إسلام خديجة على إسلامه عليه السلام، و الرواية عن أهل البيت عليهم السلام خالية عن ذلك، و قولهم عليهم السلام حجّة، ألا ترى إلى قوله عليه السلام الذي نقله الشيخ الفاضل ابن الفارسي في «روضة الواعظين» و غيره، و هو مشهور من قوله عليه السلام في عدة أبيات:

ص:53


1- 1) محمد بن كعب: بن سليم بن أسد أبو حمزة القرضي المدني نزيل الكوفة المتوفى سنة (108) /116 أو 120 ه.
2- 2) أبو مجلز: لا حق بن حميد بن سعيد السدوسي المتوفى سنة (106) ه.
3- 3) السدّي: إسماعيل بن عبد الرحمن المفسّر الكوفي المتوفى في سنة (127) أو 128.
4- 4) الحميري: [1] اسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة الشاعر الملقب بالسيّد المتوفى سنة (173) .
5- 5) مصقلة: لم نظفر بمصقلة بن عبد اللّه، و يحتمل أنّه مصحّف مصقلة بن هبيرة بن شبل الثعلبي الشيباني من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام توفي حدود سنة (50) ه.
6- 6) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/7-8 و [2]عنه البحار ج 38/231-233. [3]

سبقتكم إلى الإسلام طرّا غلاما ما بلغت أوان حلمي

و هذا البيت في جملة أبيات مذكورة في الديوان المنسوب إليه عليه السلام أيضا.

ص:54

الباب السابع

«فيما أجاب به النبيّ صلى اللّه عليه و آله حين قيل في

إسلامه عليه السلام طفلا»

1-الشيخ الفاضل المتكلّم الفقيه أبو علي محمد بن أحمد بن عليّ الفتّال النيشابوري المعروف بابن الفارسي، في كتاب روضة الواعظين، و رواه غيره، و اللفظ له، قال: روي عن مجاهد، عن أبي عمرو (1)، و أبي سعيد الخدري، قالا: كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذ دخل سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و المقداد بن الأسود، و أبو الطفيل عامر بن واثلة، فجثوا (2)بين يديه، و الحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا: فديناك بالآباء و الأمّهات يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّا نسمع من قوم في أخيك و ابن عمّك ما يحزننا و إنّا نستأذنك في الردّ عليهم.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما عساهم يقولون في أخي و ابن عمّي عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: يقولون: أيّ فضل لعليّ في سبقه إلى الإسلام؟ و إنّما أدركه الإسلام طفلا، و نحو هذا القول؟ فقال صلى اللّه عليه و آله: أفهذا يحزنكم؟ قالوا: إي و اللّه.

فقال: باللّه أسألكم هل علمتم من الكتب السالفة، أنّ إبراهيم

ص:55


1- 1) في المصدر: عن أبي عمر، و في البحار: [1] عن أبي عمرو، و على أيّ حال مشترك بين أشخاص من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
2- 2) جثا جثوا. و جثى جثيا: جلس على ركبتيه، و في الروضة: [2] فجلسوا.

عليه السلام هرب به أبوه من الملك الطاغي، فوضعته أمّه بين أثلاث (1)بشاطىء نهر يتدفّق يقال له: حرزان (2)، بين غروب الشمس و إقبال الليل، فلمّا وضعته و استقرّ على وجه الأرض، قام من تحتها، يمسح وجهه و رأسه، و يكثر من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، ثمّ أخذ ثوبا فامتسح به، و أمّه تراه فذعرت منه ذعرا شديدا، ثمّ مضى يهرول بين يديها مادّا عينيه إلى السماء، فكان منه ما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي إلى قوله:

إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (3).

و علمتم أن موسى بن عمران عليه السلام كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل، و يذبّح الأطفال، ليقتل موسى عليه السلام، فلمّا ولدته أمّه، أمرت أن تأخذه من تحتها و تقذفه في التّابوت، و تلقي التابوت في اليمّ، فبقيت حيرانة حتّى كلّمها موسى عليه السلام، و قال لها: يا أمّ اقذفيني في التابوت، و ألقي التابوت في اليمّ.

فقالت و هي ذعرة من كلامه: يا بنيّ إنّي أخاف عليك من الغرق، فقال لها: لا تحزني إنّ اللّه رادّي (4)إليك، ففعلت ما أمرت به، فبقي في التابوت (5)و اليمّ إلى أن قذفه في الساحل، وردّه إلى أمّه برمّته (6)، لا يطعم طعاما، و لا يشرب شرابا، معصوما.

و روي أنّ المدة كانت سبعين يوما، و روي سبعة أشهر.

ص:56


1- 1) في المصدرين: أثلاث، يحتمل أنّه مصحّف و الصحيح ثلال (بكسر الثاء المثلثة) جمع الثلة (بفتح الثاء و اللام المشدّدة) و هي ما أخرج من تراب البئر.
2- 2) ليس جملة (يقال له حرزان) في المصدر. نعم هي في البحار. [1]
3- 3) الأنعام:75-76-78. [2]
4- 4) في البحار: [3] يردّني.
5- 5) في البحار: [4] فبقي في اليمّ.
6- 6) برمّته: أي بجملته.

و قال اللّه عزّ و جلّ في حال طفوليّته: وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ اَلْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ و قال تعالى: وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ الآية (1).

هذا عيسى بن مريم قال اللّه عزّ و جلّ فيه: فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا إلى قوله إِنْسِيًّا (2)فكلّم أمّه وقت مولده و قال حين أشارت إليه قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي اَلْمَهْدِ صَبِيًّا إِنِّي عَبْدُ اَللّهِ آتانِيَ اَلْكِتابَ (3)إلى آخر الآية.

فتكلّم عليه السلام وقت ولادته، و أعطي الكتاب و النبوّة، و أوصي بالصلاة و الزكاة في ثلاثة أيّام من مولده، و كلّمهم في اليوم الثاني من مولده.

و قد علمتم جميعا أنّ اللّه خلقني و عليّا من نور (4)واحد، و إنّا كنّا في صلب آدم، نسبّح اللّه تعالى، ثم نقلنا إلى أصلاب الرجال و أرحام النساء، يسمع تسبيحنا في الظهور و البطون في كلّ عهد و عصر إلى عبد المطّلب، و إنّ نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا و أمّهاتنا حتّى تبيّن أسمائنا مخطوطة بالنور على جباههم.

ثمّ افترق نورنا، فصار نصفه في عبد اللّه، و نصفه في أبي طالب عمّي، و كان يسمع تسبيحنا من ظهورهما، و كان أبي و عمّي إذا جلسا في ملاء من قريش، و قد تبيّن نوري من صلب أبي و نور عليّ من صلب أبيه إلى أن خرجنا من أصلاب أبوينا و بطون أمهاتنا، و لقد هبط حبيبي جبرئيل عليه السلام في وقت ولادة عليّ عليه السلام فقال (5): يا حبيب اللّه اللّه يقرئك (6)السلام

ص:57


1- 1) طه:39. [1]
2- 2) مريم:24-26. [2]
3- 3) مريم:29-30. [3]
4- 4) في روضة الواعظين: [4] خلقني و عليّا نورا واحدا.
5- 5) في روضة الواعظين: [5] فقال لي.
6- 6) في المصدر و البحار: [6] يقرء عليك السلام.

و يهنّئك بولادة أخيك عليّ، و يقول: هذا أوان ظهور نبوّتك و إعلان وحيك، و كشف رسالتك، إذ أيدتك بأخيك، و وزيرك، و صنوك، و خليفتك و من شددت به أزرك، و أعليت (1)به ذكرك، فقمت مبادرا، فوجدت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ عليه السلام قد جاءها المخاض و هي بين النساء، و القوابل حولها، فقال حبيبي جبرائيل: يا محمّد أسجف بينها و بينك (2)سجفا، فإذا وضعت بعليّ فتلقّاه، ففعلت ما أمرت به.

ثمّ قال لي: أمدد يدك يا محمّد فإنّه صاحبك اليمين، فمددت يدي نحو أمّه، فإذا بعليّ مائلا على يديّ واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى و هو يؤذّن، و يقيم بالحنيفيّة، و يشهد بوحدانيّة اللّه عزّ و جلّ و برسالتي (3)، ثم انثنى إليّ و قال: السلام عليك يا رسول اللّه (4).

ثمّ قال لي: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أقرأ؟ قلت: إقرأ، فوالّذي نفس محمّد بيده لقد ابتدأ بالصحف الّتي أنزلها اللّه عزّ و جلّ على آدم عليه السلام فقام بها شيث، فتلاها من أوّل حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتّى لو حضر بها شيث عليه السلام، لأقرّ له بأنّه أحفظ لها منه (5).

ثمّ قرأ توراة موسى عليه السلام، حتّى لو حضر موسى عليه السلام، لأقرّ بأنّه أحفظ لها منه، ثمّ قرأ زبور داود، حتّى لو حضر داود عليه السلام، لأقرّ بأنّه أحفظ لها منه.

ثمّ قرأ إنجيل عيسى، حتى لو حضر عيسى عليه السلام، لأقرّ بأنّه أحفظ له منه.

ص:58


1- 1) في البحار: و [1]أعلنت.
2- 2) سجف يسجف البيت (بفتح الجيم في الماضي و ضمّها في المضارع) : أرخى عليه السجف و السجف: الستران بينهما فرجة، أو الستر عموما.
3- 3) في البحار: و [2]برسالاتي.
4- 4) هذه الجملة من (ثم انثنى إلى يا رسول اللّه) ليست في المصدر، و لكنّها موجودة في البحار. [3]
5- 5) في البحار: [4] ثم يلا صحف نوح. ثم صحف إبراهيم. ثم قرأ توراة موسى.

ثمّ قرأ القرآن الذي أنزل اللّه تعالى عليّ من أوّله إلى آخره، فوجدته يحفظه كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية، ثمّ خاطبني و خاطبته بما يخاطب به الأنبياء و الأوصياء، ثمّ عاد إلى حال طفوليّته، و هكذا أحد عشر إماما من نسله يفعل في ولادته مثل ما فعل الأنبياء (1)فلم تحزنون و ماذا عليكم من قول أهل الشك و الشرك باللّه تعالى؟ هل تعلمون أنّي أفضل النبيّين و أنّ وصيّي أفضل الوصيّين؟

و أنّ أبي آدم عليه السلام لما رآى إسمي و اسم عليّ و اسم ابنتي فاطمة و الحسن و الحسين و أسماء أولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: إلهي و سيّدي هل خلقت خلقا هو أكرم عليك منّي؟ فقال: يا آدم لو لا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنيّة، و لا أرضا مدحيّة، و لا ملكا مقرّبا، و لا نبيّا مرسلا، و لا خلقتك يا آدم.

فلمّا عصى آدم ربّه سأله بحقّنا أن يقبل توبته، و يغفر خطيئته، فأجابه، و كنّا الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه عزّ و جلّ فتاب عليه، و غفر له، و قال له: يا آدم أبشر، فإنّ هذه الأسماء من ذرّيتك و ولدك، فحمد آدم ربّه عزّ و جلّ، و افتخر على الملائكة (2)، و إنّ هذا من فضلنا، و فضل اللّه علينا.

فقام سلمان و من معه و هم يقولون: نحن الفائزون فقال لهم (3)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنتم الفائزون، و لكم خلقت الجنّة، و لأعدائنا و أعدائكم خلقت النار (4).

ص:59


1- 1) جملتا (و هكذا. . . إلى مثل ما فعل الأنبياء) ليستا في المصدر. نعم الأولى منهما في البحار. [1]
2- 2) في المصدر و البحار: و [2]افتخر على الملائكة بنا.
3- 3) في البحار: [3] فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
4- 4) روضة الواعظين ج 1/82-و [4]عنه البرهان ج 1/535 ح 16-و [5]في البحار ج 35/19 ح 15 [6] عنه و عن الروضة [7]في الفضائل لابن شاذان:17-و [8]رواه ابن شاذان في الفضائل (126) . [9]

ص:60

الباب الثامن

«في شدة يقينه عليه السلام و إيمانه»

1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد الشحّام (1)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، جلس إلى حائط مايل يقضي بين الناس، فقال بعضهم:

لا تقعد تحت هذا الحائط، فإنّه معوّر (2)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

حرس امرءا (3)أجله، فلمّا قام سقط الحائط، قال: و كان أمير المؤمنين عليه السلام ممّا يفعل هذا و أشباهه، و هذا اليقين (4).

2-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني (5)قال: نظرت يوما في الحرب إلى رجل، عليه ثوبان فحرّكت فرسي، فإذا هو

ص:61


1- 1) زيد الشحّام: أبو أسامة بن محمد بن يونس من أصحاب الصادقين عليهما السلام الموثقين.
2- 2) المعوّر (على بناء المفعول من التعوير) أي المعيب (أو على بناء الفاعل من الاعوار) أي ذو شقّ.
3- 3) أي حرس كلّ امرىء أجله، و هو بظاهره يدلّ على جواز إلقاء النفس على التهلكة و الحال أنّه منهى عنه و أجيب عنه بوجوه يعرفها الباحث عن مظانها كمرآة العقول ج 2/83. [1]
4- 4) الكافي ج 2/58 ح 5 و [2]عنه البحار:41/6 ح 6 و ج 70/149 ح 10-و [3]الوسائل ج 11/158 ح 3. [4]
5- 5) سعيد بن قيس اله [5]مداني: التابعي الزاهد، من أصحاب أمير المؤمنين و المجتبى عليهما السلام و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام مدحه بقوله في همدان:

أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع 1؟ فقال: نعم، يا سعيد بن قيس، إنّه ليس من عبد إلاّ و له من اللّه عزّ و جلّ حافظ و واقية، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه و بين كلّ شيء 2.

3-و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن العرزمي 3، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان قنبر 4غلام عليّ عليه السلام يحبّ عليّا عليه السلام حبّا شديدا، فإذا خرج عليّ عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة، فقال: يا قنبر مالك؟ فقال: جئت لأمشي خلفك فإنّ الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك 5يا أمير المؤمنين قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟ فقال: لا بل من أهل الأرض، فقال: إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلاّ بإذن اللّه من السماء فارجع، فرجع 6.

4-و منه الحديث المشهور المرويّ عنه عليه السلام، «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» 7.

5-ابن شهر اشوب، من طريق المخالفين، عن أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن سميّ 8، عن أبي صالح 9عن أبي هريرة، و ابن عباس

ص:62

في قوله تعالى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (1)يقول: يا محمّد لا يكذّبك عليّ بن أبي طالب بعد ما آمن بالحساب (2).

قلت: و هو المرويّ عن الصادق عليه السلام في تفسير عليّ بن إبراهيم (3).

6-ابن شهر اشوب: كان عليه السلام يطرق بين الصفّين بصفّين في غلالة (4)فقال الحسن عليه السلام: ما هذا زيّ الحرب فقال: يا بني إنّ أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.

و لمّا ضربه ابن ملجم قال: فزت و ربّ الكعبة (5).

7-السيد الرضي في «الخصائص» عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

ما شككت في الحقّ منذ أريته (6).

8-و قال عليه السلام: عجبت لمن شكّ في اللّه و هو يرى خلق اللّه، و عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى و هو يرى النشأة الأولى (7).

9-كتاب سليم بن قيس الهلالي (8)قال: قال ابن قيس (9): يا ابن أبي

ص:63


1- 1) التين:7. [1]
2- 2) مناقب ابن شهر آشوب ج 2/118-و [2]عنه البحار ج 41/5 ح 5. [3]
3- 3) تفسير القمي ج 2/430. و لكن ما رواه القمي لا يوافق ما قاله ابن عباس لا بحسب اللفظ و لا بحسب المعنى فراجع و تأمل.
4- 4) الغلالة (بكسر الغين) : شعار يلبس تحت الثوب أو تحت الدرع.
5- 5) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/119-و [4]عنه البحار ج 41/2 ح 4. [5]
6- 6) الخصائص:107 شرح ابن أبي الحديد ج 18/374- [6]شرح ابن ميثم ج 5/340. [7]
7- 7) الخصائص:107-شرح ابن ميثم ج 5/309. [8]
8- 8) سليم بن قيس: الهلالي الكوفي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام توفي حدود سنة (90) .
9- 9) ابن قيس: هو الأشعث بن قيس بن معدي كرب مات سنة (40) ه.

طالب ما منعك حين بويع (1)أخو بني تيم بن مرّة، و أخو عدي، و أخو بني أميّة بعدهما أن تقاتل و تضرب بسيفك؟ فإنّك لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ قلت فيها (2): و اللّه إنّي أولى النّاس بالنّاس، و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟ قال (3): قد قلت فاستمع الجواب، لم يمنعني من ذلك الجبن و لا كراهة للقاء ربّي و أن لا أكون أعلم بأن ما عند اللّه خير لي من الدنيا بما فيها، و لكنّي منعني من ذلك أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عهده إليّ، أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما الأمّة صانعة بعده فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم، و لا أشدّ يقينا به منّي قبل ذلك، بل أنا بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أشدّ يقينا بما عاينت و شاهدت، فقلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم، و جاهدهم، و إن لم تجد أعوانا، فكفّ يدك و احقن دمك حتّى تجد على إقامة كتاب اللّه و سنّتي أعوانا.

و أخبرني: أنّ الأمّة ستخذلني و تبايع غيري، و تتّبع غيري، و أخبرني صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّي منه بمنزلة هارون من موسى، و أنّ الأمّة سيصيرون بعده بمنزلة هارون و من تبعه و منزلة العجل و من تبعه. إذ قال له موسى: يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي (4)قال يا اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي (5)و قال يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (6)و إنما يعني أنّ موسى أمّر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلّوا ثمّ

ص:64


1- 1) في المصدر و البحار: [1] حين بويع أبو بكر أخو بني تيم.
2- 2) في المصدر و البحار: [2] قلت فيها قبل أن تنزل عن المنبر.
3- 3) في المصدر و البحار: [3] قال عليه السلام: يا بن قيس أسمع الجواب.
4- 4) طه:93. [4]
5- 5) الأعراف:150. [5]
6- 6) طه:94. [6]

وجد أعوانا أن يجاهدهم، و إن لم يجد أعوانا أن يكفّ يده، و يحقن دمه، و لا يفرّق بينهم، و إنّي خشيت أن يقول ذلك أخي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

فرّقت بين الأمّة، و لم ترقب قولي، و قد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا فكفّ يدك، و احقن دمك و دم أهل بيتك و شيعتك.

فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قام (1)الناس إلى أبي بكر فبايعوه، و أنا مشغول بغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ شغلت بالقرآن و آليت (2)على نفسي أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاة حتّى أجمعه في كتاب (3)، ثمّ حملت فاطمة، و أخذت بيد ابنيّ الحسن و الحسين عليهما السلام، فلم أدع أحدا من أهل بدر، و أهل السابقة، من المهاجرين و الأنصار إلاّ ناشدتهم اللّه في حقي، و دعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من الناس (4)إلاّ أربعة رهط: الزبير، و سلمان، و أبو ذر، و المقداد، و لم يبق معي من أهل بيتي أحد أصول به، و لا أقوّي به (5).

قال مؤلّف هذا الكتاب: أنظر إلى كلام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عليه السلام: «بل أنا بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أشدّ يقينا بما عاينت، و شاهدت» ففيه العجب العجيب من شدّة اليقين.

10-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال:

حدّثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل القيراطي (6)، و محمد بن القاسم بن زكريّا

ص:65


1- 1) في المصدر و البحار: [1] مال.
2- 2) في المصدر: فأليت يمينا-و في البحار: [2] فأليت يمينا بالقرآن.
3- 3) في المصدر و البحار: [3] حتى أجمعه في كتاب ففعلت.
4- 4) في المصدر و البحار: [4] فلم يستجب لي من جميع الناس.
5- 5) كتاب سليم بن قيس الهلالي:126 من منشورات دار الفنون و عنه بحار الأنوار ج 8/149 ط الحجر. [5]
6- 6) ابن أبي مقاتل: أبو الحسين صالح بن أحمد بن يونس الهروي القيراطي البزاز المتوفى سنة (316) ه.

المحاربيّ (1)قال: حدّثنا أبو طاهر محمّد بن تسنيم الحضرمي (2)الورّاق، قال:

حدّثنا جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعمي (3)، عن إبراهيم بن عبد الحميد (4)، عن رقبة بن مصقلة بن عبد اللّه بن خوتعة (5)، عن ابيه، عن جدّه عبد اللّه قال: قدمنا وفد عبد القيس (6)في إمارة عمر بن الخطّاب فسأله رجلان عن طلاق الأمة فقام معهما و قال: انطلقا فجاء إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال:

يا أصلع كم (7)طلاق الأمة؟ قال: فأشار بإصبعه: هكذا، يعني اثنتين.

قال: فالتفت عمر إلى الرجلين، فقال: طلاقها اثنتان، فقال له أحدهما: سبحان اللّه! جئناك و أنت أمير المؤمنين فسألناك، فجئت إلى رجل و اللّه ما كلّمك، فقال عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لو أنّ السموات و الأرض وضعتا في كفّة و وضع إيمان عليّ في كفة لرجّح إيمان عليّ (8).

11-و رواه من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد (9)من أعيان علماء المخالفين قال: أنبأني مهذّب الأئمة أبو المظفّر عبد الملك بن عليّ بن محمد الهمداني (10)نزيل بغداد إجازة، أخبرنا أبو سعد أحمد بن عبد الجبار

ص:66


1- 1) محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي الكوفي المتوفى سنة (326) ه.
2- 2) أبو طاهر محمد بن تسنيم أبي يونس بن الحسن الكوفي كان ورّاق أبي نعيم الفضل بن دكين. روى عنه الخاصّة و العامّة، و وثّقه النجاشي.
3- 3) جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي، من أصحاب الكاظم عليه السلام. و من رجال كامل الزيارات لابن قولويه. [1]
4- 4) إبراهيم بن عبد الحميد البزاز الكوفي الأسدي مولاهم، كان من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام و أدرك الرضا عليه السلام أيضا و لكن على ما قيل: لم يسمع منه.
5- 5) رقبة بن مصقلة (أو مسقلة) بن عبد اللّه بن خوتعة بن صبرة العبدي المتوفى سنة (129) ه.
6- 6) عبد القيس: بن إفصى بن دعمى بن جديلة تنسب إليه قبيلة عظيمة.
7- 7) في المصدر: ما طلاق الأمة؟ قال: فأشار له باصبعيه هكذا-يعني اثنتين-.
8- 8) أمالي الطوسي ج 2/188 و [2]عنه البحار ج 38/208 ح 4. [3]
9- 9) أبو المؤيّد موفق بن أحمد المكي الخوارزمي المتوفى سنة (568) ه.
10- 10) أبو المظفّر عبد الملك بن علي بن محمد بن حمد بن إبراهيم الهمداني المتوفى سنة (552) .

الصيرفي (1)، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد (2)إذنا، حدّثنا أبو الحسن عليّ بن عمر بن مهدي الدارقطني (3)، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي (4)، حدّثنا عليّ بن الحسن التيميّ (5)حدّثنا جعفر بن محمد بن حكيم، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقبة بن مصقلة العبدي، عن أبيه، عن جدّه، عن عمر بن الخطّاب، قال: أشهد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمعته و هو يقول: لو أنّ السموات السبع و الأرضين السبع، وضعت في كفّة ميزان و وضع إيمان علي بن أبي طالب في كفّه ميزان لرجّح إيمان عليّ عليه السلام (6).

12-و عنه، قال: أخبرنا العلاّمة فخر خوارزم أبو القاسم محمود الزمخشريّ (7)، أخبرنا الأستاذ الأمين أبو الحسن عليّ بن مردك الرازيّ (8)، أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسين السّمان (9)، أخبرنا أبو القسم عليّ بن الحسين الغروي بالكوفة، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن عليّ المرهبي، حدّثنا عليّ بن العبّاس، حدّثنا محمّد بن تسنيم أبو الطاهر الورّاق، حدّثنا جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعمي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقبة بن مصقلة بن عبد اللّه بن خوتعة بن صبرة، عن أبيه، عن جدّه، قال:

جاء رجلان إلى عمر، فقالا له: ما ترى في طلاق الأمة؟ فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال: ما ترى في طلاق الأمة؟ فقال بيده (10): اثنتان.

ص:67


1- 1) أبو سعد أحمد بن عبد الجبّار بن أحمد بن القاسم بن أحمد المروزي الصيرفي الكتبي المعروف بابن الطيوري المتوفى سنة (517) -الوافي بالوفيات ج 7/14. [1]
2- 2) أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن علي أبو محمّد الخلاّل المتوفى ببغداد سنة (439) ه.
3- 3) الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن مهدي المتوفى سنة (385) ه.
4- 4) أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي: هو المعروف بابن عقدة المتوفى سنة (333) تقدم ذكره.
5- 5) علي بن الحسن التيمي أو التيملي: هو ابن فضّال المتقدّم ذكره.
6- 6) مناقب الخوارزمي:78-و أخرجه في البحار ج 38/249 [2]عن كشف الغمّة ج 1/288 [3] نقلا من مناقب الخوارزمي.
7- 7) الزمخشري: محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي المتوفى سنة (538) ه.
8- 8) أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد بن مردك الرازي كان حيّا في سنة (501) ه.
9- 9) أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمّان بن زنجويه الرازي المتوفى سنة (448) ه.
10- 10) في المصدر: فقال: اثنتان بيده. و في البحار: [4] فقال: اثنتان.

فالتفت (1)إليهما فقال: اثنتان. فقال أحدهما (2): جئناك و أنت أمير المؤمنين، فسألناك عن طلاق الأمة فجئت إلى رجل، فسألته، فو اللّه ما كلّمك، فقال عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا عليّ بن طالب رضي اللّه عنه، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لو أنّ السموات و الأرض وضعت في كفّة، و وزن إيمان عليّ بن أبي طالب عليه السلام لرجّح إيمان عليّ (3).

13-و عنه، قال: أخبرنا سيّد الحفاظ أبو منصور بن شهردار بن شيرويه الديلميّ (4)فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمدانيّ (5)كتابة، حدّثني الشيخ أبو طاهر الحسين بن عليّ بن سلمة (6)(رض) عن «مسند» (7)زيد بن علي عليهما السلام حدّثنا الفضل بن الفضل بن العبّاس (8)، حدّثنا أبو عبد اللّه محمد (9)بن سهل، حدّثنا عبد اللّه بن محمد البلوي (10)حدثنا إبراهيم بن عبيد اللّه بن العلاء (11)، حدّثني

ص:68


1- 1) في المصدر: فالتفت عمر إليهما.
2- 2) في المصدر و البحار: [1] فقال له أحدهما.
3- 3) مناقب الخوارزمي:77-و أخرجه في البحار ج 38/248 [2]عن كشف الغمّة ج 1/288 [3] نقلا من مناقب الخوارزمي.
4- 4) أبو منصور شهر دار بن شيرويه بن شهر دار الديلمي الهمذاني المتوفى سنة (558) ه.
5- 5) أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني العبدري الروذباري المتوفى سنة (490) ه.
6- 6) الشيخ أبو طاهر الحسين بن علي بن محمد بن سلمة بن الحسين بن محمد بن سلمة الكبير بن عبد العزيز بن عيسى النخشبي الهمداني المتوفى سنة (416) ه له ترجمة في «التدوين في أخبار قزوين» ج 2/451. [4]
7- 7) مسند زيد: مجموعة أحاديث رواها عن آبائه جمعها عبد العزيز بن إسحاق البقال المتوفى سنة (313) رواه عن زيد أبو خالد عمر بن خالد الواسطي طبع في مصر سنة (1340) ه.
8- 8) الفضل بن الفضل بن العباس أبو العباس الهمداني كان من مشايخ الصدوق و أجازه بهمدان سنة (354) ه.
9- 9) أبو عبد اللّه محمد بن سهل بن عبد الرحمن العطّار، ترجم له في تاريخ بغداد ج 5/314. [5]
10- 10) عبد اللّه بن محمد بن عمير بن محفوظ أبو محمد الأنصاري البلوي الفقيه كان حيّا في القرن الرابع.
11- 11) إبراهيم بن عبيد اللّه بن العلاء المدني يظهر من الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة [6]في طيّ سند

أبي، عن زيد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم فتحت خيبر: لو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالا بحيث لا تمرّ على ملاء من المسلمين إلاّ و أخذوا من تراب رجليك (1)، و فضل طهورك يستشفون به، و لكن حسبك أن تكون منّي، و أنا منك، ترثني وارثك، و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

يا عليّ أنت تؤدّي ديني، و تقاتل على سنّتي، و أنت في الآخرة أقرب الناس منّي، و إنّك غدا على الحوض خليفتي، تذود عنه المنافقين، و أنت (2)أوّل من يرد عليّ الحوض، و أنت أوّل داخل في الجنّة من أمّتي، و أنّ شيعتك على منابر من نور، رواء، مرويّون مبيضّة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غدا جيراني (3)، و إنّ أعدائك غدا ظماء مظمؤون، مسودّة وجوههم، مفحمون (4)، حربك حربي و سلمك سلمي، و سرّك سرّي، و علانيتك علانيتي و سريرة صدرك كسريرة صدري.

و أنت باب علمي و أنّ ولدك ولدي، و لحمك لحمي و دمك دمي و أنّ الحقّ معك و الحقّ على لسانك (5)، و في قلبك و بين عينيك، و الإيمان مخالط لحمك و دمك، كما خالط لحمي و دمي.

و إنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أبشرّك: أنّك و عترتك في الجنّة (6)، و أنّ

ص:69


1- 1) في المصدر: نعليك.
2- 2) في المصدر: و أنّك أ [1]وّل من يرد عليّ الحوض و إنّك أوّل داخل في الجنّة.
3- 3) في المصدر و البحار: فيكونون غدا في الجنّة جيراني.
4- 4) مفحمون (بالفاء) يقال: أفحمه أي أسكته بالحجّة و في المصدر: مقمحون (بالقاف) .
5- 5) في المصدر: و الحقّ على لسانك ما نطقت فهو الحقّ.
6- 6) في المصدر: أنت و عترتك و محبّوك في الجنّة.

عدوّك في النار، لا يرد عليّ الحوض مبغض لك، و لا يغيب عنه محبّ لك قال: قال عليّ عليه السلام: فخررت ساجدا للّه تعالى و حمدته على ما أنعم به عليّ من الإسلام و القرآن و حبّبني إلى خاتم النبيّين و سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).

ص:70


1- 1) مناقب الخوارزمي:75-و أخرجه في البحار ج 38/247 [1]عن كشف الغمّة ج 1/287 [2] نقلا من مناقب الخوارزمي.

الباب التاسع

«فيما ذكره الحسن عليه السلام من سوابق أبيه عليه السلام»

1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: حدّثني أبو العبّاس: أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمدانيّ بالكوفة قال:

حدّثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعريّ (1)قال: حدّثنا عليّ بن حسّان الواسطي (2)قال: حدّثنا عبد الرحمن بن كثير (3)، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه: عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: لمّا أجمع الحسن بن عليّ عليهما السلام على صلح معاوية، خرج حتّى لقيه، فلمّا اجتمعا قام معاوية خطيبا، فصعد المنبر و أمر الحسن عليه السلام أن يقوم أسفل منه بدرجة، ثمّ تكلّم معاوية فقال: أيّها الناس هذا الحسن بن علي عليه السلام و ابن فاطمة عليها السلام رآنا للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا و قد أتانا ليبايع طوعا.

ثمّ قال: قم يا حسن فقام الحسن عليه السلام فخطب فقال: الحمد للّه المستحمد بالآلاء و تتابع النعماء و صارف الشدائد و البلاء عند الفهماء و غير الفهماء، المذعنين من عباده، لامتناعه بجلاله، و كبريائه و علوّه عن لحوق

ص:71


1- 1) محمد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري الكوفي أبو جعفر وثّقه النجاشي.
2- 2) علي بن حسّان الواسطي أبو الحسن القصير المعروف بالمنمس، عمّر أكثر من مائة سنة، روى عن الصادق عليه السلام.
3- 3) عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى عبّاس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس.

الأوهام ببقائه، المرتفع عن كنه طيّات (1)المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويّات عقول الرائين، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده في ربوبيّته و وحدانيّته، صمدا لا شريك له، فردا لا ظهير له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله اصطفاه و انتجبه، و ارتضاه، و بعثه داعيا إلى الحقّ و سراجا منيرا، و للعباد ممّا يخافون نذيرا، و لما يأملون بشيرا، فنصح للأمّة و صدع بالرسالة، و أبان لهم درجات العمّالة، شهادة عليها أموت و أحشر، و بها في الآجلة أقرّب و أحبر، و أقول:

معشر الخلائق فاسمعوا، و لكم أفئدة و أسماع فعوا، إنّا أهل بيت أكرمنا اللّه بالإسلام، و اختارنا و اصطفانا و اجتبانا فأذهب عنّا الرّجس و طهرنا تطهيرا، و الرجس هو الشكّ، فلا نشكّ في اللّه الحقّ و دينه أبدا، و طهّرنا من كلّ أفن و غيّة (2)مخلصين إلى آدم نعمة منه، لم يفترق الناس قطّ فرقتين إلاّ جعلنا اللّه في خيرهما فأدّت الأمور و أفضت الدهور إلى أن بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للنبوّة، و اختاره للرسالة، و أنزل عليه كتابه (3)، ثمّ أمره بالدعاء إلى اللّه عزّ و جلّ.

فكان أبي عليه السلام أوّل من استجاب للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أوّل من آمن و صدّق اللّه و رسوله، و قد قال اللّه في كتابه المنزل على نبيّه المرسل: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (4)فرسول اللّه الذي على بيّنة من ربّه، و أبي الذي يتلوه و هو شاهد منه.

و قد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أمره أن يسير إلى مكّة و الموسم ببرائة: سر بها يا علي فانّي أمرت أن لا يسير بها إلاّ أنا أو رجل منّي، و أنت هو (5)، فعليّ عليه السلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رسول اللّه منه.

ص:72


1- 1) الطيّات (بكسر الطاء و تشديد الياء) جمع الطيّة و هي النية و القصد.
2- 2) الأفن (بفتح الهمزة و الفاء) ضعف الرأي. و الغيّة: الزناء.
3- 3) في البحار: [1] كتابا.
4- 4) هود:17. [2]
5- 5) في المصدر: و أنت هو يا عليّ.

و قال له نبيّ (1)اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين قضى بينه و بين أخيه جعفر بن أبي طالب (2)عليه السلام و مولاه زيد بن حارثة (3)في ابنة حمزة: أمّا أنت يا عليّ فمنّي و أنا منك، و أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي، فصدّق أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سابقا، و وقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في كلّ موطن يقدّمه، و لكلّ شديدة يرسله، ثقة منه به و طمأنينة إليه، لعلمه بنصيحة للّه و رسوله، و أنّه أقرب المقرّبين من اللّه و رسوله و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ أُولئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ (4)و كان أبي سابق السابقين إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسوله صلى اللّه عليه و آله، و أقرب الأقربين، فقد قال اللّه تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ اَلْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً (5).

فأبي كان أوّلهم إسلاما و إيمانا، و أوّلهم إلى اللّه و رسوله هجرة و لحوقا، و أوّلهم على وجده (6)و وسعه نفقة، قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (7).

فالناس من جميع الأمم، يستغفرون له، سبقه إيّاهم إلى الإيمان بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ذلك أنّه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد، و قد قال اللّه تعالى: وَ اَلسّابِقُونَ اَلْأَوَّلُونَ مِنَ اَلْمُهاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصارِ وَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ،

ص:73


1- 1) في البحار: و [1]قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
2- 2) جعفر بن أبي طالب من السابقين إلى الاسلام استشهد في وقعة مؤتة سنة (8) ه.
3- 3) زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي الصحابي اختطف في الجاهلية صغيرا و اشترته خديجة بنت خويلد فوهبته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين تزوّجها فتبنّاه النبي صلّى اللّه عليه و آله قبل الاسلام و أعتقه و زوّجه بنت عمّه، استشهد في وقعة مؤتة سنة (8) ه.
4- 4) الواقعة:10. [2]
5- 5) الحديد:10. [3]
6- 6) الوجد (بفتح الواو و ضمها و كسرها و سكون الجيم) : القدرة.
7- 7) الحشر:10. [4]

بِإِحْسانٍ رَضِيَ اَللّهُ عَنْهُمْ (1)فهو سابق جميع السابقين، فكما أنّ اللّه عزّ و جلّ فضّل السّابقين على المتخلّفين و المتأخّرين، فكذلك فضّل السابقين على السابقين.

و قد قال اللّه عزّ و جلّ: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ اَلْحاجِّ وَ عِمارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللّهِ (2)فهو المؤمن (3)باللّه و المجاهد في سبيل اللّه حقا، و فيه نزلت هذه الآية، و كان ممّن استجاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عمّه حمزة، و جعفر ابن عمّه، فقتلا شهيدين رضي اللّه عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فجعل اللّه تعالى حمزة سيّد الشهداء من بينهم، و جعل لجعفر جناحين، يطير بهما مع الملائكة، كيف يشاء من بينهم، و ذلك لمكانهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منزلتهما و قرابتهما منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و صلّى رسول اللّه على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، و كذلك جعل اللّه تعالى لنساء النبيّ صلى اللّه عليه و آله للمحسنة منهنّ أجرين، و للمسيئة منهنّ و زرين ضعفين، لمكانهنّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

و جعل الصلاة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام (4)و مسجد إبراهيم خليله عليه السلام بمكّة، و ذلك لمكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ربّه و فرض اللّه عزّ و جلّ الصلاة على نبيّه صلى اللّه عليه و آله على كافّة المؤمنين، فقالوا: يا رسول اللّه كيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللّهم صل على محمد و آل محمد، فحقّ

ص:74


1- 1) التوبة:100. [1]
2- 2) التوبة:19. [2]
3- 3) في البحار: [3] فهو المجاهد في سبيل اللّه حقا-و ليس في المصدر و لا في البحار [4]جملة (فهو المؤمن باللّه) .
4- 4) في المصدر: في سائر المساجد إلا مسجد خليله إبراهيم عليه السلام.

على كلّ مسلم أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فريضة واجبة.

و أحلّ اللّه تعالى خمس الغنيمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أوجبها له في كتابه، و أوجب لنا من ذلك ما أوجب له، و حرّم عليه الصدقة و حرّمها علينا معه، فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أخرجنا و نزّهنا ممّا أخرجه منه و نزّهه، كرامة أكرمنا اللّه عزّ و جلّ بها، و فضيلة فضّلنا بها على سائر العباد، فقال اللّه تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين جحده كفرة أهل الكتاب و حاجّوه: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَى اَلْكاذِبِينَ (1).

فأخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأنفس معه أبي، و من البنين أنا و أخي، و من النساء أمّي فاطمة من الناس جميعا، فنحن أهله، و لحمه، و دمه، و نفسه، و نحن منه و هو منّا و قد قال اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فلمّا نزلت آية التطهير، جمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا و أخي و أمّي و أبي فجعلنا و نفسه في كساء لأمّ سلمة خيبريّ، و ذلك في حجرتها و في يومها، فقال: أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، و هؤلاء أهلي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، فقالت أمّ سلمة رضي اللّه عنها: أنا أدخل معهم يا رسول اللّه؟ ! فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يرحمك اللّه أنت على خير و إلى خير، و ما أرضاني عنك! و لكنّها خاصّة لي و لهم.

ثمّ مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ذلك بقيّة عمره، حتى قبضه اللّه إليه يأتينا (في) كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

ص:75


1- 1) آل عمران:61. [1]
2- 2) الأحزاب:33. [2]

و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بسدّ الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلّموه في ذلك، فقال: أما إنّي لم أسدّ أبوابكم، و أفتح باب عليّ من تلقاء نفسي، و لكن أتّبع ما يوحى إليّ، إنّ اللّه أمر بسدّها و فتح بابه، فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يولد فيه الأولاد، غير رسول اللّه و أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام تكرمة من اللّه تعالى لنا، و تفضّلا (1)اختصّنا به على جميع الناس.

و هذا باب أبي، قرين باب رسول اللّه في مسجده، و منزلنا بين منازل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و ذلك إنّ اللّه أمر نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن يبني مسجده، فبنا فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه و أزواجه، و عاشرها، و هو متوسّطها، لأبي، فها هو بسبيل مقيم، و البيت هو المسجد المطهّر، و هو الذي قال اللّه تعالى: «أهل البيت» فنحن أهل البيت، و نحن الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

أيّها الناس إنّي لو قمت حولا فحولا، أذكر الذي أعطانا اللّه عزّ و جلّ و خصّنا به من الفضل في كتابه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لم أحصه، و أنا ابن النبيّ النذير البشير و السراج المنير، الذي جعله اللّه رحمة للعالمين، و أبي عليّ عليه السلام وليّ المؤمنين و شبيه هارون، و إنّ معاوية بن صخر زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية.

و أيم اللّه لأنّا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه، و على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، غير أنّا لم نزل أهل البيت، مخيفين مظلومين مضطهدين (2)، منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فاللّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا، و نزل على رقابنا، و حمل الناس عى أكتافنا، و منعنا سهمنا في كتاب اللّه من الفيء و الغنائم، و منع أمّنا فاطمة عليها السلام إرثها من أبيها، إنّا لا نسمّي أحدا و لكن أقسم باللّه قسما تأليّا، لو أنّ الناس سمعوا قول اللّه

ص:76


1- 1) في المصدر و البحار: و [1]فضلا.
2- 2) اضطهده: قهره و جار عليه.

عزّ و جلّ و رسوله صلى اللّه عليه و آله لأعطتهم السماء قطرها، و الأرض بركتها، و لما اختلف في هذه الأمّة سيفان، و لأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة، و إذا ما طمعت فيها، يا معاوية و لكنّها لمّا أخرجت سالفا من معدنها، و زحزحت عن قواعدها، تنازعتها قريش بينها، و ترامتها كترامي الكرة، حتّى طمعت فيها أنت يا معاوية و أصحابك من بعدك.

و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما ولّت أمة أمرها رجلا قط، و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا، و قد تركت بنو إسرائيل، و كان أصحاب موسى، هارون أخاه و خليفته و وزيره، و عكفوا على العجل و أطاعوا فيه سامريّهم، و يعلمون أنّه خليفة موسى عليه السلام: و قد سمعت هذه الأمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ذلك لأبي عليه السلام: إنه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبيّ بعدي.

و قد رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نصبه لهم بغدير خم، و سمعوه و نادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب، و قد خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حذرا من قومه إلى الغار، لمّا أجمعوا أن يمكروا به، و هو يدعوهم لمّا لم يجد عليهم أعوانا، و لو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، و قد كفّ أبي يده، و ناشدهم و استغاث أصحابه، فلم يغث، و لم ينصر، و لو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم، و قد جعل في سعة كما جعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سعة، و قد خذلتني الأمّة و بايعتك يابن حرب و لو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك، و قد جعل اللّه عزّ و جلّ هارون في سعة حين استضعفه قومه و عادوه، كذلك أنا و أبي في سعة من اللّه حين تركتنا الأمّة و بايعت غيرنا، و لم نجد عليهم أعوانا و إنّما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيّها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق و المغرب رجلا، جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أبوه وصيّ رسول اللّه لم تجدوا غيري و غير أخي،

ص:77

فاتّقوا اللّه و لا تضلّوا بعد البيان، و كيف بكم و أنّى ذلك لكم (1)؟ ألا و إنّي قد بايعت هذا، و أشار بيده إلى معاوية، و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين.

أيّها الناس إنّه لا يعاب أحد بترك حقّه، و إنّما يعاب أن يأخذ ما ليس له، و كلّ صواب نافع، و كلّ خطأ ضارّ لأهله، و قد كانت القضيّة ففهّمها سليمان فنفعت سليمان و لم تضرّ داود.

و أمّا القرابة، فقد نفعت المشرك، و هي و اللّه للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّه أبي طالب و هو في الموت: قل: لا إله إلاّ اللّه أشفع لك بها يوم القيامة، و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول له و يعد إلاّ ما يكون منه على يقين، و ليس ذلك لأحد من الناس كلّهم غير شيخنا، أعني أبا طالب (2)، يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ وَ لاَ اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (3).

أيّها الناس اسمعوا، وعوا، و اتّقوا اللّه، و راجعوا، و هيهات منكم الرجعة إلى الحقّ و قد صارعكم النكوص (4)و خامركم (5)الطغيان و الجحود، أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (6)و السلام على من اتبع الهدى.

ص:78


1- 1) في المصدر و البحار: و [1]أنّى ذلك منكم؟
2- 2) قال في ذيل البحار: [2] ذلك إلزام عليهم، لأنّهم كانوا قائلين بكفره، و إلاّ فالشيعة الاماميّة شيّد اللّه بنيانهم على أنّ أبا طالب رضي اللّه عنه كان مؤمنا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكتم إيمانه. و كان يحميه بنفسه و ولده و ماله و يدافع عنه، و يؤثره على نفسه و أهله، و يستدلّون على ذلك بسيرته و بما يوعز إليه في أشعاره من الايمان باللّه و باليوم الآخر و بالنبي صلى اللّه عليه و آله، و بما ورد في صحاح الأخبار و مسانيدها من أئمّة أهل البيت عليهم أفضل التحيات و السلام و غيرهم. و وافق الشيعة في ذلك الزيدية و عدّة من أهل السنة، و صنّف في ذلك جماعة منهم.
3- 3) النساء:18. [3]
4- 4) النكوص: الاحجام عن الشيء و الرجوع عما كان عليه.
5- 5) المخامرة: المخالطة.
6- 6) هود:28. [4]

قال: فقال معاوية: و اللّه ما نزل الحسن عليه السلام حتى أظلمت عليّ الأرض و هممت أن أبطش (1)به، ثم علمت أنّ الإغضاء (2)أقرب إلى العافية (3).

2-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه العرزمي (4)، عن أبيه، عن عمّار أبي اليقظان، عن أبي عمر زاذان (5)، قال: لمّا وادع الحسن بن عليّ عليه السلام معاوية، صعد معاوية المنبر، و جمع الناس فخطبهم، و قال: إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام رآني للخلافة أهلا، و لم ير نفسه لها أهلا، و كان الحسن عليه السلام أسفل منه بمرقاة، فلمّا فرغ من كلامه، قام الحسن عليه السلام، فحمد اللّه تعالى بما هو أهله، ثمّ ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأنفس بأبي، و من الأبناء بي و بأخي، و من النّساء بأمّي، و كنّا أهله، و نحن آله و هو منّا و نحن منه.

و لمّا نزلت آية التطهير، جمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كساء لأمّ سلمة رضي اللّه عنها خيبريّ، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و عترتي، فاذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، فلم يكن أحد في الكساء غيري و أخي و أبي و أمّي، و لم يكن أحد يجنب في المسجد و يولد له فيه إلاّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أبي، تكرمة من اللّه تعالى بنا و تفضيلا منه لنا، و قد رأيتم مكان منزلنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و أمر بسدّ الأبواب فسدّها و ترك بابنا، فقيل له في ذلك فقال: أما إنّي لم

ص:79


1- 1) بطش به: فتك به.
2- 2) الإغضاء: السكوت و الصبر.
3- 3) أمالي الطوسي ج 2/174 و [1]عنه البحار ج 10/138 ح 5 و [2]البرهان ج 3/315 ح 26-و [3]أخرجه في البحار ج 72/151 ح 29 [4]عن البرهان [5]تأليف الشيخ علي بن محمد الشمشاطي.
4- 4) عبد الرحمن بن محمد بن عبيد اللّه بن أبي سليمان الفزاري العرزمي المتوفى سنة (180) ه ترجمه ابن حبّان في الثقات ج 7/91.
5- 5) أبو عمر زاذان: الكوفي الضرير البزّاز التابعي مولى كندة توفي سنة (82) ه.

أسدّها و أفتح بابه، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أسدّها و أفتح بابه، و أنّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلا، و لم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب اللّه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله، فاللّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا، و توثّب على رقابنا، و حمل الناس علينا، و منعنا سهمنا من الفيء، و منع أمّنا ما جعل لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و أقسم باللّه، لو أنّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأعطتهم السماء قطرها، و الأرض بركتها، و ما طمعت فيها يا معاوية فلمّا خرجت من معدنها، تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء و أبناء الطلقاء: أنت و أصحابك، و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ما ولّت أمّة أمرها رجلا و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا.

فقد تركت بنو إسرائيل هارون، و هم يعلمون أنّه خليفة موسى فيهم و اتّبعوا السامريّ، و قد تركت هذه الأمّة أبي و بايعوا غيره، و قد سمعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة، و قد رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصب أبي يوم غدير خمّ و أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب.

و قد هرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من قومه و هو يدعوهم إلى اللّه تعالى حتّى دخل الغار، و لو وجد أعوانا ما هرب، و قد كفّ أبي يده حين ناشدهم و استغاث فلم يغث، فجعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه، و جعل اللّه النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سعة حين دخل الغار و لم يجد أعوانا، و كذلك أبي و أنا في سعة من اللّه حين خذلتنا هذه الأمّة و بايعوك يا معاوية، و إنّما هي السنن و الأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيّها الناس إنّكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب أن تجدوا رجلا ولّده

ص:80

نبيّ غيري و أخي لم تجدوا، و إنّي قد بايعت هذا «و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين» (1)(2).

ص:81


1- 1) الأنبياء:111. [1]
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/171 و [2]عنه البحار ج 44/62 ح 12 و [3]في ج 10/138-145 عن كتاب الاحتجاج بوجه أبسط مرويّا عن الصادق عليه السلام.

ص:82

الباب العاشر

«في ترتيب أحواله عليه السلام عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله»

1-الشيخ في «أماليه» قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه اللّه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر (1)، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحزور (2)، عن القاسم (3)، عن أبي سعيد قال: أتت فاطمة عليها السلام (4)النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فذكرت عنده ضعف الحال، فقال لها: أما تدرين ما منزلة عليّ عندي؟ كفاني أمري و هو ابن اثني عشرة سنة، و ضرب بين يديّ بالسيف و هو ابن ست عشرة سنة، و قتل الأبطال و هو ابن تسع عشرة سنة، و فرّج همومي و هو ابن عشرين سنة، و رفع باب خيبر و هو ابن اثنتين و عشرين سنة (5)، و كان قد لا يرفعه خمسون رجلا.

قال: فأشرق لون فاطمة عليها السلام و لم تقرّ قدماها على الأرض حتّى

ص:83


1- 1) محمد بن عذافر بن عيسى بن أفلح الخزاعي الصيرفي الكوفي المدائني أدرك الامام الباقر عليه السلام و عمّر إلى أيّام الامام الرضا عليه السلام و عدّ من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام. توفي و له (93) سنة.
2- 2) علي بن حزوّر (بفتح الحاء المهملة و الزاي و تشديد الواو المفتوحة بعدها راء مهملة) الكناسي الكوفي ذكره البخاري في فصل من توفّي ما بين الثلاثين إلى الأربعين و مائة.
3- 3) القاسم: بن مخيمرة أبو عروة الهمداني الكوفي سكن دمشق و توفي سنة (100) ه.
4- 4) في المصدر: أتت فاطمة صلوات اللّه عليها ذات يوم أبيها صلى اللّه عليه و آله.
5- 5) لا يخفى ما في التواريخ الّتي ذكرت في الحديث و أظنّ أنّها صحّفت.

أتت عليّا عليه السلام، فأخبرته، فقال: كيف و لو حدّثك بفضل اللّه كلّه عليّ (1)(2).

و هذا الحديث مرويّ بهذا الإسناد في «أمالي» ابن بابويه، عن أبي سعيد الخدريّ.

2-محمد بن يعقوب، قال: حدّثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ (3)، عن صفوان (4)، عن محمد بن زياد بن عيسى (5)، عن الحسين بن مصعب (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كنت (7)أنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على اليسر و العسر و البسط و الكره إلى أن كثر الإسلام و كثف (8).

قال: و أخذ عليهم (9)عليّ عليه السلام أن يمنعوا محمدا و ذرّيته ممّا يمنعون منه أنفسهم و ذراريهم، فأخذتها عليهم، نجا من نجا، و هلك من هلك (10).

3- «كشف الغمّة» عن الأصبغ بن نباتة قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب ذات يوم، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ

ص:84


1- 1) في المصدر و الأمالي للصدوق و البحار: بفضل اللّه عليّ كلّه.
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/54- [1]أمالي الصدوق 325 ح 13-و [2]عنهما البحار ج 40/6 ح 14. [3]
3- 3) الحسن بن علي: هو الوشّاء أبو محمد الكوفي الخزّاز: المتقدّم ذكره.
4- 4) صفوان: هو ابن يحيى أبو محمد الكوفي المتوفى سنة (210) تقدّم ذكره.
5- 5) محمد بن زياد بن عيسى: بيّاع السابري.
6- 6) الحسين بن مصعب بن مسلم الهمداني الكوفي عدّ من أصحاب الامامين الباقر و الصادق عليهما السلام.
7- 7) في المصدر المطبوع: كنت أبايع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
8- 8) كثف (بضم الثاء المثلثة) : كثر.
9- 9) في مرآة العقول: [4] أي أخذ على الشيعة عند بيعتهم له، فقوله: «فأخذتها» كلام الصادق عليه السلام، أي و أنا أيضا أخذت على شيعتي هذا العهد. و لعلّه كان في الأصل: قال: خذ عليهم أن يمنعوا، فصحّف إلى ما ترى. فقوله: «فأخذتها» من كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
10- 10) الكافي ج 8/261 ح 374. [5]

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم قال: أيّها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلامي، إنّ الخيلاء (1)من التجبّر، و النخوة من الكبر، و أنّ الشيطان عدوّ حاضر يعدكم الباطل.

ألا إنّ المسلم أخو المسلم فلا تنابزوا، و لا تجادلوا (2)، فإنّ شرائع الدين واحدة، و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق و من تركها مرق (3)، و من فارقها محق (4)، ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن، و لا بالمخلف إذا وعد، و لا بالكذوب إذا نطق.

نحن أهل بيت الرحمة، و قولنا الحقّ، و فعلنا القسط، و منّا خاتم النبيّين، و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب، ندعوكم إلى اللّه و رسوله و إلى جهاد عدوّه، و الشدة في أمره، و ابتغاء رضوانه و إلى إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان، و توفير الفيء لأهله.

ألا و إنّ أعجب العجب أنّ معاوية بن أبي سفيان الأموي، و عمرو بن العاص السهمي يحرّضان الناس على طلب الدين بزعمهما، و إنّي و اللّه لم أخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قطّ، و لم أعصه في أمر قطّ، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، و ترعد فيها الفرائص (5)بقوّة، أكرمني اللّه بها، فله الحمد، و لقد قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّ رأسه لفي حجري، و لقد ولّيت غسله بيدي، تقلّبه الملائكة المقرّبون معي، و أيم اللّه ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلاّ ظهر باطلها على حقّها إلاّ ما شاء اللّه (6).

ص:85


1- 1) الخيلاء (بضمّ الخاء و فتح الياء) : العجب و الكبر.
2- 2) في كشف الغمّة: و [1]لا تخاذلوا.
3- 3) مرق من الدين: خرج منه ببدعة أو ضلالة.
4- 4) محق: نقص. هلك.
5- 5) الفرائص: جمع الفريصة و هي اللحمة بين الجنب و الكتف.
6- 6) كشف الغمّة ج 1/378 و [2]البحار ج 8/647 ط الحجر [3]عن أمالي الطوسي ج 1/9. [4]

ص:86

الباب الحادي عشر

«في تورطه في صعب الأمور رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله»

1-الشيخ في «مجالسه» أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدّثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة قال: حدّثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري، قال: حدّثنا عليّ بن حسان الواسطي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن الحسين، عن الحسن عليهما السلام في حديث له، و صدّق أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سابقا، و وقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ موطن يقدّمه، و لكلّ شديدة يرسله ثقة منه به، و طمأنينة إليه، لعلمه بنصيحته للّه عزّ و جلّ (1).

2-و عنه في «أماليه» ، قال: أخبرنا محمد بن محمد، يعني المفيد، قال:

أخبرني محمد بن أحمد بن عبيد اللّه المنصوري (2)قال: حدّثنا سلمان بن سهل (3)، قال: حدّثنا عيسى بن إسحاق القرشي، قال: حدّثنا حمدان بن عليّ الخفاف، قال: حدّثنا عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر

ص:87


1- 1) أمالي الطوسي ج 2/175 [1] تقدّم في الباب التاسع بطوله و له تخريجات.
2- 2) محمد بن أحمد بن عبيد اللّه بن أحمد المنصوري الهاشمي العبّاسي أبو الحسن من مشايخ المفيد المتوفى سنة (413) و التلعكبري المتوفي سنة (385) .
3- 3) في المصدر: سليمان بن سهل، و على أيّ تقدير ما وجدت له ترجمة.

محمد بن عليّ عليهما السلام، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام، عن محمّد بن عمّار بن ياسر (1)عن أبيه عمّار رضي اللّه عنه أنّه قال أي العباس بن عبد المطّلب: لم يولد لعبد المطّلب مولود أعظم بركة من عليّ عليه السلام إلاّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إنّ عليّا عليه السلام لم يزل أسبقهم إلى كلّ مكرمة و أعلمهم لكلّ قضيّة، و أشجعهم في الكريهة، و أشدّهم جهادا للأعداء في نصرة الحنيفيّة، و أوّل من آمن باللّه و رسوله (2).

3-ابن بابويه في «أماليه» ، قال: حدّثنا محمد بن معقل القرميسيني، عن جعفر الوراق، قال: حدّثنا محمد بن الحسن الأشج، عن يحيى بن زيد بن عليّ (3)، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم، و صلّى الفجر، ثمّ قال: معاشر الناس أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللاّت و العزّى ليقتلوني، و قد كذبوا و ربّ الكعبة؟ قال:

فأحجم الناس و ما تكلّم أحد، فقال: ما أحسب عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيكم.

فقام إليه عامر بن قتادة فقال: إنّه وعك في هذه الليلة، و لم يخرج يصلّي معك أفتأذن لي أن أخبره عليه السلام؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

شأنك فمضى إليه، فأخبره فخرج أمير المؤمنين عليه السلام كأنّه نشط من عقال، و عليه إزار قد عقد طرفيه على ردائه فقال: يا رسول اللّه ما هذا الخبر؟ قال: هذا رسول ربّي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إليّ لقتلي، و قد كذبوا و ربّ الكعبة.

فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه أنا لهم سرية وحدي، هوذا ألبس

ص:88


1- 1) محمّد بن عمّار بن ياسر المخزومي كان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عاده في مرضه و دعا له-رجال الشيخ (48) .
2- 2) أمالي الطوسي ج 1/156-و [1]عنه البحار ج 43/210. [2]
3- 3) يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام الشهيد سنة (125) ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام.

عليّ ثيابي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بل هذه ثيابي، و هذا درعي، و هذا سيفي، فدرّعه و عمّمه و قلّده و أركبه فرسه، و خرج أمير المؤمنين عليه السلام فمكث ثلاثة أيّام، لا يأتيه جبرئيل بخبره، و لا خبر من الأرض، و أقبلت فاطمة عليها السلام و الحسن و الحسين عليهما السلام على و ركيها، تقول: أوشك أن يؤتم هذان الغلامان، فأسبل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عينه يبكي، قال: معاشر الناس من يأتيني بخبر عليّ أبشّره بالجنة، و افترق الناس في الطلب، لعظيم ما رأوا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة، يبشّر بعليّ عليه السلام.

و هبط جبرئيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخبره بما كان فيه، و أقبل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، معه أسيران و رأس، و ثلاثة أبعرة، و ثلاثة أفراس، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله تحبّ أن أخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن؟ فقال المنافقون: هو منذ ساعة قد أخذه المخاض، و هو الساعة يريد أن يحدّثه! فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بل تحدّث أنت يا أبا الحسن لتكون شهيدا على القوم.

فقال: نعم يا رسول اللّه، لمّا صرت في الوادي، رأيت هؤلاء ركبانا على الأباعر، فنادوني، من أنت؟ فقلت: أنا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالوا: ما نعرف للّه من رسول، سواء علينا وقعنا عليك أو على محمد، و شدّ عليّ هذا المقتول، و دار بيني و بينه ضربات، و هبّت ريح حمراء، سمعت صوتك فيها يا رسول اللّه و أنت تقول: قد قطعت لك جربّان (1)درعه، فاضرب حبل عاتقه، فضربته، فلم أحفه (2)، ثمّ هبّت ريح صفراء (3)، سمعت صوتك فيها يا رسول اللّه و أنت تقول: قد قلبت لك الدرع عن فخذه فاضرب فخذه، فضربته و وكزته (4)و قطعت رأسه، و رميت به،

ص:89


1- 1) جربّان (بكسر الجيم و الراء و بضمّهما و شدّ الباء الموحّدة) : جيب القميص.
2- 2) الاحفاء: المبالغة في الأخذ.
3- 3) في الخصال: سوداء.
4- 4) و كزه: ضربه بجمع الكفّ.

و قال لي: هذان الرجلان: بلغنا أنّ محمدا رفيق شفيق رحيم، فأحملنا إليه و لا تعجل علينا، و صاحبنا كان يعدّ بألف فارس.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا علي أمّا الصوت الأوّل الّذي صكّ مسامعك فصوت جبرئيل، و أمّا الآخر، فصوت ميكائيل، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قدم إليّ أحد الرجلين، فقدّمه فقال: قل: لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّي رسول اللّه، فقال: لنقل جبل أبي قبيس، أحبّ إليّ من أن أقول هذه الكلمة، فقال: يا علي أخّره، و اضرب عنقه.

ثم قال: قدّم الآخر، فقال: قل: لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّي رسول اللّه، فقال: ألحقني بصاحبي، قال: يا علي أخّره و اضرب عنقه، فأخّره، و قام أمير المؤمنين عليه السلام ليضرب عنقه، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول لك لا تقتله، لأنّه حسن الخلق، سخيّ في قومه، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا علي أمسك فإنّ هذا رسول ربّي يخبرني أنّه حسن الخلق، سخيّ في قومه، فقال اليهوديّ تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك؟ قال: نعم. قال: و اللّه ما ملكت درهما مع أخ لي قطّ، و لا قطبت (1)وجهي في الحرب و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّك رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: هذا ممّن جرّه حسن خلقه و سخائه إلى جنّات النعيم (2).

4-و عن زيد بن علي، عن جدّه عليهم السلام، قال: كسرت يد عليّ عليه السلام يوم أحد، و في يده لواء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فحاماه المسلمون أن يأخذوه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ضعوه في يده الشمال، فإنّه صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة.

5-و من طريق المخالفين، ما رواه موفّق بن أحمد، قال: أخبرنا الشيخ

ص:90


1- 1) قطب وجهه: عبس-في الخصال: و اللّه ما ملكت درهما مع أخ لي إلاّ أنفقته، و لا كلّمت بسوء مع أخ لي و لا قطبت وجهي في الجدب.
2- 2) أمالي الصدوق:93 ح 4-و [1]عنه البحار ج 41/73 ح 4-و [2]عن الخصال:94 ح 41.

الإمام الحافظ الزاهد صفيّ الدين ثقة الحفاظ أبو داود محمد بن سليمان بن محمد الخيّام الهمداني (1)فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد (2)، و يحيى بن الحسن بن أحمد بن عبد اللّه البنّاء (3)ببغداد، قال: أخبرنا القاضي الشريف أبو الحسين محمد بن عليّ بن محمّد بن عبيد اللّه بن عبد الصمد بن المهتدي باللّه (4)قراءة عليه، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين الواعظ (5)سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة، حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث (6)، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان (7)، حدّثنا سعد بن الصلت (8)، حدّثنا أبو الجارود، عن أبي إسحاق (9)، عن الحارث، عن عليّ عليه السلام، قال: لمّا كان ليلة بدر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس عنه، فقام عليّ عليه السلام: فاحتضن قربة (10)ثمّ أتى بئرا بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها.

فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل عليهم السلام:

تأهّبوا لنصر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حزبه، فهبطوا من السماء لهم

ص:91


1- 1) أبو داود محمد بن سليمان الخيّام الهمداني كان من أعلام الامامية في القرن السادس على ما ذكره الطهراني في طبقات أعلام الشيعة [1]في سادس القرون:265 و قال: يروي عنه هاشم بن محمد في مصباح الأنوار.
2- 2) محمد بن عبد الباقي البغدادي الحنبلي المتوفى سنة (535) تقدم ذكره.
3- 3) يحيى بن الحسن بن أحمد بن البنّاء أبو عبد اللّه البغدادي المتوفى سنة (531) ه.
4- 4) أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن عبيد اللّه بن عبد الصمد العباسي المتوفى سنة (465) ه.
5- 5) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين المتوفى سنة (385) ه.
6- 6) عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث المعروف بابن أبي داود السجستاني المتوفى سنة (316) ه.
7- 7) اسحاق بن إبراهيم أبو بكر الفارسي الملقب بشاذان المتوفى سنة (267) ه.
8- 8) سعد بن الصلت بن برد بن أسلم الشيرازي له ترجمة في ثقات ابن حبّان ج 6/378.
9- 9) هو أبو اسحاق السبيعي الهمداني المتوفى سنة (127) تقدم ذكره.
10- 10) احتضن قربة: جعلها في حضنه و الحضن ما دون الإبط إلى الكشح.

لغط (1)يذعر من يسمعه، فلمّا مرّوا بالبئر (2)سلّموا عليه (أعني أمير المؤمنين) من أولهم إلى آخرهم إكراما له و تبجيلا (3).

6-ابن شهر اشوب، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث (4)، عن أبيه، عن ابن عباس، و أبو عمرو عثمان بن أحمد (5)، عن محمد بن هارون (6)، بإسناده إلى ابن عبّاس في خبر طويل أنّه أصاب الناس عطش شديد في الحديبيّة، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هل من رجل يمضي مع السقاة إلى بئر ذات العلم، فيأتينا بالماء، و أضمن له على اللّه الجنة؟ فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع (7)، فلمّا دنوا من الشجرة و البئر، سمعوا حسّا و حركة شديدة، و قرع طبول، و رأوا نيرانا تتقد بغير حطب، فرجعوا خائفين، ثمّ قال: هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء، أضمن له على اللّه الجنّة؟ فمضى رجل من بني سليم و هو يرتجز:

أمن عزيف (8)ظاهر نحو السّلم ينكل (9)من وجّهه خير الأمم

من قبل أن يبلغ آبار العلم فيستقي و الليل مبسوط بالظلم

و يأمن الذم و توبيخ الكلم

ص:92


1- 1) اللغط (بفتح اللام و الغين المعجمة) : الصوت. أو صوت مبهم لا يفهم.
2- 2) في البحار: [1] فلمّا حاذوا البئر.
3- 3) مناقب الخوارزمي:217-و أخرجه في البحار ج 19/285 [2]عن مناقب ابن شهر اشوب ج 2/241 و [3]في ج 40/84 ح 16 عن ابن أبي الحديد ج 9/172 ح 16 [4] نقلا عن فضائل أحمد:2/613 ح 1049.
4- 4) يحيى بن عبد اللّه بن الحارث: التيمي الكوفي الجابر كان يجبر الاعضاء، ترجمه الذهبي في الكاشف ج 3/228 و ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 11/238. [5]
5- 5) أبو عمرو عثمان بن أحمد السمّاك المتوفى سنة (344) تقدم ذكره.
6- 6) محمد بن هارون: هو محمد بن هارون بن مجتمع أبو الحسن المصيصي له ترجمة في تاريخ بغداد ج 3/357. [6]
7- 7) سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي أبو مسلم و أبو أياس الصحابي كان راميا شجاعا يسبق الخيل توفي سنة (74) .
8- 8) العزيف و العزف: صوت الجنّ.
9- 9) ينكل: يجبن و ينكص.

فلمّا و صلوا إلى الحسّ رجعوا وجلين، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله:

هل من رجل يمضي مع السّقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء أضمن له على اللّه الجنّة؟ فلم يقم أحد، و اشتدّ بالناس العطش، و هم صيام، ثمّ قال لعليّ عليه السلام: سر مع هؤلاء السّقاة حتى ترد بئر ذات العلم، و تستقي، و تعود إن شاء اللّه، فخرج عليّ عليه السلام قائلا:

أعوذ بالرحمن أن أميلا من عزف جنّ أظهروا تأويلا

و أوقدت نيرانها تغويلا و قرّعت مع عزفها الطبولا

قال: فداخلنا الرعب، فالتفت عليّ عليه السلام إلينا، و قال: اتّبعوا أثري، و لا يفز عنكم ما ترون، و تسمعون، فليس بضائركم إن شاء اللّه، ثمّ مضى فلمّا دخلنا الشجر، فإذا بنيران تضرم من غير حطب، و أصوات هائلة و رؤوس مقطعة، لها ضجّة، و هو يقول: اتّبعوني و لا خوف عليكم، و لا يلتفت أحد منكم يمينا، و لا شمالا، فلمّا جاوزنا الشجرة، وردنا الماء، فأدلى البراء بن عازب دلوه في البئر، فاستقى دلوا أو دلوين، ثمّ انقطع الدلو فوقع في القليب، و القليب ضيق مظلم، بعيد القعر، فسمعنا في أسفل القليب قهقهة، و ضحكا شديدا.

فقال عليّ عليه السلام: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو و رشاء؟ فقال أصحابه: من يستطيع ذلك (1)؟ فاتزر بمئزر و نزل في القليب، و ما تزداد القهقهة إلاّ علوا، و جعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلّت رجله، فسقط فيه، ثمّ سمعنا وجبة شديدة، و اضطرابا و غطيطا كغطيط المخنوق (2)ثمّ نادى علي عليه السلام اللّه أكبر اللّه أكبر، أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه هلموا قربكم، فافعمها (3)و اصعدها على عنقه شيئا فشيئا، و مضى بين أيدينا فلم نر شيئا، فسمعنا صوتا.

ص:93


1- 1) في المصدر: لن نستطيع ذلك.
2- 2) الغطيط: مدّ الصوت و النفس في الخياشيم. و المخنوق: الّذي شدّ على حلقه.
3- 3) أفعم الاناء: ملأها.

أيّ فتى ليل أخي روعات و أيّ سبّاق إلى الغايات

للّه در الغرر السادات من هاشم الهامات و القامات

مثل رسول اللّه ذي الآيات أو كعليّ كاشف الكربات

كذا يكون المرء في الحاجات

فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام:

الليل هول يرهب المهيبا و يذهل المشجّع اللبيبا

و إنّني أهول منه ذيبا و لست أخشى الروع و الخطوبا

إذا هززت الصارم القضيبا أبصرت منه عجبا عجيبا

و انتهى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و له زجل (1)، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ماذا رأيت في طريقك يا عليّ؟ فأخبره بخبره كلّه، فقال: إنّ الذي رأيته مثل ضربه اللّه لي و لمن حضر معي في وجهي هذا قال عليّ عليه السلام: اشرحه لي يا رسول اللّه:

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا الرؤوس التي رأيتهم لها ضجّة، و لألسنتها لجلجة، فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم: ما ليس في قلوبهم، و لا يقبل اللّه منهم صرفا و لا عدلا، و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.

و أمّا النيران بغير حطب، ففتنة تكون في أمّتي بعدي، القائم فيها و القاعد سواء، لا يقبل اللّه لهم عملا، و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.

و أمّا الهاتف الذي هتف بك، فذاك سلقعة و هو سملعة بن عزّاف الذي قتل عدوّ اللّه مسعرا، شيطان الأصنام الذي كان يكلّم قريشا منها، و يشرع في هجائي.

عبد اللّه بن سالم (2)، انّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعث سعد بن مالك (3)

ص:94


1- 1) الزجل (بالزاي و الجيم المفتوحتين) : الصوت.
2- 2) عبد اللّه بن سالم: من الصحابة له ترجمة في أسد الغابة ج 3/175.
3- 3) سعد بن مالك: مشترك بين رجال [1]من الصحابة و هم: سع [2]د بن مالك بن خالد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي والد سهل بن سعد، و سعد بن مالك بن شيبان بن عبيد أبو سعيد الخدري

بالرّوايا يوم الحديبيّة، فرجع رعبا من القوم، ثمّ بعث آخر، فنكص فزعا، ثمّ بعث عليّا عليه السلام فاستسقى، ثمّ أقبل بها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكبّر و دعا له بخير (1).

7-كتاب «هواتف الجنّ» (2): محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث، عن أبيه، قال: حدّثني سلمان الفارسي في خبر قال:

كنّا مع رسول اللّه في يوم مطير، و نحن ملتفّون نحوه، فهتف هاتف: السلام عليك يا رسول اللّه فردّ عليه السلام، و قال: من أنت؟ قال: عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، قال: أظهر لنا رحمك اللّه في صورتك. قال سلمان:

فظهر لنا شيخ، أذب (3)أشعر، قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه، و عيناه مشقوقتان طولا، و فمه في صدره فيه أنياب بادية طوال، و أظفاره كمخالب السباع، فقال الشيخ: يا نبيّ اللّه ابعث معي من يدعو قومي إلى الإسلام، و أنا أردّه إليك سالما.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله أيّكم يقوم معه فيبلّغ الجنّ عنّي، و له الجنّة؟ فلم يقم أحد، فقال ثانية و ثالثة: فقال عليّ: أنا يا رسول اللّه فالتفت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الشيخ فقال: وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلا، يفصل حكمي، و ينطق بلساني، و يبلّغ الجنّ عنّي قال:

فغاب الشيخ، ثمّ أتى في الليل، و هو على بعير كالشأة، و معه بعير آخر كارتفاع الفرس، فحمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام، و حملني خلفه و عصب عيني، و قال: لا تفتح عينيك حتى تسمع عليّا يؤذّن، و لا

ص:95


1- 1) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/88-و عنه البحار ج 41/70.
2- 2) هواتف الجنّ: تأليف ابن أبي الدنيا عبد اللّه بن محمد البغدادي ال [1]متوفى سنة (281) ه.
3- 3) في المصدر: إزب (بالزاي الساكنة) و هو بمعنى القصير، و في البحار: أذبّ (بالهمزة المفتوحة و الذال المعجمة و الباء المشدّدة) و هو بمعنى الطويل.

يروعك ما تسمع (1)فإنّك آمن.

فسار (2)البعير فدفع سائرا يدفّ كدفيف (3)النعام، و عليّ عليه السلام يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر، أذّن عليّ عليه السلام، و أناخ البعير، و قال: انزل يا سلمان فحللت عيني، و نزلت، فإذا أرض قوراء (4)، فأقام الصلاة، و صلّى بنا و لم أزل أسمع الحسّ حتى إذا سلّم عليّ عليه السلام التفت، فإذا خلق عظيم، و أقام عليّ عليه السلام يسبح ربّه حتّى طلعت الشمس.

ثمّ قام خطيبا، فخطبهم فاعترضته مردة منهم، فأقبل عليّ عليه السلام، فقال أبالحقّ تكذبون، و عن القرآن تصدفون، و بآيات اللّه تجحدون، ثمّ رفع طرفه إلى السماء، فقال: اللّهمّ بالكلمة العظمى و الأسماء الحسنى، و العزائم الكبرى، و الحيّ القيّوم، و محيي الموتى، و مميت الأحياء، و ربّ الأرض و السماء، يا حرسة الجن، و رصدة الشياطين، و خدام اللّه الشرهاليين، و ذوي الأرواح الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفىء، و الشهاب الثاقب، و الشّواظ المحرق، و النّحاس القاتل، بكهيعص، و الطواسين، و الحواميم، و يس، و نون و القلم و ما يسطرون، و الذاريات، و النجم إذا هوى، و الطور و كتاب مسطور في رقّ منشور، و البيت المعمور، و الأقسام العظام، و مواقع النجوم لما أسرعتم الإنحدار إلى المردة المتولّعين و المتكبّرين الجاحدين آثار ربّ العالمين.

قال سلمان: فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد، و سمعت في الهواء دويّا شديدا، ثمّ نزلت نار من السماء، صعق كلّ من رآها من الجنّ، و خرّت على وجوهها مغشيّا عليها، و سقطت أنا على وجهي، فلمّا أفقت إذا دخان يفور من الأرض، فصاح بهم عليّ عليه السلام: ارفعوا رؤوسكم فقد أهلك اللّه

ص:96


1- 1) في المصدر: يروعك ما ترى.
2- 2) في البحار: [1] فثار.
3- 3) دفّ دفيفا الطائر: حرّك جناحه.
4- 4) القوراء: الواسعة.

الظالمين، ثمّ عاد إلى خطبته، فقال: يا معشر الجنّ و الشياطين و الغيلان، و بني شمراخ، و آل نجاح و سكّان الآجام و الرمال و القفار، و جميع شياطين البلدان اعلموا أنّ الأرض قد ملئت عدلا، كما كانت مملوءة جورا، هذا هو الحقّ فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال، فأنّى تصرفون؟ فقالوا: آمنّا باللّه و رسوله و برسول رسوله، فلمّا دخلنا المدينة، قال النبي صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: ماذا صنعت؟ قال: أجابوا و أذعنوا و قصّ عليه خبرهم، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم القيامة (1).

8-و من كتاب «الأنوار» (2)، خبر عطرفة الجنيّ بالاسناد، عن زاذان (3)، عن سلمان رضي اللّه عنه، قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم جالسا بالأبطح، و عنده جماعة من أصحابه، و هو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة (4)قد ارتفعت فأثارت الغبار، و ما زالت تدنو، و الغبار يعلو، إلى أن وقفت بحذاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يا رسول اللّه إنّي وافد قومي، و قد استجرنا بك فأجرنا، و ابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا، فإنّ بعضهم قد بغي علينا، ليحكم بيننا و بينهم بحكم اللّه و كتابه، و خذ عليّ العهود و المواثيق المؤكدة، أن أردّه إليك سالما في غداة غد، إلاّ أن تحدث عليّ حادثة من عند اللّه.

فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أنت و من قومك؟ قال:

أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني نجاح، و أنا و جماعة من أهلي، كنّا نسترق

ص:97


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/308-و [1]عنه بحار الأنوار ج 39/183 و [2]مدينة المعاجز:21 [3]معجزة:28. [4]
2- 2) كتاب الأنوار: في تاريخ الأئمّة الأطهار عليهم السلام تأليف الشيخ أبي علي محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الأسكافي المولود سنة (258) و المتوفى سنة (336) ه-الذريعة ج 2/412. [5]
3- 3) زاذان: أبو عمر الكندي مولاهم الضرير البزّاز المتوفى سنة (82) ه.
4- 4) الزوبعة (بفتح الزاي و الباء الموحدة و سكون الواو) : ريح ترتفع بالتراب و تستدير كأنّها عمود.

السمع، فلمّا منعنا من ذلك آمنّا، و لمّا بعثك اللّه نبيّا، آمنّا بك على ما علمته و قد صدّقناك، و قد خالفنا بعض القوم، و أقاموا على ما كانوا عليه، فوقع بيننا و بينهم الخلاف، و هم أكثر منّا عددا و قوّة، و قد غلبوا على الماء و المراعي و أضرّوا بنا و بدوابّنا، فابعث معي من يحكم بيننا بالحقّ فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها، قال: فكشف لنا عن صورته، فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير، و إذا رأسه طويل، طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، له أسنان كأسنان السباع، ثمّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ عليه العهد و الميثاق على أن يردّ عليه في غد، من يبعث به معه.

فلمّا فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر، فقال له: سر مع أخينا عطرفة، و انظر إلى ما هم عليه، و احكم بينهم بالحقّ، فقال، يا رسول اللّه و أين هم؟ قال: هم تحت الأرض. فقال أبو بكر: فكيف أطيق النزول تحت الأرض و كيف أحكم بينهم و لا أحسن كلامهم؟

ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب، فقال له مثل قوله لأبي بكر، فأجاب مثل جواب أبي بكر.

ثمّ أقبل على عثمان، و قال له مثل قوله لهما فأجابه كجوابهما.

ثم استدعى بعليّ عليه السلام و قال له: يا عليّ سر مع أخينا عطرفة، و تشرف على قومه و تنظر إلى ما هم عليه، و تحكم بينهم بالحقّ، فقام أمير المؤمنين عليه السلام مع عطرفة، و قد تقلّد سيفه، قال سلمان رضي اللّه عنه:

فتبعتهما إلى أن صارا إلى الوادي، فلمّا توسطاه، نظر إليّ أمير المؤمنين و قال: قد شكر اللّه تعالى سعيك يا أبا عبد اللّه فارجع، فوقفت أنظر إليهما فانشقّت الأرض، و دخلا فيها و عادت (1)إلى ما كانت، و رجعت و تداخلني من الحسرة، ما اللّه أعلم به، كلّ ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين عليه السلام.

ص:98


1- 1) في البحار ج 63/92: [1] وعدت، و في عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبد الوهاب:44: و [2]عادت إلى ما كانت، و على هذا فالضمير المستتر يرجع إلى الأرض.

و أصبح النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و صلّى بالناس الغداة، و جاء و جلس على الصفا، و حفّ به أصحابه، و تأخّر أمير المؤمنين عليه السلام، و ارتفع النهار، و أكثر الناس الكلام، إلى أن زالت الشمس، و قالوا إنّ الجنيّ احتال على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد أراحنا اللّه من أبي تراب، و ذهب عنّا افتخاره بابن عمّه علينا، و أكثروا الكلام إلى أن صلّى النبيّ صلى اللّه عليه و آله صلاة الأولى و عاد إلى مكانه و جلس على الصفا، و ما زال يحدث أصحابه إلى أن وجبت صلاة العصر، و أكثر القوم الكلام و أظهروا اليأس من أمير المؤمنين عليه السلام فصلّى النبيّ صلى اللّه عليه و آله، و جاء و جلس على الصفا و أظهر الفكر في أمير المؤمنين عليه السلام و ظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين، و كادت الشمس تغرب.

فتيقّن القوم أنّه قد هلك، و إذا قد انشقّ الصفا، و طلع أمير المؤمنين منه و سيفه يقطر دما، و معه عطرفة (1)، فقام إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قبّل ما بين عينيه و جبينه، و قال له: ما الّذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟

فقال عليه السلام: صرت إلى جنّ كثير قد بغوا على عطرفة، و قومه من المنافقين، فدعوتهم إلى ثلاث خصال، فأبوا عليّ، و ذلك إنّي دعوتهم إلى الإيمان باللّه، و الإقرار بنبوّتك و رسالتك، فأبوا، فدعوتهم إلى أداء الجزية، فأبوا، فسألتهم أن يصالحوا عطرفة و قومه، فيكون بعض المرعى لعطرفة و قومه، و كذلك الماء، فأبوا ذلك كلّه، فوضعت سيفي فيهم، و قتلت منهم زهاء (2)ثمانين ألفا.

فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم، طلبوا الأمان و الصلح، ثم آمنوا و صاروا إخوانا (3)و زال الخلاف، و ما زلت معهم إلى الساعة، فقال عطرفة: يا

ص:99


1- 1) في المصدر: غطرفة-و في البحار ج 63: [1] عرفطة.
2- 2) في البحار: [2] منهم ثمانين ألفا.
3- 3) في نسخة: أعوانا.

رسول اللّه جزاك اللّه تعالى و أمير المؤمنين عنّا خيرا (1).

9-و روي في تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و أيّكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة؟ فقال عليّ عليه السلام: أنا يا رسول اللّه وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شمّاس الأنصاري (2)، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حدّث بالقصّة إخوانك المؤمنين، و لا تكشف عن اسم المنافقين المكايدين (3)لنا، فقد كفا كما اللّه شرّهم، و أخّرهم للتوبة لعلّهم يتذكّرون أو يخشون (4).

فقال عليّ عليه السلام: إنّي بينما أسير (5)في بني فلان بظاهر المدينة، و بين يديّ بعيدا منيّ ثابت بن قيس، إذ بلغ بئرا عادية، عميقة، بعيدة القعر، و هناك رجال (6)من المنافقين، فدفعوه ليرموه في البئر (7)، فتماسك ثابت ثمّ عاد فدفعه و الرجل لا يشعر بي حتّى وصلت إليه، و قد اندفع ثابت في البئر، فكرهت أن أشتغل بطلب المنافقين (8)خوفا على ثابت، فوقعت في البئر لعلّي آخذه، فنظرت فإذا أنا قد سبقته إلى قرار البئر.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و كيف لا تسبقه و أنت أرزن (9)منه؟ و لو لم يكن من رزانتك إلاّ ما في جوفك من علم الأوّلين

ص:100


1- 1) أخرجه في البحار ج 18/86-و ج 63/90 ح 45 [1]عن عيون المعجزات:43 [2] نقلا عن كتاب الأنوار و في ج 39/168 ح 9 عن كشف اليقين:68 ب 90 باسناده عن أبي سعيد الخدري عنه، و الفضائل لشاذان:60 عن زاذان، و الروضة له:34 عن أبي سعيد باختلاف.
2- 2) ثابت بن قيس: بن شماس الخزرجي الأنصاري الصحابي المتوفى سنة (12) ه.
3- 3) في المصدر: عن اسم المنافق المكائد لنا.
4- 4) في المصدر: فقد كفاكما اللّه شرّه و أخّره للتوبة لعلّه يتذكّر أو يخشى.
5- 5) في المصدر: بينا أنا أسير.
6- 6) في المصدر: رجل.
7- 7) في المصدر: فدفعه ليرميه في البحر.
8- 8) في المصدر: المنافق.
9- 9) الأرزن: الأثقل.

و الآخرين الذي أودع اللّه رسوله (1)لكان من حقّك أن تكون أرزن من كل شيء، فكيف كان حالك و حال ثابت؟ قال: يا رسول اللّه! صرت إلى قرار البئر و استقررت قائما، و كان ذلك أسهل عليّ و أخفّ على رجلي من خطاي التي أخطوها رويدا رويدا.

ثم جاء ثابت فانحدر فوقع على يديّ، و قد بسطتها له، فخشيت أن يضرّني سقوطه عليّ أو يضرّه، فما كان إلاّ كباقة ريحان تناولتها بيدي، ثم نظرت فإذا ذلك المنافق و معه آخران على شفير البئر، و هو يقول لهما: أردنا واحدا فصار اثنين! فجاؤوا بصخرة فيها مائتا (2)منّ فأرسلوها علينا فخشيت أن تصيب ثابتا فاحتضنته، و جعلت رأسه إلى صدري، و انحنيت عليه، فوقعت الصخرة على مؤخّر رأسي، فما كانت إلا كترويحة مروحة تروحت بها في حمارة القيظ.

ثم جاؤوا بصخرة أخرى قدر ثلاثمائة منّ فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي، فكان كماء صببته على رأسي و بدني في يوم شديد الحرّ.

ثم جاؤوا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة منّ، يديرونها على الأرض لا يمكنهم أن يقلّبوها، فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخّر رأسي و ظهري، فكانت كثوب ناعم صببته (3)على بدني و لبسته، فتنعّمت به، فسمعتهم (4)يقولون: لو أنّ لابن أبي طالب و ابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور.

ثم انصرفوا، فدفع اللّه عنا شرّهم، فأذن اللّه لشفير البئر فانحطّ، و لقرار البئر قد ارتفع، فاستوى القرار و الشفير بعد بالأرض، فخطونا و خرجنا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا أبا الحسن إنّ اللّه عزّ و جلّ

ص:101


1- 1) في المصدر: الذي أودعه اللّه رسوله و أودعك.
2- 2) في المصدر: فيها مقدار مائتي منّ.
3- 3) صببت الدرع عليه: ألبستها إيّاه.
4- 4) في المصدر: ثمّ سمعتهم.

أوجب لك من الفضائل (1)و الثواب ما لا يعرفه غيره، ينادي مناد يوم القيامة أين محبو عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة، فأقلّ رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل.

ثمّ ينادي مناد: أين البقيّة من محبّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فيقومون قوم مقتصدون (2)، فيقال لهم: تمنّوا على اللّه تعالى ما شئتم، فيتمنّون، فيفعل بكلّ واحد منهم ما تمنّى، ثم يضعّف له مائة ألف ضعف، ثم ينادي مناد: أين البقيّة من محبّي عليّ بن أي طالب عليه السلام؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم معتدون عليها.

فيقال: أين المبغضون لعليّ بن أبي طالب؟ فيؤتى بهم جمّ غفير و عدد كثير (3)فيقال: ألا نجعل كلّ ألف من هؤلاء فداء، لواحد من محبّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليدخلوا الجنّة، فينجّي اللّه عزّ و جلّ محبّيك، و يجعل أعداءهم (4)فداءهم، ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هذا الأفضل الأكرم، محبّه محبّ اللّه و محبّ رسوله، و مبغضه مبغض اللّه و مبغض رسوله، هم خيار خلق اللّه من أمّة محمد صلى اللّه عليه و آله (5).

ص:102


1- 1) في المصدر و البحار: [1] إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أوجب لك بذلك من الفضائل.
2- 2) قال محقّق تفسير الامام عليه السلام في الذيل: الظاهر أنّه إشارة إلى ما في قوله تعالى من سورة فاطر:32 « [2]فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات» ففي حديث لأبي إسحاق السبيعي عن الباقر عليه السلام في الاية قال: هي لنا خاصّة يا أبا إسحاق أمّا السابق بالخيرات: فعليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين و الشهيد منّا-و أمّا المقتصد: فصائم بالنهار و قائم بالليل، و أمّا الظالم لنفسه ففيه ما في الناس و هو مغفور له. (سعد السعود:107) . [3]
3- 3) في المصدر و البحار: و [4]عدد عظيم كثير.
4- 4) في المصدر: و يجعل أعداءك فدائهم.
5- 5) التفسير المنسوب [5]للامام عليه السلام:108 ح 57 و عنه البحار ج 42/27 و ج 7/210 ح 104 [6]قطعه منه و مدينة المعاجز:113 ح 304 و [7]البرهان:1/58 ح 2. [8]

الباب الثاني عشر

«في مبيته عليه السلام على فراش رسول اللّه

صلى اللّه عليه و آله و فيه نزل قوله تعالى: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ

1-الشيخ في «أماليه» بإسناده، عن ابن عبّاس، قال: اجتمع المشركون في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فأتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أخبره الخبر، و أمره أن لا ينام في مضجعه تلك اللّيلة، فلمّا أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المبيت، أمر عليّا عليه السلام أن يبيت في مضجعه تلك اللّيلة، فبات عليّ عليه السلام، و تغشىّ ببرد أخضر، حضرميّ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينام فيه، و جعل السيف إلى جنبه، فلمّا اجتمع أولئك النفر من قريش، يطوفون و يرصدونه يريدون قتله، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هم جلوس على الباب، عددهم خمسة و عشرون رجلا، فأخذ حفنة (1)من البطحاء، ثم جعل يذرّها على رؤوسهم، و هو يقرأ: يس وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ حتّى بلغ فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (2)فقال لهم قائل: ما تتنظرون؟ قد و اللّه خبتم و خسرتم، و اللّه لقد مرّ بكم، و ما منكم رجل إلاّ و قد جعل على رأسه ترابا قالوا: و اللّه ما أبصرناه قال: فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّهُ

ص:103


1- 1) الحفنة (بفتح الحاء المهملة أو ضمّها و سكون الفاء) : ملأ الكفّين.
2- 2) يس:9. [1]

وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلْماكِرِينَ (1) (2).

2-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الإمام بأنطاكية قال: حدّثنا محفوظ بن بحر قال:

حدّثنا الهيثم بن جميل قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه في قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (3)قال عليه السلام: نزلت في عليّ عليه السلام حين بات على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).

3-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن العبّاس اليزيديّ النحويّ قال: حدّثنا الخليل بن أسد أبو الأسود النوشجاني (5)قال: حدّثنا أبو زيد سعيد بن أوس، يعني الأنصاريّ النحويّ قال: كان أبو عمرو بن العلاء إذا قرأ: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (6)قال كرّم اللّه عليّا عليه السلام نزلت فيه هذه الآية (7).

4-و عنه قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: حدّثنا محمّد بن محمد ابن سليمان الباغندي، قال: حدّثنا محمّد بن الصباح الجرجانيّ (8)قال: حدّثني محمد بن كثير الملاءي (9)، عن عوف الأعرابيّ من أهل البصرة، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أنس بن مالك، قال لمّا توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه

ص:104


1- 1) الأنفال:30. [1]
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/60، و [2]تقدّم في ج 1/133 ح 1، و له تخريجات ذكرناها هناك.
3- 3) البقرة:207. [3]
4- 4) أمالي الطوسي ج 2/61، و [4]تقدّم في ج 1/135 ح 2، و له تخريجات ذكرناها هناك.
5- 5) في المصدر: الحليل (بالحاء المهملة) بن الأسود النوشجاني، و في بعض النسخ: الجليل (بالجيم) و على أيّ حال كما تقدّم ما وجدت له ترجمة.
6- 6) البقرة:207. [5]
7- 7) أمالي الطوسي ج 2/61-و [6]عنه البحار ج 19/55 ح 13، و [7]تقدّم في ج 1/135 ح 3.
8- 8) تقدم أنّه لعلّ الصواب: الجرجرائي و هو محمد بن الصباح بن سفيان المتوفى سنة (240) ه.
9- 9) في المصدر: محمد بن كثير المدائني.

