تاریخ الخمیس المجلد 1

اشارة

نام کتاب: تاریخ الخمیس فی احوال انفس النفیس
نویسنده: شیخ حسین دیار بکری
وفات: 966 ق
تعداد جلد واقعی: 2
زبان: عربی
موضوع: رسول خدا صلّی الله علیه و آله و سلّم
ناشر: دار الصادر
مکان نشر: بیروت
سال چاپ: بی تا
tarikh alkhmis fi a'houal a'nfs nfis
تألیف: حسین الدیار بکری تاریخ النشر: 01/01/1973
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
النوع: ورقی غلاف فنی، حجم: 28×20، عدد الصفحات: 912 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 2 التوفیر
اللغة: عربی

ذکر ترتیب الکتاب علی مقدّمة و ثلاثة أرکان و خاتمة

الحمد للّه الذی خلق نور نبیه قبل کل أوائل* ثم خلق منه کل شی‌ء من الاعالی و الاسافل* ثم أودعه فی الاصلاب الطیبة الجلائل* و رباه فی الارحام الطاهرة من الرذائل* فقلبه فی الآباء و الامّهات الجزائل* حتی أظهره من أطهر بیت من خیر الشعوب و القبائل* محمد المخصص بأبین السیر و أحسن الشمائل* المؤید بأثبت المعجزات و أوضح الدّلائل* صلی اللّه علیه و علی اخوانه المصطفین أولی أکمل الفضائل* و علی آله و أصحابه المقتدین ذوی أجمل الخصائل* (أما بعد) فیقول المستوهب من اللّه ذی المنن العبد الضعیف حسین بن محمد بن الحسن الدیار بکری غفر اللّه له و لوالدیه* و نوّلهم کرامة لدیه* هذه مجموعة فی سیر سید المرسلین و شمائل خاتم النبیین صلی اللّه علیه و علی آله و أصحابه أجمعین* انتخبتها من الکتب المعتبرة تحفة للاخوان الکرام البررة و هی التفسیر الکبیر و الکشاف و حاشیته للشریف الجرجانی و الکشف و الوسیط و معالم التنزیل و أنوار التنزیل و مدارک التنزیل و تفسیر القشیری و بحر العلوم و النهر و لباب التأویل و تفسیر الحدّادی و عمدة المعانی و زاد المسیر لابن الجوزی و تفسیر الینابیع و تبصیر الرحمن و تفسیر أبی اللیث السمرقندی و صحیحا البخاری و مسلم و سنن الترمذی و شمائله و سنن أبی داود و النسائی و ابن ماجه و المصابیح و شرح السنة و المشکاة و شرحها للطیبی و مشارق الانوار للصغانی و الموطأ و شرحا صحیح البخاری لابن حجر و الکرمانی و مسند الامام أحمد و مستدرک الحاکم و جامع الاصول لابن الاثیر و النهایة له و أسد الغابة و الکامل له و الشفاء و شعب الایمان للبیهقی و دلائل النبوّة له و احیاء العلوم و التلقیح لابن الجوزی و صفوة الصفوة له و شرف المصطفی له و الحدائق له و الوفاء له و خلاصة الوفا للسمهودی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:3
و إیضاح النووی و المنهاج له و الاذکار له و ریاض الصالحین له و النجم الوهاج و معجم الطبرانی و ذخائر العقبی للمحب الطبری و السمط الثمین له و خلاصة السیر له و الریاض النضرة له و المتقی و شواهد النبوّة و المواهب اللدنیة لاحمد القسطلانی و روضة الاحباب و أسماء الرجال و مزیل الخلفاء و سیرة ابن هشام و اکتفاء الکلاعی و الاستیعاب لابن عبد البرّ و سیرة الیعمری و سیرة الدمیاطی و سیرة مغلطای و مناسک الکرمانی و التذنیب للرافعی و هدی ابن القیم و التنبیه لابی اللیث السمرقندی و فصل الخطاب و الفتوحات المکیة و ربیع الابرار و حیاة الحیوان و تلخیص المغازی و زین القصص و أمثال العسکری و کتاب الاعلام للسهروردی و تاریخ مکة للازرقی و تاریخ الیافعی و شفاء الغرام للقاسی و دول الاسلام للذهبی و شرح المواقف للشریف الجرجانی و شرح المقاصد للتفتازانی و شرح العقائد العضدیة للدوانی و تفسیر قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ له و أنموذج العلوم له و عقائد الفیروزآبادی و فصوص الحکم و العروة الوثقی و شرعة الاسلام و الملل و النحل لمحمد الشهرستانی و الهدایة و المضمرات و کنز العباد و المهمات و تشویق المساجد و المختصر الجامع و صحاح الجوهری و القاموس و سامی الاسامی و مورد اللطافة و الاصل الاصیل للسخاوی و الفوائد و الانس الجلیل و بهجة الانوار و العوارف و معجم ما استعجم للبکری و أنموذج اللبیب للسیوطی و الکشف له و الدرجة المنیفة له و العرائس للثعلبی و سح السحابة و أصول الصفار و البحر العمیق و سر الادب و الانسان الکامل* (و سمیتها)* بالخمیس فی أحوال أنفس نفیس* و رتبتها علی مقدّمة و ثلاثة أو کان و خاتمة* (أما المقدّمة) ففی الحوادث من أوّل خلق نوره الی زمان ولادته و ظهوره و هی ثلاث طلائع (الطلیعة الاولی) فی تعریف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و الرسول و أولی العزم و الخاتم و الفرق بینهم و بین البشر و الملک و بین النبیّ و الولی و الساحر و فی أوّل ما خلق اللّه و ما بدأ من أنواره قبل وجوده الصوری و خلق طینته قبل طینة آدم و حدیث صور الأنبیاء و ذکر دلائل نبوّته و علامات رسالته من بشائر الکتب القدیمة و العلماء المتقدّمین و أخبار الجنّ و الکهنة (الطلیعة الثانیة) فی ذکر خلق السماء و الارض و مدّة خلقهما و خلق الملائکة و الجان و ذکر مدّة الدنیا و ذکر مدّة هذه الامّة و ابتداء خلق آدم و حوّاء و ذکر الروح و ذکر عیسی و مریم و یحیی و أخذ المیثاق و کیفیة انتقاله من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة و بالعکس و بیان نسبه من الطرفین و ذکر مولد ابراهیم و ذکر القائه فی النار و ذکر الشأم و الارض المقدّسة و ذکر أوّلیة الکعبة و عدد بنائها و من تولی بناءها و فیها ذکر ذی القرنین و یأجوج و مأجوج و الدجال و الخضر و دابة الارض و بدء ظهور زمزم فی زمن اسماعیل و انطماسها بعده و بقائها منطمسة الی زمن عبد المطلب و فیها ذکر یعقوب و یوسف و ذکر قتل شعیاء و تخریب بخت نصر بیت المقدس و قصة قتل زکریا و یحیی و ذکر ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب ثانیا (الطلیعة الثالثة) فی ولادة عبد اللّه و نذر عبد المطلب ذبحه و عرض عبد اللّه علیه و تزوّجه آمنة و قصة الخثعمیة و وقائع مدّة الحمل من وفاة عبد اللّه و قصة أصحاب الفیل (و أما الارکان الثلاثة فالرکن الاوّل) فی الحوادث من عام ولادته الی زمان نبوّته و فیه ثلاثة أبواب (الباب الاوّل) فی الوقائع من عام ولادته الی السنة الحادیة عشر من تاریخ ولادته و ما وقع حین الولادة و ذکر الختان و ذکر أسمائه و ألقابه و کناه و شمائله و صفاته و خصائصه و معجزاته و ارضاع الاظآر و عددها و ما وقع عند حلیمة من شق الصدر و غیره و ولادة أبی بکر الصدّیق و فقد حلیمة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی الطریق حین ردّته الی أمّه و وفاة أمّه و ولادة عثمان بن عفان و کفالة عبد المطلب و رمده و استسقاء عبد المطلب و حدیث سیف بن ذی یزن و ذکر سلیمان و بلقیس و وفاة عبد المطلب و کفالة أبی طالب و موت حاتم الطائی و موت کسری أنو شروان و ولایة ابنه هرمز
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:4
السلطنة و خروج أبی طالب عم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الشأم و حرب الفجار الاوّل و شق الصدر علی قول (الباب الثانی) فی الحوادث من السنة الثانیة عشر من مولده الی السنة الرابعة و العشرین من ارتحال أبی طالب مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الشام و ذکر رعیه الغنم و مولد عمر بن الخطاب و الفجار الثانی و عزم الزبیر بن عبد المطلب أو العباس لسفر الیمن و خلع هرمز عن السلطنة و قتله و تولی کسری برویز السلطنة و حرب الفجار الثانی عند البعض و تجارة الشأم مع أبی بکر و حلف الفضول و شکایته الی عمه من آت یأتیه منذ لیال و هدم الکعبة و بنائها فی قول بعض العلماء (الباب الثالث) فی الحوادث من السنة الخامسة و العشرین الی السنة الاربعین من مولده صلی اللّه علیه و سلم من خروجه الی الشأم مع میسرة عبد خدیجة و قصة نسطور الراهب و تزوّج خدیجة و ولیمته و ذکر سائر أزواجه اجمالا و ذکر سراریه و أولاده و تزویج بناته و أختانه و ولادة علیّ بن أبی طالب و هدم الکعبة و بنائها و ولادة فاطمة و موت زید بن عمرو بن نفیل و رؤیته الضوء و النور و قتل کسری برویز النعمان بن المنذر (الرکن الثانی) فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته من صفة نزول الوحی و رمی الشیاطین بالشهب و انقصام طاق کسری و أوّل من أسلم و اخفاء الدعوة و وفاة ورقة بن نوفل و اظهار الدعوة و ولادة عائشة و هجرة الحبشة و ایذاء المشرکین و وفاة سمیة بنت حباط و اسلام حمزة و عمر بن الخطاب و وقعة بغاث و تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب و نزول سورة الروم و انشقاق القمر و وفاة أبی طالب و خدیجة و ذکر ثقیف و وفود الجنّ و تزوّج سودة و عائشة و بدء اسلام الانصار و ذکر المعراج و فرض الصلوات الخمس و بیعة العقبة الاولی و بیعة العقبة الثانیة و هجرة أبی بکر الی الحبشة و بدء هجرة الاصحاب الی المدینة و مشاورة قریش فی حبسه أو قتله أو اخراجه و اخبار جبریل ایاه بذلک و اذنه له بالهجرة (الرکن الثالث) فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته و وفاته و فیه أحد عشر موطنا (الموطن الأوّل) فی وقائع السنة الاولی من الهجرة و فیه فصلان (الفصل الاوّل) فی خروجه مع أبی بکر من مکة الی الغار و لبثهما فیه ثلاثة أیام و خروجهما من الغار و توجههما الی المدینة و ما وقع لهما فی الطریق من ادراک سراقة و مرورهما بخیمتی أمّ معید و لقیهما بریدة بن الخصیب و لقیهما طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوّام فی الطریق و موت البراء ابن معرور و استقبال أهل المدینة و نزولهما بقباء و لبثهما فی بنی عمرو بن عوف و تأسیسه مسجد قباء (الفصل الثانی) فی انتقاله من قباء الی باطن المدینة و أوّل جمعة صلیت فی الاسلام قبل قدومه باطن المدینة و نزوله علی أبی أیوب و سکناه بداره و بناء المسجد و موت کلثوم بن المهدم و اسلام عبد اللّه بن سلام و موت أسعد بن زرارة و ابتداء خدمة أنس و الزیادة فی صلاة الحضر و وعک أبی بکر و الصحابة و اسلام سلمان و المواخاة بین المهاجرین و الانصار و موادعة الیهود و موت العاص بن وائل من مشرکی مکة و بعث زید بن حارثة الی مکة للاتیان بعیاله و ولادة النعمان بن بشیر و ولادة عبد اللّه بن الزبیر و ذکر فاطمة بنت النعمان و تکلم الذئب و ابتداء الغزوات و بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر و سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ و بنائه بعائشة و بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار و ابتداء الاذان (الموطن الثانی) فی حوادث السنة الثانیة من الهجرة من صوم عاشوراء و تزوّج علیّ بفاطمة و غزوة الابواء و ودّان و غزوة بواط و غزوة العشیرة و تسکنیة علیّ بأبی تراب و غزوة بدر الاولی و سریة عبد اللّه بن جحش و تحویل القبلة و تجدید مسجد قباء و نزول فرض رمضان و غزوة بدر الکبری و غلبة الروم علی فارس و وفاة رقیة و قتل عمیر بن عدی العصماء و صلاة الفطر و زکاته و فرض زکاة الاموال و غزوة قرقرة الکدر و سریة سالم بن عمیر و غزوة بنی قینقاع و غزوة السویق و موت عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:5
ابن مظعون و صلاة العید و التضحیة و بناء علیّ بفاطمة و موت أمیة بن أبی الصلت (الموطن الثالث) فی وقائع السنة الثالثة من الهجرة من سریة محمد بن سلمة لقتل کعب بن الاشرف و تزوّج عثمان أم کلثوم و غزوة غطفان و غزوة نجران و سریة زید بن حارثة الی قردة و تزوّج حفصة و تزوّج زینب بنت خزیمة و ذکر میلاد الحسن و غزوة أحد و مقتل حمزة و مصعب بن عمیر و أنس بن النضر و ثابت بن دحداح و حنظلة غسیل الملائکة و جحدر بن زیاد و غزوة حمراء الاسد و سرقة طعمة بن الابیرق و علوق فاطمة بالحسین (الموطن الرابع) فی وقائع السنة الرابعة من الهجرة من سریة أبی سلمة الی قطن و وفاته و سریة عبد اللّه بن أنیس الی قتل سفیان بن خالد و سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة و سریة عاصم الی الرجیع و سریة عمرو بن أمیة الضمری الی مکة لقتل أبی سفیان و غزوة بنی النضیر و وفاة زینب بنت خزیمة و غزوة ذات الرقاع و صلاة الخوف فیها و وفاة عبد اللّه بن عثمان و ولادة الحسین بن علی و تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود و غزوة بدر الصغری الموعودة و تزوّج أم سلمة و رجم الیهودیین و وفاة فاطمة بنت أسد و تحریم الخمر عند البعض (الموطن الخامس) فی وقائع السنة الخامسة من الهجرة من فک سلمان من الرق و غزوة دومة الجندل و وفاة أم سعد بن عبادة و خسوف القمر و شدّة قریش و وفد بلال بن الحارث المزنی و قدوم ضمام بن ثعلبة و غزوة المریسیع و تسمی غزوة بنی المصطلق أیضا و تنازع جهجاه و قدوم مقبس بن حبابة و نزول آیة التیمم و تزوّج جویریة و افک عائشة و غزوة الخندق و غزوة بنی قریظة و قصة أولاد جابر و تزوّج زینب بنت جحش و نزول آیة الحجاب و زلزلة المدینة و سقوطه عن الفرس و مسابقة الخیل و نزول فرض الحج و النهی عن ادّخار لحوم الاضاحی (الموطن السادس) فی وقائع السنة السادسة من الهجرة من سریة محمد بن مسلمة الی القرظان و قصة ثمامة و کسوف الشمس و غزوة بنی لحیان و بعث أبی بکر الی کراع الغمیم و زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبر أمّه و غزوة الغابة و سریة عکاشة الی عمرو و سریة محمد بن مسلمة الی ذی القصة و سریة أبی عبیدة بن الجرّاح الی مصارع أصحاب محمد بن مسلمة و سریة زید بن حارثة الی بنی سلیم بالجموم و سریة زید بن حارثة الی العیص و سریة زید بن حارثة الی الطرف و سریة زید بن حارثة الی حسمی و سریة کرز بن جابر الفهری الی العرنیین و سریة زید بن حارثة الی وادی القری و بعث عبد الرحمن بن عوف الی بنی کلب و بعث علیّ بن أبی طالب الی بنی سعد و سریة زید بن حارثة الی أم قرفة و سریة عبد اللّه بن عتیک لقتل أبی رافع و الاستسقاء و سریة عبد اللّه بن رواحة الی أسیر بن رازم الیهودی بخیبر و سریة زید بن حارثة الی مدین و غزوة الحدیبیة و بیعة الرضوان و نزول حکم الظهار و وفاة أم رومان و تحریم الخمر و تزوّج أم حبیبة (الموطن السابع) فی وقائع السنة السابعة من الهجرة من اتخاذ الخاتم و ارسال الرسل الی ملوک الاطراف و سحره صلی اللّه علیه و سلم و بعث أبان بن سعید قبل نجد و اسلام أبی هریرة و غزوة خیبر و سمه بها و استصفاء صفیة و فتح فدک و طلوع الشمس بعد غروبها و فتح وادی القری و لیلة التعریس و البناء بأمّ حبیبة و سریة عمر بن الخطاب الی تربة و بعث أبی بکر الی بنی کلاب و بعث بشر بن سعد الی بنی مرّة و بعث غالب بن عبد اللّه الی المیفعة و بعث بشر ابن سعد الی یمن و جبار و بعث سریة قبل نجد و کتابه الی جبلة بن الایهم و قتل شیرویه أباه و وصول هدیة المقوقس و عمرة القضاء و تزوّج میمونة و سریة ابن أبی العوجاء الی بنی سلیم (الموطن الثامن) فی وقائع السنة الثامنة من الهجرة من اسلام خالد بن الولید و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة و تزوّج فاطمة بنت الضحاک و سریة غالب بن عبد اللّه اللیثی الی بنی الملوح و سریة غالب بن عبد اللّه الی مصاب اصحاب بشر بن سعد بفدک و اتخاذ المنبر و القصاص
و سریة شجاع بن وهب الی بنی عامر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:6
بالثنی و سریة کعب بن عمیر الغفاری الی ذات الهلاح و سریة عمرو بن العاص الی ذات السلاسل و سریة أبی عبیدة بن الجرّاح الی سیف البحر و سریة أبی قتادة الی خضرة و سریة أبی قتادة الی بطن اضم و سریة عبد اللّه بن أبی حدود الی الغابة و غزوة فتح مکة و اسلام أبی سفیان بن حرب و اسلام أبی قحافة و اسلام حکیم بن حزام و اسلام عکرمة بن ابی جهل و سریة خالد بن الولید عقب فتح مکة الی العزی بنخلة و سریة عمرو بن العاص الی سواع صنم هذیل و سریة سعد بن زید الاشهلی الی مناة صنم الاوس و سریة خالد بن الولید الی بنی خزیمة و غزوة حنین و سریة أبی عامر الی أوطاس و سریة الطفیل ابن عمرو الدوسی الی ذی الکفین و غزوة الطائف و اسلام صفوان بن أمیة و اسلام مالک بن عوف النضری و بعث عمرو بن العاص الی عمان و بعث العلاء الحضرمی الی البحرین و اسلام عروة بن مسعود الثقفی و بعث قیس بن سعد بن عبادة الی ناحیة الیمن و تزوّج ملیکة السکندیة و طلاق سودة و ولادة ابراهیم و ابتداء لوفود و وفاة زینب (الموطن التاسع) فی وقائع السنة التاسعة من الهجرة من بعث عیینة بن حصن الفزاری الی بنی تمیم و بعث الولید بن عقبة بن أبی معیط الی بنی المصطلق و سریة قطبة بن عامر الی خثعم و بعث الضحاک الی بنی کلاب و سریة علقمة الی الحبشة و بعث علی بن أبی طالب الی الفلس صنم طی و سریة عکاشة الی الحباب و اسلام کعب بن زهیر و تتابع الوفود و قصة الایلاء و غزوة تبوک و سریة خالد بن الولید الی اکیدر و کتابه الی هرقل و موت عبد اللّه ذی النجادین و هدم مسجد الضرار و قصة کعب بن مالک و صاحبیه و ارجاء أمرهم و قصة اللعان و اسلام ثقیف و مجی‌ء کتاب ملوک حمیر و رجم الغامدیة و وفاة النجاشی و وفاة أم کلثوم و موت عبد اللّه بن أبیّ بن سلول و حج أبی بکر و قتل فارس ملکهم شهریار بن شیرویه و تملیکهم توران بنت کسری (الموطن العاشر) فی وقائع السنة العاشرة من الهجرة من قدوم عدی بن حاتم و بعث أبی موسی و معاذ بن جبل الی الیمن و بعث خالد بن الولید الی بنی الحارث بنجران و بعث علی بن أبی طالب الی الیمن و بعث جریر بن عبد اللّه البجلی الی تخریب ذی الخلصة و بعث جریر الی ذی الکلاع و بعث أبی عبیدة بن الجرّاح الی نجران و قصة بدیل و تمیم الداری و وفاة ابراهیم و انکساف الشمس یوم مات ابراهیم و ظهور جبریل فی مجلس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قدوم فیروز الدیلمی و اسلام فروة بن عمرو الجذامیّ و حجة الوداع و مجی‌ء صبی فی حجة الوداع و موت باذان و نزول آیة الاستئذان و موت أبی عامر الراهب (الموطن الحادی عشر) فی وقائع السنة الحادیة عشر من الهجرة من قدوم وفد النخع و الاستغفار لاهل البقیع و سریة أسامة بن زید الی نبی و ذکر الاسود العنسی و ذکر مسیلمة الکذاب و سجاح و طلیحة و ذکر ما وقع قبل مرضه و ما وقع فی مرضه و مدّة مرضه و ذکر سنه و وقت موته و ذکر بیعة أبی بکر و ذکر غسله و تکفینه و الصلاة علیه و قبره و دفنه و الندب علیه و میراثه و ترکته و حکمه فیها و رؤیته فی المنام و ذکر زیارته صلی اللّه علیه و سلم و سائر المزارات بالمدینة (و أما الخاتمة) ففیها فصلان (الفصل الاوّل) فی المتفرّقات من أرقائه و حرسه و خدمه و من کان یضرب الاعناق بین یدیه و ذکر موالیه و أمرائه و رسله و کتابه و مؤذنیه و خطبائه و شعرائه و حداته و ذکر خیله و لقاحه و دوابه و آلات حروبه و لباسه و ذکر من وفد علیه (الفصل الثانی) فی ذکر الخلفاء الراشدین و ذکر خلفاء بنی أمیة و العباسیین.

الطلیعة الاولی فی تعریف النبیّ و الرسول‌

اشارة

* (الطلیعة الاولی من المقدّمة فی تعریف النبیّ و الرسول و اولی العزم و الخاتم و الفرق بینهم و بین البشر و الملک و بین النبیّ و الولی و الساحر و فی أوّل ما خلق اللّه و ما بدأ من أنواره قبل وجوده الصوری و خلق طینته قبل طینة آدم و حدیث صور الأنبیاء و ذکر دلائل نبوّته و علامات رسالته من بشائر الکتب القدیمة و العلماء المتقدّمین و أخبار الجنّ و الکهنة)*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:7
قال فی شواهد النبوّة اعلم أن النبیّ عبارة عن انسان أنزل علیه شریعة من عند اللّه بطریق الوحی تتضمن تلک الشریعة بیان کیفیة تعبده للّه تعالی فاذا أمر بتبلیغها الی الغیر یسمی رسولا* و فی الفتوحات المکیة النبیّ هو الذی یأتیه الملک بالوحی من عند اللّه یتضمن ذلک الوحی شریعة یتعبد بها فی نفسه فان بعث بها الی غیره کان رسولا* و فی شرح العقائد العضدیة للشیخ جلال الدین الدوانی النبیّ انسان بعثه اللّه الی الخلق لتبلیغ ما أوحاه اللّه إلیه و الرسول قد یستعمل مراد فاله و قد یختص بمن هو صاحب کتاب فیکون أخص من النبیّ* و فی أنوار التنزیل الرسول من بعثه اللّه تعالی بشریعة مجدّدة یدعو الناس إلیها و النبیّ یعمه و من بعثه لتقریر شرع سابق کأنبیاء بنی اسرائیل الذین کانوا بین موسی و عیسی علیهم الصلاة و السلام و لذلک شبه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علماء أمّته بهم حیث قال علماء أمّتی کأنبیاء بنی اسرائیل فالنبی أعم من الرسول و یدل علیه أنه سئل صلی اللّه علیه و سلم عن الأنبیاء فقال مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا قیل- کم الرسل منهم قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر جما غفیرا* و قیل الرسول من جمع الی المعجزة کتابا منزلا علیه و النبیّ غیر الرسول من لا کتاب له و قیل الرسول من یأتیه الملک بالوحی و النبیّ یقال له و لمن یوحی إلیه فی المنام* و فی العروة الوثقی کل من کان تصرفه فی ظواهر الخلق فهو سلطان و کل من کان تصرفه فی ظواهر الخلق و بواطن المؤمنین به مؤیدا من عند اللّه مستغنیا بنفسه فی التلقی من ربه عن بشر مثله فهو نبیّ فالنبی سلطان فی الظاهر ولیّ فی الباطن مستغن فی ارشاد الخلق عن بشر مثله فاذا اجتمعت السلطنة و الولایة فی شخص واحد انتشر العدل فی الظاهر و الباطن و یتم امر معاش الناس و معادهم علی نحو أکمل و أفضل و الرسول عامّ یطلق علی الملک و البشر و النبیّ خاص لا یطلق الا علی البشر* و فی معالم التنزیل و جملتهم مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا و الرسل منهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر کما مر و المذکور فی القرآن باسم العلم ثمانیة و عشرون نبیا* و فی الینابیع روی الکلبی عن کعب الاحبار أن عدد الأنبیاء ألفا ألف و مائتا ألف و خمسة و عشرون ألفا و الرسل ثلاثمائة و ثلاثة عشر* و فی العمدة لم یبعث اللّه نبیا من أهل البادیة قط و لا من النساء و لا من الجنّ و یؤیده قوله تعالی و ما أرسلنا من قبلک الا رجالا نوحی إلیهم من أهل القری و سیجی‌ء الخلاف فی نبوّة النساء فی الباب السابع فی حوادث السنة الخامسة و العشرین من النبوّة* و فی ربیع الابرار للزمخشری عن فرقد السنجی لم یبعث نبیّ قط من مصر من الامصار و انما بعثوا من القری لان أهل الامصار أهل السواد و الریف و أهل القری أرق و عن أبی ذرّ الغفاری قال قلت یا رسول اللّه من أوّل الأنبیاء قال آدم فقلت أ نبیّ مرسل قال نعم ثم قال یا أبا ذرّ أربعة سریانیون آدم و شیث و أخنوخ و هو ادریس و هو أوّل من خط و خاط و نوح و أربعة من العرب هود و صالح و شعیب و نبیک یا أبا ذرّ و أوّل أنبیاء بنی اسرائیل موسی و آخرهم عیسی قلت کم أنزل اللّه من کتاب قال مائة صحیفة و أربعة کتب علی شیث خمسین صحیفة و علی أخنوخ ثلاثین صحیفة و علی ابراهیم عشر صحائف و علی موسی قبل التوراة عشر صحائف و أنزل التوراة و الانجیل و الزبور و الفرقان و لم یذکر آدم فی هذه الروایة* و فی الینابیع و علی آدم عشر صحائف و لم یذکر صحف موسی و قال و أنزل التوراة علی موسی و الزبور علی داود و الانجیل علی عیسی و الفرقان علی نبیکم* و فی المدارک أنزل التوراة و هی سبعون وقر بعیر لم یقرأها کلها الا أربعة موسی و یوشع و عزیر و عیسی علیهم السلام* و فی بحر العلوم و عشرین صحیفة علی ابراهیم و التوراة علی موسی ألف سورة کل سورة ألف آیة و الانجیل علی عیسی و الزبور علی داود و الفرقان علی محمد صلی اللّه علیه و سلم* و فی الانسان الکامل الزبور لفظة سریانیة و هی بمعنی الکتاب فاستعملها العرب حتی أنزل اللّه تعالی و کل شی‌ء فعلوه فی الزبر أی فی الکتب و أنزل الزبور
علی داود آیات مفصلات و لکنه لم یخرجه الی قومه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:8
إلّا جملة واحدة بعد أن کمل اللّه نزوله علیه و کان داود ألطف الناس محاورة و أحسنهم شمائل و کان نحیف البدن قصیر القامة ذا قوّة شدیدة کثیر الاطلاع علی العلوم المستعملة فی زمانه‌

مطلب نفیس فی نغمات داود

* و فی العرائس قال وهب و کعب کان داود علیه السلام أحمر الوجه دقیق الساقین سبط الرأس قلیل الشعر أبیض الجسم طویل اللحیة فیها جعودة حسن الصوت و کان اذا تلا الزبور وقفت الحیوانات حوله من الوحوش و الطیور و کان یهلک الناس فی مجلسه من صوته الحسن و نغمته اللذیذة و الترجیع و الالحان و لم یعط أحد من خلق اللّه مثل صوته و کان یقرأ الزبور تسعین لحنا لحنة منها یفیق المجنون و المغمی علیه و ما صنعت المزامیر و العیدان و البرابط و سائر أنواع الاوتار و الملاهی الاعلی نغماته و أجناس صوته بتعلیم ابلیس و عفاریته انتهی کلام العرائس* و فی کتاب طهارة القلوب للشیخ العارف عبد العزیز الدیرینی یروی أن داود علیه السلام کان اذا أراد أن ینوح علی ذنبه مکث سبعة أیام بلیالیها لا یأکل و لا یشرب و لا یقرب النساء ثم یخرج له منبرا الی البریة ثم یأمر سلیمان علیه السلام أن ینادی بصوت عال من أراد أن یسمع نوح داود فلیأت فتأتی الوحوش من البراری و الآکام و تأتی الهوام من الجبال و الطیر من الاوکار و تخرج العذاری من خدورهنّ و تجتمع الخلائق لذلک الیوم فیأتی داود فیرقی علی المنبر فیحیط به بنو اسرائیل علی طبقاتهم و کل صنف من الخلق علی حدته و سلیمان علیه السلام واقف علی قدمیه عنده فیأخذ داود فی الثناء علی اللّه تعالی فیضجون بالبکاء و الصراخ ثم یأخذ فی ذکر الجنة و النار فیموت خلق کثیر من الناس و الوحوش و الطیور و الهوام ثم یأخذ فی أهوال القیامة و ینوح علی نفسه فیموت من کل صنف طائفة عظیمة فاذا رأی سلیمان کثرة الموتی قال یا أبتاه مزقت المستمعین کل ممزق و ماتت طائفة من بنی اسرائیل و من الوحوش و الطیر و الهوام ثم یأخذ فی الدعاء حتی یقع مغشیا علیه فیحمل الی منزله و تکثر الجنائز فی الناس فیقال هذا قتیل ذکر اللّه تعالی و هذا قتیل خوف اللّه و هذا قتیل ذکر الجنة و هذا قتیل ذکر النار ثم یدخل داود بیت عبادته و یغلق بابه و یقول یا إله داود أ غضبان أنت علی داود و لا یزال یناجی ربه حتی یأتی سلیمان فیستأذن و یدخل و یقدّم إلیه قرصا من شعیر و یقول یا أبت تقوّ بهذا علی ما ترید فیأکل منه ما شاء اللّه تعالی ثم یخرج الی بنی اسرائیل و قال یزید الرقاشی خرج داود مرّة ینوح علی نفسه و معه أربعون ألفا فمات منهم ثلاثون ألفا فما رجع منهم الا عشرة آلاف و کان اذا جاءه الخوف سقط و اضطرب حتی یقعد انسان علی رجلیه و آخر علی صدره لئلا تتفرّق أعضاؤه و مفاصله* و فی الانسان الکامل أنزل اللّه الانجیل علی عیسی باللغة السریانیة و قرئ علی سبعة عشر لغة و أوّل الانجیل‌

دقیقة فی الاب و الام و الابن‌

* باسم الاب و الامّ و الابن* کما أن أوّل القرآن* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ* و أخذ هذا الکلام قومه علی ظاهره فظنوا أن الاب و الامّ و الابن عبارة عن الروح و مریم و عیسی فحینئذ قالوا ثالث ثلاثة و لم یعلموا أن المراد بالاب هو اسم اللّه و بالامّ کنه الذات المعبر عنها بماهیة الحقائق و بالابن الکتاب و هو الوجود المطلق لانه فرع و نتیجة عن ماهیة الکنه و إلیه أشار فی قوله تعالی و عنده أمّ الکتاب* و فی أنوار التنزیل ان السبب فی وقوع النصاری فی هذه الضلالة أن أرباب الشرائع المتقدّمة کانوا یطلقون الاب علی اللّه باعتبار أنه السبب الاوّل حتی قالوا ان الاب هو الرب الاصغر و اللّه سبحانه هو الرب الاکبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به الولادة فاعتقدوا ذلک تقلیدا و لذلک کفر قائله و منع مطلقا حسما لمادّة الفساد* و عن وهب بن منبه قال ان صحف ابراهیم علیه السلام أنزلت فی أوّل لیلة من شهر رمضان و أنزلت التوراة علی موسی علیه الصلاة و السلام لست لیال خلون من شهر رمضان بعد صحف ابراهیم بسبعمائة عام و أنزل الزبور علی داود علیه الصلاة و السلام لا ثنتی عشرة لیلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام و أنزل الانجیل علی عیسی علیه الصلاة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:9
و السلام لثلاث عشر علی ما فی الکشاف و قیل لثمان عشرة لیلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام و مائتی عام و أنزل الفرقان علی محمد صلی اللّه علیه و سلم لاربع و عشرین أو سبع و عشرین لیلة خلت من شهر رمضان بعد الانجیل بستمائة عام و عشرین عاما و اختلف فی کیفیة انزاله علی ثلاثة أقوال أحدها أنه نزل جملة واحدة فی لیلة القدر من اللوح المحفوظ الی السماء الدنیا و أملاه جبریل علی السفرة ثم کان ینزل بعد ذلک علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نجوما فی عشرین سنة أو فی ثلاث و عشرین سنة أو خمس و عشرین سنة علی حسب الاختلاف فی مدّة اقامته صلی اللّه علیه و سلم بمکة بعد النبوّة فقیل عشر و قیل ثلاثة عشر و قیل خمسة عشر و لم یختلف فی مدّة اقامته بالمدینة انها عشر و اختلفوا فی وقت لیلة القدر فأکثرهم علی انها فی شهر رمضان فی العشر الاواخر فی أوتارها و أکثر الاقوال انها السابعة منها کذا فی الکشاف و هذا أی القول الاوّل أشهر و أصح و إلیه ذهب الاکثرون و یؤیده ما رواه الحاکم فی مستدرکه عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة الی السماء الدنیا فی لیلة القدر ثم نزل بعد ذلک فی عشرین سنة قال الحاکم صح علی شرط الشیخین* و أخرج النسائی فی تفسیره من جهة حسان بن أبی الاشرس عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال فصل القرآن من الذکر أی أمّ الکتاب و هو اللوح الی بیت العزة فی السماء الدنیا جملة واحدة و اسناده صحیح و حسان بن أبی الاشرس وثقه النسائی و غیره* و القول الثانی انه نزل الی السماء الدنیا فی عشرین لیلة قدر من عشرین سنة و قیل فی ثلاث و عشرین لیلة قدر من ثلاث و عشرین سنة و قیل فی خمس و عشرین لیلة قدر من خمس و عشرین سنة نزل فی کل لیلة قدر انزاله فی کل سنة ثم ینزل بعد ذلک منجما فی جمیع السنة علی سیدنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هذا معنی قول بعض العلماء کان ینزل من القرآن فی کل لیلة قدر من السنة الی السنة ما یکفیه الی مثلها من القابل و کان جبریل ینزل فی لیلة القدر من السماء السابعة الی بیت العزة فی السماء الدنیا ثم ینزل علیه من السماء الدنیا بحسب المصالح و الوقائع الی لیلة القدر من قابل و اذا کان لیلة القدر من قابل أنزل علیه مثل ما أنزل فی لیلة القدر التی قبلها و بهذا أی بالقول الثانی قال مقاتل و الامام أبو عبد اللّه الحلیمی فی المنهاج و الماوردی فی تفسیره* و القول الثالث أنه ابتدئ انزاله فی لیلة القدر ثم نزل بعد ذلک منجما فی أوقات مختلفة من سائر الاوقات و بهذا أی بالقول الثالث قال الشعبی و غیره* و اعلم أنه اتفق أهل السنة علی أن کلام اللّه منزل و اختلفوا فی معنی الانزال فقیل معناه اظهار القرآن و قیل ان اللّه أفهم کلامه جبریل و هو فی السماء و هو عال من المکان و علمه قراءته ثم جبریل أدّاه فی الارض و هو یهبط فی المکان و ذکر النیسابوریّ فی تفسیره کلم اللّه جبریل بالقرآن فی لیلة واحدة و هی لیلة القدر فسمعه جبریل و حفظه بقلبه و جاء به الی السماء الدنیا الی الکتبة فکتبوه ثم نزل علی محمد صلی اللّه علیه و سلم بالنجوم أی الاوقات قال الزرکشی فی البرهان فی التنزیل طریقان أحدهما أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انخلع من صورة البشریة الی صورة الملکیة و أخذه من جبریل و الثانی أن الملک انخلع الی البشریة حتی یأخذه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منه و الاوّل أصعب الحالین و نقل بعضهم عن السمرقندی حکایة ثلاثة أقوال فی أن المنزل علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما هو أحدها أنه اللفظ و المعنی و ان جبریل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ و نزل به و ذکر بعضهم أن احرف القرآن فی اللوح المحفوظ کل حرف منها بقدر جبل قاف و ان تحت کل حرف معان لا یحیط بها الا اللّه و هذا معنی قول الغزالی ان هذه الاحرف سترة لمعانیه و الثانی أنه انما نزل جبریل علیه الصلاة و السلام بالمعانی خاصة و أنه صلی اللّه علیه و سلم علم تلک المعانی و عبر عنها بلغة العرب و انما تمسکوا بقوله تعالی نزل به الروح الامین علی قلبک و القول
الثالث أن جبریل علیه السلام انما ألقی علیه المعنی و انه عبر بهذه الالفاظ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:10
بلغة العرب و ان أهل السماء یقرءونه بالعربیة ثم انه نزل به کذلک قیل السرّ فی انزاله حملة الی السماء الدنیا التفخیم لامره و أمر من نزل علیه و ذلک باعلام سکان السموات السبع ان هذا آخر الکتب المنزلة منزل علی خاتم الرسل لا شرف الامم و لقد صرفناه إلیهم لینزله علیهم و لو لا الحکمة الالهیة اقتضت نزوله منجما بسبب الوقائع لاهبط الی الارض جملة فان قیل فی أی زمان نزل جملة الی السماء الدنیا بعد ظهور بنوّة محمد صلی اللّه علیه و سلم أم قبلها قلت قال الشیخ أبو شامة الظاهر أنه قبلها و کلاهما محتمل قیل ان لیلة القدر مما منحه اللّه محمدا صلی اللّه علیه و سلم و اختص به بعد ظهور نبوّته فکیف یمکن نزوله قبل ذلک* و فی بحر العلوم للشیخ نجم الدین عمر النسفی و کتاب البرهان لابی عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الزرکشی قال الامام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبیب من أشرف علوم القرآن علم نزوله و جهاته و ترتیب ما نزل بمکة ابتداء و وسطا و انتهاء و ترتیب ما نزل بالمدینة کذلک و ما اختلفوا فیه فقال بعضهم هو مکی و قال بعضهم هو مدنی و ما نزل مرتین و ما نزل بمکة و حکمه مدنی و ما نزل بالمدینة و حکمه مکی و ما نزل بمکة فی أهل المدینة و ما نزل بالمدینة فی أهل مکة و ما یشبه نزول المکی فی المدنیة و ما یشبه نزول المدنی فی المکیة و ما نزل بالجحفة و ما نزل ببیت المقدس و ما نزل بالطائف و ما نزل بالحدیبیة و ما نزل لیلا و ما نزل نهارا و ما نزل شتاء و ما نزل صیفا و ما نزل مشیعا و ما نزل مفردا و الآیات المدنیات فی السور المکیة و الآیات المکیات فی السور المدنیات و ما حمل من مکة الی المدینة و ما حمل من المدینة الی مکة و ما حمل من المدینة الی أرض الحبشة و ما نزل مجملا و ما نزل مفسرا و ما نزل مرموزا و ما هو ناسخ و ما هو منسوخ فهذه ثلاثون وجها من لم یعرفها و لم یمیز بینها لم یحل له أن یتکلم فی کتاب اللّه*

(ذکر ترتیب ما نزل بمکة)

* روی عن الحسین بن واقد أنه قال أوّل ما نزل من القرآن بمکة اقرأ باسم ربک و قیل أوّل ما نزل سورة الفاتحة کذا فی البرهان و هو ضعیف و فی روایة أورد نزول الفاتحة بعد یأیها المدّثر ثم ن و القلم ثم یأیها المزمّل ثم یأیها المدّثر ثم تبت یدا أبی لهب ثم اذا الشمس کوّرت ثم سبح اسم ربک الاعلی ثم و اللیل اذا یغشی ثم و الفجر ثم و الضحی ثم أ لم نشرح ثم و العصر ثم و العادیات ثم انا أعطیناک الکوثر ثم ألهاکم التکاثر ثم أ رأیت الذی یکذب بالدین ثم قل یأیها الکافرون ثم سورة الفیل ثم الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو اللّه أحد ثم و النجم اذا هوی ثم عبس و تولی ثم انا أنزلناه ثم و الشمس و ضحاها ثم و السماء ذات البروج ثم و التین و الزیتون ثم لإیلاف قریش ثم القارعة ثم لا أقسم بیوم القیامة ثم الهمزة ثم و المرسلات ثم ق و القرآن المجید ثم لا أقسم بهذا البلد ثم الطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص و القرآن ثم الاعراف ثم الجنّ ثم یس ثم الفرقان ثم الملائکة ثم مریم ثم طه ثم الواقعة ثم الشعراء ثم النمل ثم القصص ثم بنو اسرائیل ثم یونس ثم هود ثم یوسف ثم الحجر ثم الانعام ثم و الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم عسق ثم حم الزخرف ثم حم الدخان ثم حم الجاثیة ثم حم الاحقاف ثم و الذاریات ثم الغاشیة ثم الکهف ثم النحل ثم نوح ثم ابراهیم ثم الأنبیاء ثم المؤمنون ثم الم تنزیل السجدة ثم الطور ثم الملک ثم الحاقة ثم سأل سائل ثم عم یتساءلون ثم و النازعات ثم اذا السماء انفطرت ثم اذا السماء انشقت ثم الروم* و اختلفوا فی آخر ما نزل بمکة قال ابن عباس العنکبوت و قال الضحاک و عطاء المؤمنون و قال مجاهد ویل للمطففین فهذا ترتیب ما نزل من القرآن بمکة و علیه استقرّت الروایة من الثقات و هی خمس و ثمانون سورة کذا فی بحر العلوم للنسفی و البرهان للزرکشی*

(ذکر ترتیب ما نزل بالمدینة)

* و أوّل ما نزل بالمدینة سورة البقرة ثم الانفال ثم آل عمران ثم الاحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم اذا زلزلت ثم الحدید ثم سورة محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم الرعد ثم الرحمن ثم هل أتی علی الانسان ثم الطلاق ثم لم یکن ثم الحشر ثم اذا جاء نصر اللّه ثم النور ثم الحج
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:11
ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحریم ثم الصف ثم الجمعة ثم التغابن ثم الفتح ثم التوبة ثم المائدة و منهم من یقدّم المائدة علی التوبة و قرأ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سورة المائدة فی خطبته یوم حجة الوداع فقال أیها الناس ان آخر القرآن نزولا سورة المائدة فأحلوا حلالها و حرّموا حرامها*

(ذکر ما اختلفوا فیه)

* اختلفوا فی ویل للمطففین قال ابن عباس هی مدنیة و قال عطاء هی آخر ما نزل بمکة کما مرّ و قال قتادة سورة المزمّل مدنیة و قال الباقون هی مکیة و اختلفوا فی الفاتحة و سیجی‌ء بیانه فهذا ترتیب ما نزل بالمدینة و هی تسع و عشرون سورة فجمیع ما نزل بمکة خمس و ثمانون سورة کما مرّ و جمیع ما نزل بالمدینة تسع و عشرون سورة علی اختلاف الروایات و قال علقمة و الحسن ما فی القرآن یأیها الناس فهو مکی و ما فیه یأیها الذین آمنوا فهو مدنی و قال نجم الدین عمر النسفی فی بحر العلوم اختلفوا فی فاتحة الکتاب انها مکیة أو مدنیة أو مکیة و مدنیة معا علی ثلاثة أقوال قال علی و ابن عباس و أبیّ بن کعب و مقاتل و قتادة فی جماعة آخرین انها مکیة و قال مجاهد انها مدنیة و ذکر الحسین بن الفضل البجلی و الثعالبی ان مجاهدا انفرد بالقول انها مدنیة*

(ذکر ما نزل مرّتین)

قال بعضهم ان الفاتحة نزلت مرتین مرة بمکة حین فرضت الصلاة و مرة بالمدینة حین حوّلت القبلة و قد صح أنها مکیة لقوله تعالی و لقد آتیناک سبعا من المثانی و القرآن العظیم و هو مکی کذا فی أنوار التنزیل و لتثنیة نزولها سمیت مثانی و هو نظیر قوله تعالی أ لیس اللّه بکاف عبده و هو النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هذه الکفایة فی حقه انه دفع عنه مکر الکفار کما قال و اذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک الآیة و نزلت هذه الآیة مرة أخری فی شأن خالد بن الولید حین بعثه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لتحریق الشجرة التی کانت العرب یزعمون أن فیها عزی فخوّفه الکفار منها و کانوا یقولون یا عزی خبلیه و جننیه فجاء و قلعها و حرقها و خرجت عزی فقتلها و قال علیه السلام تلک العزی و لن تعبد أبدا* و أما ما نزل بمکة و حکمه مدنی فمنها قوله فی الحجرات یأیها الناس انا خلقناکم من ذکر و أنثی الآیة نزلت بمکة یوم فتحها و هی مدنیة لانها نزلت بعد الهجرة و منها قوله فی المائدة الیوم أکملت لکم دینکم الی قوله الخاسرین نزلت یوم الجمعة و الناس وقوف بعرفات فبرکت ناقته من هیبة القرآن و سورة المائدة مدنیة لنزولها بعد الهجرة و هی عدّة آیات* و أما ما نزل بالمدینة و حکمه مکی فمنها قوله تعالی فی الممتحنة یأیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوّی و عدوّکم أولیاء و هی قصة حاطب بن أبی بلتعة و سارة و الکتاب الذی دفعه الی سارة یخاطب أهل مکة و منها قوله تعالی فی سورة النحل و الذین هاجروا فی اللّه من بعد ما ظلموا الی قوله و یفعلون ما یؤمرون* و فی البرهان الی آخر السورة مدنیات یخاطب بها أهل مکة و منها سورة الرعد یخاطب بها أهل مکة و هی مدنیة و من أوّل براءة الی قوله انما المشرکون نجس خطاب لمشرکی مکة و هی مدنیة فهذا الذی ذکرناه من کلا القسمین من جملة ما نزل بمکة فی أهل المدینة و حکمه مدنی و ما نزل بالمدینة فی أهل مکة و حکمه مکی* و أما ما یشبه تنزیل المدنیة فی السور المکیة فمن ذلک قوله تعالی فی سورة النجم الذین یجتنبون کبائر الاثم و الفواحش الا اللمم کبائر الاثم یعنی کل ذنب عاقبته النار و الفواحش یعنی کل ذنب فیه الحدّ الا اللمم و هو ما بین الحدّین من الذنوب نزلت فی تیهان و المرأة التی راودها عن نفسها فأبت و استقرّت الروایة بما قلنا و الدلیل علی صحته أنه لم یکن بمکة حدّ و لا زجر و منها قوله تعالی فی هود و أقم الصلاة طرفی النهار الآیة نزلت فی أبی مقبل الحسین بن عمیر بن قبیس و المرأة التی اشترت برّا فراودها* و أما ما یشبه تنزیل مکة فی السور المدنیة فمن ذلک قوله تعالی فی الأنبیاء لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا نزلت فی نصاری نجران السید و العاقب و منها سورة و العادیات ضبحا فی روایة الحسین بن واقد و منها قوله تعالی فی سورة الانفال و اذ قالوا اللهم ان کان هذا هو الحق الآیة* و أما ما نزل بالجحفة فقوله تعالی فی سورة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:12
القصص ان الذی فرض علیک القرآن لرادّک الی معاد نزلت بالجحفة فی طریق المدینة و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مهاجر* و أما ما نزل ببیت المقدس فقوله تعالی فی سورة الزخرف و اسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا أ جعلنا من دون الرحمن آلهة یعبدون نزلت ببیت المقدس فی لیلة أسری به* و فی الکشاف قیل ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جمع له الأنبیاء لیلة الاسراء فی بیت المقدس و أمّهم و قیل له سلهم فلم یشک و لم یسأل* و فی الینابیع سمع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم آمن الرسول مع الآیة التی بعدها لیلة المعراج من الحق تعالی بلا واسطة* و أما ما نزل بالطائف فقوله عز و جل فی الفرقان أ لم تر الی ربک کیف مدّ الظل الآیة و فی اذا السماء انشقت بل الذین کفروا یکذبون و اللّه أعلم بما یوعون فبشرهم بعذاب ألیم یعنی کفار مکة* و أما ما نزل بالحدیبیة حین صالح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهل مکة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعلی اکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم فقال سهیل بن عمرو ما نعرف الرحمن و لو علمنا أنک رسول اللّه لتابعناک فأنزل اللّه تعالی و هم یکفرون بالرحمن الی قوله متاب* و فی الینابیع قوله بل الذین کفروا یکذبون الآیة و قوله و هم یکفرون بالرحمن فی سورة الرعد نزلتا بالحدیبیة فی حق الصلح* و أما ما نزل لیلا فقوله فی أوّل سورة الحج یأیها الناس اتقوا ربکم ان زلزلة الساعة شی‌ء عظیم نزلت لیلا فی غزوة بنی المصطلق و هم حیّ من خزاعة و الناس یسیرون فلم یر أکثر باکیا من تلک اللیلة و منها قوله تعالی فی المائدة و اللّه یعصمک من الناس و ذلک أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یحرسه أصحابه کل لیلة فی غزوة و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی خیمة من أدم فبات علی باب الخیمة حذیفة و سعد فی آخرین فلما أن کان بعد هزیع من اللیل أنزل اللّه علیه الآیة فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الخیمة* و فی البرهان أخرج رأسه من الخیمة و قال یا أیها الناس انصرفوا فقد عصمنی اللّه تعالی* و منها قوله تعالی انک لا تهدی من أحببت قالت عائشة رضی اللّه عنها نزلت هذه الآیة و أنا مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی اللحاف و منها ما نزل لیلة المعراج و هو قوله تعالی آمن الرسول مع الآیة التی بعدها سمعها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیلة المعراج کما مرّ من روایة الینابیع و نزل علیه أکثر القرآن نهارا* و أما ما نزل فی الشتاء و ما نزل فی الصیف فقد ذکر العلماء ان آیة الکلالة فی أوائل سورة النساء نزلت فی الشتاء و ان الآیة التی فی آخرها نزلت فی الصیف* و أما ما نزل مشیعا فالفاتحة نزلت و معها ثمانون ألف ملک و فی روایة سبعمائة ألف ملک طبقوا ما بین السماء و الارض لهم زجل بالتسبیح فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه و خرّسا جدا و منها سورة الانعام نزلت جملة واحدة یشیعها سبعون ألف ملک لهم زجل بالتسبیح و التحمید و کذا فی الکشاف و زاد فی البرهان طبقوا ما بین السماء و الارض فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه و خرّسا جدا* و قال الزرکشی قد روی ما یخالفه فروی أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزل منها آیات بالمدینة اختلفوا فی عددها فقیل ثلاث و هی قوله تعالی قل تعالوا الی آخر الآیات الثلاث و قیل ست آیات و قیل غیر ذلک و سائرها نزل بمکة و نزلت آیة الکرسی و معها ثلاثون ألف ملک و نزلت سورة یس و معها ثلاثون ألف ملک و نزلت و اسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا و معها عشرون ألف ملک* و ذکر الامام أحمد فی مسنده من حدیث معقل بن یسار أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال البقرة سنام القرآن و ذروته نزل مع کل آیة منها ثمانون ملکا و رواه الطبرانی أیضا کذا فی البرهان و سائر القرآن نزل به جبریل علیه الصلاة و السلام مفردا بلا تشییع* و أما الآیات المدنیات فی السور المکیة فمنها سورة الانعام و هی کلها مکیة خلا ستّ آیات استقرّت بذلک الروایات و ما قدروا اللّه حق قدره الآیة نزلت فی مالک بن الصیف من أحبار الیهود و رؤسائهم و الثانیة و الثالثة
و من أظلم ممن افتری علی اللّه کذبا أو قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:13
أوحی الیّ و لم یوح إلیه شی‌ء* فی الکشاف هو مسیلمة الحنیفی الکذاب أو کذاب صنعاء الاسود العنسی و من قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه هو عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح القرشی أخو عثمان من الرضاعة و ثلاث آیات من أواخرها قل تعالوا الی قوله تتقون و منها سورة الاعراف کلها مکیة خلا ثمان آیات و اسألهم عن القریة الی قوله و إذ نتقنا الجبل فوقهم الآیة و منها سورة ابراهیم مکیة غیر آیتین نزلتا فی قتلی بدر و هما قوله تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً الآیتین و منها سورة النحل مکیة الی قوله تعالی وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللَّهِ و الباقی مدنیات و منها سورة بنی اسرائیل مکیة غیر قوله تعالی وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ یعنی ثقیفا و غیر قوله تعالی وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ الآیة و منها سورة الکهف مکیة غیر قوله تعالی وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ نزلت فی سلمان الفارسی و منها سورة القصص مکیة غیر آیة و هی قوله تعالی وَ الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یعنی الانجیل من قبله هم به یؤمنون یعنی بالفرقان نزلت فی أربعین رجلا من مؤمنی أهل الکتاب قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبی طالب فأسلموا و منها سورة الزمر مکیة غیر قوله تعالی قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا الآیة و منها الحوامیم کلها مکیات غیر قوله تعالی فی الاحقاف قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآیة نزلت فی عبد اللّه ابن سلام و منها سورة النجم مکیة الا قوله تعالی أَ فَرَأَیْتَ الَّذِی تَوَلَّی الآیة و منها سورة أ رأیت الذی مکیة غیر قوله فویل للمصلین فانها مدنیة کذا قال مقاتل بن سلیمان و أما الآیات المکیات فی السور المدنیة فمنها قوله تعالی فی الانفال وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ یعنی أهل مکة حتی تخرج من بین أظهرهم و منها سورة التوبة مدنیة غیر آیتین لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ الی آخر السورة و منها سورة الرعد مدنیة غیر قوله تعالی وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الی جمیعا و منها سورة الحج مدنیة غیر أربع آیات مکیات وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ الی قوله عَذابُ یَوْمٍ عَقِیمٍ* و أما ما حمل من مکة الی المدینة فاوّل سورة حملت من مکة الی المدینة سورة یوسف انطلق بها عوف بن عفراء فی الثمانیة الذین قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة فأسلموا و هو أوّل من أسلم من الانصار ثم حمل بعدها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الی آخرها ثم حمل بعدها الآیة التی فی الاعراف قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الی قوله یهتدون فأسلم علیها طوائف من أهل المدینة* و أما ما حمل من المدینة الی مکة فمن ذلک قوله فی البقرة یسألونک عن الشهر الحرام قتال فیه نزلت فی سریة عبد اللّه بن جحش و قتل ابن الحضرمی ثم حملت آیة الربا من المدینة الی مکة فی حضور ثقیف و بنی المغیرة الی عتاب بن أسید عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی مکة فقرأها عتاب علیهم و هی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ و ذروا ما بقی من الربا فأقرّوا بتحریمه و تابوا و أخذوا رأس المال ثم حملت تسع آیات من سورة براءة من أوّلها قرأها علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه یوم النحر علی الناس ثم حملت من المدینة الی مکة الآیة التی فی النساء و هی قوله الا المستضعفین من الرجال و النساء و الولدان الی قوله عفوّا غفورا* و أما ما حمل من المدینة الی أرض الحبشة فهی ست آیات بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی جعفر بن أبی طالب فی خصومة الرهبان و القسیسین یا أهل الکتاب تعالوا الی کلمة سواء بیننا و بینکم فأسلم النجاشی و أسلموا* و أما المجمل فکقوله وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ و افعلوا الخیر وَ تُوبُوا إِلَی اللَّهِ جَمِیعاً* و أما المفسر فکقوله و اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْیَةِ انطاکیة إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أصحاب عیسی إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ ناروض و ماروض فکذبوهما فعززنا بثالث شمعون الصفا قصة اصحاب القریة و مثلهم مشتملة علی المثلین المثل الثانی و هو قوله إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ الی آخره بیان و تفسیر للاوّل و هو قوله إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ الی آخرها کذا فی الکشاف و قوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآیة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الآیات و قوله اللّه الصمد و فسره بما بعده و
قوله خلق هلوعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:14
و فسره بما بعده* و أما المرموز فکقوله طه یس و قالوا فی طه بأقاویل قیل خاطب به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا طه و قیل معناه یا رجل و قیل یا بدر و قیل یا طامسا للاشرار یا هاجدا بالاسحار و یاسین یا سید المرسلین و قیل أی یسرنا لک و لامّتک الکتاب المبین و أثبتنا رسالتک بالشهادة و الیمین قد کفی باللّه شهیدا انک سید المرسلین فیکن من الشاکرین و قل الحمد للّه رب العالمین*

و أما الناسخ و المنسوخ‌

ففی أنوار التنزیل نسخ الآیة بیان انتهاء التعبد بقراءتها أو الحکم المستفاد منها أو بهما جمیعا فما نسخت تلاوته ما قال أنس أنزل اللّه فی الذین قتلوا یوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد و هو بلغوا عنا قومنا انا قد لقینا ربنا فرضی عنا و رضینا عنه و فی روایة عنه و أرضانا و مما نسخت تلاوته و بقی حکمه فیعمل به اذ تلقته الامّة بالقبول ما روی أنه کان فی سورة النور الشیخ و الشیخة اذا زنیا فارجموهما البتة نکالا من اللّه و اللّه علیم حکیم و لهذا قال عمر لو لا أن یقول الناس زاد عمر فی کتاب اللّه لکتبتها بیدی رواه البیهقی و أصله فی الصحیحین و منه قراءة ابن مسعود فی کفارة الیمین فصیام ثلاثة أیام متتابعات بزیادة متتابعات و قراءة ابن عباس فی السرقة فاقطعوا أیمانهما مکان أیدیهما نسخت تلاوتهما فی حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بصرف القلوب عن حفظهما إلا قلوب ذینک الراویین أو بالانساء کذا قاله فخر الاسلام* و مما نسخ حکمه و بقیت تلاوته قوله تعالی و علی الذین یطیقونه فدیة نسخ حکمه و هو جواز الفطر مع اعطاء الفدیة و منه قوله تعالی لَکُمْ دِینُکُمْ وَ لِیَ دِینِ و منه قوله تعالی لا یَحِلُّ لَکَ النِّساءُ من بعد فانه منسوخ بما روت عائشة رضی اللّه عنها أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أخبر أباها بأن اللّه تعالی أباح له من النساء ما شاء* و فی الکشاف عن عائشة رضی اللّه عنها ما مات النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی أحل اللّه له النساء یعنی ان الآیة قد نسخت و لا یخلو نسخها اما أن یکون بالسنة و اما بقوله انا أحللنا لک أزواجک و ترتیب النزول لیس علی ترتیب المصحف و قوله تعالی فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ فانه نسخ بقوله علیه الصلاة و السلام لا تقتلوا أهل الذمّة و هذان القسمان من قبیل نسخ الکتاب بالسنة کما سیجی‌ء و مما نسخت تلاوته و حکمه معا ما نسخ فی حیات النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالانساء ما روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت کان فیما أنزل عشر رضعات معلومات یحرّمن فنسخن بخمس معلومات* قال الشیخ جلال الدین الدوانی اختلف المسلمون فی جواز نسخ بعض آیات القرآن بعد اتفاقهم قاطبة علی أنه لا یجوز نسخ جمیع القرآن و ذهب بعض الاصولیین کأبی مسلم الاصفهانی و جماعة من الصوفیة الی أنه لیس فی شی‌ء من آیات القرآن منسوخ أصلا و ذهب آخرون الی أن النسخ واقع فی بعض آیات القرآن و جعلوا المنسوخ منها ثلاثة أقسام* الاوّل ما نسخ تلاوته و بقی حکمه ان کان له حکم و الثانی عکسه و الثالث ما نسخنا جمیعا کما مرّ أمثلتها و اعلم أن النسخ کما یکون فی الکتاب یکون فی السنة أیضا مثال نسخ السنة بالسنة قوله صلی اللّه علیه و سلم کنت نهیتکم عن زیارة القبور ألا فزوروها و فی روایة فانها تذکر الموت و مثال نسخ السنة بالکتاب نسخ التوجه الی بیت المقدس فانه صلی اللّه علیه و سلم کان بمکة متوجها الی الکعبة ثم تحوّل بوجهه الی بیت المقدس بالمدینة ثم نسخ بقوله تعالی فولّ وجهک شطر المسجد الحرام و مثال نسخ الکتاب بالسنة ما مرّ من روایة عائشة فی اباحة ما شاء من النساء و من النهی عن قتل أهل الذمّة قال الشیخ جلال الدین الدوانی رأیت فی بعض التفاسیر ان قوله و امسحوا برؤسکم و أرجلکم من هذا القبیل فانه نسخ بالسنة المتواترة فی وجوب الغسل فی الرجلین*

و أوّل من تتبع القرآن و جمعه‌

فی زمن أبی بکر رضی اللّه عنه زید بن ثابت الانصاری تتبع القرآن و جمعه من العسب و الرقاع و اللخاف و صدور الرجال حتی وجد آخر التوبة لقد جاءکم مع خزیمة الانصاری ذی الشهادتین لم یجدها مع أحد غیره فألحقها فی سورتها و کانت الصحف عند أبی بکر حتی توفاه اللّه ثم عند عمر حتی قبض ثم عند حفصة بنت عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:15
و العسب بضم المهملتین ثم موحدة جمع عسیب و هی جرید النخل کانوا یکشطون الخوص و یکتسبون فی الطرف العریض و قیل العسب طرف الجریدة العریض الذی لم ینبت علیه الخوص و الذی ینبت علیه الخوص السعف و الرقاع جمع رقعة و قد یکون من جلد أورق أو کاغد و فی روایة و قطع الادیم و اللخاف بکسر اللام ثم خاء معجمة خفیفة و آخره فاء جمع لخفة بفتح اللام و سکون المعجمة و فی روایة و اللخف بضمتین و آخره فاء قال أبو داود و هی الحجارة الرقاق قال الخطابی صفائح الحجارة الرقاق قال الاصمعی فیها عرض ورقة و فسره ابن حجر بالخزف بفتح المعجمة و الزای و هی الآنیة التی تصنع من الطین المشوی و فی روایة قال زید فقدنا آیة من الاحزاب حین نسخنا المصحف قد کنت أسمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقرأ بها لم أجدها مع أحد الا مع خزیمة الانصاری من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه علیه فألحقناها فی سورتها و خزیمة هو ذو الشهادتین روی البخاری فی صحیحه عن أنس أن حذیفة قدم علی عثمان و کان یغازی أهل الشأم فی فتح ارمینیة و اذربیجان مع أهل العراق و أفزع حذیفة اختلافهم فی القراءة و قال لعثمان أدرک هذه الامّة قبل أن یختلفوا اختلاف الیهود و النصاری فأرسل عثمان الی حفصة أن أرسلی إلینا الصحف ننسخها فی المصاحف ثم نردّها إلیک فأرسلت إلیه فأمر زید بن ثابت و عبد اللّه بن الزبیر و سعید بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فی المصاحف و قال عثمان لرهط القرشیین الثلاثة اذا اختلفتم أنتم و زید بن ثابت فی شی‌ء من القرآن فاکتبوه بلسان قریش فانما نزل بلسانهم ففعلوا حتی اذا نسخوا الصحف فی المصاحف ردّ عثمان الصحف الی حفصة فأرسل فی کل أفق بمصحف مما نسخوا و أمر بما سواه من القرآن فی کل صحیفة أو مصحف أن یحرق* و اعلم أنه قد اشتهر أن عثمان أوّل من جمع المصاحف و لیس کذلک بل أوّل من جمعها فی مصحف واحد أبو بکر الصدّیق ثم أمر عثمان حین خاف الاختلاف فی القراءة بتحویله منها الی المصاحف هکذا نقله البیهقی کذا فی البرهان‌

ذکر اللغات التی نزل بها کلام اللّه‌

یقال اللغات التی نزل بها کلام اللّه العربیة و العبرانیة و السریانیة القرآن نزل باللغة العربیة و التوراة بالعبرانیة و الزبور و الانجیل بالسریانیة کذا فی الانسان الکامل یعنی ان الانجیل بالسریانیة و فی صحیح البخاری فی قصة ورقة بن نوفل أنه تنصر فی الجاهلیة و کان یکتب الکتاب العبرانی یکتب من الانجیل بالعربیة فیفهم منه أن الانجیل کان بالعبرانیة و فی روایة الزبور باللغة العبرانیة و هو مائة و خمسون سورة فاذا عبر عن کلام اللّه بالعربیة یسمی قرآنا و ان عبر بالعبرانیة یسمی توراة و اذا عبر بالسریانیة یسمی زبورا و انجیلا و هذه العبارات جمیعها کلام اللّه تعالی من غیر خلاف بین العلماء لانها یفهم منها ما یفهم من کلام اللّه الذی هو قائم بالنفس و هو مدلول هذه العبارات فان العلماء أجمعوا علی أن المحفوظ فی الصدور و المقروء بالالسن و المکتوب فی المصاحف یقال له کلام اللّه*

مطلب أولو العزم‌

و أما أولو العزم من الرسل فهم الذین کانوا مأمورین بقتال الکفار و جهاد الفجار بعد تبلیغ الرسالة إلیهم بخلاف النبوّة و الرسالة فان الجهاد لیس بشرط فیهما کما کان فی أوائل بعثة نبینا صلی اللّه علیه و سلم حیث کان یوحی إلیه تارة ان علیک الا البلاغ و وقتا یخاطب بقل الحق من ربکم فمن شاء فلیؤمن و من شاء فلیکفر و فی الاواخر صار مأمورا بالقتال و الجهاد قال اللّه تعالی قاتلوا المشرکین کافة فاقتلوا المشرکین حیث وجدتموهم و اقتلوهم حیث ثقفتموهم* و فی الکشاف أولو العزم أولو الجدّ و الثبات و الصبر قیل هم نوح و ابراهیم و یعقوب و یوسف و أیوب و موسی و داود و عیسی علیهم الصلاة و السلام* و فی المدارک المراد من أولی العزم ما ذکر فی الاحزاب و اذ أخذنا من النبیین میثاقهم و منک و من نوح و ابراهیم و موسی و عیسی ابن مریم* و فی عمدة المعانی أولو العزم هم أصحاب الشرائع و قیل هم نوح و ابراهیم و موسی و عیسی علیهم الصلاة و السلام و قیل ثمانیة عشر نبیا ذکروا فی الانعام فی ثلاث أو أربع آیات متوالیات
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:16
* و أما الخاتم فهو الذی جمع فیه معنی النبوّة و الرسالة و أولو العزمیة و لا یبعث بعده نبیّ و لا ینسخ دینه و شرعه بل یبقی مؤبدا مخلدا* و فی العروة الوثقی کل من کان من أولی العزم مرسل إلیهم و الخاتم الامیّ هو النبیّ المرسل إلیهم سید أولی العزم بحیث لو کان موسی حیا لما وسعه الا اتباعه و یقتدی عیسی بعد نزوله بامام من أمّته*

الفرق بین البشر و الملک‌

و أما الفرق بین البشر و الملک فقد قال النسفی فی عقائده رسل البشر أفضل من رسل الملائکة و رسل الملائکة أفضل من عامّة البشر و عامّة البشر أفضل من عامّة الملائکة و اتفق العلماء علی أن الأنبیاء علیهم الصلاة و السلام أفضل من جمیع البشر و لا یبلغ أحد من الاولیاء و الصدّیقین درجات الأنبیاء و ان کانوا فی أعالی مراتبهم قال أبو یزید البسطامی قدّس اللّه سرّه آخر نهایات الصدّیقین أوّل أحوال الأنبیاء و قال ابن عطاء اللّه أدنی مراتب المرسلین أعلی مراتب الأنبیاء و أدنی مراتب الأنبیاء أعلی مراتب الصدّیقین و أدنی مراتب الصدّیقین أعلی مراتب الشهداء و أدنی مراتب الشهداء أعلی مراتب الصالحین و أدنی مراتب الصالحین أعلی مراتب المؤمنین*

مطلب نفیس فی قولهم أن الولایة أفضل من النبوّة

فما نقل عن بعض الاولیاء من أن الولایة أفضل من النبوّة فمبنیّ علی أن للنبیّ جهتین احداهما جهة الولایة التی هی باطن النبوّة و ثانیتهما جهة النبوّة التی هی ظاهر الولایة فالنبیّ بجهة الولایة یأخذ الفیض و العلی من اللّه تعالی و بجهة النبوّة تبلیغه للخلق و لا شک فی أن الوجه الذی الی الحق أشرف و أفضل من الوجه الذی الی الخلق فالمراد أن جهة ولایة نبیّ أفضل من جهة نبوّته و هو من حیث انه ولیّ أفضل من حیث انه نبیّ لا أن ولایة ولیّ تابع أفضل من نبوّة نبیّ متبوع حتی یلزم أن یکون الولیّ أفضل من النبیّ کما یتوهم القاصرون فان مرتبة الولایة حاصلة للنبیّ علی وجه أکمل من ولایة الولیّ مع أمر زائد و هو مرتبة النبوّة فکل نبیّ ولیّ من غیر عکس* و ما وقع فی کلام محمد بن علی الحکیم الترمذی و ذهب إلیه الشیخ سعد الدین الحموی أیضا من أن نهایة الأنبیاء بدایة الاولیاء فالمراد منه أن نهایة الأنبیاء فی الشرائع بدایة الاولیاء فیها و لما کانت شرائع الأنبیاء تتم و تکمل فی أواخر أحوالهم کما ان نبینا صلی اللّه علیه و سلم فی أواخر أمره قیل له الیوم أکملت لکم دینکم و الولیّ ما لم یأخذ الشریعة بکمالها لم یکن له الشروع فی الولایة فان ما هو للنبیّ فی التشریع فی أواخر الامر للولیّ فی أوّله و لو أن أحدا مثلا سلک جمیع الاحکام النازلة بمکة و لم یلتفت الی الاحکام النازلة بالمدینة لن ینال مرتبة الولایة بل لو أنکر لکفر فبدایة الولایة أن یقبل الشریعة التی هی نهایة أمر النبیّ کذا فی شواهد النبوّة* و فی العروة الوثقی و لا بدّ فی کل حین من مرشد یرشد الخلق خلافة عن النبیّ و لا بدّ للمرشد من التأیید الالهی لیتمکن له تسخیر المسترشدین و افادة المستفیدین و تعلیم المتعلمین و هو العالم الولی الشیخ و الی هذا السرّ أشار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حیث قال الشیخ فی قومه کالنبیّ فی أمّته و الشیخ ینبغی أن یکون ولیا للّه و الولیّ لا بدّ أن یکون عالما لان اللّه ما اتخذ ولیا جاهلا قط*

الفرق بین النبیّ و الولیّ و الساحر

و أما الفرق بین النبیّ و الولیّ و الساحر أن النبیّ یتحدّی الخلق بالمعجزة و یستعجزهم علی الاتیان بمثلها و یخبرهم عن اللّه تعالی بخرق العادة بها لتصدیقه و لو کان کاذبا لم تنخرق العادة علی یدیه و لو خرقها اللّه علی ید کاذب لخرقها علی أیدی المعارضین للانبیاء و أما الولیّ و الساحر فلا یتحدّیان الخلق و لا یستدلان علی نبوّة و لو ادّعیا شیئا من ذلک لم تنخرق العادة لهما و أما الفرق بین الولیّ و الساحر فمن وجهین أحدهما و هو المشهور اجماع المسلمین علی أن السحر لا یظهر الاعلی ید فاسق و الکرامة لا تظهر الا علی ید ولیّ و لا تظهر علی ید فاسق و بهذا جزم امام الحرمین و أبو سعید المتولی و غیرهما و الثانی أن السحر یکون ناشئا بفعل و مزج و معاناة و علاج و الکرامة لا تفتقر الی ذلک و فی کثیر من الاوقات یقع ذلک اتفاقا من غیر أن یستدعیه أو یشعر به و اللّه أعلم* و فی التفسیر الکبیر للامام النّحریر فخر الدین الرازی اذا ظهر فعل خارق للعادة علی ید انسان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:17
فذلک اما أن یکون مقرونا بالدعوی أولا مع الدعوی و القسم الاوّل و هو أن یکون مقرونا بالدعوی فتلک الدعوی اما أن تکون دعوی الالهیة أو دعوی النبوّة أو دعوی الولایة أو دعوی السحر و طاعة الشیاطین فهذه أربعة أقسام (القسم الاوّل) و هو ادّعاء الالهیة جوّز أصحابنا ظهور خوارق العادات علی یده من غیر معارضة کما نقل أن فرعون کان یدّعی الالهیة و کانت تظهر علی یده خوارق العادات و کما نقل أیضا فی حق الدجال قال أصحابنا و انما جاز ذلک لان شکله و خلقته تدل علی کذبه فظهور الخوارق علی یده لا یفضی الی التلبیس (و القسم الثانی) و هو ادّعاء النبوّة و هذا القسم یکون علی قسمین لانه اما أن یکون ذلک المدّعی صادقا أو کاذبا فان کان صادقا وجب ظهور الخوارق علی یده و هذا متفق علیه بین کل من أقرّ بصحة نبوّة الأنبیاء و ان کان کاذبا لم یجز ظهور الخوارق علی یده و بتقدیر أن تظهر وجب حصول المعارضة (و أما القسم الثالث) و هو ادّعاء الولایة و القائلون بکرامات الاولیاء اختلفوا فی أنه هل یجوز ادّعاء الکرامة ثم انها تحصل علی وفق دعواه أم لا (و القسم الرابع) و هو ادّعاء السحر و طاعة الشیطان فعند أصحابنا یجوز ظهور خوارق العادات علی یده و عند المعتزلة لا یجوز و أما القسم الثانی و هو أن تظهر خوارق العادات علی ید انسان من غیر شی‌ء من الدعاوی فذلک الانسان اما أن یکون صالحا مرضیا عند اللّه و اما أن یکون خبیثا مذنبا و الاوّل هو القول بکرامات الاولیاء و قد اتفق أصحابنا علی جوازها و أنکرها المعتزلة الا أبا الحسین البصری و صاحبه محمود الخوارزمی و أما القسم الثالث و هو أن تظهر خوارق العادات علی ید بعض من کان مردودا عن طاعة اللّه فهذا هو المسمی بالاستدراج قال العلامة الدوانی فی انموذج العلوم ذهب أهل الملل الثلاث الی أن العالم و هو ما سوی اللّه تعالی و صفاته من الجواهر و الاعراض حادث أی کائن بعد ان لم یکن بعدیة حقیقیة لا بالذات فقط بمعنی أنها فی حدّ ذاتها لا تستحق الوجود بل محتاجة الی الغیر فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات کما تقوله الفلاسفة و یسمونه الحدوث الذاتی و یقسمون کلا من الحدوث و القدم الی ذاتی و زمانی بل بالزمان أیضا بمعنی انها لم تکن فی زمان فوجدت بعد ما لم تکن فیه کما یقوله المتکلمون و یسمونه المحدّثون الحدوث الزمانی بل لیس الحدوث و القدم عندهم الا بهذا المعنی فقط فبعد ما لم یکن فی الاوّل شی‌ء من الممکنات موجودا کما هو فی الحدیث الصحیح کان اللّه و لم یکن معه شی‌ء أوجد اللّه الموجودات علی ما اقتضته حکمته*

أوّل المخلوقات‌

و اختلفت الروایات فی أوّل المخلوقات* ففی روایة نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و فی روایة العقل و فی روایة القلم و فی روایة اللوح و منشأ الاختلاف ورود الاخبار المختلفة فی أوّل ما خلق اللّه ففی خبر أوّل ما خلق اللّه نور محمد صلی اللّه علیه و سلم* و فی الانس الجلیل ان اللّه خلق أوّلا نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبل العرش و الکرسی و اللوح و القلم و السماء و الارض و الجنة و النار بألف ألف و ستمائة و سبعین ألف سنة* و فی خبر آخر أوّل ما خلق اللّه العقل فقال له أقبل فأقبل و قال له أدبر فأدبر فقال و عزتی و جلالی بک أعطی و بک أمنع و بک أثیب و بک أعاقب* و فی المشکاة عن أبی هریرة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما خلق اللّه العقل قال له قم فقام ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له اقعد فقعد ثم قال له ما خلقت خلقا هو خیر منک و لا أفضل منک و لا أحسن منک بک آخذ و بک أعطی و بک أعرف و بک أعاقب و بک الثواب و علیک العقاب و قد تکلم فیه بعض العلماء رواه البیهقی فی شعب الایمان* و فی خبر آخر أوّل ما خلق اللّه القلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا أوّل ما خلق اللّه القلم فقال له اکتب فقال رب ما أکتب قال اکتب مقادیر کل شی‌ء رواه أحمد و الترمذی و صححه فجری القلم بما هو کائن الی یوم القیامة و لذلک قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جف القلم علی علم اللّه و فی روایة جف القلم بما هو کائن الی یوم القیامة و فی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:18
خبر آخر أوّل ما خلق اللّه اللوح المحفوظ و عن ابن عباس أوّل ما خلق اللّه اللوح المحفوظ بحفظ اللّه بما کتب فیه ما کان و یکون لا یعلم ما فیه الا اللّه*

مطلب اللوح و القلم‌

و فی المدارک محفوظ من وصول الشیطان انتهی و هو من درّة بیضاء دفتاه یاقوتتان حمراوان و هو فی عظم لا یوصف و خلق اللّه له قلما من جوهرة طولها مسیرة خمسمائة عام مشقوق السنّ ینبع منه النور کما ینبع من أقلام أهل الدنیا المداد ثم نودی القلم أن اکتب فاضطرب من هول النداء حتی صار له ترجیع کترجیع الرعد ثم جری فی اللوح بما هو کائن و ما هو فاعله فی الوقت الذی یفعله الی یوم القیامة فامتلأ اللوح و جف القلم سعد من سعد و شقی من شقی و فی طوالع الانوار للبیضاوی القلم یشبه أن یکون العقل الاوّل لقوله علیه الصلاة و السلام أوّل ما خلق اللّه القلم فقال له اکتب فقال ما أکتب فقال القدر ما کان و ما هو کائن الی الابد کما مرّ و اللوح و هو الخلق الثانی یشبه أن یکون العرش أو یکون متصلا به لقوله علیه الصلاة و السلام ما من مخلوق الا و صورته تحت العرش* و فی أنوار التنزیل و قرئ فی لوح بضم اللام و هو الهواء أی ما فوق السماء السابعة الذی فیه اللوح* و فی المدارک اللوح عند الحسن شی‌ء یلوح للملائکة فیقرءونه و عن ابن عباس هو من درّة بیضاء طوله ما بین السماء و الارض و عرضه ما بین المشرق و المغرب قلمه نور و کل شی‌ء فیه مسطور و عن مقاتل هو عن یمین العرش و قیل أعلاه معقود بالعرش و أسفله فی حجر ملک عظیم* و فی المواهب اللدنیة قد اختلف أهل العلم فی أوّل المخلوقات بعد النور المحمدی فقال الحافظ و أبو یعلی الهمدانیّ الاصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فی الصحیح عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قدّر اللّه مقادیر الخلق قبل أن یخلق السموات و الارض بخمسین ألف سنة و کان عرشه علی الماء فهذا صریح أن التقدیر وقع بعد خلق العرش و التقدیر وقع عند أوّل خلق القلم لحدیث عبادة بن الصامت کما سبق و روی أحمد و صححه أیضا من حدیث أبی رزین العقیلی مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش و روی السدّی بأسانید متعدّدة أن اللّه لم یخلق شیئا مما خلق قبل الماء فیجمع بینه و بین ما قبله بأن أوّلیة القلم بالنسبة الی ما عدا النور المحمدی و الماء و العرش* قیل أوّل شی‌ء کتبه القلم علی اللوح المحفوظ بسم اللّه الرحمن الرحیم انی أنا اللّه لا إله الا أنا محمد عبدی و رسولی من استسلم لقضائی و صبر علی بلائی و شکر علی نعمائی و رضی بحکمی کتبته صدّیقا و بعثته یوم القیامة مع الصدّیقین و من لم یستسلم لقضائی و لم یصبر علی بلائی و لم یشکر علی نعمائی و لم یرض بحکمی فلیختر الها سوای و فی روایة لما أمر اللّه القلم أن یکتب ما کان و ما یکون الی الابد کتب علی سرادق العرش لا إله الا اللّه ثم کتب کل قطرة نازلة من السماء و کل ورق نابت علی الاشجار و کل حبة نابتة فی الارض و کل حصاة علی الارض و کل رزق مقدّر للخلائق و قال فی هذا المعنی شعرا
جری قلم القضاء بما یکون‌فسیان التحرّک و السکون
جنون منک أن تسعی لرزق‌و یرزق فی غشاوته الجنین و فی هذا المعنی قیل
سهل علیک فان الامر مقدورو کل مستأنف فی اللوح مسطور
لا تکثرنّ فخیر القول أصدقه‌ان الحریص علی الدنیا لمغرور وجه الجمع بین الاحادیث المختلفة المذکورة علی تقدیر صحة الکل أن یقال الاوّل الحقیقی نور نبینا صلی اللّه علیه و سلم و أوّلیة العقل و القلم اضافیة یعنی أوّل مخلوق من المجرّدات العقل و من الاجسام القلم أو یقال أوّل العقول العقل الذی لما خلقه اللّه تعالی أمره بالاقبال و الادبار فأطاع ففاز من رب العزة بأنواع الاعزاز و الاکرام و أوّل الاقلام القلم الذی أثبت بأمر اللّه تعالی تقدیرات الاشیاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:19
فی اللوح المحفوظ و أوّل الانوار نور محمد صلی اللّه علیه و سلم و أهل التحقیق علی أن المراد من هذه الاحادیث شی‌ء واحد لکن باعتبار نسبه و حیثیاته تعدّدت العبارات کما ان الاسود و المائع و البرّاق عبارة عن الحبر لکن باعتبار النسب* و فی شرح المواقف قال بعضهم ان المعلول الاوّل من حیث انه مجرّد تعقل ذاته و مبدؤه یسمی عقلا و من حیث انه واسطة فی صدور سائر الموجودات و نقوش العلوم یسمی قلما و من حیث توسطه فی افاضة أنوار النبوّة و من حیث ان الکمالات المحمدیة من أثر نور سید الأنبیاء صلی اللّه علیه و سلم من حیث انه سبب لحیاته یسمی روحه و سیجی‌ء لهذا زیادة بیان* و فی شواهد النبوّة أن نبینا صلی اللّه علیه و سلم و ان کان آخر الأنبیاء فی عالم الشهادة لکنه أوّلهم فی عالم الغیب قال علیه الصلاة و السلام کنت نبیا و آدم بین الماء و الطین بیانه ان اللّه تعالی فی أزل الآزال کان اللّه و لا شی‌ء معه فجمیع الشؤن من غیر امتیاز من بعض و صورة معلومیة ذلک الشأن تسمی تعینا أوّل و حقیقة محمدیة و حقائق سائر الموجودات کلها أجزاء و تفاصیل فتلک الحقیقة و التجلیات التی وقعت بصورها فی الغیب انما نشأت و انبعثت من التجلی بصور تلک الحقیقة و الصورة الوجودیة لتلک الحقیقة أوّلا فی مرتبة الارواح کانت جوهرا مجرّدا عبر عنه الشارع صلی اللّه علیه و سلم تارة بالعقل و تارة بالقلم و تارة بالنور و تارة بالروح حیث قال صلی اللّه علیه و سلم أوّل ما خلق اللّه العقل و أوّل ما خلق اللّه القلم و أوّل ما خلق اللّه روحی أو نوری و لا شک أن اختلاف العبارات رتبی اذ مرتبة الاوّلیة حقیقة لا تصلح لغیر شی‌ء واحد و الصورة الوجودیة لتلک الحقیقة مرتبة بعد مرتبة حتی انتقلت الی الصورة الجسمانیة العنصریة الانسانیة التی أوّل افرادها آدم فهو و سائر الأنبیاء ما لم یظهروا لصورة جسمانیة عنصریة فی الشهادة لم یوصفوا بالنبوّة بخلاف نبینا صلی اللّه علیه و سلم فانه لما وجد بوجود روحانی بشره و أعلمه بالنبوّة بالفعل و فی کل الشرائع أعطی الحکم له لکن بأیدی الأنبیاء و الرسل الذین کانوا نوّابه کما ان علیا و معاذ بن جبل فی عالم الشهادة ذهبا بنیابته الی الیمن و بلغا الاحکام فانّ ثبوت النبوّة لیس الا باعتبار شرع مقرّر من عند اللّه فجمیع الشرائع شریعته الی الخلق بأیدی نوّابه و لما ظهر بالوجود الجسمانی العنصری نسخ تلک الشرائع التی کان اقتضاها بحسب الباطن فان اختلاف الامم فی الاستعدادات و القابلیات مقتض لاختلاف الشرائع* و فی فصوص الحکم و شرحه و ما کان من نبیّ یأخذ شیئا من الکمالات الا من مشکاة خاتم النبیین و ان تأخر عنهم وجود طینته اذ لا تعلق لمشکاته بوجوده الطینی فانه بحقیقته موجود قبلهم لانه أبو الارواح کما انّ آدم أبو الاشباح* و فی کیفیة خلق نوره صلی اللّه علیه و سلم وردت روایات متعدّدة و حاصل الکل راجع الی أن اللّه تعالی خلق نور محمد صلی اللّه علیه و سلم قبل خلق السموات و الارض و العرش و الکرسی و اللوح و القلم و الجنة و النار و الملائکة و الانس و الجنّ و سائر المخلوقات بکذا کذا ألف سنة و کان یری ذلک النور فی فضاء عالم القدس فتارة یأمره بالسجود و تارة یأمره بالتسبیح و التقدیس و خلق له حجبا و أقامه فی کل حجاب مدّة مدیدة یسبح اللّه تعالی فیه بتسبیح خاص فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس فخلق من أنفاسه أرواح الأنبیاء و الاولیاء و الصدّیقین و الشهداء و سائر المؤمنین و الملائکة کما روی عن جابر بن عبد اللّه الانصاری أنه قال سألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن أوّل شی‌ء خلقه اللّه قال هو نور نبیک یا جابر خلقه ثم خلق منه کل خیر و خلق بعده کل شی‌ء و حین خلقه أقامه قدّامه فی مقام القرب اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم و الکرسی من قسم و حملة العرش و خزنة الکرسی من قسم و أقام القسم الرابع فی مقام الحب اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم و اللوح من قسم و الجنة من قسم و أقام القسم الرابع فی مقام الخوف اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:20
فخلق الملائکة من جزء و خلق الشمس من جزء و خلق القمر و الکواکب من جزء و أقام الجزء الرابع فی مقام الرجاء اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء و الحلم و العلم من جزء و العصمة و التوفیق من جزء و أقام الجزء الرابع فی مقام الحیاء اثنی عشر ألف سنة ثم نظر اللّه سبحانه إلیه فترشح النور عرقا فقطرت منه مائة ألف و عشرون ألفا و أربعة آلاف قطرة من النور فخلق اللّه سبحانه من کل قطرة روح نبیّ أو رسول ثمّ تنفّست أرواح الأنبیاء فخلق اللّه من أنفاسهم نور الاولیاء و السعداء و الشهداء و المطیعین من المؤمنین الی یوم القیامة فالعرش و الکرسی من نوری و الکروبیون من نوری و الروحانیون من الملائکة من نوری و ملائکة السموات السبع من نوری و الجنة و ما فیها من النعیم من نوری و الشمس و القمر و الکواکب من نوری و العقل و العلم و التوفیق من نوری و أرواح الأنبیاء و الرسل من نوری و الشهداء و الصالحون من نتائج نوری ثم خلق سبحانه اثنی عشر حجابا فأقام النور و هو الجزء الرابع فی کل حجاب ألف سنة و هی مقامات العبودیة و هی حجاب الکرامة و السعادة و الهیبة و الرحمة و الرأفة و الحلم و العلم و الوقار و السکینة و الصبر و الصدق و الیقین فعبد اللّه ذلک النور فی کل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب رکبه اللّه فی الارض و کان یضی‌ء منه ما بین المشرق و المغرب کالسراج فی اللیل المظلم ثم خلق اللّه آدم فی الارض و رکب فیه النور فی جبینه ثم انتقل منه الی شیث و منه الی یانش و هکذا کان ینتقل من طاهر الی طیب الی أن أوصله اللّه تعالی الی صلب عبد اللّه بن عبد المطلب و منه الی رحم آمنة ثم أخرجنی الی الدنیا فجعلنی سید المرسلین و خاتم النبیین و رحمة للعالمین و قائد الغرّ المحجلین هکذا بدء خلق نبیک یا جابر ذکره البیهقی و أخرج مسلم فی صحیحه من حدیث عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال ان اللّه عز و جل کتب مقادیر الخلق قبل أن یخلق السموات و الارض بخمسین ألف سنة و کان عرشه علی الماء و من جملة ما کتب فی الذکر و هو أمّ الکتاب أن محمدا خاتم النبیین و عن العرباض بن ساریة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال انی عبد اللّه و خاتم النبیین و ان آدم لمنجدل فی طینته و سأخبرکم بأوّل أمری انی دعوة ابراهیم و بشارة عیسی و رؤیا أمی التی رأت حین وضعتنی و قد خرج منها نور أضاءت منه قصور الشأم رواه أحمد و البیهقی و الحاکم و قال صحیح الاسناد کذا فی شرح السنة* قوله لمنجدل فی طینته* یعنی طریحا ملقی علی الارض قبل نفخ الروح فیه عن میسرة الضبی قال قلت یا رسول اللّه متی کنت نبیا قال و آدم بین الروح و الجسد هذا لفظ روایة الامام أحمد و رواه البخاری فی تاریخه و أبو نعیم فی الحلیة و صححه الحاکم و أما ما اشتهر علی الالسنة بلفظ کنت نبیا و آدم بین الماء و الطین فقال الشیخ الحافظ أبو الخیر السخاوی فی کتابه المقاصد الحسنة لم نقف علیه بهذا اللفظ انتهی و قال الحافظ ابن رجب فی اللطائف و بعضهم بروایة متی کتبت نبیا من الکتابة قال کتبت و آدم بین الروح و الجسد فتحمل هذه الروایة مع روایة العرباض بن ساریة علی وجوب نبوّته و ثبوتها و ظهورها فی الخارج فان الکتابة تستعمل فیما هو واجب قال اللّه تعالی کتب علیکم الصیام و کتب اللّه لأغلبن أنا و رسلی و عن أبی هریرة أنهم قالوا یا رسول اللّه متی وجبت لک النبوّة قال و آدم بین الروح و الجسد رواه الترمذی و قال حدیث حسن و روی فی جزء من أمالی ابن سهل القطان عن سهل بن صالح الهمدانیّ قال سألت أبا جعفر محمد بن علی کیف صار محمد صلی اللّه علیه و سلم یتقدّم الأنبیاء و هو آخر من بعث قال ان اللّه تعالی لما أخذ من بنی آدم من ظهورهم ذرّیتهم و أشهدهم علی أنفسهم أ لست بربکم قال فان محمدا صلی اللّه علیه و سلم أوّل من قال بلی و لذلک صار مقدّم الأنبیاء و هو آخر من بعث فان قیل ان النبوّة وصف لا بدّ أن یکون الموصوف به موجودا و انما
یکون بعد بلوغ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:21
الاربعین سنة فکیف بوصف به قبل وجوده و ارساله أجاب الغزالی فی کتاب النفخ و التسویة عن هذا و عن قوله أنا أوّل الأنبیاء خلقا و آخرهم بعثا بأن المراد بالخلق هنا التقدیر دون الایجاد فانه قبل أن ولدته أمّه لم یکن موجودا مخلوقا و لکن الغایات و الکمالات سابقة فی التقدیر لاحقة فی الوجود قال و هو معنی قولهم أوّل الفکرة آخر العمل و آخر العمل أوّل الفکرة و بیانه أن المهندس المقدّر للدار أوّل ما یمثل فی نفسه صورة الدار ثم یقدّر ما یمثل فیحصل فی تقدیره دارا کاملة و آخر ما یوجد من أعماله هی الدار الکاملة فالدار الکاملة هی أوّل الاشیاء فی حقه تقدیرا و آخرها وجودا لان ما قبلها من ضرب اللبنات و بناء الحیطان و ترکیب الجذوع وسیلة الی غایة و کمال و هی الدار فالغایة هی الدار و لأجلها تقدّم الآلات و الاعمال ثم قال و أما قوله کنت نبیا فاشارة الی ما ذکرناه و انه کان نبیا فی التقدیر قبل تمام خلقة آدم علیه الصلاة و السلام لانه لم ینشئ خلق آدم الا لینتزع من ذرّیّته محمدا صلی اللّه علیه و سلم و یستصفیه تدریجا الی أن یبلغ کمال الصفا قال و لا تفهم هذه الحقیقة الا بأن یعلم أن للدار وجودین وجودا فی ذهن المهندس و دماغه و انه ینظر الی صورة الدار خارج الذهن فی الاعیان و الوجود الذهنی سبب الوجود الخارجی العینی فهو سابق لا محالة و کذلک فاعلم أن اللّه تعالی یقدّر ثم یوجد علی وفق التقدیر ذکر هذا کله فی المواهب اللدنیة* و عن کعب الاحبار قال لما أراد اللّه تعالی أن یخلق محمدا صلی اللّه علیه و سلم أمر جبریل فأتاه بالقبضة البیضاء التی هی موضع قبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فعجنت بماء التسنیم ثم غمست فی انهار الجنة و طیف بها فی السموات و الارض فعرفت الملائکة محمدا صلی اللّه علیه و سلم قبل أن تعرف آدم علیه السلام ثم عجنها بطینة آدم* عن ابن عباس عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال کنت نورا بین یدی اللّه قبل أن بخلق اللّه عز و جل آدم بألفی عام یسبح ذلک النور و تسبح الملائکة بتسبیحه فلما خلق اللّه آدم ألقی ذلک النور فی صلبه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأهبطنی اللّه الی الارض فی صلب آدم و جعلنی فی صلب نوح فی السفنة و قذف بی فی النار فی صلب ابراهیم ثم لم یزل ینقلنی من الاصلاب الکریمة و الارحام الطاهرة حتی أخرجنی من أبویّ لم یلتقیا علی سفاح قط* و عن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی قوله تعالی من أنفسکم قال نسبا و صهرا و حسبا لیس فی آبائی من لدن آدم سفاح کلها نکاح قال ابن الکلبی کتبت للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم خمسمائة أمّ فما وجدت فیهنّ سفاحا و لا شیئا مما کان علیه الجاهلیة ذکر هذه الثلاثة فی الشفاء و فی الصفوة عن واثلة بن الاسقع أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال ان اللّه عز و جل اصطفی من ولد ابراهیم اسماعیل و اصطفی من بنی اسماعیل کنانة و اصطفی من کنانة قریشا و اصطفی من قریش بنی هاشم و اصطفانی من بنی هاشم انفرد باخراجه مسلم*

(حدیث صور الأنبیاء)

* عن هشام بن العاصی قال بعثنی أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه و رجلا من قریش الی هرقل صاحب الروم ندعوه الی الاسلام فلما وصلنا إلیه أمر لنا بمنزل حسن و نزلنا فأقمنا ثلاثا فأرسل إلینا فدخلنا علیه فدعا بشی‌ء کالربعة العظیمة مذهبة فیها بیوت صغار علیها أبواب ففتح بیتا فاستخرج حریرة سوداء فنشرها فاذا فیها صورة حمراء و اذا فیها رجل ضخم العینین عظیم الألیتین لم أر مثل طول عنقه و اذا لیس له لحیة و اذا له ظفیرتان أحسن ما خلق اللّه تعالی فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم علیه الصلاة و السلام و اذا هو أکثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فاذا فیها صورة بیضاء و اذا رجل له شعر قطط أحمر العینین ضخم الهامة حسن اللحیة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فاذا فیها رجل شدید البیاض حسن العینین صلب الجبین طویل الخدّ شارع الانف أبیض اللحیة کأنه یتبسم قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:22
علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاذا فیه صورة بیضاء و اذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال هل تعرفون هذا قلنا نعم انه محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بکینا قال و اللّه یعلم انه هو ثم قام قائما ثم جلس و قال اللّه بدینکم انه لهو قلنا نعم انه هو کما ننظر إلیه فأمسک ساعة ینظر إلینا ثم قال أما انه کان آخر الصور هو و لکن عجلته لکم لا نظر ما عندکم ثم عاد ففتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فاذا فیها صورة أدماء سحماء فاذا رجل جعد قطط غائر العینین حدید النظر عابس متراکب الاسنان مقلص الشفتین کأنه غضبان قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا موسی بن عمران علیه الصلاة و السلام و الی جانبه صورة تشبهه الا أنه مدهان الرأس عریض الجبین فی عینیه قبل قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا هارون بن عمران علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فاذا فیها صورة رجل آدم سبط ربعة کأنه غضبان حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا لوط علیه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة رجل أبیض مشرب بحمرة أخفی خفیف العارضین حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسحاق علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة تشبه صورة اسحاق الا أن علی شفته السفلی خالا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا یعقوب علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فیها صورة رجل أبیض حسن الوجه أقنی الانف حسن القامة یعلو وجهه النور یعرف فی وجهه الخشوع یضرب الی الحمرة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسماعیل جدّ نبیکم صلی اللّه علیه و سلم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة کأنها صورة آدم کأن وجهه الشمس قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا یوسف علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة رجل أحمر أحمس الساقین أخفس العینین ضخم البطن ربعة متقلد سیفا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا داود علیه الصلاة و السلام ثم طواها فاستخرج حریرة بیضاء فیها صورة رجل ضخم الألیتین طویل الرجلین راکب علی فرس فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا سلیمان بن داود علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فیها صورة بیضاء و اذا رجل شاب شدید سواد اللحیة کثیر الشعر حسن العینین حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا عیسی ابن مریم علیه الصلاة و السلام قلنا من أین لک هذه الصور فانا نعلم أنها علی ما صوّرت علیها الأنبیاء لانا رأینا صورة نبینا محمد صلی اللّه علیه و سلم مثله فقال ان آدم سأل ربه عز و جل أن یریه الأنبیاء من ولده فأنزل اللّه صورهم و کانت فی خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنین من مغرب الشمس فدفعت الی دانیال فی خرقة من حریر فهذه بأعیانها الصور التی صوّرها دانیال ثم قال و اللّه ان نفسی طابت و فی غیر هذه الروایة لوددت الخروج عن ملکی و أن أکون عبد السریر ملکه حتی أموت ثم أجازنا و سرّحنا فلما قدمنا علی أبی بکر رضی اللّه عنه حدّثناه بما رأیناه و بما قال لنا و بما أخبرنا فبکی أبو بکر رضی اللّه عنه و قال مسکین لو أراد اللّه به خیرا لفعل قال أخبرنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انهم و الیهود یجدون نعت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال اللّه تعالی یجدونه مکتوبا عندهم فی التوراة و الانجیل روی هذا الحدیث أبو بکر القفال الشاشی عن الحسن صاحب الشافی عن ابراهیم بن الهیثم کذا فی المتقی* و عن کعب الاحبار أنه لما أدرک ابراهیم الوفاة جمع أولاده و هم یومئذ ستة و دعا بتابوت ففتحه و قال أیها الاولاد انظروا الی هذا التابوت فنظروا الی ذلک التابوت فرأوا بیوتا بعدد الأنبیاء کلهم و آخر بیوت الأنبیاء بیت محمد صلی اللّه علیه و سلم من یاقوتة حمراء فاذا هو قائم یصلی و عن یمینه الکهل المطیع أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه مکتوب علی جبینه هذا أوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:23
من یتبعه من أمّته و عن یساره الفاروق عمر بن الخطاب مکتوب علی جبینه قرن من حدید أمین شدید لا تأخذه فی اللّه لومة لائم و من ورائه ذو النورین عثمان بن عفان آخذ بحجزته مکتوب علی جبینه ثالث الخلفاء و من بین یدیه علیّ بن أبی طالب شاهر سیفه علی عاتقه مکتوب علی جبینه هذا أخوه و ابن عمه المؤید بنصر اللّه* و فی المنتقی مکتوب علی جبینه لیث کرّار غیر فرّار یحب اللّه و رسوله و حوله عمومته و الخلفاء و النقباء و الکتیبة الخضراء التی أحدقت بها سلسلة و هم أنصار اللّه و أنصار رسوله یسطع نور من حوا فردوا بهم یوم القیامة مثل نور الشمس فی دار الدنیا رضی اللّه عنهم أجمعین* و فی فردوس الاخبار عن ابن مسعود رضی اللّه عنه یقول سمعت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یقول أنا مدینة العلم و أبو بکر أساسها و عمر حیطانها و عثمان سقفها و علی بابها لا تقولوا فی أبی بکر و عمر و عثمان و علیّ إلّا خیرا ذکره فی فصل الخطاب* و فی بحر العلوم عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخبرنی جبریل فقال یا محمد لما خلق اللّه آدم و أدخل الروح فی صدره أمرنی أن أخرج تفاحة من جنة عدن فأخرجتها و عصرتها فی حلق آدم فنقط خمس نقط فالنقطة الاولی خلقک منها و الثانیة أبا بکر و الثالثة عمر و الرابعة عثمان و الخامسة علیا و هو قوله تعالی خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا فالبشر أنت و النسب و الصهر أبو بکر و عمر و عثمان و علی* و فی الریاض النضرة عن علیّ رضی اللّه عنه قال قال لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیک مثل من عیسی علیه السلام بغضته الیهود حتی بهتوا أمّه و أحبته النصاری حتی أنزلوه بالمنزلة التی لیس بها ثم قال یهلک فیّ رجلان محب مفرط بما لیس فیّ و مبغض یحمله شنئانی علی أن یبهتنی أخرجه أحمد فی المسند و عنه قال لیحبنی أقوام حتی یدخلون النار فی حبی و یبغضنی أقوام حتی یدخلوا النار فی بغضی أخرجه فی المناقب و فی الحدیث أرحمکم بأمّتی أبو بکر و أخوفکم فی دین اللّه عمر و أشدّکم حیاء عثمان و أقضاکم علیّ و لکل نبیّ حواری و حواریّ طلحة و الزبیر ابن عمتی و حیث دار سعد بن أبی وقاص فالحق معه و عبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن و أبو عبیدة أمین اللّه و أمین رسوله ذکره فی العمدة و زاد فی الریاض النضرة و سعید بن زید من أحباء الرحمن* و فی بحر العلوم قال صلی اللّه علیه و سلم أرحمکم بأمّتی أبو بکر و أقواکم فی دین اللّه عمر و أشدّکم حیاء عثمان و أقضاکم علی و أعلمکم بالحلال و الحرام معاذ و أقرأکم لکتاب اللّه أنّی و أفرضکم زید و أشهدکم خزیمة بن ثابت و أعلمکم بالمنافقین حذیفة بن الیمان من أصفیاء الرحمن و سعید بن زید من أحباء الرحمن و عبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن و أبو عبیدة بن الجرّاح أمین اللّه و أمین رسوله و من أراد أن ینظر الی عیسی ابن مریم فلینظر الی زید بن أبی ذرّ و رضیت لامّتی ما رضی لها ابن أمّ عبد و ان الجنة مشتاقة الی سلمان أشوق من سلمان الی الجنة و خالد سیف اللّه و رسوله و حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و عباس بن عبد المطلب عمی و صنو أبی و الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنة و جعفر بن أبی طالب یطیر فی الجنة مع الملائکة حیث شاء و أوّل من یقرع باب الجنة بلال ابن حمامة و أوّل من یستقی من حوضی صهیب و أوّل من یصافح الملائکة فی معازة القیامة أبو الدرداء و أوّل من یأکل ثمرة الجنة أبو الدحداح و عبد اللّه بن عمر من وفد الرحمن و عمار بن یاسر من السابقین و لکل شی‌ء فارس و فارس القرآن عبد اللّه بن عباس و لکل نبیّ خلیل و خلیلی سعد بن معاذ و لکل نبیّ حواری و حواریّ طلحة و الزبیر و لکل نبیّ خادم و خادمی أنس بن مالک و لکل أمّة حکیم و حکیم هذه الامّة أبو هریرة* و فی الاستیعاب و أبو هریرة وعاء للعلم و عند سلمان علم لا یدرک و ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذی لهجة أصدق من أبی ذرّ انتهی و حسان بن ثابت مؤید بروح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:24
القدس و صوت أبی طلحة فی الجیش خیر من فئة ثم قال أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم*

(ذکر دلائل نبوّته)

* منها ما ألقی فی التوراة و الانجیل مما قد جمعه العلماء و بینوه و نقله عنهم ثقات منهم عبد اللّه بن سلام و ابنا شعبة ثعلبة و أسید و ابن أمین و مخیریق و کعب الاحبار و أشباههم ممن أسلم من علماء الیهود و بحیرا و نسطور الحکیم و صاحب بصری و ضفاطر و أسقف الشام و الجارود و سلمان و النجاشی و أساقف نجران و غیرهم ممن أسلم من علماء النصاری و قد اعترف بذلک هرقل و صاحب رومة عالم النصاری و رؤساؤهم و مقوقس صاحب مصر و الشیخ صاحبه و ابن صوریا و ابن أخطب و أخوه و کعب بن أسید و الزبیر بن بابا و أبو رافع الاعور و کعب بن الاشرف و لبید بن الاعصم و غیرهم من علماء الیهود ممن حمله الحسد و النفاسة علی البقاء علی الشقاء و الاخبار فی هذا کثیرة لا تنحصر و ما ترادفت به الاخبار عن الرهبان و الاحبار و علماء أهل الکتاب من صفته و صفة أمّته و اسمه و علاماته و ذکر الخاتم الذی بین کتفیه و ما وجد فی ذلک من أشعار الموحدین من المتقدّمین مثل شعر تبع و الاوس بن حارثة و کعب بن لؤیّ و سفیان ابن مجاشع و قس بن ساعدة الایادی و ما ذکر من سیف ذی یزن و غیرهم و ما عرف به من أمر زید بن عمرو ابن نفیل و ورقة بن نوفل و عداس و غیلان الحمیری و شامول عالم الیهود صاحب تبع من صفته و خبره و ما أنذر به الکهان مثل شافع بن کلیب و شق و سطیح و سواد بن قارب و خنافر و أفعی نجران و جدل ابن حجل الکندی و ابن خلصة الدوسی و سعدی بنت کرزین و فاطمة بنت النعمان و من لا یعدّ کثرة و ما ظهر علی ألسنة الاصنام من نبوّته و حلول وقت رسالته و سمع من هواتف الجان و من ذبائح النصب و أجواف الصور و ما وجد من اسمه صلّی اللّه علیه و سلم و الشهادة له بالرسالة مکتوبا فی الحجارة و القبور بالخط القدیم ما أکثره مشهور و اسلام من أسلم بسبب ذلک معروف مذکور و سنذکر فی هذه الطلیعة نبذا منها ان شاء اللّه تعالی* من البشائر ما روی عن کعب الاحبار أنه قال نجد مکتوبا یعنی فی التوراة محمد رسول اللّه عبد مختار لافظ و لا غلیظ و لاصحاب فی الاسواق و لا یجزی بالسیئة السیئة و لکن یعفو و یغفر أمّته الحمادون یکبرون اللّه فی کل مجد و یحمدونه فی کل منزل رعاة للشمس یصلون الصلاة اذا جاء وقتها یأتزرون علی أنصافهم و یتوضّئون علی أطرافهم منادیهم ینادی فی جوّ السماء صفهم فی القتال وصفهم فی الصلاة سواء لهم دویّ فی اللیل کدویّ النحل مولده بمکة و مهاجره بطابة و ملکه بالشام کذا فی المصابیح و قد ورد الثناء علی أمّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم فی الکتب السابقة نحو ما فی الانجیل أمّة محمد حلماء رحماء علماء کأنهم فی الفقه أنبیاء الی غیر ذلک کذا فی شرح التعرّف و عن عبد اللّه بن سلام أنه کان یقول انا لنجد صفة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یعنی فی التوراة یا أیها النبیّ انا أرسلناک شاهدا و مبشرا و نذیرا و حرزا للأمّیین أنت عبدی و رسولی سمیتک المتوکل لست بفظ و لا غلیظ و لاصحاب فی الاسواق و لا تدفع السیئة بالسیئة و لکن تعفو و تغفر و لن أقبضک حتی أقیم بک الملة العوجاء بأن یقولوا لا إله الا اللّه و أفتح بک أعینا عمیا و آذانا صما و قلوبا غلفا کذا فی شواهد النبوّة* و من البشائر ما روی عن عبد اللّه بن سلام أنه قال ان فی الجزء الآخر الذی تتم به التوراة آیة من جملتها بالعربیة هکذا جاء اللّه* و فی المواهب اللدنیة تجلی اللّه من طور سیناء و أشرف من ساعیر و استعلن من جبال فاران و هو اسم عبرانی و لیست ألفه الاولی همزة و هی جبال بنی هاشم التی کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یتحنث فی أحدها و فیه فاتحة الوحی و هی ثلاث أجبل أحدها أبو قبیس و الثانی قعیقعان و الثالث حراء و هو شرقی فاران و منفتحه الذی یلی قعیقعان الی بطن الوادی هو شعب بنی هاشم و فیه مولده صلّی اللّه علیه و سلم فی أحد الاقوال قال ابن قتیبة و لیس فی هذا غموض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:25
لانه أراد مجی‌ء کتابه و نوره کما قال اللّه عز و جل فأتاهم اللّه من حیث لم یحتسبوا أی أتاهم أمره و المعنی بذلک انزال التوراة علی موسی بطور سیناء و سائر أرض الخلیل من الشأم و کان عیسی یسکنها بقریة یقال لها ناصرة و بها سمی من تبعه نصاری* و فی أنوار التنزیل نصاری جمع نصرانی و الیاء فی نصرانی للمبالغة کما فی أحمری سموا بذلک لانهم کانوا معه فی قریة یقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها انتهی و المراد انزاله الانجیل علی عیسی و هو کنایة عن ظهور أمر الانجیل و لیس بین المسلمین و أهل الکتاب خلاف فی أن فاران هی مکة و المراد انزاله القرآن علی محمد صلّی اللّه علیه و سلم و ظهور أمره و شریعته و اللّه أعلم* و من البشائر ما قاله یعقوب علیه السلام جاء اللّه عز و جل بالبیان من فاران و امتلأت السموات من تسبیح أحمد و أمّته یحمل حبه فی البحر کما یحمله فی البرّ یأتینا بکتاب جدید یعرف بعد خراب بیت المقدس کذا فی شواهد النبوّة* و من کلام شعیاء رأیت راکبین أضاءت لهما الارض أحدهما علی حمار و الآخر علی حمل راکب الحمار عیسی و راکب الجمل نبینا صلّی اللّه علیه و سلم و أیضا فی کلامه یا قوم انی رأیت صورة مثل صورة القمر* و فی وصایا موسی علیه الصلاة و السلام لبنی اسرائیل سیأتیکم نبیّ من بنی اخوتکم أی أعمامکم فله صدّقوا و منه فاسمعوا* و من البشائر أن فی الجزء الثانی من السفر الخامس من التوراة السبعینیة التی اتفق سبعون من أحبار الیهود علی صحتها أنه یخاطب اللّه بها موسی و ترجمتها بالعربیة بهذه العبارة انی أقیم لهم نبیا من بنی اخوتهم مثلک و أجری قولی فیه و یقول لهم ما آمره و الرجل الذی لا یقبل قول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الذی یتکلم باسمی فانی أنتقم منه فیفهم منه أنه یکون ذلک النبیّ من غیر بنی اسرائیل من بنی اخوتهم أی أعمامهم. و أن یکون مثل موسی صاحب عز و شریعة و شوکة و ما هو إلا نبینا صلّی اللّه علیه و سلم فان عیسی لم یکن صاحب شریعة و شوکة لما جاء فی الانجیل حکایة عن عیسی انی ما جئت لتبدیل شرع موسی بل لتکمیله کذا فی شواهد النبوّة* لکن فی أنوار التنزیل ما یدل علی أن شرع عیسی ناسخ لشرع موسی حیث قال فی تفسیر قوله تعالی و لأحل لکم بعض الذی حرّم علیکم فی شریعة موسی کالشحوم و السمک و کل ذی ظفر و لحوم الابل و العمل فی السبت و هو یدل علی أن شرعه ناسخ لشرع موسی و لا یخل ذلک بکونه مصدّقا للتوراة کما لا یعود نسخ القرآن بعضه ببعض علیه بتنافر و تکاذب فان النسخ فی الحقیقة بیان تخصیص فی الازمان* و فی الانسان الکامل ان عیسی نسخ دین موسی لانه أتی بما لم یأت به موسی و ذلک أن اللّه تعالی أنزل التوراة علی موسی فی تسعة ألواح و أمره أن یبلغ سبعة منها و یترک لوحین لان العقول لا تکاد تقبل ما فی ذینک اللوحین فلو أنذر بهما موسی لانتقض ما یطلبه و کان لا یؤمن به رجل واحد فهما مخصوصان بموسی علیه الصلاة و السلام من دون غیره من أهل ذلک الزمان* و کانت الالواح التی أمر بتبلیغها فیها علوم الاوّلین و الآخرین الاعلم محمد صلّی اللّه علیه و سلم و ورثته و علم ابراهیم و علم عیسی علیهما الصلاة و السلام فانه لم تتضمنه التوراة خصوصیة لمحمد صلّی اللّه علیه و سلم و کانت الالواح السبعة التی أمر بتبلیغها من حجر المزمر بخلاف اللوحین فانهما کانا من نور و لکون الالواح السبعة من الحجارة قست قلوبهم فلو أمر موسی بابلاغ اللوحین المختصین به لما کان مبعث عیسی من بعده لان عیسی بلغ سرّ ذینک اللوحین المرقومین فنسخ دین موسی لأنه أتی بما لم یأت به موسی لکنه لما أظهر حکم ذلک ضل قومه من بعد و تعبدوه و قالوا انه ثالث ثلاثة و هو الاب و الامّ و الابن و سموا ذلک بالاقانیم الثلاثة فافترق قومه علی ثلاث فرق الملکائیة أصحاب ملکا الذین ظهروا فی الروم و استولوا علیها و النسطوریة أصحاب نسطور الحکیم الذین ظهروا فی زمن المأمون و تصرّف فی الانجیل بحکم رأیه و الیعقوبیة أصحاب یعقوب* و مما ترجموا من الانجیل أن عیسی قال اذا جاء الفارقلیط فهو یشهد لی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:26
و أنتم تشهدون لی أیضا لکینونتکم معی من أوّل أمری قوله الفارقلیط معناه الحکم السرّ یعرف السرّ و المراد به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قوله یشهد لی صریح بنبوّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم اذ لم یشهد للمسیح علیه السلام بالنبوّة و النزاهة عما افتری علیه و بأنه روح اللّه و کلمته وصفیه و رسوله کتاب سوی القرآن و لم تزل الامم تکذب المتبعین للمسیح و الیهود یفترون فی أمره العظائم من البهتان حتی بعث محمد صلّی اللّه علیه و سلم فشهد للمسیح علیه الصلاة و السلام بمثل ما شهد به حواریه الذین کانوا معه من أوّل أمره و المهتدون من أمّته و قال یوحنا أحد الحواریین و هو أحب الخلق الی عیسی أخبرنی المسیح بدین محمد العربی و بشرنی أنه یکون بعده فبشرت به الحواریین فآمنوا به* و فی التوراة و الانجیل دلائل کثیرة غیر ما ذکرنا کذا فی شواهد النبوّة و المنتقی* و مما ترجم أهل الکتاب من أمر داود علیه الصلاة و السلام اللهم ابعث جاعل السنة یجی‌ء یعلم الناس أنه بشر ففهم من هذا أن اللّه أطلع داود علی ما سیقوله النصاری فی المسیح علیه الصلاة و السلام اذا أرسله من انه إله معبود فدعا اللّه سبحانه بأن یبعث محمدا صلّی اللّه علیه و سلم فیعلمهم أنه بشر و مما قاله داود اللهم ابعث مقیم السنة بعد الفترة* و فی مزمور من مزامیر داود علیه الصلاة و السلام ان اللّه أظهر من صهیون اکلیلا محمودا* صهیون اسم مکة و الاکلیل ضرب المثل للرئاسة و الامامة و محمود هو صلّی اللّه علیه و سلم و مما ترجموا فی کتاب شعیاء علیه الصلاة و السلام عبدی الذی سرّت به نفسی أنزل علیه وحیی فیظهر فی الامم عدله یوصیهم بالوصایا لا یضحک و لا یسمع صوته فی الاصوات یفتح العیون العور و الآذان الصم و یحیی القلوب الغلف و ما أعطیه لا أعطی أحدا مشقح یحمد اللّه حمدا مدیدا یأتی من أقصی الارض به تفرح البریة و سکانها یهللون اللّه علی کل شرف و یکبرونه علی کل رایة لا یضعف و لا یغلب و لا یمیل للهوی و لا یذل الصالحین الذین هم کالقصبة الضعیفة بل یقوّی الصدّیقین و هو رکن المتواضعین و هو نور اللّه الذی لا یطفأ سلطانه علی کتفه هذه ترجمة السریانیة و ترجمة العبرانیة علی کتفه علامة النبوّة فهذا کله صریح فی البشارة بمحمد صلّی اللّه علیه و سلم مع ما فیه من ذکر دولة العرب بقوله تفرح البریة و سکانها و أما قوله مشقح فهو محمد صلّی اللّه علیه و سلم لان الشقح بلغتهم الحمد* و من بشائر الکتب أنه جاء فی صحف آدم و ابراهیم و غیرهما من الأنبیاء صفة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و صفة أمّته* و من بشائر الأنبیاء ما روی عن عبد الرحمن بن زید قال قال آدم علیه الصلاة و السلام انی لسید البشر یوم القیامة الا رجلا من ذرّیتی من الأنبیاء یقال له أحمد فضل علیّ باثنتین زوجته عاونته و کانت له عونا و کانت زوجتی عونا علیّ و ان اللّه أعانه علی شیطانه فأسلم و کفر شیطانی* و فی الشفاء حکی أبو محمد المکی و أبو اللیث السمرقندی و غیرهما أن آدم علیه السلام عند معصیته قال اللهم بحق محمد اغفر لی خطیئتی و یروی و تقبل توبتی فقال له من أین عرفت محمدا صلّی اللّه علیه و سلم قال رأیت فی الجنة مکتوبا لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و یروی عبدی و رسولی فعلمت أنه أکرم خلقک علیک فتاب اللّه علیه و فی روایة أخری فقال آدم لما خلقتنی رفعت رأسی الی عرشک فاذا فیه مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه* صلی اللّه علیه و سلم فعلمت أنه لیس أحد أعظم قدرا عندک ممن جعلت اسمه مع اسمک فأوحی اللّه عز و جل إلیه و عزتی و جلالی انه لآخر الأنبیاء من ذرّیتک و لولاه ما خلقتک قال و کان آدم یکنی بأبی محمد و قیل بأبی البشر فحص اللّه سبحانه و تعالی نبینا محمدا صلّی اللّه علیه و سلم بهذا الشرف و أخبر به و ببعثته علی ألسنة الرسل قبل وجوده بدهر طویل و ألزم بذلک الحجة علی عباده و قوّی بصائر من آمن به فللّه الحمد علی ذلک و قیل فی المعنی شعر
بشری لنا معشر الاسلام ان لنامن العنایة رکنا غیر منهدم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:27 لما دعا اللّه داعینا لطاعته‌بأکرم الرسل کنا أکرم الامم و من البشائر ما روی عن أبیّ بن کعب لما قدم تبع المدینة و نزل بقباء بعث الی أحبار الیهود فقال انی مخرب هذا البلد حتی لا یقوم به یهودیة و یرجع الامر الی دین العرب فقال شامول الیهودی و هو یومئذ أعلمهم أیها الملک ان هذا البلد یکون إلیه مهاجر نبیّ من ولد اسماعیل مولده مکة و اسمه أحمد و هذه دار هجرته ان منزلک الذی أنت به یکون به من القتل و الجراح أمر کثیر فی أصحابه قال تبع فمن یقاتله و هو نبیّ کما تزعمون قال یسیر إلیه قوم فیقتلون هنا قال فأین یکون قبره قال بهذا البلد قال فان قوتل فلمن تکون الدائرة قال تکون علیه مرّة و له مرّة و بهذا المکان الذی أنت به غلبته فیقتل به أصحابه مقتلة ثم یقتلون فی مواطن ثم تکون العاقبة له فیظهر فلا ینازعه فی هذا الامر أحد قال و ما صفته قال رجل لیس بالقصیر و لا بالطویل فی عینیه حمرة یرکب البعیر و یلبس الشملة سیفه علی عاتقه لا یبالی من لاقی له أخ و ابن عم أو عم حتی یظهر أمره قال تبع فما لی بهذا البلد من سبیل و ما کان لیکون خرابه علی یدیّ فخرج تبع الاوّل بن عمرو ذی الاذعار بن ابرهة ذی المنار بن الرایش* قال ابن اسحاق الرایش بن عدیّ بن صیفی بن سبأ الاصغر بن کعب بن زید الجمهور بن سهل بن عمرو بن قیس بن معاویة بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عریب بن زهیر بن أبین بن الهمیسع ابن العرفج حمیر بن سبأ الاکبر بن یعرب بن یشجب بن قحطان* قال ابن هشام یشجب بن یعرب ابن قحطان* قال ابن اسحاق و تبان أسعد أبو کرب الذی قدم المدینة و ساق الحبرین من الیهود الی الیمن و عمر البیت الحرام و کساه و کان ملکه قبل ملک ربیعة بن مضر* و فی الوفاء لما قدم المدینة تبع و أراد خرابها جاءه حبران من بنی قریظة یقال لهما سحبت و منبه فقالا أیها الملک انصرف عن هذه البلدة فانها محفوظة و انها مهاجر نبیّ من بنی اسماعیل اسمه أحمد یخرج فی آخر الزمان فأعجب مما سمع منهما و صدّقهما و کف عن أهل المدینة و ستجی‌ء القصة بتمامها* و فی أنوار التنزیل و هو الذی سار بالجیوش و حیر الحیرة و بنی سمرقند و قیل هدمها و قیل لملوک الیمن التبابعة لانهم یتبعون کما قیل لهم الاقیال لانهم یتقیلون و فی الحدیث ما أدری کان تبع نبیا أو غیر نبیّ* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و کان تبع قد جعل طریقه حین أقبل من المشرق علی المدینة و کان قد مرّ بها فی بدائه فلم یهج أهلها فخلف بین أظهرهم ابنا له فقتل غیلة فقدمها و هو مجمع لاخرابها و استئصال أهلها و قطع نخلها فجمع له هذا الحیّ من الانصار و رئیسهم عمرو بن طلحة أخو بنی النجار و طلحة أمّه و هی بنت عامر بن رزیق قال ابن اسحاق و قد کان رجل من بنی عدیّ بن النجار یقال له أحمر عدا علی رجل من أصحاب تبع حین نزل بهم فقتله و ذلک أنه وجده فی عذق له بحدّة فضربه بمنجله فقتله و قال انما التمر لمن أبره فزاد ذلک تبعا حنقا علیهم فاقتتلوا فزعم الانصار أنهم کانوا یقاتلونهم بالنهار و یقرونهم باللیل فیعجبه ذلک منهم فیقول و اللّه ان نفرا فعلوا ذلک لکرام فبینما تبع علی ذلک من حربهم اذ جاء حبران من أحبار الیهود من بنی قریظة و النضیر و النخام و عمرو و هذیل بنو الخزرج بن الصریح بن التومان ابن الصیت بن الیسع بن الحبر بن النخام بن سحوم بن عاز بن عزری بن هارون بن عمران بن یصهر ابن فاهت بن لاوی بن یعقوب و هو اسرائیل بن اسحاق بن ابراهیم خلیل الرحمن عالمان راسخان حین سمعا بما یرید من اهلاک المدینة و أهلها فقالا له أیها الملک لا تفعل فانک ان أبیت الا ما ترید حیل بینک و بینها و لم نأمن علیک عاجل العقوبة فقال لهما و لم ذلک فقالا مهاجر نبیّ یخرج من هذا الحرم من قریش فی آخر الزمان تکون داره و قراره فانتهی تبع و رأی أن لهما علما و فهما و أعجبه ما سمع منهما فانصرف من المدینة و اتبعهما علی دینهما* قال ابن اسحاق و کان تبع و قومه أصحاب أوثان یعبدونها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:28
فتوجه الی مکة و هی طریقة الی الیمن حتی اذا کان بین عسفان و أمج أتاه نفر من هذیل بن مدرکة ابن الیاس بن مضر بن نزار بن معدّ فقالوا أیها الملک أ لا ندلک علی بیت مال داثر أغفلته الملوک قبلک فیه اللؤلؤ و الزبرجد و الیاقوت و الذهب و الفضة قال بلی قالوا بیت مکة یعبده أهلها و یصلون عنده و انما أراد الهذلیون هلاکه بذلک لما عرفوا من هلاک من أراده من الملوک و بغی عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الی الجبرین و سألهما عن ذلک فقالا له ما أراد القوم إلا هلاکک و هلاک جندک ما نعلم بیتا للّه اتخذه لنفسه فی الارض غیره و لئن فعلت ما دعوک إلیه لتهلکنّ و لیهلکنّ من معک جمیعا قال فما ذا تأمر اننی أن أصنع به اذا أنا قدمت علیه قال تصنع عنده ما یصنع أهله تطوف به و تعظمه و تکرمه و تحلق رأسک عنده و تتذلل له حتی تخرج من عنده قال فما یمنعکما أنتما من ذلک قالا أما و اللّه انه لبیت أبینا ابراهیم و انه لکما أخبرناک و لکن أهله حالوا بیننا و بینه بالاوثان التی نصبوها حوله و بالدماء التی یهریقون عنده و هم نجس أهل شرک فعرف نصحهما و صدّق حدیثهما فقرّب النفر من هذیل فقطع أیدیهم و أرجلهم ثم مضی حتی قدم مکة فطاف بالبیت و نحر عنده و حلق رأسه و أقام بمکة ستة أیام فیما یذکرون ینحر بها للناس و یطعم أهلها و یسقیهم العسل و رأی فی المنام أن یکسو البیت فکساه الخصف ثم أراد أن یکسوه أحسن من ذلک فکساه المعافر ثم رأی أن یکسوه أحسن من ذلک فکساه الملاء و الوصائل* و کان تبع فیما یزعمون أوّل من کسا البیت و أوصی به ولاته من جرهم و أمرهم بتطهیره و أن لا یقرّبوه دما و لا میتة و لا میلغا و هی الحائض و جعل له بابا و مفتاحا ثم خرج متوجها الی الیمن بمن معه من جنوده و بالحبرین حتی اذا دخل الیمن دعا قومه الی الدخول فیما دخل فیه فأبوا علیه حتی تحاکموا الی النار التی کانت بالیمن قال ابن اسحاق فیما یرفعه الی طلحة بن عبید اللّه أنه یحدّث أن تبعا لما دنا من الیمن لیدخلها حالت حمیر بینه و بین ذلک و قالوا لا تدخلها علینا و قد فارقت دیننا فدعاهم الی دینه و قال انه خیر من دینکم قالوا فحاکمنا الی النار قال نعم قال و کانت بالیمن فیما یزعم أهلها نار تحکم بینهم فیما یختلفون فیه تأکل الظالم و لا تضرّ المظلوم فخرج قومه بأوثانهم و ما یتقرّبون به فی دینهم و خرج الحبران بمصاحفهما فی أعناقهما متقلدین بهما حتی قعدوا للنار عند مخرجها الذی تخرج منه فخرجت إلیهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها و هابوها فردّهم من حضرهم من الناس و أمروا بالصبر لها حتی غشیتهم فأکلت الاوثان و ما قرّبوها معها و من حمل ذلک من رجال حمیر و خرج الحبران بمصاحفهما فی أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما النار فصفقت عند ذلک حمیر عن دینها فمن هنالک کان أصل الیهودیة بالیمن قال ابن اسحاق و قد حدّثنی محدّث أن الحبرین و من خرج من حمیر انما تبعوا النار لیردّوها قالوا و من ردّها فهو أولی بالحق فدنا منها رجال حمیر بأوثانهم لیردّوها فدنت منهم لتأکلهم فحادوا عنها و لم یستطیعوا ردّها و دنا منها الحبران بعد ذلک بمصاحفهما و جعلا یتلوان التوراة و تنکص حتی ردّاها الی مخرجها الذی خرجت منه فصفقت عند ذلک حمیر عن دینها و اللّه أعلم أیّ ذلک کان* قال ابن اسحاق و کان فی رئام بیت لهم یعظمونه و ینحرون عنده و یکلمون منه اذ کانوا علی شرکهم فقال الحبران لتسع انما هو شیطان یفتنهم فحل بیننا و بینه قال فشأنکما به فاستخرجا منه فیما یزعم أهل الیمن کلبا أسود و ذبحاه ثم هدما ذلک البیت فبقایاه الیوم فیما ذکر لی بها آثار الدماء التی کانت تهراق عنده*

ذکر خبر أبی عامر الراهب‌

و من أخبار الجنّ ما روی أن أبا عامر الراهب کان و صافا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل ظهور أمره و کان قد رغب عن الشرک و طلب الحنیفیة دین ابراهیم و سافر الی جهات شتی فسال أهل الکتاب عن الحنیفیة فأخبره علماؤها بمبعث محمد صلّی اللّه علیه و سلم بملة ابراهیم علیه الصلاة و السلام و نعتوه له فقال أبو عامر انه ذکر لی کاهن بالیمن أنه یذکر الامور المتوقعة الحدوث فتوجهت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:29
إلیه منفردا و سریت فی لیلة قراء فغشینی النوم فما أفقت الا و راحلتی تعسف بی مجهلا حزنا منکرا فراعنی ذلک و أوجست خوفا و تلغت فاذا نیران کالنجوم فنحوتها عسعا و خبطا حتی دنوت منها فاذا هی متقاربة قد حف بها مصطلون لا یشبهون البشر لهم لغط و لم أر بیوتا و لا نعما فقفّ شعری و قامت راحلتی فتغاجت و رجزت فالقیت نفسی عنها و انعطفت تلک الاشخاص زرافات نحوی فصرخت بأندی صوتی أنا عائذ بزعیم هذه الزرافات فأتانی أربعة منهم فحیونی و جلسوا الیّ فاذا صور مشوّهة و مناظر فظیعة فقال لی أحدهم ممن الانسی فقلت رجل من غسان من بنی قیلة قال أین نویت قلت أ لست فی ذمّة جوار قال بلی فلا بأس علیک فأخبرتهم خبری من فصه ثم قلت انا معشر الانس انما نعتمد الکهان لما یأخذونه عنکم من العلم فأخبرونی بطلبتی فأشار ثلاثة منهم الی الرابع و قالوا علی الخبیر سقطت فحصصته بالمسألة فقال أبو من أنت فقلت أبو عامر فقال نعم یا أبا عامر و نعامة عین فدونک علما لیس بالمین یا أبا عامر أقسم بنا عش القفر الغامر بالقطر الهامر لتعملن العناسر الضوامر الی أکرم آمر و أنضح ذا مر و لینزلن من السماء کلام آمر یحش العکص المغامر و یفحم عن السمر السامر یا أبا عامر ان اللّه قد أسفه هیاع دغامر و میاع غوامر و کأن قد ندب هاصر أکاسر و قیاصر و زافی غوایات أعاصر قال أبو عامر فقلت أملک هذا المندوب قال کلا بل نبی شراف کرام واف موطأ الاکناف من بنی هاشم بن عبد مناف فقال أبو عامر أراک تنسبه فهل تصفه لی قال أجل انه لأزهر وضاح لیس بالطویل الملواح و لا بالقصیر الدحداح اذا نظرنا أولاح و اذا أوذی أعرض و أشاح فی عینیه نجلة و لامره و شکلة غیر ممغره و بین کتفیه امره و هو أمی لا یزبر السطره یأتی بالحنیفیة المیسرة فیسعد من قاف أثره سمع أذنی من المجتحة السفرة قال أبو عامر ثم نهض و استتبع الثلاثة فتبعوه فلزمت مکانی سائر لیلتی فلما أصبحت عدت لطیتی* و أبو عامر هذا لم ینفعه اللّه تعالی بما علم من صفة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان یرتقب بعثة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما بعث حسده فخذل الناس عنه و لم یؤمن به و هو الذی بنی مسجد الضرار و هو المشار إلیه بقوله تعالی و ارصادا لمن حارب اللّه و رسوله و کان أوّل من أنشب الحرب یوم أحد و دعا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یمیته اللّه طریدا وحیدا فاستجاب اللّه دعاءه فعاود عبادة الاصنام و أقام بمکة الی یوم الفتح ثم فرّ یوم الفتح و لحق بأرض الروم فتنصر و مات بها طریدا وحیدا فنعوذ باللّه من علم لا ینفع و قلب لا یخشع (و من أخبار الکهنة) ما روی أن مرثد بن عبد کلال کان ملکا عظیما رأی فی منامه رؤیا أخافته فی حال منامه فلما استیقظ أنسیها حتی ما تذکر منها شیئا و بقی ارتعاده فی قلبه و استقرّ خوفه فی نفسه فانقلب سروره حزنا فجمع الکهان و استخبرهم فما أخبره أحد برؤیاه و لا بتأویلها الی أن خرج یوما الی الصید فأوغل فی طلبه و انفرد عن أصحابه فرفعت له أبیات فی ذری جبل و قد لفحه الهجیر فعدل الی الابیات و قصد بیتا منها کان منفردا عنها فبرزت إلیه منه عجوز فقالت له انزل بالرحب و السعة و الامن و الدعة و الجفنة المدعدعة و العلبة المترعة فنزل عن جواده و دخل البیت فلما احتجب عن الشمس و خفقت علیه الارواح نام فلم یستیقظ حتی تصرّم الهجیر فجلس یمسح عینیه فاذا بین یدیه فتاة لم یر مثلها فی الجمال فقالت له أیها الملک الهمام هل لک فی الطعام فاشتدّ اشفاقه و خاف علی نفسه لما رأی أنها قد عرفته فتصامم عن کلمتها فقالت له لا حذر فداک البشر فجدّک الاکبر و حظنا بک الاوفر ثم قرّبت إلیه ثریدا و قدیدا و حیسا و قامت تذب عنه حتی انتهی أکله ثم سقته لنا صریغا و ضریبا فشرب ما شاء و جعل یتأمّلها مقبلة و مدبرة فملأت عینه جمالا و قلبه هوی فقال لها ما اسمک یا جاریة قالت له اسمی عفیرا قال لها یا عفیراء من الذی دعوتیه الملک الهمام قالت مرثد عظیم الشأن حاشر الکواهن و الکهان لمعضلة بعل بها الجان قال الملک یا عفیرا أ تعرفین ما تلک المعضلة قالت أجل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:30
أیها الملک الهمام انها رؤیا منام لیست بأضغاث أحلام قال أصبت یا عفیرا فما تلک الرؤیا قالت رأیت أعاصیر زوابع بعضها لبعض تابع فیها لهب لامع و لها دخان ساطع یقفوها نهر متدافع و سمعت فیما أنت سامع دعاء ذی جرس صادع هلموا الی المشارع روی جارع و عذق کارع قال الملک أجل هذه رؤیای فما تأویلها یا عفیرا قالت الاعاصیر الزوابع ملوک تتابع و النهر علم واسع و الداعی نبیّ شافع و الجارع ولیّ تابع و الکارع عدوّ له منازع قال الملک یا عفیرا أسلم هذا النبیّ أم حرب قالت أقسم برافع السماء و منزل الماء من الغماء انه لمبطل الدماء و منطق العقائل نطق الاماء قال الملک الی ما ذا یدعو یا عفیرا قالت الی صلاة و صیام وصلة أرحام و کسر أصنام و تعطیل أزلام و اجتناب آثام قال الملک یا عفیراء من قومه قالت مضر بن نزار و لهم منه نقع مثار یجلی عن ذبح و أسار قال یا عفیراء اذا ذبح قومه فمن أعضاده قالت أعضاده غطاریف یمانیون طائرهم به میمون یغزو بهم فیغزون و یدمث بهم الحزون و الی نصره یعزون* (و من أخبار الکهنة) ما روی أن لهیبا بن مالک اللهبی قال حضرت عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذکرت الکهانة فقلت یا رسول اللّه نحن أوّل من عرف حراسة السماء و زجر الشیاطین و منعهم من استراق السمع عند قذف النجوم و ذلک أنا اجتمعنا الی کاهن لنا یقال له خطر بن مالک و کان شیخا کبیرا قد أتی علیه من العمر مائة و ثمانون سنة و کان من أعلم کهاننا فقلنا له یا خطر هل عندک علم من هذه النجوم التی یرمی بها فانا قد فزعنا لها و هالنا أمرها و خفنا سوء عاقبتها فقال ائتونی بسحر أخبرکم الخبر بخیر أم ضرر و أمن أم حذر قال لهیب فانصرفنا عنه یومنا ثم أتیناه من الغد فی وجه السحر فاذا هو قائم علی قدمیه شاخص الی السماء بعینیه فنادیناه یا خطر فأومأ إلینا أن اسکتوا فأمسکنا و انقض نجم عظیم من السماء فصرخ الکاهن قائلا أصابه اصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زایله جوابه یا ویله ما حاله بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله و غیرت أحواله ثم أمسک طویلا ثم قال یا معشر بنی قحطان أخبرکم بالحق و البیان أقسمت بالکعبة و الارکان و البلد المؤتمن السکان قد منع السمع عتاة الجان بثاقب یکف ذی سلطان من أجل مبعوث عظیم الشأن یبعث بالتنزیل و القرآن و بالهدی و فاصل الفرقان تبطل به عبادة الاوثان قال لهیب فقلنا له یا خطر انک لتذکر أمرا عجیبا فما ذا تری لقومک قال* أری لقومی ما أری لنفسی* أن یتبعوا خیر نبیّ الانس* برهانه مثل شعاع الشمس* یبعث من مکة دار الحمس* بمحکم التنزیل غیر اللبس* فقلنا له یا خطر و ممن هو فقال و الحیاة و العیش انه لمن قریش ما فی حلمه طیش و لا فی خلقه هیش یکون فی جیش و أیّ جیش من آل قحطان و آل ایش فقلت له بین لنا من أیّ قریش هو قال و البیت ذی الدعائم و الرکن و الاحائم انه لمن نجل هاشم من معشر أکارم یبعث بالملاحم و قتل کل ظالم ثم قال هذا هو البیان أخبرنی به رئیس الجان ثم قال اللّه أکبر جاء الحق و ظهر و انقطع عن الجنّ الخبر ثم سکت و أغمی علیه فما أفاق الا بعد ثلاث و قال لا إله الا اللّه* فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه لقد نطق عن مثل نبوّة و انه لیبعث یوم القیامة أمّة وحده و اللّه تعالی أعلم‌

* الطلیعة الثانیة من المقدّمة

اشارة

(الطلیعة الثانیة من المقدّمة فی ذکر خلق السموات و الارض و مدّة خلقهما و خلق الملائکة و الجان و ذکر مدّة الدنیا و مدّة هذه الامّة و ابتداء خلق آدم و حوّاء و أخذ المیثاق و کیفیة انتقال نبینا صلّی اللّه علیه و سلم من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة و بالعکس و بیان نسبه من الطرفین و ذکر الشام و الارض المقدّسة و کیفیة ظهور زمزم أوّلا فی زمن ابراهیم و اسماعیل و انطماسها بعدهما و بقائها منطمسة الی زمن عبد المطلب و فیها ذکر یعقوب و یوسف و ذکر قتل شعیا و تخریب بخت نصر بیت المقدس و قصة قتل زکریا و یحیی و ذکر ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب ثانیا)*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:31

* (ذکر خلق السماء و الارض)

* روی عن الحسن خلق اللّه الارض فی موضع بیت المقدس کهیئة النهر علیها دخان أی جوهر ظلمانی ملتزق بها ثم أصعد منها الدخان و خلق منه السموات و أمسک النهر فی موضعه و بسط منه الارض* و فی المدارک و غیره بسط الارض من تحت الکعبة فذلک قوله تعالی کانتا رتقا و هو الالتزاق فخلق جرم الارض مقدّم علی خلق السماء و أما دحوها و بسطها فتأخر لقوله تعالی و الارض بعد ذلک دحاها کذا فی الکشاف و أنوار التنزیل و غیرهما* و فی عرائس الثعلبی قالت العلماء ثم لما أراد اللّه عز و جل أن یخلق السموات خلق جوهرة مثل السموات السبع و الارضین السبع ثم نظر إلیها نظر هیبة فصارت ماء ثم نظر الی الماء فعلا و ارتفع له زبد و دخان فخلق من الزبد الارض و من الدخان السماء لقوله تعالی ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ ثم فتقها بعد ما کانت طبقة واحدة و صیرها سبعا و ذلک قوله تعالی أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانتا رتقا ففتقناهما قال الربیع بن أنس سماء الدنیا موج مکفوف و الثانیة من صخرة و الثالثة من حدید و الرابعة من نحاس و الخامسة من فضة و السادسة من ذهب و السابعة من یاقوت* (ذکر مدّة خلقهما)* عن محمد بن سیرین عن رجل من أهل الکتاب أسلم قال ان اللّه تعالی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ و قال ابن عباس تلک الایام الستة مقدار ستة آلاف سنة انتهی قال اللّه تعالی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ من الاحد الی الجمعة و تفصیل ذلک فی سورة حم السجدة خلق الارض فی یومین الآیات و فی الحدیث ان اللّه خلق الارض یوم الاحد و الاثنین و خلق الجبال و فی روایة الحدید یوم الثلاثاء و خلق یوم الاربعاء الشجر و الماء و العمران و الخراب و أنواع النباتات و الحیوانات و أقوات أهل الارض و أرزاقهم فتلک أربعة أیام و خلق سبع سماوات فی یومین الآیات فخلق یوم الخمیس السموات و خلق یوم الجمعة الشمس و القمر و النجوم و الملائکة و خلق آدم آخر ساعة من یوم الجمعة آخر الخلق فی الساعات قیل هی الساعة التی تقوم فیها القیامة و خلقهما بالمهملة تعلیما للاناءة و لو أراد أن یخلقهما فی لحظة لفعل کذا فی أنوار التنزیل و غیره* و فی بحر العلوم و المشارق للعلامة مسلم عن أبی هریرة قال أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیدی فقال خلق اللّه التربة یوم السبت و خلق فیها الجبال یوم الاحد و خلق البحر و فی المشارق الشجر یوم الاثنین* و خلق المکروه یوم الثلاثاء و خلق النور یوم الاربعاء و بث فیها الدواب یوم الخمیس و خلق آدم یوم الجمعة آخر الخلق فی آخر ساعة من ساعات الجمعة فیما بین العصر الی اللیل* و فی صحیح مسلم فی آخر ساعة من النهار و فی البحر أیضا خلق اللّه آدم و زوّجه حوّاء یوم الجمعة و أسکنه الجنة و أهبطه منها و توفاه و ذلک کله یوم الجمعة* و فی العرائس روت الرواة أن اللّه تعالی ابتدأ خلق الاشیاء یوم الاحد الی الخمیس و خلق یوم الخمیس ثلاثة أشیاء السموات و الملائکة و الجنة الی ثلاث ساعات بقیت من یوم الجمعة فخلق فی الساعة الاولی الاوقات و الآجال و فی الثانیة الارزاق و فی الثالثة آدم علیه السلام و قال یحیی بن کثیر خلق اللّه ألف أمّة فأسکن ستمائة البحر و أربعمائة البرّ کذا فی المختصر*

(ذکر خلق الملائکة و الجان)

* فی أنوار التنزیل اختلف العقلاء فی حقیقة الملائکة بعد اتفاقهم علی أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أکثر المسلمین الی أنها أجسام لطیفة قادرة علی التشکل بأشکال مختلفة مستدلین بأن الرسل کانوا یرونهم کذلک و قالت طائفة من النصاری هی النفوس الفاضلة البشریة المفارقة للابدان و زعم الحکماء أنها جواهر مجرّدة مخالفة للنفوس الناطقة فی الحقیقة منقسمة الی قسمین قسم شأنهم الاستغراق فی معرفة الحق و التنزه عن الاشتغال بغیره کما وصفهم فی محکم تنزیله فقال یسبحون اللیل و النهار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:32
لا یفترون و هم العلویون و الملائکة المقرّبون و قسم یدبر الامر من السماء الی الارض علی ما سبق به القضاء و جری به القلم الالهی لا یعصون اللّه ما أمرهم و یفعلون ما یؤمرون و هم المدبرات أمرا فنهم سماویة و منهم أرضیة* و فی بحر العلوم روی عن ابن عباس أنه قال ان اللّه خلق الفلک و خلق تحته بحرا من نار لا دخان لها و خلق منها نوعین من الملائکة خلق من لهبها نوعا و من جمرها نوعا فالذین خلقهم من لهبها سماهم الملائکة و الذین خلقهم من جمرها سماهم جانا قال اللّه تعالی و الجانّ خلقناه من قبل من نار السموم فأسکن الملائکة السماء و أسکن الجان الارض فاختلف النوعان من ثلاثة أوجه أولئک سموا ملائکة و أولئک سموا جانا و أولئک کانوا من نور و هؤلاء من عینها و أولئک أسکنوا السماء و هؤلاء أسکنوا الارض و ابلیس کان منهم لقوله تعالی إِلَّا إِبْلِیسَ کانَ مِنَ الْجِنِ* و فی المدارک عن الحافظ أن الجنّ و الملائکة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملک و من خبث فهو شیطان و من کان بین ذلک فهو جنّ* و فی ربیع الابرار أن صنفا من الملائکة لهم ستة أجنحة فجناحان یلفون بهما أجسادهم و جناحان یطیرون بهما فی الامر من أمور اللّه و جناحان مرخیان علی وجوههم حیاء من اللّه* و فی أصول الامام الصفار سئل رضی اللّه عنه أ تکون الملائکة فی الآخرة فی الجنة قال نعم لانهم یبلغون السلام من اللّه علی المؤمنین کما قال اللّه تعالی و الملائکة یدخلون علیهم من کل باب سلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبی الدار* و سئل رضی اللّه عنه أن الملائکة هل یرون ربهم قال لا یرون ربهم سوی جبریل مرّة واحدة فقیل اذا کانوا موحدین لم لا یرون ربهم قال لان الرؤیة فضل اللّه و اللّه تعالی یؤتی الفضل من یشاء کما قال اللّه تعالی و أن الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء و اللّه ذو الفضل العظیم* و سئل رضی اللّه عنه أن الجنّ هل یدخلون الجنة قال کفار الجنّ مع کفار الانس فی النار أبدا کما قال تعالی لأملأنّ جهنم من الجنة و الناس أجمعین و أما مؤمنو الجنّ قال أبو حنیفة رضی اللّه عنه لا یکونون فی الجنة و لا فی النار و لکن فی معلوم اللّه و عند صاحبیه یکونون فی الجنة و لکن لا یرون اللّه تعالی کما ذکرنا فی الملائکة* و فی أنوار التنزیل روی عن ابن عباس أن من الملائکة ضربا یتوالدون یقال لهم الجنّ و منهم ابلیس* و فی کتاب أبی المعین النسفی و قد جاء فی الخبر أن الشیطان اذا فرح علی معصیة بنی آدم یبیض بیضتین فیخرج منها الولد و هذا هو الصحیح و قد جاء فی الخبر أن فی احدی فخذیه فرجا و فی الاخری ذکرا فیجامع نفسه فیخرج منه الولد و هذا غیر صحیح و الصحیح هو الاوّل* و فی أنوار التنزیل و المدارک الجان أبو الجنّ کما ان آدم أبو الانس و قیل الجان ابلیس و یجوز أن یراد به جنس الجنّ خلقه من قبل خلق الانسان أو قبل خلق آدم قوله من نار السموم أی الحرّ الشدید النافذ فی المسام* قیل هذه السموم جزء من سبعین جزأ من سموم النار التی خلق اللّه منها الجان و هو لا ینافی قوله تعالی و خلق الجانّ من مارج من نار المارج النار الصافیة الخالصة من الدخان قوله من نار بیان للمارج فانه فی الاصل للمضطرب من مرج اذا اضطرب و لا یمتنع خلق الحیاة فی الاجرام البسیطة کما لا یمتنع خلقها فی الجواهر المجرّدة فضلا عن الاجسام المؤلفة التی الغالب فیها الجزء الناری فانها أقبل لها من المؤلفة التی الغالب فیها الجزء الارضی و قوله من نار باعتبار الغالب کقوله تعالی خلقکم من تراب* و فی المشکاة الجنّ ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة یطیرون فی الهواء و صنف حیات و کلاب و صنف یحلون و یظعنون رواه فی شرح السنة* و فی بحر العلوم ان اللّه أسکن الجنّ الارض و رکب فیهم الشهوة و کلفهم العبادة فأتی علیهم الزمار فتناسلوا و تنافسوا و تکاسلوا و تفاسدوا و تحاسدوا و تقاتلوا و تعاطوا الحرام و ارتکبوا الآثام فبعث اللّه إلیهم رسولا فعصوه فدعاهم فأبوا و کان فیهم عابد زاهد ففارقهم و صعد جبلا و اتخذ صومعة و جعل یعبد اللّه تعالی و یقول لا طاقة لی بعذاب اللّه و لا قوّة لی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:33
علی عقاب اللّه و کان اسمه یومئذ عزازیل لعزه بالطاعة فعبد اللّه زمانا و بالغ حتی أعجب ذلک ملائکة السماء الدنیا فسألوا اللّه أن یرفعه إلیهم لیفرحوا برؤیته ففرح المطیعین بالمطیعین و انس المحبین بالمحبین و قالوا طاعات جمیع الارض لو قوبلت بطاعة واحد من أهل السماء الدنیا لرجح عمل ذلک الواحد علی عمل هؤلاء و طاعات أهل السماء الدنیا و أهل الارض لو قوبلت بطاعة واحد من ملائکة السماء الثانیة لرجح ذلک علی عمل هؤلاء و کذلک کل سماء علی هذا الاعتبار الی العرش ثم هم یسرّون بعمل أهل الارض و یتقرّبون إلیهم فرفعه اللّه الی السماء الدنیا فاجتهد فیهم و زاد فی الجهد فنظر إلیه أهل السماء الثانیة فأعجبهم فسألوا ما سأل أهل سماء الدنیا ثم کذلک الی أن رفعه اللّه الی العرش و اختلط بحملة العرش و الطائفین حوله و اجتهد حتی أکرم بخزانة العرش و دفع إلیه مفتاحها فکان یطوف حول السموات و معه مفتاح الجنة و کانوا یتقرّبون إلیه و یتنادون فیما بینهم یا خازن الجنة و مقدّم أهل العبادة فلا اغترار بالبرّ فتحت کل برّ شرّ و لا اعتماد بالطاعة ففی کل طاعة آفة* و فی روایة أخری لهذه القصة قال أبیّ بن کعب وجدت فی التوراة ان الجنّ بنی الجان کانوا قبیلة من الملائکة أنزلهم اللّه تعالی الارض و رکب فهم الشهوة فتناسلوا و کثروا فصاروا سبعین ألف قبیلة کل قبیلة سبعون ألف کردوس کل کردوس سبعون ألف نفس کلهم کانوا مطیعین مصلحین حتی مضی علی ذلک زمان فاتفق أن واحدا منهم مرّ بأرض نبت فیها نبات رائق فأعجبه ثم مرّ به بعد أیام فاذا هو قد طال ثم مرّ به بعد زمان فاذا هو قد أورق ثم مرّ به بعد زمان فاذا له عناقید و هو زرحون أعناب و قد أینع فتناوله فاذا هو حلو فعصره و شرب من عصیره و جعل ما بقی فی ظرف فأوکأه ثم طلبه بعد زمان فاذا هو قد اشتدّ و رمی بالزبد و سکن و صار مسکرا فتناول شیئا منه فأخذته الحمیا فزاد حتی سکر و بسط ثم غلبه السکر فوقع فلما صحا أخبر أصحابه بذلک فذهبوا الی تلک الزراجین و أخذوا تلک العناقید و اعتصروا و اتخذوا الخمور و شربوا و اعتادوا ذلک حتی کثر فیهم السکر و وقعوا بذلک فی الزنا و اللواط و القتل و سائر المحرّمات و أفضی بهم ذلک الی الکفر و کان ذلک کله بسبب الخمر و لقد صدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الخمر أمّ الخبائث و کان فیهم الحارث و هو اسم ابلیس فی الابتداء و قیل کان اسمه عزازیل فاعتزل هو و ألف نفس معه عنهم و اجتمعوا فی موضع یعبدون اللّه و کثر فساد أولئک حتی شکت الارض الی اللّه منهم و سألت اهلاکهم فقال اللّه أنا حلیم و لا أعاجلهم بالعقوبة حتی ألزمهم الحجة و انما یعجل بالعقوبة من یخاف الفوت و اللّه تعالی یمهل و لا یهمل و اذا أخذ فأخذه شدید و أمر اللّه تعالی عزازیل أن یرسل إلیهم واحدا منهم ممن معه یدعوهم الی الایمان و ترک العصیان فأرسل إلیهم سهلوت بن بلاهت فأتاهم و الی الاسلام دعاهم فعصوه و قتلوه فلم یزل یرسل واحدا بعد واحد من الالف و هم یقتلون حتی أرسل آخرهم و هو یوسف بن یاسف فقاسی منهم الشدّة فی طویل مدّة یدعوهم و یؤذونه و یداریهم و یخوّفونه حتی أغلوا دهنا فی مرجل و ألقوه فیه حتی هلک و لم یسلم أحد منهم ثم شکت الارض الی ربها و قالت نال عنادهم النهایة و بلغوا الغایة فاستحقوا العقاب و استوجبوا الاذهاب فبعث اللّه تعالی کردوسا من الملائکة بید کل واحد منهم سیف أو حربة و کان یخرج من أفواههم النیران و أمّر علیهم الحارث فجاءوهم و قاتلوهم و کان الجنّ أولی قوّة و بأس شدید فقاتلوهم و اشتدّ الحرب و الطعن و الضرب بینهم ثم ظفر الملائکة بهم و هزموهم الی المغرب و أرسل اللّه تعالی نارا فأحرقتهم و ریحا فأذرتهم و الی البحار فألقتهم هذا جزاء الکفر و الکفران و عاقبة الذنب و الطغیان* و فی معالم التنزیل ان اللّه خلق السموات و الارض و خلق الملائکة و الجنّ فأسکن الملائکة السماء و أسکن الجن فی الارض و یقال لهم بنو الجان فعبدوا اللّه دهرا طویلا فی الارض* و فی بحر العلوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:34
أیضا مضی ابلیس و جنده فی طاعة اللّه و عبادته ثلاثمائة سنة انتهی ثم ظهر فیهم الحسد و البغی فأفسدوا و اقتتلوا فبعث اللّه جندا من الملائکة یقال لهم الجنّ و هم خزان الجنان اشتق لهم الاسم من الجنة رئیسهم ابلیس و کان اسمه عزازیل بالسریانیة و بالعبرانیة الحارث فلما عصی غیر اسمه و صورته فقیل له ابلیس لانه أبلس من رحمة اللّه و کان رئیسهم و مرشدهم و أکثرهم علما فهبطوا الی الارض و طردوا الجنّ الی شعوب الجبال و جزائر البحور و سکنوا الارض و خفف اللّه عنهم العبادة و أعطی ابلیس ملک الارض و ملک السماء الدنیا و خزانة الجنة و کان یعبد اللّه تارة فی الارض و تارة فی السماء و تارة فی الجنة فداخله العجب و قال فی نفسه ما أعطانی اللّه هذا الملک إلا لأنی أکرم الملائکة علیه فقال له و لجنده انی جاعل فی الارض خلیفة و ستجی‌ء تتمته ان شاء اللّه تعالی*

(ذکر مدّة الدنیا و ذکر مدّة هذه الامّة)

* ذکر الشیخ جلال الدین السیوطی فی رسالته الکشف عن مجاوزة هذه الامّة الالف أحادیث تدل علی کمیة مدّة الدنیا و مدّة هذه الامّة و هی هذه عن أنس قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمر الدنیا سبعة أیام من أیام الآخرة قال اللّه تعالی و انّ یوما عند ربک کألف سنة مما تعدّون و عن الضحاک بن رمل الجهنی أنه رأی فی الرؤیا منبرا فیه سبع درجات و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أعلاها فقصها علیه فقال صلّی اللّه علیه و سلم أما المنبر الذی رأیت فیه سبع درجات و أنا فی أعلاها درجة فالدنیا سبعة آلاف سنة و أنا فی آخرها ألفا أخرجه البیهقی فی الدلائل و أورده السهیلی فی الروض الانف و قال هذا الحدیث و ان کان ضعیف الاسناد فقد روی موقوفا علی ابن عباس من طرق صحاح أنه قال الدنیا سبعة أیام کل یوم ألف سنة و بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی آخرها و صحح أبو جعفر الطبری هذا الاصل و عضده بآثار و قوله فی هذا الحدیث أنا فی آخرها ألفا أی معظم المسألة فی الالف السابعة لیطابق ما سیأتی من أنه بعث فی أواخر الالف السادسة و لو کان بعث فی أوّل الالف السابعة کانت الاشراط الکبری کالدجال و نزول عیسی و طلوع الشمس من مغربها وجدت قبل الیوم بأکثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الالف و لم یوجد شی‌ء من ذلک فدل علی أن الباقی من الالف السابعة أکثر من ثلاثمائة سنة* و قال ابن أبی حاتم فی التفسیر عن ابن عباس قال الدنیا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضی منها ستة آلاف و مائة سنة و لیأتین علیها مئین سنین و لیس علیها موحد* و قال ابن أبی الدنیا فی کتاب ذمّ الامل حدّثنا علیّ بن سعید حدّثنا ضمرة بن هشام قال قال سعید بن جبیر انما الدنیا جمعة من جمع الآخرة و قال عبد بن حمید فی تفسیره حدّثنا محمد بن الفضل عن حماد بن زید عن یحیی بن عتیق عن محمد بن سیرین عن رجل من أهل الکتاب أسلم قال ان اللّه تعالی خلق السموات و الارض فی ستة أیام و ان یوما عند ربک کألف سنة مما تعدّون و جعل أجل الدنیا ستة أیام و جعل الساعة فی الیوم السابع فقد مضت الستة أیام و أنتم فی الیوم السابع* و عن ابن عباس أن الیهود کانوا یقولون ان مدّة الدنیا سبعة آلاف سنة انما نعذب بکل ألف من أیام الدنیا یوما واحدا فی النار و انما هی سبعة أیام معدودات ثم ینقطع العذاب فأنزل اللّه تعالی و قالوا لن تمسنا النار الا أیاما معدودة الی قوله هم فیها خالدون أخرجه ابن جریر و ابن المنذر و ابن أبی حاتم و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما الشفاعة یوم القیامة لمن عمل الکبائر من أمّتی ثم ماتوا علیها فهم فی الباب الاوّل من جهنم لا تسوّد وجوههم و لا تزرق أعینهم و لا یغلون بالاغلال و لا یقرّنون مع الشیاطین و لا یضربون بالمقامع و لا یطرحون فی الإدراک منهم من یمکث فیها ساعة ثم یخرج و منهم من یمکث فیها یوما ثم یخرج و منهم من یمکث فیها شهرا ثم یخرج و منهم من یمکث فیها سنة ثم یخرج و أطولهم مکثا فیها من یمکث فیها مثل الدنیا منذ خلقت الی یوم أفنیت و ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:35
سبعة آلاف سنة*

دقیقة فی اختصاص السبعة بأن تکون مدّة الدنیا

قیل الحکمة فی اختصاص السبعة من بین الاعداد بأن تکون مدّة الدنیا هی انها عدد وترها شفع و شفعها وتر و مجموع عدد وترها و شفعها مثل نفسها کما یقال واحد و ثلاثة و خمسة و سبعة و هی عدد وترها و هی شفع و یقال أیضا اثنان و أربعة و ستة و هی عدد شفعها و هی وتر و اذا جمع أجزاء الوتر و الشفع یکون سبعة و لیس فی الاعداد مثله الا أن یکون مضاعفا کمیة مثل سبعین و سبعمائة و سبعة آلاف و لهذا الشرف کان عدد الافلاک و الکواکب السیارة و طبقات الارض و الاقالیم و البحار و أیام الاسبوع و مدّة الدنیا سبعة آلاف سنة و الطواف بالبیت و السعی بین الصفا و المروة و رمی الجمار و أبواب جهنم و درکاتها و امتحان یوسف فی السجن و رؤیا ملک مصر سبع بقرات و الفاتحة سبع آیات و ترکیب ابن آدم سبعة أعضاء و خلقته من سبعة أشیاء قال تعالی و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طین الی قوله فتبارک اللّه أحسن الخالقین و رزق الانسان و غذاؤه من سبعة أشیاء قوله تعالی فلینظر الانسان الی طعامه الی قوله و فاکهة و أبا و أمرنا بالسجود علی سبعة أعضاء الی غیر ذلک قال وهب کادت الاشیاء أن تکون سبعا کذا فی عرائس الثعلبی* و عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاصی أنه قال ما کان منذ کانت الدنیا رأس مائة سنة الا کان عند رأس المائة أمر فاذا کان رأس مائة خرج الدجال و نزل عیسی ابن مریم فیقتله و یمکث الناس بعد الدجال أربعین سنة تعمر الاسواق و تغرس النخل أخرجه الطبرانی عن أبی هریرة و أخرج أحمد فی مسنده عن عائشة رضی اللّه عنها قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخرج الدجال فینزل عیسی ابن مریم فیقتله ثم یمکث عیسی فی الارض أربعین سنة اماما عادلا و حکما مقسطا و أخرج الحاکم فی المستدرک عن ابن مسعود عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ما بین أذنی الدجال أربعون ذراعا فذکر الحدیث الی أن قال ینزل عیسی ابن مریم فیقتله ثم یمکث فی الارض أربعین سنة فیمتعون لا یموت أحد و لا یمرض أحد و یقول لغنمه و دوابه اذهبن فارعین و تمرّ الماشیة بین الزرع لا تأکل سنبلة و الحیات و العقارب لا تؤذی أحدا و السبع علی أبواب الدور لا یؤذی أحدا و یأخذ الرجل المدّ من القمح فیبذر بلا حرث فیجی‌ء منه سبعمائة مدّ فیمکثون فی ذلک الی أن یکسر سدّ یأجوج و مأجوج فیخرجون و یفسدون فیبعث اللّه دابة من الارض فتدخل آذانهم فیصبحون موتی أجمعین و تنتن الارض منهم و یتأذی الناس من نتنهم و یستغیثون الی اللّه فیبعث اللّه عز و جل ریحا یمانیة غبراء تنسف رممهم و تقذف بها الی البحر لا یلبثون الا قلیلا حتی تطلع الشمس من مغربها* و قال ابن أبی شیبة یبلغه الی عبد اللّه بن عمرو قال یمکث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرین سنة و مائة و أخرج أبو نعیم بن حماد عن کعب قال اذا انصرف عیسی ابن مریم و المؤمنون من یأجوج و مأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا کهیئة الهرج و الغبار فاذا هی ریح قد بعثها اللّه لقبض أرواح المؤمنین فتلک آخر عصابة تقبض من المؤمنین و یبقی الناس بعدهم مائة عام لا یعرفون دینا و لا سنة یتهارجون تهارج الحمر علیهم تقوم الساعة و أخرج أبو نعیم عن عبد اللّه بن عمرو قال یرسل اللّه بعد یأجوج و مأجوج ریحا طیبة فتقبض روح عیسی و أصحابه و کل مؤمن علی وجه الارض و یبقی بقایا الکفار و هم شرار الناس مائة سنة و أخرج أبو نعیم عن عبد اللّه بن عمرو قال لا تقوم الساعة حتی تعبد العرب ما کانت تعبد آباؤها عشرین و مائة عام بعد نزول عیسی ابن مریم و بعد الدجال قال الشیخ جلال الدین السیوطی ان هذه الاحادیث و الآثار تدل علی أن مدّة هذه الامّة تزید علی ألف سنة و لا تبلغ الزیادة خمسمائة سنة فما هو المشهور علی ألسنة الناس أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا یمکث فی قبره ألف سنة باطل لا أصل له و ذلک لانه ورد من طرق متعدّدة أن مدّة الدنیا سبعة آلاف سنة و أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعث فی آخر الالف السادسة کما ذکر و أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:36
الدجال یخرج علی رأس مائة سنة و ینزل عیسی فیقتله ثم یمکث فی الارض أربعین سنة فیمتعون الی آخر الحدیث المذکور و ورد أن الناس یمکثون بعد طلوع الشمس من مغربها عشرین و مائة سنة و ان بین النفختین أربعین سنة کما أخرجه البخاری و مسلم عن أبی هریرة و أخرجه أبو داود و ابن مردویه عن أبی هریرة و أخرج ابن المبارک عن الحسن قال ما بین النفختین أربعون سنة الاولی یمیت اللّه بها کل حیّ و الاخری یحیی اللّه بها کل میت فهذه مائتا سنة و لا بدّ منها و الباقی الآن من الالف مائة سنة و سنتان و الی الآن لم تطلع الشمس من مغربها و لا خرج الدجال الذی خروجه قبل طلوع الشمس بسنتین و لا ظهر المهدی الذی ظهوره قبل الدجال بسبع سنین و لا وقعت الاشراط التی وقوعها قبل ظهور المهدی و لا بقی ما یمکن خروج الدجال من قرن لانه انما یخرج عند رأس مائة و قبل خروج الدجال مقدّمات تکون فی سنین کثیرة فأقل ما یجوز أن یکون خروجه علی رأس الالف ان لم یتأخر الی مائة بعدها فکیف یتوهم أحد أن الساعة تقوم قبل تمام الالف هذا شی‌ء غیر ممکن بل ان اتفق خروج الدجال علی رأس الالف و هو الذی أبداه بعض العلماء احتمالا مکثت الدنیا بعده أکثر من مائة سنة و هی المائتان المشار إلیهما و الباقی ما بین خروج الدجال و طلوع الشمس من مغربها و لا یدری کم هو و ان تأخر الدجال عن رأس الالف الی مائة أخری کانت المدّة أکثر و لا یمکن أن تکون المدّة ألفا و خمسمائة أصلا* قال الشیخ جلال الدین السیوطی رأیت فی کتاب العلل للامام أحمد بن حنبل أنه قال حدّثنا اسماعیل بن عبد الکریم بن معقل عن منبه حدّثنا عبد الصمد أنه سمع وهبا یقول قد خلا من الدنیا خمسة آلاف سنة و ستمائة سنة انی لأعرف کل زمن منها و من کان فیه من الملوک و الأنبیاء و هذا یدل علی أن مدّة هذه الامّة تزید بنحو أربعمائة سنة تقریبا*

(ذکر ابتداء خلق آدم)

* قال فی معالم التنزیل لما أراد اللّه أن یخلق آدم قال لابلیس و جنده انی جاعل فی الارض خلیفة أی بدلا منکم و رافعکم الیّ فکرهوا ذلک لانهم کانوا أهون الملائکة عبادة و المراد بالخلیفة هاهنا آدم سماه خلیفة لانه خلف الجنّ أی جاء بعدهم و الصحیح أنه خلیفة اللّه فی أرضه لاقامة أحکامه و تنفیذ وصایاه قالوا أ تجعل فیها من یفسد فیها و یسفک الدماء و نحن نسبح بحمدک و نقدّس لک قال انی أعلم ما لا تعلمون* قال النسفی فی بحر العلوم عن وهب بن منبه لما أراه اللّه أن یخلق آدم أوحی الی الارض انی جاعل منک فی الارض خلیفة فمنهم من یطیعنی و منهم من یعصینی فمن أطاعنی أدخلته الجنة و من عصانی أدخلته النار فقالت الارض منی تخلق خلقا یکون للنار قال نعم فبکت الارض فانفجرت منها العیون الی یوم القیامة* قال وهب بعث اللّه إلیها جبریل لیأتیه منها بقبضة من زوایاها الاربع من أسودها و أحمرها و طیبها و خبیثها و سهلها و حزنها فلما أتاها جبریل لیقبض منها قالت الارض انی أعوذ بعزة اللّه الذی أرسلک الیّ من أن تأخذ منی شیئا یکون منه نصیب للنار غدا فرجع جبریل الی مکانه و لم یأخذ من الارض شیئا فقال یا رب استعاذت بک الارض منی فکرهت أن أقدم علیها فقال اللّه تعالی لمیکائیل انطلق فأتنی بقبضة منها من زوایاها الاربع من أسودها و أحمرها و سهلها و حزنها و طیبها و خبیثها فلما انتهی إلیها میکائیل لیقبض منها قالت الارض له کما قالت لجبریل فرجع میکائیل فقال کما قال جبریل فقال اللّه لاسرافیل کما قال لهما فانطلق و رجع و قال مثل ما قالاه من العذر ثم قال لملک الموت انطلق فأتنی بقبضة من الارض کالاوّل فلما أتاها ملک الموت قالت أعوذ بعزة اللّه الذی أرسلک الیّ من أن تقبض منی قبضة یکون للنار فیها نصیب غدا فقال ملک الموت و أنا أعوذ بعزته أن أعصی له أمرا فقبض منها قبضة من زوایاها الاربع من أدیمها الاربع* و فی الحدیث ان اللّه خلق آدم من قبضة قبضها عزرائیل من جمیع الأرض فجاء بنو آدم علی قدر الارض منهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:37
الاحمر و الابیض و الاسود و الاصفر و بین ذلک و السهل و الحزن و الخبیث و الطیب کذا فی المصابیح* و فی الوفا بعث اللّه عزرائیل فقبض منها قبضة و کان ابلیس قد وطئ الارض بقدمیه فصار بعض الارض بین قدمیه و بعض الارض موضع أقدامه فخلقت النفس مما مس قدم ابلیس فصارت مأوی الشرّ و من التربة التی لم یصل إلیها قدم ابلیس أصل الأنبیاء و الاولیاء* قال فی العوارف فکانت درّة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم موضع نظر اللّه تعالی من قبضة عزرائیل لم یمسها قدم ابلیس و قیل لما خاطب اللّه تعالی السموات و الارض بقوله ائتیا طوعا أو کرها الآیة أجاب من الارض موضع الکعبة و من السماء ما یحاذیها* و عن ابن عباس أصل طینة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من سرّة الارض بمکة یعنی الکعبة و هو مشعر بأن ما أجاب من الارض درّته صلّی اللّه علیه و سلم و من الکعبة دحیت الارض فصار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هو الاصل فی التکوین* و قال فی العوارف عقبه و تربة الشخص مدفنه فکان مقتضی ذلک أن یکون مدفنه هناک لکن قیل لما تموّج الماء رمی الزبد الی النواحی فوقعت جوهرة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی ما یحاذی تربته الشریفة بالمدینة فکان مکیا مدنیا فلمکة الفضل بالبدایة و للمدینة بالاستقرار و النهایة انتهی قال فصعد عزرائیل بالقبضة الی السماء فأمره فجعلها طینا أربعین سنة حتی صار لازبا ثم حمأ مسنونا أربعین سنة ثم ترکه حتی یبس و صار صلصالا أربعین سنة فجعله جسدا موضوعا علی طریق مکة للملائکة الذین یصعدون من الارض الی السماء أربعین سنة فکلما مرّ علیه ملأ عجبوا من حسن صورته و لم یکونوا رأوا قبل ذلک علی صورة آدم شیئا من الصور حتی مرّ به ابلیس فقال الشی‌ء ما خلق اللّه هذا أجوف یأکل الطعام فقال لاصحابه انی لأری صورة مخلوق سیکون له شأن أ رأیتم هذا الذی لم تروا علی صورته شیئا من الخلق ان فضل اللّه علیکم هذا ما ذا أنتم صانعون قالوا نطیع ربنا و لا نعصی له أمرا فقال ابلیس فی نفسه لئن فضل علیّ لا أطیعه و لئن فضلت علیه لأهلکنه هذا ما فی بحر العلوم* و فی المشکاة عن أنس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لما صوّر اللّه آدم فی الجنة ترکه ما شاء اللّه أن یترک فجعل ابلیس یطوف به ینظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا یتمالک رواه مسلم و عن ابن عباس أن ابلیس مرّ علی جسد آدم و هو ملقی بین الکعبة و الطائف أی بوادی نعمان لا روح فیه فقال لامر ما خلق اللّه هذا ثم دخل من فیه و خرج من دبره و قال انه خلق لا یتمالک لانه أجوف ثم قال للملائکة الذین معه أ رأیتم ان فضل هذا علیکم و أمرتم بطاعته ما ذا تصنعون قالوا نطیع أمر ربنا قال ابلیس فی نفسه و اللّه لو سلطت علیه لاهلکنه و لئن سلط علیّ لأعصینه کذا فی معالم التنزیل* و قال محیی السنة أری هذا الحدیث مشکلا جدّا أی بین حدیثی أنس تناف فقد ثبت بالکتاب و السنة أن آدم خلق من أجزاء الارض فدل علی أنه أدخل الجنة و هو بشر حیّ و قال القاضی الاخبار متظاهرة علی أن اللّه خلق آدم من تراب قبض من وجه الارض و خمر حتی صار طینا ثم ترکه حتی صار صلصالا و کان ملقی بین مکة و الطائف ببطن نعمان لکن لا ینافی ذلک تصویره فی الجنة لجواز أن تکون طینته لما خمرت فی الارض و ترکت فیها حتی مضت علیها الاطوار و استعدّت لقبول الصورة الانسانیة حملت الی الجنة فصوّرت و نفخ فیها الروح کذا ذکره الطیبی فی شرح المشکاة و کذا فی شرح المشارق* و قال وهب روی أن اللّه تعالی قال لعزرائیل أنت تصلح لقبض أولاده و سماه ملک الموت و سلطه علی ذلک و کما جعله لقبض التراب الذی بدأ به خلقهم جعله لقبض أرواحهم و ختم به عمرهم کذا فی بحر العلوم* روی أن عزرائیل لما قبض تلک القبضة من التراب خلط بعضها ببعض و جمعها بین مکة و الطائف فطرت علیها قزعة أربعین سنة من بحر الاحزان و هو بحر تحت العرش یقال له بحر الاحزان و لذا قیل لا یمرّ علی بنی آدم یوم بلا حزن* و فی بهجة النفوس فطرت علیها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:38
الحزن تسعا و ثلاثین سنة ثم مطرت علیها السرور سنة واحدة* و فی العرائس کان آدم جسدا ملقی علی باب الجنة أربعین سنة و کان یمطر علیه الحزن ثم مطر علیه سنة واحدة السرور فلذلک کثرت الغموم فی أولاده و تصیر عاقبتهم الی الفرح و الراحة و فی هذا قیل
أیّ شی‌ء یکون أعجب من ذالو تفکرت فی صروف الزمان
حادثات السرور توزن وزناو البلایا تکال بالقفزان و کان اللّه عز و جل یخمر طینته بید القدرة من غیر مشارکة الغیر فجعل فی جبلته و طبیعته ما أراد و عن ابن مسعود عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال خلق اللّه آدم یوم الجمعة من کل تربة من البلاد رأسه من بیت المقدس و صدره من العراق و مقعده من بابل و یده الیمنی من البیت العتیق و یده الیسری من فارس و رجلیه و قدمیه من أرض الهند و أرض یأجوج و مأجوج فلذلک اختلفت ألوان بنی آدم و فی روایة ابن عباس فرجه من بابل و یدیه من أرض الکعبة و رجلیه من أرض الهند و کلیتیه من أرض الصحراء و عظامه من الجبال و أمعاءه من الجزائر و کبده من أرض الموصل و طحاله من أرض الحجاز و فخذیه من أرض الیمن و بطنة من أرض الطائف و ظهره من أرض الشام و وجهه من أرض الجنة و عینیه من أرض الکوثر و قلبه من نور العرش کذا فی بحر العلوم* و کان فی الاوّل ترابا فعجن بالماء فصار طینا فمکث ما شاء اللّه فصار حمأ أی طینا تغیر و اسودّ من طول مجاورة الماء مسنونا منتنا فخلص فصار سلالة فصوّر فیبس فصار صلصالا أی طینا یابسا غیر مطبوخ یصلصل أی یصوّت اذا نقر ثم غیر ذلک طورا بعد طور حتی سوّاه و نفخ فیه من روحه کذا فی المدارک و أنوار التنزیل*

غریبة من الفتوحات‌

و فی الفتوحات المکیة ان اللّه تعالی لما خلق آدم علیه الصلاة و السلام الذی هو أوّل جسم انسانی تکوّن و جعله أصلا لوجود الاجسام الانسانیة فضلت من خمیر طینته فضلة خلق منها النخلة فهی أخت لآدم علیه السلام و هی لناعمة و سماها الشرع لناعمة و شبهها بالمؤمن و لها أسرار عجیبة دون سائر النبات و فضل من الطینة بعد خلق النخلة قدر السمسمة فی الخلفاء فمدّ اللّه من تلک الفضلة أرضا واسعة الفضاء اذا جعل العرش و ما حواه و الکرسی و السموات و الارضون و ما تحت الثری و الجنات کلها و النار فی هذه الارض کان الجمیع فیها کحلقة ملقاة فی فلاة من الارض و فیها من العجائب و الغرائب ما لا یقدر قدره و یبهر العقول أمره و فی کل نفس یخلق اللّه فیها عوالم یسبحون اللیل و النهار لا یفترون و فی هذه الارض ظهرت عظمة اللّه و عظمت عند المشاهد لها قدرته و کثیر من المجالات العقلیة التی قام الدلیل الصحیح العقلی علی احالتها موجود فی هذه الارض و هی مسرح عیون العارفین العلماء باللّه تعالی و فیها یجولون و خلق اللّه من جملة عوالمها عالما علی صورنا اذا أبصرهم العارف یشاهد نفسه فیهم و قد أشار الی مثل ذلک عبد اللّه بن عباس رضی اللّه عنهما فیما روی عنه فی حدیث هذه الکعبة بیت واحد من أربعة عشر بیتا و ان فی کل أرض من السبع الارضین خلقا مثلنا حتی ان فیهم ابن عباس مثلی و صدقت هذه الروایة عند أهل الکشف*

(ذکر الروح)

* قال فی أنوار التنزیل و یسألونک عن الروح أی الذی یحیی به بدن الانسان و یدبره قل الروح من أمر ربی أی من الابداعیات الکائنة بکن من غیر مادّة و تولد من غیر أصل کأعضاء جسده اذا وجد وجدت بتکوینه علی أن السؤال عن قدمه و حدوثه و قیل مما استأثر اللّه تعالی بعلمه لما روی أن الیهود قالوا لقریش سلوه عن أصحاب الکهف و عن ذی القرنین و عن الروح فان أجاب عنها أو سبکت فلیس بنبیّ و ان أجاب عن بعض و سکت عن بعض فهو نبیّ فسألوه فبین لهم القصتین و أبهم لهم أمر الروح و هو مبهم فی التوراة و قیل جبریل و قیل خلق أعظم من الملک و قیل القرآن و من أمر ربی معناه من وجیه* و فی المواهب اللدنیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:39
قد اختلف فی المراد بالروح فی قوله و یسألونک عن الروح و الجواب یدل علی أنها شی‌ء موجود مغایر للطبائع و الاخلاط و ترکیبها فهی جوهر بسیط مجرّد لا یحدث الا بمحدث و هو قوله تعالی کن فکان قال هی موجودة محدثة بأمر اللّه و تکوینه و لها تأثیر فی افادة حیاة الجسد و لا یلزم من عدم العلم بکیفیتها المخصوصة نفیه* قال فی فتح الباری قد تنطع قوم و تباینت أقوالهم فقیل هی النفس الداخل الخارج و قیل جسم لطیف یحل فی جمیع البدن و قیل هی الدم و قد بلغت الاقوال فیها المائة و نقل ابن منده عن بعض المتکلمین أن لکل نبیّ خمسة أرواح و لکل مؤمن ثلاثة و قال ابن العربی اختلفوا فی الروح و النفس فقیل متغایران و هو الحق و قیل هما شی‌ء واحد* و عن وهب روی أنه لما تم تخمیر طینة آدم و عدّلت أجزاؤه و سوّیت أعضاؤه أراد اللّه أن ینفخ فیه الروح فأمرها أن تدخل فیه فقالت الروح مدخل بعید القعر مظلم فقال له ادخل ثانیا فقال کذلک فقال له ثالثا فقال کذلک فقال له رابعا ادخل کرها و اخرج کرها کذا فی بحر العلوم* روی أن الروح أدخلت فی جسد آدم الفخاری من قبل رأسه فکل عضو تحل فیه الروح حلولا سریانیا یصیر لحما و دما و لما بلغت دماغه عطس فانتشرت فیه فنزلت لسانه و صدره فألهمه اللّه قوله الحمد للّه فقال اللّه یرحمک ربک یا آدم* قال جعفر بن محمد مکثت الروح فی رأس آدم مائة عام و فی صدره مائة عام و فی ساقیه و قدمیه مائة عام کذا فی المواهب اللدنیة* و عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أنه قال لما بلغت الروح صدره و لم تتمکن فیه بعد أراد أن یقوم و فی روایة لما دخلت الروح فی عینیه نظر الی ثمار الجنة و لما وصلت جوفه اشتهی الطعام فأراد أن یقوم الی ثمار الجنة قبل أن تبلغ رجلیه و ذلک قوله تعالی خلق الانسان من عجل و هذه الروایة تشعر بأن خلق آدم کان فی الجنة و قیل خلقه اللّه فی آخر النهار یوم الجمعة فأسرع فی خلقه قبل مغیب الشمس قال یا رب عجل خلقی قبل اللیل فذلک قوله تعالی خلق الانسان من عجل* و فی المدارک و غیره العجل الطین بلغة حمیر قال الشاعر
فی الصخرة الصماء منبته‌و النخل تنبت بین الماء و العجل و فی بهجة الانوار دخلت الروح فی آدم من رجلیه و یقال من دماغه فلما دخلت استدارت فیه مقدار مائتی عام ثم نزلت فی عینیه قیل الحکمة فیه ارادة اللّه تعالی أن ینظر آدم الی بدء خلقه و أصله حتی اذا تتابعت علیه الکرامات لا یدخله الزهو و العجب ثم نزلت الروح خیاشیمه فعطس فقبل فراغ العطاس نزلت الی فمه و لسانه و لقنه بالحمد للّه و ذلک أوّل ما جری علی لسانه فأجابه ربه یرحمک اللّه یا آدم ثم نزلت الی صدره و شراسیفه فعجل بالقیام فلم یتمکن و ذلک قوله تعالی خلق الانسان من عجل فلما وصلت الی جوفه اشتهی الطعام فهو أوّل حرص دخل فی جسد آدم ثم انتشر الروح فی جسده کله فصار لحما و دما و عروقا و عصبا ثم کساه لباسا من ظفر یزداد کل یوم حسنا فلما قارف الذنب بدّل هذا الظفر و بقیت منه بقیة فی أنامله لیتذکر بذلک أوّل حاله و لذلک اذا ضحک الانسان فنظر الی ظفره نسی الضحک فلما أتم اللّه خلق آدم و نفخ فیه الروح قرطقه و شنفه و سوّره و ألبسه من لباس الجنة و زینه بأنواع الزینة فخرج من ثنایاه نور کشعاع الشمس و نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم یلمع من جسده کالقمر لیلة البدر ثم رفعه علی سریر و حمله علی أکناف الملائکة و أدخله الجنة کما سیجی‌ء* و فی بحر العلوم فلما نفخ الروح فی آدم صار فی رأسه و عینیه و أذنیه و لسانه ثم صار فی جسده کله حتی بلغ قدمیه فلم یجد منفذا فرجع لیخرج من منخریه فعطس فقال له ربه قل الحمد للّه رب العالمین فقالها آدم فقال یرحمک اللّه و لذلک خلقتک فلما انتهی الی رکبتیه أراد الوثوب فلم یقدر فلما بلغت قدمیه وثب فقال اللّه تعالی و کان الانسان عجولا فصار بشرا و دما و عظما و عروقا و عصبا و احشاء*

(ذکر عیسی و مریم و یحیی)

یقال ان اللّه تعالی خلق من نفسین نفسین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:40
من عطسة آدم عیسی و من عطسة الاسد الهرّة روی أن آدم لما عطس أمر اللّه جبریل بأن یأخذها و فی روایة بکر بن قیس بفیه و أمره بحفظها الی زمان مریم حتی نفخ فیها فحملت بعیسی کذا فی بحر العلوم* و قصتها أنها لما حاضت اعتزلت مکانا شرقیا فی بیت المقدس أو شرقی دارها و لذلک اتخذ النصاری المشرق قبلة فاتخذت من دونهم حجابا و سترا و قعدت فی مشرقه للاغتسال من الحیض محجبة بشی‌ء یسترها و کانت تتحوّل من المسجد الی بیت خالتها أو أختها اذا حاضت و تعود إلیه اذا طهرت فبینما هی فی مغتسلها أتاها جبریل فی صورة شاب أمرد وضی‌ء الوجه جعد الشعر سویّ الخلق لتستأنس بکلامه و لعله لتهیج شهوتها فتنحدر نطفتها الی رحمها فدنا جبریل فنفخ فی جیب درعها فدخلت النفخة فی جوفها کذا فی أنوار التنزیل* قیل فی قوله لتهیج شهوتها فتنحدر نطفتها الی رحمها نظر* و فی المدارک فوصلت النفخة الی بطنها فحملت بعیسی و کانت مدّة حملها ستة أشهر و قیل تسعة أشهر کسائر النساء و قیل ثمانیة و لم یعش مولود وضع لثمانیة أشهر غیره و قیل کان الحمل ساعة واحدة فکما حملته نبذته قاله ابن عباس و قیل حملته فی ساعة و صوّر فی ساعة و وضعته فی ساعة* و فی لباب التأویل وضعته حین زالت الشمس من یومها انتهی و کان سنّ مریم حینئذ ثلاث عشرة سنة و قیل عشر سنین و قد حاضت حیضتین و قیل عشرین سنة کذا فی أنوار التنزیل و المدارک و غیرهما* و فی الباب التأویل کان سنها ست عشرة سنة و کانت قد حاضت حیضتین قبل أن تحمل بعیسی* و فی معالم التنزیل قال أهل التاریخ حملت بعیسی و هی بنت ثلاث عشرة سنة و ولدته ببیت لحم من الارض المقدّسة لمضیّ خمس و ستین سنة من غلبة الاسکندر علی أرض بابل و تکلم فی المهد و هو ابن أربعین یوما و لیلة روی أنه اشار بسبابته و قال بصوت رفیع انی عبد اللّه کذا فی المدارک و فی الحدیث لم یتکلّم فی المهد الا ثلاثة عیسی ابن مریم و صاحب جریج و الصبیّ الذی رأت أمّه راکب دابة فارهة حسن الهیئة فقالت اللهم اجعل ابنی مثله فسمع الصبیّ و هو یرتضع فترک الثدی و قال اللهم لا تجعلنی مثله و رأت جاریة و هم یضربونها و یقولون لها زنیت سرقت و هی تقول حسبی اللّه و نعم الوکیل فقالت أم الصبیّ اللهم لا تجعل ابنی مثلها فترک الصبی الرضاع و قال اللهم اجعلنی مثلها* و جاء فی الخبر أیضا شاهد یوسف و الذی فی قصة أصحاب الاخدود أن صبیا یرتضع قال لامّه حین امتنعت عن النار یا أمّه اصبری فانّک علی الحق فالحصر الذی وقع فی الحدیث فی الثلاثة الاول اما لصحة تکلمهم فی المهد و عدم الاختلاف فیهم و وجوده فیمن عداهم فقیل انهم کانوا کبارا بلغوا حدّ الکلام و اما لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم کان أخبر بما فی علمه مما أوحی اللّه إلیه فی تلک الحالة ثم بعد ذلک أعلمه اللّه بما شاء من ذلک فأخبر به کذا فی شرح المشارق* و فی أنوار التنزیل عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تکلم أربعة صغار ابن ماشطة بنت فرعون و شاهد یوسف و صاحب جریج و عیسی ابن مریم روی أن فرعون لما أمر بقتل ابن الماشطة و جزعت أمّه أنطقه اللّه تعالی فقال یا أمّه لا تجزعی و انظری فوقک فنظرت فرأت الجنة فاطمأنت و أوحی اللّه تعالی الی عیسی ابن مریم علیه السلام علی رأس ثلاثین سنة و کانت نبوّته ثلاث سنین و رفعه اللّه من بیت المقدس لیلة القدر من شهر رمضان و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة* و فی الملل و النحل للشهرستانی عیسی ابن مریم هو المبعوث حقا بعد موسی علیه السلام المبشر فی التوراة و کانت له آیات ظاهرة و بینات زاهرة مثل احیاء الموتی و ابراء الاکمه و الابرص و نفس وجوده و فطرته آیة کاملة علی صدقه و ذلک حصوله من غیر نطفة سابقة و نطقه من غیر تعلیم سالف و جمیع الأنبیاء بلاغهم و و حیهم بعد أربعین سنة و قد أوحی اللّه إلیه انطاقا فی المهد و أوحی إلیه ابلاغا عند الثلاثین و کانت مدّة دعوته ثلاث سنین و ثلاثة أشهر و ثلاثة أیام فلما رفع الی السماء اختلف الحواریون و غیرهم فیه* و فی المدارک عن بعض العلماء أنه مرّ بالروم فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:41
لهم لم تعبدون عیسی قالوا لانه لا أب له قال فآدم أولی لانه لا أبوین له قالوا کان یحیی الموتی قال فحزقیل أولی لان عیسی أحیا أربعة نفر و حزقیل أحیا ثمانیة آلاف فقالوا کان یبرئ الاکمه و الابرص قال فجرجیس أولی لانه طبخ و أحرق ثم قام سالما* و فی المدارک قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ینزل عیسی خلیفة علی أمّتی یدق الصلیب و یقتل الخنزیر و یلبث أربعین سنة و یتزوّج و یولد له ثم یتوفی و کیف تهلک أمّة و أنا فی أوّلها و عیسی فی آخرها و المهدی من أهل بیتی فی وسطها روی أنه قدم جذام و هم أهل مدین فقال النبیّ صلّی اللّه علیه سلم مرحبا بقوم شعیب و أصهار موسی لا تقوم الساعة حتی یتزوّج فیکم المسیح و یولد له* و فی ربیع الابرار عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا أهبط اللّه عیسی من السماء فانّه یعیش فی هذه الامّة ما شاء اللّه ثم یموت بمدینتی هذه و یدفن الی جانب قبر عمر فطوبی لابی بکر و عمر فانهما یحشران بین نبیین کما سیجی‌ء و عاشت أمّه مریم بعد رفعه ست سنین کذا فی معالم التنزیل* و فی أنوار التنزیل و المدارک فی نسب عیسی ابن مریم بنت عمران بن ماثان بن سلیمان ابن داود بن ایشا من نسل یهوذا بن یعقوب و یحیی بن زکریا أمّه سارة بنت عمران أخت مریم فعیسی و یحیی ابنا خالة و أما عمران أبو موسی و هارون فهو عمران بن یصهر بن فاهث بن عاری بن لاوی بن کعب بن یعقوب کذا فی کتاب الاعلام و بین العمرانین ألف و ثمانمائة سنة و قیل کانت مریم من نسل هارون النبیّ أخی موسی علیهما السلام و بینهما ألف سنة و أمّ مریم حنة بنت فاقود امرأة عمران بن ماثان و لما ولدتها لفتها فی خرقة و حملتها الی المسجد و وضعتها عند الاحبار ابناء هارون و هم فی بیت المقدس کالحجبة فی الکعبة فقالت لهم دونکم هذه النذیرة فتنافسوا فیها لانها کانت بنت امامهم و صاحب قربانهم و کان بنو ماثان رءوس بنی اسرائیل و أحبارهم فقال لهم زکریا أنا أحق بها عندی أختها قالوا لا حتی نقترع فانطلقوا و کانوا سبعة و عشرین الی نهر فألقوا فیه أقلامهم و هی الاقلام التی کانوا یکتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبرّکا بها فارتفع قلم زکریا فوق الماء و رسبت أقلامهم فکفلها زکریا و لما رأی من حال مریم فی کرامتها علی اللّه و منزلتها عنده رغب أن یکون له من ایشاع أخت مریم ولد مثلها فی الکرامة علی اللّه و ان کانت عاقرا فقد کانت أمّ مریم کذلک و کان زکریا حینئذ ابن خمس و سبعین سنة أو ثمانین سنة و فی روایة کان له تسع و تسعون سنة فبشره اللّه بیحیی مصدّقا بکلمة من اللّه أی بعیسی مؤمنا به فهو أوّل من آمن بعیسی و ذلک لان أمّه کانت حاملا و قد حملت مریم بعیسی فقالت لها أمّ یحیی یا مریم أ حامل أنت فقالت کیف تقولین ذلک قالت انی أری ما فی بطنی یسجد لما فی بطنک فذلک تصدیقه له و ایمانه به و کان یحیی أکبر من عیسی بستة أشهر و ذلک أن مولد یحیی کان قبل مولد عیسی بستة أشهر ثم قتل یحیی قبل أن یرفع عیسی علیه السلام کذا فی عرائس الثعلبی و ستجی‌ء قصة یحیی علیه السلام و لم یرتکب یحیی سیئة قط و آتاه اللّه الحکم صبیا و هو فهم التوراة و الفقه فی الدین و قبل النبوّة أحکم اللّه عقله فی صباه و استنبأه روی أن الصبیان دعوه الی اللعب و هو صبیّ فقال ما للعب خلقنا* و هذه القصة وقعت فی البین و فصلت اتصال الکلامین فلنرجع الی ما کنا فیه* یقال سمی آدم لانه خلق من أدیم الارض و وجهها لان فی لونه أدمة و هی لون البرّ و قیل لان طینته مخلوقة من الماء و التراب من أدمت بین الشیئین اذا خلطتهما هذا علی تقدیر کونه عربیا کاشتقاق یعقوب من العقب و ادریس من الدرس و ابلیس من الابلاس و أما علی تقدیر کونه أعجمیا و هو الاقرب کآزر و شالخ بدلیل منع الصرف فلا اشتقاق* و فی بحر العلوم للنسفی ان الکلبی ذکر عن أبی صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم لما هبط الی جبل الهند کان رأسه یمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع و هو المشهور بین المؤرّخین و قالوا کان آدم یصعد الجبل فیسمع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:42
تسبیح الملائکة فقصره اللّه تعالی حتی بلغ ستین ذراعا و هو مخالف لما رواه أبو هریرة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال خلق اللّه آدم علی صورته و طوله ستون ذراعا کذا فی حیاة الحیوان* و زاد فی المشکاة فی سبعة أذرع عرضا و فی الصحیحین فکل من یدخل الجنة علی صورة آدم فلم یزل الخلق ینقص حتی الآن کذا فی المشارق و اختلف فی أن المراد ذراع آدم أو الذراع المتعارف بین الناس الآن* و فی حیاة الحیوان فی قوله صلّی اللّه علیه و سلم خلق اللّه آدم علی صورته قال القاضی أبو بکر بن العربی المالکی العلامة یعنی علی صفاته و لیس للّه خلق أحسن من الانسان فان اللّه عز و جل خلقه حیا عالما قادرا مریدا متکلما سمیعا بصیرا مدبرا حکیما و هذه صفات الرب تعالی و عن أبی أمامة أن رجلا سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ نبیّا کان آدم قال نعم قال کم بینه و بین نوح قال عشرة قرون صححه ابن حبان* و فی العمدة القرن مائة سنة لما روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وضع یده علی رأس غلام و قال سیعیش هذا الغلام قرنا فقیل کم القرن قال مائة سنة فعاش مائة سنة و قیل القرن ثمانون سنة و قیل أربعون سنة* و فی المواهب اللدنیة اختلفوا فی تحدید القرن کم مدّة من الزمان من عشرة أعوام الی مائة و عشرین لکن لم أر من صرّح بالتسعین و لا بمائة و عشرة و ما عدا ذلک فقد قال به قائل* و قال صاحب المحکم القرن هو المتوسط من أعمار أهل کل زمن و هذا أعدل الاقوال روی ان آدم لم یکن له لحیة و انما کانت لبنیه و أوّل من شاب منهم ابراهیم علیه السلام و سیجی‌ء کما ورد فی صفة أهل الجنة جرد مرد علی صورة آدم علیه السلام و روی فی بعض الاخبار أن آدم لما کثر بکاؤه علی فراق الجنة نبتت لحیته و الاصح هو الاوّل کذا فی المتقی*

نفیسة

و فی الخبر سید الصور صورة آدم علیه السلام و سید الملائکة اسرافیل و سید الأنبیاء محمد صلّی اللّه علیه و سلم و سید الشهداء هابیل و سید المؤذنین بلال و سید الشهور رمضان و سید الایام یوم الجمعة و سید اللیالی لیلة القدر و سید المساجد المسجد الحرام و سید البیوت الکعبة و سید الجبال جبل موسی و سید الانعام الثور و سید الطیور النسر و سید الوحوش الابل و سید السباع الاسد کذا فی بحر العلوم* و فیه قال ابن عباس لما قالت الملائکة أ تجعل فیها من یفسد فیها الآیة أراد اللّه أن یظهر فضل آدم علیه السلام فعلمه و أظهر فضله علیهم بعلمه ما لا یعلمونه ثم اختلف فی وجه تعلیمه فقیل انه أرسل إلیه ملکا من غیر هؤلاء و أوحی إلیه بذکر أسماء المخلوقات فسمعها و حفظها و قیل ألهمه فوقع فی قلبه فجری لسانه بما فی قلبه بتسمیة الاشیاء من عنده* و اختلف أیضا فی أنه جری لسانه بتسمیتها بلسان واحد أم بالالسنة کلها فقیل بلسان واحد ثم کل فریق تواضعوا علی غیر ذلک من الالسنة و قیل بالالسنة کلها التی یتکلم بها جمیع الناس الی یوم القیامة* و علم ذلک کله أولاده فلما تفرّقوا تکلم کل قوم منهم بلسان استسهلوه منها و ألفوه ثم أنسوا غیره بعد تطاول الزمان و قیل أصبحوا و کل قوم منهم یتکلمون بلغة قد نسوا غیرها فی لیلة واحدة و اختلفوا فی أنه کان تعلیم الاسماء وحدها أو تعلیمها بمعانیها ان هذا اسمه کذا و یستعمل فی کذا و نفعه کذا و ضرّه کذا قال الربیع بن أنس و أبو العالیة علمه أسماء الملائکة جبرائیل و میکائیل و اسرافیل و عزرائیل و کذا کل ملک* و قال عبد الرحمن بن زید علمه أسماء ذرّیته من وقت آدم الی انقراض العالم و قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاک علمه اسم کل شی‌ء حتی القصعة و القصیعة و المغرفة و قال ابن عباس فی روایة علمه اسم کل عین و کل فعل* و قال مقاتل خلق کل شی‌ء من الحیوان و الجماد و غیرهما ثم علم آدم أسماءها فقال له یا آدم هذا فرس و هذا بغل و هذا حمار حتی أتی الی آخرها و قال سعید بن جبیر اسم کل جنس البعیر و البقرة و الشاة و نحوها و قال أبو موسی الاشعری علمه صنعة کل شی‌ء و قال الضحاک عن ابن عباس علمه أسماء المدن و أسماء القری و أسماء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:43
الطیور و الشجر و أسماء ما کان و ما یکون الی یوم القیامة و قیل أسماء المخلوقات کلها فی الارض و فی السماء من الحیوانات و الجمادات و المطعومات و المشروبات و کل نعیم فی الجنة و قال عکرمة اسم الغراب و الحمامة و قال حمید الشامی أسماء النجوم و قال الحسن البصری علمه کل صنعة فعلمه صنعة الحدید الذی یعمل به فی الزرع عموما فحرث به و سقی حتی بلغ ثم حصده ثم داسه ثم ذرّاه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه* و قال الامام القشیری عموم قوله الاسماء یقتضی الاستغراق و اقتران قوله کلها یوجب الشمول و التحقیق فلما علمه أسماء المخلوقات کلها علی ما قاله المفسرون علمه أسماء الحق لکی یظهر للملائکة محل تخصیصه بأسماء المخلوقات و بذلک القدر بان رجحانه علیهم و أما انفراده بأسمائه سبحانه و تعالی فذلک سرّ لا یطلع علیه ملک* و من لیس له رتبة مساواة آدم فی معرفة أسماء المخلوقات فأی طمع له فی مساواته فی معرفة أسماء الحق و وقوفه علی أسرار الغیب فاذا کان التخصیص بمعرفة أسماء المخلوقات یقتضی أن یصلح لسجود الملائکة فما الظنّ بالتخصیص بمعرفة أسماء الحق تعالی فی استحقاق مزید الاعزاز و الاکرام* ثم عرضهم علی الملائکة أی عرض أصحاب الاسماء أی المسمیات و هم الملائکة و الناس و الجنّ و الشیاطین و غیرهم فاجتمع فی ذلک من یعقل و من لا یعقل فلذلک جمع بالهاء و المیم تغلیبا للعقلاء علی غیرهم و هی قراءة العامّة و فی قراءة أبیّ ثم عرضها و هو یرجع الی الاسماء* قال قتادة لما خلق اللّه تعالی آدم علیه السلام همست الملائکة فیما بینهم و قالت للّه أن یخلق من الخلق ما یشاء و لکن لن یخلق خلقا أفضل و أعلم منا فأظهر اللّه تعالی عجزهم و علم آدم الاسماء و أمر الملائکة فقال أنبئونی بأسماء هؤلاء أی أخبرونی بأسماء هؤلاء المسمیات ان کنتم صادقین أنکم أعلم منه فلما عجزوا عن ذلک قالوا فی جوابه سبحانک لا علم لنا الا ما علمتنا قال وهب بن منبه ألهم اللّه آدم الاسماء فقال یا آدم أنبئهم بأسمائهم فسمی کل أمّة باسمها من البهائم و البقاع و النبات و أمم البرّ علی حدة و أمم البحر علی حدة ثم فتح له السموات فسمی أهل کل سماء بأسمائهم فلما أنبأهم بذلک و علموا فضله و عرفوا عجزهم قال اللّه لهم أ لم أقل لکم انی أعلم غیب السموات و الارض الآیة و لما ظهر فضله علیهم بالعلم أمرهم بخدمته و هو قوله و اذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم* اختلف فی هذا فقیل هم ملائکة الارض الذین هم کانوا مع ابلیس طهر اللّه بهم الارض ممن أفسد فیها من الجان و قیل هم ملائکة السموات السبع و قیل هم جمیع الملائکة و لذا قال کلهم أجمعون و قیل انه خطاب للملائکة و لغیر الملائکة من عالم زمانهم لیسجدوا له جمیعا و الملائکة لما کانوا أشرف العالم حینئذ کان من عداهم تبعا لهم ثم اختلفوا فی تفسیر هذا السجود قیل هو استسخارهم لآدم و ولده لان اللّه تعالی سخر الملائکة له و لهم فی انزال المطر علیهم و حفظ آثارهم و کتب أعمالهم و العروج بها الی السماء لان السجود فی اللغة الفتور و الانکسار و قیل هو التواضع و قیل ان السجود المأمور به کان الایماء دون السجود المستوفی فی الصلاة کالذی یفعله الناس فی لقاء عظمائهم من الخضوع و التواضع لهم تشریفا و تعظیما و لیس بسجود تامّ و نقل هذا عن أبیّ بن کعب و ابن عباس حیث قالا کان ذلک انحناء و لم یکن خرورا و قیل و هو قول الاکثرین و هو الظاهر من السجود هو السجود المستوفی المأمور بمثله فی الصلاة و هو وضع الجبهة علی الارض بدلیل ما فی آیة أخری فقعوا له ساجدین فدل علی أنه أراد به الانحناء التامّ بالخرور و السقوط علی الارض و اختلفوا أیضا فی أنه کان علی الدوام أو مرّة فمن جعله للاستسخار فهو فیه و فی ولده الی قیام الساعة و من جعله تواضعا له فهو له الی آخر عمره و من جعله فعلا واحدا تحیة له فهو مرّة و اختلف أیضا فی قوله لآدم ان الفعل کیف کان فی حقه قیل معناه فعل أقیم له تعظیما له و تشریفا و بیانا لقدره و قیل هو عبادة أقیمت للّه تعالی لانه کان بأمره و کان آدم قبلة لها و فیه بیان قدره و تخصیصه لانه أمر به تشریفا لشأنه و قیل کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:44
الفعل تحیة له لا عبادة له لانه لا عبادة الا للّه تعالی و قال قتادة کان خدمة للّه تعالی حرمة لآدم کصلاة الجنازة عبادة للّه تعالی دعاء للمیت و قیل معناه اسجدوا لاجل آدم أی شکرا لما خلق من خلق جدید و أصح ذلک کله أنه کان تحیة لآدم علی الخصوص و لو کان عبادة للّه تعالی و آدم قبلة فی ذلک لما استکبر ابلیس و انما کان تحیة له و تعظیما له خاصة فلم یر له ابلیس ذلک الاستحقاق فامتنع عنه و اختلف أیضا فی أن الامر کان خطابا من اللّه للملائکة من غیر واسطة أو کان بواسطة رسول من اللّه إلیهم* و اختلف فی أن هذا النوع من السجود الذی هو تحیة و تعظیم لآدم هل کان مباحا لغیر آدم بحال قیل ما کان مباحا لغیره کما لم یجب لغیره و قیل کان مباحا لغیر آدم الی زمن یعقوب قال تعالی و خرّوا له سجدا و کان آخر من فعل له ذلک ثم نسخ و قیل بل بقی الی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی سجدت له الشجرة و الجمل و قال له أصحابه نحن أحق بالسجود لک من هذه الاشیاء فنهاهم عن ذلک و قال لا ینبغی لمخلوق أن یسجد الا للّه تعالی و لو أمرت أحدا أن یسجد لاحد لامرت الزوجة أن تسجد لزوجها* و اختلف أیضا فی معنی الامر بذلک و الحکمة فیه قیل هو لبیان فضیلة العلم و استحقاق العالم خدمة غیره له و قیل هو لبیان ضرر الطعن فی الغیر و قیل هو لبیان استغنائه عن عبادتهم ایاه و انکاره علیهم قولهم و نحن نسبح بحمدک و نقدّس لک فقال لهم لا حاجة لی الی عبادتکم فاخدموا عبدا من عبادی لم یعمل کثیر عمل* قال وهب ابن منبه أوّل من سجد لآدم جبریل فأکرمه اللّه بانزال الوحی علی النبیین خصوصا علی سید المرسلین ثم میکائیل ثم اسرافیل ثم عزرائیل ثم سائر الملائکة و قیل أوّل من سجد لآدم اسرافیل فرفع رأسه و قد ظهر القرآن کله مکتوبا علی جبهته کرامة له علی سبقته علی الائتمار* و أما موضع السجود فقد قیل کان فی الارض و قیل کان فی السماء و أما الوقت فقد قیل کما نفخ فیه الروح سجدوا له لقوله تعالی فاذا سوّیته و نفخت فیه من روحی فقعوا له ساجدین و الفاء للتعقیب و قیل بل کان بعد انباء آدم للملائکة بالاسماء و اظهار فضله علیهم و ایجاب خدمتهم له بسبب العلم و ظاهر نظم الآیة فی سورة البقرة یدل علیه* و فی تفسیر شفاء الصدور لابی بکر النقاش عن بعضهم أنه قال کان سجود الملائکة لآدم مرّتین مرّة کما خلق بدلیل قوله فقعوا له ساجدین و مرّة بعد ظهور فضله علیهم بعد العلم بالاسماء بدلیل ما فی سورة البقرة و هذا قول تفرّد به هذا القائل و لم یوافقه أحد من المفسرین و قالوا لم یکن ذلک إلا مرّة واحدة و الاظهر هو السجود بعد الانباء بالاسماء فأما الفاء فقد تکون للتعقیب مع التراخی کما فی قوله تعالی فأزلهما الشیطان عنها فأخرجهما کان ذلک بعد مدّة و کذا قوله تعالی فتلقی آدم من ربه کلمات فتاب علیه کان بعد مائتی سنة و أما مدّة السجود فقد قیل سجدوا فمکثوا فی سجودهم خمسمائة عام و السجود یتأدّی منا بالوضع و ان قلّ و هذا التخفیف لاحد أمرین اما لضعفنا و اما لعزنا قال اللّه تعالی خلق الانسان ضعیفا و قال و للّه العزة و لرسوله و للمؤمنین فکأنه قال أنت ضعیف فلا أکلفک فوق طاقتک و أنت عزیز فلا أرضی مشقتک فلما رفعوا رءوسهم من السجود بعد خمسمائة سنة رأوا آدم أدخل الجنة فتعجبوا فسجدوا مرّة أخری و هذه السجدة کانت للّه فمکثوا فی سجودهم خمسمائة سنة أیضا فلما رفعوا رءوسهم و رأوا آدم قد أهبط الی الارض و توفی و دفن فی لحده قالوا الهنا و سیدنا مات آدم مع عزه و کرامته فأجیبوا کل نفس ذائقة الموت و من ذلک الوقت الی یومنا هذا قریب من سبعة آلاف سنة لم یرقأ لهم دمع* و فی لیلة المعراج وجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهل السموات فی البکاء*

قصة اباء ابلیس‌

و أما قصة اباء ابلیس فلما أمر اللّه الملائکة بالسجود و سجدوا امتنع ابلیس فلم یتوجه الی آدم بل أعرض عنه و ولاه ظهره و انتصب هکذا الی أن سجدوا و وقفوا فی سجودهم مائة سنة و فی روایة خمسمائة سنة و رفعوا رءوسهم و هو قائم معرض لم یندم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:45
من الامتناع و لم یعزم علی الاتباع و لما رأوه خذل و لم یسجد عادوا الی السجود ثانیا فکان هذا للّه و الاوّل لآدم و ابلیس یری ذلک و لم یفعل ما فعلوه و هذا اباؤه*

(ذکر أخذ المیثاق)

* فی معالم التنزیل عن مقاتل و غیره من أهل التفسیر لما خلق اللّه آدم مسح صفحة ظهره الیمنی فأخرج منه ذرّیة بیضاء کهیئة الذرّ یتحرّکون ثم مسح صفحة ظهره الیسری فأخرج منه ذرّیة سوداء کهیئة الذرّ فقال یا آدم هؤلاء ذرّیتک ثم قال لهم أ لست بربکم قالوا بلی فقال للبیض هؤلاء للجنة برحمتی و هم أصحاب الیمین و قال للسود هؤلاء للنار و لا أبالی و هم أصحاب الشمال ثم أعادهم جمیعا فی صلبه و فی الحدیث ردّها إلیه إلّا روح عیسی فانه أمسکه الی وقت خلقه ذکره المقدسی فی تاج المعانی* و فی المشکاة عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما خلق اللّه آدم مسح ظهره فسقط من ظهره کل نسمة هو خالقها الی یوم القیامة فجعل بین عینی کل انسان منهم وبیصا من نور ثم عرضهم علی آدم فقال أی رب من هؤلاء فقال ذرّیتک فرأی رجلا منهم فأعجبه و بیص ما بین عینیه فقال أی رب من هذا قال داود قال کم جعلت عمره قال ستین سنة قال رب زده من عمری أربعین سنة فلما انقضی عمر آدم الا أربعین جاءه ملک الموت فقال آدم أ و لم یبق من عمری أربعون سنة قال أ و لم تعطها ابنک داود فجحد آدم فجحدت ذرّیته و نسی آدم فأکل من الشجرة فنسیت ذرّیته و خطئ آدم فخطئت ذرّیته فمن یومئذ أمر بالکتاب و الشهود رواه الترمذی* و فی المشکاة أیضا قال آدم أی رب فانی قد جعلت له من عمری ستین سنة قال أنت و ذاک ثم سکن آدم الجنة ما شاء اللّه ثم أهبط منها و کان آدم یعدّ لنفسه فأتاه ملک الموت فقال له آدم قد عجلت قد کتب لی ألف سنة قال بلی و لکنک جعلت لابنک داود ستین سنة* و فی عرائس الثعلبی قال یا رب کم عمره قال ستون سنة قال یا رب زده فی عمره قال لا الا أن تزید أنت من عمرک فقد جف القلم بأعمار بنی آدم و کان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعین سنة فکتب اللّه علیه کتابا بذلک و أشهد علیه الملائکة فلما مضی من عمره تسعمائة و ستون سنة جاءه ملک الموت لیقبضه فقال آدم عجلت یا ملک الموت قال ما فعلت بک استوفیت أجلک فقال آدم قد بقی من عمری أربعون سنة قال انک قد وهبتها لابنک داود قال ما بعت و لا وهبت له شیئا فأنزل اللّه الملائکة و أقام الملائکة شهودا ثم ان اللّه تعالی أکمل لآدم ألف سنة و لداود مائة سنة* قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نسی آدم فنسیت ذرّیته و جحد آدم فجحدت ذرّیته فأمر اللّه تعالی بالکتاب و الشهود من حینئذ و أهل القبور محبوسون حتی یخرج أهل المیثاق کلهم من أصلاب الرجال و أرحام النساء فلا تقوم الساعة حتی یولد کل من أخذ علیه المیثاق* و فی بحر العلوم قوله مسح ظهر آدم بیده أی أمر به ملکا ففعل فخرجت ذرّیته کأمثال الذرّ حتی ملئوا العالم و هم کل مولود ولده ذکورهم و اناثهم و أحرارهم و عبیدهم و مؤمنهم و کافرهم و أغنیاؤهم و فقراؤهم و ملوکهم و رعایاهم و علماؤهم و عوامّهم و من ولد میتا و من یموت طفلا و من ینتهی الی الشیب و من کان الی انقراض الدنیا فخرجوا کهیئة الذرّ و رکب اللّه فیهم العقل و السمع و النطق و أخرج الطبقة الاولی عن یمین آدم و هم بیض یتلألئون و قال هؤلاء أهل الجنة و بعمل أهل الجنة یعملون و أخرج الثانیة عن شمال آدم و قال هؤلاء أهل النار و بعمل أهل النار یعملون و هو تفسیر للروایة الاخری السابقة و هی هؤلاء للنار و لا أبالی و هؤلاء للجنة و لا أبالی* و اختلفوا فی موضع أخذ المیثاق قال ابن عباس ببطن نعمان واد الی جنب عرفة و عنه بحراء و قال ابن جبیر کان بنعمان السحاب و هو بقرب عرفات کذا فی بحر العلوم* و فی المشکاة بنعمان یعنی عرفة قال ابن الاثیر نعمان بفتح النون* و فی معجم ما استعجم نعمان بفتح أوّله و اسکان ثانیه وادی عرفة الی منی کثیر الاراک* و فی شفاء الغرام موضع مشهور فوق عرفة علی طریق الطائف من عرفة و فیه مزارع حسنة و فیه أخذ اللّه المیثاق علی ذرّیة آدم علی ما قاله ابن عباس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:46
و روی ابن عباس أیضا بدهناء من أرض الهند و هو الموضع الذی هبط به آدم علیه السلام و قال الکلبی بین مکة و المدینة و الطائف و قیل بعد ما عرج به الی السماء علی سریر من ذهب علی أکتاف الملائکة علی باب الجنة فی صحراء أرضها مسیرة ثلاثین ألف سنة کذا فی بحر العلوم* و قال السدّی أخرج اللّه آدم من الجنة و لم یهبط من السماء ثم مسح ظهره و أخرج منه ذرّیته* روی أن اللّه تعالی أخرجهم جمیعا و صوّرهم و جعل لهم عقولا یعلمون بها و ألسنا ینطقون بها کملهم قبلا یعنی عیانا و قال أ لست بربکم قال الزجاج جاز أن یکون اللّه جعل لامثال الذرّ فهما تعقل به کما قال تعالی قالت نملة یأیها النمل ادخلوا مساکنکم روی أن اللّه تعالی قال لهم اعلموا أنه لا إله غیری و أنا ربکم لا رب لکم غیری لا تشرکوا بی شیئا فانی سأنتقم ممن أشرک بی و لم یؤمن بی و انی مرسل إلیکم رسلا یذکرونکم عهدی و میثاقی و منزل علیکم کتبا فتکلموا جمیعا و قالوا شهدنا أنک ربنا و الهنا لا رب لنا غیرک فأخذ بذلک مواثیقهم ثم کتب آجالهم و أرزاقهم و مصائبهم فلما قرّرهم بتوحیده و أشهد بعضهم علی بعضهم أعادهم الی صلب آدم علیه السلام* و فی الکشاف و أنوار التنزیل و غیرهما فی تفسیر قوله تعالی و اذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذرّیتهم أی أخرج من أصلابهم نسلهم علی ما یتوالدون قرنا بعد قرن من ظهورهم بدل من بنی آدم بدل بعض و أشهدهم علی أنفسهم أ لست بربکم أی و نصب لهم دلائل ربوبیته و رکب فی عقولهم ما یدعوهم الی الاقرار بها حتی صاروا بمنزلة من قیل لهم أ لست بربکم قالوا بلی فنزل تمکینهم من العلم بها و تمکنهم منزلة الاشهاد و الاعتراف علی طریق التمثیل و یدل علیه قوله تعالی قالوا بلی شهدنا أن تقولوا یوم القیامة أی کراهة أن تقولوا انا کنا عن هذا غافلین* و فی بحر العلوم عن ابن عباس لما خلق اللّه آدم ظهر فی ظهره نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و کانت الملائکة خلفه ینظرون الی ذلک النور فقال آدم یا رب ما لهؤلاء ینظرون من خلفی الی ظهری قال ینظرون الی نور محمد خاتم الأنبیاء الذی أخرجه من ظهرک قال یا رب اجعل نوره بحیث أراه فظهر فی سبابته فقال یا رب هل بقی فی ظهری من هذا النور شی‌ء قال نعم نور أصحابه قال یا رب اجعله فی بقیة أصابعی فجعل نور أبی بکر فی الوسطی و نور عمر فی البنصر و نور عثمان فی الخنصر و نور علیّ فی الابهام و کان آدم ینظر الی تلک الانوار تتلألأ فی خلال أصابع یمینه الی أن أکل من الشجرة و عوتب بذلک فنقل ذلک کله الی ظهره* قال ابن عباس بعث اللّه تعالی الی آدم ملائکة من السماء معهم سریر من ذهب فحملوه علی السریر حتی صعدوا به الی السماء فأدخلوه الجنة ضحوة الجمعة و قال محمد بن علی الترمذی لما أکمل اللّه خلق آدم رفعه علی أکتاف جبریل و میکائیل و اسرافیل و عزرائیل و الملائکة علی سریر من ذهب و یقال من یاقوت أحمر له سبعمائة قائمة فقال لهم طوفوا به فی سماواتی لیری عجائبها فیزداد یقینا فطافوا به مقدار مائة عام حتی وقفوا به علی کل شی‌ء من عجائبها ثم أمرهم أن یحوّلوا وجوههم من العرش إلیه فیسجدوا له ففعلوا و لذلک تحمل جنازة أولاده بأربعة و سئل کعب کم طاف الملائکة بآدم فی السموات مکر ما قال ثلاث مرّات أولیها علی سریر الکرم و الثانیة علی أکتاف الملائکة و الثالثة علی الفرس المیمون و هو مخلوق من المسک الاذفر و له جناحان من الدرّ و الیاقوت و المرجان و جبریل آخذ بلجامها و میکائیل عن یمینه و اسرافیل عن یساره فطافوا به السموات کلها و هو یسلم علی الملائکة عن یمینه و عن شماله فیقول السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته یا ملائکة اللّه و هم یقولون و علیک السلام و رحمة اللّه و برکاته فقال یا آدم هذه تحیتک و تحیة ذرّیتک فیما بینهم الی یوم القیامة

خلق حوّاء

قال وهب و جماعة خلق اللّه حوّاء خارج الجنة ثم أمرها بدخول الجنة ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم خلقها فی الارض و آدم بین مکة و الطائف ثم حملا علی سریر الی الجنة و قال بعضهم خلق اللّه آدم و أمر بحمله علی سریر الی سماء الدنیا فلما وصل الی باب الجنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:47
وضع السریر و ألقی علیه النعاس و خلقت حوّاء من ضلعه الیسری ثم أمر بدخول الجنة و قال ابن عباس و ابن مسعود و جماعة خلقها فی الجنة بعد دخول آدم فیها فالمرأة أصلها من الجنة و لهذا أبیح لها الحریر و الذهب و هما لاهل الجنة و لهذا لا یمل الزوج من الزوجة الحسناء الصالحة کما لا یمل من نعیم الجنة* و فی تفسیر الثعلبی ان آدم علیه السلام لما هبّ من نومه رآها عنده أو قال عند رأسه کأحسن ما خلق اللّه فقال لها من أنت قالت أنا زوجتک خلقنی اللّه لک تسکن الیّ و أسکن إلیک فقالت الملائکة عند ذلک یا آدم ما هذه قال امرأة قالوا لم سمیت بذلک قال لانها خلقت من المرء قالوا و ما اسمها قال حوّاء قالوا لم سمیت حوّاء قال لانهما خلقت من الحیّ قالوا تحبها قال نعم فقالوا الحوّاء تحبینه قالت لا و فی قلبها أضعاف ما فی قلبه قالوا فلو صدقت امرأة فی حبها لزوجها لصدقت حوّاء* قال ابن عباس ان اللّه تعالی خلق حوّاء من آدم فی الجنة من ضلعه الیسری یقال لها القصیری و کان بین النائم و الیقظان و لو کان فی النوم لم یعلم أنها خلقت منه فلم یعطف علیها و لو کان یقظان لتألم بذلک فلم یعطف علیها قال الشاعر
هی الضلعة العوجاء لست تقیمهاألا ان تقویم الضلوع انکسارها
أ تجمع ضعفا و اقتدارا علی الهوی‌أ لیس عجیبا ضعفها و اقتدارها * و فی بحر العلوم قال اللّه تعالی یا آدم هذه زوجتک خلقتها منک لاجلک أ فترضی قال رضیت هذه لحمی و دمی و زوجتی و قرّة عینی* و فی المواهب اللدنیة فلما استیقظ و رآها سکن إلیها و مدّ یده لها قالت الملائکة مه یا آدم قال و لم و قد خلقها اللّه لی فقالوا حتی تؤدّی مهرها قال و ما مهرها قالوا تصلی علی محمد ثلاث مرّات* و ذکر ابن الجوزی فی کتاب سلوة الاحزان أنه لما رام القرب منها طلبت منه المهر فقال یا رب ما ذا أعطیها قال یا آدم صلّ علی حبیبی محمد بن عبد اللّه عشرین مرّة ففعل* و فی روایة قالت الملائکة مه یا آدم حتی تنکحها فعند ذلک زوّجها اللّه ایاه‌

خطبة نکاح آدم و حوّاء التی خطبها اللّه عز و جل‌

و هذه خطبة نکاح آدم و حوّاء خطبها اللّه تعالی* الحمد ثنائی و العظمة ازاری و الکبریاء ردائی و الخلق کلهم عبیدی و إمائی اشهدوا یا ملائکتی و حملة عرشی و سکان سماواتی انی زوّجت حوّاء أمتی عبدی آدم بدیع فطرتی و صنع یدی علی صداق تقدیسی و تسبیحی و تهلیلی یا آدم اسکن أنت و زوجک الجنة و کلا منها الآیة* و فی المواهب اللدنیة ثم ان اللّه تعالی أباح لهما نعیم الجنة و نهاهما عن شجرة الحنطة و قیل شجرة العنب و قیل شجرة التین کما سیجی‌ء* و قال الضحاک أدخل آدم الجنة عند الضحوة و زاد غیره یوم الجمعة و أخرج منها ما بین الصلاتین فمکث نصف یوم من أیام الآخرة و هی الایام التی کل یوم منها ألف سنة فنصف الیوم خمسمائة سنة و هذا قول ابن عباس و الکلبی و فیه خلاف سیجی‌ء* و عن وهب بن منبه قال اللّه تعالی لآدم علیه السلام یا آدم انطلق فانی قد نصبت لک فی بحبوحة الجنة سریرا لا ینبغی لاحد قبلک و لا بعدک أن یجلس علی مثله طوله ما بین المشرق و المغرب سبع مرّات و له سبعمائة قائمة من قائمة الی قائمة مسیرة مائة عام و کان یجلس علیه آدم فی مقابلة شجرة الخلد و کان یولی وجهه عنها یتوقی أن یدخل علیه ما یسخط ربه و کانت حوّاء معه و لما أسکنهما جنة الخلد نهاهما عن أکل البرّ قال اللّه تعالی و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین* و فی بحر العلوم اختلفوا فی هذه الشجرة قال ابن عباس و محمد بن کعب القرظی و الحسن البصری و عطیة و قتادة و محارب بن دثار و مقاتل هی شجرة البرّ الذی جعله اللّه رزق أولاده فی الدنیا و قال السدّی و ابن مسعود و سعید بن جبیر و جعدة بن هبیرة هی الکرمة لافتتان أولاده بها و قال ابن جریج و حکاه عن بعض الصحابة انها التین و قال علیّ رضی اللّه عنه هی شجرة الکافور و قال الکلبی و الدینوری هی شجرة العلم و هی علم الخیر و الشرّ من أکلها علم الاشیاء و قیل علما بالاکل منها ظهور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:48
عورتهما قال اللّه تعالی بدت لهما سوآتهما و قال محمد بن اسحاق هی شجرة الحنظل و قال أبو مالک هی شجرة النخلة و قال أبو جدعان هی شجرة الخلد التی کانت تتناول منها الملائکة و قال ابن عباس فی روایة هی شجرة الفردوس و کانت فی وسط الجنة فیها من ألوان الثمار کلها و قال الربیع بن أنس کانت شجرة من أکلها أحدث و الجنة لم تکن موضع الحدث و قال أبو منصور لا تعرف ماهیتها الا بالوحی و لا وحی*

صفة شجرة الحنطة

و قال ابن عباس فی صفتها کانت شجرة الحنطة فیا لها من شجرة ما أحسنها و أجملها خلقها اللّه علی أحسن صورة فی الجنة کان من کل ذی لون فی ورقها لون و من کل ذی طعم فی ثمرها طعم و من کل ذی حسن فی صورتها حسن* و فی روایة عنه أوراقها من الحلل و أغصانها من الذهب و ثمارها من نور العرش ألین من الزبد و أحلی من العسل و أشدّ بیاضا من الثلج فاذا کان یوم القیامة یکون ممرّ المؤمنین علیها فیتعجبون من حسنها فتقول لهم الملائکة لا تمکثوا هاهنا فان الجبّار یرید أن یخلع علیکم خلع الزیادة فیتحیرون من حسنها فتنادیهم الملائکة أنتم فی دار البقاء تعجبتم من هذه الشجرة مع وعد الرب ایاکم الزیادة فکیف ملامتکم أباکم فحینئذ یقولون لا لوم علی أبینا* و قال محمد بن علیّ الترمذی کان أصلها السنبلة و علیها من کل لون و ثمر من التین و العنب و سائر الالوان کل حنطة ککلیة البقر أحلی من العسل و ألین من الزبد* و فی روایة الشجرة التی أکل منها آدم شجرة القمح لها سبعة أغصان علی کل غصن سنبلة کل سنبلة ثلاثة أشبار فی کل سنبلة خمس حبات أخذ سنبلة و أخذ منها حبة أکلها آدم و حبة أکلتها حوّاء و الثلاث نزل بها جبریل علی آدم فی الدنیا و قطع کل حبة ستمائة قطعة فأصل قمح الدنیا منها یقال أوّل ما أکل آدم و حوّاء من نعیم الجنة العنب و آخر ما أکلا البرّ* روی أن ابلیس لما رأی بعد ما صار ملعونا أن آدم و حوّاء فی طیب عیش و نعمة و رأی نفسه فی مذلة و نقمة حسدهما فهو أوّل من حسد و تکبر فأراد أن یدخل الجنة لیوسوس إلیهما و ذلک بعد ما أخرج منها فمنعه الخزنة فحلس علی باب الجنة ثلاثمائة سنة من سنی الدنیا و ذلک ثلاث ساعات من ساعات الآخرة و ابلیس و ان صار مطرودا من الجنة و ممنوعا من دخولها لکن لم یمنع من السموات و کان یصعد الی السماء السابعة الی زمن ادریس فلما رفع ادریس الی السابعة منع منها ابلیس و کان لا یمنع من السموات الأخر الی زمان عیسی و لما رفع عیسی الی السماء الرابعة منع منها ابلیس و مما فوقها و کان یصعد الی الثالثة و لما أوحی اللّه الی محمد صلّی اللّه علیه و سلم منع من الثلاث الأخر أیضا فصار ممنوعا من السموات کلها* و فی کیفیة دخوله الجنة اختلاف* قال فی معالم التنزیل و أنوار التنزیل اختلف فی أنه تمثل لهما فقاولهما بذلک أو ألقاه إلیهما بطریق الوسوسة و انه کیف توصل إلیهما بعد ما قیل له اخرج منها فانک رجیم فقیل انه منع من الدخول علی وجه التکرمة کما کان یدخل مع الملائکة و لم یمنع من أن یدخل للوسوسة ابتلاء لآدم و حوّاء علیهما السلام و قیل قام عند الباب فناداهما و قیل تمثل بصورة دابة فدخل و لم تعرفه الخزنة و قیل أرسل بعض أتباعه فأزلهما و قیل دخل فی فم الحیة حتی دخلت به و العلم عند اللّه* و عن وهب ابن منبه کان الطاوس مسکنه شجرة طوبی و کان اذا نشر جناحیه ظلل بهما سدرة المنتهی و کان یقول فی صیاحه أنا الملک المتوّج الذی غمرت فی نعیم الجنة فلا أخرج منها أبدا و شجرة طوبی فی الجنة أصلها فی قصر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لها فی کل قصر غصن کالشمس فی الدنیا لها فی کل دار ضوء* و فی خبر عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان بطحاءها یاقوت أحمر و ترابها مسک أذفر و و حلها عنبر أشهب و کثبانها کافور أبیض و بسرها زمرّد أخضر و اقناؤها سندس و استبرق و زهرتها ریاط صفر و ورقها برود خضر و ثمارها حلل حمر و صنوها زنجبیل و عسل و عشبها زعفران مرتفع یتفجر من أصلها أنهار السلسبیل و الرحیق و المعین و لو سار راکب الجواد فی ظلها مائة عام لم یقطعها و کان الطاوس یسکنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:49
و یطیر و یخرج من باب الجنة کل یوم مرّة فخرج یوما فاذا شیخ قاعد و هو ابلیس فقال له من أنت قال ابلیس أنا من الملائکة الکروبیین من الصفح الاعلی ممن أعطی علم الغیب جئت أدخل الجنة فأنظر فیها و ما أعدّ اللّه لاولیائه فیها* و فی العرائس وقف ابلیس علی باب الجنة و تعبد هناک ثلاثمائة و ستین سنة انتظارا لأن یخرج منها أحد یأتیه بخبر آدم و حوّاء فبینما هو جالس اذ خرج طائر موشی أی مزین یتبختر و یتمایل فی مشیته فلما رآه ابلیس قال له أیها الخلق الکریم من أنت و ما اسمک فما رأیت فیما رأیت من خلق اللّه عز و جل أحسن منک قال أنا طائر اسمی طاوس قال من أین قال من حدیقة آدم و بستانه قال ما الخبر عن آدم قال هو فی أحسن الحال و أطیب العیش هیئت له الجنان و نحن من خدّامه فقال هل تستطیع أن تدخلنی علیه قال من أنت قال أنا من الکروبیین عندی لآدم نصیحة أرید أن أؤدّیها إلیه قال مالک لا تذهب الی رضوان لیدخلک علیه قال منعنی من الدخول قال ان رضوان لا یمنع أحدا من النصیحة قال نعم و لکن أرید أن أحفیها عنه قال النصیحة لا تکون مخفیة و المخفیة لا تکون نصیحة قال نحن معاشر الکروبیین لا نقول الا سرّا ان فعلت ما أقول أعلمک دعاء لن تشیب بعده أبدا قال ما أقدر علی ذلک و لکن أدلک علی من یقدر علیه قال افعل فجاء الطاوس الی الحیة

صفة الحیة

و کانت یومئذ عظیمة مثل الابل البختی و کانت من أحسن حیوانات الجنة لها أربع قوائم کقوائم الابل من زبرجد أخضر و فیها من کل لون* و فی روایة من بین أحمر و أصفر و أخضر تتلألأ تلألؤ القمر رأسها من الیاقوت و عیناها من الزبرجد و لسانها من الکافور و فی روایة من المسک الابیض و اسنانها من الدرّ و فی روایة نظم اللؤلؤ و ناباها من اللؤلؤ الرطب و فی روایة مثل نابی الابل من المسنک بیضاء الظهر صفراء البطن و فی روایة جسدها من نور و وبرها من زعفران و عنقها کالقضبان الملوّنة و ذوائبها کذوائب الجواری الابکار و عرفها کجناح الطیر فقال لها الطاوس یا حیة ان ملکا علی باب الجنة یقول عندی نصحیة لآدم من یذهب بی إلیه أعلمه دعوة فخرجت الحیة إلیه و قالت لابلیس انی أدخلک الجنة و لکن أتخوّف من لحوق البلاء بی قال ابلیس أنت فی ذمّتی و جواری لا یلحقک مکروه قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اقتلوا الحیة و لو کنتم فی الصلاة و انما أمرهم به ابطالا لذمّة ابلیس فقالت الحیة ان ابلیس بسبب آدم أخرج من الجنة و أنا أخاف أن یصیبنی مثل ما أصابه قال ابلیس أنا أعطیک جوهرة أینما تضعیها تکن لک جنة فأعطاها ابلیس خرزة جعلتها فی فیها فما زالت تلک الخرزة فی قفاها فتخرج باللیل و تخرج تلک الخرزة من فیها و تضعها حیث شاءت فتستضی‌ء بها* و فی العرائس قالت له الحیة کیف أدخلک الجنة و رضوان اذا لا یمکننی من ذلک قال ابلیس أنا أتحوّل ریحا فاجعلینی بین أنیابک فتدخلینی الجنة و هو لا یعلم قالت افعل فتحوّل ریحا و دخل فم الحیة فأطبقت فاها فقال لها ابلیس اذهبی بی الی شجرة البرّ فلما انتهت الحیة الی حیث أمرها به ابلیس جعل ابلیس یتغنی بمزماره فلما سمع آدم و حوّاء صوت المزمار جاءا إلیه یستمعانه فاذا هی الحیة یخرج صوت التغنی من فیها فأعجبهما الصوت فتقدّما إلیه شیئا فشیئا حتی وقفا علیه و هما یحسبان أن الحیة هی التی تتغنی فقال لهما ابلیس تقدما فقالا نهینا عن قرب هذه الشجرة فقال ما نهاکما ربکما عن هذه الشجرة الی آخره و لما لم یقبلا قول ابلیس قاسمهما انی لکما لمن الناصحین قسما مؤکدا فهو أوّل من حلف کاذبا و أوّل من غش فلما سمعا اسم اللّه خدعا و اغترا فدلاهما بغرور

أکل آدم من الشجرة

فسبقت الی الشجرة حوّاء و تناولت منها حبة فأکلتها و جاءت بها الی آدم و قالت انی أکلت منها و ما ضرّتنی و لم یأکل آدم الی مائة سنة و لما لم یر ضررا و لا أثر اعلی حوّاء فبتأویل ظهر له و أمارة ثبتت عنده جعل حبة منها فی فیه فقبل أن یصل طعمها الی حلقه و جرمها الی جوفه بان عنه تاجه و طار من رأسه و تهافتت ثیابه التی کانت علیه من حریر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:50
و استبرق و فی روایة کانت من نور و فی روایة کانت من جنس أظفاره و نودی فی الجنة عصی آدم ربه فغوی* و فی روایة لما دخل ابلیس الجنة دنا من آدم و حوّاء یغنی بمزماره فسمعت حوّاء صوتا حسنا فجاءت و معها آدم ینظران إلیه و کان ابلیس یتغنی بمزماره و ینوح و یبکی نیاحة و بکاء أحزنهما فهو أوّل من ناح فقالا له ما یبکیک قال أبکی علیکما لانکما تموتان و تفنیان و تفارقان ما أنتما علیه من النعمة و الکرامة قالا و ما الموت فنعت ابلیس لهما الموت فقال تذهب الروح و القوّة و تعدم حرکة الاعضاء و لا یبقی للعین رؤیة و لا للاذن سماع و کذلک کل عضو یعطل عن عمله فوقع ذلک فی أنفسهما و اغتما فعند ذلک قال ابلیس هل أدلک علی شجرة الخلد و ملک لا یبلی و أشار الی الشجرة المنهی عنها فقالا قد نهینا عنها قال ما نهاکما ربکما عن هذه الشجرة الا أن تکونا ملکین أو تکونا من الخالدین* و فی روایة حضر ابلیس عند شجرة البرّ و أخذ حبة منها و جاء بها إلیهما و قال انظرا الی هذه لیس فیها فاکهة ألطف و أطیب من هذه فکلا منها فقالا نهینا عنها فقال ما نهاکما ربکما الآیة و قاسمهما انی لکما لمن الناصحین و أیکما بادر الی أکلها فله الغلبة علی صاحبه فسبقت إلیها حوّاء و أخذت منها خمس حبات فأکلت واحدة و خبأت واحدة و أتت الی آدم بثلاثة فقالت له أنا أکلت منها و کانت طیبة الطعم و ما أصابنی منها مضرّة فأخذ آدم الحبات الثلاث فأعطی حوّاء واحدة و أمسک حبتین* قیل لاخفاء حوّاء احدی الحبات من زوجها آدم صار خباء النساء عن أزواجهنّ بعض الاشیاء عادة لهنّ و لامساک آدم لنفسه حبتین من ثلاث و اعطاء حوّاء واحدة منها شرع للذکر مثل حظ الانثیین فی المیراث* و لما أکل آدم طار من رأسه تاجه المکلل بالدرّ و الیاقوت و الجواهر بجناحیه کطائر یطیر و هو ینادی یا آدم طالت حسرتک و ندامتک و انتفض السریر و خرج من تحتهما و قال انی أستحیی من اللّه أن أکون سریرا لمن عصی اللّه و تساقط ما علیهما من السوار و الدملوج و الخلخال و المنطقة المرصعة و نزع عنهما لباسهما و تهافتت ثیابهما و کانت من جنس ظفرهما و کان علی آدم سبعمائة حلة و کانت عورتهما قبل ذلک مستورة و لم یعلما أن لهما قبل ذلک عورة* قال العتابی لم یکونا رأیا عورتهما الی ذلک الوقت و کان علی سوآتهما نور اذا نظرا إلیها غلب ذلک النور علی أبصارهما و منعهما من ابصارهما ایاها فذهب ذلک النور أیضا فبدت لهما سوآتهما فلما رأیاها فزعا و حسبا أن غیرهما أیضا یراها قال الحضرمی بدت لهما و لم تبد لغیرهما لئلا یعلم الاغیار من مکافأة الجنایة ما علما و لو بدا للاغیار لقال بدت منهما و قال القاسم لما ذاقا تناثر لباسهما فلما أکلا بدت لهما سوآتهما و تغیر علیهما کل شی‌ء فی الجنة* و فی روایة عن وهب بن منبه أنه قال لما توسطت الحیة الجنة قالت لابلیس اخرج قال لا أخرج حتی ینطق لسانک بما أرید فأین هذان الخلقان اللذان أدخلا الجنة فان لی إلیهما حاجة قالت هذه حوّاء زوجة آدم و أنا أنیستها و مخدمتها فنطق ابلیس علی لسان الحیة فقال یا حوّاء لم نهاکما ربکما عن تلکما الشجرة قالت لئلا نزعج من الجنة أبدا قال هذه شجرة الخلد من أکل منها خلد قالت فانک أنیستی و مخدمتی اذا عرفت هذا فهلا أخبرتینی قالت الآن أخبرتک فقومی و کلی و أطعمی زوجک لیکون لک الفوز و العز علیه فانی أحلف انی لکما لمن الناصحین فقامت مسرعة الی الشجرة فتناولت سبع حبات و ناولت آدم خمس حبات فقال آدم یا حوّاء فأین العهد الذی أخذه اللّه علینا قالت أو لیست هذه الحیة تحلف لنا باللّه فأکل آدم فلما أکل آدم طار تاجه یخفخف أی یصفق بجناحیه کطائر یطیر و هو ینادی یا آدم طالت حسرتک و ندامتک و انتقض السریر و قال انزل فانی أستحیی من اللّه أن أکون سریرا لمن عصاه کما سبق فولی آدم هاربا فلم یمرّ بشجر و لا نهر الا نادی عصی آدم ربه حتی انتهی الی سدرة المنتهی و هو یهرب فتعلقت به الشجرة و قالت أین من اللّه المهرب و مدّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:51
یده لیتناول ورقة من أوراقها لیستر بها عورته فارتفعت الورقة فبکی فما قصدا شجرة لیأخذا من أوراقها الا امتنعت عنهما و قالت ما کنت لأستر من کشفه اللّه و دعتهما شجرة التین الی نفسها ترحما علی حالهما فأخذا من ورقها و طفقا یخصفان علیهما من ورق الجنة فیتخرّق و یتفرّق فبکیا و نودی من أعراه اللّه فلا ساتر له و من ترکه فلا ناصر له فتضرّعا و سألا اللّه أن یسترهما فلما أتیاها لیأخذا الورق ثانیا اهتزت لآدم فسقط منها ثلاثة أوراق فجعلها آدم سترة له ثم اهتزت مرّة أخری لحوّاء فتناثرت منها خمسة أوراق فجعلتها حوّاء سترة لها و لذلک شرعت الاکفان للرجال ثلاثة و للنساء خمسة و قال اللّه لشجرة التین لم أعطیتهما الورق فقالت یا رب انک لا تحرم من عصاک الرزق فما یکون لی أن أحرمه الورق فلذلک جعل اللّه شجرة التین بحیث لا یحمل علیها و لا یحرقها الناس و لا تأکل الحیوانات ورقها و قال اللّه تعالی لسائر الاشجار لم لا تدفعن الورق إلیهما فقلن ما کنا لنکسو من أعریته فلذلک جعلها اللّه بحیث یحمل علیها و ورقها یحرقه الناس و تأکل أوراقها الحیوانات فعاتب اللّه آدم و قال له لم أکلت من هذه الشجرة أ لم أنهکما عن هذه الشجرة قال أطعمتنی حوّاء فقال لها لم أطعمته قالت دلتنی الحیة فقال للحیة لم فعلت قالت دلنی الطاوس فقال للطاوس لم فعلت قال أمرنی ابلیس‌

معاقبة إبلیس‌

فعاقب ابلیس و لعنه و غیر صفته و حالته و بدّل اسمه و مکانه و صورته فأوّل ما تغیر منه صورته فقبح غایة القبح و کان له ستمائة ألف جناح مرصع بالجواهر و لباس من نور و کان مدّة ملک الارض و مدّة عالم الملائکة و مدّة خازن الجنان یطیر من العرش الی الثری و أهل السماء و الارض ینظرون إلیه* و کان بدء أمره أنه لما خلقه اللّه تعالی جعله تحت الارضین السبع علی الثری فعبد اللّه تعالی هناک ألف سنة فرفع الی الارض السابعة السفلی فعبد فیها ألفی سنة ثم الی التی فوقها و هی السادسة فعبد فیها ثلاثة آلاف سنة ثم فی الخامسة أربعة آلاف سنة ثم فی الرابعة خمسة آلاف سنة ثم فی الثالثة سنة آلاف سنة ثم فی الثانیة سبعة آلاف سنة ثم فی الاولی ثمانیة آلاف سنة ثم رفع الی السماء الدنیا فعبد فیها تسعة آلاف سنة ثم فی الثانیة عشرة آلاف سنة ثم فی الثالثة احدی عشرة ألف سنة ثم فی الرابعة اثنتی عشرة ألف سنة ثم فی الخامسة ثلاث عشرة ألف سنة ثم فی السادسة أربع عشرة ألف سنة ثم فی السابعة خمس عشرة ألف سنة فذلک کله مائة و عشرون ألف سنة ثم قدّام العرش ضعف ذلک فذلک مائتان و أربعون ألف سنة لم یبق فی السموات و الارض موضع شبر لم یسجد فیه ابلیس فقال الهی هل بقی موضع لم أسجد فیه قال نعم هو فی الارض فاهبط فهبط فقال ما هو قال ذلک آدم فاسجد له فقال هل بقی موضع سوی آدم قال لا قال لم تأمرنی بسجوده و تفضله علیّ قال أنا المختار أفعل ما أشاء و لا أسأل عما أفعل فهابت الملائکة لما سمعوا ذلک و ارتعدوا و ارتعشوا و قیل رأی ابلیس آدم طینا صوّر و وضع بین الطائف و مکة فعظم نفسه لزینته و احتقر آدم لطینته فزالت زینته و تبدّل اسمه و فسد حاله و سقطت منزلته و زال ایمانه و حبطت أعماله و برئ منه ربه قال اللّه تعالی الا ابلیس استکبر أی عدّ نفسه أکبر من أن یخدم غیره و قیل عدّ نفسه أکبر من أن یؤمر بهذا فانه عارض بقوله لم أکن لأسجد لبشر و بقوله أنا خیر منه و قال أبو العالیة لما رکب نوح السفینة اذا هو بابلیس علی کوثلها فقال له و یحک قد غرق الناس من أجلک قال فما تأمرنی قال تب قال سل ربک هل لی توبة فقیل له ان توبته أن یسجد لقبر آدم فقال ترکته حیا و أسجد له میتا و أما الطاوس فغضب اللّه علیه فعاقبه بمسخ رجلیه و تغیر صورته و أما الحیة فغضب اللّه علیها فعاقبها بخمسة أشیاء ألقی عنها القوائم و قال جعلت رزقک فی التراب و جعلتک تمشی علی بطنک و لا یرحمک من یراک و فی روایة سیشدخ رأسک بالحجر من لقیک و جعلها تموت کل سنة فی الشتاء* و أما آدم فلما أکل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:52
من الشجرة المنهیّ عنها ابتلاه اللّه بعشرة أشیاء الاوّل معاتبته ایاه بقوله أ لم أنهکما عن تلکما الشجرة الآیة الثانی الفضیحة فانه لما أصاب الذنب بدت سوأته و تهافت ما علیه من لباس الجنة الثالث أوهن جلده بعد ما کان کالظفر و أبقی من ذلک قدرا علی أنامله لیتذکر بذلک أوّل حاله الرابع أخرجه من جواره و نودی انه لا ینبغی أن یجاورنی من عصانی الخامس الفرقة بینه و بین حوّاء السادس العداوة قال اللّه تعالی بعضکم لبعض عدوّ السابع النداء علیه بالنسیان قال اللّه تعالی فنسی و لم نجد له عزما الثامن تسلیط العدوّ علی أولاده و هو قوله تعالی و أجلب علیهم بخیلک و رجلک التاسع جعل الدنیا سجنا له و لأولاده العاشر التعب و الشقاء و هو قوله عز و جل ان هذا عدوّ لک و لزوجک فلا یخرجنکما من الجنة فتشقی فهو أوّل من عرق جبینه فی التعب‌

الخصال التی ابتلیت بها حوّاء

و أما حوّاء فابتلیت هی و بناتها بهذه العشرة و خمس عشرة خصلة سواهنّ الاولی الحیض یروی أنها لما تناولت الشجرة و ادمتها قال اللّه تعالی ان لک علیّ أن أدمیک و بناتک فی کل شهر مرّة کما أدمیت هذه الشجرة و فی روایة قال أما أنت یا حوّاء فکما أدمیت هذه الشجرة تدمین فی کل شهر* و فی المواهب اللدنیة و لا دمینها فی الشهر مرّتین الثانیة ثقل الحمل الثالثة الطلق و ألم الوضع الرابعة نقصان دینها الخامسة نقصان عقلها السادسة أن میراثها علی النصف من میراث الرجل قال اللّه تعالی للذکر مثل حظ الانثیین السابعة تخصیصهنّ بالعدّة الثامنة جعلهنّ تحت أیدی الرجال قال اللّه تعالی الرجال قوّامون علی النساء التاسعة لیس إلیهنّ من الطلاق شی‌ء و انما هو للرجال العاشرة حرمن من الجهاد الحادیة عشر لیس منهنّ نبیّ قط الثانیة عشر لیس منهنّ سلطان و لا حاکم الثالثة عشر لا تسافر احداهنّ الا مع المحرم الرابعة عشر لا تنعقد بهنّ الجمعة الخامسة عشر لاسلام علیهنّ* و لما دل الطاوس ابلیس لم یظهر شی‌ء من البلاء و حملته الحیة لم تظهر عقوبة و بادرت حوّاء الی الشجرة و أکلت منها لم یتغیر حالها فلما أکل آدم بعد مائة سنة ظهر البلاء فذهبت عن الطاوس النعمة و عن الحیة الصورة و عن حوّاء الصفة و عن آدم الدولة و هذا کله بسبب أکل آدم حبة بالنسیان أو التأویل فما بال من یأکل طول عمره الحرام بالقصد من غیر تأویل و ذلک لان حوّاء و غیرها کانت تبعا و آدم أصلا فلم یؤاخذ التبع بالزلة و الاصل ثابت علی الطاعة فلما زل الاصل أوخذ الاصل و الفرع فکذلک حال العامّة مع الخاصة و حال الاعضاء مع القلب*

خروج آدم من الجنة

ثم قال اللّه لآدم و حوّاء اخرجا من جواری فتضرّع آدم و اعتذر و قال أ تخرجنی من الجنة بخطیئة واحدة فلم تسمع معذرته و قال الهی ان کنت أکلتها بطوعی فعذبنی و ان لم أتعمدها فاغفر لی فلم یقبل منه و قال لا یجاورنی من عصانی أخرج فرفع آدم طرفه الی العرش فاذا مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه قال یا رب بحق محمد ابنی اغفر لی فقال یا آدم کیف عرفت محمدا من ذرّیتک قال رأیت اسما مکتوبا مع اسمک علی سرادق العرش لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فعلمت أن هذا نبیّ کریم علیک قال قد غفرت لک ذنبک بحق محمد و لکن لا یجاورنی من عصانی و جاء آدم الی باب الجنة و لما أراد الخروج نظر فرأی طیب الجنة و بهجتها و شجرة طوبی و أغصان سدرة المنتهی و ظل العرش و نور حضیرة العزة و جمال الحور و بهاء القصور فبکی و ودّع کل واحد منها حتی بکت علیه أشجار الجنة کلها الا العود فقیل له لم لم تبک فقال لم أکن لأبکی علی من عصی اللّه فنودی أن کما عظمت أمرنا عظمناک و لکن هیئناک للاحراق قال یا رب ان عززتنی فما هذا الاحراق و ان تحرقنی فما هذا الاعزاز فنودی أنت عظمتنا فلذلک یعظمونک لکن لما لم یحترق قلبک علی محبنا یحرقونک* و فی بهجة الانوار کان آدم یفرّ من شجرة الی شجرة فلم یقبله إلّا شجرة العود فنودی قد قبلت من عصانی فقال الهی رحمته لانی علمت أن هذا عتاب لا عقاب قال اللّه تعالی لما أقبلت علیه و رحمته لاجلی جعلتک عزیزا فیما بین أولاده حتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:53
انهم یشترونک بوزن الدرهم و لکن لما قبلت بغیر اذنی فبعزتی و جلالی لأجعلنک بحال لا یخرج منک طیب حتی تحرق بالنار لیکون ذلک الطیب مع الوجع فلما انتهی الی باب الجنة و وضع احدی رجلیه خارج الباب قال بسم اللّه الرحمن الرحیم فقال له جبریل تکلمت بکلمة عظیمة فقف ساعة فربما یظهر من الغیب لطف فنودی جبریل أن دعه حتی یخرج فقال الهی دعاک رحیما فارحمه فقال ان أرحمه لا ینقص من رحمتی شی‌ء و ان یذهب لا یعاب علیه فخلّ عنه حتی یذهب ثم یرجع غدا فی مئات ألوف من أولاده عصاة حتی یشاهد فضلنا علی أولاده و یعلم سعة رحمتنا قال الضحاک أدخل آدم الجنة عند الضحوة و أخرج منها ما بین الصلاتین کما مرّ و ادخال آدم الجنة و اخراجه منها و خلقه کان فی یوم الجمعة کذا فی المشکاة و فی مقدار مکثه فی الجنة خلاف قال ابن عباس مکث آدم فی الجنة نصف یوم من أیام الآخرة و هو خمسمائة عام و هو قول الکلبی و قال الحسن البصری لبث فی الجنة ساعة من نهار و هی مائة و ثلاثون سنة من سنی الدنیا* و فی المختصر الجامع عن وهب بن منبه مکث آدم فی الجنة ست ساعات و قیل خمس ساعات و قیل ثلاث قیل الصحیح انه خلق لمضیّ احدی عشرة ساعة من یوم الجمعة و هو من الایام التی کل یوم منها ألف سنة من سنی الدنیا فبقی قدر أربعین عاما من أعوامنا ثمّ نفخ فیه الروح و بقی فی الجنة بقیة الثانیة عشر ساعة من یوم الجمعة و مقداره ثلاثة و أربعون عاما و أربعة أشهر من أعوامنا ثم هبط الی الارض هذا قول الطبری فخرج آدم و حوّاء من الجنة عریانین جوعانین غریبین معزولین آخذا کل منهما بید الآخر فجاء جبریل و قال لآدم خل یدها فان الملک یأمرک أن تفارقها فلما خلاها فقد کل منهما الآخر فضرب آدم بیده علی فخذه و وضعت حوّاء یدها علی هامتها فجعلا یبکیان هذا یقول وا فرقتاه و هذه تقول و اغربتاه فلذا اذا دهم الرجال أمر غمهم یضربون أیدیهم علی أفخاذهم و اذا دهم النساء شی‌ء همهنّ یضعن أیدیهنّ علی رءوسهنّ و هذا میراث للاولاد عن الجدّ و الجدّة* و فی الانس الجلیل کان هبوط آدم و حوّاء وقت العصر و بین هبوط آدم و الهجرة النبویة ستة آلاف سنة و مائتان و ستة عشر سنة علی حکم التوراة الیونانیة و هی المعتمد عند المحققین من المؤرّخین و فی ذلک خلاف* و فی أنوار التنزیل قلنا اهبطوا بعضکم لبعض عدوّ الخطاب لآدم و حوّاء لقوله تعالی اهبطا منها جمیعا و جمع الضمیر لانهما أصلا الانس فکأنهما الانس کلهم أولهما و لابلیس خرج منها ثانیا بعد ما کان یدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من السماء و هو قول مجاهد و قال ابن عباس و السدّی الخطاب لآدم و حوّاء و ابلیس و الحیة و عن ابن عباس فی روایة أخری الخطاب لهؤلاء الاربعة و الطاوس معهم فصاروا خمسة و هذا الامر و ان انتظم فی کلمة لکن ما کان هبوطهم جملة بل هبط ابلیس حین لعن بدلیل قوله تعالی فی حق ابلیس فاهبط منها و قال فاخرج منها و هبوط آدم و حوّاء و الحمیة و الطاوس کان بعده بکثیر من الزمان و أما المهبط ففی حیاة الحیوان قال کعب الاحبار أهبط اللّه الحیة باصبهان و ابلیس بجدّة و حوّاء بعرفة* و فی معالم التنزیل هبط ابلیس بأیلة و حوّاء بجدّة و هبط آدم بسر ندیب من أرض الهند علی جبل یقال له نود و هو بأعلا الهند نحو الصین جبل عال یراه البحریون من مسافة أیام و فیه أثر قدم آدم مغموسة فی الحجر و یری علی هذا الجبل کل لیلة کهیئة البرق من غیر سحاب و لا بدّ له فی کل یوم من مطر یغسل قدمی آدم و یقال ان الیاقوت الاحمر یوجد علی هذا الجبل تحدّره السیول و الامطار الی الحضیض و به یوجد الماس أیضا و العود* و فی عرائس الثعلبی قال ابن عباس أهبط اللّه آدم علیه السلام الی الارض علی جبل وادی سرندیب و ذلک أن ذروته أقرب ذری جبال الارض الی السماء و کانت رجلاه فی الارض و رأسه فی السماء یسمع دعاء الملائکة و تسبیحهم و کان آدم یأنس بذلک فهابته الملائکة و اشتکت نفسه الی اللّه تعالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:54
فنقص اللّه قامته الی ستین ذراعا بذراع آدم و کان قبل ذلک یمس رأسه السحاب فصلع و أخذ ولده الصلع انتهی قال ابن اسحاق أهبط آدم و حوّاء علی جبل بالهند یقال له واش عند واد یقال له نهبل عند الوهیج و المندل بلدان من أرض الهند و فی الترمذی فی حدیث الدجال فیطرحهم بالنهبل و هو تصحیف و الصواب بالمیم کذا فی القاموس* و فی بحر العلوم روی أن آدم هبط بالهند و حوّاء بجدّة ساحل مکة و ستجی‌ء قصتهما و ابلیس بساحل بحر أیلة و الحیة باصبهان و الطاوس ببیسان و فیه أیضا فی روایة قال أهبط آدم بالهند و حوّاء بالمزدلفة و ابلیس بکابل و الحیة بسجستان* و عن الحسن قال قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما هبط ابلیس قال و عزتک لا أفارق ابن آدم ما دام الروح فیه قال اللّه تعالی و عزتی و جلالی لا أحجب عنه التوبة حتی یغرغر* و عن أبی سعید الخدری أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ان الشیطان قال و عزتک لا أبرح أغوی عبادک ما دامت أرواحهم فی أجسادهم قال الرب و عزتی و جلالی و کرمی و ارتفاعی و فی روایة و ارتفاع مکانی لا أزال أغفر لهم ما استغفرونی ذکرهما فی بحر العلوم و فیه کان مهبط آدم علی جبل سرندیب فی شرقی أرض الهند یقال له باشم و یقال له و اشم و یقال نودوا نبّت اللّه علی ذلک الجبل أشجارا و أنبع مائة عین عذبة و جعل ترابها دواء و عرضه مائة فرسخ فی مائة فرسخ و فیه غار فیه عبادهم و قال أیضا هبط آدم من الجنة و رأسه یناغی السماء و کان أوّل شی‌ء رآه آدم من القذر فی الدنیا عطس عطسة فسال أنفه فلما نظر إلیه بکی أربعین عاما للقذر* و فی بحر العلوم أیضا عن وهب بن منبه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیر الارض التی أهبط اللّه بها آدم و هی أرض الهند و فی روایة أطیب الارض قال وهب ان آدم علیه السلام کان خصف علیه من ورق الجنة و هی التین فانتفع بها ثم هبط الی الارض حین هبط و هی علیه فلما أصابها ضحی الارض و ریحها یبست تلک الورقة فتحاتت علیه فذرتها الریح فی بلاد الهند فمن هنالک عبقت الهند و فشافیها أصل الطیب* و فی روایة کان علی آدم و حوّاء من أوراق التین قد تسترا بها فتناثرت فی الارض فما أصاب الظبی من أوراق آدم صار مسکا و ما أصاب بقر البحر صار عنبرا و من ورق حوّاء ما أصاب دود القز صار حریرا و ما أصاب النحل صار عسلا فبقیت هذه الاربعة منهما میراثا لاولادهما الی یوم القیامة کذا فی بحر العلوم و فیه أیضا قال وهب لما أهبط اللّه آدم من الجنة کان علی رأسه اکلیل من ریحمان الجنة یظلله من الشمس و علی عورته ورقة التین کما سیجی‌ء قال ابن عباس یبس الاکلیل حین أصابه حرّ الشمس و تساقط منه الورق و ذلک بأرض الهند فنبت منه هذا العود و کل طیب فی الهند فأصله من ذلک الورق و الریحان* و ذکر الکلبی عن أبی صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم هبط الی جبل الهند و کان رأسه یمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع کما مرّ و کان یقرب منه دواب الوحش الی أن قتل قابیل هابیل و کانت یومئذ وحشیا و امتلأ طیبا ماثمة من شجر و جبل و واد من ریح الجنة فمن ثمة یجاء بالطیب من الهند و کان آدم قائما علی الجبل یسمع أصوات الملائکة و یجد ریح الجنة و أهبط الی الارض و حط الی ستین ذراعا فقال آدم یا رب کنت جارک فی دارک آکل منها رغدا فأهبطتنی علی هذا الجبل المقدّس فکنت أسمع أصوات الملائکة و أجد ریح الجنة و أری ملائکتک کیف یحفون بعرشک فأهبطتنی الی الارض الی ستین ذراعا و ذهبت الریح فأجابه اللّه تعالی یا آدم بمعصیتک کان ذلک ان لی حرما بحیال عرشی فانطلق فابن لی فیه بیتا ثم حف به کما رأیت ملائکتی یحفون بعرشی فهنا لک أستجیب لک و لولدک من کان منهم فی طاعتی فقال یا رب کیف لی بذلک المکان و لا أهتدی فقیض اللّه له ملکا و هو جبریل فتوجه به نحوه و کان آدم و جبریل کلما نزلا مکانا صار قریة و عمرانا و کل مکان تعدّیاه و لم ینزلاه صار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:55
مفازة و قفارا فقدما مکة و فی روایة صار کل مفازة یقربها آدم خطوة و کان قد قبض له ما کان فی الارض من محاص أو نجد فجعله خطوة و لم یضع قدمه فی شی‌ء من الارض الآصار عمر انا فطوی له المفازة کذا فی بحر العلوم* و فی روضة الاحباب قیل کان تطوی له الارض فی کل خطوة اثنین و خمسین فرسخا حتی بلغ مکة فی زمن قلیل فکل موضع أصابه قدمه صار عمرانا و ما بین قدمیه بقی مفازة و قفارا* و فی العرائس عن ابن عباس ان خطوته مسیرة ثلاثة أیام* و فی روایة کان یمشی بین الجبال و المفازة فکل موضع أصابه قدمه صار قریة عظیمة و کل موضع استقرّ فیه صار مدینة و کل موضع صلّی فیه صار مسجدا جامعا عظیما و ستجی‌ء کیفیة بناء آدم الکعبة و حجه* و لما مضی له فی الدنیا مقدار خمسمائة عام کثر ولده ولد ولده و أرسله اللّه إلیهم یحکم فیهم بحکم اللّه حتی توفاه الموت و أنزل علیه خمسین صلاة فی الیوم و اللیلة و الزکاة و الصوم و الاغتسال من الجنابة و تحریم المیتة و لحم الخنزیر و أنزل اللّه علیه الحروف المقطعة فی احدی و عشرین ورقة و هو کتاب آدم الذی یعلم بها ألف لسان بقدرة اللّه تعالی* قال وهب هبط آدم من الجنة و معه بذر و غرس و اجانة و علی رأسه اکلیل من ریحان الجنة یظلله من الشمس و علی عورته ورقة التین و أعطی العلاة و الکلبتین و ثمانیة أزواج من الابل و البقر و المعز و الضأن و أعطی عصا موسی و قال اللّه تعالی له و لولده* لدوا للموت و ابنوا للخراب* و فی المدارک قیل نزل آدم من الجنة و معه خمسة أشیاء من حدید السندان و الکلبتان و المیقعة و المطرقة و الابرة و روی و معه المرود و المسحاة* و فی بحر العلوم روی أن آدم أهبط و معه خمسة أشیاء أحدها العصا و هی من آس الجنة و سبب ذلک أنه کان یأکل من کل طعام فی الجنة فلا یصیبه شی‌ء فلما أکل الحنطة بقیت فی أسنانه فاحتاج الی التخلیل فأخذ عود آس فتخلل به فبقی معه فهبط و هو معه و توارثته أبناؤه الی أن وصل الی موسی علیه الصلاة و السلام فصارت معجزة له و ثانیها خاتم کان معه فلما سقطت عنه ثیابه و ذهب تاجه أخذه فجعله فی فمه فخرج معه و تناقلته الذرّیة الی أن وصل الی سلیمان علیه السلام فصار قید ملکه و ثالثها الحجر الاسود و هو فی الاصل کان من جواهر الجنة قصده حین زلّ فأخذه و تمسک به فصار حجرا و هبط معه و صار من أرکان الکعبة و رابعها قطعة من عود من شجر لم یبک علیه فعوتب و خوّف بالنار فاعتذر فجعل فیه الطیب و جعل معه قطعة منه و خامسها ورق التین و اری هو و حوّاء بذلک سوآتهما و لما تناثر ذلک و عریا فی الدنیا شکا آدم الی جبریل فجاءه بشاة من الجنة عظیمة لها صوف کثیر و کانت قامة آدم الی قریب من السحاب و حوّاء مدیدة أیضا لکن الشاة کانت کبیرة أیضا و قال لآدم قل لحوّاء تغزل من هذا الصوف و تنسج فمنه لباسک و لباسها فقالت حوّاء کیف وقع هذا العمل علیّ فاغتمت فجعلت نفقتها علی آدم و لذلک لما کانت حوّاء سببا لأکل آدم من القمح و عریه جعل علیها أن تغزل و تکسوه و لما ثقل ذلک علیها جعلت نفقتها علیه و لما ثقل ذلک علیه جعل حظ الزوج فی المیراث ضعف حظ الزوجة فیه فغزلت حوّاء ذلک الصوف و نسجته و اتخذت منه لنفسها درعا و خمارا و لآدم قمیصا و ازارا و کان ذلک أصل اللباس ثم توسع فیه الناس حیث شاءوا و زادوا ما أرادوا* روی أن آدم أوّل ما هبط الی الدنیا قاسی الجوع مدّة ثم أکل الخبز من عمل نفسه و قاسی العری مدّة ثم لبس الصوف من عمل حوّاء*