و آله و سلّم إلى الغار و معه أبو بكر، أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السلام أن ينام على فراشه و يتغشّى (1)ببردته، فبات عليّ عليه السلام موطّنا نفسه على القتل، و جاءت رجال من قريش من بطونها يريدون قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل، و يرى السيوف تأخذه، فلمّا أيقظوه و رأوه عليّا عليه السلام تركوه، و تفرّقوا في طلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ وَ اَللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (2).

5-و عنه قال: أخبرنا جماعة قال: أخبرنا أبو المفضّل قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن الحفص الخثعميّ قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه المحاربي (3)قال: حدّثنا أبو يحيى التميميّ (4)، عن عبد اللّه بن جندب، عن أبي ثابت، عن أبيه، عن مجاهد قال: فخرت عائشة بأبيها و مكانه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الغار، فقال عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد (5): و أين أنت من عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ حيث نام في مكانه و هو يرى أنّه يقتل، فسكتت و لم تحر (6)جوابا (7).

6-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو أحمد

ص:105


1- 1) في المصدر: و يتوشّح ببردته.
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/61-و [1]عنه البحار ج 19/55 ح 14-و [2]البرهان ج 1/206 ح 4، و [3]تقدّم في ج 1/136 ح 4.
3- 3) في المصدر: محمد بن عبد المحاربي، و في البحار: [4] محمد بن عبيد، و الظاهر كما تقدّم هو محمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي أبو جعفر النحّاس الكوفي المتوفى سنة (251) - التقريب ج 2/189.
4- 4) في البحار: [5] أبو يحيى التيمي و هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول الكوفي.
5- 5) تقدّم أنه هو أبو الوليد المدني المقتول بالكوفة سنة (81) أو (83) .
6- 6) لم تحر جوابا: ما استطاعت أن نجيب من أحار يحور الجواب أي ردّه يردّه.
7- 7) أمالي الطوسي ج 2/62-و [6]عنه البحار ج 19/55 ح 15-و [7]قد تقدّم في ج 1/137 ح 5.

عبيد اللّه بن الحسين، عن إبراهيم العلويّ النصيبيّ ببغداد قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن حمزة العلويّ قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا الحسين بن زيد، عن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن أبيه، عن جعدة بن هبيرة، عن أمّه أمّ هاني بنت أبي طالب عليه السلام، قالت: لمّا أمر اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالهجرة، و أنام عليّا عليه السلام على فراشه، و سجاه ببرد حضرميّ.

ثمّ خرج فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة (1)من تراب فذرّها على رؤوسهم فلم يشعر به أحد منهم، و دخل على بيتي، فلمّا أصبح أقبل عليّ و قال: أبشري يا أمّ هانيء فهذا جبرائيل عليه السلام، يخبرني أنّ اللّه عزّ و جلّ، قد أنجى عليّا عليه السلام من عدوّه، قالت: و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع جناح الصبح إلى غار ثور، فكان فيه ثلاثا، حتى سكن عنه الطلب، ثمّ أرسل إلى عليّ عليه السلام، و أمره بأمره و أداء الأمانة (2).

7-و عنه، عن جماعة، عن أبي المفضّل، بالإسناد في حديث الهجرة، ذكر في حديث هند بن أبي هالة، و فيه ذكر القوم الذين من قريش الذين اجتمعوا في دار الندوة، ليمكروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال في الحديث:

فخرج القوم، يعني من دار الندوة، عزين، و سبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل عليه السلام، فتلا هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّهُ وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلْماكِرِينَ (3).

فلمّا أخبره جبرئيل عليه السلام بأمر اللّه في ذلك، و وحيه، و ما عزم له من الهجرة، دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه

ص:106


1- 1) الحفنة (بضم الحاء المهملة أو فتحها و سكون الفاء) : ملأ الكفّين.
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/62-و [1]عنه البحار ج 19/56 ح 17 و [2]تقدم في ج 1/137 ح 6.
3- 3) الأنفال:30. [3]

عليه لوقته، فقال له: يا علي إنّ الروح هبط عليّ بهذه الآية آنفا يخبرني أنّ قريشا اجتمعت على المكر بي و قتلي، و إنّه أوحى إليّ (1)عن ربّي عزّ و جلّ أن أهجر دار قومي، و أن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، و أنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي، أو قال: مضجعيّ، ليخفي بمبيتك عليه (2)أثري، فما أنت قائل و صانع؟ فقال عليّ عليه السلام، أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ اللّه! ؟ قال: نعم. فتبسّم عليّ صلوات اللّه عليه ضاحكا، و أهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه صلى اللّه عليه و آله من سلامته (3).

فكان عليّ صلوات اللّه عليه أوّل من سجد للّه شكرا، و أوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا رفع رأسه، قال له: امض لما (4)أمرت فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي، و مرني بما شئت أكن فيه لمشيئتك (5)، و أقع منه بحيث مرادك، و إن توفيقي (6)إلاّ باللّه و قال: و أن ألقي عليك شبه مني، أو قال: شبهي قال: إن يمنعني نعم، قال: فارقد على فراشي و اشتمل ببردي الحضرميّ.

ثمّ إنّي أخبرك يا عليّ إنّ اللّه تعالى، يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم، و منازلهم من دينه، فاشدّ بلاء الأنبياء (7)ثمّ الأمثل (8)فالأمثل، و قد امتحنك يا ابن (9)أمّ و امتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم عليه السلام، و الذبيح إسماعيل عليه السلام، فصبرا صبرا فإنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين،

ص:107


1- 1) في المصدر: إليّ ربّي.
2- 2) في المصدر: لتخفي بمبيتك عليهم أمري.
3- 3) في المصدر: لما بشّره صلى اللّه عليه و آله بسلامته.
4- 4) في المصدر: امض فيما أمرت.
5- 5) في البحار: [1] كمسرّتك.
6- 6) في المصدر: و ما توفيقي إلاّ باللّه.
7- 7) في المصدر: فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأوصياء. ثمّ الأمثل فالأمثل.
8- 8) أي الأشرف فالأشرف و الأعلى فالأعلى.
9- 9) في المصدر: يا بن عمّ.

ثم ضمّه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى صدره، و بكى إليه وجدا، و بكى عليّ عليه السلام جشعا لفراق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و استتبع رسول اللّه أبا بكر ابن أبي قحافة، و هند ابن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، و لبث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكانه من (1)علي عليه السلام يوصيه و يأمره في ذلك بالصبر حتّى صلّى العشائين.

ثمّ خرج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في فحمة (2)العشاء و الرصد من قريش قد أطافوا بداره، ينتظرون أن ينتصف اللّيل، و تنام الأعين، فخرج و هو يقرأ هذه الآية وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (3)و كان بيده قبضة من تراب، فرمى بها في رؤوسهم (4)، فما شعر القوم به، حتّى تجاوزهم، و مضى حتّى أتى إلى هند، و أبي بكر فنهضا (5)معه حتّى و صلوا إلى الغار.

ثم رجع هند إلى مكّة بما أمره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و أبو بكر إلى (6)الغار، فلمّا خلق الليل (7)و انقطع الأثر، أقبل القوم على عليّ صلوات اللّه عليه، قذفا بالحجارة و الحلم (8)، فلا يشكّون أنّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، حتّى إذا برق الفجر، و أشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على عليّ صلوات اللّه عليه،

ص:108


1- 1) في المصدر: مكانه مع.
2- 2) في المصدر: في فحمة العشاء الآخرة-و فحمة العشاء: إقباله و إدباره.
3- 3) يس:9. [1]
4- 4) في المصدر: و أخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم.
5- 5) في المصدر: فأنهضهما فنهضا معه.
6- 6) في المصدر: الغار من دون حرف الجرّ.
7- 7) في البحار [2]قال بعد ذكر الحديث: قوله: فلمّا خلق الليل، أي مضى كثير منه كما أنّ الثوب يخلق بمضيّ الزمان عليه-و في المصدر: فلمّا غلق الليل أبوابه، و أسدل أستاره، و انقطع الأثر أقبل القوم على عليّ عليه السلام يقذفونه بالحجارة فلا يشكّون.
8- 8) الحلم (بفتح الحاء و اللام) جمع الحلمة: نبات ينبت بنجد في الرمل لها زهر و ورقها أخيشن عليه شوك كأنه أظافير الانسان.

و كانت دور مكّة يومئذ سوائب (1)، لا أبواب لها، فلمّا بصر بهم عليّ عليه السلام قد انتضّوا (2)السيوف، و أقبلوا عليه بها، يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة (3)، وثب به عليّ عليه السلام فختله (4)، و همز يده (5)، فجعل خالد يقمص قماص (6)البكر و إذا له رغاء و ابذعرّ (7)الصبح، و هم في عرج الدار (8)من خلفه، و شدّ عليهم عليّ عليه السلام بسيفه، يعني: سيف خالد، فأجفلوا (9)أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار و تبصّروه، فإذا هو عليّ عليه السلام، فقالوا: إنّك لعليّ؟ ! قال: أنا عليّ، قالوا: فإنّا لم نردك، فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به، و قد كان علم يعني: عليّا إنّ اللّه تعالى قد أنجى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما كان أخبره من مضيّه إلى الغار، و اختبائه فيه، الحديث. و فيه طول تقدّم بإسناده في الباب الخامس عشر من المنهاج الأوّل في رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فليؤخذ من هناك (10).

8-السيد الرضيّ قدّس اللّه سرّه في «الخصائص» ، بإسناد مرفوع، قال: قال ابن الكواء لأمير المؤمنين: أين كنت حيث ذكر اللّه نبيّه و أبا بكر ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي اَلْغارِ، إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اَللّهَ مَعَنا (11)فقال

ص:109


1- 1) السوائب: جمع السائبة أي المهملة، و السائب: المال الذي لا حفاظ عليه.
2- 2) انتضوا السيوف: سلّوها من غمدها.
3- 3) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي مات سنة (21) ه.
4- 4) ختله: خدعه، يقال: خاتل الصيّاد أي مشى قليلا قليلا لئلاّ يحسّ.
5- 5) همز يده: غمزها و ضغطها.
6- 6) قمص البعير: وثب و نفر، و البكر (بفتح الباء و سكون الكاف) : الفتى من الابل.
7- 7) ابذعرّ: تفرّق، و في المصدر: فجعل خالد يقمص قماص البكر، و يرغو رغاء الجمل و يذعر و يصيح.
8- 8) عرج الدار: قال في البحار: [1] أي منعطف الدار أو مصعدها و سلّمها.
9- 9) فأجفلوا: فأسرعوا.
10- 10) أمالي الطوسي ج 2/78-86-و [2]عنه البحار ج 19/57-67 ح 18-و [3]البرهان ج 2/74 ح 2، و [4]تقدّم بتمامه في ج 1/139 ح 7.
11- 11) التوبة:40. [5]

أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك يا ابن الكوّاء كنت على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قد طرح عليّ ريطته (1)، فأقبلت قريش مع كلّ رجل منهم، هراوة (2)فيها شوكها، فلم يبصروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث خرج، فأقبلوا عليّ يضربونني بما في أيديهم حتّى تنفّط (3)جسدي، و صار مثل البيض، ثمّ انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه اللّيلة، و لكن أخّروه و اطلبوا محمّدا.

قال: فأوثقوني بالحديد، و جعلوني في بيت، و استوثقوا منّي و من الباب بقفل، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت، يقول: يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده، و ذهب الورم الذي كان في جسدي.

ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا عليّ فإذا الحديد في رجلي قد تقطّع، ثمّ سمعت صوتا آخر يقول: يا عليّ فإذا الباب قد تساقط ما عليه و فتح، فقمت و خرجت، و قد كانوا جاؤوا بعجوز كمهاء (4)لا تبصر، و لا تنام تحرس الباب، فخرجت عليها، فاذا هي لا تعقل من النوم (5).

ص:110


1- 1) الريطة (بفتح الراء و سكون الياء) : الملائة إذا كانت قطعة واحدة شبيه الملحفة.
2- 2) الهراوة (بكسر الهاء) : العصا الضخمة، و الشوك: السلاح.
3- 3) تنفّط الجسد: قرح أو تجمّع فيه بين الجلد و اللحم ماء بسبب العمل.
4- 4) الكمهاء (بفتح الكاف و سكون الميم) : العمياء.
5- 5) الخصائص:58-و عنه البحار ج 36/43 ح 7-و [1]البرهان ج 1/126 ح 6-و [2]أخرجه في البحار ج 19/76 ح 27 [3] عن الخرائج مختصرا.

الباب الثالث عشر

«من الأوّل من طريق المخالفين»

1-عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن مسند أبيه أحمد بن حنبل قال:

حدّثنا يحيى بن حمّاد (1)قال: حدّثنا أبو عوانة (2)، قال: حدّثنا أبو بلج (3)قال: حدّثنا عمرو بن ميمون، قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس رضي اللّه عنه، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عبّاس إمّا أن تقوم معنا و إمّا أن تخلو بنا عن هؤلاء، قال ابن عباس: بل أنا أقوم (4)معكم، و هو (5)يومئذ صحيح قبل أن يعمى.

قال: فابتدأوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، فجاء ينفض ثوبه و هو يقول: أفّ و تفّ وقعوا في رجل له عشر خصال، وقعوا في رجل، قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لأبعثنّ رجلا لا يخزيه اللّه أبدا يحبّ اللّه و رسوله.

قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: أين عليّ؟ قالوا: هو في

ص:111


1- 1) يحيى بن حمّاد: بن أبي زياد البصري ختن أبي عوانة توفي سنة (215) ه.
2- 2) أبو عوانة: وضّاح بن عبد اللّه اليشكري الواسطي البزّاز المتوفى سنة (176) ه.
3- 3) أبو بلج: يحيى بن سليم، أو ابن أبي سليم الفزاري الكوفي وثقه ابن معين و الدارقطني.
4- 4) في المصدر: بل أقوم معكم.
5- 5) في المصدر: قال: و هو.

الرحا يطحن قال: و ما كان أحدكم ليطحن؟ قال: فجاء و هو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فتفل (1)في عينه فبرأ، ثمّ هزّ الراية ثلاثا، فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حيّي.

و قال: ثمّ بعث فلانا بسورة التوبة، فبعث عليّا عليه السلام خلفه فأخذها منه، و قال: لا يذهب بها إلاّ رجل هو منّي و أنا منه.

قال: و قال لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدنيا و الآخرة؟ قال: و عليّ عليه السلام جالس معهم فأبوا، فقال عليّ عليه السلام: أنا أواليك في الدنيا و الآخرة، فقال: أنت وليّي في الدنيا و الآخرة.

ثمّ أقبل على رجل منهم، فقال: أيّكم يواليني في الدنيا و الآخرة.

فأبوا، قال عليّ: أنا أواليك في الدنيا و الآخرة، فقال: أنت وليّي في الدنيا و الآخرة. قال: و كان عليّ عليه السلام أوّل من أسلم من الناس (2)قال:

و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثوبه، فوضعه على عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).

قال: و شرى عليّ نفسه، لبس ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ نام مكانه، قال: و كان المشركون يرمون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجاء أبو بكر و عليّ عليه السلام نائم.

ثم قال: و أبو بكر يحسب أنّه نبيّ اللّه فقال: يا نبيّ اللّه قال: فقال له عليّ عليه السلام: إنّ نبيّ اللّه قد انطلق نحو بئر ميمون، فأدركه، قال:

فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: و جعل عليّ عليه السلام يرمى

ص:112


1- 1) في المصدر: فنفث.
2- 2) في المصدر: أوّل من أسلم بعد خديجة.
3- 3) الأحزاب:33. [1]

بالحجارة كما كان يرمى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يتضوّر (1)قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتّى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه، فقالوا: كان (2)صاحبك نرميه فلا يتضوّر و قد استنكرنا ذلك.

قال: و خرج (3)الناس في غزوة تبوك قال: فقال له عليّ عليه السلام:

أخرج معك (4)؟ فقال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا، فبكى عليّ عليه السلام، فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّك لست بنبيّ لا ينبغي أن أذهب إلاّ و أنت خليفتي.

قال: و قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي.

قال: و سدّ أبواب المسجد غير باب عليّ عليه السلام، قال: فيدخل المسجد جنبا و هو طريقه ليس له طريق غيره.

قال: و قال: من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ (5).

2-و من «تفسير الثعلبي» في الجزء الأوّل في تفسير سورة البقرة، في قوله تعالى وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (6)إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لمّا أراد الهجرة، خلّف عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه بمكّة، لقضاء ديونه، و ردّ الودائع الّتي كانت عنده، و أمره ليلة خرج إلى الغار، و قد أحاط المشركون بالدار: أن ينام على فراشه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال له: يا عليّ اتّشح (7)ببردي الحضرمي الأخضر ثمّ نم

ص:113


1- 1) تضوّر: تلوّى من وجع ضرب أو جوع.
2- 2) في المصدر و البحار: [1] فقالوا: إنّك للئيم.
3- 3) في المصدر: و خرج بالنّاس.
4- 4) في المصدر: قال: فقال له.
5- 5) مسند ابن حنبل ج 1/330-و عنه العمدة لابن البطريق:237 ح 366 و كشف الغمّة ج 1/81-و [2]أخرجه في البحار ج 38/241. [3]
6- 6) البقرة:207. [4]
7- 7) اتّشح: لبس.

على فراشي، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء اللّه عزّ و جلّ، ففعل ذلك عليه السلام، و أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى جبرئيل و ميكائيل عليهما السلام إنّي آخيت (1)بينكما، و جعلت عمر أحدكما أطول من الاخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهما ألاّ كنتما مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، آخيت بينه و بين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فنام على فراشه يفديه بنفسه، و يؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوّه، فنزلا، فكان جبرئيل عليه السلام عند رأسه، و ميكائيل عند رجليه، فقال جبرئيل: بخّ بخّ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة فأنزل اللّه تعالى على رسوله و هو متوجّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (2).

3-قال: و دليل ذلك ما رواه محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه القائني قال: حدّثني أبو الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن النصيبيّ (3)ببغداد قال: حدّثني أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي بحلب، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد (4)قال: حدّثني محمد بن منصور، قال: حدّثني أحمد بن عبد الرحمن، حدّثني الحسن بن محمد بن فرقد، قال: حدّثني الحكم بن ظهير (5)قال: حدثنا السدي في قوله عزّ و جلّ وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (6)قال: قال ابن عباس: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين هرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المشركين

ص:114


1- 1) في العمدة: إنّي قد آخيت.
2- 2) تفسير الثعلبي-و [1]عنه العمدة لابن البطريق:239 ح 367-و أخرجه في البحار ج 19/86 [2] عن تأويل الآيات:89 ح 76 نقلا عن تفسير الثعلبي، و [3]ذيله في البحار ج 36/43-و [4]البرهان ج 1/207 ح 11 [5]عن مناقب ابن شهر اشوب ج 2/65 [6]نقلا عن تفسير الثعلبي و [7]أورد ذيله في تنبيه الخواطر ج 1/173-و [8]شواهد التنزيل ج 1/96 ح 133 و [9]ارشاد الديلمي:224.
3- 3) محمد بن عثمان بن الحسن بن عبد اللّه أبو الحسن القاضي النصيبي البغدادي المتوفى سنة (406) .
4- 4) هو ابن عقدة المتوفى سنة (332) و قد تقدّم ذكره.
5- 5) الحكم بن ظهير الفزاري أبو محمد بن أبي ليلى الكوفي المتوفى سنة (180) .
6- 6) البقرة:207. [10]

إلى الغار مع أبي بكر، و نام عليّ عليه السلام على فراش النبيّ صلى اللّه عليه و آله (1).

4-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ (2)، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (3)، أخبرنا أبو عليّ عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، أخبرنا أبي، حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس رضي اللّه عنه، إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا بن العباس إمّا أن تقوم معنا، و إمّا أن تخلو بنا من بين هؤلاء، و ذكر الحديث السابق (4).

5-ثمّ قال موفّق بن أحمد: و بهذا الإسناد، عن أحمد بن الحسين (5)هذا، أخبرنا محمد بن عبد اللّه الحافظ (6)، حدّثنا أبو بكر أحمد بن حمدان بمرو، حدّثنا عبيد بن قنفذ (7)البزّاز بالكوفة، حدّثني يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدّثنا قيس بن الربيع، حدّثنا حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين، قال:

إنّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان اللّه تعالى، عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، و قال عليّ عليه السلام عند مبيته على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

وقيت بنفسي خير من وطي الثرى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به فنجّاه ذو الطول الإله من المكر

و بات رسول اللّه في الغار آمنا موفى و في حفظ الإله و في ستر

ص:115


1- 1) تفسير الثعلبي-و عنه العمدة لابن البطريق:240 و في غاية المرام:345 ح 3 [1] عن العمدة.
2- 2) شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة (507) ه.
3- 3) البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين المتوفى سنة (458) ه.
4- 4) مناقب الخوارزمي:73-و عنه البرهان ج 1/206 ح 2. [2]
5- 5) هو البيهقي المتقدم ذكره.
6- 6) محمد بن عبد اللّه الحافظ: هو الحاكم النيشابوري المتوفى سنة (405) .
7- 7) عبيد بن قنفذ: ترجمه العسقلاني في لسان الميزان ج 4/122.

و بتّ أراعيهم و ما يثبتونني و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر (1)

6- «كتاب الصفوة» حدّثنا هبة اللّه بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن عليّ (2)قال: أخبرنا أحمد بن جعفر (3)قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:

حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: حدّثني معمر، قال: و أخبرني عثمان الجزري، أنّ مقسما مولى ابن عباس أخبره عن ابن عبّاس في قوله وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ (4)قال: تشاورت قريش ليلة بمكّة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال بعضهم: بل اقتلوه، و قال بعضهم: بل اخرجوه، فاطّلع اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، فبات عليّ عليه السلام على فراش النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تلك الليلة و خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتى لحق بالغار، و بات المشركون يحرسون عليا، يحسبونه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أصبحوا ثاروا إليه، فلمّا رأوا عليّا عليه السلام ردّ اللّه مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فاقتصّوا أثره (5).

7-كتاب فضائل الصحابة للسمعاني (6): بالإسناد، عن القيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: أول من شرى نفسه للّه عزّ و جلّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام. كان المشركون يطلبون رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فقام من فراشه، و انطلق هو و أبو بكر،

ص:116


1- 1) مناقب الخوارزمي:74-و عنه البرهان ج 1/206 ح 2. [1]
2- 2) هو أبو محمد الجوهري البغدادي المتوفى سنة (454) تقدّم ذكره.
3- 3) هو القطيعي البغدادي المتوفى سنة (368) ه تقدّم ذكره.
4- 4) الأنفال:30. [2]
5- 5) صفة الصفوة ج 1/124-و [3]رواه أحمد في مسنده ج 1/348. [4]
6- 6) في المصدر و البحار: [5] فضائل الصحابة عن عبد الملك العكبري، و عن أبي المظفر السمعاني باسنادهما عن علي بن الحسين عليهما السلام. . و السمعاني هو منصور بن محمد بن عبد الجبار الشافعي المتوفى سنة (489) و هو جدّ السمعاني صاحب «الأنساب» .

و اضطجع عليّ على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجاء المشركون فوجدوا عليا و لم يجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).

ص:117


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/64-و [1]عنه البحار ج 36/42 ح 6. [2]

ص:118

الباب الرابع عشر

«في فضل سوابقه عليه السلام وسعتها»

1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد قال: أخبرنا الرزاز (1)قال: حدّثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدّثنا يزيد بن هارون (2)، قال: أخبرنا فطر (3)قال: سمعت (4)أبا الطفيل يقول:

قال بعض أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لقد كان لعليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله من السوابق ما لو أنّ سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيرا (5)(6).

2-ابن بابويه قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا إبراهيم بن عمروس الهمدانيّ قال: حدثنا أبو عليّ الحسن بن إسماعيل القحطبي قال:

حدّثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم (7)، عن أبيه، عن الأوزاعي، عن

ص:119


1- 1) الرزّاز: هو أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري كان حيّا في سنة (339) .
2- 2) يزيد بن هارون: بن زاذان أبو خالد الواسطي المتوفى سنة (206) ه.
3- 3) فطر: بن خليفة أبو بكر الحنّاط المتوفى بعد سنة (150) ه.
4- 4) في البحار: [1] عن فطر، قال: سمعت بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه و آله.
5- 5) في المصدر: أوسعتهم خيرا.
6- 6) أمالي الطوسي ج 2/5-و [2]عنه البحار ج 40/30 ح 59. [3]
7- 7) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم أبو محمد المصري المتوفى سنة (224) .

يحيى بن أبي كثير، عن عبد اللّه بن مرّة (1)، عن سلمة بن قيس (2)قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: عليّ في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، و في السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض، أعطى اللّه عليّا من الفضل جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم، و أعطاه اللّه من الفهم جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم: شبّهت لينه بلين لوط، و خلقه بخلق يحيى، و زهده بزهد أيّوب، و سخاؤه بسخاء إبراهيم، و بهجته ببهجة سليمان بن داود، و قوّته بقوّة داود، و له اسم مكتوب على كلّ حجاب في الجنّة بشّرني به ربّي، و كانت له البشارة عندي، عليّ محمود عند الحقّ، مزكّى عند الملائكة، و خاصّتي و خالصتي و ظاهرتي و مصباحي و حبيبي و رفيقي، آنسني به ربّي، فسألت ربّي ألاّ يقبضه قبلي، و سألته أن يقبضه شهيدا، أدخلت الجنّة فرأيت حور عليّ عليه السلام أكثر من ورق الشجر، و قصور عليّ كعدد البشر، عليّ منّي و أنا من عليّ، من تولّى عليّا فقد تولاّني.

حبّ علي نعمة، و اتّباعه فضيلة، دان به الملائكة، و حفّت به الجنّ الصالحون، لم يمش على الأرض ماش بعدي إلاّ كان هو أكرم منه عزّا و فخرا و منهاجا، لم يك فظّا عجولا، و لا مسترسلا لفساد، و لا متعنّدا.

حملته الأرض فأكرمته لم يخرج من بطن أنثى أحد بعدي كان أكرم خروجا منه، و لم ينزل منزلا إلاّ كان ميمونا.

أنزل اللّه عليه الحكمة وردّاه (3)بالفهم، تجالسه الملائكة و لا يراها، و لو أوحي إلى أحد بعدي لأوحي إليه، فزيّن اللّه به المحافل، و أكرم به العساكر، و أخصب به البلاد، و أعزّ به الأجناد. مثله كمثل بيت اللّه الحرام يزار و لا يزور، و مثله كمثل القمر الطالع إذا طلع أضاء الظلمة، و مثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت، وصفه اللّه في كتابه، و مدحه بآياته و وصف فيه آثاره،

ص:120


1- 1) عبد اللّه بن مرّة: أو ابن أبي مرّة الهمداني المتوفى حدود سنة (100) .
2- 2) سلمة بن قيس: الأشجعي الكوفي الصحابي.
3- 3) ردّاه: ألبسه الرداء.

و أجرى منازله، فهو الكريم حيّا و الشهيد ميّتا (1).

3-و عنه قال: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى (2)، قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكرياء القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب (3)، قال: حدّثنا عبد الرحيم بن علي بن سعيد الجبلي، قال: حدّثنا الحسن بن نضر الخزّاز قال: حدثنا عمرو بن طلحة (4)، عن أسباط بن نصر (5)، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، قال: أتيت عبد اللّه بن عبّاس، فقلت له: يا ابن عمّ رسول اللّه جئتك (6)أسألك عن عليّ بن أبي طالب و اختلاف الناس فيه، فقال ابن عبّاس: يا ابن جبير جئتني تسألني عن خير خلق اللّه من الأمّة بعد محمّد نبيّ اللّه صلوات اللّه عليهما، جئتني تسألني عن رجل كانت له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة و هي ليلة القربة، جئتني (7)تسألني عن وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و وزيره و خليفته، و صاحب حوضه و لوائه و شفاعته، و الّذي نفس ابن عبّاس بيده لو كانت بحار الدنيا مدادا، و أشجارها (8)أقلاما، و أهلها كتّابا، فكتبوا مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام و فضائله من يوم خلق اللّه عزّ و جلّ الدنيا إلى أن يفنيها ما بلغوا معشار ما آتاه اللّه تبارك و تعالى (9).

4-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (10)رحمه اللّه قال:

ص:121


1- 1) أمالي الصدوق:17 ح 7-و [1]عنه البحار ج 39/37 ح 7. [2]
2- 2) علي بن أحمد بن موسى: الدقّاق كان من مشايخ الصدوق قدّس سرّه.
3- 3) بكر بن عبد اللّه بن حبيب المزني: ساكن الري و له كتاب نوادر ذكره النجاشي.
4- 4) عمرو بن طلحة: نسب إلى جدّه و والده حمّاد، أبو محمّد القنّاد الكوفي توفّي سنة (222) [3] ه.
5- 5) أسباط بن نصر: أبو يوسف الكوفي الهمداني المفسّر المحدّث المتوفى سنة (170) ه.
6- 6) في المصدر و البحار: [4] إنّي جئتك.
7- 7) في المصدر و البحار: [5] يا ابن جبير جئتني تسألني.
8- 8) في المصدر و البحار: و [6]الأشجار أقلاما.
9- 9) أمالي الصدوق:447 ح 15-و [7]عنه البحار ج 40/7 ح 17 و [8]أورده في مشارق الأنوار:58 عن الأمالي، و [9]روضة الواعظين:127. [10]
10- 10) محمد بن إبراهيم بن إسحاق: أبو العبّاس المكتّب الطالقاني من مشايخ الصدوق حدّثه بالري كما

حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصري (1)، عن يحيى البصري، قال: حدّثنا محمد بن زكريا الجوهريّ (2)، عن محمد بن عمارة (3)، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن آبائه الصادقين عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها [غيره]، فمن ذكر فضيلة من فضائله مفرّا بها، غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و لو جاء في القيامة بذنوب الثقلين.

و من كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، و من استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع.

و من نظر إلى كتابة في فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر؛ ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عبادة (4)و لا يقبل إيمان عبد إلاّ بولايته و البراءة من أعدائه (5).

5-كتاب البرسي: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو كانت البحار مدادا، و الرياض (6)أقلاما و السموات صحفا، و الإنس و الجنّ كتّابا لنفد المداد، وكلّت الثقلان أن يكتبوا معشار عشر فضائل علي عليه السلام (7)إمام

ص:122


1- 1) عبد العزيز بن يحيى: بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري المتوفى بعد سنة (330) ه.
2- 2) محمد بن زكريا الجوهري: بن دينار الغلابي مولى بني غلاّب توفي سنة (298) .
3- 3) محمد بن عمارة: الظا [1]هر أنّ الصواب جعفر بن محمد بن عمارة كما في السند الذي رواه الخوارزمي في المناقب و سيأتي إن شاء اللّه.
4- 4) في المصدر و البحار: الن [2]ظر إلى علي بن أبي طالب علي [3]ه السلام عبادة. و ذكره عبادة. [4]. الخ.
5- 5) أمالي الصدوق:119 ح 9-و عنه البحار ج 38/196 ح 4-و عن كشف الغمة ج 1/112- و سيأتي عن مناقب الخوارزمي.
6- 6) في المصدر: الغياض.
7- 7) في المصدر: فضائل إمام يوم الغدير.

يوم الغدير، و كيف يكتبون و أنّى يهتدون (1).

6-و روى البرسي في كتابه قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جالسا ذات يوم و عنده الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذ دخل عليه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأخذه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أجلسه في حجره، و قبّل بين عينيه، و قبّل شفتيه، و كان للحسين عليه السلام ستّ سنين، فقال عليه السلام: يا رسول اللّه! أتحبّ ولدي الحسين عليه السلام؟ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و كيف لا أحبّه و هو عضو من أعضائي؟ فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه أيّنا أحبّ إليك أنا أم الحسين؟ فقال الحسين: يا أبت من كان أعلى شرفا كان أحبّ إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقرب إليه منزلة، قال عليّ عليه السلام لولده:

أتفاخرني يا حسين؟ قال: نعم يا أبتاه إن شئت، فقال له الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا حسين أنا أمير المؤمنين، أنا لسان الصادقين. أنا وزير المصطفى. أنا خازن علم اللّه و مختاره من خلقه. أنا قائد السابقين إلى الجنّة.

أنا قاضي الدين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنا الّذي عمّه سيّد الشهداء في الجنّة. أنا الذي أخوه جعفر الطيّار في الجنّة عند الملائكة.

أنا قاضي الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنا آخذ له باليمين، أنا حامل سورة التوبة إلى أهل مكّة بأمر اللّه تعالى، أنا الذي اختارني اللّه تعالى من خلقه.

أنا حبل اللّه المتين الذي أمر اللّه تعالى خلقه أن يعتصموا به، في قوله تعالى: وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّهِ جَمِيعاً (2)أنا نجم اللّه الزاهر، أنا الذي تزوره ملائكة السموات.

أنا لسان اللّه الناطق، أنا حجّة اللّه تعالى على خلقه، أنا يد اللّه القويّ.

ص:123


1- 1) مشارق الأنوار:111.
2- 2) آل عمران:103. [1]

أنا وجه اللّه تعالى في السموات، أنا جنب اللّه الظاهر، أنا الذي قال اللّه سبحانه و تعالى فيّ و في حقّي: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (1).

أنا عروة اللّه الوثقى التي لا انفصام لها و اللّه سميع عليم، أنا باب اللّه الذي يؤتي منه، أنا علم اللّه على الصراط، أنا بيت اللّه الذي من دخله كان آمنا، فمن تمسّك بولايتي و محبّتي، أمن من النار، و أنا قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.

أنا قاتل الكافرين، أنا أبو اليتامى، أنا كهف الأرامل.

أنا عمّ يتساءلون عن ولايتي يوم القيامة، و قوله تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (2).

أنا نعمة اللّه تعالى التي أنعم اللّه بها على خلقه.

أنا الّذي قال اللّه تبارك و تعالى فيّ، و في حقّي: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلامَ دِيناً (3)فمن أحبّني كان مسلما مؤمنا كامل الدين.

أنا الّذي بي اهتديتم، أنا الّذي قال اللّه تبارك و تعالى فيّ و في عدوّي:

وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (4)أي عن ولايتي يوم القيامة، أنا النبأ العظيم، أنا الذي أكمل اللّه تعالى به الدين يوم غدير خمّ و خيبر، أنا الّذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه، أنا صلاة المؤمن، أنا حيّ على الصلاة.

أنا حيّ على الفلاح، أنا حيّ على خير العمل، أنا الذي نزل على أعدائي سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اَللّهِ ذِي

ص:124


1- 1) الأنبياء:26-27. [1]
2- 2) التكاثر:8. [2]
3- 3) المائدة:3. [3]
4- 4) الصافات:24. [4]

اَلْمَعارِجِ (1)يعني من أنكر ولايتي و هو النعمان بن الحارث اليهوديّ لعنه اللّه تعالى.

أنا داعي الأنام على الحوض، فهل داعي المؤمنين على الحوض غيري؟

أنا أبو الأئمة الطاهرين من ولدي، أنا موازين القسط ليوم القيامة.

أنا يعسوب الدين، أنا قائد المؤمنين إلى الخيرات و الغفران إلى ربّي.

أنا الذي أصحابي يوم القيامة، و أوليائي المبرؤون من أعدائي، و عند الموت لا يخافون و لا يحزنون، و في قبورهم لا يعذّبون، و هم الشّهداء و الصّدّيقون، و عند ربّهم يفرحون، أنا الذي لشيعتي الأمان و هم مهتدون (2).

أنا الذي شيعتي متوثّقون أن لا يوادّوا من حادّ اللّه و رسوله، و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم.

أنا الذي شيعتي يدخلون الجنّة بغير حساب، أنا الذي بيدي (3)ديوان الشيعة بأسمائهم، أنا عون المؤمنين، و شفيع لهم عند ربّ العالمين.

أنا الضارب بالسيفين، أنا الطاعن بالرمحين، أنا قاتل الكافرين يوم بدر و حنين، أنا مردي الكماة يوم أحد، أنا ضارب عمرو بن عبدود لعنه اللّه تعالى يوم الأحزاب، أنا قاتل عنترة و مرحب، أنا قاتل فرسان خيبر.

أنا الذي قال فيّ الأمين جبرئيل عليه السلام:

لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ

أنا صاحب فتح مكّة، أنا كاسر اللاّت و العزّى، أنا هادم الهبل الأعلى، و مناة الثالثة الأخرى، أنا علوت على كتف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كسرت الأصنام.

أنا الذي كسرت يغوث و يعوق و نسرا عليهم لعنة اللّه.

ص:125


1- 1) المعارج:1-2-3. [1]
2- 2) هذه الجملة ليست في فضائل شاذان.
3- 3) في المصدر: عندي ديوان الشيعة.

أنا الذي قاتلت الكافرين في سبيل اللّه، أنا الذي تصدّقت بالخاتم.

أنا الذي نمت على فراش النبيّ صلى اللّه عليه و آله و وقيته من المشركين.

أنا الذي يخاف الجنّ من بأسي، أنا الذي به يعبد اللّه، أنا ترجمان اللّه تعالى.

أنا خازن علم اللّه تعالى، أنا [عيبة]علم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنا قاتل الجمل و صفين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنا قسيم الجنّة و النار، فعندها سكت عليّ عليه السلام.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين عليه السلام: أسمعت يا أبا عبد اللّه ما قاله أبوك، و هو عشر عشير معشار من فضائله و من ألف ألف فضيلة، و هو فوق ذلك و أعلى.

فقال الحسين عليه السلام: الحمد للّه الذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين، و على جميع المخلوقين، و خصّ جدّنا بالتنزيل و التأويل، و الصدق و مناجاة الأمين جبرئيل عليه السلام، و جعلنا خيار من اصطفاه الجليل، و رفعنا على الخلق أجمعين.

ثمّ قال الحسين عليه السلام: أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين فأنت فيه صادق أمين، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: اذكر أنت يا ولدي فضائلك.

فقال الحسين عليه السلام: يا أبت أنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و أمّي فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، و جدّي محمّد المصطفى سيّد بني آدم أجمعين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا ريب فيه، يا عليّ أمّي أفضل من أمّك، و أفضل عند اللّه و عند الناس أجمعين، و جدّي خير من جدّك و أفضل عند اللّه و عند الملائكة و الناس أجمعين (1).

و أنا في المهد ناغاني جبرئيل، و تلقّاني إسرافيل، يا عليّ أنت عند اللّه تعالى

ص:126


1- 1) في الفضائل: و [1]أفضل عند اللّه و عند الناس أجمعين.

أفضل منّي، و أنا أفخر منك بالآباء، و الأمّهات و الأجداد.

قال: ثمّ إنّ الحسين عليه السلام اعتنق أباه و جعل يقبله و أقبل عليّ عليه السلام يقبّل ولده الحسين بن عليّ بن أبي طالب (1)عليهما الصلاة و السلام، و هو يقول: زادك اللّه تعالى شرفا، و فخرا، و علما (2)، و لعنة اللّه تعالى على ظالميك (3)يا أبا عبد اللّه (4).

7-البرسي في كتابه، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا يعذّب اللّه هذا الخلق إلاّ بذنوب العلماء الذين يكتمون الحقّ من فضل عليّ و عترته، ألا و إنّه لم يمش فوق الأرض بعد النبيّين و المرسلين، أفضل من شيعة عليّ و محبّيه الذين يظهرون أمره، و ينشرون فضله، أولئك تغشّاهم الرحمة، و تستغفر لهم الملائكة، و الويل كل الويل لمن يكتم فضائله، و ينكر أمره، فما أصبرهم على النار (5).

و لنختم الباب بحديث في فضل الشيعة.

8-البرسي روى ميسر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام (6)قال: ما تقول يا ميسر فيمن لم يعص اللّه طرفة عين في أمره و نهيه، لكنه ليس منّا و يجعل هذا الأمر في غيرنا؟ قال ميسر: و ما أقول و أنا بحضرتك يا سيّدي؟ فقال: هو في النار.

ثمّ قال: و ما تقول فيمن يدين اللّه بما تدين، و يبرأ من أعدائنا، لكن به من الذنوب ما بالناس، إلاّ أنّه يجتنب الكبائر. قال: فقلت: و ما أقول يا سيّدي و أنا بحضرتك (7)؟ فقال: إنّه في الجنّة و إنّ اللّه قد ذكر ذلك في آية من

ص:127


1- 1) في الفضائل: يقبّل ولده الحسين عليه السلام.
2- 2) في الفضائل: و [1]علما و حلما.
3- 3) في الفضائل: و [2]لعن اللّه تعالى ظالميك.
4- 4) الفضائل لابن شاذان:83-85-و [3]لم يوجد الحديث في مشارق الأنوار المطبوع.
5- 5) مشارق الأنوار:151.
6- 6) في المصدر: أنّه قال له.
7- 7) في المصدر: و أنا في حضرتك.

كتابه فقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ -و هو حبّ فرعون و هامان، نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (1)و هو حبّ عليّ عليه السلام (2).

ص:128


1- 1) النساء:31. [1]
2- 2) مشارق الأنوار:151-و أخرجه في البحار ج 79/16 ح 26 و [2]البرهان ج 1/365 ح 16 [3] عن أمالي المفيد:152 ح 3 نحوه.

الباب الخامس عشر

«و هو من الباب الأوّل من طريق المخالفين»

1-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي في كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، و هو من أعيان علماء المخالفين، قال: أخبرني السيّد الامام الأجلّ المرتضى، شرف الدين، عزّ الاسلام، علم الهدى، نقيب نقباء الشرق و الغرب، أبو الفضل محمد بن عليّ بن المطهّر بن المرتضى الحسيني (1)، في كتابه إليّ من مدينة الري، جزاه اللّه عنّي خيرا، قال: أخبرنا السيّد أبو الحسن عليّ بن أبي طالب الحسيني (2)السيلقي بقراءتي عليه، أخبرنا الشيخ العالم أبو النجم محمد بن عبد الوهاب بن عيسى (3)السمّان الرازي، أخبرنا الشيخ العالم أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي (4)، أخبرنا محمد ابن عليّ بن جعفر الأديب بقراءتي عليه، حدّثني المعافى بن زكريا أبو الفرج (5)، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، عن الحسن بن محمد بن بهرام، عن

ص:129


1- 1) ترجمه منتجب الدين [1]الرازي في الفهرست ص 100 و [2]قال: فاضل، ثقة راوية قرأت عليه كتبا جمة في الأحاديث.
2- 2) قال الرازي في الفهرست ص 88: [3] السيّد علي بن أبي طالب الحسيني الاملي: فقيه صالح.
3- 3) ترجمه منتجب الدين في الفهرست ص 104 و [4]قال: ورع. فقيه، حافظ له كتب في الفقه.
4- 4) قال الرازي في الفهرست ص 102، [5] ثقة، عين، حافظ، له تصانيف.
5- 5) أبو الفرج معافى بن زكريا بن يحيى النهرواني اللغوي المتوفى سنة (390) -بغية الوعاة/ج 2 ص 293. [6]

يوسف بن موسى القطّان (1)، عن جرير (2)، عن ليث (3)، عن مجاهد، عن ابن عباس، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

لو أنّ الغياض أقلام، و البحر مداد، و الجنّ حسّاب، و الانس كتّاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام (4).

2-ثم قال أبو المؤيّد: و ذكر ابن شاذان (5)، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمّد المجلدي (6)من كتابه، قال: حدثني الحسين بن محمد بن اسحاق، قال: حدثني محمّد بن زكريا (7)، عن جعفر بن محمد بن عمّار (8)، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام. قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تعالى جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّا بها غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و من كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسم، و من استمع فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب الّتي اكتسبها بالسماع، و من نظر

ص:130


1- 1) يوسف بن موسى القطّان: أبو يعقوب الكوفي البغدادي المتوفى سنة (253) -تاريخ بغداد ج 14/304. [1]
2- 2) جرير: بن عبد الحميد الرازي المحدث المتوفى سنة (188) -تذكرة الحفاظ ج 1/250.
3- 3) ليث: بن أبي سليم بن زنيم المتوفى سنة (148) -تقريب التهذيب ج 2/138.
4- 4) رواه الخوارزمي في المناقب:2-و الكراجكي في الكنز:128-و الكنجي في كفاية الطالب:251- و [2]الحمويني في فرائد السمطين ج 1/16-و [3]العسقلاني في لسان الميزان ج 5/62-و الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3/467-و ابن شاذان في مائة منقبة:176-و المجلسي في البحار ج 40/70 ح 105 [4] عن الكنز. و أخرجه الاربلي في كشف الغمة ج 1/111-و [5]الطرائف:138 ح 216- و [6]ينابيع المودة:121 و [7]غاية المرام:493 ح 1 [8] جميعا عن الكنز.
5- 5) ابن شاذان: أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي من مفاخر أعلام قرني الرابع و الخامس.
6- 6) في المناقب: المخلّدي (بالخاء المعجمة) .
7- 7) محمد بن زكريا: هو الجوهري المتقدم ذكره المتوفى سنة (298) .
8- 8) في أمالي الصدوق:119 و [9]جامع الأخبار:17: [10] محمد بن عمارة، عن أبيه و محمد بن عمارة مذكور في رجال السيّد الخوئي ج 17/67. [11]

إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب الّتي اكتسبها (1)بالنظر ثم قال عليه السلام: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام عبادة، و ذكره عبادة، و لا يقبل اللّه إيمان عبد إلاّ بولايته و البراءة من أعدائه (2).

3-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، قال: أنباني أبو العلا الحافظ الحسن بن أحمد الهمداني (3)، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري (4)، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ (5)، حدّثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان (6)حدّثنا عليّ بن محمد النخعي (7)القاضي قال: حدّثنا الحسين بن (8)الحكم، حدّثنا الحسن بن الحسين (9)، عن عيسى بن عبد اللّه (10)عن أبيه، عن جدّه قال: قال رجل لابن عباس: سبحان اللّه، ما أكثر مناقب عليّ بن أبي طالب و فضائله إني لأحسبها ثلاثة آلاف، فقال ابن عباس: أو لا تقول: إنّها إلى ثلاثين ألفا أقرب (11).

ص:131


1- 1) في المائة منقبة لابن شاذان: ارتكبها.
2- 2) أخرجه في البحار ج 26/229 ح 10 [1] عن ابن شاذان و رواه الخوارزمي في المناقب:2 و الكنجي في كفاية الطالب:252-و [2]الحمويني في فرائد السمطين ج 1/19-و [3]الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3/467 عن ابن شاذان، و هو في كتاب مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 176.
3- 3) أبو العلاء الهمداني: الحسن بن أحمد بن الحسن الحافظ المتوفى سنة (569) ه-تذكرة الحفاظ ج 4/1324.
4- 4) الحسن بن أحمد المقري: أبو علي الحدّاد الأصبهاني المتوفى سنة (515) ه-غاية النهاية ج 1/206. [4]
5- 5) هو أبو نعيم الحافظ الأصفهاني المتقدّم ذكره.
6- 6) أحمد بن يعقوب بن أحمد بن المهرجان المتوفى سنة (358) ه-تاريخ بغداد ج 5/227. [5]
7- 7) علي بن محمد بن الحسن القاضي النخعي المعروف بابن كاس الغريق سنة (324) -تاريخ بغداد ج 12 ص 70. [6]
8- 8) الحسين بن حكم: بن مسلم الحبري الكوفي له ترجمة في أنساب السمعاني ج 2/167. [7]
9- 9) الحسن بن الحسين العرني: النجار المدني من ثقات الاماميّة.
10- 10) عيسى بن عبد اللّه: بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام. كان من أصحاب الصادق عليه السلام.
11- 11) مناقب الخوارزمي:3-و أخرجه في البحار ج 40/49 [8]عن كشف الغمة ج 1/112. [9]

قال رضي اللّه عنه: و يدلّك على ذلك أيضا، ما يروى عن الامام الحافظ أحمد بن حنبل، و هو كما عرف أصحاب الحديث في علم الحديث، قريع (1)أقرانه، و إمام زمانه، و المقتفى به في هذا الفن إبانة، و الفارس الذي يكبو فرسان الحفاظ في ميدانه، و روايته فيه رضي اللّه عنه مقبولة، و على كاهل التصديق محمولة، لما علم إنّ الامام أحمد بن حنبل و من احتذى على مثاله، و نسج على منواله، و حطب في حبله، و انضوى إلى حقله، مالو إلى تفضيل الشيخين رضي اللّه عنهما، و أرضاهما، و أظلّنا يوم القيامة بظلّ رضاهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح، لا يمكن ستره بالراح.

4-و هو ما أخبرنا الشيخ الامام الزاهد فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرحمن الخفر (2)بيدي الخوارزمي جزاه اللّه خيرا، أخبرنا الشيخ الامام أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي قال: حدّثنا أبو القسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبدان العطّار (3)و اسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصابوني (4)، و أحمد بن الحسين البيهقي، قالوا جميعا: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ (5)قال: سمعت القاضي الامام أبا الحسن عليّ بن الحسن و أبا الحسين بن المظفر الحافظ (6)، يقولون: سمعنا أبا حامد محمد بن هارون

ص:132


1- 1) القريع: الغالب في المقارعة و المناضلة.
2- 2) في المصدر المطبوع: الحفرميدي، و في نسخة أخرى الحفرتيدي.
3- 3) ترجمه السمعاني في الأنساب ج 4/208 و [1]قال: أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد المقرىء العطّار: شيخ قرأ على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي و قرأ عليه الامام المقرىء أبو نصر محمد بن أحمد بن علي بن حامد الكركانجي و ذكره في كتابيه: «التذكرة» و «المعوّل» .
4- 4) اسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمان الصابوني النيسابوري المتوفى سنة (449) -الأنساب ج 3/506. [2]
5- 5) هو الحاكم صاحب «المستدرك» و قد تقدّم ذكره.
6- 6) أبو الحسين بن المظفّر: الحافظ محمّد بن المظفّر بن موسى البزّاز. البغدادي المتوفى سنة (379) ه-تاريخ بغداد ج 3/262. [3]

الحضرمي (1)، يقول: سمعت محمد بن منصور الطوسيّ (2)يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الفضائل، ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه (3).

5-محمد بن عمر الواقدي، قال: كان هارون الرشيد، يقعد للعلماء في يوم عرفة، فقعد ذات يوم و حضره الشافعي، و كان هاشميّا فقعد إلى جنبه، و حضر محمد بن الحسن، و أبو يوسف، فقعدا بين يديه، و غصّ المجلس بأهله: فيهم سبعون رجلا من أهل العلم، كلّ منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع، قال الواقدي: فدخلت في آخر الناس، فقال الرشيد: لما تأخّرت؟ فقلت: ما كان لا ضاعة حقّ و لكنّي شغلت بشغل عاقني عما أحببت، قال: فقربني حتى أجلسني بين يديه، و قد خاض الناس في كل فن من العلم.

فقال الرشيد للشافعي: يا ابن عمّ كم تروي في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: أربعمائة حديث و أكثر، فقال له: قل و لا تخف، قال: يبلغ خمسمائة و تزيد، ثمّ قال لمحمّد بن الحسن كم تروي يا كوفي من فضائله؟ قال: ألف حديث.

فأقبل على أبي يوسف، فقال: كم تروي أنت يا كوفي من فضائله؟ أخبرني و لا تخش، قال: يا أمير المؤمنين لو لا الخوف، لكانت روايتنا في فضائله أكثر من أن تحصى، قال: ممّ تخاف؟ قال: منك، و من عمّالك، و أصحابك، قال: أنت آمن فتكلّم و أخبرني كم فضيلة تروي فيه؟ فقال: خمسة عشر ألف خبر مسند و خمسة عشر ألف حديث مرسل.

قال الواقدي: فأقبل عليّ فقال: ما تعرف في ذلك أنت؟ فقلت مثل مقالة أبي يوسف، قال الرشيد: لكنّي أعرف له فضيلة رأيتها بعيني، و سمعتها

ص:133


1- 1) أبو حامد الحضرمي توفي سنة (321) -تاريخ بغداد ج 3/358. [1]
2- 2) محمد بن منصور: أبو جعفر العابد المتوفى سنة (254) -تهذيب التهذيب ج 9/472. [2]
3- 3) مناقب الخوارزمي:3-و أخرجه في البحار ج 40/124 [3]عن كشف الغمة ج 1/167. [4]

بأذني أجلّ من كلّ فضيلة تروونها أنتم، و إنّي لتائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي من أمر الطالبيّة و نسلهم.

فقلنا بأجمعنا: وفّق اللّه أمير المؤمنين، و أصلحه إن رأيت أن تخبرنا بما عندك؟ قال: نعم ولّيت عاملي يوسف بن الحجّاج بدمشق، و أمرته بالعدل في الرعيّة و الانصاف في القضيّة، فاستعمل ما أمرته، فرفع إليه أنّ الخطيب الذي يخطب بدمشق يشتم عليّا عليه السلام في كلّ يوم، و ينقصه، قال: فأحضره، و سأله عن ذلك، فأقرّ له بذلك، فقال له: و ما حملك على ما أنت عليه؟ قال: لأنّه قتل آبائي، و سبى الذراري، فلذلك الحقد له في قلبي، و لست أفارق على ما أنا عليه.

فقيده، و غلقه، و حبسه، و كتب إليّ بخبره، فأمرته أن يحمله على حالته من القيود، فلمّا مثل بين يدي، زبرته، و صحت به، و قلت: أنت الشاتم لعليّ بن أبي طالب عليهما السلام؟ فقال: نعم، قلت: ويلك قتل من قتل و سبى من سبى بأمر اللّه تعالى، و أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: ما أفارق ما أنا عليه و لا تطيب نفسي إلاّ به.

فدعوت بالسياط و العقابين، فأقمته بحضرتي ههنا، و ظهره إليّ فأمرت الجلاّد و جلده مائة سوط فأكثر الصياح و الغياث، فبال في مكانه فأمرت به، فنحى عن العقابين و أدخل ذلك البيت و أومى بيده إلى بيت في الايوان و أمرت أن يغلق الباب عليه، ففعل ذلك، و مضى النهار، و أقبل الليل، و لم أبرح من موضعي هذا، حتى صلّيت العتمة، ثمّ بقيت ساهرا أفكّر في قتله، و في عذابه، و بأيّ شيء أعذّبه؟ مرّة أقول أعذّبه على علاوته، و مرّة أقول أقطع أمعائه، و مرّة أفكّر في تفريقه، أو قتله بالسوط، و استمرّ الفكر في أمره، حتّى غلبتني عيني في آخر الليل، فإذا أنا بباب السماء قد انفتح، و إذا النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد هبط، و عليه خمس حلل.

ثمّ هبط عليّ عليه السلام، و عليه ثلاث حلل، ثمّ هبط الحسن عليه السلام، و عليه ثلاث حلل، ثمّ هبط الحسين عليه السلام و عليه حلتان.

ص:134

ثمّ نزل جبرئيل، و عليه حلّة واحدة، فإذا هو من أحسن الخلق في نهاية الوصف، و معه كأس فيه ماء، كأصفى ما يكون من الماء، و أحسنه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أعطني الكأس، فأعطاه، فنادى بأعلا صوته يا شيعة محمد و آله! و أجابوه من حاشيتي و غلماني و من أهل الدار، أربعون نفسا، أعرفهم كلّهم، و كان في داري أكثر من خمسمائة ألف إنسان فسقاهم من الماء، و صرفهم.

ثمّ قال: أين الدمشقي؟ فكان الباب قد انفتح، فأخرج إليه، فلمّا رآه عليّ عليه السلام قال: يا رسول اللّه هذا يظلمني، و يشتمني، و من غير سبب أوجب ذلك، فقال صلى اللّه عليه و آله: خلّه يا أبا الحسن ثمّ قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله على زنده بيده، و قال: أنت الشاتم عليّ بن أبي طالب؟ فقال:

نعم، قال: اللّهم امسخه، و امحقه، و انتقم منه، قال: فتحوّل، و أنا أراه كلبا، وردّ إلى البيت، كما كان، و صعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جبرئيل عليه السلام و عليّ عليه السلام و من كان معهم، فانتبهت فزعا، مذعورا، فدعوت الغلام، و أمرت بإخراجه إليّ فأخرج و هو كلب، فقلت له:

كيف رأيت عقوبة ربّك؟ فأومى برأسه كالمعتذر، و أمرت بردّه و ها هو ذا في البيت.

ثمّ نادى و أمر باخراجه، فأخرج و قد أخذ الغلام بأذنه، فإذا أذناه كآذان الناس و هو في صورة الكلب، فوقف بين أيدينا يلوك بلسانه و يحرّك شفتيه كالمعتذر.

قال الشافعيّ للرشيد: هذا مسخ، و لست آمن أن يحلّ العذاب به، فأمر بإخراجه عنّا، فأمر به فردّ به إلى البيت، فما كان بأسرع من أن سمعنا وحيه (1)و صيحته، فإذا صاعقة، قد سقطت على سطح البيت، فأحرقته و أحرقت البيت، فصار رمادا و عجّل بروحه إلى نار جهنّم.

ص:135


1- 1) الوحى (بفتح الواو و الحاء المهملة و الألف المقصورة) : الصوت.

قال الواقدي: فقلت للرشيد: يا أمير المؤمنين هذه معجزة وعظة و عظت بها فاتّق اللّه في ذريّة هذا الرجل، قال الرشيد: أنا تائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي و أحسنت توبتي (1).

6-و قد أنصف الشافعي: محمد بن ادريس، إذ قيل له: ما تقول: في عليّ؟ فقال: و ما ذا أقول في رجل أخفت أوليائه فضائله خوفا، و أخفت أعداؤه فضائله حسدا، و شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.

كتاب مردويه: قال نافع بن الأزرق لعبد اللّه بن عمر: إنّي أبغض عليّا، فقال له: أبغضك اللّه، أتبغض رجلا سابقة من سوابقه، خير من الدنيا و ما فيها؟ (2)

ص:136


1- 1) ثاقب المناقب:98 [1] مخطوط-و عنه مدينة المعاجز:139. و في سفينة البحار ج 2/367 [2] عن الحلية و مدينة المعاجز. [3]
2- 2) مناقب ابن شهر اشوب ج 2/3-و [4]عنه البحار ج 40/34. [5]

الباب السادس عشر

«في حديث الأعمش مع المنصور، و انّه كان يحفظ في فضائل أمير المؤمنين

عليه السلام عشرة آلاف فضيلة، و هو مذكور من طريق الفريقين»

1-فمن طرق الخاصّة: محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه في أماليه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطّان (1)، و عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق (2)، و محمد بن أحمد السناني (3)، و عبد اللّه بن محمد الصائغ (4)، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان (5)، قال: حدّثنا أبو محمد بكر بن عبد اللّه بن حبيب (6)، قال: حدثني عليّ بن محمد، قال: حدّثنا الفضل بن العباس، قال: حدّثنا عبد القدّوس الورّاق، قال: حدّثنا محمد بن كثير، عن الأعمش، و حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتّب (7)رضي اللّه عنه، قال:

ص:137


1- 1) أحمد بن الحسن القطان: يحتمل اتحاده مع أحمد بن الحسن بن علي بن عبد اللّه المعروف بأبي علي بن عبد ربّه، المذكور في المشيخة:7.
2- 2) علي بن أحمد بن موسى الدقاق يروي عنه كثيرا في كتبه.
3- 3) السناني: أبو عيسى محمد بن أحمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري المترجم في رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم.
4- 4) الصائغ: أبو القاسم عبد اللّه بن محمد روى عنه في الأمالي، و [1]العيون، و [2]الخصال، و كمال الدين. [3]
5- 5) أبو العبّاس القطّان: أحمد بن يحيى بن زكريا، روى عنه جماعة من شيوخ المصنّف كالدقاق، و السناني، و الورّاق، و الجوهري.
6- 6) أبو محمد: بكر بن عبد اللّه بن حبيب المزني يسكن الري، و أكثر المصنّف عن جماعة من شيوخه عن القطّان عنه، و ظاهره الاعتماد عليه.
7- 7) الحسين المكتّب: بن إبراهيم بن أحمد بن هشام، كان مقيما بقم و له كتاب الفرائض أجاد فيه،

حدّثنا أحمد بن يحيى القطان، قال: حدّثني بكر بن عبد اللّه بن حبيب، قال:

حدّثني عبد اللّه بن محمد بن باطويه، عن محمد بن كثير، عن الأعمش و حدّثنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي 1، فيما كتب إلينا من أصبهان، قال:

حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري 2سنة 286 قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي 3، قال: حدّثنا مندل بن عليّ العنزي 4، عن الأعمش، و حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ العدوي 5، قال: حدّثنا عليّ بن عيسى الكوفيّ 6، قال:

حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، و زاد بعضهم على بعض في اللفظ، و قال بعضهم: ما لم يقل بعض، و ساق الحديث بمندل بن العنزي، عن الأعمش، قال بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي. . الحديث 7.

2-و رواه من طريق العامّة أبو المؤيّد أخطب خوارزم موفّق بن أحمد، قال: أخبرنا الشيخ الامام برهان الدين أبو الحسين عليّ بن الحسين الغزنوي بمدينة السلام في داره، سلخ شهر ربيع الأوّل سنة أربع و أربعين و خمسمائة،

ص:138

أخبرنا الإمام أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي (1)أخبرنا أبو القاسم بن سعد الاسمعيلي، في شعبان سنة اثنتين و تسعين و أربعمائة، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي (2)الرجل الصالح، أخبرنا أبو أحمد عبد اللّه بن عدي بن عبد اللّه بن محمد الحافظ (3)، أخبرنا أبو عليّ الحسين بن عفير بن حمّاد بن زياد العطّار بمصر، أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل الكوفي التميمي (4)-حدّثني جرير بن عبد الحميد الضبّي (5)، حدّثني سليمان بن مهران الأعمش، قال: بينا أنا نائم في الليل إذ انتبهت بالحرس (6)على بابي، فقلت: من هذا؟ قال: رسول أبي جعفر أمير المؤمنين، و كان إذ ذاك خليفة، قال: فنهضت من نومي فزعا مرعوبا، فقلت للرسول:

ما وراك هل علمت لم بعث إليّ أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قال: لا أعلم، قال: فقمت متفكّرا لا أدري على ماذا أنزل الأمر؟ أفكّر بيني و بين نفسي إلى ماذا أصير إليه؟ و أقول: لم بعث إليّ في هذا الوقت و قد نامت العيون و غارت النجوم؟ ففكرت ساعة فقلت: إنّما بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام فإن أنا أخبرته فيه بالحقّ أمر بقتلي و صلبي، فأيست و اللّه من نفسي، و كتبت وصيتي و الرسل يزعجوني، و لبست كفني، و تحنّطت بحنوطي، و ودّعت أهلي و صبياني و نهضت إليه و ما أعقل، فلمّا دخلت عليه سلمت عليه السلام مخاف وجل، فأومأ إليّ أن اجلس، فجلست (7)، و عنده عمرو بن عبيد وزيره و كاتبه، فحمدت اللّه عزّ و جلّ إذ رأيت من رأيت عنده، فرجع إليّ ذهني (8)و أنا قائم. فسلّمت سلاما ثانيا

ص:139


1- 1) في المصدر المطبوع: ابو القاسم اسماعيل بن عمر بن أحمد بن أبي الأشعث.
2- 2) أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي الجرجاني المتوفى سنة (427) ه.
3- 3) أبو أحمد عبد اللّه بن عدي المعروف بابن قطّان الجرجاني المتوفى سنة (365) ه.
4- 4) أبو يعقوب يوسف بن عدي بن زريق الكوفي المتوفى سنة (232) ه.
5- 5) جرير بن عبد الحميد بن جرير الضبيّ الرازي المتوفى سنة (188) ه.
6- 6) في المصدر: انتبهت بالجرس (بالجيم) .
7- 7) في المصدر: فلمّا جلست رعبا فإذا عنده عمرو.
8- 8) في المصدر: فرجع إليّ عقلي و ذهني.

فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، ثم جلست فعلم أني قد رعبت (1)منه، فلم يقل لي شيئا، و كان أول كلمة قالها أن قال لي: يا سليمان، قلت: لبيّك يا أمير المؤمنين، قال: يا ابن مهران ادن منّي فدنوت منه، فشمّ منّي رائحة الحنوط، فقال: يا أعمش و اللّه لتصدقني أمرك و إلا صلبتك حيّا، فقلت: سلني يا أمير المؤمنين عمّا بدالك فأنا و اللّه (2)أصدقك، و لا أكذبك، فو اللّه لإن كان الكذب ينجيني، فإنّ الصدق لأنجى لي منه.

فقال لي: ويحك يا سليمان إنّي أجد منك رائحة الحنوط، فأخبرني عمّا حدّثتك به نفسك، و لم فعلت ذلك؟ فقلت: إنّي أخبرك يا أمير المؤمنين و أصدقك، لمّا أتاني رسلك في بعض الليل، فقالوا لي: أجب أمير المؤمنين، فقمت متفكّرا، خائفا وجلا، مرعوبا، فقلت بيني و بين نفسي: ما بعث إليّ أمير المؤمنين في هذه الساعة، و قد غارت النجوم، و نامت العيون، إلاّ ليسألني عن فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإن أنا أخبرته بالحقّ، أمر بقتلي أو بصلبي حيّا، فصلّيت ركعتين، و كتبت وصيّتي، و الرسل يزعجوني، و تحنّطت، و لبست كفني، و ودّعت أهلي، و صبياني (3)، و جئتك يا أمير المؤمنين سامعا، مطيعا آيسا من الحياة، خائفا، راجيا، أن يسعني عفوك.

قال: فلمّا سمع مقالتي علم أنّي صادق، و كان متكئا فاستوى جالسا، و قال: لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم. فلمّا سمعته قالها، سكن قلبي و ذهب عنّي بعض ما كنت أجد من رعبي، و ما كنت أخاف من سطوته عليّ، فقال الثانية: لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم، أسألك باللّه يا سليمان إلاّ أخبرتني كم من حديث ترويه في فضائل علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و صهر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و زوج حبيبته؟ قلت:

يسيرا، قال: كم؟ قلت: يسيرا يا أمير المؤمنين، قال: ويحك كم تحفظ؟ قلت: عشرة آلاف حديثا، أو ألف حديث، فلمّا قلت: أو ألف حديث

ص:140


1- 1) في المصدر: أني دهشت و رعبت.
2- 2) في المصدر: عن حاجتك و ما بدالك أصدّقك و لا أكذبك.
3- 3) في المصدر: و صبيتي.

استقلّها فقال: ويحك يا سليمان بل هي عشرة آلاف حديث كما قلت أوّلا، ثم قال: فجثا أبو جعفر على ركبتيه، و هو فرح مسرور (1)، لأحدّثنك (2)يا سليمان بحديثين في فضائل عليّ عليه السلام، فإن يكونا معا سمعت و وعيت فعرّفني و إن لم يكونا ممّا لم تسمع، فاسمع، و افهم، قلت: نعم، يا أمير المؤمنين فاخبرني قال: نعم، أنا أخبرك إنّي كنت (3)أيّاما و ليالي هاربا من بني مروان، و لا تسعني منهم دار و لا قرار، و لا بلد، أدور في البلدان، فكلمّا دخلت بلدا، خالفت أهل ذلك البلد فيما يحبّون، و أتقرّب إلى جميع الناس بفضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و كانوا يطعمونني، و يكسونني و يزودونني إذا خرجت من عندهم، من بلد إلى بلد، حتى قدمت إلى بلاد الشام (4)، و عليّ كساء لي خلق ما يواريني.

قال: فبينما أنا كذلك، إذ سمعت الأذان فدخلت المسجد، فإذا سجادة و متوضأ، فتوضأت للصلاة، و دخلت المسجد، فركعت ركعتين فيه، و أقمت الصلاة، فصلّيت معهم الظهر و العصر، و قلت في نفسي: إذا أتى الليل طلبت من القوم عشاء أتعشّى به ليلتي تلك (5).

فلمّا سلّم الشيخ من صلاة العصر جلس، و هو شيخ كبير. له وقار و سمت حسن و نعمة ظاهرة (6)إذ أقبل صبيّان، و هما أبيضان نبيلان، و لهما جمال و نور ساطع، عيناهما تتلألئان فدخلا المسجد، فسلّما فلمّا نظر إليهما إمام

ص:141


1- 1) في المصدر: فرحا و سرورا و كان جالسا.
2- 2) في المصدر: ثم قال: و اللّه يا سليمان لأحدّثك.
3- 3) في المصدر: إنّي مكثت.
4- 4) في المصدر: حتى قدمت بلاد الشام. و كانوا إذا أصبحوا لعنا في مساجدهم لأنّهم كلّهم خوارج و أصحاب معاوية.
5- 5) في المصدر: فدخلت مسجدا و في نفسي منهم شيء فأقيمت الصلاة فصلّيت الظهر و عليّ كساء خلق.
6- 6) في المصدر: فلمّا سلّم الامام اتّكأ على الحائط و أهل المسجد حضور فجلست فلم أر أحدا منهم يتكلّم توقيرا لامامهم.

المسجد، قال لهما: مرحبا بكما و بمن سميّتما على اسمهما (1)، قال: و كنت جالسا و إلى جنبي فتى شابّ، فقلت له: يا شابّ من هذان الصبيان؟ و من هذا الشيخ الامام؟ فقال: هو جدّهما، و ليس في هذه المدينة رجل يحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام غير هذا الشيخ، فقلت: اللّه أكبر و من أين علمت، قال: علمت أنّ من حبّه لعليّ عليه السلام، سمّى ولداه باسم ولدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمّى أحدهما الحسن، و الآخر الحسين (2).

قال: فقمت فرحا مسرورا، حتّى أتيت الشيخ، فقلت له: أيّها الشيخ أريد أحدّثك بحديث حسن، يقرّ اللّه به عينك، قال: نعم، ما أكره ذلك فحدّثني يرحمك اللّه و إن أقررت عيني، أقررت عينك (3).

فقلت: أخبرني والدي، عن أبيه، عن جدّه (4)، قال: كنّا ذات يوم جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إذ أقبلت فاطمة ابنته رضي اللّه عنها، فدخلت على أبيها، فقالت: يا أبت إنّ الحسن و الحسين، خرجا من عندي آنفا، و ما أدري أين هما؟ و قد طار عقلي و قلق فؤادي و قلّ صبري، ثمّ بكت و شهقت، حتّى علا بكاؤها، فلمّا رآها رحمها ورقّ لها، و قال لها: أتبكين يا فاطمة فوالّذي نفسي بيده، الذي خلقهما، هو ألطف بهما منك، و أرحم بصغرهما منك (5).

ص:142


1- 1) في المصدر: و إذا بصبيّين قد دخلا المسجد فلمّا نظر إليهما الامام قال: ادخلا مرحبا بكما و مرحبا بمن سمّيتكما باسمهما و اللّه ما سمّيتكما باسمهما إلا لحبّ محمد و آل محمد.
2- 2) في المصدر: فإذا أحدهما يقال له الحسن و الآخر يقال له الحسين، فقلت: فيما بيني و بين نفسي قد أصبت اليوم حاجتي و لا قوة إلاّ باللّه، و كان شابّ إلى يميني فسألته من هذا الشيخ و من هذان الصبيان؟ فقال: الشيخ جدّهما، و ليس في هذه المدينة أحد يحبّ عليّا غيره و لذلك سمّاهما حسنا و حسينا.
3- 3) في المصدر: فقمت فرحا و إنّي يومئذ لصارم لا أخاف الرجال، فدنوت من الشيخ فقلت: هل لك في حديث أقرّبه عينك؟ قال: ما أحوجني إلى ذلك، إن أقررت عيني أقررت عينك.
4- 4) في المصدر: فقلت: حدّثني أبي عن جدّي، عن أبيه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، قال: من والدك وجدك؟ قلت: محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس.
5- 5) في المصدر المطبوع: قالت: يا أبت إنّ الحسن و الحسين قد غدوا و ذهبا منذ اليوم و قد طلبتهما

قال: ثمّ قام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ساعته، و رفع يديه إلى السماء، و قال اللّهم إنّهما ولداي و قرة عيني و ثمرة فؤادي، و أنت أرحم بهما منّي، و أعلم بموضعهما يا لطيف بلطفك الخفيّ، أنت عالم الغيب و الشهادة، إن كانا أخذا برّا أو بحرا، فاحفظهما و سلّمهما حيث كانا و حيثما توجّها، قال: فلمّا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما استتمّ دعاؤه إلاّ و قد هبط جبرئيل عليه السلام من السماء، و معه عظماء الملائكة، و هم يؤمنّون على دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال له جبرئيل: يا حبيبي يا محمد لا تحزن و لا تغتمّ، و أبشر فإن ولديك فاضلان في الدنيا و الآخرة، و أبوهما خير منهما، و هما نائمان في حظيرة بني النجّار و قد وكّل اللّه بهما عزّ و جلّ ملكا يحفظهما، فلمّا قال له جبرئيل عليه السلام ذلك الكلام، سرى عينه (1).

ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو و أصحابه، و هو فرح مسرور حتّى أتوا حضيرة بني النّجار فإذا الحسن، و الحسين عليهما السلام نائمان، و هما متعانقان و إذا الملك الموكّل بهما قد وضع أحد جناحيه بالأرض، و وطأ به تحتهما يقيهما حرّ الأرض و الجناح الآخر قد جلّلهما به يقيهما حرّ الشمس (2).

ص:143


1- 1) في المصدر: فاغتم النبي صلى اللّه عليه و آله غمّا شديدا، و وقف على باب المسجد و هو يقول: بحقّ إبراهيم خليلك، و بحق آدم صفيّك إن كان قرّتا عيني و ثمرتا فؤادي أخذا برّا أو بحرا فاحفظهما و سلّمهما، قال: فإذا جبرئيل قد هبط فقال: يا رسول اللّه إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول لك: لا تحزن و لا تغتمّ، الصبيّان فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و هما في الجنّة، و قد وكلت بهما ملكا يحفظهما إذا ناما و إذا قاما.
2- 2) في المصدر: ففرح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فرحا شديدا، و مضى و جبرئيل عن يمينه و المسلمون حوله حتى دخل حظيرة بني النجار، فسلّم على الملك الموكّل بهما ثمّ جثى النبي صلى اللّه عليه و آله على ركبته و إذا الحسن معانق الحسين و هما نائمان، و ذلك الملك قد جعل جناحه

قال: فانكبّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقبّلهما واحدا بعد واحد، و يمسحهما بيده حتّى أيقظهما من نومهما، قال: فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن على عاتقه، و حمل جبرئيل الحسين على ريشة من جناحه الأيمن، حتى خرج بهما من الحظيرة و هو يقول: و اللّه لأشرّفكما كما شرّفكما اللّه في سمواته (1).

فبينما هو و جبرئيل عليه السلام يمشيان، إذ تمثل جبرئيل في صورة دحية الكلبي (2)فأقبل أبو بكر فقال له: يا رسول اللّه ناولني أحد الصبيّين أخفّف عنك و عن صاحبك و أنا أحفظه حتّى أؤدّيه إليك، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: جزاك اللّه خيرا يا أبا بكر عنهما، فنعم الحاملان نحن، و نعم الراكبان هما، و أبوهما خير منهما، فحملاهما و أبو بكر معهما حتى أتوا بهما إلى مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3).

فأقبل بلال، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا بلال هلمّ عليّ بالناس، فناد فيهم و اجمعهم لي في المسجد، فقام النبيّ صلى اللّه عليه و آله على قدميه خطيبا، ثمّ خطب الناس بخطبة بليغة، فحمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر نفسه، فنعاها، ثمّ قال: معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس بعدي جدا وجدة (4)؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين

ص:144


1- 1) في المصدر: فما زال النبي صلى اللّه عليه و آله يلثمهما حتى استيقظا فحمل النبي صلى اللّه عليه و آله الحسن و جبرئيل الحسين و خرج النبي صلى اللّه عليه و آله من الحظيرة.
2- 2) هذه الجملة ليست موجودة في المصدر المطبوع.
3- 3) في المصدر: قال ابن العباس: وجدنا الحسن عن يمين النبي صلى اللّه عليه و آله و الحسين عن يساره و هو يقبّلهما و يقول: من أحبّكما فقد أحبّ رسول اللّه و من أبغضكما فقد أبغض رسول اللّه فقال أبو بكر يا رسول اللّه أعطني أحدهما أحمله، فقال رسول اللّه: نعم الحمولة و نعم المطية تحتهما، فلمّا أن صار إلى باب الحظيرة لقيه عمر بن الخطاب فقال له مثل مقالة ابي بكر فرد عليه رسول اللّه كما ردّ على أبي بكر.
4- 4) في المصدر: فدخل النبي صلى اللّه عليه و آله المسجد فقال: لأشرفنّ اليوم ابني كما شرّفهما اللّه تعالى فقال: يا بلال عليّ بالناس فنادى فيهم فاجتمعوا فقال: معاشر أصحابي بلغوا عن محمد

فإن جدّهما محمد المصطفى، وجدتهما خديجة بنت خويلد، سيّدة نساء أهل الجنّة، و هي أوّل من سارعت إلى تصديق ما أنزل اللّه على نبيّه، و إلى الايمان باللّه و رسوله.

ثمّ قال: يا معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس أبا و أما؟ قالوا:

بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين، فإنّ أباهما (1)يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله، و أمّهما فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد شرّفهما اللّه في سمواته و أرضه.

ثمّ قال: معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس عمّا و عمّة؟ قالوا:

بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين، فإن عمّهما جعفر ذو الجناحين الطّيار مع الملائكة في الجنّة، و عمّتهما أم هاني بنت أبي طالب.

ثمّ قال: يا معاشر المسلمين هل أدلكم على خير الناس خالا و خالة؟ قالوا بلى يا رسول اللّه قال: عليكم بالحسن و الحسين، فإنّ خالهما القاسم (2)ابن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

ثمّ قال: اللّهمّ إنّك تعلم إنّ الحسن و الحسين في الجنّة، و جدّهما و جدّتهما في الجنة و أمهما في الجنّة، و أباهما في الجنة، و خالهما في الجنة، و خالتهما في الجنّة، و عمّهما في الجنّة، و عمّتهما في الجنّة، و من يحبّهما في الجنّة و من يبغضهما في النّار (3).

ص:145


1- 1) في المصدر: فإنّ أباهما عليّ يحب اللّه.
2- 2) في المصدر: فإن خالهما ابراهيم بن محمّد، و خالتهما زينب بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
3- 3) في المصدر: ثمّ قال: ألا يا معاشر الناس أعلمكم أنّ جدّهما في الجنّة، وجدّتهما في الجنّة، و أباهما في الجنّة، و أمّهما في الجنة، و خالهما في الجنة، و خالتهما في الجنّة، و هما في الجنّة، و من أحبّ ابني عليّ فهو معنا في الجنّة، و من أبغضهما فهو في النار، و إنّ من كرامتهما على اللّه أن سمّاهما في التوراة شبرا و شبيرا، اللهم إنّك تعلم أنّ الحسن و الحسين في الجنّة، وجدهما في الجنّة، وجدّتهما في الجنّة، و أباهما في الجنّة، و أمّهما في الجنّة، و عمّهما في الجنّة، و عمّتهما في الجنّة، و خالهما في الجنّة، و خالتهما في الجنّة، و من يحبّهما في الجنّة، و من يبغضهما في النّار.

قال: فلمّا قلت ذلك للشيخ، و فهم قولي، قال: أيّدك اللّه من أين أنت (1)؟ قلت: أنا من أهل الكوفة، قال: أعربيّ أنت أم مولى؟ قال:

قلت: بل عربيّ شريف، فقال لي: إنّك تحدّث بمثل هذا الحديث و أنت في هذا الكساء الرث؟ قلت: نعم، لي قصّة لا أحبّ أن أبديها لأحد، قال:

أبدها لي بأمانة، فقلت: أنا هارب من بني مروان على هذه الحال الذي ترى، لئلاّ أعرف، و لو غيّرت حالي لعرفت، و لو أردت أن أعرّف نفسي لفعلت، و لكنّي أخاف على نفسي القتل، فقال لي: لا خوف عليك و أقم عندي.

و كساني خلعتين خلعهما عليّ و حملني على بغلة (2)و ثمن البغلة في ذلك اليوم في تلك البلدة مائة دينار.

ثمّ قال: يا فتى أقررت عيني أقرّ اللّه عينك، فو اللّه لأرشدنّك إلى فتى يقرّ اللّه به عينك، قال: فقلت أرشدني رحمك اللّه، قال فأرشدني إلى باب دار، فأتيت الدار التي وصف لي و أنا راكب على البغلة، و عليّ الخلعتان، فقرعت الباب، و ناديت الخادم، فأذن لي بالدخول، فدخلت عليه، فإذا أنا بفتى قاعد على سرير منجد (3)، صبيح الوجه حسن الجسم، فسلّمت عليه (4)فردّ عليّ السلام بأحسن مردّ.

ثمّ أخذ بيدي مكرما حتّى أجلسني إلى جانبه (5)، قال لي: و اللّه يا فتى لأعرف هذه الكسوة التي خلعت عليك، و أعرف هذه البغلة، و واللّه ما كان أبو محمد، و كان اسمه الحسن، ليكسوك خلعتيه هاتين و يركبك على بغلته هذه، إلاّ إنّك تحبّ اللّه و رسوله و ذرّيته و جميع عترته.

فأحبّ رحمك اللّه أن تحدّثني بفضائل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،

ص:146


1- 1) في المصدر: قال: فلمّا سمع الشيخ الامام هذا منّي و فهم قولي قال لي: أنشدك اللّه تعالى من أنت؟
2- 2) في المصدر: على بغلته.
3- 3) المنجد: المرتفع.
4- 4) في المصدر: فسلّمت عليه بأحسن سلام.
5- 5) في المصدر: فلمّا نظر إليّ قال: و اللّه يا فتى.

فقلت له: نعم ما (1)تحبّ و الكرامة.

حدّثني والدي عن أبيه، عن جدّه قال: كنّا يوما عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قعودا (2)، إذ أقبلت فاطمة عليها السلام و قد حملت الحسن و الحسين على كتفيها، و هي تبكي بكاء شديدا، و تشهق في بكائها.

فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يبكيك يا فاطمة لا أبكى اللّه عينك (3)؟ قالت: يا أبت و كيف لا أبكي (4)و نساء قريش قد عيّرتني، و قلن لي: إنّ أباك قد زوّجك برجل (5)فقير معدم لا مال له.

فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تبكي يا فاطمة فو اللّه ما أنا زوّجتك (6)بل اللّه عزّ و جلّ زوّجك من فوق سبع سمواته، و شهد على ذلك جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل.

ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ فاختار من الخلائق عليّا، فزوّجك إيّاه، و اتّخذته وصيّا، و عليّ منّي و أنا منه، و عليّ أشجع الناس قلبا، و أعلم الناس علما، و أحلم الناس حلما، و أقدم الناس سلما (7).

و الحسن و الحسين ابناه، سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين،

ص:147


1- 1) في المصدر: فقلت له: نعم بالحبّ و الكرامة.
2- 2) في المصدر: كنّا يوما جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه و آله.
3- 3) في المصدر: لا أبكى اللّه عينيك.
4- 4) في المصدر: فقالت: يا رسول اللّه و مالي لا أبكي.
5- 5) في المصدر: من رجل معدم لا مال له.
6- 6) في المصدر: فو اللّه ما زوّجتك أنا.
7- 7) في المصدر: ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ اطّلع إلى أهل الأرض فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّا، ثمّ اطّلع إلى الأرض ثانية فاختار من الخلائق عليّا فزوّجك اللّه إيّاه، و اتّخذته وصيّا فعليّ منّي و أنا منه، فعليّ أشجع الناس قلبا، و أعلم الناس علما، و أحلم الناس حلما، و أقدم الناس سلما، و اسمحهم كفّا، و أحسنهم خلقا، يا فاطمة إنّي اخذ لواء الحمد و مفاتيح الجنّة بيدي ثمّ أدفعها إلى عليّ فيكون آدم و من ولده تحت لوائه، يا فاطمة إني مقيم غدا عليّا على حوضي يسقي من عرف من أمّتي.

و سمّاهم (1)اللّه في التوراة، على لسان موسى عليه السلام، شبرا و شبيرا، لكرامتهما على اللّه تعالى، يا فاطمة لا تبكي، فإنّي إذا دعيت غدا إلى ربّ العالمين، فيكون عليّ معي، و إذا بعثت غدا، بعث عليّ معي يا فاطمة لا تبكي فإنّ عليّا و شيعته غدا، هم الفائزون، يدخلون الجنّة (2).

قال: فلمّا قلت ذلك للفتى، قال: أنشدك اللّه و باللّه عزّ و جلّ من أنت؟ قال: قلت: أنا رجل من أهل الكوفة، فقال أعربيّ أم مولى؟ قال:

قلت: بل عربيّ شريف.

قال: فكساني ثلاثين ثوبا في تخت، و أعطاني عشرة آلاف درهم في كيس، ثمّ قال لي: أقررت عيني يا فتى أقر اللّه عينك و لم يسألني غير ذلك (3).

ص:148


1- 1) في المصدر: و قد سبق اسمهما في توراة موسى، و كان اسمهما في التوراة شبرا و شبيرا، سمّاهما الحسن و الحسين لكرامة محمّد على اللّه و لكرامتهما عليه يا فاطمة يكسى أبوك حلّتين من حلل الجنّة. و يكسى عليّ حلّتين من حلل الجنّة، و لواء الحمد في يدي، و أمّتي تحت لوائي، فانا و له عليّا لكرامة عليّ على اللّه، و ينادي مناد: يا محمد نعم الجدّ جدّك إبراهيم و نعم الأخ أخوك عليّ بن أبي طالب.
2- 2) في المصدر: و إذا دعاني ربّ العالمين دعا عليا معي، و إذا حبّيت حبي عليّ معي، و إذا شفعت شفع عليّ معي، و إذا أجبت أجيب عليّ معي، و إنّه في المقام المحمود معي عوني على مفاتيح الجنّة، قومي يا فاطمة إنّ عليّا و شيعته هم الفائزون غدا. قال: و بينا فاطمة جالسة إذ أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتى جلس إليها و قال: يا فاطمة لا تبكي و لا تحزني فلا بدّ من مفارقتك فاشتدّ بكائها، ثمّ قالت: يا أبت، أين ألقاك؟ قال: تلقينني تحت لواء الحمد أشفع لأمّتي، قالت: يا أبت فإن لم أجدك؟ قال: تلقينني على الصراط. و جبرئيل عن يميني و ميكائيل عن شمالي، و إسرافيل أخذ بحجزتي، الملائكة خلفي و أنا أنادي: يا ربّ أمّتي أمّتي، هوّن عليهم الحساب. ثمّ انظر يمينا و شمالا إلى أمّتي و كلّ نبيّ يومئذ مشتغل بنفسه يقول: يا ربّ نفسي نفسي. و أنا أقول: يا ربّ أمّتي أمّتي، و أوّل من يلحق بي من أمّتي أنت و عليّ و الحسن و الحسين، يقول الربّ: يا محمّد إنّ أمّتك لو أتوني بذنوب كأمثال الجبال لغفرت لهم ما لم يشركوا بي شيئا و لم يوالوا عدوّا لي.
3- 3) في المصدر: فلمّا سمع الشابّ هذا منّي أمر لي بعشرة آلاف درهم، و كساني ثلاثين ثوبا ثم قال لي: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: عربي أنت أم مولى؟ قلت: عربيّ، قال: فكما أقررت عيني أقررت عينك.

ثمّ قال لي إليك حاجة؟ فقلت له: تقضى إن شاء اللّه تعالى؟ فقال:

إذا أصبحت غدا، فأت مسجد بني فلان، حتى ترى أخي الشقي.

قال أبو جعفر: فو اللّه لقد طالت عليّ تلك اللّيلة، حتّى خشيت أن لا أصبح، حتّى أفارق الدنيا، قال: فلمّا أصبحت، أتيت المسجد الذي وصف لي و حضرت الصلاة، فقمت في الصفّ الأوّل لفضله، و إلى جانبي على يساري شابّ معتم بعمامة-فذهب ليركع، فسقطت عمامته من رأسه، فنظرت إليه فإذا رأسه رأس خنزير، و وجهه وجه خنزير (1).

قال أبو جعفر: فو الّذي أحلف به، ما علمت ما أنا فيه، و لا عقلت أنا في الصلاة أم في غير صلاة تعجّبا، و دهشت حتّى ما أدري ما أقول في صلاتي إلى أن فرغ الامام من التشهّد، فسلّم و سلّمت (2).

ثمّ قلت: ما هذا الذي أرى بك؟ فقال لي: لعلّك صاحب أخي الذي أرسلك إليّ لتراني؟ قال: قلت: نعم، فأخذ بيدي و أقامني و هو يبكي بكاء شديدا ثمّ شهق في مكانه حتّى كادت نفسه أن تزهق (3).

ثمّ أتى بي إلى منزله، فقال لي: انظر إلى هذين البيتين، فنظرت إليه،

ص:149


1- 1) في المصدر: ثم قال: إنّي غدا في مسجد بني فلان و إيّاك أن تخطىء الطريق فذهبت إلى الشيخ و هو جالس ينتظرني في المسجد فلمّا راني استقبلني و قال: ما فعل أبو فلان؟ قلت: كذا و كذا، قال: جزاه اللّه خيرا و جمع بيننا و بينه في الجنّة فلمّا أصبحت يا سليمان ركبت البغلة و أخذت الطريق، فلمّا صرت غير بعيد تشابه عليّ الطريق، و سمعت إقامة الصلاة في المسجد، فقلت: و اللّه لأصلينّ مع هؤلاء القوم، فنزلت عن البغلة و دخلت المسجد فوجدت رجلا قامته مثل قامة صاحبي، فصرت عن يمينه، فلمّا صرنا في الركوع و السجود فإذا عمامته قد رمى بها في خلفه، فتفرّست في وجهه فإذا وجهه وجه خنزير و هكذا رأسه و حلقه و يداه.
2- 2) في المصدر: فلم أعلم ما أصلّي و ما قلت في صلاتي متفكّرا في أمره و سلّم الامام.
3- 3) في المصدر: و تفرّس الرجل في وجهي و قال: أنت صاحب أخي بالأمس فأمر لك بكذا و كذا؟ قلت: نعم، فأخذ بيدي و أقامني فلمّا راني أهل المسجد تبعونا، فقال لغلامه: اغلق الباب و لا تدع أحدا يدخل علينا، ثم ضرب بيده إلى قميصه فنزعها و إذا جسده جسد خنزير فقلت: يا أخي ما هذا الّذي أرى بك؟

ثمّ قال: أدخل، فدخلت، ثمّ قال لي: انظر إلى الدن فنظرت إلى الدن فقال لي: اعلم يا أخي إنّي كنت أؤذّن و أؤمّ بالناس، و كنت ألعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بين الأذان و الاقامة ألف مرّة، و إنّه كان قد لعنته في يوم الجمعة، بين الأذان و الاقامة أربعة آلاف مرّة، و خرجت من المسجد و أتيت الدار، فاتّكأت على هذا الموضع الذي أريتك، فذهب بي النوم، فنمت، فرأيت في منامي كأنّي قد أقبلت باب الجنّة، و رأيت فيها قبّة من زمردة خضراء، قد زخرفت، و نجدت و نضدت بالاستبرق، و الديباج و إذا حول القبّة كرسيّ من لؤلؤة، و زبرجد و إذا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، متّكىء فيها، و إذا أبو بكر الصديق و عمر و عثمان، جلوس يتحدّثون فرحين مسرورين مستبشرين بعضهم ببعض (1).

ثم التفتّ فإذا أنا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أقبل و على يمينه الحسن عليه السلام، و معه كأس فضّة و عن يساره الحسين عليه السلام و في يده كأس فضّة، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين: اسقني فسقاه ثمّ شرب (2).

ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا حسين اسق الجماعة، فسقى أبا بكر و عمر و عثمان وسقا عليّا عليه السلام، و كأنّما قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للحسين: يا حسين اسق هذا المتكىء الذي على هذا الدكان، فقال الحسين

ص:150


1- 1) في المصدر المطبوع: قال: كنت مؤذّنا مع هؤلاء القوم، و كنت كل يوم إذا أصبحت ألعن عليا ألف مرّة بين الأذان و الاقامة، قال: فخرجت من المسجد و دخلت داري هذه يوم الجمعة و قد لعنته أربعة آلاف مرّة و لعنت أولاده فاتكأت على هذا الدكان و ذهب بي النوم فرأيت في منامي كأنّما أنا بالجنّة قد أقبلت فإذا عليّ فيها متكىء، و الحسن و الحسين معه، متكئون بعضهم على بعض تحتهم مصليّات من نور.
2- 2) في المصدر: و إذا أنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله جالسا و الحسن و الحسين قدّامه، و بيد الحسن إبريق و بيد الحسين كأس فقال النبيّ للحسين: اسقني فشرب، ثم قال: اسق أباك فشرب ثم قال للحسن: اسق الجماعة فشربوا. ثم قال: اسق هذا المتكىء على الدّكان، فولّى الحسن بوجهه عنّي و قال: يا أبت كيف أسقيه و هو يلعن أبي كل يوم ألف مرّة و قد لعنه اليوم أربعة آلاف مرّة؟ !

عليه السلام للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جدّاه أتأمرني أن أسقي هذا و هو يلعن والدي عليّا في كلّ يوم ألف مرّة؟ و قد لعنه في هذا اليوم، و هو يوم الجمعة أربعة آلاف مرّة.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ذلك لي كالمغضب: مالك تلعن عليّا عليه السلام؟ لعنك اللّه لعنك اللّه لعنك اللّه ثلاث مرات، ويحك أتشتم عليا و هو مني و أنا منه؟ عليك غضب اللّه عليك غضب اللّه عليك غضب اللّه حتى قالها ثلاثا و قال: غيّر اللّه ما بك من نعمة، و سوّد وجهك و خلقك حتى تكون عبرة لمن سواك، قال فانتبهت من نومي و إذا رأسي رأس خنزير و وجهي وجه خنزير على ما ترى (1).

فقال سليمان بن مهران:

فقال أبو جعفر: يا سليمان هذان الحديثان كانا في حفظك؟ قلت:

لا يا أمير المؤمنين فقال: هذان من ذخائر الحديث و جواهره ثم قال: ويحك يا سليمان حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق (2).

فقلت: الأمان الأمان يا أمير المؤمنين فقال: لك الأمان يا سليمان، قلت:

فما تقول في قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ قال: في النار أبعده اللّه، قلت: و كذلك من يقتل من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحدا فهو في النار.

فحرّك أمير المؤمنين أبو جعفر رأسه طويلا، ثم قال: ويحك يا سليمان الملك عقيم، ثم قالها ثلاث مرات، ثم قال: يا سليمان اخرج فحدّث الناس

ص:151


1- 1) في المصدر: فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: مالك لعنك اللّه، تلعن عليّا و تشتم أخي؟ مالك لعنك اللّه تشتم أولادي الحسن و الحسين؟ ! ثم بصق النبي صلّى اللّه عليه و آله و ملأ وجهي و جسدي، فلمّا انتبهت من منامي وجدت موضع البصاق الذي أصابني قد مسخ كما ترى و صرت آية للعالمين.
2- 2) في المصدر: ثم قال: يا سليمان أسمعت من فضائل علي عليه السلام أعجب من هذين الحديثين؟ يا سليمان حبّ علي إيمان و بغضه نفاق، لا يحبّ عليّا إلاّ مؤمن و لا يبغضه إلاّ كافر.

بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام بكلما شئت و لا تكتمنّ منه حرفا و السلام (1)(2).

ص:152


1- 1) في المصدر: فقلت: يا أمير المؤمنين لي الأمان؟ فقال: لك الأمان، فقلت: ما تقول فيمن يقتل هؤلاء؟ قال: في النّار، لا أشكّ في ذلك، قلت: فما تقول فيمن قتل أولادهم و أولاد أولادهم؟ قال: فنكس رأسه ثمّ قال: يا سليمان الملك عقيم، و لكن حدث عن فضائل علي ما شئت و الحسن و الحسين ابناه سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين و سمّاهما اللّه تعالى في التوراة على لسان موسى شبرا و شبيرا لكرامتهما على اللّه عزّ و جلّ.
2- 2) مناقب الخوارزمي:200-208-و أمالي الصدوق:353-و عنهما البحار 37/88 و عن بشارة المصطفى:170 و عن المناقب الفاخرة، و رواه الفتال في روضة الواعظين:120.

الباب السابع عشر

في تضاعف ثوابه عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة

1-بالاسناد، عن الامام أبي محمد العسكري عليه السلام، في تفسير قوله تعالى أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِشْتَرَوُا اَلضَّلالَةَ بِالْهُدى الآية (1)قال: قال العالم عليه السلام: أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِشْتَرَوُا اَلضَّلالَةَ : باعوا دين اللّه و اعتاضوا منه الكفر باللّه «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ» أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة، لأنّهم اشتروا النار و أصناف عقابها بالجنّة كانت معدّة لهم لو آمنوا «وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ» إلى الحقّ و الصواب، فلمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية، حضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوم، فقالوا: يا رسول اللّه سبحان الرزاق! ألم تر فلانا، كان يسير البضاعة، خفيف ذات اليد، خرج مع قوم يخدمهم في البحر، فرعوا له حقّ خدمته، و حملوه معهم إلى الصين، و عيّنوا يسيرا من مالهم، قسطوه على أنفسهم له، و جمعوه، فاشتروا له به بضاعة من هناك، فسلمت فربح الواحدة عشرة، فهو اليوم من مياسير أهل المدينة؟

و قال قوم آخرون بحضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألم تر فلانا كان حسنة حاله، كثيرة أمواله، جميلة أسبابه، خيراته وافرة (2)، و شمله مجتمع (3)، أبي إلاّ طلب الأموال الجمّة، فحمله الحرص على أن تهوّر، فركب

ص:153


1- 1) البقرة:16. [1]
2- 2) في البحار: [2] وافرة خيراته.
3- 3) في البحار: [3] مجتمعا شمله.

البحر في وقت هيجانه، و السفينة غير وثيقة، و الملاحون غير فارهين، إلى أن توسّط البحر، حتّى لعبت (1)سفينته ريح عاصف، فأزعجتها إلى الشاطىء، و فتقتها في ليل مظلم و ذهبت أمواله، و سلم بحشاشته فقيرا و قيرا ينظر إلى الدنيا حسرة؟ !

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ألا أخبركم بأحسن من الأوّل حالا، و بأسوأ من الثاني حالا؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا أحسن من الأوّل حالا فرجل اعتقد صدقا بمحمّد رسول اللّه و صدقا بإعظام عليّ أخي رسول اللّه و وليّه. و ثمرة قلبه و محض طاعته، فشكر له ربّه، و نبيّه، و وصيّ نبيه، فجمع اللّه له بذلك خير الدنيا و الآخرة، و رزقه لسانا لآلاء اللّه ذاكرا، و قلبا لنعمائه شاكرا، و بأحكامه راضيا، و على احتمال مكاره أعداء اللّه و أعداء محمد و آله نفسه موطّنا، لا جرم أنّ اللّه عزّ و جلّ سمّاه عظيما في ملكوت أرضه و سمواته، و حباه برضوانه و كراماته، فكانت تجارة هذا أربح، و غنيمته أكثر و أعظم.

و أمّا أسوأ حالا من الثاني فرجل أعطى أخا محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيعته و أظهر له موافقته، و موالاة أوليائه، و معاداة أعدائه، ثم نكث بعد ذلك و خالف و والى عليه أعدائه، فختم له بسوء أعماله، فصار إلى عذاب لا يبيد و لا ينفد، قد خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين.

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: معاشر عباد اللّه عليكم بخدمة من أكرمه اللّه بالارتضاء و حباه بالاصطفاء، و جعله أفضل أهل الأرض و السماء بعد محمد سيد الأمناء (2)علي بن أبي طالب عليه السلام و بموالاة أوليائه و معاداة أعدائه، و قضاء حقوق إخوانكم الذين هم في موالاته و معاداة أعدائه شركائكم فإنّ رعاية عليّ صلوات اللّه عليه أحسن من رعاية هؤلاء التجار

ص:154


1- 1) في البحار: [1] فلعبت بسفينته.
2- 2) في البحار: [2] سيّد الأنبياء.

الخارجين بصاحبكم الذي ذكرتموه إلى الصين الذي عرضوه للغنى، و أعانوه بالثراء.

أما إنّ من شيعة علي عليه السلام لمن يأتي يوم القيامة و قد وضع اللّه (1)له في كفه سيئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي و البحار التيارة، يقول الخلايق: هلك هذا العبد، فلا يشكّون أنه من الهالكين و في عذاب اللّه من الخالدين.

فيأتيه النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ: يا أيها العبد الخاطىء (2)هذه الذنوب الموبقات، فهل بازائها حسنات تكافئها و تدخل جنة اللّه برحمته أو تزيد عليها فتدخلها بوعد اللّه؟ فيقول العبد: لا أدري، فيقول منادي ربنا عزّ و جلّ: إنّ ربي تعالى يقول: ناد في عرصات القيامة ألا أنّي فلان بن فلان من أهل بلد كذا و كذا و قرية كذا و كذا قد رهنت بسيأتي (3)كأمثال الجبال و البحار و لا حسنات بازائها (4)فأيّ أهل هذا المحشر كان لي عنده يد أو عارفة: فليغثني بمجازاتي عنها، فهذا أوان شدة حاجتي إليها.

فينادي الرجل بذلك، فأوّل من يجيبه عليّ بن أبي طالب عليه السلام:

لبيك لبيك لبّيك أيها الممتحن في محبتي المظلوم بعداوتي.

ثم يأتي هو و من معه عدد كثير و جمّ غفير و إن كانوا أقلّ عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد: يا أمير المؤمنين نحن اخوانه المؤمنون كان بنا بارّا و لنا مكرما، و في معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا، و قد نزلنا له عن جميع طاعتنا (5)و بذلناها له.

فيقول عليّ عليه السلام: فبماذا تدخلون جنة ربكم؟ فيقولون: برحمته

ص:155


1- 1) في البحار: و [1]قد وضع له.
2- 2) في البحار: [2] الخاطىء الجاني.
3- 3) في البحار: [3] بسيّأت.
4- 4) في البحار: و [4]لا حسنة لي بازائها.
5- 5) في البحار: [5] طاعاتنا.

الواسعة التي لا يعدمها من والاك و والى آلك يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيأتي النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هؤلاء اخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له؟ فإنّي أنا الحكم، ما بيني و بينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك، و ما بينه و بين عبادي من الظلامات فلا بد من فصل الحكم بينه و بينهم (1).

فيقول عليّ عليه السلام: يا رب أفعل ما تأمرني، فيقول اللّه عزّ و جلّ:

يا علي اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله، فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك، و يقول لهم: اقترحوا عليّ ما شئتم أعطكموه (2)عوضا من ظلاماتكم قبله، فيقولون: يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمد صلى اللّه عليه و آله فيقول علي عليه السلام قد وهبت ذلك لكم.

فيقول اللّه عزّ و جلّ: فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي عليه السلام فداء لصاحبه من ظلاماتكم (3)و يظهر لكم (4)ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها و خيراتها، فيكون ذلك ما يرضي اللّه عزّ و جلّ به خصمائه المؤمنين (5).

ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات و المنازل ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

يقولون: يا ربنا هل بقي من جنّاتك (6)شيء إذا كان هذا كله لنا فأين يحلّ ساير عبادك المؤمنين و الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين؟ و يخيّل إليهم

ص:156


1- 1) في البحار: [1] فلا بدّ من فصلي بينه و بينهم.
2- 2) في البحار: [2] اعطكم.
3- 3) الظلامة (بفتح الظاء) ما احتمل الانسان من الظلم، و ما أخذ منه ظلما.
4- 4) في البحار: و [3]يظهر لهم.
5- 5) في البحار: [4] خصماء أولئك المؤمنين.
6- 6) في البحار: من جنانك.

عند ذلك أنّ الجنة بأسرها قد جعلت لهم.

فيأتي النداء من قبل اللّه عزّ و جلّ: يا عبادي هذا ثواب نفس من أنفاس علي بن أبي طالب عليه السلام الذي اقترحتموه (1)عليه قد جعله لكم فخذوه و انظروا فيصيرون هم و هذا المؤمن الذي عوضهم عليّ عنه إلى تلك الجنان (2).

ثم يرون ماذا يضيفه اللّه عزّ و جلّ إلى ممالك عليّ عليه السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه الموالي له ممّا يشاء (3)من الأضعاف التي لا يعرفها غيره.

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ اَلزَّقُّومِ (4)، المعدّة لمخالفة (5)أخي و وصيّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام (6).

2-و روى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في كفّة (7)و وضع عملك يوم أحد في (8)كفّة أخرى لرجح عملك على جميع (9)الخلايق، و اللّه تعالى باهى بك يوم أحد ملائكته المقربين، و رفع الحجاب (10)من السماء،

ص:157


1- 1) اقترحه عليه كذا: اشتهى أن يصنعه له.
2- 2) في البحار: [1] عوّضهم عليّ عليه السلام في تلك الجنان.
3- 3) في البحار: [2] ممّا شاء.
4- 4) الصافات:62. [3]
5- 5) في البحار: المعدّة لمخالفي.
6- 6) تفسير الامام العسكري عليه السلام:125 ح 64-و [4]عنه البحار 8/59 ح 82 و ج 68/106 ح 20-و [5]البرهان ج 1/64 ح 1، [6] تأويل الآيات 1/90 ح 78.
7- 7) في ينابيع المودة: [7] في كفّة ميزان.
8- 8) في ينابيع المودة: [8] على كفّة أخرى.
9- 9) في ينابيع المودة: [9] على جميع ما عمل الخلائق.
10- 10) في ينابيع المودة: و [10]رفع الحجب من السماوات السبع.

و أشرقت بك (1)الجنة و ما فيها، و ابتهج بفعلك العالمون (2)، و إن اللّه تعالى يعوّضك بذلك اليوم ما يغبطك (3)به كلّ نبي و رسول و صديق و شهيد (4).

3-و روى ذلك أيضا في يوم الخندق الذي فضّل النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه ضربة أمير المؤمنين عليه السلام على جميع أعمال الثقلين إلى يوم القيامة (5).

4-ابن شهر اشوب عن أبي يوسف يعقوب بن سفيان، و أبو عبيد القاسم بن سلاّم في تفسيرهما عن الأعمش، عن مسلم بن البطين، عن أبي جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (6)أي لتقعدنّ ليلة المعراج من سماء إلى سماء.

ثم قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا كانت ليلة المعراج كنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى فقال لي ربي: يا محمّد السّلام عليك مني، اقرأ مني عليّ بن أبي طالب السلام و قل له فإني أحبّه و أحبّ من يحبّه يا محمّد من حبّي لعلي بن أبي طالب اشتققت له اسما من اسمي فأنا العلي العظيم و هو علي، و أنا المحمود و أنت محمّد، يا محمّد لو عبدني عبد ألف سنة إلاّ خمسين عاما، قال ذلك أربع مرات: لقيني يوم القيامة و له عندي حسنة واحدة من حسنات علي بن أبي طالب عليه السلام قال اللّه تعالى: فَما لَهُمْ يعني المنافقين لا يُؤْمِنُونَ يعني لا يصدّقون بهذه الفضيلة لعلي بن أبي طالب عليه السلام (7).

5-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» عن ربيعة السعدي (8)قال أتيت

ص:158


1- 1) في ينابيع المودة: [1] إليك.
2- 2) في ينابيع المودة: ربّ العالمين.
3- 3) في ينابيع المودة: ما يغبط كل نبيّ. . .
4- 4) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي نقلا عن ابن المغازلي:64 ط اسلامبول.
5- 5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4/462-و [2]عنه البحار ج 39/3. [3]
6- 6) الانشقاق:19. [4]
7- 7) تفسير البرهان ج 4/444. [5]
8- 8) ربيعة السعدي: بن مالك بن ربيعة شاعر فحل من مخضرمي الجاهليّة و الاسلام، عمّر عمرا طويلا و مات في خلافة عمر أو عثمان.

حذيفة بن اليمان (1)فقلت له: يا أبا عبد اللّه إنا لنتحدث (2)عن عليّ عليه السلام و مناقبه فيقول أهل البصرة (3): إنّكم لتفرطون في عليّ (4)فهل أنت محدّثي بحديث (5)فيه؟ فقال حذيفة: يا ربيعة و ما تسألني (6)عن علي؟ و الذي نفسي (7)بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب (8)محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كفّة الميزان منذ بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و آله إلى يوم (9)القيامة، و وضع عمل (10)علي عليه السلام في الكفة الأخرى لرجح عمل عليّ عليه السلام على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة: هذا الذي (11)لا يقام له و لا يقعد، فقال حذيفة: يا لكع و كيف لا يحمل؟ و أين كان أبو بكر و عمر و حذيفة و جميع أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله يوم عمرو بن عبدود و قد دعا إلى المبارزة فأحجم (12)الناس كلهم ما خلا عليا عليه السلام فإنّه برز إليه فقتله اللّه على يده، و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل (13)أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى يوم القيامة (14).

ص:159


1- 1) حذيفة بن اليمان: أبو عبد اللّه الصحابي كان صاحب سرّ النبي (ص) توفي بالمدائن سنة (36) .
2- 2) في شرح النهج و [1]البحار نقلا عنه: [2] إنّ الناس يتحدّثون عن علي بن أبي طالب و مناقبه.
3- 3) في شرح النهج و [3]البحار: [4] فيقول لهم أهل البصيرة.
4- 4) في شرح النهج و [5]البحار: [6] إنّكم لتفرطون في تفريظ هذا الرجل.
5- 5) في شرح النهج و [7]البحار: [8] فهل أنت محدّثي بحديث عنه اذكره للناس؟
6- 6) في شرح النهج و [9]البحار: و [10]ما الذي تسألني عن عليّ، و ما الذي أحدّثك عنه؟ !
7- 7) في شرح النهج و [11]البحار: و [12]الذي نفس حذيفة بيده.
8- 8) في شرح النهج و [13]البحار: [14] لو وضع جميع أعمال أمّة محمد صلى اللّه عليه و آله.
9- 9) في شرح النهج و [15]البحار: [16] إلى يوم الناس هذا.
10- 10) في شرح النهج و [17]البحار: و [18]وضع عمل واحد من أعمال علي عليه السلام.
11- 11) في شرح النهج و [19]البحار: [20] هذا المدح الذي لا يقام له و لا يعقد و لا يحمل، إني لأظنّه إسرافا.
12- 12) في شرح النهج و [21]البحار: و [22]أين كان المسلمون يوم الخندق و قد عبر إليهم عمرو و أصحابه.
13- 13) في شرح النهج و [23]البحار: [24] أعظم أجرا من أعمال أمّة محمد صلى اللّه عليه و آله.
14- 14) كشف الغمة ج 1/205-و [25]رواه في إرشاد القلوب:245-و [26]أخرجه في البحار ج 39/3 [27] عن

6-و من طريق المخالفين أو المؤيّد الموفق بن أحمد قال: أخبرنا الامام الحافظ أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن الباقرجي، أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الجويني (1)قال: قرأت على أبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي، أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان السعدي قال: حدثنا لؤلؤ القصري (2)أخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن خضر الصوفي، حدثنا أبو عبد اللّه الحسين بن حسن بن شدّاد، أخبرنا محمّد بن سنان الحنطي 3، أخبرنا اسحاق بن بشر القرشي، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال يوم الخندق: لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن عبدود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة 4.

7-قال الحسن بن أبي الحسن الديلمي: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لمبارزة عليّ عليه السلام لعمرو بن عبدود العامري كانت اثنتين و سبعين مبارزة، فإذا فكّر العاقل أنّ قسما واحدا من أصل اثنتين و سبعين قسما من أصل خمسة أقسام، و هي العبادات الخمس من أصل قسمين. و هي العلم و العمل، لأنّ العلم أيضا عمل نفساني أفضل من عمل الأمّة إلى يوم القيامة:

عرف من ذلك أنّه مجهول القدر، فإذا كان أعبد الناس كان أفضلهم فتعيّن أنّه يكون هو الامام بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 5.

8-و من كتاب «فضائل الصحابة» لأبي المظفر السمعاني، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ لعلي عليه السلام من الثواب ما لو قسم على أهل الأرض لوسعهم.

ص:160


1- 1) في المصدر: محمد بن محمد الجوني.
2- 2) في المصدر: لؤلؤ القيصري.

الباب الثامن عشر

في قوته عليه السلام

1-البرسي روي أنّ في يوم خيبر لمّا جائت صفية إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و كانت من أحسن الناس وجها، فراى في وجهها شجّة، فقال: ما هذه و أنت ابنة الملوك؟ فقالت: إنّ عليا عليه السلام لمّا قدم (1)الحصن هزّ الباب فاهتز الحصن، و سقط من كان عليه من النّظارة (2)و ارتجف بي السرير، فسقطت لوجهي فشجّني جانب السرير، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا صفية إنّ عليا عليه السلام عظيم عند اللّه، و إنّه لمّا هزّ الباب اهتزّ الحصن، فاهتزّت السموات السبع و الأرضون السبع، و اهتزّ عرش الرحمن غضبا لعلي عليه السلام.

و في ذلك اليوم لمّا سأله عمر فقال: يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا (3)و أنت ثلاثة أيّام خميصا، فهل قلعتها بقوة بشرية؟ فقال عليه السلام: ما قلعتها بقوة بشريّة، و لكن قلعتها بقوة إلهيّة و نفس بقضاء (4)ربها مطمئنة مرضية.

و في ذلك اليوم لمّا شطّر مرحب شطرين، و ألقاه مجدّلا جاء جبرئيل من السماء

ص:161


1- 1) في البحار: [1] لمّا قدم إلى الحصن.
2- 2) النظّارة: القوم الذين يقعدون في مرتفع الأرض ينظرون القتال.
3- 3) المنيع: الحصن الذي يتعذّر الوصول إليه.
4- 4) في البحار: و [2]نفس بلقاء ربّها مطمئنّة رضيّة.

متعجّبا، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ممّ تتعجب؟ فقال: إنّ الملائكة تنادي في مواضع (1)جوامع السموات:

لا فتى إلا عليّ لا سيف إلا ذو الفقار

و أمّا إعجابي فإنّي لما أمرني (2)ربّي أن أدمّر قوم لوط حملت مدائنهم، و هي سبع مدائن، من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا على ريشة من جناحي، و رفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكتهم، و بكاء أطفالهم و وقفت بها إلى الصبح انتظر الأمر و لم أنتقل بها، و اليوم لمّا ضرب عليّ عليه السلام ضربته الهاشمية، و كبّر أمرت أن أقبض فاضل سيفه، حتى لا يشقّ الأرض، و يصل إلى الثور الحامل لها فيشطره شطرين فتنقلب الأرض بأهلها، فكان فاضل سيفه عليّ أثقل من مداين لوط، هذا و اسرافيل، و ميكائيل قد قبضا عضده في الهواء (3).

2-تفسير أبي محمد العسكري عليه السلام عن أبيه عليّ بن محمد عليهما السلام قال: إنّ رجلا من ثقيف كان أطبّ الناس يقال له:

الحارث بن كلدة الثقفي، جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:

يا محمّد جئت أداويك من جنونك، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا على يدي.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا حارث أنت تفعل أفعال المجانين و تنسبني إلى الجنون؟ ! فقال الحارث: و ماذا فعلته من أفعال المجانين؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نسبتك إيّاي إلى الجنون من غير محنة (4)منك و لا تجربة و لا نظر في صدقي أو كذبي، فقال الحارث: أو ليس قد عرفت كذبك و جنونك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

ص:162


1- 1) في البحار: [1] تنادي في صوامع جوامع السماوات.
2- 2) في البحار: [2] فإنّي لمّا أمرت أن أدمّر.
3- 3) مشارق الأنوار:110-و عنه البحار ج 21/40 ح 37. [3]
4- 4) المحنة: الاختبار و الامتحان.

و قولك: لا تقدر لها فعل (1)المجانين.

فقال الحارث: صدقت أنا أمتحن أمرك بآية أطالبك بها: إن كنت نبيّا فادع تلك الشجرة (2)العظيمة البعيدة عنقها (3)، فإن أتتك علمت أنّك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و شهدت لك بذلك، و إلاّ فأنت ذلك المجنون الذي قيل لي.

فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يديه (4)إلى تلك الشجرة و أشار إليها أن تعالي، فانقلعت الشجرة بأصولها و عروقها، و جعلت تخدّ في الأرض أخدودا (5)عظيما كالنهر حتى دنت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وقفت بين يديه، و نادت بصوت فصيح: ها أنا ذا يا رسول اللّه ما تأمرني؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لها: دعوتك لتشهدي لي بالنبوّة بعد شهادتك للّه بالتوحيد.

ثم تشهدي بعد ذلك لعليّ عليه السلام هذا بالامامة و أنّه سندي و ظهري و عضدي و فخري و لولاه ما خلق اللّه شيئا مما خلق.

فنادت أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّك (6)عبده و رسوله، أرسلك بالحق بشيرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه باذنه و سراجا منيرا، و أشهد أنّ عليا ابن عمّك، و هو أخوك في دينك، أوفر خلق اللّه من الدين حظّا، و أجز لهم من الاسلام نصيبا، و أنّه سندك، و ظهرك، قامع أعدائك، ناصر أوليائك، باب علومك، و أمينك (7)و أشهد أنّ أوليائك الذين يوالونه،

ص:163


1- 1) في المصدر: أفعال المجانين-و في البحار: [1] فعل المجانين، لأنّك لم تقل: لم قلت كذا؟ و لا طالبتني بحجّة فعجزت عنها.
2- 2) في البحار: [2] فادع تلك الشجرة-يشير بشجرة عظيمة بعيدة عمقها.
3- 3) العنق من النبات: ما بين الساق و الجذر.
4- 4) في البحار: [3] يده.
5- 5) خدّ الأرض: شقّها، و الأخدود: الحفرة المستطيلة.
6- 6) في البحار: و [4]أشهد أنك يا محمد عبده و رسوله.
7- 7) في البحار: [5] في أمّتك.

و يعادون أعدائه حشو الجنة، و أنّ أعداءك الذين يوالون أعداءه، و يعادون أوليائه حشو النار.

فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الحارث بن كلدة و قال:

يا حارث أو مجنون (1)من هذا حاله و آياته؟ ! فقال الحارث بن كلدة: لا و اللّه يا رسول اللّه، و لكنّي أشهد أنّك رسول ربّ العالمين، و سيد الخلق أجمعين، و حسن إسلامه (2).

3-قال عليّ بن الحسين عليه السلام: و لأمير المؤمنين عليه السلام نظيرها: كان عليه السلام قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة و الطب، فقال له: يا أبا الحسن بلغني خبر صاحبك و أنّ به جنونا فجئت لأعاجله؟ فلحقته قد مضى لسبيله، وفاتني ما أردت من ذلك.

و قد قيل لي إنّك ابن عمّه و صهره، و أرى اصفرارا (3)قد علاك، و ساقين دقيقين ما أراهما يقلاّنك (4)، فأمّا الصفار فعندي دواؤه، و أمّا الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، و الوجه أن ترفق بهما و بنفسك في المشي تقلّله و لا تكثره، و فيما تحمله على ظهرك و تحضنه (5)بصدرك أن تقلّلهما و لا تكثرهما، فإنّ ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل الثقيل انقصافهما (6).

و أمّا الصفار فدواؤك عندي، و هو هذا، و أخرج دواء، و قال: هذا لا يؤذيك و لا يخيسك (7)و لكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا، ثم يزيل صفارك.

ص:164


1- 1) في البحار: [1] أو مجنونا يعدّ من هذه آياته.
2- 2) تفسير الامام عليه السلام:168 ح 83-و عنه البحار ج 17/316. [2]
3- 3) في البحار: [3] أرى بك صفارا.
4- 4) قلّ الشيء: حمله.
5- 5) تحضنه: تضمّه إلى صدرك.
6- 6) الانقصاف: الانكسار.
7- 7) و لا يخيسك: و لا يحبسك.

فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري فهل تعرف شيئا يزيد منه صفاري (1)فقال الرجل: بلى حبّة من هذا، و أشار إلى دواء معه، و قال: إن تناوله الإنسان و به صفار أماته من ساعته، و إن كان لا صفار فيه صار به صفرة (2)حتى يموت في يومه.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: فأرني هذا الضارّ، فأعطاه إياه، فقال له: كم قدر هذا؟ فقال: قدر مثقالين سمّ ناقع، قدر حبّة منه يقتل رجلا، فتناوله عليّ عليه السلام فقمحه و عرق عرقا خفيفا، و جعل الرجل يرتعد و يقول في نفسه: الآن أوخذ بابن أبي طالب عليه السلام و يقال: قتله و لا يقبل مني قولي: إنّه هو الجاني على نفسه.

فتبسّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قال: يا عبد اللّه اصحّ ما كنت بدنا الآن، لم يضرّني ما زعمت أنّه سمّ، فغمّض عينيك فغمض، ثمّ قال:

افتح عينيك، ففتح و نظر إلى وجه عليّ عليه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب بحمرة فارتعد الرجل ممّا رآه، و تبسّم عليّ عليه السلام و قال: أين الصفار الذي زعمت أنّه بي؟ فقال: و اللّه كأنّك لست من رأيت، قبل كنت مصفارا فأنت الآن مورّد، قال عليّ عليه السلام: فزال عنّي الصفار بسمّك الذي تزعمه أنّه قاتلي.

و أمّا ساقاي هاتان، و مدّ رجليه و كشف عن ساقيه، فإنّك زعمت أنّي أحتاج أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، و أنا أدلّك على أنّ طبّ اللّه عزّ و جلّ خلاف طبّك، و ضرب بيده إلى أستوانة خشب عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، و فوقه حجرتان أحدهما فوق الأخرى، و حرّكها و احتملها فارتفع السطح و الحيطان و فوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني، فقال علي عليه السلام: صبّوا عليه الماء فأفاق، و هو يقول: و اللّه ما رأيت كاليوم عجبا، فقال له عليّ عليه السلام: هذه قوّة الساقين الدقيقين

ص:165


1- 1) في البحار: [1] فهل عرفت شيئا يزيد فيه و يضرّه.
2- 2) في البحار: [2] صار به صفار.

و احتمالها في ظنك هذا يا يوناني.

فقال اليوناني: أمثلك كان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال عليّ عليه السلام: و هل علمي إلاّ من علمه؟ و عقلي إلاّ من عقله؟ و قوّتي إلاّ من قوّته؟ لقد أتاه ثقفي (1).

و ساق الحديث بطوله معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام، و الحديث بتمامه مذكور في كتاب «مدينة المعاجز» .

ص:166


1- 1) تفسير الامام عليه السلام:170 ح 84-و عنه البحار [1]ج 10/70 ح 1 و ج 42/45 ح 18-و عن الاحتجاج ج 1/235-و [2]ذكر المؤلف الحديث في مدينة المعاجز:58. [3]

الباب التاسع عشر

في شجاعته و قوته عليه السلام

1-الشيخ البرسي في كتابه قال: روى صاحب كتاب «المقامات» مرفوعا إلى ابن عباس، قال: رأيت عليا يوما في سكك المدينة يسلك طريقا لم يكن له منفذ، فجئت فأعلمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: إنّ عليا عليه السلام علم الهدى، و الهدى طريقه، قال: فمضى على ذلك ثلاثة أيام، فلمّا كان في اليوم الرابع أمرنا أن ننطلق في طلبه.

قال ابن عباس: فذهبت في الدرب الذي رأيته فيه، و إذا بياض درعه في ضوء الشمس، قال: فأتيت فأعلمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقدومه، فقام إليه، فلاقاه و اعتنقه و حلّ عنه الدرع بيده، و جعل يتفقد جسده.

فقال عمر: كأنّك يا رسول اللّه تتوهّم أنّه كان في الحرب، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عمر بن الخطاب و اللّه لقد ولي أربعين ألف ملك، و قتل أربعين ألف عفريت و أسلم على يده أربعون ألف عفريت و أسلم على يده أربعون ألف قبيلة من الجن، و انّ الشجاعة عشرة أجزاء، تسعة منها في عليّ عليه السلام، و واحد منها في سائر الناس.

و الفضل و الشرف عشرة أجزاء، تسعة منها في عليّ عليه السلام، و واحد في سائر الناس، و إنّ عليا منّي بمنزلة الذراع من اليد، و زرّي في قميصي،

ص:167

و يدي التي أصول بها، و سيفي الذي أجالد به الأعداء، و انّ المحبّ له مؤمن، و المخالف له كافر، و المقتفي لأثره لا حق (1).

2-كتاب «المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة» عن جرير بن عبد اللّه (2)، قال: صلّيت مع عمر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا فرغنا أخذ بيدي نحو منزله لأمر أراده، فاجتزنا بعليّ عليه السلام و هو ببابه، و بين يديه بعيران مناخان و معه مولى له يقال له نباح، متأهّب للسفر، و أمير المؤمنين عليه السلام يقول له: نباح سر على بركات اللّه و حسن توفيقه، زوّدك اللّه التقوى، و رزقك اللّه خير الآخرة و الدنيا، بعيران هذان أوصيك فيهما خيرا توخ بهما السهول، و تنكّب بهما الحزون، و اسقهما الماء عند الماء، و انزل عنهما عند الغايات، و لا تتخّذ ظهورهما مجلسا و لا متحدّثا، و لا تضربهما و أنت تجد السبيل إلى التراضي عنهما.

قال جرير: فالتفتّ إلى عمر و قلت: تسمع وصية عليّ عليه السلام لعبده، و حسن سيرته مع الخلق؟ فقال لي: ويحك يا جرير أو ليس هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام معدن الحكم، و مقرّ الكرم، و مجمع الايمان؟ أما و اللّه لو لا حداثة سنّه و خصال أورثته عجبا ما كان للخلافة غيره.

فقلت: يا عمر أمّا الحداثة فقد عرفتها، و أمّا الخصال الّتي اجتمعن فيه و أورثته عجبا فلست أعرفها، فقال: شجاعة لا ترام، و قوّة لا يدخل عليها النقص، و سيف في الاسلام، وجود موصوف، و عقل أرزن من الجبال، و رأي أعلى من الأفق، و قلب أثبت من أحد، و أنّه زوج سيدة نساء العالمين، و أبو سيّدي شباب أهل الجنة. و يكفيك من هذه الخصال واحدة في الفخر.

قال جرير: فأجزت منصرفي، و أتيت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بما جرى قال: يا جرير فهلاّ قلت له: أكان على حين قدّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر، و يوم حنين، و يوم الخندق أصغر سنا أو

ص:168


1- 1) مشارق الأنوار:220.
2- 2) جرير بن عبد اللّه: بن جابر بن مالك الصحابي المتوفى سنة (51) .

اليوم؟ قال جرير: ما كنت آمن أن يعلوني بالدرّة (1).

3-ابن الفارسي في «روضة الواعظين» روى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في رسالته إلى سهل بن حنيف (2): و اللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية و لا حركة غذائية، و لكنّي أيّدت بقوة ملكوتية، و نفس بنور ربّها مضيئة، و أنا من أحمد كالضوء من الضوء، و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت، و لو أمكنني الفرصة من رقابها لما بقيت، و من لم يبال متى حتفه عليه ساقط، فجنانه في الملمّات رابط.

و رواه عليّ بن عيسى في «كشف الغمّة» (3).

4-و ابن شهر اشوب في «الفضائل» قال فيما كتب عليه السلام إلى عثمان بن حنيف (4)لو تظاهرت العرب عليّ لما ولّيت عنها، و لو أمكنت الفرصة لسارعت إليها (5).

5-جابر بن عبد اللّه أنّ عليا عليه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها (6).

7-ابن جرير الطبري (7)صاحب «المسترشد» أنّه عليه السلام حمل باب خيبر بشماله-و هو أربعة أذرع في خمسة أشبار عمقا حجرا صلدا-دون يمينه، فأثّر فيه أصابعه و حمله بغير مقبض، يتترّس به فضارب الأقران بسيفه (8)حتى

ص:169


1- 1) المناقب [1]الفاخرة.
2- 2) سهل بن حنيف: بن وهب الصحابي الأنصاري المتوفى سنة (38) .
3- 3) روضة الواعظين:127. [2]
4- 4) عثمان بن حنيف: بن وهب الأنصاري المتوفى بعد سنة (41) .
5- 5) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/84-و [3]عنه البحار ج 41/68. [4]
6- 6) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/294 [5]عن الارشاد:67 [6] بايجاز-و عنه البحار ج 41/280. [7]
7- 7) الطبري: محمد بن جرير بن رستم بن جرير كان معاصرا للكليني و هو غير الطبري المؤرّخ المشهور المتوفى سنة (310) ه و غير صاحب دلائل الامامة الذي كان متأخرا عن صاحب المسترشد [8]بمائة سنة تقريبا.
8- 8) في المصدر و البحار: [9] فضارب الأقران حتى هجم عليهم.

هجم عليهم، ثم زجّه (1)من ورائه أربعين ذراعا.

و في رواية (2)أنّه كان طول الباب خمسة (3)عشر ذراعا، و عرض الخندق عشرون ذراعا، فوضع جانبا على طرف الخندق، و ضبط بيده جانبا حتى عبر عليه العسكر، و كانوا ثمانية ألف و سبعمائة رجل، و فيهم من كان يتردد و يجف (4)عليه.

أبو عبد اللّه الجدي (5)قال له عمر: لقد حملت منه ثقلا، فقال: ما كان إلاّ مثل جنّتي (6)التي في يدي (7).

ص:170


1- 1) زجّه: رماه.
2- 2) في المصدر: و في «رامش أقراني» -و في البحار: و [1]في «رامش أفزاي» و على أي تقدير هو اسم كتاب.
3- 3) في المصدر و البحار: [2] ثمانية.
4- 4) في المصدر: و يخفّ عليه-و في البحار: [3] يبرد و يخفّ عليه.
5- 5) في المصدر و البحار: [4] أبو عبد اللّه الجذلي.
6- 6) الجنّة (بضمّ الجيم و فتح النون المشدّدة) : الترس يستر حامله.
7- 7) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/294-و [5]عنه البحار ج 41/280. [6]

الباب العشرون

في عبادته عليه السلام

1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال:

أخبرنا محمّد بن وهبان (1)عن محمّد بن أحمد بن زكريا، عن الحسن بن علي بن فضال (2)، عن علي بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه، فدعاني إلى طعامه، فلمّا فرغ قال: يا محمد لعلّك ترى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأته عين و هو يأكل متكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه.

ثم ردّ على نفسه قال: لا و اللّه ما رأته عين و هو يأكل متكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه (3).

ثم قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز برّ (4)لا و اللّه، ما شبع من خبز برّ ثلاثة أيام متوالية إلى أن قبضه اللّه، أما إنّي لا أقول: إنّه لم يجد، لقد

ص:171


1- 1) في المصدر: محمد بن رجعان. و على أيّ تقدير ما وجدت له ترجمة.
2- 2) الحسن بن علي بن فضّال الكوفي. كان فطحيا قائلا بامامة عبد اللّه بن جعفر ثم رجع و قال بامامة أبي الحسن عليه السلام، توفي سنة (224) ه.
3- 3) هذه الجملة من أوّلها إلى آخرها مفقودة في المصدر.
4- 4) في المصدر: ثم قال: يا محمد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية إلى أن قبضه، ثمّ إنّه ردّ على نفسه، ثم قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية إلى أن قبضه اللّه.

كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل، و لو أراد أن يأكل لأكل.

و لقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات (1)فخيّره من غير أن ينقصه اللّه مما أعدّ له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربّه، و ما سئل شيئا قطّ فقال (2): لا، إن كان أعطى، و إن لم يكن قال:

يكون إن شاء اللّه، و ما أعطى على اللّه شيئا قطّ إلاّ سلّم اللّه له ذلك (3)، حتى أن كان ليعطي الرجل الجنّة فيسلّم اللّه ذلك له.

ثم تناولني بيده فقال: و إن كان صاحبكم (4)عليه السلام ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكلة العبد، و يطعم الناس الخبز (5)و اللحم، و يرجع إلى رحله (6)فيأكل الخلّ و الزيت.

و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين (7)ثم يخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إن جاز كعبه حذفه، و ما ورد عليه أمران قطّ كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه.

و لقد ولّى الناس خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة، و لا أورث بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها لأهله خادما، و ما أطاق عمله منّا أحد، و إن كان عليّ بن الحسين عليهما السلام لينظر في كتاب من كتب عليّ عليه السلام، فيضرب به الأرض و يقول: من يطيق هذا؟ (8)

ص:172


1- 1) في المصدر: ثلاث مرار.
2- 2) في روضة الكافي و البحار نقلا عنه: [1] فيقول: لا.
3- 3) في روضة الكافي و البحار نقلا عنه: ألاّ سلّم ذلك إليه.
4- 4) المراد به أمير المؤمنين عليه السلام، و لفظة «ان» مخفّفة.
5- 5) في الروضة و البحار: و [2]يطعم الناس خبز البرّ و اللحم.
6- 6) في الروضة و [3]البحار: و [4]يرجع إلى أهله.
7- 7) القميص السنبلاني: قميص سابغ الطول، أو منسوب إلى بلد بالروم.
8- 8) أمالي الطوسي ج 2/303. [5] تقدّم الحديث مع تخريجاته في ج 1/218 ح 3.

2-ابن بابويه «في أماليه» قال: حدثني أبي رحمه اللّه قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (1)، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: و اللّه إن كان (2)عليّ عليه السلام ليأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه. و لقد ولّي خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة (3)، و لا أورث بيضاء و لا حمراء، و إنّه ليطعم الناس من (4)خبز البر و اللحم، و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل.

و ما ورد عليه أمران كلاهما للّه رضى إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، تربت فيه يداه و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس و إن (5)كان ليصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و إن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليه السلام و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (6).

3-الشيخ في «التهذيب» عليّ بن (7)حاتم، عن محمّد بن جعفر المؤدب (8)قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين، عن

ص:173


1- 1) عبد الرحمن بن أبي نجران: أبو الفضل الكوفي. روى عن الامام الرضا عليه السلام و كان ثقة ثقة معتمدا، و روى أبوه أبو نجران عمرو بن مسلم عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام- جامع الرواة ج 1/444. [1]
2- 2) في بعض نسخ المصدر: و اللّه كان علي عليه السلام يأكل.
3- 3) في المصدر و البحار: و [2]لا أقطع قطيعا. و هو الصواب لأنّ القطيع قطعة من الأرض تقطع و تجعل غلّتها رزقا للجند. و هي المناسبة مع الاقطاع.
4- 4) في المصدر و البحار: و [3]إنّه ليطعم الناس خبز البرّ و اللحم.
5- 5) في بعض نسخ المصدر: و إنّه.
6- 6) أمالي الصدوق:232 ح 14-و [4]عنه البحار ج 41/102 ح 1 و [5]في الوسائل ج 1/66 ح 12 [6] عنه و عن مجمع البيان ج 9/88 نحوه، و أخرجه في البحار ج 66/320 [7] عن مجمع البيان، و رواه الفتال في روضة الواعظين:116. [8]
7- 7) علي بن حاتم: بن أبي حاتم القزويني وثّقه النجاشي و كان حيّا في سنة (350) ه.
8- 8) محمد بن جعفر بن أحمد بن بطة المؤدّب أبو جعفر القمي ترجمه في جامع الرواة ج 2/83. [9]

النضر بن شعيب، عن جميع بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن استطعت أن تصلّي في شهر رمضان و غيره، في اليوم و الليلة ألف ركعة فافعل، فإنّ عليا عليه السلام كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة (1).

4-و عنه باسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم عن عليّ بن أبي حمزة، قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له أبو بصير: ما تقول في الصلاة في شهر رمضان؟ فقال له: إنّ لرمضان حرمة و حقا لا يشبهه شيء من الشهور، صلّ ما استطعت في شهر رمضان تطوّعا بالليل و النهار، فإن استطعت أن تصلّي في كل يوم و ليلة ألف ركعة فصلّ، فإنّ عليا عليه السلام كان في آخر عمره يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة فصلّ يا أبا محمّد زيادة في رمضان.

فقال: كم جعلت فداك؟ قال في عشرين ليلة تمضي في كل ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات قبل العتمة، و اثنتي عشرة بعدها، سوى ما كنت تصلّي قبل ذلك، و إذا دخل العشر الأواخر فصلّ ثلاثين ركعة، في كل ليلة، ثماني ركعات قبل العتمة، و اثنين و عشرين ركعة بعد العتمة، سوى ما كنت تفعل قبل ذلك (2).

و رواه محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام و ساق الحديث إلى آخره.

5-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي (3)قال:

سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِذا مَسَّ اَلْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ

ص:174


1- 1) التهذيب ج 3/61 ح 209-و الاستبصار ج 1/461 ح 7 و عنهما الوسائل [1]ج 3/72 ح 2- و ج 5/176 ح 1.
2- 2) التهذيب ج 3/63 ح 215-الاستبصار ج 1/463 ح 11-و الكافي ج 4/154 ح 1-و [2]صدره في الوسائل ج 5/177 ح 2-و [3]ذيله في ص 181 ح 4 و في البحار ج 41/23 ح 16. [4]
3- 3) عمّار الساباطي: بن موسى أبو اليقظان الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام.

مُنِيباً إِلَيْهِ (1)قال: نزلت في أبي الفصيل أنّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنده ساحرا و كان إذا مسّه الضرّ يعني السقم دعا ربّه منيبا إليه (2)من قوله في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يقول.

ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً (يعني العافية) نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ يعني نسي التوبة إلى اللّه عزّ و جلّ ممّا كان يقول في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه ساحر، و لذلك قال اللّه عزّ و جلّ: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ اَلنّارِ (3)يعني إمرتك على الناس بغير حقّ من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال: ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثم عطف القول من اللّه عزّ و جلّ في عليّ عليه السلام يخبر بحاله و فضله عند اللّه تبارك و تعالى أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اَللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ اَلْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ (أنّ محمدا رسول اللّه) وَ اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أنّ محمدا رسول اللّه، بل يقولون: إنه ساحر كذّاب إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا اَلْأَلْبابِ (4)قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: في هذا تأويله يا عمّار (5).

6-و عنه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، و حفص بن البختري، و سلمة بيّاع السابري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا أخذ كتاب عليّ عليه السلام فنظر فيه قال: من يطيق هذا من يطيق ذا؟ قال: ثم يعمل به، و كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه حتى يعرف ذلك في وجهه، و ما أطاق أحد عمل عليّ

ص:175


1- 1) الزمر:8. [1]
2- 2) في المصدر: منيبا إليه يعني تائبا إليه.
3- 3) الزمر:8. [2]
4- 4) الزمر:9. [3]
5- 5) الكافي ج 8/204 ح 246-و [4]عنه تأويل الآيات ج 2/511-و البحار ج 35/375 ح 2 و [5]البرهان ج 4/69 ح 1. [6]

عليه السلام من بعده إلاّ عليّ بن الحسين عليهما السلام (1).

7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن الحسن (2)الصيقل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ وليّ علي عليه السلام لا يأكل إلاّ الحلال (3)، لأنّ صاحبه كان كذلك، و إنّ وليّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما لأنّ صاحبه كذلك.

ثم عاد إلى ذكر عليّ عليه السلام فقال: أما و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا و لا كثيرا حتى فارقها، و لا عرض له أمران كلاهما للّه طاعة إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لا نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شديدة قطّ إلاّ وجّهه فيها ثقة به، و لا أطاق أحد من هذه الأمّة عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بعده غيره، و لقد كان يعمل عمل رجل كأنّه ينظر إلى الجنّة و النار.

و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كلّ ذلك تحفى (4)فيه يداه و تعرّق فيه جبينه التماس وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من النار، و ما كان قوته إلاّ الخلّ و الزيت و حلواه التمر إذا وجده، و ملبوسه الكرابيس، فإذا فضل من ثيابه شيء دعا بالجلم (5)فجزّه (6).

8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أكل

ص:176


1- 1) الكافي ج 8/163 ح 172-و [1]عنه الوسائل ج 1/63 ح 3. [2]
2- 2) الحسن الصيقل: بن زياد أبو محمد الكوفي من أصحاب الامامين الباقر و الصادق عليهما السلام.
3- 3) يفهم منه أنّ من يأكل الحرام فهو ليس من أوليائه و شيعته عليه السلام كما نبّه عليه العلاّمة المجلسي قدّس سرّه في «المرآة» . [3]
4- 4) تحفّى في الشيء اجتهد، و الحفاء: رقّة القدم من المشي.
5- 5) الجلم: المقراض.
6- 6) الكافي ح 8/163 ح 173-و [4]عنه البحار ج 41/129 ح 40. [5]

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ، و ما رأى ركبتيه (1)أمام جليسه في مجلس قطّ و لا صافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده من يده، حتى يكون الرّجل هو الذي ينزع يده، و لا كافأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسيّئة قط قال اللّه اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ (2)و ما منع سائلا قطّ، إن كان عنده أعطى و إلاّ قال: يأتي اللّه به، و لا أعطي على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إنّه (3)كان ليعطي الجنة فيجيز اللّه عزّ و جلّ له ذلك و كان أخوه (4)من بعده و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قطّ حتى خرج منها، و اللّه إنّه (5)كان ليعرض له أمران كان كلاهما للّه طاعة، فيأخذ بأشدّهما على بدنه، و اللّه لقد أعتق ألف مملوك لوجه اللّه دبرت (6)فيهم يداه، و اللّه ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده أحد غيره، و اللّه ما نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة قطّ إلاّ قدّمه فيها ثقة منه به، و إنّه كان رسول اللّه ليبعثه برايته، فيقاتل جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتى يفتح اللّه عزّ و جلّ له (7).

9-قال الحسن بن أبي الحسن الديلمي (8): اعلم أنّه إذا نظرت إلى

ص:177


1- 1) في هامش البحار: [1] أي أن أحتاج إلى كشف ركبتيه ليراه لم يفعل ذلك عند جليسه حياء منه. و في بعض النسخ: (أرى ركبتيه) أي لم يكشفها عند جليس، و على النسختين يحتمل أن يكون المراد لم يكن يتقدّمهم في الجلوس بأن تسبق ركبتاه إلى ركبهم-مرآة العقول-. [2]
2- 2) المؤمنون:96. [3]
3- 3) في المصدر: إن.
4- 4) المراد به أمير المؤمنين عليه السلام.
5- 5) في المصدر: إن.
6- 6) دبرت يداه (بكسر الباء الموحدة في الماضي) : أصابتهما الدبرة (بفتح الدال و الباء و الراء) و هي القرحة.
7- 7) الكافي ج 8/164 ح 175 [4] تقدّم الحديث و له تخريجات ذكرناها هناك.
8- 8) الديلمي: أبو الحسن بن أبي الحسن المعاصر لفخر المحققين بن العلامة الحلي الذي توفي سنة (771) ه.

العبادة وجدته أعبد الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، منه تعلم الناس صلاة الليل و التهجّد و الأدعية المأثورة، و لقد كان يفرش له في الصفّين بين الصفّين، و السهام تتساقط حوله، و لا يلتفت عن ربه، و لا يغيّر عادته و لا يفتر عن عبادته (1).

10-ابن شهر اشوب جاء أنّه لم يقدر أحد يحكي صلاة رسول اللّه إلاّ عليّ عليه السلام و لا صلاة عليّ عليه السلام إلاّ عليّ بن الحسين عليهما السلام (2).

11-و روى أبو يعلى (3)، في «المسند» أنّه عليه السلام قال: ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: صلاة الليل نور، فقال ابن الكوّاء: و لا ليلة الهرير؟ قال: و لا ليلة الهرير (4).

12- «إبانة» العكبري (5): سليمان بن المغيرة (6)، عن أمّه قالت: سألت أمّ سعيد سرّية عليّ عليه السلام عن صلاة عليّ عليه السلام في شهر رمضان فقالت: رمضان و شوّال سواء، يحيي الليل كلّه (7).

13-و أخذ زين العابدين عليه السلام بعض صحف عباداته فقرأ فيه يسيرا، ثم تركها من يده تضجّرا، و قال عليه السلام: من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام (8)؟ !

14-و روي عنه عليه السلام كان إذا حضر (9)وقت الصلاة تزلزل و تلوّن،

ص:178


1- 1) ارشاد القلوب ج 2/217. [1]
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/20. [2]
3- 3) أبو يعلى: أحمد بن علي بن المثنّى الحافظ الموصلي المتوفى سنة (307) ه.
4- 4) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/123-و [3]عنه البحار ج 41/17. [4]
5- 5) العكبري: عبيد اللّه بن محمد بن محمد بن حمدان الحنبلي المتوفى سنة (387) .
6- 6) سليمان بن المغيرة أبو سعيد البصري المتوفى سنة (165) ه.
7- 7) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/123-و [5]عنه البحار ج 41/17. [6]
8- 8) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/124 و [7]عنه البحار ج 41/17. [8]
9- 9) في المصدر: و في تفسير القشيري: أنّه كان عليه السلام إذا حضره.

فقيل له مالك يا أمير المؤمنين عليه السلام؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها اللّه سبحانه و تعالى على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الانسان (1)، فلا أدري أحسن أداء ما حملت أم لا؟ ! (2)

15-النيسابوري في «روضة الواعظين» أنّه قال عروة بن الزبير: سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت في عليّ عليه السلام أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اَللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ اَلْآخِرَةَ (3).

قال الرجل: فأتيت عليّا عليه السلام وقت المغرب فوجدته يصلّي و يقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدّد وضوءه و خرج إلى المسجد، و صلّى بالناس صلاة الفجر، ثم قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس، فجعل يقضي بينهم إلى أن قام إلى صلاة الظهر فجدّد الوضوء، ثم صلّى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر، ثم كان يحكم بين الناس و يفتيهم إلى أن غابت الشمس (4).

16-محمّد بن جرير (5)الطبري في «مسند فاطمة» قال: كان عليّ بن الحسين حسن الصلاة يصلّي في كلّ يوم و ليلة ألف ركعة سوى الفريضة، فيقال له: أين هذا العمل من عمل عليّ جدك؟ فقال: مه إنّني نظرت في عمل عليّ يوما واحدا عدلت من الحول إلى الحول (6).

17-قال الحسن بن أبي الحسن الديلمي: اعلم أنّه إذا نظرت إلى العبادة وجدته (7)أعبد الناس من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، منه تعلّم الناس صلاة الليل و التهجد و الأدعية المأثورة، و لقد كان يفرش له بين

ص:179


1- 1) في المصدر: و حملها الانسان في ضعفه.
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/124-و [1]عنه البحار ج 41/17. [2]
3- 3) الزمر:9. [3]
4- 4) روضة الواعظين:117-و [4]عنه المناقب لابن شهر اشوب ج 2/124. [5]
5- 5) الطبري محمد بن جرير، كان حيا سنة (411) ، و هو غير صاحب المسترشد.
6- 6) دلائل الامامة:84. [6]
7- 7) المراد به أمير المؤمنين عليه السلام.

الصفّين و السهام تتساقط حوله، و هو لا يلتفت عن ربّه، و لا يغيّر عادته.

و كان إذا توجّه إلى اللّه تعالى توجّه بكلّيته و انقطع نظره عن الدنيا و ما فيها، حتى أنّه لا يبقى يدرك الألم لأنّهم كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد و النشّاب من جسده الشريف تركوه حتى يصلّي فإذا اشتغل بالصلاة و أقبل على اللّه أخرجوا الحديد من جسده و لم يحسّ به، فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك، فيقول لولده الحسن عليه السلام: إن هي إلاّ فعلتك يا حسن، و لم يترك صلاة الليل قطّ في ليلة الهرير، و كان عليه السلام يوما في حرب صفّين مشتغلا بالحرب و القتال، و هو مع ذلك بين الصفّين يراقب الشمس، فقال له ابن عباس: و هل هذا وقت صلاة؟ و إنّ عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة، فقال عليه السلام: على ما نقاتلهم، إنّما نقاتلهم على الصلاة.

و بالجملة إنّ العبادات فقد أتى بها جميعا، و بلغ الغاية القصوى في كلّ واحدة منها، و مقاماته الحميدة في التهجّد، و الخشوع و الخوف من اللّه تعالى لم يسبقه إليها سوى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، حتى أنّه عليه السلام قال:

الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة فإنّ الجنة فيها رضى نفسي، و الجامع فيها رضى ربّي (1): انتهى كلامه رفع مقامه.

ص:180


1- 1) إرشاد القلوب:217. [1]

الباب الحادي و العشرون

في بكائه من خشية اللّه و خشوعه عليه السلام

1-الشيخ في «مجالسه» أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي (1)قال: أخبرنا عليّ بن الحسن بن فضّال: قال حدثنا العبّاس بن عامر (2)قال: حدثنا أحمد بن رزق (3)عن محمّد بن عبد الرحمان (4)قال: سمعت يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل عليّ عليه السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في منزل أمّ سلمة فلما رآه قال: كيف أنت يا عليّ إذا اجتمعت الأمم، و وضعت الموازين، و برز لعرض خلقه، و دعى الناس إلى ما لا بدّ منه؟

قال: فدمعت عين أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يبكيك يا عليّ؟ تدعى و اللّه أنت و شيعتك غرّا محجلين،

ص:181


1- 1) علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المتوفى سنة (348) و قد ناهض مائة سنة و دفن في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام-جامع الرواة ج 1/598-. [1]
2- 2) العباس بن عامر: بن رباح أبو الفضل الثقفي الثقة-جامع الرواة ج 1/431-. [2]
3- 3) أحمد بن رزق الغمشاني البجلي له ترجمة في جامع الرواة ج 1/50. [3]
4- 4) محمد بن عبد الرحمن: بن المغيرة بن الحرث المتوفى سنة (157) و كان من أصحاب الصادق عليه السلام-ترجمه الأردبيلي في الجامع ج 2/139-و لكن في المصدر: عن أحمد بن رزق عن يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

رواءا مرويّين، مبيضّة وجوهكم، و يدعى بعدوّك مسودّة وجوههم أشقياء معذّبين: أما سمعت إلى قول اللّه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ أنت و شيعتك و اَلَّذِينَ كَفَرُوا بآياتنا أُولئِكَ هُمْ شَرُّ اَلْبَرِيَّةِ (1)عدوّك يا عليّ (2).

2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن معروف بن خرّبوذ (3)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق، فلمّا انصرف وعظهم فبكى، و أبكاهم من خوف اللّه.

ثم قال أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إنّهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا (4)، بين أعينهم كركب المعزى (5)، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما، يراوحون (6)بين أقدامهم وجباهم، يناجون ربهم، و يسألون فكاك رقابهم من النار، و اللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون (7).

3-و عنه عن السندي بن محمد (8)، عن محمد بن الصلت (9)، عن أبي

ص:182


1- 1) البيّنة:7-8. [1]
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/283-و [2]عنه البحار ج 68/70 ح 130. [3]
3- 3) معروف بن خرّبوذ الكوفي ممّن اجتمعت العصابة على تصديقهم من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام.
4- 4) الشعث: تفرّق الشعر و عدم اصلاحه. و هو بضم الشين جمع الأشعث، و الغبر (بضم الغين جمع الأغبر) : المتلطخ بالغبار، و الخمص جمع الأخمص: ضامر البطن.
5- 5) الركب (بضم الراء و فتح الكاف جمع الركبة) و هي موصل الفخذين و الساق و المعز خلاف الضأن.
6- 6) المراوحة بين الأقدام و الجباه أن يقوم على القدمين مرّة و يضع الجبهة على الأرض أخرى ليوصل الراحة إلى كل منهما.
7- 7) الكافي ج 2/235 ح 21-و [4]عنه الوسائل ج 1/64 ح 9. [5]
8- 8) سندي (اسمه أبان) بن محمد أبو بشر الكوفي-له ترجمة في جامع الرواة ج 1/389. [6]
9- 9) محمد بن الصلت: بن مالك القرشي الكوفي-جامع الرواة ج 2/132. [7]

حمزة، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: صلّى أمير المؤمنين عليه السلام الفجر، ثمّ لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد (1)رمح: فأقبل على الناس بوجهه، فقال: و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجّدا و قياما، يخالفون بين جباههم و ركبهم، كأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأنّما القوم باتوا غافلين، قال: ثم قال: فما رئي ضاحكا حتى قبض صلوات اللّه عليه (2).

4-الحسن بن أبي الحسن الديلمي قال: روى الحكم بن مروان، عن جبير بن حبيب، نزلت بعمر بن الخطاب نازلة قام لها، و قعد، و ترنّح (3)، و تقطّر (4)ثم قال: يا معاشر المهاجرين ما عندكم فيها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع و المنزع (5)، فغضب عمر، ثم قال: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (6)أما و اللّه إنّا و إيّاكم لنعرف ابن بجدتها و الخبير بها.

قالوا: كأنّك أردت ابن أبي طالب؟ قال: و أنّى يعدل بي عنه، و هل طفحت (7)حرّة بمثله؟ قالوا: فلو بعثت إليه، قال: هيهات هناك شيخ من بني هاشم، و لحمة (8)من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و أثرة (9)من علم يؤتى لها و لا يأتي، افضوا إليه، فأفضوا إليه و هو في حائط له، عليه ثياب يتوكّأ على مسحاته (10)، و هو يقول: أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً

ص:183


1- 1) على قيد رمح: على قدر رمح.
2- 2) الكافي ج 2/236 ح 22-و [1]عنه البحار ج 1/24 ح 17 و [2]ج 42/247 ح 49 و الوسائل ج 1/65.
3- 3) ترنّح: تمايل من سكر، أو قلق و اضطراب.
4- 4) تقطّر: سقط.
5- 5) المنزع: من يرجع إليه في رأيه.
6- 6) الأحزاب:70. [3]
7- 7) طفحت المرأة: ولدت، و في المصدر: و هل لقحت.
8- 8) اللحمة: القرابة.
9- 9) الأثرة: البقية من العلم.
10- 10) المسحاة: الآلة التي يجرف بها الطين.

مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى (1)و دموعه تجري على خدّيه، فأجهش القوم لبكائه، ثم سكن و سكنوا، و سأله عمر عن مسألته، فأصدر جوابها و لوى عمر يده.

ثم قال: أما و اللّه لقد أرادك الحقّ، و لكن أبى قومك، فقال له: يا أبا حفص خفّض (2)عليك من هنا إِنَّ يَوْمَ اَلْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (3)فانصرف و قد أظلم وجهه، فكأنّما ينظر من ليل مظلم (4).

5-ابن شهر اشوب: عروة بن الزبير، قال: تذاكرنا صالح الأعمال، فقال أبو الدرداء: أعبد الناس عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمعته قائلا بصوت حزين، و نغمة شجية، في موضع خال: إلهي كم من موبقة (5)حملتها عنّي فقابلتها بنعمك، و كم من جريرة تكرّمت عليّ عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمّل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك، ثم ركع ركعات، فأخذ في الدعاء و البكاء.

فمن مناجاته: إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي.

ثم قال: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، و أنت محصيها فتقول: خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، و لا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء.

آه من نار تنضج الأكباد و الكلى (6)، آه من نار نزّاعة للشوى، آه من

ص:184


1- 1) القيامة:36-37-38. [1]
2- 2) خفّض عليك: سهّل عليك و هوّن.
3- 3) النبأ:17. [2]
4- 4) إرشاد القلوب للديلمي:219. [3]
5- 5) في المصدر: كم حملتها عنّي فقابلتها بنعمتك. . و في البحار [4]نقلا عن «أمالي الصدوق» : [5] كم من موقبة حلمت عن مقابلتها بنقمتك.
6- 6) الكلى: (بضم الكاف و [6] فتح اللام) : جمع الكلية واحدة الكليتين و هما غدّتان يمنى و يسرى

غمرة من متلهبات (1)لظى، ثم انغمر (2)في البكاء فلم أسمع له حسّا فقلت غلب عليه النوم، أوقظه لصلاة الفجر، فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرّك (3)، فقلت: إنا للّه و إنّا إليه راجعون، مات و اللّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام:

ما كان من شأنه؟ فأخبرتها، فقالت: هي و اللّه الغشية الّتي تأخذه من خشية اللّه.

ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق، و نظر إليّ و أنا أبكي، فقال:

ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء؟ فكيف و لو رأيتني دعي بي إلى الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوتني (4)ملائكة غلاظ و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار، قد أسلمني (5)الأحباء، و رحمني أهل الدنيا أشدّ رقة 6لي، بين يدي من لا تخفى عليه خافية 7.

6-و أخذ زين العابدين عليه السلام بعض صحف عباداته، فقرأ فيه يسيرا ثم تركها من يده تضجّرا، و قال: من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب؟ ! 8

7-و عن الباقر عليه السلام و ابن عبّاس في قوله تعالى وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ

ص:185


1- 1) في المصدر و البحار: [1] ملهبات.
2- 2) في المصدر [2]و البحار: ثم أنعم: أي بالغ.
3- 3) في البحار: فحرّكته فلم [3] يتحرّك، و زويته فلم ينزو.
4- 4) في المصدر و البحار: و احتوشتني: أي أحدقتني و جعلتني في وسطهم.
5- 5) في المصدر: قد أسلمت [4]ني الأحبّاء.

وَ اَلصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى اَلْخاشِعِينَ (1)و الخاشع: الذليل في صلاته، المقبل عليها (2)يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السلام.

و قال ابن شهر اشوب: فيه نزلت: قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (3)(4).

ص:186


1- 1) البقرة:45. [1]
2- 2) في المصدر: إليها.
3- 3) المؤمنون:1. [2]
4- 4) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/20-و [3]عنه البرهان ج 1/94 ح 7. [4]

الباب الثاني و العشرون

في خوفه عليه السلام من اللّه تعالى

1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد (يعني المفيد) قال:

حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا جعفر بن محمّد بن مروان (1)، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحكم المسعودي، قال: حدّثنا الحارث بن حصيرة (2)، عن عمران بن الحصين (3)، قال: كنت أنا و عمر بن الخطّاب جالسين عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام جالس إلى جنبه إذ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اَللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (4).

قال: فانتفض (5)عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما شأنك تجزع؟ فقال: مالي لا أجزع و اللّه يقول: إنّه يجعلنا خلفاء الأرض؟ فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لا تجزع و اللّه لا يحبّك إلاّ

ص:187


1- 1) جعفر بن محمد بن مروان: بن زياد الغزالي الكوفي كثير الحديث.
2- 2) الحارث (الحرث) بن حصيرة أبو النعمان الأزدي الكوفي التابعي.
3- 3) عمران بن الحصين: من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
4- 4) النمل:62. [1]
5- 5) انتفض: تحرّك و اهتزّ.

مؤمن، و لا يبغضك إلاّ منافق (1).

2-محمّد بن العبّاس بن ماهيار (2)الثقة في «تفسيره» قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان (3)، عن أبيه، عن عبيد اللّه بن خنيس، عن صباح المزني (4)، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي داود (5)، عن بريدة (6)قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام إلى جنبه: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ (7).

قال: فانتفض عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لم تجزع يا عليّ؟ فقال: لم لا أجزع و أنت تقول:

و يجعلكم خلفاء الأرض؟ فقال: لا تجزع فو اللّه لا يبغضك مؤمن و لا يحبّك كافر (8).

3-و عن عثمان بن هاشم بن الفضل، عن محمّد بن كثير (9)، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي داود السبيعي، عن عمران بن حصين، قال:

ص:188


1- 1) الأمالي للشيخ الطوسي ج 1/75-و [1]عنه البحار ج 41/13 ح 2 و [2]البرهان ج 3/207 ح 1-2 [3]عنه و عن أمالي المفيد:307 ح 5 و أخرجه في البحار ج 39/266 ح 39 [4] عن أمالي المفيد، و رواه في بشارة المصطفى:10. [5]
2- 2) محمّد بن العبّاس: بن علي بن مروان بن الماهيار أبو عبد اللّه البزّاز المعروف بابن الحجّام المفسّر الفقيه كان حيّا سنة (328) ه.
3- 3) إسحاق بن محمد بن مروان بن زياد الغزالي الكوفي نزيل بغداد.
4- 4) صباح المزني: بن قيس بن يحيى الكوفي وثّقة النجاشي و قال: روى عن الباقر و الصادق عليهما السلام.
5- 5) أبو داود: نقيع بن الحرث السبيعي الهمداني روى عن أبي جعفر الباقر عليه السلام.
6- 6) بريدة: بن الحصيب بن عبد اللّه بن الحارث المازني سكن المدينة، ثمّ تحوّل إلى البصرة و منها إلى خراسان و مات بمرو سنة (63) ه.
7- 7) النمل:62. [6]
8- 8) تأويل الآيات لشرف الدين الأستر آبادي ج 1/401 ح 3 و عنه البحار ج 39/266 ذيل الحديث 39 و [7]البرهان ج 3/207 ح 3. [8]
9- 9) محمّد بن كثير: أبو عبد اللّه العبدي البصري المتوفى سنة (223) ه.

كنت جالسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السلام إلى جنبه إذ قرأ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ (1).

قال: فارتعد عليّ عليه السلام فضرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده على كتفه، فقال: مالك يا عليّ؟ فقال: يا رسول اللّه قرأت هذه الآية، فخشيت أن نبتلى بها فأصابني ما رأيت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

يا عليّ لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ كافر منافق إلى يوم القيامة (2).

4-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اشتكى عينه، فعاده النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإذا هو يصيح، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله: أجزعا أم وجعا، فقال: يا رسول اللّه ما وجعت وجعا قطّ أشد منه.

فقال: يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفّود (3)من نار، فنزع (4)روحه به، فتصيح جهنّم، فاستوى عليّ عليه السلام جالسا، فقال: يا رسول اللّه أعد عليّ حديثك فلقد أنساني وجعي ما قلت، ثم قال: هل يصيب ذلك أحد من أمّتك؟ قال: نعم حاكم جائر، و آكل مال اليتيم ظلما، و شاهد زور (5).

5-و من طريق المخالفين عن سفيان بن عيينة (6)، عن الزهري، عن

ص:189


1- 1) النمل:62. [1]
2- 2) تأويل الآيات ج 1/402-و عنه البحار ج 39/286 ح 79 و [2]البرهان ج 3/208 ح 4. [3]
3- 3) السفّود (كتنّور) الحديدة التي يشوى بها اللحم.
4- 4) في المصدر: فينزع.
5- 5) الكافي ج 3/253 ح 10-و [4]عنه البحار ج 38/311 ح 11 و [5]أخرج ذيله في الوسائل ج 18/237 ح 3 [6] عنه و عن التهذيب ج 6/224 ح 27.
6- 6) سفيان بن عيينة: بن أبي عيينة أبو محمد الكوفي سكن مكّة المكرّمة، ولد سنة (107) و توفي غرّة رجب سنة (198) ه.

مجاهد (1)، عن ابن عباس: فَأَمّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا (2)هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ (3)عليّ بن أبي طالب عليه السلام خاف و انتهى عن المعصية، و نهى عن الهوى نفسه، فَإِنَّ اَلْجَنَّةَ هِيَ اَلْمَأْوى (4)خاصّا لعليّ عليه السلام، و من كان على منهاج عليّ هكذا عاما. . . (5).

6-تفسير أبي يوسف (6)يعقوب بن سفيان، عن مجاهد، و ابن عباس إِنَّ اَلْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ (7)من اتّقى الذنوب عليّ بن أبي طالب، و الحسن، و الحسين في ظلال من الشجر، و الخيام من اللؤلؤ، طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ.

ثم ساق الحديث. إلى قوله: إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ (8)المطيعين للّه أهل بيت محمّد في الجنّة (9).

7-ابن بطة (10)في «الابانة» و أبو بكر بن عيّاش (11)و «الأمالي» عن أبي داود السبيعي (12)عن عمران بن حصين، قال: كنت عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السلام إلى جنبه، إذ قرأ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذه الآية:

ص:190


1- 1) مجاهد: بن جبر (جبير) أبو الحجّاج القارىء المكّي المتوفى سنة (103) .
2- 2) النازعات:37-38. [1]
3- 3) النازعات:40. [2]
4- 4) النازعات:48. [3]
5- 5) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/94-و [4]عنه البحار ج 40/320. [5]
6- 6) أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي الفسوي المتوفى سنة (277) ه.
7- 7) المرسلات:41. [6]
8- 8) المرسلات:44. [7]
9- 9) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/94-و [8]عنه البحار ج 40/320 و [9]البرهان ج 4/426. [10]
10- 10) ابن بطّة: عبيد اللّه بن محمّد العكبري الحنبلي المتوفى سنة (387) ه.
11- 11) أبو بكر بن عيّاش: الكوفي الحنّاط المحدث المقريء المتوفى سنة (193) ه.
12- 12) في المصدر و البحار: [11] عن أبي داود، عن السبيعي.

أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ (1)قال: فارتعد عليّ عليه السلام فضرب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كتفه (2)و قال: مالك يا عليّ؟ قال قرأت يا رسول اللّه هذه الآية، فخشيت أن أبتلى بها فأصابني ما رأيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ منافق إلى يوم القيامة (3).

ابن شهر اشوب: و في زهده عليه السلام كتاب كبير روته الشيعة (4).

8-و عن أنس بن مالك قال: لمّا نزلت الآيات الخمس في طس: أَمَّنْ جَعَلَ اَلْأَرْضَ قَراراً (5)انتفض عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له صلّى اللّه عليه و آله: مالك يا عليّ؟ قال: عجبت يا رسول اللّه من كفرهم و حلم اللّه عنهم! فمسحه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيده ثم قال: أبشر فإنّه لا يبغضك مؤمن، و لا يحبّك منافق، و لو لا أنت لم يعرف حزب اللّه (6).

ص:191


1- 1) النمل:62. [1]
2- 2) في المصدر و البحار: [2] على كتفيه.
3- 3) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/103-و [3]عنه البحار ج 41/14 ح 5. [4]
4- 4) ما وجدته في المناقب. [5]
5- 5) النمل:61. [6]
6- 6) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/125-و [7]عنه البحار ج 41/17 و [8]أخرج نحوه في ج 41/124 ح 33 عن تفسير فرات:15. [9]

ص:192

الباب الثالث و العشرون

في أدعية له عليه السلام مختصرة في السجود و عند النوم و إذا أصبح

و إذا أمسى

1-ابن بابويه في «أماليه» قال حدّثنا جعفر بن محمد بن مسرور (1)رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر (2)، عن عمّه عبد اللّه بن عامر (3)عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجوده: أناجيك يا سيّدي كما يناجي العبد الذّليل مولاه، و أطلب إليك طلب من يعلم أنّك تعطي و لا ينقص ممّا عندك شيء، و أستغفرك استغفار من يعلم أنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، و أتوكل عليك توكّل من يعلم أنّك على كلّ شيء قدير (4).

2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن ميمون (5)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: اللّهم إنّي أعوذ بك من الاحتلام و سوء (6)الأحلام،

ص:193


1- 1) جعفر بن محمد بن مسرور: بن قولويه أبو القاسم القمي من ثقات العلماء و أجلاّئهم توفي سنة (368) أو (369) ه.
2- 2) الحسين بن محمد بن عامر بن عمران بن أبي بكر الأشعري القمي من الثقات.
3- 3) عبد اللّه بن عامر بن عمران الأشعري أبو محمد وثّقه العلاّمة و النجاشي.
4- 4) أمالي الصدوق:211 ح 7-و [1]عنه البحار ج 86/227 ح 47. [2]
5- 5) عبد اللّه بن ميمون بن الأسود القداح المكّي من أصحاب الصادق عليه السلام وثّقه النجاشي و العلاّمة.
6- 6) في المصدر: و من سوء.

و أن يلعب بي الشيطان في اليقظة و المنام (1).

3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ عليا عليه السلام كان يقول إذا أصبح: «سبحان (2)الملك القدّوس-ثلاثا-اللّهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، و من تحويل عافيتك، و من فجأة نقمتك، و من درك الشقاء، و من شرّ ما سبق في الليل و النهار (3)، اللّهم إنّي أسألك بعزّة ملكك، و شدّة قوّتك، و بعظيم سلطانك، و بقدرتك على خلقك» ثمّ سل حاجتك (4).

4-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما من يوم يأتي على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم: يا بن آدم أنا يوم جديد، و أنا عليك شهيد، فقل فيّ خيرا، و اعمل فيّ خيرا، أشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعدها أبدا قال: و كان عليّ عليه السلام إذا أمسى يقول: مرحبا بالليل الجديد، و الكاتب الشهيد، اكتب (5)على اسم اللّه، ثم يذكر اللّه عزّ و جلّ (6).

5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ (7)رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقول: اللّهم إنّي و هذا النهار خلقان من خلقك، أللّهمّ لا تبتلني به، و لا تبتله بي (8)، اللّهمّ و لا

ص:194


1- 1) الكافي ج 2/536 ح 5-و [1]عنه الوسائل ج 4/1027 ذيل ح 4. [2]
2- 2) في المصدر و الوسائل: [3] سبحان اللّه الملك.
3- 3) كلمة (و النهار) ليست موجودة في المصدر و لا في الوسائل. [4]
4- 4) الكافي ج 2/527 ح 16-و [5]عنه وسائل الشيعة ج 4/1236 ح 5. [6]
5- 5) في المصدر و الوسائل: [7] اكتبا.
6- 6) الكافي ج 2/523 ح 8-و [8]عنه الوسائل ج 4/1120 ح 5. [9]
7- 7) محمد بن علي: بن إبراهيم بن موسى أبو جعفر الصيرفي الملقب بأبي سمينة.
8- 8) الابتلاء: الاختبار و الامتحان. و لعلّ المراد بالابتلاء كما احتمله المحشي في هامش الكافي [10]هو ابتلاؤه بالنهار أن يناله منه سوء، و بابتلاء النهار به أن يفعل فيه معصية.

تره منّي جرأة منّي على معاصيك، و لا ركوبا لمحارمك، اللّهمّ اصرف عنّي الأزل (1)و اللأوآء (2)، و البلوى، و سوء القضاء، و شماتة الأعداء، و منظر السوء في نفسي و مالي.

قال: و ما من عبد يقول حين يمسي و يصبح: رضيت باللّه ربّا و بالاسلام دينا، و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّا و بالقرآن بلاغا، و بعلي عليه السلام إماما-ثلاثا-إلاّ كان حقّا على اللّه العزيز الجبّار أن يرضيه يوم القيامة.

قال: و كان يقول عليه السلام إذا أمسى: أصبحنا للّه شاكرين، و أمسينا للّه حامدين، فلك الحمد، كما أمسينا لك مسلمين سالمين.

قال: و إذا أصبح قال: أمسينا للّه شاكرين، و أصبحنا للّه حامدين، و الحمد للّه كما أصبحنا لك مسلمين سالمين (3).

ص:195


1- 1) الأزل (بفتح الهمزة و سكون الزاء) : الضيق و الشدة (و بكسر الهمزة) : الداهية.
2- 2) اللأوآء: الشدة و الضيق في المعيشة.
3- 3) الكافي ج 2/525 ح 12-و [1]عنه البحار ج 86/291 ح 52. [2]

ص:196

الباب الرابع و العشرون

في تصوير الدنيا له عليه السلام و إعراضه عنها و طلاقه عليه السلام لها

ثلاثا و عدالته و خوفه

1-في «رسالة الأهوازية» (1)للصادق عليه السلام قال أبي: قال عليّ بن الحسين: سمعت أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام يقول: حدّثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّي كنت بفدك في بعض حيطانها، و قد صارت لفاطمة عليها السلام قال: فإذا أنا بامرأة قد قحمت (2)عليّ و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها، فلمّا نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها، فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحي و كانت من أجمل نساء قريش فقالت يا بن أبي طالب: هل لك أن تتزوّج بي فأغنيك عن هذه (3)، و أدلك على خزائن الأرض، فيكون لك الملك ما بقيت و لعقبك من بعدك؟

فقلت لها: من أنت حتى أخطبك من أهلك؟ قالت: أنا الدنيا، قلت (4): فارجعي و اطلبي زوجا غيري، و أقبلت على مسحاتي و أنشأت أقول:

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة و ما هي إن غرّت قرونا بطائل

ص:197


1- 1) رسالة الأهوازية: رسالة من أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام في جواب ما سأله والي الأهواز عبد اللّه النجاشي المستبصر الراجع عن الزيديّة، و هو الجد الأعلى لأبي العبّاس النجاشي أحمد بن علي صاحب «الرجال» المتوفى سنة (450) ه-الذريعة ج 2/485. [1]
2- 2) قحمت: دخلت.
3- 3) في البحار: [2] هذه المسحاة.
4- 4) في البحار: قال: قلت لها: فارجعي.

أتتنا على زيّ العزير بنينة و زينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت لها: غرّي سواي فإنّني عزوف (1)عن الدّنيا و لست بجاهل

و ما أنا و الدّنيا فإنّ محمّدا أحلّ صريعا بين تلك الجنادل (2)

وهبها أتتنا بالكنوز و درّها و أموال قارون و ملك القبائل

أليس جميعا للفناء مصيرها (3) و يطلب من خزّانها بالطوائل (4)

فغرّي سواي إنّني غير راغب بما فيك من ملك و عزّ و نائل

فقد قنعت نفسي بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و أهل الغوايل (5)

فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه و أخشى عذابا دائما غير زائل

فخرج عليه السلام من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد حتى لقي اللّه محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثمّ اقتدت به الأئمة عليهم السلام من بعده بما قد بلغكم لم يتلطّخوا بشيء من بوائقها، صلّى اللّه عليهم أجمعين و أحسن مثواهم (6).

2-ابن شهر اشوب، و غيره، و اللفظ له، قال معاوية لضرار بن ضمرة (7): صف لنا عليا فقال: كان و اللّه صوّاما بالنهار، قوّاما بالليل، يحبّ من اللباس أخشنه، و من الطعام أجشبه (8)، و كان يجلس فينا، و يبتدىء إذا سكتنا، و يجيب إذا سألنا، يقسّم بالسويّة، و يعدل في الرعيّة، لا يخاف

ص:198


1- 1) العزوف (بفتح العين) الذي لا يشتهي.
2- 2) الجنادل: الصخور.
3- 3) في البحار ج 78: [1] للفناء مصيرنا.
4- 4) الطوائل: جمع الطائلة و هي القدرة، و العداوة.
5- 5) الغوائل: جمع الغائلة و هي الداهية-المهلكة-الشرّ-الفساد.
6- 6) أخرجه في البحار ج 75/362-و ج 78/273 [2] عن رسالة الغيبة للشهيد الثاني المطبوع في آخر كشف الريبة 127 و في ج 77/196 عن الأربعين لابن زهرة 46 ح 6 و في ج 73/83 ح 47 عن شرح النهج للكيدري-و في ج 40/328 عن المناقب لابن شهر اشوب ج 2/102 [3] نحوه.
7- 7) ضرار بن ضمرة: ترجمه المامقاني في تنقيح المقال ج 2/105 و [4]قال: الرجل من خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، حسن الحال، فصيح المقال. . .
8- 8) الأجشب: الطعام الأغلظ.

الضعيف من جوره، و لا يطمع القويّ في ميله، و اللّه لقد رأيته ليلة من الليالي و قد أسبل (1)الظلام سدوله، و غارت نجومه، و هو يتململ في المحراب تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين.

و لقد رأيته مسبلا (2)للدموع، قابضا على لحيته، يخاطب دنياه فيقول:

يا دنيا أبي تشوّقت ولي تعرّضت؟ لا حان حينك، فقد بتلتك (3)بتالا لا رجعة لي فيك، فعيشك قصير، و خطرك (4)يسير، آه من قلّة الزاد، و بعد السفر، و وحشة الطريق (5).

3-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جرير الطبري (6)، قال: حدّثنا الحسن بن محمد (7)، قال: حدّثني محمّد بن عبد الرحمن المخزومي (8)، قال: حدّثني محمد بن أبي يعفور، عن موسى بن أبي أيّوب التميمي، عن موسى بن المغيرة، عن الضحّاك بن مزاحم (9)، قال: ذكر عليّ عليه السلام عند ابن عبّاس بعد وفاته عليه السلام فقال: و أسفاه على أبي الحسن، مضى و اللّه ما غيّر، و ما بدّل و ما قصّر، و لا جمع، و لا منع، و لا آثر إلاّ اللّه، و اللّه لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله. ليث في الوغى، بحر في المجالس، حكيم في الحكماء، هيهات قد مضى إلى الدّرجات العلى (10).

ص:199


1- 1) في البحار: [1] أسدل.
2- 2) في البحار و [2]المصدر: مسيلا (بالياء المثناة) .
3- 3) في المصدر و البحار: [3] فقد ابنتك ثلاثا.
4- 4) الخطر: الشرف و ارتفاع القدر.
5- 5) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/103-و [4]عنه البحار ج 40/329 ح 11. [5]
6- 6) محمد بن جرير الطبري: مشترك بين ابن جرير بن رستم بن جرير، و ابن جرير بن يزيد المؤرّخ، و كلاهما مشترك في الاسم و الكنية (أبو جعفر) و اسم الاب، و البلد، و عام الوفاة و هو سنة (310) ه.
7- 7) الحسن بن محمد: أبو محمّد بن عبد الواحد الخزّاز المزني.
8- 8) يحتمل أنّه محمّد بن عبد الرحمن بن هشام الأوقص المخزومي المتوفى سنة (169) ه.
9- 9) الضحّاك بن مزاحم: الهلالي، صاحب التفسير المتوفى بخراسان سنة (102) ه.
10- 10) أمالي الصدوق:333 ح 12-و [6]عنه البحار ج 41/103 ح 2. [7]

4-و عنه، قال: حدّثني أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن الأصبغ بن نباتة، أنّه كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذا أتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقّين، ثم ضرب يده في المال، فنثره يمنة و يسرة، و هو يقول: يا صفراء يا بيضاء لا تغرّيني؛ غرّي غيري.

هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه

ثم لا يخرج حتى يفرّق ما في بيت مال المسلمين، و يؤتي كلّ ذي حقّ حقّه، ثمّ يأمر أن يكنس و يرشّ، ثم يصلّي فيه ركعتين، ثم يطلّق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: لا تتعرّضيني و لا تتشوّقيني و لا تغرّيني، فقد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك (1).

5- «نهج البلاغة» قال عليّ عليه السلام لأخيه عقيل: و اللّه لأن أبيت على حسك (2)السعدان (3)مسهّدا (4)، أو أجرّ في الأغلال مصفّدا (5)، أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه و رسوله ظالما لبعض العباد، أو غاصبا لشيء من الحطام (6)، و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها (7)و يطيل في الثرى حلولها.

و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق (8)حتى استماحني من برّكم صاعا،

ص:200


1- 1) أمالي الصدوق:233 ح 16-و [1]عنه البحار ج 41/103 ح 2. [2]
2- 2) الحسك (بفتح الحاء و السين المهملتين) : الشوك.
3- 3) السعدان (بفتح السين و سكون العين المهملتين) : نبت له شوك و هو من أفضل ما ترعاه الابل- و فيه يضرب المثل.
4- 4) المسهّد: الذي أرّقه الآخر و أسهره، و الممنوع من النوم.
5- 5) المصفّد: المقيّد بالحديد.
6- 6) الحطام: ما تكسّر من اليبس، شبّه به متاع الدنيا لفنائه.
7- 7) القفول: الرجوع من السفر، و هو كناية عن الشيب، أو عن الموت فإنّ الآخرة هي الموطن الأصلي فبالموت يرجع الانسان إليه-بحار الأنوار ج 41/163. [3]
8- 8) أملق: أنفق ماله حتى افتقر.

و رأيت صبيانه شعث (1)الشعور، غبر (2)الألوان من فقرهم، فكأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم (3)، و عاودني مؤكّدا، و كرّر عليّ مردّدا، فأصغيت إليه سمعي، فظنّ أنّي أبيعه ديني، و أتّبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف (4)من ألمها، و كاد أن يحترق من ميسمها (5)، فقلت له: ثكلتك الثّواكل يا عقيل أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه، و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها لغضبه؟ أتئن من الأذى و لا أئنّ من لظى؟ !

و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، و معجونة شنئتها، كأنّها عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة؟ فذاك محرّم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا و لا ذاك، و لكنّها هديّة، فقلت: هبلتك الهبول، أعن دين اللّه أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟ فو اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه تعالى في نملة أسلبها جلب (6)شعيرة ما فعلته، و إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها (7)، ما لعليّ و نعيم يفنى، و لذة لا تبقى، نعوذ باللّه من سبات (8)العقل، و قبح الزلل، و به نستعين (9).

6-و روي معلوما أنّ أبا بكر توفي و عليه لبيت مال المسلمين نيّف

ص:201


1- 1) شعث الشعور: مغبّر الشعور و متلبّدها.
2- 2) غبر الألوان: يوصف بها الجوع الشديد.
3- 3) العظلم (بكسر العين) : النيلج يصبغ بها.
4- 4) الدنف (بفتح الدال المهملة و النون) : المرض الثقيل الملازم.
5- 5) الميسم (بكسر الميم و فتح السين المهملة) : الحديدة أو الآلة التي يوسم بها.
6- 6) الجلب (بضمّ الجيم) : القشر.
7- 7) تقضمها: تأكلها بأطراف الأسنان.
8- 8) السبات (بضم السين المهملة) : النوم.
9- 9) نهج البلاغة [1]للسيّد الرضي تحقيق الدكتور:346-الخطبة (224) و عنه البحار ج 41/163 ح 57. [2]

و أربعون ألف درهم، و عمر مات و عليه نيّف و ثمانون ألف درهم، و عثمان مات و عليه ما لا يحصى كثرة، و عليّ عليه السلام مات و ما ترك إلاّ سبعمائة درهم فضلا عن عطائه أعدّها لخادم (1).

7-ابن بابويه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطاري قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب، قال: حدّثنا محمّد بن محسن، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: و اللّه ما دنياكم عندي إلاّ كسفر (2)على منهل (3)حلّوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، و لا لذاذتها في عيني إلاّ كحميم أشربه غساقا (4)، و علقم (5)أتجرّعه زعاقا (6)، و سمّ أفعى (7)أسقاه دهاقا (8)، و قلادة من نار أوهقها (9)خناقا، و لقد رقعت مدرعتي (10)هذه، حتى استحييت من راقعها، و قال لي: أقذف الأتن (11)لا يرتضيها ليراقعها، فقلت له: اعزب عنّي، فعند الصباح (12)يحمد القوم السري، و تنجلي عنهم علالات (13)

ص:202


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/93-و [1]عنه البحار ج 40/319 ح 3. [2]
2- 2) السفر (بفتح السين المهملة و سكون الفاء) جمع سافر: المسافرون.
3- 3) المنهل: موضع الشرب على الطريق.
4- 4) الغساق (بفتح الغين المعجمة و السين المهملة المشدّدة أو المخفّفة) : الماء المنتن.
5- 5) العلقم (بفتح العين المهملة و القاف) : الحنظل، أو كلّ شيء مرّ.
6- 6) الزعاق (بضمّ الزاي) : الماء المرّ الذي لا يطاق شربه.
7- 7) الأفعى (بفتح الهمزة و العين المهملة و الألف المقصورة) : الحيّة الخبيثة.
8- 8) الدهاق (بكسر الدال) : الممتلىء.
9- 9) أوهق الدابة: طرح الوهق في عنقها، و الوهق (كالفرس) حبل في طرفه أنشوطة يطرح في عنق الدابة حتى تؤخذ.
10- 10) المدرعة (بكسر الميم و فتح الراء) : القميص، ثوب من الكتّان.
11- 11) الاتن (بضم الهمزة و التاء) : جمع الأتان و هي الحمارة.
12- 12) عند الصباح. . . الخ مثل يقال: أول من قاله خالد بن الوليد، يضرب للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة-مجمع الأمثال للميداني ج 1/464. [3]
13- 13) العلالة (بضم العين المهملة: بقيّة كل شيء، و في بعض النسخ: غلالات (بالغين المعجمة)

الكرى (1)، و لو شئت لتسربلت بالعبقري (2)المنقوش من ديباجكم، و لأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم، و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم.

و لكني أصدّق اللّه جلّت عظمته، حيث يقول: مَنْ كانَ يُرِيدُ اَلْحَياةَ اَلدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ، أُولئِكَ اَلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ إِلاَّ اَلنّارُ (3)، فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها، و لو اعتصمت نفس بقلّة لأنضجها وهج (4)النار في قلّتها، و إنّما خيّر لعليّ أن يكون عند ذي العرش مقرّبا، أو يكون في لظى خسيئا (5)مبعّدا، مسخوطا عليه بجرمه مكذّبا.