اتخاذ آدم الدیک لمعرفة الاوقات‌

قال وهب لما قبل اللّه توبة آدم قال یا رب شغلت بطلب الرزق و المعیشة عن التسبیح و العبادة و لست أعرف مقدار ساعات التسبیح من أیام الدنیا فأهبط اللّه علیه دیکا و أسمعه أصوات الملائکة بالتسبیح فهو أوّل داجن اتخذه آدم من الخلق و کان الدیک اذا سمع التسبیح فی السماء سبح فی الارض فیسبح آدم بتسبیحه و قال اللّه یا آدم قل الحمد للّه کثیرا علی کل حال حمدا یوافی نعمه و یکافئ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:56
مزیده فلک به مثل تسبیح الملائکة الذین یسبحون اللیل و النهار لا یفترون* عن معاذ بن جبل أنه قال نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قتل الدیک الابیض و قال الدیک الابیض اذا صاح یقول اذکروا اللّه یا غافلین* و روی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال ان للّه دیکا أبیض تحت العرش و فی روایة ان للّه دیکا رجلاه تحت الارض السفلی و رأسه تحت العرش و له جناحان أبیضان اذا نشرهما جاوزا المشرق و المغرب فاذا جاء وقت الصلاة نشر جناحیه و صرخ بالتسبیح سبحان الملک القدّوس سبحان الحیّ القیوم فیسبح الدیک فی الارض ذلک التسبیح و لما هبط آدم الی الارض اشتبهت علیه أوقات الصلوات فشکا الی جبریل فجاءه بدیک أبیض من الجنة و انه مرّ علی ذلک الملک فعرفه فلما هبط کان یسمع صوت ذلک الملک فیصرخ فیعرفه آدم و قال علیه الصلاة و السلام علیکم بالدیک الابیض فانه مؤذن و حارس و ذلک کله فی بحر العلوم* و قال أبو سعید کان لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دیک أبیض کذا فی سیرة الیعمری* و فی حیاة الحیوان کما سیجی‌ء فی الخاتمة قال ابن عباس بکا آدم و حوّاء علی ما فاتهما من نعیم الجنة مائتی سنة و لم یأکلا و لم یشربا أربعین یوما و لم یقرب آدم حوّاء مائة سنة و قال وهب بن منبه لما هبط آدم الی الارض مکث یبکی ثلاثمائة سنة لا یرقأ له دمع* و قال المسعودی لو أن دموع أهل الارض جمعت لکانت دموع آدم أکثر منها حین أخرجه اللّه من الجنة ذکرها فی المواهب اللدنیة* و عن علقمة بن مرثد و ابن حبان قالا لو أن دموع أهل الارض جمعت لکان دموع داود أکثر منها حین أصاب الخطیئة و لو أن دموع داود و دموع أهل الارض جمعت لکان دموع آدم أکثر منها حین أخرج من الجنة کذا فی بحر العلوم و قال مجاهد بکی آدم مائة عام لا یرفع رأسه الی السماء و أنبت اللّه من دموعه العود الرطب و الزنجبیل و الصندل و أنواع الطیب و بکت حوّاء حتی أنبت اللّه من دموعها القرنفل و الافاوی کذا فی المواهب اللدنیة* و قال شهر بن حوشب بلغنی أن آدم لما أهبط الی الارض مکث ثلاثمائة سنة لا یرفع رأسه الی السماء حیاء من اللّه تعالی* و فی بحر العلوم مکث آدم بالهند مائة سنة لا یرفع رأسه الی السماء یبکی علی خطیئته و جلس جلسة الحزین مائة سنة* و فی عرائس الثعلبی قال الشعبی أنزل ابلیس من السماء مشتمل الصماء علیه عمامة لیس تحت ذقنه منها شی‌ء أعور فی احدی رجلیه نعل* روی ابن المبارک عن خالد الحدّادیّ عن حمید بن هلال قال انما کره التخصر فی الصلاة و التخفف لان ابلیس هبط متخصرا*

(ذکر کیفیة انتقاله صلّی اللّه علیه و سلم من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة و بالعکس)

* قال اللّه تعالی و توکل علی العزیز الرحیم الذی یراک حین تقوم و تقلبک فی الساجدین قال بعض المفسرین منهم ابن عباس و عکرمة أراد حین تقوم بالنبوّة و یری تقلبک فی الساجدین فی أصلاب الموحدین من نبیّ الی نبیّ حتی أخرجک نبیا فی هذه الامّة و بیانها أن آدم علیه السلام کان أوّل فرد من أفراد الانسان و کان سائر أفراده مندرجة فی صلبه بصور الذرّات کما ذکر فی قصة أخذ المیثاق فلما نفخ فیه الروح صار نور نسمة محمد صلّی اللّه علیه و سلم یلمع من جبهته کالشمس المشرقة لاشتمال صلبه علی الجزء الذرّی الذی هو مادّة للبدن العنصری المحمدی* و فی معالم التنزیل کان آدم یسمع من تخطیط أساریر جبهته نشیشا کنشیش الذرّ فقال یا رب ما هذا فنودی یا آدم هذا تسبیح محمد ولدک مزج بمائک لیکون لک ولدا و أنت له أبا فنعم الوالد و نعم المولود ثم انتقل ذلک الجزء الذرّی من صلب آدم الی رحم حوّاء و منها الی صلب شیث و منه الی رحم مخوایله و منها الی صلب أنوش و هکذا کان ینتقل من أصلاب الطاهرین الی أرحام الطاهرات و من أرحام الطاهرات الی أصلاب الطیبین و ذلک النور أیضا کان ینتقل بتبعیة ذلک الجزء الذرّی من جبهة الی جبهة و کان یؤخذ فی کل مرتبة عهد و میثاق علی أن لا یوضع ذلک الجزء الا فی المطهرات فأوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:57
من أخذ العهد آدم أخذه من شیث و شیث من أنوش و هو من قینان و هکذا الی أن وصلت النوبة الی عبد اللّه بن عبد المطلب فلما أودع ذلک الجزء فی صلبه لمع ذلک النور من جبهته فظهر له جمال و بهجة حتی کانت نساء قریش یرغبن فی نکاحه و ستجی‌ء قصة الخثعمیة فی الطلیعة الثالثة ان شاء اللّه تعالی و قد أسعد اللّه بتلک السعادة و شرّف بذلک الشرف آمنة بنت وهب فولد منها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم*

(ذکر نسبة أبوی نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم)

* هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصیّ بن کلاب بن مرّة بن کعب بن لؤیّ بن غالب بن فهر بن مالک ابن النضر بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان رواه البخاری* قال ابن الاثیر ذکر رزین أنه عن ابن عباس رضی اللّه عنهما و فی سیرة مغلطای الی هنا مجمع علیه و ما فوق ذلک مختلف فیه کما سیجی‌ء*

(ذکر نسبة أمّ نبینا صلّی اللّه علیه و سلم)

* هی آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن کلاب بن مرّة قرشیة* و فی المنتقی زهرة هذه امرأة نسب إلیها ولدها و لا یعرف أبوه فأقیمت فی التذکیر مقام الاب* و فی المواهب اللدنیة و أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة هی عاتکة بنت الاوقص بن مرّة من بنی سلیم ذکره ابن قتیبة و قال أبو عمرو یعرف أبوها أی أبو عاتکة بأبی کبشة و ینسب إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیقال ابن أبی کبشة و انما نسب إلیه لانه کان یعبد الشعری و لم یکن أحد من العرب یعبد الشعری غیره خالف فی ذلک جمیع العرب فلما جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بخلاف ما کان علیه العرب قالوا هذا ابن أبی کبشة و قیل بل نسب الی أبی أمّه وهب و کان یدعی بأبی کبشة و قیل ان أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزی بن رفاعة السعدی زوج حلیمة السعدیة کان یدعی بأبی کبشة کذا فی ذخائر العقبی* و فی المنتقی و جز بن غالب بن الحارث هو أبو کبشة الذی کانت قریش تنسب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیه لانه جدّه من قبل أمّه و هو أوّل من عبد الشعری‌

صفة الشعری‌

و کان یقول الشعری تقطع السماء عرضا و لا أری فی السماء شمسا و لا قمرا و لا نجما یقطع السماء عرضا غیرها و العرب تظنّ أن أحدا لا یعمل شیئا الا بعرق ینزعه شبهه فلما خالف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دین قریش قال مشرکو قریش نزعه أبو کبشة* و فی المتقی أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة أبی آمنة هی قیلة و یقال هند بنت أبی قیلة و قیل عمرة بنت و جز ابن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملکان و أمّها سلمی بنت لؤیّ بن غالب بن فهر بن مالک و أمّها ماریة بنت کعب و أمّ و جز بن غالب السلافة بنت راهب بن بکیر و أمّها بنت قیس بن ربیعة و أمّ عبد مناف ابن زهرة حمل بنت مالک و أمّ زهرة بن کلاب أمّ قصیّ و هی فاطمة بنت سعد بن سیل و أمّ آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم برّة بنت عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار بن قصی بن کلاب و أمّ برة هی أمّ حبیب بنت أسد بن عبد العزی بن قصیّ بن کلاب قاله ابن قتیبة و قال أبو سعید أمّ سفیان بنت أسد ابن عبد العزی بن قصیّ بن کلاب بن مرّة و أمّ حبیب هی برّة بنت عوف بن عبید بن عویج بن عدیّ ابن کعب بن لؤیّ و أمّ برّة بنت عوف هی قلابة بنت الحارث بن صعصعة بن عائذ بن لحیان من هذیل کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی أمّ برّة بنت عوف بن قلابة بن الحارث بن مالک بن حباشة انتهی و أمّ قلابة هی هند بنت یربوع من ثقیف قاله ابن قتیبة و قال سعد انها بنت مالک بن عثمان من بنی لحیان فالجدّة الاولی و الثانیة و الثالثة من أمّهات أمّه صلّی اللّه علیه و سلم قرشیات و أمّ أبی آمنة سلمیة و الرابعة لحیانیة هذلیة و الخامسة ثقیفیة ففی کل قبیلة من قبائل العرب له علقة نسب کذا فی المواهب اللدنیة و أما فی المنتقی فقال أمّ قلابة أمیمة بنت مالک بن غنم بن لحیان و أمّها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تمیم ابن سعد و أمّها عاتکة بنت عاضرة بن عطیط بن جشم بن ثقیف و أمّها لیلی بنت عوف قال محمد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:58
ابن السائب کتبت للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خمسمائة أمّ فما وجدت فیهنّ سفاحا و لا شیئا مما کان من أمر الجاهلیة کما مرّ منقولا عن الشفاء بروایة ابن الکلبی فان بعض أهل الجاهلیة کانوا اذا أرادوا النکاح یقولون عند الخطبة خطب و یقول أرباب المرأة نسکح و هو عندهم عبارة عن العقد و من أمثالهم أسرع من نکاح أمّ خارجة* و اعلم أن أقوال النسابین و المؤرّخین فی سلسلة نسب نبینا صلی اللّه علیه و سلم الی عدنان متفقة و فیما فوق عدنان خلاف کثیر بحسب کمیة الاعداد و کیفیة الاسماء* قال ابن دحیة أجمع العلماء و الاجماع حجة علی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما انتسب الی عدنان و لم یتجاوزه انتهی و اللّه أعلم و للّه درّ القائل
و نسبة عز هاشم من أصولهاو محتدها المرضیّ أکرم محتد
سمت رتبة علیاء أعظم بقدرهاو لم تسم الا بالنبیّ محمد
و یرحم اللّه القائل‌و کم أب قد علا بابن ذری شرف
کما علت برسول اللّه عدنان و عن ابن عباس أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان اذا انتسب لم یتجاوز معدّ بن عدنان ثم یمسک و یقول کذب النسابون رواه فی مسند الفردوس لکن قال السهیلی الاصح فی هذا الحدیث أنه من قول ابن مسعود* و فی الاکتفاء عن ابن عباس کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا انتهی الی عدنان أمسک ثم یقول کذب النسابون قال اللّه تعالی و قرونا بین ذلک کثیرا* روی ابن مسعود أنه کان اذا قرأ أ لم یأتکم نبأ الذین من قبلکم قوم نوح و عاد و ثمود و الذین من بعدهم لا یعلمهم الا اللّه قال کذب النسابون یعنی انهم یدّعون علم الانساب و نفی اللّه علمها عن العباد* و عن ابن عباس أنه قال بین اسماعیل و بین عدنان ثلاثون أبا لا یعرفون* و ذکر أبو الحسن المسعودی و آخرون بین عدنان و ابراهیم نحوا من أربعین أبا و هذا أقرب فان المدّة بینهما طویلة جدّا لکن فی لفظها و ضبطها اختلاف کثیر کذا فی الجواهر المضیئة* و فی المنتقی و عدّ بعضهم بین معدّ و اسماعیل أربعین أبا و فی روایة ثلاثین قرنا لا یعلمهم الا اللّه* و فی مورد اللطافة قیل بین عدنان و بین اسماعیل تسعة آباء و قیل سبعة* و فی الاکتفاء الصحیح المجمع علیه فی نسبه الی عدنان و ما فوق ذلک مختلف فیه و لا خلاف فی أن عدنان من ولد اسماعیل نبیّ اللّه ابن ابراهیم خلیل اللّه علیهما السلام و انما الاختلاف فی عدد من بین عدنان و اسماعیل من الآباء فقلل و مکثر و کذلک من ابراهیم الی آدم علیهما السلام لا یعلم ذلک علی حقیقته الا اللّه تعالی و کذلک الاختلاف فی أن عدنان من ولد ثابت بن اسماعیل أو من ولد قیدار بن اسماعیل و ثابت یروی بالنون و بالثاء المثلثة روی أن مالک بن أنس کان یکره أن ینسب الانسان نفسه أبا أبا الی آدم و کذلک فی حق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لانه لا یعلم أولئک الآباء الا اللّه تعالی کذا فی معالم التنزیل* و فی سیرة ابن هشام عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تیرح بن یعرب بن یشجب* و فی سیرة مغلطای و قیل یشجب ابن یعرب بن یشجب بن ثابت بن اسماعیل بن ابراهیم خلیل الرحمن بن تارخ و هو آزر بن ناحور بن ساروح بن ارغو بن فالخ بن عیبر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامک بن متوشلخ بن اخنوخ و هو ادریس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیما یزعمون و اللّه أعلم و کان أوّل من أعطی النبوّة و خط بالقلم من بنی آدم ابن یرد بن مهلایل بن قینان بن یانش بن شیث بن آدم صلّی اللّه علیه و سلم* قال أبو محمد عبد الملک بن هشام حدّثنا زیاد بن عبد اللّه البکائی عن محمد بن اسحاق المطلبی بهذا الذی ذکرت من نسب محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال ابن هشام و حدّثنی خلاد بن قرّة بن خلد السدوسی عن شیبان بن زهیر بن شقیق ابن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال اسماعیل بن ابراهیم خلیل اللّه ابن تارخ و هو آزر بن ناحور بن أسرع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:59
ابن ارغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامک بن متوشلخ بن اخنخ بن یرد بن مهلائیل بن قاین بن أنوش بن شیث بن آدم صلّی اللّه علیه و سلم و سردا الطبری فی خلاصة السیر النسب النبوی الابوی الی ابراهیم موافقا لما رواه ابن هشام عن البکائی* و فی الصفوة عدنان بن أدد بن الهمیسع بن حمل بن نبت ابن قیدار بن اسماعیل بن ابراهیم و کذا فی المنتقی الا أن فیه قدّم نبتا علی حمل و بعضهم یقول عدنان بن أدّ بن أدد کذا فی دلائل النبوّة* و ابراهیم بن تارخ و هو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالخ* و فی بعض الکتب فالغ بن عابر و هو هود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامک بن متوشلخ بن ادریس بن مهلائیل بن قینان بن أنوش بن شیث بن آدم علیهما السلام* و فی حدیث أمّ سلمة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عدنان بن أدد بن زید بن بری بن اعراق الثرا قالت أمّ سلمة فزید هو الهمیسع و بری هو نبت و اعراق الثرا هو اسماعیل و قیل اعراق الثرا ابراهیم لانهم لما رأوه لم یحترق بالنار قالوا ما هو الا اعراق الثرا و زید بالیاء و قیل بالنون کذا فی دلائل النبوّة*

أولاد آدم الصلبیة

روی عن ابن عباس أنه قال لم یمت آدم حتی بلغ أولاده و أحفاده أربعین ألفا الصلبیة منهم أربعون عشرون منهم ذکورا و عشرون اناثا و قیل الاناث تسع عشرة و الذکور احد و عشرون روی أن حوّاء کانت تلد فی کل بطن توأمین غلاما و جاریة الا فی نوبة شیث فان النور المحمدی لما انتقل من آدم الی حوّاء حملت بشیث وحده لشرف نورا لنبوّة و هو المشهور و قیل کانت لشیث أیضا توأمة* و فی معالم التنزیل کان جمیع ما ولدته حوّاء أربعین ولدا فی عشرین بطنا أوّلهم قابیل و توأمته اقلیمیا و آخرهم عبد المغیث و توأمته أمة المغیث* و اختلفوا فی مولد قابیل و هابیل قال بعضهم غشی آدم حوّاء بعد مهبطهما الی الارض بمائة سنة فولدت له قابیل و توأمته اقلیمیا فی بطن ثم هابیل و توأمته لبودا فی بطن و کان بینهما سنتان* و فی المختصر یقال ان بعد مائة و عشرین سنة من هبوط آدم ولد له ولدان فی بطن واحد قابیل و هابیل فقتل هابیل قابیل علی الروایة الصحیحة لان قابیل اشتق اسمه من قبول قربانه و هابیل من هبل* و هی مخالفة لما هو المشهور و قال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم بالکتاب الاوّل ان آدم کان یغشی حوّاء فی الجنة قبل أن یصیب الخطیئة فحملت بقابیل و توأمته فلم تجد علیهما وجعا و لا طلقا حین ولدتهما و لم تر معهما دما فلما هبطا الی الارض تغشاها فحملت بهابیل و توأمته فوجدت علیهما الوجع و الطلق و الدم* و فی بحر العلوم أوّل ولد ولد لآدم الحارث و لا أخت معه فی البطن ثم قابیل و معه أخته اقلیمیا ثم هابیل و أخته ابودا ثم اسوف و أخته ثم شیث ثم انثی بعده فی بطن فزوّجها منه اسمها حروث ثم أباد و أخته ثم جنان و أخته ثم کرس و أخته ثم هون و أخته ثم نحود و أخته ثم سندل و أخته ثم بارق و أخته ثم کذا ثم کذا الی تمام أربعین بطنا عند محمد بن اسحاق* و قال وهب بن منبه مائة و عشرون بطنا و قیل خمسمائة بطن لتمام ألف ولد و بقی فیهم و فی أولادهم ألف لسان من العربیة و العبریة و السریانیة و الفارسیة و الترکیة و الرومیة و الهندیة و السغدیة و الخوارزمیة و غیرها*

قتل قابیل هابیل‌

و فی المدارک روی أنه أوحی اللّه الی آدم أن زوّج کل واحد من قابیل و هابیل توأمة الآخر و کانت توأمة قابیل أجمل فحسد علیها أخاه هابیل و سخط فقال لهما آدم قرّ باقر بانا فأیکما قبل قربانه یتزوّجها ففعلا فقبل قربان هابیل بأن نزلت علیه نار فأکلته فازداد قابیل حسد او سخطا فقتله فتکا علی غفلة منه* روی أن قابیل لما قتل أخاه أتاه ابلیس فقال له انما أکلت النار قربان أخیک لانه کان یخدم النار و یعبدها فانصب أنت نارا تکون لک و لعقبک ففعل فقابیل أوّل من سنّ القتل و عبادة النار* و فی بحر العلوم قال وهب کان یولد لحوّاء فی کل بطن ذکر و أنثی فولد قابیل و أخته اقلیمیا ثم ولد هابیل و أخته لبودا فأمر آدم قابیل أن یتزوّج بأخت هابیل و أمر هابیل أن یتزوّج بأخت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:60
قابیل فأبی قابیل و شح بأخته رغبة عن حکم اللّه تعالی و قال أنا أحق بأختی التی ولدت فی بطنی و نحن من أولاد الجنة و هابیل و أخته من أولاد الارض فغضب آدم غضبا شدیدا و قال هذه معصیة للّه تعالی اذهبا فتحاکما الی اللّه تعالی و قرّبا قربانا فأیکما تقبل قربانه فهو أحق باقلیمیا و کان هابیل صاحب غنم یرعاها فی الحرم و قابیل صاحب زرع یزرع خارجا من الحرم فقرب هابیل کبشا من أعظم غنمه و أسمنها و قرب قابیل سنبلا من أسمن زرعه و أطیبه فتقبل اللّه قربان هابیل و کانت تنزل نار من السماء فی سلسلة بیضاء لیس لها و هیج و لا دخان فتقبل قربان المحق و تدع قربان المبطل و لم یتقبل قربان قابیل فقال قابیل لهابیل ما بالک تقبل منک قربانک و لم یتقبل منی قال هابیل ما لی بذلک من علم فامتلأ قابیل بذلک غیظا و حسدا لاخیه فقال هابیل انما یتقبل اللّه من المتقین فقال قابیل لاقتلنک فقال هابیل لم قال لان اللّه تعالی تقبل قربانک و ردّ قربانی فأفلح حجتک و أدحض حجتی و یقول الناس بعد الیوم أنک خیر منی قال هابیل لئن بسطت الیّ یدک لتقتلنی الآیة* و فی العرائس أنکر جعفر الصادق أن یکون آدم زوّج ابنته من ابنه و قال لما أهبط آدم و حوّاء الی الارض و جمع بینهما ولدت حوّاء ابنة سماها عناق فبغت و هی أوّل من بغی علی وجه الارض فسلط اللّه علیها من قتلها فولدت لآدم علی اثرها قابیل ثم ولدت له هابیل فلما أدرک قابیل أظهر اللّه جنیة من الجنّ یقال لها حمالة فی صورة انسیة فأوحی اللّه تعالی الی آدم أن زوّجها من قابیل فزوّجها منه فلما أدرک هابیل أهبط اللّه حوراء فی صورة انسیة و خلق لها رحما و کان اسمها برکة فلما نظر إلیها هابیل وصفها فأوحی اللّه تعالی الی آدم أن زوّج برکة من هابیل ففعل فقال قابیل أ لست بأکبر من أخی و أحق بما فعلت به منه فقال یا بنیّ ان الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء فقال لا و لکنک آثرته بهواک فقال له آدم ان کنت ترید أن تعلم حقیقة ذلک فقرّبا قربانا الی آخر القصة و کان موضع القربان منی و من أجل ذلک صار منی مذبح الناس فلما توجها راجعین و بلغا العقبة أراد قابیل أن یقتل هابیل فلم یدر کیف یقتله فعمد ابلیس الی طائر فرضخ رأسه بحجر و قابیل ینظر إلیه فعمد هو الی أخیه فدمغه بحجر فقتله فحین فعل ذلک أرعش جسده و سقط فی یده و لم یدر کیف یصنع و أصبح نادما و ذلک کان أوّل من قتل و حمله علی ظهره ثلاثة أیام و کان یطوف به حتی تروّح جسده و انتفخ بطنه و ظهرت زهومته* و فی المدارک لما قتله قابیل ترکه بالعراء لا یدری ما یصنع به فخاف علیه السباع فحمله فی جراب علی ظهره سنة حتی أروح و عکفت علیه السباع فبعث اللّه غرابا فأقبل یهوی حتی قتل غرابا آخر و جعل یحفر الارض بمنقاره و یبحث برجلیه ثم ألقاه فی الحفرة ثم أثار التراب علیه حتی و اراه و ابن آدم ینظر إلیه فقال یا ویلتا أعجزت ان أکون الآیة* و فی المدارک روی أنه لما قتله اسودّ جسده و کان أبیض فسأله آدم علیه السلام عن أخیه فقال ما کنت علیه وکیلا فقال بل قتلته و لذا اسودّ جسدک فالسودان من ولده* و فی العرائس کان لهابیل یوم قتل عشرون سنة و اختلفوا فی مصرعه و موضع قتله و قال ابن عباس علی جبل ثور و قال بعضهم علی عقبة حراء و قال جعفر الصادق رضی اللّه عنه بالبصرة فی موضع المسجد الاعظم* و فی بحر العلوم لما رجع آدم من حجه و لم یجد هابیل و سأل عنه و قالوا لا ندری مکث سبعة أیام و لیالیها لا ینام فرأی بعد ذلک فی منامه ولده ینادی یا أبتاه یا أبتاه فاستیقظ و صاح و خرّ مغشیا علیه فجاء جبریل فأخذ برأسه و عزاه بالمصیبة و قال انه کان یصیح عند ما قتل و کذا یخرج من قبره یوم القیامة فقال آدم أنا برئ من قابیل فقال اللّه تعالی و أنا برئ منه أیضا و دل جبریل آدم علی موضع مواراته فأتاه فبحثه فرآه مشدوخا ملطخا بالدماء فنادی یا حسرتاه یا أسفاه یا ولداه فبکی أهل السماء لبکائه و قالوا الآن کان استراح هذا المسکین من بکائه فقال اللّه تعالی دعوه فالدنیا دار البکاء* و فی العرائس صار
قابیل طریدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:61
شریدا فزعا مرعو بالا یأمن فأخذ بید أخته اقلیمیا و هرب بها الی عدن من أرض الیمن* و فی بحر العلوم بعد ما دفن قابیل أخاه انطلق هاربا حتی أوی الی واد من أودیة الیمن فی شرقی عدن فکمن فیه زمانا و بلغ آدم ما صنع قابیل فوجد آدم هابیل قتیلا و وجد الارض قد نشفت دمه فلعن الارض عند ذلک فمن أجل لعن آدم لا تنشف الارض دما بعد دم هابیل الی یوم القیامة و أنبتت الشوک ثم ان آدم احتمل ابنه علی عنقه زمانا طویلا ید و ربه فی البلاد و لا تجف دموعه ثم دفنه* و فی روایة لم یقتله حتی غاب آدم للحج ففعل ذلک ثم رجع آدم فلم یجد هابیل و وجد سائر أولاده و نوافله قد استقبلوه فقال أین هابیل فاعتل قابیل بشی‌ء ثم ظهر له ذلک فلعن الارض بتنشیف دمه فأخرجت ما کانت نشفت و تزلزلت و هربت السباع الی الجبال و قالوا زال الامن من الناس فقد قتل الاخ أخاه و عق الولد أباه و دعا آدم علی قابیل فأمر اللّه تعالی الارض بأن تخسفه فخسفته الی رکبتیه ثم کان من مناجاته یا رب أنت أرحم الراحمین لا تترک رحمتک لذنبی فأمر اللّه الارض أن تطلقه و أتاه ملک فکسر رجلیه و یدیه و قیده و غله و طاف به مجرورا علی الارض فی الدنیا کلها سبع مرّات و کان یعذب فی هذه الطوفات فی الشتاء بجبال الثلج و فی الصیف بجبال النار ثم رماه بعض أولاده من نوافله بحجر فرضخه فقتله فصار الی النار فبئس القرار قال اللّه تعالی فی حاله فی جهنم و قول أهل النار ربنا أرنا اللذین أضلانا من الجنّ و الانس الآیة* و فی حدیث مقاتل باسناده عن علیّ کرّم اللّه وجهه لما أنکر قابیل قتل هابیل شهدت جوارحه و بعث اللّه ملکا فأخذه و استقبل به الشمس یدور معها حیث دارت یعذبه بالنار فی الصیف و بالزمهریر فی الشتاء ثمانین سنة ثم ألقاه الی الارض ثم أمر بخسفه فی الارض* قال العتابی سلط اللّه علی قابیل الریح حتی ألقته الی أقرب موضع من الشمس و أشدّها حرّا فی الصیف حتی یحترق و فی الشتاء ألقته الی أبعد موضع من الشمس و أشدّها بردا و هکذا یحوّله و یعذبه الی یوم القیامة و هو قول مجاهد* و قیل ان قابیل کان من لقمة آدم التی نهی عنها فی الجنة فظهر ذلک فی ولده فصار اماما للکفرة و الظلمة و یأجوج و مأجوج من نسله* و فی معالم التنزیل لما قتل قابیل هابیل و آدم حینئذ بمکة اشتاک الشجر و تغیرت الاطعمة و حمضت الفواکه و مرّ الماء و اغبرت الارض و عن علیّ رضی اللّه عنه اغبرّت الارض و انتقصت الاشیاء کلها یومئذ طعوم الثمار وضوء الشمس و نور القمر و ریح الریاحین و الطیب و عذوبة الماء و نبت العوسج فقال آدم قد حدث فی الارض شی‌ء فأتی الهند فاذا قابیل قد قتل هابیل فبکی آدم و حوّاء و امتنع من غشیانها و ناح آدم و حوّاء علیه بهذه الابیات و هو أوّل من قال الشعر و اللّه أعلم
تغیرت البلاد و من علیهافوجه الارض مغبرّ قبیح
تغیر کل ذی طعم و لون‌و قلّ بشاشة الوجه الصبیح
فوا أسفا علی هابیل ابنی‌قتیلا قد تضمنه الضریح
و قابیل أذاق الموت هابیل‌فواجزنی لقد فقد الملیح
و جاءت شهلة و لها أنین‌لها بلها و قابلها تصیح
لقتل ابن النبیّ بغیر جرم‌فقلبی عند قتلته جریح
و جاورنا عدوّ لیس یفنی‌لعین لا یموت فنستریح و قالت حوّاء رحمها اللّه تعالی
دع الشکوی فقد هلکا جمیعایهلک لیس بالثمن الربیح
و ما یغنی البکاء عن البواکی‌اذا ما المرء غیب فی الضریح
فبک النفس منک و دع هواهافلست مخلدا بعد الذبیح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:62
و قال لهما ابلیس لعنه اللّه تعالی
تنح عن البلاد و ساکنیهافبی فی الخلد ضاق بک الفسیح
و کنت بها و زوجک فی رخاءو قلبک من أذی الدنیا مریح
فما زالت مکایدتی و مکری‌الی أن فاتک الخلد الربیح
فلولا رحمة الجبار أضحی‌بکفک من جنان الخلد ریح تابعه الثعلبی فی قول آدم و تفرّد فی قول حوّاء و ابلیس و نقل ابن الاثیر أیضا فی کتاب کامل التاریخ و صاحب زین القصص و غیرهما شعر آدم لکن قال صاحب الکشاف اسناده الی آدم کذب محض و قال الامام فخر الدین الرازی صدق صاحب الکشاف* و فی معالم التنزیل بعد ما نقل الشعر المذکور روی میمون بن مهران عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أنه قال من قال ان آدم علیه السلام قال شعرا فقد کذب علی اللّه و رسوله فان محمدا و الأنبیاء کلهم علیهم الصلاة و السلام فی النهی عن الشعر سواء و لکن لما قتل قابیل هابیل رثاه آدم و هو سریانی و قال لشیث یا بنیّ انک وصیی فاحفظ هذا الکلام لیتوارث فیرق الناس علیه فلم یزل ینتقل الی أن وصل الی یعرب بن قحطان و کان یتکلم بالعربیة و السریانیة و هو أوّل من تکلم بالعربیة و کان یقول الشعر و فی القاموس یعرب بن قحطان أبو الیمن و أوّل من تکلم بالعربیة فنظر فی المرثیة فردّ المقدّم الی المؤخر و المؤخر الی المقدّم فوزنه شعرا و زاد فیه أبیاتا منها
و ما لی لا أجود بسکب دمعی‌و هابیل تضمنه الضریح
أری طول الحیاة علیّ غمافهل أنا من حیاتی مستریح و فی معالم التنزیل و لما مضی من عمر آدم مائة و ثلاثون سنة و فی البحر العمیق مائتان و ثلاثون سنة و ذلک بعد قتل هابیل بخمس سنین ولدت له حوّاء شیثا و فی المختصر تفسیره هبة اللّه یعنی انه خلف من هابیل و کذا فی العرائس عن جعفر الصادق* و فی البحر العمیق و کان قیامه بالامر بعد آدم مائتین و ثنتی عشرة سنة و مات و له تسعمائة و اثنتا عشرة سنة و اختلف فی نبوّته* و فی معالم التنزیل ان اللّه تعالی علم آدم جمیع اللغات ثم تکلم کل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا فی البلاد و اختص کل فرقة منهم بلغة و عن محمد بن جریر أن أنساب جمیع بنی آدم الیوم تنتهی الی شیث لان نسل سائر أولاده قد انقطع فی الطوفان‌

* قصة عنق و ابنها عوج‌

و فی معالم التنزیل و العرائس و کانت احدی بنات آدم لصلبه عنق و کان مجلسها جریبا من الارض و فی العرائس و کان کل إصبع من أصابعها ثلاثة أذرع فی عرض ذراعین فی رأس کل اصبع منها ظفران حدیدان مثل المنجلین و کان موضع جلوسها جریبا من الارض و یقال انها أوّل من بغی علی وجه الارض فأرسل اللّه علیها أسودا کالفیلة و ذئابا کالابل و نسورا کالحمر فسلطهم علیها فقتلوها و أکلوا لحمها و شربوا دمها انتهی فولد منها عوج و کان طوله ثلاثة آلاف ذراع و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثین ذراعا و ثلث ذراع* و فی العرائس کان طول عوج بن عنق ثلاثة و عشرین ألف ذراع و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثین ذراعا بذراع زمانه و کان یحتجز بالسحاب و یشرب منه و یتناول الحوت من قرار البحر فیشویه بعین الشمس یرفعه إلیها ثم یأکله* و یروی أن الماء طبق ما علی الارض من جبل و فی موضع آخر منه علا الماء علی رءوس الجبال بقدر أربعین ذراعا و قیل خمسة عشر ذراعا و ما جاوز رکبتی عوج* و فی موضع آخر منه کان الماء الی حجزته کما سیجی‌ء* و فی القاموس عوج بن عوق بضمهما رجل ولد فی منزل آدم فعاش الی زمن موسی علیه السلام و ذکر من عظم خلقه شناعة* و فی القاموس أیضا عوق کنوح و الدعوج الطویل و من قال عوج بن عنق فقد أخطأ* و فی الانس الجلیل عوج ابن عناق نسبة لامّه عناق بنت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:63
آدم و هی أوّل من بغی علی وجه الارض و عمل الفجور و السحر و جاهرت بالمعاصی و ولدت عوجا الجبار و لم یغرقه الطوفان و لم یبلغ بعض جسده و طلب السفینة لیغرقها* و فی معالم التنزیل عاش ثلاثة آلاف سنة حتی أهلکه اللّه علی ید موسی و ذلک ان اللّه وعد موسی علیه السلام أن یورثه و قومه الارض المقدّسة و هی الشام* و فی عمدة المعانی الارض المقدّسة أی المطهرة و هی دمشق و فلسطین و بعض الاردن و قیل الشام کلها و سیجی‌ء أمرهم اللّه تعالی بالسیر الی أریحاء من أرض الشام و هی الارض المقدّسة و کان لها ألف قریة و فی کل قریة ألف انسان و کان لا یحمل عنقودا من عنهم الا خمسة أنفس فی خشبة بینهم و یدخل فی شطر الرمانة اذا انزع حبها خمسة أنفس قال ابن عباس اریحاء قریة الجبارین کان فیها قوم من بقیة عاد یقال لهم العمالقة و رأسهم عوج بن عنق و قیل بلقاء* و فی معالم التنزیل سمی أولئک القوم جبارین لامتناعهم لطول قامتهم و قوّة أجسادهم و کانوا من العمالقة و بقیة قوم عاد و قال اللّه یا موسی انی کتبتها لکم دارا و قرارا فاخرج إلیها و جاهد من فیها من العدوّ فانی ناصرک علیهم و خذ من قومک اثنی عشر نقیبا من کل سبط نقیبا کفیلا علی قومه بالوفاء منهم علی ما أمروا به فاختار موسی النقباء و سار ببنی اسرائیل حتی قربوا من أریحاء و بعث هؤلاء النقباء یتجسسون الاخبار و یعلمون علمها فلقیهم رجل من الجبارین یقال له عوج بن عنق و کان طول قامته و عمره ما ذکرنا و علی رأسه خرمة حطب فأخذ النقباء الاثنی عشر و جعلهم فی حزمته و انطلق بهم الی امرأته و قال انظری الی هؤلاء الذین یزعمون أنهم یزیدون قتالنا و طرحهم بین یدیها و قال لأطحننهم فقالت امر أنه بل خل عنهم حتی یخبروا قومهم ففعل ذلک* و روی أنه جعلهم فی کمه و أتی بهم الی الملک فنثرهم بین یدیه و قال الملک ارجعوا فأخبروا بما رأیتم ثم انه جاء و قوّر صخرة من الجبل علی قدر معسکر موسی فرسخا فی فرسخ و حملها لیطبقها علیهم فبعث اللّه الهدهد فقوّر الصخرة بمنقاره فوقعت فی عنقه فصرعته فأقبل موسی و هو مصروع فقتله* و فی الانس الجلیل و العرائس فأرسل اللّه طیرا فنقر الصخرة فنزلت من رأسه الی عنقه و منعته الحرکة فوثب موسی و کانت وثبته عشرة أذرع و طوله عشرة أذرع و طول عصاه مثل ذلک و لم یلحق إلا عرقوبه و هو مصروع و ضرب کعبه فقتله و ترکه بموضعه و أردم علیه التراب و الرمل فکان کالجبل العظیم فی صحراء مصر و جاءت جماعة کثیرة من بنی اسرائیل فقطعوا رأسه بعد جهد جهید بالخناجر و وضعوا ضلعا من أضلاعه علی نیل مصر فجسرهم سنة کذا فی العرائس* و روی أن کل واحد من وثبة موسی و طوله و طول عصاه أربعون ذراعا* و هذه القصة لغرابتها أوردت فی البین فلنرجع الی ما کنا بصدده* روی ان آدم عاش تسعمائة و ستین سنة و قیل ألف سنة و فی حیاة الحیوان کان طول آدم ستین ذراعا و عاش ألف سنة إلّا ستین عاما و فی المختصر إلّا سبعین عاما* و فی الانس الجلیل تسعمائة و ثلاثین سنة و کان وصیه شیث و مدّة مرضه أحد عشر یوما و توفی بمکة یوم الجمعة و صلّی علیه جبریل و اقتدی به الملائکة و بنو آدم* و فی روایة صلّی علیه شیث بأمر جبریل و دفن بمکة فی قبر لحد له فی غار أبی قبیس و هو غار یقال له غار الکنز قاله وهب* و فی العرائس قال ابن اسحاق فی مشارق الفردوس عند قریة هی أوّل قریة کانت فی الارض و کسفت علیه الشمس و القمر تسعة أیام و لیالیها* و فی بحر العلوم عن ابن عباس أنه قال لما فرغ آدم من الحج رجع الی الهند فمات علی نود بالهند و دفن بها و عن ثابت البنانی حفروا لآدم و دفنوه بسر ندیب من الهند فی الموضع الذی أهبط علیه و صححه الحافظ عماد الدین بن کثیر فی تفسیره و الزمخشری فی الکشاف* و فی المدارک لما توفی آدم غسلته الملائکة و حنطته و کفنته فی وتر من الثیاب و حفروا له قبرا و لحد او دفنوه بسر ندیب من الهند و قالوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:64
لبنیه هذه سنتکم و قیل ان قبره فی مغارة بین بیت المقدس و مسجد ابراهیم و عن ابن عمر أنه قال رأسه عند الصخرة و رجلاه عند مسجد الخلیل و توفیت حوّاء بعد آدم بسنة و قیل بثلاثة أیام و دفنت الی جنب آدم فی ذلک الغار و لم یزل قبر آدم هناک الی زمان الطوفان و لما حدث الطوفان حمله نوح و قیل حملهما فی تابوت معه فی السفینة و جعله معترضا بین الرجال و النساء قاله مقاتل* و لما انقضی الطوفان دفنه فی مدفنه الاوّل* و فی روایة ابن عباس دفن ببیت المقدس و قیل عند مسجد الخیف حکاه الذهبی و مسجد الخیف حکاه عروة بن الزبیر* و فی المختصر الجامع قیل ان سام بن نوح أخرجه من السفینة و حمله الی منی و دفنه عند منارة مسجد الخیف* و فی الانس الجلیل نزل جبریل علی آدم اثنتی عشرة مرّة و قام بالامر بعد آدم شیث و یقال شاث و معناه هبة اللّه و یقال عطیة اللّه کذا فی سیرة مغلطای و کانت ولادة شیث بعد مضیّ مائة و عشرین سنة لآدم بعد قتل هابیل بخمس سنین کذا فی کامل التاریخ* و فی روایة کان مولده لمضیّ مائتی سنة و خمس و ثلاثین سنة من عمر آدم و قیل غیر ذلک و کان شیث أجمل أولاد آدم و أشبههم به و أحبهم إلیه و أفضلهم* و قال ابن عباس کان معه توأم و لما حضرت آدم الوفاة عهد الی شیث و علمه ساعات اللیل و النهار و علمه العبادات فی کل ساعة منها و أعلمه بالطوفان و صارت الرئاسة بعد آدم إلیه و أنزل اللّه تعالی علیه خمسین صحیفة و إلیه تنتهی أنساب بنی آدم کلهم الیوم و زوّجه اللّه مخوایله البیضاء بیت آدم فی حیاته و کانت جمیلة کأمّها حوّاء و خطب جبریل و شهدت الملائکة و کان آدم ولیها فولدت أنوش بن شیث و یقال یانش و معناه الصادق و کانت مدّة عمر شیث تسعمائة و اثنتی عشرة سنة و مات لمضیّ ألف و مائة و اثنتین و أربعین سنة من هبوط آدم و دفن فی غار أبی قبیس الی جنب أبویه و انتقلت رئاسة الخلوّ بوصیته الی ابنه یانش و قام مقام أبیه قریبا من ستمائة سنة و عاش تسعمائة و خمسین سنة و قیل کان جمیع عمرة تسعمائة و خمس سنین و کان مولده بعد أن مضی من عمر أبیه شیث ستمائة و خمس سنین کذا فی کامل التاریخ و ولد لا نوش قینن بالقاف و یقال قینان و معناه المتولی ولد من أخت أبیه نعمة بنت شیث بعد مضی تسعین سنة من عمر أنوش کذا فی الکامل* و فی سیرة ابن هشام قاین و قام مقام أبیه قریبا من خمس و تسعین سنة و عاش تسعمائة و اثنتی عشرة سنة کذا فی الکامل و قیل تسعمائة و ثنتین و ستین سنة و ولد لقینان مهلیل بن قینان و یقال مهلائیل و معناه الممدّح و فی الکامل و غیره مهلائیل أوّل من بنی المدن و استخرج المعادن و أمر أهل زمانه باتخاذ المساجد و بنی مدینة بابل بالعراق و مدینة السوس بخوزستان و کانتا أوّل ما بنی علی وجه الارض و ما بنیت قبلهما مدینة و کان مأوی بنی آدم فی المغارات و الغیض کذا فی نظام التواریخ* و فی التوراة أن مهلائیل ولد بعد أن مضی من عمر آدم علیه السلام ثلاثمائة و خمس و تسعون سنة و عاش ثمانمائة و خمسا و تسعین سنة و نسابو الفرس قالوا مهلائیل بن قینان هو شنج الذی ملک الاقالیم السبعة کذا فی کامل التاریخ* و فی نظام التواریخ کثر الناس فی زمان مهلائیل و کان من کثرة الناس فی زحمة ففرّقهم مهلائیل فی أقطار الارض و جاء هو مع أولاد شیث الی أرض بابل* و فی کامل التاریخ مهلائیل هو أوّل من استنبط الحدید و عمل منه الادوات للصناعات و قدّر المیاه فی مواضع المنافع و حض الناس علی الزراعة و اعتماد الاعمال و أمر بقتل السباع الضاریة و اتخاذ الملابس من جلودها و المفارش و بذبح البقر و الغنم و الوحش و أکل لحومها و انه بنی مدینة الریّ و هو أوّل من استخدم الجواری و أوّل من قطع الشجر و عملها فی البناء* ذکروا أنه نزل الهند و تنقل فی البلاد و عقد علی رأسه تاجا و ذکروا أنه قهر ابلیس و جنوده و منعهم الاختلاط بالناس و توعدهم علی ذلک و قتل مردتهم فهربوا من خوفه الی المفاوز و الجبال فلما مات
عادوا و قبل انه سمی شرار الناس شیاطین و استخدمهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:65
و ملک الاقالیم کلها و انه کان بین مولد هو شنج و ملکه و بین موت کیومرث مائتا سنة و ثلاث و عشرون سنة و قال أهل التوراة ان أوّل من اتخذ الملاهی من ولد قابیل رجل یقال له توبال اتخذها فی زمان مهلائیل ابن قینان و اتخذ المزامیر و الطنابیر و الطبول و العیدان و المعازف فانهمک ولد قابیل فی اللهو و ولد لمهلائیل یرد بمثناة تحتیة مفتوحة ثم راء مهملة و ذال معجمة کذا فی الکامل و یقال یارد و یقال الرائذ و معناه الضابط ولد بعد ما مضی من عمر آدم أربعمائة و ستون سنة و کان هو القائم بوصیة أبیه و عاش تسعمائة و ثنتین و ستین سنة و کل هؤلاء ولدوا فی حیاة آدم‌

* (ذکر ملوک الفرس متفرّقة و مشاهیر الأنبیاء و الحکماء الذین کانوا فی أیامهم)

** (ذکر کیومرث)

* فی نظام التواریخ للشیخ ناصر الدین البیضاوی اتفق أهل التواریخ علی أن أوّل الملوک کیومرث و زعم بعض المؤرّخین أن کیومرث هو آدم علیه السلام و لم یصدّقهم الآخرون و أورد الغزالی فی کتاب نصائح الملوک أن کیومرث أخو شیث و قال جماعة ان کیومرث من أولاد نوح و قیل هذا أظهر و علی التقادیر کلها ان کیومرث هو أوّل الملوک فی الارض و یقال ان کیومرث أوّل من بنی المدن ابتنی مدینتین احداهما اصطخر و کان أکثر مقامه بها و الثانیة دماوند و کان یقیم بها أحیانا و عاش ألف سنة و کان ملکه قریبا من أربعین سنة و وصی بملکه لابن ابنه هو شنج‌

(ذکر هوشنج)

* و کان هو شنج صاحب علم و عدل و له کتاب فی الحکمة العملیة و یدّعی الاعاجم أنه نبیّ و من غایة عدله لقبوه بیشداد یعنی کثیر العدل و وضع تاجا علی رأسه و استخرج الحدید من الحجر و صنع منه آلات و زاد فی عمارة اصطخر التی هی دار ملکه و بنی مدینتین بابل وسوس و یقال ان بابل بناء الضحاک و یقال ان هو شنج کان مشتغلا بالعبادة فی الجبال حتی ان بعض الشیاطین ضربوا رأسه بالحجر و هو فی السجود فأهلکوه و کان کیومرث یتضرّع الی اللّه حتی أخبر لیلة فی النوم عن حال هو شنج فقصد کیومرث تلک الجماعة من الشیاطین فأهلکهم و بنی فی مقامهم مدینة بلخ من خراسان کذا فی نظام التواریخ*

(ذکر طهمورث)

* و لما توفی هو شنج قام مقامه سبطه طهمورث الذی هو ولیّ عهده و ملک الاقالیم السبعة و عقد علی رأسه تاجا و کان محمودا فی ملکه مشفقا فی رعیته و انه ابتنی شابور فی فارس و کهن فی مرو و بنی فی خطة اصفهان قمرین و سارویة و نزلها و تنقل فی البلدان و انه وثب علی ابلیس حتی رکبه فطاف علیه فی أدانی الارض و أقاصیها و أفزعه و مردته حتی تفرّقوا و کان أوّل من اتخذ الصوف و الشعر للبس و الفرش و أوّل من اتخذ زینة الملوک من الخیل و البغال و الحمیر و أمر باتخاذ الکلاب لحفظ المواشی و غیرها و أخذ الجوارح للصید و کتب بالفارسیة و ان موارسب ظهر فی أوّل سنة من ملکه و دعا الی ملة الصابئین کذا قال أبو جعفر و غیره من العلماء انه رکب ابلیس و طاف علیه و العهدة علیهم و انما نحن نقلنا ما قالوا قال ابن الکلبی أوّل ملوک الارض من بابل طهمورث و کان للّه مطیعا و کان ملکه أربعین سنة و هو أوّل من کتب بالفارسیة و فی أیامه عبدت الاصنام و أوّل ما عرف الصوم فی ملکه و سببه أن قوما فقراء تعذر علیهم القوت فأمسکوا نهارا و أکلوا لیلا ما یمسک رمقهم و اعتقدوا به تقرّبا الی اللّه تعالی و جاءت الشرائع به کذا فی الکامل* و فی نظام التواریخ وقع فی زمانه قحط فأمر الاغنیاء أن یقنعوا بعشائهم و یعطوا غذاءهم للفقراء فوضع سنة الصوم و یقال ظهر فی زمانه فناء عظیم و کل من مات له حبّ صوّر صورته فبقی منه عبادة الاصنام‌

ذکر ادریس علیه السلام‌

و تزوّج یرد اغثوث و قیل بزوره فولدت له (اخنوخ) ابن یرد بهمزة و حذفها و حاء مهملة مفتوحة و نون و بعد الواو خاء معجمة و قیل بخاءین معجمتین و نون و واو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:66
و فی آخره خاء معجمة کذا فی الکامل* و فی سیرة ابن هشام أهنخ و یقال أخنخ و هو ادریس سمی به لکثرة درسه الکتب فی صحف آدم و شیث کذا فی لباب التأویل و العرائس* و اشتقاقه من الدرس علی تقدیر کونه عربیا و یمنعه منع صرفه* و فی الانس الجلیل أدرک ادریس من حیاة جدّه شیث عشرین سنة و یقال ان ولادته کانت فی زمن آدم قبل وفاته بمائة سنة و قیل حین توفی آدم کان قد مضی من عمر ادریس ثلاثمائة و ستون سنة* و فی المختصر ولد بعد وفاة آدم بمائة و ستین سنة و الجمهور علی أن ادریس أوّل نبیّ بعث بعد آدم بمائتی سنة و ما مضی من عمره فی النبوّة مائة و خمس سنین و أنزل علیه ثلاثون صحیفة و نزل علیه جبریل أربع مرّات کذا فی الانس الجلیل و کان علی شریعة آدم و کان خیاطا و هو أوّل من خط بالقلم* قال أبو الحسین بن فارس فی کتابه فقه اللغة یروی أن أوّل من کتب الکتاب العربی و السریانی و الکتب کلها آدم علیه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة کتبها فی طین و طبخه و لما أصاب الارض الغرق وجد کل قوم کتابا فکتبوه فأصاب اسماعیل الکتاب العربی و کان ابن عباس یقول أوّل من وضع الکتاب العربی اسماعیل کذا فی البرهان للزرکشی و کان ادریس أوّل من خاط الثیاب و لبس المخیط و کان من قبله یلبسون الجلود و هو أوّل من نظر فی علم النجوم و الحساب و حکماء الیونان ینسبون إلیه فی علم الهیئة و النجوم و الحساب و یسمونه هرمس الحکیم و هو عظیم عندهم کذا فی نظام التواریخ و هو أوّل أولی العزم و أوّل من اتخذ السلاح و قاتل الکفار و أوّل من اتخذ السبی و الاسر و کان یسیر الی حرب أولاد قابیل و یسبیهم و یستعبدهم و قیل ذلک کله کان فی حیاة آدم* قال العلماء ان ادریس صعد الی السماء و علم دور الافلاک و طبائع الکواکب و خواصها ثم نزل و کان ذلک معراجا له و لما مضی من عمر ادریس ثلاثمائة سنة و ثمان سنین توفی آدم و فی التوراة ان اللّه تعالی رفع ادریس بعد ثلاثمائة سنة و خمس و ستین سنة من عمره بعد أن مضی من عمر أبیه خمسمائة و سبعة و عشرون سنة و عاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة و خمسا و ثلاثین سنة تمام تسعمائة و ثنتین و ستین سنة و عاش یرد بعد مولد ادریس ثمانمائة سنة کذا فی الکامل و یقال انه قبضت روحه فی السماء الرابعة وصلت علیه الملائکة و بدنه فی السماء الرابعة و تصلی علیه الملائکة کلما هبطت و قیل انه مات ثم أحیاه اللّه و أدخله الجنة و هو فیها الآن و سیجی‌ء و قال قوم انه نبئ بعد آدم بمائتی سنة و رفع و له أربعمائة و خمس و ستون سنة و الاوّل أشهر* و فی لباب التأویل و المدارک و کان سبب رفعه الی السماء الرابعة علی ما قاله کعب الاحبار و غیره أنه سار ذات یوم فی حاجة فأصابه وهج الشمس فقال یا رب انی مشیت یوما فکیف من یحملها مسیرة خمسمائة عام فی یوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها و حرّها فلمّا أصبح الملک وجد من خفة الشمس و حرّها ما لا یعرفه فسأل اللّه عن سبب ذلک فقال ابن عبدی ادریس سألنی أن أخفف عنک حملها و حرّها فأجبته قال یا رب فاجمع بینی و بینه و اجعل بینی و بینه خلة فأذن له حتی أتی ادریس فقال له ادریس اشفع لی عند ملک الموت لیؤخر أجلی فأزداد شکرا و عبادة فقال الملک لا یؤخر اللّه نفسا اذا جاء أجلها و أنا مکلمه فرفعه الی السماء و وضعه عند مطلع الشمس ثم أتی ملک الموت و قال لی إلیک حاجة صدیق لی من بنی آدم یتشفع بی إلیک لتؤخر أجله فقال ملک الموت لیس ذلک الیّ و لکن ان أحببت أعلمته أجله فیقدّم لنفسه قال نعم فنظر فی دیوانه فقال انک کلمتنی فی انسان ما أراه یموت أبدا قال و کیف ذلک قال لا أجده یموت الا عند مطلع الشمس قال أنا أتیتک و ترکته هناک قال انطلق فما أراک تجده الا و قد مات فو اللّه ما بقی من أجل ادریس شی‌ء فرجع الملک فوجده میتا* قال وهب کان یرفع لادریس کل یوم من العبادة مثل ما یرفع لجمیع أهل الارض فی زمانه فعجب منه الملائکة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:67
و حبب إلیهم و اشتاق إلیه ملک الموت فاستأذن ربه فی زیارته فأذن له فقال لملک الموت أذقنی الموت یهن علیّ ففعل باذن اللّه فحیی بعد ساعة ثم رفعه الی السماء و قال أدخلنی النار فأزداد رهبة ففعل ثم قال أدخلنی الجنة فأزداد رغبة ففعل فقال له أخرج الی مقرّک فتعلق بشجرة و قال ما أخرج منها فبعث اللّه ملکا حکما بینهما قال له الملک مالک لا تخرج قال لان اللّه تعالی قال کل نفس ذائقة الموت و قد ذقته و قال و ان منکم الا واردها و قد وردتها و قال و ما هم منها بمخرجین فلست أخرج فأوحی اللّه الی ملک الموت باذنی دخل و بأمری لا یخرج فهو حیّ هنالک* و اختلفوا فی أنه حیّ فی السماء أم میت فقال قوم هو میت و قال قوم هو حیّ و قالوا أربعة من الأنبیاء فی الاحیاء اثنان فی الارض و هما الخضر و الیاس و اثنان فی السماء و هما عیسی و ادریس* و فی فصوص الحکم الیاس هو ادریس کان نبیا قبل نوح و قد رفعه اللّه مکانا علیا فهو فی قلب الافلاک ساکن و هو فلک الشمس ثم بعث الی قریة بعلبک و بعل اسم صنم و بک اسم سلطان تلک القریة و کان هذا الصنم المسمی بعلا مخصوصا بالملک و کان ادریس الذی هو الیاس قد مثل له انفلاق الجبل المسمی لبنان من اللبانة و هی الحاجة عن فرس من نار و جمیع آلاته من نار فلما رآه رکب علیه فسقطت عنه الشهوة فکان عقلا بلا شهوة و لم یبق له تعلق بما یتعلق به الاغراض النفسیة* و فی الکشاف قیل الیاس هو ادریس النبیّ و قراءة ابن مسعود و ان ادریس لمن المرسلین فی موضع الیاس و قرئ ادراس و قیل هو الیاس بن یاسین من ولد هارون النبیّ أخی موسی و بعل علم لصنم کمناة و هبل و قیل کان من ذهب و کان طوله عشرین ذراعا و له أربعة أوجه فتنوا به و عظموه حتی أخدموه أربعمائة سادن و جعلوهم أنبیاء و کان الشیطان یدخل فی جوفه و یتکلم بشریعة الضلال و السدنة یحفظونها و یعلمونها الناس و هم أهل بعلبک من بلاد الشام و به سمیت مدینتهم بعلبک و قیل بعل الرب بلغة الیمن انتهی کلام الکشاف فلما رفع ادریس الی السماء وقع الاختلاف بین الناس و فتر الوحی الی زمان نوح‌

* (ذکر ملک جمشید)

* و فی زمان اخنوخ ملک جمشید و الشید عندهم الشعاع وجم القمر لقبوه بذلک لجماله و هو أخو طهمورث و قیل انه ملک الاقالیم السبعة و سخر له ما فیها من الجنّ و الانس و عقد التاج علی رأسه و أمر بعمل السیوف و الدروع و سائر الاسلحة و آلة الصناع من الحدید و بعمل الابریسم و غزله و القطن و الکتان و کلّ ما یساغ غزله و حیاکته و صبغه ألوانا و لبسه و صنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة و طبقة فقهاء و طبقة کتابا و صناعا و حرّاثین و اتخذ طبقة منهم خدما کذا فی الکامل* و فی نظام التواریخ زاد جمشید فی عمارة مدینة اصطخر و عظمها حتی کان حدّها من حفرک الی آخر رامجرد مقدار اثنی عشر فرسخا فی الطول و عشرة فراسخ فی العرض و الیوم ظللها و أساطینها باقیة یقال لها چهل مناره أی ذات أربعین مناره و لم یخبر أحد بمثلها فی العالم و لما تم بناؤها سار إلیها مع الملوک و العظماء و فی ساعة بلوغ الشمس نقطة الاعتدال الربیعی جلس علی السریر و وعد الناس بالعدل و الاحسان و سمی ذلک الیوم نوروز یعنی یوم جدید فمدّة ملکه بلغت الی قرب سبعمائة سنة و أبطره الملک و النعمة و غلبته الحماقة و التجبر فدعا الناس الی عبادته و صنع الاصنام علی صورته و بعثها الی أطراف العالم لیعبدوها فسلط اللّه علیه شدّاد بن عاد حتی بعث إلیه ابن أخیه ضحاک بن علوان حتی قلع جمشید و قطعه قطعا قطعا

ذکر متوشلخ‌

و کان ادریس بن یرد قد تزوّج هدانة و یقال ادانة کذا فی الکامل و یقال تزوّج بروحا فولدت له (متوشلخ) بن اخنوخ بفتح المیم و بالتاء المعجمة باثنتین من فوق و بالشین المعجمة و بحاء مهملة و قیل بخاء معجمة کذا فی الکامل و کان لادریس حین تزوّج خمس و ستون سنة و کان متوشلخ أوّل من رکب الفیل و انه سلک رسم أبیه اخنوخ فی الجهاد فعاش بعد ما ولد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:68
لمک سبعمائة سنة و کان مدّة عمر متوشلخ تسعمائة و سبعا و عشرین سنة و قیل غیر ذلک فولد لمتوشلخ لمک ابن متوشلخ و یقال لامک بفتح المیم و کسرها و قیل کان لمتوشلخ ابن آخر غیر لمک یقال له صابی و به سمیت الصابئون و کان لامک رجل أشقر أعطی قوّة و بطشا و نکح بأصح الروایتین شمخاء بنت أنوش و قیل قینوش ابنة مراکیل بن مخویل و یقال مراکیل بن مخاویل أو مخاویل بن اخنوخ و هو ابن مائة و سبع و ثمانین سنة فولدت له (نوحا) ابن لمک علیه السلام و کان له یوم ولد نوح خمسمائة و خمس و تسعون سنة

ذکر نوح علیه السلام‌

و کان مولد نوح بعد موت آدم بمائة و ست و عشرین سنة فبعث اللّه نوحا و هو ابن أربعمائة و ثمانین سنة فدعا قومه مائة و عشرین سنة ثم أمره اللّه تعالی بصنعة الفلک فصنعها و رکبها و هو ابن ستمائة سنة و غرق من غرق ثم مکث بعد السفینة ثلاثمائة و خمسین سنة و روی عن جماعة من السلف انه کان بین آدم و نوح علیهما السلام عشرة قرون کلهم علی ملة الحق و الکفر باللّه حدث فی القرن الذی بعث إلیهم فیه نوح فأرسله اللّه تعالی و هو أوّل نبیّ بعث بالانذار فی الدعاء الی التوحید و هو قول ابن عباس و قتادة کذا فی الکامل* و فی معالم التنزیل و أنوار التنزیل کان لمک و شمخاء أبوا نوح مؤمنین قیل سمی نوحا لکثرة ما ناح علی نفسه* و فی تفسیر القشیری فی الخبر أن نوحا علیه السلام کان اسمه یشکر و لکثرة ما کان یبکی أوحی اللّه إلیه یا نوح کم تنوح فسموه نوحا و ان ذنبه انه کان یوما مرّ بکلب فقال ما أوحشه فأوحی اللّه تعالی إلیه أن اخلق أنت أحسن من هذا فکان یبکی معتذرا من مقالته تلک* و فی حیاة الحیوان کان اسمه عبد الجبار و انما سمی نوحا لنوحه علی ذنوب أمّته* و فی ربیع الابرار بکی نوح ثلاثمائة سنة لقوله ان ابنی من أهلی* و فی الانس الجلیل اسمه عبد الغفار و ولد بعد مضیّ ألف و ستمائة و اثنتین و أربعین سنة من هبوط آدم و کان بعد رفع ادریس الی السماء بمائة و خمس و سبعین سنة* و فی العرائس أرسله اللّه الی ولد قابیل و من تابعهم من ولد شیث و هو ابن خمسین سنة* و فی معالم التنزیل عن ابن عباس أنه بعث بعد أربعین سنة و لبث فی قومه یدعوهم تسعمائة و خمسین سنة فآمن به ثمانون نفسا من الرجال و النساء* قال عون بن شدّاد ان اللّه تعالی أرسل نوحا و هو ابن ثلاثمائة و خمسین سنة فلبث فیهم ألف سنة الا خمسین عاما ثم عاش بعد ذلک ثلاثمائة و خمسین سنة کذا فی الکامل قال ابن عباس و عاش بعد الطوفان ستین سنة و کان عمره ألفا و خمسین سنة و قال مقاتل بعث و هو ابن مائتین و خمسین سنة و کان عمره ألفا و أربعمائة و خمسین سنة و الی هذا القول أشار الزمخشری فی ربیع الابرار روی الضحاک عن ابن عباس أنه قال ان نوحا کان یضرب ثم یلف فی لبد ثم یلقی فی بیته فیرون أنه قد مات ثم یخرج فیدعوهم حتی أیس من ایمان قومه فدعا علیهم فأجاب اللّه دعاءه و أمر أن یصنع الفلک‌

صفة سفینة نوح‌

قال نوح یا رب و ما الفلک قال بیت من خشب یجری علی وجه الماء حتی أغرق أهل معصیتی و أریح أرضی منهم قال یا رب و أین الماء قال یا نوح انی علی ما أشاء قدیر قال یا رب و أین الخشب قال اغرس من الشجر فغرس و أتی علی ذلک أربعون سنة و کف فی تلک المدّة عن الدعاء فلم یدعهم فأعقم اللّه تعالی أرحام نسائهم فلم یولد لهم ولد فلما أدرک الشجر أمره اللّه أن یقطعه فقطعه و جففه و قال یا رب کیف أتخذ هذا البیت قال اجعله أزور علی ثلاث صور رأسه کرأس الدیک و جؤجؤه کجؤجؤ الطیر و ذنبه کذنب الدیک مائلا و اجعلها مطبقة و اجعل لها أبوابا فی جنبها و اجعلها ثلاث طبقات و اجعل طولها ثمانین ذراعا و عرضها خمسین ذراعا قال قتادة و طولها فی السماء ثلاثون ذراعا و الذراع الی المنکب کذا فی حیاة الحیوان و معالم التنزیل* و فی روایة أوحی اللّه تعالی الی نوح أن عجل بصنعة السفینة فقد اشتدّ غضبی علی من عصانی فاستأجر نوح نجارین یعملون معه و أولاده حام و سام و یافث معه ینحتون السفینة فجعل طولها فی هذه الروایة ستمائة و ستین ذراعا و عرضها ثلاثمائة و ثلاثین ذراعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:69
و علوّها فی السماء ثلاثة و ثلاثین ذراعا و هذا قول ابن عباس* و فی روایة الضحاک و طلاها بالقار من داخلها و خارجها و شدّها بالدسر و هی المسامیر الحدید و فجر له عین القار یغلی غلیانا حتی طلاها به هذا کله فی عرائس الثعلبی و عن زید بن أسلم أنه قال مکث نوح مائة سنة یغرس الاشجار و یقطعها و مائة سنة یعمل الفلک و قیل غرس الشجر أربعین سنة و قطعة أربعین سنة کما مرّ و عن کعب الاحبار أن نوحا عمل السفینة فی ثلاثین سنة و فی روایة لما دنا هلاک قومه أتاه جبریل و قال ان ربک یأمرک أن تصنع الفلک قال و کیف أصنع و لست بنجار قال فان ربک یقول اصنع فانک بعینی* و فی الکشاف کان للّه معه أعینا یکلؤه أن یزیغ فی صنعته عن الصواب و أن یحول بینه و بین عمله أحد من أعدائه فأخذ القدوم فجعل یصنع و لا یخطئ و قیل أوحی اللّه إلیه أن یصنعها مثل جؤجؤ الطائر کما مرّ فلما أمره اللّه أن یصنع الفلک أقبل نوح علی عمل الفلک و لها عن قومه و جعل بقطع الخشب و یضرب الحدید و یهیئ ما یحتاج إلیه الفلک من القار و غیره و جعل قومه یمرّون به و هو فی عمله فیسخرون منه و یقولون یا نوح صرت نجارا بعد النبوّة و روی أنهم کانوا یقولون یا نوح ما ذا تصنع فیقول أصنع بیتا یمشی علی وجه الماء فیضحکون منه استهزاء بعمل السفینة فانه کان یعملها فی برّیة بمهمه فی أبعد موضع من الماء و فی وقت عز الماء عزة شدیدة* و فی روضة الاحباب روی أن نوحا لما أمر باتخاذ السفینة جاء جبریل بشجر الساج و أمره بغرسه فغرسه فأدرک و استوی بعد عشرین سنة أو أربعین سنة و لما أدرک قطعه و ترکه حتی یبس فجاء جبریل فعلمه صنعة السفینة فاشتغل هو و بنوه الثلاثة و أجیر آخر بعمل السفینة* و فی حیاة الحیوان أوّل من اتخذ الکلب للحرس نوح علیه السلام قال یا رب أمرتنی أن أصنع الفلک و أنا فی صناعته أصنع یوما فیجیئون باللیل فیفسدون کل ما عملت فمتی یلتئم لی ما أمرتنی به قد طال علیّ أمری فأوحی اللّه إلیه یا نوح اتخذ کلبا یحرسک فاتخذ نوح کلبا و کان یعمل بالنهار و ینام باللیل فاذا جاء قومه لیفسدوا باللیل هجمهم الکلب فینتبه نوح و یأخذ الهراوة و یثب لهم فینهزمون منه فالتأم له ما أراد* و فی بعض الکتب المنزلة لما أمر اللّه نوحا بقطع الاشجار و قلع الالواح قطعها و قلع منها مائة ألف و أربعة و عشرین ألف لوح بعدد الأنبیاء علیهم السلام و کان علی کل لوح اسم نبیّ من الأنبیاء أوّلهم آدم و آخرهم محمد صلّی اللّه علیه و سلم فکان علی اللوح الاوّل اسم آدم و علی الثانی اسم شیث و علی الثالث اسم ادریس و علی الرابع اسم نوح و علی الخامس اسم هود و علی السادس اسم صالح و علی السابع اسم ابراهیم الی مائة ألف و أربعة و عشرین ألفا و کان کلما قلع لوحا یظهر علیه اسم نبیّ و أوحی اللّه الی نوح انه ناقص من سفینتک أربعة ألواح لا بدّ لها منها لتکمل و ان نهر النیل شجرة فارسل إلیها من یأتی بها فقال نوح لاولاده ذلک فلم یجبه أحد منهم فقیل لنوح أن قل ذلک لعوج بن عنق فانه علیه قویّ و یقدر علی السیر إلیه فقال نوح ذلک لعوج و شرط علیه أن یشبعه فذهب عوج إلیها و جاء بها فقدّم إلیه نوح ثلاثة أقراص من شعیر فضحک عوج متعجبا و قال یا نوح کیف أشبع بهذا و أنا آکل کل یوم اثنی عشر ألف قرص و ما أشبع قیل ان عوج لم یشبع من طعام قط و لم یسع فی لباس قط فقال نوح یا عوج قل بسم اللّه الرحمن الرحیم و کل فقال عوج بسم اللّه و أکل نصف قرص و شبع و بقی قرصان و نصف ثم ان نوحا قلع من تلک الشجرة أربعة ألواح و کمل بها السفینة و کان مکتوبا علی اللوح الاوّل اسم أبی بکر و علی الثانی اسم عمر و علی الثالث اسم عثمان و علی الرابع اسم علیّ رضی اللّه عنهم أجمعین فقال نوح یا جبریل من هؤلاء قال هؤلاء أصحاب محمد خاتم النبیین فکما ان سفینتک لم تکمل بدون هذه الالواح کذلک لم یکمل أمر أمة محمد بدون هؤلاء الاربعة قال ابن عباس اتخذ نوح السفینة فی سنتین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:70
و کان طولها ثلاثمائة ذراع و عرضها خمسین ذراعا و سمکها ثلاثین ذراعا و کانت من خشب الساج و جعل لها ثلاثة بطون فحمل فی البطن الاسفل الوحوش و الهوام و فی البطن الاوسط الدواب و الانعام و رکب هو و من معه من ولد آدم فی البطن الاعلی و جعل الذرّ معه فی الطبقة العلیا شفقة علیها لضعفها لئلا یصل إلیها شی‌ء و حمل معه ما یحتاج إلیه من الزاد* و فی معالم التنزیل انها کانت ثلاث طبقات الطبقة السفلی للدواب و الوحوش و الطبقة الوسطی فیها الانس و الطبقة العلیا فیها الطیر و روی عن الحسن أنه قال کان طولها ألفا و مائتی ذراع و عرضها ستمائة ذراع* و فی بعض الکتب کان عرضها أربعمائة ذراع و لها سبعة أطباق و المعروف أن طولها ثلاثمائة ذراع و اختلفوا فی التنور فی الآیة قال عکرمة و الزهری قیل لنوح اذا رأیت الماء فار علی وجه الارض فارکب السفینة فالمراد بالتنور فی الآیة وجه الارض و روی عن علیّ رضی اللّه عنه أنه قال فار التنور أی طلع الفجر الصبح و قیل فار التنور مثل کنایة عن اشتداد الامر کقولهم حمی الوطیس أی اشتدّ الامر و قال الحسن و مجاهد و الشعبی انه التنور الذی یخبر فیه ابتدأ منه النبوع علی خرق العادة عن ابن عباس کان تنورا من حجارة و قیل من حدید کانت حوّاء تخبز فیه فصار الی نوح فقیل لنوح اذا رأیت الماء یفور من التنور فارکب السفینة أنت و أصحابک* و فی روایة قال نوح یا رب ما علامة الطوفان قال علامته أن یفور تنور امرأتک أو ابنتک و ینبع الماء من بین النار و یرتفع کالقدر و یفور فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فرکب* و فی المدارک أخرج سبب الغرق من موضع الحرق لیکون أبلغ فی الانذار و الاعتبار و اختلفوا فی موضع التنور فقال مجاهد و الشعبی کان فی ناحیة الکوفة و قالا اتخذ نوح السفینة فی جوف مسجد الکوفة و کان التنور علی یمین الداخل مما یلی باب کندة و کان فوران الماء منه علما لنوح و انه من ذلک الموضع رکب السفینة و قال مقاتل کان ذلک تنور آدم و کان بالشام فی موضع یقال له عین وردة بقرب بعلبک* و فی انوار التنزیل کان بعین وردة من أرض الجزیرة و عن ابن عباس أنه کان بالهند و أدخل معه کل من آمن به و اختلفوا فی عدد أصحاب السفینة قال قتادة و ابن جریج و محمد بن کعب القرظی لم یکن فی السفینة إلّا ثمانیة نوح و امرأته و ثلاث بنین له سام و حام و یافث و نساؤهم فجمیعهم ثمانیة و قال الاعمش کانوا سبعة نوح و ثلاث بنیه و ثلاث کنائن له و قال ابن اسحاق کانوا عشرة نوح و بنوه سام و حام و یافث و ستة أناس ممن کان آمن به و أزواجهم جمیعا و قال مقاتل کانوا اثنین و سبعین نفرا رجلا و امرأة و بنیه الثلاثة و نساءهم فجمیعهم ثمانیة و سبعون نصفهم رجال و نصفهم نساء و عن ابن عباس کان فی سفینة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم و حمل نوح معه جسد آدم و جعله معترضا بین الرجال و النساء کما مرّ و أمر نوح أن لا یعلو ذکر علی أنثی ما داموا فی السفینة فأصاب حام امرأته فی السفینة فدعا نوح علیه فغیر اللّه نطفته فجاءت منه السودان و وثب الکلب علی الکلبة فدعا نوح علیهم فقال اللهم اجعلهم عسرا کذا فی العرائس* و عن ابن عباس لما أمر نوح بالحمل فیها قال یا رب کیف أحمل فیها قال من کل زوجین اثنین فحشر اللّه إلیه الوحوش و السباع و الطیر من البرّ و البحر و السهل و الجبل لیحملها قال ابن عباس أرسل اللّه المطر أربعین یوما و لیلة فأقبلت الوحوش و الطیور الی نوح حین أصابها المطر و سخرت له فجعل یضرب بیدیه فی کل جنس فیقع الذکر فی یده الیمنی و الانثی فی یده الیسری فیحملهما فی السفینة و عنه أوّل ما حمل نوح الذرّة* و فی العرائس أوّل ما حمل معه من الطیور الدرّة و آخره الحمار و دخل بصدره و تعلق ابلیس بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح یقول ادخل فینکص حتی قال نوح و یحک ادخل و ان کان الشیطان معک کلمة زلت علی لسانه فلما قالها نوح خلی الشیطان سبیله فدخل و دخل الشیطان معه قال نوح ما أدخلک علیّ یا عدوّ اللّه قال أ لم تقل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:71
ادخل و ان کان الشیطان معک قال اخرج عنی یا عدوّ اللّه قال مالک بد أن تحملنی معک و کان فیما یزعمون فی ظهر الفلک* و فی تفسیر القشیری جاء فی القصة ان ابلیس تعرّض له و قال احملنی معک فی السفینة فأبی نوح علیه السلام فقال یا شقی تطمع فی حملی ایاک و أنت رأس الکفرة فقال ابلیس یا نوح أ ما علمت أن اللّه أنظرنی الی یوم القیامة و لیس ینجو الیوم أحد الا من فی هذه السفینة فأوحی اللّه الی نوح أن احمله و کان ابلیس مع نوح فی السفینة* و فی تفسیر القشیری ان الحیة و العقرب أتیا نوحا فقالتا احملنا فقال نوح لا أحملکما فانکما سبب البلاء و الضرر فقالتا احملنا و نحن نضمن لک أن لا نضرّ أحد اذکرک فمن قرأ حین خاف مضرّتهما سلام علی نوح فی العالمین انا کذلک نجزی المحسنین انه من عبادنا المؤمنین ما ضرّتاه کذا فی حیاة الحیوان* و عن زید بن أسلم عن أبیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لما حمل نوح فی السفینة من کل زوجین اثنین قال أصحابه و کیف نطمئن أو تطمئن المواشی و معنا الاسد فألقی اللّه علیه الحمی فکانت أوّل حمی نزلت الی الارض فهو لا یزال محموما و فی هذا المعنی قیل شعر
و ما الکلب محموما و ان طال عمره‌ألا انما الحمی علی الاسد الورد و عن وهب بن منبه لما أمر نوح أن یحمل من کل زوجین اثنین قال یا رب و کیف أصنع بالاسد و البقر و کیف أصنع بالعناق و الذئب و کیف أصنع بالحمام و الهرّة قال من ألقی بینهم العداوة قال أنت یا رب قال فانی أؤلف بینهم فلا یتضرّرون أوردهما فی حیاة الحیوان* و فی أنوار التنزیل حمل فیها من کل نوع من الحیوانات المنتفع بها و قال الحسن لم یحمل نوح الا ما یلد أو یبیض فأمّا ما یتولد من الطین من حشرات الارض کالبق و البعوض و الذبات فلم یحمل منها شیئا فلما دخل و حمل معه من حمل تحرّکت ینابیع الغوط الاکبر و أمطرت السماء کأفواه القرب فجعل الماء ینزل من السماء و ینبع من الارض حتی کثر و اشتدّ و کان بین ارسال الماء و احتمال الماء الفلک أربعون یوما و لیلة فعلا الماء رءوس الجبال بقدر أربعین ذراعا و قیل خمسة عشر ذراعا و لما کثر الماء فی السکک خشیت أمّ الصبیّ علیه و کانت تحبه حبا شدیدا فخرجت به الی الجبل حتی بلغت ثلثه فلما بلغها ارتفعت حتی بلغت ثلثیه فلما بلغها ذهبت حتی استوت علی الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبیّ بیدیها حتی ذهب الماء بها فلو رحم اللّه منهم أحدا لرحم أمّ الصبیّ* قال الضحاک کان نوح اذا أراد أن یجری السفینة قال بسم اللّه جرت و اذا أراد أن ترسو قال بسم اللّه رست قال اللّه تعالی بسم اللّه مجراها و مرساها ان ربی لغفور رحیم* و فی العمدة من رکب البحر فأمانه من الغرق أن یقول بسم اللّه مجراها و مرساها ان ربی لغفور رحیم و ما قدروا اللّه حق قدره و الارض جمیعا قبضته یوم القیامة و السموات مطویات بیمینه سبحانه و تعالی عما یشرکون و کذا فی المعجم الکبیر للطبرانی و عمل الیوم و اللیلة لابن السنی و مسند أبی یعلی الموصلی* و فی معالم التنزیل و العرائس فلما کثرت أرواث الدواب أوحی اللّه تعالی الی نوح أن اغمز ذنب الفیل فغمزه فوقع منه خنزیر و خنزیرة فأقبلا علی الروث فأکلاه فلما وقع الفأر جعل یفسد فی السفینة و یقرض الحبال لانه توالد فی السفینة فأوحی اللّه إلیه أن اضرب بین عینی الاسد فضرب فخرج من منخره سنور و سنورة فأقبلا علی الفأر* و فی حیاة الحیوان شکوا الفأر فقال الفویسقة تفسد علینا طعامنا و متاعنا فأوحی اللّه تعالی الی الاسد فعطس و فی موضع آخر منها فمسح نوح علیه السلام علی جبهة الاسد فعطس فخرجت الهرّة منه فتخبأت الفأرة منها* و فی روضة الاحباب روی أن السفینة کانت مطبقة و کانت ظلمة الهواء بحیث لا یتمیز النهار من اللیل قال ابن عباس خلق اللّه علی حرف السفینة کهیئة خرزتین نیرتین تتحرّک احداهما کالشمس و الاخری مثل القمر و من حرکتهما یعلم اللیل و النهار و أوقات
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:72
الصلوات* و فی معالم التنزیل ان نوحا کان نجارا صنع السفینة و رکبها لعشر مضت من رجب و جرت بهم السفینة ستة أشهر و مرّت بالبیت و طافت به سبعا و قد رفعه اللّه من العرق و بقی موضعه و فی روایة انها طافت به سبعین مرّة و قد أعتقه اللّه من الغرق* و فی العرائس طافت السفینة بأهلها الارض کلها فی ستة أشهر لا تستقرّ علی شی‌ء حتی أتت الحرم فلم تدخله و دارت بالحرم أسبوعا و قد رفع اللّه البیت الذی کان حجه آدم صیانة له من الغرق و هو البیت المعمور و خبأ جبریل الحجر الاسود فی جبل أبی قبیس فلما طافت السفینة بالحرم ذهبت فی الارض تسیر بهم حتی انتهت الی الجودی و هو جبل بالجزیرة من أرض الموصل فاستقرّت علیه قال مجاهد تشامخت الجبال و تطاولت لئلا ینالها الماء فعلا فوقها خمسة عشر ذراعا و تواضع الجودی لامر ربه فلم یغرق و رست السفینة علیه* و فی الکشاف عن قتادة استقلت بهم السفینة فی رجب لعشر خلون منه و کانت فی الماء خمسین و مائة یوم و استقرّت علی الجودی شهرا و هبط یوم عاشوراء* و فی معالم التنزیل قیل طافت بهم علی تمام وجه الارض مرّتین حتی استوت علی الجودی و هو جبل بالجزیرة بقرب الموصل و قیل بالشام و قیل بآمد روی أن نوحا بعث الغراب لیأتیه بخبر الارض و لینظر هل غرقت البلاد فوقع علی جیفة طافیة علی وجه الماء فاشتغل بها فلم یرجع فدعا علیه نوح بالخوف فعلقت رجلاه و خوّف من الناس فلذلک لم یألف البیوت فبعث الحمامة فجاءت بورق زیتون فی منقارها و لطخت رجلیها بالطین فعلم نوح أن الماء قد غیض و البلاد قد جفت فطوّقها بالخضرة التی فی عنقها و دعا لها بالانس و أن تکون فی أمان و من ثمة تألف البیوت و الآدمیین* و فی حیاة الحیوان ان ورشانا أخبر نوحا علیه السلام بنقص الماء لما کان فی السفینة* و فی معالم التنزیل قیل ما نجا من الکفار من الغرق غیر عوج بن عنق کان الماء الی حجزته کما مرّ و کان سبب نجاته أن نوحا احتاج الی خشب الساج للسفینة و لم یمکنه نقلها فحملها عوج إلیه من الشام و هو بالکوفة فنجاه اللّه من الغرق لذلک کما مرّ* و فی العرائس لما خرج نوح و من معه من السفینة اتخذ بناحیة باقور من أرض الجزیرة موضعا ابتنی هنا لک قریة سموها بسوق ثمانین لانه کان یبنی فیها بیتا لکل انسان ممن معه و هم ثمانون فهی الی الیوم تسمی سوق ثمانین* و فی العرائس قال أهل التاریخ أرسل اللّه الطوفان لثلاث عشرة لیلة خلت من شهر آب من الشهور الرومیة لمضیّ ستمائة سنة من عمر نوح و لتتمة ألفی سنة و فی روایة ثلاثة آلاف سنة و مائتین و ستة و خمسین سنة* و فی المختصر و اثنان و أربعون سنة بدل خمسین سنة من لدن أهبط اللّه آدم علیه السلام و رکب نوح و من معه فی السفینة لعشر خلون من رجب و خرجوا منها فی العاشر من المحرّم فلذلک سمی یوم عاشوراء و أقاموا فی الفلک ستة أشهر فلما هبط نوح و من معه سالمین صام نوح و أمر جمیع من معه من الانس و الوحوش و الدواب و الطیر فصاموا شکرا للّه تعالی و یقال ان نوحا و من معه کانت أظلمت أعینهم فی السفینة من دوام النظر فی الماء فأمر بالاکتحال یوم عاشوراء الذی خرجوا فیه من السفینة عن ابن عباس رضی اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من اکتحل بالاثمد یوم عاشوراء لم ترمد عینه أبدا* و فی الانس الجلیل کان الطوفان بعد هبوط آدم بالفی سنة و مائتین و اثنین و أربعین سنة و عمر نوح ألف و أربعمائة و خمسون سنة و هو الموافق للآیة و فی المختصر ولد نوح فی السنة المائتین و سبع و ثمانین من عمر لک و عاش نوح فی الدنیا تسعمائة و خمسین سنة و ولد بعد وفاة آدم بتسعمائة سنة و ثنتی عشرة سنة و کان الغرق فی سنة ستمائة من عمر نوح و کان بین الطوفان و هبوط آدم ألفان و مائتان و اثنان و أربعون سنة* و فی العرائس عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة و خمسین سنة و کان جمیع عمره ألف سنة الا خمسین عاما ثم قبضه اللّه إلیه هذا قول أکثر العلماء و کذا هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:73
فی التوراة و قال عون بن أبی شدّاد عاش نوح علیه السلام بعد الطوفان ألف سنة الا خمسین عاما و قبل الطوفان ثلاثمائة و خمسین سنة فعلی هذا القول کان مبلغ عمر نوح ألفا و ثلاثمائة سنة* و فی ربیع الابرار کان نوح فی بیت من شعر ألفا و أربعمائة سنة فکلما قیل له یا رسول اللّه لو اتخذت بیتا من طین تأوی إلیه قال أنا میت غدا فتارکه فلم یزل فیه حتی فارق الدنیا و یروی أنه قیل لنوح حین حضرته الوفاة کیف رأیت الدنیا قال کبیت له بابان دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر* روی أنه لما کثر أولاد نوح و ذراریهم و کانوا ساکنین بعد نوح بالموصل الی بابل سنین و کان کلام جمیعهم بالسریانیة فاقتضت الارادة الالهیة تعمیر البلاد بأصناف العباد فتغایرت ذات لیلة ألسنتهم و تناکرت أفئدتهم فأصبحوا یوما و قد تبلبلت ألسنتهم و تکلم کل واحد منهم باللسان الذی علیه أعقابهم الیوم فلم تعرف فرقة منهم کلام الاخری فحرجوا من بابل کل فرقة بأهلیهم یهیمون فی الارض فتفرّقوا فی البلاد و الاقطار و اتخذوا منها القری و الامصار فتوالدوا فیها و تکاثروا و اشتهر کل مکان باسم ساکنیه* و فی الانس الجلیل لما خرج نوح من السفینة قسم الارض بین أولاده الثلاثة سام و یافث و حام أعطی ساما الحجاز و الیمن و الشام و الجزیرة و أعطی یافثا المشرق و أعطی حاما المغرب* و فی الوفاء عن ابن عباس لما خرج الناس من السفینة نزلوا طرف بابل و کانوا ثمانین نفسا فسمی الموضع سوق الثمانین کما مرّ و طول بابل مسیرة عشرة أیام و اثنی عشر فرسخا فمکثوا بها حتی کثروا و صار ملکهم نمرود بن کنعان بن حام فلما کفروا تبلبلوا و تفرّقت ألسنتهم علی اثنین و سبعین لسانا ففهم اللّه العربیة منهم عملیق و طسم ابنی لاود بن سام بن نوح و عادا و عبیل ابنی عوص بن ارم بن سام و ثمود و جدیس ابنی جائر بن ارم بن سام و قنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام فنزلت عبیل یثرب و یثرب اسم عبیل ثم أخرجوا منها و نزلوا الجحفة فجاءهم سیل أجحفهم منه فسمیت الجحفة و قال أبو القاسم الزجاج أوّل من سکن المدینة عند التفرّق یثرب بن فانیة بن مهلائیل بن عوم بن عبیل بن عوص بن ارم بن سام بن نوح علیه السلام و به سمیت یثرب* و روی عن ابن عباس ما یدل علیه و قال یاقوت کان أوّل من زرع بالمدینة و اتخذ بها النخل و عمر بها الدور و الآطام و اتخذ بها الضیاع العمالیق و هم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح و کانت العمالیق ممن انبسط فی البلاد فأخذوا ما بین البحرین و عمان و الحجاز الی الشام و مصر و جبابرة الشام و فراعنة مصر منهم* و فی الوفاء الحجاز بالکسر مکة و المدینة و الیمامة و مخالیفها* و فی المختصر و کان أوّل من خرج منهم من بابل ولد یافث بن نوح و کانوا سبعة اخوة منهم الترک و الخوز و الصقالبة و التاریس و منسک و کار و الصین فسلکوا مطلع الشمس مما یلی المشرق و تسوقهم ریح الجنوب و الصبا فتفرّقوا فی تلک الارض الی الشمال و تکلم کل واحد منهم بلسان علیه ولده الآن ثم من بعدهم ولد حام بن نوح و کانوا أیضا سبعة اخوة منهم السند و الهند و الحبش و القبط و البجه فسلکوا و ایمنة عن مطلع الشمس مما یلی الغرب تسوقهم ریح الدبور حتی انتهوا الی بلدان یسمونها بهم الیوم و تکلموا باللسان الذی علیه أولادهم الآن و أقام سام بن نوح ببابل حتی تغیرت أحوالهم و اختلفت أقوالهم و تفرّقت کلمتهم و له أولاد و بنون ذوو جمال و عقل منهم أکبرهم سنا و أکثرهم جمالا و عقلا و أفضلهم کلاما و کمالا عالم بن سام و النضر بن سام و کان أحرصهم عملا و الاسود ابن سام و کان أعزهم نفسا و لهم أولاد کثیرة منهم عراق بن عالم و کرمان بن ایرج بن سام و خراسان ابن عالم و فارس بن أسود و روم بن الاسود و أرمن بن یوزخ بن سام و هیطل بن عالم فطلبوا منه هؤلاء البلاد التی علیها أعقابهم الی الآن فلم یبق فی مملکة بابل الا ولد أرفخشد بن سام بن نوح* و أما ولد ارم بن سام بن نوح احتقروا الناس بما أنعم اللّه علیهم من اللسان العربی و القوّة و البطش عند تبلبل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:74
الالسنة و کانوا سبعة اخوة و هم عاد و کان أعظمهم بطشا و أقواهم و ثمود و صحار و طسم و جدیس و جاشم و وبار و قد احتقروا الناس و ملکوا علی أنفسهم شدید بن عملیق بن عاد و أخاه عملیق العمالقة شدّاد بن عاد و لما وقع التخالف و التبلبل ببابل أوّل من رحل عاد بن ارم و ولده و سار نحو المشرق فسمع منادیا فی الهواء یا عاد خذ یمنة فلذلک سموا بالیمن فسار أمام ولده فسبق الی أرض الیمن و استوطنها و فرّق ولده فیها ثمّ تبعه أخوه ثمود فی أهله و ماله فسار حتی نزل بین الحجاز و الشام و کان ذا ماء و شجر ثم تبعهما أخوهما طسم فی أهله و ماله و ولده و سار نحو عمان و البحرین و هو أمامهم حتی أتی عمان فرأی بلادا واسعة کثیرة الماء و الکلإ فنزلها و فرّق أولاده فیها ثم تبعهم أخوهم جدیس فسار بأهله و ولده حتی أتی الیمامة فرأی بلادا واسعة طیبة التربة قریبة الماء فنزل فیها و کان یسمی اذ ذاک جو فوجه بعض ولده الی هجر فاحتوی علیها فنزل بها ثم تبعهم أخوهم صحار فی ولده و ماله و أهله و لزم السمت الذی سلکه أخوه عاد فسار حتی نزل تهامة و الحجاز و أقام بها و فرّق أولاده فیما بین الطائف الی جبلی طی ثم تبعهم أخوهم جاشم و کان أجملهم وجها فسار أمام قومه یقفو آثار صحار حتی لحقه و قد استوطن تهامة و الحجاز حتی أقام معه بها و تفرّق أولاده فیما بین الحرم الی حدّ سفوان ثم تبعهم أخوهم الاصغر و بار بأهله و سار الی رمل عالج علی شاطئ بحر القلزم بحر کثیر الخیر فهؤلاء العرب السالفة الاولی الذین انقرضوا الی آخرهم و هؤلاء الذین احتقروا الناس لکثرتهم و تفرّقوا و ملکوا علیهم شدید بن عملیق بن عاد و انه کان أشدّ رجل فی الجبابرة من ولد عاد و أعقلهم* و فی نظام التواریخ اعلم أن لارم أخی أرفخشد سبعة بنین عاد و ثمود و صحار و طسم و جدیس و وبار فسار عاد الی الیمن و ثمود الی ما بین الحجاز و الشام و صحار الی أراضی طی و طسم الی عمان و البحرین و جدیس الی أرض یمامة و جاشم الی ما بین الحرم و سفوان و وبار الی أرض سمیت به و کثر أولاد عاد حتی استولوا و کان کبیرهم عملیق بن عاد و لما توفی ملک شدّاد و شدید من أولاد عاد و غلبا فبعث الضحاک الی أرض بابل و فارس لیقهر جمشید فنزل الضحاک هناک و شرع فی الظلم فأرسل اللّه تعالی هود بن خلد بن الخلود بن عیص بن عملیق فدعا عادا فلم یلتفت إلیه شدّاد فأهلکهم اللّه تعالی بالریح العقیم و ملک مرثد بن شدّاد و آمن بهود علیه السلام و کان معه بحضر موت حتی توفیا* قال و کان نوح نبیا مرسلا من أولی العزم و أوّل نبی نسخت شریعته شریعة من قبله فنسخت شریعة آدم و کان ادریس علی شریعة آدم و یدعو الخلق إلیها* و فی معالم التنزیل کان نوح أطول الأنبیاء عمرا و جعلت معجزته فی نفسه فانه عمر ألف سنة أو أکثر و لم ینقص له سنّ و لم تشب له شعرة و لم تنقص له قوّة و لم یصبر نبیّ علی أذی قومه مثل ما صبر هو علی أذی قومه علی طول عمره*

(ذکر الضحاک)

* الفرس تقول له بیوراسب و اژدرهایی و العرب تنقله و تعربه و تسمیه الضحاک فی الکامل قال ابن هشام و ابن الکلبی ملک الضحاک بعد جمشید فیما یزعمون ألف سنة و نزل السواد فی قریة یقال لها برس فی ناحیة طریق الکوفة و ملک الارض کلها و سار بالجور و التعسف و بسط یده فی القتل و کان أوّل من سنّ الصلب و القطع و أوّل من وضع العشور و ضرب الدراهم قال بلغنا أن الضحاک هو النمروذ و ان ابراهیم الخلیل ولد فی زمانه و انه صاحبه الذی أراد احراقه و تزعم الفرس أن الملک لم یکن الا للبطن الذی منه أو شهنج وجم و طهمورث و ان الضحاک کان غاصبا و انه غصب أهل الارض بسحره و خبثه و کان ساحرا فاجرا و یهوّل علیهم بالحیتین اللتین کانتا علی منکبیه و قال کثیر من أهل الکتب ان الذی کان علی منکبیه کانا لحمتین طویلتین کل واحدة منهما کرأس الثعبان و کان یسترهما بالثیاب و یذکر علی طریق التهویل انهما حیتان تقتضیانه الطعام و کانتا تتحرّکان تحت ثوبه اذا جاعتا و لقی الناس منه جهدا شدیدا و ذبح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:75
الصبیان لان اللحمتین اللتین کانتا علی منکبیه کانتا تضربان فاذا طلاهما بدماغ انسان سکنا و کان یذبح کل یوم رجلین فلم یزل الناس کذلک حتی اذا أراد اللّه اهلاکه وثب رجل من العامّة من أهل اصفهان یقال له کابی الحدّاد بسبب ابنین له أخذهما أصحاب الضحاک بسبب اللحمتین اللتین کانتا علی منکبیه و أخذ کابی بیده عصا فعلق بطرفها جرابا کان معه ثم نصب ذلک العلم و دعا الناس الی مجاهدة الضحاک و محاربته فأسرع الی اجابته خلق کثیر لما کانوا فیه من البلاء و فنون الجور فلما غلب کابی تفاءل الناس بذلک العلم و عظموه و زادوا فیه حتی صار عند ملوک العجم علمهم الاکبر الذی یتبرّکون به و سموه درفش کابیان فسار کابی بمن اتبعه و التفت إلیه فلما أشرف علی الضحاک قذف فی قلب الضحاک منه الرعب فهرب من منازله و خلی مکانه فاجتمع الاعاجم الی کابی و کان افریدون بن القیان مستخفیا من الضحاک فواقی کابی و من معه فاستبشروا بموافاته فملکوه و صار کابی و الوجوه لافریدون أعوانا علی أمره و بعض الفرس یزعم أن افریدون قتله یوم النیروز فقال العجم عند قتله امروز نوروز أی استقبلنا الدهر بیوم جدید فاتخذوه عیدا فلما ملک افریدون و أحکم ما یحتاج إلیه و احتوی علی منازل الضحاک سار کابی أثره فأسره بدماوند فی جبالها و کان أمره یوم المهرجان فقال العجم آمد مهرجان لقتل من کان یذبح*

(ذکر افریدون)

* فی الکامل هو افریدون القیان و هو من ولد جمشید و زعم بعض نسابة الفرس ان نوحا هو افریدون الذی قهر الضحاک و سلب ملکه و زعم بعضهم أن افریدون هو ذو القرنین صاحب ابراهیم الذی ذکره اللّه تعالی فی کتابه العزیز و أما باقی نسابة الفرس فانهم ینسبون افریدون الی جمشید الملک و ان بینهما عشر آباء کلهم یسمون القیان خوفا من الضحاک و انما کانوا یمیزون بألقاب لقبوها و کان یقال لاحدهم القیان صاحب البقر الحمر و القیان صاحب البقر البلق و أشباه ذلک و کان افریدون أوّل من ملک الفیلة و امتطاها و نتج البغال و اتخذ الاوز و الحمام و ردّ المظالم و أمر الناس بعبادة اللّه تعالی و الانصاف و الاحسان و ردّ علی الناس ما کان الضحاک غصبها من الارضین و غیرها الا ما لم یوجد له صاحب فانه وقفه علی المساکین و هو أوّل من نظر فی علم الطب و کان له ثلاثة بنین اسم الاکبر سلم و الثانی طورج و الثالث ایرج فخاف أن یختلفوا بعده فقسم ملکه بینهم أثلاثا و جعل ذلک فی سهام کتب أسماءهم علیها و أمر کل واحد منهم فأخذ سهما فصارت الروم و ناحیة العرب لسلم و صارت الترک و الصین لطورج و صارت العراق و السند و الهند و الحجاز و غیرها لایرج و هو الثالث و کان یحبه و أعطاه التاج و السریر و مات افریدون و نشأت العداوة بین أولاده من بعده و لم یزل التحاسد ینمو بینهم الی أن وثب طورج و سلم علی أخیهما ایرج فقتلاه و ابنین کانا لایرج و ملکا الارض بینهما ثلاثمائة سنة و کان ملک افریدون خمسمائة سنة انتهی فتزوّج نوح عمورة و کانت من الصالحات القانتات فولدت له ساما الصحیح عند أهل الاخبار و أهل التوراة ان ساما و حاما و یافث ولدوا لنوح بعد أن مضی من عمره خمسمائة سنة و قال قتادة و وهب بن منبه ان الناس کلهم من ذرّیة نوح و لذا یقال له آدم الثانی* و فی معالم التنزیل عن ابن عباس لما خرج نوح من السفینة مات من کان معه من الرجال و النساء الا أولاده و نساءهم و نزل جبریل علیه خمسین مرة و قبره بکرک نوح و کان لنوح أربعة بنین الاوّل سام ولد بسلمی قبل الطوفان بثمان و تسعین سنة و هو بکر أبیه و وصیه و ولیّ عهده کذا فی العرائس* و فی روایة کان سام الاوسط و کان یافث أسنّ منه و انما قدّم لان الأنبیاء من نسله و ولد له ارم و أسود و أرفخشد و عویلم و لاود* و سام أبو العرب و فارس و الروم و کان هو القیم بعد نوح فی الارض و من ولده الأنبیاء کلهم عربهم و عجمهم و جعل فی ذرّیته النبوّة و الکتاب و الیمن کلها من ولده و عاد و ثمود و طسم و جدیس و الفرس من ولده و قد مرت الاشارة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:76
إلیه و نزل بنوه سرّة الارض و وسطها و هو الحرم و ما حوله من الیمن الی عمان و فیها بیت المقدس و النیل و الفرات و دجلة و سیحون و هو الذی اختط مدینة القدس و أسس مسجدها و کان ملکا علیها و مات و عمره ستمائة سنة و الثانی یافث و هو أبو الترک و یأجوج و مأجوج و الخوز و الصقالبة و منازلهم شمالی الارض للروم و الصقالبة و ترخان و الترک الی الصین و یأجوج و مأجوج و الثالث حام و سکن هو و بنوه و ذرّیته غربی النیل الی ما وراء و هو أبو السودان من الحبشة و الزنج و النوبة* و الفرنج و القبط من ولد قوط بن حام قیل کان نوح علیه السلام نائما و انکشفت عورته فمرّ به حام فضحک و لم یسترها فلذلک قطع اللّه النبوّة من نسله و جعله و نسله سودا* و فی بهجة الانوار غیر اللّه لون حام ابن نوح اذ نظر الی عورة أبیه و کان أخبر نوح فدعا علیه و سوّده اللّه مثل الزنج و الحبشة و قد مر أن حاما أصاب امرأته فی السفینة فدعا علیه نوح فغیر اللّه نطفته فجاءت منه السودان کذا فی العرائس ثم مرّ به یافث فلم یسترها و لم یضحک ثم مرّ به سام فسترها و لم یضحک فلذلک جعل اللّه النبوّة فی نسله و الرابع یام و یقال له کنعان و هو أیضا ابنه الصلبی عند الجمهور و قیل کان ربیبه و ابن امرأته واغلة و کان هو و أمّه کافرین فغرقا فی الطوفان و لم یبق له نسل و تزوّج سام امرأة لم یوجد مثلها فی الجمال و العفاف فی زمانها فولدت له أرفخشد و یقال انفخشد و معناه مصباح مضی‌ء کذا فی سیرة مغلطای و تسمیه الفرس هوشنک و عاش أرفخشد أربعمائة و خمسا و ستین سنة* و فی الکامل زعم أهل التوراة أن أرفخشد ولد لسام بعد أن مضی من عمره مائة سنة و سنتان و کان جمیع عمر سام ستمائة سنة ثم ولد لارفخشد شالخ بعد أن مضی من عمر أرفخشد خمس و ثلاثون سنة و کان عمر أرفخشد أربعمائة و ثمانیا و ثلاثین سنة و من نسله قحطان و فالغ قیل العبریون من نسل فالغ و العرب من نسل قحطان و کان اسمه یرد* و فی لباب التأویل اسمه یقطن و لا طعامه الناس فی القحط قیل انه یقحط القحوط و یطردها بسخائه فاشتهر بقحطان فتزوّج ارفخشد مرجانة فولدت له شالخ و معناه الرسول و عاش أربعمائة و ستین سنة* و ولد لشالخ عابر و یقال له عیبر بمهملة و مثناة ساکنة ثم موحدة مفتوحة بعد أن مضی من عمر شالخ ثلاثون سنة کاملة و کان عمر شالخ کله أربعمائة و ثلاثا و ثلاثین سنة کذا فی الکامل و یقال عاش أربعمائة و أربعا و ستین سنة و کان ولد بعد مضی ستمائة و تسع و ستین سنة من عمر نوح و عند البعض عابر هو هود النبیّ علیه السلام المبعوث الی عاد الاولی و هم عقب عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح علیه السلام سموا عادا باسم أبیهم کما سموا بنو هاشم باسمه و ثمود و جدیس ابنا عاد بن ارم بن سام بن نوح و طسم و عملاق و أمیم بنو لاود بن سام بن نوح عرب کلهم‌

ذکر ارم‌

کذا فی سیرة ابن هشام نقلا عن ابن اسحاق روی أنه کان لعاد ابنان شدّاد و شدید فلکا و قهرا ثم مات شدید و خلص الامر لشدّاد فلک الدنیا و دانت له ملوکها فسمع بذکر الجنة فبنی ارم علی مثالها فی بعض صحاری عدن فی ثلاثمائة سنة و کان عمرة تسعمائة سنة و هی مدینة عظیمة لم یخلق مثلها فی البلاد و قصورها من الذهب و الفضة و أساطینها من الزبرجد و الیاقوت و فیها أصناف الاشجار و الانهار و لما تم بناؤها سار إلیها بأهل مملکته فلما کان علی مسیرة یوم و لیلة بعث اللّه علیهم صیحة من السماء فهلکوا* و عن عبد اللّه بن قلابة أنه خرج فی طلب ابل له فوقع علیها فحمل ما قدر علیه مماثمة و بلغ خبره معاویة فاستحضره فقص علیه فبعث الی کعب الاحبار فسأله فقال هی ارم ذات العماد و سید خلها رجل من المسلمین فی زمانک أحمر أشقر قصیر علی حاجبه خال و علی عقبه خال یخرج فی طلب ابل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال و اللّه هذا ذلک الرجل کذا فی الکشاف و غیره و هو مخالف لما ذکره ابن الجوزی فی الصفوة من أن کعب الاحبار مات سنة ثنتین و ثلاثین فی خلافة عثمان* روی أنه بعث اللّه هودا علیه السلام الی عاد و کانوا قوما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:77
زادهم اللّه فی الخلق بسطة أی طولا فی الاجسام و امتدادا فی القدود أقصرهم ستون ذراعا و أطولهم مائة ذراع و قد تبسطوا فی البلاد ما بین عمان و حضرموت* و فی أنوار التنزیل کانوا یسکنون بالاحقاف بین رمال مشرفة علی البحر بالشحر من الیمن* و فی العرائس الاحقاف هی رمال یقال لها عالج و دهناء و مدین بین عمان و حضرموت و کانت لهم أصنام یعبدونها صدا و صمودا و لهبا فقال لهم هود انی لکم رسول أمین فاتقوا اللّه و أطیعون فکذبوه و قالوا له ما هذا الذی جئت به الا کذب فأمسک اللّه عنهم القطر ثلاث سنین و کان اذا نزل بهم بلاء طلبوا من اللّه الفرج عند بیته الحرام فأوفدوا إلیه قیل ابن عبیر و لقیم بن هذال و عبیل بن صدا بن عاد الاکبر و مرثد بن سعد و هو آمن بهود و کان یکتم ایمانه و أهل مکة اذ ذاک العمالیق أولاد عملیق بن لاود بن سام بن نوح علیه السلام و سیدهم معاویة بن بکیر فنزلوا علیه بظاهر مکة فقال لهم مرثد لن تستقوا حتی تؤمنوا بهود فخلوا مرثدا و خرجوا فقال قیل اللهم اسق عادا کما کنت تسقیه فأنشأ اللّه ثلاث سحابات بیضاء و حمراء و سوداء ثم ناداه مناد من السماء یا قیل اختر لنفسک و لقومک فاختار السوداء علی ظنّ أنها أکثر ماء فخرجت علی عاد من واد لهم فاستبشروا و قالوا هذا عارض ممطرنا فجاء منها ریح شدید و کانت دبورا لقوله علیه السلام نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور و کانت فی أیام نحسات و کان ابتداء العذاب یوم الاربعاء آخر الشهر الی الاربعاء الاخری روی أنهم دخلوا فی الشعب و الحفر و تمسک بعضهم ببعض فنزعتهم الریح منها و صرعتهم موتی* و فی أنوار التنزیل بل سلطها اللّه علیهم سبع لیال و ثمانیة أیام حسوما و هی کانت أیام العجوز من صبیحة الاربعاء الی غروب الشمس من الاربعاء الاخری و انما سمیت عجوزا لانها عجز الشتاء أولان عجوزا من عاد تورات فی سرب فانتزعتها الریح فی الثامنة فأهلکتها* روی أن هودا لما أحس بالریح اعتزل بالمؤمنین فی الحضیرة و جاءت الریح فأمالت الاحقاف و هی رمال مستطیلة مرتفعة فی انحناء علی الکفرة و کانوا تحتها سبع لیال و ثمانیة أیام ثم کشفت عنهم و احتملتهم و قذفتهم فی البحر و نجا هود و المؤمنون معه فأتوا مکة فعبدوا اللّه فیها حتی ماتوا* و فی روایة عاش هود بعد هلاک قومه من الکفار خمسین سنة و کان عمره مائة و خمسین سنة و دفن بحضرموت و قیل بالحجر و اللّه أعلم* و کان هود تزوّج میشاصا فولدت له فالغ و یقال فالخ و أخاه قحطان و عاش فالغ ثلاثمائة و تسعا و ثلاثین سنة و کان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة و أربعین سنة و کان عمره أربعمائة و أربعا و سبعین سنة ثم ولد لفالغ راغو بعد ثلاثین سنة من عمر فالغ و کان عمره مائتین و ثلاثین سنة کذا فی الکامل و قیل عاش أیضا ثلاثمائة و تسعا و ثلاثین سنة و عند مولد راغو تبلبلت الالسن و تقسمت الارض و تفرّق بنو نوح و ذلک لمضیّ ستمائة و سبعین سنة من الطوفان ثم ولد لراغو شاروخ بعد ما مضی من عمره اثنتان و ثلاثون سنة و کان عمره مائتین و تسعا و ثلاثین سنة و یقال شاروغ بالغین بدل الخاء و اسمه فی التوراة سروعا و عاش ثلاثمائة و ثلاثین سنة ثم ولد لشاروخ ناحور بعد ثلاثین سنة من عمره و کان عمره کله مائتین و ستین سنة و ولد لناحور تارخ بالمثناة فوق و فتح الراء و هو آزر أبو ابراهیم بعد ما مضی من عمره سبع و عشرون سنة و کان عمره کله مائتین و خمسین سنة و ولد له ابراهیم علیه السلام و أنزل اللّه علی ابراهیم عشر صحف کانت کلها أمثالا و کان ما بین الطوفان و مولد ابراهیم ألف و تسع و تسعون سنة و قیل ألف و مائتا سنة و ثلاث و ستون سنة و ذلک بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة و ثلاثمائة و سبع و ثلاثین سنة و ولد لقحطان بن عابر یعرب و ولد لیعرب یشجب و ولد لیشجب سبأ و ولد لسبأ حمیر و کهلان و عمرو و الاشعر و انمار و مر فولد لعمرو بن سبأ عدیّ و لخم و جذام کذا فی الکامل و عند جمهور المؤرّخین و أصحاب السیر و الانساب أن عدد الاشخاص بین ابراهیم و نوح تسعة و لکن اختلفوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:78
فی کیفیة النطق بالاسماء* و فی الکشاف ما کان بین ابراهیم و نوح إلا نبیان هود و صالح کان قومهما ممن طغی و بغی فأرسل اللّه تعالی إلیهم رسولا فکذبوه فأهلکهم اللّه تعالی* و فی الکامل هذان الحیان من ولد ارم بن سام بن نوح أحدهما عاد و الآخر ثمود فهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح و هو عاد الاولی و کانت مساکنهم ما بین الشحر و عمان و حضرموت بالاحقاف و کانوا جبارین طوال القامة لم یکن مثلهم قال اللّه تعالی و اذکروا اذ جعلکم خلفاء من بعد قوم نوح و زادکم فی الخلق بسطة فأرسل اللّه هود بن عبید بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص و کانوا أهل أوثان ثلاثة یقال لاحدهم صمام و للآخر صمود و الثالث الهبا و أما عاد الاخیرة التی بقیت بعد عاد الاولی و کانوا بمکة و هم معاویة و عبید و عمرو و عامر و عمیر بنو التیم* و فی تاریخ الفرس ملک الروم مرثد بن شدّاد و آمن بهود و کان معه بحضرموت فتوفی هناک و أما ثمود فهم ولد ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن نوح و کانت مساکنهم بالحجر بین الحجاز و الشام و کانوا بعد عاد قد کثروا و کذبوا و عتوا فبعث اللّه تعالی إلیهم صالح بن عبید بن اسف بن مانح ابن جاور بن ثمود فلم یقبلوا فأتتهم صیحة من السماء فأهلکهم اللّه تعالی کذا فی الکامل* و فی بعض الکتب ولد لفالغ شالخ و لشالخ اشروع و لاشروع ارغو و لارغو ناحور و لناحور تارحّ و هو آزر فتزوّج نونان و فی روایة أدنا بنت نمروذ فولدت له ابراهیم روی انه کان لآزر ثلاثة بنین ابراهیم علیه السلام و ستجی‌ء ولادته و هاران أبو لوط و ناحور جدّ لقمان فولد لنا حور باعورا و لباعورا لقمان و هو ابن أخت أیوب أو ابن خالته* و فی لباب التأویل قال وهب بن منبه کان أیوب رجلا من الروم و هو أیوب بن أموص بن رازح بن روم ابن عیص بن اسحاق بن ابراهیم و کانت أمّه من ولد لوط*

ذکر لقمان‌

و فی العمدة لقمان بن باعورا بن ناحور بن آزر* و فی أنوار التنزیل ان لقمان کان من ولد آزر عاش ألف سنة حتی أدرک داود و أخذ منه العلم و کان یفتی قبل مبعث داود فلما بعث داود قطع الفتوی فقیل له فی ذلک فقال أ لا اکتفی اذا کفیت و قیل کان لقمان خیاطا و قیل کان نجارا و قیل راعیا و قیل کان قاضیا فی بنی اسرائیل* و قال عکرمة و الشعبی کان نبیا و الجمهور علی أنه کان حکیما و لم یکن نبیا و قیل خیر بین الحکمة و النبوّة فاختار الحکمة و هی الاصابة فی القول و العمل و قیل تلمذ لالف نبیّ و تلمذ له ألف نبیّ و من حکمته أن داود قال له یوما کیف أصبحت قال أصبحت فی ید غیری فتفکر داود فیه فصعق صعقة و انه أمره بأن یذبح شاة و یأتی بأطیب مضغتین منها فأتی باللسان و القلب ثم بعد أیام أمره بأن یأتی بأخبث مضغتین فیها فأتی بهما فسأله عن ذلک فقال هما أطیب شی‌ء اذا طابا و أخبث شی‌ء اذا خبثا* و اسم ابنه المذکور فی القرآن أنعم أو مشکم أو ماثان انتهی قیل ان لقمان جمع فی الحکمة أربعمائة ألف کلمة و اختار منها أربع کلمات ثنتان منها مما یذکر و لا ینسی و هما اللّه و الموت و ثنتان مما ینسی و لا یذکروهما احسانک الی الخلق و اساءة الخلق إلیک و اللّه تعالی أعلم بالصواب*

(ذکر مولد ابراهیم علیه السلام)

* روی أن ابراهیم علیه السّلام ولد فی زمن نمرود ابن کنعان بن کوش بن سام بن نوح و کان مولده لیلة الجمعة لیلة عاشوراء لمضیّ ألف و إحدی و ثمانین سنة من الطوفان و کان الطوفان بعد هبوط آدم بألفین و مائتین و اثنتین و أربعین سنة کما مرّ* و فی العرائس کان بین الطوفان و بین مولد ابراهیم ألف و مائتان و اثنتان و أربعون سنة و قیل ألف و مائتان و ثلاثون سنة و ذلک بعد خلق آدم علیه السلام بثلاثة آلاف سنة و ثمانمائة سنة و سبع و ثلاثین سنة* و فی الکامل قال جماعة ان نمروذ بن کنعان ملک مشرق الارض و مغربها هذا قول یدفعه أهل العلم بالسیر و أخبار الملوک الماضین و ذلک أنهم لا ینکرون أن مولد ابراهیم علیه السلام کان أیام الضحاک الذی ذکرنا بعض أخباره فیما مضی و انه کان ملک شرق الارض و غربها و قول القائل ان الضحاک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:79
الذی ملک الارض هو نمروذ لیس بصحیح لان أهل العلم بالمتقدّمین یذکرون أن نسب نمروذ فی النبط معروف و نسب الضحاک فی الفرس مشهور و انما الضحاک استعمل نمروذ علی السواد و ما اتصل به یمنة و یسرة و جعله و ولده عمالا علی ذلک و کان هو ینتقل فی البلاد و کان وطنه و وطن أجداده دماوند من جبال طبرستان و هناک رمی به افریدون حین ظفر و کذلک بخت نصر ذکر بعضهم أنه ملک الارض جمیعها و لیس کذلک و انما کان أصبهبد ما بین الاهواز الی أرض الروم من غربی دجلة من قبل لهراسب لان لهراسب کان مشتغلا بقتال الترک مقیما بازائهم ببلخ و هو بناها لتطاول مقامه هناک لحرب الترک و لم یملک أحد شبرا من الارض مستقلا برأسه فکیف الارض جمیعها و انما تطاولت مدّة نمروذ بالسواد أربعمائة سنة ثم رجل من نسله بعد هلاکه یقال له نبط بن قعود مائة سنة ثم کداوص بن نبط مائة و عشرین سنة ثم النمروذ بن یابش سنة و شهرا أیام الضحاک فظنّ الناس فی نمروذ ما ذکرنا فلما ملک افریدون و قهر الازدهایی قتل نمروذ بن یابش و شرد النبط و قتل منهم مقتلة عظیمة انتهی کلام الکامل* و بین مولد ابراهیم و هجرة نبینا صلّی اللّه علیه و سلم ألفان و ثمانمائة و ثلاث و تسعون سنة علی اختیار المؤرّخین و الاختلاف فی ذلک کثیر و لما سقط ابراهیم الی الارض نزل جبریل و قطع سرّته و أذن فی أذّنه و کساه ثوبا أبیض و یوم ولادته سمع نمروذ من تحت سریره الذی هو جالس علیه انتفاضا شدیدا و سمع هاتفا یقول تعس من کفر باله ابراهیم فقال نمروذ لآزر أسمعت ما سمعت قال نعم قال فمن ابراهیم قال آزر لا أعرفه فأرسل الی السحرة و الکهنة و سألهم عن ابراهیم فلم یجیبوه بشی‌ء مع علمهم به و رأی نمروذ أن القمر قد طلع من ضلع آزر و بقی نوره کالعمود الممدود بین السماء و الارض و سمع قائلا یقول جاء الحق و زهق الباطل و نظر الی الاصنام و هی متنکسة عن کراسیها فاستیقظ فزعا و قص رؤیاه علی آزر فخاف آزر علی نفسه منه و قال انما ذلک لکثرة عبادتی لها و کان نمروذ بلیدا جبانا فرضی بقول آزر و سکت و اختلف فی مولد ابراهیم قیل بالسوس من أرض الاهواز و قیل ببابل* و فی العمدة هی بابل العراق و سمیت بذلک لتبلبل الالسن بها عند سقوط صرح نمروذ و قیل ولد بکوثی بضم أوّله و بالثاء المثلثة مقصورا و هی بالعراق معلومة بسواد الکوفة و قیل ولد بکسکر* و فی القاموس کسکر کجعفر کورة قصبتها واسط و قیل ولد بحرّان و لکن أباه نقله الی بابل أرض نمروذ بن کنعان* و فی معالم التنزیل قال أهل التفسیر ولد ابراهیم علیه السّلام فی زمن نمروذ بن کنعان و کان نمروذ أوّل من وضع التاج علی رأسه و تجبر و طغی فی الارض و دعا الناس الی عبادته و کان له کهان و منجمون فقالوا له انه سیولد فی بلدک فی هذا العام غلام یغیر دین أهل الارض و یکون هلاکک و زوال ملکک علی یدیه و یقال انهم وجدوا ذلک فی کتب الأنبیاء* و قال السدّی رأی نمروذ فی منامه کأن کوکبا طلع فذهب بضوء الشمس و القمر حتی لم یبق لهما نور ففزع من ذلک فزعا شدیدا فدعا السحرة و الکهنة و سألهم عن ذلک فقالوا هو مولود یولد فی ناحیتک فی هذه السنة فیکون هلاکک و زوال ملکک و أهل بیتک علی یدیه فأمر بذبح کل غلام یولد فی ناحیته تلک السنة و أمر بعزل الرجال عن النساء و جعل علی کل عشرة رجلا فان حاضت المرأة خلی بینها و بین زوجها لانهم کانوا لا یجامعون فی الحیض فاذا طهرت حال بینهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحیض فواقعها فحملت بابراهیم* و قال محمد بن اسحاق بعث نمروذ الی کل امرأة حبلی بقریته فحبسها الا ما کان من أمّ ابراهیم فانه لم یعلم بحبلها لانها کانت جاریة حدیثة السنّ لم یعرف الحمل فی بطنها* و قال السدّی خرج نمروذ بالرجال الی المعسکر و نحاهم عن النساء تخوّفا من ذلک المولود أن یکون فمکث کذلک ما شاء اللّه ثم بدت له حاجة الی المدینة فلم یأتمن علیها أحدا من قومه الا آزر فبعث إلیه و دعاه و قال له ان لی حاجة أحب أن أوصیک بها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:80
و لا أبعثک الا لثقتی بک فأقسم علیه أن لا یدنو من أهله فقال آزر أنا أشح علی دینی من ذلک فأوصاه بحاجته فدخل المدینة و قضی حاجته ثم قال لو دخلت علی أهلی فنظرت إلیهم فلما نظر الی أمّ ابراهیم لم یتمالک حتی واقعها فحملت بابراهیم* قال ابن عباس لما حملت أمّ ابراهیم قالت الکهان لنمروذ ان الغلام الذی أخبرناک به قد حملت أمّه اللیلة به فأمر نمروذ بذبح الغلمان فلما دنت ولادة أمّ ابراهیم و أخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن یطلع علیها فیقتل ولدها فوضعته فی نهر یابس ثم لفته فی خرقة و وضعته فی حلفاء و رجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت و ان الولد فی موضع کذا فانطلق أبوه و أخذه من ذلک المکان و حفر له سربا عند نهر فواراه فیه و سدّ علیه بابه بصخرة مخافة السباع و کانت أمّه تختلف إلیه فترضعه و قال محمد بن اسحاق لما وجدت أمّ ابراهیم الطلق خرجت لیلا الی مغارة کانت قریبة منها فولدت فیها ابراهیم و أصلحت من شأنه ما یصنع للمولود ثم سدّت علیه فم المغارة و رجعت الی بیتها ثم کانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حیا یمص فی ابهامه یقال ان تلک المغارة فی قریة برس من بلاد الکوفة* روی أن أمّ ابراهیم قالت ذات یوم لأنظرنّ الی أصابعه فوجدته یمص من اصبع ماء و من اصبع لبنا و من اصبع عسلا و من اصبع تمرا و من اصبع سمنا* و قال محمد بن اسحاق کان آزر قد سأل أمّ ابراهیم عن حملها ما فعل به قالت قد ولدت غلاما فمات فصدّقها و سکت عنها و کان الیوم علی ابراهیم فی الشباب کالشهر و الشهر کالسنة فلم یمکث ابراهیم فی المغارة الا خمسة عشر شهرا حتی قال لامّه أخرجینی فأخرجته عشاء فنظر و تفکر فی خلق السموات و الارض و قال ان الذی خلقنی و رزقنی و أطعمنی و سقانی لربی الذی ما لی إله غیره و کان أبوه و قومه یعبدون الاصنام و الشمس و القمر و الکواکب و فی روایة کانوا یعظمون النجوم و یعبدونها و یرون أن الامور کلها إلیها ثم نظر الی السماء فرأی کوکبا فقال هذا ربی علی وجه الاستفهام الانکاری بحذف أداته ثم أتبعه بصره ینظر إلیه حتی غاب فقال لا أحب الآفلین* و فی أنوار التنزیل رآه ابراهیم زمان مراهقته و أوّل أوان بلوغه ثم رأی القمر بازغا مبتدئا فی الطلوع فقال هذا ربی و أتبعه بصره ینظر إلیه حتی غاب ثم طلعت الشمس و هکذا الی آخره ثم رجع الی أبیه آزر و قد استقامت وجهته و عرف ربه و برئ من دین قومه فأخبره أنه ابنه و أخبرته أمّ ابراهیم أنه ابنه و أخبرته بما کانت صنعت فی شأنه فسرّ آزر بذلک و فرح فرحا شدیدا و قیل انه کان فی السرب سبع سنین و قیل ثلاث عشرة سنة و قیل سبع عشرة سنة قالوا فلما شب ابراهیم و هو فی السرب قال لامّه من ربی قالت أنا قال فمن ربک قالت أبوک قال فمن رب أبی قالت نمروذ قال فمن رب نمروذ قالت له اسکت فسکت ثم رجعت الی زوجها فقالت أ رأیت الغلام الذی کنا نحدّث أنه یغیر دین أهل الارض فانه ابنک ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه فقال له ابراهیم یا أبتاه من ربی قال أمّک قال فمن رب أمی قال أنا قال فمن ربک قال نمروذ قال فمن رب نمروذ فلطمه لطمة شدیدة و قال له اسکت فلما جنّ علیه اللیل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر کوکبا فقال هذا ربی و یقال انه قال لابویه أخرجانی فأخرجاه من السرب و انطلقا به حتی غابت الشمس فنظر ابراهیم الی الابل و الخیل و الغنم فسأل أباه ما هذه فقال ابل و خیل و غنم فقال ما لهذه بدّ من أن یکون لها رب و خالق ثم نظر الی المشتری و قد طلع و یقال الزهرة و کانت تلک اللیلة فی آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فیها فرأی الکوکب قبل القمر ثم القمر ثم الشمس بعده فقال فی کلّ هذا ربی الی آخره ثم قال یا قوم انی برئ مما تشرکون انی وجهت وجهی للذی فطر السموات و الارض حنیفا و ما أنا من المشرکین روی أنه لما رجع ابراهیم الی أبیه و صار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحین ضمه آزر الی نفسه و جعل آزر یصنع الاصنام و یعطیها ابراهیم لیبیعها فیذهب بها ابراهیم و ینادی من یشتری ما یضرّه و لا ینفعه فلا
یشتریها أحد فاذا بات ذهب بها الی نهر فصوّب فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:81
رءوسها و قال اشربی استهزاء بقومه و بما هم فیه من الضلالة حتی فشا استهزاؤه بها فی قومه و أهل قریته فحاجه قومه و جادلوه فی دینه قال أ تحاجونی فی اللّه و قد هدان و خوّفوه من آلهتهم فقالوا له احذر الاصنام فانا نخاف أن تمسک بسوء من خبل أو جنون بعیبک ایاها فقال لهم و لا أخاف ما تشرکون به و قال لابیه و قومه ما هذه التماثیل و الصور یعنی الاصنام التی أنتم لها عاکفون مقیمون علی عبادتها قالوا وجدنا آباءنا لها عابدین فاقتدینا بهم قال لقد کنتم أنتم و آباؤکم فی ضلال مبین و خطائین بعبادتکم ایاها قالوا له أ جئتنا بالحق و الجدّ أم أنت من اللاعبین الهازلین قال بل ربکم رب السموات و الارض و خالقهنّ و تالله لاکیدنّ أصنامکم و لأمکرنّ بها بعد أن تولوا مدبرین أی تدبروا منطلقین الی عیدکم* قال السدّی کان لهم فی کل سنة عید و مجمع و کانوا یدخلون علی أصنامهم و یفرشون لهم الفرش و یضعون بین أیدیهم الطعام قبل خروجهم الی عیدهم یزعمون التبرّک علیهم و اذا انصرفوا من عیدهم دخلوا علی الاصنام فسجدوا لها و أکلوا الطعام ثم عادوا الی منازلهم فلما کانت اللیلة التی من غدها عیدهم قالوا لإبراهیم أ لا تخرج معنا غدا الی عیدنا فنظر الی النجوم فقال انی سقیم* قال ابن عباس مطعون و کانوا یفرّون من الطاعون فرارا عظیما و کانوا یتعاطون علم النجوم فعاملهم من حیث کانوا لئلا ینکروا علیه و ذلک أنه أراد أن یکایدهم فی أصنامهم و یلزمهم الحجة فی أنها غیر معبودة فلما کان ذلک العید من غد تلک اللیلة قال أبو ابراهیم له یا ابراهیم لو خرجت معنا لی أعیدنا أعجبک دیننا فخرج معهم ابراهیم فلما کان ببعض الطریق ألقی نفسه و قال انی سقیم قال ابن عباس اشتکی رجلیّ فتولوا عنه مدبرین الی عیدهم فلما مضوا نادی فی آخرهم و قد بقی فی ضعفة الناس تالله لاکیدنّ أصنامکم فسمعوها منه ثم رجع ابراهیم الی بیت الآلهة و هنّ فی بهو عظیم مستقبل باب البهو صنم عظیم الی جنبه صنم أصغر منه و الاصنام بعضها الی جنب بعض کل صنم یلیه أصغر منه الی باب البهو و إذا هم جعلوا طعاما و وضعوه بین أیدی الآلهة و قالوا اذا رجعنا و بارکت الآلهة فی طعامنا أکلنا فلما نظر إلیهم ابراهیم و الی ما بین أیدیهم قال لهم علی طریق الاستهزاء أ لا تأکلون فلما لم تجبه قال ما لکم لا تنطقون فجعل یضربهنّ و یکسرهنّ بفأس فی یده حتی جعلهم جذاذا و کسرهم قطعا فلما لم یبق الا الصنم الاکبر علق الفأس فی عنقه ثم خرج و کانت اثنتین و سبعین صنما بعضها من ذهب و بعضها من فضة و بعضها من رصاص و من حدید و من خشب و حجر و کان الصنم الاکبر من الذهب مکلل بالجواهر و فی عینیه یاقوتتان تتقدان و لما أخبر القوم صنیع ابراهیم بآلهتهم رجعوا من عیدهم و أقبلوا إلیه مسرعین لیأخذوه فلما دخلوا بیت الآلهة و رأوا الاصنام جذاذا قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمین المجرمین قال الذین سمعوا قول ابراهیم و تاللّه لاکیدنّ أصنامکم سمعنا فتی یذکرهم یقال له ابراهیم* قال مجاهد و قتادة لم یسمع ذلک القول من ابراهیم الا واحد منهم فأفشاه علیه فقال أنا سمعت فتی یذکرهم بالسوء و یعیبهم یقال له ابراهیم أظنّ أنه صنع هذا فبلغ ذلک نمروذ الجبار و أشراف قومه قالوا فأتوا به و أحضروه علی أعین الناس یعنی ظاهرا بمرأی منهم لعلهم یشهدون علیه بالذی فعل أو یحضرون عقابه و ما یصنع به فلما أتوا به قالوا له أ أنت فعلت هذا بآلهتنا یا ابراهیم قال بل فعله کبیرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار و هو أکبر منها فکسرهنّ و أراد بذلک ابراهیم اقامة الحجة علیهم و الزامهم و قال لهم فاسألوهم ان کانوا ینطقون حتی یخبروا بمن فعل هذا فرجعوا الی أنفسهم و عقولهم و تفکروا بقلوبهم فأجری اللّه الحق علی لسانهم فقالوا ما نراه الا کما قال انکم أنتم الظالمون بعبادتکم من لا یتکلم ثم أدرکتم الشقاوة فرجعوا الی حالتهم الاولی و قالوا لقد علمت ما هؤلاء ینطقون فکیف نسألهم فلما اتجهت الحجة لإبراهیم قال أ فتعبدون من دون اللّه ما لا ینفعکم شیئا ان عبدتموه و لا یضرّکم ان ترکتم عبادته أ لیس لکم عقل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:82
تعرفون به هذا فلما لزمت الحجة نمروذ و قومه و عجزوا عن الجواب اذ لقن اللّه ابراهیم و ألهمه ما ألزمهم الحجة و غلبهم فی المحاجة مالوا الی المکر و المضارّة فأرادوا أن یحرّقوه فقالوا ابنوا له بنیانا فألقوه فی الجحیم أی فی النار الشدیدة الوقود و حرّقوه و انصروا آلهتکم و الذی أشار الی احراقه رجل من أکراد فارس اسمه هیزن فخسف اللّه به الارض فهو یتجلجل فیها الی یوم القیامة و قیل قاله نمروذ*

(ذکر القاء ابراهیم فی النار)

* روی أنهم حین هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا له بنیانا کالحضیرة و قیل بنوا أتونا بقریة یقال لها کوثی و هی قریة بأرض العراق من سواد الکوفة کما مرّ و قال مقاتل بنوا حائطا طوله فی السماء ثلاثون ذراعا و عرضه عشرون ذراعا و فی الحدائق طول جداره ستون ذراعا ثم جمعوا له من صلاب الحطب و من أصناف الخشب مدّة حتی کان الرجل یمرض فیقول لو عافانی اللّه لأجمعنّ حطبا لإبراهیم و کانت المرأة تنذر فی بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فی نار ابراهیم و کان الرجل یوصی بشراء الحطب و القائه فیها و کانت المرأة تغزل و تشتری الحطب له و تحتسب فیه قال ابن اسحاق کانوا یجمعون الحطب شهرا و فی الحدائق أربعین لیلة فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا فی کل ناحیة من الحطب نارا فاشتعلت نار عظیمة شدیدة حتی کادت الطیر تحترق فی الجوّ* و فی الحدائق فارتفع لهبها و سطع دخانها حتی أظلمت علیهم المدینة حتی کان یسمع وهج النار من مسیرة لیلة* و فی روایة کانت الطیر لتمرّ بها فتحترق من شدّة وهجها فأوقدوا علیها سبعة أیام روی أنهم لم یعلموا کیف یلقونه فیها فجاء ابلیس و علمهم علم المنجنیق فعملوه* قیل ان نمروذ لما أخرج ابراهیم من السجن لیحرقه حاجه فی ربه فقال له من ربک الذی تدعو إلیه قال ربی الذی یحیی و یمیت قال أنا أحیی و أمیت فدعا برجلین فقتل أحدهما و استحیا الآخر فجعل ترک القتل احیاء یرید أعفی عن القتل و أقتل و کان الاعتراض عتیدا و لکن ابراهیم لما سمع جوابه الاحمق لم یحاجه فیه بل انتقل الی حجة أخری أوضح من الاولی و أتی بدلیل لا یقدر فیه علی نحو ذلک الجواب لیبهته أوّل شی‌ء فقال فان اللّه یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت نمروذ کذا فی الکشاف ثم انهم عمدوا الی ابراهیم فرفعوه الی رأس البنیان و قیدوه ثم وضعوه فی المنجنیق مقیدا مغلولا فصاحت السماء و الارض و من فیهما من الملائکة و جمیع الخلق الا الثقلین صیحة واحدة أی رب ابراهیم خلیلک یلقی فی النار و لیس فی الارض أحد یعبدک غیره فأذن لنا فی نصرته فقال اللّه عز و جل انه خلیلی لیس لی خلیل غیره و انما أنا إلهه و لیس له إله غیری فان استعان بشی‌ء منکم أو دعاه لینصره فقد أذنت له فی ذلک و ان لم یدع غیری فأنا أعلم به و أنا ولیه فخلوا بینی و بین خلیلی فلما أرادوا القاءه أتاه خازن المیاه فقال ان أردت أخمدت النار و أتاه خازن الریاح فقال ان شئت طیرت النار فی الهواء فقال ابراهیم لا حاجة بی إلیکم حسبی اللّه و نعم الوکیل* و روی عن کعب أن ابراهیم حین أوثقوه لیلقوه فی النار قال لا إله الا أنت سبحانک لک الحمد و لک الملک لا شریک لک ثم رموه بالمنجنیق فی النار فاستقبله جبریل فقال یا ابراهیم هل لک حاجة قال أما إلیک فلا قال جبرئیل فسل ربک قال ابراهیم حسبی من سؤالی علمه بحالی* و فی المدارک فرموه فیها و هو یقول حسبی اللّه و نعم الوکیل عن ابن عباس انما نجی ابراهیم بقوله حسبی اللّه و نعم الوکیل قال شعیب الجبائی ألقی ابراهیم فی النار و هو ابن ست عشرة سنة* و فی روایة ثلاثین سنة بعد أن حبسه ثلاث عشرة سنة قال کعب الاحبار جعل کل شی‌ء یطفئ عنه النار الا الوزغ فانه ینفخ فی النار*

فائدة فی قتل الوزغ‌

و فی الصحیحین أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أمر بقتل الوزغ و سماه فویسقا و قال کان ینفخ علی ابراهیم النار* و فی سح السحابة فی افراد مسلم عن أبی هریرة من قتل وزغا فی أوّل ضربة کتب له مائة حسنة و فی الثانیة دون ذلک و فی الثالثة دون ذلک و ذکر صاحب الآثار أن الوزغ أصم قالوا السبب فی صممه أنه کان ینفخ فی نار ابراهیم علیه السلام فصم بذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:83
و برص کذا فی حیاة الحیوان* و فی نهایة ابن الاثیر الوزغ جمع وزغة بالتحریک و هی التی یقال لها سام أبرص جمعها أوزاغ و وزغان* و فی حدیث عائشة لما احترق بیت المقدس کانت الاوزاغ تنفخه و من هاهنا یقال ان فساد الآباء یضرّ بالاولاد کالوزغ و ان صلاح الآباء یسری فی الاولاد و ان کان من غیر ذوی العقول کما فی حمام الحرم فان من آبائه ما حمی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الغار فدعا لها و فرض جزاء قتلها قال فنادی جبریل یا نار کونی بردا و سلاما علی ابراهیم فجعل اللّه ببرکة قول ابراهیم علیه السلام حسبی اللّه و نعم الوکیل الحضیرة روضة* قال ابن عباس لو لم یقل و سلاما لمات ابراهیم من بردها و انقلاب النار هواء طیبا لیس بمحال الا انه علی خلاف المعتاد فهو اذا من معجزاته و قیل کانت النار بحالها لکن اللّه دفع أذاها عنه کما یری فی السمندل و خزنة النار* و فی المدارک أنّ اللّه نزع عنها طبعها الذی طبعها علیه من الحرّ و الاحراق و أبقاها علی الاضاءة و الاشراق و هو علی کل شی‌ء قدیر و من المعروف فی الآثار أنه لم یبق یومئذ نار فی الارض الا طفئت فلم ینتفع فی ذلک الیوم بنار فی العالم* و فی الحدائق فبردت یومئذ علی أهل المشرق و المغرب فلم ینضج بها کراع و لو لم یقل علی ابراهیم لبقیت ذات برد أبدا فأخذت الملائکة بضبعی ابراهیم فأقعدوه علی الارض فاذا عین ماء عذب و ورد أحمر و نرجس قال کعب الاحبار ما أحرقت النار من ابراهیم الاوثاقه قالوا و کان فی ذلک الموضع سبعة أیام قال ابراهیم ما کنت فی أیام قط أنعم من الایام التی کنت فی النار* قال ابن یسار و بعث اللّه ملک الظل فی صورة ابراهیم فقعد فیها الی جنب ابراهیم یؤنسه قال و بعث اللّه جبریل بقمیص من حریر الجنة و طنفسة فألبسه و أقعده علی الطنفسة و قعد معه یحدّثه و قال جبریل یا ابراهیم ان ربک یقول لک أ ما علمت أن النار لا تضرّ أحبابی ثم ان نمروذ أشرف علی ابراهیم و اطلع من صرح له ینظر إلیه فرآه جالسا فی روضة و معه جلیس من الملائکة قاعدا الی جنبه و ما حوله نار تحرق الحطب فناداه یا ابراهیم کبر إلهک الذی بلغت قدرته أن حال بینک و بین ما أری یا ابراهیم هل تستطیع أن تخرج منها قال نعم قال هل تخشی ان قمت أن تضرّک النار قال لا قال فقم و اخرج منها فقام ابراهیم یمشی فیها حتی خرج إلیه فقال له یا ابراهیم من الرجل الذی رأیته معک فی مثل صورتک قاعدا الی جنبک قال ذلک ملک الظل أرسله الیّ ربی لیؤنسنی فیها فقال نمروذ یا ابراهیم انی مقرّب الی إلهک قربانا لما رأیت من قدرته و عزته فیما صنع معک حین أبیت الا عبادته و توحیده انی ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال ابراهیم اذا لا یقبل اللّه منک ما کنت علی دینک حتی تفارقه الی دینی فقال لا أستطیع ترک ملکی و لکن سوف أذبحها فذبحها نمروذ و کف عن ابراهیم* و جاء فی بعض الروایات انه کان لنمروذ بنت یقال لها رغضة استأذنت أباها أن تذهب و تنظر الی ابراهیم حین ألقی فی النار فقال لها نمروذ یا بنتاه ان ابراهیم قد صار رمادا فبالغت حتی أذن لها نمروذ فلما نظرت الی ابراهیم رأته فی أطیب عیش و أحسن حال فقالت یا ابراهیم أ لا تحرقک النار قال من کان فی قلبه معرفة اللّه و علی لسانه بسم اللّه الرحمن الرحیم لا تحرقه النار قالت أ فتأذن لی أن أدخلها قال قولی لا إله الا اللّه ابراهیم خلیل اللّه ثم ادخلی و لا تخافی فلما قالتها خمدت النار فدخلتها و أسلمت ثم رجعت الی أبیها و قد سمع أبوها قولها فنصحها فلم تقبل فعذبها بمسامیر من حدید فأمر اللّه جبریل حتی رفعها من بین أطهرهم ثم جاء بها الی ابراهیم و ذلک بعد ما هاجر من أرض نمروذ فزوّجها ابراهیم من ابنه مدین فحملت منه عشرین بطنا أکرمهم اللّه بالنبوّة

ذکر صرح نمرود

قال الثعلبی لما حاج ابراهیم نمروذ فی ربه قال نمروذ ان کان ما یقول ابراهیم حقا فلا أنتهی حتی أصعد الی السماء فأعلم ما فیها فبنی صرحا عظیما ببابل و رام الصعود الی السماء لینظر الی إله ابراهیم و اختلف فی طول الصرح فی السماء فقیل خمسة آلاف ذراع و قیل فرسخان ثم عمد الی أربعة أفراخ من النسور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:84
فرباها و أطعمها اللحم و الخبز حتی شبت و کبرت* و فی الکامل لابن الاثیر فرباهنّ بالخمر و اللحم حتی کبرن و اتخذ تابوتا من خشب و جعل له بابا من أعلا و بابا من أسفل ثم جوّع النسور و نصب خشبات أربع فی أطراف التابوت و جعل علی رءوسها لحما أحمر فوق التابوت و قعد هو فی التابوت و أقعد معه رجلا آخر و حمل معه القوس و النشاب و أمر بالنسور فربطت فی أطراف التابوت من أسفل* و فی روایة و ربط التابوت بأرجل النسور ثم خلی عن النسور فطرن و صعدن طمعا فی اللحم کلما رأین اللحم طرن إلیه فطارت النسور یوما أجمع حتی أبعدن فی الهواء فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الأعلی فانظر الی السماء هل قربنا منها ففتح و نظر فقال ان السماء کهیئتها ثم قال له افتح الباب الاسفل فانظر الی الارض کیف تراها ففتح و نظر فقال أری الارض مثل اللجة و الجبال مثل الدخان قال فطارت النسور یوما آخر و ارتفعت حتی حالت الریح بینها و بین الطیران فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الأعلی ففتح فاذا السماء کهیئتها و فتح الباب الاسفل فاذا الارض سوداء مظلمة و نودی أیها الطاغی أین ترید فأمر عند ذلک صاحبه فرمی بسهم قال عکرمة و کان معه فی التابوت غلام قد حمل القوس و النشاب فأخذ منه القوس فرمی بسهم فعاد إلیه السهم ملطخا بالدم فقال کفیت شغل إله السماء و اختلف فی ذلک السهم بأی شی‌ء تلطخ فقیل بدم سمکة قذفت نفسها من بحر معلق فی الهواء فلذا رفع الذبح عن السمک و قیل بدم طائر أصابه السهم فتلطخ بدمه و ذلک استدراج و مکر من اللّه تعالی و لما رجع إلیه السهم ملطخا أمر نمروذ صاحبه أن یصوّب الخشبات المنصوبة فوق التابوت الی أسفل و ینکس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال هفیف التابوت و النسور ففزعت و ظنت أنه قد حدث حدث فی السماء و ان الساعة قد قامت فکادت تزول عن أماکنها فذلک قوله تعالی و ان کان مکرهم لتزول منه الجبال و حکی ذلک عن علیّ فی معنی الآیة أی أنها نزلت فی نمروذ الجبار الذی حاج ابراهیم فی ربه کذا فی معالم التنزیل و استبعد بعض العلماء هذه الحکایة و قال لان الخطر فیه عظیم و لا یکاد عاقل أن یقدم علی مثل هذا الامر العظیم و لیس فیه خبر صحیح یعتمد علیه و لا مناسبة لهذه الحکایة بتأویل الآیة کذا فی لباب التأویل* و کان طیرانهنّ من بیت المقدس و وقوعهنّ فی جبل الدخان فلمّا رأی أنه لا یطیق شیئا أخذ فی بنیان الصرح ثم أرسل اللّه ریحا علی صرح نمروذ فألقت رأسه فی البحر فانکفأت بیوتهم و أخذت الرجفة نمروذ و تبلبلت ألسن الناس حین سقط الصرح من الفزع فتکلموا بثلاثة و سبعین لسانا فلذلک سمیت بابل أی لتبلبل الالسن بها و کان لسان الناس قبل ذلک سریانیا کذا فی الکامل* و فی بحر العلوم لما ملک نمروذ کل الارض و طغی و اتخذ النسور و صعد الهواء یطلب ملک السماء و عمل صرحا و زعم أنه یحارب إله السماء و رمی نزل جبریل و قال لإبراهیم ان اللّه تعالی یقول لک اختر لمحاربتک ما شئت من الجیوش فانی معین لک علی ما عنیت فاختار البعوض فأوحی اللّه تعالی الی ابراهیم لو لم تختر هذا لاهلکناه بشی‌ء لا یزن سبعون من ذلک جناح بعوضة فعبی نمروذ جیشه أربعة فراسخ فی أربعة فراسخ فأمر اللّه ملک البعوض حتی أخرج جیش البعوض فخرجت بحیث ملأت الهواء و سترت السماء فوقعت فیهم فأکلت خناجرهم و دروعهم و أسلحتهم و شعورهم و جلودهم و لحومهم و عظامهم فهرب نمروذ و دخل صرحه فسلط اللّه علیه شق بعوضة فجعل یطیر فی وجهه سبعة أیام و هو یقصد أخذها فلا یقدر علیها ثم جلست علی شفته فعضتها فورمت ثم دخلت أنفه فاجتهدوا فی اخراجها بکل حیلة فلم یقدروا و کانت تأکل دماغه و هو یحتال بکل علاج فلا یقدر علی الاخراج* و فی روایة کعب أنها بقیت فی دماغه أربعمائة سنة کذا فی العرائس و کان عمره قبل ذلک فی ملکه أربعمائة سنة و لو تاب لتاب اللّه علیه لکن تمادی فی العناد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:85
و أصر علی الفساد و ما اللّه یرید ظلما للعباد* و کان أمر بمدقة فأحضرت فکان یضرب بها علی رأسه بقوّة فتسکن البعوضة لذلک ساعة فیستریح به ثم تعود الی أن دخل علیه بعض من خواصه یوما فأمر بضربه فضربه بالمدقة و بالغ فشج رأسه و دمغ فزهق الملعوب و قیل ضجر الملعون فضرب رأسه بالجدار حتی انشقت هامته و قامت قیامته فأمر اللّه جبریل فخسف بصرحه و بما فیه الارض فهو یتجلجل فیها الی یوم القیامة* و فی حیاة الحیوان قال وهب بن منبه لما أرسل اللّه تعالی البعوض علی نمروذ اجتمع منه فی عسکره ما لا یحصی عددا فلما عاین نمروذ ذلک انفرد عن جیشه و دخل بیته و أغلق الابواب و أرخی الستور و نام علی قفاه متفکرا فدخلت بعوضة فی أنفه و منخره و صعدت الی دماغه فتغذت بدماغه أربعین یوما الی أن کاد یضرب برأسه الارض و کان أعز الناس عنده من یضرب رأسه ثم سقطت منه کالفرخ و هی تقول کذلک یسلط اللّه رسله علی من یشاء من عباده ثم هلک حینئذ* قال ابن اسحاق و لما نجی اللّه ابراهیم من نمروذ الجبار و احراق النار استجاب له رجال من قومه حین رأوا ما صنع اللّه به من جعل النار علیه بردا و سلاما و أسلم خلق کثیر علی خوف من نمروذ و قومه و آمن له لوط و قیل هو أوّل من صدّقه و کان ابن أخیه هاران و هو لوط بن هاران بن تارخ و هاران أخو ابراهیم و کان له أخ ثالث یقال له ناحور و هو جدّ لقمان الحکیم کما مرّ و قیل أوّل من آمن بابراهیم بعد خروجه من النار سارة بنت هاران قالت یا ابراهیم آمنت باله جعل النار علیک بردا و سلاما فقالت أم ابراهیم أ لا تخشین قتلک قالت کیف أخاف و قد آمنت برب ابراهیم و لما رجع ابراهیم الی منزله نکحها و کانت من أجمل نساء أهل زمانها قیل کان حسن یوسف ثلث حسن سارة و اختلف المؤرّخون فی هاران أبی سارة فبعضهم علی أنه ملک حرّان و نکح ابراهیم ابنته سارة حین هاجر من وطنه الی حرّان و قال بعضهم هو أخو ابراهیم و کان نکاح بنت الاخ جائزا فی شریعتهم و بعضهم علی أنه هاران الاکبر عم ابراهیم و کان اسم عمه و أخیه متوافقین و اللّه أعلم* و فی عرائس الثعلبی سارة بنت ناحور روی أن النمروذ بینما کانوا یأتمرون أن یکیدوا لإبراهیم کیدا و یعذبوه بنوع آخر فأخبره بمکرهم ابن أخیه لوط بن هاران فخرج من کوثی أرض العراق مهاجرا الی ربه و سار بأهله سارة و معه لوط یلتمس الفرار بدینه و الامان علی عبادة ربه و خرج معهم آزر أبو ابراهیم و کان مقیما علی کفره و لما نزلوا حران مات بها آزر علی کفره فمکث بها ابراهیم ما شاء اللّه ثم خرج منها بمن معه فنزل الرها و یقال بعلبک ثم خرج منها الی الشام فوجد بها الجوع فسار الی مصر فوجدوا فیها فرعونا من فراعنتها یقال له سنان بن علوان من أولاد سام بن نوح علیه السلام ثم خرجوا الی الشام فنزل ابراهیم السبع من أرض فلسطین و هی بریة الشام و نزل لوط الاردن فأرسله اللّه نبیا الی أهل سدوم و ما یلیها و کانوا أهل کفر و فواحش و سیجی‌ء بقیة قصة لوط و قال مقاتل هاجر ابراهیم و هو ابن خمس و سبعین سنة*

ذکر سارة

روی أن ابراهیم لما هاجر من أرض بابل اتخذ تابوتا لسارة و کانت من أحسن النساء وجها تشبه حوّاء فی حسنها فأدخلها التابوت و حملها معه و کان ممرّه علی عشار فعشر ماله حتی بلغ التابوت فقال افتحه حتی أقوّم ما فیه و أعشره قال ابراهیم لا یمکننی فتحه هب أن ما فیه کله دیباج و حریر فاعشره فأبی ذلک قال هب أنه دراهم و دنانیر و جواهر فأعشرها فأبی الا الفتح ففتح ابراهیم باب التابوت فاذا فیه امرأة حسناء لم یر الناس مثلها فأخبر بها ملکه و کان یمیل الی النساء قال السهیلی اسمه صاروف ملک الاردن و کانت هاجر له فسأل ابراهیم من أین لک هذه المرأة قال هی أخت لی و خاف أن لو قال امرأتی یقتله و أراد بالاخت الاخت فی الاسلام فأرسل إلیها فأخذها منه عجبا منه لجمالها فأدخلها فی قصره و بقی ابراهیم خارج القصر متحیرا فجعل اللّه حیطان القصر شفافة کالزجاج حتی یری ابراهیم باطنها من ظاهرها فلما دنا الملک منها رأی وجها لم یر مثله قط فمدّ یده إلیها لیضمّها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:86
الی نفسه فیبست یده و جعل سقف البیت و جدر انه تتحرّک فخاف علی نفسه فابتدر الی صحن الدار فانهدم البیت فسألها الملک فأخبرته أنها امرأة ابراهیم و انه رجل صالح فقال لها ادعی اللّه أن یعافینی و یبرئ یدی فدعت فشفیت ثم هم بهما فیبست یداه و قیل فصر مکانه و هکذا الی ثلاث مرّات ثم وهب لها جاریة اسمها هاجر*

ذکر هاجر

قال ابن هشام تقول العرب هاجر و آجر فتبدل الالف من الهاء کما قالوا هراق الماء و أراق الماء و غیره و هاجر من أهل أرض مصر* قال ابن لهیعة هاجر من أرض العرب من قریة کانت أمام القری من أرض مصر کذا فی سیرة ابن هشام یقال ان هاجر کانت قبل الرق بنت ملک من ملوک القبط فأخدمها ایاها و خلی سبیلها و قال هذه لک لما نظرت الی شعرک و کان ابراهیم یری تلک الاحوال من وراء الجدار و کان لا یولد له من سارة ولد فوهبت هاجر له و قالت عسی اللّه أن یرزقک منها ولدا فحملت هاجر باسماعیل و ولدته* و فی سیرة مغلطای تفسیره مطیع اللّه و هو الذبیح و یلقب اعراق الثری و أما لوط بن هاران بن تارخ فنزل المؤتفکة و بینها و بین السبع منزل ابراهیم مسیرة یوم و لیلة* و فی أنوار التنزیل المؤتفکات قریات قوم لوط ائتفکت بهم أی انقلبت فصار عالیها سافلها و أمطروا حجارة من سجیل* و فی ضبط أسمائها اختلاف ففی العمدة المؤتفکات مدائن قوم لوط و هی سادوما و داروما و عامورا و صبورا و سدوم قیل کانت فی أرض العجم فی مفازة بین سجستان و کرمان و لم یتحقق بل التحقیق أنها کانت فی أرض العرب و کانت خمس مدائن صنعه و صعوه و عمره و حزره و سدوم* و فی بعض التفاسیر سدوما و هی أعظم مدائنهم و عامورا و داروما و صابورا و صعورا و کان فی کل مدینة ألف ألف انسان فبعث اللّه لوطا إلیهم قال اللّه تعالی و نجیناه و لوطا الی الارض التی بارکنا فیها للعالمین یعنی الشام بارک اللّه فیها بالخصب و کثرة الاشجار و الاثمار و الانهار یطیب فیها عیش الغنیّ و الفقیر و بعث اللّه أکثر الأنبیاء منها* عن أبیّ بن کعب انما سماها اللّه مبارکة لانه ما من ماء عذب الا و ینبع أصله من تحت صخرة بیت المقدس و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول انها ستکون هجرة بعد هجرة فخیار الناس الی مهاجر ابراهیم* و فی الحدیث طوبی لاهل الشام قیل و لم ذلک قال لان ملائکة الرحمن باسطة أجنحتها علیه کذا فی العمدة* و فی الکشاف قیل کانت المؤتفکة خمس مدائن و قیل کانوا أربعة آلاف بین الشام و المدینة فأمطر اللّه علیهم الکبریت و النار و قیل خسف بالمقیمین و أمطرت الحجارة علی مسافریهم و شذاذهم و قیل أمطرت علیهم ثم خسف بهم و روی أن تاجرا منهم کان فی الحرم فوقف له الحجر أربعین یوما حتی قضی تجارته و خرج من الحرم فوقع علیه* و فی العرائس جاءه الحجر لیصیبه فمنعته ملائکة الحرم و ردّوه و قالوا له ارجع فان الرجل فی حرم اللّه فحجز الحجر و بقی خارجا عن مکة أربعین یوما معلقا فی السماء فلما قضی الرجل حاجته و خرج من الحرم أصابه الحجر فقتله* و فی لباب التأویل قال ابن جریج کان فی قری قوم لوط أربعة آلاف ألف و فیه أیضا قری قوم لوط خمس مدائن أکبرها سدوم و هی المؤتفکات و یقال کان فیها أربعمائة ألف و قیل أربعة آلاف ألف* و فی العرائس کانت مدائن قوم لوط خمسا سادوما و عامورا و داروما و صبورا ثم سدوم کما مرّ من روایة العمدة و هی القریة العظمی و کان فی هذه القریة أربعون ألف فقیر فلما أصبحوا أدخل جبریل جناحه تحت قراهم الاربع و فی کل قریة مائة ألف أو یزیدون ثم رفعها علی خافقة من جناحه و فی روایة فاقتلع أرضهم من سبع أرضین فحملها حتی بلغ بها الی السماء الدنیا حتی سمع أهل السماء الدنیا نباح کلابهم و صراخ دیوکهم و لم یکفأ لهم اناء و لم ینتبه نائم ثم قلبها و جعل عالیها سافلها فلهذا سمیت المؤتفکات أی المنقلبات و کان هؤلاء یأتون الذکران و ما سبقهم بها أحد من العالمین و أما القریة الخامسة فانها نجت من العذاب لانها آمنت و کانت امرأة لوط موالیة لاهل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:87
سدوم و سمعت بالهدّة فالتفتت و قالت وا قوماه فأتاها حجر فقتلها و قال خلف مسخت حجرا و کانت تسمی هلسفع و قیل واعلة و عن ابن عیاش قال سألت أبا جعفر أعذب اللّه نساء قوم لوط بذنوب رجالهم قال ان اللّه تعالی أعدل من ذلک و انما استغنی الرجال بالرجال و النساء بالنساء فوجبت العقوبة علیهم جمیعا و عن ابن سعید قال انما فعل ذلک من قوم لوط نیف و ثلاثون رجلا لا یبلغون الاربعین فأهلکهم اللّه تعالی جمیعا و کان ذلک بعد ما مضی تسع و تسعون سنة من عمر ابراهیم علیه السلام*

(ذکر الشام و الارض المقدّسة و القدس و الخلیل)

* فی الانس الجلیل فی تاریخ القدس و الخلیل أن الاوائل قسموا الشام خمسة أقسام الشام الاولی فلسطین بکسر الفاء و فتح اللام سمیت بذلک لان أوّل من نزلها فلسطین من أولاد یونان بن یافث بن نوح و واسطة بلدها الرملة فهی أرض سهلة کثیرة الاشجار و النخیل و حولها مزارع و مغارس کثیرة و هی من جملة الثغور فان البحر المالح قریب منها نحو نصف برید من جهة الغرب و کانت فی عهد بنی اسرائیل متسعة عظیمة البناء و کان جالوت أحد جبابرة الکنعانیین ملکه بجوار فلسطین* و فی أنوار التنزیل أن جالوت و من معه من العمالقة کانوا یسکنون ساحل بحر الروم بین مصر و فلسطین فظهروا علی بنی اسرائیل فأخذوا دیارهم و سبوا أولادهم و أسروا من أولاد الملوک أربعمائة و أربعین و ان یونس أقام بها ثم توجه الی بیت المقدس یعبد اللّه فیه و بظاهرها من جهة الشمال علی مسافة قریبة منها لدّ و کان منزلا جمیلا فیه ناس یعمرونه و کانت تنزل فیه القوافل الواصلة من مصر الی الشام و فی الحدیث ان عیسی ابن مریم یقتل الدجال بباب لد و کان بلد کنیسة محکمة البناء و للنصاری بها اعتقاد و قد خربها الملک صلاح الدین و بظاهر لدّ من جهة المشرق مشهد یقال ان به قبر عبد الرحمن بن عوف الصحابی و أوّل حدود فلسطین من طریق مصرامج و هو العریش ثم یلیها غزة ثم رملة و من مدن فلسطین ایلیاء بالمدّ ککبریاء و حکی فیها القصر و هی مدینة بیت المقدس و من أسمائها شلم بالشین المعجمة و تشدید اللام و یروی بالمهملة و کسر اللام و یروی سلم معناه بالعبرانیة دار السلام* و فی بعض الکتب دعیت بیت المقدس اوری سلم و دعیت الجنة دار السلام و صهیون بکسر الصاد کذا فی الانس الجلیل و بینها و بین الرملة ستة فراسخ و هی ثمانیة عشر میلا صخار و وهاد و من مدن فلسطین عسقلان و نابلس و مدینة ابراهیم الخلیل و مسافة فلسطین من امج الی حدّ اللجون للراکب المجدّ یومان و أما سیر الاثقال فأکثر من أربعة أیام و عرضها من یافا الی أریحاء مسافة یومین و اللّه أعلم و الشام الثانیة الحوران و مدینته العظمی طبریة و الشام الثالثة الغوطة و مدینتها العظمی دمشق و الشام الرابعة حمص و توابعها و الشام الخامسة قنسرین و مدینته العظمی حلب و أما قسمة حدود الارض المقدّسة من الشام فحدّها القبلی أرض الحجاز یفصل بینهما جبال سوری و هی جبال منیعة بینها و بین أیلة نحو مرحلة و سطح أیلة هو أوّل حدود الحجاز و هی من تیه بنی اسرائیل و بینها و بین بیت المقدس نحو ثمانیة أیام بسیر الاثقال* و فی الکشاف بلاد التیه ما بین بیت المقدس الی قنسرین و هی اثنا عشر فرسخا فی ثمانیة فراسخ و حدّها الشرقی من بعد دومة الجندل بریة السماوة و هی کبیرة ممتدّة الی العراق ینزلها عرب الشام و مسافتها عن بیت المقدس نحو مسافة أیلة و حدّها الشمالی مما یلی الشرق نهر الفرات علی قول الحافظ الذهبی مؤرّخ الشام و مسافته عن بیت المقدس نحو عشرین یوما بسیر الاثقال فیدخل فی هذا الحدّ المملکة الشامیة بکمالها و حدّها الغربی بحر الروم و هو البحر المالح و مسافته من بیت المقدس من جهة فلسطین نحو یومین و حدّها الجنوبی رملة مصر و العریش و مسافته من بیت المقدس نحو خمسة أیام بسیر الاثقال ثم یلیه تیه بنی اسرائیل و طور سیناء و یمتدّ من تلک الجهة الی تبوک ثم الی دومة الجندل المتصلة بالحدّ الشرقی و من الارض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:88
المقدّسة أریحاء و اذرعات و تیماء و نابلس و أریحاء مدینة الجبارین و هی شرقی بیت المقدس بقرب نهر الاردن و هو النهر المذکور فی القرآن فی قوله تعالی ان اللّه مبتلیکم بنهر فی قصة طالوت و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قد اجلی الیهود من المدینة فخرجوا الی الشام الی أذرعات و أریحاء و أجلی آخرهم عمر بن الخطاب من أرض الحجاز الی تیماء و أریحاء و قد صارت أریحاء قریة من قری بیت المقدس و نابلس مدینة بالارض المقدّسة مقابل بیت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو یومین بسیر الاثقال خرج منها کثیر من العلماء و هی کثیرة الاعین و الاشجار و الفواکه معظم الاشجار فیها الزیتون و أما حدود بیت المقدس عرفا مما یطلق علیه عمل القدس و یسوغ لقضاة القدس الحکم فیه فمن جهة القبلة عمل بلد ابراهیم علیه السلام و یفصل بینهما قریة سبعین و ما حاذاه من عمل القدس و من جهة المشرق نهر الاردن المذکور فی قصة طالوت و من جهة الشمال مدینة نابلس یفصل بینهما قریتا سنجل و عزرن و هما من أعمال القدس و تتمة الحدّ رأس وادی بنی زید و هو من أعمال الرملة و من جهة الغرب مما یلی الرملة قریة بیت نوبة و هی من أعمال القدس و مما یلی مدینة غزة قریة عجورا بالراء المهملة و هی من أعمال غزة و غزة من أحسن المدن المجاورة لبیت المقدس و فیها ولد سلیمان ابن داود علیهما الصلاة و السلام و الامام الشافعی محمد بن ادریس رضی اللّه عنه و هی من الثغور أیضا فان البحر المالح قریب منها و هی کثیرة الاشجار و النخیل و الفواکه و عن ابن الزبیر طوبی لمن سکن احدی العروسین عسقلان و غزة

* (ذکر أولیة البیت الحرام و رکنه المستلم و المقام و من تولی بناءه من الملائکة و الأنبیاء الکرام و من دونهم من سائر الامم و الانام و بدء ظهور زمزم فی عهد اسماعیل علیه السلام)

* قال اللّه تعالی ان أوّل بیت وضع للناس للذی ببکة مبارکا و هدی للعالمین الآیة* و فی الصحیح من حدیث أبی ذرّ الغفاری أنه سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی مسجد وضع فی الارض أوّل فقال له المسجد الحرام قال قلت ثم أی قال المسجد الاقصی قال قلت کم بینهما قال أربعون عاما و ذکر الزبیر بن بکار باسناده الی جعفر الصادق أن رجلا سأل أبا محمد الباقر بمکة فی لیالی العشر قبل الترویة فی الحجر و کان السائل الخضر فقال له یا أبا جعفر أخبرنی عن بدء خلق هذا البیت کیف کان قال بدء خلق هذا البیت ان اللّه تعالی قال للملائکة انی جاعل فی الارض خلیفة فردّوا علیه أ تجعل فیها من یفسد فیها الآیة و غضب علیهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف یسترضون ربهم فرضی عنهم و قال لهم ابنوا لی فی الارض بیتا فیعوذ به من سخطت علیه من بنی آدم و یطوفون حوله کما فعلتم بعرشی فأرضی عنهم فبنوا له هذا البیت فهذا بدء خلق هذا البیت قال الازرقی فی تاریخه ان ذلک قبل خلق آدم لما روی عن زین العابدین علی بن الحسین أن اللّه تعالی وضع بیتا تحت العرش و هو البیت المعمور و أمر الملائکة أن یطوفوا به ثم أمر الملائکة الذین هم سکان الارض أن یبنوا فی الارض بیتا بحیاله علی قدره و مثاله فبنوا و أمر من فی الارض أن یطوفوا به کما یطوف أهل السماء بالبیت المعمور* و فی حدیث جعفر الصادق المتقدّم فقال الرجل یا أبا جعفر فما بدء خلق هذا الرکن فقال ان اللّه تبارک و تعالی لما خلق الخلق قال لبنی آدم أ لست بربکم قالوا بلی و أقروا و أجری نهرا أحلی من العسل و ألذ من الزبد ثم امر القلم فاستمدّ من ذلک النهر فکتب اقرارهم و ما هو کائن الی یوم القیامة ثم ألقم ذلک الکتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذی تری انما هو بیعة علی اقرارهم بالذی کانوا أقرّوا به* و قال جعفر بن محمد کان أبی اذا استلم الرکن قال اللهم أمانتی أدّیتها و میثاقی وفیت به لیشهد لی عندک بالوفاء* و خرج الترمذی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:89
من حدیث عبد اللّه بن عباس و صححه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نزل الحجر الاسود من الجنة و هو أشدّ بیاضا من اللبن فسوّدته خطایا بنی آدم* و فی تاریخ الازرقی فاسودّ من لمس الحیض فی الجاهلیة* و من حدیث عبد اللّه بن عمر موقوفا و مرفوعا قال الرکن و المقام یاقوتتان من یاقوت الجنة طمس اللّه نورهما و لو لم یطمس نورهما لأضاءا ما بین المشرق و المغرب* و من حدیث ابن عباس أیضا قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الحجر الاسود و اللّه لیبعثنه اللّه یوم القیامة له عینان یبصر بهما و لسان ینطق به یشهد علی من استلمه بحق* و فی الخبر الرکن و المقام یاقوتتان من یواقیت الجنة انزلا فوضعا علی الصفا فأضاء نورهما لاهل الارض ما بین المشرق و المغرب کما یضی‌ء المصباح فی اللیل المظلم یؤمن الروعة و یستأنس بهما و یبعثان یوم القیامة و هما فی العظم مثل أبی قبیس یشهدان لمن وافاهما بالوفاء و رفع النور عنهما و غیر حسنهما و وضعا حیث هما فیه* و ذکر أبو جعفر محمد بن جریر الطبری من حدیث عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه یقول ان آدم علیه السلام لما أهبط الی الارض فرأی سعتها و لم یر فیها أحدا غیره قال یا رب ما لأرضک هذه عامر یسبح و یقدّس لک غیری قال اللّه تعالی انی سأجعل فیها من ولدک من یسبح بحمدی و یقدّسنی و سأجعل فیها بیوتا یرفع فیها ذکری و یسبح فیها خلقی و یذکر فیها اسمی و سأجعل بیتا من تلک البیوت أخصه بکرامتی و أوثره باسمی و أسمیه بیتی و علیه وضعت جلالی ثم انا مع ذلک فی کل شی‌ء أجعل ذلک البیت حرما آمنا یتحرّم بحرمته من حوله و من تحته و من فوقه و من حرمه بحرمتی استوجب بذلک کرامتی و من أخاف أهله فقد أخفر ذمّتی و أباح حرمتی أجعله أوّل بیت وضع للناس ببطن مکة مبارکا یأتونه شعثا غبرا علی کل ضامر من کل فج عمیق یزجون بالتلبیة زجیجا و یثجون بالبکاء ثجیجا و یعجون بالتکبیر عجیجا فمن اعتمره لا یرید غیره فقد وفد الیّ و زارنی و ضافنی و حق علی الکریم أن یکرم وفده و أضیافه و أن یسعف کلا بحاجته تعمره یا آدم ما کنت حیا ثم تعمره الامم و القرون من الأنبیاء من ولدک أمّة بعد أمّة و قرنا بعد قرن* و فی حدیث ابن عباس بعد قوله و یسبح فیها خلقی و سأبوّئک منها بیتا أخصه بکرامتی و أحوزه لنفسی و أوثره علی بیوت الارض کلها و أحرزه بحرمی و أجعله أحق بیوت الارض کلها عندی و أولی بکرامتی أضعه فی البقعة التی اخترت لنفسی فانی اخترت مکانه یوم خلقت السموات و الارض* و عن عطاء و قتادة ان آدم علیه السلام لما أهبطه اللّه من الجنة و فقد ما کان یسمعه و یأنس إلیه من أصوات الملائکة و تسبیحهم استوحش حتی شکا ذلک الی اللّه تعالی فی دعائه و صلاته فوجهه الی مکة و أنزل اللّه تعالی یاقوتة من یاقوت الجنة لها بابان من زمرّد أخضر باب شرقی و باب غربی فکانت علی موضع البیت الآن و قال اللّه یا آدم انی أهبطت لک بیتا تطوف به کما یطاف حول العرش و تصلی عنده کما یصلی عند عرشی فانطلق إلیه آدم فطاف به هو و من بعده من الأنبیاء الی أن کان الطوفان فرفعت تلک الیاقوتة حتی أمر اللّه ابراهیم علیه السلام ببناء البیت فبناه فذلک قوله تعالی و اذ بوّأنا لإبراهیم مکان البیت الآیة* و فی زبدة الاعمال مختصر تاریخ الازرقی عن عثمان بن ساج قال بلغنی أن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه قال لکعب یا کعب أخبرنی عن البیت الحرام قال کعب أنزل اللّه تعالی من السماء یاقوتة مجوّفة مع آدم فقال یا آدم ان هذا بیتی أنزلته معک یطاف حوله کما یطاف حول عرشی و یصلی حوله کما یصلی حول العرش و نزل معه الملائکة فرفعوا قواعده من الحجارة ثم وضع البیت علیها و کان آدم یطوف حوله کما یطاف حول العرش و یصلی عنده کما یصلی عند العرش فلما أغرق اللّه تعالی قوم نوح رفعه اللّه تعالی الی السماء و بقیت قواعده* و عن عثمان بن ساج عن وهب أنه وجد فی التوراة أن بیتا فی السماء بحیال الکعبة اسمه رضاض و هو البیت المعمور یرده کل یوم سبعون ألف ملک لا یعودون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:90
إلیه أبدا و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البیت الذی فی السماء یقال له الضراح و هو مثل بناء البیت الحرام و لو سقط لسقط علیه یدخله کل یوم سبعون ألف ملک لا یعودون إلیه الی یوم القیامة* و عن ابن عباس ان اللّه تعالی أوحی الی آدم ان لی حرما بحیال عرشی فانطلق فابن لی بیتا فیه ثم جف به کما رأیت الملائکة یحفون بعرشی فهنا لک استجیب لک و لولدک من کان منهم علی طاعتی فقال آدم أی رب و کیف لی بذلک لست أقوی علیه و لا أهتدی لمکانه فقیض اللّه له ملکا فانطلق به نحو مکة فکان آدم علیه السلام اذا مرّ بروضة أو مکان یعجبه قال للملک انزل بناها هنا فیقول له الملک أمامک حتی قدم مکة فبنی البیت من خمسة أجبل من طور سیناء و حراء و طور زیتاء و من لبنان و الجودی* و فی روایة وهب بن منبه و ثبیر و أحد بدل لبنان و الجودی انتهی* و بنی قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملک الی عرفات فأراه المناسک کلها التی یفعلها الناس الیوم* و فی روایة قال ابن عباس انما سمی عرفات جمعا لانه اجتمع بها آدم و حوّاء* و فی أنوار التنزیل انما سمی الموقف عرفة لان آدم و حوّاء التقیا فیه فتعارفا أو لانه نعت لإبراهیم علیه السلام فلما أبصره عرفه أو لانّ جبریل کان یدور به فی المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لانّ الناس یتعارفون فیه* و عرفات للمبالغة فی ذلک و هی من الاسماء المرتجلة الا أن یجعل جمع عرفة فحج آدم و أقام المناسک قال وهب بن منبه تلقته الملائکة بالابطح فرحبت به و قالت یا آدم انا لننتظرک و لقد حججنا هذا البیت قبلک بألفی عام ثم قدم به الملک مکة فطاف بالبیت أسبوعا ثم رجع الی أرض الهند فمات بها* و فی روایة عن ابن عباس حج آدم من الهند أربعین حجة قال أبو یحیی قلت لابن عباس أ کان یرکب آدم قال أی شی‌ء یحمله فو اللّه ان خطوته مسیرة ثلاثة أیام کذا فی العرائس* و ذکر الواقدیّ عن أبی بکر بن سلیمان بن أبی خیثمة العدوی قال قلت لابی جهم بن حذیفة یا عمّ حدّثنی عن بناء البیت و نزول آدم علیه السلام الحرم قال یا ابن أخی سلنی علی نشاط منی فانی أعلم ما لا یعلمه غیری فمکثت شهرا أذکره المرّة بعد المرّة فیقول مثل قوله الاوّل و کان قد کبر ورق و ضعف فدخلت علیه یوما و هو مسرور فقال اسمع حدیثک الذی سألتنی عنه ان البیت حذاؤه حزم فی السماء السابعة و فی الارض السابعة یعنی ان ما یقابله حرم* روی النووی فی إیضاح المناسک عن مجاهد ان هذا البیت أربعة عشر بیتا فی کل سماء بیت و فی کل أرض بیت بعضهنّ مقابل بعض* و عن لیث بن معاذ قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هذا خامس عشر بیتا سبعة منها فی السماء الی العرش و سبعة منها الی تخوم الارض السفلی و أعلاها الذی فی العرش البیت المعمور و لکل بیت منها حرم کحرم هذا البیت لو سقط منها بیت لسقط بعضها علی بعض الی تخوم الارض السفلی و لکل بیت من أهل السماء و أهل الارض من یعمره کما یعمر هذا البیت ذکره فی زبدة الاعمال* قال أبو جهم و ان آدم علیه السلام أمر بأساسه فبناه هو و حوّاء و أسساه بصخر أمثال الخلفات یعنی النوق التی فی بطونها أجنة واحدتها خلفة أذن اللّه للصخر أن یطیعهما ثم نزل البیت من السماء من ذهب أحمر و وکل به من الملائکة سبعون ألف ملک فوضعوه علی أس آدم علیه السلام و نزل الرکن و هو یومئذ درّة بیضاء فوضع موضعه الیوم من البیت و طاف به آدم و صلّی فیه فلما مات آدم علیه السلام ولیه بعده ابنه شیث فکان کذلک حتی حجه نوح علیه السلام فلما کان الغرق یعنی الطوفان بعث اللّه تعالی سبعین ألف ملک فرفعوه الی السماء کی لا یصیبه الماء النجس و بقیت قواعده و جاءت السفینة فدارت به سبعا ثم دثر البیت فلم یحجه من بین نوح و بین ابراهیم أحد من الأنبیاء علیهم الصلاة و السلام* و فی شفاء الغرام عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعث اللّه عز و جل جبریل الی آدم و حوّاء فقال لهما ابنیا لی بیتا فحط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:91
لهما جبریل فجعل آدم یحفر و حوّاء تنقل التراب حتی أصابه الماء نودی من تحته حسبک یا آدم فلما بناه أوحی اللّه تعالی إلیه أن یطوف به و قیل له أنت أوّل الناس و هذا أوّل بیت تناسخته القرون* و فی تشویق الساجد فهبطت علی آدم الملائکة فحفر حتی بلغ الارض السابعة فقذفت الملائکة فیه الصخر حتی أشرف علی وجه الارض و هبط بیاقوتة حمراء لها أربعة أرکان بیض فوضعها علی الاساس فلم تزل الیاقوتة کذلک حتی کان زمن الغرق فرفعها اللّه سبحانه و تعالی* و فی تاریخ الازرقی عن مقاتل یرفع الحدیث الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی حدیث حدّثه به آدم قال أی رب انی أعرف شقوتی انی لا أری شیئا من نورک فأنزل اللّه البیت المعمور علی عرض البیت و موضعه من یاقوتة حمراء و لکن طولها کما بین السماء و الارض و أمره أن یطوف بها و أذهب اللّه عنه الغم الذی کان یجده قبل ذلک ثم رفع علی عهد نوح علیه السلام کذا فی شفاء الغرام* و فی بحر العلوم أنزل اللّه خیمة من خیام الجنة فوضعها له بمکة موضع البیت قبل أن تکون الکعبة و تلک الخیمة یاقوتة حمراء من یواقیت الجنة فیها ثلاث قنادیل من ذهب لها بابان شرقی و غربی من ذهب منظومان من درّ الجنة فیها نور یلتهب من الجنة و نزل معها الرکن یومئذ و هو یاقوتة بیضاء من یواقیت الجنة و کان کرسیا لآدم یجلس علیه* و فی بهجة الانوار ان الحجر الاسود کان فی الابتداء ملکا صالحا و لما خلق اللّه آدم زینه و أسکنه الجنة و أباح له الجنة کلها الا الشجرة التی نهاه اللّه عنها و شرط معه و أشهد علی ذلک ملکا و ذلک قوله تعالی و لقد عهدنا الی آدم من قبل فنسی و لم نجد له عزما ثم جعل ذلک الملک موکلا علی آدم حتی لا ینسی عهد ربه و کلما خطر بباله أن یأکل من الشجرة نهاه الملک فلما قدّر اللّه أن یأکل منها غاب عنه الملک فأکلا منها فطارت عنه الحلل و أخرج من الجنة فلما رجع الملک وجده قد نقض عهد ربه فنظر اللّه الی ذلک الملک بالهیبة فصار جوهرا و ذلک أن اللّه تعالی لم یرض عن الملک غیبته و قال له أنت هتکت ستر آدم و عزتی و جلالی لأجعلنک حجرا أ لا تری انه جاء فی الحدیث ان الحجر الاسود یأتی یوم القیامة و له ید و لسان و أذن و عین لانه کان فی الابتداء ملکا* قال وهب ان آدم لما صار بمکة حرسه اللّه و حرس تلک الخیمة بالملائکة یحرسونه و یذودون عنه سکان الارض و سکانها یومئذ الجنّ و الشیاطین فلا ینبغی لهم أن ینظروا الی شی‌ء من الجنة لانّ من ینظر الی شی‌ء من الجنة وجبت له الجنة و الارض یومئذ طاهرة نقیة طیبة لم تنجس و لم یسفک فیها الدماء و لم تعمل فیها الخطایا فمن أجل ذلک جعلها اللّه مستقرّ الملائکة و جعلهم فیها کما کانوا فی السماء یسبحون اللیل و النهار لا یفترون و کان موقفهم علی أعلام الحرم صفا واحدا مستدیرا محیطا بالحرم و الحل کله من خلفهم و الحرم کله دونهم* و قال ابن عباس ان للحرم حرمة البیت الی السموات ثم الی العرش و الی الارض السفلی فلا یجوزها جنّ و لا شیطان من أجل مقام الملائکة حرم اللّه الحرم حتی الیوم و وضعت أعلامه حیث کان مقام الملائکة* و فی مناسک السروجی أوّل من حدّد الحرم آدم علیه السلام خوفا من الشیاطین فخفت ملائکة علی حدوده تمنع الشیاطین ثم حدّده ابراهیم علیه السلام و جبریل یریه مواضعه ثم قضی ثم أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کعب بن أسد بذلک ثم حدّده عمر ثم عثمان ثم معاویة رضی اللّه عنهم ثم عبد الملک بن مروان لما حج قال أبو جعفر الهندوانی مقدار الحرم من جانب المشرق ستة أمیال و من الجانب الثانی اثنا عشر میلا قال صاحب المحیط و فیه نظر فان ذلک هو التنعیم قریب من ثلاثة أمیال و من الجانب الثالث ثمانیة عشر میلا و من الجانب الرابع أربعة و عشرون میلا و حدّه المحرّر من طریق المدینة دون التنعیم عند بیوت نفار بکسر النون و بالفاء علی ثلاثة أمیال و من طریق الیمن اضاة لبن فی ثنیة لبن علی وزن قناة و لبن بکسر اللام و بالباء الموحدة علی سبعة أمیال و من طریق العراق علی ثنیة جبل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:92
بالمنقطع علی سبعة أمیال و من طریق الجعرّانة فی شعب آل عبد اللّه بن خالد علی تسعة أمیال بالتاء قبل السین و من طریق جدّة منقطع الاعشاش جمع عش علی عشرة أمیال و من طریق الطائف علی عرفات من بطن نمرة علی سبعة أمیال هکذا ذکره الازرقی و جماعة غیر أن الازرقی قال فی حدّه من طریق الطائف أحد عشر میلا و أکثرهم قالوا سبعة أمیال قال و ان خیمة آدم لم تزل فی مکانها حتی قبض اللّه آدم ثم رفعها اللّه و بنی بنو آدم بعده فی موضعها بیتا من الطین و الحجارة فلم یزل معمورا یعمرونه هم و من بعدهم حتی کان زمن الطوفان فنسفه الغرق و قیل الذی عمرها من أولاده شیث فانطمس فی الطوفان و مکانها تل أحمر و لما غرق خفی مکانه حتی بعث اللّه خلیله ابراهیم علیه السلام و طلب الاساس الذی وضعه بنو آدم فی موضع الخیمة فوجد فرفع القواعد و ان حوّاء هبطت بجدّة و هی ساحل مکة و حرم اللّه علیها دخول الحرم و النظر الی خیمة آدم و الی شی‌ء من مکة من أجل خطیئتها التی أخطأتها و یقال أردت أن تدخل معه فمنعها آدم و قال إلیک عنی حرمت الجنة بسببک فتریدین أن تحرمینی هذا و قال وهب کان آدم اذا أراد لقاءها لیلم بها للولد خرج من الحرم کله حتی یلقاها فی الحل و لم تزل مکة دار آدم مذ نزلها الی أن توفاه اللّه تعالی* و فی الاکتفاء ان شیث بن آدم هو أوّل من بنی الکعبة و انها کانت قبل أن یبنیها خیمة من یاقوتة حمراء یطوف بها آدم یأنس بها لانها أنزلت إلیه من الجنة فرفعت و کان قد حج الی موضعها من الهند* و فی الخبر أن موضعها کان غثاء علی الماء قبل أن یخلق اللّه السموات و الارض فلما بدأ اللّه خلق الاشیاء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء و قضاهنّ سبع سماوات دحا الارض أی بسطها و انما دحاها من تحت الکعبة فلذلک سمیت مکة أمّ القری* و قال وهب بن منبه خلق اللّه الکعبة قبل سائر الارض بألفی عام و خلق اللّه الارض قبل آدم بألفی عام و دحیت الارض من تحت البیت المعمور من موضع الکعبة قبل أن تکون الکعبة و نشر السماء من فوقه و قد مرّ فی أوّل الکتاب مثله تزور الملائکة الکعبة کل یوم سبعون ألفا لا یعودون إلیها أبدا و فی کل لیلة کذلک و کان ابتداء حجهم الکعبة قبل آدم بألفی عام کذا فی بحر العلوم* و ذکر ابن هشام أن الماء لم یصل الکعبة حین الطوفان و لکن قام حولها و بقیت هی فی هواء الی السماء و ان نوحا قال لاهل السفینة و هی تطوف بالبیت الکریم انکم فی حرم اللّه و حول بیته فأحرموا للّه و لا یمس أحد امرأة و جعل بینهم و بین النساء حاجزا فتعدّی حام فدعا علیه بأن یسوّد اللّه ذرّیته فأجابه اللّه علی وفق ما دعا و اسودّ کوش بن حام و ولده الی یوم القیامة و قد مرّ نحوه و قد قیل فی سبب دعوته غیر هذا* و یروی أنه لما نضب ماء الطوفان بقی مکان البیت ربوة من مدرة فحج إلیه بعد ذلک هود و صالح و من آمن معهما و أن یعرب قال لهود علیه السلام أ لا تبنیه قال انما یبنیه نبی کریم یأتی من بعدی یتخذه الرحمن خلیلا قال أبو الجهم من حدیث الواقدی حتی أراد اللّه بابراهیم ما أراد فولد له اسماعیل و هو ابن تسعین سنة فکان بکر أبیه* و قال أهل الاخبار ان هاجر کانت لسارة فوهبتها لإبراهیم اذ لم یولد له ولد منها و قالت عسی اللّه أن یرزقک منها ولدا فحملت هاجر باسماعیل فلما ولدته کان نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم لامعا من جبهته کما مرّ فغارت سارة و قیل ان ابراهیم أخبر سارة بأن اللّه وعده أن یرزقه ولدا طیبا و کانت ترجو أن یکون الولد منها فلما حملت هاجر باسماعیل و ولدته و ظهر نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه اغتمت سارة و حزنت حزنا شدیدا و غارت علیها غیرة ضاق بها صدرها فناشدت ابراهیم أن یخرجها من عندها و جوارها فأوحی اللّه تعالی الی ابراهیم أن یطیع سارة فی کل ما تقول و تأمر فی هاجر و اسماعیل و حلفت سارة علی أن تقطع ثلاثة من أعضاء هاجر فلما علمت به هاجر تمنطقت و تهیأت للفرار* قال ابن عباس أوّل من اتخذ من النساء المنطقة أمّ اسماعیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:93
اتخذت منطقا لیعفی أثرها علی سارة فأمر ابراهیم سارة ان تبرّ قسمها بثقب أذنیها و خفاضها ففعلت فصار ثقب الاذان و الخفاض سنة فی النساء کذا فی شفاء الغرام* و فی الانس الجلیل غارت منها سارة فحلفت أن تملأ یدها من دمها فقال ابراهیم خدنیها و اختنیها لکی یکون سنة بعد کما و تتخلصین من یمینک ففعلت فکانت هاجر أوّل من اختتنت من النساء و ابراهیم أوّل من اختتن من الرجال* و قال السهیلی هاجر أوّل امرأة ثقبت اذنها و أوّل من خفض من النساء و أوّل من جرّ ذیلها و مع ذلک لم یسکن جاش سارة و لم تزل تغیر علیها و تغتم حتی آل الامر الی أن هاجر ابراهیم بهاجر و اسماعیل الی الارض التی هی الآن حرم مکة* و فی العرائس قال العلماء من أهل الکتب حملت سارة باسحاق و قد کانت هاجر حملت باسماعیل فوضعتا معا و مشی الغلامان ینتضلان و کان ابراهیم قد سابق بینهما فسبق اسماعیل اسحاق فأخذه ابراهیم و قبله و وضعه علی رکبته فقالت له سارة تجلس اسماعیل علی رکبتک دون ولدی اسحاق ولی علیک أن لا تسوأنی و لا تغایرنی و أخذها ما یأخذ النساء من الغیرة فحلفت أن لا بدّ لها ما تغیر خلقها و لتقطعنّ بضعة منها فلما سکن غضبها و ثاب إلیها عقلها ندمت علی ما کان منها من الیمین و بقیت حائرة فی ذلک فقال لها ابراهیم اخفضیها و اثقبی أذنیها ففعلت فصار ذلک سنة فی النساء قالوا ثم ان اسماعیل و اسحاق اقتتلا ذات یوم کما یفعله الصبیان فغضبت سارة علی هاجر و قالت لا تساکنینی بعد یومک هذا ثم أمرت ابراهیم أن یحوّلها و یغرّبها فأوحی اللّه الی ابراهیم أن ائت بهاجر و ابنها الی مکة ففعل و سیأتی التصریح بأن اسماعیل أکبر من اسحاق* و فی الاکتفاء لما أراد اللّه عز و جل أن یبوّئ لإبراهیم مکان البیت و أعلامه أوحی إلیه یأمره بالمسیر الی بلده الحرام فرکب ابراهیم البراق و حمل اسماعیل أمامه و هو ابن سنتین و قیل و هی ترضعه و هاجر خلفه و معه جبریل یدله علی موضع البیت و معالم الحرم* و فی زبدة الاعمال عن عثمان بن ساج قال بلغنا و اللّه أعلم أن ابراهیم خلیل الرحمن علیه السلام عرج به الی السماء فنظر الی الارض مشارقها و مغاربها و ذلک قوله تعالی و کذلک نری ابراهیم ملکوت السموات و الارض و لیکون من الموقنین فاختار موضع الکعبة فقالت له الملائکة یا خلیل الرحمن اخترت حرم اللّه فی الارض قال فبناه من حجارة سبعة أجبل و یقال خمسة فکانت الملائکة تأتی بالحجارة الی ابراهیم علیه السلام من تلک الجبال* و فی تفسیر القشیری و حیاة الحیوان و غیرهما أن ابراهیم لما هاجر بولده اسماعیل و أمّ ولده هاجر الی مکة مرّ علی قوم من العمالقة فوهبوا لإسماعیل عشرة أعنز فجمیع أعنز مکة من نسلها* و فی الاکتفاء کان لا یمرّ بقریة الا قال ابراهیم بهذه أمرت یا جبریل فیقول لا حتی قدم به مکة و هی اذ ذاک عضاه و سلم و سمر و العمالیق یومئذ حول الحرم و هم أوّل من نزل مکة و یسکنون بعرفة و کانت المیاه یومئذ قلیلة و کان موضع البیت قد دثر و هو ربوة حمراء مدرة و هو مشرف علی ما حوله فقال جبریل حین دخل من کداء و هو الجبل الذی یطلعک علی الحجون و المقبرة بهذا أمرت قال ابراهیم بهذا أمرت قال نعم فانتهی الی موضع البیت فعمد ابراهیم الی موضع الحجر فآوی فیه هاجر و اسماعیل و أمر هاجر أن تتخذ عریشا* و فی معالم التنزیل فوضعهما ابراهیم عند البیت عند دوحة فوق زمزم فی أعلا المسجد و لیس بمکة یومئذ أحد و لیس بها ماء و لا عمارة و لا زراعة* و فی روایة وضعهما عند تل ستبنی الکعبة علیه* و فی الاکتفاء فلما أراد ابراهیم أن یخرج و رأت أمّ اسماعیل أنه لیس بحضرتها أحد من الناس و لا ماء ظاهر ترکت ابنها فی مکانه و تبعت ابراهیم فقالت یا ابراهیم الی من تدعنا فسکت عنها حتی اذا دنا من کداء قال الی اللّه عز و جل أدعکم قالت فاللّه أمرک بهذا قال نعم قالت فحسبی ترکتنا الی کاف و انصرفت هاجر الی ابنها و خرج ابراهیم حتی وقف علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:94
کداء و لا بناء و لا ظل و لا شی‌ء یحول دون ابنه فنظر إلیه فأدرکه ما یدرک الوالد من الرحمة لولده فقال ربنا انی أسکنت من ذرّیتی بواد غیر ذی زرع عند بیتک المحرّم ربنا لیقیموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوی إلیهم و ارزقهم من الثمرات لعلهم یشکرون* و فی روایة فانطلق ابراهیم حتی اذا کان عند الثنیة حیث لا یرونه استقبل بوجهه الی البیت بهذه الدعوات* و عن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتکم علیه فارس و الروم* و فی الکشاف قیل لو لم یقل من لازدحموا علیها حتی الروم و الترک و الهند* و فی أنوار التنزیل لحجت الیهود و النصاری و المجوس* و فی الاکتفاء ثم انصرف ابراهیم راجعا الی الشام و رجعت أمّ اسماعیل الی ابنها و عمدت هاجر فجعلت عریشا فی موضع الحجر من سمر و ثمام ألقته علیه و معها شنّ فیه ماء* و فی روایة وضع عندهما جرابا فیه تمر و سقاء فیه ماء* و فی الاکتفاء فلما نفد الماء عطش اسماعیل و عطشت أمّه فانقطع لبنها فأخذ اسماعیل کهیئة الموت فظنت أنه میت فجزعت و خرجت جزعا أن تراه علی تلک الحالة و قالت یموت و أنا غائبة عنه أهون علیّ و عسی اللّه أن یجعل لی فی ممشای خیرا فانطلقت فنظرت الی جبل الصفا فأشرفت علیه تستغیث ربها و تدعوه ثم انحدرت الی المروة فلما کانت فی الوادی خبت حتی انتهت الی المروة* و فی روایة لما بلغت بطن الوادی غاب الولد عن عینها فرفعت طرف درعها ثم سعت سعی الانسان المجهود حتی جاوزت الوادی ثم أتت المروة فقامت علیها قال ابن عباس قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلذلک سعی الناس بینهما یعنی صار ذلک من شعائر الحج* و فی الاکتفاء فعلت ذلک مرّات کلما أشرفت علی الصفا نظرت الی ابنها فتراه علی حاله و اذا أشرفت علی المروة فمثل ذلک و کان ذلک أوّل سعی بین الصفا و المروة و کان من قبلها یطوفون بالبیت و لا یسعون بین الصفا و المروة و لا یقفون المواقف حتی کان ابراهیم فلما کان الشوط السابع و یئست سمعت صوتا فاستمعت فلم تسمع الا الاوّل فظنت أنه شی‌ء عرض لسمعها من الظمأ و الجهد فنظرت الی ابنها فاذا هو یتحرّک فأقامت علی المروة ثم سمعت الصوت الاوّل فقالت انی سمعت صوتک فأعجبنی فان کان عندک خیر فأغثنی فانی قد هلکت و هلک ما عندی* و فی روایة قالت أیها الذی قد سمعت ان کان عندک غوث فأغثنی و کان الصائت جبریل انتهی فخرج الصوت یصوّت بین یدیها و خرجت تتلوه قد قویت له نفسها حتی انتهی الصوت عند رأس اسماعیل ثم بدا لها جبریل فانطلق بها حتی وقف علی موضع زمزم فضرب بعقبه مکان البئر فظهر الماء فوق الارض حین فحص بعقبه* و فی الحدائق فبحث بعقبه أو قال بجناحه علی شک الراوی و فارت بالرواء و جعلت أمّ اسماعیل تحظر الماء بالتراب و تحوضه خشیة أن یفوتها قبل أن تأتی بشنها فاستقت و بادرت الی ابنها فسقته* قال ابن عباس قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یرحم اللّه أمّ اسماعیل لو ترکت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لکانت عینا معینا* و فی الاکتفاء فشربت فاذا ثدیاها یتقطران لبنا فکان ذلک اللبن طعاما و شرابا لإسماعیل و کانت تجتزی بماء زمزم فقال الملک لا تخافی أن ینفد هذا الماء و أبشری فان ابنک سیشب و یأتی أبوه من الشام فیبنون هاهنا بیتا یأتیه عباد اللّه من أقطار الارضین ملبین للّه جل ثناؤه شعثا غبرا فیطوفون به و یکون هذا الماء شرا بالضیفان اللّه عز و جل الذین یزورون بیته فقالت فی جوابه بشرک اللّه بکل خیر و طابت نفسها و حمدت اللّه تعالی و أقبل غلامان من العمالیق یرید ان بعیرا لهما ما أخطأ هما و قد عطشا و أهلهما بعرفة فنظر الی طیر تهوی قبل الکعبة فاستنکرا ذلک و قالا أنی یکون الطیر علی غیر ماء فقال أحدهما لصاحبه أمهل حتی نبرد ثم نسلک فی مهوی الطیر فأبردا ثم تروّحا فاذا الطیر ترد و تصدر فاتبعا الواردة منها حتی وقفا علی أبی قبیس فنظر الی الماء و الی العریش فنزلا و کلما هاجر و سألاها متی نزلت فأخبرتهما و قالا لمن هذا الماء فقالت لی و لا بنی فقالا من حفره فقالت سقانا اللّه عز و جل فعرفا أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:95
أحدا لا یقدر أن یحفر هناک ماء و عهدهما بما هناک قریب و لیس به ماء فرجعا الی أهلهما من لیلتهما فأخبراهم فتحوّلوا حتی نزلوا معها علی الماء فأنست بهم و معهم الذرّیة فنشأ اسماعیل مع ولد انهم و کان ابراهیم یزور هاجر فی کل شهر علی براق یغدو غدوة فیأتی مکة ثم یرجع فیقیل فی منزله بالشام فزارها بعد و نظر الی من هناک من العمالیق و الی کثرتهم و غمارة الماء فسرّ بذلک و لما بلغ اسماعیل أن یسعی مع ابراهیم فی أشغاله و یعینه فی حوائجه و أعماله و ذلک حین کان ابن ثلاث عشرة سنة و قیل ابن سبع سنین و قیل أربع سنین رأی ابراهیم فی المنام أنه یذبحه*

ذکر الاختلاف فی الذبیح‌

و اختلف علماء الاسلام فی هذا الغلام الذی أمر ابراهیم بذبحه بعد اتفاق أهل الکتابین علی أنه اسحاق فقال قوم انه اسحاق و إلیه ذهب من الصحابة عمر و علیّ و ابن مسعود و من التابعین و أتباعهم کعب و سعید بن جبیر و قتادة و مسروق و عکرمة و عطاء و مقاتل و الزهری و السدّی و هو روایة عن ابن عباس و قالوا کانت هذه القصة بالشام* روی عن سعید بن جبیر أنه قال أری ابراهیم ذبح اسحاق فی المنام فسار به مسیرة شهر فی غدوة واحدة حتی أتی به الی المنحر بمنی فلما أمر بذبح الکبش ذبحه و ساربه مسیرة شهر فی روحة واحدة و طویت له الاودیة و الجبال و قال آخرون هو اسماعیل و إلیه ذهب عبد اللّه بن عمر و هو قول سعید بن المسیب و الشعبی و الحسن البصری و مجاهد و الربیع بن أنس و محمد بن کعب القرظی و الکلبی و هو روایة عن عطاء بن أبی رباح و یوسف بن ماهک عن ابن عباس قال المفسدی اسماعیل و کلا القولین یروی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* حجة من قال الذبیح اسحاق قوله تعالی فبشرناه بغلام حلیم فلما بلغ معه السعی أمر بذبح من بشر به و لیس فی القرآن أنه بشر بولد سوی اسحاق کما قال فی سورة هود فبشرناها باسحاق و ما روی فی الحدیث یوسف بن یعقوب اسرائیل اللّه ابن اسحاق ذبیح اللّه و ما روی أن یعقوب لما بلغه أن بنیامین أخذ بمصر بعلة السرقة کتب الی العزیز الریان و هو یومئذ یوسف* بسم اللّه الرحمن الرحیم من یعقوب اسرائیل اللّه ابن اسحاق ذبیح اللّه و سیجی‌ء تمامه* و حجة من قال ان الذبیح هو اسماعیل أن اللّه ذکر البشارة باسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال و بشرناه باسحاق نبیا من الصالحین فدل علی أن المذبوح غیره و أیضا قال اللّه تعالی فی سورة هود فبشرناها باسحاق و من وراء اسحاق یعقوب و کما بشر ابراهیم باسحاق بشر بابنه یعقوب فکیف یأمره بذبح اسحاق و قد وعد له نافلة منه* و فی أنوار التنزیل و لان البشارة باسحاق کانت مقرونة بولادة یعقوب منه فلا یناسبها الامر بذبحه مراهقا و لان قرنی الکبش کانا منوطین بالکعبة فی أیدی بنی اسماعیل الی أن احترق البیت و احترق القرنان فی أیام ابن الزبیر و الحجاج و لم یکن اسحاق ثمة* قال الشعبی رأیت قرنی الکبش منوطین بالکعبة* و عن ابن عباس قال و الذی نفسی بیده لقد کان أوّل الاسلام و ان رأس الکبش لمعلق بقرنیه من میزاب الکعبة و قد و خش یعنی یبس و صار ردیئا* قال الاصمعی سألت عمرو بن العلاء عن الذبیح اسحاق أو اسماعیل فقال یا أصیمع أین ذهب عقلک متی کان اسحاق بمکة و انما کان اسماعیل بمکة و هو الذی بنی البیت مع أبیه و لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أنا ابن الذبیحین یعنی جدّه اسماعیل و أباه عبد اللّه حیث عرضه عبد المطلب علی الذبح* قال ابن القیم و مما یدل علی أن الذبیح اسماعیل أنه لا ریب أن الذبح کان بمکة و لذا جعل القرابین یوم النحر بها کما جعل السعی بین الصفا و المروة و رمی الجمرات بها تذکرة بشأن اسماعیل و أمّه و اقامة لذکر اللّه تعالی و معلوم أن اسماعیل و أمّه هما اللذان بمکة دون اسحاق و أمّه و لو کان الذبح بالشام کما یزعم أهل الکتاب و من تلقی عنهم لکانت القرابین و النحر بالشام لا بمکة و روی ما ذکره المعافی بن زکریا أن عمر بن عبد العزیز سأل رجلا أسلم من علماء الیهود أیّ ابنی ابراهیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:96
أمر بذبحه فقال و اللّه یا أمیر المؤمنین ان الیهود لیعلمون أنه اسماعیل و لکنهم یحسدونکم معشر العرب أن یکون أبا لکم للفضل الذی ذکر عنه فهم یجحدون ذلک و یزعمون أنه اسحاق لان اسحاق أبوهم کذا فی المواهب اللدنیة*

قصة الذبح‌

و أما قصة الذبح فقال السدّی لما دعا ابراهیم ربه فقال رب هب لی من الصالحین و بشر به قال هو اذا ذبیح اللّه فلما ولد و بلغ معه السعی قیل له أوف بنذرک هذا هو السبب فی أمر اللّه ایاه بذبح ابنه فقال عند ذلک لإسماعیل انطلق نقرب قربانا للّه عز و جل و أخذ سکینا و حبلا و انطلق معه حتی ذهب به بین الجبال فقال له الغلام یا أبت أین قربانک فقال یا بنیّ انی أری فی المنام أنی أذبحک فانظر ما ذا تری قال یا أبت افعل ما تؤمر* قال ابن اسحاق کان ابراهیم اذا زار هاجر و اسماعیل حمل علی البراق فیغدو من الشام فیقیل بمکة و یروح من مکة فیبیت عند أهله بالشام حتی اذا بلغ اسماعیل معه السعی أمر فی المنام أن یذبحه و ذلک أنه رأی لیلة الترویة کان قائلا یقول له ان اللّه یأمرک بذبح ابنک هذا فلما أصبح روّی فی نفسه أی فکر من الصباح الی الرواح أمن اللّه هذا الحلم أو من الشیطان فمن ثمة سمی یوم الترویة فلما أمسی رأی فی المنام ثانیا فلما أصبح عرف أن ذلک من اللّه فمن ثمة سمی یوم عرفة و قال مقاتل رأی فی المنام ثلاث لیال متتابعات فلما تیقن ذلک أخبر به ابنه قال ابن اسحاق و غیره لما أمر ابراهیم بذلک قال لابنه خذ الحبل و المدیة ننطلق الی هذا الشعب نحتطب فأخذهما فانطلقا حتی اذا کان ببعض الطریق عرض لهما الشیطان* و عن کعب الاحبار و ابن اسحاق لما أمر ابراهیم بذبح ابنه قال الشیطان لئن لم أفتن عند هذا آل ابراهیم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل رجلا و أتی أمّ الغلام فقال لها هل تدرین أین ذهب ابراهیم بابنک قالت ذهب به یحتطبان من هذا الشعب قال لا و اللّه ما ذهب به الا لیذبحه قالت کلا هو أرحم به و أشدّ حبا من ذلک قال انه یزعم أن اللّه أمره بذلک قالت فان کان ربه أمره بذلک فقد أحسن أن یطیع ربه فخرج الشیطان من عندها حتی أدرک الابن و هو یمشی علی أثر أبیه فقال یا غلام هل تدری أین یذهب بک أبوک قال نحتطب لاهلنا من هذا الشعب قال و اللّه ما یرید الا أن یذبحک قال و لم قال زعم أن ربه أمره بذلک قال فلیفعل ما أمره به ربه سمعا و طاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل علی ابراهیم فقال له أین ترید أیها الشیخ قال أرید هذا الشعب لحاجة لی فیه قال و اللّه انی لأری أن الشیطان قد جاءک فی منامک فأمرک بذبح ابنک هذا فعرفه ابراهیم فقال إلیک عنی یا عدوّ اللّه فو اللّه لأمضین أمر ربی فرجع ابلیس بغیظه لم ینل من ابراهیم و آله شیئا مما أراد و قد امتنعوا منه بعون اللّه عز و جل* و روی أبو الطفیل عن ابن عباس أن ابراهیم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشیطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه ابراهیم ثم ذهب الی جمرة العقبة فعرض له الشیطان فرماه بسبع حصیات حتی ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطی فرماه بسبع حصیات حتی ذهب ثم أدرکه عند الجمرة الکبری فرماه بسبع حصیات حتی ذهب ثم مضی ابراهیم لامر اللّه عز و جل فلما خلا بابنه فی شعب ثبیر أخبره بما أمر به قال له ابنه یا أبت افعل ما تؤمر ستجدنی ان شاء اللّه من الصابرین فلما أسلما أی انقادا لامر اللّه تعالی و تله للجبین أی صرعه علی الارض قال ابن عباس أضجعه علی جبینه علی الارض* و فی أنوار التنزیل صرعه علی شقه فوقع جبینه علی الارض و هو أحد جانبی الجبهة قالوا قال له ابنه الذی أراد ذبحه یا أبت اشدد رباطی حتی لا أضطرب و اکفف عنی ثیابک حتی لا ینتضح علیها من دمی فینقص من أجری و تراه أمی فتحزن و اشحذ شفرتک و أسرع مر السکین علی حلقی فانه أهون علیّ فان الموت شدید و اذا أنیت أمی فاقرأ علیها السلام منی فان رأیت أن تردّ قمیصی علی أمی فانه عسی أن یکون أسلی لها قال له ابراهیم نعم العون أنت یا بنیّ علی أمر اللّه ففعل ابراهیم ما وصاه به ابنه ثم أقبل ابراهیم علیه فقبله و قد ربطه و هو یبکی و الابن یبکی و قد فتحت أبواب السماء و الملائکة ینظرون و یبکون و یقولون حق له أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:97
یتخذه اللّه خلیلا ثم انه وضع السکین علی حلقه فلم یحز السکین فشحذه بالحجر مرّتین أو ثلاثا حتی صار کشعلة النار و کل ذلک لم یقطع* و فی أنوار التنزیل روی أنه أمرّ السکین بقوّته علی حلقه مرارا فلم یقطع* قال السدّی ضرب اللّه صفیحة من نحاس علی حلقه فقال الابن عند ذلک یا أبت کبنی علی وجهی لئلا تری فیّ تغیرا فتدرکک رقة فتحول بینک و بین أمر اللّه و أنا لا أنظر الی الشفرة فأجزع ففعل ذلک ابراهیم ثم وضع السکین علی قفاه فانقلب السکین و کان ذلک عند الصخرة بمنی أوفی الموضع المشرف علی مسجده أو المنحر الذی ینحر فیه الیوم و نودی أن یا ابراهیم قد صدّقت الرؤیا فنظر ابراهیم فاذا هو بجبریل و معه کبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنک فاذبحه دونه فکبر جبریل و کبر الکبش و کبر ابراهیم و کبر ابنه فأخذ ابراهیم الکبش و أتی به المنحر من منی فذبحه* قال أکثر المفسرین کان ذلک الکبش رعی فی الجنة أربعین خریفا و عن ابن عباس الکبش الذی ذبحه ابراهیم هو الذی قرّبه ابن آدم هابیل فتقبل منه قال الحسن ما فدی اسماعیل إلّا بتیس من الاروی* و فی أنوار التنزیل و علی أهبط علیه من ثبیر و روی أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصیات حتی أخذه فصار سنة*

تزوّج اسماعیل و زیارة أبیه ابراهیم له‌

و فی الاکتفاء و لما بلغ اسماعیل علیه السلام مبلغ الرجال تزوّج امرأة من العمالیق فجاء ابراهیم زائرا لإسماعیل و اسماعیل فی ماشیته یرعاها و یخرج متنکبا قوسه فیرمی الصید مع رعیته فجاء ابراهیم علیه السلام الی منزله فقال السلام علیکم یا أهل البیت فسکتت فلم تردّ الا أن تکون ردّت فی نفسها فقال هل من منزل فقالت لا و هائم اللّه اذا قال فکیف طعامکم و شرابکم و شاؤکم فذکرت جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام و أما الشاة فانما نحلب الشاة بعد الشاة المصرّاة و أما الماء فعلی ما تری من الغلظ قال فأین رب البیت قالت فی حاجته قال فاذا جاء فأقرئه السلام و قولی له غیر عتبة بیتک ثم رجع ابراهیم الی منزله و أقبل اسماعیل راجعا الی منزله بعد ذلک بما شاء اللّه عز و جل فلمّا انتهی الی منزله سأل امرأته هل جاءک أحد فأخبرته بابراهیم و قوله و ما قالت له* و فی روایة قالت جاءنی شیخ صفته کذا و کذا کالمستخفة بشأنه ففارقها و أقام ما شاء اللّه أن یقیم و کانت العمالیق هم ولاة الحکم بمکة فضیعوا حرمة الحرم و استحلوا منه أمورا عظاما و نالوا ما لم یکونوا ینالون فقام فیهم رجل منهم یقال له عموق فقال یا قوم أبقوا علی أنفسکم فقد رأیتم و سمعتم من أهلک من هذه الامم فلا تفعلوا و تواصلوا و لا تستخفوا بحرم اللّه عز و جل و موضع بیته فلم یقبلوا ذلک منه و تمادوا فی هلکة أنفسهم ثم ان جرهما و قطورا و هما ابنا عم خرجوا سیارة من الیمن أجدبت البلاد علیهم فساروا بذراریهم و أموالهم فلما قدموا مکة رأوا فیها ماء معینا و شجرا ملتفا و نباتا کثیرا وسعة من البلاد و دفئا فی الشتاء فقالوا ان هذا الموضع یجمع لنا ما نرید فأعجبهم و نزلوا به و کان لا یخرج من الیمن قوم الا و لهم ملک یقیم أمرهم سنة فیهم جروا علیها و اعتادوها و لو کانوا نفرا یسیرا فکان مضاض بن عمرو علی قومه من جرهم و کان علی قطورا السمیدع بن هوثر فنزل مضاض بجرهم أعلا مکة و کان حوزهم وجه الکعبة الرکن الاسود و المقام و موضع زمزم مصعدا یمینا و شمالا و قیقعان الی أعلا الوادی و نزل السمیدع بقطوراء أسفل مکة و أجیادا و کان حوزهم ظهر الکعبة و الرکن الیمانی و الغربی و الاجیادین و الثنیة الی الرمضة فلما جازوا ذهبت العمالیق الی أن ینازعوهم أمرهم فعلت أیدیهم علی العمالیق و أخرجوهم من الحرم کله فصاروا فی أطرافه لا یدخلونه و جعل مضاض و السمیدع یقطعان المنازل لمن ورد علیهما من قومهما فکثروا و أثروا فکان مضاض یعشر کل من دخل مکة من أعلاها و السمیدع بعشر کل من دخل من أسفلها و کلّ علی قومه لا یدخل أحدهما علی صاحبه و کانوا عربا و کان اللسان عربیا و نشأ اسماعیل فیهم و أخذ بلسانهم و تعلم العربیة منهم و کان أنفسهم و أعجبهم و کان ابراهیم یزور اسماعیل فلما نظر الی جرهم نظر الی لسان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:98
عجیب و اعراب و سمع کلاما حسنا فقول ابن عباس أوّل من تکلم بالعربیة اسماعیل فالمراد منه أنه أوّل من تکلم بالعربیة الفصیحة البلیغة اسماعیل و مع أنه تعلم أصل اللغة منهم فاقهم فی الفصاحة و البلاغة و نظر اسماعیل الی رعلة بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فحطبها الی أبیها فتزوّجها فجاء ابراهیم زائرا لإسماعیل فجاء الی بیت اسماعیل فقال السلام علیکم أهل البیت و رحمة اللّه و برکاته فقامت إلیه المرأة فردّت علیه و رحبت به فقال کیف عیشکم و لبنکم و ماشیتکم فقالت خیر عیش نحمد اللّه عز و جل نحن فی لبن کثیر و لحم کثیر و ماء طیب قال هل من حب قالت یکون ان شاء اللّه و نحن فی نعم قال بارک اللّه لکم قال أبو الجهم فکان أبی یقول لیس أحد یخلی عن اللحم و الماء بغیر مکة الا اشتکی بطنه و لعمری لو وجد عندها حبا لدعا فیه بالبرکة فکانت أرض زرع و یقال ان ابراهیم قال لها ما طعامکم قالت اللحم و اللبن قال فما شرابکم قالت اللبن و الماء قال بارک اللّه لکم فی طعامکم و شرابکم فاللبن طعام و شراب قالت فانزل رحمک اللّه فاطعم و اشرب قال انی لا أستطیع النزول قالت فانی أراک شعثا أ فلا أغسل رأسک و أدهنه قال بلی ان شئت فجاءته بالمقام و هو یومئذ حجر رطب أبیض مثل المهاة ملقی فی بیت اسماعیل فوضع علیه قدمه الیمنی و قدّم إلیها رأسه و هو علی دابته فغسلت شق رأسه الایمن فلما فرغت حوّلت له المقام حتی وضع علیه قدمه الیسری و قدّم إلیها رأسه فغسلت بشق رأسه الایسر فالاثر الذی فی المقام من ذلک* قال أبو الجهم فقد رأیت موضع العقب و الاصبع و عن الواقدی من غیر حدیث أبی الجهم أن أبا سعید الخدری سأل عبد اللّه بن سلام عن الاثر الذی فی المقام فقال کانت الحجارة علی ما هی علیه الیوم الا أن اللّه جل ثناؤه أراد أن یجعل المقام آیة من آیاته قال أبو الجهم فلما فرغت یعنی المرأة من غسل رأس ابراهیم علیه السلام قال لها اذا جاء اسماعیل فقولی له أثبت عتبة بابک فان صلاح المنزل العتبة فلما جاء اسماعیل قال لها هل جاءک أحد بعدی فأخبرته بابراهیم و ما صنعت به ثم قال هل قال لک أن تقولی شیئا قالت قال لی أثبت عتبة بابک فان صلاح المنزل العتبة ففرح اسماعیل و قال أ تدرین من هو قالت لا قال هذا خلیل اللّه ابراهیم أبی و أما قوله أثبت عتبة بابک فقد أمرنی أن أقرّک و قد کنت علیّ کریمة و قد ازددت علیّ کرامة فصاحت و بکت فقال مالک قالت أن لا أکون علمت من هو فأکرمه و أصنع به غیر الذی صنعت فقال لها اسماعیل لا تبکی و لا تجزعی فقد أحسنت و لم تکونی تقدیرین أن تفعلی فوق الذی فعلت و لم یکن لیزیدک علی الذی صنع بک فولدت لإسماعیل عشرة ذکور نابت أحدهم کذا فی الاکتفاء و شفاء الغرام* و فی سیرة ابن هشام عن محمد بن اسحاق قال ولد اسماعیل بن ابراهیم اثنا عشر رجلا و هم نابت و کان أکبرهم و قیدر و اذبل و منشی و مشمع و ماشی و ذما و أزد و طیما و أیطور و نبش و قیذما و أمّهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمی قال ابن هشام و یقال مضاض و جرهم من قحطان و قحطان أبو الیمن کلها و إلیه یجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح و قال ابن اسحاق جرهم بن یقطن بن عیبر بن شالخ و قحطان بن عیبر بن شالخ و قال ابن هشام العرب کلها من اسماعیل و قحطان و بعض الیمن یقول قحطان من ولد اسماعیل و یقول اسماعیل أبو العرب کلها

بناء الکعبة

فلما بلغ اسماعیل ثلاثین سنة و قیل عشرین و قیل ستا و عشرین و ابراهیم یومئذ ابن مائة سنة و هو بالشام أوحی اللّه عز و جل إلیه أن ابن لی بیتا قال ابراهیم رب أین أبنیه فأوحی اللّه إلیه أن اتبع السکینة و هی ریح لها وجه و جناحان و مع ابراهیم الملک و الصرد فانتهوا بابراهیم الی مکة فنزل اسماعیل الی الموضع الذی بوّأه اللّه عز و جل ابراهیم* و فی روایة بعث اللّه السکینة لتدله علی موضع البیت و هی ریح خجوج لها رأسان شبه الحیة یتبع أحدهما صاحبه و أمر ابراهیم أن یبنی حیث تستقرّ السکینة فتبعها ابراهیم حتی أتیا مکة فتطوّقت السکینة علی موضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:99
البیت کتطوّق الحیة فکنت ما حول البیت عن الاساس هذا قول علیّ* و فی حیاة الحیوان قیل لما خرج ابراهیم من الشأم لبناء البیت کانت السکینة معه و الصرد دلیله علی موضع البیت و السکینة بمقداره فلما صار الی الموضع وقفت السکینة علی موضع البیت و نادت ابن یا ابراهیم علی مقدار ظلّی* و قال ابن عباس بعث اللّه سحابة علی قدر الکعبة فجعلت تسیر و ابراهیم یمشی فی ظلها الی أن وافت مکة و وقفت علی موضع البیت فنودی منها یا ابراهیم أن ابن علی ظلها لا تزد و لا تنقص کذا فی الکشاف* و فی روایة أن ابراهیم لما أمر بالبناء أقبل من أرمینیة علی البراق و معه السکینة و هی ریح هفافة أی ساکنة طیبة لها وجه یتکلم و معها ملک یدلها علی موضع البیت حتی انتهی الی مکة و بها اسماعیل و هو یومئذ ابن عشرین أو ثلاثین سنة و قد توفیت أمّه قبل ذلک و دفنت فی موضع الحجر* و فی زبدة الاعمال قال ابن جریج ماتت أمّ اسماعیل قبل أن یرفع البیت ابراهیم و اسماعیل و دفنت فی موضع الحجر* و فی الاکتفاء و موضع البیت ربوة حمراء مدرة مشرفة علی ما حولها فحفر ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام و لیس معهما غیرهما* و فی العمدة و قیل یعینه سبعة أملاک انتهی فحفرا أساس البیت یریدان أساس آدم الاوّل فحفرا عن ربض البیت یعنی حوله فوجدا صخارا عظاما کل صخرة لا یطیقها الا ثلاثون رجلا و حفرا حتی بلغا أساس آدم ثم بنیا علیه و حلقت السکینة أو قال طوّقت کأنها سحابة علی موضع البیت فقالت ابن علیّ فلذلک لا یطوف بالبیت أحد أبدا نافر و لا جبار الا رؤیت علیه السکینة فکان ابراهیم یبنی و اسماعیل ینقل الحجارة علی رقبته و یناوله* و فی العرائس کان اسماعیل عربیا و ابراهیم عبرانیا فعلم اللّه هذا لسان هذا فکان ابراهیم یقول لإسماعیل بالعبرانیة هات لی کببا أی هات لی حجرا فیقول اسماعیل هاک فخذه فلما ارتفع البناء قرّب له المقام فکان ابراهیم یقوم علیه و یبنی و یحوّله اسماعیل فی نواحی البیت* و فی أنوار التنزیل و اسماعیل کان یناوله الحجر لکنه لما کان له مدخل فی البناء عطف علیه فی الآیة و هی و اذ یرفع ابراهیم للقواعد من البیت و اسماعیل و قیل کانا یبنیان فی الطرفین أو علی التناوب قال ابن عباس انما بنی البیت من خمسة أجبل طور سیناء و طور زیتاء و لبنان و هو جبل بالشأم و الجودی و هو جبل بالجزیرة و بنیا قواعده من حراء و هو جبل مکة کذا فی الکشاف الا أن فیه أسسه من حراء بدل و بنیا قواعده و یروی أنه أسس البیت من ستة أجبل أبی قبیس و الطور و القدس و ورقان و رضوی و أحد و قیل من خمسة أجبل من حراء و ثبیر و لبنان و الطور و الجبل الاحمر و اللّه أعلم* و فی الاکتفاء فبنی ابراهیم و اسماعیل البیت فجعل طوله فی السماء تسعة أذرع و عرضه ثلاثین ذراعا و هو خلاف المتعارف و طوله فی الارض اثنین و عشرین ذراعا و أدخل الحجر و هو سبعة أذرع فی البیت و کان قبل ذلک زر بالغنم اسماعیل* و فی البحر العمیق و یسمی الحجر حظیرة اسماعیل لان الحجر قبل بناء الکعبة کان زر بالغنم اسماعیل* قال أبو الولید الازرقی جعل ابراهیم الخلیل علیه السلام طول بناء الکعبة فی السماء تسعة أذرع و طولها فی الارض ثلاثین ذراعا و عرضها فی الارض ثلاثة و عشرین ذراعا و کانت غیر مسقفة کذا فی إیضاح المناسک* و فی تشویق الساجد جعل ابراهیم و اسماعیل طول بناء الکعبة فی السماء تسعة أذرع و طولها فی الارض من الرکن الاسود الی الرکن العراقی الذی عند الحجر من صوب المشرق و یسمی الرکن الشامی أیضا اثنین و ثلاثین ذراعا و جعل عرض ما بین الرکن العراقی الی الرکن الشامی الذی عند الحجر من جهة المغرب و یسمی الرکن العراقی أیضا اثنین و عشرین ذراعا و جعل طول ظهرها أی من الرکن الغربی الی الرکن الیمانی أحدا و ثلاثین ذراعا و جعل ما بین الرکنین الیمانی و الاسود عشرین ذراعا فلذلک سمیت الکعبة لانها علی خلقة الکعب و کذلک بنیان أساس ابراهیم و جعل بابها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:100
ملصقا بالارض غیر مبوّب و جعل الی جنب البیت عریشا من أراک تقتحمه العنز و کان زر بالغنم اسماعیل* و فی الاکتفاء و انما بناه بحجارة بعضها علی بعض و لم یجعل له سقفا و جعل له بابا و حفر بئرا عند بابه خزانة للبیت یلقی فیها ما أهدی للبیت* و فی البحر العمیق قال ابن اسحاق ان البئر التی کانت فی جوف الکعبة کان علی یمین من دخلها و کان عمقها ثلاثة أذرع حفرها ابراهیم و اسماعیل لیکون فیها ما یهدی للکعبة و کان اسم البئر أخسف و فی روایة هو الجب الذی نصب علیه عمرو بن لحیّ هبل الصنم الذی کان قریش تعبده و تستقسم عنده بالازلام حین جاء به من الهیت أرض الجزیرة* قال ابن هشام حدّثنی بعض أهل العلم أن عمرو بن لحیّ بن قمعة بن الیاس خرج من مکة الی الشام فی بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء و بها یومئذ العمالیق و هم ولد عملاق و یقال عملیق بن لاود بن سام بن نوح رآهم یعبدون الاصنام فقال لهم ما هذه الاصنام التی أراکم تعبدون فقالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا و نستنصرها فتنصرنا فقال لهم أ فلا تعطوننی منها صنما فأسیر به الی أرض العرب فیعبدونه فأعطوه صنما یقال له هبل فقدم به مکة فنصبه و أمر الناس بعبادته و تعظیمه* قال ابن اسحاق یرفعه الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال رأیت عمرو بن لحیّ یجرّ قصبه فی النار انتهی و جعل ابراهیم الرکن علما للناس فذهب اسماعیل الی الوادی یطلب حجرا و نزل جبریل بالحجر الاسود و کان قد رفع الی السماء حین غرقت الارض کما رفع البیت فوضعه ابراهیم موضع الرکن و جاء اسماعیل بالحجر من الوادی فوجد ابراهیم قد وضع الحجر فقال من أین لک هذا و من جاءک به قال ابراهیم من لم یکلنی إلیک و لا الی حجرک* و فی روایة تمخض أبو قبیس فانشق عنه و قد خبئ فیه من أیام الطوفان و کان یاقوته حمراء و قیل یاقوتة بیضاء من الجنة فلما مسته الحیض فی الجاهلیة اسودّ کذا فی الکشاف و قد مرّ مثله* و فی روایة و هو یومئذ یتلألأ تلألؤا من شدّة بیاضه فأضاء نوره شرقا و غربا و یمینا و شمالا و کان نوره یضی‌ء الی منتهی أنصاب الحرم من کل ناحیة من نواحی الحرم* و فی حیاة الحیوان عن عبد اللّه بن عمر قال نزل الرکن الاسود فوضع علی أبی قبیس کأنه مهاة بیضاء فمکث أربعین سنة ثم وضع علی قواعد ابراهیم و عن الواقدیّ أیضا عن ابن الزبیر أنه یقول ان ابراهیم ابتغی الحجر فناداه من فوق أبی قبیس ألا أنا هذا ودیعة فرقی ابراهیم إلیه فأخذه فوضعه فی موضعه الذی هو فیه الیوم و کان اللّه جل ثناؤه لما غرقت الارض استودع أبا قبیس الرکن و قال اذا رأیت خلیلی یبنی لی بیتا فأعطه الرکن و عن غیر ابن الزبیر أن أبا قبیس لذلک کان یسمی فی الجاهلیة الامین لوفائه بما استودعه اللّه ایاه و یروی أنه کان بین بنائه و بین أن یبعث اللّه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثة آلاف سنة*

(ذکر ذی القرنین الاکبر)

* یروی أن ذا القرنین قدم مکة و هما یبنیان فقال ما هذا فقالا نحن عبدان مأموران بالبناء قال فهاتا البینة علی ما تدّعیان فقامت خمسة أکبش فقلن نشهد أن ابراهیم و اسماعیل عبدان مأموران بالبناء فقال رضیت و سلمت و مضی* و فی کتاب القری عن عطاء بن السائب أنه قال ان ابراهیم علیه السلام رأی رجلا یطوف بالبیت فأنکره فسأله ممن أنت قال من أصحاب ذی القرنین قال و أین هو قال بالابطح فتلقاه ابراهیم و اعتنقه فقیل لذی القرنین لم لا ترکب قال ما کنت لأرکب و هذا یمشی فحج ماشیا قاله الازرقی* و فی أنوار التنزیل و المدارک ذو القرنین هو الاسکندر الرومی الذی ملک الدنیا قیل ملک الدنیا مؤمنان ذو القرنین و سلیمان و کافران نمروذ و بخت نصر و قیل کان بعد نمروذ قاله مجاهد و قال ابن اسحاق لم یملک تمام الارض الا ثلاثة من الملوک نمروذ و ذو القرنین و سلیمان* و فی المدارک أن شدّاد بن عاد أیضا ملک الدنیا* و فی أنوار التنزیل ملک المعمورة* و فی المدارک قیل کان ذو القرنین عبدا صالحا ملکه اللّه الارض و أعطاه العلم و الحکمة و سخر له النور و الظلمة فاذا صار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:101
یهدیه النور من أمامه و تحوطه المظلمة من ورائه* و فی الینابیع کان له علمان أبیض و أسود و جعل اللّه معجزته فیهما فجعل ضوء النهار فی الابیض و ظلمة اللیل فی الاسود فاذا أراد الضوء و النهار فی اللیلة المظلمة ینصب العلم الابیض فیصیر اللیل مثل النهار المضی‌ء و اذا أراد الظلمة و اللیل فی النهار ینصب العلم الاسود فیصیر النهار مثل اللیلة المظلمة و اذا أراد فی وقت المحاربة أن یلقی الظلمة فی عسکر العدوّ یفعل فیکون النهار علیهم مظلما کاللیل و یبقی الضیاء و النهار فی عسکره فینهزم العدوّ و اذا سار یهدیه النور من أمامه و تحوطه الظلمة من ورائه کما مرّ لئلا یقدر علی عسکره قاصد من ورائه* و فی المدارک قال علیه السلام بدء أمره أنه وجد فی الکتب أن أحدا من أولاد سام یشرب من عین الحیاة فیخلد فجعل یسیر فی طلبها و الخضر وزیره و ابن خالته و کان فی مقدّمته فظفر و شرب و لم یظفر ذو القرنین* و فی الینابیع قال له شیخ انی قرأت فی وصیة آدم لابنه شیث علیهما السلام ان للّه تعالی ظلمة علی وجه الارض من جانب المغرب و فیها عین الحیاة فقصد جانب المغرب* و فی المدارک قیل کان ذو القرنین نبیا و قیل ملکا من الملائکة و عن علیّ أنه قال لیس بملک و لا نبیّ و لکن کان عبدا صالحا ضرب علی قرنه الایمن فی طاعة اللّه فمات ثم بعثه اللّه فضرب علی قرنه الا یسر فمات فبعثه اللّه فسمی ذا القرنین و فیکم مثله أراد نفسه و الاصح الذی علیه الاکثرون أنه کان ملکا صالحا عادلا و انه بلغ أقصی المغرب و المشرق و الشمال و هذا هو القدر المعمور من الارض کذا فی لباب التأویل* و قال علیه السلام سمی ذا القرنین لانه طاف قرنی الدنیا یعنی جانبیها شرقها و غربها و قیل کان له قرنان أی ضفیرتان أو انقرض فی أیامه قرنان من الناس أو لانه ملک الروم و فارس أو الروم و الترک أو کان لناجه قرنان أو علی رأسه ما یشبه القرنین أو کان کریم الطرفین أبا و أمّا* و فی أنوار التنزیل یحتمل أنه نعت بذلک لشجاعته کما یقال الکبش للشجاع کأنه ینطح أقرانه و اختلف فی نبوّته مع الاتفاق علی إیمانه و صلاحه* و فی الینابیع ذکر الثعالبی فی تفسیره عن وهب بن منبه أن ذا القرنین کان رجلا من الاسکندریة و کان ابن عجوزة و لم یکن من الاعیان لکن تربی فی الادب و بلغ الفضل و کان له الحلم و المروءة و العفة و الاخلاق الحمیدة رأی فی المنام أنه دنا من الشمس و أخذ بقرنیها أی جانبیها شرقها و غربها و لما قص رؤیاه قالوا له ذو القرنین* و فی العمدة کان اسم ذی القرنین الاسکندر من ولد یونان بن تارخ بن یافث بن نوح* و فی معالم التنزیل اختلفوا فی اسم ذی القرنین قیل اسمه مرزبان بن مرزبة الیونانی من ولد یونان بن یافث بن نوح و قیل اسمه الاسکندر بن فیلقوس الرومی و کان ولد عجوزة لیس لها ولد غیره* و نقل الامام فخر الدین الرازی فی تفسیره عن أبی الریحان السروری المنجم أنه من حمیر و اسمه أبو کرب شمس بن عمیر بن أفرینس الحمیری قال أبو الریحان یشبه أن یکون هذا القول أقرب لان الاذواء کانوا من الیمن و هم الذین لا تخلو أسامیهم من ذی کذی المنار و ذی نواس و ذی النون و ذی رعین و غیرهم و اختلفوا فی زمانه قیل کان فی زمن ثمود و کان عمره ألفا و ستمائة سنة و قال وهب هو کان فی فترة بین عیسی و محمد علیهما الصلاة و السلام* و فی المختصر الجامع ان ذا القرنین اثنان أکبر و أصغر أما ذو القرنین الاکبر فهو المذکور فی القرآن هو من ولد سام بن نوح و لقی ابراهیم و کان فی زمنه و طاف البلاد و الخضر علی مقدّمته و بلغ معه نهر الحیاة فشرب من ماء الحیاة و هو لا یعلم فخلد و هو الآن حیّ و هو قول الطبری و سدّ علی یأجوج و مأجوج و بنی الاسکندریة و قال ابن عباس کان اسمه عبد اللّه بن الضحاک*

ذکر ذی القرنین الاصغر

و أما ذو القرنین الاصغر فهو الاسکندر الیونانی و هو الذی قتل دارا و سلب ملکه و تزوّج بابنته و اجتمع له الروم و فارس و لهذا سمی ذا القرنین و یقال انه دخل الظلمات مما یلی القطب الشمالی و طلب عین الخلد و سار فیها ثمانیة عشر یوما ثم رجع الی العراق* و فی الملل و النحل لمحمد بن عبد الکریم الشهرستانی الاسکندر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:102
الحکیم الرومی هو ذو القرنین الملک و لیس هو المذکور فی القرآن لان تعظیم اللّه ایاه یوجب الحکم بأن مذهب أرسطاطالیس حق و صدق و ذلک مما لا سبیل إلیه بل هو ابن فیلقوس الملک و کان مولده فی السنة الثالثة عشر من ملک دارا الاکبر سلمه أبوه الی أرسطاطالیس الحکیم المقیم بمدینة ایثناش فأقام عنده خمس سنین یتعلم منه الحکمة و الادب حتی بلغ أحسن المبالغ و نال من الفلسفة مثل سائر تلامذته فاستردّه والده حین استشعر من نفسه علة خاف منها فلما وصل إلیه جدّد العهد له و استولت علیه العلة فتوفی منها و استقل الاسکندر بأعباء الملک و له حکم کثیرة* و فی لباب التأویل ذکر وهب بن منبه أن ذا القرنین کان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ کان عبدا صالحا قال اللّه له انی باعثک الی أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بینهما طول الارض احداهما عند مغرب الشمس یقال لها ناسک و الاخری عند مطلعها یقال لها منسک و أمتان بینهما عرض الارض احداهما فی القطر الایمن یقال لها هاویل و الاخری فی القطر الایسر یقال لها تأویل و أمم فی وسط الارض منهم الجنّ و الانس و یأجوج و مأجوج فقال ذو القرنین بأیّ قوّة أکابرهم و بأیّ جمع أکاثرهم و بای لسان أناطقهم قال اللّه تعالی انی سأطوّقک و أبسط لسانک و أشدّ عضدک فلا یهولنک شی‌ء و ألبسک الهیبة فلا یرو عنک شی‌ء و أسخر لک النور و الظلمة و أجعلهما من جنودک فالنور یهدیک من أمامک و الظلمة تحوطک من ورائک فانطلق حتی أتی مغرب الشمس فوجد جمعا و عددا لا یحصیه الا اللّه و هم ناسک فکابرهم بالظلمة حتی جمعهم فی مکان واحد فدعاهم الی اللّه و عبادته فمنهم من آمن به و منهم من صدّ عنه فعمد الی الذین تولوا عنه فأدخل علیهم الظلمة فدخلت أجوافهم و بیوتهم فدخلوا فی دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظیما و انطلق یقودهم و الظلمة تسوقهم حتی أتی هاویل ففعل بهم کفعله فی ناسک ثم مضی حتی أتی منسک ففعل بهم کفعله بالامّتین و جند منهم جندا ثم أخذ ناحیة الارض الیسری فأتی تاویل ففعل بهم کفعله فیما قبلها ثم عمد الی الامم التی فی وسط الارض فلما کان مما یلی منقطع الترک مما یلی المشرق قالت له أمّة صالحة من الانس یا ذا القرنین ان بین هذین الجبلین خلقا أشباه البهائم یفترسون الدواب و الوحوش کالسباع و یأکلون الحیات و العقارب و کل ذی روح خلق فی الارض و لیس یزداد خلق کزیادتهم فلا نشک أنهم سیملئون الارض و یظهرون علیها فیفسدون فیها فهل نجعل لک خرجا علی أن تجعل بیننا و بینهم سدّا قال ما مکنی فیه ربی خیر فأعدوا لی الصخور و الحدید و النحاس حتی أعلم علمهم فانطلق حتی توسط بلادهم فوجدهم علی مقدار واحد یبلغ الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخالیب و أضراس کالسباع و لهم هلب شعر یواری أجسادهم و یتقون به من الحرّ و البرد و لکل واحد أذنان عظیمتان یفترش احداهما و یلتحف بالاخری یصیف فی واحدة و یشتو فی أخری یتسافدون تسافد البهائم حیث التقوا فلما عاین ذو القرنین ذلک انصرف الی بین الصدفین فقاس ما بینهما و حفر له الاساس حتی بلغ الماء فذلک قوله تعالی قالوا یا ذا القرنین ان یأجوج و مأجوج مفسدون فی الارض* و فی أنوار التنزیل فسار حتی اذا بلغ مغرب الشمس أی منتهی العمارة من نحو المغرب و کذا المطلع وجدها تغرب فی عین حامئة أی حارّة أو حمئة من حمأت البئر اذا صارت فیها الحمأة أی فی ماء و طین لعله بلغ ساحل المحیط فرآها کذلک اذ لم یکن فی مطمح بصره غیر الماء و کذلک من کان فی البحر یری فی مطمح بصره کأنها تغرب فی البحر و کذلک من کان فی البرّ أو الجبل لا أن جرم الشمس تغرب فی عین اذ جرم الشمس أکبر من أن یسعها عین و لا تتزایل عن فلکها و لذلک قال وجدها تغرب و لم یقل و کانت تغرب و وجد عند تلک العین قوما کفّارا عراة من الثیاب لباسهم جلود الوحوش و الصید و طعامهم ما لفظه البحر فخیره اللّه بین أن یعذبهم بالقتل علی کفرهم و بین أن یحسن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:103
إلیهم بالارشاد و تعلیم الشرائع ثم اتبع سببا أی طریقا یوصله الی المشرق فسار حتی اذا بلغ مطلع الشمس أی الموضع الذی تطلع علیه الشمس أوّلا من معمورة الارض وجدها فی نظره تطلع علی قوم لم نجعل لهم من دونها سترا من اللباس أو البنیان فان أرضهم لا تمسک الابنیة و انهم اتخذوا الاسراب بدل الابنیة ذکر أبو اللیث کانوا عراة عماة عن الحق فی مکان لا یستقرّ فیه البناء و لیس فیه شجر و لا جبل* و قال قتادة هم الزنج کانوا فی مکان لا ینبت فیه النبات کذلک أی کان أمر ذی القرنین فی أهل المشرق کأمره فی أهل المغرب من التخییر و الاختبار أو صفة هؤلاء القوم مثل ذلک القوم الذی تغرب علیهم الشمس من الکفر و الحکم أو أمر ذی القرنین کما وصفناه فی رفعة المکان و بسطة الملک ثم اتبع طریقا ثالثا معترضا بین المشرق و المغرب آخذا بین الجنوب و الشمال فسار حتی اذا بلغ بین السدّین*

سدّ الاسکندر

فی أنوار التنزیل أی بین الجبلین المبنی بینهما سدّه و هما جبلا أرمینیة و اذربیجان و قیل جبلان فی آخر الشمال فی منقطع أرض الترک منیفان من ورائهما یأجوج و مأجوج* و فی المدارک و هذا المکان فی منقطع أرض الترک مما یلی المشرق* و فی الینابیع هما جبلان قبل المشرق رفیعان بحیث یعجز الخلق عن صعودهما و بلوغ قللهما و کان بینهما واد کبیر و من دونهما قوم لا یکادون یفقهون قولا فقال مترجمهم لذی القرنین ان یأجوج و مأجوج مفسدون فی الارض* عن الکلبی کانا فیما یلی بنات نعش و قیل السدّ وراء بحر الروم و قیل بناحیة أرمینیة و قیل ارتفاعه مقدار مائتی ذراع و عرضه خمسون ذراعا* و فی المدارک بعد ما بینهما مائة فرسخ* و فی الینابیع جاء فی بعض الروایات طوله مائة فرسخ و عرضه خمسون فرسخا* و فی روایة فرسخ فی فرسخ* و فی لباب التأویل قیل ان عرضه خمسون ذراعا و ارتفاعه مائة ذراع و طوله فرسخ* و فی أنوار التنزیل فحفر الاساس حتی بلغ الماء و جعل الاساس من الصخر و النحاس المذاب و البنیان من زبر الحدید أی القطع الکبار من الحدید بینهما الحطب و الفحم حتی ساوی أعلا الجبلین ثم وضع فیه المنافیخ فنفخوا فیه حتی صارت کالنار فصب النحاس المذاب علیها فاختلط و التصق بعضه ببعض و صار جبلا صلدا و قیل بناه من الصخر مرتبطا بعضها ببعض بکلالیب من حدید و نحاس مذاب فی تجاویفها کذا فی أنوار التنزیل و المدارک* و فی الینابیع عن الکلبی حفروا حتی وصلوا الماء فوضعوا قطعة من حدید و قطعة من نحاس و قطعة من صفر بعضها فوق بعض یعنی سافا من حدید و سافا من نحاس و سافا من صفر بعضها فوق بعض و وضعوا الحجارة فی وسطها و الحطب فی خلالها حتی ارتفع الی أعلا الجبل ثم وضعوا المنافیخ الکبار و کان یعمل فیه أربعون ألف عملة فصار بناء رفیعا لا یقدر الطیر أن یطیر من أعلاه ثم نفخوا فیه حتی صار مثل النار ثم صب علیه النحاس المذاب حتی سدّ التجاویف و الثقب و جعلوه أملس حتی لا یقدر علی تسوّره و ترکوه حتی برد فظهر فیه خطوط خط أسود من الحدید و خط أحمر من النحاس و خط أصفر من الصفر*

ذکر یأجوج و مأجوج‌

و روی أن رجلا جاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه انی رأیت ردم یأجوج و مأجوج یعنی السدّ قال صفه لی کیف هو أو قال کیف رأیته قال کالبرد المحبر المخطط طریقة سوداء و طریقة حمراء و فی روایة قال طریقة بیضاء و طریقة سوداء قال علیه السلام أجل رأیته* و فی أنوار التنزیل یأجوج و مأجوج قبیلتان من ولد یافث بن نوح و قیل یأجوج من الترک و مأجوج من الجیل* و قال السدّی الترک طائفة من یأجوج و مأجوج خرجت تغیر فجاء ذو القرنین فضرب السدّ فبقیت خارجة فسموا الترک بذلک لانهم ترکوا خارجین و قیل کانوا یخرجون أیام الربیع فلا یترکون شیئا أخضر الا أکلوه و لا یابسا الا حملوه و قیل کانوا یأکلون الناس و لا یموت أحدهم حتی ینظر الی ألف ذکر من صلبه کلهم قد حمل السلاح و قیل هم علی صنفین طوال مفرط الطول و قصار معرط القصر کذا فی المدارک و عن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:104
علیّ أنه قال منهم من طوله شبر و منهم من هو مفرط قی الطول و أخفاه تسحبان فی الارض و اذا نام یفترش احداهما و یلتحف بالاخری* و فی ربیع الابرار عن ابن عباس یأجوج و مأجوج شبر و شبران و ثلاثة أشبار و هم من ولد آدم و قال کعب هم نادرة فی بنی آدم و ذلک أن آدم احتلم ذات یوم و امتزجت نطفته بالتراب فخلق اللّه من ذلک الماء یأجوج و مأجوج فهم یتصلون بنا مر جهة الاب دون الامّ کذا فی لباب التأویل و فیه نظر لما روی أن الأنبیاء لا یحتلمون* و عن ثوبان أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان یأجوج و ماجوج أمّتان کل أمّة اربعة آلاف فوج قلت صفهم یا رسول اللّه کیف صفتهم قال هم ثلاثة أصناف صنف علی مثال الابل و طول قامتهم کطول الارز و الارز شجر بالشام یکون طوله مائة و عشرین ذراعا فی السماء و صنف منهم عرضه و طوله سواء عشرین و مائة ذراع و هؤلاء لا یقوم لهم جبل و لا حدید و صنف منهم یفترش احدی أذنبه و یلتحف بالاخری لا یمرون بفیل و لا وحش و لا خنزیر الا أکلوه و من مات منهم أکلوه* و فی بعض الروایات علی أبدانهم شعر کشعر البهائم و لهم مخالیب و أنیاب کالسباع و أصواتهم کأصوات الذئاب و صورهم کصور الانسان و طعامهم حشرات الارض و الثعبان و التمساح فیخرج کل سنة تمساح من البحر* و فی روایة أخری تأتی إلیهم حیات من البرّ فیأکلونها* و فی روایة یبعث اللّه علیهم کل سنة سحابة فتمطر فی أرضهم حیة عظیمه یأکلون منها و تکفیهم الی الاخری و أی سنة تأتیهم فیها واحدة تکون جدبا و غلاء علیهم و أی سنة تأتیهم اثنتان تکون وسطی و أی سنة تأتی ثلاثة تکون رخاء وسعة علیهم* و فی حیاة الحیوان التنین ضرب من الحیات کأکبر ما یکون منها کنیته أبو مرداس و هو أیضا نوع من السمک* قال القزوینی فی عجائب المخلوقات انه شر من الکوسج فی فمه أنیاب مثل أسنة الرماح و هو طویل کالنخلة السحوق أحمر العینین مثل الدم واسع الفم و الجوف برّاق العینین یبتلع کثیرا من الحیوان یخافه حیوان البرّ و البحر اذا تحرک تموّج البحر لشدّة قوّته فأوّل أمره یکون حیة متمردة تأکل من دواب البرّ ما تری فاذا کثر فسادها احملها ملک فالقاها فی البحر تفعل بدواب البحر ما کانت تفعل بدواب البر فیعظم بدنها فیبعث اللّه ملکا یحملها و یلقیها الی یأجوج و مأجوج روی عن بعضهم أنه رأی تنینا طوله نحو من فرسخین و لونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس السمک بجناحین عظیمین علی هیئة جناح السمک رأسه کرأس الانسان لکنه کالتل العظیم أذناه طویلتان و عیناه مدوّرتان تبرقان جدّا* و فی روایة طعام یأجوج و مأجوج شوک یابس یکون ببلاد العرب منه کثیر یدقونه و یجعلون منه طعامهم و لا دین لهم و لا یعرفون اللّه و قبل أن یصل الاسکندر الی ذلک المکان بشهرین خرج بعضهم الی المسلمین و قتلوا بعضهم و أخذوا کل ما وجدوا منها الطعام و غیره* و عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان یأجوج و مأجوج یحفرون الردم کل یوم حتی اذا کانوا یرون شعاع الشمس* و فی روایة أخری یلعقون السدّ بألسنتهم فیجعلونه رقیقا کقشر البیض حتی اذا انتهی قال الذی علیهم ارجعوا فستغفرونه غدا فیعیده اللّه کما کان حتی اذا بلغ مدّته قال الذی علیهم ارجعوا فستحفرونه غدا ان شاء اللّه تعالی فیعودون إلیه فیجدونه کهیئته حین ترکوه فیحفرون و یخرجون الی الناس فینشفون المیاه و یتحصن الناس فی حصونهم و ینتشرون فی الارض و لم یسلطوا علی أربعة مساجد مسجد المدینة و المسجد الحرام و مسجد بیت المقدس و مسجد طور سیناء و کثرتهم بحیث اذا خرجوا تکون مقدّمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان یشربون میاه المشرق و یمرّ أوائلهم علی بحیرة طبرته فیشربون ما فیها و یمرّ أواخرهم فیقولون لقد کان بهذه مرة ماء و خروجهم من أمارات تکون بین یدی الساعة کخروج الدجال و دابة الارض و غیر ذلک و سیأتی ذکر دابة الارض و اللّه أعلم*

(ذکر خروج الدجال)

* عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن الدجال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:105
یخرج من أرض بالعراق کثیرة السباخ یقال لها کوثی* و فی المشکاة عن النواس بن سمعان قال ذکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الدجال قال ان یخرج و أنا فیکم فأنا حجیجه دونکم و ان یخرج و لست فیکم فکل امرئ حجیج نفسه و اللّه خلیفتی علی کل مسلم و أقول انه شاب قطط عینه طافئه کأنی أشبهه بعبد العزی بن قطن فمن أدرکه منکم فلیقرأ فواتح سورة الکهف فانها حرز لکم من فتنته و انی لا خاله خارجا ما بین الشام و العراق فعاث یمینا و عاث شمالا یا عباد اللّه فاثبتوا قلنا یا رسول اللّه و ما لبثه فی الارض قال أربعون یوما یوم کسنة و یوم کشهر و یوم کجمعة و سائر أیامه کأیامکم قلنا یا رسول اللّه فذلک الیوم الذی کسنة أ یکفینا فیه صلاة یوم قال لا أقدروا له قدره قلنا یا رسول اللّه و ما اسراعه فی الارض قال کالغیث استدبرته الریح فیأتی علی قوم فیدعوهم فیؤمنون به فیأمر السماء فتمطر و الارض فتنبت فتروح علیهم سارختهم أطول ما کانت ذری و أسبغه ضروعا و أمدّه خواصر ثم یأتی القوم فیدعوهم فیردّون علیه قوله فینصرف عنهم فیصبحون ممحلین لیس بأیدیهم شی‌ء من أموالهم و یمرّ بالخربة فیقول لها أخرجی کنوزک فتتبعه کنوزها کیعاسیب النحل ثم یدعو رجلا ممتلئا شبابا فیضربه بالسیف فیقطعه حزلتین رمیة الغرض ثم یدعوه فیقبل و یتهلل وجهه یضحک فبینما هو کذلک اذ بعث اللّه المسیح عیسی ابن مریم فینزل عند المنارة البیضاء شرقی دمشق بین مهروذتین واضعا کفیه علی أجنحة ملکین اذا طأطأ رأسه قطر و اذا رفع تحدر منه مثل الجمان کاللؤلؤ فلا یحل لکافر یجد ریح نفسه إلا مات و نفسه ینتهی حیث ینتهی طرفه فیطلبه حتی یدرکه بباب لدّ فیقتله* و فی روایة فاذا رآه عدوّا للّه ذاب کما یذوب الملح فی الماء فلو ترکه لذاب حتی یهلک و لکنه یقتله بیده فیریهم دمه فی حربته أخرجه الامام الحافظ أبو عمرو الدانی فی مسنده و روی أن التسبیح و التهلیل یجزی عن الطعام فی زمن الدجال و یعیش بالتسبیح و التکبیر و یجزی ذلک مجزی الطعام* و فی صحیح مسلم یجزی المسلمین من الطعام التسبیح و التهلیل فقیل یا رسول اللّه انا لنعجن عجینا فانخبزه حتی نجوع فکیف بالمؤمن یومئذ قال یجزیهم ما یجزی أهل السماء من التسبیح و التهلیل قال ثم یأتی الی عیسی قوم قد عصمهم اللّه فیمسح عن وجوههم و یحدّثهم بدرجاتهم فی الجنة فبینما هو کذلک اذ أوحی اللّه الی عیسی انی قد أخرجت عبادا لی لا یدان لاحد یقاتلهم فحرز عبادی الی الطور فیبعث اللّه یأجوج و مأجوج و هم من کل حدب ینسلون فیمرّ أوائلهم علی بحیرة طبریة فیشربون ما فیها و یمرّ آخرهم فیقول لقد کان بهذه مرة ماء ثم یسیرون حتی ینتهوا الی جبل الخمر و هو جبل بیت المقدس فیقولون لقد قتلنا من فی الارض هم فلنقتل من فی السماء فیرمون نشابهم الی السماء فیردّ اللّه نشابهم مخضوبة دماء و یحصر نبیّ اللّه و أصحابه حتی یکون رأس الثور لاحدهم خیر من مائة دینار لاحدکم الیوم فیرغب نبیّ اللّه عیسی و أصحابه الی اللّه فیرسل اللّه علیهم النغف فی رقابهم فیصبحون موتی کموت نفس واحدة ثم یهبط نبیّ اللّه عیسی و أصحابه فلا یجدون فی الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم و نتنهم فیرغب نبیّ اللّه عیسی و أصحابه الی اللّه فیرسل اللّه طیرا کأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم بالبهیل و یستوقد المسلمون فی قسیهم و نشابهم و جعابهم سبع سنین ثم یرسل اللّه مطر الا یکنّ منه بیت مدر و لا وبر فیغسل الارض حتی یترکها کالزلفة ثم یقال للارض أنبتی ثمرتک و ردّی برکتک فیومئذ تأکل العصابة من رمانة و یستظلون بقحفها و یبارک اللّه فی الرسل حتی ان اللقحة من الابل لتکفی الفئام من الناس و اللقحة من البقر لتکفی القبیلة و اللقحة من الغنم لتکفی الفخذ من الناس فبینما هم کذلک اذ بعث اللّه ریحا طیبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح کل مؤمن و کل مسلم فتبقی شرار یتهارجون فیها تهارج الحمر فعلیهم تقوم الساعة رواه مسلم الا الروایة الثانیة و هی قوله تطرحهم بالبهیل الی قوله سبع سنین رواه الترمذی و هذا وقع فی البین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:106
فلنذکر بقیة ما یتعلق بالاسکندر و الخضر*

آثار الاسکندر

روی انّ من آثار الاسکندر الاسکندریة بالمغرب بقرب مصر و هی من عجائب البلدان و فیها بنیان عجیب و منار علی أربع أساطین طوله ثلاثمائة ذراع و کان فی القدیم علی ذلک المنار مرآة کبیرة صنعها یلیناس الحکیم تلمیذ أرسطاطالیس الحکیم تلمیذ أفلاطون یطلع بها علی القسطنطینیة و بلاد الروم و الفرنج و فیها اسطوانة تستدیر الدهر کله و منها دمشق بالشام و هراة بخراسان و سمرقند بما وراء النهر و برذع باذربیجان و لما دنت وفاته قسم الممالک لملوک الطوائف لا ینقاد بعضهم لبعض و لم یقدروا أن یحکموا علی الروم التی هی مقام آبائه و مولده و منشأه فبقیت سالمة عن الفتن* و فی المختصر الجامع بنی الاسکندر اثنتی عشرة مدینة و سماها کلها الاسکندریة و مات بناحیة السواد فی موضع یقال له شهرزور و حمل فی تابوت من ذهب الی أمّه بالاسکندریة و قبره هناک و کان عمره ستا و ثلاثین سنة بالاتفاق و مدّة ملکه أربع عشرة سنة و قیل ثلاث عشرة و قیل اثنتا عشرة سنة قیل کان قبل المسیح بثلاثمائة و ثلاث و ستین سنة*

(ذکر الخضر علیه السلام)

* فی شواهد التوضیح فی شرح جامع الصحیح لابن الملقن الکلام علیه فی مواضع (أحدها) فی ضبطه و هو بفتح أوّله و کسر ثانیه و یجوز کسر أوّله و اسکان ثانیه کما فی کبد (و ثانیها) فی سبب تسمیته بذلک قال البخاری لانه جلس علی فروة بیضاء فقام عنها و هی تهتز من خلفه خضراء و الفروة الارض الیابسة أو الحشیش الیابس قال ابن الفارسی الفروة کل نبات مجمع اذا یبس قال الخطابی الفروة وجه الارض اذا أنبتت و اخضرّت بعد أن کانت جرداء و فیه قول آخر لانه اذا جلس اخضر ما حوله (و ثالثها) فی اسمه و فیه أقوال فی قول أن اسمه بلیا بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساکنة ثم مثناة تحتیة ابن ملکان بفتح المیم و سکون اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح حکاه ابن قتیبة عن وهب ابن منبه و حکی ابن الجوزی عن ابن وهب أبلیا بدل بلیا و کان أبوه من الملوک* و فی أنوار التنزیل اسم الخضر بلیان بن ملکان و قیل الیسع و قیل الیاس و فی قول اسمه الخضر بن عامیل قاله کعب الاحبار و فی قول أرمیا بن حزقیا قاله ابن اسحاق و وهاه الطبری و قال أرمیا کان فی زمن بخت نصر و بین عهد موسی و بخت نصر زمن طویل و فی قول الیاس قاله یحیی بن سلام و وهاه ابن اسحاق و فی قول الیسع قاله مقاتل و سمی بذلک لان علمه وسع ست سماوات و ست أرضین و وهاه ابن الجوزی و قال الیسع اسم عجمی لیس بمشتق و فیه قول سادس اسمه أحمد حکاه القشیری و وهاه ابن دحیة فانه لم یسم أحد قبل نبینا صلّی اللّه علیه و سلم بذلک و السابع أن اسمه عامر حکاه ابن دحیة فی کتاب مرج البحرین و فی قول انه خضرون ولد عیص حکاه ابن دحیة و روی الکلبی عن أبی صالح أنه من ولد آدم* و فی لباب التأویل اسمه خضرون بن قابیل بن آدم و عن سعید قال أمه رومیة و أبوه فارسی و قیل انه أبو العباس (و رابعها) فی أیّ وقت کان روی الضحاک عن ابن عباس قال الخضر بن آدم لصلبه و قال الطبری انه الرابع من أولاده و قیل انه من ابن قابیل سبط هارون و کذا قال ابن اسحاق و روی محمد بن أیوب عن ابن لهیعة أنه ابن فرعون موسی و فی القاموس فرعون والد الخضر أو ابنه فیما حکاه النقاش و تاج القرّاء فی تفسیریهما و العهدة علیهما و قال عبد اللّه بن سودون انه من ولد فارس و قیل کان فی أیام افریدون بن اینیان من ملوک فارس قبل موسی و کان علی مقدمة ذی القرنین الاکبر و بقی الی زمان موسی علیه السلام کذا فی الکشاف و أنوار التنزیل و قیل کانت ولادته قبل ابراهیم و لکن أعطی النبوّة بعد یعقوب و یوسف و الاسباط قال الطبری کان فی أیام افریدون کما مر قال و قیل کان علی مقدّمة ذی القرنین الاکبر الذی کان فی أیام الخلیل علیه السلام و هو عند علماء الکتب ذو القرنین الاوّل حیّ الی الآن کذا فی الکامل و ذو القرنین الاکبر عند قوم هو افریدون و قال أهل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:107
الکتاب انه ابن خالة ذی القرنین و وزیره و انه شرب من عین الحیاة و ذکر الثعلبی أیضا اختلافا هل کان فی زمن الخلیل أم کان بعده بقلیل أو بکثیر* و ذکر بعضهم أنه کان فی زمن سلیمان علیه السلام و انه المراد بقوله تعالی قال الذی عنده علم من الکتاب حکاه الداودی و اختلف فیه هل کان نبیا أو ولیا علی قولین و بالثانی جزم القشیری و اختلف أیضا هل کان مرسلا أم لا علی قولین و أغرب ما قیل انه من الملائکة و الصحیح أنه نبیّ و جزم به جماعة و قال الثعلبی هو نبیّ علی جمیع الاقوال هو معمر محجوب عن الابصار و صححه ابن الجوزی أیضا لقوله تعالی حکایة عنه و ما فعلته عن أمری فدل علی أنه نبی أوحی إلیه و انه أعلم من موسی (و خامسها) فی حیاته و قد أنکرها جماعة منهم البخاری و ابراهیم الحربی و ابن المنادی و أفردها ابن الجوزی فی تألیف له و المختار بقاؤها و قال ابن الصلاح هو حیّ عند جماهیر العلماء و الصالحین و العامة معهم فی ذلک و انما أنکرها بعض المحدّثین و قیل انه لا یموت الا فی آخر الزمان حین یرفع القرآن* و فی صحیح مسلم فی حدیث الدجال أنه یقتل رجلا ثم یحییه قال ابراهیم ابن سنین راوی کتاب مسلم انه الخضر و کذا قال معمر فی مسنده و ذکر الشیخ علاء الدولة السمنانی فی العروة الوثقی کنیته و لقبه و اسمه هکذا أبو العباس الخضر علیه السلام أعنی بلیان بن ملکان ابن سمعان و أورد له فیها حدیثین سمعهما عنه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أحدهما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما من مؤمن قال صلّی اللّه علی محمد إلا نضر اللّه قلبه و نوّره و الثانی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا رأیت الرجل لجوجا معجبا برأیه فقد تمت خسارته* و فی کتاب القرّاء عن ابن عباس قال یلتقی الخضر و الیاس فی کل عام فی الموسم فیلحق کل منهما رأس صاحبه و یفترقان عن هذه الکلمات بسم اللّه ما شاء اللّه لا یسوق الخیر الا اللّه ما شاء اللّه لا یصرف السوء الا اللّه ما شاء اللّه ما کان من نعمة فمن اللّه ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة الا باللّه قال فمن قالها حین یصبح و حین یمسی ثلاث مرّات عوفی من السرق و الحرق و الغرق و أحسبه قال و من السلطان و الشیطان و الحیة و العقرب اخرجه أبو ذر* و فی العرائس عن ابن اسحاق الخضر من ولد فارس و الیاس من بنی اسرائیل* و فی زبدة الاعمال عن عبد اللّه رضی اللّه عنه سکن الخضر بیت المقدس فیما بین باب الرحمة الی باب الاسباط و هو یصلی کل جمعة فی خمسة مساجد فی المسجد الحرام و فی مسجد المدینة و فی مسجد بیت المقدس و فی مسجد قباء و یصلی کل لیلة جمعة فی مسجد الطور و یأکل کل جمعة أکلتین من کماءة و کرفس و یشرب من زمزم و من جب سلیمان الذی ببیت المقدس و یغتسل من عین سلوان أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساکر* و فی ربیع الابرار من الأنبیاء أربعة أحیاء اثنان فی السماء عیسی و ادریس و اثنان فی الارض الیاس و الخضر فالیاس فی البرّ و الخضر فی البحر و هما یجتمعان کل لیلة علی ردم ذی القرنین یحرسانه و یحجان کل سنة و لا یراهما الا من شاء اللّه و أکلهما الکرفس و الکماءة و هذه القصة وقعت فی البین و قطعت اتصال حدیث ابراهیم علیه السلام فلنرجع الآن إلیه*