و اللّه لأن أبيت على حسك السعدان مرقّدا، و تحتي أطمار (6)على سفاها (7)ممدّدا أو أجرّ في أغلال (8)مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى في القيامة محمّدا خائنا في ذي يتمة أظلمه بفلسة متعمّدا، و لم أظلم اليتيم و غير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها، و يمتدّ في أطباق الثرى حلولها، و إن عاشت رويدا (9)فبذي العرش نزولها.

معاشر شيعتي احذروا فقد عضّتكم (10)الدنيا بأنيابها تختطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها (11)، و هذه مطايا الرّحيل، قد أنيخت لركّابها، إلاّ أنّ

ص:203


1- 1) الكرى (بفتح الكاف [1] و سكون الراء) : النعاس و النوم.
2- 2) العبقري: ا [2]لديباج-البسط الوشيّة.
3- 3) هود:15-16.
4- 4) الوهج (بفتح الواو و سكون الهاء) : اتّقاد النار.
5- 5) الخسيء: الصاغر.
6- 6) الاطمار: (جمع الطمر بكسر الطاء) و هو الثوب الخلق البالي.
7- 7) السفا (بفتح السين ا [3]لمهملة) : التراب.
8- 8) في المصدر و البحار: في أغلالي.
9- 9) رويدا: قليلا.
10- 10) عضّه: أمسكه بأسنانه.
11- 11) الضمير في «كذئابها» يرجع إلى الدنيا.

الحديث ذو شجون (1)فلا يقولنّ قائلكم: إنّ كلام عليّ متناقض، لأنّ الكلام عارض، و لقد بلغني أنّ رجلا (2)من قطّان (3)المداين تبع بعد الحنيفيّة علوجه، و لبس من نالة (4)دهقانه منسوجه، و تضمّخ (5)بمسك هذه النوافج (6)صباحه و تبخّر بعود الهند رواحه (7)، و حوله ريحان حديقة يشمّ تفاحه، و قد مدّ له مفروشات الرّوم على سرره، تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره، و حوله شيخ يدبّ على أرضه من هرمه، و ذا يتمة تضوّر (8)من ضرّه و قرمه (9)فما واساهم بفاضلات من علقمه.

لأن أمكنني اللّه منه لأخضمنّه خضم (10)البرّ، و لأقيمنّ عليه حدّ المرتدّ، و لأضربنّه الثمانين (11)بعد حدّ، و لأسدنّ من جهله كل مسدّ (12)، تعسا له أفلا شعر، أفلا صوف، أفلا وبر، أفلا رغيف قفار (13)الليل، إفطار مقدم أفلا عبرة على خدّ في ظلمة ليال تنحدر؟ و لو كان مؤمنا لاتّسقت له الحجّة إذا ضيّع ما لا يملك.

و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني (14)من برّكم صاعه،

ص:204


1- 1) الشجون: الطرق.
2- 2) المراد بالرجل كما قال العلامة المجلسي يحتمل أن يكون معاوية بل هو الظاهر فالمراد بالمدائن ليس البلد الموسوم بها بل هي جمع المدينة، و العلوج آباء الرجل الكفرة.
3- 3) القطان: جمع القاطن بمعنى الساكن.
4- 4) النالة: جمع النائل و هو العطاء.
5- 5) تضمّخ: تلطّخ.
6- 6) النوافج: جمع النافجة و هي معرّب نافة أي وعاء المسك.
7- 7) الرواح: العشيّ، أو من الزوال إلى الليل.
8- 8) تتضوّر: تتلوى و تصيح و تتقلب ظهرا لبطن.
9- 9) القرم: شدّة شهوة اللحم.
10- 10) الخضم: الأكل بأقصى الأضراس.
11- 11) ضرب الثمانين لشرب الخمر أو قذف المحصنة.
12- 12) قال في البحار: [1] قوله (لأسدّن. . . الخ) كناية عن إتمام الحجة و قطع أعذاره.
13- 13) القفار (بفتح القاف) : خبز لا أدام معه.
14- 14) الاستماحة: طلب الجود.

و عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه، و كاد يلوي (1)ثالث أيّامه خامصا ما استطاعه، و رأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم، كأنّما اشمأزّت وجوههم من ضرّهم (2)فلمّا عاودني في قوله، و كرّره أصغيت إليه سمعي فغرّه، فظنّني أوتغ (3)ديني فأتبع ما سرّه، أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسّها (4)و لا يصطبر.

ثمّ أدنيتها من جسده، فضجّ من ألمه ضجيج ذي دنف يأنّ من سقمه، فكاد يسبّني سفها من كظمه، و حرقة في لظى أطفاله (5)من عدمه (6)، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتإنّ من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها من غضبه أتإنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى؟ !

و اللّه لو سقطت المكافاة عن الأمم، و تركت في مضاجعها باليات في الرمم (7)، لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنّسخ (8)فصبرا على دنيا تمرّ بلأوائها (9)، كليلة بأحلامها (10)تنسلخ (11)كم (12)بين نفس

ص:205


1- 1) يلوي قال في البحار: [1] لعلّه من ليّ الغريم و هو مطله أي يماطل أولاده في ثالث الأيّام استطاع ما حال كونه خامصا أي جائعا.
2- 2) في المصدر و البحار: [2] من قرّهم. و القرّ (بضم القاف و الراء المشدّدة) : البرد.
3- 3) أوتغ: أهلك، من وتغ يرتغ: هلك يهلك.
4- 4) في المصدر و البحار: [3] إذ لا يستطيع منها دنوّا و لا يصبر.
5- 5) في المصدر: في لظى له من عدمه-و في البحار: [4] في لظى أضنى له من عدمه.
6- 6) العدم (بضم العين المهملة) : الفقدان و الفقر.
7- 7) الرمم (جمع الرمّة) : العظام البالية.
8- 8) كلمة (تنّسخ) ليست في المصدر، و لكن في البحار [5]موجودة، و قال المجلسي في ذيل الحديث: تنّسخ بفتح تاء المضارعة و تشديد النون إدغاما لنون الانفعال في نون جوهر الكلمة، و هو مطاوع نسخة أي أثبته أو أزاله.
9- 9) اللأواء: الشدّة.
10- 10) الأحلام: جمع الحلم (بضم الحاء و اللام) أي الرؤيا.
11- 11) الانسلاخ: المضيّ.
12- 12) كم للاستفهام التعجبي و الضمير في خيامها راجع إلى الجنة المعلومة و إن لم يسبق ذكرها.

في خيامها ناعمة، و بين أثيم في جحيم يصطرخ (1)، و لا تعجّب من هذا.

و أعجب بلا صنع منّا من (2)طارق طرقنا بملفوفات زمّلها (3)في وعائها، و معجونة بسطها على إنائها فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ و كلّ ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة. و عوّضنا اللّه منه خمس ذي القربى في الكتاب و السنّة، فقال لي: لا ذاك و لا ذاك و لكنّه هديّة، فقلت له: ثكلتك الثواكل أفعن دين اللّه تخدعني بمعجونة عرّقتموها (4)بقندكم و خبيصة (5)صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم، أمختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟ أليس النفوس عن مثقال حبّة من خردل مسؤلة؟ فماذا أقول في معجونة أتزقّمها (6)معمولة؟

و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، و استرقّ لي قطّانها مذعنة بإملاكها (7)، على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها شعيرة فألوكها (8)ما قبلت، و لا أردت، و لدنياكم أهون عندي من ورقة في فم (9)جرادة تقضمها و أقذر عندي من عراقة (10)خنزير يقذف بها أجذمها، و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها (11)، فكيف أقبل ملفوفات عكمتها (12)في طيّها (13)، و معجونة كأنها عجنت بريق حيّة أو قيئها.

ص:206


1- 1) الاصطراخ: الصيحة الشديدة.
2- 2) من طارق: كلمة من بيانية.
3- 3) زمّلها: لفّها.
4- 4) عرّقتموها: مزجتموها بقليل من قندكم، و القند هو المصنوع من السكر.
5- 5) الخبيصة: الحلواء المخلوطة.
6- 6) تزقم: أكل الزقوم و هو الطعام القاتل.
7- 7) الضمير راجع إلى القطان أو إلى الأقاليم.
8- 8) اللوك: دون المضغ و هي ادارة الطعام في الفم.
9- 9) في البحار: [1] في فيّ جرادة و في بعض النسخ: «عرادة» مكان «جرادة» و هي الجرادة الأنثى.
10- 10) العراقة (بضم العين المهملة) : العظم إذا أكل لحمه، و ضمير «أجذمها» للدنيا.
11- 11) فيبشمها: يلفظها بغضا و سأمة.
12- 12) عكمتها: شددتها.
13- 13) المراد بالطيّ هنا ما يطوى فيه الشيء-بحار الأنوار ج 40/355. [2]

اللّهم إنّي نفرت عنها نفار المهرة من كيّها، «أريه السها و يريني القمر» (1)أأمتنع من وبرة قلوصها (2)ساقطة، و أبتلع إبلا في مبركها رابطة؟ أدبيب العقارب من وكرها (3)التقط؟ أم قواتل الرقش (4)في بيتي أرتبط؟

فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي و أقراصي، فبتقوى اللّه أرجو خلاصي، ما لعليّ و نعيم يفنى، و لذّة تنتجها (5)المعاصي سألقى و شيعتي ربّنا بعيون سامرة (6)و بطون خماص، لِيُمَحِّصَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ اَلْكافِرِينَ (7)و نعوذ باللّه من سيّئات الأعمال (8).

ص:207


1- 1) من الأمثال يضرب لمن اقترح على صاحبه شيئا فأجابه بخلاف مراده.
2- 2) القلوص (بفتح القاف) : الشابّة من الابل أو الباقية على السير.
3- 3) الوكر: الجحر.
4- 4) الرقش (بضم الراء) جمع الرقشاء و هي الأفعى.
5- 5) في بعض النسخ: «تنحتها» من النحت و هو بري العود.
6- 6) السامرة: الّتي لم تنم-و في البحار: [1] بعيون ساهرة (بالهاء) .
7- 7) آل عمران:141. [2]
8- 8) أمالي الصدوق:495 ح 7-و [3]عنه البحار ج 40/345 ح 39. [4]

ص:208

الباب الخامس و العشرون

«في زهده في الدنيا و هو من الباب الأول

من طرق الخاصة و العامة»

1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد يعني المفيد قال:

أخبرنا أبو الحسن عليّ بن خالد المراغي، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن صالح، قال: حدّثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي عن محمود بن إبراهيم، عن عليّ بن حزور، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: يا عليّ إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى اللّه منها.

زيّنك بالزهد في الدنيا، و جعلك لا ترزأ (1)منها شيئا، و لا ترزأ منك شيئا، و وهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا و يرضون بك إماما، فطوبى لمن أحبّك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب عليك، فأمّا من أحبّك و صدق فيك فأولئك جيرانك في دارك، و شركاءك في جنّتك، و أمّا من أبغضك و كذب عليك فحقّ على اللّه أن يوقفه موقف الكذّابين يوم (2)القيامة (3).

ص:209


1- 1) لا ترزأ: لا تأخذ.
2- 2) كلمة «يوم القيامة» ليست موجودة في المصدر، و لا في البحار. [1]
3- 3) أمالي الطوسي ج 1/184-و [2]عنه البحار ج 40/28 ح 55-و [3]في البحار ج 39/297 ح 101 [4]

2-و رواه من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان المخالفين قال: أخبرنا الإمام عين الأئمّة أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي الخوارزمي رحمه اللّه، حدّثنا القاضي الأجلّ شمس القضاة جمال الدين أحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق، أخبرني الشيخ الفقيه أبو سهل محمد بن إبراهيم بن إسحاق، أخبرنا القاضي الإمام أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن الحسين البيهقي الجعفي النهرواني، حدثني أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن خالد بن يعقوب الحميري، حدّثنا القاسم بن خليفة بن سواد، حدّثنا داود بن سواد (1)عن عيسى بن عبد الرحمن، عن عليّ بن حزور، عن أبي مريم، قال: سمعت عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ إنّ اللّه زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه منها، زهدك فيها، و بغضها إليك، و حبّب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا و رضوا بك إماما، يا عليّ طوبى لمن أحبّك و صدق عليك، و الويل لمن أبغضك و كذب عليك.

أمّا من أحبّك و صدق عليك فإخوانك في الدين، و شركاؤك في الجنّة، و أمّا من أبغضك و كذب عليك فحقيق على اللّه يوم القيامة أن يقيمه 2مقام الكذابين 3.

3-و من طريق المخالفين أيضا ما رواه أبو نعيم الحافظ أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني في كتاب «حلية الأولياء» في الجزء الأول بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ اللّه عزّ و جلّ زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ

ص:210


1- 1) في المصدر: حمّاد بن سواد.

إلى اللّه تعالى منها، و هي زينة الأبرار عند اللّه تعالى، الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزء من الدنيا و لا ترزء الدنيا منك شيئا، و وهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا و رضوا بك إماما (1).

4-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل (رض) قال:

حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة بن ضرار النهشلي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: صف لي عليّا قال: أو تعفيني؟ قال: لا بل صفه لي، فقال ضرار: رحم اللّه عليّا كان و اللّه فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، و يجيبنا إذا سألناه، و يقرّبنا إذا زرناه، فلا يغلق له دوننا باب، و لا يحجبنا عنه حاجب، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منّا لا نكلّمه لهيبته، و لا نبتديه لعظمته، فإذا تبسّم فعن مثل اللؤلؤة المنظوم.

فقال معاوية: زدني من صفته، فقال ضرار: رحم اللّه عليا كان و اللّه طويل السهاد (2)، قليل الرقاد، يتلو كتاب اللّه آناء الليل و أطراف النهار، يجود للّه بمهجته، و يبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، و لا يدّخر عنّا البدور (3)، و لا يستلين الإتّكاء، و لا يستخشن الجفاء، و لو رأيته إذ مثل في محرابه، و قد أرخى الليل سدوله، و غارت نجومه، و هو قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا ألي (4)تعرضت أم إليّ تشوقت؟ هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك، ثم يقول:

واه واه لبعد السفر، و قلّة الزاد، و خشونة الطريق، قال: فبكى معاوية

ص:211


1- 1) حلية الأولياء ج 1/71-و [1]أخرجه في البحار ج 40/334 ح 15 [2]عن كشف الغمّة ج 1/170 [3]نقلا عن حلية الأولياء. [4]
2- 2) السهاد (بضمّ السين) ذهاب النوم في الليل.
3- 3) البدور: جمع البدرة و هي عشرة آلاف درهم، أو كمّية عظيمة من المال.
4- 4) في البحار: [5] أبي تعرّضت.

و قال: حسبك يا ضرار، كذلك كان و اللّه عليّ رحم اللّه أبا الحسن (1).

5-و قال السيّد الرضيّ قدّس اللّه روحه في كتاب «الخصائص» : ذكروا أنّ ضرار بن ضمرة الضبابي دخل على معاوية بن أبي سفيان لعنه اللّه و هو بالموسم، فقال له: صف عليّا، قال: أو تعفيني؟ قال: لا بدّ أن تصفه لي، قال: كان و اللّه أمير المؤمنين عليه السلام طويل المدى، شديد القوى، كثير الفكرة، غزير العبرة، يقول فصلا، و يحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يأنس من الليل و وحشته، و كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا دعوناه، و يعطينا إذا سألناه.

نحن و اللّه مع قربه لا نكلّمه لهيبته، و لا ندنو تعظيما له، فإن تبسّم فعن غير أشر و لا إختيال، و إن نطق فعن الحكمة و فصل الخطاب، يعظّم أهل الدين و يحب المساكين و لا يطمع الغنيّ في باطله، و لا يؤيس الضعيف من حقّه، أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله (2)، و هو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السّليم (3)، و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا يا دنيا إليك عنّي، أبي تعرّضت، أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك (4)، هيهات غرّي غيري لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، و خطرك يسير، و أملك حقير، آه من قلّة الزاد، و طول المجاز، و بعد السفر و عظم المورد (5).

قال فوكفت دموع معاوية ما يملكها، و هو يقول: هكذا كان عليّ عليه السلام فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزني عليه و اللّه حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى دمعتها، و لا تسكن حرارتها (6).

ص:212


1- 1) أمالي الصدوق:499 ح 2-و [1]عنه البحار ج 41/14 ح 6. [2]
2- 2) سدوله: حجب ظلامه.
3- 3) السليم: الملدوغ من حيّة و نحوها.
4- 4) لاحان حينك: لا جاء وقت وصولك.
5- 5) المورد: موقف الورود على اللّه سبحانه في الحساب.
6- 6) الخصائص:70-نهج البلاغة باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام الرقم (77) - و عنه البحار ج 40/345 ح 28. [3]

6-صاحب كتاب «الصفوة» من علماء العامّة قال: أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال: حدّثنا أبو سعيد بن أبي صادق الحيري، قال:

أنبأنا أبو عبد اللّه بن باكويه الشيرازي (1)، قال: حدّثنا عبد اللّه بن فهد، قال: حدّثنا فهد بن إبراهيم الساجي، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا بن دينار (2)، قال: حدّثنا العبّاس بن بكّار (3)، قال: حدّثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن الكلبي (4)، عن أبي صالح (5)، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة: صف لي عليّا، قال: أو تعفيني (6)؟ قال: لا أعفيك، قال: أمّا إذ لا بدّ فإنّه و اللّه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، و يحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يستأنس بالليل و ظلمته.

كان و اللّه غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفيّه، و يخاطب نفسه، يعجبه من اللّباس ما خشن، و من الطّعام ما جشب، كان و اللّه فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلّمه هيبة، و لا نبتديه لعظمته، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، و يحبّ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد باللّه لقد رأيته في بعض مواقفه، و قد أرخى

ص:213


1- 1) ابن باكويه: محمّد بن عبد اللّه بن باكويه أبو عبد اللّه الصوفي الشيرازي المتوفى سنة (428) - كشف الظنون:27. [1]
2- 2) محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أبو عبد اللّه المؤرخ البغدادي المتوفى سنة (298) -ميزان الاعتدال ج 3/58-59-و قد مرّ.
3- 3) العبّاس بن بكّار: أبو الوليد الضبي البصري سمع منه أبو حاتم الرازي المتوفى سنة (277) ه.
4- 4) الكلبي: محمد بن السائب الكوفي المتوفى سنة (146) ه.
5- 5) أبو صالح: باذام، و يقال: باذان، مولى أمّ هانىء، روى عن ابن عباس، و أبي هريرة، و غيرهما-الجرح و التعديل للرازي ج 2/431.
6- 6) في إرشاد القلوب للديلمي: [2] أولا تعفيني.

الليل سدوله (1)، و غارت نجومه، و قد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السّليم، و يبكي بكاء الحزين، و كأنّي أسمعه الآن و هو يقول:

يا دنيا يا دنيا أبي تعرّضت أم لي تشوّقت؟ هيهات هيهات غرّي غيري قد أبنتك (2)ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، و عيشك حقير، و خطرك كبير، آه من قلّة الزاد، و بعد السفر، و وحشة الطريق.

قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته (3)، فما يملكها، و هو ينشفها بكمّه، و قد اختنق القوم بالبكاء، ثمّ قال معاوية: رحم اللّه أبا الحسن، كان و اللّه كذلك فكيف (4)كان حبّك إيّاه؟ قال: كحبّ أمّ موسى لموسى، و أعتذر إلى اللّه من التقصير، قال: فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى عبرتها، و لا يسكن حزنها.

ثم قام (5)و خرج و هو باك، فقال معاوية: أما لو أنّكم فقدتموني لما كان فيكم من يثني عليّ مثل هذا الثناء، فقال له بعض من كان حاضرا: الصاحب على قدر صاحبه (6).

و هذا الخبر من مشاهير الأخبار، متكرّر في الكتب و الأسفار.

ص:214


1- 1) في المصدر: سجوفه-و هو جمع السجف أي الستر.
2- 2) في المصدر: قد بتّتك ثلاثا.
3- 3) في المصدر: حتّى خرّت على لحيته.
4- 4) هذا السؤال و جوابه. . . إلى «من التقصير» ليس موجودا في المصدر، و لا في الحلية، و لا في الارشاد، و [1]لا في البحار. [2]
5- 5) من هنا إلى الآخر ليس في المصدر، نعم هو موجود في الارشاد و [3]البحار. [4]
6- 6) صفة الصفوة ج 1/315-و أخرجه في البحار ج 41/120 ح 28 [5]عن إرشاد القلوب:218- و [6]في ج 87/156 ح 41 عن عدّة الداعي:194 [7] نحوه-و في أعلام الدين:150 [8]عن كنز الكراجكي:270 [9] باختلاف، و رواه في حلية الأولياء ج 1/84 و روى في الاستيعاب ج 3/1107 بسند آخر نحوه.

الباب السادس و العشرون

«في زهده في الملبس و المطعم و المشرب»

1-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن حمّاد، عن حميد، و جابر (1)العبدي، قالا:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه، ففرض عليّ التقدير في نفسي و مطعمي و مشربي و ملبسي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقير بفقري، و لا يطغي الغنيّ غناه (2).

2-و عنه، عن عليّ بن محمّد، عن صالح (3)بن أبي حمّاد، و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، و غيرهما، بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على عاصم بن زياد، حين لبس العباء، و ترك الملاء، و شكاه أخوه الرّبيع بن زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قد غم أهله و أحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: عليّ بعاصم بن زياد، فجيىء به، فلما رآه عبّس في وجهه، فقال له: أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى اللّه أحلّ لك الطيبات و هو يكره أخذك منها؟ أنت أهون على اللّه

ص:215


1- 1) جابر العبدي: ترجمه الأردبيلي في جامع الرواة ج 1/144 و [1]ذكر أنّ هذه الرواية مرسلة لبعد زمان حماد عن جابر العبدي كثيرا و اللّه أعلم.
2- 2) الكافي ج 1/410 ح 1-و [2]عنه البحار ج 40/336 ح 17. [3]
3- 3) صالح بن أبي حمّاد: سلمة أبو الخير الرازي لقى الامامين الهادي و العسكري عليهما السلام ترجمه أرباب التراجم-جامع الرواة ج 1/404. [4]

من ذلك، أو ليس اللّه يقول: وَ اَلْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَ اَلنَّخْلُ ذاتُ اَلْأَكْمامِ (1)أو ليس يقول: مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (2)إلى قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجانُ (3)فباللّه لابتذال نعم اللّه بالفعال أحبّ إليه من ابتذاله لها بالمقام، و قد قال عزّ و جلّ: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (4)فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة، و في ملبسك على الخشونة؟

فقال: ويحك إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ (5)بالفقير فقره، فألقى عاصم بن زياد العباء و لبس الملاء (6).

3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، قال: حضرت أبا عبد اللّه عليه السلام و قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك، و نرى عليك اللباس الجديد! فقال عليه السلام له: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، و لو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام و سار بسيرة عليّ عليه السلام (7).

4-و عنه، عن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الحسن بن

ص:216


1- 1) الرحمن:10-11. [1]
2- 2) الرحمن:19. [2]
3- 3) الرحمن:22. [3]
4- 4) الضحى:11. [4]
5- 5) التبيّغ: الهيجان و الغلبة.
6- 6) الكافي ج 1/410 ح 3-و [5]عنه البحار ج 41/123 ح 32. [6]
7- 7) الكافي ج 1/411-و ج 6/444 ح 15-و [7]عنه البحار [8]ج 40/336 ح 18 و ج 47/54 ح 92- و الوسائل ج 3/348 ح 16-و [9]غاية المرام:69 ح 3. [10]

عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ عليا عليه السلام كان عندكم، فأتى بني ديوان، فاشترى ثلاثة أثواب بدينار، القميص إلى فوق الكعب، و الإزار إلى نصف الساق، و الرداء من بين يديه إلى ثدييه، و من خلفه إلى الييه (1)، ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتى دخل منزله.

ثم قال: هذا اللباس الّذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و لكن لا تقدرون أن تلبسوا هذا اليوم و لو فعلنا لقالوا:

مجنون، و لقالوا: مراء، و اللّه تعالى يقول: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (2)قال:

و ثيابك ارفعها و لا تجرّها، و إذا قام قائمنا كان هذا اللباس (3).

5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا لبس القميص مدّ يدّه، فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه (4).

6-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن الحسن الصيقل، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: تريد أن أريك (5)قميص عليّ عليه السلام الّذي ضرب فيه، و أريك دمه؟ قال: قلت: نعم، فدعا به و هو في سفط (6)، فأخرجه و نشره، فإذا هو قميص كرابيس السنبلاني (7)، فإذا موضّع الجيب (8)إلى الأرض، و إذا

ص:217


1- 1) في المصدر: إلى اليتيه.
2- 2) سورة المدثر:4. [1]
3- 3) الكافي ج 6/455 ح 2-و [2]عنه البحار ج 41/159 ح 52-و [3]الوسائل ج 3/365 ح 7- و [4]البرهان ج 4/399 ح 2-و [5]نور الثقلين ج 5/453 ح 6. [6]
4- 4) الكافي ج 6/457 ح 7-و [7]عنه البحار ج 41/159 ح 53 و [8]الوسائل ج 3/370 ح 1. [9]
5- 5) في المصدر و البحار: [10] تريد أريك.
6- 6) السفط: معرّب (سبد) و هو وعاء كالقفة أو الجوالق.
7- 7) السنبلاني منسوب إلى السنبلان و هو بلد بالروم.
8- 8) موضّع الجيب: قال في القاموس: التوضيع خياطة الجيّة بعد وضع القطن فيها.

أثر دم أبيض شبه اللبن، شبه شطيب السيف (1)فقال: هذا قميص عليّ عليه السلام الّذي ضرب فيه، و هذا أثر دمه فشبّرت بدنه، فإذا هو ثلاثة أشبار، و شبرت أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا (2).

7-و عنه، عن أبي علي الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا عن الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين، قال: رأيت قميص عليّ عليه السلام الّذي قتل فيه عند أبي جعفر عليه السلام فإذا أسفله اثنا عشر شبرا، و بدنه ثلاثة أشبار، و رأيت فيه نضح دم (3).

8-الشيخ في «أماليه» بإسناده، عن الحسين بن عليّ عليهما السلام قال:

أتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أصحاب القمص، فساوم شيخا منهم، فقال: يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم، فقال الشيخ: حبّا و كرامة، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، فلبسه ما بين الرسغين (4)إلى الكعبين و أتى المسجد فصلّى فيه ركعتين.

ثم قال: الحمد للّه الّذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس، و أؤدّي فيه فريضتي، و أستر به عورتي، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا، أو شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: بل شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول ذلك عند الكسوة (5).

ص:218


1- 1) شطيب السيف: طرائقه التي في متنه.
2- 2) الكافي ج 6/457 ح 8-و [1]عنه البحار ج 41/159 ح 54 و [2]ذيله في الوسائل ج 3/365 ح 4. [3]
3- 3) الكافي ج 6/457 ح 9-و [4]عنه البحار ج 41/160 ح 55 و [5]الوسائل ج 3/365 ح 3. [6]
4- 4) الرسغ (بضم الراء المهملة) : المفصل ما بين الساعد و الكف أو الساق أو القدم.
5- 5) أمالي الطوسي ج 1/375-و [7]عنه البحار ج 41/108 ح 14-و [8]ج 79/320 ح 2-و في الوسائل ج 3/372 ح 5 [9] عنه و عن كشف الغمّة ج 1/164. [10]

9-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد بن مخلّد (1)قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد اللّه بن يزيد الدقّاق المعروف بابن السّماك قال: حدثنا أبو قلابة الرقاشي (2)قال: حدثنا عارم بن الفضل أبو النعمان (3)قال: حدّثنا مرجى أبو يحيى (4)صاحب السفط، قال: و قد ذكرته لحمّاد بن زيد، فعرفه عن معمر بن زياد، أنّ أبا مطر حدّثه قال: كنت بالكوفة فمرّ عليّ رجل، فقالوا:

هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فتبعته، فوقف على خيّاط، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه، فقال: الحمد للّه الّذي ستر عورتي و كساني الرياش، ثم قال: هكذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول إذا لبس قميصا (5).

10-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و أبو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار جميعا، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم و هو يأكل متكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه، فدعاني إلى طعامه؛ فلمّا فرغ، قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأته عين يأكل و هو متكىء منذ أن بعثه اللّه إلى أن قبضه، ثم ردّ على نفسه و قال: لا و اللّه ما رأته عين يأكل و هو متكىء منذ أن بعثه اللّه إلى أن قبضه.

ثم قال: يا محمّد لعلّك ترى أنّه شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية منذ بعثه اللّه تعالى إلى أن قبضه، ثم إنه ردّ على نفسه ثم قال: لا و اللّه ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه اللّه تعالى إلى أن قبضه، أما إنّي لا أقول:

كان لا يجد، لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الإبل، فلو أراد أن يأكل

ص:219


1- 1) هو من شيوخ الشيخ الطوسي سمع منه سنة (417) ه.
2- 2) أبو قلابة الرقاشي: عبد الملك بن محمّد البصري المتوفى سنة (276) ه.
3- 3) عارم محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي الحافظ البصري المتوفى سنة (224) ه.
4- 4) مرجى بن وداع البصري الراسبي له ترجمة في الجرح و التعديل للرازي ج 8/412.
5- 5) أمالي الطوسي ج 1/398-و [1]عنه البحار ج 41/107 ح 13 و [2]ج 79/319 ح 1.

لأكل، و لقد أتاه جبرئيل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات يخيّره من غير أن ينقص اللّه تبارك و تعالى ممّا أعدّ له يوم القيامة شيئا، فيختار التواضع لربّه جلّ و عزّ، و ما سئل شيئا قطّ فيقول: لا، إن كان أعطى و إن لم يكن قال: يكون، و ما أعطى على اللّه شيئا قطّ إلاّ سلّم ذلك إليه حتّى أن كان ليعطى الرجل الجنّة فيسلّم اللّه ذلك له.

ثمّ تناولني بيده و قال: و إن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكلة العبد، و يطعم الناس خبز البرّ و اللحم، و يرجع إلى أهله فيأكل الخبز و الزيت، و إن كان ليشتري القميصين السنبلاني، ثم يخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الباقي، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و ما ورد عليه أمران قطّ كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد ولي الناس خمس سنين، فما وضع آجرّة على آجرّة، و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة، و لا أورث بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادما، و لا أطاق أحد عمله، و إن كان عليّ بن الحسين عليه السلام لينظر في الكتاب من كتب عليّ عليه السلام فيضرب به الأرض و يقول من يطيق هذا (1)؟ !

11-و رواه الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا محمّد بن وهبان، عن محمّد بن أحمد بن زكريّاء، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمّد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ذات يوم، و هو يأكل متّكئا، و قد كان يبلغنا أنّ ذلك يكره.

و ساق الحديث إلى آخره إلاّ أنّ في رواية الشيخ: (و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين ثم يخيّر غلامه) و تقدّم بتمامه في الباب العشرين (2).

12-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن

ص:220


1- 1) الكافي ج 8/129 ح 100. [1]
2- 2) أمالي الطوسي ج 2/303 و [2]تقدّم في ج 1/218 ح 3.

عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ وليّ عليّ عليه السلام لا يأكل إلاّ الحلال، لأنّ صاحبه كذلك، و إنّ وليّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أم حراما (1)؟ لأنّ صاحبه كذلك.

ثم عاد إلى ذكر عليّ عليه السلام فقال: أما و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا و لا كثيرا حتى فارقها، و لا عرض له أمران كلاهما للّه طاعة إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لا نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شديدة قطّ إلاّ وجّهه فيها ثقة به، و لا أطاق أحد من هذه الأمّة عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعده غيره، و لقد كان يعمل عمل رجل كأنّه ينظر إلى الجنّة و النار.

و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كلّ ذلك تحفّى فيه يداه، و يعرق فيه جبينه إلتماس وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من النار، و ما كان قوته إلاّ الخلّ و الزيت، و حلواه التمر إذا وجده، و ملبوسه الكرابيس: فإذا فضل عن ثيابه شيء دعا بالجلم (2)فجزّه (3).

13-عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم بن حكيم، عن عبد الأعلى مولى آل سام (4)، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ الناس يروون أنّ لك مالا كثيرا، فقال: ما يسوؤني ذاك، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ ذات يوم على أناس شتّى من قريش، و عليه قميص مخرق (5)، فقالوا: أصبح عليّ عليه السلام لا مال له، فسمعها أمير المؤمنين عليه السلام فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره، و لا

ص:221


1- 1) في المصدر: أو حراما.
2- 2) الجلم (بفتح الجيم و اللام) : آلة كالمقصّ لجزّ الصوف.
3- 3) الكافي ج 8/163 ح 173 [1] تقدّم مع تخريجاته في باب 20 ح 7.
4- 4) عبد الأعلى مولى آل سام: الكوفي كان من أصحاب الصادق عليه السلام.
5- 5) المخرق: الممزّق.

يبعث إلى إنسان شيئا و أن يوفّره.

ثم قال له: بعه الأوّل فالأوّل و اجعلها دراهم، ثم اجعلها حيث تجعل التمر، و اكبسه (1)معه حيث لا يرى و قال للّذي يقوم عليه: إذا دعوت بالتمر فاصعد، و انظر المال، فاضربه به برجلك، كأنك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها، ثم بعث إلى رجل رجل منهم يدعوهم، ثم دعا بالتمر، فلمّا صعد ينزل بالتمر، ضرب برجله فانتثرت الدراهم، فقالوا: ما هذا يا أبا الحسن؟ فقال: هذا مال من لا مال له، ثم أمر بذلك المال، فقال: انظروا أهل كلّ بيت كنت أبعث إليهم، فانظروا ما له و ابعثوا إليه (2).

14-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن ربعي بن عبد اللّه، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

كان عليّ عليه السلام ليقطع ركابه في طريق مكّة فيشدّه بخوصه ليهوّن الحجّ على نفسه (3).

15-الشيخ المفيد في «إرشاده» قال: أخبرني أبو محمّد الأنصاري، قال: حدّثني محمّد بن ميمون البزّاز قال: حدّثنا الحسين بن علوان، عن أبي عليّ زياد بن رستم، عن سعيد بن كلثوم، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأطراه و مدحه بما هو أهله.

ثم قال: و اللّه ما أكل عليّ بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراما قطّ حتى مضى لسبيله، و ما عرض له أمران فظنّ أنّهما رضى للّه (4)إلاّ أخذ بأشدّهما عليه في بدنه، و ما نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة إلاّ دعاه ثقة به، و ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هذه الأمّة غيره،

ص:222


1- 1) كبسه: جمعه.
2- 2) الكافي ج 6/439 ح 8-و [1]عنه البحار ج 41/125 ح 34. [2]
3- 3) الكافي ج 4/280 ح 3-و [3]عنه الوسائل ج 8/104 ح 1. [4]
4- 4) في البحار: [5] قطّ هما للّه رضا.

و إنّه كان (1)ليعمل عمل رجل كأنّ وجهه بين الجنة و النار، يرجو ثواب هذه، و يخاف عقاب هذه، و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه اللّه و النجاة من النار مما كدّ بيده، و رشح منه جبينه.

و إن كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة، و ما كان لباسه إلاّ الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعا بالجلم فقصّه، و ما أشبهه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه و فقهه من عليّ بن الحسين عليهما السلام و لقد دخل أبو جعفر عليه السلام ابنه عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، و رمضت عيناه من البكاء، و دبرت جبهته، و انخرم أنفه من السجود، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام إلى الصلاة.

فقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك، حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة عليه، و إذا هو يفكّر، فالتفت (2)بعد هنيئة من دخولي فقال يا بنيّ أعطني بعض تلك الصحف الّتي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجّرا، و قال عليه السلام: من يقوى على عبادة عليّ عليه السلام (3)؟ !

16-ابن بابويه قال: حدّثنا صالح بن عيسى العجلي (4)، قال حدّثنا محمّد بن عليّ بن عليّ قال: حدّثنا محمّد بن مندة الإصفهاني (5)، قال: حدّثنا محمّد بن حميد (6)، قال: حدّثنا جرير (7)، عن الأعمش، عن أبي سفيان (8)،

ص:223


1- 1) في البحار: و [1]إن كان ليعمل.
2- 2) في البحار: [2] فالتفت إليّ.
3- 3) الارشاد للمفيد:255-و [3]عنه كشف الغمة ج 2/85-و [4]البحار ج 46/74 ح 65 و [5]الوسائل ج 1/68 ح 18-و [6]العوالم ج 18/90 ح 2-و صدره في البحار ج 41/110 ح 19 و [7]قطعة منه في الوسائل ج 3/370 ح 2. [8]
4- 4) صالح بن عيسى بن أحمد بن محمد العجلي.
5- 5) ابن مندة الأصفهاني: محمد بن يحيى بن مندة الحافظ المتوفى سنة (301) ه.
6- 6) محمد بن حميد: أبو عبد اللّه الحافظ الرازي المتوفى سنة (248) ه تقدم ذكره.
7- 7) جرير: بن عبد الحميد أبو عبد اللّه الحافظ محدّث الري توفي سنة (188) ه.
8- 8) أبو سفيان: طلحة بن نافع الواسطي له ترجمة في ميزان الاعتدال ج 2/342.

عن أنس، قال: كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رجلان من أصحابه في ليلة ظلماء. مكفهرّة، إذ قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ايتوا باب عليّ عليه السلام، فأتينا باب عليّ عليه السلام فنقر أحدنا الباب نقرا خفيفا، إذ خرج علينا عليّ بن أبي طالب عليه السلام متزّرا بإزار من صوف، مرتديا بمثله في كفّه سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذ جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا عليّ قال: لبيك قال: أخبر أصحابي بما أصابك البارحة.

قال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه إنّي لأستحيي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، قال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه أصابتني جنابة البارحة من فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فطلبت في البيت ماء فلم أجد الماء، فبعثت الحسن كذا و الحسين كذا، فأبطأ عليّ، فاستلقيت على قفائي، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت قم يا عليّ و خذ السطل و اغتسل، فإذا أنا بسطل من ماء مملوء، عليه منديل من سندس، فأخذت السطل و اغتسلت و مسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء، فسقط من السطل جرعة فأصابت هامتي، فوجدت بردها على فؤادي.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت و خادمك جبرئيل عليه السلام كذا أخبرني جبرئيل، كذا أخبرني جبرئيل (1).

ص:224


1- 1) أمالي الصدوق:187 ح 4-و [1]عنه البحار ج 39/114 ح 1 و [2]عن الخرايج 2/837 ح 52 نحوه. و أورده المؤلّف أيضا في مدينة المعاجز:23 [3] معجزة:35 عن الأمالي. [4]

الباب السابع و العشرون

«و هو من الباب الأول»

1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن حمّاد بن عثمان، عن زيد بن الحسن (1)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام أشبه الناس طعمة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كان يأكل الخبز و الخلّ و الزيت، و يطعم الناس الخبز و اللحم (2).

2-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن (3)يعقوب بن سالم (4)قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخلّ و الزيت، و يجعل نفقته تحت (5)طنفسته (6).

ص:225


1- 1) زيد بن الحسن الأنماطي.
2- 2) الكافي [1]ج 6/328 ح 3-و ج 8/165 ح 176-و عنه البحار ج 41/131-و [2]في الوسائل ج 17/64 ح 7 [3] عنه و عن المحاسن:483 ح 525 و [4]أخرجه في البحار ج 40/330 ح 12- و [5]ج 66/181 ح 14 عن المحاسن. [6]
3- 3) في المصدر عن عمّه يعقوب بن سالم.
4- 4) يعقوب بن سالم الأحمر الكوفي من موثّقي أصحاب الصادق عليه السلام.
5- 5) الطنفسة (مثلثة الطاء و الفاء) : البساط.
6- 6) الكافي ج 6/328 ح 9-و [7]عنه البحار ج 41/158 ح 50 و [8]الوسائل ج 17/65 ح 10. [9]

3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع المسلي، عن معروف بن خرّبوذ، عمّن رأى أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخبز بالعنب (1).

4-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنّان (2)قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام على المائدة، فمال على البقل، و امتنعت أنا منه لعلّة كانت بي، فالتفت إليّ و قال: يا حنّان أما علمت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يؤت بطبق إلاّ و عليه بقل؟ قلت: و لم؟ جعلت فداك، قال: لأنّ قلوب المؤمنين خضرة هي تحنّ إلى أشكالها (3).

5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن بعض أصحابه رفعه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الكراث (4)بالملح الجريش (5)(6).

6-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن فاطمة بنت عليّ عليه السلام، عن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، و أمّها (7)بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قالت: أتاني أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في شهر رمضان، فأتي بعشاء و تمر و كمأة، فأكل عليه السلام، و كان يحبّ الكمأة (8)(9).

ص:226


1- 1) الكافي ج 6/350 ح 1-و [1]عنه الوسائل ج 17/116 ح 2 و [2]عن المحاسن:547 ح 864. [3]
2- 2) حنّان بن سدير الصيرفي الكوفي كان واقفيا و لكن وثّقوه.
3- 3) الكافي ج 6/362 ح 2-و [4]عنه البحار ج 66/199 ح 4-و [5]الوسائل ج 17/140 ح 1-و [6]عن المحاسن:507 ح 652. [7]
4- 4) الكرّاث (بضم الكاف و فتحها و الراء المهملة المشدّدة) : بقل من فصيلة الزنبقيّات.
5- 5) الجريش (بفتح الجيم) المطحون غير ناعم.
6- 6) الكافي ج 6/366 ح 8-و [8]عنه الوسائل ج 17/157 ح 3-و [9]عن المحاسن:511 ح 684- و [10]أخرجه في البحار ج 66/202 ح 11 [11]عن المحاسن. [12]
7- 7) في المصدر: و أمّها زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.
8- 8) الكمأة (بفتح الكاف جمع الكمأ) : نبات يؤكل من جنس الفطر يقال له بالفارسية: قارچ.
9- 9) الكافي ج 6/369 ح 1-و [13]عنه البحار ج 41/158 ح 51-و [14]في الوسائل ج 17/159 ح 1 [15] عنه

7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن زياد القندي عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: كان دواء أمير المؤمنين عليه السلام السعتر 1، و كان يقول عليه السلام: إنّه يصير للمعدة خملا كخمل القطيفة 2.

8-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي هاشم بن يحيى المدايني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قام أمير المؤمنين إلى إداوة 3فشرب منها و هو قائم 4.

9-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن ابن العزرمي 5، عن حاتم بن إسماعيل المدني 6، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يشرب الماء و هو قائم، ثمّ شرب من فضل وضوئه قائما، ثم التفت إلى الحسين عليه السلام فقال له: يا بنيّ إنّي رأيت جدّك رسول اللّه صنع هكذا 7.

ص:227

10-المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي (1)قال: حدّثنا عبد اللّه بن راشد الإصفهاني (2)قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا أحمد بن شمر (3)قال: حدّثنا عبد اللّه بن ميمون (4)المكّي، مولى بني مخزوم، عن جعفر الصادق بن محمّد الباقر عليهما السلام، عن أبيه، أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام اتي بخبيص (5)، فأبى أن يأكل، فقالوا له: أتحرمه؟ قال: لا، و لكن أخشى أن تتوق (6)إليه نفسي فأطلبه، ثم تلا هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا وَ اِسْتَمْتَعْتُمْ بِها (7)(8).

11-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدّثني أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: و اللّه إن كان عليّ عليه السلام ليأكل (9)أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين، فيخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و لقد ولي خمس سنين ما وضع

ص:228


1- 1) عليّ بن بلال بن أبي معاوية أبو الحسن المهلّبي الأزدي البصري سمع من جعفر بن محمد بن قولويه-جامع الرواة ج 1/559 و ج 2/469. [1]
2- 2) الظاهر كما قال محقّق «الأمالي» [2] أنّ الصواب: علي بن عبد اللّه بن أسد، أو كوشيد أو راشد الاصفهاني و هو كثيرا يروي عن الثقفي.
3- 3) لم نعثر على أحد بهذا العنوان فيما تصفحت من كتب الرّجال.
4- 4) هو القدّاح المخزومي المتقدّم ذكره.
5- 5) الخبيص (بفتح الخاء المعجمة) : الحلواء المعمول من التمر و الزبيب و السمن.
6- 6) تاق إليه: اشتاق.
7- 7) الاحقاف:20. [3]
8- 8) أمالي المفيد:134 ح 2-و عنه البرهان ج 4/175 ح 1-و [4]أخرجه في البحار ج 66/323 ح 3-و [5]الوسائل ج 16/508 ح 3 [6]عن المحاسن:409 ح 133- [7]باختلاف.
9- 9) في بعض نسخ المصدر: و اللّه كان علي عليه السلام يأكل.

آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعة (1)، و لا أورث بيضاء و لا حمراء.

و إنّه كان ليطعم الناس (2)من خبز البرّ و اللحم، و ينصرف إلى منزله، و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخلّ، و ما ورد للّه عليه أمران كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، و تربت فيه يداه، و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس، و إن (3)كان ليصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و إن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهما السلام، و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (4).

12-محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن موسى (5)بن عمر، عن جعفر بن بشير (6)، عن إبراهيم بن مهزم عن أبي مريم، عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام، و بين يديه شواء، فقال لي: أدن فكل، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا لي ضارّ، فقال: أدن، أما أعلّمك كلمات لا يضرّك معهنّ شيء مما تخاف؟ قل: بسم اللّه خير الأسماء ملأ الأرض و السماء الرحمن الرحيم الّذي لا يضرّ مع اسمه شيء و لا داء، تغدّ معنا (7).

ص:229


1- 1) في المصدر و البحار: و [1]لا أقطع قطيعا، و هو الصحيح، لأنّ القطيع قطعة من الأرض تقطع و تجعل غلّتها رزقا للجند، و هي المناسبة للاقطاع.
2- 2) في المصدر و البحار: و [2]إنّه ليطعم الناس.
3- 3) في بعض نسخ المصدر: و إنّه.
4- 4) أمالي الصدوق:232 ح 14-و [3]عنه البحار ج 41/102 ح 1 و [4]في الوسائل ج 1/66 ح 12 [5]عنه و عن مجمع البيان ج 9/88 نحوه، و أخرجه في البحار ج 66/320 [6] عن مجمع البيان، و رواه الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين:116- [7]تقدّم هذا الحديث في الباب العشرين في عبادته عليه السلام ح 2.
5- 5) موسى بن عمر: بن يزيد بن ذبيان الصيقل أبو علي مولى بني فهد.
6- 6) جعفر بن بشير أبو محمد البجلي الوشّاء المعروف بقفّة العلم لكثرة علمه من ثقات الاماميّة توفي بالأبواء سنة (208) ه.
7- 7) الكافي ج 6/318 ح 1-و [8]عنه الوسائل ج 16/515 ح 1 و [9]أخرجه في البحار ج 66/78 ح 4 [10]

13-أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر، أخبرنا الحسن بن معاذ (1)أخبرنا سفيان بن وكيع (2)، أخبرنا أبي، عن الأعمش عن إبراهيم (3)، عن الأسود (4)، عن علقمة (5)، قال: دخلنا على أمير المؤمنين عليه السلام و بين يديه طبق من خوص، عليه قرص أو قرصان من خبز شعير نخالته بيّن في الخبز، و هو يكسره على ركبته و يأكله على جريش، فقلنا لجارية له سوداء يقال لها: فضة: ألاّ نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين؟ فقالت: يأكل هو المهنّىء و يكون الوزر في عنقي، فتبسّم عليه السلام فقال: أنا آمرها أن لا تنخله، فقلنا: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: ذلك أحرى أن يذلّ النفس، و يقتدي بي المؤمنون، و ألحق بأصحابي (6).

14-ابن شهر اشوب: عن الأصبغ، و أبي مسعدة، و الباقر عليه السلام أنّه أتى البزّازين فقال لرجل: بعني ثوبين، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلمّا عرفه مضى عنه، فوقف على غلام و أخذ ثوبين، أحدهما بثلاثة دراهم و الآخر بدرهمين، فقال: يا قنبر خذ الذي بثلاثة، قال: فأنت أولى به، تصعد المنبر و تخطب الناس، قال: و أنت شابّ فلك شره (7)الشباب، و أنا أستحيي من ربّي أن أتفضّل عليك، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: البسوهم ممّا تلبسون، و أطعموهم ممّا تأكلون.

ص:230


1- 1) يحتمل أنّه الحسن بن المثنى بن معاذ بن معاذ العنبري ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح و التعديل ج 3/39 و قال: كتب إليّ ببعض حديثه.
2- 2) سفيان بن وكيع بن الجرّاح له ترجمة في الجرح و التعديل ج 4/231.
3- 3) هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي المتوفى سنة (96) تقدّم ذكره.
4- 4) هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي المتوفى سنة (75) ه.
5- 5) هو علقمة بن قيس بن عبد اللّه النخعي الكوفي المتقدم ذكره.
6- 6) ما وجدنا له بهذا الاسناد مصدرا، نعم مضمونه عن سويد بن غفلة موجود في «الارشاد» للديلمي 215.
7- 7) الشره: شدّة الميل.

فلمّا لبس القميص مدّ كمّ القميص فأمر بقطعه و اتّخاذه قلانس (1)للفقراء، فقال الغلام: هلّم أكفّه (2)قال: دعه كما هو، فإنّ الأمر أسرع من ذلك، فجاء أبو الغلام فقال: إنّ ابني لم يعرفك، و هذان درهمان ربحهما، فقال عليه السلام: ما كنت لأفعل، قد ماكست و ماكسني و اتفقنا على رضى (3).

15-الأصبغ بن نباتة: قال عليّ عليه السلام: دخلت بلادكم بأشمالي هذه، و رحلي و راحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّني من الخائنين.

و في رواية: يا أهل البصرة ما تنقمون منّي إنّ هذا لمن غزل أهلي؟ و أشار إلى قميصه (4).

16-و رآه سويد بن غفلة، و هو يأكل رغيفا يكسره بركبته، و يلقيه في لبن حازر (5)أجد ريحه من شدّة حموضته، و في يده رغيف، أرى قشار الشعير في وجهه، و هو يكسر بيده أحيانا، فإذا غلبه كسره بركبته و طرحه فيه، فقال:

أدن فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إنّي صائم، فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: من منعه الصوم من طعام يشتهيه كان حقّا على اللّه أن يطعمه من طعام الجنة و يسقيه من شرابها، قال: فقلت لجاريته، و هي قائمة بقريب منه: ويحك يا فضّة، أما تتقون (6)اللّه في هذا الشيخ فتنخلون له طعاما لما أرى (7)فيه من النخالة، فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاما، قال: ما قلت لها فأخبرته (8)فقال أمير المؤمنين عليه السلام: بأبي و أمّي

ص:231


1- 1) القلانس: جمع القلنسوة و هي من ملابس الرأس.
2- 2) كف الثوب: خاط حاشيته خياطة ثانية بعد الشلّ.
3- 3) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/97-و [1]عنه البحار ج 40/324. [2]
4- 4) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/98-و [3]عنه البحار ج 40/325. [4]
5- 5) الحازر: اللبن الحامض.
6- 6) في البحار: [5] ألاّ تتّقين اللّه في هذا الشيخ ألاّ تنخلون له طعاما.
7- 7) في البحار: [6] ممّا أرى فيه من النخالة.
8- 8) أي أخبرت عليّا عليه السلام بما قلته للجارية.

من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من خبز الشعير حتى قبضه اللّه تعالى (1).

17-و قال لعقبة بن علقمة: يا أبا الخبوب (2)أدركت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل أيبس من هذا، و يلبس أخشن من هذا، فإن أنا لم آخذ به عليه السلام خفت أن لا ألحق به (3).

18-و ترصّد غداه عمرو بن حريث، فأتت فضّة بجراب (4)مختوم فأخرج منه خبز شعير (5)خشنا، فقال عمرو: يا فضّة لو نخلت هذا الدقيق و طيّبته؟ فقالت: كنت أفعل فنهاني، و كنت أضع في جرابه طعاما طيّبا فيختم (6)جرابه، ثم إنّ أمير المؤمنين عليه السلام فتّه في قصعة وصبّ عليه الماء، ثم درّ عليه الملح، و حسر عن ذراعيه (7)، فلمّا فرغ قال: يا عمرو لقد خابت (8)هذه، و مدّ يده إلى محاسنه، و خسرت هذه أن أدخلها النار من أجل الطعام، و هذا يجزيني (9).

19-و رآه عدي بن حاتم، و بين يديه شنّة (10)فيها قراح ماء و كسيرات من خبز شعير و ملح، فقال: إنّي لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظلّ نهارك طاويا

ص:232


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/98-و [1]عنه البحار ج 40/331-و [2]عن كشف الغمة ج 1/162 [3]نقلا عن مناقب الخوارزمي:67 و الحديث مطابق لما في البحار، [4] عن الكشف، و أمّا ما في المناقب لابن شهر اشوب [5]فمختصر، و أخرج نحوه في الوسائل ج 16/509 ح 8-و [6]البحار ج 66/322 ح 1 [7]عن ارشاد القلوب:215 و [8]سيأتي في باب 356 ح 4 عن مناقب الخوارزمي.
2- 2) في المناقب: [9] يا أبا الجنوب (بالجيم و الواو) و في البحار: ( [10]يا أبا الجندب) (بالجيم و الدال) و على أيّ تقدير ما وجدت له أثرا في كتب الرجال التي بأيدينا.
3- 3) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/98-و [11]عنه البحار ج 40/331. [12]
4- 4) الجراب (بكسر الجيم) : وعاء من جلد.
5- 5) في المصدر و البحار: [13] خبزا متغيرا.
6- 6) في المصدر و البحار: [14] فختم.
7- 7) في المصدر و البحار: [15] عن ذراعه.
8- 8) في المصدر و البحار: [16] حانت هذه.
9- 9) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/98-و [17]عنه البحار ج 40/325. [18]
10- 10) الشنّة (بكسر الشين) القربة الخلق الصغير.

مجاهدا، و بالليل ساهرا مكابدا، ثمّ هذا فطورك، فقال عليه السلام:

علّل النفس بالقنوع و إلاّ طلبت منك فوق ما يكفيها (1)

20-و قال الأحنف (2)بن قيس: دخلت على معاوية فقدّم إليّ من الحلو و الحامض ما كثر تعجّبي منه، ثم قدّم ألوانا ما أدري ما هو فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين البطّ محشوّة بالمخ، قد قلي بدهن الفستق، و ذرّ عليه الطبرزد، فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: ذكرت عليا عليه السلام بينا أنا عنده فحضر وقت افطاره، فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم، فقلت: ما هذا الجراب؟ قال: سويق الشعير، فقلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟ قال: لا و لا أحدهما لكنّي خفت أن يليته الحسن و الحسين عليهما السلام بسمن أو زيت، قلت: محرّم هو؟ قال: لا و لكن يجب على أئمة الحقّ أن يقتدوا بالقسم من ضعفة الناس، كيلا يطغي الفقير فقره، فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله.

21-العرني: وضع خوان من فالوذج (3)بين يديه فوجأ (4)باصبعه حتى بلغ أسفله، و لم يأخذ منه شيئا و تلمّظ (5)باصبعه و قال: طيّب طيب و ما هو بحرام، و لكن أكره أن أعوّد نفسي بما لم أعودها.

و في خبر عن الصادق عليه السلام أنّه مدّ يده إليه ثم قبضها، فقيل له في ذلك، فقال: ذكرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه لم يأكله قطّ، فكرهت أن آكله.

و في خبر آخر عن الصادق عليه السلام قالوا له: أتحرّمه؟ قال: لا،

ص:233


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/98-و [1]عنه البحار ج 40/325. [2]
2- 2) الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المنقري التميمي المتوفى سنة (72) ه.
3- 3) الفالوذج: حلواء تعمل من الدقيق و الماء و العسل.
4- 4) و جأه: ضربه.
5- 5) تلمّظ: تذوّق.

و لكنّي أخشى أن تتوق إليه نفسي، ثم تلا أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا (1).

و عن الباقر عليه السلام في خبر كان عليه السلام ليطعم الناس خبز البرّ و اللحم، و ينصرف إلى منزله، و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخلّ (2).

22-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» عن أبي (3)مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي ارفع إزارك فإنّه أبقى لثوبك و أنقى لك، و خذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه، و هو مؤتزر بإزار و مرتد برداء، و معه الدرّة، كأنه أعرابي بدوي، فقلت من هذا؟ فقال لي رجل:

أراك غريبا بهذا البلد؟ فقلت أجل، رجل من أهل البصرة، قال: هذا عليّ أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهى إلى دار بني معيط، و هو سوق الابل، فقال: بيعوا و لا تحلفوا فإنّ اليمين ينفق. (4)السلعة، و يمحق البركة.

ثمّ أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت:

باعني هذا الرجل تمرا بدرهم، فردّه مولاي و أبى أن يقبله، فقال: خذ تمرك و اعطها درهمها، فإنّها خادمة ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ قال: لا، قلت: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، فصبّ تمره و أعطاه درهمها، و قال: أحبّ أن ترضى عنّي فقال: ما أرضاني عنك إذا وفيتهم (5)حقوقهم.

ثمّ مرّ مجتازا بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربو كسبكم، ثم مرّ مجتازا و معه المسلمون حتى أتى أصحاب السمك، فقال:

ص:234


1- 1) الأحقاف:20. [1]
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/99 و [2]عنه البحار ج 40/327 ح 9. [3]
3- 3) أبو مطر اسمه مجهول، قال في الجرح و التعديل ج 9/445: أبو مطر البصري الجهني روى عن عليّ عليه السلام.
4- 4) ينفق: ينفد و يفنى.
5- 5) مناقب الخوارزمي: إذا وفيت الناس حقوقهم.

لا يباع في سوقنا طاف (1).

ثم أتى دار فرات و هو سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم أتى آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، و لبسه ما بين الرّسغين (2)إلى الكعبين.

و قال حين لبسه: «الحمد للّه الذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس و أواري به عورتي، فقيل له: يا أمير المؤمنين هذا شيء ترويه عن نفسك أو شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: بل شيء سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول عند الكسوة فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل: يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال (3): أفلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ أبوه درهما و جاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و هو جالس على باب الرحبة و معه المسلمون، فقال: أمسك هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، قال: ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان ثمن قميصك درهمين، فقال: باعني برضاي و أخذ رضاه (4).

23-أبو عمرو الزاهد: (5)قال أمير المؤمنين عليه السلام و قد أمر بكنس بيت المال و رشّه فقال: يا صفراء غرّي غيري يا بيضاء غرّي غيري ثم تمثل عليه السلام:

هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه

و عنه قال ابن الأعرابي (6): إنّ عليا صلوات اللّه عليه دخل السوق، و هو

ص:235


1- 1) السمك الطافي: الذي يموت في الماء فيعلو و يظهر.
2- 2) الرسغ (بضم الراء المهملة) المفصل ما بين الساعد و الكف.
3- 3) في مناقب الخوارزمي: قال لابنه.
4- 4) كشف الغمّة ج 1/163 [1] نقلا عن مناقب الخوارزمي:69 و عنه البحار ج 40/331 ح 14. [2]
5- 5) أبو عمرو الزاهد: محمد بن عبد الواحد المطرّز الأديب اللغوي المعروف بغلام ثعلب توفي سنة (345) و له مصنّفات منها اليواقيت في اللغة و هي التي نقل الاربلي في كشف الغمة [3]عنه.
6- 6) ابن الأعرابي: أبو عبد اللّه محمد بن زياد الأديب اللغوي الكوفي المتوفى سنة (231) .

أمير المؤمنين، فاشترى قميصا بثلاثة دراهم و نصف، و لبسه في السوق، فطال أصابعه، فقال للخياط: قصّه، قال: فقصّه، فقال الخيّاط: أخوصه يا أمير المؤمنين؟ قال: لا و مشى، و الدرّة على كتفه، و هو يقول: شرعك ما بلّغك المحل و شرعك حسبك أي كفاك (1).

24-السيد الرضي قال: روي عن مولى لبني الأشتر النخعي (رض) :

رأيت أمير المؤمنين عليه السلام و أنا غلام، و قد أتى السوق بالكوفة، فقال لبعض بايعة الثياب: أتعرفني؟ قال: نعم أنت أمير المؤمنين، فتجاوزه و سأل آخر، فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال: ما أعرفك، فاشترى منه قميصا فلبسه، ثم قال: الحمد للّه الّذي كسى عليّ بن أبي طالب و إنّما ابتاع ممّن لا يعرفه خوفا من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه (2).

25-قال: و قال عليه السلام يوما على المنبر: من يشتري سيفي هذا؟ و لو أنّ لي قوت ليلة ما بعته، و غلّة صدقته تشمل حينئذ على أربعة آلاف دينار في كلّ سنة (3).

ص:236


1- 1) كشف الغمّة ج 1/165 [1] نقلا عن اليواقيت و عنه البحار ج 40/333. [2]
2- 2) الخصائص:80.
3- 3) الخصائص:79.

الباب الثامن و العشرون

في زهده في المطعم و المشرب و الملبس من طريق المخالفين

1-أبو المؤيّد موفّق بن أحمد قال: أنبأني مهذّب الأئمة أبو المظفّر عبد الملك بن عليّ بن محمّد الهمداني نزيل بغداد، أخبرني أبو بكر محمّد بن عليّ الحاج، أخبرني أبو بكر (1)محمّد بن عليّ بن محمّد بن موسى المقري الخيّاط أخبرني أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن يوسف العلاّف، حدّثنا أبو عليّ الحسين بن صفوان بن إسحق بن إبراهيم البردعي (2)، أخبرنا أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدنيا (3)القرشي، أخبرنا الفضل بن (4)سهل، أخبرنا أبو نعيم (5)، أخبرنا سفيان (6)، عن الأجلح (7)، عن عبد اللّه بن (8)أبي الهذيل، قال: رأيت عليّا عليه السلام و عليه قميص زري (9). إذا مدّه بلغ الظفر، و إذا أرسله كان مع

ص:237


1- 1) أبو بكر الخيّاط محمد بن علي بن محمد بن موسى المقرئ الحنبلي العراقي المتوفى سنة (467) ه.
2- 2) أبو علي البردعي: الحسين بن صفوان المتوفى سنة (340) ه.
3- 3) ابن أبي الدنيا أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن عبيد البغدادي المتوفى سنة (280) .
4- 4) الفضل بن سهل الأعرج المتوفى سنة (255) .
5- 5) هو الفضل بن دكين المتوفى سنة (219) تقدّم ذكره.
6- 6) هو سفيان الثوري المتوفى سنة (161) تقدّم ذكره.
7- 7) الأجلح بن عبد اللّه بن حجية بن عدي الكوفي الكندي المتوفى سنة (145) ه.
8- 8) عبد اللّه بن أبي الهذيل العنبري أبو المغيرة له ترجمة في الجرح و التعديل ج 5/196.
9- 9) الزري: المحتقر الذي لا يعدّ شيئا. و في المصدر: عليه قميص رازي. و لعله مصحّف، و في البحار: رأيت على عليّ عليه السلام قميصا زريّا.

نصف الذراع (1).

2-و عنه قال: أخبرنا شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد اللّه الهمداني المعروف بالمروزي، فيما كتب إليّ من همدان، قال: أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد (2)بأصبهان، فيما أذن لي في الرواية عنه، أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث و سبعين و أربعمائة، أخبرنا الإمام طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه (3).

ح أخبرنا أبو النجيب سعد بن عبد اللّه الهمداني المعروف بالمروزي، أخبرنا بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الإصبهاني (4)في كتابه إليّ من إصبهان سنة ثمان (5)و ثمانين و أربعمائة، عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، أخبرنا عبد اللّه (6)بن محمّد بن جعفر، أخبرنا الحسن (7)بن محمد أبو زرعة، أخبرنا إسماعيل بن موسى (8)أخبرنا أبو معاذ صالح بن ميثم، عن الحرث بن حصين (9)قال: قال عمر بن (10)عبد العزيز: ما علمنا أنّ أحدا كان في هذه الأمّة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أزهد من عليّ بن أبي طالب (رض) (11).

ص:238


1- 1) مناقب الخوارزمي:66-و أخرجه في البحار ج 40/330 [1]عن كشف الغمّة ج 1/162 [2] نقلا عن مناقب الخوارزمي.
2- 2) الحافظ أبو علي الحداد الحسن بن أحمد الأصفهاني المتوفى سنة (515) ه.
3- 3) ابن مردويه: أحمد بن موسى الأصفهاني الحافظ المتوفى سنة (410) ه.
4- 4) الحافظ أبو مسعود سليمان بن إبراهيم الأصفهاني المتوفى سنة (486) ه.
5- 5) تاريخ الكتابة لا يمكن أن يكون بعد وفاة الكاتب فأحد التاريخين لا محالة خطأ.
6- 6) هو أبو الشيخ الحافظ الأصفهاني ابن حبّان المتوفى سنة (369) ه.
7- 7) في المصدر: الحسين بن محمد حدثني أبو زرعة.
8- 8) إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي ابن بنت السدي توفّي سنة (245) .
9- 9) في المصدر: «الحرث بن حصيرة» -هو أبو النعمان الأزدي الكوفي عدّ من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام.
10- 10) عادل الخلفاء الأمويّين توفي بدير سمعان في دمشق سنة (101) .
11- 11) مناقب الخوارزمي:67-و أخرجه في البحار ج 40/330 [3]عن كشف الغمّة ج 1/162 [4] نقلا عن الخوارزمي.

3-و عنه أخبرنا الشيخ الحافظ الزاهد أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (1)أخبرنا أبو الحسين بن (2)بشران، أخبرنا أبو عمرو بن السمّاك، أخبرنا سهل بن إسحق قال: قال أبو نعيم (3):

سمعت سفيان (4)، يقول: إذا جاءكم عن عليّ كرّم اللّه وجهه شيء أثبت لك فخذ به: ما بنى لبنة على لبنة و لا بنى قصبة على قصبة و لقد كان يؤتى بحبوته في جراب من المدينة رحمه اللّه تعالى (5).

4-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ (6)، أخبرنا أبو بكر بن أبي نصر الداربردي (7)بمرو، أخبرنا موسى (8)بن يوسف، أخبرنا الحسين بن (9)عيسى بن ميسرة، أخبرنا عبد الرحمن بن مغراء (10)، قال: أخبرنا أبو سعيد البقّال، عن عمران بن مسلم (11)، عن سويد بن غفلة (12)، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب (رض) القصر، فوجدته جالسا بين يديه صحفة، فيها لبن حازر، أجد ريحه من شدّة

ص:239


1- 1) البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي الحافظ الشافعي صاحب التصانيف، توفي عاشر جمادى الأولى سنة (458) بنيشابور، و نقل تابوته إلى بيهق، و عاش أربعا و سبعين سنة-العبر في خبر من غبر ج 3/242. [1]
2- 2) أبو الحسين بن بشران: علي بن محمد بن عبد اللّه بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدّل توفي سنة (415) ه-العبر ج 3/120 ط الكويت- [2]
3- 3) أبو نعيم: هو الفضل بن دكين المتوفى سنة (219) تقدم ذكره.
4- 4) سفيان: هو ابن سعيد الثوري المتوفى سنة (161) تقدم ذكره.
5- 5) المناقب للخوارزمي:67.
6- 6) هو الحافظ الحاكم أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه النشابوري المتوفى سنة (405) ه.
7- 7) في المصدر: الدابروي، و على أيّ نحو لم أعثر على ترجمة له.
8- 8) موسى بن يوسف بن موسى بن راشد القطان أبو عوانة الكوفي الرازي، له ترجمة في الجرح و التعديل ج 8/167.
9- 9) الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي الرازي له ترجمة في الجرح و التعديل ج 3/60.
10- 10) عبد الرحمن بن مغراء: أبو زهير بن عياض بن الحارث الكوفي الرازي تقدّم ذكره.
11- 11) عمران بن مسلم الجعفي الضرير الكوفي و ثقه ابن معين و أبو حاتم.
12- 12) سويد بن غفلة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام توفي سنة (81) .

حموضته، و في يده رغيف أرى آثار قشار الشعير في وجهه، و هو يكسره بيده أحيانا، فإذا أعيا عليه كسره بركبته فيطرحه فيه (1)فقال عليه السلام: أدن فاصب من طعامنا هذا، قلت: إنّي صائم، فقال: سمعت صلى اللّه عليه و آله يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه كان حقّا على اللّه أن يطعمه من طعام الجنّة و يسقيه من شرابها.

قال: فقلت لجاريته، و هي قائمة بقرب منه: ويحك يا فضّة ألا تتقين اللّه في هذا الشيخ ألاّ تنخلون له طعاما مما أرى فيه من النخالة، فقالت: لقد تقدّم إلينا ألاّ ننخل له طعاما، قال: ما قلت لها فأخبرته، فقال عليه السلام:

بأبي و أمّي من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه اللّه عزّ و جلّ.

قال (رض) : الحازر اللبن الحامض جدّا، و في المثل: عدى القارص فحزر، أي جاوز القارص حدّه-مثل يضرب في تفاقم الأمر لأنّ القارص يحذى اللسان و الحازر فوقه (2).

5-و عنه، بهذا الإسناد، عن أحمد بن الحسين (3)هذا، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن محمود الإصبهاني (4)، أخبرنا أبو الحسن (5)بن أحمد بن محمّد بن حبش الإصبهاني، أخبرنا الحسن (6)بن محمد الداركي أخبرنا أبو

ص:240


1- 1) في المصدر: و طرحه في اللبن.
2- 2) المناقب للخوارزمي:67 و تقدّم في الباب (27) الحديث (16) .
3- 3) هو البيهقي أحمد بن الحسين بن علي المتوفى سنة (458) ه و قد مرّ ذكره.
4- 4) أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمود بن عبد اللّه بن إبراهيم الإصبهاني أبو بكر الثقفي النيسابوري. ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ج 4/21 و [1]قال: قدم بغداد في سنة (413) ه.
5- 5) في المصدر: أخبرني الحسن بن أحمد. . . -و لم أظفر على ترجمته.
6- 6) في المصدر: الحسين بن أحمد الدياركي، و لكن أظنّ أنّها مصحّف و الصواب: الحسن بن محمد الداركي (و الداركي نسبة إلى دارك بفتح الراء من قرى أصفهان) و هو الحسن بن محمد بن الحسن بن زياد أبو علي محدّث أصبهان توفي سنة (317) ه-تاريخ أخبار أصفهان لأبي نعيم ج 1/268.

زرعة (1)، أخبرنا يحيى (2)بن سليمان، أخبرنا أسباط (3)بن محمد أبو محمد، أخبرنا عمرو بن قيس الملائي (4)، عن عدي (5)بن ثابت قال: أتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام بفالوذج فأبى أن يأكل منه، و قال: كلّ شيء لم يأكل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا أحب أن آكل منه (6).

6-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا: أخبرنا أبو زكريا (7)بن أبي إسحق، أخبرنا أبو عبد اللّه بن يعقوب (8)، أخبرنا محمد بن (9)عبد الوهاب، أخبرنا جعفر (10)بن عون أخبرنا مسعر (11)، عن عثمان بن (12)المغيرة، عن علي (13)بن ربيعة، قال: رأيت عليا يأتزر، و رأيت عليه تبّانا.

قال (رض) : التبّان سراويل الملاح و هو سروال قصير صغير، و تبّنه أي

ص:241


1- 1) أبو زرعة: عبيد اللّه بن عبد الكريم الرازي الحافظ المتوفى سنة (263) -العبر ج 2/34- [1]
2- 2) يحيى بن سليمان: يحيى أبو سعيد الجعفي الكوفي المتوفى سنة (237) ه-غاية النهاية ج 2/373- [2]
3- 3) أسباط بن محمد أبو محمد الكوفي المتوفى سنة (200) -العبر ج 1/332- [3]
4- 4) عمرو بن قيس الملائي الكوفي المتوفى بعد سنة (140) ه-سير النبلاء ج 6/250.
5- 5) عدي بن ثابت: الأنصاري التابعي الكوفي المتوفى سنة (116) -الجرح و التعديل ج 6/2-
6- 6) مناقب الخوارزمي:68-و عنه كشف الغمة ج 1/163-و [4]رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ج 1/81.
7- 7) أبو زكريا بن أبي إسحاق: يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري المعروف بالمزكّى توفي سنة (414) ه-العبر للذهبي ج 3/118-
8- 8) أبو عبد اللّه محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري المعروف بابن الأخرم الحافظ الكبير المتوفى سنة (344) ه-تذكرة الحفاظ للذهبي ج 3/864-
9- 9) محمد بن عبد الوهاب: أبو أحمد العبدي الفرّاء النيسابوري الفقيه الأديب توفّي سنة (272) ه-العبر للذهبي ج 2/56- [5]
10- 10) جعفر بن عون: بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي أبو عون الكوفي توفي سنة (207) [6] ه عن نيّف و تسعين سنة-العبر ج 1/351- [7]
11- 11) مسعر: بن كدام (بكسر الكاف) أبو سلمة الهلالي الكوفي الحافظ توفي سنة (155) ه-العبر ج 1/224- [8]
12- 12) عثمان بن المغيرة أبي زرعة أبو المغيرة مولى أبي عقيل الثقفي، ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» ج 6/167 و روى توثيقه.
13- 13) عليّ بن ربيعة: الوالبيّ الأسدي الكوفي أبو المغيرة. ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل»

ألبسه إيّاه (1).

7-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد اللّه 2الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس 3محمّد بن يعقوب، أخبرنا العبّاس بن 4محمّد، أخبرنا يحيى بن 5معين، أخبرنا القاسم 6بن مالك، عن ليث 7، عن معاوية 8، عن رجل من بني كاهل قال: رأيت على عليّ عليه السلام تبّانا و قال: نعم الثوب ما أستره للعورة و أكفّه للأذى 9.

8-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين 10هذا، أخبرنا أبو عبد اللّه 11، حدّثنا أبو العبّاس 12، أخبرنا يحيى 13، أخبرنا القاسم بن مالك 14، عن إسماعيل بن سميع 15، عن أبي رزين 16قال: إنّ أفضل ثوب رأيته على عليّ القميص من قهر، و بردين قطريين.

ص:242


1- 1) مناقب الخوارزمي:68.

قال العباس (1): كلّ ثوب يضرب إلى السواد من ثياب اليمن يسمّى قطريا.

قال (رض) : القهر ضرب من الثياب يتخذ من صوف، هكذا ذكره في «ديوان الأدب» (2)«و المهذب» .

و قال الغوري (3): القهر (بكسر القاف) ثياب بيض، و قطر بلد ينسب إليه البرود.

قال أبو النجم (4): «و هبطوا السند بجنبي قطرا» (5)(6)

9-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل (7)أخبرنا عبد اللّه بن جعفر (8)، أخبرنا يعقوب بن سفيان (9)، أخبرنا أبو

ص:243


1- 1) هو العبّاس بن الفرج أبو الفضل الرياشي اللغوي المتوفى سنة (257) ه.
2- 2) «ديوان الأدب» في اللغة، لإسحاق بن إبراهيم الفارابي المتوفّى سنة (350) أو (370) ه، و لخّص كتابه الحسن بن مظفّر النيسابوري المتوفى سنة (442) ه و سمّاه «المهذّب» .
3- 3) الغوري: قال القفطي: لا أعرف من حال الغوري شيئا، و إنّما ذكر لي ياقوت الحموي و قال: رأيت بمرو في بعض خزائن وقفها كتابا كبيرا في اللغة في عدّة مجلّدات من تصنيف الغوري. و تأمّلت الكتاب فرأيته أجمع كتاب و أظنّ أنّ مصنّفه قريب العهد. -إنباه الرواة للقفطي ج 2/389- [1]
4- 4) أبو النجم: الراجز، الفضل بن قدامة العجلي، من أكابر الرّجاز نبغ في العصر الأموي، توفي سنة (130) ه-خزانة الأدب ج 1/49- [2]
5- 5) قال الزبيدي: [3] في «مختصر البلدان» : قطر: بلد بين البحرين و عمان. . . و أنشد الزمخشري لأبي النجم: و نزلوا عند الصفا المشقّرا و هبطوا السند بجنبي قطرا تاج العروس ج 13/445- [4]
6- 6) مناقب الخوارزمي:69.
7- 7) أبو الحسين بن الفضل: هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطّان البغدادي، ولد سنة (335) و توفّي سنة (415) ه-العبر ج 3/120- [5]
8- 8) عبد اللّه بن جعفر: بن درشتويه أبو محمد الفارسي النحوي، توفّي ببغداد سنة (347) -العبر ج 2/282- [6]
9- 9) يعقوب بن سفيان: بن جوّان الفسوي الحافظ المتوفى سنة (277) ه-تذكرة الحفّاظ ج 2/582-

بكر الحميدي (1)، حدثني سفيان (2)حدثني أبو حيّان (3)، عن مجمّع التيمي (4)قال: خرج عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه بسيفه إلى السوق فقال:

من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته (5).

10-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، و أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي (6)، قالا: حدّثنا أبو العبّاس بن محمّد بن يعقوب، أخبرنا العباس بن محمد (7)، حدثني محمد بن عبيد (8)، حدثني المختار، و هو ابن نافع (9)، عن أبي مطر (10)، قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك، فإنّه أبقى لثوبك و أنقى لك، و خذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه و هو مؤتزر بإزار، و مرتد برداء، و معه الدّرة، كأنّه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل:

أراك غريبا بهذا البلد، قلت: أجل، أنا رجل من أهل البصرة، قال: هذا

ص:244


1- 1) أبو بكر الحميدي: عبد اللّه بن الزبير القرشي الأسدي المكي الحافظ، توفّي سنة (219) - تذكرة الحفّاظ ج 2/413-
2- 2) هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي الحافظ، ولد سنة (107) و توفي سنة (198) ه-تذكرة الحفّاظ ج 1/264-
3- 3) أبو حيّان: يحيى بن سعيد بن حيّان التيمي الكوفي المقري، أخذ القراءة عن الأعمش، توفّي سنة (144) -غاية النهاية لابن الجزري ج 2/372-
4- 4) مجمّع: بن سمعان أبو حمزة التيمي الكوفي، توفّي قبل خروج زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام بليلة سنة (122) ه-الجرح و التعديل للرازي ج 4/295-
5- 5) مناقب الخوارزمي:69.
6- 6) أبو بكر القاضي أحمد بن الحسن: بن محمد بن أحمد بن حفص الحيري الحرشي النيشابوري الشافعي، توفّي سنة (421) و [1]له (96) سنة-العبر ج 3/141- [2]
7- 7) العباس بن محمد: هو الحافظ الدوري المتوفى سنة (271) تقدّم ذكره.
8- 8) محمد بن عبيد: بن أبي أمية أبو عبد اللّه الحافظ البغدادي الكوفي، ولد سنة (127) ه، و توفي بالكوفة سنة (204) ه، أو سنة (205) ه-تذكرة الحفّاظ ج 1/333-
9- 9) مختار [3]بن نافع: أبو إسحاق التيمي التمّار الكوفي، ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» ج 8/318-
10- 10) أبو مطر: البصري الجهني، له ترجمة في «الجرح و التعديل» ج 9/445.

عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، حتى انتهى إلى دار بني أبي معيط.

و ذكر الحديث إلى آخر ما تقدم (1)في الباب السابق إلى قوله: باعني برضاي و أخذ برضاه (2).

11-و عنه بهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو الحسين بن بشران (3)أخبرنا الحسين بن صفوان (4)، عن ابن (5)أبي الدنيا، عن أحمد بن حاتم الطويل (6)أخبرنا محمّد بن الحجّاج (7)، عن مجالد (8)، عن الشعبي (9)، عن قبيصة بن جابر (10)، قال: ما رأيت في الدنيا أزهد من عليّ بن أبي طالب عليه السلام (11).

12-صاحب كتاب الصفوة قال: أنبأنا محمّد بن أبي القاسم (12)، قال:

أنبأنا حمد بن (13)أحمد بن الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ (14)،

ص:245


1- 1) تقدم مبسوطا عن «كشف الغمة» [1] عن أبي مطر في الباب (27) .
2- 2) مناقب الخوارزمي:69.
3- 3) تقدّمت ترجمته في ذيل الحديث الثالث من هذا الباب.
4- 4) الحسين بن صفوان: أبو علي البردعي، توفي ببغداد سنة (340) ه-العبر ج 2/259- [2]
5- 5) ابن أبي الدنيا: أبو بكر، عبد اللّه بن محمد بن عبيد البغدادي المتوفى سنة (281) -العبر ج 2/71- [3]
6- 6) أحمد بن حاتم الطويل: البغدادي، له ترجمة في «الجرح و التعديل» لابن أبي حاتم الرازي ج 2/48.
7- 7) محمد بن الحجّاج: أبو إبراهيم اللخمي الواسطي نزيل بغداد، توفّي سنة (181) ه-ميزان الاعتدال ج 3/509-
8- 8) مجالد: بن سعيد الهمداني الكوفي المتوفى سنة (144) ه-العبر ج 1/197- [4]
9- 9) الشعبي: أبو عمرو عامر المتوفّى سنة (104) تقدم ذكره.
10- 10) قبيصة بن جابر: الأسدي الكوفي المتوفى سنة (69) و كان فصيحا-العبر ج 1/77.
11- 11) مناقب الخوارزمي:71-و أخرجه في البحار ج 40/334 [5] عن كشف الغمة ج 1/165 نقلا عن الخوارزمي.
12- 12) يحتمل أنّه محمّد بن أبي القاسم بن عبيد الغولقاني (نسبة إلى غولقان و هي قرية من نواحي مرو) توفي سنة (530) ه-طبقات السبكي ج 7/30. [6]
13- 13) حمد بن أحمد بن الحسن: أبو الفضل الأصبهاني الحدّاد الراوي «حلية الأولياء» ببغداد، توفي سنة (486) ه-العبر ج 3/311- [7]
14- 14) هو أبو نعيم الأصفهاني المتوفى سنة (430) ه و قد تقدّم ذكره.

قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم (1)قال: حدثنا أحمد (2)بن الحسن الصوفي، قال: حدّثنا يحيى بن يوسف (3)الزمّي قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام (4)، عن هارون (5)بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخورنق (6)، و هو يرعد تحت سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قد جعل لك و لأهل بيتك في هذا المال ما يتنعّم، و أنت تصنع بنفسك ما تصنع! فقال: و اللّه ما أرزاكم من مالكم شيئا و إنّها لقطيفتي الّتي خرجت بها من منزلي، أو قال: من المدينة (7).

13-و عنه قال: أنبأنا محمّد بن أبي منصور، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد (8)قال: أخبرنا الحسن بن عليّ التميمي (9)، قال: أنبأنا أبو بكر بن مالك (10)، قال: أنبأنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: أنبأنا محمّد بن عبيد، قال: أنبأنا مختار بن رافع، عن أبي مطر، قال: رأيت عليا عليه السلام مؤتزرا بإزار، مرتديا برداء، و معه الدرّة، كأنّه أعرابي بدوي، حتى بلغ سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة

ص:246


1- 1) أحمد بن جعفر بن سلم: أبو بكر الختلي، (سلم جده الأعلى، و جدّه الأقرب محمّد بن سلم) كان محدثا مقرئا مفسّرا، توفي سنة (365) -العبر ج 2/341- [1]
2- 2) أحمد بن الحسن الصوفي: بن عبد الجبّار المتوفى ببغداد سنة (306) -العبر ج 2/137- [2]
3- 3) يحيى بن يوسف الزمي: (نسبة إلى زم و هي قرية بخراسان) أبو زكريا بن أبي كريمة الخراساني الرازي البغدادي، ترجمه في «الجرح و التعديل» ج 9/200.
4- 4) عبّاد بن العوّام: المحدث الواسطي المتوفى ببغداد سنة (186) أو بعدها-العبر ج 1/293-
5- 5) هارون بن عنترة: ابن أبي وكيع الشيباني، ترجمه ابن أبي حاتم و نقل توثيقه.
6- 6) الخورنق (بفتح الخاء المعجمة و الواو) : موضع بالكوفة-الجرح و التعديل ج 9/92-
7- 7) صفة الصفوة ج 1/316-و [3]رواه في حلية الأولياء ج 1/82-و [4]أخرج نحوه في البحار ج 40/334 [5]عن كشف الغمّة ج 1/173. [6]
8- 8) جعفر بن أحمد: بن الحسين أبو محمد البغدادي المقرىء السرّاح الأديب توفّي سنة (500) - العبر ج 3/355-
9- 9) الحسن بن علي التميمي: بن محمد بن أحمد بن وهب الواعظ أبو علي المذهب، روى «مسند» ابن حنبل عن القطيعي، توفّي سنة (444) -الوافي بالوفيات ج 12/121- [7]
10- 10) تقدّمت ترجمته و ترجمة من بعده.

دراهم، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى (1)آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، ثم جاء أبو الغلام فأخبره، فأخذ أبوه درهما ثم جاء به، فقال: هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، قال:

ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان قميصنا ثمن درهمين قال: باعني رضاي و أخذ رضاه (2).

14-و عنه قال: أنبأنا عبد الوهّاب (3)، قال: أنبأنا محمّد بن عبد الرحمن السكري، قال: أنبأنا أبو بكر بن عبيد، قال: أنبأنا خلف بن سالم (4)، قال: نبأنا وكيع (5)، عن سفيان (6)، عن عمرو بن قيس (7)، أنّ عليا عليه السلام عليه إزار مرقوع، فعوتب في لبسه، فقال: يقتدي بي المؤمن، و يخشع له القلب (8).

15-و عنه، قال: أنبأنا ابن ناصر (9)، قال: نبأنا المبارك بن عبد الجبّار (10)، و عبد القادر بن محمّد (11)قالا: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي (12)،

ص:247


1- 1) هذه الجملة ليست موجودة في المصدر.
2- 2) صفة الصفوة ج 1/317. [1]
3- 3) عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن بن بندار الأنماطي البغدادي ولد سنة (462) -و توفّي سنة (538) -سير النبلاء ج 20/134-
4- 4) خلف بن سالم: الحافظ أبو محمد السندي البغدادي المتوفى سنة (231) -تذكرة الحفّاظ ج 2/481-
5- 5) وكيع: بن الجرّاح أبو سفيان الرؤاسي المتوفى سنة (197) ه-العبر ج 1/325-
6- 6) سفيان: بن سعيد الثوري الكوفي المتوفى سنة (161) ه-العبر ج 1/235- [2]
7- 7) عمرو بن قيس: الملائي الكوفي المتوفى سنة (140) ه مرّ ذكره.
8- 8) صفة الصفوة ج 1/318- [3]حلية الأولياء ج 1/83، و [4]أخرج نحوه في البحار ج 40/334 [5]عن كشف الغمّة ج 1/175. [6]
9- 9) ابن ناصر: محمد بن ناصر بن محمد بن علي أبو الفضل الحافظ البغدادي محدّث العراق، توفّي سنة (550) ه-العبر ج 4/140- [7]
10- 10) المبارك بن عبد الجبّار: بن أحمد بن قاسم أبو الحسين بن الطيوري الصيرفي البغدادي توفي سنة (500) [8] ه-العبر ج 3/356- [9]
11- 11) عبد القادر بن محمّد: بن يوسف البغدادي المتوفى سنة (516) ه-تذكرة الحفاظ ج 4/1256-
12- 12) أبو إسحاق البرمكي: إبراهيم بن عمر الحنبلي البغدادي المتوفى سنة (445) ه-العبر ج 3/208- [10]

قال: أنبأنا أبو بكر بن بخيت (1)قال: نبأنا أبو جعفر بن ذريح (2)قال: نبأنا هنّاد (3)، قال: نبأنا وكيع، عن مطير بن ثعلبة (4)، عن أبي النوار، قال:

رأيت عليا عليه السلام اشترى ثوبين غليظين، خيّر قنبرا أحدهما (5).

16-و عنه قال: حدّثنا وكيع، عن عبيد اللّه بن الوليد، عن فضيل بن مسلم، عن أبيه أنّ عليا اشترى قميصا؛ ثمّ قال: اقطعه لي من ههنا مع أطراف الأصابع.

و في رواية أخرى أنّه لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف الأصابع (6).

17-و عنه، قال: أنبأنا محمد بن أبي القاسم (7)قال: أنبأنا حمد بن أحمد (8)، قال: نبأنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ، قال: حدّثنا محمد بن عمر بن سلم (9)، قال: حدّثنا موسى بن عيسى، قال: أنبأنا أحمد بن محمد العمي، قال: حدّثنا بشر بن إبراهيم (10)قال: حدّثنا مالك بن مغول (11)، و شريك (12)،

ص:248


1- 1) أبو بكر بن بخيت: محمد بن عبد اللّه بن خلف بن بخيت العكبري الدقّاق المتوفى سنة (372) ه-العبر ج 2/369. [1]
2- 2) أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري المتوفى سنة (307) ه-العبر ج 2/140-
3- 3) هنّاد: بن السري بن مصعب بن أبي بكر التميمي الدارمي الكوفي ولد سنة (152) ه، و توفّي سنة (243) ه-العبر ج 1/441-
4- 4) مطير بن ثعلبة: ترجمه ابن أبي الحاتم الرازي، و قال: روى عن أبي النوار عن عليّ عليه السلام، و روى عنه أبو أحمد الزبيري-الجرح و التعديل ج 8/394-
5- 5) صفة الصفوة ج 1/318. [2]
6- 6) صفة الصفوة ج 1/318. [3]
7- 7) محمد بن أبي القاسم: الغولقاني المتوفى سنة (530) تقدّم ذكره.
8- 8) حمد بن أحمد: الحداد الأصفهاني المتوفى سنة (486) تقدّمت ترجمته.
9- 9) محمد بن عمر بن سلم: التميمي البغدادي المعروف بابن الجعابي-توفي سنة (355) -تذكرة الحفّاظ ج 3/925-
10- 10) بشر بن إبراهيم: المفلوج البصري الأنصاري، له ترجمة في الجرح و التعديل ج 2/351- و ميزان الاعتدال ج 1/311-
11- 11) مالك بن مغول: البجلي الكوفي، كان كثير الحديث-توفي سنة (159) ه-العبر ج 1/233. [4]
12- 12) شريك: بن عبد اللّه النخعي الكوفي القاضي، توفي سنة (177) ه-العبر ج 1/270. [5]

عن علي بن الأقمر (1)، عن أبيه، قال: رأيت عليا عليه السلام و هو يبيع سيفا له في السوق، و يقول: من يشتري منّي هذا السيف؟ فو الّذي فلق الحبّة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لو كان عندي ثمن إزار ما بعته (2).

18-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الوراق (3)قال: حدثنا محمّد بن أحمد بن عيسى (4)، قال: حدّثنا عمرو بن تميم، قال: حدّثنا أبو نعيم (5)قال: حدّثنا إسماعيل (6)بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبد الملك بن عمير (7)، يقول: حدّثني رجل من ثقيف أنّ عليا عليه السلام استعمله على عكبرا (8)، قال: قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إليّ، فرحت إليه، فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه، فوجدته جالسا، و عنده قدح، و كوز من مآء. فدعا بظبية (9)، فقلت في نفسي لقد أمنني حين يخرج إليّ جوهرا، و لا أدري فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم فإذا فيها سويق (10)، فأخرج منها فصبّ في القدح، و صبّ عليه ماء فشرب و سقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق، و طعام أهل العراق أكثر من ذلك؟ قال عليه السلام: أما و اللّه ما أختم عليه بخلا عليه،

ص:249


1- 1) علي بن الأقمر: بن عمرو الهمداني الوادعي الكوفي المتوفى بعد سنة (100) ه.
2- 2) صفة الصفوة ج 1/318- [1]رواه في حلية الأولياء ج 1/83-و [2]أخرج نحوه في البحار ج 40/335 [3]عن كشف الغمة ج 1/175. [4]
3- 3) الحسن بن عليّ الورّاق: بن الحسن بن علي بن الحسن بن الخطّاب بن جبير، ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ج 7/387. [5]
4- 4) محمّد بن أحمد بن عيسى: أبو بكر الرازي المتوفى سنة (348) ه.
5- 5) أبو نعيم: الفضل بن دكين الكوفي الحافظ المتوفى سنة (219) ه-العبر ج 1/377- [6]
6- 6) إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر: بن جابر الجعفي الكوفي، ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح و التعديل ج 2/152.
7- 7) عبد الملك بن عمير: القاضي الكوفي المتوفى سنة (136) -تذكرة الحفاظ ج 1/135-
8- 8) عكبرا (بضم الأول و سكون الثاني و فتح الثالث) : بليدة بينها و بين بغداد عشرة فراسخ.
9- 9) الظبية: جراب صغير يشبه الكيس.
10- 10) السويق: الناعم من دقيق الحنطة و الشعير.

و لكنّي ابتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع من غيره، و إنّما حفظي لذاك، و أكره أن أدخل بطني إلاّ طيّبا (1).