بقیة اخبار ابراهیم علیه السلام‌

و فی الاکتفاء قال أبو الجهم و لما فرغ ابراهیم من بناء البیت و أدخل الحجر فی البیت جعل المقام لاصقا بالبیت عن یمین الداخل فلما کان زمن قریش قصر الخشب علیهم فأخرجوا الحجر و قیل قصرت النفقة من الحلال کما سیجی‌ء و کان ما أخرجوا منه سبعة أذرع و أمر ابراهیم بعد فراغه أن یؤذن فی الناس بالحج فقال یا رب و ما یبلغ صوتی قال اللّه عز و جل أذن فمنک النداء و علیّ البلاغ فارتفع علی المقام و هو یومئذ ملصق بالبیت فارتفع به المقام حتی کان کأطول الجبال فنادی و أدخل اصبعیه فی اذنیه و أقبل بوجهه شرقا و غربا یقول أیها الناس کتب علیکم الحج الی البیت العتیق فأجیبوا ربکم فأجابه من تحت البحور السبعة و من بین المشرق و المغرب الی منقطع التراب من أطراف الارض کلها لبیک اللهم لبیک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:108
أ فلا تراهم یأتون یلبون فمن حج من یومئذ الی یوم القیامة فهو ممن استجاب للّه عز و جل و ذلک قوله تعالی فیه آیات بینات مقام ابراهیم یعنی نداء ابراهیم علی المقام بالحج فهی الآیة* قال الواقدی و قد روی أن الآیة هی أثر ابراهیم علی المقام* و فی أنوار التنزیل و غیره روی أن ابراهیم صعد أبا قبیس فقال یا أیها الناس حجوا بیت ربکم* و فی العرائس فعلا ثبیر و نادی یا عباد اللّه الی آخره فأسمعه اللّه تعالی من فی أصلاب الرجال و أرحام النساء فیما بین المشرق و المغرب ممن سبق فی علمه أن یحج و کان بناء الکعبة بعد أن مضی مائة سنة من عمر ابراهیم علیه السلام و یکون بالتقریب بین بناء الکعبة و بین الهجرة النبویة ألفان و سبعمائة و ثلاث و تسعون سنة قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهیم من الاذان ذهب به جبریل فأراه الصفا و المروة و أقامه علی حدود الحرم و أمره أن ینصب علیها الحجارة ففعل ابراهیم ذلک و کان أوّل من أقام أنصاب الحرم و یریه ایاها جبریل فلما کان الیوم السابع من ذی الحجة خطب ابراهیم علیه السلام بمکة حین زاغت الشمس قائما و اسماعیل جالس ثم خرجا من الغد یمشیان علی أقدامهما یلبیان محرمین مع کل واحد منهما أداوة یحملها و عصا یتوکأ علیها فسمی ذلک الیوم یوم الترویة فأتیا منی فصلیا بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الصبح و کانا نزلا فی الجانب الایمن ثم أقاما حتی طلعت الشمس علی ثبیر ثم خرج یمشی هو و اسماعیل حتی أتیا عرفة و جبریل معهما یریهما الاعلام حتی نزلا بنمرة و جعل یریه أعلام عرفات و کان ابراهیم قد عرفها قبل ذلک فقال ابراهیم قد عرفت فسمیت عرفات فلما زاغت الشمس خرج بهما جبریل حتی انتهی بهما الی موضع المسجد الیوم فقام ابراهیم فتکلم بکلمات و اسماعیل جالس ثم جمع بین الظهر و العصر ثم ارتفع بهما الی الهضبات فقاما علی أرجلهما یدعو ان الی أن غابت الشمس و ذهب الشعاع ثم دفعا من عرفة علی أقدامهما حتی انتهیا الی جمع فنزلا فصلی ابراهیم المغرب و العشاء فی ذلک الموضع الذی یصلی فیه الیوم ثم باتا حتی اذا طلع الفجر وقفا علی قزح فلما أسفرا قبل طلوع الشمس دفعا علی أرجلهما حتی انتهیا الی محسر فأسرعا حتی قطعاه ثم عادا الی مشیهما الاوّل ثم رمیا جمرة العقبة بسبع حصیات حملاها من جمع ثم نزلا من منی فی الجانب الایمن ثم ذبحا فی المنحر الیوم و حلقا رءوسهما ثم أقاما أیام منی یرمیان الجمار حین تزیغ الشمس ماشیین ذاهبین راجعین و صدرا یوم الصدر فصلیا الظهر بالابطح و کل هذا یریه جبریل علیه السلام* قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهیم من الحجّ انطلق الی منزله بالشام و کان یحج البیت کل عام و حجته سارة و حجه اسحاق و یعقوب و الاسباط و الأنبیاء و هلم جرّا و حجه موسی بن عمران علیه السلام روی الواقدی باسناد له الی ابن عباس قال مرّ موسی علیه السلام بصفاح الروحاء یلبی تجاوبه الجبال علیه عباءتان قطوانیتان من عباء الشام و عن جابر بن عبد اللّه رضی اللّه عنه قال حج هارون نبیّ اللّه البیت فمرّ بالمدینة یرید الشام فمرض بالمدینة فأوصی أن یدفن بأصل أحد و لا یعلم به الیهود مخافة أن ینبشوه فدفنوه فقبره هناک* و عن ابن عباس أن الحواریین کانوا اذا بلغوا الحرم نزلوا یمشون حتی یأتوا البیت* و عن ابن الزبیر أن الحواریین خلعوا نعالهم حین دخلوا الحرم اعظاما أن ینتعلوا فیه ثم توفی ابراهیم خلیل اللّه علیه السلام بعد أن وجه إلیه ملک الموت فاستنظره ابراهیم ثم عاد إلیه لما أراد اللّه قبضه فأخبره بما أمر به فسلم ابراهیم لامر اللّه عز و جل فقال ملک الموت یا خلیل اللّه علی أی حال تحب أن أقبضک فقال تقبضنی و أنا ساجد فقبضه و هو ساجد فصعد بروحه الی اللّه عز و جل و دفن ابراهیم علیه السلام بالشام و عاش اسماعیل بعد أبیه ما شاء اللّه و کانت ولایة البیت له ما دام فی حیاته و توفی بمکة و دفن داخل الحجر مما یلی باب الکعبة و هناک قبر أمه هاجر و دفن معها و کانت توفیت قبله* و فی البحر العمیق سأل الفقیه اسماعیل الحضرمی الشیخ محب الدین الطبری عن البلاطة الخضراء التی فی الحجر فأجاب الشیخ بأن البلاطة الخضراء قبر اسماعیل علیه السلام قال و یشبر من رأس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:109
البلاطة الی ناحیة الرکن الغربی مما یلی باب بنی سهم و هو الذی یقال له الیوم باب العمرة ستة أشبار فعند انتهائها یکون رأس اسماعیل علیه السلام انتهی ثم ان العمالیق بنوا الکعبة بعد ابراهیم علیه السلام و بعض المؤرّخین یقدمون بناء جرهم علی بناء العمالقة و اللّه أعلم* و لما توفی اسماعیل ولی البیت بعده ولده نابت و قام مقامه ما شاء اللّه أن یلیه و لم یله أحد من ولده غیره و کان أکبرهم* ثم مات نابت فدفن فی الحجر مع أمه رعلة بنت مضاض فولی البیت بعده جدّه مضاض بن عمرو الجرهمی و ضم بنی نابت و بنی اسماعیل إلیه و لما مات مضاض بقیت ولایة البیت فی أیدی أخواله من جرهم فقاموا علیه فکانت جرهم ولاة البیت و حجابه و ولاة الاحکام بمکة لغلبتهم و استیلائهم و کان البیت قد دخله السیل من أعلاه فانهدم فاعادته جرهم علی بناء ابراهیم و کان طوله فی السماء تسعة أذرع قال بعض أهل العلم الذی بنی البیت الحرام لجرهم أبو الجدرة عمرو فسمی الجادر و یسمی بنوه الجدرة* و فی شفاء الغرام ذکر المسعودی ما یفضی الی أن الذی بنی الکعبة من جرهم هو الحارث بن مضاض الاصغر و جعلت جرهم للبیت مصراعین و قفلا ثم ان جرهم و قطورا بغی بعضهم علی بعض و تنافسوا الملک بها حتی شبت الحرب بینهم علی الملک و بنو اسماعیل و بنو نابت یومئذ مع مضاض و إلیه ولایة الامر و ولایة البیت دون السمیدع فلم یزل البغی بینهم حتی سار بعضهم الی بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعیقعان فی کتیبته سائر الی السمیدع و مع کتیبته عدّتها من الرماح و الدرق و السیوف و الجعاب تقعقع معه و قیل ما سمی قعیقعان الا لذلک و خرج السمیدع بقطوراء من أجیاد و معه الخیل الجیاد و الرجال و قیل ما سمی أجیادا الا لخروج الخیل الجیاد مع السمیدع منه* و غیر ابن اسحاق یقول انما سمی أجیادا لان مضاضا ضرب فی ذلک المواضع أجیاد مائة رجل من العمالقة و قیل بل أمر بعض الملوک غیر مسمی بضرب رقاب فیه فکان یقول السیافة توسط الاجیاد و هذا و نحوه أصح فی تسمیة الموضع باجیاد مما قال ابن اسحاق قال فالتقوا بفاضح فاقتتلوا قتالا شدیدا فقتل السمیدع و فضحت قطورا فیقال ما سمی فاضح فاضحا الا لذلک ثم ان القوم تداعوا الی الصلح فساروا حتی نزلوا المطابخ شعبا بأعلی مکة یقال له شعب عبد اللّه بن عامر ابن کریز فنزلوا بذلک الشعب فاصطلحوا به و أسلموا الامر الی مضاض بن عمرو فلما جمع إلیه أمر مکة و صار ملکها له دون السمیدع نحر للناس و أطعمهم فأطبخ الناس و أکلوا فیقال ما سمیت المطابخ المطابخ الا لذلک و قال ابن اسحاق و قد زعم بعض أهل العلم انها سمیت بذلک لما کان تبع نحر بها و أطعم بها و کانت منزله قال و کان الذی کان بین مضاض و السمیدع أوّل بغی کان بمکة فیما یزعمون فقال مضاض فی تلک الحرب یذکر السمیدع و قتله و بغیه و التماسه ما لیس له
و نحن قتلنا سید الحیّ عنوةفأصبح فیها و هو حیران موجع
و ما کان یبغی أن یکون سوی انالها ملک حتی أتانا السمیدع
فذاق وبالا حسین حاول ملکناو عالج منا غصة تتجرّع
فنحن عمرنا البیت کنا ولاته‌نحاول عنه من أتانا و ندفع
و ما کان یبغی أن یلی ذاک غیرناو لم یک حیّ قبلنا ثم یمنع
و کنا ملوکا فی الدهور التی مضت‌ورثنا ملوکا لا ترام و توضع قال ثم نشر اللّه بنی اسماعیل بمکة و أخوالهم من جرهم اذ ذاک ولاة البیت و الحکام بمکة و کانوا کذلک بعد نابت بن اسماعیل فلما ضاقت علیهم مکة و کثروا بها انبسطوا فی الارض فابتغوا المعایش و التفسح فی الارض فلا یأتون قوما و لا ینزلون بلدا الا أظهرهم اللّه عز و جل علیهم بذنبهم فوطئوهم و غلبوهم حتی ملکوا البلاد و نفوا عنها العمالیق و جرهم علی ذلک بمکة ولاة البیت لا ینازعهم ایاه بنو اسماعیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:110
لخؤولتهم و قرابتهم و اعظام الحرم أن یکون به بغی أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمکة و استحلوا حلالا من الحرمة و ارتکبوا أمورا عظاما و أحدثوا فیها احداثا لم تکن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث و هو مضاض الاصغر فیهم خطیبا فقال یا قوم احذروا البغی فانه لا بقاء لاهله قد رأیتم من کان قبلکم من العمالیق استخفوا بالحرم فلم یعظموه و تنازعوا بینهم و اختلفوا حتی سلطکم اللّه علیهم فأخرجتموهم فتفرقوا فی البلاد فانکم ان فعلتم ذلک تخوّفت علیکم أن تخرجوا منه خروج ذل و صغار فقال قائل منهم یقال له مجدع من الذی یخرجنا منه ألسنا أعز العرب و أکثرهم رجالا و أموالا و سلاحا فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم یقصروا عن شی‌ء مما کانوا یصنعون و کان للبیت خزانة بئر فی بطنها یلقی فیها الحلی و المتاع الذی یهدی له و هو یومئذ لا سقف له و تواعد له خمسة نفر من جرهم أن یسرقوا ما فیه فقام علی کل زاویة من البیت رجل منهم و اقتحم الخامس فجعل اللّه عز و جل أعلاه أسفله و سقط منکسا فهلک و فرّ الاربعة الأخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فی الحرم دخل منهم رجل و امرأة یقال لهما أساف بن بغی و نائلة بنت دیک البیت ففجرا فیه فمسخهما اللّه تعالی حجرین فأخرجا من الکعبة فنصبا علی الصفا و المروة لیعتبر بهما من رآهما و لیزدجر الناس عن مثل ما ارتکبا و یقال ان الرجل من جرهم و المرأة من قطورا ثم لم یزل أمرهما یندرس و یتقادم حتی صارا صنمین یعبدان و قال بعض أهل العلم انه لم یفجر بها فی البیت و انما قبلها و قیل ان عمرو بن لحیّ دعا الناس الی عبادتهما و قال انما نصبا هاهنا لان آباءکم و من کان قبلکم کانوا یعبدونهما و انما ألقاه علیه ابلیس و کان عمرو فیهم شریفا مطاعا متبعا و قد اختلف أهل العلم فی نسبهما و المشهور أن الرجل أساف بن سهیل و المرأة نائلة بنت عمرو بن دیک و لم یزالا یعبدان و یستملهما الطائف اذا فرغ حتی کان یوم الفتح فکسرا* و فی شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فیمن أخرج جرهما من مکة اختلافا یعسر التوفیق بینه قیل ان بنی بکر بن عبد منات بن کنانة و غبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مکة لبغیهم فیها کما سیجی‌ء و قیل ان بنی عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مکة حین لم یترک جرهم بنی عمرو بن عامر أن یقیموا عندهم بمکة حتی یصل إلیهم روّادهم و قیل ان عمرو بن ربیعة بن حارثة بن عمرو أخرج جرهما حین طلب حجابة البیت لسیادته و شرفه و قیل ان بنی اسماعیل أخرجوا جرهما من مکة بعد أن سلط اللّه علی جرهم آفات من الرعاف و النمل الذی فنی به أکثر من أصابهم بمکة و قیل ان اللّه سلط علی الذین یلون البیت من جرهم دواب شبیهة بالنغف فهلک منهم ثمانون کهلا فی لیلة واحدة سوی الشباب حتی جلوا من مکة الی أطم و القول الاوّل ذکره ابن اسحاق لانه قال ثم ان جرهما لما بغوا فی مکة و استحلوا حلالا من الحرمة و ظلموا من دخلها من غیر أهلها و أکلوا مال الکعبة الذی یهدی لها فرّق أمرهم و کان ملکهم یومئذ عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمی فلما رأت بنو بکر بن عبد منات بن کنانة و غبشان من خزاعة ذلک أجمعوا لحربهم و اخراجهم من مکة فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا هم و ایاهم فغلبتهم بنو بکر و غبشان فنفوهم من مکة و کانت مکة فی الجاهلیة لا تقرّ فیها ظلما و لا بغیا لا یبغی فیها أحد الا أخرجته یقال ما سمیت مکة بالناسة بالنون و السین المهملة الا أنها تنسّ من ألحد فیها ای تطرده و تنفیه أو لقلة مائها و النس الیبس کذا قاله الماوردی و لا یریدها ملک یستحل حرمتها الا هلک و یقال ما سمیت باسة بالباء الموحدة و السین المهملة الا لانها تبسّ من ألحد فیها أی تحطمه و منه قوله تعالی و بست الجبال بسا کذا ذکرهما أی الروایتین بالنون و الباء فی زبدة الاعمال* و یقال ما سمیت ببکة الا لانها تبک أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فیها شیئا أی تدقها و ما قصدها جبار الا قصمه اللّه تعالی أو من الازدحام أی ازدحام الناس فیها یبک بعضهم بعضا أی یدفع فی ازدحام الطواف و عن ابن عباس أنه قال مکة من الفج الی التنعیم و بکة
من البیت الی البطحاء و قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:111
عکرمة البیت و ما حوله بکة و ما وراء ذلک مکة و قیل بکة موضع البیت و ما سوی ذلک مکة و قال الضحاک ان مکة و بکة اسمان مترادفان لهذا البلد و الباء بدل من المیم و قیل بکة بالباء الموحدة موضع البیت و فی روایة اسم البیت و قیل مکة اسم المدینة أو قال القریة سمیت بکة بمکة لانها تمک الذنوب أی تذیبها و قیل لانها یؤمّها الناس من کل ناحیة و کل مکان فکأنها تجذبها و هذه الاقوال ترجع الی قول العرب امتک الفصیل ضرع أمّه اذا امتصه و جذب بفیه ما فیه هکذا فی زبدة الاعمال* و فی سیرة مغلطای تسمی أیضا الرأس و صلاح و أمّ رحم و کوبا و أمّ القری و الحاطمة و العرش و طیبة قال ابن اسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمی بغز الی الکعبة و بحجر الرکن فدفنها فی زمزم و انطلق هو و من معه من جرهم الی الیمن قال المسعودی فی أخبار الفرس و کانت الفرس تهدی الی الکعبة أموالا فی صدر الزمان و جواهر و قد کان ساسان بن بابک و قیل اسفندیار أهدی غزالین من ذهب و جوهر و سیوفا و ذهبا کثیرا قد دفن فی زمزم قال فحزنت جرهم علی ما فارقوا من أمر مکة و ملکها حزنا شدیدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فی ذلک و لیس بمضاض الاکبر شعر
کأن لم یکن بین الحجون الی الصفاأنیس و لم یسمر بمکة سامر
بلی نحن کنا أهلها فأزالناصروف اللیالی و الحدود العوابر
و کنا ولاة الامر من بعد نابت‌نطوف بذاک البیت و الخیر ظاهر
و نحن ولینا البیت من بعد نابت‌بعز فما یحظی لدینا المکاثر
ملکنا فعززنا فأعظم بملکناو لیس لحیّ غیر ناثم فاخر
فانکح جدی غیر شخص علمته‌فأبناؤه منا و نحن الاصاهر * قال الفاسی فی شفاء الغرام أفاد المسعودی أمورا لم یفدها غیره فیما علمته منها کون السمیدع و قومه من العمالیق و منها أنهم قدموا مکة قبل جرهم قیل یجوز أن تکون طائفة من العمالیق ولوا مکة قبل جرهم و طائفة من العمالیق غیر الاوّلین ولوا مکة مع جرهم و منها ما ذکره فی مدّة جرهم و أفاد فی تاریخه أن أوّل من ملک من ملوکهم بمکة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقیب بن هنی ابن بنت جرهم بن قحطان مائة سنة ثم کانت ولایة البیت بعده لابنه عمرو بن مضاض مائة و عشرین سنة ثم ملک الحارث بن عمرو مائة سنة و قیل دون ذلک ثم ملک بعده عمرو بن الحارث مائة سنة ثم ملک بعده مضاض الاصغر بن عمرو ابن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقیب بن هنی ابن بنت جرهم بن قحطان أربعین سنة انتهی* و قیل کانت ولایة البیت بعد نابت بن اسماعیل فی جرهم ثلاثمائة و قیل خمسمائة سنة و قیل ستمائة سنة* و فی شفاء الغرام ذکر ابن هشام أن جرهما هو ابن قحطان أبو الیمن و إلیه یجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن نوح و قیل ان جرهما ابن ملک من الملائکة قال ابن عباس کان الملک من الملائکة اذا أذنب ذنبا عظیما أهبط الی الارض و نزعت منه روحانیة الملائکة و جعل فی خلق بنی آدم فأذنب ملک من الملائکة یقال له عذرا أو نحوها ذنبا فکان فی الهواء ثم هبط مکة فتزوّج امرأة من العمالیق فولدت جرهما فذلک قول الحارث بن مضاض
لا همّ ان جرهما عبادک‌و الناس طرف و هم تلادک ثم بنی البیت قصی بن کلاب بعد ما انقرضت العمالقة و جرهم و خلفتهم فیها قریش و استولت علی الحرم لکثرتهم بعد القلة و عزهم بعد الذلة و کان قصی أوّل من جدّدها من قریش بعد ابراهیم و سقفها بخشب الدوم و جرید النخل کذا فی شفاء الغرام ثم بعد قصی بن کلاب بنی البیت قریش و کان ذلک قبل المبعث بخمس سنین و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حضر هذا البناء و هو ابن خمس و ثلاثین سنة و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:112
مولد فاطمة الزهراء تلک السنة کما سیجی‌ء قال ابن اسحاق کانت الکعبة فی عهد قریش وضیمة فوق القامة و لم تکن مسقفة و یخالفه ما مرّ أن قصی بن کلاب بناها مسقفة بخشب الدوم و جرید النخل فهدمتها قریش و بنتها مسقفة و سبب ذلک أنه کان فی جوفها بئر یکون فیها أموال الکعبة فدخلها جماعة لیلا فسرقوها* و فی سیرة ابن هشام و کان الذی وجد عنده الکنز دویک مولی لبنی ملیح بن عمرو من خزاعة و یقال کانت امرأة منهم جمرت الکعبة فطارت شرارة من مجمرتها فتعلقت بثیاب الکعبة فوهن البیت من ذلک فهابوا انهدامه و کان البحر قد ألقی سفینة الی جدّة لرجل من تجار الروم فتحطمت فاشترت قریش خشبها فأعدّوه لسقفها و کان بمکة رجل قبطی نجار فتهیأ لهم فی أنفسهم بعض ما یصلحها و کانت حیة تخرج کل یوم من بئر الکعبة التی کانت یطرح فیها ما یهدی لها فتشرف علی جدار الکعبة و کانت مما یهابونها و ذلک أنه کان لا یدنو منها أحد الا تحرّکت و نشت و فتحت فاها فکانوا یهابونها فبینما هی یوما تشرف علی جدار الکعبة کما کانت تصنع بعث اللّه إلیها طیرا فاختطفها فذهب بها فقالت قریش انا لنرجو أن یکون اللّه قد رضی ما أردنا کذا فی سیرة ابن هشام* و فی روایة لما شرعوا فی نقض البناء و هدمها خرجت علیهم الحیة التی کانت فی بطنها تجرسها سوداء الظهر بیضاء البطن رأسها مثل رأس الجدی فمنعتهم عن ذلک فلما رأوا ذلک اعتزلوا عند مقام ابراهیم و کان یومئذ فی مکانه الذی هو فیه الیوم فتشاوروا فقال لهم الولید بن المغیرة یا قوم أ لستم تریدون بها الاصلاح قالوا بلی قال فان اللّه لا یهلک المصلحین و لکن لا تدخلوا فی عمارة بیت ربکم الا من طیب أموالکم و جنبوه الخبیث فان اللّه طیب لا یقبل الا طیبا* و فی أسد الغابة قال یا معشر قریش لا تدخلوا فی بنیانها من کسبکم الا طیبا لا تدخلوا فیها مهر بغی و لا ربا و لا مظلمة و قیل ان أبا وهب بن عمرو قال هذا ففعلوا و دعوا و قالوا اللهم ان کان لک فی هدمها رضی فأتمه و اشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جوّ السماء کهیئة العقاب ظهره أسود و بطنه أبیض و رجلاه صفراوان و الحیة علی جدار البیت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتی أدخلها أجیاد الصغری قالت قریش انا لنرجو أن اللّه قد قبل عملکم و نفقتکم* و فی حیاة الحیوان الثعبان الذی فی جوف الکعبة اختطفه العقاب حین أراد قریش بناء البیت الحرام و ان الطائر حین اختطفها ألقاها بالحجون فالتقمتها الارض فهی الدابة التی تخرج عند الصفا تکلم الناس*

(ذکر دابة الارض)

* عن عبد اللّه بن عمر رضی اللّه عنهما أنه قال تخرج دابة الارض حین یترک الامر بالمعروف و النهی عن المنکر* و فی لباب التأویل عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول ان أوّل الآیات خروجا طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة علی الناس ضحی و أیتهما کانت قبل صاحبتها فالاخری علی أثرها قریبا و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تخرج الدابة و معها خاتم سلیمان و عصا موسی فتجلو وجه المؤمن و تخطم أنف الکافر بالخاتم حتی ان أهل الجوان لیجتمعون فیقول هذا یا مؤمن و یقول هذا یا کافر و یقول هذا یا کافر و هذا یا مؤمن أخرجه الترمذیّ و قال حدیث حسن* و روی البغوی باسناد الثعلبی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال یکون للدابة ثلاث خروجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصی الیمن فیفشو ذکرها بالبادیة و لا یدخل ذکرها القریة یعنی مکة ثم تمکث زمانا طویلا ثم تخرج خرجة أخری قریبا من مکة فیفشو ذکرها بالبادیة و یدخل ذکرها القریة یعنی مکة ثم بینا الناس یوما فی أعظم المساجد علی اللّه حرمة و أکرمها علی اللّه یعنی المسجد الحرام لم یرعهم الا و هی فی ناحیة المسجد تدنو کذا و تدنو کذا قال عمرو ما بین الرکن الاسود الی باب بنی مخزوم عن یمین الخارج فی وسط من ذلک فارفض الناس عنها و یثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم یعجزوا اللّه فخرجت علیهم تنقض رأسها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:113
من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتی ترکتها کأنها الکواکب الدرّیة ثم ولت فی الارض لا یدرکها طالب و لا یعجزها هارب حتی ان الرجل لیقوم فیتعوّذ منها بالصلاة فتأتیه من خلفه و تقول یا فلان الآن تصلی فیقبل علیها بوجهه فتمسه فی وجهه فیتجاور الناس فی دیارهم و یصطحبون فی أسفارهم و یشترکون فی الاموال یعرف الکافر من المؤمن فیقال للمؤمن یا مؤمن و یقال للکافر یا کافر* و باسناد الثعلبی عن حذیفة بن الیمان ذکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الدابة قلت یا رسول اللّه من أین تخرج قال من أعظم المساجد حرمة علی اللّه* بینما عیسی علیه السلام یطوف بالبیت و معه المسلمون اذ تضطرب و تنشق الصفا مما یلی المسعی و تخرج الدابة من الصفا أوّل ما یبدو منها رأسها ملعة ذات وبر و ریش لن یدرکها طالب و لن یفوتها هارب تسم الناس مؤمنا و کافرا أما المؤمن فتترک وجهه کأنه کوکب درّیّ و تکتب بین عینیه مؤمن و أما الکافر فتنکت بین عینیه نکتة سوداء و تکتب بین عینیه کافر* و روی عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه و هو محرم و قال ان الدابة لتسمع قرع عصای هذه* و عن ابن عمر قال تخرج الدابة لیلة جمع و الناس یسیرون الی منی* و عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال بئس الشعب شعب أجیاد مرّتین أو ثلاثا قیل و لم ذلک یا رسول اللّه قال تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات یسمعها من بین الخافقین* و روی عن أبی الزبیر أنه وصف الدابة فقال رأسها رأس الثور و عینها عین الخنزیر و اذنها اذن الفیل و قرنها قرن ایل بفتح الهمزة و کسر المثناة التحتیة و فتحها الوعل و صدرها صدر أسد و لونها لون نمر و خاصرتها خاصرة هرّ و ذنبها ذنب کبش و قوائمها قوائم بعیر بین کل مفصلین اثنا عشر ذراعا* و عن عبد اللّه بن عمرو قال تخرج الدابة من شعب فیمس رأسها السحاب و رجلاها فی الارض* و روی عن علیّ قال لیست الدابة لها ذنب و لکن لها لحیة و قال وهب وجهها وجه رجل و سائر خلقها کخلق الطیر فتخبر من رآها أن أهل مکة کانوا بمحمد و القرآن لا یوقنون* و فی العمدة فی الحدیث دابة الارض طولها ستون ذراعا* و فی الینابیع عن عبد اللّه بن عمر قال انها تخرج بالطائف و کان عبد اللّه بن عمر بالطائف فضرب برجله الارض قال تخرج من هذه الارض* و فی روایة عنه قال تخرج من غار فی جبل صنعاء فتخرج حتی لو عدا الفرس السریع العدو ثلاثة أیام و لیالیها لم یجاوز رأسها و ما خرج بعد ثلثها من الارض و قیل لا تخرج الا رأسها و رأسها یبلغ عنان السماء و قال الضحاک الدابة تشبه البغل تدور حول الدنیا و بیدها عصا فتضرب الناس بها فاذا ضربت علی رأس الکافر یظهر خط أسود مکتوب فیه هذا کافر باللّه و اذا ضربت علی رأس المؤمن یظهر خط أخضر مکتوب فیه هذا مؤمن باللّه* و فی روایة دابة الارض تقبل علی الکافرین فتقول لهم أیها الکافرون مصیرکم الی النار ثم تقبل علی المؤمنین فتقول لهم مصیرکم الی الجنة* قال السدّی تکلم الناس و تخبرهم ببطلان جمیع الادیان الا دین الاسلام* و فی روایة طولها ستون ذراعا و انها تنکت فی وجه الکافر نکتة سوداء فتفشو فی وجهه حتی یسودّ وجهه و تنکت فی وجه المؤمن نکتة بیضاء فتفشو فی وجهه حتی یبیض وجهه و یتبایعون فی الاسواق فیعرفون المؤمن من الکافر و روی عن مقاتل ان رأسها تخرج من الصفا حتی یری أهل المشرق و المغرب رأسها و عنقها فلما رأوها تتواری حیث خرجت فلما مضت من النهار ست ساعات تضطرب الارض اضطرابا عظیما فیبیت الناس تلک اللیلة علی تخوّف و لما أصبحوا یکثر صیاح الناس و یفشو فیهم الخبر بأن الدجال قد خرج فیهرب الناس الی بیت المقدس و یتبعه ستون ألف یهودی علیهم طیالسة زرق علی رءوسهم و یستوفی تمام الارض فی أربعین یوما و تطوی الارض تحت قدمیه و اذا أراد أن یدخل مکة فتضرب الملائکة وجهه و ظهره و تمنعه عن دخولها و کذا تمنعه عن المدینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:114
و حین یصل بیت المقدس ینزل عیسی ابن مریم و بیده حربة فیضربه بها فیقتله فیقع قتال عظیم بین المسلمین و بین الیهود و تکون الغلبة للمسلمین حتی ان الحجر و الشجر یخبر المؤمن بأن خلفه کافر لیقتله* و فی روایة لا یبقی شجر و لا حائط یتواری به الیهود الا قال یا مؤمن اقتل هذا غیر الغرقد فانه من شجرهم* و فی روایة و لا یبقی شی‌ء مما خلق اللّه عز و جل یتواری به الیهود لا حجر و لا شجر و لا حائط الا أنطق اللّه ذلک الشی‌ء فقال یا عبد اللّه المسلم هذا یهودی فاقتله الا الغرقد فانه من شجر الیهود لا ینطق فبینما هم کذلک اذا جاء الخبر بأن الحبشة قد خرجت و قصدت الکعبة فیبعث عیسی الی مکة من یأتی بالخبر فقبل أن یأتی بالخبر یقبض عیسی و یصلی علیه رجل من هذه الامة اسمه المهدی* و فی ربیع الابرار بلغنا أن عیسی ابن مریم علیه السلام تکون هجرته اذا نزل من السماء الی المدینة فیستوطنها حتی یأتی أمر اللّه و فیه أیضا روی أبو هریرة عنه علیه السلام اذا أهبط اللّه عیسی ابن مریم من السماء فانه یعیش فی هذه الامة ما شاء اللّه ثم یموت بمدینتی هذه و یدفن الی جانب قبر عمر فطوبی لابی بکر و عمر فانهما یحشران بین نبیین و بعد ذلک یخرج یأجوج و مأجوج و تاویل و تاریس و منسک و یغلبون الناس کلهم ثم تطلع الشمس و القمر من المغرب متکدرین کأنهما ثوران أسودان مقطوعا العنق و یرتفعان الی وسط السماء ثم رجعان و یغربان فیغلب یأجوج و مأجوج و یختبئ المسلمون فی المساجد فیمیت اللّه یأجوج و مأجوج کما سبق فیخبر المسلمون بموتهم و لا یصدّقون حتی یروهم بأعینهم فیرسل اللّه الطیر حتی تطرحهم حیث یشاء ثم یرسل اللّه ریحا طیبة حمراء من قبل الیمن فتقبض روح کل مسلم تصیبه و لا یبقی أحد فیمضی علی ذلک مائة سنة أو أربعون سنة ثم تقوم الساعة* و فی خبر آخر عن حذیفة بن الیمان أن الاوّل خروج الدجال ثم نزول عیسی ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج دابة الارض و بعد ذلک لم تلبث الدنیا مقدار أن یلقح أحد رمکته و یرکب فلوها*

أشراط الساعة

و قال بعضهم أشراط الساعة عشرة و قد مضی خمس منها و هی خروج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و انشقاق القمر و الدخان و اللزام و البطشة و کلاهما عذاب یوم بدر قال اللّه تعالی یوم نبطش البطشة الکبری و قال اللّه تعالی ان عذابها کان غراما أی لزاما و بقی خمس و هی خروج یأجوج و مأجوج و خروج الدجال و طلوع الشمس من مغربها و نزول عیسی علیه السلام و خروج دابة الارض و هو آخرها و هی روایة عبد اللّه بن مسعود کذا فی الینابیع و هذا الکلام وقع فی البین و قطع اتصال الکلام فی بناء الکعبة فلنرجع إلیه*

بقیة أخبار بناء الکعبة

روی أنه لما انکسرت السفینة فی نواحی جدّة خرج إلیها الولید ابن المغیرة فی نفر من قریش فاشتروا خشبها کما مرّ و کلموا رئیس السفینة و کان اسمه باقوم الرومی* و فی سیرة مغلطای ان باقوم النجار النبطی الذی قیل انه هو الذی عمل منبره علیه السلام من طرفاء الغابة و قیل الذی عمل منبره علیه السلام اسمه مینا و قیل ابراهیم و قیل صباح و قیل باقول و قیل میمون و قیل قبیصة فیما ذکره ابن بشکوال و کان بناء حاذقا فقالوا له لو بنینا بیت ربنا و قدم الباقون معهم فأمروا بالحجارة فجمعت و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ ابن خمس و ثلاثین سنة کما جزم به ابن اسحاق و غیر واحد من العلماء و قیل ابن خمس و عشرین کما جزم به موسی بن عقبة فی مغازیه و ابن جماعة فی منسکه و کان صلی اللّه علیه و سلم ینقل معهم الحجارة و کانوا یضعون أزرهم علی عواتقهم و یحملون الحجارة علیها ففعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسقط علی الارض من قیام فنودی عورتک و کان ذلک أوّل ما نودی فقال أبو طالب یا ابن أخی اجعل ازارک علی رأسک فقال ما أصابنی الا فی تعری فما رؤیت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عورة رواه البخاری* و فی سیرة ابن هشام قال ان قریشا تجزأت الکعبة و اقترعوا علیها فکان شق الباب لبنی عبد مناف و بنی زهرة و کان ما بین الرکن الاسود و الرکن الیمانی لبنی مخزوم و تیم و قبائل من قریش انضموا إلیهم و کان ظهر الکعبة لبنی جمح و سهم ابنی عمرو بن هصیص بن کعب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:115
ابن لؤیّ و کان شق الحجر و هو الحطیم لبنی عبد الدار بن قصیّ و لبنی أسد بن عبد العزی بن قصی و لبنی عدی بن کعب بن لؤیّ* و فی سیرة ابن هشام ثم ان الناس هابوا هدمها و فزعوا منه فقال لهم الولید بن المغیرة أنا أبدأکم فی هدمها فأخذ المعول ثم قام علیها و هو یقول اللهم لم نرع و یقال لم نزغ اللهم لا نرید الا الخیر ثم هدم من ناحیة الرکنین فتربص الناس تلک اللیلة فقالوا ننظر فان أصیب لم نهدم منها شیئا و رددناها کما کانت و ان لم یصبه شی‌ء فقد رضی اللّه بما صنعنا هدمنا فأصبح الولید من لیلته غادیا علی عمله فهدم و هدم الناس معه حتی انتهی الهدم بهم الی الاساس أساس ابراهیم فوصلوا الی حجارة خضر کالاسنمة آخذ بعضها بعضا* و فی روایة لما بلغوا الاساس الذی رفع علیه ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام القواعد من البیت فأبصروا الحجارة کأنها الابل الخلف لا یطیق الحجر منها ثلاثون رجلا و قد تشبک بعضها ببعض فأدخل الولید بن المغیرة عتلته بین حجرین انفلقت منه فلقة فأخذها وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم ففرّت من یده حتی عادت مکانها و طارت من تحتها برقة کادت أن تخطف الابصار و رجفت مکة بأسرها* و فی روایة أدخل الولید بن المغیرة عتلته بین حجرین لیقلع بها أحدهما فلما تحرّک الحجر رجفت مکة بأسرها فلما رأوا ذلک أمسکوا عن أن ینظروا الی ما تحت ذلک* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و حدثت أن قریشا وجدوا فی الرکن کتابا بالسریانیة فلم یدروا ما هو حتی قرأه لهم رجل من یهود فاذا هو أنا اللّه ذو بکة خلقتها یوم خلقت السموات و الارض و صوّرت الشمس و القمر و حففتها بسبعة أملاک حنفاء لا تزول حتی یزول أخشباها مبارک لاهلها فی الماء و اللبن و قال ابن اسحاق و حدثت أنهم وجدوا فی المقام کتابا فیه مکة بیت اللّه الحرام یأتیها رزقها من ثلاثة سبل لا یحلها رجل من أهلها* ثم قلت بهم النفقة فلم تبلغ عمارة البیت کله فتشاوروا فی ذلک فأجمع رأیهم علی أن یقصروا من قواعد ابراهیم و یحجروا ما یقدرون علیه من بناء البیت و یترکوا بقیته فی الحجر علیه جدار مدار یطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلک و بنوا فی بطن الکعبة أساسا یبنون علیه من شق الحجر و ترکوا من ورائه من فناء البیت سبعة أذرع أو ستة و شبرا فبنوا علی ذلک فلما وضعوا أیدیهم فی بنائها قالوا ارفعوا بابها من الارض حتی لا تدخلها السیول و لا ترقی الا بسلم و لا یدخلها الا من أردتم و ان کرهتم أحدا دفعتموه ففعلوا ذلک و یقال ان الذی قال لهم ذلک أبو حذیفة بن المغیرة* قال ابن اسحاق ثم ان قبائل قریش جمعت الحجارة لبنائها کل قبیلة علی حدة فبنوا سافا من حجر و سافا من خشب بین الحجارة فکان الخشب خمسة عشر مدماکا و الحجارة ستة عشر مدماکا و جعلوا طولها فی السماء ثمانیة عشر ذراعا* و فی سیرة ابن هشام کانت الکعبة علی عهد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثمانیة عشر ذراعا فلما بلغوا موضع الرکن الاسود اختصمت قریش فی أنّ أیّ القبائل یلی رفعه و کثر الکلام فمکثت قریش علی ذلک أربع لیال أو خمسا فاقتضی الحال بینهم أن یحکموا أوّل من یطلع من هذا السفح* و فی المنتقی ثم اتفقوا علی أن أوّل رجل یدخل من باب بنی شیبة یکون هو الذی یضعه موضعه فاذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد طلع فقالوا هذا الامین قد رضینا بحکمه ثم أخبروه الخبر فبسط رداءه ثم وضع الحجر الاسود فیه ثم أمر سید کل قبیلة أن یأخذ طرفا من الثوب* و فی سیرة ابن هشام قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هلم الیّ ثوبا فأتی به فأخذ الرکن فوضعه فیه بیده ثم قال لتأخذ کل قبیلة بناحیة من الثوب ثم ارفعوا جمیعا ففعلوا حتی اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بیده ثم بنی علیه انتهی فذهب رجل من أهل نجد لیناول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حجرا یشدّ به الحجر الاسود فقال العباس بن عبد المطلب لا و نحاه و ناول العباس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حجرا فشدّ به الرکن فغضب النجدی حین نحی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیس یبنی معنا فی البیت إلا منا ثم بنی حتی انتهوا الی موضع الخشب و سقفوا البیت و جعلوا فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:116
ست دعائم فی صفین فی کل صف ثلاث دعائم من الشق الشامیّ الذی یلی الحجر الی الشق الیمانی و جعلوا درجة من خشب فی بطنها من الرکن الشامی یصعد فیها الی ظهرها و زوّقوا سقفها و جدر انها من بطنها و دعائمها و جعلوا فی دعائمها صور الأنبیاء و الملائکة و الشجر و لما کان یوم الفتح أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بطمس تلک الصور فطمست و جعلوا لها بابا واحدا فکان یغلق و یفتح و کانوا قد أخرجوا ما کان فی البیت من حلی و مال و جعلوه عند أبی طلحة و أخرجوا هبلا و نصبوه عند المقام حتی فرغوا من بناء البیت و ربطوا ذلک المال فی الجب و نصبوا هبلا مکانه کما کان قبل ذلک و کسوها حین فرغوا من بنائها خبرات یمانیة* و فی سیرة ابن هشام و کانت الکعبة تکسی القباطی ثم کسیت البرود و أوّل من کساها الدیباج الحجاج بن یوسف ثم بنی الکعبة بعد قریش عبد اللّه بن الزبیر بعد أن هدمها کلها و سببه توهن الکعبة من حجارة المنجنیق التی اصابتها حین حوصر ابن الزبیر بمکة اذ تحصن فی المسجد الحرام أوّل مرّة قبل حصار الحجاج حاصره الحصین بن نمیر السکونی فی أوائل سنة أربع و ستین من الهجرة بأمر یزید بن معاویة کما سیجی‌ء فی الموطن الثانی فی خلافة عبد اللّه بن الزبیر روی أن أوّل حجر منها لما وقع علی الکعبة سمع لها أنین کأنین الریض آه آه و مما أصابها من ذلک من الحریق بسبب النار التی أوقدها بعض أصحاب ابن الزبیر فی خیمة له فصارت الریاح تلهب تلک النار فأحرقت کسوة الکعبة و الساج الذی جعل فی سافات جدارها حین عمرتها قریش فضعفت جدران الکعبة حتی انها لتنقضّ من أعلاها الی أسفلها و یقع الحمام علیها فتتناثر حجارتها و لما زال الحصار عن ابن الزبیر لأدبار الحصین بن نمیر من مکة بعد أن بلغه خبر موت یزید بن معاویة رأی ابن الزبیر أن یهدم الکعبة و یبنیها فوافقه علی ذلک نفر قلیل منهم جابر بن عبد اللّه و جبیر بن عمیر و کره ذلک نفر کثیر منهم عبد اللّه بن عباس و لما أجمع علی هدمها خرج کثیر من أهل مکة الی منی فأقاموا بها ثلاثا مخافة أن یصیبهم عذاب بسبب هدمها و أمر ابن الزبیر جماعة من الحبشة فهدمتها رجاء أن یکون فیهم الذی أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه یهدمها فهدمت الکعبة أجمع حتی بلغت الارض و کان هدم ابن الزبیر لها یوم السبت النصف من جمادی الآخرة سنة أربع و ستین* و فی روایة لما أمر ابن الزبیر بهدمها ما اجترأ علی ذلک أحد فلما رأی ذلک علاها هو بنفسه و أخذ المعول و جعل یهدمها و یرمی أحجارها فلما رأوا أنه لا یصیبه شی‌ء اجترءوا فصعدوا و هدموا حتی بلغوا الاساس الاوّل فقال لهم زیدوا فقالوا قد رأینا صخورا معمولة أمثال الابل الخلف قال یزید بن رومان شهدت ابن الزبیر حین هدمه و بناه و أدخل فیه من الحجر و قد رأیت أساس ابراهیم کأسنمة الابل فقال ابن الزبیر زیدوا و احفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار تلقاهم فقال ما لکم قالوا لسنا نستطیع أن نزید رأینا أمرا عظیما فقال لهم ابنوا علیه قال عطاء یرون أن ذلک الصخر من بناء آدم علیه السلام* و فی العرائس هدم عبد اللّه بن الزبیر الکعبة حتی ساواها بالارض و کان الناس یطوفون بها من وراء الاساس و یصلون الی موضعها و جعل الحجر الاسود فی صندوق عنده و قفل علیه و کان قد تصدّع و انکسر بثلاث فرق من الحریق الذی أصاب الکعبة فانشطت منه شطیة کانت عند بعض آل شیبة بعد ذلک بدهر طویل فشدّه ابن الزبیر بالفضة الا تلک الشطیة من أعلاه بین موضعها فی أعلی الرکن فلما بلغ البناء موضع الرکن جاء ابن الزبیر حتی وضعه بنفسه و قیل وضعه ابنه عیاد و شدّه بالفضة و ذکر الازرقی ان عبد اللّه بن الزبیر أمر ابنه عبادا و جبیر بن شیبة أن یجعلا الرکن فی ثوب واحد و یخرجانه و هو یصلی بالناس فی صلاة الظهر فی یوم شدید الحرّ لئلا یعلم الناس بذلک فیتنافسوا فی وضعه فیه ففعلا ذلک و قیل وضعه حمزة بن عبد اللّه بن الزبیر بأمر أبیه* و فی تاریخ الازرقی کان ابن الزبیر ربط الرکن الاسود بالفضة لما أصابه من الحریق و کانت الفضة قد تزلزلت و تقلقلت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:117
حول الحجر حتی خافوا علیه أن ینقض فلما اعتمر هارون الرشید و جاور فی سنة تسع و ثمانین و مائة أمر بالحجارة التی هی بینها و بین الحجر الاسود فثقبت بالماس من فوقها و من تحتها ثم أفرغ فیها الفضة کذا فی شفاء الغرام و جعل لها بابین شرقیا و غربیا یدخل من الشرقی و یخرج من الغربی و بناها علی قواعد ابراهیم و أدخل فیها ما نقصته قریش من الحجر و زاد فی طولها فی السماء تسعه أذرع أخری فضار ارتفاعها سبعا و عشرین ذراعا و لم تزل کذلک حتی قتل ابن الزبیر و لما فرغ من بنائها خلقها من داخلها و خارجها و من أعلاها الی أسفلها بالمسک و العنبر* و فی إیضاح المناسک أن ابن الزبیر خلق حول الکعبة کله و عن عائشة لأن أطیب الکعبة أحب الیّ من أن أهدی لها ذهبا أو فضة و کساها القباطی و الدیباج و قال من کانت لی علیه طاعة فلیخرج و لیعتمر من التنعیم فمن قدر علی أن ینحر بدنة فلیفعل و من لم یقدر فلیذبح شاة و من لم یقدر فلیتصدّق بقدر قدرته و خرج ماشیا و خرج الناس معه مشاة حتی اعتمروا من التنعیم شکرا للّه تعالی و لم یر یوم أکثر عتیقا و لا أکثر بدنة منحورة و لا شاة مذبوحة و لا صدقة منه فی ذلک الیوم و نحر ابن الزبیر مائة بدنة* و أما بناء الحجاج ابن یوسف الثقفی فما روی أنه بناها بأمر عبد الملک بن مروان حین أرسله الی حرب عبد اللّه بن الزبیر فحاصره الحجاج بمکة و قتله و صلبه بالحجون سنة أربع و سبعین و ولی الحجاج الحجاز من قبل عبد الملک بن مروان کذا فی العرائس و سیجی‌ء فی الفصل الثانی من الموطن الاوّل و أن الحجاج بعد ما حاصر ابن الزبیر و ظفر به کتب الی عبد الملک بن مروان یخبره أن ابن الزبیر زاد فی الکعبة ما لیس منها و أحدث فیها بابا آخر و استأذنه فی ردّ ذلک علی ما کانت علیه فی الجاهلیة فکتب إلیه عبد الملک أن یسدّ بابها الغربی و یهدم ما زاد فیها ابن الزبیر من الحجر ففعل ذلک الحجاج فبناؤه فی الکعبة الجدار الذی من جهة الحجر بسکون الجیم و الباب الغربی المسدود فی ظهر الکعبة عند الرکن الیمانی و ما تحت عتبة الباب الشرقی و هو أربعة أذرع و شبر علی ما ذکره الازرقی و ترک بقیة الکعبة علی بناء ابن الزبیر و کان ذلک فی سنة أربع و سبعین من الهجرة علی ما ذکره ابن الاثیر کذا فی شفاء الغرام* و فی العرائس فنقض الحجاج بنیان الکعبة الذی بناه ابن الزبیر بأمر عبد الملک و أعادها الی بنائها الاوّل بمشهد من مشایخ قریش فهی الیوم علی ما بناه الحجاج*

عدّة بناء الکعبة

و فی البحر العمیق اعلم أن الکعبة بنیت سبع مرّات الاولی بناء الملائکة أو آدم علی الخلاف الثانیة بناء ابراهیم الثالثة بناء العمالقة الرابعة بناء جرهم الخامسة بناء قریش قبل الاسلام بخمسة أعوام و قد حضر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا البناء السادسة بناء عبد اللّه بن الزبیر السابعة بناء الحجاج بن یوسف الثقفی و هو الذی من ناحیة حجر اسماعیل الذی هو موجود الیوم* و فی شفاء الغرام لا شک أن الکعبة بنیت مرارا و قد اختلف فی عدد بنائها و یتحصل من مجموع ما قیل فیه أنها بنیت عشر مرّات منها بناء الملائکة و منها بناء آدم و منها بناء أولاده و منها بناء ابراهیم و منها بناء العمالیق و منها بناء جرهم و منها بناء قصیّ بن کلاب و منها بناء قریش و منها بناء ابن الزبیر و منها بناء الحجاج و وجدت بخط عبد اللّه بن عبد الملک المرجانی ان عبد المطلب جدّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنی الکعبة بعد قصیّ و قبل بناء قریش و لم أر ذلک لغیره و أخشی أن یکون ذلک و هما و اللّه أعلم* و فی تشویق الساجد أن الحجاج هدم الکعبة و بناها و لم یغیر طولها فی السماء و نقص طولها فی الارض مما یلی الحجر منها ستة أذرع و فی روایة سبعة أذرع ترکها فی الحجر و بناها علی أساس قریش فالدرجة التی فی بطنها الیوم و البابان اللذان علیها الیوم هما من عمل الحجاج قال و استمرّت الکعبة الی یومنا هذا علی بناء الحجاج و سیبقی هذا البناء الی أن تخربها الحبشة و تقلعها حجرا حجرا کما ورد فی الحدیث و فی خبر آخر تجی‌ء الحبشة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:118
و یخربونها خرابا لا تعمر بعده أبدا و هم الذین یستخرجون کنزه أخرجه الحاکم فی مستدرکه* و فی المستدرک أیضا أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال لیحجن هذا البیت و لیعتمرن بعد خروج یأجوج و مأجوج قال العلماء لا یغیر هذا البناء و یروی أن الخلیفة هارون الرشید و قیل أبوه المهدی و قیل جدّه المنصور أراد أن یغیر ما صنعه الحجاج فی الکعبة و أن یردّها الی ما صنع ابن الزبیر فنهاه عن ذلک الامام مالک بن أنس و قال نشدتک اللّه یا أمیر المؤمنین لا تجعل بیت اللّه ملعبة للملوک لا یشاء أحد منهم أن یغیره الا غیره أو قال الا نقضه و بناه فتذهب هیبته من قلوب الناس کذا فی شفاء الغرام*

نقل الحجر الاسود

و ذکر أهل التاریخ أن عبد اللّه أبا طاهر القرمطی و هو منسوب الی رجل یقال له حمدان قرمط و هی احدی قری واسط و سیجی‌ء فی الخاتمة فی خلافة المقتدر باللّه وافی مکة فی سابع ذی الحجة و قیل فی ثامنه سنة سبع عشرة و ثلاثمائة فی خلافة المقتدر باللّه و فعل فیها هو و أصحابه أمورا منکرة منها أن بعضهم ضرب الحجر الاسود بدبوس فکسره ثم قلعه و قیل قلعه جعفر بن علاج البناء بأمر أبی طاهر یوم الاثنین بعد الصلاة لاربع عشرة لیلة خلت من ذی الحجة من السنة المذکورة و قلع الباب و أصعد رجلا من أصحابه لیقلع المیزاب فتردی و مات و أخذ اسلاب اهل مکة و الحجاج و انصرف و معه الحجر الاسود و علقه علی الاسطوانة السابعة من الجانب الغربی من جامع الکوفة ظنا منه أن الحج ینتقل الی الکوفة ثم حمل الی بلاد هجر و بقی عند القرامطة اثنین و عشرین سنة الا أربعة أیام کذا قال المسیحی و قیل إلّا شهرا و قیل ثمانیة و عشرین سنة* و فی العرائس قلع القرمطی صاحب البحرین لعنه اللّه الحجر الاسود عام أوقع بالحجیج بمکة فذهب به مع أسری من الحجاج الی البحرین و کان الامیر یحکم الترکی مدبرا للخلافة ببغداد بذل للقرمطی خمسین ألف دینار لیردّه فأبوا و قالوا أخذناه بأمر و لا نردّه الا بأمر* و قیل ان المطیع للّه العباسی اشتراه بثلاثین ألف دینار من القرامطة کذا قال ابن جماعة فی منسکه و فیه نظر لان أبا طاهر مات قبل خلافة المطیع فی سنة اثنین و ثلاثین و ثلاثمائة علی ما ذکره ابن الاثیر و غیره و قیل ان أبا طاهر باعه من المقتدر باللّه بثلاثین ألف دینار و أعید الی موضعه من البیت فی خلافة المطیع للّه لخمس خلون من ذی الحجة سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة و بقی موضع الحجر الاسود من الکعبة خالیا مدّة بقائه عند القرامطة یضع الناس فیه أیدیهم للتبرّک الی حین ردّ الی موضعه من الکعبة المعظمة و ذلک فی یوم الثلاثاء یوم النحر سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة علی ما ذکره المسیحی روی أنه لما أخذه القرمطی هلک تحته أربعون جملا و لما أعید أنفذ علی قعود أعجف فسمن تحته و زاد جسمه الی مکة و ذکر المسیحی أن الذی وافی به مکة سنبر ابن الحسن القرمطی و ان سنبر لما صار بفناء الکعبة و معه أمیر مکة أظهر الحجر من سفط و علیه ضبات من فضة و قد عملت من طوله و من عرضه تضبط شقوقا حدثت علیه بعد انقلاعه و أحضر معه جصا لیشدّ به فوضع سنبر الحجر بیده و شدّه الصانع بالجص و قال سنبر لما ردّه أخذناه بقدرة اللّه و رددناه بمشیئة اللّه تعالی و نظر الناس الی الحجر فتنافسوه و قبلوه و استلموه و حمدوا اللّه تعالی و کان ردّ الحجر الی موضعه قبل حضور الناس لزیارة الکعبة یوم النحر و سیجی‌ء فی الخاتمة فی خلافة المقتدر باللّه و أما ما صنعه الحجبة بالحجر الاسود بأثر ردّ القرمطی له فذکر المسیحی أنه فی سنة أربعین و ثلاثمائة قلع الحجبة الحجر الاسود الذی نصبه سنبر و جعلوه فی الکعبة خوفا علیه و أحبوا أن یجعلوا له طوقا من فضة یشدّ به کما کان قدیما حین عمله ابن الزبیر فأخذ فی اصلاحه صانعان صادقان فعملا له طوقا من فضة و أحکماه و نقل المسیحی عن محمد بن نافع الخزاعی أن مبلغ ما علی الحجر الاسود من الطوق و غیره ثلاثة آلاف و سبعمائة و تسعون درهما و نصف علی ما قیل انتهی و هذه الحلیة غیر حلیة الحجر الاسود الآن لان داود بن عیسی الحسنی أمیر مکة أخذ طوق الحجر الاسود قبل عزله من مکة فی سنة خمس و ثمانین و خمسمائة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:119
علی ما ذکره أبو شامة و غیره و لم أتحقق أن الحجر الاسود قلع من موضعه بعد ردّ القرامطة له الی یومنا هذا غیر أن بعض الفقهاء المصریین أخبرنی أن الحجر قلع من موضعه سنة احدی و ثمانین و سبعمائة و أما ما أصاب الحجر الاسود بعد فتنة القرامطة له من بعض الملاحدة مثلهم فذکر أبو عبد اللّه محمد بن علی بن عبد الرحمن أنه فی سنة ثلاث عشرة و أربعمائة یوم النفر الاوّل قام رجل فقصد الحجر الاسود فضربه ثلاث ضربات بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلک الضربات و تساقطت منه شطایا مثل الاظفار و خرج مکسره أسمر یضرب الی الصفرة محببا مثل الخشخاش فأقام الحجر علی ذلک یومین ثم ان بنی شیبة جمعوا الفتات و عجنوها بالمسک و اللک و حشوا الشقوق و طلوها بطلاء من ذلک و ذکر ابن الاثیر هذه الحادثة فی أخبار سنة أربع عشرة و أربعمائة ثم بعث الولید بن عبد الملک الی والیه علی مکة خالد بن عبد اللّه القشیری بستة و ثلاثین ألف دینار فضرب منها علی باب الکعبة صفائح الذهب و علی میزاب الکعبة و علی الاساطین التی فی بطنها و علی الارکان التی فی جوفها فکل ما علی الارکان و المیزاب من الذهب فهو من عمل الولید و هو أوّل من ذهب البیت فی الاسلام و أما ما کان علی الباب من عمل الولید فبقی کذلک الی أن رق و تفرّق فرفع ذلک للمعتصم محمد بن الرشید فی خلافته فأرسل الی سالم بن الجرّاح عامله علی مکة بثمانیة عشر ألف دینار لیضرب بها صفائح علی باب الکعبة فقلع ما کان علی الباب من الصفائح و زاد علیه الثمانیة عشر ألف دینار فضرب الصفائح التی علیه الیوم و حلقتا الباب و العتبة کلها من عمل أمیر المؤمنین المعتصم محمد بن الرشید فالذی علی الباب من الذهب ثلاثة و ثلاثون ألف مثقال و عمل للولید بن عبد الملک الرخام الاخضر و الابیض و الاحمر فی بطنها مؤزرا به جدرانها و فرشها بالرخام فجمیع ما فی الکعبة من الرخام هو من عمل الولید بن عبد الملک و هو أوّل من فرشها بالرخام و أزّر به جدرانها و هو أوّل من زخرف المساجد*

أوّل من کسا الکعبة

قال الازرقی قال ابن جریج کان تبع أوّل من کسا البیت کسوة کاملة أری فی المنام أن یکسوها فکساها الایطاع ثم أری أن یکسوها فکساها الوصائل و هی ثیاب مخططة یمانیة کذا فی الصحاح* و فی إیضاح النووی الوصائل ثیاب حبرة من عصب الیمن* و فی الوفاء اسم تبع الذی کسا الکعبة أسعد* و فی شفاء الغرام کسیت الکعبة فی الجاهلیة و الاسلام أنواعا من الکساء منها الخصف و المغافر و الملاء و الوصائل و العصب کساها کلها تبع الحمیری و کان مؤمنا و قد سبق ذکره و کساها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثیابا یمانیة و کساها أبو بکر و عمرو عثمان قباطی من مصر و کساها معاویة و ابن الزبیر رضی اللّه عنهم و من بعدهم کذا روی الازرقی و کانت تکسی یوم عاشوراء ثم صار معاویة یکسوها فی السنة مرّتین ثم کان المأمون یکسوها ثلاث مرّات فیکسوها الدیباج الاحمر یوم الترویة و القباطی یوم هلال رجب و الدیباج الابیض یوم سبع و عشرین من رمضان و هذا الابیض ابتدأه المأمون سنة ست و مائتین حین قالوا له الدیباج الاحمر یتخرّق قبل الکسوة الثانیة فسأل عن أحسن ما تکون الکعبة فیه قیل الدیباج الابیض ففعله و کان عبد اللّه بن الزبیر یجمر الکعبة کل یوم برطل من الطیب و یوم الجمعة برطلین و أجری معاویة للکعبة الطیب لکل صلاة و أجری الزیت لقنادیل المسجد الحرام من بیت المال*

ذرع الکعبة

و فی تشویق الساجد أما ذرع الکعبة الشریفة و ذرع ما بین الارکان و غیرهما فاعلم أن الذراع أربع و عشرون أصبعا مضمومة سوی الابهام بعدد حروف لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و الاصبع ست شعیرات و الشعیرة ست شعرات من شعر البغل و ذرع الکعبة الشریفة الیوم ارتفاعها الی السماء سبعة و عشرون ذراعا و ربع ذراع و من الرکن الاسود الی الرکن العراقی ثلاثة و عشرون ذراعا و ربع ذراع و من الرکن العراقی الی الرکن الشامی اثنان و عشرون ذراعا و من الرکن الشامی الی الرکن الیمانی أربعة و عشرون ذراعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:120
و شبر و الشبر اثنا عشر أصبعا و من الرکن الیمانی الی الرکن الاسود أحد و عشرون ذراعا و شبر* و فی إیضاح النووی الکعبة الیوم طولها فی السماء سبعة و عشرون ذراعا و أما طولها فی الارض و هو ما بین الرکن الاسود و الرکن العراقی الذی یلی باب الحجر الذی یلی المقام فخمسة و عشرون ذراعا و بین الیمانی و الغربی کذلک و أما عرضها و هو ما بین الرکنین الیمانی و الاسود فعشرون ذراعا و بین الشامی و الغربی أحد و عشرون ذراعا* قال العبد الضعیف حسین بن محمد الدیار بکری غفر اللّه لهما أنا لما ذرعت بین أرکان الکعبة الشریفة و غیرها فی شوّال سنة احدی و ثلاثین و تسعمائة وجدت بعضها مخالفا لما فی التشویق و الایضاح فوجدت بین الرکن الاسود و العراقی أربعة و عشرین ذراعا و نصف ذراع مخالفا لما فی الکتابین معا و بین العراقی و الغربی أحدا و عشرین ذراعا موافقا لما فی الایضاح و بین الغربی و الیمانی خمسة و عشرین ذراعا کما فی الایضاح أیضا و بین الیمانی و الاسود أحدا و عشرین ذراعا و سبع أصابع مخالفا لما فی الکتابین معا* و فی تشویق الساجد و عرض جدار الکعبة ذراعان و لها سقفان أحدهما فوق الآخر و فیها ثلاثة أعمدة مصطفة علی طولها کلها من خشب الساج و عرض الباب أربعة أذرع و ارتفاع الباب و طوله الی السماء ستة أذرع و عشرة أصابع و الباب فی الجدار الشرقی و الباب من خشب الساج مضبب بصفائح من الفضة و عرض سطح الکعبة ثمانیة عشر ذراعا فی خمسة عشر ذراعا و المیزاب فی وسط الجدار الذی یلی الحجر و عرض الملتزم و هو ما بین الباب و الحجر الاسود أربعة أذرع و ارتفاع الحجر الاسود من الارض ثلاثة أذرع إلّا سبعة أصابع و عرض القدر الذی یری منه شبر و أربعة أصابع مضمومة* قال حسین بن محمد أنا وجدت عرض الملتزم أربعة أذرع و ستة أصابع و ارتفاع ما تحت عتبة الباب من الارض أربعة أذرع و ثلاثة أصابع و عرض المستجار و هو ما بین الرکن الیمانی الی الباب المسدود فی ظهر الکعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع و خمسة أصابع و یسمی ذلک الموضع مستجارا من الذنوب و عرض الباب المسدود ثلاثة أذرع و نصف ذراع* و فی الایضاح و أما الحجر فهو محوط مدوّر علی صورة نصف دائرة و هو خارج من جدار البیت فی صوب الشام و هو کله أو بعضه من البیت ترکته قریش حین بنت البیت و أخرجته عن بناء ابراهیم و صار له جدار قصیر و روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها نذرت ان فتح اللّه تعالی مکة علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تصلی فی البیت رکعتین فلما فتحت مکة أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیدها و أدخلها الحطیم و قال صلّی هاهنا فان الحطیم من البیت الا أن قومک قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البیت و لو لا حدثان عهد قومک بالجاهلیة لنقضت بناء الکعبة و أظهرت قواعد الخلیل و أدخلت الحطیم فی البیت و ألصقت العتبة بالارض و جعلت له بابین شرقیا و غربیا و لئن عشت الی قابل لأفعلنّ ذلک و لم یعش و لم یفرغ لذلک الخلفاء الراشدون حتی کان فی زمن عبد اللّه بن الزبیر و کان سمع الحدیث من عائشة ففعل ذلک و أظهر قواعد الخلیل بمحضر من الناس و أدخل الحطیم فی البیت فلما قتل کره الحجاج أن یکون بناء البیت علی ما فعله ابن الزبیر فنقض بناء البیت و أعاده علی ما کان فی الجاهلیة کذا فی شرح الوقایة* قال الازرقی فی تاریخ مکة الحجر ما بین الرکن الشامی و الغربی و أرضه مفروشة برخام و هو مستو بالشاذروان الذی تحت ازار الکعبة و عرضه من جدار الکعبة الذی تحت المیزاب الی جدار الحجر سبعة عشر ذراعا و ثمانیة أصابع و ذرع ما بین بابی الحجر عشرون ذراعا و ذرع جداره من داخله فی السماء ذراع و أربعة عشر أصبعا و ذرعه مما یلی الباب الذی یلی المقام ذراع و عشرون أصبعا و ذرعه من خارجه مما یلی الرکن الشامی ذراع و ستة عشر أصبعا و طوله فی وسطه فی السماء ذراعان و ثلاثة أصابع و عرض الجدار ذراعان الا إصبعین و ذرع تدویر الحجر من داخله ثمانیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:121
و ثلاثون ذراعا و من خارجه أربعون ذراعا و ستة أصابع و طول الشاذروان فی السماء ستة عشر أصبعا و عرضه ذراع و ذرع طوفة واحدة حول الکعبة و الحجر مائة ذراع و ثلاثة و عشرون ذراعا و اثنا عشر أصبعا أقول و ما ذرعته مخالف لبعض هذا أیضا و سیجی‌ء و أما الشاذر و ان فهو الاحجار اللاصقة بجدار الکعبة علیها البناء المسنم القصیر المرخم من جوانبها الثلاثة الشرقی و الغربی و الیمانی و بعض حجارة الجانب الشرقی لا بناء علیه و هو شاذر و ان أیضا و أما الاحجار اللاصقة بجدار الکعبة التی تلی الحجر فلیس بشاذر و ان لان موضعها من الکعبة بلا ریب کذا فی شفاء الغرام* قال العبد الضعیف حسین بن محمد الدیار بکری أنا ذرعت ذلک فوجدت طول الشاذر و ان فی السماء فی بعض المواضع ذراعا و ستة أصابع و فی بعضها ذراعا و أربعة أصابع و عرضه فی بعض المواضع اثنین و عشرین اصبعا و فی بعضها ثمانیة عشرا صبعا و الشاذر و ان لیس من الکعبة عند الائمة الحنفیة بل هو عارض ملصق بأصل الجدار لاحکامه و من البیت عند الائمة الشافعیة و هو المقدار الذی ترک من عرض الاساس خارجا من الجدار خالیا عن البناء الطویل فان قریشا لما رفعت الاساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الارض نقصوا عرض الجدار عن الاساس و أما خبر عمارة الحجر فروی أن المنصور العباسی لما حج دعا زیاد بن عبید اللّه الحارثی أمین مکة فقال انی رأیت الحجر حجارته بادیة فلا أصبحنّ حتی یصیر جدار الحجر بالرخام فدعا زیاد بالعمال فعملوا علی السراج قبل أن یصبح و کان قبل ذلک مبنیا بحجارة بادیة لیس علیه رخام و کان ذلک فی سنة احدی و أربعین و مائة ثم ان المهدی بعد ذلک فی سنة احدی و ستین و مائة جدّد رخامه برخام حسن قال صاحب شفاء الغرام لم یذکر الازرقی السنة التی أمر فیها المنصور بعمل رخامه* قال العبد الضعیف مؤلف الکتاب حسین بن محمد الدیار بکری عفا اللّه عنه و عن أسلافه لما ذرعت وجدت عرض الحجر من تحت ازار الکعبة الی جدار الحجر سبعة عشر ذراعا و سبعة عشر أصبعا و ما بین بابی الحجر عشرین ذراعا و تسعة عشر أصبعا و عرض کل من بابی الحجر خمسة أذرع و أربعة عشر أصبعا و وجدت ارتفاع جدار الحجر من الارض ذراعین و ثمانیة أصابع و عرض جدار الحجر ذراعین و أحدا و عشرین أصبعا و وجدت ذرع تدویر جدار الحجر من داخله أربعة و ثلاثین ذراعا و سبعة عشر أصبعا و من خارجه أربعة و أربعین ذراعا و أربعة أصابع فذرع طوفة واحدة حول الکعبة و الحجر علی ما ذرعه مائة و سبعة و أربعون ذراعا و ثلاثة أصابع* و فی شفاء الغرام من فضائل الحطیم أن فیه قبر تسعة و تسعین نبیا عن عبد اللّه بن ضمرة السلولی یقول ما بین الرکن الی المقام الی زمزم قبر تسعة و تسعین نبیا جاء و احجاجا فقبضوا هناک* و عن محمد بن سائط عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الأنبیاء اذا هلکت أمته لحق بمکة فیعبد اللّه تعالی فیها حتی یموت فمات بها نوح و هود و صالح و شعیب علیهم السلام و قبورهم بین زمزم و الحجر* و فی العمدة فی الحدیث ما من نبیّ هرب من قومه الا هرب الی مکة فیعبد اللّه فیها حتی یموت فمات بها نوح و هود و صالح و شعیب ذکر الازرقی خبرا یقتضی أن یکون فی الحطیم قبر تسعین نبیا قال مقاتل فی المسجد الحرام بین زمزم و الرکن قبر تسعین نبیا منهم هود و صالح و اسماعیل و قبر آدم و ابراهیم و اسحاق و یعقوب و یوسف علیهم السلام فی بیت المقدس عن ابن اسحاق قال کان من حدیث جرهم و بنی اسماعیل لما توفی اسماعیل دفن فی الحجر مع أمه و زعموا أنها فیه دفنت حین ماتت قال المسعودی قبض اسماعیل و له من العمر مائة و سبع و ثلاثون سنة و دفن فی المسجد الحرام جیال الموضع الذی فیه الحجر الاسود کذا فی شفاء الغرام و طول الحفیرة المرخمة الملاصقة للکعبة فی المطاف من جهة الشرق ثمانیة أشبار و سبعة أصابع مضمومة روی أنّ الفقیه اسماعیل الحضرمی لما حج الی مکة سأل الشیخ محب الدین الطبری عن الحفیرة الملاصقة للکعبة فی المطاف فأجاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:122
الشیخ محب الدین بأن الخفیرة مصلی جبریل بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و قال الشیخ عز الدین بن عبد السلام الحفیرة الملاصقة للکعبة بین الباب و الحجر هی المکان الذی صلّی فیه جبریل علیه السلام بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الصلوات الخمس فی الیومین حین فرضها اللّه علی أمته قال القاضی عز الدین ابن جماعة فی مناسکه الکبری و لم أر ذلک لغیره و فیه بعد لان ذلک لو کان صحیحا لنبهوا علیه بالکتابة فی الحفیرة و لما اقتصروا علی التنبیه علی من أمر بعمل المطاف انتهی کلامه و لیس هذا بلازم لانه یحتمل أن یکون الامر کما قال عز الدین بن عبد السلام و لا یلزم التنبیه بالکتابة علیه و الشیخ عز الدین ناقل و هو حجة علی من لم ینقل کذا فی البحر العمیق و أما مقام ابراهیم علیه السلام فقال عز الدین بن جماعة و حرّرت لما کنت بمکة سنة ثلاث و خمسین و سبعمائة مقدار ارتفاع المقام من الارض فکان نصف ذراع و ربع ذراع و ثمن ذراع بالذراع المستعمل فی زماننا بمصر فی القماش و أعلی المقام مربع من کل جهة نصف ذراع و ربع ذراع و موضع عرض القدمین فی المقام ملبس بفضة و عمقه من فوق الفضة سبعة قراریط و نصف قیراط من ذراع القماش و المقام یومئذ فی صندوق من حدید حوله شباک من حدید و عرض الشباک عن یمین المصلی و یساره خمسة أذرع و ثمن ذراع و طوله الی جهة الکعبة خمسة أذرع إلا قیراطین و خلف الشباک المصلی و هو محوز بعمودین من حجارة و حجرین من جانبی المصلی و طول المصلی خمسة أذرع و سدس ذراع و من شباک الصندوق الذی هو داخل المقام الی شاذروان الکعبة عشرون ذراعا و ثلثا ذراع و ثمن ذراع کل ذلک بالذراع المتقدّم ذکره انتهی کلام ابن جماعة کذا فی البحر العمیق و من الحجر الاسود الی المقام سبعة و عشرون ذراعا و فی السروجی تسعة و عشرون ذراعا و بین المقام و بین الصفا مائة و أربع و ستون ذراعا و ذرع بئر زمزم من أعلاها الی أسفلها أعنی عمقها سبع و ستون ذراعا و عرض رأس البئر أربعة أذرع و من الکعبة الی بئر زمزم ثلاث و ثلاثون ذراعا و ما بین المقام الی بئر زمزم احد و عشرون ذراعا و أما عرض البلاط المفروش بالمطاف فمن صوب المشرق و باب السلام من شباک مقام ابراهیم الی شاذر و ان الکعبة مقابلا له أربع و أربعون قدما و من صوب الشمال و المقام الحنفی من طرف المطاف الی جوار الحجر مقابلا له ثمان و أربعون قدما و من صوب المغرب و المقام المالکی من طرف المطاف الی شاذر و ان الکعبة خمس و ستون قدما و هو أبعد الجوانب من الکعبة و من صوب الجنوب و المقام الحنبلیّ من طرف المطاف الی الشاذروان الذی تحت الحجر الاسود سبع و أربعون قدما*

مقامات الائمة و مصلاهم‌

و أما مقامات الائمة الاربعة و مصلاهم فمقام الشافعی من صوب المشرق مستقبلا الی وجه الکعبة خلف مقام ابراهیم و أما مقام الحنفی فمن جهة الشمال مستقبلا الی المیزاب و هو قبلة أهل المدینة و أما مقام المالکی فمن جهة المغرب و أما مقام الحنبلیّ فمن جهة الجنوب و أبی قبیس مستقبلا الی الحجر الاسود و المقامات الاربع المذکورة کلها وراء المطاف و خلف بئر زمزم قبة الفرّاشین و الشموع و خلف قبة الفرّاشین قبة أخری و هی سقایة العباس* و أما المسجد الحرام فکان فناء حول الکعبة للطائفین و لم یکن له علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبی بکر رضی اللّه عنه جدار یحیط به و انما کانت الدور محدقة به و بین الدور أبواب یدخل الناس منها من کل ناحیة فلما استخلف عمر بن الخطاب و کثر الناس وسع المسجد و اشتری دورا فهدمها و أدخلها فیه ثم أحاط علیه جدارا قصیرا دون القامة و کانت المصابیح توضع علیه فکان عمر أوّل من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ثم لما استخلف عثمان ابتاع المنازل فی سنة ست و عشرین و وسع الحرم بها أیضا و بنی المسجد و الاروقة فکان عثمان أوّل من اتخذ للمسجد الحرام الاروقة ثم ان عبد اللّه بن الزبیر زاد فی المسجد زیادة کثیرة و اشتری دورا من جملتها بعض دار الازرقی اشتری ذلک ببضع عشرة ألف دینار و أدخلها فیه ثم عمره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:123
بعده عبد الملک بن مروان و لم یزد فیه لکن رفع جدار المسجد و سقفه بالساج المزخرف و عمره عمارة حسنة ثم ان الولید بن عبد الملک وسع المسجد و حمل إلیه أعمدة الحجارة و الرخام ثم ان المنصور زاد فی المسجد فی شقه الشامی و بناه و جعل فیه أعمدة الرخام ثم زاد المهدی بعده مرّتین احداهما بعد سنة ستین و مائة و الثانیة سنة سبع و ستین و مائة الی سنة تسع و ستین و مائة و فیها توفی المهدی و استقرّ بناؤه الی یومنا هذا و کانت الکعبة فی جانب من المسجد فأحب أن تکون فی الوسط فاشتری الدور من الناس و وسطها کذا ذکره النووی فی الایضاح و فی البحر العمیق زیادة المهدی الزیادة التی تلی دار الندوة* و فی البحر العمیق حج المهدی أمیر المؤمنین سنة ستین و مائة و أمر بأساطین الرخام فنقلت فی السفن من الشام حتی أنزلت بجدّة ثم جرت علی العجل من جدّة الی مکة و جعلت أساطین* و فی البحر العمیق عن أبی هریرة قال انا لنجد فی کتاب اللّه تعالی أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة الی المسعی* و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال أساس المسجد الحرام الذی وضعه ابراهیم علیه السلام من الحزورة الی المسعی الی مخرج سیل أجیاد قال و المهدی وضع المسجد علی المسعی* و عن عطاء بن أبی رباح المسجد الحرام الحرم کله و أما طول المسجد الحرام فهو من باب بنی شیبة المشهور بباب السلام فی الجدار الشرقی للمسجد الی باب العمرة فی الجدار الغربی فأربعمائة ذراع و أربعة أذرع کذا فی البحر العمیق فذلک مائتان و ثمانون خطوة و أما عرضه و هو من باب بنی مخزوم المشهور بباب الصفا فی الجدار الجنوبی للمسجد الی الجدار الاصلی له فی جهة الشمال الذی عند باب دار الندوة فثلاثمائة ذراع و أربعة أذرع کذا فی البحر العمیق فذلک مائتان و ست خطوات و فی السروجی ثلاثمائة ذراع و عشرة أذرع و اللّه أعلم*

(ذکر عدد أبواب المسجد الحرام)

* فی البحر العمیق عدد أبوابه الیوم تسعة عشر بتقدیم التاء علی السین تنفتح علی ثمانیة و ثلاثین مدخلا فی جدرانه الاربع أما أبوابه فی جداره الشرقی فأربعة* الاوّل باب بنی شیبة و یقال له باب السلام و باب بنی عبد شمس بن عبد مناف و به کان یعرف فی الجاهلیة و الاسلام عند أهل مکة و فیه ثلاثة مداخل قال الازرقی و هو الذی کان یدخل منه الخلفاء* النانی باب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یعرف الیوم بباب الجنائز و انما قیل له باب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یخرج منه الی بیت خدیجة رضی اللّه عنها و فیه مدخلان* الثالث باب العباس بن عبد المطلب و عنده علم المسعی من خارج و فیه ثلاثة مداخل و سماه صاحب النهایة و ابن الحاج باب الجنائز و لعله کانت یصلی علیها فیه* الرابع باب علی و فیه ثلاثة مداخل* و أما أبوابه فی جداره الجنوبی فسبعة* الاوّل باب بنی عائد و یقال له الیوم باب بازان و فیه مدخلان* الثانی باب بنی سفیان بن الاسد و یقال له الیوم باب البغلة و فیه مدخلان و سماه صاحب النهایة باب الحناطین* الثالث باب بنی مخزوم و یقال له الیوم باب الصفا و فیه خمسة مداخل* الرابع باب أجیاد الصغیر و فیه مدخلان* الخامس باب المجاهدیة و فیه مدخلان و یقال له باب الرحمة و هو من أبواب بنی مخزوم و کذا باب أجیاد الصغیر کذا ذکره الازرقی فیهما* السادس باب مدرسة الشریف عجلان بن رمیثة و فیه مدخلان و یقال له باب بنی تمیم و سماه صاحب النهایة باب العلافین* السابع باب أمّ هانئ بنت أبی طالب و فیه مدخلان و هذا الباب مما یلی دور بنی عبد شمس و بنی مخزوم و یقال لهذا الباب باب الملاعبة و یقال له باب العرج علی ما وجد بخط الاقشهری و سماه صاحب النهایة باب أبی جهل* و أما أبوابه فی جداره الغربی فثلاثة الاوّل باب الحزورة و هو الذی یلی المنارة التی تلی أجیاد الکبیر سمی باب الحزورة باسم أمة لرجل یقال له وکیع بن سلمة و کان إلیه أمر البیت فبنی فیه ضریحا جعل فیه أمة یقال لها حزورة کذا فی شفاء الغرام و سیجی‌ء ذلک فی ذکر ظهور زمزم و عامة أهل مکة یسمونه باب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:124
عزورة بالعین و انما هی بالحاء المهملة و فیه مدخلان قال الازرقی و یقال له باب حکیم بن حزام و بنی الزبیر بن العوّام و الغالب علیه باب الحزامیة* الثانی باب ابراهیم و کان فیه فی الزمن السابق مدخلان أحدهما کبیر و أما الیوم فدخل واحد کبیر و ذکر أبو عبیدة البکری أن ابراهیم المنسوب إلیه هذا الباب هو خیاط کان عنده علی ما قیل و نسبه سعد الدین الاسفراینی فی کتاب زبدة الاعمال فقال ابراهیم الاصبهانی و بعضهم ینسبه الی ابراهیم الخلیل علیه السلام و لا وجه لخصوصیته دون سائر الابواب و اللّه أعلم قال الازرقی و یقال له باب الخیاطین* الثالث باب بنی سهم و یعرف الیوم بباب العمرة و هو مدخل واحد و أما أبوابه فی جداره الشمالی فخمسة* الاوّل باب سدّة الوهوط و یقال له باب عمرو ابن العاص و هو مدخل واحد صغیر* الثانی باب دار العجلة و هو مدخل واحد صغیر* الثالث باب دار الندوة و هو مدخل واحد* الرابع باب زیادة دار الندوة قال الازرقی و هو باب دار شیبة بن عثمان یسلک منه الی السویقة و فیه مدخلان* الخامس باب الزریبة و هو مدخل واحد صغیر کذا ذکره فی البحر العمیق*

(ذکر عدد الاساطین التی فی المسجد الحرام)

* فی البحر العمیق الاساطین التی حول المسجد الحرام غیر ما فی الزیادتین أربعمائة اسطوانة و تسع و ستون اسطوانة بتقدیم التاء علی السین و هی مصفوفة فی کل جانب من جوانبه الاربع ثلاثة صفوف و أما عدد أساطین زیادة باب ابراهیم فسبع و عشرون اسطوانة و أما عدد أساطین زیادة باب دار الندوة فست و ستون اسطوانة و أما الاساطین التی حول المطاف لتعلیق القنادیل فثلاث و ثلاثون اسطوانة منها اسطوانتان من حجارة و هما اللتان تلیان مقام ابراهیم من جانبیه و البواقی و هی احدی و ثلاثون اسطوانة من صفر و اللّه أعلم*

عدد منائر المسجد الحرام‌

و أما منائر المسجد الحرام فست أربع منها فی زوایاه الاربع و واحدة فی زیادة باب دار الندوة و واحدة فی مدرسة قایتبای المتصلة بجدار المسجد*

فضیلة مکة

و أما الفضیلة فاعلم أن العلماء اختلفوا فی أن مکة حرسها اللّه تعالی أفضل أم المدینة فعند أبی حنیفة و الشافعی رحمهما اللّه أن مکة أفضل من المدینة سوی موضع قبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال مالک المدینة أفضل من مکة و أما المجاورة بمکة فقد اختلف علماء الدین فی ذلک فذهب أبو حنیفة و بعض أصحاب الشافعی من المحتاطین فی دین اللّه من أرباب القلوب الی أن المقام بها مکروه لقوله علیه السلام من فرغ من حجه فلیعجل الرجوع الی أهله فانه أعظم لاجره و لان کثرة المشاهدة توجب التبرّم و تقلل الحرمة من حیث العادة و لهذا قال صلّی اللّه علیه و سلم لابی هریرة یا أبا هریرة زر غبا تزدد حبا و قال عمر رضی اللّه عنه لما فرغ من نسک الحج یا أهل الیمن یمنکم و یا أهل الشام شامکم و یا أهل العراق عراقکم* و قد روی أن عمر رضی اللّه عنه همّ أن یمنع الناس عن کثرة الطواف و قال خشیت أن یأنس الناس هذا البیت فتزول هیبته من صدورهم و قال ابن عباس رضی اللّه عنه حین اختار المقام من مکة الی الطائف و حوالیه لأن أذنب خمسین و فی ربیع الابرار سبعین ذنبا برکبة أحب الیّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمکة و الرکبة موضع بین مکة و الطائف بقرب الطائف کثیر العشب و الماء* و قال ابن مسعود رضی اللّه عنه ما من بلد یؤاخذ العبد فیه بالهمة قبل العمل الا مکة و تلا هذه الآیة و المسجد الحرام الذی جعلناه للناس سواء العاکف فیه و الباد و من یرد فیه بالحاد بظلم نذقه من عذاب ألیم أی و من یرد المیل عن الحق بمجرّد النیة و الارادة و الالحاد المیل و الباء فیه زائدة کما فی قوله تعالی تنبت بالدهن و قال ان السیئات تتضاعف کما تتضاعف الحسنات فیه لان الباء للمصاحبة و لیست بزائدة* و قال أبو یوسف و محمد و جماعة من أصحاب الشافعی و غیرهم من العلماء انه یجوز ذلک من غیر کراهة لقوله تعالی و طهر بیتی للطائفین و القائمین مطلقا و لقوله صلّی اللّه علیه و سلم مکة و المدینة ینفیان الذنوب کما ینفی الکیر خبث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:125
الحدید الا فمن صبر علی حرّها و لأوائها و شدّتها کنت له شهیدا أو شفیعا یوم القیامة* و لما ورد فی الاحادیث أن المقام بمکة سعادة و الخروج منها شقاوة ثم بعض العلماء من المحتاطین فی الدین یکرهون أیضا المنع من الاقامة و المجاورة لانه منع من الطاعة و العبادة و یحتمل أن المجاور یفی بحقّ الکعبة و ما یتعلق به من التعظیم و الحرمة و الحاصل أن من لم یقدر علی الوفاء بحقه کما یجب فترک المقام و المجاورة أفضل له لما فیه من وجود التقصیر و التبرّم و الاخلال بحرمته و تعظیمه و توقیره کما هو المشهور و من قدر علی المجاورة و المقام بها علی وجه یتمکن من الوفاء بحقه و حرمته و تعظیمه علی وجه تبقی تلک الحرمة فی عینه کما دخل فیها فهیهات هیهات فذلک الفوز الکبیر و الفضل الکثیر الذی لا یوازیه شی‌ء کما نطق به سید البشر صلوات اللّه و سلامه علیه النظر الی الکعبة عبادة و من نظر الی البیت ایمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر و من نظر الی البیت من غیر طواف و لا صلاة تطوّعا فذلک عند اللّه أفضل من عبادة سنة صیام نهارها و قیام لیلها و عن ابن عباس أنه قال لا أعلم علی وجه الارض بلدة یکتب لمن نظر الی بعض بنیانها عبادة الدهر و صیام الدهر الا مکة* و قال صلّی اللّه علیه و سلم صلاة فی مسجدی هذا أفضل من ألف صلاة فیما سواه من المساجد الا المسجد الحرام فان صلاة فی المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة اذا صلاها وحده و ان صلاها فی جماعة فان صلاته بألفی ألف صلاة و خمسمائة ألف صلاة و صلاة الرجل فی المسجد الحرام کله اذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة فاذا صلاها فی جماعة فصلاته بألفی ألف صلاة و خمسمائة ألف صلاة فذلک خمسة و عشرون مرّة مائة ألف صلاة و عن أنس بن مالک قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الرجل فی بیته بصلاة و صلاته فی مسجد القبائل بخمس و عشرین صلاة و صلاته فی المسجد الذی یجمع فیه بخمسمائة صلاة و صلاته فی المسجد الاقصی بخمسین ألف صلاة و صلاته فی مسجدی بخمسین ألف صلاة و صلاته فی المسجد الحرام بمائة ألف صلاة رواه ابن ماجه و من جلس مستقبل الکعبة ساعة واحدة ایمانا و احتسابا للّه و رسوله و تعظیم القبلة کان له مثل أجر الحاجین و المعتمرین و المجاهدین و المرابطین فی سبیل اللّه و ان اللّه ینظر الی خلقه فی کل یوم ثلاثمائة و ستین نظرة فأوّل من ینظر إلیه منهم أهل حرمه و أمنه فمن رآه طائفا غفر له و من رآه قائما غفر له و من رآه جالسا مستقبل الکعبة غفر له فتقول الملائکة الهنا و سیدنا ما بقی الا النائمون فیقول ألحقوهم بهم فهم جیران بیتی ألا و ان أهل مکة هم أهل اللّه و جیران بیته و حملة القرآن هم أهل اللّه و خاصته و قال صلّی اللّه علیه و سلم من اعتمر فی شهر رمضان عمرة فکأنما حج معی و عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال عمرة فی رمضان تعدل حجة و من صام شهر رمضان بمکة فصام کله و قام منه ما تیسر کتب اللّه له مائة ألف شهر رمضان بغیرها و کان له بکل یوم مغفرة و شفاعة و بکل لیلة مغفرة و شفاعة و بکل یوم و لیلة حملان فرس فی سبیل اللّه و فی روایة ابن ماجه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من أدرک رمضان بمکة فصامه و قام منه ما تیسر له کتب اللّه له مائة ألف شهر رمضان فیما سواها و کتب له بکل یوم و لیلة عتق رقبة و کل یوم حملان فرس فی سبیل اللّه و فی کل یوم حسنة و فی کل لیلة حسنة* و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عمرة فی رمضان تقضی حجة أو حجة معی رویاه و هذا لفظ مسلم* و عن عبد اللّه بن عمر رضی اللّه عنهما قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول من طاف بالبیت و صلّی رکعتین کان کعتق رقبة رواه ابن ماجه و قال النسائی من طاف سبعا فهو کعدل رقبة و عن أبی هریرة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال من طاف بالبیت سبعا لا یتکلم الا بسبحان اللّه و الحمد للّه و
لا إله الا اللّه و اللّه أکبر و لا حول و لا قوّة الا باللّه العلیّ العظیم محیت عنه عشر سیئات و کتبت له عشر حسنات و رفع له عشر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:126
درجات و من طاف فتکلم و هو فی تلک الحال خاض فی الرحمة برجلیه کخائض الماء برجلیه رواه ابن ماجه و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من طاف بالبیت خمسین مرّة خرج من ذنوبه کیوم ولدته أمّه رواه الترمذی* و فی رسالة الحسن البصری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من دخل البیت دخل فی رحمة اللّه و فی حمی اللّه و فی أمن اللّه و من خرج خرج مغفورا له و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من دخل البیت دخل فی حسنة و خرج من سیئة مغفورا له رواه البیهقی و غیره أوردهما فی البحر العمیق و عن عبد اللّه بن عمیر أن ابن عمر کان یزاحم علی الرکنین فقلت یا أبا عبد الرحمن انک تزاحم علی الرکنین زحاما ما رأیت أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یزاحم علیه قال ان أفعل فانی سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول ان مسحهما کفارة للخطایا* و فی روایة النسائی یحبط الخطیئة و سمعته یقول من طاف بهذا البیت أسبوعا فأحصاه کان کعتق رقبة و سمعته یقول لا یضع قدما و لا یرفع أخری الا حط اللّه بها عنه خطیئة و کتب له بها حسنة رواه الترمذی* و عن ابن عباس أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال الطواف حول البیت مثل الصلاة الا انکم تتکلمون فیه فمن تکلم فلا یتکلم الا بخیر رواه الترمذی* و فی ربیع الابرار عن وهب ابن الورد کنت لیلة فی الحجر أصلی فسمعت کلا ما بین الکعبة و الاستار الی اللّه أشکو ثم إلیک یا جبریل ما ألقی من الطائفین حولی من تفکههم بالحدیث و لغوهم و لهوهم لئن لم ینتهوا لأنتفضنّ انتفاضة یرجع کل حجر منی الی الجبل الذی قلع منه و قال أبو غفار طفت مع أنس بن مالک فی مطر فلما قضینا الطواف أتینا المقام فصلینا رکعتین فقال لنا أنس ائتنفوا العمل فقد غفر لکم هکذا قال لنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و طفنا معه فی مطر أخرجه ابن ماجه و عن أبی هریرة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال و کل اللّه به سبعین ملکا یعنی الرکن الیمانی فمن قال اللهم انی أسألک العفو و العافیة فی الدنیا و الآخرة ربنا آتنا فی الدنیا حسنة و فی الآخرة حسنة و قنا عذاب النار قالوا آمین* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من فاوضه یعنی الرکن الاسود فانما یفاوض ید الرحمن رواه ابن ماجه و عن عائشة رضی اللّه عنها أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ما من یوم أکثر أن یعتق اللّه عز و جل فیه عبدا من النار من یوم عرفة و انه لیدنو ثم یباهی الملائکة فیقول ما أراد هؤلاء رواه مسلم و النسائی زاد النسائی أو أمة یعنی عبدا أو أمة و عن عباس بن مرداس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعا لامته عشیة عرفة بالمغفرة فأجیب انی قد غفرت لهم ما خلا الظالم فانی آخذ للمظلوم منه قال أی رب ان شئت أعطیت المظلوم من الجنة و غفرت للظالم فلم یجب عشیة عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجیب الی ما سأل قال فضحک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أو قال تبسم فقال أبو بکر و عمر رضی اللّه عنهما بأبی أنت و أمی ان هذه الساعة ما کنت تضحک فیها فما الذی أضحکک أضحک اللّه سنک قال ان عدوّ اللّه ابلیس لما علم أن اللّه عز و جل قد استجاب دعائی و غفر لامّتی أخذ التراب فجعل یحثو علی رأسه و یدعو بالویل و الثبور فأضحکنی ما رأیت من جزعه رواه ابن ماجه* و فی ربیع الابرار عن محمد بن قیس بن مخرمة یرفعه من مات فی أحد الحرمین بعثه اللّه یوم القیامة آمنا روی أن حجة غیر مقبولة خیر من الدنیا و ما فیها و یقال الذی لا یقبل حجه منه یخرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه و الذی یقبل اللّه منه فقد فاز* قال مؤلف الکتاب حسین بن محمد الدیار بکری فالطمع فی احراز هذه الفضائل جرّ ذیلی الی المجاورة بها مع اعترافی بأنی غیر موف بحقها کما ینبغی‌

رجع الی ذکر أحوال ابراهیم‌

هذا فلنرجع الی أحوال ابراهیم علیه السلام* ففی الانس الجلیل فی تاریخ القدس و الخلیل أقام ابراهیم علیه السلام بین الرملة و ایلیا بموضع یعرف بوادی السبع و هو شاب لا مال له و أقام فیه حتی کثر ماله و شاخ و ضاق علی أهل الموضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:127
موضعه من کثرة ماله و مواشیه فقالوا له ارحل عنا فقد آذیتنا بمالک أیها الشیخ الصالح و کانوا یسمونه بذلک فقال لهم نعم فلما همّ بالرحیل قال بعضهم لبعض جاءنا و هو فقیر و قد جمع عندنا هذا المال کله فلو قلنا له أعطنا شطر مالک و خذ الشطر فقالوا له ذلک فقال لهم صدقتم جئت و کنت شابا فردّوا علیّ شبابی و خذوا ما شئتم من مالی فخصمهم و رحل فلما کان وقت ورود الغنم الماء جاءوا یستقون فاذا الآبار قد جفت فقال بعضهم لبعض الحقوا الشیخ الصالح و اسألوه الرجوع الی موضعه فانه ان لم یرجع هلکنا و هلکت مواشینا فلحقوه فوجدوه بالموضع الذی یعرف بالمغارة و سألوه أن یرجع فقال انی لست براجع و دفع لهم سبع شیاه من غنمه و قال اذهبوا بها معکم فانکم اذا أوردتموها البئر ظهر الماء حتی یکون عینا معینا ظاهرا کما کان و اشربوا و لا تقربها امرأة حائض فرجعوا بالاعنز فلما وقفت علی البئر ظهر الماء فکانوا یشربون منها و هی علی تلک الحالة و أتت امرأة حائض و اغترفت فغاض ماؤها و رحل ابراهیم علیه السلام و نزل اللجون فأقام بها ما شاء اللّه ثم أوحی اللّه إلیه أن انزل ممری فرحل و نزل علیه جبریل و میکائیل بممری و هما یریدان قوم لوط فخرج ابراهیم لیذبح العجل فانفلت منه و لم یزل حتی دخل مغارة حبرون فنودی یا ابراهیم سلم علی عظام أبیک آدم فوقع ذلک فی نفسه ثم ذبح العجل و قرّبه إلیهم و کان شأنه ما قص اللّه عز و جل فی کتابه فمضی ابراهیم معهم الی قریب من دیار لوط فقالوا له اقعد هاهنا فقعد و سمع صوت الدیک فی السماء فقال هو الحق الیقین فأیقن بهلاک القوم فسمی ذلک الموضع مسجد الیقین و هو علی نحو فرسخ من بلد ابراهیم علیه السلام ثم رجع ابراهیم*

أوّل من شاب ابراهیم‌

قال أهل السیر أوّل من شاب من بنی آدم ابراهیم علیه السلام و لما رأی الشیب فی لحیته قال یا رب ما هذا أجیب بأنه وقار قال رب زدنی و قارا و فی روایة قال الحمد للّه الذی بیض القار و سماه الوقار* و فی کتاب المغازی لابن قتیبة لما ولد اسحاق من سارة تعجب الکنعانیون فقالوا أ لا ترون هذا العجوز و العجوزة تبنیا لقیطا و لم یکونوا یصدّقون أن یولد لإبراهیم ولد اذ عمره تجاوز المائة فجعل اللّه صورة اسحاق شبیهة بابراهیم بحیث لما التحی لم یفرق بین الاب و الابن فجعل اللّه الشیب علامة لإبراهیم یمتاز به عن اسحاق* و فی شفاء الغرام و العرائس عاشت سارة مائة و سبعا و عشرین سنة* و فی العرائس ماتت سارة بالشأم بقریة الجبابرة من أرض کنعان فی حبرون فدفنت بمزرعة اشتراها ابراهیم و کانت هاجر قد ماتت قبل سارة بمکة و دفنت فی الحجر* قیل عاش ابراهیم بعد سارة خمسین سنة* و فی الانس الجلیل عن کعب الاحبار أوّل من دفن فی حبرون سارة و ذلک لما ماتت خرج ابراهیم یطلب موضعا لیقبرها فیه رجاء أن یجد بقرب ممری موضعا فمضی الی عفرون و کان ملک الموضع و کان مسکنه حبری فقال له ابراهیم بعنی موضعا أقبر فیه من مات من أهلی فقال عفرون قد أبحتک ادفن حیث شئت من أرضی قال انی لا أحب الا بالثمن فقال له أیها الشیخ الصالح ادفن حیث شئت من أرضی فأبی علیه و طلب منه المغارة فقال له أبیعکها بأربعمائة درهم وزن کل درهم خمسة دراهم و کل مائة درهم ضرب ملک و أراد بذلک التشدید علیه کیلا یجد فیرجع الی قوله و خرج ابراهیم من عنده فاذا جبریل فقال له ان اللّه قد سمع مقالة الجبار و هذه الدراهم ادفعها إلیه فأخذها ابراهیم و دفعها الی الجبار فقال له من أین لک هذه الدراهم فقال له من عند الهی و خالقی و رازقی فأخذها منه و حمل ابراهیم سارة و دفنها فی المغارة فکانت أوّل من دفن فیها و توفیت و هی بنت مائة و سبع عشرة سنة و قیل مائة و سبع و عشرین سنة و عاش ابراهیم مائتی سنة و علیه أکثر العلماء و قیل مائة و خمسا و تسعین سنة و قیل مائة و خمسا و سبعین سنة کذا فی الحدائق*

(ذکر وفاة ابراهیم علیه السلام)

* قال أهل السیر لما أراد اللّه قبض روح ابراهیم أرسل إلیه ملک الموت فی صورة شیخ هرم فأطعمه فجعل الشیخ یأخذ اللقمة لیضعها فی فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:128
فیدخلها فی عینه و أذنه ثم یدخلها فاه و کان یسیل لعابه المخلوط بالطعام علی لحیته و صدره فاذا دخل الطعام بطنه یخرج من دبره و کان ابراهیم قد سأل ربه أن لا یقبض روحه حتی یکون هو الذی یسأل الموت فقال للشیخ حین رأی حاله یا شیخ مالک تصنع هکذا قال یا ابراهیم الکبر قال ابن کم أنت قال فزاد علی عمر ابراهیم سنتین قال ابراهیم أنا بینی و بینک سنتان فاذا بلغت ذلک صرت مثلک قال نعم فوقعت الکراهة فی نفس ابراهیم فقال ابراهیم اللهم اقبضنی إلیک قبل ذلک فقام ذلک الشیخ و کان ملک الموت فقبض روحه کذا روی عن کعب الاحبار و حکی غیر ذلک* و فی الحدائق عن وهب بن منبه قال له ملک الموت یا خلیل اللّه علی أیّ حال تحب أن أقبض روحک فقال اقبض روحی و أنا ساجد فقبض روحه و هو ساجد قیل مات من الأنبیاء فجأة ثلاثة ابراهیم و داود و سلیمان علیهم السلام* و عن عائشة رضی اللّه عنها و ابن مسعود رضی اللّه عنه موت الفجأة راحة للمؤمن و أخذة غضب أو أسف للکافر کذا فی النجم الوهاج* و لما توفی ابراهیم دفنه اسحاق بحذاء سارة من جهة الغرب ثم توفیت ربقة زوجة اسحاق فدفنت فیها بازاء سارة من جهة القبلة ثم توفی اسحاق فدفن بحیال زوجته من جهة الغرب ثم توفی یعقوب فدفن عند باب المغارة و هو بحیال قبر ابراهیم من جهة الشمال ثم توفیت لبقا زوجة یعقوب فدفنت بحیاله من جهة المشرق بازاء کل نبیّ زوجته فاجتمع أولاد یعقوب و العیص و اخوته و قالوا ندع باب المغارة مفتوحا و کل من مات منا دفناه بها فتشاجروا فرفع أحد اخوة العیص و فی روایة أحد أولاد یعقوب یده و لطم العیص لطمة فسقط رأسه فی المغارة فحملوا جثته و دفن بغیر رأس و بقی الرأس فی المغارة و حوّطوا علیها و عملوا فیها علامات القبور فی کل موضع و کتبوا علیه هذا قبر ابراهیم هذا قبر سارة هذا قبر اسحاق هذا قبر ربقة هذا قبر یعقوب هذا قبر زوجته لبقا و خرجوا عنه و أطبقوا بابه و کل من جاء إلیه یطوف به و لا یصل إلیه حتی جاءت الروم بعد ذلک ففتحوا له بابا و دخلوا إلیه و بنوا فیه کنیسة ثم أظهر اللّه الاسلام بعد ذلک و ملک المسلمون تلک الدیار و هدموا الکنیسة و بالقرب من مدینة ابراهیم قریة تسمی سیعیر و هی الفاصلة بین عمل الخلیل و عمل القدس و بها قبر بداخل مسجدها یقال انه قبر العیص علیه السلام و قد اشتهر ذلک عند الناس و صار یقصد للزیارة و اللّه أعلم و عن وهب بن منبه أنه قال أصبت علی قبر ابراهیم علیه السلام مکتوبا خلفه فی حجر رجز* غرّ جهولا أمله* یموت من جا أجله* لم تغن عنه حیله*

صورة ما کتبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لتمیم الداری‌

و أقطع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لتمیم الداری الارض التی بها بلد ابراهیم و ما حوله من الاراضی و کتب له ذلک فی قطعة أدم من خف أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه بخطه و قد وجدت فی صندوق تلک القطعة و قد صارت رثة و فیها أثر الکتابة و معها ورقة مکتوبة بخط أمیر المؤمنین المستنجد باللّه العباسی صورته هکذا الحمد للّه هذه نسخة کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الذی کتبه لتمیم الداری و اخوته فی سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوک فی قطعة أدم من خف أمیر المؤمنین علیّ بخطه نسخته کهیئته بسم اللّه الرحمن الرحیم هذا ما أنطی محمد رسول اللّه لتمیم الداری و اخوته حبرون و المرطوم و بیت عینون و بیت ابراهیم و ما فیهنّ نطیة بت بینهم و نفذت و سلمت ذلک لهم و لا عقابهم فمن آذاهم آذاه اللّه فمن آذاهم لعنه اللّه شهد عتیق بن أبی قحافة و عمر ابن الخطاب و عثمان بن عفان و کتب علیّ بن أبی طالب و شهد* و قد نسخت ذلک من خط المستنجد باللّه کهیئته و لعل هذا أصح ما قیل فیه و اللّه أعلم* و فی مزیل الخفاء أسلم تمیم الداری سنة تسع من الهجرة و کان نصرانیا قبل ذلک روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أقطع قریة ابراهیم و هی حبرون بأسرها لتمیم الداری قبل أن یفتح اللّه علی المسلمین الشام و کتب له بذلک کتابا و جاء الی أبی بکر و أجاز له کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کذا جاء الی عمر فأجاز له بعد الفتوح ما أجاز له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:129
القریة تعرف الآن بالخلیل اسم ثاویها علیه السلام و هی قبلی بیت المقدس مستدیرة حول المسجد من الجهات الاربع و بناؤها محدث بعد بناء السور السلیمانی الذی هو المسجد بزمان طویل فان المغارة فی زمن ابراهیم کانت فی صحراء و لم یکن هناک بناء و کان ابراهیم مقیما بممری فی مخیمه و هی بالقرب من بلد ابراهیم من جهة الشمال و هی أرض بها عین ماء و کروم و استمرّ الحال علی ذلک بعد وفاة ابراهیم الی أن بنی سلیمان السور علی القبور الشریفة* روی أنه أمر الجنّ فبنوه بغیر باب و مخرج و لما تم السور أمر الریح حتی رفعته من فوق السور و ألقته الی الخارج فبقی السور کذلک من غیر مدخل الی أن ثقب الروم أحجاره بالنار و الخل و جعلوا له بابا ثم اختطت المدینة بعد ذلک و أوّل من اختط البناء حول السور رجل من الرامة من ذوی الاموال من بنی اسرائیل اسمه یوسف الرامی أدرک زمن عیسی علیه السلام و آمن به فبنی بالقرب من السور السلیمانی بیوتا للسکنی تبرّکا بقبور الأنبیاء علیهم السلام ثم تتابع البناء قلیلا قلیلا فصارت هناک مدینة و هی محیطة بالمسجد من الجهات الاربع فبعضها مرتفع علی رأس جبل و هو شرقی المسجد یسمی بیلون و بعضها منخفض فی واد هو غربی المسجد أما بناء السور السلیمانی فانه بنی عقب بناء بیت المقدس و أما بناء مدینة ابراهیم فانه بعد زمن عیسی و من رفع عیسی الی السماء الی آخر سنة تسعمائة و خمس و ثلاثین من الهجرة ألف و خمسمائة سنة و ثلاث و ثلاثون سنة و أما حدود بلد ابراهیم المنسوبة إلیه عرفا فمن جهة القبلة منزلة الملح علی درب الحجاز و قباب الشاوریة و هی قریة منسوبة الی بنی شاور من أمراء عرب جرم و من جهة المشرق عین جدی من عمل بلد ابراهیم و بحرة لوط و هذا الحدّ هو الفاصل بین عمل بلد ابراهیم و عمل مدینة الکرک و من جهة الشمال عمل القدس یفصل بینهما قریة ساعیر و ما حاذاها و من جهة الغرب مما یلی الرملة و ما یحاذیها قریة زکریا و هی من أعمال الخلیل و من جملة وقفه و مما یلی غزوة و ما یحاذیها قریة سیسمح المجاورة لقریة السکریة و بلاد بنی عبد و هی من أعمال الخلیل و أما المسافة بین مدینة ابراهیم و بین بیت المقدس فهی قریبة من بریدین بینهما بیت لحم و هی قریة علی نحو ربع برید من القدس من جهة القبلة و غالب سکان هذه القریة فی عصرنا نصاری و بها کنیسة محکمة البناء فیها ثلاثة محاریب مرتفعة أحدها موجه الی جهة القبلة و الثانی الی جهة المشرق و الثالث الی جهة الصخرة و سقفها خشب مرتفعة علی خمسین عمودا من الصخر الاصفر الصلب غیر السواری المبنیة بالاحجار و أرضها مفروشة بالرخام و علی ظاهر سطحها رصاص فی غایة الاحکام و هی من بناء هیلانة أمّ قسطنطین و فی داخلها مولد عیسی علیه السلام فی مغارة بین المحاریب الثلاثة و للنصاری بها اعتناء یأتون إلیها من بلاد الفرنج و غیرها بالاموال للرهابین المقیمین بالدیر المجاورین للکنیسة و أما قبر مریم ففی بیت المقدس فی کنیسة فی ذیل جبل طور زیتاء تسمی الجیسمانیة خارج باب الاسباط و هو مکان یقصده الناس للزیارة من المسلمین و النصاری و هذه الکنیسة من بناء هیلانة و بین بیت المقدس و بیت لحم قبر راحیل أمّ یوسف علیه السلام الی جنب الطریق فی قبة موجهة الی جهة صخرة بیت المقدس و اللّه أعلم*

(ذکر ختن ابراهیم علیه السلام)

* فی الانس الجلیل عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال اختتن ابراهیم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو ابن ثمانین سنة بالقدوم بالتخفیف و التشدید* و فی العرائس اختتن ابراهیم بقدوم فی موضع یقال له قدوم و هو ابن مائة و عشرین سنة و عاش بعد ذلک ثمانین سنة و روی عنه صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال ربط ابراهیم علیه السلام غرلته و جمعها إلیه و مدّها قدّامه و ضرب قدومه بعود کان معه فندرت بین یدیه بلا ألم و لادم و ختن اسماعیل و هو ابن ثلاث عشرة سنة و ختن اسحاق و هو ابن سبعة أیام و عن عکرمة اختتن ابراهیم و هو ابن ثمانین سنة فأوحی اللّه تعالی إلیه انک أکملت ایمانک الا بضعة من جسدک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:130
فألقها فختن نفسه بالفأس و سبب اختتانه أنه أمر بقتال العمالقة فقاتلهم فقتل خلق کثیر من الفریقین فلم یعرف ابراهیم أصحابه لیدفنهم فأمر بالختان لیکون علامة للمسلم و ختن نفسه بالقدوم* و عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أنه قال أوّل من سمانا مسلمین ابراهیم علیه الصلاة و السلام و هو أوّل من ضرب بالسیف من الأنبیاء و قیل أوّل من ضرب بالسیف ادریس کما مرّ و کسر الاصنام و اختتن و لبس السراویل و النعلین و رفع یدیه فی الصلاة فی کل خفض و رفع و صلّی أوّل النهار أربع رکعات و جعلهنّ علی نفسه فسماه اللّه وفیا و هو أوّل من أضاف الضیف و ثرد الثرید و فرق الشعر و استنجی بالماء و قلم الظفر و قص الشارب و نتف الابط و أوّل من استاک و تمضمض و استنشق و حلق العانة و أوّل من صافح و عانق و قبل بین العینین موضع السجود و أوّل من شاب فقال ما هذا فقال اللّه وقار فقال رب زدنی وقارا فما برح حتی ابیضت لحیته*

(ذکر أولاد ابراهیم علیه السلام)

* فی معالم التنزیل ولد لإبراهیم ثمانیة بنین اسماعیل سمی به لان ابراهیم کان یدعو اللّه أن یرزقه ولد او یقول اسمع یا ایل و ایل هو اللّه و لما رزق ولدا سماه به و أمّه هاجر القبطیة أم ولد و اسحاق و أمّه سارة حملت به لیلة خسف اللّه بقوم لوط و ولدته و لها تسعون سنة و من ولده الروم و الیونان و الارمن و من یجری مجراهم و بنو اسرائیل و مدین و مدان و نیشان و زمران و یشبق و یشرخ و هؤلاء الستة أمهم قطورا بنت یقطن الکنعانیة* و فی الانس الجلیل و العرائس تزوّجها ابراهیم بعد موت سارة ثم تزوّج امرأة أخری من العرب اسمها حجور بنت أهیب فولدت له خمسة بنین کیسان و سروح و أمیم و لوطا و یاسن فکان جمیع أولاد ابراهیم ثلاثة عشر مع اسماعیل و اسحاق و کان اسماعیل أکبر أولاده فأنزله أرض الحجاز و اسحاق أرض الشام و فرّق سائر أولاده فی البلاد* و فی أنوار التنزیل و بنو ابراهیم کانوا أربعة اسماعیل و اسحاق و مدین و مدان و قیل ثمانیة و قیل أربعة عشر قال ابن عباس ولد اسماعیل لإبراهیم و هو ابن تسع و تسعین سنة و قیل ست و ثمانین سنة و ولد اسحاق له و هو ابن مائة و اثنتی عشرة سنة قال سعید بن جبیر بشر ابراهیم باسحاق و هو ابن مائة و سبع عشرة سنة* و فی شفاء الغرام ان اسماعیل أکبر من اسحاق بأربعة عشر سنة و کذا ذکره السخاوی فی الاصل الاصیل فی تحریم النقل من التوراة و الانجیل* و فی الانس الجلیل لم یمت ابراهیم حتی بعث اللّه اسحاق الی أرض الشام و بعث یعقوب الی أرض کنعان و اسماعیل الی جرهم و قبائل الیمن و الی العمالیق و لوطا الی سدوم و کانوا أنبیاء علی عهد ابراهیم* و فی معالم التنزیل یقال ان اللّه لم یبعث نبیا بعد ابراهیم الا من نسله و فیه أیضا قال ابن عباس کل الأنبیاء من بنی اسرائیل الا عشرة و هم نوح و هود و صالح و شعیب و لوط و ابراهیم و اسماعیل و اسحاق و یعقوب و محمد صلّی اللّه علیه و سلم قیل و آدم و شیث و ادریس و اسرائیل هو یعقوب بن اسحاق بن ابراهیم و لما مضی من عمر اسحاق ستون سنة ولد له عیص و یعقوب و هما توأمان أما عیص فهو أبو أیوب النبیّ علیه السلام و کان ذا قوّة و یحب القنص و أما یعقوب فأعطی النبوّة قیل سمی به لانه خرج من بطن أمه عقب عیص و قیل لکثرة عقبه کذا فی العمدة هذا علی تقدیر کونه عربیا و اما علی تقدیر کونه أعجمیا و هو الاصح لعدم صرفه فلا اشتقاق له کما مرّ فی آدم* و فی عرائس الثعلبی و أما اسحاق علیه السلام فانه نکح ربقة بنت سویل فولدت له عیصا و یعقوب فی بطن واحد و کان لهما قصة عجیبة علی ما ذکر قال حملت ربقة امرأة اسحاق بغلامین فی بطن واحد فلما أرادت أن تضع اقتتلا فی بطنها و أراد یعقوب أن یخرج قبل عیص فقال عیص و اللّه لئن خرجت قبلی لا تحرّکنّ فی بطنها فأقتلها فتأخر یعقوب و خرج عیص قبله فسمی عیصا لانه عصی و خرج قبل یعقوب و سمی یعقوب لانه خرج ماسکا بعقب عیص و کان یعقوب أکبرهما فی البطن فلما کبر الغلامان کان عیص أحب الی أبیه و یعقوب أحب الی أمه و کان عیص صاحب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:131
صید فلما کبر اسحاق و عمی قال لابنه عیص یا بنیّ أطعمنی لحم صید و ادن منی أدع لک بدعاء دعا لی به أبی ابراهیم و کان عیص أشعر و یعقوب أجرد فخرج عیص فی طلب الصید و سمعت أمهما الکلام فأتت یعقوب فقالت له یا بنیّ اذهب الی الغنم و اذبح سخلة ثم اشوها و قدّمها لابیک و قل یا أبتاه کل من لحم الصید الذی طلبت و قل انی ابنک عیص ففعل یعقوب ذلک و قدّم الشاة بین یدیه و قال یا أبتاه کل من لحم الصید الذی طلبت فقال له من أنت قال ابنک عیص فادع لی قال قدّم طعامک فقدّمه فأکل منه فقال ادن منی فدنا منه فدعا له بأن یکون من ذریته الأنبیاء و الملوک و قام یعقوب و أتی عیص فقال یا أبتاه قد أتیتک بالصید الذی أردت قال یا بنیّ انه قد سبقک أخوک یعقوب فاشتدّ غیظه و قال لاقتلنّ یعقوب فقال یا بنیّ لا تحزن قد بقیت لی دعوة فادن منی لادعو لک بها فدنا منه فدعا له بأن تکون ذریته بعدد التراب و لم یملکهم أحد قالوا و خافت أم یعقوب علیه من أخیه عیص فقالت له یا بنیّ الحق بخالک و کن عنده فانطلق یعقوب الی خاله یسری باللیل و یکمن بالنهار فلهذا سمی اسرائیل أی لانه سری و قیل غیر ذلک فأتی یعقوب خاله و کان اسحاق قد أوصی یعقوب أن لا ینکح امرأة من الکنعانیین و أمره أن یتزوّج من بنات خاله لیان بن ناهد فلما استقرّ یعقوب عند خاله خطب ابنته فقال له خاله هل لک من مال أزوّجک علیه قال لا و لکنی أخدمک حتی تستوفی صداق ابنتک قال صداقها أن تخدمنی سبع حجج قال یعقوب نعم و لکن شرطی معک أن تزوّجنی راحیل قال له خاله ذلک بینی و بینک فرعی له یعقوب سبع سنین فلما وفاه شرطه زوّجه ابنته الکبری غیر راحیل و کان اسمها لیا فلما أصبح یعقوب وجد غیر ما شرط له فأتی خاله و هو فی نادی قومه و قال یا خال خدعتنی و غررتنی و استحللت عملی و أدخلت علیّ غیر امرأتی فقال له خاله یا ابن اختی أ لست منی و أنا منک أردت أن تدخل علیّ العار أ رأیت أحدا زوّج ابنته الصغری قبل الکبری و لکن اخدمنی سبع سنین أخری و أنا ازوّجک ابنتی الاخری و کان الناس یجمعون بین الاختین الی أن بعث اللّه نبیه موسی علیه السلام و أنزل علیه التوراة* و فی الکشاف تزوّج یعقوب راحیل بعد موت اختها لیا قالوا فرعی یعقوب لخاله سبع سنین اخری و زوّجه ابنته الاخری و هی راحیل فولدت له لیا أربعة أسباط روبیل و یهوذا و شمعون و لاوی و ولدت راحیل یوسف و بنیامین و هو بالعبرانیة المشکل و کان لیان دفع الی ابنتیه حین زوّجهما بیعقوب جاریتین اسم احداهما زلفة و الاخری بلهة فوهبتا له الجاریتین و ولدت کل واحدة منهما ثلاثة أسباط فولدت زلفة دان و بفتالی و ریالون و ولدت بلها جاد و یسحر و ذنبه* و فی الکشاف و غیره غیر هذا و سیجی‌ء فکان عدّة بنی یعقوب اثنی عشر ولدا و هم الاسباط سموا بذلک لان کل واحد منهم والد قبیلة و السبط بکلام العرب الشجرة الملتفة الکثیرة الاغصان و الاوراق فالاسباط من بنی اسرائیل و الشعوب من العجم و القبائل من العرب* قالوا ثم ان یعقوب فارق خاله لیان و معه امرأتاه و جاریتاه المذکورتان الی منزل أبیه من فلسطین خوفا من أخیه عیص فلم یر منه إلّا خیرا فتألفه و نازله و تلطف له حتی نزل له و تنقل الی السواحل ثم عبر الروم فاستوطنها فصار ذلک له و لولده من بعده* قال ابن اسحاق تزوّج عیص ابنة عمه نسیمة بنت اسماعیل علیه السلام فولدت له فی بلاد الروم ولد اسماه الاصفر و تناسل منه الروم فالروم کلهم من بنی الاصفر قالوا و عاش اسحاق بعد ما ولد له عیص و یعقوب مائة سنة و توفی و له من العمر مائة و ستون سنة و دفن بالارض المقدّسة عند قبر ابراهیم علیه السلام فی مزرعة حبرون و هی التی اشتراها ابراهیم علیه السلام کذا روی عن عبد اللّه بن سلام و کذلک العیص و یعقوب دفنا فی تلک المزرعة عند قبر ابراهیم علیه السلام و أما قبر یوسف علیه السلام فهو خارج المغارة فی بطن الوادی*

(ذکر نبذة من قصة یعقوب و یوسف علیهما السلام)

* روی أنه لما بلغ عمر یعقوب ثلاثا و سبعین سنة ولد له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:132
من راحیل یوسف و لما بلغ یعقوب تسعین سنة فقد عنه یوسف و کان فی فراقه أربعین سنة أو ثمانین سنة قال الثعلبی کان یوسف أبیض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العینین و کان أهداب عینیه مثل قوادم النسور مستوی الخلق غلیظ الساقین و الساعدین و العضدین خمیص البطن صغیر السرّة أقنی الانف بخدّه الایمن خال أسود و بین عینیه شامة و کان اذا تبسم رؤی النور فی ضواحکه* و فی المدارک کان فضل یوسف علی الناس فی الحسن کفضل القمر لیلة البدر علی نجوم السماء و کان اذا سار فی أزقة مصر یری تلألؤ وجهه علی الجدران کما یتلألأ نور الشمس وضوء القمر علی الجدران و کان یشبه آدم یوم خلقه ربه و قیل ورث الجمال من جدّته سارة و کانت قد أعطیت سدس الحسن* و فی العرائس قیل انه ورثه من جدّه اسحاق و اسحاق ورث الحسن من سارة و سارة ورثت الحسن من حوّاء علیهم السلام و فی الحدیث أعطی یوسف شطر الحسن* و فی روایة قسم اللّه لیوسف من الحسن و الجمال ثلثی حسن الخلق و قسم بین سائر الخلق الثلث قال وهب بن منبه الحسن عشرة أجزاء تسعة منه لیوسف و واحد منه بین الناس و لما بلغ یوسف ثنتی عشرة سنة رأی فی المنام أحد عشر کوکبا و الشمس و القمر له ساجدین کذا فی تفسیر الحدادی* و قیل کان ابن سبع عشرة سنة و قیل ابن سبع سنین کذا فی لباب التأویل و الکشاف و العرائس* روی جابر أن یهود یا سأل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن النجوم التی رآها یوسف فقال جریان و کذا فی کتاب الاعلام و لباب التأویل و الطارق و الذیال و قابس و عمودان و الفلیق و المصبح و الضروح و الفرغ و وثاب و ذو الکتفین فقال الیهودی ای و اللّه انها لا سماؤها فأسلم کذا فی الکشاف* و أما أسماء أولاد یعقوب فهی روبیل و هو أکبرهم و شمعون و لاوی و یهوذا و ریالون و یشجر و دینه و أمّ هؤلاء السبعة لیا بنت لیان و هی ابنة خال یعقوب و ولد له من سرّیتین زلفة و بلهه أربعة بنین دان و یفتالی و جاد و آشر ثم توفیت لیا فتزوّج اختها راحیل فولدت له یوسف و بنیامین و ماتت راحیل من نفاس بنیامین و قیل جمع بین الاختین و لم یکن الجمع حینئذ محرما الی زمان موسی و نزول التوراة کذا فی العرائس و قد مرّ فعلی ما فی الکشاف یکون جملة أولاد یعقوب ثلاثة عشر لا اثنی عشر کما لا یخفی بخلاف ما فی العرائس فانه اثنا عشر کما مرّ* و فی أنوار التنزیل ذکر أسامی أولاد یعقوب هکذا روبین بالنون و شمعون و لاوی و یهودا و یشنوخون و زبولون و دونی و لقنونی و کؤدی و أوشیر و بنیامین و یوسف و کان یعقوب شدید الحبّ لیوسف فحسدوه علیه و زادهم حسدا بلوغهم خبر رؤیاه و قالوا ما رضی أن تسجد له اخوته حتی یسجد له أبواه فأجمعوا أن یکیدوا له کیدا فسألوا أباهم أن یرسله معهم لیرتعوا و یلعبوا فتعلل یعقوب بالخوف علیه من أکل الذئب فألحوا و بالغوا حتی أرسله معهم فذهبوا مجمعین علی القائه فی الجب أی البئر و اختلفوا فی مکان الجب* قال وهب و مقاتل هو فی أرض لیزد علی ثلاثة فراسخ من منزل یعقوب و کان معروفا یرد علیه المسافرون و قال قتادة هو بئر بیت المقدس* و فی العرائس کان ذلک الجب بین القدس و طبریة علی قارعة الطریق و کان جبا و حشا مظلما ضیق الفم واسع السفل یهلک من طرح فیه و کان ماؤه مالحا و کان الجب من حفر سام بن نوح و یسمی جب الاخیار قال و لما برزوا الی البریة أظهروا له العداوة و ضربوه و کادوا یقتلونه فمنعهم یهودا فلما أراد و القاءه فی الجب تعلق بثیابهم فنزعوها من یدیه فتعلق بشفیر البئر فربطوا یدیه الی عنقه بعد أن نزعوا عنه قمیصه لیلطخوه بالدم فیحتالوا به علی أبیهم و دلوه فی البئر فلما توسط البئر قطعوا الحبل حتی یسقط و یموت فأخرج اللّه له علی وجه الماء صخرة ململمة لینة کالعجین فسقط علیها کذا فی العرائس* و فی روایة کان فی البئر ماء فسقط فیه ثم أوی الی صخرة فقام علیها و هو یبکی و عن ابن عباس کان یوسف یوم ألقی فی الجب ابن سبع سنین قاله ابن السائب و قال الحسن ابن اثنتی عشرة سنة و قیل ثمانی عشرة سنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:133
و قد مرّ و مکث فی الجب ثلاثة أیام و کان اخوته یرعون حول البئر و کان یهودا یأتیه بالطعام خفیة و یروی أن ابراهیم حین ألقی فی النار جرد عن ثیابه فأتاه جبریل بقمیص من حریر الجنة فألبسه ایاه فدفعه ابراهیم الی اسحاق و اسحاق الی یعقوب فجعله یعقوب فی تمیمة و علقها فی عنق یوسف فأخرجه جبریل و ألبسه ایاه روی أنهم ذبحوا سخلة و لطخوا قمیصه بدمها و زلّ عنهم أن یمزقوه* و روی أن یعقوب لما سمع بخبر یوسف صاح بأعلی صوته و قال أین القمیص فأخذه و ألقاه علی وجهه و بکی حتی خضب وجهه بدم القمیص و قال تاللّه ما رأیت کالیوم ذئبا أحلم من ذئب أکل ابنی و لم یمزق علیه قمیصه قال بل سوّلت لکم أی زینت و سهلت لکم أنفسکم أمرا عظیما ارتکبتموه فصبر جمیل و اللّه المستعان علی ما تصفون و جاءت سیارة رفقة تسیر من قبل مدین الی مصر و ذلک بعد ثلاثة أیام من القاء یوسف فی الجب فأخطئوا الطریق هائمین فنزلوا قریبا من الجب فی قفر بعید من العمران و کان ماء الجب ملحا فعذب حین ألقی فیه یوسف فأرسلوا واردهم الذی یرد الماء لیستقی للقوم اسمه مالک بن ذعر الخزاعی من العرب العرباء و لم یکن له ولد فسأل یوسف أن یدعو له بالولد فدعا له فرزق اثنی عشر ولدا أعقب کل واحد قبیلة کذا فی کتاب الاعلام فأدلی دلوه لیملأها فتشبث یوسف بالدلو فنزعه فجاء اخوة یوسف و قالوا هذا الغلام لناقد أبق فاشتروه منا و سکت یوسف مخافة أن یقتلوه فباعوه بثمن بخس أی مبخوس ناقص عن القیمة نقصا ظاهرا دراهم معدودة اشارة الی القلة و کانت عادتهم أنهم لا یزنون الا ما بلغ أوقیة و هی أربعون درهما و قال ابن عباس کانت الدراهم المعدودة أربعین درهما کذا فی لباب التأویل و یروی أن اخوته اتبعوهم و قالوا لهم استوثقوا منه لا یأبق و لما ذهبوا الی مصر اشتراه العزیز الذی کان علی خزائن مصر و اسمه قطفیر أو اطفیر* و فی لباب التأویل قال ابن عباس لما دخلوا مصر لقی قطفیر مالک بن ذعر فاشتری یوسف منه بعشرین دینارا و زوج نعل و ثوبین أبیضین* و قال وهب بن منبه قدمت السیارة بیوسف مصر و دخلوا به السوق یعرّضونه للبیع فترافع الناس فی ثمنه حتی بلغ ثمنه وزنه ذهبا و وزنه فضة و وزنه مسکا و وزنه حریرا و کان وزنه أربعمائة رطل و کان عمره حینئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفیر بهذا الثمن انتهی و الملک یومئذ الریان بن الولید العملیقی یعنی من أولاد عملیق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح قد آمن بیوسف و مات فی حیاته و قیل کان الملک فی أیام یوسف فرعون موسی و هو مصعب بن ریان أو ابنه ولید بن مصعب عاش أربعمائة سنة و بقی الی زمان موسی بدلیل قوله و لقد جاءکم یوسف من قبل بالبینات و المشهور أن فرعون موسی من أولاد فرعون یوسف من بقایا عاد و الآیة من قبیل خطاب الابناء بأحوال الآباء* و فی کتاب الاعلام کل من ولی مصر و القبط فهو فرعون قال المسعودی لا یعرف تفسیر فرعون بالعربیة و کنیته أبو مرّة و أخوه قابوس بن مصعب هو الذی کان بعد الریان و لما هلک فرعون و قومه فی الیمّ ملکت مصر امرأة یقال لها دلوکة و لها فیها آثار عجیبة و کان فرعون موسی أحمر قصیرا أزرق کما ان أشقی ثمود عاقر ناقة صالح قدار بن سالف کان کذلک*

عجائب فرعون‌

و فی لباب التأویل کان لفرعون أربع عجائب کانت لحیته خضراء ثمانیة أشبار و قامته سبعة أشبار و لحیته أطول منه بشبر و عمره اربعمائة سنة و کان له فرس اذا صعد الجبل قصرت یداه و طالت رجلاه و اذا انحدر یکون علی ضدّ ذلک و کان یجری النیل بأمره کما قال و هذه الانهار تجری من تحتی و لاجل هذه الاربعة ادّعی الربوبیة انتهی و کان فرعون طاغیا عاتیا ادّعی الالوهیة و قال أنا ربکم الاعلی و قال یأیها الملأ ما علمت لکم من إله غیری* و فی الکشاف کان بین القولین أربعون سنة و کان له وزیر یقال له هامان فقال له أوقد لی یا هامان علی الطین و اطبخ الآجر قیل انه أوّل من اتخذ الآجر و بنی به فاجعل لی صرحا قصرا عالیا لعلی أطلع الی إله موسی أنظر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:134
إلیه و أقف علی حاله و انی لأظنه یعنی موسی من الکاذبین فی زعمه ان للارض و الخلق الها غیری و انه رسوله* و فی معالم التنزیل قال أهل التفسیر لما أمر فرعون وزیره ببناء الصرح جمع هامان العمال و الفعلة حتی اجتمع خمسون ألف بناء سوی الاتباع و الاجراء و من یطبخ الآجر و الجص و ینجر الخشب و یضرب المسامیر فرفعوه و شیدوه حتی ارتفع ارتفاعا لم یبلغه بنیان أحد من الخلق و أراد اللّه عز و جلّ أن یفتنهم فیه فلما فرغوا منه ارتقی فرعون فوقه فأمر بنشابة فرمی بها نحو السماء فردّت إلیه و هی متلطخة دما فقال قد قتلت إله موسی و کان فرعون یصعد علی البراذین قیل کانت تقصر ید البراذین حین یصعد و تطول رجلاه وقت الهبوط علی عکس ذلک کما مرّ فتنة من اللّه و استدراجا فبعث اللّه عز و جلّ جبریل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها علی عسکر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل و وقعت قطعة فی البحر و قطعة فی الغرب و لم یبق أحد ممن عمل فیه شیئا الا هلک و فرعون لقب ملک العمالقة و القبط ککسری و قیصر و النجاشی لملوک الفرس و الروم و الحبشة* و فی المدارک یقال لملوک مصر الفراعنة کما یقال لملوک فارس أکاسرة و اسم فرعون قابوس أو الولید بن مصعب بن ریان* و فی العمدة اسم فرعون قابوس و قیل کیکاوس و قیل حقیق أی جدیر انتهی* و فی زمانه بعث شعیب النبیّ علیه السلام الی أولاد مدین بن اسماعیل بن ابراهیم و بعث موسی و هارون علیهما السلام الی فرعون و کان اسمه الولید بن مصعب و کان من أولاد عاد و کان شدّاد أرسله حاکما الی مصر* روی أن یوسف لما اشتراه العزیز کان ابن سبع عشرة سنة و قال الذی اشتراه من مصر یعنی قطفیر من أهل مصر لامرأته و کان اسمها راغیل و قیل زلیخا اکرمی مثواه منزله و مقامه عندک قال ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة العزیز فی یوسف حیث قال أکرمی مثواه الی آخره و ابنة شعیب فی موسی حیث قالت یا أبت استأجره الی آخره و أبو بکر فی عمر حیث استخلفه بعده کذا فی لباب التأویل و أقام یوسف فی منزله فی بیت امرأته زلیخا ثلاث عشرة سنة کما مرّ و هی کانت بنت خمس عشرة سنة و عشقت یوسف و راودته التی هو فی بیتها عن نفسه أی طلبت منه المواقعة و تمحلت له من راد یرود اذا جاء و ذهب و غلقت الابواب قیل کانت سبعة و التشدید للتکثیر أو للمبالغة فی ایثاق الابواب و قالت هیت لک أی أقبل و بادر أو تهیأت لک هیت اسم فعل بنی علی الفتح کبناء أین و اللام للتبیین أی لک أقول کما تقول هلمّ لک قال معاذ اللّه انه أی الشأن و الحدیث ربی و سیدی و مالکی یرید قطفیر أحسن مثوای مقامی فلا أخونه فی أهله و لقد همت به و همّ بها قصدت مخالطته و قصد مخالطتها و الهمّ بالشی‌ء قصده و العزم علیه و منه الهمام و هو الذی اذا همّ بشی‌ء أمضاه و لم ینکل عنه* و فی أنوار التنزیل المراد بهمه میل الطبع و منازعة الشهوة لشبق الغلمة لا المیل الاختیاری و ذلک مما لا یدخل تحت التکلیف و الحقیق بالمدح و الاجر الجزیل من اللّه سبحانه و تعالی من یکف نفسه عن الفعل عند قیام هذا الهم الاختیاری أو المراد بهمه مشارفة الهم کقولک قتلته لو لم أخف اللّه لو لا أن رأی برهان ربه فی قبح الزنا و سوء عاقبته و لا یجوز أن یجعل و همّ بها جواب لو لا فانها فی حکم أدوات الشرط و للشرط صدر الکلام فلا یتقدّم علیها جوابها بل الجواب محذوف یدل علیه و هم بها کقولک هممت بقتله لو لا انی خفت اللّه معناه انی لو لا خفت اللّه لقتلته* و فی الکشاف و قد فسرهم یوسف بأنه حل الهمیان و جلس منها مجلس المجامع و بأنه حلّ تکة سراویله و قعد بین شعبها الاربع و هی مستلقیة علی قفاها و فسر البرهان بأنه سمع صوتا ایاک و ایاها فلم یکترث له فسمع ثانیا فلم یعمل به فسمع ثالثا أعرض عنها فلم ینجع فیه حتی مثل له یعقوب عاضا علی أنملته و قیل ضرب بیده فی صدره فخرجت شهوته من أنامله* و قیل ولد لکلّ من ولد یعقوب اثنا عشر ولدا الا یوسف فانه ولد له احد عشر ولدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:135
من أجل ما نقص من شهوته حین همّ و قیل صیح به یا یوسف لا تکن کطائر کان له ریش فلما زنا أی سفد غیر أنثاه قعد لا ریش له و قیل بدت کف فیما بینهما لیس لها عضد و لا معصم مکتوب فیها و انّ علیکم لحافظین کراما کاتبین فلم ینصرفه ثم رأی فیها و لا تقربوا الزنا انه کان فاحشة و ساء سبیلا فلم ینته ثم رأی فیها و اتقوا یوما ترجعون فیه الی اللّه فلم ینجع فیه فقال اللّه لجبریل أذرک عبدی قبل أن یصیب الخطیئة فانحط جبریل و هو یقول یا یوسف أ تعمل عمل السفهاء و أنت مکتوب فی دیوان الأنبیاء و قیل رأی تمثال العزیز قطفیر و قیل قامت المرأة الی صنم کان هناک فترته و قالت أستحیی أن یرانا فقال یوسف استحییت ممن لا یسمع و لا یبصر و لا أستحیی من السمیع البصیر العلیم بذات الصدور و هذا و نحوه مما یورده أهل الحشو و الجبر الذین دینهم بهت اللّه و أنبیائه و أهل العدل و التوحید لیسوا من مقالاتهم و روایاتهم بسبیل و لو صدرت من یوسف أدنی زلة لنعیت علیه و ذکرت توبته و استغفاره کما نعیت علی آدم علیه السلام زلته و علی داود و علی نوح و علی أیوب و علی ذی النون و ذکرت توبتهم و استغفارهم کیف و قد أثنی اللّه علیه و سماه مخلصا انتهی و استبقا الباب أی ابتدرا إلیه یفرّ منها یوسف فأسرع یرید الباب لیخرج و أسرعت وراءه لتمنعه الخروج أراد بالباب الباب البرّانی الذی هو المخرج من الدار و المخلص فلا یرد أن یقال کیف وجد الباب مفتوحا و قد جمعه فی قوله و غلقت الابواب* روی کعب أنه لما هرب یوسف جعل فراش القفل یتناثر و یسقط حتی خرج من الابواب و قدّت قمیصه من دبر اجتذبته فانقدّ أی انشق طولا حتی هرب منها الی الباب و تبعته تمنعه و ألفیا سیدها أی وجدا زوجها و بعلها و هو قطفیر لدی الباب تقول المرأة لبعلها سیدی و انما لم یقل وجدا سیدهما لان ملک یوسف لم یصح فلم یکن سیدا له علی الحقیقة و قیل ألفیاه مقبلا یرید أن یدخل فنزهت نفسها و قالت ما جزاء من أراد بأهلک سوءا زنا الا أن یسجن أی یحبس أو عذاب ألیم مؤلم بأن یضرب قال یوسف متبرّئا هی راودتنی عن نفسی و شهد شاهد من أهلها ابن عمّ لها* روی أنه کان فی المهد و عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تکلم فی المهد أربعة و هم صغار ابن ماشطة فرعون و شاهد یوسف و صاحب جریج و عیسی و قال نسوة فی المدینة مصر أی قال جماعة من النساء و کنّ خمسا امرأة الساقی و امرأة الخباز و امرأة صاحب الدواب و امرأة صاحب السجن و امرأة الحاجب امرأة العزیز تراود فتاها عبدها عن نفسه قد شغفها حبا تمییز* فی الکشاف شغفها خرق حبه شغاف قلبها حتی وصل الی الفؤاد و الشغاف حجاب القلب و قیل جلدة رقیقة یقال لها لسان القلب فلما سمعت بمکرهنّ بغیبتهنّ و سوء مقالتهنّ و قولهنّ امرأة العزیز عشقت عبدها الکنعانی أرسلت إلیهنّ دعتهنّ* قیل دعت أربعین امرأة فیهنّ الخمس المذکورات و أعتدت أعدّت و هیأت لهنّ متکأ ما یتکئن علیه من نمارق و عن مجاهد متکأ طعاما یحزّ حزا و قرئ متکا بغیر همز و هو الاترج* و قال وهب أترجا و موزا و بطیخا و آتت أعطت کل واحدة منهنّ سکینا و قالت لیوسف اخرج علیهنّ فلما رأینه أکبرنه أعظمنه و قطعن جرحن أیدیهنّ بالسکاکین و لم یشعرن بالالم لشغل قلبهنّ بیوسف و قلن حاش للّه تنزیها له اللام للتبیین نحو قولک سقیا لک ما هذا أی یوسف بشرا ان هذا ما هذا الا ملک کریم قالت امرأة العزیز لما رأت ما حلّ بهنّ فذلکنّ الذی لمتننی فیه فی حبه بیان لعذرها و لقد راودته عن نفسه فاستعصم فامتنع و لئن لم یفعل ما آمره أی ما آمر به فحذف الجار و الضمیر للموصول أو أمری ایاه ای موجب أمری و مقتضاه علی أن ما مصدریة لیسجننّ و لیکونا من الصاغرین من الذلیلین قلن له أطع مولاتک و لم یطعها فسجن بسببها سبع سنین علی قول الجمهور و دخل معه السجن فتیان عبدان للملک شرابیه و خبازه بتهمة السم* و فی کتاب الاعلام اسم أحدهما شرهم و الآخر برهم فتحا لما فقال الشرابیّ انی رأیت کأنی فی بستان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:136
فاذا بأصل حبلة علیها ثلاثة عنا قید من عنب فقطفتها و عصرتها فی کأس الملک و سقیته و قال الخباز رأیت کان فوق رأسی ثلاث سلال فیها أنواع الاطعمة فاذا سباع الطیر تنهش منها فقالا له نبئنا بتأویله فأوّل یوسف رؤیا الشرابی بأنه یعود الی عمله و یسقی سیده خمرا و أوّل رؤیا الخباز بأنه یقتل* روی أنه قال للاوّل ما رأیت من الکرمة هو الملک و حسن حالک عنده و أما القضبان الثلاثة فانها ثلاثة أیام تمضی فی السجن ثم تخرج و تعود الی ما کنت علیه من عملک اذکرنی و صفنی عند الملک بصفتی و قص علیه قصتی لعله یرحمنی و یخلصنی من هذه الورطة و فی الحدیث رحم اللّه أخی یوسف لو لم یقل اذکرنی عند ربک لما لبث فی السجن سبعا و قال للثانی ما رأیت من السلال الثلاث ثلاثة أیام ثم تخرج و تقتل و کان أمرهما کما قال* و لما دنا فرج یوسف رأی ملک مصر الریان بن الولید رؤیا عجیبة هالته رأی سبع بقرات سمان خرجن من نهر یابص و سبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان و رأی سبع سنبلات خضر انعقد حبها و سبعا أخر یابسات قد استحصدت و أدرکت فالتوت الیابسات علی الخضر حتی غلبن علیها فاستعبرها الملک و قال یأیها الملأ أفتونی فی رؤیای فلم یجد فی قومه من یحسن عبارتها و قالوا أضغاث أحلام أی تخالیط منامات باطلة و لیس لنا بها علم و لما استفتی الملک فی رؤیاه و أعضل علی الملأ تأویلها و عجزوا عنها تذکر الناجی بعد مدّة طویلة یوسف و تأویله رؤیاه و رؤیا صاحبه و طلبه إلیه أن یذکره عند الملک فقال أنا اخبرکم بمن عنده تأویلها فأرسلوه فانطلق الی یوسف و قص علیه رؤیا الملک و استعبره فقال أیها الصدّیق أفتنا فی سبع بقرات سمان الی آخر ما رآه الملک فتأوّل یوسف البقرات السمان و السنبلات الخضر بسنین مخاصیب و العجاف و الیابسات بسنین مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأویل الرؤیا بأن العام الثامن یجی‌ء مبارکا کثیرا لخیر غزیر النعم و ذلک بعد أربع عشرة سنة من وقت استفتاء الرؤیا* قیل کان ابتداء بلاء یوسف فی الرؤیا ثم کان سبب نجاته أیضا الرؤیا فلما رجع المستعبر الی الملک بخبر یوسف و تأویله الرؤیا قال ائتونی به استخلصه لنفسی فجاءه الرسول لیخرجه من السجن و کان معه سبعون حاجبا و سبعون مرکبا و بعث الملک إلیه لباس الملوک فقال أجب الملک فخرج من السجن و دعا لاهله فقال اللهم أعطف علیهم قلوب الاخیار و لا تعمّ علیهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فی الواقعات و کتب علی باب السجن هذه منازل البلوی و قبور الاحیاء و شماتة الاعداء و تجربة الاصدقاء ثم اغتسل و تنظف من درن السجن و لبس ثیابا جددا فلما دخل علی الملک قال اللهم انی اسألک بخیرک من خیره و أعوذ بعزتک و قدرتک من شرّه ثم سلم علیه و دعا له بالعبرانیة فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائی و کان الملک یتکلم بسبعین لسانا فکلمه بها فأجابه بجمیعها فتعجب منه فقال أیها الصدّیق انی أحب أن اسمع رؤیای منک قال رأیت بقرات فوصف لونهنّ و أحوالهنّ و مکان خروجهنّ و وصف السنابل و ما کان منها علی الهیئة التی رآها الملک و قال من حقک أن تجمع الطعام بالاهراء فیأتیک الخلق من النواحی و یمتارون منک و یجتمع لک من الکنوز ما لم یجتمع لاحد قبلک قال الملک و من لی بهذا الامر و من یجمعه قال یوسف اجعلنی علی خزائن الارض أی ولنی خزائن أرضک یعنی مصر* و فی الحدیث رحم اللّه أخی یوسف لو لم یقل اجعلنی علی خزائن الارض لاستعمله من ساعته و لکنه أخر ذلک سنة* روی أن الملک توجه و ختمه بخاتمه و رداه بسیفه و وضع له سریرا من ذهب مکللا بالدرّ و الیاقوت فقال له أما السریر فاشدد به ملکک و أما الخاتم فدبر به أمرک و أما التاج فلیس من لباسی و لا من لباس آبائی فاستوزره الریان و هو ابن ثلاثین سنة أو ثلاث و ثلاثین سنة قیل توفی جدّه اسحاق حینئذ و عمره مائة و ثمانون سنة و کان ضریرا و دفن عند قبر أبیه و أوتی یوسف الحکمة و العلم و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة* و فی تفسیر الحدّادی فی قوله تعالی و لما بلغ أشدّه قال ابن عباس و لما بلغ ثمانی عشرة سنة آتیناه النبوّة و لما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:137
استوزر دانت له الملوک و فوّض إلیه الامر و کان الملک کالتابع له یصدر عن رأیه و لا یعترض علیه فی کل ما رأی و عزل قطفیر ثم مات قطغیر بعده فزوّجه الملک امرأته زلیخا فلما دخل علیها قال لها أ لیس هذا خیرا مما طلبت فوجدها عذراء و کان العزیز عنینا فولدت لیوسف ولدین إفرائیم و میشا و ولد لأفرائیم نون و لنون یوشع فتی موسی و أقام یوسف العدل بمصر و أحبه الرجال و النساء و أسلم علی یدیه الملک و کثیر من الناس و باع من أهل مصر فی سنی القحط الطعام بالدراهم و الدنانیر فی السنة الاولی حتی لم یبق معهم شی‌ء منها ثم بالحلی و الجواهر فی السنة الثانیة ثم بالدواب فی الثالثة ثم بالعبید و الاماء فی الرابعة ثم بالدور و العقار فی الخامسة ثم بأولادهم فی السادسة ثم برقابهم فی السابعة حتی استرقهم جمیعا ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم و ردّ علیهم أملاکهم و کان لا یبیع لاحد من الممتارین أکثر من حمل بعیر و أصاب أهل کنعان ما أصاب أهل مصر من الجهد فأرسل یعقوب بنیه لیمتاروا منها فجاء اخوة یوسف فدخلوا علیه فعرفهم و هم له منکرون لتبدّل الزیّ أو لانه کان وراء حجاب أو لطول المدّة و هی أربعون سنة* روی أنه لما رآهم تکلموا بالعبرانیة قال لهم أخبرونی من أنتم و ما شأنکم قالوا نحن قوم رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلکم جئتم عیونا تنظرون عورة بلادی قالوا معاذ اللّه نحن بنو نبی حزین لفقد ابن کان أحبنا إلیه و قد أمسک اخاله من أمه یستأنس به فقال ائتونی به ان صدقتم و قال و من یشهد لکم انکم لستم بعیون و ان الذی تقولون حق قالوا اننا ببلاد لا یعرفنا فیها أحد فیشهد قال فدعوا بعضکم عندی رهینة و ائتونی بأخ لکم من أبیکم و هو یحمل رسالة ابیکم حتی أصدّقکم فاقترعوا عودا فیهم فأصابت القرعة شمعون و کان أحسنهم رأیا فی یوسف فخلفوه عنده و جهزهم و أعطی کل واحد حمل بعیر و قال ائتونی بأخ لکم من أبیکم قالوا سنراود عنه أباه أی سنخادعه و نحتال علیه حتی ننزعه من یده فلما رجعوا الی أبیهم بالطعام و أخبروه بما فعل یوسف قالوا یا أبانا منع منا الکیل فأرسل معنا أخانا نکتل و إنا له لحافظون عن ان یناله مکروه قال هل آمنکم علیه الا کما أمنتکم علی أخیه من قبل و قال لن ارسله معکم حتی تؤتونی موثقا عهدا من اللّه بأن تحلفوا لی باللّه لتأتننی به الا أن یحاط بکم و تغلبوا فلم تطیقوا به فلما آتوه موثقهم و حلفوا باللّه رب محمد دفع بنیامین إلیهم و قال اللّه علی ما نقول وکیل و قال فاللّه خیر حفظا و هو أرحم الراحمین* قال کعب لما قال فاللّه خیر حفظا قال اللّه بعزتی و جلالی لاردّن علیک کلیهما و وصاهم أن لا یدخلوا من باب واحد بل یدخلوا من أبواب متفرّقة الجمهور علی أنه خاف علیهم العین لجمالهم و جلالة أمرهم فالعین حق وجوده بأن یحدث اللّه عند النظر الی الشی‌ء و الاعجاب به نقصانا فیه و خللا* و قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان العین لتدخل الجمل القدر و الرجل القبر و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یعوّذ الحسن و الحسین فیقول أعیذ کما بکلمات اللّه التامة من کل شیطان و هامة و من کل عین لامّة فلما دخلوا علی یوسف قالوا له هذا أخونا قد جئنا به قال أحسنتم و آوی و ضم إلیه أخاه بنیامین فأنزلهم و أحسن مثواهم و أضافهم و أکرم نزلهم و مقراهم و أجلس کل اثنین منهم علی مائدة فبقی بنیامین وحده فبکی و قال لو کان أخی یوسف حیا لأجلسنی معه فقال یوسف بقی أخوکم وحیدا فأجلسه معه علی مائدته و جعل یواکله و قال أ تحب أن أکون أخاک بدل أخیک الهالک قال من یجد أخا مثلک و لکن لم یلدک یعقوب و لا راحیل فبکی یوسف و عانقه و قال انی أنا أخوک یوسف فلا تبتئس و لا تحزن بما کانوا یعملون بنا فیما مضی فان اللّه قد أحسن إلینا و جمعنا علی خیر و لا تعلّمهم بما أعلمتک* روی أن بنیامین قال لیوسف فأنا لا أفارقک قال یوسف قد علمت اغتمام والدی بی فاذا حبستک ازداد غمه و لا سبیل الی ذلک الا أن أنسبک الی ما لا یجمل قال لا أبالی افعل ما بدا لک قال فانی أدس صاعی فی رحلک ثم أنادی علیک بأنک سرقته لیتهیأ لی
ردّک بعد تسریحک معهم قال افعل فلما جهزهم بجهازهم و هیأ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:138
أسبابهم و أوفی الکیل لهم جعل السقایة یعنی مشربة یسقی بها و هی الصواع قیل کان یسقی بها الملک ثم جعلت صاعا یکال بها العزة الطعام و کان یشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فی رحل بنیامین* روی أنهم ارتحلوا و أمهلهم یوسف حتی انطلقوا ثم أمر بهم فأدرکوا و حبسوا ثم نادی مناد أیتها العیر و هی الابل التی علیها الاحمال لانها تعیر أی تذهب و تجی‌ء و المراد أصحاب العیر انکم لسارقون کنایة عن سرقتهم ایاه من أبیه قالوا و أقبلوا علیهم ما ذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملک و لمن جاء به حمل بعیر قال المؤذن و أنا به زعیم یرید أنا بحمل البعیر کفیل أؤدّیه الی من جاء به و أراد وسق بعیر من طعام جعلا لمن حصله قالوا تاللّه قسم فیه معنی التعجب مما نسب إلیهم ما جئنا لنفسد فی الارض* روی أنهم حین دخلوا کان أفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق و ما کنا سارقین قالوا فما جزاء الصواع أی سرقته ان کنتم کاذبین فی جحودکم و ادعائکم البراءة منها قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فی رحله و کان حکم السارق فی آل یعقوب أن یسترق سنة فبدأ بتفتیش أوعیتهم قبل وعاء أخیه بنیامین لنفی التهمة حتی بلغ وعاء فقال ما أظنّ هذا أخذ شیئا فقالوا و اللّه لا یترک حتی تنظر فی رحله فانه أطیب لنفسک و أنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخیه قالوا ان یسرق فقد سرق أخ له من قبل أرادوا یوسف قیل دخل کنیسة فأخذ تمثالا صغیرا من ذهب کانوا یعبدونه فدفنه و قیل کان فی المنزل دجاجة فأعطاها السائل و قیل کانت منطقة لإبراهیم یتوارثها أکابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الی ابنته و کانت أکبر أولاده فحضنت یوسف و هی عمته بعد وفاة أمه و کانت لا تصبر عنه فلما شب أراد یعقوب أن ینتزعه منها فعمدت الی المنطقة فحزمتها علی یوسف تحت ثیابه و قالت قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة علی یوسف فقالت انه لی سلم أفعل به ما شئت فحلاه یعقوب عندها حتی ماتت یقال فلان سلم فی أیدی بنی فلان أی أسیر* و روی أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنیامین نکس اخوته رءوسهم حیاء و أقبلوا علیه فقالوا له فضحتنا و سوّدت وجوهنا یا بنی راحیل ما یزال لنا منکم بلاء متی أخذت هذا الصواع فقال بنو راحیل لا یزال منکم علیهم بلاء ذهبتم بأخی فأهلکتموه فأسرّ یوسف فی نفسه مقالتهم قد سرق أخ له من قبل و تغافل عنها کأن لم یسمعها و لما أخذ بنیامین بعلة السرقة قالوا له یأیها العزیز ان له أبا شیخا کبیرا فخذ أحدنا مکانه أی بدله فأبی و قال معاذ اللّه أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استیأسوا من یوسف و اجابته انفردوا عن الناس متناجین فی تدبیر أمرهم علی أیّ صفة یذهبون و ما ذا یقولون لابیهم فی شأن اخیهم قال کبیرهم فی السنّ و هو روبیل أو فی العقل و هو یهوذا أو رئیسهم و هو شمعون أ لم تعلموا أن أباکم قد أخذ علیکم موثقا من اللّه و من قبل ما فرّطتم و قصرتم فی شأن یوسف فلن أبرح الارض أی لن أفارق أرض مصر حتی یأذن لی أبی فی الانصراف إلیه أو یحکم اللّه لی فی الخروج منها او بالموت او بقتالهم ارجعوا الی ابیکم فقولوا یا أبانا ان ابنک سرق و ما شهدنا علیه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته و ما کنا للغیب حافظین أی ما علمنا انه سیسرق حین أعطیناک المواثیق و اسأل اهل مصر عن کنه القصة و اصحاب العیر و کانوا قوما من کنعان من جیران یعقوب و انا لصادقون فی قولنا فرجعوا الی ابیهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال یعقوب بل سوّلت و سهلت لکم أنفسکم أمرا أردتموه و الا فمن أدری ذلک الرجل ان السارق یسترق لو لا فتواکم و تعلیمکم فصبر جمیل عسی اللّه أن یأتینی بهم جمیعا أی بیوسف و اخیه و کبیرهم و تولی و أعرض عنهم کراهة لما جاءوا به و قال یا اسفا علی یوسف الاسف اشدّ الحزن و الحسرة و الالف بدل عن یاء الاضافة و ابیضت عیناه من الحزن أی اذا کثر الاستعبار محقت العبرة سواد العین و قلبته الی بیاض کدر قیل قد عمی بصره و قیل یدرک ادراکا ضعیفا قیل ما جفت عینا یعقوب من وقت فراق یوسف الی حین لقائه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:139
ثمانین سنة أو أربعین سنة کذا فی المدارک* و فی الکشاف عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انه سأل جبریل ما بلغ من وجد یعقوب علی یوسف قال وجد سبعین ثکلی قال فما کان له من الاجر قال اجر مائة شهید و ما ساء ظنه باللّه ساعة قط* و فی الکشاف عن الحسن انه بکی علی ولده او غیره فقیل له فی ذلک فقال ما رأیت اللّه جعل الحزن عارا علی یعقوب و یجوز للنبیّ ان یبلغ به الجزع ذلک المبلغ لان الانسان مجبول علی ان لا یملک نفسه عند الحزن فلذلک حمد صبره و لقد بکی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی ولده ابراهیم و قال القلب یجزع و العین تدمع و لا نقول ما یسخط الرب و انا علیک یا ابراهیم لمحزونون و انما المذموم الصیاح و النیاح و لطم الصدور و الوجوه و تمزیق الثیاب* قیل ان یعقوب اشتری جاریة مع ولدها فباع ولدها فبکت حتی عمیت و روی انه رأی ملک الموت فی منامه فسأله هل قبضت روح یوسف فقال لا و اللّه هو حیّ فاطلبه و علمه هذا الدعاء* یا ذا المعروف الدائم الذی لا ینقطع معروفه ابدا و لا یحصیه غیره فرّج عنی* فقال یا بنیّ اذهبوا فتحسسوا من یوسف و اخیه و لا تیأسوا من روح اللّه أی لا تقنطوا من رحمة اللّه فخرجوا من عند أبیهم راجعین الی مصر فلما دخلوا علی یوسف قالوا یأیها العزیز مسنا و اهلنا الضرّ الهزال من شدّة الجوع و جئنا ببضاعة مزجاة حقیرة یدفعها کل تاجر رآها رغبة عنها و احتقارا لها قیل کانت دراهم زیوفا لا تؤخذ الا بوضیعة و قیل کانت صوفا و سمنا فأوف لنا الکیل و تصدّق علینا و لما قالوا مسنا و اهلنا الضرّ و تضرّعوا إلیه و طلبوا أن یتصدّق علیهم ارفضت عیناه و لم یتمالک أن عرّفهم نفسه حیث قال هل علمتم ما فعلتم بیوسف و أخیه اذ أنتم جاهلون و قیل أدّوا إلیه کتاب یعقوب من یعقوب اسرائیل اللّه بن اسحاق ذبیح اللّه بن ابراهیم خلیل اللّه الی عزیز مصر أما بعد فانا أهل بیت موکل بنا البلاء فأما جدّی فشدّت یداه و رجلاه و رمی به فی النار لیحرق فنحاه اللّه و جعلت النار بردا و سلاما و أما أبی فوضع السکین فی قفاه لیقتل ففداه اللّه و أما أنا فکان لی ابن و کان أحب اولادی فذهب به اخوته الی البریة ثم أتوا بقمیصه ملطخا بالدم و قالوا قد أکله الذئب فذهبت عینای من بکائی علیه ثم کان لی ابن و کان أخاه من أمه و کنت أتسلی به فذهبوا به ثم رجعوا و قالوا انه سرق و انک حبسته و انا أهل بیت لا نسرق و لا نلد سارقا فان رددته علیّ و الا دعوت علیک دعوة تدرک السابع من ولدک و السلام* فلما قرأ یوسف الکتاب لم یتمالک و عیل صبره فقال لهم هل علمتم ما فعلتم بیوسف و أخیه* و روی أنه لما قرأ الکتاب بکی و کتب الجواب اصبر کما صبروا تظفر کما ظفروا* و فی روایة مکتوب یعقوب أخصر مما ذکر کتب بسم اللّه الرحمن الرحیم من یعقوب اسرائیل اللّه بن اسحاق ذبیح اللّه بن ابراهیم خلیل اللّه الی العزیز ریان أما بعد فانا أهل بیت مولع بنا البلاء أما جدّی ابراهیم خلیل اللّه ابتلی بالنار فأنجاه اللّه و اما أبی اسحاق ابتلی بالذبح ففداه اللّه و أما أنا فکان لی قرّة عین من أولادی ابتلیت بفراقه حتی عمیت و کان له أخ کلما هاج بی شوقی ضممته الی صدری و الآن محبوس عندک بعلة السرقة و اعلم انی لا أکون سارقا و لا ألد سارقا فان تفضلت بردّه فلک فی ذلک الاجر و الثواب یوم الحساب و کتب یوسف فی جوابه بعبارة أطول مما ذکر قیل کان باملاء جبریل کتب بسم اللّه الرحمن الرحیم کتابی هذا الی یعقوب اسرائیل اللّه بن ذبیح اللّه بن خلیل اللّه من العزیز ریان أما بعد فقد وصل الیّ کتابه بما وصف من حال آبائه و بلائه و ابتلائه بفراق اولاده فوقفت علیه فعلیه بالصبر الجمیل أما جدّک ابراهیم ابتلی بالنار صبر فظفر و أما أبوک اسحاق ابتلی بالذبح صبر فظفر و أنت ابن الصابرین فاصبر کما صبروا تظفر کما ظفروا و السلام علی من اتبع الهدی و معنی فعلهم بأخی یوسف تعریضهم ایاه للغم بافراده عن أخیه لابیه و أمه و ایذائهم ایاه بأنواع الاذی قال اخوة یوسف أ إنک لانت یوسف قال أنا یوسف و هذا أخی قد منّ الله
علینا الآن بالالفة بعد الفرقة قالوا تاللّه لقد آثرک اللّه علینا أی اختارک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:140
و فضلک علینا بالعلم و التقوی و الصبر و الحسن و ان کنا لخاطئین قال لا تثریب علیکم الیوم یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین* روی ان اخوة یوسف لما عرفوه أرسلوا إلیه انک تدعونا الی طعامک بکرة و عشیا و نحن نستحیی منک لما فرط منافیک فقال یوسف ان اهل مصر و ان ملکت فیهم فانهم ینظرون الیّ بالعین الاولی و یقولون سبحان من بلغ عبدا بیع بعشرین درهما ما بلغ و لقد شرفت الآن بکم حیث علم الناس أنی من حفدة ابراهیم اذهبوا بقمیصی هذا قیل هو القمیص المتوارث الذی کان فی تعویذ یوسف و کان من الجنة أمره جبریل أن یرسله الی ابیه فان فیه ریح الجنة لا یقع علی مبتلی و لا سقیم إلا عوفی قال فألقوه علی وجه أبی یأت بصیرا أی یأت الیّ و هو بصیر قال یهوذا أنا احمل قمیص الشفاء کما ذهبت بقمیص الجفاء قیل حمله و هو خاف حاسر من مصر الی کنعان و بینهما ثمانون فرسخا و قال لهم یوسف ائتونی بأهلکم اجمعین لینعموا بآثار ملکی کما اغتموا بأخبار هلکی و لما فصلت العیر و خرجت من عریش مصر قال ابوهم و هو فی کنعان لولد ولده و من حوله من قومه انی لأجد ریح یوسف لو لا أن تفندون أوجد اللّه ریح القمیص حین اقبل من مسیرة ثمانیة ایام فلما أن جاء البشیر و هو یهوذا ألقی القمیص علی وجهه فارتدّ بصیرا* و روی أن یعقوب سأل البشیر کیف یوسف فقال هو ملک مصر قال ما أصنع بالملک علی أیّ دین ترکته قال علی دین الاسلام قال الآن تمت النعمة ثم ان یوسف وجه الی ابیه جهازا و مائتی راحلة لیتجهز هو و من معه فلما بلغ قریبا من مصر خرج یوسف و الملک فی أربعة آلاف من الجند و العظماء و أهل مصر بأجمعهم فتلقوا یعقوب و هو یمشی و یتوکأ علی یهوذا فلما دخلوا علی یوسف و ذلک قبل دخولهم مصر حین استقبلهم نزل بهم فی مضرب أو قصر کان له ثمة فدخلوا علیه آوی إلیه ابویه أی ضمهما و اعتنقهما إلیه قیل کانت أمه باقیة و قیل کانت أمه ماتت و تزوّج یعقوب خالته و الخالة أمّ کما ان العمّ أب* روی انه لما لقیه یعقوب قال السلام علیک یا مذهب الاحزان قال له یوسف بعد ردّ السلام علیه یا ابت بکیت علیّ حتی ذهب بصرک أ لم تعلم أن القیامة تجمعنا فقال بلی و لکن خشیت ان یسلب دینک فیحال بینی و بینک* قیل ان یعقوب و ولده دخلوا مصر و هم اثنان و سبعون ما بین رجل و امرأة و خرجوا منها مع موسی و مقاتلتهم ستمائة ألف و خمسمائة و بضعة و سبعون رجلا سوی الذرّیة و الهرمی و کانت الذرّیة ألف ألف و مائتی ألف و لما دخلوا مصر و جلس یوسف فی مجلسه مستویا علی سریره و اجتمعوا إلیه أکرم أبویه فرفعهما علی السریر و خرّوا له سجدا یعنی الاخوة الاحد عشر و الابوین* ذکر المفسرون ان اللّه أحیا أمّ یوسف تحقیقا لرؤیاه و اللّه علی کل شی‌ء قدیر و کانت السجدة عندهم جائزة جاریة مجری التحیة و التکرمة کالقیام و المصافحة و تقبیل الیدین قال الزجاج کانت سنة التعظیم فی ذلک الوقت أن یسجد للمعظم و قیل کانت الانحناء دون تعفیر الجبهة و خرورهم سجدا یأباه و قیل خرّوا لاجل یوسف سجدا للّه شکرا و فیه أیضا نبوة و اختلف فی استنبائهم و قال یوسف یا أبت هذا تأویل رؤیای من قبل قد جعلها ربی حقا صادقة و کان بین الرؤیا و بین التأویل أربعون سنة و هو قول ابن عباس و أکثر المفسرین أو ثمانون سنة و هو قول الحسن البصری و سیجی‌ء و قیل ست و ثلاثون و قیل اثنتان و عشرون سنة* قال مجاهد أخرج یوسف من عند یعقوب و هو ابن ست سنین و جمع بینهما و هو ابن أربعین سنة* و عن الحسن قال ألقی یوسف فی الجبّ و هو ابن سبع عشرة سنة و کان فی العبودیة ثمانین سنة و عاش بعد ذلک ثمانیة و عشرین سنة و توفی و هو ابن مائة و عشرین سنة کذا فی العرائس* قال و أقام یعقوب مع یوسف أربعا و عشرین سنة بأغبط حال و أهنأ عیش و أتم سرور و قیل سبع عشرة سنة ثم حضرته الوفاة و أوصی یوسف أن یحمله الی الشام و یدفنه فی الارض المقدّسة عند أبیه وجده ففعل ذلک و جعله فی تابوت من ساج و حمله الی بیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:141
المقدس و خرج معه یوسف و عظماء أهل مصر و وافق یوم موته یوم موت أخیه عیص فدفنا فی قبر واحد و کان عمرهما جمیعا مائة و سبعة و أربعین سنة و کانا توأمین ولدا فی یوم واحد و ماتا فی یوم واحد و قبرا فی قبر واحد ثم عاد یوسف الی مصر و عاش بعد أبیه ثلاثا و عشرین سنة کما مرّ قاله الثعلبی فی العرائس و القاضی البیضاوی فی أنوار التنزیل و کذا فی المدارک فلما تم أمر یوسف طلبت نفسه الملک الدائم فتمنی الموت قیل ما تمناه نبیّ قبله و لا بعده فقال رب قد آتیتنی من الملک و علمتنی من تأویل الاحادیث فاطر السموات و الارض أنت ولیی فی الدنیا و الآخرة توفنی مسلما و ألحقنی بالصالحین فلما حضرته الوفاة جمع قومه من بنی اسرائیل و عرّفهم بحضور أجله و کانوا ثمانین رجلا فقالوا له یا نبیّ اللّه انا نحب أن تعلمنا بما یؤول إلیه أمرنا بعد خروجک من بین أظهرنا فی أمر دیننا و ملتنا قال لهم یوسف ان امورکم لم تزل مستقیمة علی ما أنتم علیه من أمر دینکم حتی یظهر علیکم رجل جبار من القبط یدّعی الربوبیة فیقهرکم و یغلبکم و یذبح أبناءکم و یستحیی نساءکم و یسومکم سوء العذاب و تمدّ أیامه أیاما مدیدة ثم یخرج من بنی اسرائیل من ولد أخی لاوی رجل اسمه موسی بن عمران رجل جعد الشعر آدم اللون فینجیکم اللّه تعالی به من أیدی القبط قال فجعل کل رجل من بنی اسرائیل یسمی ولده عمران رجاء أن یکون ذلک النبیّ منه‌

دیک یوسف‌

قالوا و کان لیوسف دیک قد عمر خمسمائة سنة فقال لهم یوسف یستقیم أمرکم ما دام هذا الدیک یصرخ فیکم فاذا ولد هذا الجبار سکت فلا یصرخ مدّة ولایته حتی اذا انقضت أیامه و أذن بمولد هذا النبیّ صرخ کما کان یصرخ أوّلا فذلک علامة انقضاء ملکه و ظهور نبیّ اللّه فی الارض قال فلم یزالوا علی ما هم علیه الی أن سکت صراخ الدیک فوجموا و اکتأبوا و انهدمت أرکان دینهم و طلع ما أعلمهم به یوسف من ولادة الجبار و ظهوره فاعتزلوا الدیک و اجمعین الی أن عاد الدیک الی صراخه فاستبشروا و فرحوا و تصدّقوا و أیقنوا بالفرج و کان یوسف علیه السلام قد أوصی قبل موته أخاه یهوذا و استخلفه علی بنی اسرائیل و لما توفاه اللّه طیبا طاهرا بروح و ریحان تخاصم فیه أهل مصر و تشاحوا فی دفنه کلّ یحب أن یدفن فی محلتهم حتی هموا بالقتال فاجتمع رأیهم علی أن یعملوا له صندوقا من مرمر و یجعلوه فیه و یدفنوه فی النیل بمکان یمرّ علیه الماء ثم یصل الی مصر لیکونوا سواء فی الانتفاع ببرکته ففعلوا و قد توارثت الفراعنة من العمالیق بعد یوسف و لم تزل بنو اسرائیل تحت أیدیهم علی بقایا دین یوسف و آبائه و لم یزل یوسف مدفونا فی النیل حتی استخرجه موسی و بینهما أربعمائة سنة و حمله الی الشام حین خرج ببنی اسرائیل من مصر و دفنه بأرض کنعان خارج الحصن حیث هو الیوم فلذلک تنقل الیهود موتاهم الی الشام کذا فی عرائس الثعلبی* و سبب استخراجه أنه لما دنا هلاک فرعون أمر اللّه تعالی موسی علیه السلام ان یسری ببنی اسرائیل لیلا فأمر موسی قومه أن یسرجوا فی بیوتهم السرج حتی الصبح و ألقی اللّه الموت علی القبط فمات کل بکر لهم فاشتغلوا بدفنهم حین أصبحوا حتی طلعت الشمس و خرج موسی فی ستمائة ألف و عشرین ألف مقاتل لا یعدّون ابن العشرین لصغره و لا ابن الستین لکبره* و عن ابن مسعود رضی اللّه عنه کان أصحاب موسی ستمائة ألف مقاتل و سبعین ألفا و عن عمرو بن میمون قال کانوا ستمائة ألف مقاتل و کان یعقوب و أهل بیته یوم دخول مصر سبعین نفسا و بین دخول یعقوب و أهله مصر و بین خروج بنی اسرائیل منها علی ما قیل أربعمائة سنة و ست و ثلاثون سنة فلما أرادوا السیر ضرب علیهم التیه فلم یدروا أین یذهبون*

نقل صندوق یوسف‌

و فی العرائس لما خرجوا من مصر أظلمت علیهم الارض و تاهوا و ضلوا عن الطریق فسأل موسی مشایخ بنی اسرائیل و علماءهم عن ذلک فقالوا ان یوسف علیه السلام لما حضره الموت أخذ علی اخوته عهدا أن لا یخرجوا من مصر حتی یخرجوه معهم* و فی العمدة أوصی أن لا یخرجوا حتی ینقلوا عظامه معهم قالوا فلذلک انسدّ علیهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:142
الطریق فسألهم عن موضع قبره فلم یعلموا فقام موسی ینادی أنشدکم اللّه کل من یعلم قبر یوسف الا أخبرنی به و من لم یعلم فصمت اذناه عن قولی فکان یمرّ بین الرجلین ینادی فلا یسمعان صوته حتی سمعته عجوز یقال لها مریم بنت ما موسی فقالت أ رأیتک ان دللتک علی قبره أ تعطینی کل ما سألتک فأبی علیها فقال حتی أسأل ربی فأمره اللّه بایتاء سؤلها فقالت انی عجوز کبیرة لا أستطیع المشی ما حملنی و أخرجنی من مصر هذا فی الدنیا و أما فی الآخرة فاسألک أن لا تنزل غرفة من الجنة الا نزلتها معک قال نعم قالت انه فی جوف الماء فی النیل فادفع اللّه حتی یحسر عنه الماء فدعا اللّه فحسر عنه الماء و دعا أن یؤخر طلوع الفجر الی أن یفزغ من أمر یوسف فحفر موسی ذلک الموضع و استخرجه فی صندوق من مرمر و حمله حتی دفنه بالشام فلما أخرج التابوت ظهر الضوء و فتح لهم الطریق فاهتدوا و ساروا و موسی علی ساقتهم و هارون علی مقدّمتهم و علم بهم فرعون فجمع قومه و أمرهم أن لا یخرجوا فی طلب بنی اسرائیل حتی یصیح الدیک فو اللّه ما صاح دیک تلک اللیلة فخرج فرعون فی طلب بنی اسرائیل و علی مقدّمته هامان فی ألف ألف و ستمائة ألف و کان فیهم سبعون ألفا من دهم الخیل سوی سائر الشباب فکان فرعون یکون فی الدهم و قیل کان فرعون فی سبعة آلاف ألف و کان بین یدیه مائة ألف ناشب و مائة ألف أصحاب حراب و مائة ألف أصحاب اعمدة فسارت بنو اسرائیل حتی وصلوا الی البحر و الماء فی غایة الزیادة و نظروا فاذا هم بفرعون حین أشرقت الشمس فبقوا متحیرین و قالوا یا موسی کیف نصنع و أین ما وعدتنا هذا فرعون خلفنا ان أدرکنا قتلنا و البحر أمامنا ان دخلناه غرقنا قال اللّه تعالی فلما تراءی الجمعان قال أصحاب موسی انا لمدرکون قال موسی کلا ان معی ربی سیهدین فأوحی اللّه إلیه أن اضرب بعصاک البحر فضربه فلم یطعه فأوحی اللّه إلیه أن کنه فضربه و قال انفلق ابا خالد باذن اللّه فانفلق فکان کل فرق کالطود العظیم فظهر فیه اثنا عشر طریقا لکل سبط طریق و ارتفع الماء بین کل طریقین کالجبل و أرسل اللّه الریح و الشمس علی قعر البحر حتی صار یبسا فخاضت بنو اسرائیل البحر کل سبط فی طریق و عن جانبیهم الماء کالجبل الضخم و لا یری بعضهم بعضا فخافوا و قال کل سبط قد قتل اخواننا فأوحی اللّه عز و جل الی جبال الماء ان تشبکی فصار الماء شبکات کالطاقات یری بعضهم بعضا و یسمع بعضهم کلام بعض حتی عبروا البحر سالمین فذلک قوله تعالی و اذ فرقنا بکم البحر فأنجیناکم من آل فرعون و الغرق و أغرقنا آل فرعون و ذلک ان فرعون لما وصل الی البحر و رآه منفلقا قال لقومه انظروا الی البحر انفلق من هیبتی حتی أدرک عبیدی الذین أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن یدخلوه و قیل قالوا ان کنت ربا فادخل البحر کما دخل موسی و کان فرعون علی حصان ادهم و لم یکن فی خیل فرعون فرس انثی فجاءه جبریل علی فرس انثی و دفق فتقدّمهم و خاض البحر فلما شم ادهم فرعون ریحها اقتحم البحر فی اثرها و لم یملک فرعون من امره شیئا و هو لا یری فرس جبریل و اقتحمت الخیول خلفه البحر و جاء میکائیل علی فرس خلف القوم یشدّهم و یسوقهم حتی لا یشذّ رجل منهم و یقول لهم الحقوا بأصحابکم حتی خاضوا کلهم البحر و خرج جبریل من البحر و همّ أوّلهم بالخروج فأمر اللّه البحر أن یأخذهم فالتطم علیهم و أغرقهم اجمعین و کان بین طرفی البحر أربع فراسخ و هو بحر قلزم طرف من بحر فارس قال قتادة هو بحر وراء مصر یقال له اساف* و فی انوار التنزیل و المدارک هو القلزم او النیل* و فی تفسیر الحدّادی هذا البحر هو القلزم یسلک الناس فیه من الیمن الی مصر* و فی القاموس قلزم بلد بین مصر و مکة قرب جبل و إلیه یضاف بحر القلزم لانه علی طرفه و کان ذلک بمر أی من بنی اسرائیل و لما أخبر موسی قومه بهلاک فرعون و قومه قالت بنو اسرائیل ما مات فرعون فأمر اللّه البحر فألقی فرعون فی الساحل أحمر قصیرا کأنه ثور فرآه بنو اسرائیل فمن ذلک الوقت لا یقبل البحر میتا أبدا* و فی انوار التنزیل قیل ان موسی لبث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:143
فی القبط ثلاثین سنة ثم خرج الی مدین عشر سنین ثم عاد إلیهم یدعوهم الی اللّه تعالی ثلاثین سنة ثم بقی بعد الغرق خمسین سنة فعلی هذا یکون عمره مائة و عشرین سنة و هارون کان اکبر من موسی بثلاث سنین و کذا فی الکشاف* و روی انه کانت النبوّة و الملک متصلین بالشام و نواحیها لولد اسرائیل بن اسحاق الی أن زال عنهم بالفرس و الروم بعد یحیی بن زکریا و بعد عیسی علیهم السلام* و فی الکامل نبئ موسی فی عهد منوجهر و کان ملک منوجهر بعد جدّه افریدون و کان منوجهر من ولد ایرج بن افریدون و کان مولده بدنباوند و قیل بالریّ* و فی الکامل قیل موسی هو موسی بن عمران بن یصهر بن لاوی بن یعقوب ابن اسحاق بن ابراهیم و أمّ موسی یوحانذ و اسم امرأته صفورا ابنة شعیب النبیّ علیه السلام و کان فرعون مصر فی أیامه قابوس بن مصعب بن معاویة صاحب یوسف الثانی و کانت امرأته آسیة ابنة مزاحم بن عبید بن الریان بن الولید فرعون یوسف الاوّل* و کان من مولد موسی الی أن خرج بنو اسرائیل من مصر ثمانون سنة ثم صار الی التیه بعد ان مضی و عبر البحر و کان مقامهم هناک الی أن خرجوا مع یوشع بن نون أربعین سنة و کان ما بین مولد موسی الی وفاته فی التیه مائة و عشرین سنة و کان اسم فرعون موسی فیما ذکر الولید بن مصعب*

ذکر منوجهر سبط ایرج‌

و فی نظام التواریخ للشیخ ناصر الدین البیضاوی ان منوجهر سبط ایرج بن افریدون لما توفی افریدون قام مقامه و ولی عهده منوجهر و عین لکل بلاد حاکما و لکل قریة دهقانا و حفر الفرات و أجری الماء الی العراق و عمل البساتین و غرس أنواع الاشجار و اشتغل بعمارة الملک و لما بلغت مدّة ملکه ستین سنة قصده افراسیاب بالعسکر العظیم فهرب منه منوجهر الی طبرستان و لم یتبعه افراسیاب فوقع الصلح بینهما علی أن یکون ما وراء جیحون و هو نهر بلخ لافراسیاب فرجع و فی زمان منوجهر أرسل اللّه تعالی شعیبا الی أولاد مدین بن اسماعیل بن ابراهیم و بعث موسی و هارون الی فرعون و کان اسمه ولید بن مصعب و کان من أولاد عاد الذین بعثهم شدّاد لحکومة مصر و قصتهم معروفة مشهورة و بعد وفاة منوجهر سار أفراسیاب الی فارس و اشتغل بقتل العباد و تخریب البلاد و مدّة ملکه عشر سنین الی ان خرج زاب بن طهماسب من اسباط منوجهر و هرب منه افراسیاب الی حدود بلاده و اشتغل زاب باصلاح ما أفسده و خرّبه أفراسیاب و أجری نهر الماء الی العراق و یسمی ذلک زابین و اشتغل بالعدل و الانصاف ثلاثین سنة و فوّض ملکه الی ابن أخیه کرشاسف بن کشتاسف الذی کانت أمه بنت بنیامین بن یعقوب و کان ملکه عشر سنین و کان رستم المشهور بدلستان من نسله* و فی الکامل و لما هلک منوجهر ملک فارس أفراسیاب من نسل رستم ملک علی مملکة فارس و عظم ظلمه و خرب ما کان عامرا و دفن الانهار و القنا و قحط الناس سنة خمس من ملکه الی أن خرج من مملکة فارس و لم تزل الناس منه فی أعظم بلیة الی أن ملک روذ بن طهماسب و طرد أفراسیاب الترک عن مملکة فارس حتی ردّه الی الترک بعد حروب بینهما فکان أفراسیاب علی اقلیم بابل و مملکة الفرس اثنتی عشرة سنة من لدن توفی منوجهر الی أن أخرج عنها رود و أمر باصلاح ما کان افراسیاب أفسده من مملکتهم و بعمارة الحصون و أخرج المیاه التی غوّر طرقها حتی عادت البلاد الی أحسن ما کانت و وضع عن الناس الخراج سبع سنین و عمرت البلاد فی ملکه* ثم ملک بعد رود کیقباد ابن زاع بن مبشر بن نود بن منوجهر و قدّر میاه الانهار و العیون لشرب الارض و سمی البلاد بأسمائها و حدّدها بحدودها و أخذ العشر من غلاتها لارزاق الجند و کان کیقباد حریصا علی عمارة البلاد و جرت بینه و بین الترک حروب کثیرة و کان مقیما بقرب نهر بلخ و هو جیحون لمنع الترک عن طرق شتی من بلاده و کان ملکه مائة سنة* و من الأنبیاء الذین کانوا فی زمان کیقباد حزقیل و الیاس و الیسع و شمویل علیهم السلام ثم ملک بعد کیقباد ابن ابنه کیکاوس بن کبیسة بن کیقباد فلما ملک حمی بلاده و قتل جماعة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:144
و کان ملکه مائة و خمسین سنة و من الأنبیاء و الحکماء الذین کانوا فی زمان کیکاوس داود و سلیمان و لقمان الحکیم و من آثاره الرصد الذی ببابل* و ملک بعد کیکاوس ابن ابنه کیخسرو و کان ملکه ستین سنة* و من مشاهیر الحکماء الذین کانوا فی عصر کیخسرو فیثاغورس الذی کان تلمیذ داود و لقمان الحکیم روی أن کیخسرو لما حضرته الوفاة عهد الی ابن عمه کهراسب بن کرخی بن کیکاوس فهو ابن ابن کیکاوس فلما ملک اتخذ سریرا من ذهب فکاله بأنواع الجواهر و بنیت له بأرض خراسان مدینة بلخ و سماها الحسناء و دوّن الدواوین و قوّی ملکه باتخاذ الجنود و عمر الارض و جبا الخراج لارزاق الجند و اشتدّت شوکة الجند فنزل مدینة بلح لقتالهم و کان محمودا عند أهل مملکته شدید القمع للملوک المجاورین له شدید التفقد لاصحابه بعید الهمة عظیم البنیان ثم انه تنسک و فارق الملک و اشتغل بالعبادة و استخلف ابنه کشتاسف فی الملک و کان ملک کهراسب مائة و عشرین سنة و من الأنبیاء الذین کانوا فی عهد کهراسب أرمیا و عزیر علیهما السلام کذا فی نظام التواریخ* و ملک بعده کشتاسب بن کهراسب و فی أیام کشتاسب ظهر زرادشت الذی ادّعی النبوّة و تبعه المجوس و کان زرادشت من أهل فلسطین یخدم لبعض تلامذة ارمیا النبیّ خاصا به فخانه و کذب علیه فدعا اللّه تعالی علیه فبرص و لحق ببلاد أذربیجان و شرع بها دین المجوس و قیل انه کان من العجم و صنف کتابا و طاف به الارض فما عرف أحد معناه و زعم أنه لغة سمائیة خوطب بها و سماه أمتا فسار الی اذربیجان الی فارس فلم یعرفوا ما فیه و لم یقبلوه فسار الی الهند و عرضه علی ملوکها ثم أتی الصین و الترک فلم یقبله احد و أخرجوه من بلادهم و قصد فرغانة و أراد ملکها أن یقتله فهرب منه و قصد کشتاسب بن کهراسب فأمر بحبسه فحبس مدّة و شرح زرادشت کتابه و سماه زند و معناه النفیس ثم شرح النفیس بکتاب سماه بازند یعنی تفسیر التفسیر و فیه علوم مختلفة کالریاضات و أحکام النجوم و الطب و غیر ذلک من اخبار القرون الماضیة و کتب الأنبیاء و فی کتابه تمسکوا بما جئتکم به الی أن یجیئکم صاحب الجمل الاحمر یعنی محمدا صلّی اللّه علیه و سلم و ذلک علی رأس ألف سنة و بسبب ذلک وقعت البغضاء بین المجوس و العرب ثم ان کشتاسف أحضر زرادشت و هو ببلخ فلما قدم علیه شرع له دینه فأعجبه و اتبعه و قهر الناس علی اتباعه و قتل منهم خلقا کثیرا حتی قبلوه و أما المجوس فیزعمون أن أصله من أذربیجان و انه نزل علی هذا الملک من سقف ایوانه و بیده کبة من نار یلعب بها و لا تحرقه و کل من أخذها بیده لم تحرقه و اتبعه الملک و دان بدینه و بنی بیوت النیران فی البلاد و اشعل تلک النیران فی بیوتهم و أما المجوس فیزعمون أن النیران التی فی بیوت عبادتهم من تلک النار الی الآن و کذبوا فان النار التی للمجوس طفئت فی جمیع البیوت لما بعث اللّه تعالی نبینا محمدا صلّی اللّه علیه و سلم و کان ظهور زرادشت بعد مضی ثلاثین سنة من ملک کشتاسب و أتاه بکتاب زعم انه وحی من اللّه تعالی فکتب فی جلد اثنتی عشرة ألف بقرة حفرا و نقشا بالذهب و جعله کشتاسب فی موضع باصطخر و منع تعلیمه للعامة و کان کشتاسب و آباؤه قبله یدینون بدین الصابئة* و من الحکماء الذین کانوا فی زمان کشتاسب سقراط العابد تلمیذ فیثاغورس و جاماسب المشهور فی علم النجوم کذا فی نظام التواریخ‌

* (ذکر بخت نصر)

* فی الکامل قد اختلف العلماء فی الوقت الذی أرسل فیه بخت نصر علی بنی اسرائیل فقیل کان فی عهد ارمیا و دانیال و حنینا و عزاریا و مسائل و قیل انما أرسله اللّه تعالی علی بنی اسرائیل لما قتلوا یحیی بن زکریا و الاوّل أکثر* و ملک بهمن بن اسفندیار و کانت أمه من أولاد طالوت و لما ملک بهمن أمر علی بابل ابرش من أسباط جاماسب بن کهراسب الذی کانت أمه بنت واحد من أنبیاء بنی اسرائیل و أمره أن یبعث جمیع بنی اسرائیل الی بیت المقدس و یعطی رئاستهم من أرادوا فجمع ابرش بنی اسرائیل و أعطی رئاستهم باتفاقهم دانیال و بعثهم الی مقامهم و أمر بعمارة بیت المقدس و کانت مدّة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:145
ملکه مائة و اثنتی عشرة سنة و کان ذیمقراطیس الحکیم و بقراط الطبیب فی عصره* و ملک دار ابن بهمن ابن اسفندیار و بنی مدینة بفارس سماها دارا بجرد و کان ملکه اثنتین و عشرین سنة و کان أفلاطون الالهی تلمیذ سقراط العابد فی زمان دارا* و ملک بعده ابنه دارا بن داراوینی بأرض الجزیرة بقرب نصیبین مدینة مشهورة الی الآن و کان ملکه أربع عشرة سنة و من حکماء عصره ارسطاطالیس تلمیذ
افلاطون*

(ذکر الاسکندر الملقب بذی القرنین)

* فی الکامل کان فیلقوس أبو الاسکندر الیونانی من أهل بلدة یقال لها مقدونیة کان ملکا علیها و علی بلاد اخری فصالح دارا علی خراج یحمله فیلقوس إلیه کل سنة فلما هلک فیلقوس ملک بعده ابنه الاسکندر و استولی علی بلاد الروم أجمع و قوی علی دارا و لم یحمل إلیه من الخراج شیئا و کان الذی یحمله بیضا من ذهب فسخط علیه دارا و کتب إلیه یؤنبه بسوء صنیعه فی ترک حمل الخراج فوقعت المحاربة بینهما حتی قتل دارا و ظفر الاسکندر و لما مات الاسکندر عرض الملک علی ابنه الاسکندروس فأبی و اختار العبادة و ملک الیونان فیما قیل بطلیموس ابن مرغوس و کان ملکه ثمانیا و ثلاثین سنة ثم ملک بعده بطلیموس دمیانوس أربعین سنة ثم ملک بعده بطلیموس أو دایماطس أربعا و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس فیلا قطر احدی و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس افیغالس اثنتین و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس او دایماطس سبعا و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس من بناطر سبع عشرة سنة ثم ملک بعده بطلیموس الاخشندر احدی عشرة سنة ثم ملک بعده بطلیموس أخنعی ثمان سنین ثم ملکت بعده قالونطری سبع عشرة سنة و هی من الحکماء و هؤلاء کلهم من الیونان و کل من کان بعد الاسکندر کان یدعی بطلیموس کما کان یدعی ملوک الفرس أکاسرة و ملوک الروم قیاصرة* و قال بعض العلماء ان بطلیموس صاحب المجسطی و غیره من الکتب لم یکن من هؤلاء الملوک و انما کان أیام ملوک الروم ثم ملک الشام فیما قیل بعد قالوا نطری ملک الروم و کان أوّل من ملک منهم جانوس بن مرکوس خمسین سنة* ثم ملک بعده اغسطوس ستا و خمسین سنة و لما مضی من ملکه اثنتان و أربعون سنة ولد عیسی ابن مریم علیه السلام و قیل کان بین مولده و قیام الاسکندر ثلاثمائة سنة و ثلاث سنین کذا فی الکامل* و فی نظام التواریخ من الأنبیاء الکبار الذین کانوا فی أیام الملوک الاشکانیین جرجیس النبیّ فی الجزیرة و زکریا و یحیی و عیسی علیهم السلام فی الشام* و من الحوادث الکائنة فی أیامهم واقعة أصحاب الکهف و عیسی بعث فی أیام شابور ابن اشکان و هذا وقع فی البین و قطع اتصال الکلامین فلنرجع لما کنا فیه*

بقیة قصة اسماعیل علیه السلام‌

روی ان اسماعیل کان ابن تسع و ثمانین سنة حین توفی ابراهیم* و فی حیاة الحیوان انّ أوّل من رکب الخیل اسماعیل علیه السلام و لذلک سمیت العراب و کانت قبل ذلک وحشیة کسائر الوحوش و لذلک قال نبینا صلّی اللّه علیه و سلم ارکبوا الخیل فانها میراث أبیکم اسماعیل و تزوّج اسماعیل فی حیاة ابراهیم رعلة بنت عمرو فولدت له اثنی عشر ابنا أو عشرة و کان اکبرهم نابت* و فی المنتقی کان أحدهم قیدار و فی العرائس قال العلماء لما کبر اسماعیل و بلغ النکاح تزوّج امراة یقال لها السیدة بنت مضاض الجرهمیة و هی التی قال لها ابراهیم اذا جاء زوجک قولی له قد أصلحت عتبة بابک و قد رضیتها لک فولدت لإسماعیل اثنی عشر ولدا منهم نابت و قیدار و منهم العرب و قیل التی تزوّجها اسماعیل هالة بنت الحارث ابن عمرو الجرهمی* و روی ان اللّه بعث اسماعیل الی مارب من الیمن و حضرموت فدعاهم الی الاسلام خمسین سنة فآمن له قلیل منهم و کان عمره مائة و سبعا و ثلاثین سنة و لما حضرته الوفاة أوصی الی أخیه اسحاق أن یزوّج بنته نسیمة للعیص ففعل و توفی اسماعیل بمکة و دفن فی الحجر مع امّه هاجر و تقول العرب هاجر و آجر فیبدلون الالف من الهاء کما قالوا هراق الماء و أراق الماء و غیره و هاجر کانت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:146
من أرض مصر قال ابن لهیعة أمّ اسماعیل هاجر من أمّ العرب قریة کانت أمام الغرما من أرض مصر و أمّ ابراهیم ماریة سریة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الّتی أهداها له المقوقس بن حقن من کورة أنصنا کذا فی سیرة ابن هشام و کان قیدار قد أعطی سبع خصال البأس و الشدّة و الصراع و الرمی و القنص و الفروسیة و اتیان النساء و کان صاحب ضفیرتین یخرج کل یوم الی قنصه و کان یسمع من قنصه ظبیة کان أو طیر الا تذبحنی حتی تسمی اللّه و لا تأکل مما لم یذکر اسم اللّه علیه و کان قد تزوّج مائة امرأة من بنات اسحاق فی سنة یظنّ ان المطهرات التی أمر بنکاحهنّ من ولد اسحاق طمعا أن یولد له منهنّ ولد و لم یحبلن فرجع یوما من قنصه و قد عیرته وحوش الجبال و نادته یا قیدار لو هممت بهذا النور الذی فی وجهک أن تضعه فی مستودعه لکان أفضل لک من اقتنائنا و قنصنا فاتق إله ابراهیم و قد آن لک أن یخرج نور أبی القاسم صلّی اللّه علیه و سلم من ظهرک فرجع قیدار الی أهله فزعا مرعوبا فحلف باله ابراهیم أن لا یأکل طیبا و لا یشرب باردا و لا یأتی أنثی حتی یأتیه بیان ما سمع من ألسن الوحوش فبینما هو قاعد مغموم اذ هبط علیه ملک من السماء فی صورة شاب فسلم علیه و قال یا قیدار قد ملکت الارض و قد أعطیت قوّة ابن عمک عیص و قد نقل إلیک نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و انه کائن لک ولد من غیر نسل اسحاق فلو قرّبت لآله ابراهیم قربانا یبین لک التزویج فقام قیدار فانطلق الی البقعة التی ربط فیها اسماعیل حین أرید ذبحه فقرب سبعمائة کبش و قال الهی ان کنت رازقی ولدا فتقبل قربانی و بین لی من أین أتزوّج و کان کلما ذبح کبشا نزلت نار من السماء فی سلسلة بیضاء فتحمل ذلک القربان الی السماء فلم یزل کذلک حتی نودی من السماء و قیل نودی من ورائه أن یکفیک یا قیدار قد استجیب دعاؤک و تقبل قربانک انطلق الی شجرة الوغد فنم فی أصلها و انته الی ما تؤمر به فی مناسک فانطلق قیدار فنام فی أصلها فهتف به هاتف فی منامه فقال له یا قیدار ان هذا النور الذی فی وجهک نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و هو النور الذی فتح اللّه به الانوار و خلق الدنیا لاجله و انه عربی لا ینبغی أن یجری الا فی العربیات فابتغ لنفسک عربیة و لیکن اسمها الغاضرة فانتبه قیدار مسرورا و وجه فی شرق الارض و غربها من یطلبها له حتی وجد الغاضرة بنت ملک الجرهمیین و کان من ولد ذهل بن عمرو بن یعرب بن قحطان الذی هو من نسل شیث فتزوّجها قیدار فولد له منها حمل و کانت ولادة حمل فی زمن یعقوب و انه قال انی لأجد فی صحف جدّی ابراهیم علیه السلام أنه یجری نور هذا الحبیب المصطفی فی الرجال و النساء من نسل شیث لا یخالطه أحد من نسل قابیل کذا فی المنتقی* و لما ترعرع حمل أخذ قیدار بیده بعد ما أخذ علیه العهد و المیثاق فی رعایة نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذهب به حتی اذا صار علی جبل ثبیر استقبله ملک الموت فی صورة رجل شاب و سلم علیه و قال له یا قیدار ناولنی أذنک لا سارّک فتقدّم إلیه لیسارّه فقبض روحه من اذنه فخرّ میتا فغضب ابنه حمل و قال یا هذا قتلت أبی قال له ملک الموت یا غلام انظر الی أبیک أمیت هو فانکب لینظر الی أبیه فغاب ملک الموت عن عینه فالتفت حمل عن یمینه و شماله فلم یر احدا فعلم أنه ملک الموت و قیض اللّه له واحدا من أولاد اسرائیل فغسل أباه و کفنه و فی جبل ثبیر دفنه و بقی حمل یتیما یکلأه اللّه و یرعاه حتی بلغ فتزوّج امرأة من قومه یقال لها سعیدة فولد له منها نبت و فیه نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخذ یسیر بسیرة حسنة یحب القنص و یتبع آثار آبائه فولد له الهمیسع و لهمیسع أدد و انما سمی أدد لانه کان مدید الصوت طویل العز و الشرف و قیل أوّل من تعلم بالقلم من ولد اسماعیل أدد فضل بالکتابة علی اهل زمانه فولد له عدنان کذا فی سیرة مغلطای و انما سمی عدنان لان أعین الجنّ و الانس کانت إلیه و أراد و اقتله و
قالوا لئن ترکنا هذا الغلام حتی یدرک مدارک الرجال لیخرجنّ من ظهره من یسود الناس فوکل اللّه عز و جل به من یحفظه و لم تعلم ملته و کان فیه نور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:147
رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء و من عدنان تفرّقت القبائل من ولد اسماعیل فولد لعدنان ابنان معدّ بن عدنان وعک بن عدنان* و فی غیره تزوّج عدنان امرأة من قومه یقال لها الامینة فولدت له معدّا انتهی فصارعک فی دار الیمن لان عکا تزوّج فی الاشعریین منهم و أقام فیهم فصارت الدار و اللغة واحدة و الاشعریون هم بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زید بن همیسع بن عمرو ابن عریب بن یشجب بن زید بن کهلان بن سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان و قحطان عند جمهور العلماء بالنسب أبو الیمن کلها و إلیه یجتمع نسبها و العرب کلها عندهم من ولد اسماعیل و قحطان* قال ابن اسحاق و جماعة ان قحطان هو ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح علیه السلام و بعض أهل الیمن یقول قحطان من ولد اسماعیل و اسماعیل أبو العرب کلها و اللّه أعلم و أما معدّ بن عدنان ففیه نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم تعرف ملته و انما سمی معدّا لانه کان صاحب حروب و غارات علی بنی اسرائیل و لم یحارب أحدا الارجع بالنصر و الظفر* و فی الاکتفاء ذکر الزبیر بن بکار أن بخت نصر لما أمر بغز و بلاد العرب و ادخال الجنود علیهم فیها و قتل مقاتلتهم لانتهاکهم معاصی اللّه تعالی و استحلالهم محارمه و قتلهم أنبیاء و ردّهم رسالاتهم امر ارمیا بن حلقیا و کان فیما ذکر نبیّ بنی اسرائیل فی ذلک الزمان أن ائت معد بن عدنان الذی من ولده محمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خاتم النبیین فأخرجه عن بلاده و احمله معک الی الشام و تول أمره قبلک و یقال بل المحمول عدنان و الاوّل أکثر* و فی حدیث ابن عباس ان اللّه بعث ملکین فاحتملا معدّا فلما أدبر الامر ردّاه فرجع الی موضعه من تهامة بعد ما رفع اللّه بأسه عن العرب فکان بمکة و ناحیتها مع أخواله من جرهم و بها منهم بقیة و هم ولاة البیت یومئذ فاختلط بهم و ناکحهم فولد معد بن عدنان نفرا منهم قضاعة و کان بکره الذی به یکنی فیما یزعمون و قنص بضم القاف و فتحها و فتح النون کذا ضبطه الحافظ عبد الکریم و نزار و ایاد أما قضاعة فتیامنت الی حمیر بن سبأ یروی انه واضع الخط العربی قال ابن هشام أوّل من کتب الخط العربی حمیر بن سبأ علمه مناما قال ابن عبد البر عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أوّل من کتبه اسماعیل علیه السلام قال شارح القصیدة العقیلیة للشاطبی هو الخط الکوفی استنبط منه نوع نسب الی ابن مقلة ثم آخر نسب الی علیّ بن البوّاب و علی هذا استقرّ رأی الکتاب انتهی و انتمت قضاعة الی ابن حمیر مالک بن حمیر حتی قال قائلهم یفتخر بذلک
نحن بنو الشیخ الهجان الازهرقضاعة بن مالک بن حمیر
و النسب المعروف غیر المنکر
و أنکر کثیر من الناس منتماهم هذا و أما قنص بن معد فهلکت بقیتهم فیما زعموا و کان منهم النعمان بن المنذر ملک حمیر و قد ذکر أیضا فی بنی معد الضحاک بن معد* ذکر الزبیر باسناد له الی مکحول قال اغار الضحاک ابن معدّ علی بنی اسرائیل فی أربعین رجلا من بنی معد علیهم دراریع الصوف خاطمی خیلهم بحبال اللیف فقتلوا و سبوا و ظفروا فقالت بنو اسرائیل یا موسی ان بنی معدا غاروا علینا و هم قلیل فکیف لو کانوا کثیرا و أغاروا علینا و أنت بیننا فادع اللّه علیهم فتوضأ و صلّی و کان اذا أراد حاجة من اللّه صلّی ثم قال یا رب ان بنی معد أغاروا علی بنی اسرائیل فقتلوا و سبوا و ظفروا فسألونی ان أدعوک علیهم فقال اللّه لا تدع علیهم فانهم عبادی و انهم ینتهون عند أوّل أمری و ان فیهم نبیا أحبه و أحب أمته قال یا رب ما بلغ محبتک له قال اغفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر قال یا رب ما بلغ محبتک لامته قال یستغفرنی مستغفرهم فاغفر له و یدعونی داعیهم فاستجیب له قال یا رب فاجعلهم من أمتی قال نبیهم منهم قال یا رب فاجعلنی منهم قال تقدّمت و استأخروا قال الزهری و حدّثنی علیّ بن المغیرة قال لما بلغ بنو معدّ عشرین رجلا أغاروا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:148
علی عسکر موسی علیه السلام فدعا علیهم فلم یجب فیهم ثلاث مرّات فقال یا رب دعوتک علی قوم فلم تجبنی فیهم بشی‌ء فقال یا موسی دعوتنی علی قوم منهم خیرتی فی آخر الزمان* و أما نزار بن معد فلم تدر ملته و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی نزارا بکسر النون من النزر و هو القلیل لان معدا نظر الی نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه فقرّب له قربانا عظیما و قال لقد استقللت لک هذا القربان و انه نزر قلیل فسمی نزار او خرج أجمل أهل زمانه و أکثرهم عقلا* و فی الوفاء یقال ان قبر نزار بن معد و قبر ابنه ربیعة بن نزار بذات الجیش قرب المدینة و تزوّج امرأة یقال لها عبیدة فولدت له مضر و کان مسلما علی ملة ابراهیم و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی مضر لانه أخذ بالقلب و لم یکن یراه أحد الا أحبه یقال انه هو أوّل من سنّ الحداء للابل و کان من أحسن الناس صوتا و قیل بل أوّل من سنّ الحداء للابل عبد له ضرب مضر یده ضربا وجیعا فقال یا یداه یا یداه فشرع یحدو و کان حسن الحداء* و فی الاکتفاء ولد نزار بن معدّ أربعة بنین مضر و ربیعة و أنمارا و ایادا و إلیه دفع أبوه حجابة الکعبة فیما ذکره الزبیر و أمهم سودة بنت عک بن عدنان و قیل هی أمّ مضر خاصة و أم اخوته الثلاثة اختها شقیقة بنت عک بن عدنان و قد قیل ان ایادا شقیق لمضر أمهما معا سودة فأنمار هو أبو بجیلة و خثعم و قد تیامنت بجیلة الا من کان منهم بالشام و المغرب فانهم علی نسبهم الی أنمار بن نزار و جریر بن عبد اللّه صاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سید من سادات بجیلة و له یقول القائل
لو لا جریر هلکت بجیله‌نعم الفتی و بئست القبیلة و کذا تیامنت الدار أیضا بخثعم و هم بنو قیل بن أنمار و انما خثعم جبل تحالفوا عنده فسموا به و هم بالسراة علی نسبهم الی أنمار و لذا لما کانت بین مضر و الیمن فیما هنالک حرب کانت خثعم مع الیمن علی مضر

قصة الافعی الجرهمی‌

و یروی أن نزارا لما خضرته الوفاة قسم ماله بین بنیه الاربعة مضر و ربیعة و ایاد و انمار فقال هذه القبة لقبة کانت له حمراء من أدم و ما أشبهها من المال لمضر و هذا الخباء الاسود و ما أشبهه لربیعة و هذه الخادم و کانت شمطاء و ما أشبهها لإیاد و هذه البدرة و المجلس لانمار یجلس فیه و قال لهم ان أشکل علیکم الامر فی ذلک و اختلفتم فی القسمة فعلیکم بالافعی الجرهمی و کان بنجران فلما مات نزار اختلفوا بعده و أشکل أمر القسمة علیهم فتوجهوا الی الافعی فبینما هم فی مسیرهم إلیه اذر أی مضر کلأ قد رعی فقال ان البعیر الذی رعی هذا لأعور و قال ربیعة و هو أزور و قال ایاد و هو أبتر و قال أنمار و هو شرود فلم یسیروا الا قلیلا حتی لقیهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعیر فقال مضر أ هو أعور قال نعم قال ربیعة أ هو أزور قال نعم قال ایاد أ هو أبتر قال نعم قال أنمار أ هو شرود قال نعم هذه و اللّه صفة بعیری دلونی علیه فحلفوا له أنهم ما رأوه فلزمهم و قال کیف أصدّقکم و أنتم تصفون بعیری بصفته فساروا حتی و صلوا نجران و نزلوا بالافعی الجرهمی فنادی صاحب البعیر هؤلاء أصابوا بعیری فانهم وصفوا لی صفته ثم قالوا لم نره أیها الملک فقال الافعی کیف وصفتموه و لم تروه فقال مضر رأیته یرعی جانبا و یدع جانبا فعرفت انه أعور و قال ربیعة رأیت احدی یدیه ثابتة الاثر و الاخری فاسدة الاثر فعلمت أنه أفسدها بشدّة وطئه لازوراره و قال ایاد عرفت بتره باجتماع بعره و لو کان ذیالا لمصع به و قال أنمار عرفت انه شرود لانه کان یثوی فی المکان الملتف نبته ثم یجوزه الی مکان أرق منه و أخبث قال الافعی للشیخ لیسوا بأصحاب بعیرک فاطلبه ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم و قال تحتاجون الیّ و أنتم کما أری ثم خرج عنهم و أرسل لهم طعاما و شرابا فأکلوا و شربوا فقال مضر لم أر کالیوم خمرا أجود لو لا انها نبتت علی قبر و قال ربیعة لم أر کالیوم لحما أطیب لو لا انه ربی بلبن کلبة و قال ایاد لم أر کالیوم خبزا اجود لو لا ان التی عجنته حائض و قال أنمار لم أر کالیوم رجلا أسری لو لا انه لیس لابیه الذی یدعی له و کان الافعی و کل بهم من یسمع کلامهم فأعلمه بما سمع منهم فطلب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:149
صاحب شرابه و قال الخمر التی جئت بها ما قصتها قال هی من حبلة غرستها علی قبر أبیک لم یکن عندنا شراب أطیب منها و سأل الراعی عن امر اللحم قال لحم شاة أرضعتها من لبن کلبة و لم یکن فی الغنم اسمن منها فدخل داره و سأل الامة التی عجنت العجین فأخبرته انها کانت حائضا فأتی أمه و سأل منها فأخبرته انهما کانت تحت ملک لا یولد له ذرّیة فکرهت أن یذهب الملک فأمکنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطئها فأتت به فعجب من أمرهم و دس علیهم من یسألهم عما قالوا فقال مضر انما علمت انها من کرمة غرست علی قبر لان الخمر اذا شربت أزالت الهمّ و هذه بخلاف ذلک لاننا لما شربناها دخل علینا الغم* و فی الاکتفاء قال مضر لانه أصابنا عطش شدید و قیل لان الکرم اذا نبت علی قبور یکون انفعاله قلیلا و قال ربیعة انما علمت انه لحم شاة رضعت من کلبة لان لحم الضأن و سائرا للحوم یکون شحمها فوق اللحم الا لحم الکلب فانه عکس ذلک فرأیته موافقا له فعلمت أنه لحم شاة رضعت من کلبة فاکتسب اللحم منها هذه الخاصیة* و فی الاکتفاء قال ربیعة لان لحم الکلب یعلو شحمه و قیل لانی شممت منه رائحة الکلبة و قال ایاد انما علمت أن الملک لیس لابیه الذی یدعی إلیه لانه صنع طعاما و لم یأکل معنا فعرفت ذلک من طباعه لان أباه لم یکن کذلک و قال انمار انما علمت أن الخبز عجنته حائض لان الخبز اذافت انتفش فی الطعام و هو بخلاف ذلک فقال ما هؤلاء الا شیاطین ثم أتاهم فقال لهم قصوا علیّ قصتکم فقصوا علیه ما أوصی به أبوهم و ما کان من اختلافهم فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر فصارت إلیه الدنانیر و الابل و هی حمر فسمیت مضر الحمراء قال و ما أشبه الخباء الاسود من دابة و مال فهو لربیعة فصارت له الخیل و هی دهم فسمی ربیعة الفرس قال و ما أشبه الخادم و کانت شمطاء من مال فیه بلق فهو لإیاد فصارت له الماشیة البلق و قضی لانمار بالدراهم و الارض فساروا من عنده علی ذلک* و کان یقال ربیعة و مضر هما الصریحان من ولد اسماعیل و روی میمون بن مهران عن عبد اللّه بن عباس رضی اللّه تعالی عنهما أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لا تنسبوا مضر و ربیعة فانهما کانا من المسلمین و قال صلّی اللّه علیه و سلم فیما روی عنه اذا اختلف الناس فالحق مع مضر و سمع صلّی اللّه علیه و سلم قائلا یقول
انی امرؤ حمیری حین تنسبنی‌لا من ربیعة آبائی و لا مضرا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذلک أبعد لک من اللّه تعالی و رسوله و مما یؤثر من حکم مضر بن نزار و وصایاه من یزرع شرّا یحصد ندامة و خیر الخیر أعجله فاحملوا أنفسکم علی مکروهها فیما أصلحکم و اصرفوا عن هواها فیما أفسدها و لیس بین الاصلاح و الافساد إلّا صبر فواق* و تزوّج مضر خزیمة فولدت له الیاس بکسر الهمزة عند ابن الانباری و بفتحها عند قاسم بن ثابت ضدّ الرجاء و اللام فیه للتعریف و الهمزة للوصل قال السهیلی هذا أصح کذا فی المواهب اللدنیة و اسم الیاس حبیب کذا فی سیرة مغلطای و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی الیاس لان مضر کان قد کبر و لم یولد له ولد فولد علی الکبر و الیأس فسماه الیاس* و فی حیاة الحیوان کان الیاس مؤمنا و کان یسمع من صلبه تلبیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالحج فیتعجب منه* و فی عبارة المنتقی و کان یسمع أحیانا من ظهره دوی تلبیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم تزل العرب تعظم الیاس بن مضر تعظیم أهل الحکمة کلقمان و أشباهه و کان یدعی کبیر قومه و سید عشیرته و لا یقطع أمر و لا یقضی لهم دونه* و فی الاکتفاء فولد مضر بن نزار ابنین الیاس بن مضر و غیلان بن مضر قال الزبیر أمهما الخنفاء بنت ایاد بن معد و قال ابن هشام أمهما جرهمة و لما أدرک الیاس بن مضر أنکر علی بنی اسماعیل ما غیروا من سنن آبائهم و سیرهم و بان فضله علیهم و ألان جانبه لهم حتی جمعهم و ردّهم علی سنن آبائهم و هو أوّل من أهدی البدن الی البیت أو فی زمانه و أوّل من وضع الرکن للناس بعد هلاکه حین غرق البیت و انهدم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:150
زمن نوح علیه السلام فکان أوّل من سقط علیه الیاس أوفی زمانه فوضعه فی زاویة البیت للناس و من الناس من یقول انما هلک الرکن بعد ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام و هو الاشبه ان شاء اللّه تعالی فتزوّج الیاس بن مضر امرأة یقال لها مخة* و فی حیاة الحیوان خندف فولدت له مدرکة و کان اسمه عامرا قال ابن اسحاق و یقال عمرو و انما سمی مدرکة لانه أدرک کل عز کان فی آبائه و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء فولد الیاس بن مضر ثلاثة نفر مدرکة و طابخة وقعة و أمهم خندف بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة و اسمها لیلی و اسم مدرکة عامر و اسم طابخة عمرو و اسم قمعة عمیر و انما حالت أسماؤهم الی الذی ذکرناه أوّلا عنهم فیما ذکروا أن أرنبا أنفرت ابل الیاس بن مضر فصاح ببنیه هؤلاء أن یطلبوا الابل و الارنب فأما عمیر فاطلع من المظلة ثم قمع فسمی قمعة و خرج عامر و عمرو فی آثار الابل و خرجت أمهم لیلی تسعی خلفهم فقال لها زوجها الیاس أین تخندفین أی تسعین فسمیت خندف و مرّ عامر و عمرو بظبی فرماه عمرو فقتله و یقال بل رمی الارنب التی نفرت الابل فقال له عامر اطبخ صیدک و أنا أکفیک الابل فطبخ عمرو فسمی طابخة و أدرک الابل عامر فسمی مدرکة و اشتهر بنو خندف هؤلاء بأمهم خندف للذی سار من فعلها فی الناس و کانت وفاة الیاس یوم الخمیس فولد مدرکة بن الیاس نفرا منهم خزیمة بن مدرکة و هذیل بن مدرکة و أمهما امرأة من قضاعة قیل هی سلمی بنت سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة و قیل غیر ذلک کذا فی الاکتفاء و قال فی غیره اسم أم خزیمة قزیمة و انما سمی خزیمة تصغیر خزمة لانه خزم نور آبائه و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فبقی سنین لا یدری کیف یتزوّج حتی أری فی منامه أن تزوّج برّة بنت طابخة فتزوّجها و کانت یومئذ سیدة قومها فی الحسن و الجمال فولدت له کنانة* و فی الاکتفاء فولد خزیمة بن مدرکة کنانة و أسدا و أسدة و الهون و أم کنانة منهم عوانة بنت سعد بن قیس بن غیلان بن مضر و قیل هند بنت عمرو بن قیس ابن غیلان قرأته بخط أحمد بن یحیی بن جابر و أمّ سائر بنیه برة بنت مرّ أخت تمیم بن مر بن أد بن طابخة و فی کنانة نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی کنانة لانه لم یزل فی کن من قومه فتزوّج کنانة ریحانة فولدت له النضر بن کنانة و اسمه قیس کذا فی المنتقی و المواهب اللدنیة و انما سمی النضر لنضارة وجهه و جماله* و فی ذخائر العقبی أم النضر برة بنت مرّ أخت تمیم بن مر فهی مریة و ثالثة عشر من الجدّات الابویات النبویات فتمیم أخوال قریش لان قریشا من النضر تقرّشت* و فی المنتقی هو الذی اختاره اللّه تعالی بالبسط و سماه قریشا و کل من ولد من النضر فهو قرشی و من لم یلده النضر فلیس بقرشی* و فی أنوار التنزیل و قریش ولد النضر بن کنانة منقول من تصغیر قرش و هو دابة عظیمة فی البحر تعبث بالسفن و لا تطاق الا بالنّار فسموا بها لانها تأکل و لا تؤکل و تعلو و لا تعلی و تصغیر الاسم للتعظیم و کذا عبارة المدارک بعینها الا أن فیها سموا بذلک لشدّتهم و منعتهم تشبیها بها و عن ابن عباس و قد سئل عن سبب تسمیتهم قریشا قال بدابة فی البحر من أحسن دوابه لا تدع شیئا من الغث و السمین الا أتت علیه یقال لها القرش و أنشد الجمحی
و قریش هی التی تسکن البحربها سمیت قریش قریشا
سلطت بالعلوّ فی لجة البحرعلی ساکنی البحور جیوشا
تأکل الغث و السمین و لاتترک منهم لذی الجناحین ریشا
هکذا فی البلاد حی قریش‌یأکلون البلاد أکلا کمیشا
و لهم آخر الزمان نبیّ‌یکثر القتل فیهم و الخموشا
تملأ الارض خیله و رجال‌یحشرون المطیّ حشر الملیشا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:151
و قیل من القرش و هو الجمع و الکسب لانهم کانوا کاسبین بتجاراتهم و ضربهم فی البلاد* و فی ذخائر العقبی قریش هو فهر بن مالک و قیل النضر بن کنانة و هو قول ابن اسحاق* و فی المواهب اللدنیة و اسم فهر بن مالک قریش و إلیه تنسب قریش فما کان فوقه فکنانی لا قرشی و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فولد کنانة بن خزیمة أربعة نفر النضر بن کنانة و مالک بن کنانة و عبد مناة بن کنانة و ملکان ابن کنانة فأم النضر برّة بنت مرّ بن أد بن طابخة بن الیاس بن مضر و سائر بنیه لامرأة أخری قال ابن هشام أمّ النضر و مالک و ملکان برّة بنت مر و أمّ عبد مناة هالة بنت سوید بن الغطریف من أسد شنوءة سموا شنوءة لشنآن کان بینهم و الشنآن البغض قال ابن هشام النضر هو قریش فمن کان من ولده فهو قرشی و من لم یکن من ولده فلیس بقرشی* و فی الاکتفاء فولد کنانة بن خزیمة جماعة منهم النضر و به کان یکنی و نضر و مالک و ملکان و عمرو و عامر و أمهم برة بنت مر خلف علیها کنانة بعد أبیه خزیمة علی ما کانت الجاهلیة تفعله فی الجاهلیة اذا مات الرجل خلف علی زوجته أکبر بنیه من غیرها فنهی اللّه تعالی عن ذلک بقوله و لا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء الا ما قد سلف و یقال ان برّة هذه أهدیت أوّلا الی خزیمة بن مدرکة قالت له انی رأیت فی المنام کأنی ولدت غلامین من خلاف بینهما سائبا فبینما أنا أتأمّلهما اذا أحدهما أسد یزأر و الآخر قمر ینیر فأتی خزیمة کاهنة بتهامة فقص علیها الرؤیا فقالت لئن صدقت فی رؤیاها لتلدنّ منک غلاما یکون لولده قلوب باسلة ثم لتموتن عنها فیخلف علیها ابن لک فتلد منه غلاما یکون لولده عدل و عدد و قروم مجد و عز الی آخر الابد ثم توفی خزیمة فخلف علیها کنانة بعد أبیه فولدت له النضر و اخوته و أتی أباه کنانة آت و هو نائم فی الحجر فقیل له تخیر یا أبا النضر بین الصهیل و الهدر و عمارة الجدر و عز الدهر فقال کل یا رب فصار هذا کله فی قریش* قال الشیخ تاج الدین عبد الباقی بن العمک الیمنی فی کتاب غریب الشفاء و لنذکر هنا فائدة جلیلة و هی الذی علیه أکثر أهل السیر أن کنانة خلف علی برّة بعد أبیه خزیمة علی عادة أهل الجاهلیة فی أن أکبر ولد الرجل یخلف علی زوجته اذا لم یکن منها و هو مشکل لان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول کلنا نکاح لیس فینا سفاح ما ولدت من سفاح أهل الجاهلیة و ذکر السهیلی و غیره أعذارا منها أن اللّه تعالی یقول و لا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء الا ما قد سلف أی ما قد سلف تحلیل ذلک قبل الاسلام و فائدة هذا الاستثناء أن لا یعاب نسب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لیعلم أنه لیس فی أجداده سفاح أ لا تری انه لم یقل فی شی‌ء نهی عنه فی القرآن الا ما قد سلف الا فی هذه الآیة و فی الجمع بین الاختین و ما عدا ذلک فلا* و ذکر الحافظ أبو عثمان عمرو بن بحر فی کتاب له سماه کتاب الاصنام قال و خلف کنانة بن خزیمة بن مدرکة علی زوجة أبیه بعد وفاته و هی برة بنت أدّبن طابخة بن الیاس بن مضر و هی أمّ أسد بن الهون بن خزیمة و لم تلد لکنانة ولدا و کانت ابنة أخیها و هی برة بنت مرّ بن طابخة تحت کنانة بن خزیمة فولدت له النضر بن کنانة قال و انما غلط کثیر من الناس لما سمعوا ان کنانة خلف علی زوجة أبیه برّة لاتفاق اسمهما و تقارب نسبهما قال هذا الذی علیه مشایخنا من أهل العلم بالنسب قال و معاذ اللّه أن یکون أصاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مقت نکاح و قال من اعتقد غیر ذلک فقد أخطأ و شک فی الخبر و یؤید ذلک قوله صلّی اللّه علیه و سلم تنقلت فی الاصلاب الزکیة الی الارحام الطاهرة* قلت و یؤید ذلک ما روی عن ابن عباس رضی اللّه عنهما فی تفسیر قوله تعالی و تقلبک فی الساجدین أی من نبیّ الی نبیّ حتی أخرجتک نبیا انتهی فعلی هذا التقدیر لم تکن رؤیا برة المذکورة سابقا من انها رأت فی المنام کأنها ولدت غلامین الی آخرها ثابتة صحیحة و
النضر هو جماع قریش فی قول طائفة من أهل العلم بالنسب و الاکثر علی ان فهر بن مالک بن النضر هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:152
قریش فمن کان من ولده فهو قرشی و من لم یکن من ولده فلیس بقرشی و ذکر الزبیر أن هذا هو رأی کل من أدرک من نساب قریش* و فی المنتقی و النضر هو الذی رأی فی منامه و هو نائم فی الحجر شجرة خضراء خرجت من ظهره و لها أغصان بعدد الاوّلین و الآخرین و قد ارتفع بعض أغصانها الی السماء و له نور فی نور الشمس و قد تعلق به قوم بیض الوجوه من لدن ظهره فلما انتبه أتی الکاهنة فأخبرها بذلک فقالت لئن صدقت رؤیاک لقد صرف إلیک العز و خصصت باسم و نسب لم یخص به من کان قبلک فتزوّج النضر ابن کنانة هند بنت عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان فهی قیسیة و ثانیة عشر من الجدات النبویات الابویات فولدت له مالکا و انما سمی مالکا لانه ملک العرب* و فی سیرة ابن هشام فولد النضر ابن کنانة رجلین مالک بن النضر و یخلد بن النضر فأم مالک عاتکة بنت عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان و لا أدری أ هی أم یخلد أولا قال ابن هشام و الصلت بن النضر فیما قال أبو عمرو الدانی أمهم جمیعا بنت سعد ابن ظرب العدوانی عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان* و فی الاکتفاء فولد النضر بن کنانة مالکا و یخلد و الصلت انتهی و تزوّج مالک جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض الجرهمی فهی جرهمیة و حادیة عشرة من الجدّات النبویات فولدت له فهر بن مالک و هو جماع قریش عند الاکثر* قال الزبیر قد أجمع النساب من قریش و غیرهم علی أن قریشا انما تفرّقت عن فهر* و فی الاکتفاء و یقال ان قریشا هو اسمه الذی سمته به امّه و لقبته فهرا فتزوّج سلمی بنت سعد ابن هذیل فهی هذلیة و عاشرة الجدّات النبویات فولدت له غالبا* و فی الاکتفاء فولد فهر بن مالک غالبا و محاربا و الحارث و أسدا و أختهم جندلة و أمهم جمیعا لیلی بنت سعد بن هذیل بن مدرکه فتزوّج غالب وحشیة بنت مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن کنانة فهی کنانیة و تاسعة الجدّات النبویات فولدت له لویا بالهمز تصغیر اللأی و هو الثور* و فی الاکتفاء فولد غالب بن فهر لؤیا و تیما و هو الازرم کان منقوص الذقن و یقال لقومه بنو الازرم و أمهما فی قول ابن اسحاق سلمی بنت عمر و الخزاعی و فی قول الزبیر عاتکة بنت یخلد بن النضر* قال ابن هشام و قیس بن غالب و أمه سلمی بنت کعب بن عمرو الخزاعی فتزوّج لؤیّ بن فهر سلمی بنت محارب من فهم أو فهر الخط فی الاصل توهم فهی فهمیة أو فهریة و ثامنة الجدّات النبویات فولدت کعبا و کان یوم الجمعة یسمی یوم العروبة فکعب أوّل من سماه الجمعة لاجتماع قومه إلیه فیه فیخطبهم و یذکرهم بمبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یعلمهم بأنه من ولده و یأمرهم باتباعه و الایمان به و ینشد فی ذلک أبیاتا منها قوله
یا لیتنی شاهد نجواء دعوته‌اذا قریش تبغی الحق خذلانا و فی الاکتفاء فولد لؤیّ بن غالب کعبا و عامرا و سامة و عوفا و سعدا و خزیمة* و فی سیرة ابن هشام فأم کعب و عامر و سامة ماویة بنت کعب بن القین بن جسر بن قضاعة* قال ابن هشام و یقال و الحارث بن لؤیّ و هم جشم بن الحارث بن هزان بن ربیعة و أمّ بنی لؤیّ کلهم إلا عامر بن لؤیّ ماویة بنت کعب بن القین بن جسر و أمّ عامر بن لؤیّ مخشبة بنت شیبان بن محارب بن فهر فدخل بنو خزیمة فی شیبان بن ثعلبة و یسمون فیهم بعائدة و هی امرأة من الیمن کانت أمّ بنی عبید بن خزیمة بن لؤیّ فنسبوا إلیها و کذلک دخل بنو سعد أیضا فی شیبان بن ثعلبة و یسمون فیهم ببنانة خاضنة کانت لهم من بنی القین من قضاعة و قیل بنت النمر بن قاسط من ربیعة فنسبوا إلیها* قال ابن اسحاق و أما سامة بن لؤیّ فخرج الی عمان و یزعمون ان عامر بن لؤیّ أخرجه و ذلک انه کان بینهما شی‌ء ففقأ سامة عین عامر فأخافه عامر فخرج الی عمان فیزعمون ان سامة بن لؤیّ بینما هو یسیر علی ناقته اذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حیة بمشفرها فهصرتها حتی وقعت النافة لشقها ثم نهشت سامة فی ساقة فقتلته* قال ابن اسحاق و أما عوف بن لؤیّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:153
فانه خرج فیما یزعمون فی رکب من قریش حتی اذا کان فی أرض غطفان بن سعد بن قیس بن غیلان أبطأ به فانطلق من کان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد و هو أخوه فی نسب بنی ذبیان ثعلبة بن سعد ابن ذبیان بن بغیض بن ریث بن غطفان فحبسه و الطاطه و آخاه و زوّجه فانتسب بتلک المؤاخاة الی سعد ابن ذبیان الی ثعلبة و ثعلبة فیما یزعمون هو القائل
احبس علیّ ابن لؤیّ جملک‌ترکک القوم و لا منزل لک و أما کعب بن لؤیّ و عامر بن لؤیّ فهما أهل الحرم و صریح ولد لؤیّ و کان کعب منهما عظیم القدر فی العرب و أرّخوا بموته اعظاما له الی ان کان عام الفیل فأرّخوا به و کان بین موته و الفیل فیما ذکروا خمسمائة سنة و عشرون سنة کذا فی الاکتفاء* و فی شواهد النبوّة بین موت کعب و مبعث نبینا صلّی اللّه علیه و سلم خمسمائة و ستون سنة و تزوّج کعب و حشیة بنت شیبان بن محارب من فهم فهی فهمیة أیضا و سابعة الجدّات النبویات فولدت له مرّة* و فی الاکتفاء فولد کعب بن لؤیّ مرّة و هصیصا و عدیا و أمهم و حشیة بنت شیبان بن محارب بن فهم بن مالک و قیل ان أمّ عدی وحده امرأة من فهم و هی حبیبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قیس بن غیّلان بن مضر بن نزار فتزوّج مرّة نعمی بنت سریر بن ثعلبة بن الحارث بن مالک بن کنانة فهی کنانیة و سادسة الجدّات النبویات الابویات فولدت له کلابا و اسمه حکیم و قیل عروة کذا فی سیرة مغلطای و المواهب اللدنیة و هو اما منقول من المصدر الذی فی معنی المکالبة نحو کالبت العدوّ مکالبة و کلابا و اما من الکلاب جمع کلب لانهم یریدون الکثرة کما یسمون بسباع*

نفیسة فی تسمیة العرب أولادها بشر الاسماء

و سئل اعرابی لم تسمون أولادکم بشرّ الاسماء نحو کلب و ذئب و عبیدکم بأحسن الاسماء نحو مرزوق و رباح فقال انما نسمی أبناءنا لاعدائنا و عبیدنا لانفسنا یریدون ان الابناء عدّة للاعداء و سهام فی نحورهم فاختاروا لهم هذه الاسماء* و فی الاکتفاء فولد مرّة بن کعب کلابا و تیما و یقطة قال ابن اسحاق فأم کلاب هند بنت سریر بن ثعلبة بن الحارث بن مالک ابن کنانة بن خزیمة و أم یقطة البارقیة امرأة من بارق الاسد من الیمن و یقال هی أم تیم و یقال تیم لهند بنت سریر بن کلاب کذا فی سیرة ابن هشام فتزوّج کلاب فاطمة بنت سعد من ازد السراة فهی أزدیة و خامسة الجدّات النبویات* فولدت له قصیا و اسمه زید و قال الشافعی یزید فیما حکاه أبو احمد کذا فی سیرة مغلطای و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فی الاکتفاء فولد کلاب رجلین قصیا و زهرة و أمهما فاطمة بنت سعد ابن سیل أحد الجدرة من خثعمة الاسد من الیمن و اسم سیل خیر و انما سمی سیلا لطوله و سیل اسم جبل و هو خیر بن حماله بن عوف بن غنم بن عامر الجادر بن عمرو بن خثعمة بن یشکر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نضر بن الازد و سمی عامر الجادر لانه بنی جدار الکعبة کان و هی من سیل أتی أیام ولایة جرهم البیت و کان عامر تزوّج منهم بنت الحارث بن مضاض و قیل لولده الجدرة لذلک و ذکر الشرقی بن القطامی أن الحاج کانوا یتمسحون بها و یأخذون من طینها و حجارتها تبرّکا بذلک فان عامرا هذا کان موکلا باصلاح ما شعث من جدرها فسمی الجادر و اللّه أعلم و سعد بن سیل جدّ قصی بن کلاب هو أوّل من حلی السیف بالفضة و الذهب و أهدی الی کلاب بن مرّة مع ابنته فاطمة سیفین محلیین فجعلا فی خزانة الکعبة و قصی هو الذی جمع اللّه به قریشا و کان اسمه زیدا فسمی مجمعا لما جمع من أمرها قال الشاعر
أبوکم قصیّ کان یدعی مجمعابه جمع اللّه القبائل من فهر و سمی قصیا تصغیر قصی لتقصیه أی تبعده عن بلاد قومه فی بلاد قضاعة مع أمه فاطمة بعد وفات أبیه کلاب بن مرّة و ذلک انه لما هلک أبوه کلاب بن مرّة خلف ولدیه زهرة و قصیا مع أمهما فاطمة بنت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:154
سعد بن سیل بن عذره و زهرة حینئذ رجل و قصی فطیم فقدم مکة بعد مهلک کلاب حاج من قضاعة فیهم ربیعة بن حزام بن ضبة بن عبد کبیر بن عذره فتزوّج فاطمة بنت سعد فاحتملها الی بلاده فاحتملت ابنها قصیا لصغره و أقام زهرة فی قومه فولدت فاطمة لربیعة رزاحا فکان أخا قصی لامه و کان لربیعة بنون ثلاثة من امرأة اخری و هم حن و محمود و جلهمة بنی ربیعة و أقام قصی مع أمه فی أرض قضاعة لا ینسب الا الی ربیعة ابن حزام الی أن کبر و خرج فی حاج قضاعة فی الشهر الحرام حتی قدم مکة الی قومه و هذا سبب تسمیته قصیا فخرج قصی شابا جمیلا و رجلا جلد او عالم قریش و أقومها بالحق و أوّل من ولی سدانة البیت الکعبة من قریش* قال ابن اسحاق بعد اخراج جرهم و قطورا من مکة ثم ان غبشان من خزاعة ولیت البیت دون بنی بکر بن عبد مناة و کان الذی یلیه منهم عمرو بن الحارث الغبشانی و قریش اذ ذاک حلول و صرم و بیوتات متفرّقون فی قومهم من بنی کنانة فولیت خزاعة البیت یتوارثون ذلک کابرا عن کابر حتی کان آخرهم حلیل بن حبشیة علی لفظ المنسوب الی حبشة قال ابن هشام و یقال حبشة یعنی بضم الحاء و سکون الباء الموحدة ابن سلول بن کعب بن عمرو الخزاعی* و فی الاکتفاء و خطب قصی الی حلیل ابنته حبی فعرف حلیل النسب و رغب فی الرجل فزوّجه و حلیل یومئذ یلی أمر مکة و الحکم فیها و حجابة البیت فأقام قصی معه بمکة و ولدت له حبی أربعة بنین عبد الدار و عبد مناف و عبد العزی و عبدا فلما انتشر ولد قصی و کثر ماله و عظم شرفه هلک حلیل و رأی قصی أنه أولی بالکعبة و بأمر مکة من خزاعة و بنی بکر و ان قریشا فرع اسماعیل و ابراهیم علیهما السلام و صریح ولده فکلم رجالا من قریش و بنی کنانة و دعاهم الی اخراج خزاعة و بنی بکر من مکة فأجابوه الی ذلک فکتب عند ذلک قصی الی أخیه من أمه رزاح بن ربیعة یدعوه الی نصرته و القیام معه فخرج رزاح و معه اخوته لابیه حن و محمود و جلهمة فیمن تبعهم من قضاعة فی حاج العرب و هم مجمعون لنصر قصی و القیام معه فلما اجتمع الناس بمکة و فرغوا من الحج و لم یبق الا أن یصدر الناس کان أوّل ما تعرض له قصی من المناسک أمر الاجازة للناس بالحج و کانت صوفة هی التی تلی ذلک مع الدفع بهم من عرفة و رمی الجمار و هم ولد غوث بن مرفولی غوث الاجازة بالناس و تحیز بهم اذا نفروا و اذا کان یوم النفر أتوا لرمی الجمار و رجل من صوفة یرمی للناس لا یرمون حتی یرمی فاذا فرغوا من رمی الجمار و أرادوا النفر من منی أخذت صوفة بجانبی العقبة فحبسوا الناس و قالوا جیزی صوفة فلم یجز أحد حتی یمرّوا فاذا نفدت و مضت خلی سبیل الناس و انطلقوا بعدهم و کانت اجازة الافاضة من المزدلفة فی عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان یتوارثون کابرا عن کابر حتی کان آخرهم الذی قام علیه الاسلام أبو السیارة عمیله بن أعزل ذکروا أنه أجاز علیها أربعین سنة و عزم قصی علی انتزاع ذلک من أیدیهم فأتاهم بمن معه من قومه من قریش و کنانة و قضاعة عند العقبة فقال لنحن أولی بهذا الامر منکم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شدیدا ثم انهزمت صوفة و غلبهم قصی علی ما کان بأیدیهم من ذلک و انحازت عند ذلک خزاعة و بنو بکر و عرفوا أنه سیمنعهم کما منع صوفة و انه سیحول بینهم و بین الکعبة و أمر مکة فلما انحازوا عنه ناواهم و أجمع لحربهم و خرجت له خزاعة و بنو بکر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شدیدا بالابطح حتی کثرت القتلی فی الفریقین جمیعا و فشت الجراحة فیهم و أکثرها فی خزاعة ثم انهم تداعوا الی الصلح و الی أن یحکموا بینهم رجلا من العرب فحکموا یعمر بن عوف بن کعب بن عامر ابن لیث بن بکر بن عبد مناف بن کنانة فقضی بینهم ان قصیا أولی بالکعبة و أمر مکة من خزاعة و ان کل دم أصابه قصی من خزاعة و بنی بکر موضوع یشدخه تحت قدمیه و أن ما أصابت خزاعة و بنو بکر من قریش و کنانة و قضاعة ففیه الدیة مؤدّاة و أن یخلی بین قصی و بین الکعبة و مکة فسمی بعمرو بن
عوف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:155
یومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء و وضع منها* قال ابن اسحاق فولی قصی البیت و أمر مکة و جمع قومه من منازلهم الی مکة و تملک علی قومه و أهل مکة فملکوه فکان قصی أوّل بنی کعب أصاب ملکا أطاع له به قومه فکانت إلیه الحجابة و السقایة و الرفادة و الندوة و اللواء فحاز شرف مکة کله و قطع مکة أرباعا بین قومه فأنزل کل قوم من قریش منازلهم من مکة التی أصبحوا علیها و یزعم الناس ان قریشا هابوا قطع الشجر من الحرم فی منازلهم فقطعها قصی بیده و أعوانه فسمته قریش مجمعا لما جمع من أمرها و تیمنت بأمره فما نکحت امرأة و لا تزوّج رجل من قریش و لا یتشاورون فی أمر نزل بهم و لا یعقد لواء الحرب قوم غیرهم الا فی داره یعقده لهم بعض أولاده و لا یعذر غلام الا فی داره و لا تدرّع جاریة من قریش الا فی بیته یشق علیها فیها درعها اذا بلغت ذلک ثم تدرعه ثم ینطلق بها الی أهلها و لا یخرج عیر من قریش فیرحلون الا من داره و لا یقدمون الا نزلوا فی داره فکان أمره فی حیاته و بعد موته کالدین المتبع لا یعمل بغیره و اتخذ لنفسه دار الندوة قیل کانت فی جهة الحجر و المیزاب عند المقام الحنفی الیوم و جعل بابها الی مسجد الکعبة ففیها کانت قریش تقضی امورها و لم یکن یدخلها من قریش من غیر ولد قصی الا ابن أربعین سنة و کان یدخلها ولده کلهم و حلفاؤهم و لما فرغ قصی من حربه انصرف أخوه رزاح الی بلاده بمن معه من قومه* و عن محمد بن جبیر بن مطعم ان قصی بن کلاب کان یعشر من یدخل مکة من غیر أهلها فهذا حدیث قصی فی ولایة البیت بعد حلیل بن حبشیة و اخراج خزاعة عنه و خزاعة تزعم أن حلیلا أوصی بذلک قصیا و أمره به حین انتشر له من ابنته من الولد و قال أنت أولی بالکعبة و بالقیام علیها و بأمر مکة من خزاعة فعند ذلک طلب قصی ما طلب* قال ابن اسحاق و لم یسمع ذلک من غیرهم و اللّه أعلم و قد سمع فی سبب ولایة قصی وجه آخر و هو أنه قال أبو عبیدة زعم ناس من خزاعة کان حلیل آخر من ولی البیت من خزاعة فلما ثقل جعل ولایة البیت الی ابنته حبی فقالت له قد علمت انی لا أقدر علی فتح الباب و اغلاقه قال انی أجعل الفتح و الاغلاق الی رجل یقوم لک فجعله الی رجل خزاعی یقال له أبو غبشان بفتح الغین المعجمة و ضمها و هو سلیم بن عمرو بن لؤیّ بن ملکان و هو الذی ولی سدانة الکعبة قبل قریش فاجتمع مع قصی فی شرب بالطائف فأسکره قصی ثم اشتری مفاتیح بیت اللّه الحرام منه بزق خمر و فی روایة بزق خمر و کبش و فی روایة بزق خمر و قعود و أشهد علیه و دفع المفاتیح الی ابنه عبد الدار و طیره الی مکة فلما أفاق أبو غبشان ندم من المبیع أو ندّمه قومه و عابوا علیه فجحد البیع و قال انما رهنته بحقه فضرب به الامثال فی الحمق و الندم و خسارة الصفقة فقالوا أخسر من صفقة أبی غبشان فذهب مثلا کذا فی القاموس ثم وقع الحرب بین قصی و ابی غبشان و قومهما قریش و خزاعة فذلک قول الشاعر
أبو غبشان أظلم من قصیّ‌و أظلم من بنی فهر خزاعة
فلا تلحوا قصیا فی شراه‌و لوموا شیخکم ان کان باعه و نصر قصیا رجال من قومه قریش و بنی کنانة و قضاعة و بعد قتال شدید استقرّ الامر علی قصی فتزوّج قصی عاتکة بنت فالخ بن ملیک بن فالخ بن ذکوان من بنی سلیم فولدت له عبد مناف* و قال أبو الیقظان أم عبد مناف حبی بنت حلیل الخزاعی فأمّ عبد مناف سلمیة و قیل خزاعیة فهی رابعة الجدّات النبویات* و فی الاکتفاء فولد قصی بن کلاب أربعة بنین و بنتین عبد مناف و اسمه المغیرة و عبد الدار و عبد العزی و عبد او تخمر و برة و أمهم جمیعا حبی بنت حلیل بن حبشیة قال ابن هشام و یقال حبشیة بن سلول و فی سیرة ابن هشام سلول بن کعب بن عمرو الخزاعی* قال الزبیر بن بکار لما ولد لقصی أوّل ولده سماه عبد مناة ثم نظر فاذا هو موافق لاسم عبد مناف بن کنانة فأحاله الی عبد مناف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:156
و ساد عبد مناف فی حیاة أبیه و کان مطاعا فی قریش و هو الذی یدعی القمر لجماله و اسمه المغیرة و کنیته أبو عبد شمس و مناة اسم صنم و ذکر الزبیر عن موسی بن عقبة انه وجد کتابا فی حجر فیه أنا المغیرة بن قصی آمر بتقوی اللّه وصلة الرحم و ایاه عنی القائل بقوله
کانت قریش بیضة فتقلقلت‌فالمح خالصه لعبد مناف و عن الواقدی أنه قال مات قصی بمکة فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون و کان نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی عبد مناف و کان فی یده لواء نزار و قوس اسماعیل* و فی شفاء الغرام فلم تزل السقایة و الرفادة و القیادة لعبد مناف بن قصی یقوم بها حتی توفی* قال ابن هشام هلک عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا و قد تزوّج عاتکة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذکوان من بنی سلیم فهی سلمیة أیضا و ثالثة الجدّات النبویات الابویات فولدت له هاشما و اسمه عمرو* و فی الاکتفاء فولد عبد مناف أربعة نفر هاشما و عبد شمس و المطلب و نوفلا کلهم لعاتکة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذکوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سلیم بن منصور بن عکرمة بن حفصة بن قیس بن غیلان بن مضر الا نوفلا فلیس منهم فانه لوافدة بنت عمرو المازنیة مازن بن منصور بن عکرمة* قال ابن هشام و أبو عمرو و تماضر و قلابة و حبیبة و ریطة و أمّ الاخثم و أمّ سفیان بنو عبد مناف فأم أبی عمرو و ریطة امرأة من ثقیف و أمّ سائر النساء عاتکة بنت مرّة بن هلال أمّ هاشم بن عبد مناف و أمها صفیة بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاویة ابن بکر بن هوازن و أمّ صفیة بنت عائذ اللّه بن سعد العشیرة بن مذحج* و فی المنتقی کان لعبد مناف خمسة بنین و سبع بنات* و فی شفاء الغرام ولد عبد مناف بن قصی خمسة نفر عمرو و هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل فعدّ عمرا و هاشما اثنین و فی غیر شفاء الغرام عدّهما واحدا و سیجی‌ء تحقیقه* و فی روضة الاحباب کان لعبد مناف أربعة بنین هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل کأنه عدّ عمرا و هاشما واحدا أما هاشم فهو جدّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اسمه عمرو و یقال له عمرو العلا أیضا لعلوّ مرتبته و لقبه هاشم لانه کان یهشم الثرید لاهل مکة أیام القحط و الهشم کسر الشی‌ء الیابس کذا فی القاموس* و لما توفی عبد مناف ولی بعده هاشم السقایة و الرفادة أما السقایة فحیاض من أدم کانت علی عهد قصی توضع بفناء الکعبة و یستقی فیها الماء العذب من الآبار و یسقاه الحاج و أما الرفادة فخرج کانت تخرجه قریش فی الجاهلیة من أموالها فی کل موسم فتدفعه الی قصی فتصنع به طعاما للحاج و یأکل منه من لم یکن له سعة و لا زاد و کان عبد مناف یعمل به بعده و کان هاشم یعمل به بعد أبیه فیطعم الناس فی کل موسم ما یجتمع عنده من ترافد قریش فلم یزل علی ذلک من أمره حتی أصاب الناس سنة جدب شدید فخرج هاشم الی الشام فاشتری بما اجتمع عنده من المال دقیقا و کعکا فقدم مکة فی الموسم فهشم الخبز و الکعک و نحر الجزور و طبخ و جعله ثریدا و أطعم الناس و کانوا فی مجاعة شدیدة حتی أشبعهم فسمی لذلک هاشما* و قال عطاء عن ابن عباس انهم کانوا فی ضرّ و مجاعة شدیدة حتی جمعهم هاشم علی الرحلتین یعنی فی الشتاء الی الیمن و فی الصیف الی الشام و کانوا یقسمون ربحهم بین الفقیر و الغنی حتی کان فقیرهم کغنیهم و قال الکلبی کان أوّل من حمل السمراء من الشام و رحل إلیها الابل هاشم بن عبد مناف و فی ذلک یقول ابن الزبعری السهمی
قل للذی طلب السماحة و الندی‌هلا مررت بآل عبد مناف
هلا مررت بهم ترید قراهم‌منعوک من ضرّ و من اتلاف
الرائشین و لیس یوجد رائش‌و القائلین هم للاضیاف
و الخالطین فقیرهم بغنیهم‌حتی یکون فقیرهم کالکافی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:157 و القائلین لکل وعد صادق‌و الراحلین برحلة الایلاف
سفرین سهما له و لقومه‌سفر الشتاء و رحلة الاصیاف
عمرو العلا هشم الثرید لقومه‌و رجال مکة مسنتون حجاف و فی روایة
عمرو العلا هشم الثرید لمعشرکانوا بمکة مسنتین عجاف و کان عبد المطلب بعد هاشم یلی الرفادة فلما توفی قام بذلک أبو طالب فی کل موسم حتی جاء الاسلام و هو علی ذلک و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قد أرسل بمال یعمل به الطعام مع أبی بکر حین حج بالناس سنة تسع من الهجرة ثم عمل به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع سنة عشر ثم قام بذلک أبو بکر رضی اللّه عنه فی خلافته ثم عمر ثم عثمان ثم علی و هلم جرّا و هو طعام الموسم الذی کان الخلفاء یطعمونه أیام الحج بمکة و بمنی حتی تنقضی أیام الموسم کذا فی شفاء الغرام* قال ابن اسحاق کان أوّل بنی عبد مناف هلاکا هاشم هلک بغزة من أرض الشام و اختلف فی سنه حین مات فقیل عشرون سنة و قیل خمس و عشرون سنة و أما عبد شمس فهو الجدّ الاعلی لابی سفیان بن حرب بن أمیة ابن عبد شمس و به کان یکنی عبد مناف* و فی شفاء الغرام قیل ان هاشما و عبد شمس توأمان و ان أحدهما ولد قبل الآخر قیل ان الاوّل هاشم و ان اصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحیت فسال الدم فقیل یکون بینهما دم* و فی روضة الاحباب کان جباههما متلاصقتین فکلما عالجوا فی فکهما لم یقدروا حتی فصلوهما بالسیف فبلغ الخبر بعض عقلاء العرب فقال کان ینبغی أن یفصلوهما بشی‌ء آخر فاذا لم یفعلوا فلا تزال تکون العداوة و السیف فی أولادهما فکان کما قال و لما توفی عبد مناف ولی القیادة بعده من بنیه عبد شمس فمات عبد شمس بعد هاشم بمکة فولی القیادة بعده ابنه أمیة ثم بعده حرب بن أمیة فقاد الناس یوم عکاظ فی حرب قریش و قیس عیلان و فی الفجارین الاوّل و الثانی و قاد الناس قبل ذلک بذات نکیف کأمیر موضع بناحیة یلملم و یوم نکیف معروف و نکیف موضع معروف کان به وقعة فهزمت قریش بنی کنانة انتهی و الاحابیش یومئذ مع بنی بکر تحالفوا علی جبل یقال له الحبشی علی قریش فسموا الاحابیش بذلک* و فی کتاب القری الحبشی بضم الحاء المهملة و سکون الباء الموحدة و کسر الشین و تشدید الیاء جبل قریب من مکة قاله ابن الاثیر و قال الحافظ أبو عمرو علی عشرة امیال من مکة و قال الصاغانی علی ستة أمیال و قال الجوهری جبل بأسفل مکة و کان أبو سفیان بن حرب یقود قریشا بعد أبیه حتی کان یوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربیعة بن عبد شمس و کان أبو سفیان فی العیر یقود الناس فلما کان یوم أحد قاد الناس أبو سفیان و قاد الناس یوم الاحزاب و کانت آخر وقعة لقریش حتی جاء الاسلام و فتح مکة فأسلم و أما المطلب فهو الجدّ الاعلی للامام الشافعی مات بعد عبد شمس بردمان من أرض الیمن و أما نوفل فهو جدّ جبیر بن مطعم مات بعد المطلب بسلمان من ناحیة العراق* و فی المنتقی کان هاشم أفخر قومه و أعلاهم و کانت مائدته منصوبة لا ترفع فی السرّاء و الضرّاء و کان یحمل ابن السبیل و یؤوی الخائف و کان نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه یتوقد شعاعه و یتلألأ ضیاؤه و لا یراه حبر من الاحباء إلا قبل یدیه و لا یمرّ بشی‌ء إلّا سجد إلیه تفد إلیه قبائل العرب و وفود الاحبار یحملون بناتهم یعرضون علیه لیتزوّج بهنّ حتی بعث إلیه هرقل ملک الروم و قال ان لی ابنتا لم تلد النساء أجمل منها و لا أبهی وجها فاقدم الیّ حتی أزوجکها فقد بلغنی جودک و کرمک و انما أراد بذلک نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الموصوف عندهم فی الانجیل و کان هاشم یأبی و کان ینطلق الی جبل ثبیر یسأل إله السماء ثم یرجع الی الاصنام و کان اذا أراد أن یدخل علیها یدرکه جبریل فینزع نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ظهره فلم یزل هاشم کذلک حتی أری فی منامه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:158
أن تزوّج سلمی بنت عمرو بن زید بن لبید بن خداش بن عامر بن غنم بن عدی بن النجار فهی نجاریة و ثانیة الجدّات الابویات النبویات و کانت قبل هاشم تحت أحیحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحیحة و هو أخو عبد المطلب لامه و کانت فی زمانها کخدیجة فی زمانها لها عقل و حلم فولدت له عبد المطلب اسمه شیبة الحمد و قیل عامر کذا فی سیرة مغلطای و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر و خمس نسوة عبد المطلب و أسدا و هو أبو فاطمة أمّ علیّ رضی اللّه عنه و أبا صیفی و اسمه عمرو کذا فی الحدائق و نضلة و الشفاء و خالدة و صفیة و رقیة و حمنة و أمّ عبد المطلب منهم سلمی بنت عمرو بن زید بن لبید بن خداش بن عامر بن غنم بن عدیّ بن النجار و اسم النجار تیم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج و أمها عمیرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار و أمّ عمیرة سلمی بنت عبد الاشهل النجاریة و أم أسد قیلة بنت عامر بن مالک الخزاعی و أم أبی صیفی و حمنة هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجیة و أم نضلة و الشفاء امرأة من قضاعة و أم خالدة و صفیة واقدة بنت أبی عدی المازنیة و اسم عبد المطلب شیبة و یقال له أیضا شیبة الحمد سمی بها لانه کان حین ولد کان وسط رأسه أبیض و قیل اسمه عامر و هو قول ابن قتیبة و تابعه علیه المجد الشیرازی و انما سمی عبد المطلب لانه کان طفلا حین توفی أبوه فرباه عمه المطلب بن عبد مناف و کان من عادة العرب أن تقول لیتیم کان فی حجر واحد هو عبده و قیل لما دنت وفاة أبیه هاشم بمکة و کان عبد المطلب حینئذ بالمدینة قال لاخیه المطلب أدرک عبدک الذی بیثرب فسمی عبد المطلب* و فی المنتقی لانّ هاشما خرج الی الشام فی تجارة فمرّ بالمدینة فرأی سلمی بنت عمرو و یقال بنت زید بن عمرو النجاری فأعجبته فحطبها الی أبیها فأنکحه ایاها و شرط علیه أن لا تلد ولدا الا فی أهلها ثم مضی هاشم لوجهه قبل أن یبنی بها ثم انصرف راجعا من الشام فبنی بها فی أهلها بیثرب ثم ارتحل الی مکة و حملها معه فلما أثقلت ردّها الی أهلها و مضی الی الشام و مات بغزة فولدت له عبد المطلب فمکث بیثرب سبع سنین أو ثمان ثم ان رجلا من بنی الحارث ابن عبد مناف مرّ بیثرب فاذا بغلمان ینتضلون فجعل شیبة اذا خسق قال أنا ابن هاشم أنا ابن سید البطحاء فقال له الحارثی من أنت قال أنا شیبة بن هاشم بن عبد مناف فلما أتی الحارثی مکة أخبر بذلک المطلب فقال المطلب و اللّه لا أرجع الی أهلی حتی آتی به فقال له الحارثی هذه راحلتی بالفناء فارکبها فرکبها المطلب و ورد یثرب عشاء حتی أتی عدی بن النجار فاذا غلمان یضربون کرة بین ظهری مجلس فعرف ابن أخیه فقال للقوم أ هذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخیک فان کنت تؤثر أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فانها ان علمت لم تدعک و حالت بینک و بینه فدعاه المطلب فقال یا ابن أخی أنا عمک و قد أردت الذهاب بک الی قومک و اناخ راحلته فجلس علی عجز الناقة فانطلق به و لم تعلم أمه حتی کان اللیل فقامت تدعوه فأخبرت ان عمه ذهب به و قدم المطلب مکة* و فی سیرة ابن هشام خرج إلیه عمه المطلب لیقبضه فیلحقه ببلده و قومه فقالت له أمه لست بمرسلة معک و قال شیبة لعمه المطلب فیما یزعمون لست بمفارقها الا أن تأذن لی فأذنت له و دفعته إلیه فاحتمله فدخل به مکة مردفه معه علی بعیره فقالت قریش عبد المطلب ابتاعه فیها سمی شیبة عبد المطلب فقال المطلب و یحکم انما هو ابن أخی هاشم قدمت به من المدینة* و فی المنتقی لما قدم به المطلب من المدینة کان أردفه علی راحلته و قد أثرت فیه الشمس و علیه اخلاق ثیاب و قدم به مکة ضحوة و الناس فی مجالسهم فجعلوا یقولون له من هذا وراءک فیقول عبدی و کره ان یقول ابن أخی و هو هیئة بذلة فاشتهر بعبد المطلب فلما أدخله و أحسن من حاله أظهر أنه ابن أخیه هذا ما قیل فی وجه تسمیته بعبد المطلب* و فی سیرة ابن هشام هلک المطلب بردمان
من الیمن قیل لیس الیوم علی وجه الارض هاشمی الا من أولاد عبد المطلب اذ لم یبق من سائر أولاد هاشم نسل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:159
قال السهیلی ان عبد المطلب أوّل من خضب بالسواد من العرب قال ابن الاثیر هو أوّل من تحنث بحراء و کان اذا دخل شهر رمضان صعد حراء و أطعم المساکین و قال ابن قتیبة یرفع من مائدة عبد المطلب للوحوش و الطیر فی رءوس الجبال فیقال له الفیاض لجوده و مطعم طیر السماء و کان مجاب الدعوة فتزوّج فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم و أمهرها مائة ناقة کوماء و عشرة أواق من ذهب فهی مخزومیة و جدة أولی للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکر ذلک ابن قتیبة فی کتاب المعارف فجملة نسوة تزوّجهنّ عبد المطلب خمس فولدن له اثنی عشرا بنا علی ما فی الصفوة أو ثلاثة عشر علی ما فی الذخائر للعقبی أو عشرة علی ما فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء و ست بنات باتفاق الکل* أما البنون ففی الصفوة قال ابن السائب هم اثنا عشر الحارث و الزبیر و أبو طالب و حمزة و أبو لهب و الغیداقی و المقوّم و ضرار و العباس و قثم و حجل و اسمه المغیرة و عبد اللّه* و فی سیرة مغلطای یقال حجل و غیداق واحد و یقال عبد اللّه و المقوّم واحد و قال غیره أحد عشر و لم یذکر قثما و قال اسم الغیداق حجل بتقدیم الجیم و هو السقاء الضخم* و قال الدارقطنی بتقدیم الحاء و کذا فی أسد الغابة و هو القید و الخلخال کذا فی المواهب اللدنیة

أعمامه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و فی ذخائر العقبی و کان له اثنا عشر عما بنو عبد المطّلب أبوه صلّی اللّه علیه و سلم ثالث عشرهم الحارث و أبو طالب و اسمه عبد مناف و الزبیر و یکنی أبا الحارث و حمزة و أبو لهب و اسمه عبد العزی و الغیداق و المقوّم و ضرار و العباس و قثم و عبد الکعبة و حجل و یسمی المغیرة و قیل کانوا أحد عشر فأسقط المقوّم و قیل هو عبد الکعبة و قیل عشر فأسقط الغیداق و حجلا و قیل تسعة فأسقط قثم و لم یذکر ابن قتیبة و ابن اسحاق و أبو سعید غیره* و فی أسد الغابة عبد الکعبة درج صغیرا و ضرار مات صغیرا و قثم هلک صغیرا و الغیداق اسمه نوفل و أمه ممنعة بنت عمرو بن مالک الخزاعیة و فی روایة الغیداق لقب حجل لقب به لکثرة خیره قال ابن اسحاق عبد اللّه أصغر بنی عبد المطلب و الصواب بنی أمه و الا فحمزة و العباس أصغر منه کذا فی سیرة مغلطای و أما البنات الست فعاتکة و أمیمة و البیضاء و هی أمّ حکیم و برة وصفیة و أروی و هؤلاء الاولاد لعبد المطلب من امهات شتی فحمزة و المقوّم و حجل وصفیة لام و هی هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة و العباس و ضرار و قثم لأمّ و هی نتیلة بنت خباب بن کلیب بن مالک بن عمرو بن عامر و الحارث من صفیة بنت جندب من بنی عامر بن صعصعة و أبو لهب من لبنا بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشیة بن سلول بن کعب الخزاعی و لم یکن لهما اناثی و عبد اللّه أبو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبو طالب و الزبیر و عبد الکعبة و البیضاء و امیمة و برة و عاتکة لأمّ و هی فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم و امها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن یقطة بن مرّة بن کعب و أمّ صخرة تخمر بنت عبد بن قصی بن کلاب و لم یعقب من الذکور الا خمسة الحارث و العباس و أبا طالب و أبا لهب و عبد اللّه و کان أکبرهم الحارث و به کان یکنی عبد المطلب شهد معه حفر زمزم و من ولده و ولد ولده جماعة لهم صحبة و سیأتی ذکرهم و لم یدرک الاسلام من الذکور غیر أربعة أبو طالب و أبو لهب و حمزة و العباس و لم یسلم غیر حمزة و العباس و من البنات لم تسلم الا صفیة بلا خلاف و اختلف فی أروی و عاتکة فی الصفوة قال محمد بن سعد أسلمتا و هاجرتا الی المدینة و قال غیره لم یسلم منهنّ الا صفیة* و فی ذخائر العقبی فذهب أبو جعفر العقیلی الی اسلامهما و عدّهما فی الصحابة و ذکر الدارقطنی عاتکة فی جملة الاخوة و الاخوات و لم یذکرا روی و أما محمد بن اسحاق و غیره فذکروا أنه لم یسلم من عماته صلّی اللّه علیه و سلم غیر صفیة و قد صح أن جملة أولاد أعمامه الذکور من أسلم و من لم یسلم خمسة و عشرون اثنان منهم لم یسلما طالب بن أبی طالب و عتیبة بن أبی لهب و الباقون أسلموا و لهم صحبة تفصیلهم أربعة أولاد لابی طالب طالب و مات کافرا و عقیل و جعفر و علی و عشرة للعباس الفضل و عبد اللّه و عبید اللّه و قثم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:160
و عبد الرحمن و معبد و کثیر و الحارث و عون و تمام و خمسة للحارث أبو سفیان و نوفل و ربیعة و المغیرة و عبد شمس و ابن للزبیر عبد اللّه و ثلاثة لابی لهب عتبة و عتیبة مات کافرا و معتب و ابنان لحمزة عمارة و یعلی و الاناث عشرة تفصیلهنّ ابنتان لابی طالب أمّ هانی و جمانة و ثلاث للعباس أمّ حبیب و صفیة و أمینة و بنت للحارث أروی و ابنتان للزبیر ضباعة و أمّ حکیم و بنت لابی لهب درّة و بنت الحمزة امامة و قد صح أن جملة أولاد العمات أحد عشر رجلا و ثلاث بنات عرفن أما الرجال فعامر بن البیضاء من کریز بن ربیعة و عبد اللّه و زهیر ابنا عاتکة من أبی أمیّة المخزومی و أبو سلمة بن برّة من عبد الاسد المخزومی و عبد اللّه و عبید اللّه و أبو أحمد بنو أمیمة من جحش و طلیب بن أروی من عمیر بن وهب و الزبیر و السائب و عبد اللّه بنو صفیة من العوّام کلهم أسلموا و ثبتوا علی الاسلام الا عبید اللّه بن جحش و أما الاناث فزینب و أمّ حبیبة و حمنة بنات أمیمة من جحش و ذکرت لأمّ حکیم بنات لم یذکر عددهنّ و لا اسلامهنّ و لا أسامیهنّ و سیجی‌ء ذکر أولاد الاعمام و العمات مفصلا* ذکر الذکور من أولاد عبد المطلب* أما عبد اللّه بن عبد المطلب أبو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فسیجی‌ء ذکر ولادته و تزوّجه و وفاته و غیر ذلک فی الطلیعة الثالثة من المقدّمة فلیطلب ثمة* ذکر الحارث بن عبد المطلب و أولاده* و هو أکبر أولاد عبد المطلب و به کان یکنی و جملة أولاده ستة أبو سفیان و نوفل و ربیعة و المغیرة و عبد شمس و أروی خمسة ذکورا أما أبو سفیان بن الحارث فهو ابن عمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أخوه من الرضاعة أرضعتهما حلیمة السعدیة أیاما قیل اسمه المغیرة و لم یذکر الدارقطنی غیره و قیل اسمه کنیته و المغیرة اخوه امّه غزیة بنت قریش بن طریف من ولد فهر بن مالک و کان ترب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یألفه الفا شدیدا قبل النبوّة فلما بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عاداه و هجاه و هجا أصحابه و کان شاعرا ذکره ابن اسحاق فلما کان عام الفتح ألقی اللّه فی قلبه الاسلام فخرج متنکرا و تصدی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأعرض عنه فتحوّل الی الجانب الآخر فأعرض عنه قال فقلت أنا مقتول قبل أن اصل إلیه فأسلمت و ذلک بطریق الابواء کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی أسلم أبو سفیان عام الفتح و حسن اسلامه و یقال انه ما رفع رأسه الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حیاء منه و أسلم معه ولده جعفر لقیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالابواء و أسلما قبل دخوله مکة و قیل بل لقیه هو و عبد اللّه بن أمیة بین السقیا و العرج فأعرض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنهما فقالت أمّ سلمة لا یکن ابن عمک و أخو ابن عمتک أشقی الناس بک و قال له علیّ بن أبی طالب ائت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة یوسف لیوسف تاللّه لقد آثرک اللّه علینا و ان کنا الخاطئین فانه لا یرضی أن یکون أحسد أحسن قولا منه ففعل ذلک أبو سفیان فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الیوم یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین قال أبو سفیان و خرجت معه شهدت فتح مکة و حنینا فلما لقینا العدوّ بحنین اقتحمت عن فرسی و بیدی السیف صلتا و اللّه یعلم انی أرید الموت دونه و هو ینظر الیّ فقال العباس یا رسول اللّه أخوک و ابن عمک أبو سفیان فارض عنه فقال فعلت فغفر اللّه له کل عداوة عادانیها ثم التفت الیّ و قال أخی لعمری فقبلت رجله فی الرکاب کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی کان أبو سفیان ممن ثبت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم یفرّ و لم تفارق یده لجام بغلة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أو غرزه علی اختلاف فی النقل حتی انصرف الناس و کان یشبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یقال ان الذین کانوا یشبهون النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جعفر بن أبی طالب و الحسن بن علی و قثم بن
العباس و أبو سفیان بن الحارث و السائب بن عبید بن عبد بن نوفل بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف و عبد اللّه بن جعفر فهم ستة و قیل و عبد اللّه بن نوفل بن الحارث فهم سبعة و کان صلّی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:161
و سلم یحب أبا سفیان بن الحارث و شهد له بالجنة و عن عروة عن أبیه أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أبو سفیان بن الحارث من شباب أهل الجنة أو سید فتیان أهل الجنة رواه ابن عمرو عن أبی حیة البدری أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أبو سفیان خیر أهلی أو من خیر أهلی خرّجه أبو عمرو و ذکر الدارقطنی انه صلّی اللّه علیه و سلم قاله یوم حنین کذا فی ذخائر العقبی و عن ابن اسحاق لما حضر أبا سفیان ابن الحارث الوفاة قال لاهله لا تبکوا علیّ فانی لم انتطف بخطیئة منذ أسلمت قال أهل السیر مات أبو سفیان ابن الحارث بالمدینة بعد ان استخلف عمر بسنة و سبعة أشهر و یقال بل مات سنة عشرین و قیل توفی بسنة خمس عشرة و صلّی علیه عمر و دفن بالبقیع قاله ابن قتیبة و قال أبو عمرو دفن فی دار عقیل بن أبی طالب و کان هو الذی حفر قبر نفسه قبل أن یموت بثلاثة أیام و سبب موته انه کان فی رأسه ثؤلول فحلقه الحلاق فقطعه فلم یزل مریضا حتی مات بعد مقدمه من الحج و کان له من الولد عبد اللّه بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب القرشی الهاشمی رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و روی عنه و کان معه مسلما بعد الفتح و جعفر بن أبی سفیان بن الحارث ذکر أهل بیته أنه شهد حنینا مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکره ابن هشام و غیره و قطع به الدارقطنی و انه لم یزل مع أبیه ملازما لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قبض و توفی جعفر فی خلافة معاویة و أبو الهیاج بن أبی سفیان قیل اسمه عبد اللّه و قیل علیّ و عاتکة بنت أبی سفیان بن الحارث تزوّجها معتب بن أبی لهب فولدت له و أما نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و یکنی أبا الحارث و کان أسنّ من اخوته و من جمیع من أسلم من بنی هاشم حتی من حمزة و العباس أسر یوم بدر ففداه العباس و قیل بل فدی نفسه قیل أسلم و هاجر أیام الخندق و قیل أسلم یوم فدی نفسه و عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل قال لما اسر نوفل بن الحارث ببدر قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم افد نفسک قال ما لی شی‌ء افتدی به قال افد نفسک برماحک التی بحدّة فقال و اللّه ما علم أحد أن لی بحدّة رماحا غیری بعد اللّه أشهد أنک رسول اللّه و فدی نفسه بها و کانت ألف رمح ذکره أبو عمرو و شهد نوفل مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتح مکة و حنینا و الطائف و کان ممن ثبت یوم حنین مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أعان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بثلاثة آلاف رمح فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کأنی أری رماحک تقصف أصلاب المشرکین و آخی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بینه و بین العباس بن عبد المطلب و کانا شریکین فی الجاهلیة متفاوضین فی المال متحابین توفی بالمدینة سنة خمس عشرة فی خلافة عمر و صلّی علیه عمر بعد أن شیعه الی البقیع و وقف علی قبره حتی دفن و کان له من الولد الحارث و عبد اللّه و عبید اللّه و المغیرة و سعید و عبد الرحمن و ربیعة بنو نوفل فأما الحارث بن نوفل فهو الذی کان یقال له ببه لأنّ أمه هند ابنة أبی سفیان بن حرب بن أمیة کانت ترقصه و هو طفل و تقول
لانکحنّ ببه* جاریة خدبة* مکرمة محبة* تجبّ أهل الکعبة
ببة لقب له و خدبة أی غلیمة سمینة و الخدب هو العظیم الجافی و کان قد اصطلح علیه أهل البصرة حین توفی یزید بن معاویة و خرج مع ابن الاشعث فلما هزم هرب الی عمان و مات بها* قال الواقدی کان الحارث بن نوفل علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رجلا فأسلم عند اسلام أبیه نوفل و ولد له علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ولده عبد اللّه فأتی به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فحنکه و دعا له و کانت تحته درّة بنت أبی لهب بن عبد المطلب و استعمله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی بعض أعماله بمکة و استعمله أبو بکر أیضا قاله الدارقطنی و قیل ان أبا بکر ولی الحارث بن نوفل مکة و انتقل الحارث من المدینة الی البصرة و اختط بها دارا فی ولایة عبد اللّه بن عامر و مات بها فی آخر خلافة عثمان و أما المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و یکنی أبا یحیی فولد له علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:162
بمکة قبل الهجرة و قیل بعدها و لم یدرک من حیاة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم غیر ست سنین و هو الذی تلقی عبد الرحمن بن ملجم المرادی حین ضرب علیا علی هامته بسیفه فصرعه فلما هم الناس به حمل علیهم بسیفه ففرّجوا له فتلقاه المغیرة بن نوفل بقطیفة فرماها علیه و احتمله و ضرب به الارض و قعد علی صدره و انتزع سیفه عنه و کان ایدا ثم حمل ابن ملجم و حبس الی أن مات علیّ رضی اللّه عنه فقتل کما سیجی‌ء فی الخاتمة و الاید القوّة و منه ذا الاید انه أوّاب و کان المغیرة هذا قاضیا فی زمن عثمان و شهد مع علیّ صفین و تزوّج امامة بنت أبی العاص بن الربیع بعد علیّ بن أبی طالب و ولد یحیی منها و روی المغیرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قیل ان حدیثه مرسل و لم یسمع من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شیئا و من ولده عبد الملک بن المغیرة بن نوفل روی عنه الزهری و عبد الرحمن الاعرج و عمران ابن أبی أویس و أما عبد اللّه بن نوفل بن الحارث فکان جمیلا و کان یشبه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان أوّل من ولی القضاء بالمدینة فی خلافة معاویة و أما أخواه عبید اللّه و سعید فقد روی عنهما العلم و أما عبد الرحمن و ربیعة ابنا نوفل فلا لقیة لهما و لا روایة ذکر ذلک الدارقطنی فی کتاب روایة الاخوة و الاخوات* و أما ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب و یکنی أبا أروی فکانت له صحبة و هو الذی قال فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم فتح مکة ألا ان کل مأثرة کانت فی الجاهلیة تحت قدمی و دماء الجاهلیة موضوعة و ان أوّل دم أضع دم ابن ربیعة بن الحارث و ذلک انه قتل لربیعة ابن الحارث فی الجاهلیة ولد یسمی آدم و قیل تمام فأبطل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الطلب به فی الاسلام و لم یجعل لربیعة فی ذلک تبعة و کان ربیعة هذا أسنّ من العباس فیما ذکر بسنتین ذکره أبو عمرو و غیره و قال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نعم الرجل ربیعة لو قصر من شعره و شمر من ثوبه و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أطعمه مائة وسق من خیبر کل عام ذکره الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و کان شریک عثمان فی التجارة ذکره ابن قتیبة توفی سنة ثلاث و عشرین فی خلافة عمر و روی عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أحادیث و له من الولد بنون و بنات فالبنون العباس بن ربیعة و عبد المطلب بن ربیعة و عبد اللّه بن ربیعة ذکر عبد اللّه هذا أبو عمرو فی باب عبد اللّه بن عباس فیمن شهد مع علیّ صفین و غیرها و لم یفرده بالذکر و ذکره الدارقطنی فی باب الاخوة من ولد ربیعة بن الحارث و ذکر من ولده أیضا الحارث و أمیة و عبد شمس و من ولده أیضا آدم بن ربیعة و هو الذی کان مسترضعا فی هذیل و کان العباس بن ربیعة ذا قدر و أقطعه عثمان دارا بالبصرة و أعطاه مائة ألف درهم و شهد صفین مع علی و کان تحته أمّ فراس بنت حسان بن ثابت فولدت له أولادا و عقبه کثیر ذکره ابن قتیبة و أما البنات فلم یذکر اسماء هنّ عند ذکرهنّ و ذکر أبو عمرو فی باب هند بنت ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب انها ولدت علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذکر الدارقطنی أن اسمها أروی قال و قیل هند تزوّجها حبان ابن منقد الانصاری النجاری فولدت له واسعا و یحیی ابنی حبان و لم أظفر بأسماء باقیهنّ و لا بکنیتهنّ غیر انهنّ ذکرن علی سبیل الجمع کما قدّمنا کذا فی ذخائر العقبی* و أما عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلب و سماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه فمات بالصفراء فی حیاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کفنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی قمیصه و قال فی حقه سعید أدرکته السعادة قاله الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و البغوی فی معجمه و لیس له عقب و قال ابن قتیبة عقبه بالشام یقال لهم الموزة لقلتهم لانهم لا یکادون یزیدون علی ثلاثة* و فی شرح الکرمانی عبیدة بن الحارث کان أسنّ من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و
سلم بعشر سنین أسلم قبل دخوله دار الارقم شهد بدرا و جرح بها و تأخرت وفاته حتی وصل وادی الصفراء فدفن بها و هو ابن ثلاث و ستین سنة و سیجی‌ء فی غزوة بدر ان شاء اللّه تعالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:163
و أما المغیرة بن الحارث بن عبد المطلب فله صحبة و قد قیل ان أبا سفیان بن الحارث اسمه المغیرة و الصحیح أنه أخوه و ذکر الدارقطنی أمیة بن الحارث مکان المغیرة بن الحارث و قال لا عقب له و لا روایة و أما أروی بنت الحارث فذکرها ابن قتیبة و أبو سعد فی ولده و لم یذکرها أبو عمرو فلعله لم یثبت عنده اسلامها و ذکرها الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و ذلک دلیل اسلامها لانه لم یذکر فیه الا من أسلم قال و تزوّجها أبو وداعة بن صبرة السهمی فولدت له المطلب و أبا سفیان بن أبی وداعة*