19-و عنه أخبرنا أبو القاسم (2)بن الحصين، قال: حدّثنا ابن المذهب (3)، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر (4)، قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد (5)، قال:

حدّثني أبي قال: حدثنا إسماعيل (6)، قال: أخبرنا أيّوب (7)، عن مجاهد (8)قال: قال عليّ عليه السلام: جعت مرّة بالمدينة جوعا شديدا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بإمرأة قد جمعت مدرا، فظننتها تريد بلّه، فأتيتها فقاطعتها كلّ ذنوب على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا، حتى مجلت (9)يداي، ثمّ أتيت الماء، فأصبت منه، ثم أتيتها، فقلت بكفّي هكذا بين يديها، و بسط إسماعيل يديه و جمعهما، فعدت له ستة عشر تمرة، فأتيت النبي صلى اللّه عليه و آله، فأخبرته فأكل معي منها (10).

ص:250


1- 1) صفة الصفوة ج 1/319- [1]حلية الأولياء ج 1/82-و [2]أخرج نحوه في البحار ج 40/335 [3]عن كشف الغمة ج 1/175. [4]
2- 2) أبو القاسم بن الحصين: هبة اللّه بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي توفي سنة (525) ه-العبر ج 4/66- [5]
3- 3) ابن المذهب: الحسن بن علي التميمي البغدادي المتوفى سنة (444) و قد تقدّم ذكره.
4- 4) أحمد بن جعفر: بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي البغدادي المتوفى سنة (368) ه-العبر ج 2/352- [6]
5- 5) عبد اللّه بن أحمد: بن محمد بن حنبل، الحافظ المتوفى ببغداد سنة (290) ه-العبر ج 2/92- [7]
6- 6) إسماعيل: بن إبراهيم بن مقسم البصري المعروف بابن علية (بضم العين المهملة و فتح اللام) توفي سنة (193) أو (194) ه-رجال صحيح البخاري ج 1/63-
7- 7) أيّوب: بن كيسان أبي تميمة السختياني البصري المتوفى سنة (131) -رجال صحيح البخاري ج 1/81-
8- 8) مجاهد: بن جبر أبو الحجّاج المكّي المتوفى سنة (102) أو سنة (103) -رجال صحيح البخاري ج 2/731-
9- 9) مجلت يده: نفطت من العمل و ظهر فيها المجل، و هو أن يكون بين الجلد و اللحم ماء من كثرة العمل.
10- 10) صفة الصفوة ج 1/320- [8]حلية الأولياء ج 1/70-و [9]أورده في كشف الغمّة ج 1/175 [10]باختلاف.

الباب التاسع و العشرون

في عمله عليه السلام بيده و عتقه ألف مملوك من كدّ يده

1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد (1)بن أبي عبد اللّه، عن شريف بن سابق (2)، عن الفضل بن أبي قرّة (3)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر (4)و يستخرج الأرضين و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمصّ النوى بفيه و يغرسه، فيطلع من ساعته، و إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله و كدّ يده (5).

2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم (6)، عن أبيه، عن ابن أبي عمير (7)،

ص:251


1- 1) هو أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي أبو جعفر، أصله الكوفة، انتقل جدّه عبد الرحمن إلى برقة قم و سكن بها فنسب أولاده إليها، و الرجل ثقة في نفسه، جليل القدر، توفي سنة (264) ه.
2- 2) شريف بن سابق: أبو محمد التفليسي، أصله كوفي انتقل إلى تفليس (هي الآن عاصمة الجمهورية الكرجة السوفياتية) له كتاب يرويه جماعة-رجال النجاشي-
3- 3) الفضل بن أبي قرّة: التميمي أصله كوفيّ، روى عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، و له كتاب يرويه جماعة، ذهب من الكوفة إلى سهند من آذربيجان و انتقل منها إلى تفليس.
4- 4) المر (بفتح الميم) : المسحاة-و هي ما يقال لها بالفارسية: (بيل) .
5- 5) الكافي ج 5/74 ح 2-و [1]تقدّم في الباب (45) من المنهج [2]الأوّل، الحديث الأوّل، و له تخريجات ذكرناها هناك.
6- 6) علي بن إبراهيم: بن هاشم القمي من مشايخ الكليني، كان حيّا قبل سنة (329) .
7- 7) ابن أبي عمير: محمد بن زياد بن عيسى البغدادي المتوفى سنة (217) تقدّم ذكره.

عن سيف بن عميرة (1)، و سلمة صاحب السابري، عن أبي أسامة زيد (2)الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله (3)و كدّ يده (4).

3-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (5)، عن ابن محبوب (6)، عن عبد اللّه بن سنان (7)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يخرج أحمال (8)النوى فيقال له: يا أبا الحسن ما هذا معك؟ فيقول: نخل إن شاء اللّه فيغرسه، فما (9)يغادر عنه واحدة (10).

4-و عنه، عن محمّد بن يحيى (11)، عن أحمد بن محمّد (12)، عن ابن فضّال (13)، عن ابن بكير (14)عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لقي

ص:252


1- 1) سيف بن عميرة: النخعي الكوفي الراوي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام له كتاب، و وثّقه النجاشي و ابن شهر اشوب.
2- 2) أبو أسامة: زيد بن يونس الشحّام الكوفي، وثّقه الشيخ و النجاشي، روى عن الصادق و الكاظم عليهما السلام-و له كتاب يرويه جماعة.
3- 3) في المصدر: أعتق ألف مملوك من كدّ يده.
4- 4) الكافي ج 5/74 ح 4-و [1]عنه الوسائل ج 12/22 ح 1-و [2]عن التهذيب ج 6/325 ح 16- و أخرجه في البحار ج 41/42 ح 20 [3]عن المحاسن:624 ح 80. [4]
5- 5) سهل بن زياد: الأدمي أبو سعيد الرازي كان حيّا في سنة (255) ه.
6- 6) ابن محبوب: الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر أبو علي السرّاد الكوفي من أصحاب الكاظم عليه السلام توفّي سنة (224) ه.
7- 7) عبد اللّه بن سنان: بن طريف مولى بني هاشم كوفي، ثقة، روى عن الصادق عليه السلام، و له كتاب.
8- 8) في المصدر: كان يخرج و معه أحمال النوى.
9- 9) في المصدر: فلم يغادر منه واحدة.
10- 10) الكافي ج 5/75 ح 9-و [5]عنه البحار ج 41/58 ح 10-و [6]الوسائل ج 12/25 ح 2. [7]
11- 11) محمد بن يحيى: أبو جعفر العطّار الأشعري القمي تقدم ذكره.
12- 12) أحمد بن محمد: بن خالد البرقي أبو جعفر توفي سنة (274) أو (280) .
13- 13) ابن فضّال: الحسن بن علي بن فضّال الكوفي من أصحاب الرضا عليه السلام، توفي سنة (224) ه.
14- 14) ابن بكير: عبد اللّه بن بكير بن أعين الشيباني مولاهم، روى عن الصادق عليه السلام، و كان له كتاب.

رجل أمير المؤمنين عليه السلام و تحته وسق (1)من نوى، فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال: ألف (2)عذق إن شاء اللّه، قال: فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة (3).

5-و عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الجاموراني (4)عن الحسن بن علي بن أبي حمزة (5)عن أبيه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه من العرق، فقلت: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا عليّ قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه و من أبي، فقلت (6): و من هو؟ قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السلام، كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النبيّين، و المرسلين، و الأوصياء، و الصالحين (7).

6-و عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان (8)، عن ابن مسكان (9)، عن الحسن الصيقل (10)، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ وليّ عليّ عليه السلام لا يأكل إلاّ الحلال، لأنّ صاحبه كان كذلك، و إنّ وليّ عثمان لا يبالي حلالا أكل أو حراما، لأنّ صاحبه كان كذلك.

ص:253


1- 1) الوسق (بفتح الواو و سكون السين المهملة) : ستّون صاعا.
2- 2) العذق (بكسر العين المهملة و سكون الذال المعجمة) : الغصن له شعب.
3- 3) الكافي ج 5/74 ح 6-و [1]عنه البحار ج 1/58 ح 9-و [2]الوسائل ج 12/25 ح 5. [3]
4- 4) الجاموراني: محمد بن أحمد أبو عبد اللّه الرازي له ترجمة في جامع الرواة ج 2/59. [4]
5- 5) تقدّم ذكره.
6- 6) في المصدر: فقلت له.
7- 7) الكافي ج 5/75 ح 10- [5]تقدم في الباب (45) من المنهج [6]الأول الحديث الثالث، و له تخريجات ذكرناها هناك.
8- 8) علي بن النعمان: الأعلم أبو الحسن الكوفي النخعي مولاهم، روى عن الرضا عليه السلام له كتاب يرويه جماعة، وثقه النجاشي.
9- 9) عبد اللّه بن مسكان أبو محمد روى عن الصادق و الكاظم عليهما السلام. و توفّي في أيّام أبي الحسن عليه السلام.
10- 10) الحسن الصيقل: بن زياد أبو محمد الكوفي من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام.

قال: ثمّ عاد إلى ذكر عليّ عليه السلام فقال: أما و الذي ذهب بنفسه ما أكل من الدّنيا حراما، لا قليلا و لا كثيرا، حتى فارقها، و لا عرض له أمران، كلاهما للّه طاعة، إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لا نزلت برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم شديدة قطّ إلاّ وجّهه فيها ثقة به، و لا أطاق أحد من هذه الأمّة عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعده غيره، و لقد كان يعمل عمل رجل كأنّه ينظر إلى الجنّة و النّار.

و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كلّ ذلك تحفّى (1)فيه يداه، و تعرّق فيه جبينه، التماس وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من النار، و ما كان قوته إلاّ الخلّ (2)، و حلواه التمر إذا وجده، و ملبوسه الكرابيس، فإذا فضل من ثيابه شيء دعا بالجلم (3)فجزّه (4).

7-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم (5)، عن معاوية بن وهب (6)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ، و ما رأى (7)ركبتيه أمام جليسه في مجلس قطّ، و لا صافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا قطّ فنزع يده، حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، و لا كافأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسيّئة قطّ.

ص:254


1- 1) حفى يحفى (من باب تعب) قدماه أو يداه: رقّت من كثرة المشي أو العمل.
2- 2) في المصدر: و ما كان قوته إلاّ الخلّ و الزيت.
3- 3) الجلم (بفتح الجيم و اللام) : آلة كالمقصّ يجزّ بها الصوف.
4- 4) الكافي ج 8/163 ح 173- [1]تقدّم في الباب (20) من هذا المنهج الحديث السابع-و له تخريجات ذكرناها هناك.
5- 5) علي بن الحكم بن الزبير الكوفي أبو الحسن الضرير كان من أصحاب الرضا عليه السلام.
6- 6) معاوية بن وهب: تقدّم ذكره.
7- 7) في ذيل المصدر نقلا عن «مرآة العقول» : [2] أي إن احتاج لعلّة إلى كشف ركبتيه ليراه لم يفعل ذلك عند جليسه حياء منه، و في بعض النسخ (و ما أرى ركبتيه) أي لم يكشفها عند جليس، و على النسختين يحتمل أن يكون المراد لم يكن يتقدّمهم في الجلوس بأن تسبق ركبتاه إلى ركبهم (آت) .

قال: و قد قال اللّه له: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ (1)ففعل، و ما منع سائلا قطّ إن كان عنده أعطى، و إلاّ قال: يأتي اللّه به، و لا أعطى على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إن كان ليعطي الجنّة فيجيز اللّه له ذلك.

قال: و كان أخوه (2)من بعده و الّذي ذهب بنفسه ما أكل من الدّنيا حراما قطّ حتّى خرج منها، و اللّه إنّه كان ليعرض له أمران كان كلاهما للّه عزّ و جلّ طاعة فيأخذ بأشدّهما على بدنه، و اللّه لقد أعتق ألف مملوك لوجه اللّه عزّ و جلّ دبرت (3)فيهم يداه، و اللّه ما أطاق عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده أحد غيره، و اللّه ما نزلت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نازلة قطّ إلا قدّمه فيها ثقة منه به، و إنّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليبعثه برايته فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتّى يفتح اللّه عزّ و جلّ له (4).

8-و عنه عن أحمد بن محمّد بن أحمد الكوفي (5)، عن عليّ بن الحسن التيمي (6)، عن عليّ (7)بن أسباط، عن عليّ بن جعفر (8)قال: حدثني معتب (9)، أو غيره، قال: بعث عبد اللّه (10)بن الحسن إلى أبي

ص:255


1- 1) المؤمنون:96. [1]
2- 2) يعني أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3) دبر (بكسر الباء الموحدة) : أصابته الدبرة و هي القرحة.
4- 4) الكافي ج 8/164 ح 175- [2]تقدّم الحديث في الباب (22) من المنهج [3]الأوّل الحديث الأوّل، و له تخريجات ذكرناها هناك.
5- 5) أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي: بن طلحة بن عاصم أبو عبد اللّه العاصمي، أصله الكوفة و سكن بغداد. و كان من مشايخ الكليني.
6- 6) علي بن الحسن التيمي: بن فضّال أبو الحسن، كان من الفقهاء الثقات، وثّقه الشيخ و النجاشي.
7- 7) علي بن أسباط: تقدّم ذكره.
8- 8) علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام. جليل القدر، سكن العريض من نواحي المدينة فنسب ولده إليها، عاش حتّى لقى الإمام الجواد عليه السلام و تأدّبه تجاهه معروف.
9- 9) معتب: مولى الصادق عليه السلام، روى الكشي عن المفيد بإسناده عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «هم عشرة» يعني مواليه «فخيرهم و أفضلهم معتب» .
10- 10) عبد اللّه بن الحسن بن الحسن المجتبى عليه السلام المتوفّى بالسجن سنة (145) ه.

عبد اللّه عليه السلام يقول لك أبو محمد: أنا أشجع منك، و أنا أسخى منك، و أنا أعلم منك.

فقال لرسوله: أمّا الشجاعة فواللّه ما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك، و أما السخاء فهو الّذي يأخذ الشيء من جهته فيضعه في حقّه، و أمّا العلم فقد أعتق أبوك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ألف مملوك فسمّ لنا خمسة منهم و أنت عالم، فعاد إليه فأعلمه، ثم عاد إليه فقال له: يقول لك: إنّك رجل صحفي (1)، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام قل له: إي و اللّه صحف إبراهيم، و موسى، و عيسى، ورثتها من آبائي (2).

9-ابن بابويه قال: حدثني أبي (رض) قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (3)، عن عاصم (4)بن حميد، عن محمّد بن قيس (5)، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: و اللّه إن كان عليّ عليه السلام ليأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين، فيخيّر غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و لقد وليّ خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة، و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعا، و لا أورث بيضاء و لا حمراء، و إنّه ليطعم الناس من خبز البرّ و اللحم، و ينصرف إلى منزله، و يأكل خبز الشعير، و الزيت، و الخلّ، و ما ورد عليه أمران كلاهما للّه رضا إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، و تربت (6)فيه يداه، و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس، و إن كان ليصلّي

ص:256


1- 1) أي لم تأخذ العلم من الرجال، بل أخذت من الكتب.
2- 2) الكافي ج 8/363 ح 553-و [1]عنه البحار ج 47/298 ح 23. [2]
3- 3) عبد الرحمن بن أبي نجران عمرو بن مسلم أبو الفضل التميمي الكوفي وثّقه أرباب الرجال مرّتين، روى عن الرضا عليه السلام، و له كتب كثيرة-مجمع الرجال ج 4/73-
4- 4) عاصم بن حميد الحنّاط الكوفي أبو الفضل، روى عن الصادق عليه السلام و له كتاب.
5- 5) محمد بن قيس: البجلي أبو عبد اللّه الكوفي المتوفى سنة (151) ه و له كتاب القضايا يرويه عنه عاصم بن حميد، روى عن الباقر و الصادق عليهما السلام-مجمع الرجال ج 6/28-
6- 6) تربت يداه أصابهما تراب.

في اليوم و الليلة ألف ركعة، و إنّه كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهما السلام و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (1).

10-كتاب «الخرائج و الجرائح» روي عن عيسى (2)بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه عن جدّه عن علي عليه السلام، قال: لمّا رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان، و عمّار بن ياسر، عبيد اللّه بن أبي رافع (3)، فقال:

اجمعوا الناس ثم انظروا إلى ما في بيت مالهم فاقسموا بينهم بالسويّة، فوجدوا نصيب كلّ واحد منهم ثلاثة دنانير، فأمرهم يقعدون للناس و يعطونهم.

قال: و أخذ مكتله و مسحاته، ثم انطلق إلى بئر الملك، يعمل فيها فأخذ الناس ذلك القسم، حتى بلغوا الزبير، و طلحة، و عبد اللّه بن عمر، أمسكوا بأيديهم، و قالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟ قالوا: بل هذا أمره، و لا نعمل إلا بأمره، قالوا: فاستأذنوا لنا عليه، قالوا: ما عليه إذن هو ذا ببئر الملك يعمل.

فركبوا دوابّهم حتى جاؤوا إليه، فوجدوه في الشمس، و معه أجير له يعينه فقالوا له: إنّ الشمس حارّة فارتفع معنا إلى الظلّ، فارتفع معهم إليه، قالوا:

لنا قرابة من نبيّ اللّه و سابقة و جهاد، إنّك أعطيتنا بالسويّة، و لم يكن عمر و لا عثمان يعطوننا بالسويّة، كانوا يفضّلوننا على غيرنا، فقال عليه السلام أيّهما عندكم أفضل؟ ! عمر أو أبو بكر؟ قالوا: أبو بكر، قال: فهذا قسم أبي بكر، و إلاّ فدعوا أبا بكر و غيره، فهذا كتاب اللّه فانظروا ما لكم من حقّ فخذوه، قالوا: فسابقتنا قال عليه السلام: أنتما أسبق منّي بسابقتي؟ قالوا:

لا، قالوا: فجهادنا قال عليه السلام: جهادكم أعظم من جهادي؟ قالوا:

ص:257


1- 1) أمالي الصدوق:232 ح 14- [1]تقدّم الحديث مع تخريجاته في الباب (20) من هذا المنهج، الحديث الثاني.
2- 2) عيسى بن عبد اللّه الهاشمي: بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب الصادق عليه السلام و له كتاب.
3- 3) عبيد اللّه بن أبي رافع: كاتب أمير المؤمنين عليه السلام و شهد معه الجمل و صفّين و النهروان- و له كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام.

لا، قال: فو اللّه ما أنا في هذا المال و أجيري هذا إلاّ بمنزلة سواء، قالا: أفتأذن لنا في العمرة؟ قال: ما العمرة تريدان، و إنّي أعلم أمركم و شأنكم، فاذهبا حيث شئتما، فلمّا وليّا قال عليه السلام: فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه (1).

11-و من طريق المخالفين ما رواه صاحب كتاب «الصفوة» قال:

أخبرنا ابن الحصين، قال: أنبأنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا إسماعيل (2)، قال: أخبرنا أيّوب (3)، عن مجاهد، قال: قال عليّ عليه السلام: جعت مرّة بالمدينة جوعا شديدا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة (4). و الحديث في آخر الباب الثامن و العشرين تقدّم بتمامه (5).

ص:258


1- 1) الخرائج و الجرائح:176-و عنه البحار ج 32/110 ح 85. [1]
2- 2) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري المتوفى سنة (193) ه تقدّم ذكره.
3- 3) هو أيّوب بن كيسان البصري المتوفى سنة (131) ه تقدّم ذكره.
4- 4) صفة الصفوة ج 1/320. [2]
5- 5) تقدّم الحديث في الباب (28) من هذا المنهج مع تخريجاته برقم (19) .

الباب الثلاثون

في عمله عليه السلام في البيت و تواضعه

1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب، و يستقي، و يكنس، و كانت فاطمة صلوات اللّه عليها تطحن، و تعجن، و تخبز (1).

2-ابن شهر اشوب روى ذلك عن الصادق عليه السلام ثم قال: و عن الباقر عليه السلام و إن صاحبكم ليجلس جلسة العبد، و يأكل أكل العبد (2).

3- «الابانة» عن ابن بطة (3)«و الفضائل» عن أحمد: إنّه عليه السلام اشترى تمرا بالكوفة فحمله في طرف ردائه، فتبادر الناس إلى حمله، و قالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال: ربّ العيال أحقّ بحمله (4).

4- «قوة القلوب» عن أبي طالب المكّي (5)إنّه كان عليه السلام يحمل التمر و الملح بيده و يقول:

ص:259


1- 1) الكافي ج 5/86 ح 1-و [1]عنه الوسائل ج 12/39 ح 1-و [2]عن الفقيه ج 3/169 ح 3640- و أخرجه في البحار ج 41/54 [3]عن المناقب لابن شهر اشوب ج 2/104. [4]
2- 2) المصدر في هذا الموضع خال عن هذا الحديث.
3- 3) ابن بطّة: عبيد اللّه بن محمد العكبري الحنبلي المتوفى (387) تقدّم ذكره.
4- 4) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/104. [5]
5- 5) أبو طالب المكي: محمد بن علي الحارثي الواعظ الصوفي المتوفى ببغداد سنة (386) ه.

لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفع إلى عياله (1)

5-زيد بن عليّ عليه السلام إنّه كان عليّ عليه السلام يمشي في خمسة حافيا، و يعلّق نعليه بيده اليسرى: يوم الفطر، و النحر، و الجمعة، و عند العيادة، و تشييع الجنازة، و يقول: إنّها مواضع اللّه تعالى، و أحبّ أن أكون فيها حافيا (2).

6-زاذان (3)إنّه عليه السلام كان يمشي في الأسواق وحده، و هو ذاك يرشد الضالّ، و يعين الضعيف، و يمرّ بالبيّاع و البقّال فيفتح عليه و يقرأ:

تِلْكَ اَلدّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (4) (5).

7-(الصادق عليه السلام) خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه، و هو راكب، فمشوا معه، فالتفت إليهم فقال: ألكم حاجة؟ قالوا: لا و لكنّا نحبّ أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا و ارجعوا، النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى (6)(7).

8-و نزل (8)له دهاقين الأنبار و اشتدّوا بين يديه، فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا: خلق خلق منا نعظّم به أمرائنا، فقال: و اللّه ما ينتفع بهذا أمراءكم، و إنّكم لتشقّون به على أنفسكم، و تشقون به في آخرتكم، و ما أخسر المشقّة ورائها العقاب؟ ! و ما أربح الراحة معها الأمان من النار؟ ! (9)

ص:260


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/104. [1]
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/104. [2]
3- 3) زاذان بن عمر: أبو عمر الكوفي الكندي التابعي المتوفى سنة (82) ه-العبر ج 1/94-
4- 4) القصص:83. [3]
5- 5) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/104-و [4]عنه البحار ج 41/54. [5]
6- 6) النوكى (بفتح النون و سكون الواو و آخرها الألف المقصورة) : جمع الأنوك على وزن الأحمق لفظا و معنى.
7- 7) المناقب ج 2/104-و [6]البحار [7]نحوه عن المحاسن:629 ح 104. [8]
8- 8) في المصدر: و ترجّل دهاقين الأنبار له و أسندوا بين يديه.
9- 9) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/104-و [9]عنه البحار ج 41/55 ح 3. [10]

9-الحسن العسكريّ عليه السلام في خبر طويل إنّ رجلا و ابنه وردا عليه، و قام إليهما و أجلسهما في صدر مجلسه، و جلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم أخذ الإبريق ليصبّ على يد الرّجل، فتمرّغ الرّجل في التراب، فقال: يا أمير المؤمنين كيف اللّه يراني و أنت تصبّ على يدي، قال: أقعد و اغسل فإنّ اللّه تعالى يراني أخاك (1)الذي لا يتميّز منك و لا يتفضّل عليك يخدمك و يريد بذلك في خدمته في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا و على حسب ذلك في مماليكه فيها، فقعد الرّجل و غسل يده، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفية، و قال: يا بنيّ لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، و لكنّ اللّه يأبى أن يسوّي بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب فليصبّ الابن على الابن (2).

10-الباقر عليه السلام في خبر إنّه رجع عليه السلام إلى داره في وقت القيظ، و إذا امرأة قائمة تقول: إنّ زوجي ظلمني و أخافني، و تعدّى عليّ، و حلف ليضربني فقال عليه السلام: يا أمة اللّه اصبري حتّى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء اللّه، فقالت: يشتدّ غضبه و حرده (3)عليّ فطأطأ رأسه ثم رفعه، و هو يقول: لا و اللّه أو يؤخذ للمظلوم حقّه غير متعتع (4)أين منزلك؟ فمضى إلى بابه، فوقف فقال: السّلام عليك (5)، فخرج شابّ، فقال عليّ عليه السلام: يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّك قد أخفتها و أخرجتها، فقال الفتى: و ما أنت و ذاك؟ لأحرقتها لكلامك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: آمرك بالمعروف، و أنهاك عن المنكر و تستقبلني بالمنكر و تنكر المعروف؟

قال: فأقبل النّاس من الطرق، و يقولون: السّلام عليك (6)يا أمير

ص:261


1- 1) في البحار: [1] فإنّ اللّه عزّ و جلّ يراك و أخوك الذي لا يتميز منك و لا ينفصل عنك.
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/105-و [2]أخرجه بتمامه في البحار ج 41/55 ح 5 [3]عن الاحتجاج ج 2/460. [4]
3- 3) الحرد (بفتح الحاء و الراء المهملتين) : الغضب.
4- 4) المتعتع (بفتح التائين) : المتحرّك بعنف و قلقلة.
5- 5) في المصدر المطبوع و البحار: [5] السلام عليكم.
6- 6) في المصدر المطبوع و البحار: [6] سلام عليكم.

المؤمنين، فسقط الرّجل في يديه فقال: أقلني عثرتي، فو اللّه لأكوننّ لها أرضا تطأني، فأغمد عليّ سيفه و قال: يا أمة اللّه ادخلي منزلك، و لا تلجئي زوجك إلى مثل هذا و شبهه (1).

11-الباقر عليه السلام: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام و هو في المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين امرأة بيني و بينها خصومة، و بها العلّة، و هي على باب المسجد لا تستطيع الدخول، فقام معه، و قضى بينهما ثم دخل عليه السلام.

ص:262


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/106-و [1]عنه البحار ج 41/57 ح 7. [2]

الباب الحادي و الثلاثون

في جوده عليه السلام و فيه نزلت وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ

1-الشيخ الثقة محمّد بن العباس بن ماهيار، «فيما نزل في أهل البيت» قال: حدّثنا سهل بن محمّد العطّار (1)، عن أحمد بن عمر الدهقان (2)، عن محمّد بن كثير (3)، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة، قال: إنّ رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بيوت أزواجه، فقلن:

ما عندنا شيء إلاّ الماء، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من لهذا الرجل الليلة؟ فقال عليّ عليه السلام: أنا يا رسول اللّه، فأتى فاطمة عليها السلام فأعلمها، فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية (4)، و لكنّا نؤثر به ضيفنا، فقال عليه السلام: يا ابنة محمد صلّى اللّه عليه و آله نوّمي الصبية و أطفئي السراج.

فلمّا أصبح عليّ عليه السلام غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

ص:263


1- 1) في تأويل الآيات المطبوع حديثا: محمّد بن سهل، و هكذا في «إحقاق الحق» و «شواهد التنزيل» ، و [1]في «الجامع في الرجال» : محمد بن الحسن بن سهل العطّار، و على أيّ تقدير ما وجدناه في كتب الرّجال.
2- 2) قال الزنجاني في «جامع الرجال» : أحمد بن عمر الدهقان، روى المفيد عن الجعابي، و الشهرزوري عن محمد بن الحسن بن سهل العطّار، عنه، عن رجاله أحاديث-و المظنون أنّه من الناس.
3- 3) في إحقاق الحق: محمد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز.
4- 4) الصبية (بضم الصاد المهملة و فتحها و كسرها) جمع الصبيّ.

فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى نزلت هذه الآية: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (1)(2).

2-و رواه الشيخ في «الأمالي» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو نصر محمّد بن الحسين المقري، قال: حدّثنا محمّد بن سهل العطّار، قال: حدّثنا أحمد بن عمر الدهقان، قال: حدّثنا محمّد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عاصم (3)بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بيوت أزواجه، فقلن:

ما عندنا إلاّ الماء (4).

و ساق الحديث إلى قوله: المفلحون.

و رواه ابن شهر اشوب من طريق المخالفين من تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان، و عليّ بن حرب الطائي (5)، و مجاهد، بأسانيدهم عن ابن عباس، و أبي هريرة (6).

و روى جماعة عن عاصم بن كليب، و اللفظ له، عن أبي هريرة أنّه جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فشكى إليه الجوع و ذكر الحديث (7).

3-محمد بن العباس أيضا قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن

ص:264


1- 1) الحشر:9. [1]
2- 2) تأويل الآيات ج 2/678 ح 4-و عنه البحار ج 36/59 ح 1 و [2]البرهان ج 4/317 ح 9-و [3]أورده في إحقاق الحق ج 14/542 [4]عن شواهد التنزيل ج 2/246 ط بيروت. [5]
3- 3) عاصم بن كليب: بن شهاب الكوفي المتوفى بعد سنة (130) ه.
4- 4) أمالي الطوسي ج 1/188- [6]تقدّم الحديث في الباب (23) من المنهج [7]الأول برقم (12) مع تخريجات ذكرناها هناك.
5- 5) علي بن حرب الطائي: أبو الحسن الموصلي، ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» ج 6/183.
6- 6) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/73-و [8]عنه البحار ج 41/28 ح 3. [9]
7- 7) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/74 و [10]في ذيله: (و من يوق شحّ نفسه) يعني عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين (فأولئك هم المفلحون) .

محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن كليب (1)بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد اللّه في قوله تعالى: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (2)قال: بينما عليّ عليه السلام عند فاطمة عليها السلام إذ قالت له: يا عليّ اذهب إلى أبي فأبغنا (3)منه شيئا، فقال: نعم، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأعطاه دينارا، و قال يا عليّ: اذهب فابتع لأهلك طعاما، فخرج من عنده، فلقيه المقداد بن الأسود رحمه اللّه، و قاما ما شاء اللّه أن يقوما، و ذكر له حاجته، فأعطاه الدينار، و انطلق إلى المسجد، فوضع رأسه فنام، فانتظره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يأت، ثم انتظره فلم يأت.

فخرج يدور في المسجد، فإذا هو بعليّ عليه السلام نائم في المسجد، فحرّكه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقعد، فقال له: يا عليّ ما صنعت؟ فقال: يا رسول اللّه خرجت من عندك فلقيني المقداد بن الأسود فذكر لي ما شاء اللّه أن يذكر، فأعطيته الدينار، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أما إنّ جبرئيل عليه السلام فقد أنبأني بذلك، و قد أنزل اللّه فيك كتابا: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (4).

4-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت، عن القاسم بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان، عن سماعة بن مهران، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بمال و حلل، و أصحابه حوله جلوس، فقسّمه عليهم حتى لم يبق منه حلة و لا دينار، فلمّا فرغ منه جاء رجل من فقراء المهاجرين، و كان غائبا رآه رسول اللّه صلى اللّه

ص:265


1- 1) كليب بن معاوية: بن جبلة أبو محمد الأسدي الصيداوي الكوفي روى عن الباقر و الصادق عليهما السلام، و يروي عنه جماعة كفضالة، و صفوان، و ابن أبي عمير-مجمع الرجال ج 5/72-
2- 2) الحشر:9. [1]
3- 3) أبغاه الشيء: جعله طالبا له، و أعانه على طلبه.
4- 4) تأويل الآيات:2/679 ح 5-و عنه البحار ج 36/59 ح 2 و [2]البرهان ج 4/317 ح 1. [3]

عليه و آله و سلّم قال: أيّكم يعطي هذا نصيبه و يؤثره على نفسه؟ فسمعه عليّ عليه السلام فقال: نصيبي فأعطاه إيّاه، فأخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فأعطاه الرجل.

ثم قال: يا عليّ إنّ اللّه جعلك سبّاقا للخير، سخّاء بنفسك من المال، أنت يعسوب المؤمنين (1)و المال يعسوب الظلمة، و الظلمة هم يحسدونك، و يبغون عليك، و يمنعونك حقّك بعدي (2).

5-و عنه بالإسناد عن القاسم بن إسماعيل، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان جالسا ذات يوم، و أصحابه جلوس حوله، فجاء عليّ عليه السلام، و عليه سمل (3)ثوب مخرق عن بعض جسده، فجلس قريبا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنظر إليه ساعة، ثم قرأ:

وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (4).

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: أما إنّك رأس الّذين نزلت فيهم هذه الآية و سيّدهم و إمامهم، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام: أين حلّتك التي كسوتها (5)يا عليّ؟

ص:266


1- 1) اليعسوب: أمير النحل-و الرئيس الكبير الكيّس. هذا اللقب الشريف من الألقاب التي أعطاها النبيّ صلى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين عليّا عليه السلام، رواه جماعة من أعلام القوم، و إليك بعضها: الحافظ ابن عبد البر المتوفى سنة (463) في «الاستيعاب» المطبوع بذيل «الإصابة» ج 4/169 ط مصر-و العلاّمة ابن الأثير الجزري المتوفى سنة (630) في «أسد الغابة» ج 5/287 ط مصر، و العلاّمة الهيثمي المتوفى سنة (807) في «مجمع الزوائد» ج 9/101 ط مصر، و العلاّمة ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (853) ه في «لسان الميزان» ج 2/414 ط حيدر آباد الدكن، و غيرهم، و من أراد التفصيل فليرجع إلى «إحقاق الحق» ج 4/26 إلى 35. [1]
2- 2) تأويل الآيات ج 2/679 ح 6-و عنه البحار ج 36/60 ح 3 و [2]البرهان ج 4/318 ح 11. [3]
3- 3) السمل (بفتح السين المهملة و كسر الميم) : الثوب الخلق البالي.
4- 4) الحشر:9. [4]
5- 5) في المصدر المطبوع، و البحار: [5] كسوتكها.

فقال: يا رسول اللّه إنّ بعض أصحابك أتاني يشتكي عراه و عرى أهل بيته، فرحمته و آثرته بها على نفسي، و عرفت أنّ اللّه سيكسوني خيرا منها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: صدقت، أما إنّ جبرئيل فقد أتاني يحدّثني أنّ اللّه اتخذ لك مكانها في الجنة حلّة خضراء من استبرق، و صبغتها (1)من ياقوت و زبرجد، فنعم الجواز جواز ربّك بسخاوة نفسك، و صبرك على سملتك هذه المنخرقة، فأبشر يا عليّ، فانصرف عليّ عليه السلام فرحا مسرورا بما أخبره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).

6-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل (3)، قال:

حدّثنا عبد الرزّاق بن سليمان بن غالب الأزدي بأرتاج، قال: حدّثنا أبو عبد الغني (4)الحسن بن عليّ الأزدي المعاني، قال: حدّثنا عبد الوهّاب (5)بن الهمام الحميري، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي البصريّ (6)، قدم علينا من اليمن، قال: حدّثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي، قال: حدّثني حذيفة بن اليمان، قال: لمّا خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قدم جعفر رحمه اللّه، و النبي صلى اللّه عليه و آله بأرض خيبر، فأتاه بالفرع (7)من الغالية و القطيفة، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: لأدفعنّ هذه القطيفة إلى رجل يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله، فمدّ أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله أعناقهم إليها، فقال النبيّ

ص:267


1- 1) في المصدر المطبوع، و البحار: و [1]صنفتها، و المصنفة (بكسر الصاد المهملة و سكون النون، و بفتحها و كسر النون) : الحاشية و الجانب.
2- 2) تأويل الآيات ج 2/680 ح 7-و عنه البحار ج 36/60 ح 4 و [2]البرهان ج 4/318 ح 12. [3]
3- 3) أبو المفضل محمد بن عبد اللّه الكوفي نزيل بغداد المتوفى سنة (387) ه تقدم ذكره.
4- 4) أبو عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي المعاني، له ترجمة في ميزان الاعتدال للذهبي ج 1/505.
5- 5) عبد الوهّاب بن همام بن نافع الحميري الصنعاني أخو عبد الرزاق المتوفى سنة (211) ه، ترجمه الذهبي في الميزان ج 2/684 و نقل توثيقه عن ابن معين.
6- 6) جعفر بن سليمان أبو سليمان الضبعي البصري، ترجمه الذهبي و قال: هو من ثقات الشيعة و زهّادهم، توفي سنة (178) ه-تذكرة الحفّاظ ج 1/241-
7- 7) قال في البحار: « [4]بالفرع من الغالية و القطيفة» أي بالنفيس العالي منهما.

صلى اللّه عليه و آله أين علي؟ فوثب عمّار بن ياسر (رض) فدعا عليا عليه السلام.

فلمّا جاءه قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ هذه القطيفة إليك، فأخذها عليّ عليه السلام و أمهل حتّى قدم المدينة، فانطلق إلى البقيع، و هو سوق المدينة، فأمر صائغا (1)ففصّل القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب و كان ألف مثقال، ففرّقه عليّ عليه السلام في فقراء المهاجرين و الأنصار، ثم رجع إلى منزله و لم يترك له من الذهب قليلا و لا كثيرا فلقيه النبيّ صلى اللّه عليه و آله من غد، في نفر من أصحابه فيهم حذيفة، و عمّار، فقال: يا عليّ إنّك أخذت بالأمس ألف مثقال، فاجعل غدائي اليوم و أصحابي هؤلاء عندك، و لم يكن عليّ عليه السلام يرجع يومئذ إلى شيء من العروض ذهب أو فضّة، فقال حياء منه و تكرّما: نعم يا رسول اللّه و في الرحب و السعة، ادخل أنت يا نبيّ اللّه و من معك.

قال: فدخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله، ثم قال لنا: ادخلوا، قال حذيفة: و كنّا خمسة نفر: أنا، و عمار، و سلمان، و أبو ذر، و المقداد، رضي اللّه عنهم، فدخلنا و دخل عليّ عليه السلام على فاطمة عليها السلام، يبتغي عندها شيئا من زاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور، و عليها عراق كثير، و كأنّ رائحتها المسك، فحملها عليّ عليه السلام حتّى وضعها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من حضر معه، فأكلنا منها حتى تملّأنا، و لا ينقص منها قليل و لا كثير.

و قام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى دخل على فاطمة عليها السلام و قال: أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟ فردّت عليه و نحن نسمع قولهما، فقالت: هو من عند اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلينا مستعبرا، و هو يقول: الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى رأيت لابنتي ما رأى زكريا لمريم، كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا

ص:268


1- 1) في بعض النسخ: فأمر صابغا.

فيقول: يا مريم أنّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب (1).

7-أبو سعيد الخدري قال: أصبح عليّ عليه السلام ذات يوم ساغبا (2)فقال: يا فاطمة عندك شيء تغدّينيه؟ قالت: لا و الّذي أكرم أبي بالنبوة، و أكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم (3)عندي شيء أغدّيكه و ما كان عندي منذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي و على ابنيّ هذين: حسن و حسين، فقال عليّ عليه السلام: يا فاطمة ألاّ كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه، فخرج عليّ من عند فاطمة عليها السلام واثقا باللّه حسن الظن به عزّ و جلّ، فاستقرض دينارا، فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم، فعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحرّ قد لوّحته الشمس من فوقه، و آذته من تحته، فلمّا رآى عليّ عليه السلام أنكر شأنه، فقال: يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟ فقال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي و لا تسألني عمّا ورائي، قال عليه السلام:

يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك، فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى اللّه عزّ و جلّ، و إليك أن تخلّي سبيلي، و لا تكشفني عن حالي، قال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن أمّا إذا أبيت فو الّذي أكرم محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوّة، و أكرمك بالوصيّة ما أزعجني من رحلي إلاّ الجهد، و قد تركت عيالي جياعا، فلمّا سمعت بكائهم لم تحملني الأرض، فخرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالي و قصّتي، فانهملت عينا عليّ عليه السلام بالبكاء، حتى بلّت دموعه لحيته، فقال: أحلف بالّذي حلفت به ما أزعجني إلاّ الذي أزعجك، و قد اقترضت دينارا فهاكه فقد آثرتك على نفسي، فدفع الدينار إليه، و رجع حتّى دخل المسجد، فصلّى الظهر، و العصر، و المغرب.

ص:269


1- 1) أمالي الطوسي ج 2/227-و [1]عنه البحار ج 37/105 ح 8-و [2]البرهان ج 1/281 ح 4. [3]
2- 2) البحار [4]خال من كلمة «ساغبا» .
3- 3) في البحار: [5] ما أصبح الغداة عندي.

فلمّا قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغرب مرّ بعليّ و هو في الصفّ الأوّل، فغمزه برجله فقام عليّ عليه السلام فلحقه في باب المسجد و سلّم عليه، فردّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشّيناه فنميل معك؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا حياء من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و عرف ما كان من أمر الدينار و من أين أخذ و أين وجّهه بوحي من اللّه إلى نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمره أن يتعشّى عند عليّ تلك الليلة.

فلمّا نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلى سكوته قال: يا أبا الحسن مالك لا تقول: لا فانصرف، أو نعم فأمضي معك؟ فقال حياء و تكرّما:

فاذهب بنا، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيد عليّ، فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة عليها السلام، و هي في مصلاّها قد قضت صلاتها، و خلفها جفنة تفور دخانا، فلمّا سمعت كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه، و كانت أعزّ الناس عليه، فردّ السلام و مسح بيديه على رأسها، و قال لها: يا بنتاه كيف أمسيت رحمك اللّه؟ قالت: بخير، قال:

عشّينا رحمك اللّه وقعد، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عليّ (رض) .

فلمّا نظر عليّ عليه السلام إلى الطعام و شمّ ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا، قالت له فاطمة: سبحان اللّه ما أشحّ نظرك و أشدّه! هل أذنبت فيما بيني و بينك ذنبا استوجبت به منك السخط؟ فقال: و أيّ ذنب أعظم من ذنب أصبتيه؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي و أنت تحلفين باللّه مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين؟

قال: فنظرت إلى السماء، و قالت: إلهي يعلم، في سمائه و أرضه أنّي لم أقل إلاّ حقّا، فقال لها: يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الّذي لم أنظر إلى مثل لونه قطّ، و لم أشمّ مثل رائحته قطّ، و لم آكل أطيب منه.

قال: فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كفّه الطيّبة المباركة بين كتفي عليّ عليه السلام فغمزها، ثم قال: يا عليّ هذا بدل عن دينارك، هذا

ص:270

جزاء دينارك، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، ثمّ استعبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم باكيا ثمّ قال: الحمد للّه الّذي أبى لكما أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما أو يجريك يا عليّ مجرى زكريّا عليه السلام و يجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران عليها السلام (1).

8-ابن شهر اشوب قال: سأل أعرابيّ أمير المؤمنين عليه السلام شيئا فأمر بألف، فقال الوكيل: من ذهب أو فضة؟ فقال: كلاهما عندي حجران، فأعط الأعرابيّ أنفعهما إليه (2).

ص:271


1- 1) كشف الغمة ج 1/469-و [1]عنه البحار ج 37/103 ح 7 و [2]في ج 43/59 ح 51 عنه و عن تفسير فرات و [3]أمالي الشيخ ج 2/228-و [4]أخرجه في تأويل الآيات ج 1/108 ح 15 و البحار ج 96/147 ح 25 [5] عن مصباح الأنوار:226 مخطوط.
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/118-و [6]عنه البحار ج 41/32 ذيل ح 2. [7]

ص:272

الباب الثاني و الثلاثون

و هو من الباب الأول

1-ابن بابويه في «أماليه» قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمة اللّه عليه، قال: حدثنا عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري قال: حدّثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي قال: إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام دخل مكّة في بعض حوائجه، فوجد أعرابيا متعلّقا بأستار الكعبة، و هو يقول: البيت (1)بيتك، و الضيف ضيفك، و لكلّ ضيف من مضيفه قرى (2)، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: أما تسمعون كلام الأعرابي؟ قالوا: نعم، فقال: اللّه أكرم (3)أن يردّ ضيفه.

قال: فلما كانت اللّيلة الثانية وجده متعلّقا بذلك الركن، و هو يقول:

يا عزيزا في عزّك، فلا أعزّ منك في عزك، أعزّني بعزّ عزك، في عزّ لا يعلم أحد كيف هو، أتوجّه إليك و أتوسّل إليك بحقّ محمّد و آل محمّد عليك، أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك، فاصرف عنّي ما لا يصرفه أحد غيرك، قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا و اللّه الاسم الأكبر بالسريانية، أخبرني حبيبي

ص:273


1- 1) في البحار: [1] يا صاحب البيت البيت بيتك.
2- 2) القرى: ما يقدّم للضيف.
3- 3) في البحار: [2] اللّه أكرم من أن يردّ ضيفه.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، سأله الجنّة فأعطاه، و سأله صرف النار و قد صرفها.

قال: فلمّا كان اللّيلة الثالثة وجده و هو متعلّق بذلك الرّكن، و هو يقول:

يا من لا يحويه مكان، و لا يخلو منه مكان، بلا كيف (1)كان، ارزق الأعرابيّ أربعة آلاف درهم.

قال: فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أعرابيّ سألت ربّك القرى فقراك، و سألت الجنّة فأعطاك، و سألت أن يصرف عنك النار و قد صرفها عنك، و في هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم، قال الأعرابي: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب، قال الأعرابي: أنت و اللّه بغيتي، و بك أنزلت حاجتي، قال: سل يا أعرابي، قال: أريد ألف درهم للصداق، و ألف درهم أقضي به ديني، و ألف درهم أشتري به دارا، و ألف درهم أعيش منه (2).

قال: أنصفت يا أعرابي، فإذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أقام الأعرابي بمكة أسبوعا، و خرج في طلب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى مدينة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و نادى من يدلّني على دار أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام من بين الصبيان: أنا أدلّك على دار أمير المؤمنين عليه السلام و أنا ابنه الحسين بن علي، فقال الأعرابي من أبوك؟ قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: من أمّك؟ قال:

فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السلام قال: من جدك؟ قال: محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بن عبد اللّه بن عبد المطلب، قال: من جدتك؟ قال: خديجة بنت خويلد، قال: من أخوك؟ قال: أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام قال: أخذت (3)الدنيا بطرفيها، امش إلى أمير المؤمنين و قل (4):

ص:274


1- 1) في البحار: [1] بلا كيفيّة كان.
2- 2) في البحار: [2] أتعيّش منه.
3- 3) في البحار: [3] لقد أخذت الدنيا.
4- 4) في البحار: و [4]قل له.

إنّ الأعرابي صاحب الضمان بمكّة على الباب.

قال: فدخل الحسين بن عليّ عليهما السلام فقال: يا أبت أعرابيّ بالباب يزعم أنّه صاحب الضّمان بمكة، قال: فقال: يا فاطمة عندك شيء يأكله الأعرابي؟ قالت: اللّهم لا، فتلبّس أمير المؤمنين عليه السلام و خرج، و قال:

ادعوا لي أبا عبد اللّه سلمان الفارسي، قال: فدخل إليه سلمان الفارسي فقال:

يا أبا عبد اللّه اعرض الحديقة الّتي غرسها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لي على التجّار.

قال: فدخل سلمان إلى السوق، و عرض الحديقة، فباعها بإثني عشر ألف درهم، و أحضر المال، و أحضر الأعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم و أربعين درهما نفقة، و وقع الخبر إلى سؤّال المدينة فاجتمعوا، و مضى رجل من الأنصار إلى فاطمة الزهراء عليها السلام فأخبرها بذلك، فقالت آجرك اللّه في ممشاك، فجلس عليّ عليه السلام و الدراهم مصبوبة بين يديه، حتى اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة قبضة، و جعل يعطي رجلا رجلا، حتّى لم يبق درهم واحد، فلمّا أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام: يا ابن عمّ بعت الحائط الّذي غرسه لك والدي؟ قال: نعم بخير منه عاجلا و آجلا، قالت: فأين الثمن؟ قال: دفعته إلى أعين استحييت أن أذلّها بذلّ المسألة قبل أن تسألني، قالت فاطمة: أنا جائعة، و ابناي جائعان، و لا أشك أنّك مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم؟ و أخذت بطرف ثوب عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام: يا فاطمة خلّيني، قالت: لا و اللّه أو يحكم بيني و بينك أبي.

فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:

يا محمّد السلام يقرئك السلام و يقول: اقرأ عليّا منّي السلام، و قل لفاطمة:

ليس لك أن تضربي على يديه، و لا تلزمي (1)بثوبه، فلمّا أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم منزل عليّ عليه السلام وجد فاطمة ملازمة لعليّ عليه السلام، فقال لها: يا بنيّة مالك ملازمة لعليّ عليه السلام؟ قالت: يا

ص:275


1- 1) البحار [1]خال من جملة (و لا تلزمي بثوبه) .

أبت باع الحائط الّذي غرست له باثني عشر ألف درهم لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما.

فقال: يا بنيّة إنّ جبرئيل يقرأني من ربّي السّلام و يقول: اقرأ عليا من ربّه السلام، و أمرني أن أقول: ليس لك أن تضربي على يديه، و لا تلزمي بثوبه، قالت فاطمة: فإنّي أستغفر اللّه، و لا أعود أبدا.

قالت فاطمة: فخرج أبي عليه السلام في ناحية، و زوجي في ناحية، فما لبث أن أتى أبي و معه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة أين ابن عمّي؟ قلت له: خرج فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمّي فقولي يبتاع لكم طعاما، فما لبثت إلاّ يسيرا حتّى جاء عليّ عليه السلام، فقال: رجع ابن عمّي، فإنّي أجد رائحة طيّبة، قلت: نعم (1)، و دفع إليّ شيئا تبتاع لنا به طعاما، قال عليّ عليه السلام:

هاتيه، فدفعت إليه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: بسم اللّه، و الحمد للّه كثيرا طيّبا، و هذا من رزق اللّه.

ثم قال: يا حسن قم معي، فأتيا السوق، فإذا هما برجل واقف، و هو يقول: من يقرض المليّ الوفي؟ قال يا بنيّ نعطيه؟ قال: اي و اللّه يا أبت، فأعطاه علي عليه السلام الدّراهم، فقال الحسن عليه السلام: يا أبتاه أعطيته الدراهم كلّها؟ قال: نعم يا بنيّ، إنّ الّذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير.

قال: فمضى علي عليه السلام بباب رجل يستقرض منه شيئا، فلقيه أعرابيّ، و معه ناقة فقال: يا عليّ اشتر منّي هذه الناقة، قال: ليس معي ثمنها، قال: إنّي أنظرك به إلى القيظ، قال: بكم يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم، قال عليّ: خذها يا حسن، فمضى عليّ عليه السلام فلقيه أعرابي آخر، المثال واحد، و الثياب مختلفة، فقال: يا عليّ تبيع الناقة؟ قال عليّ عليه السلام: و ما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أوّل غزوة يغزوها ابن عمك،

ص:276


1- 1) في البحار: و [1]قد دفع.

قال: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن، قال معي ثمنها و بالثمن أشتريها، فبكم اشتريتها؟ قال: بمائة درهم، قال الأعرابي: فلك سبعون و مائة درهم، قال علي عليه السلام للحسن: خذ السبعين و المائة و سلّم الناقة، و المائة للأعرابي الّذي باعنا و السبعين لنا نبتاع بها شيئا، فأخذ الحسن عليه السلام الدّراهم و سلّم الناقة.

قال عليّ عليه السلام: فمضيت أطلب الأعرابي الّذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها، فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك و لا بعده، على قارعة الطريق، فلمّا نظر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إليّ تبسّم ضاحكا بدت نواجده، قال عليّ عليه السلام أضحك اللّه سنّك و بشّرك ليومك، فقال: يا أبا الحسن (1)تطلب الأعرابي الّذي باعك الناقة لتوفيه الثمن، فقلت: إي و اللّه فداك أبي و أمّي، فقال: يا أبا الحسن الّذي باعك الناقة جبرئيل، و الّذي اشتراها منك ميكائيل، و الناقة من نوق الجنة، و الدراهم من عند رب العالمين عزّ و جلّ، فأنفقها في خير و لا تخف إقتارا (2).

2-ابن بابويه في «العلل» أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا الحسن (3)بن عرفة بسر من رأى، قال: حدّثنا وكيع، قال:

حدثنا محمّد بن إسرائيل (4)قال: حدّثنا أبو صالح (5)، عن أبي ذر (رض) قال: كنت أنا و جعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأهديت لجعفر بن أبي طالب عليه السلام جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلمّا قدمنا المدينة أهداها لعليّ عليه السلام تخدمه، فجعلها عليّ عليه السلام في منزل

ص:277


1- 1) في البحار: [1] إنّك تطلب الأعرابي.
2- 2) الأمالي للصدوق:377 ح 10-و [2]عنه البحار ج 41/44-47 ح 1 و [3]أورد الحديث ابن شهر اشوب مختصرا في المناقب ج 2/78 و [4]تقدّم في الباب (45) من المنهج [5]الأوّل برقم (6) .
3- 3) الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي أبو علي المعمّر المتوفى سنة (257) ه.
4- 4) محمّد بن إسرائيل: مولى بني هلال الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام.
5- 5) أبو صالح: ذكوان المدني توفي سنة (101) ه.

فاطمة، فدخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى رأس عليّ عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن فعلتها، فقال: لا و اللّه يا بنت محمّد ما فعلت شيئا، فما الّذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول اللّه، فقال لها: قد أذنت. فتجلببت بجلبابها و تبرقعت (1)، و أرادت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فهبط جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام، و يقول لك: إنّ هذه فاطمة قد أقبلت تشكو عليا عليه السلام فلا تقبل منها في عليّ شيئا، فدخلت فاطمة عليها السلام، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: جئت تشكين عليّا؟ قالت: إي و ربّ الكعبة، فقال لها: ارجعي إليه، فقولي له: رغم أنفي لرضاك.

فرجعت إلى عليّ عليه السلام، فقالت له: يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك، تقولها ثلاثا، فقال لها عليّ عليه السلام: شكوتني إلى خليلي و حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و اسواتاه من رسول اللّه، أشهد (2)يا فاطمة أنّ الجارية حرّة لوجه اللّه، و أنّ الأربعمائة درهم الّتي فضلت من عطائي صدقة على فقراء المدينة.

ثم تلبّس و انتعل و أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فهبط جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام، و يقول لك:

قل لعليّ عليه السلام: قد أعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة، و النّار للأربعمائة درهم الّتي تصدّقت بها فأدخل الجنة من شئت برحمتي، و أخرج من النار من شئت بعفوي، فعندها قال عليّ عليه السلام: أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار (3).

3-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن (4)محمّد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن

ص:278


1- 1) في المصدر: و تبرقعت ببرقعها.
2- 2) في المصدر: أشهد اللّه يا فاطمة.
3- 3) العلل:163 ح 2 و [1]عنه البحار ج 43/147 ح 3 و [2]عن مناقب ابن شهر اشوب:3/342 و [3]بشارة المصطفى:101. و [4]في البحار:39/207 ح 26. [5]
4- 4) الحسن بن محمد الهاشمي: بن الفضل بن يعقوب بن سعد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. وثقه النجاشي، روى عن الرضا عليه السلام.

عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا قال: إنّما يعني أولى بكم أي أحقّ بكم و بأموركم و أنفسكم و أموالكم، اللّه و رسوله وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا يعني عليا و أولاده الأئمّة عليهم السلام إلى يوم القيامة.

ثم وصفهم اللّه عزّ و جلّ فقال: اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1)و كان أمير المؤمنين عليه السلام في صلوة الظهر، و قد صلّى ركعتين و هو راكع، و عليه حلّة قيمتها ألف دينار، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم كساه إيّاها، و كان النجاشي أهداها له.

فجاء سائل فقال: السّلام عليك يا وليّ اللّه و أولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدّق على مسكين: فطرح الحلّة إليه، و أومى بيده أن احملها: فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه هذه الآية، و صيّر نعمة أولاده (2)بنعمته، فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة (3)مثله، فيتصدّقون و هم راكعون، و السائل الّذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، و الذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة (4).

ص:279


1- 1) المائدة:55. [1]
2- 2) أي جعل نعمة أولاده ملصقة بنعمته فأتى بصيغة الجمع.
3- 3) في بعض النسخ: بهذه الصفة.
4- 4) الكافي ج 1/288 ح 3-و [2]عنه تأويل الآيات ج 1/153 ح 12 و الوسائل ج 6/334 ح 1- و [3]البرهان ج 1/480 ح 4. [4]

ص:280

الباب الثالث و الثلاثون

في أنه عليه السلام لا تأخذه في اللّه لومة لائم

1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب (1)قال: أخبرنا أبو محمد الحسن (2)بن علي بن عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرني عبيد اللّه بن (3)هاشم قال: حدّثنا عمرو بن ثابت (4)، عن جبلة بن سحيم (5)، عن أبيه، قال: لمّا بويع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بلغه أنّ معاوية قد توقّف عن إظهار البيعة له، و قال: إن أقرّني على الشام و أعمالي الّتي ولاّنيها عثمان بايعته، فجاء المغيرة (6)إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: يا أمير المؤمنين إنّ معاوية من قد عرفت، و قد ولاّه

ص:281


1- 1) أبو الحسن علي بن محمد الكاتب: بن عبد اللّه المعروف بابن الحبش أو ابن الحبيش، عنونه الخطيب في «تاريخ بغداد» ج 12/87. [1]
2- 2) أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الكريم: الزعفراني روى عن إبراهيم الثقفي الأصفهاني المتوفى سنة (283) و روى أيضا عن أبي نعيم الفضل بن دكين المتوفى سنة (219) ه كما في «تهذيب التهذيب» .
3- 3) في المصدر المطبوع: عبيد اللّه بن القاسم، و في البحار: [2] عبيد اللّه بن أبي هاشم، و على أيّ تقدير لم نجد ترجمة له في كتب الرجال.
4- 4) عمرو بن ثابت: أبي المقدام بن هرمز أبو ثابت الكوفي المتوفى سنة (172) .
5- 5) جبلة بن سحيم: أبو سويرة التيمي الكوفي المتوفى في فتنة الوليد بن يزيد، وثقه ابن معين و ابن حنبل.
6- 6) المغيرة بن شعبة: الثقفي الكوفي مات سنة (50) ه و هو ابن (70) سنة.

الشام من كان قبلك، فولّه أنت كيما تتّسق عرى الأمور، ثم اعزله إن بدا لك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا، قال: لا يسألني اللّه عزّ و جلّ عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا: وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ اَلْمُضِلِّينَ عَضُداً (1)لكن أبعث إليه و أدعوه إلى ما في يدي من الحقّ، فإن أجاب فرجل من المسلمين، له ما لهم و عليه ما عليهم، و إن أبى حاكمته إلى اللّه، فولّى المغيرة، و هو يقول: فحاكمه إذا، فحاكمه إذا، فأنشأ يقول:

نصحت عليا في ابن حرب نصيحة فردّ فما منّي له الدهر ثانية

و لم يقبل النصح الّذي جئته به و كانت له تلك النصيحة كافية

و قالوا له: ما أخلص النصح كلّه فقلت له: إنّ النصيحة عالية (2)

فقام قيس بن (3)سعد رحمه اللّه، فقال يا أمير المؤمنين: إنّ المغيرة أشار عليك بأمر لم يرد اللّه به، فقدّم فيه رجلا و أخّر فيه أخرى، و إن كان لك الغلبة تقرّب إليك بالنصيحة، و إن كانت لمعاوية تقرّب إليه بالمشورة، ثمّ أنشأ يقول:

يكاد و من أرسى ثبيرا مكانه مغيرة أن يقوى عليك معاوية

و كنت بحمد اللّه فيها موفقا و تلك التي راأكها (4)غير كافية

فسبحان من أعلى السماء مكانها و الأرض دحاها فاستقرّت كماهيه (5)

ص:282


1- 1) الكهف:51. [1]
2- 2) في المصدر المطبوع و البحار: [2] غالية (بالغين المعجمة) .
3- 3) قيس بن سعد: بن عبادة بن دليهم، أبو عبد الملك الساعدي الأنصاري الخزرجي المدني المتوفى سنة (60) ه-رجال صحيح البخاري ج 2/615-
4- 4) في المصدر و البحار: « [3]أراكها» و لكنّ المصراع كما ترى غير موزون و الظاهر أنّ الصحيح: «راأكها» أي شاوركها.
5- 5) أمالي الطوسي ج 1/85-و [4]عنه البحار ج 32/386 ح 359. [5]

2-و عنه، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثنا أبو الحسن (1)عليّ بن بلال المهلّبي، قال أخبرنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد الإصفهاني (2)، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن (3)عثمان، قال: حدّثني عليّ بن أبي سيف (4)عن عليّ بن حباب (5)، عن ربيعة (6)، و عمارة، أنّ طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه، و فرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين اعط هذه الأموال، و فضّل هذه الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم، و من تخاف عليه من الناس و فراره إلى معاوية.

فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمرونيّ (7)أن أطلب النصر بالجور، لا و اللّه لا أفعل (8)ما طلعت شمس، و ما لاح في السماء نجم، و اللّه لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم، و كيف و إنّما هو (9)أموالهم، قال: ثم أزم (10)

ص:283


1- 1) أبو الحسن علي بن بلال: بن أبي معاوية المهلّبي الأزدي، من فقهاء الشيعة، ذكره الشيخ في رجاله و قال: له كتاب الغدير، و وثّقه النجاشي، و كان حيّا في سنة (353) ه.
2- 2) هو عليّ بن عبد اللّه بن كوشيد الأصفهاني. له رواية عن إبراهيم الثقفي في التهذيب باب الدعاء بين الركعات. [1]
3- 3) محمد بن عبد اللّه بن عثمان الخزاعي البصري المتوفى سنة (223) .
4- 4) علي بن أبي سيف: محمّد بن عبد اللّه أبو الحسن المدائني المؤرّخ المعروف المولود سنة (135) و المتوفى ببغداد سنة (225) ه.
5- 5) في بعض النسخ و في المستدرك [2]نقلا عن مجالس المفيد: «علي بن أبي حباب» و في «الغارات» : «أبي حباب» و ليس المراد به سعيد بن يسار المدني فإنه كما في «التقريب» توفي سنة [3](117) ه، و المدائني ولد كما مرّ سنة (135) و لا يمكن روايته عنه، و يمكن أن يكون الصواب كما قال في تعليقات «أمالي المفيد» «أبا جناب» (بالجيم قبل النون) و هو يحيى بن أبي حيّة الكلبي الذي روى عن ربيعة غير مرّة.
6- 6) هذا الرّجل و كذا عمارة لم نتمكّن من تطبيقهما على أحد من المسمّين بهما.
7- 7) قال ابن أبي الحديد في شرحه: أصل «تأمروني» : تأمرونني بنونين فأسكن الأولى و أدغم، قال تعالى: أَ فَغَيْرَ اَللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا اَلْجاهِلُونَ : الزمر:64. [4]
8- 8) في البحار: [5] لا أضلّ.
9- 9) في الغارات و [6]أمالي المفيد: فكيف و إنّما هي أموالهم.
10- 10) في مجمع البحرين: أزم القوم أي أمسكوا عن الكلام. قال بعض أهل اللغة: «أرمّ القوم (بالراء المهملة و الميم المشدّدة) : سكتوا.

أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا ثم قال: من كان له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو و إن كان ذكرا لصاحبه في الدّنيا، فهو يضيّعه عند اللّه عزّ و جلّ، و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه من يودّه و يظهر له الشكر فإنّما هو ملق و كذب يريد التقرّب به إليه لينال منه مثل الّذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت بصاحبه النعل (1)فاحتاج إلى معونته أو مكافاته فشرّ خليل و ألأم خدين (2).

و من صنع المعروف فيما آتاه اللّه فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضّيافة، و ليفكّ به العاني، و ليعن به الغارم، و ابن السبيل و الفقراء و المجاهدين في سبيل اللّه، و ليصبر نفسه على النوائب و الحقوق فإنّ الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا و درك فضائل الآخرة (3).

3-ابن بابويه في «أماليه» حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

كان عليه السلام كلّ بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، و معه الدرّة على عاتقه، و كان لها طرفان، و كانت تسمّى السبيبة (4)فيقف سوقا (5)و سوقا فينادي يا معشر التجّار قدّموا الإستخارة (6)، و تبرّكوا بالسهولة،

ص:284


1- 1) في مجمع الأمثال: «زلّت به نعله» : يضرب لمن نكب و زالت نعمته.
2- 2) الخدين: الصديق.
3- 3) أمالي الطوسي ج 1/197-و [1]عنه البحار ج 41/108 ح 15 و [2]ج 96/164 ح 4 و عن أمالي المفيد:175 ح 6-و [3]أخرج صدره في الوسائل ج 11/81 ح 6، و [4]ذيله في ص 532 ح 3 عنه و عن الكافي ج 4/31 ح 3 [5] نحوه، و أخرجه في البحار ج 8/695 و [6]مستدرك الوسائل ج 12/351 ح 2 [7]عن الغارات ج 1/74. [8]
4- 4) في هامش الأمالي للمفيد و الكافي: [9] وجه تسمية درّته بالسبيبة لكونها ذا سبابتين و ذا شقتين- و السبّ: الشقّ.
5- 5) في أمالي المفيد: فيقف على أهل كلّ سوق، و في البحار: [10] فيقف على سوق سوق.
6- 6) في هامش الكافي: « [11]قدموا الاستخارة» أي اطلبوا الخير من اللّه تعالى في أوّله «و تبركوا بالسهولة» أي و ابتغوا البركة أيضا منه تعالى بالسهولة في البيع و الشراء أي بكونكم سهل البيع و الشراء.

و اقتربوا (1)من المبتاعين و تزيّنوا بالحلم و تناهوا عن الكذب (2)و اليمين و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الرّبا، وَ أَوْفُوا اَلْكَيْلَ وَ اَلْمِيزانَ ، وَ لا تَبْخَسُوا اَلنّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي اَلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (3)يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول: هذا، ثم يقول:

تفنى اللّذاذة ممّن نال صفوتها من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبّتها لا خير في لذة من بعدها النار (4)

4-السيّد الرضي في الخصائص قال: ذكر أنّ بعض عمّال أمير المؤمنين أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من جباية مال الفيء أقطفا غلاظا، و كان عليه السلام يفرّق كلّ شيء يحمل إليه من مال الفيء لوقته و لا يؤخّره، و كانت هذه القطف قد جاءته مساء، فأمر بعدّها و وضعها في الرحبة ليفرّقها من الغد.

فلمّا أصبح عدّها فنقصت واحدة، فسأل عنها، فقيل له: إنّ الحسن بن عليّ عليهم السلام استعارها في ليلته، على أن يردّها اليوم، فهرول عليه السلام مغضبا إلى منزل الحسن عليه السلام، و كان من عادته أن يستأذن على منزله إذ جاء، فهجم بغير إذن، فوجد القطيفة في منزله فأخذها بطرفها يجرّها و هو يقول: النار يا أبا محمد، النار يا أبا محمّد حتى خرج (5).

5-قال السيّد الرضي أيضا: ذكروا أنّ بعض العمّال أيضا حمل إليه في جملة الجباية حبّات من اللؤلؤ فسلّمها إلى بلال، و هو خازنه على بيت المال، إلى أن ينضاف إليها غيرها فيفرّقها، فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الأصاغر حبة من تلك الحبّات، فلمّا رآها اتّهمها بالسرقة، فقبض على يدها،

ص:285


1- 1) و اقتربوا من المبتاعين: أي لا تغالوا في الثمن فينفروا.
2- 2) في أمالي المفيد: و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب.
3- 3) هود:85- [1]الشعراء:183. [2]
4- 4) أمالي الصدوق:2/402 ح 6-و [3]عنه البحار ج 103/94 ح 10 و [4]البحار ج 41/104 ح 5 [5]عنه و عن أمالي المفيد:197 ح 31 [6] بسند آخر و في الوسائل ج 12/283 ح 1 عنه و عن الكافي ج 5/151 ح 3-و التهذيب ج 7/6 ح 17-و الفقيه ج 3/193 ح 3726 مرسلا نحوه.
5- 5) الخصائص:78.

فقال و اللّه لئن وجب عليك حدّ لأقيمنّه فيك، فقالت: يا أمير المؤمنين إنّ بلالا أعارنيها ليفرحني بها إلى أن تقرن مع أخواتها، فجذبها إلى بلال جذبا عنيفا، و هو مغضب، فسأله عن صدق قولها، فقال: هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين، فقال: و اللّه لا ولّيت لي عملا أبدا، و خلّى يد الجارية (1).

6-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن عليّ بن إبراهيم، عن الحجّال، عن صالح بن السندي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب (2)، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن عليّ بن أبي رافع (3)، قال كنت على بيت مال عليّ بن أبي طالب عليه السلام و كاتبه، و كان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، قال: فأرسلت إليّ بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقالت لي: بلغني أنّ في بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام عقد لؤلؤ، و هو في يدك، و أنا أحبّ أن تعيرنيه أتجمّل به في أيّام عيد الأضحى، فأرسلت إليها عارية مضمونة مردودة يا بنت أمير المؤمنين؟ فقالت: نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام، فدفعته إليها، و أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين صار هذا العقد إليك؟ فقالت: استعرته من عليّ بن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام لأتزيّن به في العيد ثم أردّه.

قال: فبعث إليّ أمير المؤمنين عليه السلام فجئته، فقال لي: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟ فقلت له: معاذ اللّه أن أخون المسلمين، فقال:

كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الّذي في بيت مال المسلمين بغير إذني و رضاهم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنّها ابنتك، و إنّها سألتني أن أعيرها إيّاها تتزيّن به فأعرتها إيّاه عارية مضمونة مردودة، فضمنته في مالي و عليّ أن أرده سليما إلى موضعه، قال: فردّه من يومك و إيّاك أن تعود لمثل هذا فتنا لك عقوبتي.

ص:286


1- 1) الخصائص:78.
2- 2) عبد اللّه بن غالب: الأسدي الفقيه الشاعر روى عن الباقر و الصادق و الكاظم عليهم السلام.
3- 3) علي بن أبي رافع: التابعي من خيار الشيعة، و جمع كتابا في فنون من الفقه.

ثم أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذا أوّل هاشمية قطعت يدها في سرقة، قال: فبلغ مقالته ابنته، فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك و بضعة منك، فمن أحقّ بلبسه منّي؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا بنت عليّ بن أبي طالب لا تذهبنّ بنفسك عن الحق، أكل نساء المهاجرين تتزيّن في هذا العيد بمثل هذا؟ قال: فقبضته منها ورددته إلى موضعه (1).

7-محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد العاصمي (2)، عن محمّد بن أحمد النهدي (3)عن محمّد بن عليّ، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يعطينا معهم العطايا بالسويّة، و زوّج سلمان، و بلالا، و صهيبا، و أبوا علينا هؤلاء، و قالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلّمهم فيهم، فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك، فخرج و هو مغضب يجرّ رداءه، و هو يقول: يا معشر الموالي إنّ هؤلاء قد صيّروكم بمنزلة اليهود و النصارى، يتزوّجون إليكم و لا يزوّجونكم، و لا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتّجروا بارك اللّه، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: الرزق عشرة أجزاء: تسعة أجزاء في التجارة، و واحدة في غيرها (4).

8-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن (5)فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام

ص:287


1- 1) التهذيب ج 10/151 ح 37-و عنه الوسائل ج 18/521 ح 1-و [1]أخرجه في البحار ج 4/337 ح 22 [2]في تنبيه الخواطر ج 2/3 [3] باختلاف.
2- 2) أحمد بن محمد العاصمي: بن أحمد بن طلحة أبو عبد اللّه الكوفي البغدادي له كتب: منها كتاب النجوم، و كتاب مواليد الأئمّة و أعمارهم، تقدم ذكره.
3- 3) النهدي: محمد بن أحمد بن خاقان أبو جعفر القلانسي الفقيه الكوفي.
4- 4) الكافي ج 5/318 ح 59- [4]تقدّم في الباب (56) من المنهج [5]الأول الحديث التاسع، و له تخريجات ذكرناها هناك.
5- 5) هو الحسن بن علي بن فضّال الكوفي تقدّم ذكره.

يقول: أقيم عبيد اللّه بن عمر، و قد شرب الخمر فأمر به عمر أن يضرب فلم يتقدّم إليه أحد يضربه حتى قام عليّ عليه السلام بنسعة (1)مثنية فضربه أربعين (2).

ص:288


1- 1) النسع: سير أو حبل طويل عريض تشد به الرحال، و حزام يكون في صدر البعير ينسج عريضا.
2- 2) الكافي ج 7/214 ح 3-و [1]عنه الوسائل ج 18/466 ح 2 و [2]أخرجه في البحار ج 79/164 ح 20 [3]عن التهذيب ج 10/90 ح 6.

الباب الرابع و الثلاثون

في تظلّمه عليه السلام ممن تقدّم عليه في الخطبة الشقشقية

1-الشيخ في «أماليه» قال أخبرنا أبو الفتح (1)هلال بن محمّد بن جعفر الحفّار، قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن (2)عليّ بن عليّ الدعبلي، قال:

حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أخي دعبل (3)، قال: حدّثنا محمّد بن سلامة الشامي، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن ابن عباس، و عن محمد (4)عن أبيه عن جدّه، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا، ينحدر عنّي السيل، و لا يرقى إليّ الطير، و لكنّي سدلت دونها ثوبا، و طويت عنها كشحا و قد طفقت عنها برهة بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يضيع فيها الصغير، و يدبّ فيها الكبير (5)

ص:289


1- 1) هو أبو الفتح هلال بن محمد: عالم، فاضل، عظيم القدر و الشأن له كتاب الأمالي ينقل عنه ابن شهر اشوب في المناقب، توفي سنة (414) ه.
2- 2) إسماعيل بن علي بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمان بن عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي أبو القاسم ابن أخي دعبل، كان بواسط و ولىّ الحسبة بها، ترجمه الشيخ في الفهرست، [1] سمع من أبيه ببغداد سنة (272) ه.
3- 3) دعبل بن علي بن رزين الخزاعي الشاعر المولود سنة (148) و المتوفى سنة (246) ه.
4- 4) (و عن محمد) يعني الباقر عليه السلام.
5- 5) في نهج البلاغة: [2] طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه، فرأيت. . .

فرأيت الصبر على هاتى أحجى لي، و في العين قذى، و في الحلق شجا، بين أن أرى تراث محمّد صلى اللّه عليه و آله نهبا، إلى أن حضرته الوفاة، فأدلى بها إلى عمر، فيا عجبا، بينما هو يستقيلها في حياته، إذ عهد بها و عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها، ثم تمثّل:

شتّان ما يومي على كورها و يوم حيّان أخي جابر

فعقدها و اللّه في ناحية خشناء، يخشن مسّها و يغلظ كلمها، و يكثر العثار و الاعتذار فيها، فصاحبها منها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، و إن أسلس لها عسفت به.

فمني الناس لعمر اللّه بخبط و شماس، و تلوّن و اعتراض إلى أن مضى لسبيله، فجعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا للشورى و للّه، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّلين فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر، و لكن أسففت مع القوم حيث أسفّوا، و طرت مع القوم حيث طاروا، و أصبر لطول المحنة و انقضاء المدّة، فمال رجل لضغنه، و أصغى آخر إلى صهره، مع هن وهن، إلى أن قام الثالث، نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه منها، و أسرع معه بنو أبيه في مال اللّه، يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع، حتى انتكثت به بطانته، و أجهز عليه عمله.

فما راعني من الناس إلاّ و هم رسل كعرف الضبع، يسألوني أبايعهم و أبى ذلك و انثالوا عليّ حتّى لقد وطيء الحسنان، و شقّ عطفا رداي، فلمّا نهضت بها و بالأمر فيها، نكثت طائفة، و مرقت طائفة، و قسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا اللّه يقول: تِلْكَ اَلدّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1)بلى و اللّه لقد سمعوها، و لكن راقهم دنياهم، و أعجبهم زبرجها.

أما و الّذي خلق الحبّة، و برأ النسمة، لو لا حضور الحاضر، و لزوم

ص:290


1- 1) القصص:83. [1]

صحة الحجّة بوجود الناصر، و ما أخذ اللّه من أوليائه أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، و لا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز.

فناوله رجل من أهل السواد كتابا فانقطع كلامه فما أسفت على شيء كأسفي على ما فات من كلامه، فلمّا فرغ من قرائته، قلت له: يا أمير المؤمنين عليه السلام لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت إليه منها؟ فقال: هيهات يا بن عبّاس كانت شقشقة هدرت ثم قرّت (1).

2-و رواه ابن بابويه في «العلل» قال: حدّثنا محمّد (2)بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن أبي القاسم (3)، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال (أما) و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة أخو تيم، و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا، ينحدر عنّي السيل، و لا يرقى إليّ الطير، فسدلت دونها ثوبا، و طويت عنها كشحا، و طفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها الصغير، و يهرم الكبير، فيكدح مؤمن حتى يلقى ربّه، فرأيت أنّ الصبر على هاتى أحجى، فصبرت و في العين قذى، و في الحلق شجى، أرى تراثي نهبا.

حتّى إذا مضى لسبيله، فأدلى بها إلى فلان بعده، عقدها لأخي عديّ بعده، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! فصيّرها و اللّه في حوزة خشناء يخشن مسّها، و يغلظ كلمها، و يكثر العثار و الإعتذار

ص:291


1- 1) أمالي الطوسي ج 1/382-و [1]عنه البحار ج 8/153 [2] ط الحجري معاني الأخبار:360 ح 1- الإرشاد للمفيد:152. [3]
2- 2) محمّد بن علي ماجيلويه القمي: يفهم من العلاّمة الحلي قدّس سرّه توثيقه، إذ صحّح طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رباح و هو فيه-جامع الرواة ج 2/157- [4]
3- 3) محمد بن أبي القاسم: عبيد اللّه أو عبد اللّه بن عمران الخبابي البرقي الملقب بماجيلويه، القمي، عالم، فقيه، عارف بالأدب و الشعر، و هو صهر أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي على ابنته-جامع الرواة ج 2/56- [5]

منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن عنف بها حرن، و إن أسلس غسق، فمني الناس لعمر اللّه بخبط و شماس، و تلوّن و اعتراض، و هو مع هن و هن، فصبرت على طول المدّة و شدة المحنة.

حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي منهم، فياللّه و للشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر فمال رجل لضغنه، و أصغى آخر لصهره.

و قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله و معتلفه، و قاموا معه بنو أميّة يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبت الربيع، حتى أجهز عليه عمله، و كبّت به مطيته، فما راعني إلاّ و الناس إليّ كعرف الضبع، قد انثالوا عليّ من كلّ جانب، حتى لقد وطيء الحسنان، و شقّ عطفاي، حتى إذا نهضت بالأمر، نكثت طائفة، و فسقت أخرى، و مرق آخرون، كأنّهم لا يسمعون اللّه تبارك و تعالى يقول: تِلْكَ اَلدّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1)بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها، لكن احلولت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها.

أما و الّذي فلق الحبة، و برىء النسمة، لو لا حضور الحاضر، و قيام الحجّة بوجود الناصر، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يصبروا على كظّة ظالم، و لا لسغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز.

قال: و ناوله رجل من أهل السواد كتابا، فقطع كلامه و تناول الكتاب، فقلت: يا أمير المؤمنين: لو اطّردت مقالتك إلى حيث بلغت؟ فقال: هيهات يا بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت (2).

قال ابن بابويه عقيب الحديث: سألت الحسن بن عبد اللّه (3)بن سعيد

ص:292


1- 1) القصص:83. [1]
2- 2) علل الشرائع:150 ح 12. [2]
3- 3) الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري: بن الحسن بن إسماعيل بن حكيم منسوب إلى عسكر

العسكري عن تفسير هذا الخبر ففسّره لي قال: تفسير الخبر.

قوله عليه السلام: «لقد تقمّصها» أي لبسها مثل القميص، يقال:

تقمّص الرجل، و تدرّع، و تردّى، و تمندل.

قوله عليه السلام: «محلّ القطب من الرحى» أي تدور عليّ كما تدور الرّحى على قطبها.

قوله عليه السلام: «ينحدر عنّي السيل و لا يرقى إليّ الطير» ، يريد أنّها ممتنعة على غيري، لا يتمكّن منها، و لا يصلح لها.

قوله عليه السلام: «فسدلت دونها ثوبا» أي أعرضت عنها، و لم أكشف وجوبها لي، و الكشح، و الجنب، و الخاصرة بمعنى.

قوله عليه السلام: «طويت عنها كشحا» أي أعرضت عنها، و الكاشح: الذي يولّيك كشحه، أي جنبه.

قوله: «و طفقت أرتأي» أفكّر و أستعمل الرأي، و أنظر في أن أصولها بيد جذّاء، و هي المقطوعة، و أراد قلّة الناصر.

قوله: «أو أصبر على طخية» ، فللطخية موضعان، فأحدهما الظلمة، و الآخر الغمّ و الحزن يقال: أخذ على قلبي طخياء، أي حزنا و غمّا، و هو ههنا يجمع الظلمة، و الغم، و الحزن.

قوله عليه السلام: «يكدح مؤمن» أي يدأب و يكسب لنفسه، و لا يعطي حقه.

قوله عليه السلام: «أحجى» أي أولى من هذا، و أخلق، و أحرى، و أوجب، كلّه قريب المعنى.

قوله عليه السلام: «في حوزة» أي في ناحية، يقال: حزت الشيء

ص:293

أحوزه حوزا، إذا جمعته، و الحوزة ناحية الدار، و غيرها.

قوله عليه السلام: «كراكب الصعبة» يعني: الناقة التي لم ترض إن عنف بها، و العنف ضد الرّفق.

قوله عليه السلام: «حرن» ، أي وقف، و لم يمش و إنّما يستعمل الحران في الدّواب فأمّا في الإبل، فيقال: خلت الناقة و بها خلا، و هو مثل حران الدواب، إلاّ أنّ العرب إنّما تستعيره في الإبل.

قوله: «أسلس بها غسق» أي أدخله في الظلمة.

قوله: «مع هن و هن» يعني الأدنياء من الناس تقول العرب: فلان هني، و هو تصغير هن أي دون الناس، و يريدون تصغير أموره.

قوله: «فمال رجل بضغنه» و يروى بضيعه، و هما قريب، و هو أن يميل بهواه و نفسه إلى رجل بعينه.

قوله: «و أصغى آخر لصهره» فالصغو: الميل، يقال صغوك مع فلان، أي ميلك معه.

قوله: «نافجا حضنيه» فيقال في الطعام و الشراب و ما أشبههما: قد انتفج بطنه بالجيم، و يقال في داء يعتري الناس: قد انتفخ بطنه بالخاء، و الحضنان: جانبا الصدر.

قوله: «بين نثيله و معتلفه» فالنثيل: قضيب الجمل، و إنّما استعاره للرجل هيهنا، و المعتلف: الموضع الذي يعتلف فيه، أي يأكل، و معنى الكلام: أي بين مطعمه و منكحه.

قوله: «يخضمون» أي يكسرون و ينقضون، و منه قوله: هضمني الطعام، أي نقض.

قوله: «أجهز» أي أتى عليه و قتله، يقال: أجهزت على الجريح، إذا كانت به جراحة فقتله.

قوله عليه السلام: «كعرف الضبع» شبّههم به لكثرته، و العرف:

ص:294

الشعر الذي يكون على عنق الفرس، فاستعاره للضبع.

قوله عليه السلام: «و قد انثالوا» أي انصبّوا عليّ، و كثروا، و يقال:

انثلت ما في كنانتي من السهام، إذا أصببته.

قوله عليه السلام: «وراقهم زبرجها» أي أعجبهم حسنها، و أصل الزبرج: النقش، و هو ههنا زهرة الدنيا و حسنها.

و قوله عليه السلام: «أن لا يقرّوا على كظّة ظالم» و الكظّة: الامتلاء، يعني أنّهم لا يصبرون على امتلاء الظالم من المال الحرام، و لا يقارّوه على ظلمه.

قوله: «و لا سغب مظلوم» فالسغب: الجوع، و معناه منعه من حقّ الواجب.

قوله: «لألقيت حبلها على غاربها» هذا مثل، تقول العرب: ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء.

و معنى قوله: «لسقيت آخرها بكأس أولها» أي لتركتهم في ضلالتهم و عماهم.

قوله عليه السلام: «أزهد عندي» فالزهيد: القليل.

قوله عليه السلام: «من جيفة عنز» فالجيفة تخرج من دبر العنز من الريح، و العفطة: ما تخرج من أنفها.

قوله عليه السلام: «تلك شقشقة هدرت ثم قرّت» فالشقشقة ما يخرجه البعير من جانب فيه، إذا هاج و سكر.

ثم قال ابن بابويه: فحدثنا بهذا الحديث محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللّه، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن عمّار بن خالد، قال: حدّثنا يحيى (1)بن عبد الحميد الحماني، قال: حدّثنا عيسى بن راشد، عن عليّ بن حذيفة، عن عكرمة، عن ابن عبّاس مثله سواء.

ص:295


1- 1) يحيى بن عبد الحميد الحماني: الحافظ الكوفي المتوفى سنة (228) ه.

و الخطبة الشقشقية ذكرها السيّد الرضي قدّس اللّه سرّه في كتاب «نهج البلاغة» و الخبر بها مستفيض (1).

ص:296


1- 1) الخطبة الشريفة من الخطب المشهورة و قد روتها العامّة و الخاصة، و شرحوها، و ضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها، و لا طعن في أسانيدها إلا ممّن في قلبه مرض فزاده اللّه مرضا، و من أراد التفصيل فليرجع إلى «مصادر نهج البلاغة ج 1/309-إلى 318- [1]تأليف السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب.

الباب الخامس و الثلاثون

في تظلمه عليه السلام و هو من الباب الأول

1-الشيخ في «أماليه» قال: حدّثنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب: قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفيّ قال: حدّثنا المسعوديّ (1):

قال: حدّثنا محمّد بن كثير، عن يحيى بن حمّاد القطّان، قال: حدّثنا أبو محمّد الحضرميّ، عن أبي (2)عليّ الهمداني، أنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنّي سائلك لآخذ عنك، و قد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، ألا تحدّثنا من أمرك هذا؟ أكان بعهد من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أو لشيء رأيته؟ فإنّا قد أكثرنا فيك الأقاويل، و أوثقه عندنا ما قبلناه عنك و سمعناه من فيك، إنّا كنّا نقول: لو رجعت (3)إليكم بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لم ينازعكم فيها أحد، و اللّه ما أدري إذا سئلت ما أقول؟ أزعم أنّ القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك، فإن قلت:

ذلك، فعلى-م-نصبك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد حجّة

ص:297


1- 1) المسعودي: يوسف بن كليب بن عبد الملك، لم أظفر بذكر له في كتب الرّجال إلاّ انّ المفيد قدّس سره نقل في أماليه [1]روايات يكون الرجل في إسنادها.
2- 2) أبو علي الهمداني: ثمامة بن شفي الأصبحي المتوفى في خلافة هشام بن عبد الملك، وثقه النسائي، ترجمه ابن أبي حاتم الرازي في «الجرح و التعديل» ج 2/466.
3- 3) لو رجعت: يعني الخلافة.

الوداع؟ فقال: «أيها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه» (1)و إن كنت أولى منهم بما كانوا فيه فعلى م نتولاّهم؟

فقال عليه السلام: يا عبد الرّحمن إنّ اللّه تعالى قبض نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنا يوم قبضه صلى اللّه عليه و آله أولى بالناس منّي بقميصي هذا، و قد كان من نبيّ اللّه إليّ عهد لو خرمتموني (2)بأنفي لأقررت سمعا للّه و طاعة، و إنّ أوّل ما انتقصنا بعده إبطال حقّنا في الخمس، فلما رقّ أمرنا طمعت رعيان (3)قريش فينا، و قد كان لي على النّاس حقّ لو ردّوه إليّ عفوا (4)قبلته و قمت به، و كان إلى أجل معلوم، و كنت كرجل له على النّاس حقّ إلى أجل، فإن عجّلوا له ماله أخذه و حمدهم عليه، و إن أخّروه أخذه غير محمودين، و كنت كرجل يأخذ السّهولة و هو عند النّاس محزون (5)، و إنّما يعرف الهدى بقلّة من يأخذه من الناس، فإذا سكتّ فاعفوني، فإنّه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفّوا عنّي ما كففت عنكم.

فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الأول:

ص:298


1- 1) في هامش أمالي المفيد: يدلّ أوّلا أنّ المسلمين في صدر الإسلام و الذين شهدوا القول من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فهموا من لفظ (المولى) الولاية بمعنى الحكومة و الأولى بالتصرف لا غير، و ثانيا يعطينا خبرا بأنّ الشكوك و التشكيك في اللفظ إنّما حدثت بعد لتلبيس الأمر و إخفاء الحق و إعذار من تقمصها و ارتدى بها.
2- 2) خرم فلانا: شقّ وترة أنفه، و في أمالي المفيد: لو خزمتموني (بالزاي) يقال: خزم أنف فلان: أذلّه.
3- 3) الرعيان (بضمّ الراء و كسرها) جمع الراعي، و في أمالي المفيد: طمعت رعيان البهم من قريش فينا.
4- 4) في هامش أمالي المفيد: «لو ردّوه إليّ عفوا» أي بغير مسألة، و ذلك إنّما ينفذ حكم الوالي و يجري إذا كان له مضافا إلى مشروعيّته بالنصّ من اللّه تعالى و رسوله القبول من قبل العامّة، و إلاّ و إن أثموا في عدم ردّهم إليه لا يكون الحكومة بالعنف و التحميل، و لا رأي لمن لا يطاع.
5- 5) قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه: قوله: «و هو عند الناس محزون» لعلّ الأصوب «حرون» (بفتح الحاء المهملة و ضم الراء) و هي الشاة السيئة الخلق، و لمّا لم يمكنه عليه السلام في هذا الوقت التصريح بجور الغاصبين أفهم السائل بالكناية التي هي أبلغ.

لعمري لقد أيقظت من كان نائما و أسمعت من كانت له أذنان (1)

2-عنه قال: أخبرنا محمّد بن محمّد قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب، قال: أخبرنا الحسن بن عليّ بن عبد الكريم، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرني أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا أبو عاصم (2)عن قيس (3)بن مسلم، قال: سمعت طارق بن شهاب (4)يقول: لمّا نزل عليّ عليه السلام بالربذة، سألت عن قدومه إليها، فقيل: خالف عليه طلحة، و الزّبير، و عائشة، و صاروا إلى البصرة، فخرج يريدهم، فصرت إليه فجلست حتّى صلّى الظّهر و العصر، فلمّا فرغ من صلاته، قام إليه ابنه الحسن بن عليّ عليهما السلام، فجلس بين يديه، ثم بكى و قال: يا أمير المؤمنين إنّي لا أستطيع أن أكلّمك و بكى، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبك يا بنيّ و تكلّم، و لا تحنّ حنين الجارية، فقال يا أمير المؤمنين إنّ القوم حصروا عثمان يطلبونه بما يطلبونه، إمّا ظالمون أو مظلومون، فسألتك أن تعتزل النّاس و تلحق بمكة حتى تؤب العرب و تعود إليها أحلامها و يأتيك وفودها: فو اللّه لو كنت في جحر ضبّ لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى تستخرجك منه، ثم خالفك طلحة و الزبير، فسألتك ألاّ تتبعهما و تدعهما، فإن اجتمعت الأمّة فذاك، و إن اختلفت رضيت بما قسم اللّه (5)، و أنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق، و أذكّرك باللّه أن لا تقتل بمضيعة.

ص:299


1- 1) أمالي الشيخ ج 1/7 و [1]عنه البحار ج 8/142 ط الحجري و [2]في ص 166 عن أمالي المفيد:223 ح 2.
2- 2) أبو عاصم: هو الضحّاك بن مخلّد الشيباني النبيل البصري الحافظ المتوفى سنة (212) تقدّم من قبل.
3- 3) قيس بن مسلم: أبو عمرو الجدلي، وثّقه أحمد بن محمد بن حنبل، و يحيى بن معين، له ترجمة في «الجرح و التعديل» لابن أبي حاتم الرازي ج 7/103.
4- 4) طارق بن شهاب: البجلي الأحمسي الكوفي أبو عبد اللّه أدرك الجاهليّة، رأى النبى صلى اللّه عليه و آله، وثّقه يحيى بن معين، توفي سنة (83) ه-الجرح و التعديل ج 4/485-تقريب التهذيب-
5- 5) في المصدر: رضيت بما قضى اللّه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أمّا قولك: إنّ عثمان حصر فما ذاك و ما عليّ منه، و قد كنت بمعزل عن حصره، و أمّا قولك: إيت مكة، فو اللّه ما كنت لأكون الرجل الّذي يستحلّ به مكة، و أمّا قولك: اعتزل العراق ودع طلحة و الزّبير، فو اللّه ما كنت لأكون كالضبع ينتظر حتّى يدخل عليها طالبها، فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها (1)، ثمّ يخرجها فيمزّقها إربا إربا، و لكنّ أباك يا بنيّ يضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه، و بالسامع المطيع العاصي المخالف أبدا، حتى يأتي عليّ يومي، فو اللّه ما زال أبوك مدفوعا عن حقّه مستأثرا عليه، منذ قبض اللّه نبيّه حتّى يوم النّاس هذا.