(ذکر أبی طالب و أولاده)

* و اسمه عبد مناف و جملة أولاده ستة أربعة ذکور طالب و مات کافرا فی غزوة بدر حین وجهه المشرکون الی حرب المسلمین و هو أکبر ولده و به کان یکنی و عقیل و جعفر و علی و بنتان أمّ هانی و جمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و کان علیّ أصغرهم و کان جعفر أسنّ منه بعشر سنین و عقیل أسنّ من جعفر بعشر سنین و طالب أسنّ من عقیل بعشر سنین ذکره ابن قتیبة و أبو سعید و أبو عمرو و أما علی فسیجی‌ء ذکره فی الخاتمة فی ذکر الخلفاء و أما جعفر فقد تقدّم ذکر أمه و یکنی أبا عبد اللّه أسلم قدیما و هاجر الی الحبشة الهجرة الثانیة و معه زوجته أسماء بنت عمیس و ولدت ثمة بنیه عبد اللّه و محمدا و عونا فلم یزل هنا لک حتی قدم علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو بخیبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان و أما ذکر جواره فی أرض الحبشة و ما جری له مع النجاشی فسیجی‌ء فی الرکن الثانی فی حوادث السنة الخامسة من النبوّة و سیجی‌ء ذکر وفاته و بعض أحواله فی الموطن الثامن فی سریة مؤتة ان شاء اللّه تعالی و أما عقیل بن أبی طالب فلم یزل اسمه فی الجاهلیة و الاسلام عقیلا و یکنی أبا یزید أمه فاطمة بنت أسد قال العذری و کان عقیل قد خرج مع کفار قریش یوم بدر مکرها فأسر ففداه عمه العباس ثم أتی مسلما قبل الحدیبیة و شهد غزوة مؤتة ذکره أبو عمرو و روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال له یا أبا یزید انی أحبک حبین حبا لقرابتک منی و حبا لما کنت أعلم من حب عمی ایاک خرجه أبو عمرو و البغوی و کان عقیل أنسب قریش و أعلمهم بأیامها و لکنه کان مبغضا إلیهم لانه کان یعدّ مسلویهم و کانت له قطیفة تفرش له فی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یصلی علیها و یجتمع إلیه فی علم النسب و أیام العرب و کان أسرع الناس جوابا و أحضرهم مراجعة فی القول و أبلغهم فی ذلک خرجه أبو عمرو و عن جعفر بن محمد عن أبیه أن عقیلا جاء الی علیّ بالعراق فسأله فقال له ان أحببت أن أکتب لک الی مالی بینبع فأعطیتک منه فقال عقیل لا ذهبن الی رجل هو أوصل لی منک فذهب الی معاویة فعرف ذلک له خرجه البغوی قال أبو عمرو و کان عقیل غاضب علیا و خرج الی معاویة و اقام عنده فزعموا ان معاویة قال یوما بحضرته هذا أبو یزید لو لا علمه بأبی خیر له من أخیه لما أقام عندنا و ترکه فقال عقیل أخی خیر لی فی دینی و أنت خیر لی فی دنیای و قد آثرت دنیای و أسأل اللّه خاتمة خیر و توفی عقیل فی خلافة معاویة و لم یوقف علی السنة التی مات فیها ذکره ابن الضحاک* و أما أم هانی فاسمها فاختة و قیل هند أسلمت یوم الفتح حکاه أبو عمرو و تزوّجها هبیرة بن أبی وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم و ولدت له أولاد او هرب الی نجران و مات مشرکا و هی التی صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی بیتها عام الفتح الضحی ثمان رکعات فی ثوب واحد مخالفا بین طرفیه و قال لها قد أجرنا من أجرت یا أم هانی متفق علیه و عن ابن عباس دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی أم هانی بنت أبی طالب یوم الفتح و کان جائعا فقالت یا رسول اللّه ان أصهار الی قد لجئوا الیّ و ان علیّ بن أبی طالب لا تأخذه فی اللّه لومة لائم و انی أخاف أن یعلم بهم فیقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانی آمنا حتی یسمع کلام اللّه فأمنهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال أجرنا من أجارت أم هانی فقال هل عندک من طعام نأکله فقالت لیست عندی إلا کسر یابسة و انی لاستحیی ان أقدمها إلیک قال هلمیهنّ فکسرهنّ فی ماء و ملح فقال هل من ادام فقالت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:164
ما عندی یا رسول اللّه الا شی‌ء من خل فقال هلمیه فصبه علی طعامه فأکل منه ثم حمد اللّه ثم قال نعم الادام الخل یا أم هانی لا یفقر بیت فیه خل خرجه بهذا السیاق الطبرانی و جماعة* و أما جمانة فذکرها ابن قتیبة و أبو سعید فی شرف النبوّة فی أولاد أبی طالب أمها فاطمة بنت أسد و أما أبو عمرو فلم یذکرها فلعله لم یثبت عنده اسلامها و ذکرها الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و لم یذکر فیه الا من أسلم فدل علی أنه صح عنده اسلامها قال و تزوّجها ابن عمها أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب و ولدت له قال و لم یسند منها شی‌ء و هذا القول دلیل علی صحة اسلامها اذ من لم یسلم لم یوصف بذلک اثباتا و لا نفیا*

(ذکر الزبیر و أولاده)

* و یکنی أبا الحارث و کان من أشراف قریش و جملة أولاده ثلاثة عبد اللّه و ابنتان أمّ الحکیم و یقال أمّ حکیم و ضباعة أما عبد اللّه بن الزبیر فأمه عاتکة بنت أبی وهب بن عمرو بن عائذ المخزومیة أدرک الاسلام و أسلم و ثبت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم حنین فیمن ثبت یومئذ ذکره الدارقطنی و قتل یوم أجنادین فی خلافة أبی بکر شهیدا و وجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنته الجراحة فمات بها و ذکر الواقدی ان أوّل قتیل قتل من الروم بطریق معلم برز و دعا الی البراز فبرز إلیه عبد اللّه بن الزبیر بن عبد المطلب و اختلفا ضربات ثم قتله عبد اللّه و لم یتعرّض لسلبه ثم برز آخر یدعو الی البراز فبرز إلیه فاقتتلا بالرمحین ساعة ثم صارا الی السیفین فضربه عبد اللّه علی عاتقه و هو یقول خذها و أنا ابن عبد المطلب فأثبته و قطع سیفه الدرع و أسرع فی منکبه ثم ولی الرومی منهزما فعزم علیه عمرو بن العاص أن لا یبارز فقال عبد اللّه انی و اللّه ما أجد لی صبرا فلما اختلطت السیوف و أخذ بعضها بعضا وجد فی ربضة من الروم عشرة حوله قتلی و هو مقتول بینهم و کان سنه نحوا من ثلاثین سنة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول له ابن عمی و حبی و منهم من یقول کان یقول ابن امی و لم یعقب قاله ابن قتیبة و أما بنتا الزبیر بن عبد المطلب فضباعة بنت الزبیر و هی التی أمرها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالاشتراط فی الحج و کانت تحت المقداد بن الاسود و أمّ الحکیم و کانت تحت ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب قاله ابن قتیبة ذکرهما ابو عمرو فی باب أخیهما عبد اللّه بن الزبیر*

(ذکر حمزة بن عبد المطلب)

* و أمه هالة بنت وهب و قد تقدّم ذکرها و کان أخا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الرضاعة أرضعتهما و عبد اللّه بن عبد الاسد ثویبة بلبن ابنها مسروح و کانت ثویبة مولاة لابی لهب و قال ابن قتیبة امراة من أهل مکة و لا تضاد بین کونها مولاة و امرأة من أهل مکة و کان أسنّ من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأربع سنین قال أبو عمرو و هذا یردّه ما تقدّم ذکره آنفا من تقیید رضاع ثویبة بلبن ابنها مسروح اذ لا رضاع الا فی حولین و لو لا التقیید بذلک امکن حمل الرضاع علی زمانین مختلفین قلت و یمکن أن تکون أرضعت حمزة فی آخر سنتیه فی اوّل رضاع ابنها و ارضعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی اوّل سنتیه فی آخر رضاع ابنها فیکون أکبر بأربع سنین و قیل کان اسنّ بسنتین و لم یزل اسمه فی الجاهلیة و الاسلام حمزة و یکنی ابا عمارة و ابا یعلی کنیتان له بابنیه عمارة و یعلی و کان یدعی اسد اللّه و اسد رسوله و عن یحیی ابن عبد الرحمن بن أبی لبیبة عن ابیه عن جدّه ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال و الذی نفسی بیده انه لمکتوب عند اللّه عز و جل فی السماء السابعة حمزة اسد اللّه و اسد رسوله خرجه البغوی فی معجمه و کان اسلامه فی السنة الثانیة من المبعث و قیل فی السادسة بعد دخوله علیه السلام دار الارقم و قیل قبل اسلام عمر بثلاثة ایام و سیجی‌ء فی الرکن الثانی عن عبد الرحمن بن عابس عن ابیه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیر أعمامی حمزة خرجه الحافظ الدمشقی عن جابر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سید الشهداء یوم القیامة حمزة بن عبد المطلب و رجل قام الی امام جائر فأمره و نهاه فقتله خرّجه ابن السرّی و فی روایة حمزة خیر الشهداء و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ لا انبئکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:165
بأفضل الشهداء عند اللّه بعد حمزة بن عبد المطلب قالوا بلی یا رسول اللّه قال رجل أتی أمیرا جائرا فأمره بالمعروف و نهاه عن المنکر فان هو لم یقتله لم یجر علیه ذنب ما کان حیا و ان هو قتله کان من افضل الشهداء عند اللّه عز و جل بعد حمزة بن عبد المطلب خرجه الحلبی و ذکر مقتله سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة احد کان له من الولد عمارة أمه خولة بنت قیس بن فهر بن مالک النجاری* و یعلی قال مصعب لم یعقب واحد من ولد حمزة و کان یعلی قد ولد له خمسة رجال و ماتوا کلهم من غیر عقب و توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لکل واحد منهما اعوام و لم تحفظ لواحد منهما روایة و کان له ابنة یقال لها أمّ ابیها قاله ابن قتیبة و قال صاحب الصفوة اسمها أمامة امّها زینب بنت عمیس الخثعمیة و کانت تحت عمرو بن ابی سلمة المخزومی ربیب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هی التی اختصم فی حضانتها علیّ و جعفر و زید فقال علی ابنة عمی و قال جعفر ابنة عمی و خالتها تحتی و قال زید ابنة اخی فقضی بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لخالتها و قال الخالة بمنزلة الامّ اخرجاه و فیه دلالة علی ان من نکحت قریبا لا یسقط حقها من الحضانة و عن علی رضی اللّه عنه قلت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ لا تتزوّج ابنة حمزة فانها احسن فتاة فی قریش فقال أ لیس قد علمت انها ابنة أخی من الرضاعة و ان اللّه عز و جل قد حرم من الرضاعة ما حرّم من النسب خرجه البغوی فی معجمه*

(ذکر العباس بن عبد المطلب و إسلامه)

* أمه نتیلة و یقال لها نتلة و قد تقدّم ذکرها و یقال انها أوّل عربیة کست البیت الحرام الدیباج و أصناف الکسوة و ذلک ابن العباس ضل و هو صبی فنذرت ان وجدته أن تکسو البیت الحرام فوجدته ففعلت و لم یزل اسمه العباس و یکنی ابا الفضل* ذکر صفته* و کان رضی اللّه عنه جمیلا جسیما و سیما ابیض بضا له ضفیرتان معتدل القامة و قیل کان طوالا عن جابر أن الانصار لما ارادوا أن یکسوا العباس حین اسر یوم بدر فلم یصلح علیه قمیص الا قمیص عبد اللّه ابن ابیّ بن سلول فکساه ایاه فلما مات عبد اللّه بن ابیّ بن سلول ألبسه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قمیصه و تفل علیه من ریقه قال سفیان فظنّ انه مکافأة لقمیص العباس خرّجه ابن الضحاک و ابو عمرو و کان مولده قبل الفیل بثلاث سنین و کان اسنّ من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بسنتین و قیل بثلاث* و عن أبی رزین قال قیل للعباس أیکما اکبر أنت أو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال هو اکبر منی و انا ولدت قبله خرجه ابن الضحاک و هو اصغر أولاد عبد المطلب غیر عبد اللّه کذا فی المواهب اللدنیة* و عن ابن عمر مثله خرجه البغوی فی معجمه و غیره و کان العباس فی الجاهلیة رئیسا فی قریش و إلیه عمارة المسجد الحرام و السقایة بعد أبی طالب أما السقایة فمعروفة و اما عمارة المسجد الحرام فکان لا یدع أحدا یشبب فیه و لا یقول فیه هجر او کانت قریش قد اجتمعت و تعاقدت علی ذلک فکانوا له عونا علیه و أسلموا ذلک إلیه ذکره الزبیر ابن بکار و غیره من علماء النسب حکاه ابو عمرو و التشبیب ترقیق الشعر بذکر النساء و کأنه أراد انشاد ذلک فی المسجد و الهجر بالضم الهذیان و القول الباطل و یطلق علی الکلام الفاحش و ذکر شهوده بیعة العقبة سیجی‌ء فی الرکن الثانی* (ذکر اسلامه)* قال اهل العلم بالتاریخ کان اسلام العباس قدیما و کان یکتم اسلامه و خرج مع المشرکین یوم بدر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من لقی العباس فلا یقتله فانه خرج مستکرها فأسره ابو الیسر کعب بن عمرو ففادی نفسه و رجع الی مکة ثم أقبل الی المدینة مهاجرا قاله ابو سعید و قیل انه أسلم یوم بدر فاستقبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الفتح بالابواء و کان معه یوم فتح مکة و به ختمت الهجرة و قال أبو عمرو أسلم قبل فتح خیبر و کان یکتم اسلامه و یسرّ بما یفتح اللّه علی المسلمین و أظهر اسلامه یوم فتح مکة و شهد حنینا و الطائف و تبوک و یقال ان اسلامه کان قبل بدر و کان یکتب بأخبار المشرکین الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان المسلمون بمکة یثقون به و کان یحب القدوم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فکتب إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان مقامک بمکة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:166
خیر لک و عن شرحبیل بن سعد قال لما بشر أبو رافع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم باسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه خرجه أبو القاسم السهمی فی الفضائل* و فی المواهب اللدنیة قال علیه الصلاة و السلام للعباس یا عم لا ترم منزلک أنت و بنوک غدا حتی آتیک فان لی فیکم حاجة فلما أتاهم اشتمل علیهم بملاءته ثم قال یا رب هذا عمی و صنو أبی و هؤلاء أهل بیتی فاسترهم من النار کستری ایاهم بملاءتی هذه قال فأمّنت أسکفة الباب و حوائط البیت فقالت آمین آمین آمین رواه ابن غیلان و أبو القاسم حمزة و السهمی و رواه ابن السری و فیه فما بقی فی البیت مدرة و لا باب الا أمّن* (ذکر وفاته)* توفی رضی اللّه عنه فی خلافة عثمان قبل مقتله بسنتین بالمدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة لیلة و قیل لا ربع عشرة لیلة خلت من رجب و لم یذکر صاحب الصفوة غیره و قیل من رمضان سنة اثنتین و ثلاثین و قیل ثلاث و ثلاثین و هو ابن ثمان و ثمانین سنة و قیل سبع و ثمانین سنة بعد أن کف بصره أدرک منها فی الاسلام اثنتین و ثلاثین سنة و صلّی علیه عثمان و دفن بالبقیع و دخل فی قبره ابنه عبد اللّه* مرویاته فی کتب الحدیث خمسة و ثلاثون حدیثا* (ذکر ولده)* و کان له من الذکور تسعة و سیجی‌ء فی روایة الزبیر بن بکار انهم عشرة و من الاناث ثلاث الفضل و عبد اللّه و عبید اللّه و عبد الرحمن و قثم و معبد و أمّ حبیب أمّهم أم الفضل اسمها لبابة الکبری بنت الحارث بن حرب الهلالیة و تمام و کثیرا بنا العباس لأمّ ولد و الحارث أمه هذلیة قاله الطبرانی و قال صاحب الصفوة أمه حجیلة بنت جندب و آمنة و أمّ کلثوم و صفیة لامهات أولاد قاله هشام بن الکلبی و صبیح و مسهرا بنا العباس و لم یتابع علی ذلک و قال ابراهیم المزنی و لبابة و أمینة ذکر ذلک کله الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و تابعه غیره علی أکثره*

ذکر الفضل بن عباس‌

أما الفضل بن العباس فکان أکبر ولده و به کان یکنی أمه أم الفضل لبابة الکبری بنت الحارث الهلالیة أخت میمونة زوج النبیّ علیه السلام و قد روی أنها أوّل امرأة أسلمت بعد خدیجة بمکة خرجه البغوی و لم یزل اسمه الفضل فی الجاهلیة و الاسلام و یکنی أبا عبد اللّه و قیل أبا محمد و کان أجمل الناس وجها و عن جابر أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما دفع من المزدلفة الی منی أردف الفضل بن العباس و کان رجلا حسن الشعر أبیض و سیما فمرت ظعن یجرین فجعل الفضل ینظر إلیهنّ فوضع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده علی وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الی الشق الآخر ینظر فحوّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده من الشق الآخر علی وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ینظر خرجه مسلم* و فی بعض الطرق فقال العباس لویت عنق ابن عمک یا رسول اللّه فقال رأیت شابا و شابة فلم آمن الشیطان علیهما قال أهل العلم بالتاریخ غزا الفضل مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة و حنینا و ثبت یومئذ و شهد حجة الوداع و أردفه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خلفه فیها علی ما تقدّم و هو الذی کان یصب الماء فی غسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علیّ یغسله* (ذکر وفاته) قال أبو عمرو اختلف فی وفاته فقیل أصیب بأجنادین فی خلافة أبی بکر سنة ثلاث عشرة* و فی ذخائر العقبی أجنادین بفتح الهمزة و سکون الجیم و بالنون و فتح الدال المهملة و قد تکسر الموضع المعروف من نواحی دمشق و کانت بها الوقعة بین المسلمین و الروم و کان الامیر بها عمرو ابن العاص و أبو عبیدة و یزید بن أبی سفیان و شرحبیل بن حسنة کل منهم علی طائفة و قیل ان عمرا کان الامیر علیهم کلهم و قیل انه قتل یوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أیضا و قیل مات بطاعون عمواس و هو أوّل طاعون کان فی الاسلام بالشام سنة ثمان عشرة فی خلافة عمرو قیل انه قتل یوم الیرموک فی خلافة أبی بکر ذکره الدارقطنی و غیره* (ذکر ولده)* توفی رضی اللّه عنه و لم یترک ولدا غیر ابنة تزوّجها الحسن ابن علی ثم فارقها فتزوّجها أبو موسی الاشعری فولدت له موسی و مات عنها فتزوّجها عمر بن طلحة بن عبد اللّه و قیل ان الفضل خلف ابنا یقال له عبد اللّه و لم یثبت ذکر ذلک جمیعه الدارقطنی فی کتاب الاخوة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:167
و الاخوات و نابعه غیره علی بعضه*

ذکر عبد اللّه بن عباس‌

و أما عبد اللّه بن عباس فهو الحبر و یکنی أبا العباس و لم یزل اسمه عبد اللّه أمه أمّ الفضل ولد قبل الهجرة بثلاث سنین بالشعب قبل خروج بنی هاشم منه* و ذکر الطائی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حنکه بریقه و دعا له و قال اللهم بارک فیه و انشر منه و علمه الحکمة و سماه ترجمان القرآن و کان یوم توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن ثلاث عشرة سنة روی ذلک عنه و روی عنه أیضا أنه قال توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابن عشر سنین و قد قرأت المحکم یعنی المفصل* و فی روایة و أنا ابن خمس عشرة و أنا ختین و لعله الاشبه اذ روی عنه أنه قال فی حجة الوداع و أنا قد ناهزت الاحتلام و صحح أبو عمرو القول الاوّل و هو ظاهر اختیار الدارقطنی* (ذکر صفته)* و کان طویلا أبیض مشربا بشقرة جسیما و سیما صبیح الوجه و کان یصفر لحیته و قیل کان یخضب بالحناء و کان له و فرة خرجه ابن الضحاک قال ابن اسحاق رأیت ابن عباس بمنی طویل الشعر فعرفت انه قصر و لم یحلق و علیه ازار و علیه رداء أصفر و کان یخضب بالسواد و هذا مغایر لما تقدّم من خضابه و لعله کان یفعل هذا مرّة و هذا اخری فیروی کل ما بلغه* قال أبو عمرو شهد عبد اللّه بن عباس مع علیّ الجمل وصفین و النهروان و کان ممن شهد ذلک مع علیّ الحسن و الحسین و محمد بنوه و عقیل اخوه و عبید اللّه و قثم ابنا عمه العباس و عبد اللّه و محمد و عون بنو جعفر و المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و عبید اللّه بن ربیعة بن عبد المطلب ذکره أبو عمرو فی ذکر عبد اللّه بن عباس رضی اللّه عنهم* عن عبد اللّه ابن عباس عن أمّ الفضل قالت لما وضعته أتیت به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأذن فی أذنه الیمنی و أقام فی أذنه الیسری ولته من ریقه و سماه عبد اللّه و قال فاذهبی بأبی الخلفاء أخرجه أبو القاسم السهمی فی الفضائل* (ذکر وفاته)* توفی رضی اللّه عنه بالطائف سنة ثمان و ستین أیام ابن الزبیر و هو ابن سبعین و قیل احدی و سبعین و قیل أربع و سبعین و صلّی علیه محمد بن الحنفیة و کبر علیه أربعا و قال الیوم مات ربانی هذه الامة و ضرب علی قبره فسطاطا ذکر ذلک أبو عمرو و البغوی فی معجمه و فی روایة عنه ربانی العلم* و عن سعید بن جبیر قال مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم یر علی مثل خلقته فدخل فی نعشه و لم یر خارجا منه فلما دفن تلیت هذه الآیة یأیتها النفس المطمئنة ارجعی الی ربک راضیة مرضیة الآیة خرجه ابن عرفة العبدی و روی ابن الزبیر مثله و عن غیلان بن عمرو بن أبی سوید قال شهدت جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه جاء طائر أبیض فدخل فی أکفانه و لم نره خرج خرجه البغوی فی معجمه و یروی أن طائرا أبیض خرج من قبره فتأوّلوه علمه خرج الی الناس و عن أبی بکر بن أبی عاصم ان ابن عباس مات بمکة خرجه ابن الضحاک و المشهور انه مات بالطائف و دفن بها و قبره معروف ثمة مرویاته فی کتب الاحادیث ألف و ستمائة و ستون حدیثا* (ذکر ولده)* کان له من الولد العباس و به کان یکنی و علیّ السجاد و الفضل و محمد و عبید اللّه و لبابة و أسماء

ذکر عبید اللّه بن عباس‌

(أما عبید اللّه بن عباس) أمه أمّ الفضل و کان أصغر من أخیه عبد اللّه قیل انه رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سمع منه و حفظ عنه و استعمله علی بن أبی طالب علی الیمن و أمره علی الموسم فحج بالناس سنة ست و ثلاثین أو سبع و ثلاثین فلما کان سنة ثمان و ثلاثین بعثه أیضا علی الموسم و بعث معاویة ذلک العام یزید بن شجرة الرهاوی لیقیم الحج فاجتمعا فسأل کل واحد منهما صاحبه أن یسلم له فأبی و اصطلحا علی أن یصلی بالناس شیبة بن عثمان و روی أن معاویة بعث الی الیمن بشر بن أرطاة العامری و علیها عبید اللّه بن عباس من قبل علیّ فتنحی عبید اللّه و استولی بشر علیها فبعث علیّ حارثة بن قثامة السعدی فهرب بشر و رجع عبید اللّه بن عباس فلم یزل علیها حتی قتل علی و کان عبید اللّه أحد الاجواد و کان یقال من أراد الجمال و الفقه و السخاء فلیأت دار العباس الجمال للفضل و الفقه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:168
لعبد اللّه و السخاء لعبید اللّه و مات عبید اللّه بن عباس سنة ثمان و خمسین* و قال الواقدی و الزبیر توفی فی المدینة فی أیام یزید بن معاویة و قال مصعب مات بالیمن و الاوّل أصح و قال الحسن مات سنة سبع و ثمانین فی خلافة عبد الملک و اللّه أعلم*

ذکر قثم بن العباس‌

و أما قثم بن العباس أمه أمّ الفضل أیضا و هو رضیع الحسن بن علی و کان قثم یشبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و عن ابن عباس قال و أخذ العباس ابنا له یقال له قثم فوضعه علی صدره و هو یقول* حبی قثم شبیه ذی الانف الاشم بنی ذی النعم یرغم من رغم خرجه ابن الضحاک و عن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قثم و ذلک انه کان آخر من خرج من قبره ممن نزل فیه خرجه أبو عمرو و خرجه ابن الضحاک مختصرا و قد ادعی المغیرة ذلک فأنکر ذلک ابن عباس فقال آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قثم بن العباس و روی عن علیّ مثل ذلک فی انه أنکر ما ادعاه المغیرة و قال آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قثم بن العباس و ولی علیّ ابن أبی طالب قثم مکة و لم یزل والیا علیها حتی قتل علیّ و کان و لاها قبله أبا قتادة الانصاری ثم عزله و ولی قثم و قال الزبیر استعمل علیّ قثم علی المدینة رواه عنه أبو اسحاق السباعی و غیره و استشهد قثم بسمرقند و کان خرج إلیها مع سعید بن عثمان بن عفان زمن معاویة ذکره الدارقطنی و أبو عمرو و قال الضحاک مات فی خلافة عثمان بن عفان و قبره خارج سور سمرقندی فی قبة عالیة معروفة بمزار شاه زنده یعنی السلطان الحیّ*

ذکر عبد الرحمن و کثیر و تمام أولاد العباس‌

و أما عبد الرحمن بن عباس فامّه أمّ الفضل أیضا ولد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قتل هو و أخوه معبد بافریقیة شهیدین فی خلافة عثمان سنة خمس و ثلاثین مع عبد اللّه بن سعد بن ابی سرح قاله مصعب* و قال ابن الکلبی قتل عبد الرحمن بالشام و ذکره الدارقطنی* و أما معبد بن عباس و یکنی أبا العباس فأمه أمّ الفضل أیضا ولد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم یحفظ عنه شیئا و استعمله علیّ رضی اللّه عنه علی مکة و قتل بافریقیة کما تقدّم ذکره آنفا و یقال ما من اخوة اشدّ تباعدا قبورا من بنی العباس من أمّ الفضل ذکره الدارقطنی* و أما کثیر بن عباس أمه أمّ ولد رومیة اسمها سبا و قیل أمه حمیریة و یکنی أبا تمام ولد قبل وفاة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأشهر فی سنة عشر من الهجرة و کان فقیها ذکیا فاضلا روی عنه ابن شهاب و عبد الرحمن الاعرج ذکره أبو عمرو* و أما تمام بن عباس فأمه سبأ أمّ کثیر المذکورة آنفا ولد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و روی عنه قوله صلّی اللّه علیه و سلم لا تدخلوا علیّ قلحا استاکوا فلولا ان اشق علی أمتی لامرتهم بالسواک عند کل صلاة خرجه البغوی فی معجمه و خرج أبو عمرو الی قوله استاکوا و لم یذکر ما بعده و کان تمام والیا لعلیّ علی المدینة و کان قد استخلف قبله سهل بن حنیف حین توجه الی العراق ثم عزله و استجلبه لنفسه و ولی تماما ثم عزله و ولی أبا أیوب الانصاری ثم شخص أبو أیوب الی علیّ و استخلف رجلا من الانصار فلم یزل والیا الی أن قتل علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه ذکر ذلک کله أبو عمرو* و قال الزبیر بن بکار کان تمام أشدّ الناس بطشا و له عقب و قال الزبیر کان للعباس عشرة بنین ستة منهم من أمّ الفضل أمامة بنت الحارث الهلالیة و هذا یخالف ما سبق من ان اسم أمّ الفضل لبابة قال عبد اللّه بن یزید الهلالی
ما ولدت نجیبة من فحل‌کستة من بطن أمّ الفضل
أکرم بها من کهلة و کهل
الفضل و عبد اللّه و عبید اللّه و قثم و معبد و عبد الرحمن و سابعتهم أمّ حبیب شقیقتهم و عون بن عباس قال أبو عمرو و لم أقف علی اسم أمه و تمام و کثیر لأمّ ولد و الحارث أمه من هذیل فهؤلاء عشرة أولاد للعباس و کان تمام أصغرهم و کان العباس یحمله و یقول
تموا بتمام فصاروا عشرةیا رب فاجعلهم کراما بررة
و اجعل لهم ذکرا و أثم الشجرة
ذکر ذلک أبو عمرو و هذا یضادّ ما تقدّم فی کثیر لانه ذکر أن کثیرا ولد قبل وفاة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:169
بأشهر و ذکر أن تماما روی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیکون کثیر أصغر منه قطعا الا أن یکون هذا من قول الزبیر بن بکار و غیره یخالفه فیه و قد ذکر أبو عمرو عونا و الحارث فی ولد العباس و ذکر أن أم الحارث هذلیة و قد تقدّم ذکر الدارقطنی ذلک فی فضل ولد العباس اجمالا* قال صاحب الصفوة و اسمها حجیلة بنت جندب و لم یذکر ابن قتیبة عونا فی ولد العباس و ذکر الحارث و قال أمه أمّ ولد و تابعه أبو سعید فی شرف النبوّة*

(ذکر الاناث من ولد العباس)

* و هنّ أربع أم حبیب لبابة و یقال لها أمّ حبیبة أمها أمّ الفضل و قد روی من حدیث أم الفضل ان النبیّ صلّی اللّه علیه قال لو بلغت أمّ حبیبة بنت العباس و اناحی لتزوّجتها فتوفی قبل ان تبلغ فتزوّجها الاسود بن سفیان بن عبد الاسد بن هلال المخزومی ذکره أبو عمرو و روی الدارقطنی تزوّجها الاسود بن عبد الاسد أخو أبی سلمة فولدت له رزق بن الاسود و لبابة بنت الاسود و صفیة و أمینة قاله الدارقطنی ذکره ابن قتیبة و أبو سعد و قالا تمام و کثیر و الحارث و صفیة و أمینة لامهات أولا دشتی و أما أبو عمرو فلم یذکر انثی غیر أمّ حبیبة و قال صاحب الصفوة تمام و کثیر و صفیة و أمیمة أمهم أمّ ولد فجعل أمّ الاربعة واحدة و قال أمیمة و لعله تصحیف من الناسخ و ذکر الدارقطنی ان أمینة تزوّجها عیاش بن عتبة بن أبی لهب فولدت له الفضل الشاعر قال و لا روایة لها و لا لصفیة بنت العباس و أمّ حبیب و أمّ کلثوم روی عنهما محمد بن ابراهیم التیمی ذکر الدارقطنی فی مناقب العباس أمّ کلثوم کذا فی ذخائر العقبی*

(ذکر أبی لهب)* بن عبد المطلب‌

اسمه عبد العزی قیل کناه به أبوه لحسنه و اشراق وجهه و کانت وجنتاه کأنهما تلتهبان النار کذا فی العمدة و جملة أولاده اربعة عتبة و عتیبة و معتب و درة* و فی حدیث أبی هزیرة جاءت سبیعة بنت أبی لهب الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان الناس یقولون أنت بنت حطب النار الحدیث فان کانت سبیعة و درة واحدة فأولاده أربعة و ان کانت غیرها فهم خمسة ثلاثة ذکور و بنتان أسلموا یوم الفتح و لهم صحبة و عتیبة قتله الاسد بالزرقاء کافرا و سیجی‌ء ذکره فی مناقب أمّ کلثوم ابنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الباب الثالث فی السنة الخامسة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم و أما عتبة و معتب فأمهما أمّ جمیل بنت حرب بن أمیة حمالة الحطب أخت أبی سفیان أسلما یوم الفتح و کانا قد هربا من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم روی عبد اللّه بن عباس عن أبیه عباس بن عبد المطلب قال لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة فی عام الفتح قال لی یا عباس أین ابنا أخیک عتبة و معتب لا أراهما قال قلت یا رسول اللّه تنحیا فیمن تنحی من مشرکی قریش فقال اذهب إلیهما فأتنی بهما قال العباس فرکبت إلیهما بعرفة فقلت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یدعو کما فرکبا معی فقد ما علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاهما الی الاسلام فأسلما و بایعا قاله أبو موسی و فی روایة فسرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم باسلامهما و دعا لهما و قال أبو عمرو شهد معتب و عتبة حنینا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فقئت عین معتب بحنین و کانا فیمن ثبت و لم ینهزم و شهدا معه الطائف و لم یخرجا من مکة و لم یأتیا المدینة و لهما عقب* قال الزبیر بن بکار شهد عتبة و عتیبة ابنا أبی لهب حنینا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کانا فیمن ثبت و أقاما بمکة أخرجه أبو عمرو و أبو موسی ان ثبت و ما أراه قول الزبیر یرد علیه کذا فی أسد الغابة و سیجی‌ء ذکر تزوّج عتبة و عتیبة بنتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رقیة و أمّ کلثوم و فراقهما ایاهما قبل الدخول و اما درة بنت أبی لهب فأسلمت و کانت عند نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ولدت له عقبة و الولید و أبا سلمة و روت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* عن أبی هریرة ان سبیعة بنت أبی لهب شکت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذی الناس لها و قولهم بنت حطب النار لعلی هذه اسمها و ذاک لقب لها اذ لم یذکر أبو عمرو و غیره فی أولاده غیر هؤلاء و ذکر الدارقطنی فی کتاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:170
الاخوة و الاخوات فی أولاده عتبة و معتبا و درّة و خالدة و عزة بنو أبی لهب و قال و لا روایة لهما یعنی عزة و خالدة*

(ذکر الاناث من أولاد عبد المطلب)

* أما أم حکیم البیضاء فهی شقیقة عبد اللّه أبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبی طالب و الزبیر و عبد الکعبة و أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ و قد تقدّم ذکرها کانت عند کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس بن عبد مناف ولدت له عامر او بنات لم یذکر عددهنّ و لا أسماءهنّ و لا اسلامهنّ* فی أسد الغابة فولدت له أروی أمّ عثمان و أمّ عامر بن کریز أما غامر فأسلم یوم فتح مکة و بقی الی خلافة عثمان و هو والد عبد اللّه بن عامر بن کریز الذی ولاه عثمان العراق و خراسان و کان عمره اربعا و عشرین سنة ذکره ابو عمرو و اما عاتکة المختلف فی اسلامها فأمها أیضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ فتکون شقیقة عبد اللّه ابی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ابی طالب و کانت تحت أبی أمیّة بن المغیرة المخزومی فولدت له عبد اللّه و زهیرا ابنا أبی أمیّة و کلاهما ابنا عمّ أبی جهل و اخوا أمّ سلمة زوج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لابیها هکذا ذکره ابو عمرو و ذکر أن أمّ أمّ سلمة عاتکة بنت عامر بن ربیعة بن مالک بن خزیمة بن علقمة بن فراس و أن أمّ عبد اللّه و زهیر عاتکة بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اما ابو سعید فذکر فی شرف النبوّة ان أمّ سلمة بنت عمة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عاتکة بنت عبد المطلب فتکون اخت عبد اللّه و زهیر لأبویهما و الاوّل اثبت لان معه زیادة علم و الثانی لعله اشتبه علیه فأما عبد اللّه فأسلم و کان قبل اسلامه شدید العداوة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و للمسلمین و هو الذی قال لن نؤمن لک حتی تفجر لنا من الارض ینبوعا الی أو یکون لک بیت من زخرف ثم انه خرج مهاجرا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلقیه فی الطریق بین السقیا و العرج مریدا لمکة عام الفتح فتلقاه فأعرض النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عنه مرة بعد أخری حتی دخل علی اخته أمّ سلمة و سألها ان تشفع له فشفعت فشفعها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم و حسن اسلامه و شهد مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتح مکة مسلما و حنینا و الطائف فرمی یوم الطائف بسهم فقتل و مات شهیدا و هو الذی قال له المخنث فی بیت أمّ سلمة یا عبد اللّه ان فتح علیکم الطائف غدا فانی أدلک علی ابنة غیلان فانها تقبل باربع و تدبر بثمان و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عندها فقال لا یدخلنّ هذا علیکم* و فی روایة من حدیث عائشة رضی اللّه عنها قالت کان یدخل علی ازواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مخنث قالت و کانوا یعدونه من غیر أولی الاربة فذکرت معنی ما تقدّم و زادت فقال صلّی اللّه علیه و سلم أری هذا ما هاهنا لا یدخل علیکم فحجبوه و قوله تقبل بأربع أی بأربع عکن فی بطنها و تدبر بثمان لان کل عکنة لها طرفان و سیجی‌ء فی غزوة الطائف و اما زهیر بن ابی أمیة فقد عدّ فی المؤلفة قلوبهم* و اما برة بنت عبد المطلب فأمها فاطمة أیضا و کانت عند أبی رهم بن عبد العزی العامری فولدت له ابا سبرة ثم خلف علیها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومی فولدت له ابا سلمة بن عبد الاسد الذی کانت عنده أمّ سلمة قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قیل کانت أوّلا عند عبد الاسد ثم خلف علیها أبو رهم و لم یذکر أبو سعد غیره و الوجهان ذکرهما أبو عمرو و اسم أبی سلمة عبد اللّه اسلم و هاجر الی أرض الحبشة الهجرتین و هو أوّل من هاجر الی الحبشة و معه زوجته أمّ سلمة ثم هاجر الی المدینة و هو أوّل من هاجر إلیها و کانت هجرته قبل بیعة العقبة لما آذته قریش حین قدم من الحبشة و قد بلغه اسلام من أسلم من الانصار فخرج إلیها مهاجرا و شهد بدرا و جرح یوم أحد جرحا اندمل ثم انتقض علیه فمات منه و تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعده زوجته أمّ سلمة عن أمّ سلمة قالت دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی أبی سلمة و قد شق بصره فأغمضه و قال ان الروح اذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من أهله فقال لا تدعوا علی أنفسکم الا بخیر فان
الملائکة تؤمّن علی ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لابی سلمة و ارفع درجته فی المهدیین و اخلفه فی عقبه فی الغابرین و اغفر لنا و له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:171
یا رب العالمین اللهم افسح له فی قبره و نوّر له قبره اخرجاه و خرجه ابو حاتم و قال فی المقرّبین مکان المهدیین* و اما امیمة بنت عبد المطلب فأمها أیضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ و کانت تحت جحش بن رئاب اخی بنی تمیم بن ذود بن اسد بن خزیمة فولدت له عبد اللّه و عبید اللّه و ابا احمد و زینب و أمّ حبیبة و حمنة أولاد جحش بن رئاب اسلموا کلهم و هاجر الذکور الثلاثة الی ارض الحبشة فأما عبید اللّه فتنصر و بانت منه زوجته أمّ حبیبة بنت ابی سفیان بن حرب و مات عبید اللّه علی النصرانیة بالحبشة و تزوّجها رسول اللّه و اما ابو احمد و اسمه عبد و قیل ثمامة و الاوّل اصح کان سلفا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کانت تحته الفارغة بنت ابی سفیان بن حرب اخت أمّ حبیبة و مات بعد وفاة اخته زینب و کانت وفاته سنة عشرین و اما عبد اللّه فهاجر الهجرتین عن الشعبی قال أوّل لواء عقده رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعبد اللّه بن جحش* و قال ابن اسحاق بل لواء عبیدة بن الحارث* و قال المداینی بل لواء حمزة و عبد اللّه هذا أوّل من سنّ الخمس فی الغنیمة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قبل أن یفرض ثم افترض بعد ذلک و انما کان قبل ذلک المرباع و شهد عبد اللّه بدرا و أحدا و استشهد بها و سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة أحد* عن عبد اللّه بن مسعود قال استشار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن جحش و أبا بکر و عمر رضی اللّه عنهم فی أساری بدر* و اما البنات فأسلمن کلهنّ و لهنّ صحبة و تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم منهنّ زینب کما سیجی‌ء و أما حمنة فکانت تحت مصعب بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدری و کان من فضلاء الصحابة فلما قتل تزوّجها طلحة بن عبید اللّه فولدت له محمدا و عمران و هی التی استحیضت و سألت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و حدیثها فی باب الاستحاضة مشهور و اما أمّ حبیبة و یقال أمّ حبیب کانت تحت عبد الرحمن بن عوف و کانت تستحاض أیضا و أهل السیر یقولون المستحاضة حمنة و الصحیح عند أهل الحدیث انهما استحیضتا و قد قیل ان زینب أیضا کانت تستحاض* و أما أروی بنت عبد المطلب المختلف فی اسلامها فأمها صفیة بنت جندب أمّ الحارث بن عبد المطلب و هی شقیقته و کانت تحت عمیر بن وهب ابن عبد بن قصی فولدت له طلیبا ثم خلف علیها کلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصی و أسلم طلیب و کان سببا فی اسلام أمه* و ذکر الواقدی أن طلیبا أسلم فی دار الارقم ثم حرج فدخل علی أمه أروی بنت عبد المطلب فقال تبعت محمدا و أسلمت للّه عز و جلّ فقالت انّ أحق من واددت و عضدت ابن خالک و اللّه لو قدرنا علی ما قدرت علیه الرجال لمنعناه و ذبینا عنه فقال لها طلیب ما یمنعک أن تسلمی و تتبعیه فقد أسلم أخوک حمزة فقالت انظر ما تصنع أخواتی ثم أکون من احداهنّ قال فقلت انی أسألک باللّه الا أتیته فسلمت علیه و صدقته و شهدت أن لا إله الا اللّه قالت فانی أشهد أن لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه ثم کانت بعده تعضد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بلسانها و تحض علی نصرته و القیام بأمره و هذا دلیل قول من قال انها أسلمت و هاجر طلیب الی أرض الحبشة و شهد بدرا فی قول ابن اسحاق و الواقدی* قال الزبیر بن بکار کان طلیب من المهاجرین الاوّلین شهد بدرا و قتل باجنادین شهیدا و لا عقب له و قال مصعب قتل یوم الیرموک* و أما صفیة بنت عبد المطلب فأسلمت باتفاق و شهدت الخندق و قتلت رجلا من الیهود و ضرب لها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بسهم و روت عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حدیثا واحدا رواه عنها ابنها الزبیر بن العوام ذکر ذلک الدارقطنی أمها هالة بنت وهیب بن عبد مناف بن زهرة شقیقة حمزة و المقوّم و حجل و کانت فی الجاهلیة تحت الحارث بن حرب بن أمیة بن عبد شمس ثم هلک عنها فخلف علیها العوام بن خویلد اخو خدیجة بنت خویلد زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فولدت له الزبیر و السائب و عبد الکعبة* و
لما مات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رثته بأبیات منها هذا البیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:172 ألا یا رسول اللّه کنت رجاءناو کنت بنا برّا و لم تک جافیا و ستجی‌ء فی الموطن الحادی عشر فی وفاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بتمامها روی هذه الابیات الحافظ السلفی بسنده عن هشام بن عروة و توفیت صفیة بالمدینة فی خلافة عمر سنة عشرین و لها ثلاث و سبعون سنة و دفنت بالبقیع و یقال بفناء دار المغیرة بن شعبة*

ذکر الزبیر بن العوّام‌

اشارة

و أما ابنها الزبیر فأسلم قدیما و هو ابن ثمان سنین و قیل ابن ست عشرة سنة و هاجر الی أرض الحبشة الهجرتین جمیعا و لم یتخلف عن غزوة غزاها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو أوّل من سل سیفا فی سبیل اللّه و کان علیه یوم بدر ریطة صفراء معتجرا بها و کان علی المیمنة فنزلت الملائکة علی سیماه و ثبت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد و بایعه علی الموت* (ذکر صفته)* کان أبیض طویلا و یقال لم یکن بالطویل و لا بالقصیر الی الخفة فی اللحم ما هو و یقال کان أسمر اللون أشعر خفیف العارضین* (ذکر أولاده)* کان له من الولد عبد اللّه و عروة و المنذر و عاصم و المهاجر و خدیجة الکبری و أمّ الحسن و عائشة أمهم أسماء بنت أبی بکر و خالد و عمرو و حبیبة و سودة و هند أمهم أمّ خالد و هی أمة اللّه بنت خالد بن سعید بن العاص و مصعب و حمزة و رملة أمهم الرباب بنت أنیف بن عبید و عبیدة و جعفر أمهما زینب أمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط و خدیجة الصغری أمها الحلال بنت قیس* و عن أبی الاسود قال أسلم الزبیر ابن العوّام و هو ابن ثمان سنین و هاجر و هو ابن ثمانی عشرة سنة و کان عمّ الزبیر یجعل الزبیر فی حصر و یدخن علیه بالنار و هو یقول له ارجع الی الکفر فیقول الزبیر لا أکفر أبدا* و عن أبی الاسود محمد بن عبد الرحمن نوفل قال کان اسلام الزبیر بعد أبی بکر رابعا أو خامسا* و عن عبد اللّه بن الزبیر قال جمع لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبویه یوم أحد یقول فداک أبی و أمی أخرجاه فی الصحیحین عن جابر بن عبد اللّه قال لما کان یوم الخندق ندب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الناس فانتدب الزبیر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لکل نبیّ حواری و حواریّ الزبیر أخرجاه فی الصحیحین عن سعید بن المسیب قال أوّل من سل سیفا فی ذات اللّه الزبیر بن العوّام بینما هو فی مکة اذ سمع نغمة أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قد قتل فخرج عریانا ما علیه شی‌ء فی یده السیف صلتا فتلقاه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کفة کفة فقال له مالک یا زبیر قال سمعت انک قد قتلت قال فما کنت صانعا قال أردت و اللّه ان استعرض أهل مکة فدعا له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و عن مصعب بن الزبیر قال قاتل الزبیر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو ابن اثنتی عشرة سنة فکان یحمل علی القوم* عن نهیک قال کان للزبیر ألف مملوک یؤدّون الضریبة لا یدخل بیت ماله منها درهم یقول یتصدّق بها* و فی روایة اخری فکان یقسمه کل لیلة ثم یقوم الی منزله و لیس معه منها شی‌ء و عن علیّ بن زید قال أخبرنی من رأی الزبیر و ان فی صدره کأمثال العیون من الطعن و الرمی*

(ذکر مقتله)

* قتل الزبیر یوم الجمل و هو ابن خمس و سبعین سنة و یقال ستین و یقال بضع و خمسین و یقال نیف و ستین قتله ابن جرموز* و عن ذر قال استأذن ابن جرموز علی علیّ و أنا عنده فقال علی بشر قاتل ابن صفیة بالنار ثم قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول لکل نبی حواری و حواریّ الزبیر* و عن عبد اللّه بن الزبیر قال جعل الزبیر یوم الجمل یوصینی بدینه و یقول ان عجزت عن شی‌ء منه فاستعن علیه بمولای فقال فو اللّه ما دریت ما أراد حتی قلت یا أبت من مولاک قال اللّه قال و اللّه ما وقعت فی کربة من دینه الا قلت یا مولی الزبیر اقض عنه فیقضیه و انما کان دینه الذی علیه ان الرجل کان یأتیه بالمال فیستودعه ایاه فیقول الزبیر لا و لکنه سلف فانی أخشی علیه الضیعة قال فحسب ما علیه من الدین فوجدته ألفی ألف و مائتی ألف فقتل و لم یدع دینارا و لا درهما الا أرضین بعتها و قضیت دینه فقال بنو الزبیر فاقسم بیننا میراثنا قلت لا و اللّه لا اقسم بینکم حتی أنادی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:173
بالموسم أربع سنین ألا من کان له علی الزبیر دین فلیأتنا فلنقضه فجعل کل سنة ینادی بالموسم فلما مضی أربع سنین قسم بینهم و کان للزبیر أربع نسوة فأصاب کل امرأة ألف ألف و مائتا ألف انفرد باخراج هذا الحدیث البخاری کذا فی الصفوة* و أما السائب بن صفیة فأسلم و شهد أحدا و الخندق و سائر المشاهد مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قتل یوم الیمامة شهیدا* و أما عبد الکعبة فذکره أبو عمرو فی أولاد صفیة کذا فی ذخائر العقبی*

(ذکر قتل شعیاء و تخریب بخت نصر بیت المقدس و قصة قتل زکریا و یحیی)

* فی معالم التنزیل قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان بنی اسرائیل لما اعتدوا و قتلوا الأنبیاء بعث اللّه علیهم ملک فارس بخت نصر و کان اللّه ملکه سبعمائة سنة فسار إلیهم حتی حل بیت المقدس فحاصرها و فتحها و قتل علی دم یحیی بن زکریا سبعین ألفا ثم سبی أهلها* و فی العمدة قتل مائتی ألف و سبعین ألفا و سبی مثل ذلک و أحرق التوراة و خرب بیت المقدس* و فی أنوار التنزیل و غیره ان اللّه تعالی أوحی الی بنی اسرائیل فی التوراة انکم لتفسدنّ فی الارض مرّتین افساد المرّة الاولی مخالفتهم أحکام التوراة و قتل شعیا و ثانیتهما قتل زکریا و یحیی و قصد قتل عیسی علیه السلام* و فی المدارک أولاهما قتل زکریا و حبس أرمیا علیهما السلام حین أنذرهم بسخط اللّه و الاخیرة قتل یحیی بن زکریا و قصد قتل عیسی علیهم السلام قیل و فی کون أولاهما قتل زکریا نظر و قیل روایة من روی أن بخت نصر غزا بنی اسرائیل عند قتل یحیی بن زکریا غلط عند أهل السیر بل هم مجمعون علی أن بخت نصر غزا بنی اسرائیل عند قتلهم شعیا فی عهد أرمیا و من وقت أرمیا و تخریب بخت نصر بیت المقدس الی مولد یحیی بن زکریا اربعمائة و إحدی و ستون سنة و ذلک انه من لدن تخریب بخت نصر الی حین عمرانه فی عهد کرش بن اخشورش أصبهبد بابل من قبل بهمن بن اسفندیار بن کشتاسف بن لهراسف سبعون سنة ثم بعد عمرانه الی ظهور الاسکندر علی بیت المقدس ثمان و ثمانون سنة ثم بعد مملکته الی مولد یحیی بن زکریا ثلاثمائة و ثلاث و ستون سنة و الصحیح ما قاله محمد بن اسحاق من ان افسادهم فی المرّة الاولی قتل شعیا بن الشجرة و ارتکابهم المعاصی و قوله تعالی بعثا علیکم عبادا لنا* قال ابن اسحاق هم بخت نصر البابلی و أصحابه و هو الاظهر و اللّه أعلم* و فی أنوار التنزیل هم بخت نصر عامل لهراسب علی بابل و جنوده و قیل جالوت الجزری و قیل سنجاریب من أهل ینوی* و فی الکشاف سنحاریب یروی بالجیم و بالحاء المهملة* و فی لباب التأویل قال ابن اسحاق کانت بنو اسرائیل فیهم الاحداث و الذنوب و کان اللّه فی ذلک متجاوزا عنهم محسنا إلیهم و کان أوّل ما نزل بهم بسبب ذنوبهم أن ملکا منهم کان یدعی صدیقة و کان اللّه تعالی اذا ملک علیهم ملکا بعث معه نبیا یسدّده و یرشده و لا ینزل علیه کتابا انما یؤمرون باتباع التوراة و الاحکام التی فیها فلما ملک صدیقة بعث اللّه معه شعیا بن أمضیا و ذلک قبل مبعث زکریا و یحیی و عیسی و شعیا هو الذی بشر بعیسی و محمد علیهما السلام فقال ابشر أو روی شلم و هو اسم بیت المقدس ألا انه یأتیک راکب الحمار و بعده صاحب البعیر فملک ذلک الملک یعنی صدیقة بنی اسرائیل و بیت المقدس زمانا فلما انقضی ملکه عظمت الاحداث بینهم و کان معه شعیا فبعث اللّه سنجاریب ملک بابل و معه ستمائة ألف رایة فلم یزل سائرا حتی نزل حول بیت المقدس و الملک صدیقة مریض من قرحة کانت فی ساقه فجاء شعیا النبیّ إلیه و قال یا ملک بنی اسرائیل ان سنجاریب ملک بابل قد نزل بک هو و جنوده و قدها بهم الناس و فرقوا منهم فکبر ذلک علی الملک و قال یا نبیّ اللّه هل أتاک من اللّه وحی فیما حدث فتخبرنا به و کیف یفعل اللّه بنا و بسنجاریب و جنوده فقال شعیا لم یأتنی وحی فی ذلک و بینما هم علی ذلک أوحی اللّه الی شعیا النبیّ ان ائت ملک بنی اسرائیل فمره أن یوصی وصیته و یستخلف علی ملکه من یشاء من أهل بیته فأتی شعیا ملک بنی اسرائیل فقال ان ربک قد أوحی الیّ أن آمرک أن توصی وصیتک و تستخلف من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:174
شئت من أهل بیتک علی ملکک فانک میت فلما قال ذلک شعیا لصدیقه الملک أقبل علی القبلة فصلی و دعا فقال و هو یبکی و یتضرّع الی اللّه یقلب مخلص اللهم رب الارباب و إله الآلهة یا قدّوس المقدّس یا رحمن یا رحیم یا رءوف الذی لا تأخذه سنة و لا نوم اذکرنی بعملی و فعلی و حسن قضائی علی بنی اسرائیل و ذلک کله کان منک و أنت أعلم به منی سرّی و علانیتی لک فاستجاب اللّه له و کان عبدا صالحا فأوحی اللّه الی شعیا أن یخبر صدیقة ان ربه قد استجاب له و رحمه و أخر أجله خمس عشرة سنة و أنجاه من عدوّه سنجاریب فأتاه شعیا فأخبره فلما قال له ذلک انقطع عنه الحزن و خرّ ساجدا و قال الهی و إله آبائی لک سجدت و سبحت و کرّمت و عظمت أنت الذی تعطی الملک من تشاء و تنزع الملک ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء عالم الغیب و الشهادة أنت الاوّل و الآخر و الظاهر و الباطن و أنت ترحم و تستجیب دعوة المضطرّین أنت الذی اجبت دعوتی و رحمت تضرّعی فلما رفع رأسه اوحی اللّه الی شعیا ان قل للملک صدیقة فیامر عبدا من عبیده فیأتیه بماء التین فیجعله علی قرحته فیشفی فیصبح و قد برأ ففعل ذلک فشفی فقال الملک لشعیا سل ربک أن یجعل لنا علما بما هو صانع بعدوّنا هذا قال اللّه لشعیا قل له انی قد کفیتک عدوّک و انجیتک منهم فانهم سیصبحون موتی کلهم الا سنجاریب و خمسة نفر من کتابه فلما أصبحوا جاء صارخ یصرخ علی باب المدینة یا ملک بنی اسرائیل ان اللّه قد کفاک عدوّک فاخرج فان سنجاریب و من معه هلکوا فخرج الملک و التمس سنجاریب فلم یوجد فی الموتی فبعث الملک فی طلبه فأدرکه الطلب فی مغارة و معه خمسة نفر من کتابه أحدهم بخت نصر فجعلوهم فی الجوامع ثم أتوا بهم الملک فلما رآهم خرّ ساجدا للّه تعالی من حین طلعت الشمس الی العصر ثم قال لسنجاریب کیف رأیت فعل ربنا بکم أ لم یقتلکم بحوله و قوّته و نحن و أنتم غافلون* فقال سنجاریب قد أتانی خبر ربکم و نصره ایاکم و رحمته التی یرحمکم بها قبل ان أخرج من بلادی فلم أطع مرشدا و لم یلقنی فی الشقوة الا قلة عقلی فلو سمعت أو عقلت ما غزوتکم فقال الملک صدیقة الحمد للّه رب العالمین الذی کفاناکم بما شاء ان ربنا لم یبقک و من معک للکرامة بک و لکنه انما أبقاک و من معک لتزدادوا شقوة فی الدنیا و عذابا فی الآخرة و لتخبروا من وراءکم بما رأیتم من فعل ربنا بکم فتنذروا من بعدکم و لو لا ذلک لقتلتک و من معک ولد مک و دم من معک أهون علی اللّه من دم قراد لو قتلت* ثم ان ملک بنی اسرائیل أمر أمیر حرسه أن یقذف فی رقابهم الجوامع ففعل و طاف بهم سبعین یوما حول بیت المقدس و ایلیا و کان یرزقهم فی کل یوم خبزتین من شعیر فقال سنجاریب للملک صدیقة القتل خیر مما یفعل بنا فأمر بهم الی السجن فأوحی اللّه الی شعیا النبیّ ان قل لملک بنی اسرائیل یرسل سنجاریب و من معه لینذروا من وراءهم و لیکرمهم و لیحملهم حتی یبلغوا بلادهم فبلغ ذلک شعیا للملک ففعل فخرج سنجاریب و من معه حتی قدموا بابل فلما قدموا جمعوا الناس فأخبروهم کیف فعل اللّه تعالی بجنوده فقال له کهانه و سحرته یا ملک بابل قد کنا نقص علیک خبر ربهم و خبر نبیهم و وحی اللّه الی نبیهم فلم تطعنا و هی أمة لا یستطیعها أحد مع ربهم و کان أمر سنجاریب تخویفا لبنی اسرائیل ثم کفاهم اللّه تعالی ذلک تذکرة و عبرة ثم ان سنجاریب لبث بعد ذلک سبع سنین ثم مات و استخلف علی ملکه ابن ابنه بخت نصر فعمل بعمله و قضی بقضائه فلبث سبع عشرة سنة* ثم قبض اللّه ملک بنی اسرائیل صدیقة فخرج أمراء بنی اسرائیل فتنافسوا فی الملک حتی قتل بعضهم بعضا و شعیا نبیهم معهم لا یقبلون منه فلما فعلوا ذلک قال اللّه لشعیا قم فی قومک أوح علی لسانک و لما قام أنطق اللّه لسانه بالوحی و ألهمه فی الوقت خطبة بلیغة بین لهم فیها ثواب الطاعة و عقاب المعصیة و وعظهم و ناصحهم و أمرهم بالمعروف و نهاهم عن المنکر و بشر فیها بنبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و بین سیرته و سیرة أمته و لما فرغ من مقالته عدوا علیه
لیقتلوه فهرب منهم فلقیته شجرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:175
فانغلقت له فدخل فیها فأدرکه الشیطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم ایاها فوضعوا المنشار فی وسطها فنشروها حتی قطعوها و قطعوه فی وسطها و مثل هذا منقول فی قتل زکریا أیضا کما سیجی‌ء و استخلف اللّه علی بنی اسرائیل بعد ذلک رجلا یقال له ناشیة بن أموص و بعث لهم أرمیا بن حلقیا نبیا و کان من سبط هارون بن عمران و ذکر ابن اسحاق انه الخضر و اسمه ارمیا سمی الخضر لانه جلس علی فروة بیضاء فقام عنها و هی تهتز خضراء فبعث اللّه أرمیا الی ذلک الملک یسدّده و یرشده ثم عظمت الاحداث فی بنی اسرائیل و رکبوا المعاصی و استحلوا المحارم فأوحی اللّه الی أرمیا أن ائت قومک من بنی اسرائیل فاقصص علیهم ما آمرک به و ذکرهم نعمتی و عرّفهم باحداثهم فقال أرمیا انی ضعیف ان لم تقوّنی عاجز ان لم تبلغنی مخذول ان لم تنصرنی* قال اللّه تعالی أ و لم تعلم أن الامور کلها تصدر عن مشیئتی و ان القلوب و الالسنة بیدی أقلبها کیف شئت انی معک و لن یصل إلیک شی‌ء و انا معک فقام أرمیا و لم یدر ما یقول فألهمه اللّه عز و جل فی الوقت خطبة بلیغة بین لهم فیها ثواب الطاعة و عقاب المعصیة و قال فی آخرها عن اللّه عز و جل و انی جلفت بعزتی لا قضین لهم فتنة یتحیر فیها الحلیم و لأسلطنّ علیهم جبارا قاسیا ألبسه الهیبة و أنزع من صدره الرحمة یتبعه عدد مثل سواد اللیل المظلم* ثم أوحی اللّه الی أرمیا انی مهلک بنی اسرائیل بیافث و یافث أهل بابل فسلط علیهم بخت نصر فخرج فی ستمائة ألف رایة و دخل بیت المقدس و أمر جنوده أن یملأ کل رجل منهم ترسه ترابا ثم یقذفه فی بیت المقدس ففعلوا حتی ملؤه ثم أمرهم أن یجمعوا من فی بلدان بیت المقدس کلهم فاجتمع عنده کل صغیر و کبیر من بنی اسرائیل فاختار منهم سبعین ألف صبی فلما خرجت غنائم جنده و أراد أن یقسمها فیهم قالت له الملوک الذین کانوا معه أیها الملک لک غنائمنا کلها و اقسم بیننا هؤلاء الصبیان الذین اخترتهم من بنی اسرائیل فقسمهم بین الملوک الذین کانوا معه فأصاب کل رجل منهم أربعة غلمة و فرّق من بقی من بنی اسرائیل ثلاث فرق ثلثا أقرّ بالشام و ثلثا سبی و ثلثا قتل و ذهب بابنه بیت المقدس و بالصبیان السبعین ألف حتی قدم بابل و کانت هذه الوقعة الاولی التی أنزل اللّه عز و جل ببنی اسرائیل بظلمهم فذلک قوله تعالی فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا علیکم عبادا لنا أولی بأس شدید یعنی بخت نصر و أصحابه* ثم ان بخت نصر اقام فی سلطانه ما شاء اللّه ثم رأی رؤیا عجیبة اذ رأی شیئا أصابه فأنساه الذی رأی و سألهم عنها فدعا دانیال و حنانیا و عزاریا و میشائل و کانوا من ذراری الأنبیاء و سألهم عنها فقالوا أخبرنا بها نخبرک بتأویلها قال ما أذکرها و لئن لم تخبرونی بها و بتأویلها لانزعنّ أکتافکم فخرجوا من عنده فدعوا اللّه و تضرّعوا إلیه فأعلمهم اللّه الذی سألهم عنه فجاءوه فقالوا رأیت تمثالا قدماه و ساقاه من فخار و رکبتاه و فخذاه من نحاس و بطنه من فضة و صدره من ذهب و رأسه و عنقه من حدید قال صدقتم قال فبینما تنظر إلیه و قد أعجبک أرسل اللّه صخرة من السماء فدقته فهی التی أنستکها قال صدقتم فما تأویلها قالوا تأویلها انک أریت ملک الملوک بعضهم کان ألین ملکا و بعضهم کان أحسن ملکا و بعضهم کان أشدّ ملکا الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلک و أفضل و الذهب أحسن من الفضة و أفضل ثم الحدید ملکک فهو أشدّ و اعز مما کان قبله و الصخرة التی رأیت أرسل اللّه من السماء فدقته نبی یبعثه اللّه من السماء فیدق ذلک اجمع و یصیر الامر إلیه ثم ان أهل بابل قالوا البخت نصر أ رأیت هؤلاء الغلمان من بنی اسرائیل الذی سألناک أن تعطیناهم ففعلت فانا قد أنکرنا نساءنا منذ کانوا معنا لقد رأینا نساءنا انصرفت وجوههم عنا إلیهم فأخرجهم من بین اظهرنا أو اقتلهم فقال شأنکم بهم فمن احب ان یقتل من کان فی یده فلیفعل فلما قربوهم للقتل بکوا و تضرّعوا الی اللّه عز و جل و قالوا یا ربنا أصابنا البلاء بذنوب غیرنا فوعدهم ان یحییهم فقتلوا الا من کان منهم مع بخت نصر منهم دانیال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:176
و حنانیا و عزاریا و میشائل* ثم لما أراد اللّه تعالی هلاک بخت نصر انبعث فقال لمن فی یدیه من بنی اسرائیل أ رأیتم هذا البیت الذی اخربت و الناس الذین قتلت من هم و ما هذا البیت قالوا هذا بیت اللّه و هؤلاء أهله کانوا من ذراری الأنبیاء فظلموا و تعدّوا فسلطت علیهم بذنوبهم و کان ربهم رب السموات و الارض و رب الخلائق کلهم یکرمهم و یعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلکهم اللّه و سلط علیهم غیرهم فاستکبر بخت نصر و تجبر و ظنّ أنه بجبروته فعل ذلک ببنی اسرائیل* قال فأخبرونی کیف لی أن أطلع الی السماء العلیا فأقتل من فیها و اتخذها ملکا فانی قد فرغت من أهل الارض قالوا ما یقدر علیها أحد من الخلائق قال لتفعلنّ أو لأقتلنکم عن آخرکم فبکوا و تضرّعوا الی اللّه عز و جل فبعث اللّه عز و جل بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتی عضت أمّ دماغه فما کان یقرّ و لا یسکن حتی یوجأ له رأسه علی أمّ دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة علی أمّ رأسه لیری اللّه العباد قدرته و نجی اللّه من بقی من بنی اسرائیل فی یده و ردّهم الی الشام فبنوا فیه و کثروا حتی کانوا علی أحسن ما کانوا علیه و یزعمون ان اللّه تعالی احیا أولئک الذین قتلوا فلحقوا بهم ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها و لیس معهم من اللّه عهد کانت التوراة قد احترقت و کان عزیر من السبایا الذین کانوا ببابل فلما رجع الی الشام جعل یبکی لیله و نهاره و خرج عن الناس فبینا هو کذلک اذ جاء رجل فقال له یا عزیر ما یبکیک قال أبکی علی کتاب اللّه و عهده الذی کان بین أظهرنا الذی لا یصلح دیننا و آخرتنا غیره قال أ فتحب أن یردّ إلیک ارجع فصم و تطهر و طهر ثیابک ثم موعدک هذا المکان غدا فرجع عزیر فصام و تطهر و طهر ثیابه ثم عمد الی المکان الذی وعده فجلس فیه فأتی ذلک الرجل باناء فیه ماء و کان ملکا بعثه اللّه إلیه فسقاه الملک من ذلک الاناء فمثلت له التوراة فی صدره فرجع الی بنی اسرائیل فوضع لهم التوراة فأحبوه حبا لم یحبوا حبه شیئا قط* ثم قبضه اللّه تعالی فجعلت بنو اسرائیل بعد ذلک یحدثون الاحداث و یعود اللّه علیهم و یبعث فیهم الرسل ففریقا یکذبون و فریقا یقتلون حتی کان آخر من بعث إلیهم من انبیائهم زکریا و یحیی و عیسی علیهم السلام و کانوا من بیت آل داود فزکریا مات و قیل قتل و المشهور انه نشر بالمنشار و قصدوا عیسی لیقتلوه فرفعه اللّه من بین أظهرهم و قتلوا یحیی و سیجی‌ء کیفیة قتله فلما فعلوا ذلک بعث اللّه علیهم ملکا من ملوک بابل یقال له خردوش فصار إلیهم بأهل بابل حتی دخل علیهم الشام فلما ظهر علیهم أمر رأسا من رؤساء جنوده یقال له بیورزاذان صاحب القتل فقال له انی کنت قد حلفت بالهی لئن أنا طفرت علی أهل بیت المقدس لاقتلنهم حتی یسیل الدم فی وسط عسکری فأمره أن یقتلهم حتی یبلغ ذلک منهم* ثم ان بیورزاذان دخل بیت المقدس فقام فی البقعة التی کانوا یقربون فیها قربانهم فوجد دما یغلی فسألهم عنه فقال یا بنی اسرائیل ما شأن هذا الدم یغلی أخبرونی خبره فقالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم یقبل منا فلذلک یغلی و لقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة فتقبل منا الا هذا فقال ما صدقتمونی فقالوا لو کان کأوّل زماننا لقبل منا و لکن قد انقطع منا الملک و النبوّة و الوحی فلذلک لم یقبل منا فذبح بیورزاذان منهم علی ذلک الدم سبعمائة و سبعین روحا من رءوسهم فلم یهدأ الدم فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم علی الدم فلم یهدأ فأمر بسبعة آلاف من شیبهم و أزواجهم فذبحهم علی الدم فلم یهدأ* فلما رأی بیورزاذان ان الدم لا یهدأ قال لهم یا بنی اسرائیل ویلکم أصدقونی و اصبروا علی أمر ربکم فقد طال ما ملکتم فی الارض تفعلون ما شئتم قبل أن لا أترک منکم نافخ نار من ذکر و لا انثی الا قتلته فلما رأوا الجهد و شدّته صدقوه الخبر فقالوا ان هذا دم نبیّ کان ینهانا عن امور کثیرة من سخط اللّه فلو کنا اطعناه کنا أرشدنا و کان یخبرنا عن امرکم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه قال لهم بیورزاذان ما کان اسمه قالوا یحیی بن زکریا قال الآن صدقتمونی لمثل هذا ینتقم ربکم منکم* فلما رأی بیورزاذان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:177
انهم صدقوه خرّ ساجدا و قال لمن حوله أغلقوا أبواب المدینة و أخرجوا من کان هاهنا من جیش خردوش و خلافی بنی اسرائیل ثم قال یا یحیی بن زکریا یا قد علم ربی و ربک ما أصاب قومک من أجلک و ما قتل منهم فاهدأ باذن ربک قبل أن لا أبقی من قومک أحدا فهدأ الدم باذن اللّه تعالی و رفع بیورزاذان عنهم القتل و قال آمنت بما آمنت به بنو اسرائیل و أیقنت انه لا رب غیره و قال لبنی اسرائیل ان خردوش أمرنی أن أقتل منکم حتی تسیل دماؤکم وسط عسکره و انی لا أستطیع أن اعصیه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فخندقوا خندقا و أمرهم بأموالهم من الخیل و البغال و الحمیر و الابل و البقر و الغنم فذبحها حتی سال الدم فی العسکر و امر بالقتلی الذین قتلوا قبل ذلک فطرحوا علی ما قتلوا من المواشی فلم یظنّ خردوش الا أن ما فی الخندق من دماء بنی اسرائیل فلما بلغ الدم عسکره ارسل الی بیورزاذان أن ارفع عنهم القتل ثم انصرف الی بابل و قد أفنی بنی اسرائیل أولاد و هی الوقعة الاخیرة التی انزل اللّه ببنی اسرائیل فی قوله لتفسدن فی الارض مرّتین فکانت الوقعة الاولی بخت نصر و جنوده و الاخیرة خردوش و جنوده و کانت اعظم الوقعتین فلم یقم لهم بعد ذلک رایة و انتقل الملک بالشام و نواحیها الی الروم و الیونانیین الا أن بقایا بنی اسرائیل کثیر و کانت لهم الرئاسة ببیت المقدس و نواحیها علی وجه الملک و کانوا فی نعمة الی أن بدلوا و أحدثوا فسلط اللّه علیهم ططوس بن اسبیانوس الرومی فأخرب بلادهم و طردهم منها و نزع اللّه عنهم الملک و الرئاسة و ضرب علیهم الذلة فلیسوا فی أمة الا و علیهم الصغار و الجزیة فبقی بیت المقدس خرابا الی خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره* روی أن زکریا بن برخیا و عمران بن ماثان کانا متزوّجین بأختین احداهما عند زکریا و هی أشاع بنت فاقوذ أمّ یحیی و الاخری عند عمران و هی حنة بنت فاقوذ أمّ مریم أمّ عیسی* و فی العرائس و المختصر أن بنی اسرائیل اتهموا زکریا بمریم فهرب منهم فدخل من خوفه جوف شجرة فقطعوها بالمنشار و فلقوها به فلقتین طولا و یقال انه مات موتا و کان زکریا ابن برخیا من ولد سلیمان بن داود علیهما السلام* و فی الکامل لما قتل یحیی علیه السلام و سمع أبوه بقتله فرّ هاربا فدخل بستانا عند بیت المقدس فیه اشجار فأرسل الملک فی طلبه فمرّ زکریا بشجرة فنادته الیّ یا نبیّ اللّه فلما أتاها انشقت فدخلها و انطبقت علیه فبقی فی وسطها فأتی عدوّ اللّه ابلیس لعنه اللّه فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة لیصدّقوه اذا أخبرهم ثم لقی الطلب فقال لهم ما تریدون فقالوا نلتمس زکریا فقال انه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها فقالوا لا نصدّقک قال انی آتی بعلامة تصدّقونی بها و أراهم طرف ردائه فقطعوا الشّجرة و شقوها بالمنشار فمات زکریا فیها*

سبب قتل یحیی علیه السلام‌

و قیل فی سبب قتل یحیی علیه السلام ان ملک بنی اسرائیل کان یکرمه و یدنی مجلسه و ان الملک هوی بنت امرأته و قال ابن عباس ابنة أخیه فسأل یحیی تزویجها فنهاه عن نکاحها فبلغ ذلک أمها فحقدت علی یحیی و عمدت حین جلس الملک علی شرابه فألبستها ثیابا رقاقا حمرا و طیبتها و ألبستها الحلی و أرسلتها الی الملک و أمرتها أن تسقیه فان رادوها عن نفسها أبت علیه حتی یعطیها ما سألته فاذا أعطاها ما سألت سألت رأس یحیی بن زکریا أن یؤتی به فی طست ففعلت فلما راودها قالت لا أفعل حتی تعطینی ما أسألک قال فما تسألینی قالت رأس یحیی بن زکریا فی هذا الطست فقال ویحک سلینی غیر هذا قالت ما ارید غیر هذا فلما أبت علیه بعث فأتی برأسه حتی وضع بین یدیه و الرأس تتکلم تقول لا یحل لک فلما أصبح اذا دمه یغلی فأمر بتراب فألقی علیه فرقی الدم یغلی فلا زال یلقی علیه التراب و هو یغلی حتی بلغ سور المدینة و هو فی ذلک یغلی و یرقی فسلط اللّه علیهم ملک بابل خردوش فخرب بیت المقدس و قتل سبعین ألفا حتی سکن هکذا ذکر فی لباب التأویل و اما فی غیره فقد ذکر وجه آخر فی قتله و ذکر بعض احواله و جاء فی الخبر ان الشمس بکت علی یحیی علیه السلام اربعین صباحا و کان بکاؤها ان طلعت حمراء و غربت حمراء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:178
و یروی أن یحیی بن زکریا سید الشهداء یوم القیامة و قائدهم الی الجنة و ذابح الموت یوم القیامة* و فی الفتوحات قال الشارع و هو الصادق صاحب العلم الصحیح و الکشف الصریح ان الموت یجاء به یوم القیامة فی صورة کبش أملح یعرفه الناس و لا ینکره أحد فیذبح بین الجنة و النار و روی أن یحیی علیه السلام هو الذی یضجعه و یذبحه بشفرة تکون فی یده و الناس ینظرون إلیه* و فی معالم التنزیل ذکر وهب بن منبه ان اللّه مسخ بخت نصر نسرا فی الطیر ثم مسخه ثورا فی الدواب ثم مسخه أسدا فی الوحوش و کان مسخه اللّه سبع سنین و قلبه فی ذلک قلب انسان ثم ردّ اللّه إلیه ملکه فآمن فسئل وهب أ کان بخت نصر مؤمنا قال وجدت أهل الکتاب اختلفوا فیه فمنهم من قال مات مؤمنا و منهم من قال احرق بیت المقدس و کتبه و قتل الأنبیاء فغضب اللّه علیه فلم یقبل توبته و ذکر السدّی هلاک بخت نصر بوجه آخر غیر ما ذکر من اهلاک البعوضة فقال لما رجع الی صورته بعد المسخ و ردّ اللّه إلیه ملکه کان دانیال و أصحابه أکرم الناس فحسدهم المجوس و قالوا لبخت نصر ان دانیال اذا شرب خمرا لم یملک نفسه أن یبول و کان ذلک عارا عندهم فجعل لهم طعاما و شرابا فأکلوا و شربوا و قال للبوّاب انظر أوّل من یخرج یبول فاضربه بالطیر زین فان قال لک أنا بخت نصر فقل له کذبت بخت نصر أمرنی فکان أوّل من قام للبول بخت نصر فلما رآه البوّاب شدّ علیه فقال أنا بخت نصر فقال کذبت بخت نصر أمرنی فضربه فقتله*

نقش خاتم دانیال‌

و فی نهایة الکفایة فی شرح الهدایة کان علی خاتم دانیال صورة أسد و لبوة بوزن سمرة و هی انثی الاسد و بینهما صبی یلحسانه فلما نظر إلیه عمر اغر و رقت عیناه أی دمعتا و أصل ذلک ان بخت نصر حیث استولی أخبر أن بعض ما یولد فی زمانک یقتلک فکان یتتبع قتل الصبیان فیقتلهم فلما ولد دانیال ألقته أمه فی غیضة رجاء أن ینجو من القتل فقیض اللّه تعالی له اسدا یحفظه و لبوة ترضعه و هما یلحسانه فأراد دانیال بهذا النقش علی خاتمه أن یحفظ منة اللّه علیه* و فی حیاة الحیوان قالوا قبر دانیال بنهر السوس و وجده أبو موسی الاشعری فأخرجه و کفنه و صلّی علیه ثم قبره بنهر السوس و أجری علیه الماء* و عن أبی الزناد أنه قال رأیت فی ید أبی بردة بن أبی موسی الاشعری خاتما نقش فصه أسدان بینهما رجل و هما یلحسانه قال أبو بردة هذا خاتم دانیال أخذه أبو موسی الاشعری حین وجده یوم دفنه‌

* (ذکر ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب ثانیا)

* و کانت مدفونة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا یعرف مکانها کما یجی‌ء* و فی سیرة مغلطای سمیت زمزم بذلک لانها زمت بالتراب أو لزمزمة الماء فیها* و فی سیرة ابن هشام و هی دفن بین صنمی قریش اساف و نائلة عند منحر قریش کانت جرهم دفنتها حین ظعنوا من مکة و هی بئر اسماعیل بن ابراهیم التی سقاه اللّه حین ظمئ و هو صغیر فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت علی الصفا تدعو اللّه و تستسقیه لإسماعیل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلک و بعث اللّه جبریل فهمزها بعقبه فی الارض فظهر الماء و سمعت أمه أصوات السباع فخافت علیه فأقبلت تشتدّ نحوه فوجدته یفحص بیدیه عن الماء تحت خدّه و یشرب فجعلته حبسا کما مرّ فی ابتداء ظهور زمزم* و فی المواهب اللدنیة أن الجرهمی عمرو بن الحارث لما أحدث قومه بحرم اللّه الحوادث قیض اللّه لهم من أخرجهم من مکة فعمد عمرو الی نفائس فجعلها فی زمزم و بالغ فی طمها و فرّ الی الیمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلک العهد مجهولة الی ان رفعت الحجب برؤیا منام رآها عبد المطلب دلته علی حفرها بامارات علیها قال ابن هشام فی سیرته حدّثنا زیاد بن عبد اللّه البکائی عن محمد بن اسحاق المطلبی قال بینما عبد المطلب بن هاشم نائم فی الحجر اذ أتی فأمر بحفر زمزم* و فی روایة ان زمزم بقیت منطمسة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا یعرف مکانها الی أن بلغت نوبة حکومة مکة و رئاسة أهلها عبد المطلب و تعلقت ارادة اللّه القدیمة باظهارها فأمر عبد المطلب فی المنام بحفرها* و فی سیرة ابن هشام کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:179
أوّل ما بدأ به عبد المطلب من حفرها کما روی عن عبد اللّه بن زریق الغافقی أنه سمع علیّ بن أبی طالب یحدث حدیث زمزم حین أمر عبد المطلب بحفرها* قال قال عبد المطلب انی لنائم فی الحجر اذ أتانی آت فقال احفر طیبة قلت و ما طیبة قال قال ثم ذهب عنی فلما کان الغد رجعت الی مضجعی فنمت فیه فجاءنی فقال احفر برة قلت و ما برة ثم ذهب عنی فلما کان الغد رجعت الی مضجعی فنمت فیه فجاءنی فقال احفر المضنونة قلت و ما المضنونة ثم ذهب عنی فلما کان الغد رجعت الی مضجعی فنمت فیه فجاءنی فقال احفر زمزم قال قلت و ما زمزم قال لا تنزف أبدا و لا تذم تسقی الحجیج الاعظم و هی بین الفرث و الدم عند نقرة الغراب الاعصم عند قریة النمل و کذا أورده ابن الجوزی فی الحقائق الا انه لم یذکر عند قریة النمل و زاد بعد نقرة الغراب الاعصم قوله و هی شرف لک و لولدک و کان غراب أعصم لا یبرح عند الذبائح مکان الفرث و الدم* قال ابن اسحاق فلما بین له شأنها و دل علی موضعها و عرف أنه قد صدق غدا بمعوله و معه ابنه الحارث بن عبد المطلب لیس له یومئذ ولد غیره فجعل یحفر ثلاثة أیام حتی بدا له کذا فی الحقائق فلما بدا لعبد المطلب الطی کبر و قال هذا لطوی اسماعیل فعرفت قریش انه قد أدرک حاجته فقاموا إلیه فقالوا یا عبد المطلب انها بئر أبینا اسماعیل و ان لنا فیها حقا فأشرکنا معک فیها قال ما أنا بفاعل ان هذا الامر قد خصصت به دونکم و أعطیته من بینکم قالوا له فأنصفنا فانا غیر تارکیک حتی نخاصمک فیها قال فاجعلوا بینی و بینکم من شئتم أحاکمکم إلیه قالوا کاهنة بنی سعد بن هذیم قال نعم و کانت باشراف الشام فرکب عبد المطلب و معه نفر من بنی أمیة من بنی عبد مناف و رکب من کل قبیلة من قریش نفر قال و الارض اذ ذاک مفازة فخرجوا حتی اذا کانوا ببعض تلک المفاوز بین الحجاز و الشام فنی ماء عبد المطلب و أصحابه فظمئوا حتی أیقنوا بالهلکة فاستسقوا من معهم من قبائل قریش فأبوا علیهم و قالوا انا بمفازة نخشی علی أنفسنا مثل ما أصابکم فلما رأی عبد المطلب ما صنع القوم و ما یتخوّف علی نفسه و أصحابه قال فما ذا ترون قالوا ما رأینا الا تبع لرأیک فمرنا بما شئت قال فانی أری أن یحفر کل رجل منکم حفیرة لنفسه بما بکم الآن من القوّة فکلما مات رجل دفنه أصحابه فی حفرته ثم واروه حتی یکون آخرکم رجلا واحدا فضیعة رجل واحد أیسر من ضیعة رکب جمیعا قالوا نعم ما أمرت به فقام کل رجل منهم فخفر حفرته ثم قعدوا ینتظرون الموت عطشا ثم ان عبد المطلب قال لاصحابه و اللّه ان القاءنا بأیدینا هکذا للموت لا نضرب فی الارض و نبتغی لا نفسنا لعجز فعسی اللّه أن یرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتی اذا فرغوا و من معهم من قبائل قریش ینظرون إلیهم ما هم فاعلون تقدّم عبد المطلب الی راحلته فرکبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عین ماء عذب فکبر عبد المطلب و کبر أصحابه ثم نزل فشرب و شرب أصحابه و استقوا حتی ملئوا أسقیتهم ثم دعا القبائل من قریش و قال هلمّ الی الماء فقد سقانا اللّه فاشربوا و استقوا فجاءوا فشربوا و استقوا ثم قالوا قد و اللّه قضی لک علینا یا عبد المطلب و اللّه لا نخاصمک فی زمزم أبدا ان الذی سقاک هذا الماء بهذه الفلاة هو الذی سقاک زمزم فارجع الی سقایتک راشدا فرجع و رجعوا معه و لم یصلوا الی الکاهنة و خلوا بینه و بینها* قال ابن اسحاق فهذا الذی بلغنی من حدیث علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فی زمزم و قد سمعت من یحدّث عن عبد المطلب أنه قیل له حین أمر بحفر زمزم
ثم ادع بالماء الروا غیر الکدرتسقی حجیج اللّه فی کل مبر
لیس یخاف منه شی‌ء ما عمر
فخرج عبد المطلب حین قیل له ذلک الی قریش فقال تعلمون انی قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا فهل بین لک أین هی قال لا قالوا فارجع الی مضجعک الذی رأیت فیه ما رأیت فان یک حقا من اللّه یبین لک أین هی و ان یکن من الشیطان فلن یعود إلیک فرجع عبد المطلب الی مضجعه فنام فیه فأتی فقیل له احفر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:180
زمزم فانک ان حفرتها لم تندم و هی تراث من أبیک الاعظم لا تنزف أبدا و لا تذم تسقی الحجیج الاعظم مثل نعام حافل لم یقم ینذر فیها ناذر لمنعم تکون میراثا و عقدا محکم لیس کبعض ما قد تعلم و هی بین الفرث و الدم* قال ابن هشام هذا الکلام و الکلام الذی قبله فی حدیث علیّ فی حفر زمزم من قوله لا تنزف أبدا و لا تذم الی قریه عند قریة النمل عندنا سجع و لیس بشعر* قال ابن اسحاق فزعموا انه حین قیل له ذلک قال و أین هی قیل له عند قریة النمل حیث ینقر الغراب غدا فاللّه أعلم أیّ ذلک کان* و فی بعض الکتب فرأی فی المنام یقال له زمزم و ما زمزم هزمة جبریل برجله و سقیا اسماعیل و أهله زمزم البرکات تروی الرماق الواردات شفاء سقام و خیر طعام و أری مرّة اخری قیل له احفر تکتم بین الفرث و الدم و عند نقر الغراب الاعصم و فی قریة النمل مستقبل الاصنام الحمر و فی القاموس تکتم علی ما لم یسم فاعله اسم بئر زمزم کمکتوم و فی الحدیث الغراب الاعصم الذی احدی رجلیه بیضاء رواه ابن أبی شیبة و قیل أحمر المنقار و الرجلین رواه الحاکم فی مستدرکه و فی الاحیاء الاعصم أبیض البطن و قال غیره أبیض الجناحین و قیل أبیض الرجلین کذا فی حیاة الحیوان فقام عبد المطلب فمشی حتی جلس فی المسجد ینتظر ما سمی له من الآیات فنحرت بقرة بالحزورة و هی بأسفل مکة سمیت باسم أمة لرجل یقال له وکیع بن سلمة و کان إلیه أمر البیت فبنی فیه ضریحا جعل فیه أمة یقال لها خرورة و جعل فیه سلما یرقاه و یقول بزعمه انه یناجی ربه کذا فی شفاء الغرام فبینما تنحر البقرة انفلتت منحورة عن جازرها بحشاشة نفسها حتی غلبها الموت فی المسجد فی موضع زمزم فجزرت فی مکانها حتی احتمل لحمها فأقبل غراب یهوی حتی وقع فی الفرث و الدم فبحث عن قریة النمل فقام عبد المطلب یحفر هناک فجاءت قریش فقالوا له لم تحفر فی مسجدنا فقال انی لحافر هذه البئر و مجاهد من صدّنی عنها فطفق یحفر هو و ابنه الحارث و لیس له یومئذ ولد غیره فسفه علیهما ناس من قریش و نازعوهما و قاتلوهما حتی اذا اشتدّ علیه الاذی نذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتی یمنعوه و سهل اللّه له حفر زمزم لینحرنّ أحدهم للّه عند الکعبة کذا فی أنوار التنزیل* و عبارة المواهب اللدنیة فمنعته قریش من ذلک قالوا لم تحفر هنالک فآذاه من السفهاء من آذاه و اشتدّ بذلک بلواه و معه ولده الحارث و لم یکن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشر بنین و صاروا له أعوانا لیذبحنّ أحدهم للّه قربانا فأعان اللّه عبد المطلب حتی غلب مع ابن واحد علی سائر قریش فامتنعوا عنه* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فغدا عبد المطلب و معه ابنه الحارث و لیس له یومئذ ولد غیره فوجد قریة النمل و وجد الغراب ینقر عندها بین الوثنین اساف و نائله اللذین کانت قریش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمعول و قام لیحفر حیث أمر فقامت إلیه قریش حین رأوا جدّه و قالوا و اللّه لا نترکک تحفر بین و ثنینا اللذین ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث دعنی حتی أحفر فو اللّه لا مضین لما أمرت به فلما عرفوا أنه غیر نازع خلوا بینه و بین الحفر و کفوا عنه فلم یحفر الا یسیرا حتی بدا له الطی فکبر و عرف أنه قد صدق فلما تمادی به الحفر وجد فیها غزالین من ذهب و هما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم فیها حین خرجت من مکة و وجدت فیها أسیافا قلعیة و أدراعا فقالت له قریش یا عبد المطلب لنا معک فی هذا شرک و حق قال لا و لکن هلم الیّ أمر نصف بینی و بینکم نضرب علیها بالقداح قالوا و کیف تصنع قال أجعل للکعبة قد حین ولی قد حین و لکم قد حین فمن خرج قدحاه علی شی‌ء کان له و من تخلف قدحاه فلا شی‌ء له قالوا أنصفت فجعل قدحین أصفرین للکعبة و قد حین أسودین لعبد المطلب و قد حین أبیضین لقریش ثم اعطوها صاحب القداح الذی یضرب بها عند هبل و هبل صنم فی جوف الکعبة علی بئر و کانت تلک البئر هی التی یجمع فیها ما یهدی للکعبة و کان أعظم أصنامهم و هو الذی یعنی أبو سفیان بن حرب یوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:181
أحد حین قال اعل هبل أی ظهر دینک و قام عبد المطلب یدعو اللّه و ضرب صاحب القداح فخرج الاصفران علی الغزالین للکعبة و خرج الاسودان علی الاسیاف و الادراع لعبد المطلب و تخلف قدحا قریش فضرب عبد المطلب الاسیاف بابا للکعبة و ضرب فی الباب الغزالین من ذهب فکان أوّل ذهب حلیته الکعبة فیما یزعمون* و فی شفاء الغرام أوّل من علق المعالیق بالکعبة فی الجاهلیة علی ما قیل عبد المطلب علقها بالغزالین من الذهب اللذین وجدهما فی زمزم حین حفرها و کانا معلقین مدّة حتی سرقوهما*

سرقة الغزالین من الکعبة

و قصته أن جماعة من قریش کانوا فی لیلة من اللیالی یشربون الخمر و فیهم أبو لهب و معهم القیان و لما فنیت أسباب طربهم عمدوا الی باب الکعبة و سرقوا الغزالین و باعوهما من تجار قدموا مکة بالخمر و غیرها و اشتروا بثمنهما جمیع ما فی العیر من الخمر بالمرة و اشتغلوا بالطرب و اللهو شهرا و لم یدر من سرق حتی مرّ العباس بن عبد المطلب فی لیلة من اللیالی بباب الدار التی تلک الجماعة فیها فسمع القیان یغنین بقصة سرقة الغزالین من باب الکعبة و بیعهما من أهل القافلة و أخبر بها العباس قریشا فأخذوهم و ضربوهم و قطعوا أیدی بعضهم ثم ان عبد المطلب أقام سقایة زمزم للحاج‌

* (ذکر بئار قبائل قریش بمکة)

* قال ابن هشام و کانت قریش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمکة فیما حدّثنی زیاد بن عبد اللّه عن محمد بن اسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوی و هی البئر التی بأعلی مکة عند البیضاء دار محمد بن یوسف الثقفی و حفر هاشم بن عبد مناف بذر و هی البئر التی عند المستند حطم الخندمة و هی علی فم شعب أبی طالب و زعموا أنه قال حین حفرها لأجعلنها بلاغا للناس قال ابن هشام و قال الشاعر
سقی اللّه أمواها عرفت مکانهاجرابا و ملکوما و بذر و الغمرا قال ابن اسحاق و حفر سجلة و هی بئر المطعم بن عدیّ بن نوفل بن عبد مناف التی یسقون علیها الیوم تزعم بنو نوفل أن المطعم بن عدی ابتاعها من أسد بن هاشم و تزعم بنو هاشم أنه و هبها له حین ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلک الآبار و حفر أمیة بن عبد شمس الحفر لنفسه و حفرت بنو أسد بن عبد العزی شفیة و هی بئر بنی أسد و حفرت بنو عبد الدار أمّ احزاد و حفرت بنو جمح السنبلة و هی بئر خلف بن وهب و حفرت بنو سهم الغمر و هی بئر بنی سهم و کانت آبار حفائر خارجة من مکة قدیمة من عهد مرّة بن کعب بن کلاب بن مرّة و کبراء قریش الاوائل منها یشربون و هی رم و رم بئر مرّة بن کعب و حم و خم بئر بنی کلاب بن مرّة و الحفر* و قال حذیفة بن غانم أخو بنی عدی بن کعب بن لؤیّ قال ابن هشام و هو ابن أبی جهم بن حذیفة
و قد ما غنینا قیل ذلک حقبةو لا نستقی الا بخم أو الحفر قال ابن اسحاق فعفت زمزم علی البئار التی کانت قبلها یستقی علیها الحاج و انصرف الناس إلیها لمکانها من المسجد الحرام و لفضلها علی ما سواها من المیاه و لانها بئر اسماعیل بن ابراهیم علیهما السلام و افتخرت بها بنو عبد مناف علی قریش کلها و علی سائر العرب* و فی البحر العمیق فلم یزل هاشم ابن عبد مناف یسقی الحاج حتی توفی فقام بأمر السقایة بعده عبد المطلب بن هاشم فلم یزل کذلک حتی حفر زمزم فعفت علی آبار مکة فکان منها شرب الحاج و کانت لعبد المطلب ابل کثیرة اذا کان الموسم جمعها ثم سقی لبنها بالعسل فی حوض من أدم عند زمزم و یشتری الزبیب فینبذه بماء زمزم و یسقیه الحاج لیکسر غلظ ماء زمزم و کانت اذ ذاک غلیظة جدّا و کان للناس اذ ذاک فی بیوتهم أسقیة فیها الماء من هذه الآبار ینبذون فیها القبضات من الزبیب و التمر لتکسر عنهم غلظ ماء آبار مکة و کان الماء العذب بمکة عزیزا لا یوجد الا لإنسان یستعذب له من بئر میمون خارج مکة فلبث عبد المطلب یسقی الناس حتی توفی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:182
فقام بأمر السقایة بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل فی یده و کان للعباس کرم بالطائف و کان یحمل ربیبه إلیها و کان یداین أهل الطائف و یقتضی منهم الزبیب فینبذ ذلک کله و یسقیه الحاج أیام الموسم فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة یوم الفتح فقبض السقایة من العباس بن عبد المطلب و الحجابة من عثمان بن طلحة ثم ردّهما علیهما و سیجی‌ء فی الموطن الثامن فی فتح مکة ان شاء اللّه تعالی‌

* (الطلیعة الثالثة فی ولادة عبد اللّه و نذر عبد المطلب ذبحه‌

اشارة

و عرضه علیه و تزوّج آمنة)* و قصة الخثعمیة و وقائع مدّة الحمل من وفاة عبد اللّه و قصة أصحاب الفیل)*

* (ذکر ولادة عبد اللّه)

قال أصحاب السیر و التواریخ کانت ولادة عبد اللّه بن عبد المطلب لا ربع و عشرین سنة مضت من ملک کسری أنو شروان و کان یوم ولد عبد اللّه علم بمولده جمیع أحبار الشام و ذلک انه کانت عندهم جبة صوف بیضاء و کانت الجبة مغموسة فی دم یحیی بن زکریا و کانوا قد وجدوا فی کتبهم اذا رأیتم الجبة البیضاء و الدم یقطر منها فاعلموا أن أبا محمد المصطفی قد ولد تلک اللیلة و قدموا بأجمعهم الی الحرم و أرادوا أن یغتالوا بعبد اللّه فصرف اللّه شرّهم عنه و رجعوا الی بلادهم و لم یکن یقدم علیهم أحد من الحرم الا سألوه عن عبد اللّه فیقولون ترکنا نورا یتلألأ فی قریش فتقول الاحبار لیس ذلک النور لعبد اللّه انما ذلک النور لمحمد علیه السلام قال فخرج عبد اللّه أجمل قریش فشغفت به کل نساء قریش و کدن أن تذهل عقولهنّ فلقی عبد اللّه فی زمنه من النساء ما لقی یوسف فی زمنه من امرأة العزیز و کان عبد اللّه یخبر أباه بما یری من العجائب یقول یا أبت انی اذا خرجت الی بطحاء مکة و صرت علی جبل ثبیر خرج من ظهری نوران أخذ أحدهما شرق الارض و الآخر غربها ثم ان ذینک النورین یستدیران حتی یصیرا کالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فیدخلان فیها ثم یخرجان ثم یرجعان الیّ فی لمحة واحدة و انی لاجلس فی الموضع فأسمع فیه من تحتی سلام علیک أیها المستودع ظهره نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و انی لاجلس فی الموضع الیابس أو تحت الشجرة الیابسة فتخضرّ و تلقی علیّ أغصانها فاذا قمت و ترکتها عادت الی ما کانت فقال له عبد المطلب أبشر یا بنی فانی أرجو أن یخرج اللّه من ظهرک المستودع المکرم فانا قد وعدنا ذلک و انی رأیت قبلک رؤیا کلها تدل علی انه یخرج من ظهرک أکرم العالمین و کان عبد اللّه أبو النبیّ کلما أصبح و ذهب لیدخل علی صنمهم الاکبر و هو اللات و العزی صاح کما تصیح الهرّة و نطق و هو یقول ما لنا و لک أیها المستودع ظهره نور محمد الذی یکون هلاکنا و هلاک أصنام الدنیا علی یدیه*

(ذکر نذر عبد المطلب ذبح عبد اللّه و عرضه علیه)

* قال ابن اسحاق و کان عبد المطلب نذر حین لقی من قریش ما لقی عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتی یمنعوه لینحرنّ أحدهم للّه عند الکعبة کما مرّ فلمّا توافی بنوه عشرة و عرف أنهم سیمنعونه جمعهم* و فی الحدائق روی قبیصة عن ذؤیب عن ابن عباس قال لما رأی عبد المطلب قلة أعوانه فی حفر زمزم نذر لئن أکمل اللّه له عشرة ذکور لیذبحنّ أحدهم فلما تکاملوا عشرة جمعهم ثم أخبرهم بنذره و دعاهم الی الوفاء بذلک فأطاعوه و قالوا کیف نصنع قال لیأخذ کل واحد منکم قدحا و لیکتب فیه اسمه ثم لیأتنی به ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم علی هبل فی جوف الکعبة و کان هبل علی البئر التی یجمع فیها ما یهدی الی الکعبة کما مرّ و قال لقیم الصنم و فی الحدائق قال للسادن اضرب بقداح هؤلاء فلما أخذ لیضرب قام عبد المطلب عند الکعبة یدعو اللّه و یقول اللهمّ انی نذرت لک نحر أحدهم و انی أقرع بینهم فأصب بذلک من شئت ثم ضرب السادن القداح فخرج القدح علی عبد اللّه و أخذ عبد المطلب بیده و أخذ الشفرة ثم أقبل به الی اساف و نائلة فقامت إلیه قریش من أندیتها و قالوا ما ترید أن تصنع قال أذبحه قالوا لا ندعک أن تذبحه حتی تعذر فیه الی ربک و لئن فعلت هذا لا یزال الرجل یأتی بابنه فیذبحه و یکون سنة و قالوا له انطلق الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:183
فلانة الکاهنة بالحجاز ذکر الحافظ عبد الغنی أن اسمها قطبة و ذکر ابن اسحاق ان اسمها سجاح فقالوا لعلها أن تأمرک بأمر فیه فرج لک فانطلقوا حتی أتوها بخیبر فقص علیها عبد المطلب القصة فقالت لهم کم الدیة فیکم قالوا عشرة من الابل قالت فارجعوا الی بلادکم ثم قربوا صاحبکم و قرّبوا عشرة من الابل ثم اضربوا علیه و علیها بالقداح فان خرجت علی صاحبکم فزیدوا فی الابل ثم اضربوا أیضا و هکذا حتی یرضی ربکم فاذا خرجت علی الابل فانحروها فقد رضی ربکم و نجا صاحبکم فرجع القوم الی مکة فقرّبوا عبد اللّه و عشرة من الابل فخرجت علی عبد اللّه فزادوا عشرة فخرجت علی عبد اللّه فلم یزالوا یزیدون عشرا عشرا الی أن جعلوها مائة فخرجت علی الابل فقالوا قد رضی ربکم فقال عبد المطلب لا و اللّه حتی أضرب علیها و علیه ثلاث مرات ففعل فخرجت علی الابل ففداه بمائة من الابل و لذلک صارت الدیة مائة من الابل* و فی سیرة مغلطای أوّل من سنّ الدیة عبد المطلب و قیل القلمس و قیل أبو سیارة انتهی فنحرت ثم ترکت لا یصدّ عنها انسان و لا طائر و لا سبع ثم انصرف عبد المطلب بابنه و لهذا قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنا ابن الذبیحین کما ذکره الزمخشری فی الکشاف و عند الحاکم فی المستدرک قال أعرابی یا رسول اللّه عد علیّ مما أفاء اللّه علیک یا ابن الذبیحین فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم ینکر علیه و المراد بالذبیحین عبد اللّه و اسماعیل اذ عرضا علی الذبح* و ذهب بعض العلماء الی أن الذبیح اسحاق فان صح هذا فالعرب تجعل العمّ أبا کذا فی المواهب اللدنیة* و قد استشکل بعض الناس ان عبد المطلب نذر نحر أحد بنیه اذا بلغوا عشرا و قد کان تزوّج هالة أمّ ابنه حمزة بعد وفائه بنذره فحمزة و العباس انما ولدا بعد الوفاء بنذره و انما کان أولاده عشرة* قال السهیلی و لا اشکال فی هذا فان جماعة من العلماء قالوا کان أعمام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اثنی عشر فان صح هذا فلا اشکال فی الخبر و ان صح قول من قال کانوا عشرة لا یزیدون فالولد یقع علی البنین و بینهم حقیقة لا مجازا و کان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده و ولد ولده عشرة رجال حین و فی بنذره و یقع أیضا فی بعض السیر أن عبد اللّه أصغر بنی أبیه عبد المطلب کذا قاله ابن اسحاق و هو غیر معروف و لعل الروایة أصغر بنی أمه و الا فحمزة کان أصغر من عبد اللّه و العباس أصغر من حمزة کذا فی سیرة مغلطای* و روی عن العباس أنه قال أذکر مولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها فجی‌ء به حتی نظرت إلیه و جعل النسوة یقلن لی قبل أخاک فقبلته فکیف یصح أن یکون عبد اللّه هو الاصغر و لکن رواه البکائی و لروایته وجه و هو أن یکون أصغر ولد أبیه حین أراد نحره ثم ولد له بعد ذلک حمزة و العباس انتهی و هذا أیضا علی تقدیر أن یکون أولاد عبد المطلب اثنی عشر*

(ذکر تزوّج عبد اللّه آمنة)

تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌1 183 (ذکر تزوج عبد الله آمنة) ..... ص : 183
روی أنه خرج عبد اللّه یوما الی قنصه و قد قدم علیه تسعون رجلا من أحبار یهود الشام معهم السیوف المسمومة یریدون أن یغتالوه و یقتلوه و کان وهب بن عبد مناف أبو آمنة صاحب قنص أیضا* قال فلما نظرت الی الاحبار قد أحدقوا بعبد اللّه و عبد اللّه یومئذ وحده تقدّمت إلیه لاعینه علیهم فنظرت الی رجال لا یشهون رجال الدنیا علی خیل شهب قد حملوا علی الاحبار حتی هزموهم عن عبد اللّه فلما رأی ذلک وهب بن عبد مناف من عبد اللّه رغب فیه و قال لن یستقیم لا بنتی آمنة زوج غیر هذا و قد کان خطبها اشراف قریش و کانت آمنة تأبی ذلک و تقول یا أبت لم یأن لی التزویج فرجع وهب الی أهله فأخبرها بما کان من عبد اللّه و قال انه أجمل قریش و اوسطهم نسبا و انی لا أحب لا بنتی آمنة زوجا غیره فانطلقی إلیه فأعرضی ابنتی علیه لعله یتزوّجها قال فانطلقت أمّ آمنة حتی دخلت علی عبد المطلب فعرضت علیه ابنتها فقال عبد المطلب لم یعرض علیّ امرأة تستقیم لابنی غیرها فتزوّجها عبد اللّه فلیلة بنی عبد اللّه بها لم تبق امرأة فی قریش الا مرضت قال عبد اللّه بن عباس عن أبیه عباس ان لیلة بنی عبد اللّه بآمنة أحصینا مائتی امرأة من بنی مخزوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:184
و عبد شمس و عبد مناف متن و خرجن من الدنیا و لم یتزوّجن أسفا علی ما فاتهنّ من عبد اللّه و کان عبد اللّه یوم تزوّجها ابن ثلاثین سنة و قیل ابن خمس و عشرین سنة و قیل سبع عشرة و لم یذکر القول الاخیر فی الصفوة و ذخائر العقبی* قال أبو عمرو و خرج أبوه عبد المطلب الی وهب بن عبد مناف فزوّجه آمنة ابنة وهب و قیل کانت آمنة فی حجر عمها وهیب بن مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إلیه ابنته هالة بنت وهیب لنفسه و خطب آمنة بنت وهب لابنه عبد اللّه فتزوّجاهما فی مجلس واحد فولدت آمنة لعبد اللّه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ولدت هالة لعبد المطلب حمزة و صفیة و لم یکن لآمنة أخ و لا اخت فلذلک لم یکن لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خال و لا خالة و انما بنو زهرة یقولون نحن اخواله لان أمّه آمنة منهم و لم یکن لعبد اللّه و لا لآمنة ولد غیره صلّی اللّه علیه و سلم فلذلک لم یکن له أخ و لا اخت لکن کان له ذلک من الرضاعة و سیأتی ذکرهم کذا فی ذخائر العقبی فأعطی اللّه آمنة من الجمال و الکمال ما کانت تدعی به حکیمة قومها فبقیت مع عبد اللّه مدّة سنین لا یؤذن لنور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یخرج من عبد اللّه الی آمنة و قد طالت الفترة و انقطع أخبار السماء و اندرس ذکر النبوّة فلا أمیر ینتجب و لا رسول یصطفی برسالات ربه و الارض مشوبة بالاصنام و قد نبذ الناس الطاعة و اقتدوا بالظلم و الجهالة منهمکین فی عبادة الاوثان*

(ذکر قصة الخثعمیة الکاهنة)

* فی الصفوة جرت لعبد اللّه قصة الخثعمیة قبل حمل آمنة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن ابی الفیاض الخثعمی قال مرّ عبد اللّه بن عبد المطلب بامرأة من خثعم یقال لها فاطمة بنت مرّة و کانت من أجمل النساء و اشبهها و أعفها و کانت قد قرأت الکتب فرأت نور النبوّة فی وجه عبد اللّه فقالت یا فتی من أنت فأخبرها فقالت هل لک ان تقع علیّ و أعطیک مائة من الابل فنظر إلیها و قال
أما الحرام فالممات دونه‌و الحلّ لا حلّ فأستبینه
فکیف بالامر الذی تنوینه‌یحمی الکریم عرضه و دینه ثم مضی الی امرأته آمنة فکان معها ثم ذکر الخثعمیة و جمالها و ما عرضت علیه فأقبل إلیها فلم یر منها من الاقبال علیه آخرا کما رأی منها أوّلا فقال هل لک فیما قلت قالت* قد کان ذلک مرّة فالیوم لا* فذهبت مثلا قالت أی شی‌ء صنعت بعدی قال وقعت علی زوجتی آمنة بنت وهب قالت انی و اللّه لست بصاحبة ریبة و لکنی رأیت نور النبوّة فی وجهک فأردت أن یکون ذلک فیّ و أبی اللّه الا أن یجعله حیث جعله* و فی سیرة مغلطای تعرّضت لعبد اللّه امرأة من بنی أسد اسمها رقیقة و یقال قتیلة بنت نوفل تکنی أمّ قتال و یقال اسمها فاطمة بنت مرّة و یقال لیلی العدویة و یقال امرأة من تبالة و یقال من خثعم و یقال کانت یهودیة قال أبو أحمد الحاکم کان سنّ عبد اللّه اذ ذاک ثلاثین سنة و فی المواهب اللدنیة و عند أبی نعیم و الخرائطی و ابن عساکر من طریق عطاء عن ابن عباس لما خرج عبد المطلب بابنه عبد اللّه لیزوّجه مرّ به علی کاهنة من تبالة متهوّدة قد قرأت الکتب یقال لها فاطمة بنت مرّة الخثعمیة الی آخر ما ذکر* عن أبی یزید المدینی أن عبد اللّه لما مرّ بالخثعمیة قالت له هل لک فیّ قال نعم حتی أرمی الجمرة فانطلق فرمی الجمرة ثم أتی امرأته آمنة ثم ذکر الخثعمیة فأتاها فقالت هل أتیت امرأة بعدی قال نعم آمنة قالت فلا حاجة لی فیک انک مررت و بین عینیک نور ساطع الی السماء فلما وقعت علیها ذهب فأخبرها أنها قد حملت بخیر أهل الارض* و فی المواهب اللدنیة أیضا و لما انصرف عبد اللّه مع أبیه من نحر الابل حین و فی بنذره مرّ علی المرأة من بنی اسد بن عبد العزی و بنی عبد الکعبة و اسمها قتیلة بضم القاف و فتح المثناة الفوقیة و یقال رقیقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل فقالت له حین نظرت الی وجهه و کان أحسن رجل فی قریش لک مثل الابل التی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:185
نحرت عنک وقع علیّ الآن لما رأت فی وجهه من نور النبوّة و رجت أن تحمل بهذا النبیّ الکریم صلّی اللّه علیه و سلم فقال لها أنا مع أبی و لا أستطیع خلافه و لا فراقه و قیل أجابها بقوله* أما الحرام فالممات دونه* و الحلّ لا حلّ فاستبینه* فکیف بالامر الذی تبغینه* یحمی الکریم عرضه و دینه* کما مرّ*

(ذکر حمل آمنة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم)

* فلما کانت اللیلة التی أذن اللّه عز و جل للنور المحمدی أن یخرج من عبد اللّه الی آمنة اهتزت الملائکة فرحا و ذلک لیلة الجمعة فی شعب أبی طالب عند الجمرة الوسطی کذا فی المنتقی* و فی سیرة الیعمری حملت به آمنة فی أیام التشریق عند الجمرة الوسطی انتهی و فی المواهب اللدنیة زعموا أنه وقع علیها یوم الاثنین أیام منی فی شعب أبی طالب عند الجمرة الوسطی قال أبو أحمد الحاکم کان سنه اذ ذاک ثلاثین سنة و کذا فی سیرة مغلطای فحملت برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمر اللّه خازن الجنة أن یفتح أبواب الجنان تعظیما لنور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و هبط جبریل بلوائه الاخضر و نصبه علی ظهر الکعبة* و فی المواهب اللدنیة و لما حملت آمنة برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ظهر لحمله عجائب و وجد لایجاده غرائب فذکروا أنه لما استقرّت نطفته الزکیة و درّته المحمدیة فی صدفة آمنة القرشیة نودی فی الملکوت و معالم الجبروت أن عطروا جوامع القدس الاسنی و بخروا جهات الشرف الاعلی و افرشوا سجادات العبادات فی صفف الصفاء لصوفیة الملائکة المقرّبین أهل الصدق و الوفاء فقد انتقل النور المکنون الی بطن آمنة ذات العقل الباهر و الفخر المصون قد خصها اللّه تعالی القریب المجیب بهذا الصدر المصطفی الحبیب لانها أفضل قومها حسبا و أنجب و أزکاهم أصلا و فرعا و أطیب* و قال سهل بن عبد اللّه التستری فیما رواه الخطیب البغدادی الحافظ لما أراد اللّه خلق محمد صلّی اللّه علیه و سلم فی بطن أمه آمنة لیلة رجب و کانت لیلة جمعة أمر اللّه تعالی تلک اللیلة خازن الجنان أن یفتح الفردوس و نادی مناد فی السموات و الارض ألا انّ النور المخزون الذی یکون منه النبیّ الهادی فی هذه اللیلة یستقرّ فی بطن أمّه الذی فیه یتمّ خلقه و یخرج الی الناس بشیرا و نذیرا* و فی روایة کعب الاحبار أنه نودی تلک اللیلة فی السماء و صفاحها و الارض و بقاعها أن النور المکنون الذی منه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستقرّ اللیلة فی بطن أمه فیا طوبی لها ثم یا طوبی لها قوله طوبی الطیب و الحسنی و الخیر و الخیرة قاله فی القاموس* و قال غیره فرح و قرّة عین* و قال الضحاک عطیة* و قال عکرمة نعم و فی الحدیث طوبی لاهل الشام فان الملائکة باسطة أجنحتها علیها فالمراد بها هنا فعلی من الطیب و غیره مما ذکرنا لا الجنة و لا الشجرة و یحتمل أن یفسر بالجنة* فأصبحت یومئذ أصنام الدنیا منکوسة و کانت قریش فی جدب شدید و ضیق عظیم فاخضرّت الارض و حملت الاشجار و أتاهم الرفد من کل جانب فسمیت تلک السنة التی حمل فیها برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنة الفتح و الابتهاج و کان قد أذن اللّه تلک السنة لنساء الدنیا أن یحملن ذکورا کرامة لمحمد صلّی اللّه علیه و سلم و أصبح عرش ابلیس لعنه اللّه منکوسا و الملک علی رأسه یغطسه فی مضیق البحار أربعین صباحا فانقلب أسود محترقا* و أخرج أبو نعیم عن ابن عباس قال کان من دلالات حمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان کل دابة فی قریش نطقت تلک اللیلة باذن اللّه عز اسمه و قالت حمل بمحمد* و فی روایة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رب الکعبة و هو أمان الارض و سراجها* و فی المواهب اللدنیة و هو أمان الدنیا و سراج أهلها و لم تبق کاهنة فی قریش و لا فی قبیلة من قبائل العرب الا علمت بحمله و لم یبق سریر لملک من ملوک الارض الا أصبح منکوسا و مرّت وحوش المشرق الی وحوش المغرب بالبشارات و کذلک أهل البحار یبشر بعضهم بعضا و له فی کل شهر من شهور حمله نداء فی الارض و نداء فی السماء أن ابشروا فقد آن أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:186
یظهر أبو القاسم صلّی اللّه علیه و سلم میمونا مبارکا انتهی کلام المواهب اللدنیة وکلت ألسنة الملوک حتی لم یقدروا فی ذلک الیوم علی التکلم* و فی الصفوة روی عن یزید بن عبد اللّه بن وهب بن زمعة عن عمته قالت کنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کانت تقول ما شعرت أنی حملت و لا وجدت له ثقلا و لا وحما کما تحد النساء الا انی أنکرت رفع حیضتی و أتانی آت و أنا بین النوم و الیقظة أو قالت بین النائمة و الیقظانة فقال هل شعرت بأنک حملت فکأنی أقول ما أدری قال انک حملت بسید هذه الامة و نبیها کذا ذکر ابن اسحاق فی کتاب المغازی* و فی روایة بسید الانام قالت و ذلک یوم الاثنین فکان ذلک مما یقن أو حقق عندی الحمل تم أمهلنی حتی اذا دنا وقت ولادتی أتانی ذلک الآتی فقال قولی أعیذه بالصمد الواحد من شرّ کل حاسد و فی المواهب اللدنیة بغیر لفظ الصمد ثم سمیه محمدا قالت فکنت أقول ذلک فذکرت ذلک لنسائی فقلن لی تعلقی حدیدا فی عضدیک و فی عنقک قالت ففعلت فلم ینزل علیّ أیاما فأجده قد قطع فکنت لا أتعلقه و عن أبی جعفر محمد بن علیّ قال أمرت آمنة و هی حامل برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن تسمیه أحمد* و فی روایة عن ابن اسحاق سمیه محمدا و علقی علیه هذه التمیمة قالت فانتبهت و عند رأسی صحیفة من ذهب مکتوب فیها هذه النسخة
أعیذه بالواحد من شرّ کل حاسد و کل خلق رائد من قائم و قاعد عن السبیل حائد
علی الفساد جاهد من نافث أو عاقد و کل خلق مارد یأخذ بالمراصد فی طرق الموارد
قال الحافظ عبد الرحیم العراقی هکذا ذکر هذه الابیات بعض أهل السیر و جعلها من حدیث ابن عباس و لا أصل لها کذا فی المواهب اللدنیة و فی روایة أبی نعیم من حدیث ابن عباس قال کانت آمنة تحدّث و تقول أتانی آت حین مرّ من حملی ستة أشهر فی المنام و قال لی یا آمنة انک حملت بخیر العالمین فاذا ولدتیه فسمیه محمدا و اکتمی شأنک فاذا وقع علی الارض فقولی أعیذه بالواحد من شرّ کل حاسد فی کل برّ غامد و کل عبد رائد حتی أراه قد أتی المشاهد و ان آیة ذلک أن یخرج معه نور یتلألأ یملأ قصور بصری من أرض الشام فاذا وقع فسمیه محمدا و ان اسمه فی التوراة و الانجیل أحمد یحمده أهل السماء و أهل الارض و اسمه فی القرآن محمد فسمیه بذلک* و فی مورد اللطافة و سیرة مغلطای و لما شاع قبل ولادته أن نبیا اسمه محمد هذا ابان ظهوره سمی جماعة زها خمسة عشر أبناءهم محمدا رجاء أن یکون هو منهم محمد بن سفیان بن مجاشع و محمد بن احیحة بن الجلاح و محمد بن حمران و محمد بن مسلمة الانصاری و فیه نظر و محمد بن براء البکری و محمد بن خزاعی السلمی و محمد بن عدی ابن ربیعة بن سعد المنقری و محمد بن عثمان بن ربیعة السعدی و أظنهما واحدا و محمد الاسدی و محمد الفقیمی و محمد بن عتوارة اللیثی و محمد بن حرمان العمری و محمد بن خولی الهمدانیّ و محمد بن یزید بن ربیعة و محمد بن أسامة بن مالک فقالت أمه و اللّه لقد رأیت فی النوم و هو فی بطنی أنه خرج منی نور أضاءت منه قصور الشام و قالت لقد علقت فما وجدت له مشقة حتی وضعته و فی المواهب اللدنیة و اختلف فی مدّة الحمل به فقیل تسعة أشهر و قیل عشرة و قیل ثمانیة و قیل سبعة و قیل ستة* و من وقائع مدّة حمله وفاة عبد اللّه أبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی اسد الغابة لابن الاثیر توفی أبوه عبد اللّه و أمه حامل به و فی المواهب اللدنیة و لما تم لها من حملها شهران و قیل قبل ولادته بشهرین کذا فی سیرة مغلطای توفی عبد اللّه و قیل توفی و هو فی المهد قاله الدولابی و عن أبی خیثمة و هو ابن شهرین و قیل و هو ابن سبعة أشهر و قیل و هو ابن ثمانیة و عشرین شهرا و کذا فی سیرة الیعمری و الراجح المشهور هو الاوّل انتهی و یؤید کونه فی المهد الرجز المنقول عن عبد المطلب حین توفی قال لابی طالب
أوصیک یا عبد مناف بعدی‌بموتم و هو ضجیع المهد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:187
و ذکر أهل السیران آمنة بنت وهب لم تحمل حملا و لا ولدت ولدا غیره و کذا أبوه عبد اللّه لم یبلغنا انه ولد له ولد غیره صلّی اللّه علیه و سلم و فی الصفوة قال محمد بن کعب خرج عبد اللّه بن عبد المطلب الی الشام فی تجارة مع جماعة من قریش فلما رجعوا مرّوا بالمدینة و عبد اللّه کان مریضا فتخلف بالمدینة عند أخواله بنی عدی بن النجار فأقام عندهم مریضا شهرا و مضی أصحابه و قدموا مکة فأخبروا عبد المطلب فبعث إلیه ولده الحارث أو الزبیر علی قول ابن الاثیر فوجده قد توفی و دفن فی دار النابغة و هو رجل من بنی عدی* و فی المواهب اللدنیة دفن بالابواء فرجع الحارث الی مکة فأخبر أباه فوجد علیه وجدا شدیدا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ حمل و قیل بعثه عبد المطلب الی یثرب یمتار له تمرا منها فتوفی بها و لعبد اللّه یوم توفی خمس و عشرون سنة و قیل غیر ذلک و قالت آمنة زوجته ترثیه
عفا جانب البطحاء من آل هاشم‌و جاور لحدا خارجا فی الغماغم
دعته المنایا دعوة فأجابهاو ما ترکت فی الناس مثل ابن هاشم
عشیة راحوا یحملون سریره‌تعاوره أصحابه فی التزاحم
فان یک غالته المنایا و ریبهافقد کان معطاء کثیر التراحم و لما توفی عبد اللّه قالت الملائکة الهنا و سیدنا بقی نبیک یتیما فقال اللّه أناله حافظ و نصیر* و فی بعض الکتب لما مات أبوه وصف فی السماء بالیتیم و أعلی الیتم ما توفی الوالد و الولد فی بطن الامّ فقالت الملائکة الهنا و سیدنا صار نبیک بلا أب فبقی من غیر حافظ و مرب قال اللّه تعالی أنا ولیه و حافظه و حامیه و ربه و عونه و رازقه و کافیه فصلوا علیه و تبرکوا باسمه و سیجی‌ء وفاة أمّه فی الباب الاوّل من الرکن الاوّل و ترک عبد اللّه جاریة یقال لها أم أیمن برکة الحبشیة بنت ثعلب بن حصین بن مالک غلبت علیها کنیتها و کنیت باسم ابنها أیمن الحبشی ماتت فی خلافة عثمان و خمسة أجمال و قطیع غنم فورث ذلک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت أمّ أیمن تحضنه* و من حوادث مدّة حمله قصة أصحاب الفیل من برکة الحمل به و قرب أوان وضعه أهلک اللّه أصحاب الفیل و جعل کیدهم فی تضلیل فیها دلالة ظاهرة علی قدرة اللّه تعالی و عزة نبیه و شرف رسوله صلّی اللّه علیه و سلم فانها من الارهاصات إذ روی أنها وقعت فی السنة التی ولد فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسبحان من خصه بأعظم الفضائل و میزه عن خلقه بأکرم الخصائل و شرّفه و رفع قدره و کرمه و شرح صدره و جعل کل حال من أحواله آیة باهرة و کل طور من أطواره معجزة ظاهرة صلوات اللّه تعالی و سلامه علیه و زاده فضلا و کرما و شرفا لدیه* قال الامام فخر الدین الرازی مذهبنا أنه یجوز تقدیم المعجزات علی زمان البعثة تأسیسا و ارهاصا و لذلک کانت الغمامة تظله علیه السلام یعنی قبل البعثة و خالفه السید الشریف تبعا لغیره فاشترط فی المعجزة أن لا تتقدّم علی الدعوی بل تکون مقارنة لها فما وقع من الخوارق قبل دعوی الرسالة فانها لیست بمعجزات انما هی کرامات ظهورها علی الاولیاء جائز و الأنبیاء قبل نبوّتهم لا یقصرون عن درجة الاولیاء فیجوز ظهورها علیهم أیضا و حینئذ تسمی ارهاصا أی تأسیسا للنبوّة صرّح به العلامة السید الجرجانی فی شرح المواقف و غیره و هو مذهب جمهور أئمة الاصول و غیرهم (فان قلت) الحجاج خرب الکعبة و لم یحدث شی‌ء مثل ما حدث لا برهة من البلاء (الجواب) أن ذلک وقع ارهاصا لامر نبینا صلّی اللّه علیه و سلم و الارهاص انما یحتاج إلیه قبل قدومه علیه السلام فلما ظهر و تأکدت نبوّته بالدلائل القطعیة لا حاجة الی شی‌ء من ذلک و اللّه أعلم کذا فی المواهب اللدنیة روی انه لما کان المحرّم سنة ثلاث و ثمانین و ثمانمائة من تاریخ ذی القرنین و کان قد مضی من ملک کسری أنوشروان اثنتان و أربعون سنة و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حملا فی بطن أمه حضر ابرهة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:188
ابن الصباح الاشرم یرید هدم الکعبة*