فكان طارق بن شهاب أيّ وقت حدّث بهذا الحديث بكى (2).

3-المفيد في أماليه قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال:

أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، قال: حدّثني المسعودي، قال: حدّثنا الحسن بن حمّاد (3)، عن أبيه، قال: حدّثني رزين (4)بيّاع الأنماط، قال: سمعت زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام، يقول: حدّثني أبي، عن أبيه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يخطب النّاس، قال في خطبته: و اللّه لقد بايع الناس أبا بكر، و أنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، و انتظرت أمر

ص:300


1- 1) العرقوب (بضم العين المهملة و سكون الراء و ضم القاف) : عصب غليظ فوق العقب.
2- 2) أمالي الطوسي ج 1/51-و [1]عنه البحار ج 32/103 ح 73-و [2]أخرج ذيله مع تفاوت يسير في «نهج البلاغة» الخطبة السادسة: [3] لمّا أشير عليه أن لا يتبع طلحة و الزبير، و لا يرصد لهما القتال، قال عليه السلام: «و اللّه لا أكون كالضبع. . . الخ» . نقل الحديث في «مصادر نهج البلاغة» [4] عن أمالي الشيخ، ثم قال: و لعلّ غاية الحسن صلوات اللّه عليه أن يظهر للناس غاية أبيه من اتباع طلحة و الزبير و غير ذلك من الأمور الّتي ذكرها فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام عنها، و إلاّ فهو يعلم علم اليقين أنّ أباه سلام اللّه عليه لا يرد و لا يصدر إلاّ بأمر من اللّه سبحانه كما رسم له ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.
3- 3) الحسن بن حمّاد الطائي: عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الصادق عليه السلام.
4- 4) رزين بيّاع الأنماط من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام، و استظهر الوحيد البهبهاني من رواية الكليني في باب القول عند الصباح و المساء بسنده عن ابن عمير عن الحسن بن عطية عنه عن أحدهما عليهما السلام كونه من الثقات-الجامع في الرجال ج 1/775- [5]

ربّي، و ألصقت كلكلي (1)بالأرض.

ثم إنّ أبا بكر هلك و استخلف عمر، و قد علم اللّه أنّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، و انتظرت أمر ربّي.

ثم إنّ عمر هلك و قد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة، كسهم الجدّة، و قال: اقتلوا الأقلّ، و ما أراد غيري، فكظمت غيظي، و انتظرت أمر ربي، و ألصقت كلكلي بالأرض، ثم كان من أمر القوم من بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلاّ قتالهم أو الكفر باللّه عزّ و جلّ (2)(3).

4-و عنه، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر (4)بن محمّد بن قولويه رحمه اللّه، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن (5)علوية، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا محمّد بن (6)عمرو الرازي، قال:

حدّثنا الحسين (7)بن مبارك، قال: حدّثنا الحسن بن (8)سلمة، قال: لمّا بلغ

ص:301


1- 1) الكلكل (بفتح الكاف) : الصدر.
2- 2) قوله عليه السلام: «ثم لم أجد إلاّ قتالهم، و الكفر باللّه عزّ و جلّ» في هامش أمالي المفيد: ذلك لأنّ ترك قتال الناكث المحارب و الكفّ عنه حال كونه محاربا تقرير لنكثه و تجويز لإراقة الدماء بغير حق، و ترك لما أمر اللّه به من قتال الباغي فقال عزّ من قائل: «فقاتلوا الّتي تبغي» الحجرات: 9. [1]
3- 3) أمالي المفيد:153-و عنه البحار ج 8/166 ط الحجري-و [2]الخبر رواه العامّة بطرق اخر. راجع تاريخ دمشق قسم علي بن أبي طالب ج 3/175.
4- 4) أبو القاسم جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه القمي من أجلاّء الإماميّة، توفي سنة (368) ه.
5- 5) أحمد بن علوية الأصبهاني الكرماني الكاتب الشاعر، كان حيّا في سنة (310) و له (98) عاما، له كتب. -بغية الوعاة:146- [3]معجم الأدباء ج 4/72- [4]
6- 6) محمد بن عمرو بن عتبة الرازي أبو جعفر، له ترجمة في الجرح و التعديل ج 8/32.
7- 7) الحسين بن المبارك: ذكره الشيخ في الفهرست و [5]النجاشي في رجاله، و له كتاب روى عنه محمد بن خالد البرقي.
8- 8) لم نعثر عليه بهذا العنوان، و إن قلنا بتصحيف «الحسين» بالحسن فلا بد من الإرسال أو الاضمار، لأنّ الحسين بن سلمة كان من أصحاب الصادق عليه السلام-هامش أمالي المفيد: 154-

أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مسير طلحة، و الزبير، و عائشة من مكّة إلى البصرة، نادى: الصلاة جامعة، فلمّا اجتمع الناس حمد اللّه و أثنى عليه.

ثم قال: أمّا بعد فإنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا قبض نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قلنا: نحن أهل بيته و عصبته، و ورثته، و أوليائه، و أحقّ خلائق اللّه به، لا تنازع حقّه و سلطانه، فبينما نحن على ذلك، إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم منّا، و ولّوه غيرنا، فبكت لذلك و اللّه العيون و القلوب منّا جميعا، و خشّنت و اللّه الصدور، و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، و يعوّر الدين لكنّا قد غيّرنا ذلك ما استطعناه، و قد ولّى ذلك ولاة و مضوا لسبيلهم، و ردّ اللّه الأمر إلينا و قد بايعاني (1)، و قد نهضا إلى البصرة ليفرّقا جماعتكم، و يلقيا بأسكم بينكم، اللّهم فخذهما بغشّهما بهذه الأمّة، و سوء نظرهما للعامّة.

فقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه اللّه، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين: أمّا خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، و ارتفاعا في الدرجة، و أمّا شرارهم فحسدوك حسدا أحبط اللّه به أعمالهم، و أثقل به أوزارهم، و ما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدّموك، فبعدت عليهم الغاية، و أسقطهم المضمار، و كنت أحقّ قريش بقريش، نصرت نبيّهم حيّا، و قضيت عنه الحقوق ميّتا، و اللّه ما بغيهم إلاّ على أنفسهم، و نحن ناصروك و أعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول:

إنّ قوما بغوا عليك و كادوك و عابوك بالأمور القباح

ليس من عيبها جناح بعوض فيك حقا و لا كعشر جناح

أبصروا نعمة عليك من اللّه و قرما (2)يدقّ قرن النطاح

و إماما تأوي الأمور إليه و لجاما يلين غرب (3)الجماح

ص:302


1- 1) في المصدر: و قد بايعني هذان الرجلان طلحة و الزبير فيمن بايعني.
2- 2) القرم: السيّد أو العظيم-و النطاح (بكسر النون) : الكباش الناطحة.
3- 3) الغرب: الحدّة-و جماح الفرس: امتناعه من راكبه.

حاكما تجمع الإمامة فيه هاشميّا له عراض (1)البطاح

حسدا للذي أتاك من اللّه و عادوا إلى قلوب قراح (2)

و قلوب (3)هناك أوعية البغض على الخير للشقاء شحاح

من مسرّ يكنّه حجب الغيب و من مظهر العداوة لاح

يا وصيّ النبيّ نحن من الحق على مثل بهجة الإصباح

فخّذ (4)الأوس و القبيل من الخز رج بالطعن في الوغا و الكفاح

ليس منّا من لم يكن لك في اللّه وليّا على الهدى و الفلاح

فجزاه أمير المؤمنين عليه السلام خيرا، ثم قام الناس بعده فتكلّم كلّ واحد بمثل مقاله (5).

ص:303


1- 1) العراض (بكسر العين المهملة) : الناحية-و البطاح جمع الأبطح يعني بها أبطح مكّة.
2- 2) قلوب قراح: مقروحة بالحسد.
3- 3) في المصدر: و نفوس-و شحاح نعت لنفوس.
4- 4) فخذ: يحتمل أن يكون بالتخفيف أي خذهم بالطعن، و يمكن أن يكون مشددا و الفاء جزء الكلمة، يقال: فخّذ القوم عن فلان: خذلهم، و فخّذ بينهم: فرّقهم.
5- 5) أمالي المفيد:154 ح 6-و عنه البحار ج 8/166 ط الحجري. [1]

ص:304

الباب السادس و الثلاثون

في احتجاجه على أبي بكر في إمامته و أنّه عليه السلام صاحب الأمر و الإمام

دونه، و إقرار أبي بكر له عليه السلام باستحقاق الإمامة دونه

1-محمد بن علي بن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان (1)قال:

حدّثنا عبد الرّحمن بن محمد الحسيني، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن حفص الخثعمي، قال: حدّثنا الحسن بن عبد الواحد (2)، قال: حدّثني أحمد بن التغلبي (3)قال: حدّثني محمّد (4)بن عبد الحميد، قال: حدّثني حفص بن منصور العطّار، قال: حدّثني أبو سعيد الورّاق، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: لمّا كان من أمر أبي بكر، و بيعة الناس له، و فعلهم بعليّ بن أبي طالب عليه السلام ما كان، لم يزل أبو بكر يظهر له الإنبساط، و يرى منه عليه السلام انقباضا، فكبر ذلك على أبي بكر فأحبّ لقائه و استخراج ما عنده، و المعذرة إليه ممّا اجتمع النّاس عليه، و تقليدهم إيّاه أمر الأمّة، و قلّة رغبته في ذلك، و زهده فيه.

ص:305


1- 1) القطّان أبو علي أحمد بن الحسن الرازي روى عنه الصدوق كثيرا و يصفه بالعدل و يقول أحيانا: إنّه شيخ كبير لأصحاب الحديث-الجامع في الرجال ج 1/103.
2- 2) الحسن بن عبد الواحد: يحتمل أنه الحسن بن محمد بن عبد الواحد المزني الراوي عنه محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي الكوفي السوداني وقع في طريق كامل الزيارة في باب (32) و في الجزء (17) و (18) من مجالس الشيخ.
3- 3) الظاهر هو أحمد بن عبد اللّه بن ميمون التغلبي وثقه ابن حجر.
4- 4) في المصدر: حدثني أحمد بن عبد الحميد، و على أيّ حال لم أعثر على ترجمة له و لسائر رجال السند إلى سعيد الوراق و أبيه.

أتاه في وقت غفلة، و طلب منه الخلوة.

و قال له: و اللّه يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاة مني، و لا رغبة فيما وقعت فيه، و لا حرصا عليه، و لا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمّة، و لا قوة لي بمال. و لا كثرة العشيرة، و لا ابتزاز له دون غيري (1)فما لك تضمر عليّ ما لا أستحقه منك، و تظهر لي الكراهة فيما صرت إليه، و تنظر إليّ بعين السأمة (2)منّي؟

فقال له عليّ عليه السلام: فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه، و لا حرصت عليه، و لا وثقت بنفسك في القيام به و ما يحتاج منك فيه؟ !

فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال» ، و لمّا رأيت اجتماعهم (3)اتّبعت حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أحلت أن يكون اجتماعهم (4)على خلاف الهدى، و أعطيتهم قود الإجابة، و لو علمت أنّ أحدا يتخلّف لا متنعت.

قال: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أمّا ما ذكرت من حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال» أفكنت من الأمّة أو لم أكن؟ قال: بلى قال: و كذلك العصابة الممتنعة عليك: من سلمان، و عمّار، و أبي ذرّ، و المقداد، و ابن عبادة، و من معه من الأنصار؟ قال: كلّ من الأمّة.

فقال علي عليه السلام: و كيف تحتجّ بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك؟ و ليس للأمّة فيهم طعن، و لا في صحبة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نصيحته منهم تقصير، قال:

ما علمت بتخلّفهم إلاّ من بعد إبرام الأمر، و خفت إن دفعت (5)عنّي الأمر أن

ص:306


1- 1) في الاحتجاج: و [1]لا استيثار به دون غيري.
2- 2) في الاحتجاج: و [2]تنظر إليّ بعين الشنآن.
3- 3) في الاحتجاج: [3] لما رأيت إجماعهم.
4- 4) في الاحتجاج: [4] إجماعهم.
5- 5) في الاحتجاج: و [5]خفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين.

يتفاقم (1)إلى أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين، و كان ممارستكم (2)إليّ إن أجبتم أهون مؤنة على الدين و أبقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا، و علمت أنّك لست بدوني في الإبقاء عليهم و على أديانهم.

قال عليّ عليه السلام: أجل، ولكن أخبرني عن الّذي يستحقّ هذا الأمر بما يستحقّ (3)؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة و الوفاء، و رفع المداهنة، و المحاباة، و حسن السيرة، و إظهار العدل، و العلم بالكتاب و السنة، و فصل الخطاب، مع الزّهد في الدنيا، و قلّة الرغبة فيها، و إنصاف المظلوم من الظالم، القريب و البعيد، ثم سكت.

فقال عليّ عليه السلام: و السابقة و القرابة.

فقال أبو بكر: و السابقة و القرابة (4).

فقال عليّ عليه السلام: أنشدك باللّه يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أوفيّ؟ قال: بل فيك يا أبا الحسن.

قال: أنشدك باللّه أنا المجيب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قبل ذكران المسلمين أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: أنشدك باللّه أنا الأذان (5)لأهل الموسم و لجميع الأمّة بسورة براءة أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنا وقيت رسول اللّه بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال:

بل أنت.

ص:307


1- 1) تفاقم الأمر: عظم و لم يجر على استواء.
2- 2) في الاحتجاج: و [1]كان ممارستهم إليّ إن أجبتهم أهون مؤنة على الدين و إبقاء له.
3- 3) في المصدر: بما يستحقّه.
4- 4) احتجاجه [2]عليه السلام بالسابقة و القرابة و اعتراف أبي بكر بهما ليس في «الخصال» المطبوع نعم موجود في «الاحتجاج» . [3]
5- 5) في الاحتجاج [4]أنا صاحب الأذان لأهل الموسم و الجمع الأعظم للأمّة.

قال: أنشدك باللّه ألي الولاية من اللّه مع رسول اللّه في آية زكاة الخاتم (1)أم لك؟ قال: بل لك.

قال: أنشدك باللّه أنا المولى لك و لكلّ مسلم بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: أنشدك باللّه ألي الوزارة من رسول اللّه و المثل من هارون من موسى أم لك؟ قال: بل لك.

قال: فأنشدك باللّه أبي برز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بأهل بيتي و ولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك و بأهلك و ولدك؟ قال: بل بكم.

قال: فأنشدك باللّه ألي و لأهلي و ولدي آية التطهير من الرّجس أم لك و لأهل بيتك؟ قال: بل لك، و لأهل بيتك.

قال: فأنشدك باللّه أنا صاحب دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أهلي و ولدي يوم الكساء «اللّهمّ هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار» أم أنت؟ قال: بل أنت و أهلك و ولدك.

قال: فأنشدك باللّه أنا صاحب الآية: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (2)أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنت الفتى الّذي نودي من السّماء: «لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ» أم أنا؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنت الذي ردّت له الشّمس لوقت صلاته فصلاّها، ثمّ توارت أم أنا؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي حباك رسول اللّه برايته يوم خيبر ففتح اللّه له أم أنا؟ قال: بل أنت.

ص:308


1- 1) في الاحتجاج: [1] في آية الزكاة بالخاتم.
2- 2) الدهر:8. [2]

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي نفّست عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كربته، و عن المسلمين بقتل عمرو بن عبدود أم أنا؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي ائتمنك رسول اللّه على رسالته إلى الجنّ فأجابت أم أنا؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنت الذي طهّرك رسول اللّه من السفاح من آدم إلى أبيه بقوله: «خرجت أنا و أنت من نكاح لا من سفاح من آدم إلى عبد المطّلب» أم أنا؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي اختارني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و زوّجني ابنته فاطمة عليها السلام و قال: «اللّه زوّجك إيّاها في السماء» أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنا والد الحسن و الحسين ريحانتيه الّذين يقول (1)فيهما:

«هذان سيّدا شباب أهل الجنّة و أبوهما خير منهما» أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أخوك المزيّن بجناحين في الجنّة ليطير بهما مع الملائكة أم أخي؟ قال: بل أخوك.

قال: فأنشدك باللّه أنا ضمنت دين رسول اللّه و ناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت؟ قال: بل أنت (2).

قال: فأنشدك باللّه أنا الذي دعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لطير عنده يريد أكله فقال: «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك بعدي يأكل معي من هذا الطير» فلم يأته غيري أم أنت (3)؟ قال: بل أنت.

ص:309


1- 1) في المصدر: قال فيهما.
2- 2) أخرجه المتقي في «كنز العمّال» ج 6/396.
3- 3) في الخصال: «اللهم إيتني بأحبّ خلقك إليك بعدي» و الزائد مطابق لنقل الاحتجاج و [1]لا يخفى أنّ حديث الطير المشويّ من المتواترات و لا ينكره إلاّ المعاند، راجع «أسد الغابة» ج 4/30- و « [2]المستدرك» للحاكم ج 3/130-و فضائل أحمد بن حنبل:2/560 ح 945. [3]

قال: فأنشدك باللّه أنا الذي بشّرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بقتل الناكثين و القاسطين و المارقين على تأويل القرآن أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي شهدت آخر كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و ولّيت غسله و دفنه، أم أنت؟ قال: بل أنت (1).

قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي دلّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعلم القضاء (2)بقوله: «عليّ أقضاكم» أم أنت؟ قال: بل أنت (3).

قال: فأنشدك باللّه أنا الّذي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت؟ قال: بل أنت؟ (4).

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي سبقت له القرابة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أم أنا؟ قال: بل أنت (5).

قال: فأنشدك باللّه أنت الذي حباك اللّه عزّ و جلّ بالدّينار عند حاجته، و باعك جبرئيل عليه السلام و أضفت محمدا، و أطعمت ولده (6)أم أنا، قال:

فبكى أبو بكر، و قال: بل أنت.

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي حملك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على كتفه في طرح صنم الكعبة و كسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنا لها أم أنا؟ قال: بل أنت (7).

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه

ص:310


1- 1) ذخائر العقبى:72-و الرياض النضرة ج 2/237 لمحب الدين الطبري.
2- 2) في الاحتجاج: [1] بعلم القضاء و فصل الخطاب.
3- 3) «الاستيعاب» ج 2/461-و في الملحق بالإصابة ج 3/38.
4- 4) «اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليه السلام» .
5- 5) الرياض النضرة ج 2/215.
6- 6) راجع مناقب الخوارزمي الحنفي:224.
7- 7) الرياض النضرة ج 2/265-266.

و آله و سلّم: أنت صاحب لوائي في الدّنيا و الآخرة أم أنا؟ قال: بل أنت (1).

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بفتح بابه في مسجده حين أمر بسدّ جميع أبواب أصحابه و أهل بيته، فأحلّ له فيه ما أحلّه اللّه له أم أنا؟ قال: بل أنت (2).

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي قدّم بين يدي نجواه (3)لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله صدقة فناجاه أم أنا؟ فناجيته إذ عاتب اللّه قوما فقال:

أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ (4)قال: بل أنت (5).

قال: فأنشدك باللّه أنت الّذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة عليها السلام زوّجتك أوّل الناس إيمانا، و أرجحهم إسلاما في كلام له، أم أنا؟ قال: بل أنت (6).

قال: فلم يزل (7)عليه السلام يعدّ مناقبه الّتي جعل اللّه عزّ و جلّ له دونه، و دون غيره، و يقول له أبو بكر: بل أنت، قال: فبهذا و شبهه يستحقّ القيام بأمور أمّة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له عليّ عليه السلام: فما الّذي غرّك عن اللّه و عن رسوله و عن دينه، و أنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه.

فبكى أبو بكر و قال: صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومي هذا، فأدبّر ما

ص:311


1- 1) ذخائر العقبى:75-و [1]الرياض النضرة ج 2/267.
2- 2) حديث سدّ الأبواب: أخرجه غير واحد من القوم، راجع المستدرك للحاكم ج 3/125 و كنز العمّال ج 6/125-و 159.
3- 3) في المصدر: بين يدي نجوى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.
4- 4) المجادلة:13. [2]
5- 5) حديث النجوى مذكور في غير واحد من كتب القوم و إليك بعضها: تفسير القرطبي ج 17/320-و [3]تفسير الطبري ج 28/14-و [4]أسباب النزول للواحدي:308- [5]الخصائص للنسائي:39- [6]كنز العمال ج 1/268.
6- 6) نحوه في كنز العمّال ج 6/153 عن أبي هريرة و عن ابن عبّاس، و في مجمع الزوائد للهيثمي ج 9/208-و ينابيع المودّة:80-81.
7- 7) في الاحتجاج: [7] قال: فأنشدك باللّه يا أبا بكر أنت الّذي سلّمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم القليب أم أنا؟ قال: بل أنت قال: فلم يزل يورد مناقبه. . .

أنا فيه و ما سمعت منك، قال: فقال له عليّ عليه السلام: لك ذلك يا أبا بكر، فرجع من عنده و خلا (1)بنفسه يومه، و لم يأذن لأحد إلى الليل، و عمر يتردد في النّاس لما بلغه من خلوته بعليّ عليه السلام، فبات في ليلته فرأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في منامه، متمثّلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسلّم عليه، فولّى وجهه.

فقال أبو بكر يا رسول اللّه هل أمرت بأمر فلم أفعله؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم أردّ عليك السلام و قد عاديت اللّه و رسوله (2)، ردّ الحقّ إلى أهله، قال: قلت: فمن أهله؟ قال: من عاتبك عليه و هو عليّ عليه السلام، قال:

فقد رددت عليه يا رسول اللّه بأمرك (3).

قال: فأصبح و بكّر إلى (4)عليّ و قال: أبسط يدك، فبايعه، و سلّم إليه الأمر، و قال له: اخرج إلى مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخبر النّاس بما رأيت في ليلتي، و ما جرى بيني و بينك فأخرج نفسي من هذا الأمر، و أسلّم عليك بالإمرة، قال: فقال له عليّ عليه السلام: نعم، فخرج من عنده متغيّرا لونه (5)فصادفه عمر، و هو في طلبه، فقال: مالك يا خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله؟ فأخبره بما كان منه، و ما راى، و ما جرى بينه و بين عليّ عليه السلام، فقال له عمر: أنشدك باللّه يا خليفة رسول اللّه أن تغترّ بسحر بني هاشم، و ليس هذا بأوّل سحر منهم، فما زال به حتى ردّه عن رأيه، و صرفه عن عزمه، و رغّبه فيما هو فيه، و أمره بالثبات عليه و القيام به.

قال: فأتى عليّ عليه السلام المسجد للميعاد، فلم ير فيه أحدا فأحسّ بالشرّ منهم، فقعد إلى قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فمرّ به عمر،

ص:312


1- 1) في الاحتجاج: و [1]طابت نفسه يومه.
2- 2) في المصدر: و قد عاديت اللّه و رسوله؟ و عاديت من والى اللّه و رسوله؟
3- 3) في الاحتجاج: [2] قلت: فقد رددته عليه يا رسول اللّه، ثمّ لم يره.
4- 4) في المصدر: قال: فأصبح و بكى و قال لعليّ: أبسط يدك.
5- 5) في الاحتجاج: [3] متغيّرا لونه عاتبا نفسه.

فقال له: يا عليّ دون ما تروم (1)خرط القتاد (2)، فعلم بالأمر، و قام و رجع إلى بيته (3).

2-و روى من طريق المخالفين عامر الشعبي، عن عروة بن الزّبير بن العوّام، قال: لمّا قال المنافقون: إنّ أبا بكر تقدّم عليا عليه السلام و هو يقول:

أنا أولى بالمكان منه، قام أبو بكر خطيبا، فقال: صبرا على من ليس يؤل إلى دين، و لا يحتجب برعاية، و لا يرعوي (4)لولاية أظهر الإيمان ذلّة، و أسرّ النفاق علّة، هؤلاء عصبة الشيطان، و جمع الطغيان يزعمون أنّي أقول: أنّي أفضل من عليّ عليه السلام، و كيف أقول ذلك، و ما لي سابقته و لا قرابته و لا خصوصيته؟ عبد اللّه و أنا ملحده، و عبده قبل أن أعبده، و والى الرسول و أنا عدوّه، و سبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شاوه (5)و لم أقطع غباره، إنّ ابن أبي طالب فاز (6)من اللّه بمحبّة، و من الرسول بقرابة، و من الإيمان برتبة، لو جهد الأوّلون و الآخرون إلاّ النبيّين لم يبلغوا درجته، و لم يسلكوا منهجه، بذل للّه (7)مهجته، و لابن عمّه مودّته، كاشف الكرب، و دافع (8)الريب، و قاطع السبب، إلاّ سبب الرشاد، و قامع الشرك، و مظهر ما تحت سويداء حبة

ص:313


1- 1) في الاحتجاج: [1] دون ما تريد.
2- 2) القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر، و خرط القتاد: انتزاع قشره أو شوكه باليد من أعلاه إلى أسفله، يقال: «من دون ذلك خرط القتاد» يعني خرط القتاد باليد دون ذلك في المشقّة.
3- 3) الخصال للصدوق:548 ح 30-و عنه البحار ج 8/78 ط الحجري-و [2]عن الاحتجاج- ج 1/115. [3]
4- 4) الإرعواء: الرجوع عن الجهل.
5- 5) و في البحار- [4]لم ألحق ثناءه-ثم قال المجلسي (ره) في بيان الحديث: قوله لم ألحق ثناءه، كذا في بعض النسخ أي لا اطيق اثني عليه كما هو أهله، و في بعضها شأوه و هو الغاية و الأمد و السبق، يقال: شأوت القوم شؤوا: أي سبقتهم، و في بعضها شاره، و لعلّه من الشاره و هي الهيئة الحسنة، و الحسن و الجمال، و الزينة، و لا يبعد أن يكون ناره، لاستقامة السجع و بلاغة المعنى.
6- 6) في المصدر: و إنّ علي بن أبي طالب فاز و اللّه من اللّه بمحبّة.
7- 7) في المصدر: بذل في اللّه مهجته.
8- 8) في المصدر: دامغ الريب-دمغ الحق الباطل: أبطله و أذهبه.

النفاق، محنة لهذا العالم، لحق قبل أن يلاحق و برز قبل أن يسابق، جمع العلم و الحلم و الفهم، فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدّخر منها مثقال ذرة إلاّ أنفقه في بابه، فمن ذا يأمل (1)أن ينال درجته؟ و قد جعله اللّه و رسوله للمؤمنين وليّا، و للنبيّ صلى اللّه عليه و آله وصيّا، و للخلافة راعيا، و بالإمامة قائما، أفيغتر (2)بمقام قمته إذ أقامني و أطعته إذ أمرني، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: الحقّ مع عليّ عليه السلام و عليّ مع الحقّ من أطاع عليّا رشد، و من عصى عليّا فسد، و من أحبّه سعد، و من أبغضه شقي.

و اللّه لو لم نحبّ ابن أبي طالب إلاّ لأجل أنّه لم يواقع للّه محرّما، و لا عبد من دونه صنما، و لحاجة الناس إليه بعد نبيّهم لكان في ذلك ما يجب، فكيف لأسباب أقلّها موجب، و أهونها مرغّب، له الرحم المماسة (3)بالرسول، و العلم بالدقيق و الجليل، و الرضا بالصبر الجميل، و المواساة في الكثير و القليل، و خلال لا يبلغ عدّها و لا يدرك مجدها، ودّ المتمنّون أن لو كانوا تراب أقدام ابن أبي طالب عليه السلام أليس هو صاحب لواء الحمد؟ و الساقي يوم الورود جامع كلّ كرم، و عالم كلّ علم، و الوسيلة إلى اللّه و إلى رسوله (4).

ص:314


1- 1) في المصدر: فمن ذا يؤمّل.
2- 2) في المصدر: أفيغتر الجاهل بمقام قمته.
3- 3) في المصدر: للرحم الماسّة بالرّسول.
4- 4) الاحتجاج للطبرسي ج 1/88-و [1]عنه بحار الأنوار ج 8/89 ط الحجري. [2]

الباب السابع و الثلاثون

في احتجاجه على أبي بكر و عمر حين دعي للبيعة و اعتراف عمر له

عليه السلام

1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل (1)قال:

حدّثني أبو عليّ أحمد بن عليّ بن مهدي بن صدقة البرقي (2)أملأه عليّ إملاءا من كتابه قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الرّضا أبو الحسن عليّ بن موسى عليه السلام قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر عليه السلام قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد عليه السلام قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ عليه السلام قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين عليه السلام قال: حدّثني الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال: لمّا أتى أبو بكر و عمر إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام و خاطباه في أمر البيعة، و خرجا من عنده، خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، فحمد

ص:315


1- 1) أبو المفضّل: محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني المتوفى سنة (387) ه كان من المعمّرين لأنّه سمع الحديث من أهله سنة (306) ه-تقدّم ذكره.
2- 2) أبو علي أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة: بن هشام بن غالب بن محمد بن علي البرقي أو الرقي الأنصاري. كان من العلماء الأجلاّء في القرن الرابع، يروي عنه عن أبيه عن الرضا عليه السلام صاحب «كامل الزيارات» كما في سند زيارة أمين اللّه و صرّح ابن قولويه في «الكامل» ص 4 [1] بأنّ من يروي هو عنه في الكتاب علماء أجلّة و سمع منه التلعكبري بمصر سنة (340) . و عنونه الذهبي في «الميزان» ج 1/120 و قال: أحمد بن علي بن مهدي الرقي، عن عليّ الرضا بخبر باطل. و لنعم ما قال التستري في «قاموس الرجال» بعد قول الذهبي: قلت: و لا بدّ للناصبي أن يكذّب كلّ حقّ على خلاف مذهبه، و الذهبي من أشدّائهم.

اللّه و أثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم، و أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.

ثم قال: إنّ فلانا و فلانا أتياني و طالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عمّ النبيّ و أبو ابنيه (1)، و الصدّيق الأكبر، و أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا يقولها أحد غيري إلاّ كاذب، و أسلمت و صلّيت قبل كلّ أحد، و أنا وصيّه و زوج ابنته سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أبو حسن و حسين سبطي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و نحن أهل بيت الرّحمة، بنا هداكم اللّه، و بنا استنقذكم اللّه من الضّلالة، و أنا صاحب يوم الدّوح (2)، و فيّ نزلت سورة (3)من القرآن، و أنا الوصيّ على الأموات من أهل بيته صلى اللّه عليه و آله، و أنا بقيّة (4)على الأحياء من أمّته، فاتّقوا اللّه يثبّت أقدامكم، و يتمّ نعمته عليكم، ثم رجع عليه السلام إلى بيته (5).

2-و من طريق المخالفين ابن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» قال أبو بكر (6):

ص:316


1- 1) في بحار الأنوار: و [1]أبو بنيه.
2- 2) يريد عليه السلام (كما في هامش البحار) [2] يوم الغدير، [3] حيث أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بدوحات فقممن، و منه قول كميت: و يوم الدّوح دوح غدير خم أبان له الولاية لو أطيعا روى الكراجكي في «كنز الفوائد» ص 154 [4] بإسناده عن هنّاد بن السري المتوفّى سنة (243) ، قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام فقال لي: يا هنّاد، قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت: و يوم الدوح دوح غدير خمّ. . . قال: فأنشدته، فقال لي: خذ إليك يا هنّاد، فقلت: هات يا سيّدي فقال عليه السلام: «و لم أر مثل ذاك اليوم يوما و لم أر مثله حقّا أضيعا»
3- 3) المراد بها سورة الدهر.
4- 4) في البحار: [5] أنا بقيته على الأحياء.
5- 5) أمالي الطوسي ج 2/181-و [6]عنه البحار ج 28/247 ح 29. [7]
6- 6) هو أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري [8]البصري صاحب «كتاب السقيفة» [9] كان من أعلام العلماء في القرن الرابع، و في سنة (322) ه قرىء عليه كتابه «السقيفة» ، [10] ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست و لم يذكر له طريقا ولكن روى في «المجالس» عن جماعة عن أبي المفضل

قال: حدّثنا أبو زيد عمر بن شبة (1)، بإسناد رفعه إلى ابن عبّاس، قال: إنّي لأماشي عمر في سكّة من سكك المدينة (2)، فقال: يا بن عباس ما أظنّ صاحبك إلاّ مظلوما، فقلت (3): يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته:

فانتزع يده من يدي ثم مرّ يهمهم ساعة، ثم وقف، فلحقته، فوقف فقال:

يا بن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه فقلت (4):

و اللّه ما استصغره اللّه عزّ و جلّ حين أمره بأخذ سورة براءة من أبي بكر (5).

3-و قال ابن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» أيضا قال أبو بكر (6):

حدّثنا أبو زيد (7)، قال: حدّثنا محمّد بن حاتم (8)، قال: حدّثنا الخزامي (9)، قال: حدّثنا الحسين (10)بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: مرّ عمر بعليّ عليه السلام: و عنده ابن عباس (11)، بفناء داره،

ص:317


1- 1) أبو زيد عمر بن شبة بن أبي عبيدة الحافظ النميري البصري صاحب التصانيف، كان بصيرا بالسير و المغازي و أيام الناس، صنّف تاريخا للبصرة، و كتابا في أخبار المدينة، توفّي بسامرا سنة (262) ه و له (89) سنة-تذكرة الحفّاظ ج 2/516-
2- 2) في المصدر: في سكة من سكك المدينة يده في يدي.
3- 3) في المصدر: فقلت في نفسي: و اللّه لا يسبقني بها، فقلت يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته.
4- 4) في المصدر: فقلت في نفسي: هذه شرّ من الأ [1]ولى، فقلت: و اللّه. . .
5- 5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدي [2]د ج 6/45.
6- 6) هو أحمد بن عبد العزيز الجوهري المتقدم ذكره.
7- 7) هو عمر بن شبة البصري تقدّم ذكره أيضا.
8- 8) محمد بن حاتم: الظاهر أنّه ابن بزيع أبو سعيد البصري نزيل بغداد من شيوخ البخاري، توفي سنة (249) -تهذيب التهذيب ج 9/137-
9- 9) في المصدر: الحرامي (بالمهملتين) و على أيّ حال لم أعثر على ترجمة له.
10- 10) الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام كان يلقّب بذي الدمعة لكثرة بكائه و تهجّده، توفّي سنة (135) -روى عن الصادق و الكاظم عليهما السلام.
11- 11) لا يخفى اضطراب القصّة من حيث انّه إذا كان ناقلها ابن عبّاس فلا يصحّ أن يقول: «مرّ عمر بعليّ عليه السلام و عنده ابن عبّاس» بل الصواب أن يقول: و كنت عنده، و كذلك «فسألاه» الصحيح أن يقول: فسألناه، و هكذا ألفاظ أخر.

فسلّم، فسألاه أين تريد؟ قال: مالي بينبع، قال عليّ عليه السلام: أفلا نصل جناحك و نقيم معك؟ قال: بلى، فقال لابن عبّاس: قم معه، قال:

فشبّك أصابعه في أصابعي و مضى حتى إذا خلّفنا البقيع، قال: يا بن عباس أما و اللّه إنّ صاحبكم هذا لأولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلا أنا خفنا على اثنين.

قال ابن عبّاس: فجاء بمنطق لم أجد بدّا معه من مسألته عنه قلت: ما هما؟ قال: خشيناه على حداثة السنّ و حبّه بني عبد المطلب (1).

4-ثم قال ابن أبي الحديد: قال أبو بكر: و حدّثنا أبو زيد، قال:

حدّثني هارون (2)بن عمر، بإسناد رفعه إلى ابن عبّاس (رض) ، قال: تفرّق الناس ليلة الجابية (3)عن عمر، فسار كلّ واحد مع إلفه (4)، ثمّ صادفت عمر تلك اللّيلة في مسيرنا، فحادثته، فشكا إليّ تخلّف عليّ عليه السلام عنه، فقلت: ألم يعتذر إليك؟ قال: بلى، قلت: فهو على ما اعتذر به، فقال:

يا ابن عبّاس إنّ أوّل من ريّثكم (5)عن هذا الأمر أبو بكر، إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوّة، قلت: لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ ألم ننلهم خيرا؟ قال: بلى، و لكنّهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا (6)جحفا (7).

5-ثم قال ابن أبي الحديد: قال أبو بكر: و أخبرنا أبو زيد، قال:

ص:318


1- 1) شرح نهج البلاغة ج 2/57.
2- 2) هارون بن عمر: بن عبد العزيز بن محمّد أبو موسى المجاشعي، صحب الرّضا عليه السلام، له كتب منها: «ما نزل في القرآن في عليّ عليه السلام» ذكره الكشي-الذريعة ج 19/29.
3- 3) الجابية: (بالجيم و كسر الباء) قال ياقوت: أصله في اللّغة: الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل، و قرية من أعمال دمشق، و في هذا الموضع خطب عمر بن الخطّاب خطبته المشهورة- معجم البلدان ج 2/91- [1]
4- 4) الالف (بكسر الهمزة و سكون اللام) : الصديق و المؤانس.
5- 5) ريّثكم: قصرّكم.
6- 6) جحفا جحفا: فخرا فخرا و شرفا شرفا-النهاية لابن الأثير ج 1/145.
7- 7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2/57. [2]

حدّثنا عبد العزيز بن الخطّاب (1)، قال: حدّثنا عليّ بن هاشم (2)، مرفوعا إلى عاصم بن عمر بن قتادة (3)قال: لقي عليّ عليه السلام عمر، فقال له عليّ:

أنشدك اللّه هل استخلفك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: لا، قال: كيف تصنع أنت و صاحبك؟ قال: أمّا صاحبي فقد مضى لسبيله، و أمّا أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك، فقال جدع (4)اللّه أنف من ينقذك منها! و لكن جعلني اللّه تعالى علما، فإذا قمت فمن خالفني ضلّ (5).

قال مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام في استدراكه: «و لكن جعلني اللّه علما» الخ بعد سؤاله لعمر: «استخلفك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال عمر: لا.

يعطي كلامه عليه السلام: أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن اللّه جلّ جلاله، و أنّه عليه السلام هو العلم المنصوب من اللّه تعالى إماما بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا واضح بيّن من الحديث، فالعامّة في هذه المسألة لا يعقلون شيئا و لا يهتدون.

ثم قال ابن أبي الحديد عقيب هذه الأحاديث شعرا (6).

و قال بعض شعراء الشيعة:

حملوها يوم السقيفة أوزارا تضيّق عن حملهنّ الجبال

ص:319


1- 1) عبد العزيز بن الخطاب: أبو الحسن الكوفي ساكن البصرة-توفي سنة (224) ه. ترجمه ابن أبي حاتم و قال: روى عن قيس بن الربيع، و منصور بن أبي الأسود، و يعقوب القمي، سمع منه أبي و روى عنه، و أبو زرعة-الجرح و التعديل ج 5/381.
2- 2) علي بن هاشم: بن البريد أبو الحسن الخزّاز العائذي الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام، وثقه ابن معين، توفّي سنة (180) ه، ذكره ابن حجر في التهذيب ج 7/392-و الخطيب في تاريخ بغداد ج 12/116- [1]
3- 3) عاصم بن عمر بن قتادة: بن النعمان أبو عمر الأنصاري الأوسي المديني كان من التابعين، توفي سنة (120) أو (129) ه-تهذيب التهذيب ج 5/53- [2]
4- 4) جدع أنفه: قطعه.
5- 5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2/58. [3]
6- 6) ما عثرت على شعر عقيب هذه الأحاديث في المصدر المطبوع.

و أتوا بعدها يستقيلون و هيهات تلك عثرة لا تقال

6-ثم قال ابن أبي الحديد: فأمّا امتناع عليّ عليه السلام عن البيعة حتى أخرج على الوجه الّذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدّثون، و رواة السير، منه ما قاله الجوهري (1)في هذا الباب، و هو من رجال الحديث، و من الثقات المأمونين (2).

قال مؤلف هذا الكتاب: لم أذكر هنا الأحاديث الّتي أشار إليها ابن أبي الحديد في إخراج علي عليه السلام للبيعة على الوجه الّذي أخرج عليه، إذ يطول بذلك الكتاب، و في ذلك العجب العجاب، و من أراد الوقوف عليها فليطلبها من «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد و هو من أعيان علماء المعتزلة.

7-ابن أبي الحديد أيضا في «الشرح» نقله من كتاب «تاريخ بغداد» لأحمد (3)بن أبي طاهر، بسنده عن ابن عبّاس، قال: دخلت على عمر في أوّل خلافته، و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة (4)، فدعاني إلى الأكل، فأكلت تمرة واحدة، و أقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرّة (5)كانت عنده،

ص:320


1- 1) قال الجوهري [1]في «السقيفة» [2] كما نقل عنه ابن أبي الحديد: لمّا جلس أبو بكر على المنبر و كان عليّ عليه السلام، و الزبير، و ناس من بني هاشم في بيت فاطمة (عليها السلام) فجاء عمر إليهم، فقال: و الذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم. . . الخ-شرح النهج ج 2/56. و قال الجوهري أيضا: [3] قد روى في رواية أخرى أنّ سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة عليها السلام و المقداد بن الأسود أيضا، و أنّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّا عليه السلام، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، و خرجت فاطمة عليها السلام تبكي و تصيح. . . الخ-شرح النهج ج 2/56- [4]
2- 2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2/59. [5]
3- 3) أحمد بن أبي طاهر: طيفور أبو الفضل المؤرّخ الخراساني، هو أول من صنّف لبغداد تاريخا. طبع منه المجلد السادس، توفي سنة (280) ه-كشف الظنون ج 1/288-الأعلام ج 1/138- [6]
4- 4) الخصفة (بفتح الخاء المعجمة و الصاد المهملة) : القفّة تعمل من الخوص.
5- 5) الجرّة (بفتح الجيم و الراء المشدّدة) : آنية من الخزف.

و استلقى على مرفقته (1)، و طفق يحمد اللّه، و يكرّر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد اللّه؟ قلت: من المسجد، قال: كيف خلّفت ابن عمّك؟ فظننته، يعني عبد اللّه بن جعفر، فقلت: خلّفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعن ذاك، إنّما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلّفته يمتح بالغرب (2)على نخيلات له (3)و هو يقرأ القرآن.

فقال: يا عبد اللّه عليك دماء البدن إن كتمتنيها أبقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم نصّ عليه؟ قلت: نعم و أزيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه، فقال:

صدق، قال عمر: لقد كان من رسول اللّه في أمره ذرو من قول لا يثبت حجّة، و لا يقطع عذرا، و قد كان يربع في أمره وقتا ما، و لقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حيطة على الإسلام، لا و ربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا، و لو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّي علمت ما في نفسه فأمسك، و أبى اللّه إلاّ إمضاء ما حتم (4).

قلت: يشير إلى اليوم الذي قال: إيتوني بدواة و بيضاء كتف، الحديث.

فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر.

8-صاحب «كتاب الأربعين في الأربعين» (5)و هو الحديث الثاني قال:

أخبرنا أبو الفتوح محمود بن محمّد بن عبد الجبّار المذكّر الهرمزدياري السروي ثمّ الجرجاني، قدم علينا الرّي قراءة عليه، أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني (6)من لفظه، أخبرنا أبو محمّد

ص:321


1- 1) المرفقة: المخدّة و المتكأ.
2- 2) يمتح بالغرب: ينزح الماء بالدلو.
3- 3) في المصدر: يمتح بالغرب على نخيلات من فلان.
4- 4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12/20-و [1]عنه البحار ج 8/213 ط الحجري. [2]
5- 5) هو منتجب الدين علي بن عبيد اللّه الرازي المتوفى سنة (585) ه-الذريعة: ج 1/433-
6- 6) عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد أبو المحاسن الروياني الأملي الشافعي المقتول سنة (502) ه- طبقات الشافعية [3]لابن شهبة ج 1/287-

عبد الملك بن أحمد الفقاعي بالريّ، حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن سعيد الإصطخري (1)الأنصاري، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أدران الخيّاط بشيراز، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري (2)وصي المأمون الخليفة، حدّثنا أمير المؤمنين المأمون، حدّثنا أمير المؤمنين الرّشيد، حدّثنا أمير المؤمنين المهدي، حدّثنا أمير المؤمنين المنصور، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، و عنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، يقول: أمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ و كانت أحبّ إليّ من الدّنيا و ما فيها (3)، و كنت أنا، و أبو بكر، و أبو عبيدة، و جماعة من الصحابة، إذ ضرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بيده (4)على منكب عليّ عليه السلام فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيمانا، و أوّل المسلمين إسلاما و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى (5).

ص:322


1- 1) الاصطخري: عبد اللّه بن محمد بن سعيد الأنصاري الشافعي المتوفى سنة (384) -تاريخ بغداد ج 10/133- [1]
2- 2) إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الحافظ البغدادي صاحب «المسند» توفي سنة (247) ه-العبر ج 1/448- [2]
3- 3) في المصدر: و كانت أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس.
4- 4) في المصدر: إذ ضرب النبيّ (ص) يده على منكب. . .
5- 5) الأربعين:20 ح 2-و [3]أخرجه في البحار ج 38/246 [4]عن كشف الغمّة ج 1/86 [5] نحوه، و ذيله في ج 37/267 عن فردوس الأخبار للديلمي و رواه الخوارزمي في المناقب:19 باختلاف، و عنه مصباح الأنوار:132. [6]

الباب الثامن و الثلاثون

في احتجاجه على أهل الشورى و فيهم عثمان و إقرارهم له عليه السلام

1-الشيخ في «مجالسه» قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال:

حدّثنا الحسن بن علي (1)بن زكريّا العاصمي، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه العداني (2)، قال: حدّثنا الربيع بن يسار، قال: حدّثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد (3)يرفعه إلى أبي ذر رضي اللّه عنه، أنّ عليا عليه السلام، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا، و يغلقوا عليهم بابه، و يتشاورون في أمرهم، و أجّلهم ثلاثة أيّام، فإن توافق خمسة على قول واحد، و أبى رجل منهم، قتل ذلك الرجل، و إن توافق أربعة و أبى إثنان قتل الإثنان، فلمّا توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام: إنّي أحب أن تسمعوا منّي ما أقول لكم، فإن يكن حقا فاقبلوه، و إن يكن باطلا فأنكروه، قالوا: قل.

قال: أنشدكم باللّه، أو قال: أسألكم باللّه الّذي يعلم سرائركم،

ص:323


1- 1) الحسن بن علي بن زكريا بن عاصم بن زفر العدوي أبو سعيد البصري اعتمد عليه الوحيد لقول أبي المفضّل الشيباني كما عن «كفاية الأثر» : كان ثقة في الحديث، ولد سنة (210) ه و توفي سنة (319) ه و له (109) سنة-الجامع في الرجال ج 1/524- [1]
2- 2) في المصدر: أحمد بن عبيد اللّه العدلي-و على أيّ تقدير لم أعثر على ترجمة له كما لم أعثر على ترجمة المرويّ عنه أيضا.
3- 3) سالم بن أبي الجعد الكوفي من مشاهير المحدثين توفي سنة (100) ه-العبر ج 1/119- [2]

و يعلم صدقكم إن صدقتم، و يعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد آمن قبلي باللّه و رسوله، و صلّى القبلتين قبلي؟ قالوا: اللهمّ لا.

قال: فهل فيكم من يقول اللّه عزّ و جلّ فيه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)سواي؟ قالوا: اللّهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نصر أبوه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و كفّله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد زيّن أخوه بالجناحين في الجنّة غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد وحّد اللّه قبلي، و لم يشرك باللّه عزّ و جلّ شيئا؟ قالوا: اللّهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد عمّه حمزة سيد الشّهداء غيري؟ قالوا: اللّهم لا.

قال: فهل فيكم أحد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللّهم لا.

قال: فهل فيكم أحد ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة غيري؟ قالوا: اللّهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أعلم بناسخ القرآن، و منسوخه، و السنّة مني؟ قالوا: اللّهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد سمّاه اللّه عزّ و جلّ في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد ناجى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عشر مرّات يقدّم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، ليبلغ الشاهد الغائب ذلك» غيري؟ قالوا: لا.

ص:324


1- 1) النساء:59. [1]

قال: فهل فيكم رجل قال له رسول اللّه: لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله، كرّارا غير فرار، لا يولّي الدبر، يفتح اللّه على يديه، و ذلك حيث رجع أبو بكر و عمر منهزمين، فدعاني و أنا أرمد، فتفل في عيني، و قال: اللّهمّ أذهب عنه الحرّ و البرد، فما وجدت بعدها حرّا و لا بردا يؤذياني، ثم أعطاني الرّاية، فخرجت بها ففتح اللّه على يدي خيبر، فقتلت مقاتليهم، و فيهم مرحب، و سبيت ذراريهم، فهل كان ذلك غيري؟ قالوا:

لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّهمّ إيتني بأحبّ الخلق إليك، و إليّ و أشدّهم حبّا لي و لك، يأكل معي من هذا الطائر، فأتيت و أكلت معه غيري قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لتنهنّ يا بني وليعة (1)أو لأبعثنّ عليكم رجلا نفسه كنفسي، طاعته كطاعتي، و معصيته كمعصيتي، يعصاكم (2)أو يقصعكم (3)بالسيف غيري قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

«كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم من سلّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة، و فيهم جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل ليلة القليب، لمّا جئت بالماء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له جبرئيل عليه السلام: هذا هو المواساة، و ذلك يوم أحد، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه مني و أنا منه،

ص:325


1- 1) بنو وليعة: حيّ من كندة، أنشد ابن بري لعليّ بن عبد اللّه بن العبّاس بن عبد المطّلب: «أبي العبّاس قوم بني قصيّ و أخوالي الملوك بنو وليعة» -لسان العرب ج 8/411- [1]
2- 2) عصى يعصا بالسيف: ضرب به.
3- 3) يقصعكم: يقتلكم.

فقال جبرئيل: و أنا منكما غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد نودي (1)من السماء لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم من يقاتل الناكثين، و القاسطين، و المارقين على لسان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي قاتلت على تنزيل القرآن، و ستقاتل أنت يا عليّ على تأويله، غيري؟ قالوا:

لا.

قال: فهل فيكم أحد غسّل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع الملائكة المقرّبين بالروح و الريحان، تقلّبه لي الملائكة، و أنا أسمع قولهم، و هم يقولون: «استروا عورة نبيّكم ستركم اللّه» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم من كفّن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: لا.

قال عليه السلام: فهل فيكم أحد بعث اللّه عزّ و جلّ إليه بالتعزية، حيث قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة عليها السلام تبكيه، إذ سمعنا حسّا على الباب، و قائلا يقول نسمع صوته، و لا نرى شخصه، و هو يقول: «السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته، ربّكم عزّ و جلّ يقرئكم السلام، و يقول لكم: إن في اللّه خلفا من كل مصيبة، و عزاء من كل هالك، و دركا من كل فوت، فتعزوا بعزاء اللّه، و اعلموا أنّ أهل الأرض يموتون، و أنّ أهل السماء لا يبقون، و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» ، و أنا في البيت، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، أربعة، لا خامس لنا إلاّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مسجّى بيننا غيرنا؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد ردّت عليه الشمس بعد ما غربت أو كادت، حتّى

ص:326


1- 1) في المصدر: نودي به من السماء.

صلّى العصر في وقتها غيري؟ قالوا: لا (1).

قال: فهل فيكم أحد أمره رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن يأخذ براءة بعد ما انطلق أبو بكر بها، فقبضها منه، فقال أبو بكر بعد ما رجع، يا رسول اللّه أنزل فيّ شيء؟ فقال له: «لا إنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ علي» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم من قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، و لو كان نبيّ بعدي لكنته يا علي» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ كافر» غيري؟ قالوا: لا.

قال: أتعلمون أنّه أمر بسد أبوابكم و فتح بابي، فقلتم في ذلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما أنا سددت أبوابكم، و لا أنا فتحت بابه، بل اللّه سدّ أبوابكم و فتح بابه» ؟ قالوا: نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ناجاني يوم الطّائف دون الناس، فأطال ذلك، فقال بعضكم: يا رسول اللّه إنّك انتجيت عليا دوننا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أنا انتجيته، بل اللّه عزّ و جلّ انتجاه؟ قالوا: نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «الحقّ بعدي مع عليّ و عليّ عليه السلام مع الحقّ، يزول الحقّ معه حيث ما زال» ؟ قالوا: نعم.

ص:327


1- 1) حديث ردّ الشمس من الأحاديث التي رواها الفريقان إلاّ ابن الجوزي و من تبعه، و قوله بمعزل عن التحقيق و لذلك خطّأه غير واحد، حتى سبطه، قال في تذكرته:30 ط إيران و 55 ط الغري: قول جدّي: «هذا حديث موضوع» دعوى بلا دليل. . . و قال العيني في عمدة القارى شرح صحيح البخاري ج 7/146: هو حديث متصل، و رواته ثقات، و إعلال ابن الجوزي لا يلتفت إليه. و قال الزرقاني في شرح المواهب ج 5/113: [1] أخطأ ابن الجوزي في عدّه من الموضوعات.

قال: فهل تعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، و إنّكم لن تضلّوا ما اتّبعتموهما و استمسكتم بهما؟ ، قالوا:

نعم.

قال: فهل فيكم أحد وقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بنفسه، و ردّ به كيد المشركين، و اضطجع مضجعه، و شرى بذلك من اللّه نفسه؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم حيث آخا رسول اللّه بين أصحابه أحد كان له صلى اللّه عليه و آله و سلّم أخا غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد ذكره اللّه عزّ و جلّ بما ذكرني إذ قال: وَ اَلسّابِقُونَ اَلسّابِقُونَ أُولئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ (1)غيري؟ فهل سبقني منكم أحد إلى اللّه و رسوله؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد آتى الزكاة و هو راكع، فنزلت فيه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (2)غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد برز لعمرو بن عبدود، حيث عبر خندقكم وحده، و دعا جميعكم (3)إلى البراز، فنكصتم عنه، و خرجت إليه فقتلته، و فتّ اللّه بذلك في أعضاد المشركين و الأحزاب، غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بابه مفتوحا في المسجد، يحلّ له ما يحلّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و يحرم عليه ما يحرم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيه غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير حيث يقول اللّه تعالى:

ص:328


1- 1) الواقعة:11. [1]
2- 2) المائدة:55. [2]
3- 3) في المصدر: و دعا جمعكم.

إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)غيري و زوجتي، و ابنيّ؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنا سيّد ولد آدم، و علي سيّد العرب» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «ما سألت اللّه عزّ و جلّ لي شيئا إلاّ سألت اللّه عزّ و جلّ لك مثله» غيري قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد كان صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في المواطن كلّها غيري؟ قالوا: لا.

قال فهل فيكم أحد ناوله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قبضة من تراب من تحت قدميه فرمى بها في وجوه الكفّار فانهزموا غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قضى دين رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أنجز عداته غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد اشتاقت الملائكة إلى رؤيته فاستأذنت اللّه تعالى في زيارته غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد ورث سلاح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أداته غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد استخلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في أهله و جعل أمر أزواجه إليه من بعده غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد حمله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على كتفه حتّى كسر الأصنام الّتي كانت على الكعبة غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد اضطجع هو و رسول اللّه في لحاف واحد إذ كفّلني غيري؟ قالوا: لا.

ص:329


1- 1) الأحزاب:33. [1]

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أنت صاحب رايتي و لوائي في الدنيا و الآخرة» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد كان أوّل داخل على رسول اللّه، و آخر خارج من عنده لا يحجب عنه غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه و في زوجته و ولده: وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (1)إلى سائر ما اقتصّ اللّه تعالى من ذكرنا في هذه السورة غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ اَلْحاجِّ وَ عِمارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللّهِ (2)غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل اللّه تعالى فيه: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (3)إلى آخر ما اقتص اللّه تعالى من خبر المؤمنين غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل اللّه عزّ و جلّ فيه، و زوجته، و ولده: آية المباهلة، و جعل اللّه عزّ و جلّ نفسه نفس رسوله غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ (4)لمّا وقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة الفراش غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد سقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من المهراس (5)لمّا اشتدّ ظماؤه و أحجم (6)عن ذلك أصحابه، غيري؟ قالوا: لا.

ص:330


1- 1) الإنسان:8. [1]
2- 2) التوبة:19. [2]
3- 3) السجدة:18. [3]
4- 4) البقرة:207. [4]
5- 5) المهراس: الهاون.
6- 6) أحجم عن الشيء: كفّ عنه.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: اللهمّ إنّي أقول كما قال عبدك (1)موسى: رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي . . .

وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (2)إلى آخر دعوة موسى عليه السلام إلاّ النبوة، غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أدنى الخلائق برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم القيامة، و أقرب إليه منّي، كما أخبركم بذلك صلى اللّه عليه و آله، غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ من شيعتك رجلا يدخل في شفاعته الجنّة مثل ربيعة و مضر» غيري؟ قالوا:

لا.

قال: فهل فيكم أحد (3)قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «أنت و شيعتك هم الفائزون تردون يوم القيامة رواء مرويين، و يرد عدوّك ظماء مقحمين» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحبّ هذه الشعرات فقد أحبّني، و من أحبّني فقد أحبّ اللّه تعالى، و من أبغضها أو آذاها فقد أبغضني، و آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه تعالى، و من آذى اللّه لعنه اللّه، و أعدّ له جهنّم و ساءت مصيرا، فقال أصحابه: و ما شعراتك هذه يا رسول اللّه؟ قال: عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أنت يعسوب المؤمنين، و المال يعسوب الظالمين، و أنت الصدّيق الأكبر، و أنت الفاروق الأعظم الّذي يفرّق بين الحقّ و الباطل» غيري؟ قالوا: لا.

ص:331


1- 1) في المصدر: كما قال موسى.
2- 2) طه:31. [1]
3- 3) في المصدر: و هل فيكم من قال له. . .

قال: فهل فيكم أحد طرح عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ثوبه، و أنا تحت الثوب، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام ثم قال:

«اللهم أنا و أهل بيتي هؤلاء إليك لا إلى النار» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: بالجحفة بالشجيرات من خمّ: «من أطاعك فقد أطاعني، و من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من عصاك فقد عصاني، و من عصاني فقد عصى اللّه تعالى» غيري؟ قالوا:

لا.

قال: فهل فيكم أحد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بينه و بين زوجته، و جلس بين رسول اللّه و بين زوجته قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

«لأستر دونك يا عليّ» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها، ثمّ مشى به ساعة ثمّ ألقاه، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلا فلم يقلبوه من الأرض؟ قالوا:

لا.

قال: فهل فيكم من (1)قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أنت معي في قصري، و منزلك تجاه منزلي في الجنة» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أنت أولى الناس بأمّتي من بعدي، والى اللّه من والاك، و عادى اللّه من عاداك، و قاتل (2)من قاتلك بعدي» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قبل الناس سبع سنين و أشهرا، غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

«إنّك عن يمين العرش يا عليّ يوم القيامة، يكسوك اللّه عزّ و جلّ بردين:

ص:332


1- 1) في المصدر: فهل فيكم أحد.
2- 2) في المصدر: و قاتل اللّه من قاتلك بعدي.

أحدهما الأحمر و الآخر الأخضر» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أطعمه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من فاكهة الجنّة لمّا هبط بها جبرئيل، و قال: «لا ينبغي أن يأكله في الدنيا إلا نبيّ، أو وصيّ نبيّ» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «أنت أقومهم بأمر اللّه، و أوفاهم بعهد اللّه، و أعلمهم بالقضية، و أقسمهم بالسوية، و أرأفهم بالرعية» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنت قسيم النار تخرج منها من (1)أقرّ و تدع فيها من كفر» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال للعين و قد غاضت: «انفجري» فانفجرت، فشرب منها القوم، و أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمون معه، فشرب و شربوا، و شربت خيلهم و ملؤوا رواياهم (2)، غيري؟ قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حنوطا من حنوط الجنّة، فقال: اقسم هذا أثلاثا: «ثلثا حنّطني به، و ثلثا لابنتي، و ثلثا لك» غيري؟ قالوا: لا.

قال: فما زال يناشدهم، و يذكر لهم (3)ما أكرمه اللّه تعالى، و أنعم عليه، حتى قام قائم الظهيرة، و دنت الصلاة.

ثم أقبل عليهم، فقال: أمّا إذا أقررتم على أنفسكم، و بان لكم من نسبي الّذي ذكرت، فعليكم بتقوى اللّه وحده، و أنهاكم عن سخط اللّه، فلا تعرّضوا، و لا تضيّعوا أمري، و ردّوا الحقّ إلى أهله، و اتّبعوا سنة نبيّكم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و سنّتي من بعده، فإنكم إن خالفتموني خالفتم نبيكم

ص:333


1- 1) في المصدر: تخرج منها من آمن و أقرّ.
2- 2) الروايا: جمع الراوية و هي المزادة من ثلاثة جلود يجعل فيها الماء.
3- 3) في المصدر: و يذكّرهم.

صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد سمع ذلك منه جميعكم، و سلّموها إلى من هو لها أهل، و هي له أهل، أما و اللّه ما أنا بالرّاغب في دنياكم، و لا قلت ما قلت لكم افتخارا و لا تزكية لنفسي، و لكن حدّثت بنعمة ربّي، و أخذت عليكم بالحجّة.

ثم نهض إلى الصلوة، قال فتوامر القوم فيما بينها، و تشاوروا، فقالوا:

قد فضّل اللّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام بما ذكر لكم، و لكنّه رجل لا يفضّل أحدا على أحد، و يجعلكم و مواليكم سواء، و إن ولّيتموه إيّاها ساوى بين أسودكم و أبيضكم، و لو وضع السيف على عنقه، و لكن ولّوها عثمان، فهو أقدمكم ميلادا، و ألينكم عريكة، و أجدر أن يتبع مسيرتكم، و اللّه غفور رحيم (1).

و الروايات في طرق الحديث كثيرة أعرضت عن ذكرها مخافة الإطالة.

2-ابن بابويه قال: حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد العلوي (2)قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الكوفي (3)قال: حدّثنا عبد اللّه بن حمدون (4)، قال: حدّثنا الحسين بن النصر، قال: حدّثنا خالد بن حصين، عن يحيى (5)بن عبد اللّه بن الحسن، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمّي، حتّى أن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول: لا تذرّوني (6)حتى تذرّوا عليّا، فيذرّوني، و ما بي من رمد (7).

ص:334


1- 1) الأمالي للشيخ الطوسي ج 2/159-166-و [1]عنه بحار الأنوار ج 8/332 ط الحجري، و [2]عن إرشاد القلوب:259. [3]
2- 2) حمزة بن محمد العلوي: [4] بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. كان من أهل قزوين فنزل بقم، و سمع من علي بن إبراهيم القمي سنة (307) و سمع منه الصدوق سنة (339) ه.
3- 3) هو أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة المتوفى سنة (333) ه و قد تقدم ذكره.
4- 4) في المصدر، و البحار: [5] عبيد اللّه بن حمدون.
5- 5) يحيى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام من كبار الطالبيين في أيام الهادي و هارون العباسيين و توفي في حبس هارون نحو سنة (180) ه.
6- 6) ذرّ يذرّ الدواء: نشره و رشّه.
7- 7) علل الشرائع:45 [6] في ذيل ح 3-و عنه البحار ج 67/228 ذيل ح 38. [7]

3-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد صدر الأئمّة عند المخالفين في كتابه في فضائل علي عليه السلام قال: أخبرني العلاّمة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزّمخشري، أخبرنا الأستاذ الأمين أبو الحسن عليّ بن الحسين بن مردك الرازي، أخبرنا الشيخ الزّاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسين السمّان (1)، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد اللّه المحمودي 2، بقرائتي عليه سنة ست و ثمانين و ثلاثمائة، حدّثني أبو محمد 3عبد الرحمن بن حمدان بن عبد الرّحمن بن المرزبان الجلاّب، حدّثني أبو بكر محمّد بن إبراهيم السوسي البصري، نزيل حلب، حدّثني عثمان 4بن عبد اللّه القرشي الشامي بالبصرة قدم علينا، حدّثنا يوسف 5بن أسباط، عن محل 6الضبّي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة 7، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: لمّا كان أول يوم في البيعة لعثمان لِيَقْضِيَ اَللّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً 8، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ 9.

ص:335


1- 1) أبو سعد السمّان: إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الحافظ الكبير الرازي توفّي سنة (445) /443-تذكرة الحفّاظ ج 3/1121-و العبر ج 3/209.

فاجتمع المهاجرون و الأنصار في المسجد، فنظرت إلى أبي محمّد عبد الرحمن بن عوف، و قد اعتجر (1)بريطة، و قد اختلفوا. و كثرت المناجزة (2)إذ جاء ابو الحسن عليه السلام بأبي هو و أمّي، قال: فلمّا بصروا بأبي الحسن عليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه سرّ القوم طرّا، فأنشأ عليّ عليه السلام يقول:

إنّ أحسن ما ابتدأ به المبتدئون، و نطق به الناطقون، و تفوّه به القائلون، حمد اللّه و ثناء اللّه بما هو أهله، و الصلاة على النبيّ محمّد و آله، الحمد للّه المتفرد بدوام البقاء، المتوحّد بالملك، الذي له الفخر و المجد و الثناء (خضعت له الآلهة بحاله، و وجلت القلوب من مخافته، فلا عدل له و لا ندّ، و لا يشبهه أحد من خلقه، و نشهد له بما شهد لنفسه، و أولوا العلم من خلقه، أن لا إله إلا اللّه، ليس له صفة و لا حدّ يضرب له الأمثال، المدرّ صوب الغمام.

و ساق الخطبة في الثناء على اللّه جلّ جلاله بما هو أهله إلى أن قال عليه السلام: و سبحان الذي ليس لصفته نعت موجود، و لا حدّ محدود، و نشهد أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم عبده المرتضى، و نبيه المصطفى، و رسوله المجتبى، أرسله اللّه إلينا كافّة، و الناس أهل عبادة الأوثان و جميع الضلالة، يسفكون دمائهم، و يقتلون أولادهم، و يخيفون سبيلهم، غشاهم الظلم و أمنهم الخوف و عزّهم الذلّ مع عنجهية (3)و عمياء و حميّة، حتّى استنقذنا اللّه بمحمّد صلى اللّه عليه و آله من الضلالة، و هدانا من الجهالة، و أنشأنا بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم من الهلكة.

و نحن معشر العرب أضيق الأمم معاشا و أخشنهم رياشا، جعل طعامنا الهبيد (4)و لباسنا الوبر و الجلود، مع عبادة الأوثان و النيران، فهدانا اللّه بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صالح الأديان، ثمّ أنقذنا من عبادة الأوثان، بعد

ص:336


1- 1) اعتجر: لفّ عمامته-و الريطة (بفتح الراء المهملة) : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة.
2- 2) المناجزة: المبارزة.
3- 3) العنجهي (بضم العين المهملة و سكون النون و ضم الجيم) : المتكبر-و بالهاء في آخره: الجهل و الحمق-كما في القاموس.
4- 4) الهبيد (بفتح الهاء و كسر الباء) : الحنظل.

أن أمكنه من شعلة النور، فأضاء بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم مشارق الأرض و مغاربها، فقبضه اللّه إليه، فإنا للّه و إنّا إليه راجعون، فما أجلّ رزيته، و أعظم مصيبة المؤمنين فيه طرّا مصيبتهم واحدة) (1).

ثم قال عليّ كرّم اللّه وجهه: فأنشدتكم (2)اللّه يا معشر المهاجرين و الأنصار هل تعلمون أنّ جبرئيل أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا محمد (3).

لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ

هل تعلمون كان هذا؟ قالوا: اللّهم نعم.

قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جبرئيل نزل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: يا محمد إنّ اللّه يأمرك أن تحبّ عليا و تحبّ من يحبّه فإنّ اللّه تعالى يحبّ عليّا و يحبّ من يحبّه قالوا: اللّهم نعم.

قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:

لما أسري بي إلى السماء السابعة رفعت إلى رفارف من نور، ثم رفعت إلى حجب من نور فوعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم الجبّار لا إله إلاّ هو بأشياء، فلمّا رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب: نعم الأب أبوك إبراهيم، و نعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب و استوص به، أتعلمون معاشر المهاجرين و الأنصار كان هذا؟ فقال أبو محمد من بينهم، يعني عبد الرّحمن بن عوف: سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و إلاّ صمتا:

ثم قال: أتعلمون أنّ أحدكم كان يدخل المسجد جنبا غيري؟ قالوا:

اللهم لا.

ص:337


1- 1) ما بين القوسين ليس في المصدر المطبوع أي من قوله: خضعت له الآلهة. . . إلى مصيبتهم واحدة.
2- 2) في المصدر المطبوع: معاشر المسلمين ناشدتكم اللّه.
3- 3) ليس في المصدر المطبوع: يا محمد.

قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبواب المسجد سدّها و ترك بابي (1)؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: هل (2)تعلمون أنّي كنت إذا قاتلت أكون عن يمين رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟ قالوا: نعم (3).

قال: هل (4)تعلمون أنّ رسول اللّه أخذ الحسن و الحسين، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إيها (5)يا حسن، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أباه إنّ الحسين أصغر و أضعف ركنا منه، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة ألا ترضين أنا أقول إيها يا حسن، و يقول جبرئيل عليه السلام: إيها يا حسين؟ فهل لأحدكم مثل هذا الفضل و هذه المنزلة؟ نحن الصّابرون ليقضي اللّه أمرا مفعولا في هذه البيعة (6).

ص:338


1- 1) في المصدر: و ترك بابي بأمر من اللّه.
2- 2) في المصدر: فانشدكم اللّه هل تعلمون.
3- 3) في المصدر: اللهم نعم.
4- 4) في المصدر: فأنشدكم اللّه هل تعلمون.
5- 5) إيه: اسم فعل لاستزادة الحديث أو الفعل و قد يستعمل بالتنوين.
6- 6) مناقب الخوارزمي:213.

الباب التاسع و الثلاثون

في علة تركه عليه السلام مجاهدة من تقدم عليه

1-ابن بابويه، عن أبيه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن الهيثم (1)بن أبي مسروق النّهدي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّما سار عليّ عليه السلام بالكفّ عن عدوّه، من أجل شيعتنا، لأنّه كان يعلم أنّه سيظهر عليهم بعده، فأحبّ أن يقتدي به من جاء بعده يسير فيهم بسيرته، و يقتدي بالكفّ عنهم بعده (2).

2-عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور (3)، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد (4)بن عامر، عن عمّه (5)ابن أبي عمير، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا

ص:339


1- 1) الهيثم بن أبي مسروق عبد اللّه أبو محمد النهدي الكوفي، قال الأردبيلي في «جامع الرواة» ج 2/319: [1] الظاهر أنّه ممّن لم يرو، لعدم روايته في موضع عنهم عليهم السلام، فذكر الشيخ إيّاه في (قر) أي في أصحاب الباقر عليه السلام ليس له وجه.
2- 2) علل الشرائع:146 ح 1 من الباب 122-و [2]عنه البحار ج 8/143 و 573 ط الحجري. [3]
3- 3) جعفر بن محمد بن مسرور: أكثر عنه الصدوق في كتبه مترضيا و الظاهر حسن حاله، و احتمل بعض اتحاده مع ابن قولويه المتوفى سنة (368) و اللّه يعلم.
4- 4) الحسين بن محمد بن عامر: بن عمران أبو عبد اللّه الأشعري القمي كان من أجلاّء شيوخ الكليني.
5- 5) في المصدر: عن عمّه عبد اللّه بن عامر، عن محمد بن أبي عمير.

و فلانا و فلانا؟ قال عليه السلام: لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1)قال: قلت: و ما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع المؤمنين في أصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عزّ و جلّ، فإذا خرجت، ظهر على من ظهر من أعداء اللّه، فقتلهم (2).

3-و عنه، قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفر العلوي رحمه اللّه، قال: حدّثنا جعفر (3)بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد (4)، عن أحمد بن محمّد (5)، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي (6)، قال قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام: أصلحك اللّه ألم يكن عليّ عليه السلام قويا في دين اللّه عزّ و جل؟ قال: بلى، قلت: كيف ظهر عليه القوم و لم يمنعهم، و كيف لم يدفعهم و ما منعهم من ذلك؟ قال: آية في كتاب اللّه عزّ و جلّ منعته، قال: قلت: و أيّ آية؟ قال: قوله تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (7)إنّه كان للّه عزّ و جلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين و منافقين، فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلمّا خرج الودائع ظهر من ظهر فقاتله، و كذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام، لن يظهر أبدا حتى يظهر ودائع اللّه عزّ و جلّ فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله (8).

ص:340


1- 1) الفتح:25. [1]
2- 2) علل الشرائع:147 ح 2 من الباب 122-و [2]كمال الدين:641-و [3]عنهما البحار ج 8/143 ط الحجري-و [4]البرهان ج 4/198 ح 1. [5]
3- 3) جعفر بن محمد بن مسعود: والده العياشي، روى عن أبيه جميع كتبه، و روى عنه أبو المفضل الشيباني المتوفى سنة (387) ، و ابن قولويه المتوفى سنة (369) .
4- 4) علي بن محمد: بن فيروزان القمي أبو الحسن كان مقيما بكش-جامع الرواة ج 1/601- [6]
5- 5) أحمد بن محمد: بن عيسى بن عبد اللّه بن سعد الأشعري القمي أبو جعفر لقي الأئمة الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام، و صنّف كتبا، و كان حيّا في سنة (264) -الجامع في الرجال:179. [7]
6- 6) إبراهيم الكرخي بن أبي زياد البغدادي روى عن الإمامين الصادق و الكاظم عليهما السلام.
7- 7) الفتح:25. [8]
8- 8) علل الشرائع:147 ح 3 من الباب 122-و [9]كمال الدين:642-و [10]عنهما البحار ج 8/143 ط الحجري-و [11]البرهان ج 4/198 ح 2. [12]

4-و عنه حدّثنا المظفر بن جعفر العلوي (رض) قال: حدّثنا جعفر بن مسعود، عن أبيه، قال: حدّثنا جبرئيل (1)بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن منصور بن حازم (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: في قول اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً قال: لو أخرج اللّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين، و ما في أصلاب الكافرين من المؤمنين، لعذّب الّذين كفروا (3).

5-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رض) ، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي (4)، قال: حدّثنا الهيثم بن عبد اللّه الرماني (5)، قال: سألت عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول اللّه أخبرني عن علي بن أبي طالب، لم لم يجاهد أعدائه خمسا و عشرين سنة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم جاهد في أيّام ولايته؟ فقال: لأنّه اقتدى برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في ترك جهاد المشركين بمكّة ثلاث عشر سنة بعد النبوة، بالمدينة تسعة عشر شهرا، و ذلك لقلّة أعوانه عليهم، و كذلك عليّ عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة و تسعة عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة عليّ عليه السلام مع ترك الجهاد خمسا و عشرين سنة إذا كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة (6).

6-و عنه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه

ص:341


1- 1) جبرئيل بن أحمد: الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش له حلقة كثير الرواية.
2- 2) منصور بن حازم: أبو أيّوب الكوفي البجلي روى عن الصادق و الكاظم عليهما السلام.
3- 3) علل الشرائع:147-و [1]كمال الدين:642-و [2]عنهما البحار ج 8/143-و [3]البرهان ج 4/198 ح 3. [4]
4- 4) الحسن بن علي العدوي: بن زكريا بن عاصم بن زفر البصري العاصمي سمع منه الطالقاني سنة (317) و له حينئذ (107) سنة، اعتمد عليه الوحيد البهبهاني-الجامع في الرجال:524-
5- 5) الهيثم بن عبد اللّه الرمّاني الكوفي روى عن الإمامين الكاظم و الرضا عليهما السلام.
6- 6) علل الشرائع:148 ح 5 من الباب 122-و [5]عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2/81 ح 16- و [6]عنهما البحار ج 8/143 ط الحجري. [7]

قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السلام ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم؟ قال: الّذي سبق في علم اللّه أنّه يكون، و ما كان له أن يقاتلهم و ليس معه إلاّ ثلاثة رهط من المؤمنين (1).

7-و عنه قال: حدّثنا حمزة بن محمّد العلوي (2)، قال: أخبرنا أحمد بن (3)محمّد بن سعيد قال: حدّثني الفضل (4)بن الحبّاب الجمحي، قال:

حدّثنا محمّد بن إبراهيم الحمصي، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن موسى الطائي، عن أبيه، عن ابن مسعود (5)قال: احتجّوا في مسجد الكوفة، فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة، و الزبير، و عائشة، و معاوية؟ فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فأمر أن ينادى:

الصلاة الجامعة (6)، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال:

معاشر الناس إنّه بلغني عنكم كذا و كذا، قالوا: صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك، قال: إنّ لي بستة من الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال اللّه تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (7)قالوا: و من هم يا أمير المؤمنين؟

قال: أولهم إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ

ص:342


1- 1) علل الشرائع:148 ح 6 من الباب 122-و [1]عنه البحار ج 8/144 ط الحجري. [2]
2- 2) حمزة بن محمد العلوي: بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو يعلى القزويني توفي سنة (346) [3] ه كما أرّخه السمعاني، أخذ عن علي بن إبراهيم سنة (307) و سمع منه الصدوق سنة (339) -الفخري في أنساب الطالبيين:52-و [4]الجامع في الرجال:689- [5]
3- 3) هو ابن عقدة الكوفي المتوفى سنة (333) و قد تقدّم ذكره.
4- 4) الفضل بن الحباب الجمحي: أبو خليفة البصري مسند العصر المتوفى سنة (305) -العبر في خبر من غبر ج 2/136- [6]
5- 5) ابن مسعود: المتبادر منه هو عبد اللّه بن مسعود الصحابي، و لكن القضية آبية عن أن تكون مرويّة عنه، فإنّها كانت في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، و ابن مسعود الصحابي توفي سنة (32) في خلافة عثمان، و لعلّ المراد منه عبد اللّه بن مسعدة بن مسعود الفزاري الذي كان مع أمير المؤمنين عليه السلام أولا فاستماله معاوية، و مات نحو سنة (65) و اللّه يعلم.
6- 6) في المصدر: بالصلاة جامعة.
7- 7) الأحزاب:21. [7]

مِنْ دُونِ اَللّهِ (1)فإن قلتم: إنّ إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، و إن قلتم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصيّ أعذر.

ولي بابن خالة لوط أسوة إذ قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (2)فإن قلتم: إنّ لوطا كانت له بهم قوّة فقد كفرتم، و إن قلتم:

لم يكن له بهم قوّة فالوصيّ أعذر.

ولي بيوسف عليه السلام أسوة إذ قال: رَبِّ اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (3)فإن قلتم: إنّ يوسف دعا ربّه و سأله السجن لسخط ربّه فقد كفرتم، و إن قلتم: إنّه أراد بذلك لئلاّ يسخط ربّه عليه فاختار السجن، فالوصي أعذر.

ولي بموسى عليه السلام أسوة إذ قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ (4)فإن قلتم: إنّ موسى فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: إنّ موسى خاف منهم، فالوصيّ أعذر.

ولي بأخي هارون عليه السلام أسوة إذ قال لأخيه: يا اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي (5)فإن قلتم: لم يستضعفوه و لم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، و إن قلتم: استضعفوه و أشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم، فالوصيّ أعذر.

ولي بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أسوة حين فرّ من قومه، و لحق بالغار من خوفهم، و أنا مني على فراشه، فإن قلتم: فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: خافهم و أنا مني على فراشه و لحق هو بالغار من خوفهم، فالوصيّ أعذر (6).

ص:343


1- 1) مريم:48. [1]
2- 2) هود:80. [2]
3- 3) يوسف:33. [3]
4- 4) الشعراء:21. [4]
5- 5) الأعراف:150. [5]
6- 6) علل الشرائع:148 ح 6-و [6]عنه البحار ج 8/144 ط الحجري. [7]

8-و عنه، قال: أخبرني عليّ بن حاتم، قال: حدّثنا أحمد (1)بن محمّد بن موسى النوفلي، قال: حدّثنا محمّد بن حمّاد السائي (2)، عن الحسن بن راشد (3)، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي (4)، قال: حدّثنا ربعي (5)، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما منع أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه؟ قال: خوفا أن يرتدّوا.

قال عليّ بن حاتم: و أحسب في الحديث: و لا يشهدوا أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (6).

9-و عنه قال: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن جعفر الرازي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بكار (7)بن أبي بكر الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لسيرة عليّ بن أبي طالب في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته ممّا طلعت عليه الشّمس، إنّه علم أنّ للقوم دولة، فلو سباهم لسبيت شيعته، قال: قلت: فأخبرني عن القائم عليه السلام يسير بسيرته؟ قال:

لا، إنّ عليا عليه السلام سار فيهم بالمنّ لما علم من دولتهم، و إنّ القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة، لأنّه لا دولة لهم (8).

ص:344


1- 1) أحمد بن موسى النوفلي: بن الحرث بن عون بن عبد اللّه بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بن هاشم، له كتاب نوادر كبير، قاله النجاشي.
2- 2) في المصدر: محمد بن حمّاد الشاشي، و على أيّ تقدير لم أظفر على ترجمة له.
3- 3) الحسن بن راشد: أو الحسن بن أسد الطفاوي أبو محمد البصري له ترجمة في «جامع الرواة» ج 1/198- [1]
4- 4) علي بن إسماعيل الميثمي: بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمّار أبو الحسن الكوفي كان من وجوه المتكلّمين و أوّل من تكلّم على مذهب الإماميّة، سكن البصرة- [2]جامع الرواة ج 1/558- [3]
5- 5) ربعي: بن عبد اللّه بن الجارود العبدي بن أبي سبرة الهذلي أبو نعيم البصري روى عن الإمامين الصادق و الكاظم عليهما السلام.
6- 6) علل الشرائع:149 ح 8 من الباب 122-و [4]عنه البحار ج 8/144 ط الحجري. [5]
7- 7) بكار بن أبي بكر عبد اللّه بن محمد الحضرمي الكوفي عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام.
8- 8) علل الشرائع:149 ح 9-و [6]عنه البحار ج 8/573 ط الحجري. [7]

10-و عنه قال: حدّثنا أبي (ره) ، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال:

حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن بريد (1)بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إنّ عليا لم يمنعه من أن يدعو الناس إلى نفسه إلاّ أنّهم إن يكونوا ضلالا لا يرجعون عن الإسلام، أحب إليه من أن يدعوهم فيأبون عليه فيصيرون كفّارا كلّهم.

قال حريز: حدّثني زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو لا أنّ عليا عليه السلام سار في أهل حربه بالكفّ عن السّبي و الغنيمة، للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما، ثمّ قال: و اللّه لسيرته كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشّمس (2).

11-و عنه-قال: حدّثنا محمد بن الحسن (ره) (3)، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى (4)، عن ربعي، عن فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أو لأبي عبد اللّه عليه السلام حين قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لمن كان الأمر من بعده؟ فقال: لنا أهل البيت، قلت: فكيف صار في غيركم؟ قال: إنّك قد سألت فافهم الجواب، إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا علم أن يفسد في الأرض و تنكح الفروج الحرام، و يحكم بغير ما أنزل اللّه تبارك و تعالى أراد أن يلي ذلك غيرنا (5).

ص:345


1- 1) بريد بن معاوية: أبو القاسم العجلي الكوفي عدّه الشيخ من أصحاب الإمامين: الباقر و الصادق عليهما السلام و مات في حياة أبي عبد اللّه عليه السلام، و روى عن ابن فضّال أنّ وفاته في سنة (150) -الجامع في الرجال:300- [1]
2- 2) علل الشرائع:150 ح 10-و [2]صدره في البحار ج 8/144 ط القديم. [3]
3- 3) محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبو جعفر نزيل قم توفي سنة (343) ه.
4- 4) حمّاد بن عيسى: الجهني البصري أصله كوفي عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام و بقي إلى زمان الإمام الرضا عليه السلام و توفي سنة (208) أو سنة (209) ، و عدّه الكشي من أصحاب الإجماع.
5- 5) علل الشرائع:153 ح 14-و [4]عنه البحار ج 8/144 ط القديم. [5]

ص:346

الباب الأربعون

في تركه عليه السلام مؤاخذة عدوه مع قدرته عليه

1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب، قال: أخبرني الحسن (1)بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال:

حدّثني إبراهيم (2)بن عمرو، قال: حدثني أبي، عن أخيه، عن بكر بن عيسى (3)، قال: لمّا اصطفّ الناس للحرب بالبصرة، خرج طلحة، و الزبير في صف أصحابهما، فنادى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الزّبير بن العوّام، فقال له: يا أبا عبد اللّه ادن منّي لأفضي إليك بسرّ عندي، فدنا منه حتى اختلف أعناق فرسيهما، فقال له أمير المؤمنين: نشدتك باللّه (4)إن ذكرتك شيئا فذكرته، أما تعترف به؟ فقال له: نعم.

فقال عليه السلام: أما تذكر يوما كنت مقبلا عليّ بالمدينة تحدّثني، إذ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فرآك معي، و أنت تبسم إليّ؟ فقال

ص:347


1- 1) الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني أبو محمد، و هو غير الحسين بن علي الزعفراني أبو عبد اللّه الذي كان من مشايخ ابن قولويه المتوفى سنة (369) ه.
2- 2) إبراهيم بن عمرو بن المبارك البجلي.
3- 3) بكر بن عيسى الراسبي أبو بشر البصري، و يكنّى أيضا بأبي زيد توفي سنة (204) ، و لا يخفى سقوط راو أو راويين بعد بكر بن عيسى.
4- 4) في المصدر: أنشدتك اللّه.

لك: يا زبير أتحبّ عليا؟ فقلت: و كيف لا أحبه و بيني و بينه من النسب و المودّة في اللّه ما ليس لغيره؟ فقال: إنّك ستقاتله و أنت له ظالم، فقلت: أعوذ باللّه من ذلك، فنكس الزبير رأسه، ثم قال: إنّي نسيت هذا المقام، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: دع هذا، أفلست بايعتني طائعا، قال: بلى، قال:

أفوجدت منّي حدثا يوجب مفارقتي؟ فسكت.

ثم قال: لا جرم و اللّه لا قاتلتك، و رجع متوجّها نحو البصرة، فقال له طلحة: ما لك يا زبير تنصرف عنّا؟ سحرك ابن أبي طالب؟ فقال: لا، و لكن ذكّرني ما كان أنسانيه الدهر، و احتجّ عليّ بيعتي له، فقال له طلحة:

لا، و لكن جبنت، و انتفخ سحرك، فقال الزبير: لم أجبن، و لكن أذكرت فذكرت.

فقال له عبد اللّه: يا أبت جئت بهذين العسكرين العظيمين، حتى إذا اصطفّا للّه للحرب، قلت: أتركهما و انصرف، فما تقول قريش غدا بالمدينة؟ اللّه اللّه يا أبت لا تشمت الأعداء، و لا تشمّر (1)نفسك بالهزيمة قبل القتال، قال: يا بنيّ ما أصنع و قد حلفت له باللّه أن لا أقاتله؟ قال له: فكفّر عن يمينك، و لا تفسد أمرنا، فقال الزبير: عبدي مكحول حرّ لوجه اللّه كفّارة ليميني، ثم عاد معهم للقتال.

فقال همّام الثقفي في فعل الزبير ما فعل، و عتقه عبده في قتال عليّ عليه السلام:

أيعتق مكحولا و يعصي نبيّه لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق

أينوي بهذا الصدق و البرّ و التقى سيعلم يوما من يبرّ و يصدق

لشتّان ما بين الضلالة و الهدى و شتّان من يعصي النبيّ و يعتق

و من هو في ذات الإله مشمّر يكبّر برا ربّه و يصدّق

أفي الحقّ أن يعصى النبي سفاهة و يعتق عن عصيانه و يطلّق

ص:348


1- 1) في المصدر المطبوع: لا تشمّر، أي لا تقصد الهزيمة و لا تهيّىء نفسك لها، و في البحار: [1] لا تشن نفسك: أي لا تهنها بالهزيمة.

كدافق ماء للسراب يؤمّه ألا في ضلال من يصبّ و يدفق (1)

2-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان المخالفين في كتاب فضائل أمير المؤمنين قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزّاهد الحافظ أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، حدّثني والدي شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ، حدّثنا أبو عبد اللّه الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب (2)، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامري (3)، حدثنا عبيد اللّه بن موسى (4)، حدّثنا أبو ميمونة (5)، عن أبي بشير الشيباني قال: لمّا قتل عثمان اختلف الناس إلى علي عليه السلام يقولون له: نبايعك، و معهم طلحة، و الزبير، و المهاجرون، و الأنصار، فقال: لا حاجة لي في الإمارة (6)، أنظروا إلى من تختارون أكون معكم، قال: فاختلفوا إليه أربعين ليلة، فأبوا عليه إلاّ أن يكون يفعل، و قالوا: نحن منذ أربعين ليلة ليس أحد يأخذ على سفهنا (7)، فقال علي عليه السلام أصلّي بكم، و يكون مفتاح بيت المال بيدي، و ليس بأمري دونكم (8)أترضون بهذا؟ قالوا: نعم، قال: و ليس لي أن أعطي أحدا درهما دونكم؟ قالوا: نعم. (فجعل يقول لهم ذلك ثلاثة أيّام، و يقولون:

نعم) (9).

فصعد (10)المنبر و بايعه النّاس و نزل، فأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، و سكن

ص:349


1- 1) الأمالي للشيخ الطوسي ج 1/136-و [1]عنه البحار ج 32/204 ح 158. [2]
2- 2) أبو العبّاس: محمد بن يعقوب الأصمّ النيشابوري المتوفى سنة (346) ه-العبر ج 2/279- [3]
3- 3) الحسن بن علي بن عفّان أبو محمد العامري الكوفي المتوفى سنة (270) ه.
4- 4) عبيد اللّه بن موسى أبو محمد الحافظ الكوفي المقرىء المتوفى سنة (213) ه-العبر ج 1/364- [4]
5- 5) في المصدر: ابن ميمونة و على أيّ حال لم أظفر على ترجمته كما لم أظفر على ترجمة من روى عنه.
6- 6) في المصدر المطبوع: في الإمرة.
7- 7) في المصدر: سفيهنا.
8- 8) في المصدر: و ليس أمري دونكم.
9- 9) ما بين القوسين ليس في المصدر.
10- 10) في المصدر: فقعد على المنبر.

الناس و هدؤا، قال: فلم يكن إلاّ يسيرا حتى دخل عليه طلحة، و الزبير فقالا: يا أمير المؤمنين إنّ أرضنا أرض شديدة، و عيالنا كثير، و نفقتنا قليلة، قال: ألم أقل لكم: إنّي لا أعطي أحدا دون أحد؟ قالا: بلى (1)، قال:

فأتيا (2)بأصحابكم، فإن رضوا بذلك أعطيتكما، و إلاّ لم اعطكما دونهم، و لو كان عندي شيء لنفسي أعطيتكما من الذي لي، و لو انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكما من عطائي، قالا: ما نريد من مالك شيئا، و خرجا من عنده، فلم يلبثا إلاّ قليلا حتى دخلا عليه، فقالا: ائذن (3)لنا في العمرة، فقال:

ما تريدان العمرة، و لكن تريدان الغدرة، قالا: كلاّ، قال: قد أذنت لكما اذهبا.

قال: فخرجا حتّى أتيا مكة، و كانت أمّ سلمة، و عائشة بمكة، فدخلا على أمّ سلمة رضي اللّه عنها، و قالا لها و شكيا إليها، فوقعت فيهما، و قالت:

أنتما تريدان الفتنة، و نهتهما عن ذلك نهيا شديدا، قال: فخرجا من عندها حتّى أتيا عائشة، فقالا لها مثل ذلك و قالا: نريد أن تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل؟ قالت: نعم.

قال: فكتب أمير مكّة إلى عليّ (رض) : أنّ طلحة، و الزبير جاءا فأخرجا عائشة، و لا نعلم (4)أين خرجا بها، قال: فصعد المنبر، و دعا الناس، و قال: أنا كنت أعلم بكم فأبيتم، قالوا: و ما ذاك؟ قال عليه السلام: إنّ طلحة، و الزبير أتياني و ذكرا حالهما، فقلت لهما: ليس عندي شيء، فاستأذناني في العمرة، و أذنت (5)لهما، و قد أخرجا عائشة إلى البصرة تقاتلكم، قالوا: نحن معك، فمرنا بأمرك، قال: إنّ هؤلاء يجتمعون عليكم، و أرضكم شديدة، فسيروا أنتم إليهم، و كتب إلى أمير الكوفة يستنفر

ص:350


1- 1) في المصدر المطبوع: نعم.
2- 2) في المصدر: فأتوني بأصحابكم.
3- 3) في المصدر: أتأذن لنا في العمرة؟
4- 4) في المصدر: ما ندري أين خرجا بها.
5- 5) ليس في المصدر: (و أذنت لهما) .

الناس، قال: فاجتمعوا بالبصرة فقال عليه السلام: من يأخذ المصحف ثم يقول لهم: ماذا تنقمون تريقون دماءنا و دمائكم؟ فقال رجل: أنا يا أمير المؤمنين أمضي إليهم، قال: إنّك مقتول، قال: لا أبالي، قال عليه السلام:

خذ المصحف، قال: فذهب إليهم، فقتلوه.

ثم قال من الغد مثل ما قال بالأمس، فقال رجل: أنا، فقال: إنّك مقتول، كما قتل صاحبك بالأمس، فقال: لا أبالي، قال: فذهب، ثم قتل، و ذهب آخر في اليوم الثّالث، فقتل، فقال عليّ عليه السلام: قد حلّ لكم الآن قتالهم، فبرز هؤلاء، و هؤلاء، فاقتتلوا قتالا شديدا.

قال: و قتل طلحة في المعركة، و انهزم أصحاب الجمل، قال: و عائشة واقفة على بعيرها ليس عندها أحد، فقال عليّ عليه السلام لمحمّد (1): خذ بزمام بعير أختك، قال: فأتاها، قالت: من أنت؟ قال أنا أخوك من أبيك، قالت: كلاّ، قال: بلى و لو كرهت.

قال: و قد كان عليّ عليه السلام قبل ذلك قال: أين الزبير؟ قالوا: هو ذا واقف، فأرسل إليه رسولا فأتى إليه (2)فقال له: ادن منّي حتّى أخبرك، و هو في السّلاح، و عليّ عليه السلام عليه قباطاق و برنس، و سيف و قلنسوة، فقال له الحسن: يا أمير المؤمنين ذاك في السلاح، و ليس عليك إلاّ ما أرى؟ فقال له علي عليه السلام: إنته عنّي، قال: فدنا كلّ واحد منهما إلى صاحبه حتى اختلفت رؤوس دابّتيهما، فقال له عليّ عليه السلام: تذكر يوم كنت أنا و أنت في مكان كذا و كذا فمرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال لك: لتقاتلنّ هذا و أنت ظالم له، فقال له الزبير: ذكّرتني ما نسيت (3)فلن أسلّ عليك سيفا و أدبر.

فقال له عبد اللّه ابنه: ما هذا الّذي ذكر لك عليّ؟ فقال: ذكّرني شيئا

ص:351


1- 1) في المصدر المطبوع: لمحمّد بن أبي بكر.
2- 2) في المصدر: فأرسل إليه رسولا أن ادن منّي حتى أخبرك.
3- 3) في المصدر: ذكّرتني ما قد نسيته.

كنت ناسيته (1)، فقال: بعد ما أخرجت القوم تتركهم و تذهب.

قال أبو بشير: (فردّ عليهم ما كان أخذ في العسكر حتى القدر) (2).

و روي (3)أنّ ابنه عبد اللّه و بّخه بترك القتال و قال له: لعلّك رأيت الموت الأحمر تحت رايات ابن أبي طالب، و اللّه لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبدا، فغضب الزبير من ذلك، و صاح صيحة بفرسه، و حمل على أصحاب عليّ عليه السلام حملة منكرة، فقال عليّ عليه السلام لأصحابه افرجوا له فإنّ الشيخ موبّخ، فأوسعوا له، فشقّ الصفوف حتى خرج منها، ثم رجع فشقّها ثانية، و لم يطعن أحدا، و لم يضرب أحدا.

ثم رجع إلى ابنه عبد اللّه بن الزبير فقال: هذه حملة جبان؟ فقال له:

فلم تنصرف عنّا الآن و قد التقت حلقتا البطان؟ (4)فقال الزبير: يا بنيّ ارجع لأخبار كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم عهدها إليّ ثم نسيتها حتّى أذكرنيها عليّ عليه السلام، فعرفتها.

قال: ثم خرج الزّبير من عسكرهم تائبا ممّا كان منه و هو ينشد و يقول:

ترك الأمور الّتي نخشى عواقبها للّه أجمل في الدّنيا و في الدّين

نادى عليّ بأمر لست أنكره (5) قد كان عمر أبيك اليوم مذ حين

فاخترت عارا على نار مؤجّجة أنّى يقوم لها خلق من الطين

إخال طلحة وسط القوم منجدلا ركن الضعيف و مأوى كل مسكين

قد كنت أنصره حينا و ينصرني في النّائبات و يرمي من يراميني

حتى ابتلينا بأمر ضاق مذهبه (6) فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني

ص:352


1- 1) في المصدر: قد كنت نسيته.
2- 2) ما بين القوسين من (قال أبو بشير) إلى (حتى القدر) ليس في المصدر.
3- 3) في المصدر: أخذ يوبّخه و قال: لعلك. . .
4- 4) البطان (بكسر الباء) : الحزام الذي يجعل تحت بطن الدابّة-و التقت حلقتا البطان: عظم الخطب و اشتدّ الأمر.
5- 5) في المصدر: لست أذكره.
6- 6) في المصدر: صاق مصدره.

قال: ثم مضى الزّبير منفردا، و تبعه خمسة من الفرسان، فحمل عليهم ففرّقهم و مضى حتى سار إلى وادي السباع، فنزل على قوم من بني تميم، فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعي، فقال: يا أبا عبد اللّه كيف تركت الناس؟ قال: تركتهم و اللّه و قد عزموا على القتال، و لا شك أنّهم قد التقوا، قال:

فسكت عنه عمرو بن جرموز، و أمر له بطعام و شيء من لبن، فأكل و شرب، ثم قام فصلّى، و أخذ مضجعه، فلمّا علم ابن جرموز أنّ الزبير قد نام، وثب عليه فضربه بسيفه ضربة على أمّ رأسه فقتله (1).

3-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو عبيد اللّه محمّد بن عمران المرزباني (2)قال: حدّثني محمّد بن إسحاق الأشعري النحوي، قال: حدّثني الوليد بن محمّد بن إسحاق الحضرمي، عن أبيه، قال: استأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان، فلمّا دخل عليه استضحك معاوية، فقال له عمرو: و ما أضحكك يا معاوية؟ قال: ذكرت ابن أبي طالب، و قد غشيك بسيفه فاتّقيته و ولّيت، فقال: أتشمت بي يا معاوية؟ و أعجب من هذا اليوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك، و أطّت (3)أضلاعك و انتفخ سحرك (4)و اللّه لو بارزته لأوجع قذالك (5)و أيتم عيالك، و نزل سلطانك و أنشأ عمرو يقول:

معوي لا تشمت بفارس بهمة لقى فارسا لا تعتليه الفوارس

معاوي لو أبصرت في الحرب مقبلا أبا حسن يهوي عليك الوساوس

و أيقنت أنّ الموت حقّ و أنّه لنفسك إن لم تمعن الركض خالس

ص:353


1- 1) مناقب الخوارزمي:111-114.
2- 2) المرزباني: أبو عبيد اللّه محمد بن عمران بن موسى بن عبيد اللّه الخراساني الأصل البغدادي المولد المتوفى سنة (378) ه.
3- 3) أطّت: تحركت و صوّتت.
4- 4) السحر (بفتح السين المهملة و ضمها) : الرئة، يقال: انتفخ سحره أي جبن كأنّ الخوف ملأ جوفه و انتفخ سحره.
5- 5) القذال (بفتح القاف) : ما بين الأذنين من مؤخّر الرأس.

دعاك فصمّت دونه الأذن إن دعا (1) و نفسك قد ضاقت عليها الأمالس

أتشمت بي أن نالني حدّ رمحه و عضضني ناب من الحرب ناهس

فأيّ امرء لا قاه لم يلق شلوه بمعترك تسفى عليه الروامس

أبى اللّه إلاّ أنّه ليث غابة أبو أشبل تهدى إليه الفرائس

فإن كنت في شكّ فأوهج عجاجه و إلاّ فتلك الترّهات البسابس

فقال معاوية: مهلا يا أبا عبد اللّه و لا كلّ هذا، قال: أنت استدعيته (2).

4-و عنه قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: أخبرني إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثني أبو المؤيّد الضّبي، قال: حدّثنا أبو بكر الهذلي قال: دخل الحارث بن حوط اللّيثي على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ما أرى طلحة، و الزبير، و عائشة أضحوا إلاّ على حقّ، فقال: يا حارث إنّك إن نظرت تحتك و لم تنظر فوقك جزت عن الحق، إنّ الحقّ و الباطل لا يعرفان بالناس، و لكن اعرف الحقّ باتباع من اتّبعه، و الباطل باجتناب من اجتنبه.

قال: فهلا أكون كعبد اللّه بن عمر (3)، و سعد بن مالك (4)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ عبد اللّه بن عمر، و سعدا خذلا الحقّ، و لم ينصرا الباطل، متى كانا إمامين في الخير فيتبعان؟ (5)

ص:354


1- 1) في المصدر: اذرعا.
2- 2) أمالي الطوسي ج 1/134-و [1]عنه البحار ج 33 50 ح 394. [2]
3- 3) عبد اللّه بن عمر: بن الخطاب أبو عبد الرحمن توفي بمكة سنة (73) ه.
4- 4) سعد بن مالك: أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف القرشي مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال بالمدينة سنة (55) ه.
5- 5) أمالي الطوسي ج 1/133-و [3]عنه بحار الأنوار ج 22/105 ح 64. [4]

الباب الحادي و الأربعون

في عدله عليه السلام في الرعية و قسمته بالسوية

1-المفيد في «أماليه» قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي، قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد الإصفهاني (1)، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عثمان، قال: حدّثني عليّ بن أبي سيف، عن عليّ (2)بن أبي حباب، عن ربيعة (3)، و عمارة (4)، و غيرهما أنّ طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه، و فرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يده من الدنيا، فقالوا له: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب، و قريش على الموالي و العجم، و من تخاف خلافه عليك من النّاس و فراره إلى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا و اللّه لا أفعل ما طلعت شمس، و لاح في السماء نجم، و اللّه

ص:355


1- 1) في بعض النسخ: علي بن عبد اللّه بن راشد، و قال في هامش الأمالي: [1] إنّه علي بن عبد اللّه بن كوشيد الأصفهاني.
2- 2) في «الغارات» : [2] عن أبي حباب، ترجمه في تقريب التهذيب في باب الكنى و قال: اسمه سعيد بن يسار توفي سنة (117) .
3- 3) يحتمل أن يكون المراد به ربيعة بن ناجذ الأسدي.
4- 4) قال في هامش «الغارات» : [3] هذا الرجل كسابقه ممّن لم نتمكّن من تطبيقه على أحد من المسمّين بعمارة، يحتمل أنّه عمارة بن ربيعة الجرمي، و يحتمل أنه عمارة بن عمير التيمي الكوفي المتوفى حدود سنة (100) أو قبلها-و العلم عند اللّه.

لو كان ما لهم لي (1)لواسيت بينهم، فكيف و إنّما هي أموالهم؟ !

قال: ثم ازم (2)أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا، ثم قال: من كان له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو و إن كان ذكرا لصاحبه في الدّنيا فهو يضيّعه عند اللّه عزّ و جلّ (3)، و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه تعالى شكرهم، و كان لغيره ودهم فإن بقى معه من يودّه، و يظهر له الشكر فإنّما هو ملق و كذب، يريد (4)التقرّب به إليه لينال منه مثل الّذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت (5)بصاحبه النعل و احتاج إلى معونته و مكافاته فشرّ خليل، و ألأم خدين (6)، و من صنع المعروف فيما أتاه فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضيافة، و ليفكّ به العاني (7)، و ليعن به الغارم، و ابن السبيل، و الفقراء، و المجاهدين في سبيل اللّه، و ليصبر على النوائب و الخطوب، فإنّ الفوز بهذه الخصال أشرف مكارم الدنيا، و درك فضائل الآخرة (8).

2-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن علي، عن أحمد بن عمرو بن سليمان البجلي، عن إسماعيل (9)بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار، عن إبراهيم بن

ص:356


1- 1) في المصدر المطبوع: لو كانت أموالهم لي.
2- 2) أزم (بالزاي) : أمسك عن الكلام، و في بعض النسخ: أرمّ (بالراء المهملة و الميم المشددة) أي سكت.
3- 3) هذه الفقرة في «الغارات» [1] للثقفي هكذا: «و هو ذكر لصاحبه في الناس و يضعه عند اللّه» .
4- 4) في الغارات: «و [2]إنّما ينوي أن ينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل» .
5- 5) في مجمع الأمثال: « [3]زلّت به نعله» يضرب لمن نكب و زالت نعمته قال زهير بن أبي سلمى: «تداركتما عبسا و قد ثلّ عرشها و ذبيان إذ زلّت بأقدامها النعل»
6- 6) الخدين: الصديق.
7- 7) العاني: الأسير.
8- 8) أمالي المفيد:175 ح 6-و [4]الغارات للثقفي ج 1/74-77-و [5]نقله المجلسي في البحار ج 8 [6] في باب النوادر:712-و تقدم عن أمالي الطوسي. [7]
9- 9) يحتمل أنه الذي عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام بزيادة إسماعيل بن الحسن في السند اشتباها من الناسخ، أو حذفه من فهرس الشيخ سهوا، و اللّه العالم.

إسحاق المديني، عن رجل، عن أبي مخنف (1)الأزدي، قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرّقتها في هؤلاء الرؤساء و الأشراف، و فضّلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك اللّه من القسم بالسوية و العدل في الرعية؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني و يحكم أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه من أهل الإسلام؟ لا و اللّه لا يكون ذلك ما سمر السمير، و ما رأيت في السماء نجما، و اللّه لو كانت أموالهم لي لساويت بينهم، فكيف و إنّما هي أموالهم؟ قال: ثمّ أزم ساكتا طويلا، ثمّ رفع رأسه، فقال: من كان فيكم له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاءه من غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع ذكر صاحبه في النّاس و يضعه عند اللّه، و لم يضع امرء ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه منهم بقيّة ممن يظهر الشكر له و يريه النصح فإنّما ذلك ملق منه و كذب، فإن زلّت بصاحبهم النعل ثمّ احتاج إلى معونتهم و مكافأتهم فالأم خليل و شرّ خدين، و لم يضع امرء ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ لم يكن له من الحظّ فيما أتى إلا محمدة اللئام و ثناء الأشرار مادام عليه منعما مفضلا، و مقالة الجاهل ما أجوده، و هو عند اللّه بخيل، فأيّ حظّ أبور و أخسّ من هذا الحظّ؟ و أيّ فائدة معروف أقل من هذا المعروف؟ فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة، و ليحسن منه الضيافة، و ليفكّ به العاني و الأسيروا من السبيل، فإنّ الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا و شرف الآخرة (2).

3-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد (3)بن جعفر العقبي، رفعه، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّ آدم لم يلد عبدا و لا

ص:357


1- 1) أبو مخنف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف المتوفى سنة (157) و لقائه أمير المؤمنين عليه السلام غير معلوم.
2- 2) الكافي ج 4/31 ح 3-و [1]عنه البحار ج 41/122 ح 29-و [2]الوسائل ج 11/80 ح 2. [3]
3- 3) محمد بن جعفر العقبي، أو العتبي عدّه الشيخ من أصحاب الرضا عليه السلام.

أمة، و إنّ الناس كلهم أحرار، ولكنّ اللّه خوّل بعضكم بعضا، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمنّ به على اللّه عزّ و جلّ، ألا و قد حضر شيء و نحن مسوّون فيه بين الأسود و الأحمر.

فقال مروان (1)لطلحة (2)و الزبير (3): ما أراد بهذا غيركما، قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير، و أعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير، و جاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني و إيّاه سواء؟ فقال عليه السلام: إنّي نظرت في كتاب اللّه عزّ و جلّ فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا (4).

4-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الحسن (5)بن صالح الثوري، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر قنبر أن يضرب رجلا حدّا، فغلظ قنبر فزاده ثلاثة أسواط، فأقاده عليّ عليه السلام من قنبر ثلاثة أسواط (6).

ص:358


1- 1) مروان: بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة أبو عبد الملك توفي بالطاعون في دمشق سنة (65) .
2- 2) طلحة: بن عبيد اللّه بن عثمان القرشي المدني المقتول يوم الجمل سنة (36) ه.
3- 3) الزبير: بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي قتله ابن جرموز غيلة بوادي السباع على 7 فراسخ من البصرة سنة (36) ه.
4- 4) الكافي ج 8/69 ح 26-و [1]عنه البحار ج 32/133 ح 107. [2]
5- 5) الحسن بن صالح الثوري بن حي أبو عبد اللّه الهمداني الكوفي لزيدي المتوفى سنة (154) أو سنة (168) .
6- 6) الكافي ج 7/260 ح 1-و [3]عنه الوسائل ج 18/312 ح 3-و [4]عن التهذيب ج 10/148 ح 18.

الباب الثاني و الأربعون

في صبره و امتحانه عليه السلام قبل وفاة النبي و بعده صلى اللّه عليه

و آله و سلّم

1-ابن بابويه، قال: حدّثني أبي (رض) ، و محمّد بن الحسن (رض) ، قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد (1)، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد النوفلي (2)، عن يعقوب بن يزيد (3)قال: قال أبو عبد اللّه بن جعفر بن أحمد بن محمّد بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد اللّه الكوفي قال: حدّثنا موسى بن عبيد (4)، عن عمرو بن أبي المقدام (5)، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن محمّد بن حنفية (رض) ، و عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رأس اليهود عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند منصرفه من وقعة النهروان، و هو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبيّ

ص:359


1- 1) أحمد بن الحسين بن سعيد: بن حمّاد بن سعيد بن مهران أبو جعفر الأهوازي الملقب بدندان، توفّي بقم-عنونه النجاشي و الشيخ و العلاّمة و غيرهم.
2- 2) جعفر بن محمد النوفلي: روى الصدوق في «العيون» في الباب (45) [1] عن الأسدي عن الحسن بن عيسى الخرّاط عنه عن الإمام الرضا عليه السلام حديثا يدلّ على حسن اعتقاده.
3- 3) في بحار الأنوار، [2] يعقوب بن الرائد.
4- 4) في المصدر المطبوع: موسى بن عبيدة.
5- 5) عمرو بن أبي المفدام: ثابت (ميمون) بن هرمز الكوفي أبو ثابت المتوفى (172) .

أو وصيّ نبيّ، فإن شئت سألتك، و إن شئت أعفيتك (1)، قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود.

قال: إنّا نجد في الكتاب أن اللّه عزّ و جلّ إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتّخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمّته من بعده، و أن يعهد إليهم عهدا فيه يحتذى (2)عليه، و يعمل به في أمّته من بعده، و أنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء، و يمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء؟ و كم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرّة؟ و إلى ما يصير آخر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟ فقال له عليّ عليه السلام: و اللّه الذي لا إله غيره الّذي فلق البحر لبني إسرائيل، و أنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحقّ عمّا تسأل عنه لتقرّن به؟ قال: نعم، قال: و الّذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى عليه السلام لئن أجبتك لتسلمنّ؟ قال: نعم.

فقال عليّ عليه السلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتّخذوهم أولياء في حياتهم، و أوصياء بعد وفاتهم، و يصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممّن يقول بطاعة الأنبياء، ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء عليهم السلام في سبعة مواطن، ليبلوا صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء، و قد أكمل لهم السعادة.

قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك اللّه في حياة محمّد من مرّة؟ و كم امتحنك بعد وفاته من مرّة؟ و إلى ما يصير آخر أمرك؟

فأخذ عليّ عليه السلام بيده و قال: انهض بنا أنبئك بذلك يا أخا اليهود، فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال:

ص:360


1- 1) قوله: «فإن شئت سألتك و إن شئت أعفيتك» ليس موجودا لا في المصدر المطبوع و لا في البحار. [1]
2- 2) احتذى مثال فلان و على مثاله: اقتدى و تشبّه به.

إنّي أخاف أن لا تحتمله قلوبكم، قالوا: و لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم.

فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا فو اللّه إنّا لنعلم أنّه ما على ظهر الأرض وصيّ نبي سواك، و إنّا لنعلم أنّ اللّه لا يبعث بعد نبيّنا نبيّا سواه، و أنّ طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبيّنا.

فجلس عليّ عليه السلام و أقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني في حياة نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم في سبعة مواطن، فوجدني فيهنّ-من غير تزكية لنفسي-بنعمة اللّه له مطيعا، قال: فيم و فيم يا أمير المؤمنين؟

قال: أمّا أوّلهنّ فإنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى نبيّنا عليه الصلاة و السلام، و حمله الرسالة و أنا أحدث أهل بيتي سنّا، أخدمه في بيته، و أسعى بين يديه (1)في أمره، فدعا صغير بني عبد المطّلب و كبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أنّه رسول اللّه، فامتنعوا من ذلك و أنكروه عليه، و هجروه، و نابذوه (2)، و اعتزلوه، و اجتنبوه، و سائر الناس مقصين له، و مخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم، و لم تدركه عقولهم، فأجبت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا، لم يتخالجني في ذلك شكّ، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، و ما على وجه الأرض خلق يصلّي أو يشهد لرسول اللّه بما آتاه اللّه غيري، و غير ابنة خويلد رحمها اللّه و قد فعل ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

و أمّا الثانية يا أخا اليهود فإنّ قريشا لم تزل تخيّل الآراء و تعمل الحيل في قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك في يوم الدار دار الندوة و إبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل

ص:361


1- 1) في المصدر: و أسعى في قضاء بين يديه.
2- 2) نابذوه: خالفوه و فارفوه عن عداوة.

تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كلّ فخذ (1)من قريش رجل، ثم يأخذ كلّ رجل منهم سيفه، ثم يأتي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو نائم على فراشه، فيضربونه جميعهم بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها و لم تسلمها فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك، و أخبره بالليلة التي يجتمعون فيها، و الساعة التي يأتون فراشه فيها، و أمره بالخروج في الوقت الّذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالخبر، و أمرني أن أضطجع في مضجعه، و أقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى عليه السلام لوجهه، و اضطجعت في مضجعه، و أقبلت رجالات قريش موقنة في نفسها أن تقتل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا استوى بي و بهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، و دفعتهم عن نفسي بما قد علمه اللّه و الناس، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أما الثالثة يا أخا اليهود فإنّ ابني ربيعة و ابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر، فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع صاحبيّ رضي اللّه عنهما (و قد فعل) و أنا أحدث أصحابي سنّا و أقلهم للحرب تجربة، فقتل اللّه عزّ و جلّ بيدي وليدا و شيبة، سوى من قتلت من جحاجحة (2)قريش في ذلك اليوم، و سوى من أسرت، و كان منّي أكثر ممّا كان من أصحابي و استشهد ابن عمّي في ذلك اليوم-رحمة اللّه عليه-ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا:

بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا الرابعة يا أخا اليهود فإنّ أهل مكّة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم (3)قد استحاشوا (4)من يليهم من قبائل العرب و قريش طالبين بثأر

ص:362


1- 1) الفخذ (بفتح الفاء و سكون الخاء المعجمة) : الحيّ و القبيلة.
2- 2) الجحاجحة (جمع جحجاح بفتح الجيم) : السيّد المسارع إلى المكارم.
3- 3) بكرة أبيهم: قال الجزري في الحديث: «جائت هوازن على بكرة أبيها» يريدون بها الكثرة و توفر العدد و أنهم جاؤوا جميعا.
4- 4) استحاشوا: يقال: استحوش الصيد أي حاشه و جمعه.

مشركي قريش في يوم بدر، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك فذهب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و عسكر بأصحابه في سدّ أحد، و أقبل المشركون إلينا فحملوا علينا حملة رجل واحد، و استشهد من المسلمين من استشهد، و كان ممّن بقي ما كان من الهزيمة، و بقيت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و مضى المهاجرون و الأنصار إلى منازلهم في المدينة كلّ يقول: قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم (1)و قتل أصحابه، ثم ضرب اللّه عزّ و جلّ وجوه المشركين، و قد جرحت بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نيّفا و سبعين جراحة، منها هذه و هذه ثم ألقى عليه السلام ردائه، و أمرّ يده على جراحاته، و كان منّي في ذلك اليوم ما على اللّه عزّ و جلّ ثوابه إن شاء اللّه، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا الخامسة يا أخا اليهود فإنّ قريشا و العرب تجمّعت و عقدت عقدا و ميثاقا لا ترجع عن وجهها حتى تقتل رسول اللّه و تقتلنا معه معاشر بني عبد المطّلب، ثم أقبلت بحدّها و حديدها حتّى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجّهت له.

فهبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأنبأه بذلك، فخندق (2)على نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا، فترى في أنفسها القوة وفينا الضّعف، ترعد و تبرق (3)، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يدعوها إلى اللّه عزّ و جلّ و يناشدها بالقرابة و الرحم، فتأبى و لا يزيدها ذلك إلاّ عتوا، و فارسها فارس

ص:363


1- 1) في المصدر و البحار: [1] قتل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
2- 2) خندق خندقة: حفر الخندق و هي حفيرة حول أسوار المدينة أو عموما، فارسية.
3- 3) أرعد و أبرق: أوعد و هدّد.

العرب يومئذ عمرو بن عبدودّ، يهدر (1)كالبعير المغتلم (2)، يدعو إلى البراز، و يرتجز و يخطر (3)برمحه مرّة و بسيفه مرّة، لا يقدم عليه مقدم، و لا يطمع فيه طامع، و لا حميّة تهيّجه، و لا بصيرة تشجّعه، فأنهضني إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و عمّمني بيده و أعطاني سيفه هذا، و ضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه و نساء أهل المدينة بواك إشفاقا عليّ من ابن عبدودّ، فقتله اللّه عزّ و جلّ بيدي و العرب لا تعدّ لها فارسا غيره، و ضربني هذه الضربة و أومأ بيده إلى هامته فهزم اللّه قريشا، و العرب بذلك و بما كان منّي فيهم من النكاية، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود و فرسانها من قريش و غيرها، فتلقّونا بأمثال الجبال من الخيل و الرّجال و السلاح، و هم في أمنع دار، و أكثر عدد، كلّ ينادي و يدعو و يبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلاّ قتلوه، حتى إذا احمّرت الحدق و دعيت إلى النزال، و أهمّت كلّ امرىء نفسه، فالتفت بعض أصحابي إلى بعض، و كلّ يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى دارهم، فلم يبرز إليّ منهم أحد إلاّ قتلته، و لا يثبت لي فارس إلاّ طحنته.

ثم شددت عليهم شدّة اللّيث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدّدا عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتّى دخلت عليهم مدينتهم وحدي، أقتل من يظهر فيها من رجالها، و أسبي من أجد من نسائها، حتّى فتحتها وحدي و لم يكن لي فيها معاون إلاّ اللّه وحده، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال عليه السلام: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

ص:364


1- 1) هدر البعير: ردّد صوته في حنجرته.
2- 2) اغتلم: كان منقادا للشهوة، و البعير المغتلم: الذي هاج من شهوة الضراب.
3- 3) خطر الرجل برمحه و بسيفه: رفعه مرة و وضعه أخرى.

فقال عليه السلام: و أمّا السابعة يا أخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لمّا توجّه لفتح مكّة أحبّ أن يعذر إليهم و يدعوهم إلى اللّه عزّ و جلّ آخرا كما دعاهم أوّلا، فكتب إليهم كتابا يحذّرهم فيه، و ينذرهم عذاب اللّه، و يعدهم الصفح و يمنّيهم مغفرة ربهم، و نسخ لهم في آخره سورة براءة لتقرأ عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضيّ به فكلّهم يرى التثاقل فيه، فلمّا رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجّهه به.

فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك، و وجّهني بكتابه و رسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة، و أهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلاّ و لو قدر أن يضع على كلّ جبل مني إربا لفعل، و لو أن يبذل في ذلك نفسه و أهله و ولده و ماله، فبلّغتهم رسالة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قرأت عليهم كتابه، فكلّهم يلقاني بالتهدّد و الوعيد، و يبدي إليّ البغضاء، و يظهر لي الشحناء من رجالهم و نسائهم، فكان منّي في ذلك ما قد رأيتم، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود هذه المواطن الّتي امتحنني فيهنّ ربي عزّ و جلّ مع نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فوجدني فيها كلّها بمنّه مطيعا، و ليس لأحد فيها مثل الّذي لي، و لو شئت لوصفت ذلك، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ نهى عن التّزكية.

فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت و اللّه، لقد أعطاك اللّه عزّ و جلّ الفضيلة بالقرابة من نبيّنا، و أسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، و فضّلك بالمواقف الّتي باشرتها، و الأهوال الّتي ركبتها، و ذخر لك الّذي ذكرت و أكثر منه ممّا لم تذكره، و مما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منّا مع نبيّنا و من شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك اللّه عزّ و جلّ به بعد نبيّنا فاحتملته و صبرت عليه، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منّا به، و ظهورا منّا عليه، إلاّ أنّا نحبّ أن نسمع منك ذلك، كما سمعنا منك ما امتحنك اللّه به في حياته فأطعته فيها.

ص:365

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني بعد وفاة نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنّه و نعمته صبورا.

أمّا أوّلهنّ يا أخا اليهود فإنّه لم يكن لي خاصّة دون المسلمين عامّة أحد آنس به، أو اعتمد عليه، أو استنيم (1)إليه، أو أتقرّب به غير رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، هو ربّاني صغيرا، و بوّأني كبيرا، و كفاني العيلة، و جبرني من اليتم، و أغناني عن الطلب، و وقاني المكسب، و عال (2)لي النفس و الولد و الأهل، هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصّني به من الدّرجات الّتي قادتني إلى معالي الحظوة (3)عند اللّه عزّ و جلّ، فنزل بي من وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما لم أكن أظنّ الجبال لو حملته عنوة (4)كانت تنهض به.

فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، و لا يضبط نفسه، و لا يقوى على حمل فادح (5)ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، و أذهل عقله، و حال بينه و بين الفهم، و الإفهام، و القول، و الاستماع، و سائر الناس من غير بني عبد المطّلب بين معزّ يأمر بالصبر، و بين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، و حملت نفسي على الصّبر عند وفاته، بلزوم الصمت و الاشتغال بما أمرني به: من تجهيزه، و تغسيله و تحنيطه و تكفينه، و الصلاة عليه، و وضعه في حفرته، و جمع كتاب اللّه و عهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر (6)دمعة، و لا هائج زفرة، و لا لاذع حرقة، و لا جزيل مصيبة، حتى أدّيت في ذلك الحقّ الواجب للّه عزّ و جلّ و لرسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ، و بلّغت

ص:366


1- 1) استنام إليه: سكن.
2- 2) عال لي النفس و الولد و الأهل: كفاهم معاشهم.
3- 3) الحظوة (بكسر الحاء المهملة و ضمّها) : المكانة و المنزلة-و في المصدر: معالي الحق.
4- 4) العنوة: القهر.
5- 5) الفادح: الصعب المثقل.
6- 6) بادر دمعة: الدمعة التي تبدر من غير اختيار. و الزفرة: النفس الطويل. و لذع الحبّ قلبه: آلمه، و لذعت النار الشيء: لفحته.

منه الّذي أمرني به، و احتملته صابرا محتسبا، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا الثانية يا أخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمّرني في حياته على جميع أمّته، و أخذ على جميع من حضره منهم البيعة و السمع و الطاعة لأمري، و أمرهم أن يبلّغ الشّاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدّي إليهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أمره إذا حضرته، و الأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و لا بعد وفاته.

ثم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بتوجيه الجيش الّذي وجّهه مع أسامة (1)بن زيد عند الّذي أحدث اللّه به من المرض الّذي توفّاه فيه، فلم يدع النبي صلى اللّه عليه و آله أحدا من أبناء (2)العرب و لا من الأوس و الخزرج و غيرهم من سائر الناس ممّا يخاف على نقضه و منازعته، و لا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممّن قد و ترته بقتل أبيه و أخيه أو حميمه إلاّ وجّهه في ذلك الجيش، و لا من المهاجرين و الأنصار و المسلمين و غيرهم من المؤلّفة قلوبهم و المنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، و لئلاّ يقول قائل شيئا مما أكرهه، و لا يدفعني دافع من الولاية و القيام بأمر رعيته من بعده.

ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شيء من أمر أمّته أن يمضي جيش أسامة و لا يختلف عنه أحد ممّن أنهض معه، و تقدّم في ذلك أشدّ التقدّم، و أوعز فيه أبلغ الإيعاز (3)، و أكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ برجال من بعث أسامة بن زيد و أهل عسكره قد تركوا مراكزهم، و أخلوا (4)مواضعهم، و خالفوا أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيما

ص:367


1- 1) أسامة بن زيد بن حارثة الصحابي المتوفى سنة (54) ه.
2- 2) في المصدر و البحار: [1] أفناء العرب، أي الذين لم يعلم ممّن هم.
3- 3) أوعز إيعازا إليه في كذا أن يفعله أو يتركه: تقدّم و أشار.
4- 4) في البحار: و [2]أخلّوا بمواضعهم.

أنهضهم له و أمرهم به، و تقدّم إليهم من ملازمة أميرهم، و السّير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الّذي أنفذه إليه.

فخلّفوا أميرهم مقيما في عسكره، و أقبلوا يتبادرون على الخيل إلى حلّ عقدة عقدها اللّه عزّ و جلّ لي و لرسوله في أعناقهم فحلّوها، و عهد عاهدوا اللّه و رسوله فنكثوه، و عقدوا لأنفسهم عقدا ضجّت به أصواتهم و اختصّت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منّا بني عبد المطّلب، أو بمشاركة في رأي، أو في استقالة (1)لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك و أنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مشغول، و بتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود (2)، فإنّه كان أهمّها و أحقّ ما بدىء به منها.

فكان هذا يا أخا اليهود أقرح (3)ما ورد على قلبي مع الّذي أنا فيه من عظيم الرزيّة، و فاجع المصيبة، و فقد من لا خلف منه إلاّ اللّه تبارك و تعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها و سرعة اتصالها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أما الثّالثة يا أخا اليهود فإنّ القائم بعد النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يلقاني معتذرا في كلّ أيامه، و يلزم (4)غيره ما ارتكبه من أخذ حقّي و نقض بيعتي، و يسألني تحليله! فكنت أقول: تنقضي أيّامه ثم يرجع إليّ حقّي الّذي جعله اللّه لي عفوا (5)هنيئا من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه، و قرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقّي بمنازعة، لعلّ فلانا يقول فيها: نعم، و فلانا يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، و جماعة من خواصّ أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أعرفهم بالنصح للّه

ص:368


1- 1) استقاله البيعة: طلب منه أن يحلّها.
2- 2) المصدود: الممنوع.
3- 3) قرحه: جرحه.
4- 4) أي كان يقول: لم يكن هذا منّي بل كان من غيري-و في المصدر: يلوم غيره.
5- 5) جعله اللّه لي عفوا: أعطاني من غير مسألة.

و لرسوله و لكتابه و دينه الإسلام يأتوني عودا (1)و بدءا و علانية و سرّا فيدعوني إلى آخر حقّي، و يبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدّوا إليّ بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويدا و صبرا قليلا لعلّ اللّه يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة، و لا إراقة الدماء.

فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و طمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كلّ قوم: منّا أمير، و ما طمع القائلون في ذلك إلاّ لتناول غيري الأمر، فلمّا دنت وفاة القائم (2)، و انقضت أيّامه صيّر الأمر بعده لصاحبه، و لكانت هذه أخت أختها، و محلّها منّي مثل محلّها، و أخذا منّي ما جعل اللّه لي، فاجتمع إليّ من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله ممّن مضى، و ممّن بقي ممّن أخره (3)اللّه من اجتمع، فقالوا فيها مثل الّذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأوّل صبرا و احتسابا و يقينا و إشفاقا من أن تفنى عصبة تألّفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم باللين مرّة و بالشدّة أخرى، و بالبذل (4)مرّة و بالسيف أخرى.

حتّى لقد كان من تألّفه لهم أن كان النّاس في الكرّ و الفرار (5)و الشبع و الريّ و اللباس و الوطأ (6)و الدثار، و نحن أهل بيت محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا سقوف لبيوتنا، و لا أبواب و لا ستور إلاّ الجرائد و ما أشبهها، و لا وطاء و لا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، و تطوي اللّيالي و الأيّام جوعا عامّتنا، و ربّما أتانا الشيء ممّا أفاء اللّه علينا، و صيّره لنا خاصّة دون غيرنا، و نحن على ما وصفت من حالنا، فيؤثر به رسول اللّه أرباب النعم

ص:369


1- 1) يقال: رجع عودا على بدء أي لم يتم ذهابه حتى وصله برجوعه.
2- 2) أي القائم بعد الرسول صلى اللّه عليه و آله يعني أبا بكر.
3- 3) في البحار: [1] من مضى رحمه اللّه و من بقي ممّن أخّره اللّه.
4- 4) في المصدر المطبوع: بالنذر مرّة.
5- 5) قال العلاّمة المجلسي بعد ذكر الخبر: و لعلّ الكرّ و الفرّ كناية عن الأخذ و الجرّ، و يحتمل أن يكون تصحيف الكزم و القزم بالمعجمتين، و الكزم بالتحريك: شدّة الأكل، و القزم: اللوم و الشح.
6- 6) الوطاء (بكسر الواو و فتحها) : خلاف الغطاء و هي ما تفترشها، و الدثار: الثوب الذي يستدفأ به من فوق الشعار، و ما يتغطى به النائم.

و الأموال تألّفا منه لهم، فكنت أحقّ من لم يفرّق هذه العصبة الّتي ألّفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يحملها على الخطّة (1)الّتي لا خلاص لنا منها دون بلوغها أو فناء آجالها.

لأنّي لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا منّي و في أمري على إحدى منزلتين: إمّا متّبع مقاتل و إمّا مقتول إن لم يتّبع الجميع، و إما خاذل يكفر إن قصرّ في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، و قد علم أنّي منه بمنزلة هارون من موسى، يحلّ به في مخالفتي و الإمساك عن نصرتي ما أحلّ قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون و ترك طاعته، و رأيت تجرّع الغصص وردّ أنفاس الصعداء (2)و لزوم الصبر حتى يفتح اللّه أو يقضي بما أحبّ أزيد لي في حظّي و أرفق بالعصابة الّتي و صفت أمرهم، وَ كانَ أَمْرُ اَللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (3).

و لو لم أتّق هذه الحالة-يا أخا اليهود-ثمّ طلبت حقّي لكنت أولى ممّن طلبه، لعلم من مضى من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و من بحضرتك منهم بأنّي كنت أكثر عددا و أعزّ عشيرة و أمنع رجالا و أطوع أمرا و أوضح حجة و أكثر في هذا الدين مناقب و آثارا، لسوابقي و قرابتي و وراثتي، فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية الّتي لا مخرج للعباد منها و البيعة المتقدّمة في أعناقهم ممّن تناولها، و قد قبض محمّد صلى اللّه عليه و آله و إنّ ولاية الأمّة في يده و في بيته، لا في يد الأولى (4)تناولوا، و لا في بيوتهم، و لأهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا الرّابعة يا أخا اليهود فإنّ القائم بعد صاحبه كان

ص:370


1- 1) الخطّة (بضمّ الخاء و تشديد الطاء) : الأمر المشكل الذي لا يهتدى إليه.
2- 2) الصعداء (بضم الصاد و فتح العين) : التنفّس الطويل من همّ أو لعب.
3- 3) الأحزاب:38. [1]
4- 4) الاولى: جمع للّذي من غير لفظه كما قال ابن مالك: جمع الذي الأولى الذين مطلقا.

يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري، و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا و لا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، و لا يطمع في الأمر بعده سواي، فلمّا أن أتته منيّته على فجأة بلا مرض كان قبله، و لا أمر كان أمضاه في صحّة من بدنه، لم أشكّ أنّي قد استرجعت (1)حقّي في عافية بالمنزلة الّتي كنت أطلبها، و العاقبة الّتي كنت ألتمسها، و أنّ اللّه سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، و أفضل ما أمّلت.

فكان من فعله أن ختم أمره بأن سمّى قوما أنا سادسهم و لم يسوّني (2)بواحد منهم، و لا ذكر لي حالا في وراثة الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا قرابة و لا صهر و لا نسب، و لا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي، و لا أثر من آثاري، و صيّرها شورى بيننا، و صيّر ابنه فيها حاكما علينا، و أمره أن يضرب أعناق النفر السّتة الّذين صيّر الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره و كفى بالصبر على هذا-يا أخا اليهود-صبرا، فمكث القوم أيّامهم كلّها، كلّ يخطب لنفسه، و أنا ممسك عن أن سألوني عن أمري (3)فناظرتهم في أيّامي و أيّامهم، و آثاري و آثارهم، و أوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، و ذكّرتهم عهد رسول اللّه إليهم، و تأكيد ما أكّده من البيعة لي في أعناقهم، فدعاهم (4)حبّ الإمارة و بسط الأيدي و الألسن في الأمر و النهي و الركون إلى الدّنيا و الاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل اللّه لهم.

فإذا خلوت بالواحد ذكّرته أيام اللّه و حذّرته ما هو قادم عليه و صائر إليه،

ص:371


1- 1) قال في البحار [1]بعد ذكر الحديث في بيانه: قوله عليه السلام: «لم أشكّ أني قد استرجعت حقي» أقول: أمثال هذا الكلام إنّما صدر عنه عليه السلام بناء على ظاهر الأمر، مع قطع النظر عمّا كان يعلمه بإخبار اللّه و رسوله من استيلاء هؤلاء الأشقياء، و حاصل الكلام أنّ حقّ المقام كان يقتضي أن لا يشكّ في ذلك كما قيل في قوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ .
2- 2) في المصدر المطبوع: «و لم يستوني» و في البحار: «و [2]لم يستوفي» و في الاختصاص: «و لم يساوني» و على كلّ فلا يخلو عن إجمال.
3- 3) في الاختصاص: «فإذا سألوني عن أمري» .
4- 4) في المصدر، و الاختصاص، و البحار: « [3]دعاهم» .

التمس منّي شرطا أن أصيّرها له بعدي (1)! فلمّا لم يجدوا عندي إلاّ المحجّة البيضاء، و الحمل على كتاب اللّه عزّ و جلّ و وصية الرسول، و إعطاء كلّ امرىء منهم ما جعله اللّه له، و منعه ما لم يجعل اللّه له، أزالها (2)عني إلى ابن عفّان طمعا في الشحيح معه فيها، و ابن عفّان رجل لم يستو به و بواحد ممن حضره حال قطّ فضلا عمّن دونهم لا ببدر (3)التي هي سنام فخرهم، و لا غيرها من المآثر التي أكرم اللّه بها رسوله و من اختصّه معه من أهل بيته.

ثمّ لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتّى ظهرت ندامتهم، و نكصوا على أعقابهم، و أحال بعضهم على بعض، كلّ يلوم نفسه و يلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيّام بالمستبدّ بالأمر ابن عفّان حتى أكفروه و تبرّؤوا منه، و مشى إلى أصحابه خاصّة و سائر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على (4)هذه، يستقيلهم من بيعته، و يتوب إلى اللّه من فلتته، فكانت هذه-يا أخا اليهود-أكبر من أختها، و أفظع (5)و أحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الّذي لا يبلغ وصفه، و لا يحدّ وقته، و لم يكن عندي فيها إلاّ الصبر على ما أمضّ (6)و أبلغ منها.

و لقد أتاني الباقون من السّتة من يومهم كلّ راجع عمّا كان ركب منّي! يسألني خلع ابن عفّان، و الوثوب عليه، و أخذ حقّي، و يعطيني صفقته و بيعته على الموت تحت رايتي، أو يردّ اللّه عزّ و جلّ عليّ حقّي.

فو اللّه-يا أخا اليهود-ما منعني منها إلاّ الذي منعني من أختيها قبلها،

ص:372


1- 1) في الاختصاص: «التمس منّي شرطا بطائفة من الدنيا أصيّرها له» .
2- 2) في الاختصاص: «شدّ من القوم مستبدّ فأزالها عنّي» و في البحار: « [1]أزالها عنّي إلى ابن عفّان رجل لم يستو به» الخ.
3- 3) أي غزوة بدر.
4- 4) في الاختصاص: «و سائر أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله عامّة يستقيلهم. . . الخ» و كذلك في المصدر المطبوع.
5- 5) في بعض النسخ: «أقطع» .
6- 6) الأمضّ: الأوجع.

و رأيت الإبقاء على من بقي من الطّائفة أبهج لي و آنس لقلبي من فنائها، و علمت أنّي إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأمّا نفسي فقد علم من حضر ممّن ترى و ممّن غاب من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الموت عندي بمنزلة الشّربة الباردة في اليوم الشديد الحرّ من ذي العطش الصدى (1).

و لقد كنت عاهدت اللّه عزّ و جلّ و رسوله أنا و عمّي حمزة، و أخي جعفر، و ابن عمّي عبيدة على أمر وفينا به للّه عزّ و جلّ و لرسوله، فتقدّمني أصحابي، و تخلّفت بعدهم لما أراد اللّه عزّ و جلّ، فأنزل اللّه فينا: مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اَللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (2)حمزة، و جعفر، و عبيدة (3)، و أنا و اللّه المنتظر-يا أخا اليهود-و ما بدّلت تبديلا.

و ما سكّتني عن ابن عفّان و حثّني على الإمساك إلاّ أنّي عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله و خلعه، فضلا عن الأقارب، و أنا في عزلة، فصبرت حتّى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من «لا» و لا «نعم» ثمّ أتاني القوم، و أنا-علم اللّه-كاره، لمعرفتي بما يطمعون (4)به من اعتقال (5)الأموال و المرح (6)في الأرض، و علمهم بأنّ تلك ليست لهم عندي، و شديد (7)عادة منتزعة، فلمّا لم يجدوا عندي تعلّلوا

ص:373


1- 1) الصدى (بفتح الصاد المهملة كعصا) : العطش الشديد.
2- 2) الأحزاب:23. [1]
3- 3) في الاختصاص: فمن قضى نحبه حمزة و عبيدة و جعفر.
4- 4) في البحار، و [2]الخصال المطبوع: «بما تطاعموا به» و قال في البحار [3]في بيان الحديث: قوله: «بما تطاعموا به» أي بما أوصل كلّ منهم إلى صاحبه في دولة الباطل طعمه و لذّته.
5- 5) اعتقال الأموال: اكتسابها و ضبطها من قولهم: عقل البعير و اعتقله إذا شدّ يديه، و في بعض النسخ: «اعتقاد الأموال» بالدال. و يؤل إلى المعنى الأوّل، يقال: اعتقد ضيعة و مالا أي اقتناها.
6- 6) المرح (بفتح الميم و الراء المهملة) : النشاط و الفرح الشديد.
7- 7) قال في البحار: [4] قوله: «و شديد عادة منتزعة» كذا فيما عندنا من النسخ، و لعل قوله: «عادة» مبتدأ، و «شديد» خبره، أي انتزاع العادة و سلبها شديد.

الأعاليل، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا:

بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا الخامسة-يا أخا اليهود-فإنّ المتابعين لي لمّا لم يطمعوا في تلك منّي و ثبوا بالمرأة عليّ، و أنا وليّ أمرها و الوصيّ عليها، فحملوها على الجمل و شدّوها على الرحال، و أقبلوا بها تخبط (1)الفيافي و تقطع البراري و تنبح عليها كلاب الحوأب (2)، و تظهر لهم علامات الندم في كل ساعة و عند كلّ حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى أتت أهل بلدة، قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عاذبة آراؤهم، و هم جيران بدو، و ورّاد بحر، فأخرجتهم، يخبطون بسيوفهم من غير علم، و يرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين، كلتاهما في محلّة المكروه ممّن إن كففت لم يرجع و لم يعقل، و إن أقمت كنت قد صرت إلى الّتي (3)كرهت.

فقدّمت الحجّة بالإعذار و الإنذار، و دعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، و القوم الّذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، و الترك لنقضهم عهد اللّه عزّ و جلّ فيّ، و أعطيتهم من نفسي كلّ الّذي قدرت عليه، و ناظرت بعضهم فرجع و ذكّرت فذكر، ثمّ أقبلت على الناس بمثل ذلك، فلم يزدادوا إلاّ جهلا و تماديا و غيّا، فلمّا أبوا إلاّ هي، ركبتها منهم، فكانت عليهم الدبرة (4)، و بهم الهزيمة، و لهم الحسرة، و فيهم الفناء و القتل، و حملت نفسي على التي لم أجد منها بدّا، و لم يسعني إذ فعلت ذلك و أظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أوّلا من الإعطاء و الإمساك، و رأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم عليّ بإمساكي على ما صاروا إليه و طمعوا فيه من تناول الأطراف، و سفك الدّماء، و قتل الرعية، و تحكيم النساء

ص:374


1- 1) خبط البعير الأرض: ضربها، و يقال: خبطه أي ضربه ضربا شديدا و الفيافي: جمع الفيفاء و هي المفازة لا ماء فيها.
2- 2) الحوأب (بفتح الأول و سكون الثاني و الهمزة المفتوحة) : موضع في طريق البصرة.
3- 3) في الاختصاص: إلى الّذي كرهت.
4- 4) الدبرة (بالتحريك) : الهزيمة، و في بعض النسخ: «عليهم الدائرة» .

النّواقص العقول و الحظوظ على كلّ حال، كعادة بني الأصفر (1)و من مضى من ملوك سبأ و الأمم الخالية، فأصبر (2)على ما كرهت أوّلا و آخرا، و قد أهملت المرأة و جندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من النّاس، و لم أهجم على الأمر إلاّ بعد ما قدّمت و أخّرت، فتأنّيت و راجعت، و أرسلت و سافرت، و أعذرت و أنذرت، و أعطيت القوم كلّ شيء التمسوه بعد أن أعرضت عليهم كلّ شيء لم يلتمسوه.

فلما أبوا إلاّ تلك أقدمت عليها، فبلغ اللّه بي و بهم ما أراد، و كان لي عليهم بما كان منّي إليهم شهيدا، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا السادسة-يا أخا اليهود-فتحكيمهم الحكمين و محاربة ابن آكلة الأكباد، و هو طليق بن طليق، معاند للّه و لرسوله و للمؤمنين منذ بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن فتح اللّه عليه مكّة عنوة، فأخذت بيعته و بيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم و في ثلاثة مواطن بعده، و أبوه بالأمس أوّل (3)من سلّم عليّ بإمرة المؤمنين، و جعل يحثّني على النهوض في أخذ حقّي من الماضين قبلي، يجدّد لي بيعته كلّما أتاني.

و أعجب العجب أنّه لمّا رأى ربي تبارك و تعالى قد ردّ إليّ حقي، و أقرّه في معدنه، و انقطع طمعه أنّ يصير في دين اللّه رابعا، و في أمانة حمّلناها حاكما، كرّ على العاصي بن العاص فاستماله، فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، و حرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه درهما، و حرام على الرّاعي إيصال درهم إليه فوق حقّه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم، و يطأها بالغشم (4)، فمن بايعه أرضاه، و من خالفه ناواه.

ص:375


1- 1) المراد ببني الأصفر أهل الروم لأنّ أباهم الأوّل كان أصفر اللون، و هو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام.
2- 2) في المصدر المطبوع، و البحار، و [1]الاختصاص: «فأصير إلى ما كرهت» .
3- 3) يعني أبا سفيان في أوّل خلافة أبي بكر.
4- 4) الغشم: الظلم.

ثم توجّه إليّ ناكثا علينا، مغيرا في البلاد شرقا و غربا و يمينا و شمالا، و الأنباء تأتيني و الأخبار ترد عليّ بذلك، فأتاني أعور ثقيف، فأشار إليّ أن أولّيه البلاد الّتي هو بها لأداريه بما أولّيه منها! و في الّذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، لو وجدت عند اللّه عزّ و جلّ في توليته لي مخرجا، و أصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعلمت (1)الرأي في ذلك، و شاورت من أثق بنصيحته للّه عزّ و جلّ و لرسوله ولي و للمؤمنين، فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته، و يحذّرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، و لم يكن اللّه ليراني لأتّخذ المضلّين عضدا، فوجهت إليه أخا (2)بجيلة مرّة، و أخا الأشعريين مرّة، كلاهما (3)ركن إلى الدنيا، و تابع هواه فيما أرضاه.

فلمّا لم أره (4)يزداد فيما انتهك من محارم اللّه إلا تماديا، فشاورت من معي من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم البدريّين، و الّذين ارتضى اللّه عزّ و جلّ أمرهم، و رضي عنهم بعد بيعتهم، و غيرهم من صلحاء المسلمين و التابعين، فكلّ يوافق رأيه رأيي في غزوه و محاربته، و منعه مما نالت يده، و إنّي نهضت إليه بأصحابي، أنفذ إليه من كلّ موضع كتبي، و أوجّه إليه رسلي، أدعوه إلى الرجوع عمّا هو فيه، و الدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكّم عليّ و يتمنّى عليّ الأماني، و يشترط عليّ شروطا لا يرضاها اللّه عزّ و جلّ و رسوله، و لا المسلمون، و يشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أبرارا فيهم عمّار بن ياسر، و أين مثل عمّار؟

و اللّه لقد رأينا (5)مع النبي و ما تقدّمنا (6)خمسة إلاّ كان سادسهم، و لا

ص:376


1- 1) في بعض النسخ: «فأعملت الرأي» و في الاختصاص: «فما عملت الرأي» .
2- 2) المراد به جرير بن عبد اللّه بن جابر بن مالك البجلي المتوفى سنة (51) ه و المراد بالثاني إمّا زياد بن نضر بن بشر بن مالك بن الديّان الحارثي، و أمّا أبو موسى الأشعري و اللّه العالم، قال مصحّح الخصال: لم أعثر على إرسال أحدهما إلى معاوية و لعلّه سهو من الراوي.
3- 3) و لعل الصحيح: «فكلّ منهما» و السهو من النسّاخ.
4- 4) في المصدر: «فلمّا لم أره أن يزداد فيما انتهك» و في الاختصاص: «فلمّا رأيته لم يزد فيما انتهك» .
5- 5) في المصدر المطبوع و كذلك البحار: « [1]لقد رأيتنا» و في الاختصاص: «لقد أتينا» .
6- 6) في المصدر و هكذا الاختصاص: «و ما يعدّ منّا خمسة» .

أربعة إلاّ كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم و يصلبهم و انتحل دم عثمان و لعمر اللّه ما ألب (1)على عثمان، و لا جمع الناس على قتله إلاّ هو و أشباهه من أهل بيته، أغصان الشّجرة الملعونة في القرآن.

فلمّا لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كرّ مستعليا في نفسه بطغيانه و بغيه، بحمير لا عقول لهم و لا بصائر، فموّه (2)لهم أمرا فاتّبعوه، و أعطاهم من الدّنيا ما أمالهم به إليه فناجزناهم و حاكمناهم إلى اللّه عزّ و جلّ بعد الإعذار و الإنذار، فلمّا لم يزده ذلك إلاّ تماديا و بغيا لقيناه بعادة اللّه الّتي عوّدنا من النصر على أعدائه و عدوّنا، و راية رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بأيدينا، لم يزل اللّه تبارك و تعالى يفلّ حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، و هو معلم رايات أبيه الّتي لم أزل أقاتلها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في كلّ المواطن، فلم يجد من الموت منجا إلاّ الهرب.

فركب فرسه و قلّب رايته! لا يدري كيف يحتال؟ فاستعان برأي ابن العاص، فأشار إليه بإظهار المصاحف و رفعها على الأعلام، و الدّعاء إلى ما فيها، و قال: إنّ ابن أبي طالب و حزبه أهل بصائر و رحمة و بقيا (3)، و قد دعوك إلى كتاب اللّه أوّلا و هم مجيبوك إليه آخرا، فأطاعه فيما أشار به عليه، إذ رأى أنه لا منجا له من القتل أو الهرب غيره.

فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم (4)و جهدهم في جهاد أعداء اللّه و أعدائهم على بصائرهم، فظنّوا أنّ ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته، و أقبلوا بأجمعهم في إجابته، فأعلمتهم أنّ ذلك منه مكر، و من ابن العاص معه، و أنّهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي و لم يطيعوا أمري، و أبوا إلاّ إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت، حتّى أخذ

ص:377


1- 1) ألب (كنصر) : تجمّع و تحشّد.
2- 2) موّه عليه الأمر أو الخبر: زوّره عليه و زخرفه و لبّسه، أو بلّغه خلاف ما هو.
3- 3) في المصدر المطبوع: «و رحمة و تقيا» و في الاختصاص: «و رحمة و معنى» .
4- 4) في المصدر المطبوع: «أخيارهم» .

بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفّان أو ادفعوه إلى ابن هند برمّته (1)! فجهدت-علم اللّه-جهدي، و لم أدع علّة (2)في نفسي إلاّ بلّغتها في أن يخلّوني و رأيي فلم يفعلوا، و راودتهم على الصبر على مقدار فواق (3)الناقة أو ركضة (4)الفرس، فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ-و أومأ بيده إلى الأشتر- و عصبة من أهل بيتي.

فو اللّه ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلاّ مخافة أن يقتل هذان-و أومأ بيده إلى الحسن و الحسين-فينقطع نسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و ذريّته من أمّته و مخافة أن يقتل هذا و هذا-و أومأ بيده إلى عبد اللّه بن جعفر، و محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنهما-فإنّي أعلم لو لا مكاني لم يقفا ذلك الموقف، فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم اللّه عزّ و جلّ.

فلمّا رفعنا عن القوم سيوفنا، تحكّموا في الأمور، و تخيّروا الأحكام و الآراء، و تركوا المصاحف، و ما دعوا إليه من حكم القرآن، و ما كنت أحكّم في دين اللّه أحدا إذا كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شكّ فيه و لا امتراء.

فلمّا أبوا إلاّ ذلك أردت أن أحكّم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممّن أرضى رأيه و عقله، و أثق بنصيحته و مودّته و دينه، و أقبلت لا أسمّي أحدا إلاّ امتنع منه ابن هند، و لا أدعوه إلى شيء من الحقّ إلاّ أدبر عنه، و أقبل ابن هند يسومنا عسفا (5)و ما ذاك إلا باتّباع أصحابي له على ذلك، فلمّا أبوا إلاّ غلبتي على التحكّم تبرّأت إلى اللّه عزّ و جلّ منهم، و فوّضت ذلك إليهم، فقلّدوه امرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض و غربها، و أظهر المخدوع عليها ندما، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير

ص:378


1- 1) برمّته: بجملته.
2- 2) في المصدر: «و لم أدع غلّة في نفسي» .
3- 3) فواق الناقة: قال في البحار: [1] الفواق: الوقت ما بين الحلبتين، لأنّها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدرّ ثمّ تحلب.
4- 4) الركضة: الحركة و الدفعة، يقال: «ركض الفرس برجليه» أي استحثّه للعدو.
5- 5) سامه الأمر: كلّفه إيّاه، و العسف: الظلم.

المؤمنين.

فقال عليه السلام: و أمّا السّابعة فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان عهد إليّ أن أقاتل في آخر الزّمان من أيّامي قوما من أصحابي يصومون النهار، و يقومون الليل، و يتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي و محاربتهم إيّاي من الدّين، كما (1)يمرق السهم من الرمية، فيهم ذو الثديّة (2)، يختم لي بقتلهم بالسعادة، فلمّا انصرفت إلى موضعي هذا-يعني بعد الحكمين-أقبل بعض (3)باللائمة، فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلاّ أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع من أخطأ و أن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه و قتل من خالفه منّا، فقد كفر بمتابعته إيّانا و طاعته لنا في الخطأ، و أحلّ لنا بذلك قتله و سفك دمه، فتجمّعوا على ذلك، و خرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى صوتهم لا حكم إلا للّه.

ثمّ تفرّقوا فرقة بالنخيلة (4)، و أخرى بحروراء (5)، و أخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتّى عبرت دجلة، فلم تمرّ بمسلم إلاّ امتحنه، فمن تابعها استحيته، و من خالفها قتلته، فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى، أدعوهم إلى طاعة اللّه عزّ و جلّ و الرجوع إليه، فأبيا إلاّ السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلمّا أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى اللّه عزّ و جلّ فقتل اللّه هذه و هذه.

و كانوا-يا أخا اليهود-لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويّا و سدّا منيعا، فأبى

ص:379


1- 1) في المصدر و هكذا في البحار و [1]الاختصاص: مروق السهم من الرمية و الرمية (بفتح الراء و كسر الميم) : الصيد يرمى.
2- 2) ذو الثّديّة (بضمّ الثاء المثلثة و فتح الدال و الياء المشدّدة) : لقب رجل من الخوارج اسمه حرقوص بن زهير، أو ثرملة قتل يوم النهروان، قيل: هي مصغّر الثدي و أدخل فيه الهاء لأنّ معناها اليد و هي مؤنّث، و ذلك أنّ يده كانت قصيرة مقدار الثدي، و يقال له أيضا: «ذو اليديّة» و قيل: هو مصغر «الثندوة» بحذف النون و انقلاب الواو ياء-مجمع البحرين [2]في لفظ «ثدي» -
3- 3) في المصادر الثلاثة: «أقبل بعض القوم على بعض باللائمة» .
4- 4) النخيلة (مصغّرا) : موضع بقرب الكوفة على سمت الشام.
5- 5) الحروراء (بالمد و القصر) : موضع بقرب الكوفة كان أوّل تجمعهم و تحكيمهم فيه.

اللّه إلاّ ما صاروا إليه، ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة، و وجّهت رسلي تترى (1)و كانوا من جلّة (2)أصحابي و أهل التعبّد منهم و الزّهد في الدنيا، فأبت إلاّ اتّباع أختيها و الاحتذاء على مثالهما، و أسرعت (3)في قتل من خالفها من المسلمين، و تتابعت إليّ الأخبار بفعلهم.

فخرجت حتّى قطعت إليهم دجلة، أوجّه السفراء و النصحاء، و أطلب العتبى (4)بجهدي بهذا مرّة و بهذا مرّة-و أومأ بيده إلى الأشتر، و الأحنف بن قيس، و سعيد بن قيس الأرحبي، و الأشعث بن قيس الكندي-فلمّا أبوا إلاّ تلك ركبتها منهم فقتلهم اللّه-يا أخا اليهود-عن آخرهم، و هم أربعة آلاف أو يزيدون، حتّى لم يفلت منهم مخبر، فاستخرجت ذا الثديّة من قتلاهم بحضرة من ترى، له ثدي كثدي المرأة، ثمّ التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال:

أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: قد وفيت سبعا و سبعا-يا أخا اليهود-و بقيت الأخرى و أوشك بها فكان قد (5)فبكى أصحاب عليّ عليه السلام و بكى رأس اليهود.

و قالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال عليه السلام: الأخرى أن تخضب هذه-و أومأ بيده إلى لحيته-من هذه-و أومأ بيده إلى هامته-قال:

و ارتفعت أصوات النّاس في المسجد الجامع بالضجّة و البكاء حتّى لم يبق بالكوفة دار إلاّ خرج أهلها فزعا، و أسلم رأس اليهود على يدي عليّ عليه السلام من ساعته.

و لم يزل مقيما حتّى قتل أمير المؤمنين عليه السلام و أخذ (6)ابن ملجم لعنه

ص:380


1- 1) تترى (بفتح التاء المثنّاة الأولى و سكون الثانية و الألف المقصورة) : من المواترة و هي المتابعة، و أصله «وترى» أبدلت الواو تاء كما في تراث-مجمع البحرين في لفظ وتر-
2- 2) في الاختصاص: من أجلّة أصحابي.
3- 3) في البحار: «و [1]شرعت في قتل» .
4- 4) العتبى (بضم العين كصغرى) : الرجوع عن الإساءة إلى المسرّة-الرضى.
5- 5) في الاختصاص: «و كان قد قربت» .
6- 6) في الاختصاص: «فلمّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام و أخذ ابن ملجم لعنه اللّه و أخذ ابن ملجم لعنه اللّه أقبل رأس اليهود» .

اللّه، فأقبل رأس اليهود حتّى وقف على الحسن عليه السلام، و النّاس حوله و ابن ملجم لعنه اللّه بين يديه، فقال له: يا أبا محمّد اقتله قتله اللّه، فإنّي رأيت (1)في الكتب الّتي أنزلت على موسى (2)أنّ هذا أعظم عند اللّه عزّ و جلّ جرما من ابن آدم قاتل أخيه، و من القدار عاقر ناقة ثمود (3).

ص:381


1- 1) في الاختصاص: «فإنّي قرأت في الكتب» .
2- 2) في الاختصاص: «على موسى بن عمران عليه السلام» .
3- 3) الخصال:364-382 ح 58-و الاختصاص:163-181 و عنهما البحار ج 38/167-184 ح 1. [1]

ص:382

الباب الثالث و الأربعون

في طلبه تعجيل الشهادة حين بشرّ بها

1-ابن بابويه، قال: حدّثنا أحمد (1)بن هارون قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان الأحمر، عن سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، عن عبد اللّه بن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

يا عليّ أبشر بالشهادة، فإنّك مظلوم بعدي و مقتول، فقال علي عليه السلام:

يا رسول اللّه و ذلك في سلامة من ديني؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: في سلامة من دينك، يا عليّ لن تضلّ و لن تزلّ، و لولاك لم يعرف حزب اللّه بعدي (2).

2-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي، قال: حدّثني أبو العبّاس أحمد (3)بن الحسين

ص:383


1- 1) أحمد بن إبراهيم بن هارون الفامي من شيوخ الصدوق حدّثه في مسجد الكوفة سنة (354) ه و حدّث عنه الصدوق في العيون، و [1]الأمالي، و [2]كمال الدين [3]كثيرا و هو يروي عن الحميري و علي بن إبراهيم القمي.
2- 2) الأمالي للصدوق: المجلس (58) ح 17 [4] ص 301-و عنه البحار ج 38/103 [5] في ذيل ح 26.
3- 3) أبو العباس أحمد بن الحسين بن عباد البغدادي البزاز عنونه ابن أبي حاتم الرازي في الجرح و التعديل ج 2/48 و قال: قدم علينا الريّ سنة (257) ه و عنونه الخطيب في تاريخ بغداد ج 4/94 [6] بعنوان أبي العبّاس السمسار.

البغدادي، قال: حدّثنا الحسين بن عمر المقري (1)، عن عليّ بن الأزهر (2)، عن عليّ بن صالح المكّي (3)، عن محمّد بن (4)عمر بن علي، عن أبيه، عن جدّه، قال: لمّا نزلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إِذا جاءَ نَصْرُ اَللّهِ وَ اَلْفَتْحُ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ لقد جاء نصر اللّه و الفتح، فإذا رَأَيْتَ اَلنّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اَللّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اِسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً يا عليّ إن اللّه تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي، فقلت: يا رسول اللّه و ما الفتنة الّتي كتب علينا فيها الجهاد؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّي رسول اللّه، و هم مخالفون لسنّتي، و طاعنون في ديني.

فقلت: فعلى م نقاتلهم يا رسول اللّه و هم يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: على إحداثهم في دينهم، و فراقهم لأمري، و استحلالهم دماء عترتي، قال: فقلت: يا رسول اللّه إنّك كنت وعدتني الشّهادة فسل اللّه تعجيلها لي، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

أجل، قد كنت وعدتك الشهادة، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا؟ - و أومى إلى رأسي و لحيتي-فقلت: يا رسول اللّه أمّا إذا ثبت لي ما ثبت (5)فليس بموطن صبر، و لكنّه موطن بشرى و شكر، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

أجل، فأعدّ للخصومة فإنّك تخاصم أمتي.

قلت: يا رسول اللّه أرشدني الفلح، قال: إذا رأيت قومك قد عدلوا

ص:384


1- 1) ما عثرنا على الحسين بن عمر المقري ولكن يحتمل كما احتمله معلّق «أمالي المفيد» كونه الحسين بن عمرو العنقزي أو الصقري فصحّف و هو معنون في الجرح و التعديل للرازي ج 3/61.
2- 2) علي بن الأزهر الأهوازي الرامهرمزي كتب عنه أبو حاتم الرازي بالريّ و عنونه ابنه في الجرح و التعديل ج 6/175 تحت رقم (959) و قال: سئل أبي عنه فقال: صدوق.
3- 3) علي بن صالح المكي العابد: معنون في «التقريب» .
4- 4) محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام عنونه ابن أبي حاتم في الجرح و التعديل ج 8/18.
5- 5) في المصدر المطبوع: «أمّا إذا بيّنت لي ما بيّنت» .

عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من اللّه، و الضلال من الشيطان، يا عليّ إنّ الهدى هو اتّباع أمر اللّه، دون الهوى و الرّأي و كأنّك بقوم قد تأوّلوا القرآن، و أخذوا بالشبهات، و استحلّوا الخمر بالنبيذ، و البخس بالزكاة، و السحت بالهدية.

قلت: يا رسول اللّه فما هم إذا فعلوا ذلك، أهم أهل فتنة أم أهل ردّة؟ فقال: هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت: يا رسول اللّه العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال: بل منّا، بنا فتح اللّه، و بنا يختم اللّه، و بنا ألّف اللّه بين القلوب بعد الشرك، و بنا يؤلّف بين القلوب بعد الفتنة، فقلت: الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله.

و رواه الشيخ المفيد في «أماليه» قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي-و ساق الحديث بالسند و المتن إلاّ أنّ فيه-: فقلت: يا رسول اللّه إذا بيّنت لي ما بيّنت فليس موضع صبر، لكن موطن بشرى و شكر.

و في نسخة من نسخ الشيخ في «أماليه» فقلت: يا رسول اللّه أمّا إذا شئت لي ما شئت فليس بموطن صبر، لكنّه موطن بشرى و شكر (1).

3-محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد (2)بن محمّد، عن الحارث بن جعفر، عن عليّ بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى (3)بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدّثني موسى بن جعفر، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أليس كان أمير المؤمنين

ص:385


1- 1) الأمالي للطوسي ج 1/63-و [1]أمالي المفيد:288 ح 7 و [2]عنهما البحار ج 32/297 ح 257- و [3]البرهان ج 4/517 ح 1-و [4]أخرج نحوه في البحار ج 32/308 ح 274 [5]عن شرح النهج لابن أبي الحديد ج 9/206. [6]
2- 2) هو أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن مروان: الأنباري روى عن الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام.
3- 3) عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير: روى عن الكاظم و الجواد عليهما السلام و حدث عنه أبو يوسف الرحاطي، و الأزهر بن بسطام بن رسيم، و الحسن بن يعقوب و له كتاب رواه عنه عبيد اللّه بن عبد اللّه الدهقان-معجم رجال الحديث ج 13/206. [7]

عليه السلام كاتب الوصية، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم المملي عليه، و جبرئيل و الملائكة المقرّبون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلا (1)ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، و لكن حين نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الأمر نزلت الوصيّة من عند اللّه كتابا مسجّلا، نزل به جبرئيل مع أمناء اللّه تبارك و تعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمّد مر بإخراج من عندك إلاّ وصيّك، ليقبضها منّا، و لتشهدنا بدفعك إيّاها إليه ضامنا لها-، يعني عليّا عليه السلام-، فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بإخراج من كان في البيت ما خلا عليّا عليه السلام، و فاطمة عليها السلام فيما بين الستر و الباب.

فقال جبرئيل: يا محمّد ربّك يقرؤك السلام و يقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك، و شرطت عليك و شهدت به عليك، و أشهدت به عليك ملائكتي و كفى بي يا محمد شهيدا، قال فارتعدت مفاصل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال: يا جبرئيل ربّي هو السلام، و منه السلام، و إليه يعود السلام، صدق عزّ و جلّ و برّ، هات الكتاب، فدفعه إليه و أمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: اقرأه، فقرأه حرفا حرفا فقال: يا عليّ هذا عهد ربّي تبارك و تعالى إليّ، و شرطه عليّ، و أمانته، و قد بلّغت، و نصحت، و أدّيت.

فقال عليّ عليه السلام: و أنا أشهد لك-بأبي أنت و أمّي-بالبلاغ، و النصيحة، و التصديق على ما قلت، و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي، فقال جبرئيل: و أنا لكما على ذلك من الشاهدين.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ أخذت وصيتي، و عرفتها، و ضمنت للّه ولي الوفاء بما فيها؟ فقال عليّ عليه السلام: نعم-بأبي أنت و أمّي-عليّ ضمانها، و على اللّه عوني و توفيقي على أدائها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا عليّ إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة، فقال عليّ عليه السلام: نعم أشهد، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّ جبرئيل و ميكائيل عليهما السلام فيما بيني و بينك الآن، و هما حاضران، معهما

ص:386


1- 1) في بعض النسخ: فأطرق مليّا.

الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك، فقال: ليشهدوا و أنا-بأبي أنت و أمّي- أشهدهم، فأشهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و كان فيما اشترط عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر (1)اللّه عزّ و جلّ أن قال له: يا عليّ؛ تفي بما فيها من موالاة من والى اللّه و رسوله، و البراءة، و العداوة لمن عادى اللّه و رسوله، و البراءة منهم على الصبر منك، و على كظم الغيظ، و على ذهاب حقّك و غصب خمسك و انهتاك (2)حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول اللّه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: و الّذي فلق الحبّة، و برء النسمة لقد سمعت جبرئيل يقول للنبيّ صلى اللّه عليه و آله: يا محمّد؛ عرّفه (3)أنّه ينهتك الحرمة، و هي حرمة اللّه و حرمة رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم و على أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط (4)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتّى سقطت على وجهي، و قلت: نعم قبلت و رضيت، و إن انهتكت (5)الحرمة، و عطّلت السنن، و مزّق الكتاب، و هدمت الكعبة، و خضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك.

ثمّ دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام، و أعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا مثل قوله، فختمت الوصيّة بخواتيم من فضة (6)لم تمسّه (7)النار، و دفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

ص:387


1- 1) في الوافي و [1]البحار: « [2]فيما أمره اللّه» .
2- 2) في المصدر، و البحار، و [3]الوافي: «و [4]انتهاك حرمتك» بتقديم التاء على الهاء.
3- 3) في المصدر المخطوط: «أعلمه» .
4- 4) دم عبيط: خالص طريّ.
5- 5) في المصدر المطبوع، و الوافي، و [5]البحار: «و [6]إن انتهكت» بتقديم التاء على الهاء.
6- 6) في المصدر المطبوع و كذلك الوافي و [7]البحار: « [8]من ذهب» .
7- 7) قال الفيض قدّس سرّه في الوافي: « [9]لم تمسّه النار» و ذلك لأنّه كان من عالم الأمر و الملكوت، منزّها عن موادّ العناصر و تراكيبها.

فقلت لأبي الحسن عليه السلام: بأبي أنت و أمّي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن اللّه و سنن رسوله، فقلت: أكان في الوصية توثّبهم (1)و خلافهم على أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم، و اللّه شيء بعد شيء و حرف بحرف (2)أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: إِنّا نَحْنُ نُحْيِ اَلْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (3)و اللّه لقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما قدّمت (4)به إليكما فقبلتماه؟ فقالا: بلى، و صبرنا على ما ساءنا و غاضنا.

و في نسخة الصفواني (ره) زيادة (5)(6).

4-الشيخ ورّام (7)في كتابه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن القصباني (8)، عن إبراهيم بن محمّد بن مسلم الثقفي قال: حدّثني عبد اللّه بن بلج المنقري، عن شريك، عن جابر، عن أبي حمزة اليشكري، عن قدامة الأودي، عن إسماعيل بن عبد اللّه الصلعي، و كانت له صحبة، قال: لمّا كثر الاختلاف بين

ص:388


1- 1) قال في الوافي: [1] التوثّب: الاستيلاء على الشيء ظلما.
2- 2) في المصدر، و هكذا الوافي: « [2]نعم، و اللّه شيئا شيئا، و حرفا حرفا» و في البحار: « [3]شيء بشيء، و حرف بحرف» .
3- 3) يس:14. [4]
4- 4) في المصدر، و هكذا الوافي و [5]البحار: « [6]ما تقدّمت» .
5- 5) قوله: و في نسخة الصفواني زيادة: قال العلامة المجلسي في «مرآة العقول» : [7] هذا كلام بعض رواة الكليني، فإنّ نسخ الكافي [8]كانت بروايات مختلفة كالصفواني و هو محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن قضاعة بن صفوان الجمّال، و كان ثقة فقيها فاضلا، و محمد بن إبراهيم النعماني، و هارون بن موسى التلعكبري، و كان بين تلك النسخ اختلاف فتصدى بعض من تأخّر عنهم كالصدوق و المفيد و أضرابهما الجمع بين النسخ و الإشارة إلى الاختلاف بينها.
6- 6) الكافي ج 1/281 ح 4 و [9]عنه البرهان ج 4/5 ح 1 و [10]الوافي ج 2/264 ح 4-و [11]في البحار ج 22/479 ح 28 [12] عنه و عن الطرف:23 و 24.
7- 7) أبو الحسين ورّام بن أبي فراس من أحفاد مالك الأشتر توفي سنة (605) ه-الذريعة ج 20/109- [13]
8- 8) في البحار: « [14]القضباني» بالضاد المعجمة.

أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و قتل عثمان بن عفّان تخوّفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحّيت إلى ساحل البحر، فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه النّاس، (معتزلا لأهل البحر (1)و الإرجاف (2)) (3).

فخرجت من بيتي لبعض حوائجي، و قد هدأ (4)الليل و نام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربّه و يتضرّع إليه بصوت شجي (5)و قلب حزين فنصتّ (6)له و أصغيت (7)إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيّين، أنت أرحم الرّاحمين، البديء البديع الذي ليس كمثلك شيء، و الدائم غير الغافل، و الحيّ الّذي لا يموت، أنت كلّ يوم في شأن، أنت خليفة محمّد، و ناصر محمّد، و مفضّل محمّد، أنت الّذي (8)أسألك أن تنصر وصيّ محمّد، و القائم بالقسط بعد محمّد، اعطف عليه نصرك أو توفّني برحمة.

قال: ثم رفع رأسه، فقعد (9)مقدار التشهد، ثم إنّه سلّم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثمّ مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلّمني يرحمك اللّه، فلم يلتفت، و قال: الهادي خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قال:

قلت: من هو؟ قال: وصيّ محمّد من بعده، فخرجت متوجّها إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبتّ قريبا من الحيرة، فلمّا أجنّني الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (10)ثم صفّ قدميه، فأطال المناجاة، و كان فيما قال: اللهمّ إنّي

ص:389


1- 1) في المصدر: «لأهل الهجر» .
2- 2) الارجاف (بكسر الهمزة) : الخوض في الأخبار السيّئة و الفتن بقصد أن يهيّج الناس.
3- 3) «البحار» [1] خال عمّا بين القوسين.
4- 4) هدء: سكن، هدء الليل: نام الناس فيه.
5- 5) الشجي: الحزين.
6- 6) نصتّ له (بصيغة المتكلّم) : سكتّ مستمعا له.
7- 7) في البحار: « [2]فآنست إليه» .
8- 8) ليس في البحار: « [3]أنت الذي» .
9- 9) في البحار: «و [4]جلس بقدر التشهّد» .
10- 10) الرابية: ما ارتفع من الأرض.

سرت فيهم بما أمرني به رسولك وصفيك، فظلموني، و قتلت من المنافقين كلّما أمرتني فجهلوني، و قد مللتهم و ملّوني، و أبغضتهم و أبغضوني، و لم يبق لي خلّة أنتظرها إلاّ المراديّ، اللّهمّ فاجعل له (1)الشقاء، و تغمّدني بالسعادة، اللّهمّ قد وعدني نبيّك أن تتوفّاني إليك إذ سألتك، اللّهم و قد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى فقفوته (2)، فدخل منزله، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلم ألبث أن نادى المنادي بالصلاة، فخرج و تبعته، حتى دخل المسجد، فغمصه ابن ملجم لعنه اللّه بالسيف (3).

5-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثنا أبو عوانة موسى بن يوسف القطّان الكوفيّ، قال:

حدّثنا محمّد بن سليمان المنقريّ (4)الكندي، عن عبد الصمد بن عليّ النوفلي، عن أبي إسحق السبيعي عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال: لمّا ضرب ابن ملجم لعنه اللّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من أصحابنا: أنا، و الحارث، و سويد بن غفلة، و جماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء، فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن عليّ عليه السلام، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام: انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، فاشتدّ البكاء من منزله، فبكيت، فخرج الحسن عليه السلام، و قال: ألم أقل لكم انصرفوا؟ فقلت: لا و اللّه يا بن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما تتابعني نفسي، و لا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: و بكيت، فدخل، و لم يلبث أن خرج، فقال لي: ادخل،

ص:390


1- 1) في البحار: « [1]فعجّل له الشقاء» .
2- 2) في البحار: « [2]فتبعته» .
3- 3) تنبيه الخواطر: ج 2/2-و [3]عنه البحار ج 42/252 ح 54. [4]
4- 4) في المصدر: «محمد بن سلمان المقري» -و في أمالي المفيد و البحار: « [5]محمد بن سليمان المقري» و على أيّ حال ما ظفرت له و لمن روى عنه ترجمة.

فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام، و هو إذا مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف (1)، و اصفرّ وجهه ما أدري وجهه أصفرّ أم العمامة، فأكببت عليه فقبّلته، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنّها و اللّه الجنة، فقلت له: جعلت فداك إنّي أعلم و اللّه إنّك تصير إلى الجنّة، و إنّما أبكي لفقداني إيّاك يا أمير المؤمنين جعلت فداك (2).

6-السيّد الرضي (رض) في «الخصائص» و ابن شهر اشوب في «الفضائل» رحمهما اللّه تعالى: لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه قال عليه السلام:

فزت و ربّ الكعبة (3).

ص:391


1- 1) نزف الدم فلانا: خرج منه دم كثير حتى يضعف فهو نزيف.
2- 2) أمالي الطوسي ج 1/122 و [1]أمالي المفيد:351-و عنهما البحار ج 42/204 ح 8. [2]
3- 3) الخصائص:63-المناقب لابن شهر اشوب ج 3/312 و [3]عنه البحار ج 42/239. [4]

ص:392

الباب الرابع و الأربعون

في صفته عليه السلام

1-قال الشيخ عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» : صفة عليّ عليه السلام قال الخطيب أبو المؤيّد الخوارزمي: عن أبي إسحق، قال: لقد رأيت عليّا عليه السلام أبيض الرأس و اللحية، ضخم البطن، ربعة (1)من الرجال.

و ذكر ابن مندة (2): أنّه كان شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، ذا بطن و هو إلى القصر أقرب، أبيض الرأس و اللحية، صلوات اللّه عليه و آله الطاهرين.

و زاد محمّد بن (3)حبيب البغدادي صاحب «المحبّر الكبير» آدم اللون، حسن الوجه، ضخم الكراديس (4)، و اشتهر عليه السلام بالأنزع البطين.

أمّا في الصورة فيقال: رجل أنزع: بيّن النزع، و هو الّذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته، و موضعه النزعة، و هما النزعتان، و لا يقال لامرأة:

نزعاء، و لكن زعراء، و البطين: الكبير البطن.

ص:393


1- 1) الربعة (بفتح الأول و سكون الثاني) : الوسيط القامة، للمذكر و المؤنث.
2- 2) مشترك بين ستة أشهرهم: يحيى بن عبد الوهاب الأصفهاني المؤرخ المتوفى (511) ه.
3- 3) محمد بن حبيب أبو جعفر المؤدّب البغدادي المتوفى بسامراء سنة (245) ه.
4- 4) الكردوسة (بضم الكاف و سكون الراء جمعه الكراديس) : كلّ عظمين التقيا في مفصل.

و أمّا المعنى فإنّ نفسه نزعت (يقال: نزع إلى أهله ينزع نزاعا: اشتاق، و نزع عن الأمور نزوعا: انتهى عنها) (1)عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها، و نزعت إلى اجتناب السيئات فسدّ عليه مذهبها، و نزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها، و نزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها و تحلاّها.

و امتلأ علما فلقّب بالبطين، و أظهر بعضا و أبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الّذي عرف به الحقّ اليقين.

أمّا ما ظهر من علمه فأشهر من الصباح، و أسير في الآفاق من سري الرياح.

و أمّا ما بطن فقال: «بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطّوى البعيدة.

و ممّا ورد في صفته عليه السلام ما أورده صديقنا العزّ المحدّث (2)و ذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب (3)الموصل أن يخرج أحاديث صحاحا و شيئا ممّا ورد في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام و صفاته، و كتب على أتوار الشمع (4)الإثني عشر التي حملت إلى مشهده عليه السلام و أنا رأيتها، قال: كان ربعة من الرجال، أدعج (5)العينين، حسن الوجه، كأنّه القمر ليلة البدر، حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين (6)أغيد (7)كأنّ

ص:394


1- 1) في هامش البحار: [1] أما بين العلامتين إمّا جملة معترضة و إما تعليقة كانت في الهامش فأثبتها النسّاخ في المتن.
2- 2) هو عزّ الدين الرسعني عبد الرزّاق بن رزق اللّه بن أبي بكر بن خلف الحنبلي الموصلي توفّي بسنجار سنة (660) ه ذيل طبقات الحنابلة ج 2/274-
3- 3) صاحب الموصل: الملك بدر الدين لؤلؤ الأرمني الأتابكي توفي سنة (657) ه-العبر ج 5/240-
4- 4) في هامش البحار: [2] الأتوار: جمع تور (بفتح التاء) و هو إناء صغير من صفر أو حجارة كالإجانة. و كأنّ المراد هنا ما ينصب فيه الشمع.
5- 5) إذا كانت العين سوداء شديدا مع سعتها قيل لها: دعجاء و لصاحبها: أدعج.
6- 6) قال الجزري: «شثن الكفّين و القدمين» أي إنّهما يميلان إلى الغلظ و القصر و قيل: هو أن يكون في أنامله غلظ بلا قصر، و يحمد ذلك في الرجال و يذمّ في النساء-النهاية ج 2/204- [3]
7- 7) الأغيد: الذي مالت عنقه و لانت أعطافه.

عنقه إبريق فضّة، أصلع، كثّ اللحية، لمنكبيه مشاش (1)كمشاش السبع الضاري، لا يبين عضده من ساعده، و قد أدمجت إدماجا، إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه، فلم يستطع أن ينفّس، شديد الساعد و اليد، إذا مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قويّ، شجاع، منصور على من لاقاه، انتهى كلام علي بن عيسى رحمه اللّه (2).

2-كتاب «الصفوة» لبعض العامّة قال: صفته كان أبيض طويلا، و يقال: لم يكن بالطويل و لا بالقصير، إلى الجف في اللحم ما هو، و يقال:

كان أسمر اللون، خفيف العارضين.

ص:395


1- 1) المشاش (بضم الميم) رؤوس العظام الليّنة. و السبع الضاري: المعتاد بالصيد لا يصبر عنه.
2- 2) كشف انغمة ج 1/75 و عنه البحار ج 35/4 ح 2-و [1]أورد صدره الخوارزمي في المناقب:12.

ص:396

الباب الخامس و الأربعون

أنّ أمير المؤمنين عليه السلام و بنيه الأئمّة عليهم السلام أفضل

الخلق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله

1-ابن بابويه قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعد الهاشمي (1)، قال حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ الهمداني قال: حدّثني أبو الفضل العبّاس بن عبد اللّه البخاري، قال: حدّثنا محمّد ابن القاسم بن إبراهيم بن عبد اللّه بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر، قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح الهرويّ، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي، و لا أكرم عليه منّي، قال عليّ عليه السلام: فقلت: يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرئيل؟ .

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين، و فضّلني على جميع النبيّين و المرسلين، و الفضل بعدي لك يا عليّ و للأئمة من بعدك، فإنّ الملائكة لخدّامنا و خدّام محبينا، يا عليّ الّذين يحملون العرش و من حوله يسبّحون بحمد ربهم، و يستغفرون للّذين

ص:397


1- 1) في العيون: [1] الهاشمي الكوفي بالكوفة سنة (354) ه.

آمنوا بولايتنا (1).

يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم، و لا حوّاء، و لا الجنّة، و لا النار، و لا السماء، و لا الأرض، و كيف لا نكون أفضل من الملائكة؟ و قد سبقناهم إلى معرفة ربّنا و تسبيحه و تهليله و تقديسه، لأنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ و جلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تحميده، ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون، و أنّه منزّه عن صفاتنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأئننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ اللّه و انّا عبيد و لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلاّ اللّه.

فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا لتعلم الملائكة أنّ اللّه أكبر من أن ينال عظم المحل (2)إلاّ به فلمّا شاهدوا ما جعله اللّه لنا من العزّة و القوة، قلنا: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه (3)، لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه، فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد للّه، لتعلم الملائكة ما يحقّ (4)للّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة: الحمد للّه، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده.

ثمّ إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق آدم فأودعنا صلبه، و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكرما، و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبودية، و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون (5)؟ و أنّه لمّا عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى، و أقام مثنى مثنى ثمّ قال: تقدم يا محمّد فقلت له: يا جبرئيل أتقدّم عليك؟ فقال: نعم لأنّ

ص:398


1- 1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المؤمن: الآية:7. [1]
2- 2) في كمال الدين: «و [2]أنّه عظيم المحلّ» .
3- 3) في كمال الدين: « [3]باللّه العليّ العظيم» .
4- 4) في العيون: « [4]ما يستحقّ للّه تعالى» .
5- 5) إشارة إلى ما في سورة الحجر الآية 30 و [5]غيرها من السور.

اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين و فضّلك (1)خاصة، فتقدّمت فصليت بهم و لا فخر.

فلمّا انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدّم يا محمّد، و تخلّف عنّي فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمّد إنّ انتهاء حدّي الّذي وضعني اللّه عزّ و جلّ فيه إلى هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربّي جلّ جلاله فزخّ (2)بي في النور زخّة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه من علوّ ملكه، فنوديت يا محمّد، فقلت: لبيك ربي و سعديك تباركت و تعاليت فنوديت: يا محمّد أنت عبدي و أنا ربّك فإيّاي فاعبد، و عليّ فتوكل، فإنّك نوري في عبادي، و رسولي إلى خلقي، و حجّتي على بريتي، لك و لمن اتّبعك خلقت جنّتي، و لمن خالفك خلقت ناري، و لأوصيائك أوجبت كرامتي، و لشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا ربّ و من أوصيائي؟ فنوديت يا محمّد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت و أنا بين يدي ربّي جلّ جلاله إلى ساق العرش فرأيت أثنى عشر نورا، في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي أوّلهم: عليّ بن أبي طالب، و آخرهم مهديّ أمّتي.

فقلت: يا ربّ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمّد هؤلاء أوليائي و أحبّائي و أصفيائي و حججي بعدك على بريّتي، و هم أوصياؤك و خلفاؤك و خير خلقي بعدك، و عزّتي و جلالي لأظهرنّ بهم ديني، و لأعلينّ بهم كلمتي، و لأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، و لأمكّننّه مشارق الأرض و مغاربها، و لأسخّرنّ له الرياح، و لأذلّلنّ له السحاب الصعاب، و لأرقينّه في الأسباب، و لأنصرنّه بجندي، و لأمدّنّه بملائكتي حتّى تعلو دعوتي، و يجمع الخلق على

ص:399


1- 1) و في نسخة: «و فضّلك يا محمّد خاصّة» .
2- 2) زخّ (بالزاي و الخاء المعجمة) الجمر: برق شديدا. زخّ الحادي بالإبل: سار بها سيرا عنيفا. و في العلل [1]المطبوع: «فزجّ بي» زجّ بالشيء (بالجيم) : رمى به. و في بعض النسخ: «فرجّ بي» (بالراء المهملة و الجيم) : حركني و حزّني.

توحيدي، ثم لأديمنّ ملكه، و لأداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة (1).

2-ابن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر ابن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش (2)، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم ابن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في مرضته الّتي توفّي فيها، و دخلت فاطمة عليها السلام و رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول اللّه أخشى على نفسي و ولدي الضيعة بعدك، فاغر ورقت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالبكاء.

ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدّنيا و أنّه حتم الفناء على جميع خلقه، و أنّ اللّه تبارك و تعالى اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني من خلقه و جعلني نبيّا، ثم اطّلع (3)اطّلاعة ثانية فاختار منها زوجك، و أوحي إليّ أن أزوّجك إيّاه، و أن أتّخذه وليّا و وزيرا، و أن أجعله خليفتي في امّتي فأبوك خير أنبياء اللّه و رسله، و بعلك خير الأوصياء، و أنت أوّل من يلحق بي من أهلي.

ثمّ اطّلع إلى الأرض ثالثة فاختارك و ولديك، و أنت سيّدة نساء أهل الجنّة و ابناك حسن و حسين سيّدا شباب أهل الجنّة، و أنا و بعلك و أوصيائي إلى يوم القيامة كلّهم هادون مهديّون، أوّل الأوصياء بعدي أخي عليّ، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، و ليس في الجنة درجة أقرب إلى

ص:400


1- 1) علل الشرائع:5 و [1]عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 باب 26 ح 22-و [2]كمال الدين:254- و [3]تقدّم الحديث في الباب الأول ح 1 و له تخريجات ذكرناها هناك.
2- 2) أبان بن أبي عيّاش فيروز التابعي: عدّ من أصحاب السجاد و الباقر و الصادق عليهم السلام.
3- 3) في المصدر: «اطّلع إلى الأرض اطلاعة» .

اللّه من درجتي و درجة أخي، أما تعلمين يا بنتي (1)أنّ من كرامة اللّه إيّاك أن زوّجك خير أمّتي و خير أهل بيتي، و أقدمهم سلما، و أعظمهم حلما، و أكثرهم علما، فاستبشرت فاطمة عليها السلام و فرحت بما قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم

ثم قال: يا بنيّة إنّ لبعلك مناقب؛ إيمانه باللّه و رسوله قبل كلّ أحد، لم يسبقه إلى ذلك أحد من أمّتي، و علمه بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي، فليس أحد من أمّتي يعلم جميع علمي غير عليّ عليه السلام.

و إنّ اللّه عزّ و جلّ علّمني علما لا يعلمه غيره، و علّم ملائكته و رسله علما، فكلّما علمه ملائكته و رسله فأنا أعلمه، و أمرني اللّه أن أعلّمه إيّاه ففعلت، فليس لأحد من أمّتي يعلم جميع علمي و فهمي و حكمتي غيره، و إنّك يا بنيّة زوجته، و ابناه سبطاي حسن و حسين، و هما سبطا أمّتي و أمره بالمعروف، و نهيه عن المنكر فإن اللّه عزّ و جلّ آتاه الحكمة و فصل الخطاب.

يا بنيّة إنّا أهل بيت أعطانا اللّه عزّ و جلّ ستّ خصال لم يعطها أحدا من الأوّلين كان قبلكم، و لا يعطها أحدا من الآخرين غيرنا، نبيّنا سيّد الأنبياء و المرسلين و هو أبوك، و وصيّنا سيّد الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا سيّد الشهداء و هو حمزة بن عبد المطّلب، و هو عمّ أبيك، قالت: يا رسول اللّه هو سيّد الشهداء الّذين قتلوا معك (2)؟ قال: لا، بل سيّد شهداء الأوّلين و الآخرين ما خلا الأنبياء و الأوصياء، و جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيّار في الجنّة مع الملائكة، و ابناك حسن و حسين سبطا أمتي و سيّدا شباب أهل الجنّة.

و منّا و الّذي نفسي بيده مهديّ هذه الأمّة الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، قالت: و أيّ هؤلاء الّذين سمّيتهم أفضل؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: عليّ بعدي أفضل أمّتي، و حمزة و جعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ

ص:401


1- 1) في المصدر: «يا بنيّة» .
2- 2) في المصدر: «قتلوا معه» .

و بعدك و بعد ابنيّ و سبطيّ حسن و حسين و بعد الأوصياء من ولد ابني هذا، - و أشار بيده إلى الحسين-، منهم المهديّ عليه السلام.

و إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدّنيا، ثم نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليها و إلى بعلها و إلى ابنيها فقال: يا سلمان أشهد اللّه أنّي سلم لمن سالمهم، و حرب لمن حاربهم، أما إنّهم في الجنّة معي.

ثم أقبل على عليّ عليه السلام فقال: يا أخي أنت ستبقى بعدي، و ستلقى من قريش شدّة، و من تظاهرهم عليك و ظلمهم، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم، و قاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر و كفّ يدك و لا تلق بها إلى التهلكة، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى، و لك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه، و كادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش و تظاهرهم عليك، فإنّك بمنزلة هارون و من تبعه، و هم بمنزلة العجل و من تبعه، يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالى قد قضى الفرقة و الاختلاف على هذه الأمّة، فلو شاء اللّه لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة، و لا ينازع في شيء من أمره، و لا يجحد المفضول لذوي الفضل فضله، و لو شاء اللّه لعجّل النقمة، و كان منه التغيير حتى يكذّب الظالم، و يعلم الحقّ إلى مصيره، و لكنه جعل الدنيا دار الأعمال، و جعل الآخرة دار القرار، لِيَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (1)فقال عليه السلام: الحمد للّه شكرا على نعمائه و صبرا على بلائه (2).

3-الشيخ في «أماليه» قال أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال:

حدّثنا الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة (3)قال: حدّثنا أبو القاسم نصر

ص:402


1- 1) النجم:31. [1]
2- 2) كمال الدين:262 ح 10-و [2]عنه البحار ج 28/52 ح 21 و [3]عن سليم بن قيس:69.
3- 3) هو الحسن بن حمزة بن علي بن عبد اللّه بن محمد بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين السجّاد عليهما السلام المعروف بالمرعشي الطبري كان من وجوه السادة، ذكره علماء الرجال و أثنوا عليه بكلّ جميل، توفّي سنة (358) ه.

ابن الحسن الوراميني قال: حدّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي، قال: حدّثنا محمّد بن الوليد المعروف بشاب الصيرفي مولى بني هاشم، قال: حدّثنا سعيد الأعرج، قال: دخلت أنا و سليمان بن خالد (1)على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام، فابتدأني فقال: يا سليمان ما جاء عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يؤخذ به، و ما نهى عنه ينتهى عنه، جرى له من الفضل ما جرى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لرسوله الفضل على جميع من خلق اللّه.

العائب على أمير المؤمنين عليه السلام في شيء كالعائب على اللّه عزّ و جلّ و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و الرادّ عليه في صغير أو كبير على حدّ الشرك باللّه كان أمير المؤمنين عليه السلام باب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه، و سبيله الّذي من تمسّك بغيره هلك، كذلك جرى حكم الأئمة عليهم السلام بعده واحد بعد واحد، جعلهم اللّه أركان الأرض، و هم الحجّة البالغة على من فوق الأرض و من تحت الثرى، أما علمت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار، و أنا الصادق (2)الأكبر، و أنا صاحب العصا و الميسم (3)و لقد أقر لي جميع الملائكة و الروح بمثل ما أقرّوا لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لقد حملت (4)مثل حمولة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي حمولة الرّب، و أنّ محمّدا

ص:403


1- 1) سليمان بن خالد: أبو الربيع الهلالي الأقطع، خرج مع زيد فقطعت اصبعه لم يخرج من أصحاب الباقر عليه السلام معه غيره. روى عن الباقر و الصادق عليهما السلام-جامع الرواة ج 1/377- [1]
2- 2) في البحار: «و [2]أنا الفاروق الأكبر» .
3- 3) قال المجلسي في بيان الحديث: قوله: «صاحب العصا و الميسم» فسيأتي أنّه عليه السلام الدابّة الّذي ذكره اللّه في القرآن يظهر قبل قيام الساعة، معه عصا موسى و خاتم سليمان يسم بها وجوه المؤمنين و الكافرين ليتميّزوا.
4- 4) قوله عليه السلام: «و قد [3] حملت» أي حملني اللّه من [4] العلم و الإيمان و الكمالات أو تكليف هداية الخلق و تبليغ الرسالات و تحمّل المشاقّ مثل ما حمّل محمّدا صلى اللّه عليه و آله. و في بعض النسخ: «و لقد حملت عليّ مثل حمولته» فيمكن أن يقرأ «حمّلت» على صيغة المجهول المتكلم،

يدعى فيكسي، و يستنطق فينطق، و أدعى فأكسي و أستنطق فأنطق، و لقد أعطيت خصالا لم يعطها أحد قبلي، علمت البلايا و القضايا و فصل الخطاب (1)

4-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، قال: أخبرني شهردار (2)إجازة، أخبرني عبدوس كتابة، أخبرني أبو طالب (3)، حدّثني ابن مردويه، حدّثني أحمد بن محمّد بن عاصم (4)، حدّثني عمران بن عبد الرحيم (5)، حدّثني أبو الصلت الهرويّ، حدّثني الحسين بن الحسن الأشقر (6)، حدّثني قيس، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرض مرضة فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلمّا رأت ما برسول اللّه من الجهد و التعب و الضّعف استعبرت، فبكت حتّى سالت دموعها على خدّيها.

فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة إنّ لكرامة اللّه تعالى إيّاك زوّجتك من أقدمهم سلما، و أكثرهم علما، و أعظمهم حلما، إنّ اللّه تعالى اطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختارني منهم، فبعثني نبيّا مرسلا، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحى إليّ أن أزوّجه إيّاك 7و أتّخذه وصيّا و أخا 8.

ص:404


1- 1) أمالي الطوسي ج 1/208-و عنه البحار ج 25/352 ح 1.
2- 2) شهردار: بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمذاني المتوفى سنة (558) ه-شذرات الذهب ج 4/182-
3- 3) أبو طالب الفضل بن محمّد الشريف الجعفري الأصفهاني.
4- 4) أحمد بن محمد بن أحمد عاصم بن طلحة أبو عبد اللّه العاصمي الكوفي البغدادي ذكره النجاشي و الشيخ.
5- 5) عمران بن عبد الرحيم: بن أبي الورد المتوفى سنة (271) ه-دائرة الأعلمي-
6- 6) الحسين بن الحسن الأشقر: الفزاري الكوفي روى عن قيس الأسدي الكوفي.

و حديث الإطّلاعة في عدّة أسانيد مذكورة في كتاب «الإنصاف» (1)في النّص على الأئمة الإثني عشر صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ص:405


1- 1) من كتب المصنف فرغ منه (1098) .

ص:406

الباب السادس و الأربعون

انه عليه السلام خير البرية من طرق الخاصة و العامة و هو من الباب

الأول

1-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا أحمد، يعني بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني، قال: حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري، قال: حدّثنا إبراهيم (1)بن جعفر بن عبد اللّه بن محمّد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنّا عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: و الّذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

ثمّ قال: إنّه أوّلكم إيمانا معي، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقومكم بأمر اللّه، و أعدلكم في الرعية، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة، قال:

فنزلت: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (2)قال: فكان أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أقبل عليّ عليه السلام قالوا: قد جاء خير البريّة (3).

ص:407


1- 1) إبراهيم بن جعفر بن عبد اللّه بن محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة توفي سنة (191) -ثقات ابن حبّان ج 8/62-
2- 2) البينة:7. [1]
3- 3) أمالي الطوسي ج 1/257-و [2]عنه البحار ج 38/5 ح 5-و [3]البرهان ج 4/491 ح 6. [4]

2-محمّد بن العبّاس بن ماهيار، المعروف بابن الجحام الثقة، في تفسيره «فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام» عن أحمد بن الهيثم (1)، عن الحسن بن عبد الواحد، عن حسن بن حسين، عن يحيى بن مساور، عن إسماعيل بن زياد، عن إبراهيم بن مهاجر (2)، عن يزيد بن شراحيل (3)كاتب عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت عليّا عليه السلام يقول: حدّثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا مسنده إلى صدري، و عائشة من أذني (4)، فأصغت عائشة لتسمع إلى ما يقول، فقال: أي أخي ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (5)؟ ثم التفت إليّ فقال: أنت يا عليّ و شيعتك موعدي و موعدكم الحوض إذا جئت بالأمم تدعون غرّا محجّلين، متوّجين، شباعا مرويّين (6).

3-و عنه، عن أحمد بن هوذة (7)، عن إبراهيم بن إسحاق (8)، عن عبد اللّه بن حمّاد (9)، عن عمرو بن شمر، عن أبي مخنف (10)، عن يعقوب بن ميثم، أنّه وجد في كتب أبيه أنّ عليا عليه السلام قال: سمعت رسول اللّه

ص:408


1- 1) يحتمل أنّه أحمد بن الهيثم بن إبراهيم أبو علي الخطاب الشوكي البغدادي المتوفى سنة (308) ذكره الخطيب في تاريخ بغداد و وثقه.
2- 2) يحتمل أنّه إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي التابعي، وثّقه ابن سعد.
3- 3) زيد (أو يزيد) بن شراحيل الأنصاري كان ممّن شهد لعليّ عليه السلام بحديث الغدير. [1]
4- 4) في المصدر: «عند أذني» .
5- 5) البيّنة:7. [2]
6- 6) تأويل الآيات ج 2/831 ح 3 و عنه البحار ج 23/389 ح 99 و [3]ج 68/53 ح 95 و البرهان ج 4/489 ح 1. [4]
7- 7) هو أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي المعروف بابن أبي هراسة، و يلقّب أبوه هوذة، توفي سنة (333) ه بالنهروان.
8- 8) إبراهيم بن إسحاق: الأحمري النهاوندي، سمع منه القاسم بن محمد الهمداني سنة (269) ه.
9- 9) عبد اللّه بن حمّاد: الأنصاري، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام، و عدّه النجاشي من شيوخ أصحابنا-رجال النجاشي ج 2/15-
10- 10) أبو مخنف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي الكوفي المتوفى سنة (157) ه-إرشاد الأديب ج 6/220-

صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (1)ثمّ التفت إليّ فقال: أنت يا عليّ و شيعتك، و ميعادك و ميعادهم الحوض، تأتون غرّا محجلين متوّجين.

قال يعقوب: فحدّثت به أبا جعفر عليه السلام فقال: هكذا هو عندنا في كتاب عليّ صلوات اللّه عليه و آله (2).

4-و عنه، عن أحمد بن (3)محمّد الورّاق، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن أبي عبد اللّه، عن مصعب (4)بن سلاّم، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة عليها السلام: يا بنيّة بأبي أنت و أمّي أرسلي إلى بعلك فادعيه لي، فقالت فاطمة للحسن عليه السلام: انطلق إلى أبيك فقل له: إن جدي يدعوك، فانطلق إليه الحسن فدعاه، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتّى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة عنده، و هي تقول: و اكرباه لكربك يا أبتاه.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لا كرب على أبيك بعد هذا اليوم يا فاطمة، إنّ النبي لا يشقّ عليه الجيب، و لا يخمش عليه الوجه، و لا يدعى عليه بالويل، و لكن قولي كما قال أبوك على ابنه إبراهيم: العين تدمع و قد يوجع القلب و لا نقول ما يسخط الرب، و أنا بك يا إبراهيم لمحزون، و لو عاش إبراهيم لكان نبيّا، ثم قال: يا عليّ ادن منّي، فدنا منه، فقال: ادخل أذنك في فمي، ففعل، فقال: يا أخي ألم تسمع يقول اللّه عزّ و جلّ في كتابه:

ص:409


1- 1) البينة:7. [1]
2- 2) تأويل الآيات ج 2/831 ح 4-و عنه البحار ج 33/390 ح 100 و [2]ج 68/53 ح 96- و البرهان ج 4/490 ح 2-و [3]في البحار ج 27/130 ح 121 [4] عن المحتضر نقلا عن التأويل.
3- 3) أحمد بن محمد بن عبد اللّه الورّاق أبو الطيّب، له أحاديث جيّدة في طرق أصحابنا الإماميّة و استفيد تشيعه من عدّة أحاديث-الجامع في الرجال:173- [5]
4- 4) مصعب بن سلاّم: التميمي الكوفي ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام برقم (595) .

إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (1)؟ قال: بلى يا رسول اللّه، فقال: هم أنت و شيعتك، تجيئون غرّا محجّلين شباعا مرويين، ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ اَلْبَرِيَّةِ (2)؟ قال: بلى يا رسول اللّه، قال: هم أعداؤك و شيعتهم، يجيئون يوم القيامة مسودّة وجوههم، ظماء مظمئين، أشقياء معذّبين، كفّارا منافقين، ذاك لك و لشيعتك، و هذا لعدوك و شيعتهم (3).

5-و عنه، عن جعفر بن محمد الحسني (4)و محمد بن أحمد الكاتب، قالا: حدّثنا محمد بن عليّ بن خلف، عن أحمد بن عبد اللّه، عن معاوية (5)بن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جدّه، أنّ عليا عليه السلام قال لأهل الشورى: أنشدكم باللّه هل تعلمون يوم أتيتكم، و أنتم جلوس مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: هذا أخي قد أتاكم، ثم التفت إلى الكعبة قال: و رب الكعبة المبنيّة إنّ هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة؟

ثم أقبل عليكم و قال: أما إنّه أولكم إيمانا، و أقومكم بأمر اللّه، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقضاكم بحكم اللّه، و أعدلكم في الرعية، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة فأنزل اللّه سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (6)فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كبّرتم، و هنّأتموني بأجمعكم، فهل تعلمون أنّ ذلك كذلك؟ قالوا: اللّهمّ

ص:410


1- 1) البينة:7. [1]
2- 2) البيّنة:6. [2]
3- 3) تأويل الآيات ج 2/832 ح 5 و عنه البحار ج 24/263 ح 22 و [3]ج 68/54 ح 97-و البرهان ج 4/490 ح 3. [4]
4- 4) جعفر بن محمد الحسني: بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام كان حيّا في سنة (307) ه.
5- 5) معاوية بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي رافع المدني عدّ من أصحاب الصادق عليه السلام.
6- 6) البينة:7. [5]

نعم (1).

6-و من طريق المخالفين أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، و هو من أعيان المخالفين في كتابه المعمول في فضائل عليّ عليه السلام قال: أنبأني أبو العلا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الأشعثي، أخبرنا أبو القاسم (2)إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الجرجاني ببغداد، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أخبرنا أبو أحمد عبد اللّه بن عديّ الحافظ، حدّثنا الحسن بن علي الأهوازي، حدّثنا معمر بن سهل، حدّثني أبو سمرة أحمد بن سالم (3)حدّثني شريك، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «عليّ خير البريّة» (4).

7-و عنه قال: أنبأني سيّد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليّ من همدان، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني كتابة، حدّثنا أبو الحسن (5)محمد بن أحمد البزّاز ببغداد، حدّثنا القاضي أبو عبد اللّه الحسين بن هارون بن محمد الضبيّ (6)، حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، أن محمّد بن أحمد القطواني (7)قال: حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري، حدّثنا إبراهيم بن

ص:411


1- 1) تأويل الآيات ج 2/833 ح 6-و عنه البحار [1]ج 35/346 ح 21 و ج 68/55 ح 98-و تفسير البرهان ج 4/490 ح 4. [2]
2- 2) أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني المتوفى سنة (477) ه-العبر ج 3/286- [3]
3- 3) أبو سمرة الكوفي: أحمد بن سالم بن خالد بن جابر بن سمرة.
4- 4) مناقب الخوارزمي:61 و عنه كشف الغمة ج 1/152-و [4]أخرجه في البحار ج 38/9 [5]عن المناقب لابن شهر اشوب ج 3/69. [6]
5- 5) أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق البزّاز البغدادي المتوفى سنة (417) .
6- 6) القاضي أبو عبد اللّه الحسين بن هارون البغدادي الكوفي المتوفى سنة (398) -تاريخ بغداد ج 8/146- [7]
7- 7) في المصدر: «محمد بن أحمد الغطريف» . و على أيّ حال لم أظفر على ترجمة له و لا لتاليه: «إبراهيم بن أنس الأنصاري» .

جعفر بن عبد اللّه بن محمّد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنّا عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل عليّ بن أبي طالب (رض) ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده.

ثم قال: و الّذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنّه أوّلكم إيمانا معي، و أوفاكم بعهد اللّه، و أقومكم بأمر اللّه، و أعدلكم في الرعية، و أقسمكم بالسويّة، و أعظمكم عند اللّه مزيّة.

قال: في ذلك الوقت نزلت فيه: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (1)قال: و كان أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا أقبل عليّ عليه السلام قالوا: قد جاء خير البريّة (2).

ص:412


1- 1) البيّنة:7. [1]
2- 2) مناقب الخوارزمي:62-و عنه كشف الغمّة ج 1/152-و [2]أخرج ذيله في البحار ج 38/9 [3]عن مناقب ابن شهر اشوب ج 3/69. [4]

الباب السابع و الأربعون

في حسن خلقه و إكرام الضيف و الحياء و غير ذلك

1-محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: دخل رجلان على أمير المؤمنين عليه السلام فألقى لكلّ واحد منهما وسادة، فقعد عليها أحدهما و أبى الآخر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اقعد عليها، فإنّه لا يأبى الكرامة إلاّ حمار، ثم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (1).

2-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صاحب رجلا ذميّا فقال له الذمي: أين تريد يا عبد اللّه فقال:

أريد الكوفة، فلمّا عدل الطّريق بالذمي عدل معه أمير المؤمنين عليه السلام فقال الذّمي: ألست زعمت أنّك تريد الكوفة؟ فقال له: بلى، فقال له الذمي:

فقد تركت الطريق؟ فقال له: قد علمت ذلك، قال: فلم عدلت معي و قد علمت ذلك؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، و كذلك أمرنا نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم،

ص:413


1- 1) الكافي ج 2/659 ح 1-و [1]عنه البحار ج 41/53 ح 6 و [2]الوسائل ج 8/369 ح 3. [3]

فقال له الذّمي: هكذا قال؟ قال: نعم، قال الذّمي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك أنّي على دينك و رجع الذّمي مع أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا عرفه أسلم (1).

3-و عنه، عن عليّ بن إبراهيم، بإسناد له ذكره عن الحارث الهمداني، قال: سامرت (2)أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين عرضت لي حاجة، قال: فرأيتني لها أهلا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: جزاك اللّه عنّي خيرا، ثمّ قام إلى السراج فأغشاها و جلس، ثم قال: إنّما أغشيت السراج لئلاّ أرى ذلّ حاجتك في وجهك، فتكلّم، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: الحوائج أمانة من اللّه في صدور العباد، فمن كتمها كتبت له عبادة، و من أفشاها كان حقّا على من سمعها أن يعينه (3)(4).

4-الشيخ في «التهذيب» بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسى العبيدي، عن الحسن (5)بن علي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا أراد قضاء الحاجة وقف على باب المذهب (6)ثم التفت يمينا و شمالا إلى ملكيه فيقول: أميطاعنّي (7)فلكما اللّه عليّ ألاّ أحدث حدثا حتّى أخرج إليكما (8).

ص:414


1- 1) الكافي ج 2/670 ح 5-و [1]عنه البحار ج 41/53 ح 5 و [2]الوسائل ج 8/493 ح 1 و [3]عن قرب الإسناد:7. [4]
2- 2) سامرت: حادثت ليلا.
3- 3) في المصدر: «يعنيه» (بتقديم النون على الياء) أي يكفيه.
4- 4) الكافي ج 4/24 ح 4-و [5]عنه البحار ج 41/36 ح 13 و [6]الوسائل ج 6/319 ح 3. [7]
5- 5) الظاهر أنّه الحسن بن علي بن يقطين بن موسى كان من الفقهاء الثقات و المتكلمين روى عن أبي الحسن موسى و الرضا عليهما السلام.
6- 6) المذهب: يعني بيت الخلاء.
7- 7) أميطا عنّي: اذهبا عنّي و ابعدا و خليّا عني و اتركاني و نفسي.
8- 8) التهذيب ج 1/351 ح 3 و عنه البحار ج 38/69 ح 7 و [8]أورده في الفقيه ج 1/23 ح 39.

5-و عنه في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال:

أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن سعيد، قال: حدّثني الزبير بن بكّار، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، قال: كان عمرو بن العاص يقول: إنّ في عليّ دعابة، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: زعم ابن النابغة (1)أنّي تلعابة (2)مزّاحة ذو دعابة أعافس (3)و أمارس، هيهات يمنع من العفاس و المراس ذكر الموت و خوف البعث و الحساب، و من كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ و زاجر، أما و شرّ القول الكذب، إنّه ليحدّث فيكذب، و يعد فيخلف، فإذا كان يوم البأس فأيّ زاجر و آمر هو ما لم يأخذ السيوف هام الرجال (4)؟ فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم (5)إسته (6).

6-و من طريق المخالفين ما رواه في مسند أحمد بن حنبل، رواه عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا وكيع، قال:

حدّثنا عليّ بن صالح (7)، عن أبيه، عن سعيد بن عمرو القرشي (8)، عن

ص:415


1- 1) النابغة: المشهورة فيما لا يليق بالنساء، من نبغ إذا ظهر.
2- 2) تلعابة (بكسر التاء) كثير اللعب.
3- 3) المعافسة و الممارسة: معالجة النساء بالمغازلة.
4- 4) أي إنّه في الحرب زاجر و آمر عظيم، محرّض حاثّ ما لم تأخذ السيوف مآخذها فعند ذلك يجبن.
5- 5) في نهج البلاغة: « [1]فإذا كان كذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبّته» و السبّة (بضم السين و فتحها و تشديد الباء الموحدة) : الإست، تقريع له بفعلته المشهورة يوم صفّين و القرم (بفتح القاف) : السيّد. العظيم، تشبيها بالقرم من الإبل لعظم شأنه.
6- 6) أمالي الطوسي ج 1/131 و [2]عنه البحار 33/223 ح 511. و [3]رواه الرضي قدّس سرّه في نهج البلاغة الخطبة (82) و ابن قتيبة في عيون الأخبار ج 3/10 و [4]ابن عبد ربّه في العقد الفريد ج 2/287 و [5]أبو حيان التوحيدي في الإمتاع و المؤانسة ج 3/183 و [6]البيهقي في المحاسن و المساوىء:54 و [7]البلاذري في أنساب الأشراف:145 و 151 [8] بتفاوت يسير.
7- 7) علي بن صالح بن صالح بن حيّ الهمداني الثوري له ترجمة في «الجرح و التعديل» للرازي ج 6/190، نقل توثيقه عن أحمد بن حنبل و يحيى بن معين.
8- 8) سعيد بن عمرو: بن سعيد بن العاص أبو عنبسة الأموي الكوفي التابعي المتوفى سنة (120) ه وثقه أبو زرعة و النسائي و أبو حاتم-التهذيب ج 4/68-

عبد اللّه بن عيّاش (1)، قال: قلت له: أخبرنا عن هذا الرجل، يعني عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: إنّ لنا أخطارا و أحسابا، و نحن نكره أن نقول:

ما يقول بنو عمّنا: قال: كان عليّ عليه السلام رجلا تلعابة يعني مزّاحا، قال: و كان إذا قرع قرع إلى ضرس من حديد، قال: قلت: و ما ضرس حديد؟ قال: قراءة القرآن، و فقه في الدين، و شجاعة، و سماحة (2).

ص:416


1- 1) عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي التابعي المدني المقتول بسجستان سنة (48) ه.
2- 2) فضائل الصحابة لابن حنبل ج 2/576 و [1]عنه العمدة لابن بطريق:263 ح 414 و الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج 3/255- [2]

الباب الثامن و الأربعون

في المفردات

1-محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة (1)و كان الرّجل ممّن يرجو نوافله و يؤمّل نائله و رفده، و كان لا يسأل عليّا عليه السلام و لا غيره شيئا، فقال رجل لأمير المؤمنين: و اللّه ما سألك فلان، و لقد كان يجزيه من الخمسة الأوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا كثّر اللّه في المؤمنين ضربك، أعطي أنا و تبخل أنت للّه أنت إذا أنا لم أعط الّذي يرجوني إلاّ بعد المسألة ثمّ أعطيه بعد المسألة فلم أعطه ثمن ما أخذت منه، و ذلك لأنّي عرضته أن يبذل لي وجهه الّذي يعفره في التراب لربّي و ربّه عند تعبّده له و طلب حوائجه إليه

فمن فعل هذا بأخيه المسلم و قد عرف أنّه موضع لصلته و معروفه فلم يصدق اللّه في دعائه له، حيث يتمنّى له الجنّة بلسانه و يبخل عليه بالحطام من ماله، و ذلك أنّ العبد قد يقول في دعائه: اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنّة فما أنصف من فعل هذا بالقول و لم

ص:417


1- 1) البغيبغة (ببائين موحّدتين و غينين معجمتين و في الوسط ياء مثنّاة) : ضيعة أو عين بالمدينة غريزة كثيرة النخل.

يحققه بالفعل (1).

2-و عنه عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام بدهن و قد كان ادّهن فادّهن و قال إنّا لا نردّ الطيب (2).

3-و عنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن مرازم بن حكيم، عمّن رفعه إليه، قال: إن حارثا الأعور أتى أمير المؤمنين عليه السلام و قال: يا أمير المؤمنين أحبّ أن تكرمني بأن تأكل عندي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: على أن لا تتكلّف لي شيئا و دخل، فأتاه الحارث بكسرة، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يأكل، فقال له الحارث: إنّ معي دراهم، و أظهرها فإذا هي في كمّه، فإن أذنت لي اشتريت لك شيئا غيرها، فقال لي أمير المؤمنين عليه السلام: هذه ممّا في بيتك (3).

4-و عنه، عن جماعة، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن حفص الأعور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان عليّ صلوات اللّه عليه إذا سجد يتخوّى (4)كما يتخوّى البعير الضامر، يعني بروكه (5).

5-و عنه، عن محمّد بن إسماعيل (6)، عن الفضل بن شاذان، عن

ص:418


1- 1) الكافي ج 4/22 ح 1-و [1]عنه البحار ج 1/35 ح 12-و [2]الوسائل ج 6/318 ح 1. [3]
2- 2) الكافي ج 6/512 ح 2-و [4]عنه الوسائل ج 1/444 ح 2. [5]
3- 3) الكافي ج 6/276 ح 4 و [6]عنه الوسائل ج 16/432 ح 1 و [7]عن المحاسن:415 ح 169 و [8]أخرجه في البحار ج 75/454 ح 18 [9]عن المحاسن. [10]
4- 4) كذا في النسخ من باب التفعّل، و المضبوط في اللغة من باب التفعيل، قال في «المصباح» : خوّى الرجل في سجوده: رفع بطنه من الأرض، و قيل: جافى عضديه، و في القاموس: خوّى في سجوده تخوية: تجافى و فرّج ما بين عضديه و جنبيه. و الضامر: الهضيم البطن و اللطيف الجسم.
5- 5) الكافي ج 3/321 ح 2 و [11]عنه الوسائل ج 4/953 ح 1 و [12]عن التهذيب ج 2/79 ح 64.
6- 6) هو محمد بن إسماعيل أبو الحسن البندقي النيشابوري.

حمّاد بن عيسى، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه قال:

كان عليّ عليه السلام إذا هاله شيء فزع إلى الصلاة ثمّ تلا هذه الآية:

وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاةِ 1 (1).

6-الشيخ في «أماليه» أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو أحمد عبيد اللّه بن الحسين بن إبراهيم العلويّ النصيبيّ رحمه اللّه ببغداد، قال: سمعت جدي إبراهيم بن عليّ، يحدّث عن أبيه عليّ بن عبد اللّه، قال:

حدّثني شيخان برّان من أهلنا سيّدان عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه.

و حدّثنيه الحسين بن زيد بن عليّ ذو الدمعة، قال: حدّثني عمّي عمر (2)بن عليّ قال: حدثني أخي محمّد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه الحسين صلوات اللّه عليهم.

قال أبو جعفر عليه السلام: حدّثني عبد اللّه بن العبّاس، و جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و كان بدريا أحديا شجريا، و ممن يحظّ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مودّة أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في مسجده في رهط من أصحابه فيهم: أبو بكر و أبو عبيدة، و عمر، و عثمان، و عبد الرحمن، و رجلان من قرّاء الصحابة من المهاجرين: عبد اللّه بن أمّ عبد، و من الأنصار: أبيّ بن كعب و كانا بدريين، فقرأ عبد اللّه من السّورة الّتي يذكر فيها لقمان حتّى أتى على هذه الآية:

وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً (3)الآية، و قرأ أبيّ من السّورة الّتي يذكر

ص:419


1- 2) الكافي ج 3/480 ح 1 و [1]عنه الوسائل ج 5/263 ح 1 و [2]البرهان ج 1/94 ح 3. [3]
2- 3) عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام المدني التابعي كان فاضلا جليلا ورعا متجنّبا ولي صدقات النبي صلى اللّه عليه و آله و صدقات أمير المؤمنين عليه السلام-جامع الرواة ج 1/636- [4]
3- 4) لقمان:20. [5]

فيها إبراهيم عليه السلام: وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اَللّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (1)قالوا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أيّام اللّه نعماؤه و بلائه و مثلاته سبحانه.

ثمّ أقبل صلى اللّه عليه و آله و سلّم على من شهده من الصحابة فقال: إنّي لأتخوّ لكم بالموعظة تخوّلا مخافة السأمة عليكم، و قد أوحى إليّ ربّي جلّ و تعالى أن أذكّركم بأنعمه و أنذركم بما اقتصّ (2)عليكم من كتابه، و تلى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ الآية (3).

ثم قال لهم قولوا: الآن قولكم ما أوّل نعمة رغّبكم اللّه فيها و بلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا، فذكروا نعم اللّه الّتي أنعم عليهم و أحسن إليهم من المعاش و الرّياش و الذّرية و الأزواج إلى سائر ما بلاهم اللّه عزّ و جلّ من أنعمه الظاهرة فلمّا أمسك القوم أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم على عليّ عليه السلام، فقال: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك فقال: و كيف لي بالقول فداك أبي و أمّي و إنّما هدانا اللّه بك، قال: و مع ذلك فهات قل ما أوّل نعمة بلاك اللّه عزّ و جلّ و أنعم عليك بها؟ قال: أن خلقني جلّ ثناؤه و لم أك شيئا مذكورا.

قال: صدقت فما الثانية؟ قال: أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيّا لا مواتا (4).

قال: صدقت فما الثالثة؟ قال: أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة و أعدل تركيب.

قال: صدقت فما الرابعة؟ قال: أن جعلني متفكّرا واعيا (5)لا بلها

ص:420


1- 1) إبراهيم:5. [1]
2- 2) في البحار: [2] بما أفيض.
3- 3) لقمان:20. [3]
4- 4) في المصدر: لا ميّتا.
5- 5) في المصدر: راغبا.

ساهيا.

قال: صدقت فما الخامسة؟ قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها و جعل لي سراجا منيرا.

قال: صدقت فما السّادسة؟ قال: أن هداني لدينه، و لم يضلّني عن سبيله.

قال: صدقت فما السّابعة؟ قال: أن جعل لي مردّا في حياة لا انقطاع لها.

قال: صدقت فما الثّامنة؟ قال: أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا.

قال: صدقت فما التّاسعة؟ قال: سخّر لي سمائه و أرضه و ما فيهما و ما بينهما من خلقه.

قال: صدقت فما العاشرة؟ قال: أن جعلنا سبحانه ذكرانا (1)قوّاما على حلائلنا لا إناثا.

قال: صدقت فما بعد هذا قال: كثرت نعم اللّه يا نبيّ اللّه فطابت (2)، وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اَللّهِ لا تُحْصُوها (3)فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن، و أنت وارث علمي، و المبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبّك لدينك و أخذ بسبيلك فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم، و من رغب عن هداك و أبغضك و تخلاّك لقي اللّه يوم القيامة لا خلاق له (4).

7-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر (5)الرّزاز القرشي رحمه اللّه قال: حدّثنا الحسن بن موسى

ص:421


1- 1) في المصدر: ذكرانا لا إناثا.
2- 2) في المصدر: و تلى: «و إن تعدّوا. . .» .
3- 3) إبراهيم:34 و [1]النحل:18. [2]
4- 4) أمالي الطوسي ج 2/105 و [3]عنه البحار ج 70/20 ح 17 و [4]البرهان ج 3/277 ح 4. [5]
5- 5) هو أحد رواة الحديث و مشايخ الشيعة، و له عندهم منزلة سامية، و كان الوافد عنهم إلى المدينة

الخشّاب، قال: حدّثني محمّد بن المثنّى الحضرمي (1)، عن زرعة (2)، يعني ابن محمّد الحضرمي، عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام رفعه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه عزّ و جلّ نصب عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من جهله كان ضالاّ، و من عدل بينه و بين غيره كان مشركا، و من جاء بولايته دخل الجنّة، و من جاء بعداوته دخل النّار 3.

8-و عنه، بإسناده عن الشعبيّ، عن صعصعة 4بن صوحان، قال:

عادني أمير المؤمنين عليه السلام في مرض، ثمّ قال: أنظر فلا تجعلنّ عيادتي إيّاك فخرا على قومك، و إذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه، فإنّه ليس بالرّجل غنى عن قومه، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه، و إذا رأيتهم في شرّ فلا تخذلنّهم، و ليكن تعاونكم على طاعة اللّه، فإنّكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة اللّه تعالى و تناهيتم عن معاصيه 5.

9-و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل قال: أخبرنا أبو جعفر

ص:422


1- 1) له ترجمة في «ميزان الاعتدال» ج 4/51.
2- 2) أبو محمد زرعة بن محمّد [1]الحضرمي، عدّ من أصحاب الص [2]ادق عليه السلام-جامع الرواة ج 1/329-

محمّد بن جرير الطبري، قراءة، قال: حدّثنا أبو كريب (1)محمّد بن العلاء.

و حدّثنا عبد الرحمن (2)بن أبي حاتم الرازي بالري، قال: حدّثني أبو زرعة عبيد اللّه (3)بن عبد الكريم، قال: حدّثنا عمرو (4)بن حمّاد بن طلحة القنّاد قال: حدّثنا أسباط بن نصر، عن سماك، يعني ابن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس رحمه اللّه أنّ عليا عليه السلام كان يقول في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ (5)و اللّه لا نقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، و لئن مات أو قتل قاتلت على ما قاتل عليه حتى أموت، و اللّه إنّي لأخوه و ابن عمّه و وارثه فمن أحقّ به منّي؟ (6).

10-و عنه، قال: أخبرنا الحفّار، قال: حدّثنا عبد اللّه (7)بن محمّد، قال: حدّثنا محمّد بن أبي بكر الواسطي، قال: حدّثنا أحمد (8)بن محمّد بن زيد، قال: حدّثنا حسين (9)بن حسن، قال: حدّثنا قيس (10)بن الربيع، عن أبي هاشم 11الرمّاني، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال

ص:423


1- 1) أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني: كان من الحفّاظ المحدثين بالكوفة توفّي سنة (247) ه- العبر ج 1/453- [1]
2- 2) عبد الرحمن بن أبي حاتم أبو محمد الرازي الحافظ المتوفى سنة (327) ه.
3- 3) أبو زرعة: عبيد اللّه بن عبد الكريم بن يزيد الرازي الحافظ المتوفى سنة (264) .
4- 4) عمرو بن حمّاد بن طلحة أبو محمد القنّاد الكوفي المتوفى سنة (222) ه.
5- 5) آل عمران:144. [2]
6- 6) أمالي الطوسي ج 2/116 و [3]عنه البرهان ج 1/319 ح 4. [4]
7- 7) عبد اللّه بن محمّد بن عثمان أبو محمد الحافظ الواسطي المعروف بابن السقّاء توفي سنه (373) ه-العبر ج 2/371-
8- 8) أحمد بن محمد بن زيد الخزاعي أبو جعفر المتوفى سنة (262) ه-جامع الرواة ج 1/65- [5]
9- 9) الحسين بن الحسن: الأشقر الفزاري الكوفي المتوفى سنة (208) .
10- 10) قيس بن الرّبيع أبو محمد الأسدي الحافظ الكوفي المتوفى سنة (168) ه-تذكرة الحفّاظ ج 1/226-

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى، و رأسي من بدني 1.

11-و من طريق المخالفين، ما رواه ابن المغازلي الشافعي في كتاب «مناقب» عليّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن العبّاس البزّار رفعه 2إلى إسماعيل 3بن أبي خالد، عن قيس، قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه أعلم، فقال: يا أمير المؤمنين قولك فيها أحب إليّ من قول عليّ عليه السلام فقال: بئس ما قلت، و لؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يغرّه بالعلم غرّا 4و لقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، و لقد كان عمر بن الخطّاب يسأله فيأخذ عنه، و لقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا عليّ؟

قم لا أقام اللّه رجليك، و محى اسمه من الديوان 5.

ص:424

12-الشيخ في «أماليه» قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، يعني المفيد، قال: حدّثني أبو جعفر (1)محمّد بن عثمان الصيرفيّ قال: أخبرني أبو بكر محمّد بن عبد اللّه العلاّف المعروف بالمستعين (2)، قراءة عليه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي يعقوب الدينوري، قال: حدّثنا عبد اللّه (3)بن محمّد البلوي، قال: حدّثنا عمارة (4)بن زيد، قال: حدّثني بكر بن حارثة الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد اللّه، قال: سمعت عليّا عليه السلام ينشد و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يسمع:

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي معه ربيت و سبطاه هما ولدي

جدّي و جدّ رسول اللّه منفرد و فاطم زوجتي لا قول ذي فند

فالحمد للّه شكرا لا شريك له البرّ بالعبد و الباقي بلا أمد

قال: فتبسّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: صدقت يا عليّ (5).

ص:425


1- 1) في المصدر: أبو حفص.
2- 2) في المصدر: بالمستغنى.
3- 3) عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن محفوظ البلوي أبو محمد المصري الواعظ الفقيه، منسوب إلى «بلى» قبيلة من أهل مصر، أو قبيلة من قضاعة له ترجمة في جامع الرواة ج 1/504. [1]
4- 4) عمارة بن زيد: أبو زيد الخيواني المدني حليف الأنصار، قال الأردبيلي: هذا على ما يزعمه عبد اللّه بن محمد البلوي المصري فإنّه لا يعرف إلاّ من جهته-جامع الرواة ج 1/615- [2]
5- 5) أمالي الطوسي ج 1/214-و [3]عنه البحار ج 40/29 ح 57-و [4]أخرجه في البحار ج 38/338 ح 12 [5]عن المناقب لابن شهر اشوب ج 2/187. [6]

ص:426

الباب التاسع و الأربعون

في أنه عليه السلام لم يفرّ من زحف و مصابرته في القتال

1-ابن شهر اشوب عن النطنزي (1)في «الخصائص» (2)شقيق بن سلمة (3)قال: كان عمر يمشي فالتفت إلى ورائه وعدى، فسألته عن ذلك، فقال: ويحك أما ترى الهزبر بن الهزبر (4)القثم (5)بن القثم، الفلاق للبهم (6)، الضارب على هامة من طغى و ظلم، ذا السيفين ورائي؟ فقلت:

هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: تكلتك أمّك إنّك تحقره، بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم أحد أنّ من فرّ منا فهو ضالّ، و من قتل فهو شهيد و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يضمن له الجنّة، فلمّا التقى الجمعان هزمونا. و هذا كان يحاربهم وحيدا حتى انسل نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و جبرئيل، ثم قال: عاهدتموه و خالفتموه، و رمى بقبضة رمل، و قال: شاهت الوجوه فو اللّه ما كان منا إلاّ من أصابت عينه رملة و رجعنا نمسح

ص:427


1- 1) النطنزي: محمد بن أحمد المتوفى سنة (804) ه.
2- 2) في المصدر: النطنزي في الخصائص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة.
3- 3) شقيق بن سلمة: أبو وائل الأسدي، التابعي، ترجمه ابن أبي حاتم و نقل توثيقه عن يحيى بن معين، و وكيع-الجرح و التعديل ج 4/371-
4- 4) الهزبر (بكسر الهاء و فتح الزاي) : الغليظ الضخم، و (بكسر الهاء و سكون الزاي و فتح الباء) : الأسد.
5- 5) القثم (كصرد) معدول القاثم: المعطاء.
6- 6) البهم (بضم الباء الموحدة و فتح الهاء) جمع بهمة: الشجاع.

وجوهنا قائلين: اللّه اللّه أقلنا يا أبا الحسن أقلنا أقالك اللّه، فالكرّ و الفرّ عادة العرب فاصفح، و قلّ ما أراه وحيدا إلاّ خفت منه (1).

2-تفسير عليّ بن إبراهيم، و أبان بن عثمان: أنه أصاب عليّا عليه السلام يوم أحد أحد و ستون جراحة (2).

3-تفسير القشيري قال أنس بن مالك: إنّه أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بعليّ عليه السلام و عليه نيّف و ستون جراحة، قال أبان: أمر النبي أمّ سليم (3)و أمّ عطية (4)أن تداوياه، فقالتا: قد خفنا عليه، فدخل النبيّ عليه الصلوة و السلام، و المسلمون يعودونه، و هو قرحة واحدة، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يمسحه بيده، و يقول: إن رجلا لقي هذا في اللّه لقد أبلي (5)و أعذر، و كان يلتأم.

فقال علي عليه السلام: الحمد للّه الذي لم يراني أفرّ و لم أوّل الدبر، فشكر اللّه تعالى له ذلك في موضعين من القرآن: و هو قوله: وَ سَيَجْزِي اَللّهُ اَلشّاكِرِينَ (6)وَ سَنَجْزِي اَلشّاكِرِينَ (7)(8).

4-قال ابن شهر اشوب: قد تصفّحنا كتاب المغازلي فما وجدنا لأبي بكر و عمر فيه أثرا البتّة، و قد أجمعت الأمّة أنّ عليّا كان المجاهد في سبيل اللّه

ص:428


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/116-و [1]عنه البحار ج 41/72 ح 3. [2]
2- 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/119 و [3]عنه البحار ج 41/3 [4] عن مجمع البيان ج 1/497 و تفسير القمي ج 1/116.
3- 3) أمّ سليم: الرميصاء بنت ملحان بن خالد صحابيّة توفّيت نحو سنة (30) ه و هي أم أنس خادم النبي صلى اللّه عليه و آله-الإصابة ج 4/461-
4- 4) أمّ عطية: الأنصاريّة نسيبة (مصغّرة، أو بفتح النون) الصحابيّة بنت الحارث غزوت مع النبي صلى اللّه عليه و آله سبع غزوات-الإصابة ج 4/477- [5]
5- 5) أبلي فلانا عذره: قدّمه له فقبله، أبلي في الحرب بلاء حسنا: أظهر فيها بأسه حتى بلاه الناس و امتحنوه.
6- 6) آل عمران:144. [6]
7- 7) آل عمران:145. [7]
8- 8) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/119 و [8]عنه البحار ج 41/3. [9]

و الكاشف الكرب عن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المقدّم في سائر الغزوات إذا لم يحضره النبيّ صلى اللّه عليه و آله فإذا حضر فهو تاليه، و صاحب للراية و اللواء معا، و ما كان قطّ تحت لواء أحد، و لا فرّ من زحف، و إنّهما فرّا في غير موضع، و كانا تحت لواء جماعة و وقوفه يوم حنين في وسط أربعة و عشرين ألفا، يضارب بسيفه إلى أن ظهر المدد من السماء قال: و لا إشكال في هزيمة عمر و عثمان (1).

5-و في حديث طويل أنّه قال أبو بكر لعمر: إنّ هذه الدنيا أهون على عليّ عليه السلام من لقاء أحدنا للموت، أنسيت يوم أحد؟ و قد فررنا بأجمعنا و صعدنا الجبل، و قد أحاطت به ملوك القوم، و صناديد قريش، موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم، فلمّا أن شدّ عليه القوم برماحهم نكس نفسه عن دابّته حتّى جاوزه طعان القوم، ثمّ قام في ركابه، و قد مرق عن سرجه، و هو يقول: يا اللّه يا اللّه، يا جبرئيل يا جبرئيل، يا محمّد يا محمّد، النجاة النجاة، ثمّ عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة بالسيف فبقي على فكّ و لسان.

ثمّ عمد إلى صاحب الرّاية فضربه على جمجمته، يدقّ بعضهم بعضا، و جعل يمسحهم بالسيف مسحا، حتّى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الأرض، يتجرّعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، و نحن نتوقّع منه أكثر من ذلك، و لم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته، حتّى التفت إليك التفاتة، و كان منه إليك ما تعلم، و لو لا آية في كتاب اللّه لكنّا من الهالكين، و هو قوله تعالى: وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ (2)فاترك هذا الرجل ما تركك، و لا يغرنّك خالد (3)بن الوليد أنّه يقتله، فإنّه لا يجسر على ذلك و إن رامه كان أوّل مقتول، فإنّه من ولد عبد مناف إذا هاجوا هيّبوا، و إن غضبوا أدموا، و لا سيّما

ص:429


1- 1) المناقب لابن شهر اشوب ج 2/66 و 82 و 83 و [1]عنه البحار ج 41/60. [2]
2- 2) آل عمران:125.
3- 3) خالد بن الوليد: بن المغيرة المخزومي، مات بحمص و قيل: بالمدينة سنة (21) ه.

عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّه بابها الأكبر، و سنامها الأطول، و همامها الأعظم، و شجاعها الأسبل (1).

قال: ثمّ إنّ عمر و أبا بكر أرسلا لخالد بن الوليد، و سألا أن يقتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأجابهما إلى ذلك.

و ساق الحديث، و هو مشهور، و هو مرويّ عن الصادق عليه السلام (2).

6-عليّ بن عيسى في «كشف الغمة» قال: روي عن عكرمة، قال:

سمعت عليّا عليه السلام يقول: لمّا انهزم الناس عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليفرّ، و ما رأيته في القتلى، و أظنّه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي، و قلت: لأقاتلنّ به حتّى أقتل، و حملت على القوم فأفرجوا عنّي فإذا بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قد وقع على الأرض مغشيّا عليه (3)، فقمت على رأسه فنظر إليّ.

و قال: ما فعل الناس يا عليّ؟ فقلت: كفروا يا رسول اللّه و ولّوا الدبر من العدوّ (4)و أسلموك، فنظر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لي: ردّهم (5)عنّي، فحملت عليهم أضربهم يمينا و شمالا حتّى فرّوا، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: أما تسمع مديحا (6)في السماء.

إنّ ملكا اسمه رضوان يقول (7): لا سيف إلاّ ذو الفقار-و لا فتى إلاّ عليّ

ص:430


1- 1) الاحتجاج للطبرسي:97-و [1]عنه البحار ج 8/94 ط الحجري. [2]
2- 2) الاحتجاج:94 و عنه البحار ج 8/93 ط الحجري. [3]
3- 3) في المصدر: فإذا أنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قد وقع مغشيّا عليه.
4- 4) في المصدر: و ولّوا الدبر و أسلموك.
5- 5) في المصدر: فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال: ردّهم عنّي.
6- 6) في المصدر: أما تسمع مديحك.
7- 7) في المصدر: ينادي.

فبكيت سرورا، و حمدت اللّه تعالى على نعمته.

و هذه المناداة بهذا قد نقلوها الرواة و تداولها الأخبار (1)و لم ينفرد بها الشيعة بل وافقهم على ذلك الجمّ الغفير (2)(3).

7-قال: و روي عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام عن أبيه قال: كان أصحاب اللواء (4)تسعة كلّهم قتلهم عليّ عليه السلام (5)عن آخرهم، و انهزم القوم، و بارز الحكم (6)بن الأخنس، فضربه فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها، و أقبل أميّة بن أبي حذيفة (7)و هو دارع، و هو يقول:

يوم بيوم بدر، و عرض له رجل من المسلمين فقتله أميّة فعمد (8)له عليّ عليه السلام و ضربه على هامته، فنشب السّيف في بيضته (9)، و سيفه في درقة (10)عليّ عليه السلام، فنزعا سيفهما و تناوشا (11).

قال عليّ عليه السلام و لمّا انهزم الناس و ثبت قال صلى اللّه عليه

ص:431


1- 1) في المصدر: تداولها الاخباريّون.
2- 2) راجع «تاريخ الطبري» ج 2/197 و «ميزان الاعتدال» ج 2/317-و المناقب للخوارزمي: 246 و 127 ط تبريز-و الأغاني لأبي الفرج ج 15/192 و لسان الميزان للعسقلاني ج 4/406 و مجمع الزوائد للهيثمي ج 6/114 و ذخائر العقبى للمحبّ الطبري:68. [1]
3- 3) كشف الغمة ج 1/194 [2]عن الإرشاد للمفيد:46 و [3]أخرجه في البحار ج 20/86 [4]عن الإرشاد، و [5]صدره في البحار ج 41/83 [6] عن المناقب لابن شهر اشوب ج 2/124.
4- 4) في المصدر: كان أصحاب اللّواء يوم أحد تسعة.
5- 5) في المصدر: قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
6- 6) في سيرة ابن هشام [7]في ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: و من بني زهرة بن كلاب: أبو الحكم بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف لهم، قتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام-السيرة ج 3/135.
7- 7) قال ابن هشام في السيرة: أبو أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، قتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام-السيرة ج 3/135. [8]
8- 8) في المصدر: و صمد له عليّ عليه السلام.
9- 9) البيضة: الخوذة من الحديد و هي من آلات الحرب لوقاية الرأس.
10- 10) الدرقة (بفتح الدال و الراء) : الترس من جلود ليس فيه خشب.
11- 11) تناوشا بالرماح: تطاعنا.

و آله و سلّم: مالك لا تذهب مع القوم؟ فقال عليه السلام: أذهب و أدعك يا رسول اللّه؟ و اللّه لا برحت حتى أقتل أو ينجز اللّه لك ما وعدك من النصر، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أبشر يا عليّ فإن اللّه ينجز (1)وعده و لن ينالوا منّا مثلها أبدا.

ثمّ نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال: احمل على هؤلاء يا عليّ فحملت، فقتلت منها هشام (2)بن أميّة المخزومي، و انهزموا، و أقبلت كتيبة أخرى فقال: احمل على هذه فحملت فقتلت منها عمرو بن عبد اللّه الجمحي (3)، و انهزمت أيضا، و عادت أخرى فحملت عليها فقتلت بشر بن مالك العامري، و انهزمت فلم يعد بعدها أحد، و تراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و انصرف المشركون إلى مكّة، و انصرف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى المدينة فاستقبلته فاطمة عليها السلام و معها إناء فيه ماء، فغسل به وجهه، و لحق به أمير المؤمنين عليه السلام و قد خضّب الدم يده إلى كتفه و معه ذو الفقار، فناوله فاطمة عليها السلام و قال لها: خذي هذا السيف فقد صدّقني اليوم، و قال:

أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد (4)و لا بمليم (5)

أميطي دماء الكفر عنه فإنّه سقى آل عبد الداركاس حميم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد و طاعة ربّ بالعباد عليم

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، و قتل اللّه صناديد قريش (6).

ص:432


1- 1) في المصدر: منجز وعده.
2- 2) في «السيرة» لابن هشام: هشام بن أبي أميّة بن المغيرة.
3- 3) في السيرة لابن هشام: عمرو بن عبد اللّه بن عمير بن وهب بن حذاقة بن جمح و هو أبو عزّة، قتله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صبرا-السيرة ج 3/135-
4- 4) الرعديد (بكسر الراء المهملة) : الجبان الكثير الارتعاد.
5- 5) المليم (بفتح الميم) : الّذي يلام على ما صدر منه.
6- 6) كشف الغمّة ج 1/195 [1]نقلا عن «الإرشاد» للمفيد:47 و [2]أخرجه في البحار ج 20/87 [3] عن

8-ابن بابويه قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رض) قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن محمّد بن أبي عمير جميعا عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا كان يوم أحد انهزم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتّى لم يبق معه إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام و أبو دجانة (1)سماك بن خرشة، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أبا دجانة أما ترى قومك؟ قال: بلى قال: الحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت اللّه و رسوله، قال: أنت في حلّ قال: و اللّه لا تتحدّث قريش بأنّي خذلتك و فررت، أذوق ما تذوق، فجزاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم جزاء (2).

و كان عليّ عليه السلام كلّما حملت طائفة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم استقبلهم وردّهم حتّى أكثر فيهم القتل و الجراحات حتّى انكسر سيفه، فجاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّ الرجل يقاتل بسلاحه و قد انكسر سيفي فأعطاه صلّى اللّه عليه و آله سيفه ذو الفقار فما زال يدفع به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حتى أثر و أنكر (3)، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام و قال: يا محمّد إنّ هذه لهي المواساة من عليّ لك، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله: إنّه منّي و أنا منه، فقال جبرئيل: و أنا منكما، و سمعوا دويّا من السماء: لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي (4).

9-الشيخ المفيد في «الاختصاص» في حديث سبعين منقبة لأمير المؤمنين

ص:433


1- 1) أبو دجانة: سماك بن [1]خرشة الخزرجي الصحابي المتوفى سنة (11) ه-الإصابة باب الكنى الترجمة (371) -
2- 2) في المصدر و البحار: فجزاه النبي صلى اللّه عليه و آله خيرا.
3- 3) قال المجلسي في ذيل ا [2]لحديث: قوله: «حتى أثر» [3]على بناء المجهول، أي أثّر فيه الجراحة، و «أنكر» أيضا على بناء المجهول، أي صار بحيث لم يكن يعرفه من يراه، من قولهم: أنكره إذا لم يعرفه.
4- 4) علل الشرائع:7 ح 3-و عنه البحار ج 20/70 ح 7.

عليه السلام دون الصحابة عن ابن دأب (1)و ذكر مناقب عليّ عليه السلام إلى أن قال:

ثم ترك الوهن و الاستكانة، إنّه انصرف من أحد و به ثمانون جراحة، تدخل الفتائل في موضع و تخرج من موضع، فدخل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عائدا، و هو مثل المضغة على نطع، فلمّا رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بكى، فقال له: إنّ رجلا يصيبه هذا في اللّه لحقّ على اللّه أن يفعل به و يفعل، فقال مجيبا له و بكى: بأبي أنت و أمّي الحمد للّه الّذي لم يرني ولّيت عنك و لا فررت، بأبي أنت و أمّي كيف حرمت الشهادة؟ قال: إنّها من ورائك إن شاء اللّه.

قال: فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ أبا سفيان قد أرسل موعده (2)بيننا و بينكم حمراء الأسد، فقال: بأبي أنت و أمّي و اللّه لو حملت على أيدي الرجال ما تخلّفت عنك، قال: فنزل القرآن: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اَللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اِسْتَكانُوا وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلصّابِرِينَ (3)و نزلت الآية فيه قبلها: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اَللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ اَلدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ اَلْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي اَلشّاكِرِينَ (4).

ثم ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان (5)إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما يلقى، و قالتا: يا رسول اللّه خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع إلى موضع، و كتمانه ما يجد من الألم.

ص:434


1- 1) ابن دأب: أبو الوليد عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب، كان من أهل الحجاز معاصرا لموسى الهادي العبّاسي، و كان أكثر أهل عصره أدبا و علما و معرفة بأخبار الناس و أيّامهم-الكنى و الألقاب للقمي ج 1/277- [1]
2- 2) في المصدر: موعدة.
3- 3) آل عمران:146. [2]
4- 4) آل عمران:145. [3]
5- 5) إحداهما أم عطية نسيبة الأنصارية و الثانية أمّ سلمة بنت ملحان تقدّمت ترجمتهما.

قال: فعد ما به أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات اللّه عليه (1).

ص:435


1- 1) الاختصاص:158 و عنه البحار ج 40/114 و [1]البرهان ج 1/33 ح 2. [2]

ص:436

الباب الخمسون

انّ رسول اللّه أوصى إليه عليه السلام من طرق الخاصة و العامة

1-ابن بابويه قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحق الطّالقاني (رض) قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أفضل الكلام قول لا إله إلاّ اللّه، و أفضل الخلق أوّل من قال: لا إله إلاّ اللّه، فقيل له: يا رسول اللّه و من أوّل من قال: لا إله إلاّ اللّه؟ قال: أنا، و أنا نور بين يدي اللّه جلّ جلاله أوحّده و أسبّحه و أكبّره و أقدّسه و أمجّده، و يتلوني (1)شاهد منّي.

فقيل: يا رسول اللّه و من الشّاهد منك؟ قال: عليّ بن أبي طالب أخي (2)و وصيّي و وزيري و وارثي و خليفتي و إمام أمّتي، و صاحب حوضي، و حامل لوائي، فقيل: يا رسول اللّه فمن يتلوه؟ قال: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة (3).

ص:437


1- 1) في المصدر: و يتلوني نور شاهد مني.
2- 2) في المصدر: فقال: عليّ بن أبي طالب أخي و صفيّي، و وزيري و خليفتي، و وصيّي و إمام أمّتي.
3- 3) كمال الدين للصدوق:669 ح 14 و [1]عنه البحار ج 36/263 ح 83. [2]

2-و عنه قال: حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه اللّه، قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد (1)بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عبّاس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: معاشر الناس من أحسن من اللّه قيلا و أصدق حديثا؟ معاشر الناس إنّ ربّكم جلّ جلاله أمرني أن أقيم لكم عليّا علما و إماما و خليفة و وصيّا، و أن أتّخذه أخا و وزيرا، معاشر الناس إنّ عليّا باب الهدى بعدي، و الداعي إلى ربي، و هو صالح المؤمنين، و من أحسن قولا ممّن دعا إلى اللّه و عمل صالحا و قال: إنّني من المسلمين؟

معاشر الناس إنّ عليا منّي، ولده ولدي، و هو زوج حبيبتي، أمره أمري، و نهيه نهيي، معاشر الناس عليكم بطاعته و اجتناب معصيته، فإنّ طاعته طاعتي، و معصيته معصيتي، معاشر الناس إنّ عليا صدّيق هذه الأمّة و فاروقها و محدّثها: إنّه هارونها و يوشعها، و آصفها و شمعونها، إنّه باب حطّتها، و سفينة نجاتها، إنّه طالوتها و ذو قرنيها.

معاشر الناس إنّه محنة الورى، و الحجّة العظمى، و الآية الكبرى و إمام (2)الهدى و العروة الوثقى، معاشر الناس إنّ عليا مع الحقّ و الحقّ معه، و عليّ لسانه، معاشر الناس إنّ عليّا قسيم النار، لا يدخل النار وليّ له، و لا ينجو منها عدوّ له، و إنّه قسيم الجنّة لا يدخلها عدوّ له، و لا يتزحزح (3)عنها وليّ له معاشر أصحابي قد نصحت لكم و بلّغتكم رسالة ربّي ولكن لا تحبّون الناصحين، أقول قولي هذا، و أستغفر اللّه لي و لكم (4).

3-و عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن الهيثم بن أبي مسروق

ص:438


1- 1) هو محمد بن علي الكوفي الصيرفي أبو سمينة-جامع الرواة ج 2/150- [1]
2- 2) في البحار: و [2]إمام أهل الدنيا.
3- 3) في البحار: و [3]لا يزحزح عنها.
4- 4) أمالي الصدوق:35 و [4]عنه البحار ج 38/93 ح 7. [5]

النهدي، عن الحسين (1)بن علوان، عن عمرو (2)بن ثابت، عن أبيه، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم على منبر الكوفة: أنا سيّد الوصيين، و وصيّ سيّد النبيّين، أنا إمام المسلمين، و قائد المتّقين، و وليّ المؤمنين، و زوج سيّدة نساء العالمين، أنا المتختّم باليمين، و المعفّر للجبين، أنا الّذي هاجرت الهجرتين، و بايعت البيعتين، أنا صاحب بدر و حنين، أنا الضّارب بالسيفين (3)، و الحامل على فرسين، أنا وارث علم الأوّلين، و حجة اللّه على العالمين بعد الأنبياء و محمد بن عبد اللّه خاتم النبيّين.

أهل موالاتي مرحومون، و أهل عداوتي ملعونون، و لقد كان حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كثيرا ما يقول لي: يا عليّ حبك تقوى و إيمان، و بغضك كفر و نفاق، و أنا بيت الحكمة و أنت مفتاحه، كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغضك (4).

4-و عنه، قال: حدّثنا محمد بن عليّ رحمه اللّه، عن عمّه: محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل، عن جابر بن يزيد، عن أبي الزّبير المكّي، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولا و أنزل عليّ سيّد الكتب، فقلت: إلهي و سيّدي إنّك

ص:439


1- 1) الحسين بن علوان: الكوفي روى عن الصادق عليه السلام، و عن الأعمش، و هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، و له كتاب تختلف رواياته-رجال النجاشي ج 1/161-
2- 2) عمرو بن ثابت أبي المقدام بن هرمز الكوفي الحدّاد مولى بني عجل روى عن السجّاد و الباقر و الصادق عليهم السلام توفي سنة (172) -جامع الرواة ج 1/616- [1]ميزان الاعتدال ج 3/249.
3- 3) قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه: قوله: «أنا الضارب بالسيفين» أي بسيف التنزيل في حياة الرسول صلى اللّه عليه و آله، و بسيف التأويل بعده، أو أنّه أخذ بسيفين في بعض الغزوات معا، أو سيفا بعد سيف كما كان في غزوة أحد أعطاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله ذا الفقار بعد تكسّر سيفه، أو إشارة إلى ما هو المشهور من أنّ ذا الفقار كان ذا شعبتين.
4- 4) أمالي الصدوق:31 ح 2 و [2]عنه البحار ج 39/341 ح 12. [3]

أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا تشدّ به عضده، و يصدّق به قوله، و إنّي أسألك يا سيّدي و إلهي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشدّ به عضدي فاجعل لي عليّا وزيرا و أخا، و اجعل الشجاعة في قلبه، و اكسه الهيبة على عدوّه، و هو أوّل من آمن بي و صدقني، و أوّل من وحّد اللّه معي، و إنّي سألت ذلك ربّي عزّ و جلّ فأعطانيه فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، و اسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، و زوجته الصدّيقة الكبرى ابنتي، و ابناه سيّدا شباب أهل الجنة ابناي، و هو و هما و الأئمّة من بعدهم حجج اللّه على خلقه بعد النبيين، و هم أبواب العلم، من تبعهم نجى من النار، و من اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم، لم يهب اللّه محبّتهم لعبد إلاّ أدخله اللّه الجنة (1).

5-و عنه، قال: حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: أخبرنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن (2)معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، و يستمسك بالعروة، و يعتصم بحبل اللّه المتين فليوال عليا بعدي و ليعاد عدوّه، و ليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي و أوصيائي، و حجج اللّه على الخلق بعدي، و سادة أمّتي، و قادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، و حزبي حزب اللّه، و حزب أعدائهم حزب الشيطان (3).

6-و عنه، قال: حدّثنا أحمد (4)بن محمّد، قال أخبرنا محمّد (5)بن

ص:440


1- 1) أمالي الصدوق:28 ح 5 و عنه البحار ج 38/92 ح 6. [1]
2- 2) عليّ بن معبد: ذكره الشيخ في أصحاب الهادي عليه السلام و لقبه بالبغدادي.
3- 3) أمالي الصدوق:26 ح 5 و عنه البحار ج 38/92 ح 5 و [2]في ج 23/144 ح 100 عن عيون أخبار الرضا عليه السلام:292 ح 43. [3]
4- 4) أحمد بن محمّد: هو ابن يحيى العطّار القمي كان حيّا في سنة (356) .
5- 5) محمد بن علي بن يحيى الأنصاري المعروف بابن أخي رواد كان حيّا في سنة (309) .

علي بن يحيى قال: حدّثنا أبو بكر (1)بن نافع، قال: حدّثنا أميّة (2)بن خالد قال: حدثنا حماد بن سلمة (3)، قال: حدّثنا عليّ بن (4)زيد، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ و الّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّك لأفضل الخليقة بعدي، يا عليّ أنت وصيّي، و إمام أمّتي، من أطاعك أطاعني، و من عصاك عصاني (5).

7-و عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه اللّه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: المخالف على عليّ بن أبي طالب بعدي كافر، و المشرك به مشرك، و المحبّ له مؤمن، و المبغض له منافق، و المقتفي لأثره لا حق، و المحارب له مارق، و الرادّ عليه زاهق.

عليّ نور اللّه في بلاده، و حجّته على عباده، عليّ سيف اللّه على أعدائه، و وارث علم أنبيائه، عليّ كلمة اللّه العليا، و كلمة أعدائه السفلى، عليّ سيد الأوصياء، و وصيّ سيّد الأنبياء، عليّ أمير المؤمنين، و قائد الغرّ المحجّلين، و إمام المسلمين، لا يقبل اللّه الإيمان إلاّ بولايته و طاعته (6).

8-و عنه، قال: حدّثنا أبي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عبد اللّه (7)بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن عليّ الإصفهاني، عن إبراهيم بن محمّد

ص:441


1- 1) أبو بكر بن نافع: هو محمد بن أحمد بن نافع العبدي القيسي البصري مشهور بكنيته توفي بعد سنة (240) ه-تهذيب التهذيب ج 9/23- [1]
2- 2) أميّة بن خالد: بن الأسود بن هدبة الأسدي البصري من بني قيس بن ثوبان أبو عبد اللّه، و ثقه أبو حاتم و أبو زرعة الرازيان-الجرح و التعديل ج 2/302-
3- 3) حمّاد بن سلمة بن دينار أبو سلمة الخزّاز البصري المتوفى سنة (167) ه-التهذيب ج 3/11-
4- 4) علي بن زيد بن عبد اللّه بن زهير أبي مليكة بن جدعان البصري المتوفى سنة (131) ه.
5- 5) أمالي الصدوق:20 ح 2 و عنه البحار ج 38/90 ح 2. [2]
6- 6) أمالي الصدوق:19 ح 6 و [3]عنه البحار ج 38/90 ح 3. [4]
7- 7) عبد اللّه بن الحسن المؤدّب: أحد مشايخ الصدوق و والده كما في مشيخة الصدوق.

الثقفي، قال: حدّثنا مخوّل بن إبراهيم (1)، قال: حدّثنا عبد الرحمن (2)بن الأسود اليشكري، عن محمّد بن عبيد اللّه (3)، عن سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من وصيّك من أمّتك؟ فإنّه لم يبعث نبيّ إلاّ كان له وصيّ من أمّته، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لم يبيّن لي بعد، فمكثت ما شاء اللّه أن أمكث، ثمّ دخلت المسجد، فناداني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا سلمان سألتني عن وصيّي من أمّتي، فهل تدري من كان وصيّ موسى من أمّته؟ فقلت: كان يوشع بن نون فتاه، فقال: هل تدري لم كان أوصى إليه؟ قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال: أوصى إليه لأنّه كان أعلم أمّته بعده، و وصيّي و أعلم أمّتي بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4).

9-و من طريق المخالفين ما رواه عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في «مسند» أبيه أحمد بن حنبل، عن الهيثم (5)بن خلف، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمر الدوري (6)قال: حدّثنا شاذان (7)، قال: حدّثنا جعفر بن (8)زياد، عن

ص:442


1- 1) مخوّل بن إبراهيم بن مخوّل بن راشد النهدي الكوفي، ترجمه الذهبي في ميزان الاعتدال و قال: صدوق في نفسه، روى عن إسرائيل و قال ابن حجر في لسان الميزان: هو من متشيعي الكوفة و ذكره ابن حبّان في الثقات-لسان الميزان ج 6/11-
2- 2) عبد الرحمن بن الأسود أبو عمرو اليشكري الكوفي المتوفى سنة (167) ه و هو ابن (75) سنة- جامع الرواة ج 1/446- [1]
3- 3) في البحار: [2] عبد اللّه.
4- 4) أمالي الصدوق:21 ح 1 و [3]عنه البحار ج 38/18 ح 34. [4]
5- 5) الهيثم بن خلف: أبو محمد الدوري الحافظ المتوفى ببغداد سنة (307) ه-العبر في خبر من غبر ج 2/141-
6- 6) هو محمد بن أبي عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز صهبان أبو بكر الدوري البغدادي المتوفى سنة (259) ه-أنساب السمعاني ج 2/503- [5]
7- 7) شاذان: هو الأسود بن عامر أبو عبد الرحمن الشامي البغدادي الملقّب بشاذان توفي ببغداد سنة (208) ه وثّقه ابن المديني-التقريب ج 1/76-
8- 8) جعفر بن زياد: الأحمر أبو عبد اللّه الكوفي، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الصّادق عليه السلام توفي سنة (167) ه-جامع الرّواة ج 1/152- [6]

مطر (1)، عن أنس، يعني ابن مالك، قال: قلنا لسلمان: سل النبيّ صلى اللّه عليه و آله من وصيّه؟ فقال له سلمان: يا رسول اللّه من وصيّك؟ فقال صلى اللّه عليه و آله: يا سلمان من كان وصيّ موسى؟ فقال يوشع بن نون، قال: قال صلى اللّه عليه و آله: وصيّي و وارثي من يقضي ديني، و ينجز موعدي، عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2).

10-الثعلبي، قال: أخبرني الحسين (3)بن محمّد بن الحسين، حدّثنا موسى بن محمّد، حدّثنا الحسن بن عليّ بن شبيب المعبري (4)حدّثنا عبّاد بن يعقوب، حدّثنا عليّ بن هاشم، عن صبّاح بن يحيى المزني، عن زكريّا بن ميسرة (5)، عن أبي إسحق، عن البرآء، قال لمّا نزلت:

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (6)جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بني عبد المطلب، و هم يومئذ أربعون رجلا، الرّجل منهم يأكل المسنّة، و يشرب العسّ (7)، فأمر عليّا أن يدخل شاة فأدمها (8).

ثمّ قال: ادنوا بسم اللّه، فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدورا ثمّ دعا بقعب (9)من لبن فجرع منه جرعة، ثم قال لهم: هلموا اشربوا

ص:443


1- 1) مطر: بن أبي مطر ميمون المحاربي الأسكاف لقى أنس بن مالك بالخريبة و هي موضع بالبصرة- ميزان الاعتدال ج 4/127-
2- 2) فضائل أحمد ج 2/615 ح 1052 و أخرجه في البحار ج 38/19 ح 35 [1] عن العمدة لابن بطريق:76 ح 92 و الطرائف:22 ح 15 [2] نقلا من مسند أحمد، و روى ذيله في ذخائر العقبى:71. [3]
3- 3) الظاهر أنّه الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد اللّه بن صالح بن شعيب بن فنجويه الثقفي الدنيوي النيشابوري المتوفى (414) ه-تاريخ نيشابور:291.
4- 4) المعمري: الحسن بن علي بن شبيب أبو علي القاضي الحافظ البغدادي المتوفى سنة (295) .
5- 5) زكريا بن ميسرة: الكوفي عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام.
6- 6) الشعراء:214. [4]
7- 7) العسّ (بضم العين المهملة و السين المهملة المشدّدة) : القدح أو الإناء الكبير. [5]
8- 8) فأدمها: فجعلها إداما، و الإدام: ما يجعل مع الخبز، و ما يلائم و يوافق.
9- 9) القعب (بفتح القاف و سكون العين المهملة) : القدح الضخم.

بسم اللّه، فشربوا حتى رووا، فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرّجل، فسكت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يومئذ فلم يتكلّم، ثمّ دعاهم من الغد إلى مثل ذلك الطعام و الشراب، ثم أنذرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من اللّه عزّ و جلّ، و البشير لما لم يجيء به أحد، جئتكم بالدّنيا و الآخرة فأسلموا و أطيعوني تهتدوا.

ثمّ قال: من يواخيني و يوازرني و يكون ولييّ و وصيّي بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني؟ فسكت القوم، و أعاد ذلك ثلاثا كلّ ذلك يسكت القوم، و يقول عليّ عليه السلام: أنا، فقال في المرّة الثالثة: أنت، فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّر عليك (1).

11-أبو الحسن الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي في كتاب «المناقب» قال: أخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا أبو عمر محمّد بن العباس بن حيّويه الخزّاز إذنا، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ الدهّان المعروف بأخي (2)حمّاد، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الخليل بن هارون البصري، قال: حدّثنا محمّد بن الخليل الجهني، قال:

حدثنا هشيم عن أبي بشر (3)، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنه، قال: كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إذ انقضّ كوكب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: من انقضّ هذا النجم في منزله فهو الوصيّ من بعدي! فقام فتية من بني هاشم، فنظروا فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قالوا:

يا رسول اللّه غويت في حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأنزل اللّه تعالى:

وَ اَلنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى إلى قوله: بِالْأُفُقِ

ص:444


1- 1) تفسير الثعلبي [1]مخطوط، و عنه البرهان ج 3/191 ح 7 و [2]عن مجمع البيان ج 7/206 و أخرجه في البحار ج 38/144 ح 111 [3] عن العمدة لابن بطريق:76 ح 93.
2- 2) أخو حمّاد: أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن الحسين بن الحكم الأسدي الدّهان الكوفي.
3- 3) أبو بشير: جعفر بن أبي وحشيّة إياس اليشكري البصري المتوفى سنة (123) ه أو بعدها- التهذيب ج 2/83.

اَلْأَعْلى (1).

12-صدر الأئمّة موفّق بن أحمد من أعيان علماء الجمهور، قال: أنبأني الإمام الحافظ صدر الحفّاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطّار الهمداني إجازة، حدّثنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الحافظ، أخبرنا أبو الحسين (2)أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد اللّه، أخبرنا أبو القاسم (3)عيسى بن عليّ بن عيسى بن داود الجرّاح، أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدّثنا محمّد بن حميد الرازي حدّثنا عليّ بن (4)مجاهد، حدّثنا محمّد بن إسحق، عن شريك بن عبد اللّه، عن أبي ربيعة (5)الأيادي، عن ابن بريدة (6)، عن أبيه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لكلّ نبيّ وصيّ و وارث، و إنّ عليا وصييّ و وارثي (7).

13-و عنه قال: أنبأني أبو العلا هذا، أخبرنا الحسن بن أحمد المقري، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الحافظ، حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد (8)بن أحمد بن عليّ بن مخلد، حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة (9)، حدثنا

ص:445


1- 1) المناقب لابن المغازلي:310 ح 353 و [1]عنه البرهان ج 4/246 ح 5 [2] أو الطرائف:22 ح 16، و [3]العمدة لابن بطريق:78 ح 95 و تأويل الآيات ج 2/620 ح 1 و أخرجه في البحار ج 35/283 ح 11 [4] عن الطرائف و العمدة و التأويل و تفسير فرات:75. [5]
2- 2) أبو الحسين: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه البزاز البغدادي المعروف بابن النقور ولد سنة (381) و توفي سنة (470) ه-العبر ج 3/272- [6]
3- 3) أبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي الكاتب المنشي ولد سنة (302) و توفي سنة (391) -العبر ج 3/50- [7]
4- 4) علي بن مجاهد بن مسلم أبو مجاهد الرازي المعروف بابن الكابلي المتوفى سنة (182) روى عنه أحمد بن محمد بن حنبل-الجرح و التعديل ج 6/205-
5- 5) أبو ربيعة الأيادي: عمر بن ربيعة.
6- 6) ابن بريدة: هو عبد اللّه بن بريدة بن الحصيب الأسلمي القاضي المتوفى (115) ه.
7- 7) المناقب للخوارزمي:42 و عنه كشف الغمة ج 1/114 و [8]أخرجه في البحار ج 38/154 [9]عن المناقب لابن شهر اشوب ج 3/66 [10] عن الحافظ أبي العلاء.
8- 8) أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي المعروف بابن أخرم المتوفى سنة (357) - العبر ج 2/315- [11]
9- 9) ابن أبي شيبة: محمد بن عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسي أبو جعفر الكوفي المؤرّخ الحافظ

إبراهيم (1)بن محمّد بن ميمون، حدّثنا عليّ بن 2عابس، عن الحارث بن حصين، عن القاسم بن جندب، عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أنس اسكب لي وضوء ثم قام فصلّى ركعتين.

ثمّ قال: يا أنس أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، و سيّد المسلمين، و قائد الغرّ المحجّلين، و خاتم الوصيين.

قال: قلت: اللّهمّ اجعله رجلا من الأنصار، و كتمته، إذ جاء عليّ عليه السلام فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: من هذا يا أنس؟ فقلت: عليّ عليه السلام، فقام مستبشرا فاعتنقه، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه، و يمسح عرق وجه عليّ عن وجهه، فقال عليّ عليه السلام: يا رسول اللّه لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعته بي من قبل؟ قال: و ما يمنعني و أنت تؤدّي عنّي، و تسمعهم صوتي، و تبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي 3.

14-و عنه، قال: أخبرني شهردار إجازة، أخبرنا عبدوس هذا كتابة، أخبرنا أبو طالب 4، عن ابن مردويه، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عاصم، حدّثنا عمران بن عبد الرحيم، قال: حدّثنا أبو الصلت الهروي، حدّثنا حسين بن حسن الأشقر، حدّثنا قيس، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب، أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله مرض مرضا فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلمّا رأت ما برسول اللّه من الجهد و التعب و الضعف استعبرت، فبكت حتّى سالت دموعها على خدّيها، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة إنّ لك لكرامة على اللّه زوّجك من هو أقدمهم

ص:446


1- 1) إبراهيم بن محمد بن ميمون الكندي، قال ابن حجر في اللسان: هو من أجلاّء الشيعة، ذكره ابن حبّان في الثقات، و أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة-لسان الميزان ج 1/107-

سلما (1)، و أكثرهم علما، و أعظمهم حلما، إنّ اللّه تعالى اطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيّا مرسلا، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليّ أن أزوّجه إيّاك (2)و أتّخذه وصيّا و أخا.

15-و عنه، قال: أخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس هذا كتابة، حدّثنا الشيخ أبو الفرج محمّد بن سهل، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن تركان، حدّثني زكريا بن عثمان أبو القاسم ببغداد، حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي حدّثنا الحسن بن موسى بن محمّد بن عبّاد الجزّار، حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم الهمداني، حدّثنا أبو حاتم محمّد بن محمّد الطالقاني أبو مسلم، عن الخالص الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن الناصح عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن الثقة محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن الرّضا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن الأمين موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن الصادق جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن الزكيّ زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن البر الحسن (3)بن عليّ بن أبي طالب، عن المرتضى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، عن المصطفى محمّد الأمين سيّد المرسلين من الأوّلين و الآخرين صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعليّ بن أبي طالب: يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنّها تكلمك، قال عليّ رضي اللّه عنه:

السّلام عليك أيّها العبد الصالح، المطيع للّه تعالى، فقالت الشمس:

ص:447


1- 1) في المصدر: إنّ لكرامة اللّه عزّ و جلّ إيّاك زوّجتك من أقدمهم سلما.
2- 2) في المصدر: فأوحى إليّ أن أزوّجك إيّاه.
3- 3) في المصدر: عن البرّ الحسين بن عليّ.

و عليك السلام يا أمير المؤمنين، و إمام المتقين، و قائد الغرّ المحجّلين، يا عليّ أنت و شيعتك في الجنة، يا عليّ أوّل ما تنشقّ الأرض عن محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ أنت، و أوّل من يكسى محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ثم أنت.

قال: فانكبّ عليّ ساجدا، و عيناه تذرفان دموعا، فانكبّ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا أخي و حبيبي ارفع رأسك، فقد باهى اللّه بك أهل سبع سموات (1).

قال المؤلف: انظر أيّها الأخ إلى هذه الأحاديث، و هذا الحديث في فضله عليه السلام و أنّه وصيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالنصّ عليه من اللّه سبحانه و تعالى و من رسوله صلى اللّه عليه و آله، و الأحاديث من طرق الخاصّة و العامّة في النصّ بأنّه وصيّ رسول اللّه ما لا تحصى، و قد صنّف في ذلك العلماء، و جملة من الفضلاء، و أنا أذكر لك هنا جملة ممّن صنّف في ذلك.

كتاب الوصية للشيخ الجليل إبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال المتوفى سنة (283) ه.

كتاب الوصية للشيخ الجليل أحمد بن محمّد بن خالد البرقي المتوفى سنة (264) ه.

كتاب الوصية للشيخ الجليل عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفى سنة (332) .

كتاب الوصية للشيخ الجليل عليّ بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب. . . توفّي (346) .

كتاب الوصية (و الإمامة) للشيخ الجليل عليّ بن رئاب أبي الحسن الطحّان الكوفي الراوي عن الصادق عليه السلام.

كتاب الوصية للشيخ الجليل عيسى بن المستفاد أبو موسى الضرير الراوي

ص:448


1- 1) مناقب الخوارزمي:63 و عنه اليقين لابن طاووس: (25) الباب 25 و كشف الغمّة ج 1/154 و [1]عنهما البحار ج 41/169 ح 5. [2]

عن الجواد عليه السلام.

كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن أحمد المعروف بالصابوني. أدرك الغيبتين.

كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن الحسن بن الفرّوخ، عدّه الشيخ من أصحاب العسكري عليه السلام.

كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن يعقوب الكليني. المتوفى سنة (329) ه.

كتاب الوصية للشيخ الجليل محمّد بن الحسن الطوسي. المتوفى سنة (460) ه.

كتاب الوصية للشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمي المتوفى سنة (381) ه.

كتاب الوصايا للشيخ الجليل محمّد بن عليّ بن الفضل بن تمام سمع منه التلعكبري سنة (340) ه.

كتاب الأوصياء و ذكر الوصايا تأليف السعيد عليّ بن محمّد بن زياد الصيمري و هو ممن لحق الإمام علي بن محمد الهادي و الإمام الحسن العسكري عليهما السلام وجد الكتاب بعد وفاة مصنفه سنة (288) .

كتاب الوصايا للشيخ الجليل محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى القرشي أبي سمينة يرويه عنه النجاشي.

كتاب للشيخ محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر المقتول سنة (322) .

كتاب الوصايا للشيخ الجليل موسى بن الحسن بن عامر الأشعري القمي.

كتاب الوصايا للشيخ الجليل هشام بن الحكم الكوفي المتوفى سنة (199) .

كتاب الوصيّة للشيخ الجليل الحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي المتوفى بقم.

ص:449

كتاب الوصايا للشيخ الجليل الحكم بن مسكين أبي محمد الكوفي المكفوف الراوي عن الصادق عليه السلام.

كتاب الوصايا للشيخ الجليل عليّ بن أبي المغيرة الراوي عن الباقر و الصادق عليهما السلام.

كتاب الوصايا للشيخ علي بن الحسن بن علي بن فضال ذكره الشيخ في أصحاب الهادي و العسكري عليهما السلام.

كتاب الحجج القوية لم يحضرني اسم مصنفه و هو كتاب حسن (1).

كتاب التحفة البهيّة في إثبات الوصيّة لمصنّف هذا الكتاب هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني قد اشتمل على أربعمائة و خمسين حديثا من طرق الخاصة، منها ما يزيد على خمسين حديثا من طرق العامّة.

و إثبات وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و بنيه الأحد عشر الأئمة عليهم السلام ممّا تظافرت به الأخبار و تواترت به الآثار، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.

ص:450


1- 1) قال شيخنا في الإجازة العلاّمة الطهراني في الذريعة ج 6/265: [1] الحجج القويّة في إثبات الوصيّة لعلي بن أبي طالب عليه السلام. ذكر في أوّله عشرين كتابا في إثبات الوصيّة. . . إلى أن قال: و من نقل المؤلّف عن البياضي (الشيخ زين الدين علي بن يونس النباطي المتوفى سنة (877) يظهر تأخّره عنه، فنسبة الكتاب إلى العلاّمة الحلّي إنّما صدرت ممّن لم يراجع أثناء الكتاب.

فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة المنهج الثاني في حلية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و صفاته، و فيه خمسون بابا.5

الباب الأوّل في شأنه عليه السلام في الأمر الأوّل.9

الباب الثاني و هو من الباب الأوّل.15

الباب الثالث في مولده الشريف عليه السلام، و كلامه في بطن امّه، و حال ولادته.19

الباب الرابع في تربية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له عليه السلام و اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.27

الباب الخامس في أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو صغير.33

الباب السادس في أنّه عليه السلام أوّل من أسلم، و صلّى مع النبي صلّى اللّه عليه و آله من طريق المخالفين.43

الباب السابع فيما أجاب به النبى صلّى اللّه عليه و آله حين قيل في إسلامه عليه السلام طفلا.55

الباب الثامن في شدّة يقينه عليه السلام و إيمانه.61

الباب التاسع فيما ذكره الحسن عليه السلام من سوابق أبيه عليه السلام.71

ص:451

الباب العاشر في ترتيب أحواله عليه السلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.83

الباب الحادي عشر في تورّطه في صعب الامور رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله.87 الباب الثاني عشر في مبيته عليه السلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيه نزل قوله تعالى وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللّهِ .103

الباب الثالث عشر من الأوّل من طريق المخالفين.111

الباب الرابع عشر في فضل سوابقه عليه السلام وسعتها.119

الباب الخامس عشر و هو من الباب الأوّل من طريق المخالفين.129

الباب السادس عشر في حديث الأعمش مع المنصور، و انّه كان يحفظ في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام عشرة آلاف فضيلة، و هو مذكور من طريق الفريقين.137

الباب السابع عشر في تضاعف ثوابه عليه السلام من طريق الخاصّة و العامّة.153

الباب الثامن عشر في قوّته عليه السلام.161

الباب التاسع عشر في شجاعته و قوّته عليه السلام.167

الباب العشرون في عبادته عليه السلام.171

الباب الحادي و العشرون في بكائه من خشية اللّه و خشوعه عليه السلام.181

الباب الثاني و العشرون في خوفه عليه السلام من اللّه تعالى.187

الباب الثالث و العشرون في أدعية له عليه السلام مختصرة في السجود، و عند النوم، و إذا أصبح، و إذا أمسى.193

الباب الرابع و العشرون في تصوير الدنيا له عليه السلام و إعراضه عنها و طلاقه عليه السلام لها ثلاثا و عدالته و خوفه.197

الباب الخامس و العشرون في زهده في الدنيا و هو من الباب الأوّل من

ص:452

طرق الخاصّة و العامّة.209

الباب السادس و العشرون في زهده عليه السلام في الملبس و المطعم و المشرب.215

الباب السابع و العشرون و هو من الباب الأوّل.225

الباب الثامن و العشرون في زهده في المطعم و المشرب و الملبس من طريق المخالفين.237

الباب التاسع و العشرون في عمله عليه السلام بيده و عتقه ألف مملوك من كدّ يده.251

الباب الثلاثون في عمله عليه السلام في البيت و تواضعه.259

الباب الحادي و الثلاثون في جوده عليه السلام، و فيه نزلت وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ .263

الباب الثاني و الثلاثون و هو من الباب الأوّل.273

الباب الثالث و الثلاثون في أنّه عليه السلام لا تأخذه في اللّه لومة لأئم.281

الباب الرابع و الثلاثون في تظلّمه عليه السلام ممّن تقدّم عليه في الخطبة الشقشقيّة.289

الباب الخامس و الثلاثون في تظلّمه عليه السلام و هو من الباب الأوّل.297

الباب السادس و الثلاثون في احتجاجه على أبي بكر في إمامته و أنّه عليه السلام صاحب الأمر و الإمام دونه، و إقرار أبي بكر له عليه السلام باستحقاق الإمامة دونه.305

الباب السابع و الثلاثون في احتجاجه على أبي بكر و عمر حين دعي للبيعة، و اعتراف عمر له عليه السلام.315

الباب الثامن و الثلاثون في احتجاجه على أهل الشورى و فيهم عثمان، و إقرارهم له عليه السلام.323

الباب التاسع و الثلاثون في علّة تركه عليه السلام مجاهدة من تقدّم عليه.339

ص:453

الباب الأربعون في تركه عليه السلام مؤاخذة عدوّه مع قدرته عليه.347

الباب الحادي و الأربعون في عدله عليه السلام في الرعيّة، و قسمته بالسويّة.355

الباب الثاني و الأربعون في صبره و امتحانه عليه السلام قبل وفاة النبي و بعده صلّى اللّه عليه و آله.359

الباب الثالث و الأربعون في طلبه تعجيل الشهادة حين بشّر بها.383

الباب الرابع و الأربعون في صفته عليه السلام.393

الباب الخامس و الأربعون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام و بنيه الأئمّة عليهم السلام أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.397

الباب السادس و الأربعون أنّه عليه السلام خير البريّة من طرق الخاصّة و العامّة و هو من الباب الأوّل.407

الباب السابع و الأربعون في حسن خلقه، و إكرام الضيف، و الحياء، و غير ذلك.413

الباب الثامن و الأربعون في المفردات.417

الباب التاسع و الأربعون في أنّه عليه السلام لم يفرّ من زحف، و مصابرته في القتال.427

الباب الخمسون أنّ رسول اللّه أوصى إليه عليه السلام من طرق الخاصّة و العامّة.437

ص:454

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.