قصة أصحاب الفیل‌

و قصته أنه لما غلب علی الیمن و ملکها من قبل أصحمة النجاشی رأی الناس یتجهزون أیام الموسم للحج فسأل أین تذهب الناس قالوا یحجون بیت اللّه بمکة قال و مم هو قیل من الحجارة قال و المسیح لأبنین لکم خیرا منه فبنی لهم کنیسة بصنعاء الیمن و سماها القلیس عملها بالرخام الابیض و الاحمر و الاسود و الاصفر و حلاها بالذهب و الفضة و أنواع الجواهر* و فی حیاة الحیوان سمیت بقلیس لارتفاع بنائها و کلفهم فیها أنواع السخر و نقل إلیها الرخام المجزع و الحجارة المنقوشة بالذهب و الفضة من قصر بلقیس صاحبة سلیمان علیه السلام و کان من موضع هذه الکنیسة علی فراسخ و نصب فیها صلبانا من الذهب و الفضة و منابر من العاج و غیره انتهی فلما أراد أن یصرف إلیها الحاج کتب الی النجاشی انی بنیت کنیسة باسم الملک لم یکن مثلها قبلها و ارید أن أصرف إلیها حج العرب و أمنع الناس من الذهاب الی مکة* و لما اشتهر هذا الخبر بین العرب خرج رجل من کنانة متعصبا فقعد فیها فأغضبه ذلک و هو قول ابن عباس و قیل أججت رفقة من العرب نارا و کان فی عمارة القلیس خشب مموّه فحملتها الریح إلیها فأحرقتها فحلف لیهد منّ الکعبة و هو قول مقاتل و سیجی‌ء و قیل کان نفیل الخثعمی یتعرّض لها بالمکروه فأمهل حتی کان لیلة من اللیالی و لم یر أحدا یتحرّک فجاء بعذرة فلطخ بها قبلتها و جمع جیفا فألقاها فیها فأخبر أبرهة بذلک فغضب غضبا شدیدا و قال انما فعلت هذه العرب تعصبا لبیتهم لأنقضنه حجرا حجرا و کتب الی النجاشی یخبره بذلک و سأله أن یبعث إلیه بفیله محمود و کان فیلا أبیض عظیما قویا لم یر فی الارض مثله فلما قدم الفیل الی أبرهة خرج بالجیش العظیم و معه اثنا عشر فیلا غیره و قیل عشرة و قیل ثمانیة و قیل کانوا ألف فیل و قیل کان وحده* و فی تفسیر النهر لابی حیان أصحاب الفیل أبرهة بن الصباح الحبشی و من کان معه من جنوده و الظاهر أنه فیل واحد و کان العسکر ستین ألفا لم یرجع أحد منهم الا أمیرهم فی شرذمة قلیلة فلما أخبروا بما رأوا هلکوا* و فی سیرة ابن هشام فسمعت العرب بخروج أبرهة لتخریب البیت فأعظموه و فظعوا به و رأوا جهاده حقا علیهم حین سمعوا بأنه یرید هدم الکعبة بیت اللّه الحرام و کان یخرج إلیه کل من کان له قوّة و استطاعة فی الحرب فخرج إلیه رجل کان من أشراف الیمن و ملوکهم یقال له ذو نفر فی قومه و من أجابه من سائر العرب ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر و أصحابه و أخذ ذو نفر و أتی به أسیرا فأراد قتله ثم ترکه و حبسه عنده فی وثاق و کان ابرهة رجلا حلیما ثم مضی ابرهة فی وجهه حتی اذا کان بأرض خثعم عرض له نفیل بن حبیب الخثعمی فی قبیلتی خثعم شهران و ناهش و من تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه ابرهة و أخذ نفیل أسیرا فلما همّ بقتله قال له نفیل أیها الملک لا تقتلنی فانی دلیلک بأرض العرب فخلی سبیله و خرج به معه یدله حتی اذا مرّ بالطائف خرج إلیه مسعود بن معتب بن مالک الثقفی فی رجال من ثقیف فقال له أیها الملک انما نحن عبیدک سامعون لک مطیعون لیس عندنا خلاف و لیس بیتنا هذا البیت الذی ترید یعنون اللات انما ترید البیت الذی بمکة و نحن نبعث معک من یدلک علیه فتجاوز عنهم و اللات بیت لهم بالطائف کانوا یعظمونه نحو تعظیم الکعبة فبعثوا معه أبا رغال یدله علی الطریق الی مکة فخرج ابرهة و معه أبو رغال حتی أنزله المغمس بفتح المیم الثانیة و تشدیدها و قیل بکسرها قیل هو علی ثلثی فراسخ من مکة بطریق الطائف فمات هناک أبو رغال فدفن فیه فرجمت العرب قبره فهو القبر الذی یرحمه الناس بالمغمس الی الیوم و دفن معه غصنان من ذهب و ذکر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مرّ بالقبر فی غزوة الطائف فأمر باستخراج الغصنین منه فاستخرجا و سیجی‌ء فی غزوة الطائف* و روی أبو علیّ بن السکن فی سننه الصحاح أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان اذا کان بمکة و أراد أن یقضی حاجة الانسان خرج
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:189
الی المغمس فلما نزل ابرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة یقال له الاسود بن مقصود علی خیل له و أمره بالغارة علی الناس فمضی حتی انتهی الی مکة فساق إلیه أموال أهل تهامة و غیرهم فأصاب فیها مائتی بعیر لعبد المطلب بن هاشم و هو یومئذ کبیر قریش و سیدها و فی المواهب اللدنیة فاستاق ابل قریش و غنمها و کان لعبد المطلب فیها اربعمائة ناقة فرکب عبد المطلب فی قریش حتی طلع جبل ثبیر فاستدارت دائرة غرّة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی جبینه کالهلال و اشتدّ شعاعها علی البیت الحرام مثل السراج فلما نظر عبد المطلب الی ذلک قال یا معشر قریش ارجعوا فقد کفیتم هذا الامر فو اللّه ما استدار هذا النور منی الا أن یکون الظفر لنا فرجعوا متفرّقین و همّ أهل الحرم بقتاله ثم عرفوا ان لا طاقة لهم به فترکوه* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فهمت قریش و کنانة و هذیل و من کان بذلک الحرم لقتاله ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فترکوا ذلک و بعث ابرهة حناطة الحمیری الی مکة و قال له سل عن سید أهل هذا البلد و شریفهم ثم قل له ان الملک یقول انی لم آت لحربکم انما جئت لهدم هذا البیت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لی بدمائکم فان هو لم یرد حربی فأتنی به فلما دخل حناطة مکة سأل عن سید قریش و شریفها فقیل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمر به ابرهة فقال له عبد المطلب و اللّه ما نرید حربه و ما لنا بذلک من طاقة فقال له حناطة فانطلق إلیه فانه أمرنی أن آتیه بک* و فی المواهب اللدنیة روی أن رسول ابرهة لما دخل الی مکة و نظر الی وجه عبد المطلب خضع و تلجلج لسانه و خرّ مغشیا علیه فکان یخور کما یخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خرّ ساجدا لعبد المطلب و قال أشهد انک سید قریش* قال ابن اسحاق ثم انطلق مع حناطة عبد المطلب و معه بعض بنیه فکلم أنیس سائس الفیل ابرهة فقال أیها الملک هذا سید قریش ببابک یستأذن علیک و هو صاحب عین مکة و هو یطعم الناس فی السهل و الوحوش و الطیور فی رءوس الجبال قال فأذن له ابرهة و کان عبد المطلب أوسم الناس و أجملهم و أعظمهم فلما رآه ابرهة عظم فی عینه فأجله و أکرمه عن أن یجلس تحته و کره أن تراه الحبشة یجلسه معه علی سریرة لمکه فنزل ابرهة عن سریره و جلس علی بساطه و أجلسه معه الی جنبه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتک فقال له ذلک الترجمان فقال حاجتی أن یردّ علیّ الملک مائتی بعیر لی أصابها فلما قال له ذلک قال ابرهة لترجمانه قل له کنت أعجبتنی حین رأیتک ثم قد زهدت فیک حین کلمتنی أ تکلمنی فی مائتی بعیر أصبتها لک و تترک بیتا هو دینک و دین آبائک قد جئت لهدمه لا تکلمنی فیه قال عبد المطلب أنا رب الابل و ان للبیت ربا سیمنعه قال ما کان لیمتنع منی قال أنت و ذاک و کان فیما یزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب الی ابرهة حین بعث إلیه حناطة یعمر بن تبالة بن عدی بن الدیل بن بکر بن عبد مناة بن کنانة و هو یومئذ سید بنی بکر و خویلد بن واثلة الهذلی و هو یومئذ سید هذیل فعرضوا علی ابرهة ثلث أموال تهامة علی أن یرجع عنهم و لا یهدم البیت فأبی علیهم فاللّه أعلم أ کان ذلک أم لا* و فی المواهب اللدنیة روی أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سائس فیله الابیض العظیم الذی کان لا یسجد للملک ابرهة کما تسجد سائر الفیلة أن یحضره بین یدیه فلما نظر الفیل الی وجه عبد المطلب برک کما یبرک البعیر و خرّ ساجدا و أنطق اللّه الفیل فقال السلام علی النور الذی فی ظهرک یا عبد المطلب فی ظاهر قوله فاستدارت غرة نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی جبین عبد المطلب کالهلال الی آخره و قوله أنطق اللّه الفیل فقال السلام علی النور الذی فی ظهرک یا عبد المطلب نظر لان عبد اللّه حینئذ کان موجودا فیکون النور منتقلا إلیه و فی سیرة ابن هشام عن ابن اسحاق فردّ أبرهة علی عبد المطلب الابل التی أصاب له فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب الی قریش فأخبرهم الخبر و أمرهم بالخروج من مکة و التحرّز فی شعف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:190
الجبال و الشعاب تخوّفا علیهم من معرة الجیش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الکعبة و قام معه نفر من قریش یدعون اللّه و یستنصرونه علی ابرهة و جنده فقال عبد المطلب و هو آخذ بحلقة الباب
لا همّ ان العبد یمنع رحله فامنع حلالک* لا یغلبنّ صلیبهم* و محالهم عدوا محالک
قال ابن هشام هذا ما صح لی منها و زاد غیره
و انصر علی آل الصلیب و عابدیه الیوم آلک* جروا جموع بلادهم* و الفیل کی یسبوا عیالک عمدوا حماک بکیدهم* جهلا و ما رقبوا جلالک* ان کنت تارکهم و کعبتنا فأمر ما بدا لک
غیره
یا رب لا أرجو لهم سواکایا رب فامنع منهم حماکا
ان عدوّ البیت من عاداکافامنعهم أن یخربوا قراکا العرب تحذف الالف و اللام من اللهم و تکتفی بما بقی و الحلال متاع البیت و أراد به سکان الحرم و المحال الکید و القوّة کذا فی حیاة الحیوان* روی أنه لما التفت عبد المطلب و هو یدعو فاذا هو بطیر من نحو الیمن فقال و اللّه انها لطیر غریبة ما هی بنجدیة و لا تهامیة* قال ابن اسحاق ثم أرسل حلقة باب الکعبة و انطلق هو و من معه من قریش الی شعف الجبال فتحرزوا فیها ینتظرون ما أبرهة فاعل بمکة اذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهیأ لدخول مکة و هیأ فیله و عبی جیشه و کان اسم الفیل محمودا و أبرهة مجمع لهدم الکعبة ثم الانصراف الی الیمن فلما وجهوا الفیل الی مکة أقبل نفیل بن حبیب قال السهیلی نفیل بن عبد اللّه بن جزء بن عامر بن مالک حتی قام الی جنب الفیل ثم أخذ باذنه فقال له ابرک محمودا و ارجع راشدا من حیث جئت فانک فی بلد اللّه الحرام ثم أرسل اذنه فبرک الفیل و خرج نفیل ابن حبیب یشتدّ حتی أصعد فی الجبل و ضربوا الفیل لیقوم فأبی فضربوا رأسه بالطبرزین لیقوم فأبی فأدخلوا محاجن لهم فی مراقه فبزغوه بها لیقوم فأبی فوجهوه راجعا الی الیمن فقام یهرول و وجهوه الی الشام ففعل مثل ذلک و وجهوه الی المشرق ففعل مثل ذلک و وجهوه الی مکة فبرک قال أمیة ابن الصلت
ان آیات ربنا بینات‌ما یماری بهنّ الا الکفور
حبس الفیل بالمغمس حتی‌ظلّ یحبو کأنه معقور و أرسل اللّه علیهم طیرا من البحر أمثال الخطاطیف قاله ابن اسحاق و قال ابن عباس کانت لهم خراطیم کخراطیم الطیر و أکف کأکف الکلاب و قال عکرمة کانت لهم رءوس کرءوس السباع و اختلفوا فی ألوانها علی ثلاثة أقوال أحدها انها کانت خضرا قاله عکرمة و سعید بن جبیر و الثانی سودا قاله عبید بن عمیر و الثالث بیضا قاله قتادة کذا فی زاد المسیر فی علم التفسیر لابن الجوزی مع کل طائر منها ثلاثة أحجار تحملها حجر فی منقاره و حجران فی رجلیه أمثال الحمص و العدس و فی أنوار التنزیل و غیره أکبر من العدسة و أصغر من الحمصة* عن ابن عباس أنه رأی منها عند أم هانی نحو قفیز مخططة کالجزع الظفاری فرمتهم بها و کان الحجر یقع علی رأس الرجل فیخرج من دبره و ان کان راکبا یخرج من أسفل مرکبه فیهلکان جمیعا فلا یصیب منهم أحدا الا هلک و علی کل حجر اسم من یقع علیه و لیس کلهم أصیب و خرجوا هاربین یبتدرون الطریق الذی منه جاءوا و یسألون نفیل بن حبیب لیدلهم علی الطریق الی الیمن فقال نفیل حین رأی ما أنزل اللّه بهم من نقمته
أین المفرّ و الاله الطالب‌و الاشرم المغلوب لیس الغالب قوله لیس الغالب من غیر روایة ابن اسحاق قال ابن اسحاق و قال نفیل أیضا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:191 أ لا حییت عنا یا ردینانعمناکم مع الاصباح عینا
أتانا قابس منکم عشاءفلم یقدر لقابسکم لدینا
ردینة لو رأیت و لا تریه‌لدی جنب المحصب ما رأینا
اذا لعذرتنی و حمدت أمری‌و لم تأس علی ما فات بینا
حمدت اللّه اذ أبصرت طیراو خفت حجارة تلقی علینا
فکل القوم یسأل عن نفیل‌کأنّ علیّ للحبشان دینا فخرجوا بکل طریق یتساقطون و یهلکون علی کل منهل و فی تفسیر زاد المسیر لابن الجوزی ثم ان عبد المطلب بعث ابنه عبد اللّه علی فرس ینظر الی القوم فرجع یرکض و یقول هلک القوم و خرج عبد المطلب و أصحابه فغنموا أموالهم انتهی و أصیب ابرهة فی جسده و خرجوا به معهم یسقط أنملة أنملة کلما سقطت منه أنملة اتبعتها منه مدّة تمت قیحا و دما* و فی المواهب اللدنیة و أصیب أبرهة فی جسده بداء فتساقط أنامله أنملة أنملة و سال منه الصدید و القیح و الدم و فی الکشاف و دوی أبرهة أی مرض فتساقطت أنامله و آرابه غضوا عضوا حتی قدموا به صنعا و هو مثل فرخ الطائر فما مات حتی انصدع صدره عن قلبه فیما یزعمون و فی زاد المسیر انصدع صدره قطعتین عن قلبه فهلک و عن عکرمة ما أصابته جدریة و هو أوّل جدریّ ظهر قال ابن اسحاق و حدّثنی یعقوب بن عتبة انه حدث ان أوّل ما رؤیت الحصبة و الجدری بأرض العرب ذلک العام و انه أوّل ما رؤی بها مرائر الشجر الحرمل و الحنظل و العشر ذلک العام و فی الکشاف و المدارک و انفلت وزیره أبو یکسوم و فی سیرة ابن هشام کان أبرهة یکنی أبا یکسوم قاله ابن اسحاق و فی تفسیر أبی اللیث السمرقندی کنیة أبرهة أبو یکسوم و اسم الفیل محمود و کنیته أبو العباس و فی زاد المسیر أبو یکسوم من کبراء أصحاب النجاشی قاله مقاتل و قیل کان أبرهة صاحب جیشه و قیل وزیره فسار أبو یکسوم و طائر یحلق فوق رأسه و هو لا یشعر به حتی بلغ النجاشی فأخبره بما أصابهم فلما أتمّ کلامه رماه الطائر فوقع علیه الحجر فخرّ میتا فأری النجاشی کیف کان هلاک أصحابه و فی معالم التنزیل و زعم مقاتل بن سلیمان ان السبب الذی جرّ أصحاب الفیل ان فتیة من قریش خرجوا تجارا الی أرض النجاشی فدنوا من ساحل البحر و ثمة بیعة للنصاری تسمیها قریش الهیکل فنزلوا فأججوا نارا فاشتووا فلما ارتحلوا ترکوا النار کما هی فی یوم عاصف فهاجت الریح فاضطرم الهیکل نارا فانطلق الصریخ الی النجاشی فأسف غضبا للبیعة فبعث أبرهة لهدم الکعبة و قال فیه انه کان بمکة یومئذ أبو مسعود الثقفی و کان مکفوف البصر یصیف بالطائف و یشتو بمکة و کان رجلا نبیها نبیلا تستقیم الامور برأیه و کان خلیلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب ما ذا عندک هذا یوم لا یستغنی فیه عن رأیک فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد الی مائة من الابل فاجعلها للّه فقلدها نعلا ثم ابثثها فی الحرم لعل بعض هذه السودان یعقر منها فیغضب رب هذا البیت فیأخذهم ففعل ذلک عبد المطلب فعمد القوم الی تلک الابل فحملوا علیها و عقروا بعضها و جعل عبد المطلب یدعو فقال أبو مسعود ان لهذا البیت ربا یمنعه فقد نزل تبع ملک الیمن صحن هذا البیت و أراد هدمه فمنعه اللّه و ابتلاه و أظلم علیه ثلاثة أیام فلما رأی تبع ذلک کساه القباطی البیض و عظمه و نحر له جزورا فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال أری طیرا بیضا نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرک أین قرارها قال أراها تدارأت علی رءوسنا قال هل تعرفها قال و اللّه ما أعرفها و ما هی بنجدیة و لا تهامیة و لا عربیة و لا شامیة قال ما قدّها قال أشباه الیعاسیب فی سناقیرها حصی کأنها حصی الخذف قد أقبلت کاللیل یکسع بعضها بعضا أمام کل رفقة طیر یقودها أحمر المنقار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:192
أسود الرأس طویل العنق فجاءت حتی اذا حاذت معسکر القوم رکدت فوق رءوسهم فلما توافت الرجال کلها أهالت الطیر ما فی مناقیرها علی من تحتها مکتوب فی کل حجر اسم صاحبه ثم انها انصاغت راجعة من حیث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشیا ربوة فلم یؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم یسمعا حسا فقال بات القوم سامدین فأصبحوا نیاما فلما دنوا من عسکر القوم فاذا هم خامدون فکان یقع الحجر علی بیضة أحدهم فیخرقها حتی یقع فی دماغه و یخرق الفیل و الدایة و یغیب الحجر فی الارض من شدّة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فوسهم فحفر حتی أعمق فی الارض فملأه من الذهب الاحمر و الجواهر و حفر لصاحبه فملأه ثم قال لابی مسعود هات فاختر إن شئت حفرتی و ان شئت حفرتک و ان شئت فهما لک معا* فقال أبو مسعود اختر لی علی نفسک فقال عبد المطلب انی لم أک اجعل أجود المتاع الا فی حفرتی فهو لک و جلس کل واحد منهما علی حفرته و نادی عبد المطلب فی الناس فتراجعوا و أصابوا من فضلهما حتی ضاقوا به ذرعا و ساد عبد المطلب بذلک قریشا و أعطته المقادة فلم یزل عبد المطلب و أبو مسعود فی أهلیهما فی غنی من ذلک المال و دفع اللّه عن کعبته* و اختلفوا فی تاریخ عام الفیل فقال مقاتل کان قبل مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأربعین سنة* و قال الکلبی بثلاث و عشرین سنة و الاکثرون علی انه کان فی العام الذی ولد فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انتهی کلام معالم التنزیل* و فی الکشاف ان أهل مکة احتووا علی أموالهم و الی هذه القصة أشار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بقوله ان اللّه حبس عن مکة الفیل و سلط علیها رسوله و المؤمنین قیل کان أبرهة هذا جدّ النجاشی الذی کان فی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد هلاک أصحاب الفیل بخمسین یوما و قیل غیر ذلک کما سیجی‌ء فی تاریخ ولادته فی الرکن الاوّل* و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت رأیت قائد الفیل و سائسه بمکة أعمیین مقعدین یستطعمان* روی أنه أرسل اللّه سیلا فذهب بهم الی البحر فلما هلک أبرهة و مزق الحبشة کل ممزق أقفر ما حول هذه الکنیسة و کثرت السباع حولها و الحیات فلا یستطیع أحد أن یأخذ منها شیئا الی زمان أبی العباس السفاح فذکروا له أمرها فبعث إلیها أبا العباس بن الربیع عامله علی الیمن و معه أهل الحزم و الجلادة فخربها و حصلوا منها مالا کثیرا ثم بعد ذلک عفار سمها و انقطع خبرها کذا فی حیاة الحیوان*

مسیر سیف بن ذی یزن الی قیصر و کسری‌

و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما هلک أبرهة ملک الحبشة بعده ابنه یکسوم بن أبرهة و به کان یکنی فلما هلک یکسوم بن أبرهة ملک الیمن فی الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة فلما طال البلاء علی أهل الیمن خرج سیف بن ذی یزن الحمیری و کان یکنی بأبی مرّة حتی قدم علی قیصر ملک الروم فشکی إلیه ما هم فیه و سأله أن یخرجهم عنه و یلیهم هو و یبعث إلیهم من شاء من الروم فیکون له ملک الیمن فلم یشکه فخرج حتی أتی النعمان بن المنذر و هو عامل کسری علی الحیرة و ما یلیها من أرض العراق فشکی إلیه أمر الحبشة فبعثه النعمان مع وفده الی کسری فدخل علیه ثم قال أیها الملک غلبنا علی بلادنا الاغربة قال کسری أی الاغربة الحبشة أم السند قال بل الحبشة فجئتک لتنصرنی و یکون ملک بلادی لک* قال کسری بعدت بلادک مع قلة خیرها فلم أکن لا ورط جیشا من فارس بأرض العرب لا حاجة لی بذلک ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف و کساه کسوة حسنة* فلما قبض ذلک سیف خرج فجعل ینثر ذلک الورق للناس فبلغ ذلک الملک فقال ان لهذا لشأنا ثم بعث إلیه فقال له عمدت الی حباء الملک تنثره للناس فقال و ما أصنع بهذا ما جبال أرضی التی جئت منها الا ذهبا و فضة یرغبه فیها فجمع کسری مرازبته فقال ما ذا ترون فی أمر هذا الرجل فقال قائل أیها الملک ان فی سجونک رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنک بعثتهم معه فان یهلکوا کان ذلک الذی أردت بهم و ان یظفروا کان ملکا ازددته فبعث معه کسری من کان فی سجونه و کانوا ثمانمائة رجل و استعمل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:193
علیهم و هرز و کان ذا سنّ فیهم و أفضلهم حسبا و بیتا فخرج فی ثمان سفائن فغرقت سفینتان و وصل الی ساحل عدن ست سفائن* فجمع سیف الی و هرزمن استطاع من قومه و قال له رجلی مع رجلک حتی نموت جمیعا أو نظفر جمیعا قال و هرز أنصفت و خرج إلیه مسروق بن أبرهة ملک الیمن و جمع إلیه جنده فأرسل إلیهم و هرز ابنا له لیقاتلهم فیختبر قتالهم فقتل ابن و هرز فزاده ذلک حنقا علیهم فلما تواقف الناس علی مصافهم قال و هرز أرونی ملکهم فقالوا له أ تری رجلا علی الفیل عاقدا تاجه علی رأسه بین عینیه یاقوتة حمراء قال نعم قالوا ذاک ملکهم قال اترکوه فوقفوا طویلا ثم قال علام هو قالوا تحوّل علی الفرس قال اترکوه فوقفوا طویلا ثم قال علام هو قالوا علی البغلة قال و هرز بنت الحمارة ذلّ و ذلّ ملکه انی سأرمیه فان رأیتم أصحابه لم یتحرّکوا فاثبتوا حتی أوذنکم فانی قد أخطأت الرجل و ان رأیتم القوم قد استداروا و لا ثوابه فقد أصبت الرجل فاحملوا علیهم ثم وتر قوسه و کانت فیما یزعمون لا یوترها غیره من شدّتها فأمر بحاجبیه فعصبا له ثم رماه فصک الیاقوتة التی بین عینیه فتغلغلت النشابة فی رأسه حتی خرجت من قفاه و نکس عن دابته و استدارت الحبشة و لاثت به و حملت علیهم الفرس و انهزموا فقتلوا و هربوا فی کل وجه و أقبل و هرز لیدخل صنعاء حتی اذا أتی بابها فوجده قصیر الا تدخله الرایة مستقیمة قال لا تدخل رایتی منکسة أبدا اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رایته* قال ابن اسحاق فأقام و هرز و الفرس بالیمن فمن بقیة ذلک الجیش من الفرس الابناء الذین بالیمن الیوم قال ابن هشام طاوس الیمانی من هؤلاء الابناء*

سبب تملک الحبشة الیمن‌

قال ابن اسحاق و کان ملک الحبشة بالیمن بین أن دخلها أرباط الی أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة و أخرجت الحبشة اثنتین و سبعین سنة توارث ذلک أربعة أرباط ثم أبرهة ثم یکسوم بن ابرهة ثم مسروق بن أبرهة* قال ابن هشام ثم مات و هرز فأمر کسری ابنه المرزبان بن و هرز علی الیمن ثم مات المرزبان فأمر کسری ابنه التینجان بن المرزبان علی الیمن ثم مات التینجان فأمر کسری ابن التینجان علی الیمن ثم عزله و أمّر باذان فلم یزل علیها حتی بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سیجی‌ء اسلام باذان فی الموطن الثالث* فی سیرة ابن هشام ذکر ابن اسحاق کیفیة تملک أرباط الیمن أوّلا و سبب ملک الحبشة بها فقال روی أن أهل نجران کانوا أهل شرک یعبدون الاوثان و کان فی قریة من قراها قریبة من نجران و نجران القریة العظمی التی إلیها جماع تلک البلاد ساحر یعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها قیمیون و لم یسموه لی باسمه الذی سماه به وهب بن منبه قالوا رجل نزلها ابتنی خیمة بین نجران و بین تلک القریة التی بها الساحر فجعل أهل نجران یرسلون غلمانهم الی ذلک الساحر یعلمهم السحر فبعث إلیه التامر ابنه عبد اللّه بن التامر مع غلمان أهل نجران فکان اذ امر بصاحب الخیمة أعجبه ما یری من صلاته و عبادته فجعل یجلس إلیه و یسمع منه حتی أسلم فوحد اللّه و عبده و جعل یسأله عن شرائع الاسلام حتی اذا فقه فیه جعل یسأله عن الاسم الاعظم و کان یعلمه فکتمه ایاه و قال له یا ابن أخی انک ان تحمله أخش ضعفک عنه و التامر أبو عبد اللّه لا یظنّ الا أن ابنه یختلف الی الساحر کما یختلف الغلمان فلما رأی عبد اللّه أن صاحبه قد ضنّ به عنه و تخوّف ضعفه فیه عمد الی قداح فجمعها ثم لم یبق للّه اسما یعلمه الا کتبه فی قدح لکل اسم قدح حتی اذا أحصاها أوقد لها نارا ثم جعل یقذفها فیها قدحا قدحا حنی اذا مرّ بالاسم الاعظم قذف فیها بقدحه فوثب القدح حتی خرج منها لم تضرّه النار شیئا فأخذه ثم أتی به صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الاعظم الذی کتمه قال و ما هو قال هو کذا و کذا قال و کیف علمته فأخبره بما صنع فقال أی ابن أخی قد أصبته فأمسک علی نفسک ما أظنّ أن تفعل فجعل عبد اللّه بن التامر اذا دخل نجران لم یلق أحدا به ضرّ الا قال له یا عبد اللّه أ توحد اللّه و تدخل معی فی دینی و أدعو اللّه فیعافیک مما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:194
أنت فیه من البلاء فیقول نعم فیوحد اللّه و یسلم و یدعو له فیشفی حتی لم یبق بنجران أحد به ضرّ الا أتاه فاتبعه علی أمره فدعا له فعوفی فرفع شأنه الی ملک نجران فدعاه و قال أفسدت علیّ أهل قریتی و خالفت دینی و دین آبائی لأمثلنّ بک قال لا تقدر علی ذلک قال فجعل یرسل به الی الجبل الطویل فیطرح عن رأسه فیقع الی الارض لیس به بأس و جعل یبعث به الی میاه نجران بحور لا یقع فیها شی‌ء الا هلک فیلقی فیها فیخرج لیس به بأس فلما غلبه قال له عبد اللّه بن التامر انک و اللّه لا تقدر علی قتلی حتی توحد اللّه فتؤمن بما آمنت به فانک ان فعلت ذلک سلطت علیّ فتقتلنی قال فوحد اللّه ذلک الملک و شهد شهادة عبد اللّه بن التامر ثم ضربه بعصا فی یده فشجه شجة غیر کبیرة فقتله و هلک الملک مکانه و استجمع أهل نجران علی دین عبد اللّه بن التامر و کان علی ما جاء به عیسی من الانجیل و حکمه ثم أصابهم ما أصاب أهل دینهم من الاحداث فمن هنالک کان أصل النصرانیة بنجران* قال ابن اسحاق فهذا حدیث محمد بن کعب القرظی و بعض أهل نجران عن عبد اللّه بن التامر و اللّه أعلم*

نادرة

قال ابن اسحاق حدّثنی عبد اللّه بن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران فی زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خراب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد اللّه بن التامر تحت دفن منها قاعدا واضعا یده علی ضربة فی رأسه ممسکا علیها بیده فاذا أخرت یده عنها تشعبت دما و اذا أرسلت یده ردّها علیها فأمسک دمها فی یده خاتم مکتوب فیه ربی اللّه فکتب الی عمر بن الخطاب یخبره بأمره فکتب إلیهم عمر أن أقرّوه علی حاله و ردّوا علیه الدفن الذی کان علیه ففعلوا* و فی أنوار التنزیل روی أن ملکا کان له ساحر فلما کبر ضم إلیه غلاما لیعلمه السحر و کان فی طریق الغلام راهب فسمع منه و مال قلبه إلیه فرأی فی طریقه ذات یوم حیة قد حبست الناس فأخذ حجرا و قال اللهم ان کان الراهب أحب إلیک من الساحر فاقتلها فقتلها و کان الغلام بعد ذلک یبرئ الاکمه و الابرص و یشفی من الادواء و عمی جلیس للملک فأبرأه فسأله الملک عمن أبرأه فقال ربی فغضب و عذبه فدلّ علی الغلام فعذبه فدلّ علی الراهب فلم یرجع الراهب عن دینه فقدّ بالمنشار فأتی بالغلام فأرسل الی جبل لیطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فهلکوا و نجا و أجلسه فی سفینة لیغرق و عبارة المدارک فذهبوا به الی قرقور فلججوا به لیغرقوه فدعا فانکفأت السفینة بمن معه فغرقوا فنجا فقال للملک لست بقاتلی حتی تجمع الناس فی صعید واحد و تصلبنی علی جذع و تأخذ سهما من کنانتی و تقول بسم اللّه رب الغلام ثم ترمینی به فرماه فوقع فی صدغه فوضع یده علیه فمات فقال الناس آمنا برب الغلام فقیل للملک نزل بک ما کنت تحذر فأمر بأخادید أوقدت فیها النیران فمن لم یرجع منهم عن دینه طرحه فیها حتی جاءت امرأة معها صبی فتقاعست فقال الصبی یا أماه اصبری فانک علی الحق فألقی الصبی و أمه فیها* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما تنصر أهل نجران سار إلیهم ذو نواس الیهودی فدعاهم الی الیهودیة و خیرهم بین ذلک و القتل فاختاروا القتل فخدّ لهم الاخدود و حرّقهم بالنار و قتل بالسیف و مثل بهم حتی قتل منهم قریبا من عشرین ألفا ففی ذی نواس و جنده ذلک أنزل اللّه قتل أصحاب الاخدود الی آخر الآیة* قال ابن هشام الاخدود الحفر المستطیل فی الارض کالخندق و الجدول و نحوه و جمعه أخادید* قال ابن اسحاق و أفلت منهم رجل من سبأ یقال له دوس ذو ثعلبان علی فرس له فسلک الرمل فأعجزهم فمضی علی وجهه ذلک حتی أتی قیصر صاحب الروم فاستنصره علی ذی نواس و جنوده و أخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادک منا و لکنی أکتب لک الی ملک الحبشة فانه علی هذا الدین و هو أقرب الی بلادک فکتب إلیه یأمره بنصره و الطلب بثاره فقدم دوس علی النجاشی بکتاب قیصر فبعث معه سبعین ألفا من الحبشة و أمّر علیهم رجلا منهم یقال له اریاط و معه فی جنده أبرهة الاشرم فرکب اریاط البحر حتی نزل بساحل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:195
الیمن و معه دوس و سار إلیه ذو نواس فی حمیر و من أطاعه من قبائل الیمن فلما التقوا انهزم ذو نواس و أصحابه فلما رأی ذو نواس ما نزل به و بقومه وجه فرسه فی البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتی أفضی به الی غمره فأدخله فیه فکان آخر العهد به و دخل اریاط الیمن فلکها* قال ابن اسحاق فأقام اریاط بالیمن ستین فی سلطانه ذلک ثم نازعه فی أمر الحبشة بالیمن أبرهة الحبشی حتی تفرّقت الحبشة علیهما فانحاز الی کل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما الی الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة الی اریاط انک لا تصنع أن تلقی الحبشة بعضها ببعض حتی تفنیها شیئا بعد شی‌ء فابرز الیّ و أبرز إلیک فأینا أصاب صاحبه انصرف إلیه جنده فأرسل إلیه اریاط أنصفت فخرج إلیه أبرهة و کان رجلا لحیما قصیرا و کان ذا دین فی النصرانیة و خرج إلیه اریاط و کان رجلا جمیلا طویلا و فی یده حربة له و خلف أبرهة غلام له یقال له عتودة و یروی بعضهم عیودة بالیاء یمنع ظهره فرفع اریاط الحربة فضرب بها أبرهة یرید بها نافوخه فوقعت الحربة علی جبهة أبرهة فشرمت حاجبه و انفه و عینه و شفته فبذلک سمی أبرهة الاشرم و حمل عتودة علی اریاط من خلف أبرهة فقتله و انصرف جند اریاط الی أبرهة فاجتمعت علیه الحبشة بالیمن و ودی أبرهة اریاط فلما بلغ ذلک النجاشی غضب غضبا شدیدا و قال عدا علی أمیری فقتله من غیر أمری ثم حلف لا یدع أبرهة حتی یطأ بلاده و یجز ناصیته فحلق أبرهة رأسه و ملأ جرابا من تراب الیمن ثم بعث به الی النجاشی ثم کتب إلیه أیها الملک انما کان اریاط عبدک و أنا عبدک اختلفنا فی أمرک و کل طاعته لک الا أنی کنت أقوی علی أمر الحبشة و أضبط لها و أسوس منه و قد حلقت رأسی کله حین بلغنی قسم الملک و بعثت إلیه بجراب من تراب أرضی لیضعه تحت قدمیه فتبرّ قسمه فیّ فلما انتهی ذلک الی النجاشی رضی عنه و کتب إلیه أن اثبت بأرض الیمن حتی یأتیک أمری و أقام أبرهة بالیمن* و فی تفسیر أبی اللیث السمرقندی فقال أبرهة لعتودة حین قتل اریاط یا عتودة احکم یعنی احکم علیّ بما شئت قال عتودة حکمی أن لا یدخل عروس من بیت أهل الیمن علی زوجها حتی أصیبها قبله قال ذلک لک فقام أبرهة بالیمن و غلامه عتودة یصنع بالیمن ما کان أعطاه من حکمه حینا ثم عدا علیه رجل من حمیر أو من خثعم فقتله فلما بلغ أبرهة قتله و کان رجلا حلیما و رعا فی دینه من النصرانیة فقال قد آن لکم یا أهل الیمن أن یکون منکم رجل حازم یأنف مما یأنف منه الرجال انی و اللّه لو علمت حین حکمته أنه یسأل الذی سأل ما حکمته و أیم اللّه لا یؤخذ منکم فیه عقل و لا قود ثم بنی القلیس بصنعاء کما ذکرنا و اللّه أعلم‌

* (الرکن الاوّل فی الحوادث من عام ولادته الی زمان نبوّته‌

اشارة

و فیه ثلاثة أبواب‌

الباب الاوّل فی الحوادث من عام ولادته الی السنة الحادیة عشر من تاریخ ولادته‌

اشارة

و فیه ذکر خالد بن سنان و حنظلة بن صفوان و ما وقع لیلة میلاده و ما وقع حین الولادة و ذکر الختان و ذکر أسمائه و القابه و کناه و شمائله و صفاته و خصائصه و معجزاته و ارضاع الاظآر و عددها و ما وقع عند حلیمة من شق الصدر و غیره و ولادة أبی بکر و ردّ حلیمة الی أمه و فقده فی الطریق و وفاة أمه و کفالة عبد المطلب و حدیث سیف بن ذی یزن و رمده و استسقاء عبد المطلب و ذکر سلیمان و بلقیس و وفاة عبد المطلب و کفالة أبی طالب و موت حاتم الطائی و موت کسری أنوشروان و ولایة ابنه هرمز و خروج أبی طالب به الی الشام و حرب الفجار الاوّل و شق الصدر علی قول)*

* (ذکر تاریخ ولادته)

فی المواهب اللدنیة اختلف فی عام ولادته صلّی اللّه علیه و سلم فالاکثرون علی أنه عام الفیل و به قال ابن عباس* و من العلماء من حکی الاتفاق علیه و قال و کل قول یخالفه فهو و هم و قال ابن الجوزی فی الصفوة اتفقوا علی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ولد بمکة یوم الاثنین فی شهر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:196
ربیع الاوّل عام الفیل و بعد ما اتفقوا علی أن ولادته کانت فی عام الفیل اختلفوا فیما مضی من ذلک العام ففی المنتقی قال ابن عباس ولد یوم الفیل و کان قدوم الفیل یوم الاحد لخمس خلون من المحرّم کذا فی سیرة مغلطای و هلاک أصحابه لثلاث عشرة لیلة بقیت من المحرم و کان أوّل المحرم تلک السنة یوم الجمعة و ذلک فی عهد کسری أنوشروان بن قباد بن فیروز بن یزدجرد بن بهرام جور لمضیّ اثنتین و أربعین سنة و فی أسد الغابة لاربعین سنة من ملکه و عاش کسری بعد مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سبع سنین و ثمانیة أشهر و کان ملکه سبعا أو ثمانیا و أربعین سنة و ثمانیة أشهر کذا قاله ابن الاثیر و فی المنتقی کانت وفاة عبد المطلب فی ملک هرمز بن أنوشروان و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ کان ابن ثمان سنین و قیل غیر ذلک و فی شواهد النبوّة عاش کسری أنوشروان بعد مولده صلّی اللّه علیه و سلم اثنتین و عشرین سنة و اللّه أعلم و فی المواهب الدنیة المشهور أنه ولد بعد الفیل بخمسین یوما و إلیه ذهب السهیلی فی جماعة و فی المنتقی أیضا قال بعضهم ولد بعد الفیل بخمسین یوما و کان بین الفیل و الفجار عشرون سنة و کان بین بنیان الکعبة و الفجار خمس عشرة سنة و فی المواهب اللدنیة و قیل بعده بخمسة و خمسین یوما حکاه الدمیاطی فی آخرین و فی المنتقی عن أبی جعفر محمد بن علی قال ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین لعشر خلون من ربیع الاوّل و کان قدوم الفیل للنصف من المحرم فبین الفیل و بین مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خمس و خمسون لیلة* و فی المواهب اللدنیة و قیل بعده بشهر و قیل بأربعین یوما و قیل بشهرین و عشرة أیام و قیل بعشرین سنة و قیل بثلاثین سنة و قیل بأربعین سنة و قیل بسبعین سنة و قیل غیر ذلک کذا فی مورد اللطافة* و فی سیرة مغلطای و قیل بخمسین یوما و قیل بشهرین و ستة أیام و قیل لثنتی عشرة لیلة خلت من رمضان سنة ثلاث و عشرین من غزوة أصحاب الفیل و قیل بعد الفیل بعشر سنین و یروی هذا القول عن الزهری و لا یصح و قیل قبل الفیل بخمس عشرة سنة و قیل غیر ذلک و المشهور أنه بعد الفیل لان قصة الفیل کانت توطئة و ارهاصا لنبوّته و تقدمة و أساسا لظهور بعثته و الا فاصحاب الفیل کما قاله ابن القیم کانوا نصاری أهل کتاب و کان دینهم خیرا من دین أهل مکة اذ ذاک لانهم کانوا عبدة الاوثان فنصرهم اللّه علی أهل الکتاب نصرا لا صنع للبشر فیه ارهاصا و تقدمة للنبیّ الذی خرج من مکة و تعظیما للبلد الحرام و اختلف أیضا فی الشهر الذی ولد فیه و المشهور أنه ولد فی شهر ربیع الاوّل و هو قول جمهور العلماء و نقل ابن الجوزی الاتفاق علیه کما مر و فیه نظر فقد قیل ولد یوم عاشوراء و قیل فی صفر و قیل فی ربیع الآخر و قیل فی رجب و قیل فی رمضان و روی عن ابن عمر باسناد لا یصح و هو موافق لمن قال ان آمنة حملت به فی أیام التشریق و أغرب من قال ولد یوم عاشوراء و کذا اختلف أیضا فی أیّ یوم من الشهر ولد فقیل انه غیر معین و انما ولد یوم الاثنین من ربیع الاوّل من غیر تعیین و الجمهور علی أنه یوم معین منه فقیل للیلتین خلتا منه و قیل لثمان خلت منه قال الشیخ قطب الدین القسطلانی و هو اختیار أکثر أهل الحدیث و نقله عن ابن عباس و جبیر بن مطعم و هو اختیار أکثر من له معرفة بهذا الشأن و اختاره الحمیدی و شیخه ابن حزم و حکی القضاعی فی عیون المعارف اجماع أهل الزیج علیه و رواه الزهری عن محمد بن جبیر بن مطعم و کان عارفا بالنسب و أیام العرب أخذ ذلک عن أبیه جبیر و قیل لعشر و قیل لاثنتی عشرة لیلة و علیه عمل أهل مکة فی زیارتهم موضع مولده فی هذا الوقت و قیل لسبع عشرة و قیل لثمان بقین منه و قیل ان هذین القولین غیر صحیحین عمن حکیا عنه بالکلیة و المشهور أنه ولد فی ثانی عشر ربیع الاوّل و هو قول ابن اسحاق و غیره و انما کان فی شهر ربیع الاوّل علی الصحیح و لم یکن
فی المحرم و لا فی رجب و لا فی رمضان و لا فی غیرها من الاشهر ذوات الشرف لانه صلّی اللّه علیه و سلم لا یتشرّف بالزمان و انما الزمان یتشرّف به کالا ما کن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:197
فلو ولد فی شهر من الشهور المذکورة لتوهم أنه تشرّف بها فجعل اللّه مولده فی غیرها لیظهر عنایته به و کرامته علیه و اذا کان یوم الجمعة الذی خلق اللّه فیه آدم علیه السلام خص بساعة لا یصادفها عبد مسلم یسأل اللّه خیرا الا أعطاه ایاه فما ظنک بالساعة التی ولد فیها سید المرسلین و لم یجعل اللّه تعالی فی یوم الاثنین یوم مولده علیه السلام من التکلیف بالعبادات ما جعل فی یوم الجمعة المخلوق فیه آدم من الجمعة و الخطبة و غیر ذلک اکراما لنبیه صلّی اللّه علیه و سلم بالتخفیف عن أمته بسبب عنایته وجوده قال اللّه تعالی و ما أرسلناک الا رحمة للعالمین و من جملة ذلک عدم التکلیف* و اختلف أیضا فی الوقت الذی ولد فیه و المشهور أنه یوم الاثنین فعن قتادة الانصاری انه صلّی اللّه علیه و سلم سئل عن صیام الاثنین قال ذلک یوم ولدت فیه و أنزل علیّ فیه النبوّة رواه مسلم و هذا یدل علی أنه صلّی اللّه علیه و سلم ولد نهارا*

ذکر یوم ولادته‌

و فی المسند عن ابن عباس قال ولد صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و استنبئ یوم الاثنین و خرج مهاجرا من مکة الی المدینة یوم الاثنین و دخل المدینة یوم الاثنین و رفع الحجر یوم الاثنین و قبض یوم الاثنین انتهی و کذا فتح مکة و نزول سورة المائدة یوم الاثنین* و قد روی ولد عند طلوع الفجر فعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال کان بمرّ الظهران راهب من أهل الشام یسمی عیصی و کان یقول یوشک أن یولد منکم یا أهل مکة مولود تدین له العرب و یملک العجم هذا زمانه فکان لا یولد مولود بمکة الا یسأل عنه فلما کان صبیحة الیوم الذی ولد فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خرج عبد المطلب حتی أتی عیصی فناداه فأشرف علیه فقال له عیصی کن أباه فقد ولد ذلک المولود الذی کنت أحدّثکم عنه یوم الاثنین و یبعث یوم الاثنین و یموت یوم الاثنین قال ولد لی اللیلة مع الصبح مولود قال فما سمیته قال محمدا قال و اللّه لقد کنت أشتهی أن یکون هذا المولود فیکم أهل هذا البیت بثلاث خصال نعرفه فقد أتی علیهنّ منها أنه طلع نجمه البارحة و انه ولد الیوم و ان اسمه محمد رواه جعفر بن أبی شیبة و خرّجه أبو نعیم فی الدلائل بسند فیه ضعف و قیل کان وضعه صلّی اللّه علیه و سلم عند طلوع الغفر من منازل القمر و هی ثلاثة أنجم صغار ینزلها القمر و هو مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و وافق ذلک من الشهور الشمسیة نیسان و هو برج الحمل و کان لعشرین درجة مضت منه*

ذکر طالع ولادته‌

و فی روضة الاحباب نقل عن أبی معشر البلخی و هو من مهرة علماء النجوم أنه استخرج طالع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عشرین درجة من الجدی حین کان زحل و المشتری فی ثلاث درج من العقرب مقترنین فی درجة وسط السماء و المرّیخ فی بیته فی الحمل و الشمس أیضا فی الحمل فی الشرف و الزهرة فی الحوت فی الشرف و عطارد أیضا فی الحوت و القمر فی أوّل المیزان و الرأس فی الجوزاء فی الشرف و الذنب فی القوس فی الشرف فی بیت الاعداد* و فی المواهب اللدنیة و قیل ولد لیلا فعن عائشة کان بمکة یهودی یتجر فیها و لما کانت اللیلة التی ولد فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال یا معشر قریش هل ولد فیکم اللیلة مولود قالوا لا نعلمه قال انظروا یا معشر قریش و أحصوا ما أقول لکم ولد اللیلة بنی هذه الامة الاخیرة بین کتفیه علامة فیها شعرات متواترات کأنهنّ عرف فرس* و فی شواهد النبوّة و لا یشرب اللبن لیلتین متتابعتین لان عفریتا من الجنّ یجعل اصبعه فی فیه فیمنعه من شرب اللبن فتصدّع القوم من مجالسهم و هم یتعجبون من حدیثه فلما صاروا فی منازلهم ذکروه لاهالیهم فقیل لبعضهم ولد لعبد اللّه بن عبد المطلب اللیلة غلام سماه محمدا فأتوا الیهودی فی منزله فقالوا له أعلمت أنه ولد فینا مولود فقالوا اذهبوا بنا إلیه فخرجوا بالیهودی حتی أدخلوه علی أمه فقالوا أخرجی لنا ابنک فأخرجته و کشفوا عن ظهره فرأی تلک السامة فوقع الیهودی مغشیا علیه فلما أفاق قالوا مالک ویلک قال ذهبت و اللّه النبوّة من بنی اسرائیل رواه الحاکم و زاد فی المنتقی و خرج الکتاب من أیدیهم و هذا مکتوب بقتلهم و تدمیر أخیارهم فازت العرب بالنبوّة أ فرحتم یا معشر قریش أما و اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:198
لیسطونّ بکم سطوة یخرج نبؤها من المشرق الی المغرب* قال الشیخ الزرکشی و الصحیح ان ولادته صلّی اللّه علیه و سلم کانت نهارا قال و أما ما روی من تدلی النجوم فضعفه ابن دحیة لاقتضائه أن الولادة کانت لیلا قال و هذا لا یصح أن یکون تعلیلا فان زمان النبوّة صالح للخوارق و یجوز أن تسقط النجوم نهارا انتهی فاذا قلنا أنه صلّی اللّه علیه و سلم ولد لیلا فلیلة مولده أفضل من لیلة القدر من وجوه ثلاثة* أحدها أن لیلة المولد لیلة ظهوره صلّی اللّه علیه و سلم و لیلة القدر معطاة له و ما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطیه و لا نزاع فی ذلک فکانت لیلة المولد بهذا الاعتبار أفضل* الثانی ان لیلة القدر تشرفت بنزول الملائکة فیها و لیلة مولده تشرفت بظهوره فیها صلّی اللّه علیه و سلم و من تشرّفت به لیلة المولد أفضل ممن تشرّفت به لیلة القدر علی الاصح المرتضی فتکون لیلة المولد أفضل* و الثالث ان لیلة القدر وقع فیها التفضل علی أمة محمد صلّی اللّه علیه و سلم و لیلة المولد الشریف وقع التفضل فیها علی جمیع الموجودات فهو الذی بعثه اللّه رحمة للعالمین فعمت به النعمة علی جمیع الخلائق فکانت لیلة المولد أعمّ نفعا فکانت أفضل فسبحان من جعل مولده للقلوب ربیعا و حسنه بدیعا
شعر
یقول لنا لسان الحال منه‌و قول الحق یعذب للسمیع
فوجهی و الزمان و شهر وضعی‌ربیع فی ربیع فی ربیع

مکان ولادته‌

و اختلف أیضا فی مکان ولادته صلّی اللّه علیه و سلم قیل ولد بمکة فی الدار التی کانت لمحمد بن یوسف الثقفی أخی الحجاج و یقال بالشعب و یقال بالردم و یقال بعسفان کذا فی المواهب اللدنیة و سیرة مغلطای و قال فی غیره و تلک الدار فی زقاق بمکة معروف بزقاق المولد فی شعب مشهور بشعب بنی هاشم من الطرف الشرقی لمکة تزار و یتبرک بها الی الآن و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ورث تلک الدار فوهبها لعقیل بن أبی طالب زمن الهجرة فلم تزل فی ید عقیل حتی توفی و بعد وفاته باعها أولاده من محمد ابن یوسف الثقفی أخی الحجاج بن یوسف و أدخل ذلک البیت أی مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی داره التی یقال لها البیضاء و لم تزل کذلک حتی حجت خیزران جاریة المهدی أم هارون الرشید فأفرزت ذلک البیت عن تلک الدار و جعلته مسجدا یصلی فیه*

بیان التواریخ‌

قال صاحب جامع الاصول و غیره حین ولد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان قد مضی من وفاة الاسکندر الرومی ثمانمائة و اثنتان و ثمانون سنة و فی المنتقی بین مولد نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و بین آدم مدّة مختلف فیها فعلی ما روی الواقدی أربعة آلاف و ستمائة سنة و قال قوم ستة آلاف سنة و مائة و ثلاث عشرة سنة* و فی روایة أبی صالح عن ابن عباس خمسة آلاف و خمسمائة سنة* قال مؤلف المنتقی شاهدت فی کتب التفاسیر ان من آدم الی نوح ألف سنة و قیل ألفا سنة و من نوح الی ابراهیم ألفا سنة و ستمائة و أربعون سنة کما ذکره فی الکشاف و من ابراهیم الی موسی ألف سنة و من موسی الی عیسی ألفا سنة و من عیسی الی نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم خمسمائة و ستون سنة أو ستمائة سنة فتکون الجملة ثمانیة آلاف و مائتین و أربعین سنة* و نقل ابن الجوزی فی التلقیح عن ابن عباس و محمد بن اسحاق انه کانت من زمان عیسی الی مولد نبینا علیهما السلام ستمائة سنة و فی روایة خمسمائة و ثمان و سبعون سنة مما رفع عیسی الی السماء و نقل ان ذلک بعد هبوط آدم بستة آلاف و ثلاث و أربعین سنة* و فی شواهد النبوّة من مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی زمن عیسی ستمائة و عشرون سنة و من عیسی الی داود ألف و مائتا سنة و من داود الی موسی خمسمائة سنة و من موسی الی ابراهیم سبعمائة و سبعون سنة و من ابراهیم الی نوح ألف و أربعمائة و عشرون سنة و من الطوفان الی آدم ألف و مائتان و أربعون سنة فالجملة ستة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:199
آلاف و سبعمائة و خمس و ستون سنة* و فی صحیح البخاری عن سلمان أنه قال فترة ما بین عیسی و محمد صلی اللّه علیه و سلم ستمائة سنة و من عیسی الی موسی ألفا سنة و من موسی الی ابراهیم ألف سنة و من ابراهیم الی نوح ألفا سنة و ستمائة و أربعون سنة و من نوح الی آدم ألف سنة و قیل ألفا سنة و فی أنوار التنزیل ان بین عیسی و موسی ألفا سنة و سبعمائة سنة و ألف نبی* و فی المشکاة عن أبی هریرة أنه قال لیس بین عیسی و بین نبینا صلّی اللّه علیه و سلم نبی و فی الکشاف و أنوار التنزیل الفترة بین عیسی و محمد علیهما السلام ستمائة أو خمسمائة و تسع و ستون سنة و أربعة أنبیاء ثلاثة من بنی اسرائیل و واحد من العرب خالد بن سنان العبسی فکان ارسال نبینا صلّی اللّه علیه و سلم علی فترة حین انطمست آثار الوحی* و فی حیاة الحیوان و کان حنظلة بن صفوان فی زمن الفترة بین عیسی و محمد علیهما السلام‌

* (ذکر خالد بن سنان العبسی و حنظلة بن صفوان)

فأما خالد بن سنان فروی أنه کان فی عهد کسری أنوشروان و کان یدعو الناس الی دین عیسی و کان بأرض بنی عبس و أطفأ النار التی کانت تخرج من بئر هناک و تحرق من لقیته من عابری سبیل أو غیرهم* و فی المختصر خالد بن سنان العبسی کان نبیا من ولد اسماعیل و کان بعد المسیح بثلاثمائة سنة و هی الفترة* روی عن ابن عباس أنه قال ظهرت نار بالبادیة بین مکة و المدینة فی الفترة فسمتها العرب بد او کادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس و فی الکامل لابن الاثیر کان فی الفترة خالد بن سنان العبسی قیل کان نبیا و من معجزاته ان نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها و کادوا یتمجسون فأخذ خالد عصاه و دخلها حتی توسطها ففرّقها و هو یقول بدا بدا کل هدی مؤدّی الی اللّه الاعلی لأدخلنها و هی تلظی و لاخرجنّ منها و ثیابی تندی ثم انها طفئت و هو فی وسطها* و فی الوفاء روی ابن أبی شیبة فی خبر من طرق ملخصة انه کان بأرض الحجاز نار یقال لها نار الحدثان فی حرّة بأرض بنی عبس تعشی الابل بضوئها من مسیرة ثمان لیال و ربما خرج منها العنق و ذهب فی الارض فلا یبقی شیئا الا أکله ثم یرجع حتی یعود الی مکانه و ان اللّه تعالی أرسل إلیها خالد بن سنان فقال لقومه یا قوم ان اللّه أمرنی أن أطفئ هذه النار التی قد أضرت بکم فلیقم معی من کل بطن رجل فخرج بهم حتی انتهی الی النار فخط علیهم خطا ثم قال ایاکم أن یخرج أحد منکم من هذا الخط فیحترق و لا ینوّهنّ باسمی فأهلک و جعل یضرب النار و یقول بدا بدا کل هدی للّه مؤدّی حتی عادت من حیث جاءت و خرج یتبعها حتی ألجأها فی بئر فی وسط الحرة منها تخرج النار فانحدر فیها خالد و فی یده درة فاذا هو بکلاب تحتها فرضهنّ بالحجارة و ضرب النار حتی أطفأها اللّه علی یده و معهم ابن عم لهم فجعل یقول هلک خالد فخرج و علیه بردان ینطفان من العرق و هو یقول کذب ابن راعیة المعزی لأخرجنّ منها و ثیابی تندی فسمی بنو ذلک الرجل ببنی راعیة المعزی الی الیوم* و فی روایة ان قومه سالت علیهم نار من حرة النار فی ناحیة خیبر و الناس فی وسطها و هی تأتی من ناحیتین جمیعا فحافها الناس خوفا شدیدا* و فی روایة تخرج من شعب فی شق جبل من حرّة یقال لها حرة أشجع فقال لهم خالد بن سنان ابعثوا معی انسانا حتی أطفئها من أصلها فخرج معه راعی غنم هو ابن راعیة المعزی حتی جاء غارا تخرج منه النار* و فی روایة انها کانت تخرج من بئر ثم قال خالد أمسک ثوبی ثم دخل فی الغار و فی روایة انطلق فی ناس من قومه حتی أتاها و قال لهم ان أبطأت عنکم فلا تدعونی باسمی فخرجت کأنها خیل شقر یتبع بعضها بعضا فاستقبلها خالد فجعل یضربها بعصاه و هو یقول هدیا هدیا کل بهنّ مؤدّی زعم ابن راعیة المعزی انی لا أخرج منها و ثیابی تندی حتی دخل معها الشعب فأبطأ علیهم فقال بعضهم لو کان حیا لخرج إلیکم فقالوا انه قد نهانا أن ندعوه باسمه قالوا ادعوه باسمه فو اللّه لو کان حیا لخرج إلیکم بعد فدعوه باسمه فخرج و هو آخذ برأسه فقال أ لم أنهکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:200
أن تدعونی باسمی فقد و اللّه قتلتمونی احملونی ادفنونی فاذا مرّت بکم حمر معها حمار أبتر* و فی روایة فاذا دفنتمونی فأتی علیّ ثلاثة أیام و فی روایة حول فأتوا قبری فارصدوه فاذا عرضت لکم عانة من حمر وحش و بین یدیها عیر فانبشونی و فی روایة فارموه و اذبحوا علی قبری ثم انبشوا قبری* و فی الکامل یقدمها غیر أبتر فیضرب قبری بحافره فاذا رأیتم ذلک فانبشوا قبری فانی أقوم فأخبرکم بجمیع ما هو کائن الی یوم القیامة فلما مات دفنوه فأتوا القبر بعد ثلاثة أیام و سخت لهم الحمر قال فرموه و ذبحوا علی قبره و أرادوا نبشه فمنعهم قوم من أهل بیته و قالوا لا ندعکم تنبشون صاحبنا فنعیر بذلک و ندعی بنی المنبوش و فی روایة فتکون سنة علینا فترکوه و فی روایة لابن القعقاع بن خلید العبسی عن أبیه عن جدّه قال بعث اللّه خالد بن سنان نبیا الی بنی عبس فدعاهم الی اللّه فکذبوه فقال قیس بن زهیر ان دعوت فأسلت علینا هذه الحرّة نارا اتبعناک فانک انما تخوّفنا بالنار و ان لم تسل نارا کذبناک قال فذلک بینی و بینکم قالوا نعم قال فتوضا ثم قال اللهمّ انّ قومی کذبونی و لم یؤمنوا برسالتی الا أن تسیل علیهم هذه الحرّة نارا فأسلها علیهم نارا قال فطلع مثل رأس الحریش ثم عظمت حتی عرضت أکثر من میل فسالت علیهم فقالوا یا خالد ارددها فانا مؤمنون بک فتناول عصا ثم استقبلها بعد ثلاث لیال فدخل فیها فضربها بالعصا فلم یزل یضربها حتی رجعت فقال فرأیتنا نعشی الابل علی ضوئها ضلعا الربذة و بین ذلک ثلاث لیال* روی ان خالدا کان اذا أراد أن یستسقی یدخل رأسه فی جیبه فتمطر و لا یمسک المطر حتی یرفعه کذا فی الوفاء*

ذکر حنظلة بن صفوان‌

و أما حنظلة بن صفوان فقیل بعثه اللّه الی أصحاب الرس و هم قوم ابتلاهم اللّه بطیر عظیم لها عنق طویل من أحسن الطیر کان فیها من کل لون و سموها عنقاء لطول عنقها و کانت تسکن جبلهم الذی یقال له فتح أو دمخ مصعده فی السماء میل و کانت تنقض علی صبیانهم فتخطفهم اذا أعوزها الصید و یقال لها عنقاء مغرب لانها تغرب بکل ما اختطفته و انقضت علی جاریة قد ترعرعت و ضمتها الی جناحین لها صغیرین غیر جناحیها الکبیرین ثم ذهبت بها فضربتها العرب مثلا فقالوا طارت به العنقاء فشکوا الی نبیهم حنظلة بن صفوان فدعا علیها فأصابتها الصاعقة فأهلکتها ثم انهم قتلوا حنظلة فأهلکوا و قیل أصحاب الرس قوم کانوا یعبدون الاصنام فبعث اللّه إلیهم شعیبا فکذبوه فبینما هم حول الرس و هی البئر غیر المطویة فانهارت فخسف بهم و بدیارهم و قیل الرس قریة بفلج الیمامة کان فیها بقایا ثمود فبعث اللّه إلیهم نبیا فقتلوه فهلکوا و قیل الاخدود و قیل بئر بانطاکیة فقتلوا فیها حبیبا البحار و قیل قوم کذبوا بینهم و رسوه أی دسوه فی بئر ذکره فی أنوار التنزیل ببعض تغییر و فی العمدة الرس بئر بأذربیجان* و فی المختصر حنظلة بن صفوان کان نبیا بعد خالد بن سنان بمائة سنة و یقال انه من ولد اسماعیل و أرسل الی قبیلتین یقال لاحداهما قدمان و للاخری رعویل فأرسله اللّه إلیهم فعصوه و قتلوه و أنزل اللّه فیهم فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها یرکضون الآیة*

(ذکر ما وقع لیلة میلاده علیه السلام)

* فی لیلة میلاده صلّی اللّه علیه و سلم صارت الشیاطین و کبیرهم ابلیس محجوبة من السماء مرمیة بالشهب الثواقب و کانت قبل تصعد فتسترق السمع قال الشیخ الزرندی فی کتاب الاعلام کان من أعظم الحوادث عند مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انشقاق ایوان کسری ثم بقاؤه کذلک الی زماننا سنة ست و أربعین و سبعمائة ثم اللّه أعلم الی أیّ زمان یبقی* روی مخزوم بن هانئ المخزومی عن أبیه و کانت له مائة و خمسون سنة قال لما ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ارتجس ایوان کسری أنوشروان فسقطت منه أربع عشرة شرفة و کانت له اثنتان و عشرون شرفة و انشق بحیث سمع صوته و بقی کذلک آیة و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلک بألف سنة و غاضت بحیرة ساوة و هی بین همدان و قم و کانت أکثر من ستة فراسخ فی الطول و العرض و کانت یعبر عنها بالسفینة و بقیت کذلک ناشفة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:201
یابسة علی هؤلاء القوم حتی بنیت موضعها مدینة ساوة الباقیة الیوم و رأی الموبدان کأنّ إبلا صعابا تقود خیلا عرابا حتی عبرت دجلة و انتشرت فی بلاد فارس فلما أصبح تجلد کسری و جلس علی سریر ملکه و لبس تاجه و أرسل الی موبدان فقال یا موبدان انه سقط من ایوانی أربع عشرة شرفة و خمدت نار فارس و لم تحمد قبل الیوم بألف سنة فقال الموبذان و أنا أیها الملک قد رأیت کانّ ابلا صعابا تقود خیلا عرابا حتی عبرت دجلة و انتشرت فی بلاد فارس قال فما تری ذلک یا موبذان و کان موبذان أعلمهم قال حدث یکون من جانب العرب* فکتب حینئذ من کسری ملک الملوک الی النعمان بن المنذر أن ابعث الیّ رجلا من العرب یخبرنی عما أسأله عنه فبعث إلیه عبد المسیح بن حیان بن عمرو الغسانی قیل کان له من العمر قریب من أربعمائة سنة فقال له کسری یا عبد المسیح هل عندک علم بما أرید أن أسألک عنه فقال یسألنی الملک فان کان عندی منه علم أعلمته و الا فأعلمته بمن علمه عنده فأخبره به فقال علمه عند خال لی یسکن مشارف الشام یقال له سطیح* و فی سیرة ابن هشام اسم سطیح ربیع بن ربیعة بن مازن ابن مسعود بن ذئب بن عدی بن مازن بن غسان روی أن سطیحا الغسانی کاهن بنی ذئب کان کاهنا لم یکن مثله من بنی آدم و کان مخلوقا عجیبا* و فی کتاب الحسنی عن ابن عباس ان اللّه خلق سطیحا الغسانی کلحم علی و ضم لیس له عظم و لا عصب الا الجمجمة و الکفین و لم یتحرّک منه الا اللسان قیل لکونه مخلوقا من ماء امرأتین و لم یقدر علی القیام و القعود الا انه وقت غضبه یمتلئ من الریح فیجلس و کان وجهه فی صدره لم یکن له رأس و عنق و قد عمل له سریر من السعف و الجرید و الخوص فاذا أرید نقله الی مکان یطوی من رجلیه الی ترقوته کما یطوی الثوب فیوضع علی ذلک السریر فیذهب به الی حیث یشاء و اذا أرید تکهنه و اخباره عن المغیبات یحرّک کما یحرّک و طب المخیض فینتفخ و یمتلئ و یعلوه النفس فیخبر عن المغیبات و کان یسکن الجابیة و هی مدینة من مشارف الشام* و فی حیاة الحیوان روی انه ولد شق و سطیح فی الیوم الذی ماتت فیه ظریفة الکاهنة امرأة عمرو بن عامر و دعت بسطیح قبل أن تموت فتفلت فی فیه و أخبرت انه سیخلفها فی علمها و کهانتها و دعت بشق ففعلت به مثل ذلک ثم ماتت و قبرها بالجحفة* و فی سیرة ابن هشام شق بن صعب بن یشکر بن رهم بن أفرک بن قسر بن عبقر بن انمار ابن نزار و انمار أبو بجیلة و خثعم و کان شق شق انسان له ید واحدة و رجل واحدة و عین واحدة ذکر أن أبا الفرج بن خالد بن عبد اللّه القشیری کان من ولد شق هذا قیل کانت ولادة سطیح فی أیام سیل العرم و خرج من المأرب مع رهط من الازد فی أیام تفرق الناس منها و عاش الی زمان ولادة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فکان له من العمر قریب من ستمائة سنة و فیه نظر* روی عن وهب بن منبه سئل سطیح من أین لک علم الکهانة قال ان لی قرینا من الجنّ کان قد استمع أخبار السماء فی زمان کلم اللّه موسی فی الطور فیقول لی من ذلک أشیاء و أنا أقولها للناس انتهی* قال کسری لعبد المسیح اذهب إلیه فاسأله و أخبرنی بما یخبرک به فخرج عبد المسیح حتی قدم علی سطیح و هو مشرف علی الموت فأنشد عبد المسیح رجزا فلما سمعه سطیح رفع رأسه إلیه و قال عبد المسیح من بلد نزیح علی جمل مشیح جاء الی سطیح و قد وافاه علی ضریح بعثک ملک ساسان لارتجاس الایوان و خمود النیران و رؤیا الموبذان رأی ابلا صعابا تقود خیلا عرابا قد قطعت دجلة و انتشرت فی بلاد فارس یا عبد المسیح اذا ظهرت التلاوة و بعث صاحب الهراوة و غاضت بحیرة ساوة و فاض وادی سماوة و خمدت نیران فارس لم یکن بابل للفرس مقاما و لا الشام لسطیح شاما یملک منهم ملوک و ملکات علی عدد الشرفات ثم یکون هنآت و کل ما هو آت آت ثم مات* و فی معجم ما استعجم السماوة بفتح أوّله و تخفیف المیم مفازة بین الکوفة و الشام و قیل بین الموصل و الشام و هی من أرض کلب* و
قال أبو حاتم عن الاصمعی و غیره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:202
السماوة قلیل العرض طویلة قیل سمیت بذلک لعلوّها و ارتفاعها انتهی فرجع عبد المسیح الی کسری و أخبره بما قال سطیح قال کسری الی أن یملک منا أربعة عشر ملکا کانت أمور قال فملک منهم عشرة فی أربع سنین و ملک الباقون الی زمان خلافة عثمان کذا فی المنتقی* روی أن عبد المسیح هذا هو الذی صالح خالد بن الولید علی الحیرة و کان ذلک المال أوّل مال ورد علی أبی بکر الصدّیق* و فی نظام التواریخ لما ملک کسری أنوشروان عمل بوصایا أردشیر و استوزر بزرجمهر و شاور معه و مع سائر الوزراء فی أمر مزدک الملحد الذی أنشأ مذهب الاباحة و سماه مذهب العدل و رفع العبادة عن الخلق و رخص للناس فی أن یتصرّف بعضهم فی حرم بعض و أموالهم و خدع قباد بن فیروز حتی صار مطواعا له فلما شاور کسری مع الوزراء استقرّ رأیهم علی أن یرفعوه بالمکر و الحیلة فقربه کسری و عزه و علم تفصیل اتباعه بلطائف الحیل و بعث الی نوّابه و أمرهم أن یقتلوا اتباعه یوم المهرجان فأحضروا یوم المهرجان مزدک و أتباعه و قتلهم و قتل کسری بیده مزدک و فی أیامه استمدّه سیف بن ذی یزن من أبناء ملوک حمیر فأمدّه علی مسروق بن ابرهة الذی نزل فی شأن أبیه سورة الفیل و استخلص منهم الیمن و کانت مدّة کسری سبعا و أربعین سنة و أربعة أشهر* و من حوادث لیلة میلاده ما وقع من زیادة حراسة السماء بالشهب و قطع رصد الشیاطین و منعهم من استراق السمع و لقد أحسن السقراطیسی حیث قال
ضاءت لمولده الآفاق و اتصلت‌بشری الهواتف فی الاشراق و الطفل
و صرح کسری تداعی من قواعده‌و انقض منکسر الارجاء ذا میل
و نار فارس لم توقد و ما خمدت‌مذالف عام و نهر القوم لم یسل
خرّت لمبعثه الاوثان و انبعثت‌ثواقب الشهب ترمی الجنّ بالشعل و من حوادث لیلة میلاده صلّی اللّه علیه و سلم ما نقل عن عبد المطلب أنه قال لیلة میلاد محمد کنت فی الطواف فلما مضی نصف اللیل رأیت الکعبة سجدت نحو مقام ابراهیم و سمعت صوت التکبیر اللّه أکبر اللّه أکبر الآن طهرت من أنجاس المشرکین و أرجاس الجاهلیة ثم تساقطت الاصنام و أنا أنظر الی هبل الذی هو أکبر الاصنام فرأیته سقط منکسا علی الحجر و نادی مناد ألا ان آمنة قد ولدت محمدا کذا فی شواهد النبوّة*

(ذکر بعض ما وقع حین الولادة)

* فی المواهب اللدنیة روی عن آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انها قالت کانت ولادتی یوم الاثنین و لما أخذنی ما یأخذ النساء و لم یعلم بی أحد لا ذکر و لا أنثی و انی لوحیدة فی المنزل و عبد المطلب فی طوافه فسمعت وجبة عظیمة و صوت زلزلة شدیدة و أمرا عظیما فأخذنی الرعب و هالنی ثم رأیت کانّ جناح طائر أبیض قد مسح علی فؤادی فذهب عنی الروع و کل وجع کنت أجده ثم التفت و اذا أنا بشربة بیضاء ظننتها لبنا و کنت عطشی فشربتها فاذا هی أحلی من العسل فأضاء منی نور غالب* و فی روایة فأصابنی نور عال ثم رأیت نسوة کالنخل طولا کأنهنّ من بنات عبد مناف یحدقن بی و أنا أتعجب من ذلک و أقول وا غوثاه من این علمن هؤلاء بی و فی غیر هذه الروایة فقلن لی نحن آسیة امرأة فرعون و مریم ابنة عمران و هؤلاء من الحور العین و اشتدّ بی الامر و انا اسمع الوجبة فی کل ساعة اعظم و اهول مما تقدّم فبینا انا کذلک اذا بدیباج ابیض مدّ بین السماء و الارض و اذا بقائل یقول خذاه عن اعین الناس قالت و رأیت رجالا قد وقفوا فی الهواء بأیدیهم اباریق من فضة ثم نظرت فاذا انا بقطعة من طیر قد اقبلت حتی غطت حجرتی مناقرها من الزمرّد و اجنحتها من الیاقوت فکشف اللّه عن بصری فرأیت مشارق الارض و مغاربها و رایت ثلاثة اعلام مضروبات علما بالمشرق و علما بالمغرب و علما علی ظهر الکعبة فأخذنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:203
المخاض فوضعت محمدا صلّی اللّه علیه و سلم فنظرت إلیه فاذا هو ساجد قد رفع اصبعیه الی السماء کالمتضرّع المبتهل ثم رایت سحابة بیضاء قد أقبلت من السماء حتی غشیته فغیبته عنی فسمعت منادیا ینادی طوفوا به مشارق الارض و مغاربها و أدخلوه البحار لیعرفوه باسمه و نعته و صورته و یعلموا انه سمی فیها الماحی لا یبقی شی‌ء من الشرک الا محی فی زمنه ثم تجلت عنه فی أسرع وقت الحدیث و هو مما تکلم فیه* و روی الخطیب البغدادی بسنده أن آمنة قالت لما وضعته علیه السلام رأیت سحابة بیضاء عظیمة لها نور أسمع فیها صهیل الخیل و خفقان الاجنحة و کلام الرجال حتی غشیته و غیب عنی فسمعت منادیا ینادی طوفوا بمحمد صلّی اللّه علیه و سلم جمیع الارض و اعرضوه علی کل روحانی من الجنّ و الانس و الملائکة و الطیور و الوحوش و أعطوه خلق آدم و معرفة شیث و شجاعة نوح و خلة ابراهیم و لسان اسماعیل و رضا اسحاق و فصاحة صالح و حکمة لوط و بشری یعقوب و شدّة موسی و صبر أیوب و طاعة یونس و جهاد یوشع و صوت داود و حب دانیال و وقار الیاس و عصمة یحیی و زهد عیسی و اغمسوه فی اخلاق النبیین قالت ثم انجلت عنی فاذا به قد قبض علی حریرة خضراء مطویة طیا شدیدا ینبع من تلک الحریرة ماء فاذا قائل یقول بخ بخ قبض محمد صلّی اللّه علیه و سلم علی الدنیا کلها لم یبق خلق من أهلها الا دخل طائعا فی قبضته* قالت ثم نظرت إلیه فاذا به کالقمر لیلة البدر و ریحه یسطع کالمسک الاذفر و اذا بثلاثة نفر فی ید أحدهم ابریق من فضة و فی ید الثانی طست من زمرد أخضر و فی ید الثالث حریرة بیضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرین دونه فغسله من ذلک الابریق سبع مرات ثم ختم بین کتفیه بالخاتم و لفه فی الحریر ثم احتمله بین أجنحته ساعة ثم ردّه الیّ رواه أبو نعیم عن ابن عباس و فیه نکارة* و روی الحافظ أبو بکر بن عائذ فی کتاب المولد کما نقله الشیخ بدر الدین الزرکشی فی شرح بردة المدیح عن ابن عباس لما ولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال فی اذنه رضوان خازن الجنان أبشر یا محمد فما بقی لنبیّ علم الا و قد أعطیته فأنت أکثرهم علما و أشجعهم قلبا و روی الطبرانی انه لما وقع الی الارض وقع مقبوضة أصابع یدیه مشیرا بالسبابة کالمسبح بها* و فی شواهد النبوّة روی انه صلّی اللّه علیه و سلم لما وقع علی الارض رفع رأسه و قال بلسان فصیح لا إله الا اللّه و انی رسول اللّه و عن فاطمة بنت عبد اللّه أمّ عثمان بن أبی العاص قالت لما حضرت ولادة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیت البیت حین وقع قد امتلأ نورا و رأیت النجوم تدنو حتی ظننت انها ستقع علیّ رواه البیهقی* و أخرج أحمد و البزار و الطبرانی و الحاکم و البیهقی عن العرباض بن ساریة کما ذکر فی اوّل الکتاب ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال انی عبد اللّه و خاتم النبیین و ان آدم لمنجدل فی طینته و سأخبرکم عن ذلک أنا دعوة ابراهیم و بشارة عیسی و رؤیا أمی التی رأت و کذلک أمهات الأنبیاء یرین و ان أمّ رسول اللّه رأت حین وضعته نورا أضاءت له قصور الشام* قال الحافظ ابن حجر صححه ابن حبان و الحاکم و اخرج ابو نعیم عن بردة عن مرضعته فی بنی سعد أن آمنة قالت رأیت کأنه خرج من فرجی شهاب أضاءت له الارض حتی رأیت قصور الشام* و عن همام بن یحیی عن اسحاق بن عبد اللّه ان أمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت لما ولدته خرج من فرجی نور أضاء له قصور الشام فولدته نظیفا ما به قذر رواه ابن سعد* و اخرج ابو نعیم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء قالت لما ولدت آمنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وقع علی یدی فاستهل فسمعت قائلا یقول رحمک اللّه و أضاءت لی ما بین المشرق و المغرب حتی نظرت الی بعض قصور الروم قالت ثم ألبنته و أضجعته فلم أنشب أن غشیتنی ظلمة و رعب و قشعریرة ثم غیب عنی فسمعت قائلا یقول أین ذهبت به قال الی المشرق قالت فلم یزل الحدیث منی علی بال حتی بعثه اللّه فکنت فی أوّل الناس اسلاما ذکرهما فی المواهب اللدنیة و ذکر فی
غیره عن أبی بکر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:204
ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثیا علی رکبتیه ینظر الی السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوی ساجدا و غطیت علیه اناء فوجدته قد تفلق الاناء علیه و هو یمص ابهامه تشخب لبنا* و فی المنتقی ورد أنه صلی اللّه علیه و سلم لما ولد وقع جاثیا علی رکبتیه و خرج معه نور أضاءت له قصور الشام و أسواقها حتی رأیت أعناق الایل ببصری رافعا رأسه الی السماء فحقق اللّه بذلک رؤیا أمه* و فی المواهب اللدنیة قال فی اللطائف و خروج هذا النور عند وضعه اشارة الی ما یجی‌ء به من النور الذی اهتدی به أهل الارض و زال به ظلمة الشرک کما قال تعالی قد جاءکم من اللّه نور و کتاب مبین یهدی به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام و یخرجهم من الظلمات الی النور باذنه* و أما اضاءة قصور بصری بالنور الذی خرج معه فهو اشارة الی ما خص الشام من نور نبوّته فانها دار ملکه کما ذکر کعب ان فی الکتب السالفة محمد رسول اللّه مولده مکة و مهاجره یثرب و ملکه بالشام و لهذا اسری به صلّی اللّه علیه و سلم الی الشام الی بیت المقدس کما هاجر قبله ابراهیم علیه السلام الی الشام و بها ینزل عیسی ابن مریم علیهما السلام و هی أرض المحشر و المنشر* و فی المنتقی کانت سنتهم فی المولود اذا ولد فی استقبال اللیل کفئوا علیه قدرا حتی یصبح ففعلوا ذلک بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأصبحوا و قد انشق عنه القدر و هو شاخص ببصره الی السماء و فیه أیضا روی أنها لما ولدته صلّی اللّه علیه و سلم أرسلت الی عبد المطلب و جاءه البشیر و هو جالس فی الحجر معه ولده و رجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلک عبد المطلب و قام هو و من کان معه و دخل علیها فأخبرته بکل ما رأت و ما قیل لها و ما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله جوف الکعبة و قام عندها یدعو اللّه و یشکره بما أعطاه فقال یومئذ
الحمد للّه الذی أعطانی‌هذا الغلام الطیب الاردان
قد ساد فی المهد علی الغلمان‌أعیذه بالبیت ذی الارکان
حتی أراه بالغ البیان‌أعیذه من شرّ ذی شنآن
من حاسد مضطرب العینان
روی أنه لما ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت و دعا رجالا من قریش فحضروا و طعموا* و فی بعض الکتب کان ذلک یوم سابعه یعنی عقیقته فلما فرغوا من أکله قالوا ما سمیته قال سمیته محمدا قالوا لم رغبت عن أسماء آبائه قال أردت أن یکون محمودا فی السماء للّه و فی الارض لخلقه قیل بل سمته بذلک أمه لما رأته و قیل لها فی شأنه و یمکن أن یجمع بین القولین بأن یقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمیة منه و اذا کانت هی سببها یصح القول بأنها سمته به*

(ذکر ختانه صلّی اللّه علیه و سلم)

اختلف فی ختانه علی ثلاثة أقوال و سیجی‌ء* جمهور أهل السیر و التواریخ علی انه صلّی اللّه علیه و سلم ولد معذورا مسرورا أی مختونا مقطوع السرّ و سیجی‌ء بیان الاعذار و أعجب ذلک عبد المطلب و حظی عنده و قال لیکونن لا بنی هذا شأن* و فی المواهب اللدنیة روی من حدیث أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند ابن عساکر و روی الطبرانی فی الاوسط و أبو نعیم و الخطیب و ابن عساکر من طرق عن أنس بن مالک أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال من کرامتی علی ربی انی ولدت مختونا و لم یر أحد سوأتی و صححه أیضا فی المختارة* و عن ابن عمر قال ولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مسرورا مختونا رواه ابن عساکر قال الحاکم فی المستدرک تواترت الاخبار أنه صلّی اللّه علیه و سلم ولد مختونا انتهی و تعقبه الحافظ الذهبی فقال ما أعلم صحة ذلک فکیف یکون متواترا* أجیب باحتمال أن یکون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها و کثرتها فی السیر لا من طریق السند المصطلح علیه عند أئمة الحدیث و لکن قد حکی الحافظ زین الدین العراقی ان الکمال بن العدیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:205
ضعف أحادیث کونه علیه السلام ولد مختونا و قال انه لا یثبت فی هذا شی‌ء من ذلک و أقرّه علیه و به صرّح ابن القیم ثم قال لیس هذا من خصائصه صلّی اللّه علیه و سلم فان کثیرا من الناس ولد مختونا و حکی الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فی القمر فسخت قلفته أی اتسعت فیصیر کالمختون و فی الوشاح لابن درید قال ابن الکلبی بلغنا أن آدم خلق مختونا و اثنی عشر نبیا بعده خلقوا مختونین آخرهم محمد صلّی اللّه علیه و سلم شیث و ادریس و نوح و سام و لوط و یوسف و موسی و سلیمان و شعیب و یحیی و هود و محمد صلوات اللّه و سلامه علیهم أجمعین* و ذکر ابن الجوزی عن کعب الاحبار ان ثلاثة عشر من الأنبیاء خلقوا مختونین و عدّ الأنبیاء المذکورین غیر هود و ذکر عیسی مکانه و قال محمد بن حبیب الهاشمی هم أربعة عشر و عدّ الأنبیاء المذکورین غیر هود و عیسی و ذکر زکریا و حنظلة بن صفوان کذا فی مریل الخلفاء* و فی المواهب اللدنیة و فی هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع و هو غیر موجود لان اللّه تعالی یوجد ذلک علی هذه الهیئة من غیر قطع فیحمل الکلام باعتبار أنه علی صفة المقطوع و قد حصل من الاختلاف فی ختانه ثلاثة أقوال کما أشرنا إلیه سابقا أحدها انه ولد مختونا کما تقدّم الثانی انه ختنه جدّه عبد المطلب یوم سابعه و صنع له مأدبة و سماه محمدا رواه الولید بن مسلم بسنده الی ابن عباس و حکاه ابن عبد البرّ فی التمهید و ابن الاثیر فی اسد الغابة الثالث انه ختن عند حلیمة کذا ذکره ابن القیم و الدمیاطی و مغلطای قالا ان جبریل ختنه حین طهر قلبه و کذا أخرجه الطبرانی فی الاوسط و أبو نعیم من حدیث أبی بکرة و قال الذهبی و هذا منکر* و اعلم أن الختان هو قطع القلفة التی تغطی الحشفة من الرجل و قطع بعض الجلدة التی فی أعلی الفرج من المرأة و یسمی ختان الرجل اعذارا بالعین المهملة و الذال المعجمة و الراء و ختان المرأة خفضا بالخاء المعجمة و الفاء و الضاد المعجمة و فی القاموس خفاض کختان لفظا و معنی* و اختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أکثرهم الی أنه سنة و هو قول أبی حنیفة و مالک و بعض أصحاب الشافعی و ذهب الشافعی الی وجوبه و هو مقتضی قول سحنون من المالکیة و ذهب بعض أصحاب الشافعی الی أنه واجب فی حق الرجال و سنة فی حق النساء و احتج من قال انه سنة بحدیث أبی الملیح بن اسامة عن أبیه أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال الختان سنة للرجال مکرمة للنساء رواه أحمد فی مسنده و البیهقی و أجاب من أوجبه بأنه لیس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب بل المراد به الطریقة و احتجوا علی وجوبه بقوله تعالی أن اتبع ملة ابراهیم حنیفا و ثبت فی الصحیح من حدیث أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اختتن ابراهیم علیه السلام و هو ابن ثمانین سنة بالقدوم و بما روی أبو داود من قوله علیه السلام للرجل الذی أسلم ألق عنک شعار الکفر و اختتن و احتج القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة و تمنع صحة الصلاة فیجب و قال الامام فخر الدین الرازی الحکمة فی الختان أن الحشفة قوی الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوی اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة و هو اللائق بشریعتنا تقلیلا للذة لا قطعا کما فعله المانویة فذلک افراط و ابقاء القلفة تفریط فالعدل الختان* و فی الملل و النحل لمحمد بن عبد الکریم الشهرستانی المانویة أصحاب مانی بن فاتک الحکیم الذی ظهر فی زمان سابور بن أردشیر و قتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشیر و ذلک بعد عیسی علیه السلام أخذ دینا بین المجوسیة و النصرانیة و کان لا یقول بنبوّة عیسی و لا بنبوّة موسی علیهما السلام و حکی محمد بن هارون المعروف بأبی عیسی الورّاق و کان فی الاصل مجوسیا عارفا بمذاهب القوم ان الحکیم مانی زعم ان العالم مصنوع مرکب من أصلین قدیمین أحدهما نور و الآخر ظلمة و انهما أزلیان لم یزولا و لا یزالا و أنکر وجود شی‌ء الا من أصل قدیم انتهی و إذا قلنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:206
بوجوب الختان فحمل الوجوب بعد البلوغ علی الصحیح من مذهب الشافعی لما روی البخاری فی صحیحه عن ابن عباس انه سئل مثل من أنت حین قبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أنا یومئذ مختون و کانوا لا یختنون الرجل حتی یدرک قال بعض اصحاب الشافعی یجب علی الولیّ أن یختن الصبی قبل البلوغ و اللّه أعلم*

أسماؤه صلّی اللّه علیه و سلم‌

أما أسماؤه صلّی اللّه علیه و سلم فکثیرة بعضها ورد فی القرآن المجید و بعضها فی الاحادیث الصحیحة و بعضها فی کتب الأنبیاء أما ما فی القرآن فمنها محمد و أحمد و الرسول و النبیّ و الشاهد و البشیر و النذیر و المبشر و المنذر و الداعی الی اللّه و السراج المنیر و الرءوف و الرحیم و المصدّق و المذکر و المزمل و المدّثر و عبد اللّه و الکریم و الحق و المبین و النور و خاتم النبیین و الرحمة و النعمة و الهادی و طه و یس علی قول بعض المفسرین و أما ما فی الاحادیث غیر ما ذکرناه فمنها الماحی و الحاشر و العاقب و المقفی و نبیّ الرحمة و نبیّ التوبة و نبیّ الملاحم و رحمة مهداة و القتال و المتوکل و الفاتح و الخاتم و المصطفی و الامی و القثم أی جامع الخیر قال ابن الجوزی هو مشتق من القثم و هو الاعطاء یقال قثم له من العطاء یقثم اذا أعطاه کذا فی المواهب اللدنیة* و أماما فی کتب الأنبیاء فمنها الضحوک و حمیالها أو حمطایا و أحید و بارقلیط و فارقلیط و فارقلیطا و ماذماذ و المشفح و المنحمنا و المختار و روح الحق و مقیم السنة و المقدّس و حرز الامیین و معلوم أن أکثر الاسماء المذکورة صفات و اطلاق الاسم علیها مجاز فی المواهب اللدنیة قوله حمیاطا بفتح الحاء المهملة ثم میم ساکنة فمثناة تحتیة فألف فطاء مهملة فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من الیهود عنه فقال معناه یحمی الحرم من الحرام و یوطئ الحلال فأما حمطایا فبفتح الحاء المهملة و سکون المیم قال الهروی أی حامی الحرم فأما أحید فهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مکسورة ثم مثناة تحتیة ساکنة ثم دال مهملة قال القسطلانی کذا وجدته فی بعض نسخ الشفاء المعتمدة و المشهور ضبطه بفتح الهمزة و کسر الحاء المهملة و بفتح المثناة التحتیة و فی نسخة بفتح الهمزة و کسر الحاء و سکون المثناة فقال النووی فی کتاب تهذیب الاسماء و اللغات عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اسمی فی القرآن محمد و فی الانجیل أحمد و فی التوراة أحید و انما سمیت أحید لانی أحید عن أمتی نار جهنم* و أما بارقلیط و فارقلیط بالموحدة التحتیة و بالفاء و فتح الراء و القاف و سکون الراء مع فتح القاف و بکسر الراء و سکون القاف و غیر منصرف للعجمة و العلمیة فوقع فی انجیل یوحنا و معناه روح الحق و قال ثعلب معناه الذی یفرق بین الحق و الباطل و انما قال فی انجیل یوحنا لان عیسی لم تظهر دعوته فی عصره و انما أخذ الانجیل عن أربعة من الحواریین متی و یوحنا و مرقس و لوقا* تکلم کل واحد من هؤلاء بعبارة عبرها للامة الذین تابعوه دعاهم بلغتهم نجلها أی ولدها مما سمع من المسیح علیه السلام و لذلک اختلفت الاناجیل الاربعة اختلافا شدیدا کذا فی المنتقی* و فی نهایة ابن الاثیر فی صفته علیه السلام ان اسمه مکتوب فی الکتب السالفة فارقلیطا أی یفرق بین الحق و الباطل* و أما ماذماذ بمیم ثم ألف ثم ذال معجمة منوّلة ثم میم ثم ألف ثم ذال معجمة قال القسطلانی کذا رأیته لبعض العلماء و نقل العلامة الحجازی فی حاشیته علی الشفاء بضم المیم و اشمام الهمزة ضمة بین الواو و الالف ممدودا و قال نقلته عن رجل أسلم من علماء بنی اسرائیل و قال معناه طیب طیب و لا ریب أنه أطیب الطیبین و حسبک أنه کان یؤخذ من عرقه لیتطیب به و أما المشفح فهو بضم المیم و بالشین المعجمة و بالفاء المشدّدة المفتوحتین ثم حاء مهملة و روی بالقاف بدل الفاء من الشفح و الشقح و هما بالسریانیة الحمد* و أما المنحمنا فهو بضم المیم و سکون النون و فتح الحاء المهملة و کسر المیم و تشدید النون الثانیة المفتوحة مقصورا و ضبطه بعضهم بفتح المیمین فمعناه بالسریانیة محمد* ذکر الحسین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:207
ابن محمد الدامغانی فی کتاب شوق العروس و أنس النفوس نقلا عن کعب الاحبار أنه قال اسم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عند أهل الجنة عبد الکریم و عند أهل النار عبد الجبار و عند أهل العرش عبد الحمید و عند سائر الملائکة عبد المجید و عند الأنبیاء عبد الوهاب و عند الشیطان عبد القهار و عند الجنّ عبد الرحیم و فی الجبال عبد الخالق و فی البرّ عبد القادر و فی البحر عبد المهیمن و عند الحیتان عبد القدّوس و عند الهوام عبد الغیاث و عند الوحوش عبد الرزاق و عند السباع عبد السلام و عند البهائم عبد المؤمن و عند الطیور عبد الغفار و فی التوراة موذموذ و فی الانجیل طاب طاب و فی الصحف عاقب و فی الزبور فاروق و عند اللّه طه و یس و عند المؤمنین محمد صلی اللّه علیه و سلم ذکر هذا کله القسطلانی فی المواهب اللدنیة و ذکر فیه من الاسماء و الالقاب و الکنی ما یزید علی أربعمائة* قال ابن دحیة أسماؤه تقرب من الثلاثمائة و انتهی بها بعض الصوفیة الی ألف کذا فی سیرة مغلطای*

ألقابه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و أما ألقابه صلّی اللّه علیه و سلم فکثیرة مثل صاحب البراق و صاحب التاج المراد به العمامة لان العمائم تیجان العرب و صاحب المعراج و صاحب الهراوة و النعلین و صاحب الخاتم و العلامة و صاحب البرهان و الحجة و صاحب الحوض المورود و المقام المحمود و صاحب الوسیلة و صاحب الفضیلة و صاحب الدرجة الرفیعة و صاحب الشفاعة و سید أولاد آدم و سید المرسلین و امام المتقین و قائد الغرّ المحجلین و حبیب اللّه و خلیل اللّه و العروة الوثقی و الصراط المستقیم و النجم الثاقب و رسول رب العالمین و المصطفی و المجتبی و المزکی* و أما کنیته صلّی اللّه علیه و سلم المشهورة فأبو القاسم لانّ أکبر أولاده القاسم و العرب تکنی الشخص غالبا بأکبر أولاده* و قال صلّی اللّه علیه و سلم سموا باسمی و لا تکنوا بکنیتی فانما أنا قاسم أوفانی أبو القاسم أقسم بینکم و قال أبو هریرة لما ولد ابراهیم من ماریة لقی جبریل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال له السلام علیک یا أبا ابراهیم رواه أحمد و روی هذا الحدیث عن أنس أیضا تغییر یسیر کما سیجی‌ء فی مولد ابراهیم فی الموطن الثامن و یکنی بأبی الارامل فیما ذکره ابن دحیة و بأبی المؤمنین فیما ذکره غیره و اللّه أعلم*

(ذکر شمائله و صفاته)

* کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أحسن الناس وجها و أحسنهم خلقا* و عن أنس کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ربعة من القوم لیس بالقصیر و لا بالطویل البائن و فی روایة الذاهب و فی روایة علیّ لم یکن بالطویل الممغط و لا بالقصیر المتردّد کان ربعة من القوم و فی روایة و هو الی الطول أقرب و فی روایة أطول من المربوع و أقصر من المشذب* و فی روایة مربوعا و مع ذلک لم یکن یماشیه أحد ینسب الی الطول الا طاله و فی روایة اذا جاء مع القوم غمرهم و کان فخما مفخما یتلألأ وجهه تلألؤ القمر لیلة البدر أزهر اللون کانّ الشمس تجری فی وجهه أبیض مشربا بیاضه بحمرة* و فی روایة أزهر لیس بالابیض الامهق و لا بالادم و فی روایة أبیض ملیح الوجه ملیحا مقصدا و فی روایة حسن الوجه أسمر اللون عظیم الهامة و فی روایة ضخم الرأس و فی روایة علی رضی اللّه عنه لیس بالمطهم و لا بالمکلثم و کان فی وجهه تدویر و فی روایة کانّ علی وجهه مثل الشمس و القمر مستدیر سهل الخدّین واسع الجبین أزج الحواجب سوابغ من غیر قرن و فی روایة أبلج بینهما عرق یدرّه الغضب أنجل و فی روایة عظیم العینین أدعج و فی روایة أسود الحدق أشکل العینین و فی روایة مشرب العینین حمرة أهدب الاشفار و کان یری من خلفه کما یری من قدّامه و فی روایة مسلم من أمامه* قال بعض العلماء و هو مختار بن محمود کان بین کتفیه عینان مثل سمّ الخیاط یبصر بهما و لا یحجبهما الثیاب و قال بعضهم ان اللّه خلق له ادراکا فی قفاه یبصر به من وراءه و یری فی اللیل و الظلمة کما یری بالنهار و الضوء رواه البیهقی و البخاری و انه رأی اللّه بعینه علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:208
الخلاف کذا فی المواهب اللدنیة و کان یری فی الثریا أحد عشر نجما قال أحمد بن حنبل و جمهور العلماء ان هذه الرؤیة رؤیة عین حقیقة و ذهب بعضهم الی ردّها الی العلم و الظواهر بخلافه و لا احالة فی ذلک و هی من خواص الأنبیاء کما روی عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انه قال لما تجلی اللّه لموسی علیه السلام کان یبصر النملة علی الصفاء فی اللیلة الظلماء مسیرة عشرة فراسخ و لا یبعد علی هذا أن یختص نبینا صلّی اللّه علیه و سلم بما ذکرناه من هذا الباب بعد الاسراء لما رأی من آیات ربه الکبری کذا فی الشفاء* خافض الطرف نظره الی الارض أطول من نظره الی السماء جل نظره الملاحظة و فی سیرة الیعمری و کان تنام عیناه و لا ینام قلبه انتظارا للوحی و کذا فی البخاری و اذا نام نفخ و لا یغط أقنی العرنین له نور یعلوه یحسبه من لم یتأمله أشم ضلیع الفم مفلج الاسنان أشنب اذا افتر ضاحکا افتر عن مثل حب الغمام أو مثل سنا البرق جل ضحکه التبسم و فی روایة أفلج الثنیتین اذا تکلم رؤی کالنور یخرج من ثنایاه و قال شمر عظیم الاسنان و کان ریقه یعذب الماء الملح رواه أبو نعیم و یجزی الرضیع رواه البیهقی و ما تثاءب قط کما رواه ابن أبی شیبة و البخاری فی تاریخه و أخرج الخطابی قال ما تثاءب نبیّ قط و یؤید ذلک ان التثاؤب من الشیطان رواه البخاری طویل السکوت لا یتکلم فی غیر حاجة و یتکلم بجوامع الکلم کلامه فصل لا فضول و لا تقصیر* و فی روایة علیّ رضی اللّه عنه أسیل الخدّ کث اللحیة علی شفته السفلی خال و فی روایة تملأ صدره عظیم الجمة الی شحمة أذنیه و فی روایة له شعر یضرب منکبیه و فی روایة بین أذنیه و عاتقه و فی روایة أنس رجل الشعر لیس بالسبط و لا بالجعد القطط و فی روایة علیّ کان جعدا رجلا ذا أربع غدائر و فی روایة ذا ضفائر أربع و للترمذی کان شعره فوق الجمة و دون الوفرة و لابی داود فوق الوفرة و دون الجمة و لیس فی رأسه و لحیته حین توفی عشرون شعرة بیضاء و فی روایة أنس ما عددت فی رأسه و لحیته الا أربع عشرة شعرة بیضاء* قال أبو بکر یا رسول اللّه قد شبت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شیبتنی هود و الواقعة و المرسلات و عمّ یتساءلون و اذا الشمس کوّرت رواه الترمذی و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد شمط مقدّم رأسه و لحیته و اذا ادّهن لم یتبین و اذا شعث رأسه تبین و کان فی عنفقته شعرات بیض* و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم لم یخضب و انما کان البیاض فی عنفقته و فی الصدغین و فی الرأس یبدو و عنه رأیت شعر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مخضوبا و سئل أبو هریرة هل خضب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال نعم* و فی روایة أخرجت أمّ سلمة شعرا من شعر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مخضوبا و فی روایة أرت شعره صلّی اللّه علیه و سلم أحمر و رأی ربیعة بن عبد الرحمن شعرا من شعره صلّی اللّه علیه و سلم أحمر فسأل فقیل احمرّ من الطیب و کان صلّی اللّه علیه و سلم یترجل غبا و فی روایة کان یکثر دهن رأسه و تسریح لحیته و حلق صلّی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع و فی روایة بمنی بعد ما نحر جانبه الایمن ثم الایسر ثم بقیة الرأس کما سیجی‌ء فی الموطن العاشر و قصر عن رأسه بمشقص و هو علی المرأة و کان صلّی اللّه علیه و سلم یقص أو یأخذ من شاربه رواه الترمذی عن ابن عباس و عنده أیضا من حدیث زید بن أرقم قال صلّی اللّه علیه و سلم من لم یأخذ من شاربه فلیس منا و قال صلّی اللّه علیه و سلم الفطرة خمس الختان و الاستحداد و قص الشارب و تقلیم الاظفار و نتف الابط* و فی شرح السنة أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان یقص شاربه و یأخذ من أظفاره قبل أن یروح الی صلاة الجمعة* و فی الشرعة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یقص من لحیته من عرضها و طولها و یفعل ذلک فی الخمیس و الجمعة* و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان لا یتنور
فاذا کثر شعره حلقه و کان صلّی اللّه علیه و سلم أحسن الناس عنقا کانّ عنقه جید دمیة أو ابریق فضة فی صفاء فضة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:209
و فی روایة أبیض کأنما صیغ من فضة معتدل الخلق بادنا متماسک البدن کأنّ عرقه اللؤلؤ و کان یؤخذ من عرقه لیتطیب به و اذا مرّ بسکة یبقی أثر الطیب فیها زمانا و ثبت فی الصحیح أن ابطه کان نظیفا طیب الرائحة و لم تکن له رائحة کریهة و کان ضرب اللحم سواء البطن و الصدر عریض الصدر و فی روایة واسع الصدر بعید ما بین المنکبین و للنسائی عریض عظم المنکبین و للترمذی ضخم الکرادیس و فی روایة ضخم العظام و فی روایة جلیل المشاش و الکتد بین کتفیه خاتم النبوّة مثل زرّ الحجلة کذا فی البخاری و فی مسلم جمع علیه خیلان کأنها الثآلیل السود عند نغض کتفه و روی عند غضروف کتفه الیسری و فی کتاب أبی نعیم الایمن و فی مسلم کبیضة الحمامة و فی صحیح الحاکم شعر مجتمع و فی البیهقی مثل السلعة و فی الشمائل بضعة ناشزة و فی حدیث عمرو بن أخطب کشی‌ء یختم به و فی تاریخ ابن عساکر مثل البندقة و فی الترمذی و دلائل البیهقی کالتفاحة* و فی الروض و سیرة ابن هشام و حیاة الحیوان کأثر المحجمة القابضة علی اللحم و فی تاریخ ابن خیثمة شامة خضراء محتفرة فی اللحم و فیه أیضا شامة سوداء تضرب الی الصفرة حولها شعرات متراکبات کأنها عرف الفرس و فی تاریخ القضاعی ثلاث شعرات مجتمعات و فی کتاب الترمذی الحکیم کبیضة الحمام مکتوب فی باطنها اللّه وحده لا شریک له و فی ظاهرها توجه حیث شئت فانک منصور و فی کتاب المولد لابن عائذ کان نورا یتلألأ* و فی سیرة ابن أبی عاصم عذرة کعذرة الحمام قال أبو أیوب یعنی قرطمة الحمام فی القاموس قرطمتا الحمام بکسر القاف نقطتان علی أصل منقاره* و فی تاریخ نیسابور مثل البندقة من لحم مکتوب علیه باللحم محمد رسول اللّه و فی روایة عن صفیة بنت عبد المطلب مکتوب علیه لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه کذا فی حیاة الحیوان نقلا عن دلائل النبوّة للبیهقی* و عن عائشة کتینة صغیرة تضرب الی الدهمة و کان مما یلی الفقار قالت فلمسته حین توفی فوجدته قد رفع حکی هذا کله الحافظ مغلطای کذا فی المواهب اللدنیة* و فی حیاة الحیوان عن الواقدی عن شیوخه انهم قالوا لما شک فی موت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وضعت أسماء بنت عمیس یدها بین کتفیه فقالت توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد رفع الخاتم من بین کتفیه و کان هذا الذی عرف به موت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* قال فی فتح الباری ما ورد من أن الخاتم کان کأثر محجم أو کالشامة السوداء أو الخضراء مکتوب علیها محمد رسول اللّه أو سرفانک المنصور أو لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه لم یثبت منها شی‌ء قال لا تغترّ بما وقع فی صحیح ابن حبان فانه غفل حیث صحح ذلک و قال الهیتمی فی مورد الظمآن بعد أن أورد الحدیث و لفظه مثل البندقة من اللحم مکتوب علیه محمد رسول اللّه مما اختلط علی بعض الرواة خاتم النبوّة بالخاتم الذی کان یختم به و بخط الحافظ ابن حجر علی الهامش البعض المذکور هو اسحاق بن راهویه قاضی سمرقند و هو ضعیف (قوله) زرّ الحجلة بالحاء المهملة و الجیم قال النووی هو واحد الحجال و هو بیت کالقبة لها ازرار کبار و عری هذا هو الصواب و قال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف و زرّها بیضها و أشار إلیه الترمذی و أنکره علیه العلماء (قوله) جمع بضم الجیم و اسکان المیم أی کجمع الکف و هو صورته بعد أن یجمع الاصابع و یضمها (قوله) الخیلان جمع خال و هو الشامة علی الجسد (قوله) نغض بالنون و الغین و الضاد المعجمتین قال النووی النغض بضم النون و فتحها و الناغض أعلا الکتف و قیل هو العظم الرقیق الذی علی طرفه و قیل ما یظهر منه عند التحرّک سمی ناغضا لتحرّکه (قوله) بضعة ناشزة بالمعجمة و الزای أی قطعة لحم مرتفعة علی جسده و هذا الخاتم هو أثر الملکین بین کتفیه حین شقا صدره الشریف و خیط حتی التأم کما کان و ختم بین کتفیه فبقی أثر الختم فی ظهره کما بقی أثر الخیط فی صدره* و فی دلائل أبی نعیم لما ولد ذکرت أمه أن الملک غمسه فی الماء الذی أنبعه ثلاث غمسات ثم أخرج صرة من حریر أبیض فاذا فیها خاتم فضرب علی کتفه کالبیضة المکنونة تضی‌ء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:210
کالزهرة و قیل ولد به و اللّه أعلم ذکر ذلک کله فی المواهب اللدنیة* و روی الحاکم فی مستدرکه عن وهب ابن منبه أنه قال لم یبعث اللّه نبیا الا و قد کانت شامة النبوّة فی یده الیمنی الا أن یکون نبینا صلّی اللّه علیه و سلم فانّ شامة النبوّة بین کتفیه* و فی حیاة الحیوان ان خاتم النبوّة لم یکن قبل شق الصدر و قد مرّ قال السهیلی الحکمة فی خاتم النبوّة علی جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه صلّی اللّه علیه و سلم حکمة و یقینا ختم علیه کما یختم علی الوعاء المملوء مسکا أو درّا و أما وضعه عند نغض الکتف فلانه صلّی اللّه علیه و سلم معصوم من وسوسة الشیطان و ذلک الموضع یوسوس لابن آدم لانه یحاذی قلبه و کان صلّی اللّه علیه و سلم عبل العضدین و الذراعین و الا سافل أنور المتجرّد أجرد ذا مسربة و فی روایة دقیق المسربة و فی روایة طویل المسربة موصول ما بین اللبة و السرّة بشعر یجری کالخط و فی روایة کالقضیب لم یکن فی صدره و لا فی بطنه شعر غیرها عاری الثدیین و البطن مما سوی ذلک أشعر الذراعین و المنکبین و أعالی الصدر طویل الزندین و فی روایة سبط القصب رحب الراحة شثن الکفین و القدمین أی غلیظ أصابعهما رواه الترمذی و فی روایة ضخم الیدین و القدمین سبط أو بسط الکفین و فی روایة رحب الکفین طویل اصبع قدمیه السبابة علی سائر أصابعه قالت میمونة بنت کردم رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة و هو علی ناقته و أنا مع أبی فدنا منه أبی فأخذ بقدمه فاستقرّ له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی أمسک عن مسیره قالت فاستطولت أصبع قدمیه السبابة علی سائر أصابعه رواه أحمد و الترمذی قال الحافظ ابن حجر انما ذلک فی أصابع رجلیه فقط دون الید* و عن جابر بن سمرة کانت خنصر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من رجله متظاهرة رواه البیهقی کذا فی المواهب اللدنیة و کان فی ساقه خموش منهوس العقب سائل أو شائل الاطراف خمصان الاخمصین مسیح القدمین ینبو عنهما الماء ذریع المشیة اذا مشی تقلع کأنما ینحط فی صبب و کان لا یؤثر فی الرمل نعله و تلین الصخرة تحت قدمیه و کان لا ظل له فی شمس و لا قمر و لا یقع الذباب علی جسده و لا ثیابه و لا یمص دمه البعوض کذا نقل الامام فخر الدین الرازی و لا یقمل ثوبه قط و قال ابن سبع فی الشفاء و السبتی فی أعذب الموارد و أطیب الموالد لم یکن القمل یؤذیه تعظیما له و تکریما لکن یشکل علیه بما رواه أحمد و الترمذی فی الشمائل عن عائشة رضی اللّه عنها کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یفلی ثوبه و یحلب شاته کذا فی المواهب اللدنیة* و اذا أراد أن یتغوّط انشقت له الارض فابتلعت غائطه و بوله و فاحت لذلک رائحة طیبة کذا فی الشفاء و کان یتبرک ببوله و دمه و کان یسبق أصحابه فی المشی و یبدأ من لقیه بالسلام و کان متواصل الاحزان دائم الفکرة لیست له راحة دمثا لیس بالجافی و لا المهین یعظم النعمة و ان دقت لا یذم شیئا منها و لا یذم ذواقا و لا یمدحه و لا تغضبه الدنیا و لا ما کان لها و لا یغضب لنفسه و لا ینتصر لها و اذا غضب أعرض و أشاح و اذا فرح غض طرفه أجود الناس صدرا و فی روایة أرحب الناس صدرا و أصدقهم لهجة و أوفاهم ذمّة و ألینهم عریکة و أکرمهم عشرة و أحلمهم و أشدّهم بأسا أشدّ حیاء من العذراء فی خدرها لا یثبت بصره فی وجه أحد قالت عائشة ما أتی أحدا من نسائه الا متقنعا یرخی الثوب علی رأسه و لم أر منه و لا رأی منی کذا فی سیرة مغلطای من رآه بدیهة هابه و من خالطه معرفة أحبه روی أنه دخل علیه رجل فقام بین یدیه فأخذته رعدة من هیبته فقال له هوّن علیک فانی لست بملک و لا جبار و انما أنا ابن امرأة من قریش تأکل القدید بمکة فنطق الرجل بحاجته کذا فی المواهب اللدنیة*

مزاحه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و فی سیرة الیعمری و کان یمزح و لا یقول الا الحق جاءته امرأة فقالت یا رسول اللّه احملنی علی جمل قال انما أحملک علی ولد الناقة قالت لا یطیقنی قال لا أحملک الا علی ولد الناقة قالت لا یطیقنی فقال لها الناس و هل الجمل الا ولد الناقة و جاءت امرأة فقالت یا رسول اللّه ان زوجی مریض و هو یدعوک فقال لعل زوجک الذی فی عینه بیاض فرجعت و فتحت عین زوجها فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:211
مالک فقالت أخبرنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان فی عینک بیاضا فقال و هل أحد الا و فی عینه بیاض و قالت اخری یا رسول اللّه ادع اللّه أن یدخلنی الجنة فقال یا أمّ فلان ان الجنة لا یدخلها عجوز فولت المرأة و هی تبکی فقال علیه السلام انها لا تدخلها و هی عجوز ان اللّه یقول انا أنشأنا هنّ إنشاء فجعلنا هنّ أبکارا عربا أترابا* و فی سیرة الیعمری و کان أرحم الناس یصغی الاناء للهرة فما یرفعه حتی تروی رحمة لها و یمسح وجه فرسه بکمه أو ردائه و کان أشجع الناس و أسخاهم و أجودهم ما سئل شیئا فقال لا و لا یبیت فی بیته درهم و لا دینار فان فضل شی‌ء و لم یجد من یأخذه و جاء اللیل لم یرجع الی منزله حتی یبرأ منه الی من یحتاج إلیه لا یأخذ مما آتاه اللّه الا قوت أهله عاما فقط من أیسر ما یجد من التمر و الشعیر ثم یؤثر من قوت أهله حتی ربما یحتاج قبل انقضاء العام و کان أعف الناس و أشدّهم اکراما لاصحابه لا یمدّ رجلیه بینهم و یوسع علیهم اذا ضاق المکان و لم تکن رکبتاه تتقدّمان رکبة جلیسه و یخدم من خدمه و له عبید و إماء لا یترفع علیهم فی مأکل و لا فی ملبس قال أنس خدمته نحوا من عشر سنین فو اللّه ما صحبته فی حضر و لا سفر لا خدمه الا کانت خدمته لی أکثر من خدمتی له* و فی المشکاة عن أنس قال خدمت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابن ثمان سنین خدمته عشر سنین فما لا منی علی شی‌ء قط أتی فیه علی یدی فان لا منی لائم من أهله قال دعوه فانه لو قضی شی‌ء کان هذا لفظ المصابیح و رواه البیهقی فی شعب الایمان مع تغییر یسیر و کان صلّی اللّه علیه و سلم فی سفر فأمر باصلاح شاة فقال رجل یا رسول اللّه علیّ ذبحها و قال آخر علیّ سلخها و قال آخر علیّ طبخها فقال صلّی اللّه علیه و سلم و علیّ جمع الحطب فقالوا یا رسول اللّه نحن نکفیک فقال قد علمت انکم تکفونی و لکنی أکره أن أتمیز عنکم فان اللّه بکره من عبده أن یراه متمیزا بین أصحابه فقام فجمع الحطب و کان یحب الفأل و یکره التطیر و اذا جاء ما یحب قال الحمد للّه رب العالمین و اذا جاء ما یکره قال الحمد للّه علی کل حال* و فی الشفاء کان صلی اللّه علیه و سلم یحب الطیب و الرائحة الحسنة و یستعملها کثیرا و یحض علیها و یقول حبب الیّ من دنیاکم ثلاث النساء و الطیب و جعلت قرّة عینی فی الصلاة* و فی سیرة الیعمری و کان یحب الطیب و یکره الرائحة الکریهة و یقول ان اللّه جعل لذتی فی النساء و الطیب و جعل قرّة عینی فی الصلاة و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان یدور علی نسائه فی الساعة من اللیل و النهار و هنّ احدی عشرة قال أنس و کنا نتحدّث أنه أعطی قوّة ثلاثین رجلا خرّجه النسائی و روی نحوه عن أبی رافع و عن طاوس أعطی علیه السلام قوّة أربعین رجلا و مثله عن صفوان بن سلیم و عند الاسماعیلی عن معاذ قوّة أربعین زاد أبو نعیم عن مجاهد کل رجل من رجال أهل الجنة* و عن أنس مرفوعا یعطی المؤمن فی الجنة قوّة مائة قال الترمذی صحیح غریب فاذا ضربنا أربعین فی مائة بلغت أربعة آلاف مع قناعته صلی اللّه علیه و سلم فی الاکل کذا فی المواهب اللدنیة* و قالت سلمی مولاته طاف النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی نسائه التسع و تطهر من کل واحدة منهنّ قبل أن یأتی الاخری و قد حفظه اللّه من الاحتلام فعن ابن عباس قال ما احتلم نبیّ قط و انما الاحتلام من الشیطان رواه الطبرانی و قد قال سلیمان علیه السلام لأطوفنّ اللیلة علی مائة امرأة أو تسع و تسعین امرأة و انه فعل ذلک* قال ابن عباس کان فی ظهر سلیمان ماء مائة رجل و کانت له ثلاثمائة امرأة و ثلاثمائة سریة و کان لداود علیه السلام علی زهده و أکله من عمل یده تسع و تسعون امرأة و تمت بزوجة اوریا مائة کذا فی الشفاء*

مصارعته علیه السلام‌

و کانت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قوّة لم تقاوم روی أنه صارعه صلّی اللّه علیه و سلم جماعة منهم رکانة بن عبد زید و هو أشدّ أهل وقته و کان دعاه الی الاسلام فصرعه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم یوم الفتح و توفی سنة أربعین و صارع أبا رکانة فی الجاهلیة و کان شدیدا فعاوده ثلاث مرّات کل ذلک صرعه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:212
کذا ذکره فی الشفاء و صارع أبا جهل و لا یصح و أبا الاشد و اسمه الاسید بن کلدة الجمحی قاله السهیلی و فی أنوار التنزیل یبسط تحت قدمه أدیم عکاظی و فی المواهب اللدنیة کان یجعل تحت قدمیه جلد البقرة و یجذبه فوق عشرة فیتقطع و لا یزال قدماه و یزید بن رکانة أو رکانة بن یزید علی الشک رواه البیهقی و أبو داود فی مراسیله کذا فی مزیل الخفاء و کان صلّی اللّه علیه و سلم أکثر الناس تبسما و أحسنهم بشرا و کان یعصب علی بطنه الحجر من الجوع و آتاه اللّه تعالی مفاتیح خزائن الارض فلم یقبلها و لما شکی الاصحاب إلیه الجوع یوم الخندق و رفعوا عن بطونهم عن حجر حجر رفع صلّی اللّه علیه و سلم عن بطنه عن حجرین کما سیجی‌ء
و شدّ من سغب أحشاءه و طوی‌تحت الحجارة کشحا مترف الادم و یشرب قاعدا و ربما شرب قائما و یتنفس ثلاثا مبینا للاناء و کان ینظر فی المرآة و یزجل جمته و یمتشط و ربما نظر فی الماء و یسوّی فیه جمته فقیل له فی ذلک فقال ان اللّه یحب من عبده اذا خرج لاخوانه أن یتهیأ لهم کذا فی المنتقی و کان لا یجلس و لا یقوم الا علی ذکر اللّه و اذا انتهی الی القوم جلس حیث ینتهی به المجلس* و فی الشفاء عن أبی امامة قال خرج علینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم متوکئا علی عصا فقمنا له فقال لا تقوموا کما تقوم الاعاجم یعظم بعضهم بعضا انما أنا عبد آکل کما یأکل العبد و أجلس کما یجلس العبد و اذا جلس فی المجلس احتبی بیدیه و کذلک کان أکثر جلوسه محتبیا و عن جابر بن سمرة أنه تربع و ربما جلس القرفصاء کذا فی الشفاء و کان خلقه القرآن یرضی برضاه و یسخط بسخطه و کان فیما ذکره المحققون مجبولا علی الاخلاق الحمیدة و الآداب الشریفة من أصل خلقته و بدوّ فطرته و لم یحصل له باکتساب و لا ریاضة إلّا بجود الهی و خصوصیة ربانیة و کذا سائر الأنبیاء علیهم السلام و عن عائشة رضی اللّه عنها ما دعاه أحد من أصحابه و لا من أهل بیته الا قال لبیان أوردهما فی الشفاء و کان یفلی ثوبه و یخصف نعله* و فی سیرة الیعمری و کان یلبس الصوف و ینتعل المخصوف و یرقع ثوبه و یخدم نفسه و یحلب شاته و یوقد ناره و یکنس داره* و فی الشفاء یقمّ البیت و یکرم ضیفه و یحفظ جاره و یعقل ناقته أو بعیره* و فی سیرة الیعمری و کان فی سفر و نزل للصلاة ثم کرّ راجعا فقیل یا رسول اللّه أین ترید فقال أعقل ناقتی قالوا نحن نعقلها قال لا یستعن أحدکم بالناس و لو فی قضمة سواک* و فی سیرة مغلطای و کان لا یأکل متکئا و لا علی خوان و لا فی سکرجة و لا خبز له مرقق أکل البطیخ بالرطب و القثاء بالرطب و قال یکسر حرّ هذا برد هذا و برد هذا حرّ هذا و کان یحب الحلوی و العسل و أحب الشراب إلیه الحلو البارد* و فی الشفاء و یعلف ناضحه و یأکل مع الخادم و یعجن معها و یحمل بضاعته من السوق و یکون فی مهنة أهله و یقطع معهنّ اللحم و یرکب الفرس و البغل و الحمار و یردف خلفه عبده أو غیره و فی الشفاء و کان یوم بنی قریظة علی حمار مخطوم بحبل من لیف علیه اکاف*

لطیفة

و فی سیرة الیعمری و لا یدع أحدا یمشی معه و هو راکب حتی یحمله روی انه رکب یوما حمارا عریا الی قباء و أبو هریرة معه فقال یا أبا هریرة أحملک فقال ما شئت یا رسول اللّه فقال ارکب و کان فی أبی هریرة ثقل فوثب لیرکب فلم یقدر علی ذلک فاستمسک برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فوقعا جمیعا ثم رکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا أبا هریرة أحملک فقال ما شئت یا رسول اللّه فقال ارکب فلم یقدر علی ذلک فتعلق برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فوقعا جمیعا فرکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال یا أبا هریرة أحملک فقال لا و الذی بعثک بالحق نبیا لاصرعتک ثالثا و ذکره المحب الطبری أیضا فی مختصر السیرة الا أن فیه لارمیتک بدل لا صرعتک کذا فی المواهب اللدنیة و الکلام فی بسط شمائله و تعدید أخلاقه کثیر و بحر خصائصه و أوصافه زاخر غزیر لکن أتینا فیه بالمعروف من الصفات مما هو فی الصحیح و المشهور من المصنفات و اقتصرنا فی ذلک بقلّ من کل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:213
و اکتفینا بغیض من فیض*

(ذکر خصائصه علیه السلام)

اشارة

* قد جمع بعضها الشیخ جلال الدین السیوطی فی رسالة سماها انموذج اللبیب فی خصائص الحبیب و قال و هی منحصرة فی قسمین*

(القسم الاوّل) فی الخصائص التی اختص بها عن جمیع الأنبیاء و لم یؤتها نبیّ قبله و هی أربعة أنواع‌

* (النوع الاوّل ما اختص به فی ذاته فی الدنیا)

اختص صلّی اللّه علیه و سلم بأنه اوّل النبیین خلقا و بتقدّم نبوّته فکان نبیا و آدم منجدل فی طینته و تقدّم أخذ المیثاق علیه و انه أوّل من قال بلی یوم أ لست بربکم و خلق آدم و جمیع المخلوقات لاجله و کتابة اسمه الشریف علی العرش و کل سماء و الجنان و ما فیها و سائر ما فی الملکوت و ذکر الملائکة له فی کل ساعة و ذکر اسمه فی الاذان فی عهد آدم و فی الملکوت الاعلی و أخذ المیثاق علی النبیین آدم فمن بعده أن یؤمنوا به و ینصروه و التبشیر به فی الکتب السابقة و نعته فیها و نعت أصحابه و خلفائه و أمّته و حجب ابلیس من السموات لمولده و شق صدره فی أحد القولین و هو الاصح و جعل خاتم النبوّة بظهره بازاء قلبه حیث یدخل الشیطان و سائر الأنبیاء کان الخاتم فی یمینهم و بأنّ له ألف اسم و باشتقاق اسمه من اسم اللّه و بأنه سمی من أسماء اللّه بنحو سبعین اسما و بأنه سمی أحمد و لم یستم به أحد قبله و قد عدّت هذه من الخصائص فی حدیث مسلم و باظلال الملائکة فی سفره و بأنه أرجح الناس عقلا و بأنه أوتی کل الحسن و لم یؤت یوسف الا الشطر و بغطه ثلاثا عند ابتداء الوحی و برؤیته جبریل فی صورته التی خلق علیها عدّ هذه البیهقی و بانقطاع الکهانة لمبعثه و حراسة السماء من استراق السمع و الرمی بالشهب عدّ هذه ابن سبع و باحیاء أبویه له حتی آمنا به و قد مرّ فی ذکر نسبه و بوعده بالعصمة من الناس و بالاسراء و ما تضمنه من اختراق السموات السبع و العلوّ الی قاب قوسین و بوطئه مکانا ما وطئه نبی مرسل و لا ملک مقرب و احیاء الأنبیاء له و صلاته اماما بهم و بالملائکة و باطلاعه علی الجنة و النار عدّ هذه البیهقی و رؤیته من آیات ربه الکبری و حفظه حتی ما زاغ البصر و ما طغی و رؤیته للباری تعالی مرّتین و قتال الملائکة معه و سیرهم معه حیث سار یمشون خلف ظهره و بایتائه الکتاب و هو أمیّ لا یقرأ و لا یکتب و بأن کتابه معجز و محفوظ من التبدیل و التحریف علی ممرّ الدهور و مشتمل علی ما اشتمل علیه جمیع الکتب و زیادة و جامع لکل شی‌ء و مستغن عن غیره و میسر للحفظ و نزل منجما و علی سبعة أحرف من سبعة أبواب و بکل لغة عدّ هذه ابن النقیب و أعطی من کنز العرش و لم یعط منه أحد و خص بالبسملة و الفاتحة و آیة الکرسی و خواتیم سورة البقرة و السبع الطوال و المفصل و بأن معجزته مستمرة الی یوم القیامة و هو القرآن و معجزات سائر الأنبیاء انقرضت لوقتها و بأنه أکثر الأنبیاء معجزات فقد قیل انها تبلغ ألفا و قیل ثلاثة آلاف سوی القرآن فان فیه ستین ألف معجزة تقریبا* قال الحلیمی و فیها مع کثرتها معنی آخر و هو انه لیس فی شی‌ء من معجزات غیره ما ینحو نحو اختراع الاجسام و انما ذلک فی معجزات نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم خاصة و بأنه جمع له کل ما أوتیه الأنبیاء من معجزات و فضائل و لم یجمع ذلک لغیره بل اختص کلّ بنوع و أوتی انشقاق القمر و تسلیم الحجر و حنین الجذع و نبع الماء من بین الاصابع و لم یثبت لواحد من الأنبیاء مثل ذلک ذکره ابن عبد السلام و بأنه خاتم النبیین و آخرهم بعثا فلا نبی بعده و شرعه مؤید الی یوم القیامة لا ینسخ و ناسخ لجمیع الشرائع قبله و لو أدرکه الأنبیاء لوجب علیهم اتباعه و فی کتابه الناسخ و المنسوخ و بعموم الدعوة للناس کافة و انه أکثر الأنبیاء تابعا و أرسل الی الجنّ بالاجماع و الی الملائکة فی أحد القولین و رجحه السبکی و بعثه رحمة للعالمین حتی للکافر بتأخیر العذاب و لم یعاجلوا بالعقوبة کسائر الامم المکذبة و بأن اللّه أقسم بحیاته و أقسم علی رسالته و تولی الردّ علی أعدائه عنه و خاطبه بألطف ما خاطب به الأنبیاء و قرن اسمه باسمه فی کتابه و فرض علی العالم طاعته و التأسی به فرضا مطلقا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:214
لا شرط فیه و لا استثناء و وصفه فی کتابه عضوا عضوا قلبه بقوله ما کذب الفؤاد ما رأی و قوله نزل به الروح الامین علی قلبک و لسانه بقوله و ما ینطق عن الهوی و قوله فانما یسرناه بلسانک و بصره بقوله ما زاغ البصر و ما طغی و وجهه بقوله قد نری تقلب وجهک فی السماء و یده و عنقه بقوله و لا تجعل یدک مغلولة الی عنقک و ظهره و صدره بقوله أ لم نشرح لک صدرک و وضعنا عنک وزرک الذی أنقض ظهرک کذا فی المواهب اللدنیة و لم یخاطبه فی القرآن باسمه بل یأیها النبیّ یأیها الرسول و حرّم علی الامة نداءه باسمه و فرض علی من ناجاه أن یقدّم بین یدی نجواه صدقة ثم نسخ ذلک و لم یره فی أمته شیئا یسوؤه حتی قبضه بخلاف سائر الأنبیاء و انه حبیب الرحمن و جمع له بین المحبة و الخلة و بین الکلام و الرؤیة و کلمه عند سدرة المنتهی و کلم موسی بالجبل عدّ هذه ابن عبد السلام و جمع بین القبلتین و الهجرتین و جمعت له الشریعة و الحقیقة و لم یکن للانبیاء الا احداهما بدلیل قصة موسی مع الخضر و قوله انی علی علم لا ینبغی لک أن تعلمه و أنت علی علم لا ینبغی لی أن أعلمه و نصر بالرعب مسیرة شهر أمامه و شهر خلفه و أوتی جوامع الکلم و أوتی مفاتیح خزائن الارض و لقیه الخازن علی فرس أبلق علیه قطیفة من سندس و کلم بأصناف جمیع الوحی عدّ هذه ابن عبد السلام و هبط اسرافیل علیه و لم یهبط علی نبیّ قبله عدّ هذه ابن سبع و جمع له بین النبوّة و السلطنة و لم یجمع لنبیّ قبله عدّ هذه الغزالی فی الاحیاء و أوتی علم کل شی‌ء الا الخمس التی فی آیة ان اللّه عنده علم الساعة و قیل انه أوتیها أیضا و أمر بکتمها و الخلاف جار فی الروح أیضا و بین له فی أمر الدجال ما لم یبین لاحد و وعد بالمغفرة و هو یمشی حیا صحیحا و رفع ذکره فلا یذکر اللّه جل جلاله فی أذان و لا خطبة و لا تشهد الا ذکر معه و عرض علیه أمّته بأسرهم حتی رآهم و عرض علیه ما هو کائن فی أمته حتی تقوم الساعة و هو سید ولد آدم و أکرم الخلق علی اللّه فهو أفضل من المرسلین و جمیع الملائکة المقرّبین و أید بأربعة و زراء جبریل و میکائیل و أبی بکر و عمر و أعطی من أصحابه أربعة عشر نجیبا و کل نبیّ أعطی سبعة و أسلم قرینه و کانت أزواجه عونا له و بناته و زوجاته أفضل نساء العالمین و ثواب أزواجه و عقابهنّ مضاعف و أصحابه أفضل العالمین الا النبیین و مسجده أفضل المساجد و بلده أفضل البلاد بالاجماع ما عدا مکة و علی أحد القولین فیها و هو المختار و یسأل عنه المیت فی قبره و استأذن ملک الموت علیه و لم یستأذن علی نبیّ قبله و حرم نکاح أزواجه من بعده و أمة وطئها و البقعة التی دفن فیها أفضل من الکعبة و من العرش و یحرم التکنی بکنیته و یجوز أن یقسم علی اللّه به و لیس ذلک لاحد ذکر هذه ابن عبد السلام و لم تر عورته قط و لو رآها أحد طمست عیناه و لا یجوز علیه الخطأ عدّ هذه ابن أبی هریرة و الماوردی قال قوم و لا النسیان حکاه النووی فی شرح مسلم*

(النوع الثانی ما اختص به فی شرعه و أمته فی الدنیا)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم باحلال الغنائم و جعل الارض کلها مسجدا و لم تکن الامم تصلی الا فی البیع و الکنائس و التراب طهورا و هو التیمم و بالوضوء فی أحد القولین و هو الاصح فلم یکن الا للانبیاء دون أممهم و بمجموع الصلوات الخمس و لم تجمع لاحد قبله و بالعشاء و لم یصلها أحد و بالاذان و الاقامة و افتتاح الصلاة بالتکبیر و بالتأمین و بالرکوع فیما ذکره جماعة من المفسرین و بقول اللهم ربنا لک الحمد و باستقبال الکعبة و بالصف فی الصلاة کصفوف الملائکة و بالجماعة فی الصلاة کما یفهم من کلام ابن فرشته فی شرح المجمع و بتحیة السلام و بالجمعة و بساعة الاجابة و بعید الاضحی و بشهر رمضان و ان الشیاطین تصفد فیه و ان الجنة تزین فیه و ان خلوف فم الصائمین فیه أطیب عند اللّه تعالی من ریح المسک و تستغفر لهم الملائکة حتی یفطروا و یغفر لهم فی آخر لیلة منه و بالسحور و تعجیل الفطر و اباحة الاکل و الشرب و الجماع لیلا الی الفجر و کان محرما علی من قبلنا بعد النوم و کذا کان فی صدر الاسلام و بلیلة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:215
القدر کما قاله النووی فی شرح المهذب و بجعل صوم عرفة کفارة سنتین لانه سنته و صوم عاشوراء کفارة سنة لانه سنة موسی و غسل الیدین بعد الطعام بحسنتین لانه شرعه و قبله بحسنة لانه شرع التوراة و بالاسترجاع عند المصیبة و بالحوقلة و باللحد و لاهل الکتاب الشق و بالنحر و لهم الذبح فیما قاله مجاهد و عکرمة و بالعذبة فی العمامة و هی سیماء الملائکة و بالاتزار فی الاوساط و ان أمّته خیر الامم و آخر الامم ففضحت الامم عندهم و لم یفضحوا و اشتق لهم اسمان من أسماء اللّه المسلمون و المؤمنون و سمی دینهم الاسلام و لم یوصف بهذا الوصف الا الأنبیاء دون أممهم و رفع عنهم الاصر الذی کان علی الامم قبلهم و أحل لهم کثیر مما شدّد علی من قبلهم و لم یجعل علیهم فی الدین من حرج و رفع عنهم المؤاخذة بالخطإ و النسیان و ما استکرهوا علیه و حدیث النفس و ان من همّ منهم بسیئة و لم یفعلها لم تکتب سیئة فان عملها کتبت سیئة واحدة و من همّ بحسنة و لم یعملها تکتب حسنة فان عملها کتبت عشرا و وضع عنهم قتل النفس فی التوبة و قرض موضع النجاسة و ربع المال فی الزکاة و شرع لهم نکاح أربع و رخص لهم فی نکاح غیر ملتهم و فی نکاح الامة و فی مخالطة الحائض سوی الوطء و فی اتیان المرأة علی أی شق شاء و شرع لهم التخییر بین القصاص و الدیة و حرّم علیهم کشف العورة و التصویر و شرب المسکر و عصموا من الاجتماع علی ضلالة و اجماعهم حجة و اختلافهم رحمة و کان اختلاف من قبلهم عذابا و الطاعون لهم شهادة و رحمة و کان علی الامم عذابا و ما دعوا به استجیب لهم و یأکلون صدقاتهم فی بطونهم و یثابون علیها و یجعل لهم الثواب فی الدنیا مع ادّخاره فی الآخرة و یغفر لهم الذنوب بالاستغفار و وعدوا أن لا یهلکوا بجوع و لا بعدوّ من غیرهم یستأصلهم و لا بغرق و لا یعذبوا بعذاب عذب به من قبلهم و اذا شهد الاثنان منهم لعبد بخیر وجبت له الجنة و کان الامم السالفة اذا شهد منهم مائة ردّهم و هم أقل الامم عملا و أکثرهم أجرا و أقصرهم أعمارا و أوتوا العلم الاوّل و العلم الآخر و فتح علیهم خزائن کل شی‌ء حتی العلم و أوتوا الاسناد و الانساب و الاعراب و تصنیف الکتب و لا تزال طائفة منهم علی الحق حتی یأتی أمر اللّه و فیهم أقطاب و أوتاد و نجباء و أبدال و منهم من یصلی اما ما بعیسی ابن مریم و منهم من یجری مجری الملائکة فی الاستغناء عن الطعام بالتسبیح و یقاتلون الدجال و علماؤهم کأنبیاء بنی اسرائیل و تسمع الملائکة فی السماء أذانهم و تلبیتهم و هم الحامدون للّه علی کل حال و یکبرون علی کل شرف و یسبحون عند کل هبوط و یقولون عند ارادة الامر أفعل ان شاء اللّه و اذا غضبوا هللوا و اذا تنازعوا سبحوا و مصاحفهم فی صدورهم و سابقهم سابق و مقتصدهم ناج و ظالمهم مغفور له و لیس أحد منهم الامر حوما و یلبسون ألوان ثیاب أهل الجنة و یراعون الشمس للصلاة و هم أمة وسط عدول بتزکیة اللّه و تحضرهم الملائکة اذا قاتلوا و افترض علیهم ما افترض علی الأنبیاء و الرسل و هو الوضوء و الغسل من الجنابة و الحج و الجمعة و الجهاد و أعطوا من النوافل ما أعطی الأنبیاء و قال اللّه فی حق غیرهم و من قوم موسی أمة یهدون بالحق و به یعدلون و قال فی حقهم و ممن خلقنا أمّة یهدون بالحق و به یعدلون و نودوا فی القرآن بیا أیها الذین آمنوا و نودیت الامم فی کتبهم بیا أیها المساکین و شتان ما بین الخطابین*

(النوع الثالث فیما اختص به فی ذاته فی الآخرة)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم بأنه أوّل من تنشق الارض عنه و أوّل من یفیق من الصعقة و بأنه یحشر فی سبعین ألف ملک و یحشر علی البراق و یؤذن باسمه فی الموقف و یکسی فی الموقف أعظم الحلل من الجنة و بأنه یقوم عن یمین العرش و بالمقام المحمود و ان بیده لواء الحمد و آدم و من دونه تحت لوائه و انه امام النبیین یومئذ و قائدهم و خطیبهم و أوّل من یؤذن له بالسجود و أوّل من یرفع رأسه و أوّل من ینظر الی اللّه تعالی و أوّل شافع و أوّل مشفع و بالشفاعة العظمی فی فصل القضاء و بالشفاعة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:216
فی ادخال قوم الجنة بغیر حساب و بالشفاعة فیمن استحق النار أن لا یدخلها و بالشفاعة فی رفع درجات ناس فی الجنة کما جوّز النووی اختصاص هذه و التی قبلها به و وردت الاحادیث به فی التی قبل و بالشفاعة فیمن خلد فی النار من الکفار أن یخفف عنهم العذاب و بالشفاعة فی أطفال المشرکین أن لا یعذبوا و انه أوّل من یجیز علی الصراط و ان له فی کل شعرة من رأسه و وجهه نورا و لیس للانبیاء الا نوران و یؤمر أهل الجمع بغض أبصارهم حتی تمرّا بنته علی الصراط و انه أوّل من یقرع أبواب الجنة و أوّل من یدخلها و بعده أمّته و بالکوثر و الوسیلة و هی أعلی درجة فی الجنة و قوائم منبره رواتب الجنة و منبره علی ترعة من ترع الجنة و ما بین قبره و منبره روضة من ریاض الجنة و لا یطلب منه شهید علی التبلیغ و یطلب من سائر الأنبیاء و کل سبب و نسب منقطع یوم القیامة الا سببه و نسبه فقیل معناه ان أمّته ینسبون إلیه یوم القیامة و أمم سائر الأنبیاء لا ینسبون إلیهم و قیل ینتفع یومئذ بالنسبة إلیه و لا ینتفع بسائر الانساب*

(النوع الرابع ما اختص به فی أمّته فی الآخرة)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم بأن أمّته أوّل من تنشق عنهم الارض من الامم و یأتون یوم القیامة غرّا محجلین من آثار الوضوء و یکونون فی الموقف علی کوم عال و لهم نوران کالانبیاء و لیس لغیرهم الانور واحد و لهم سیماء فی وجوههم من أثر السجود و یسعی نورهم بین أیدیهم و یؤتون کتبهم بایمانهم و عجل اللّه عذابها فی الدنیا و فی البرزخ لتوافی القیامة ممحصة الذنوب و تدخل قبورها بذنوبها و تخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنین لها و لها ما سعت و ما سعی لها و لیس لمن قبلهم الا ما سعی قاله عکرمة و یقضی لهم قبل الخلائق و یغفر لهم المقحمات و هم أثقل الناس میزانا و نزلوا منزلة العدول من الحکام فیشهدون علی الناس ان رسلهم بلغتهم و یدخلون الجنة قبل سائر الامم و یدخل منهم الجنة سبعون ألفا بغیر حساب و أطفالهم کلهم فی الجنة و لیس ذلک لسائر الامم فی أحد احتمالین للسبکی فی تفسیره و ذکر الامام فخر الدین الرازی ان من کانت معجزته أظهر یکون ثواب أمّته اقل قال السبکی الا هذه الامّة فان معجزات نبینا أظهر و ثوابنا أکبر من سائر الامم*

(القسم الثانی فی الخصائص التی اختص بها عن أمّته)

اشارة

* منها ما علم مشارکة الأنبیاء له فیها و منها ما لم یعلم و هو أربعة أنواع*

(النوع الاوّل ما اختص به من الواجبات و الحکمة فیه زیادة الزلفی و الدرجات)

* خص صلّی اللّه علیه و سلم بوجوب صلاة الضحی و الوتر و التهجد أی صلاة اللیل و السواک و الاضحیة و المشاورة علی الاصح فی السنة و رکعتی الفجر لحدیث فی المستدرک و غیره و غسل الجمعة ورد فی حدیث ضعیف و أربع عند الزوال ورد عن سعید بن المسیب و مصابرة العدوّ و ان کثر عددهم و زادوا علی الضعف و تغییر المنکر و لا یسقط النهی عنه للخوف و قضاء دین من مات من المسلمین معسرا علی الصحیح و قیل کان یفعله تکرّما لا وجوبا کذا فی سیرة مغلطای و تخییر نسائه فی فراقه و اختیاره علی الصحیح و امساکهنّ بعد أن اخترنه فی أحد الوجهین و ترک التزوّج علیهنّ و التبدّل بهنّ ثم نسخ ذلک لتکون المنة له صلّی اللّه علیه و سلم و أن یقول اذا رأی ما یعجبه لبیک ان العیش عیش الآخرة فی وجه حکاه فی الروضة و أصلها و ان یؤدّی فرض الصلاة کاملة لا خلل فیها فیما ذکره الماوردی و غیره و اتمام کل تطوّع شرع فیه حکاه فی الروضة و أصلها و ان یدفع بالتی هی أحسن و کلف من العلم وحده ما کلف الناس بأجمعهم و کان مطالبا برؤیة مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس و الکلام ذکر الثلاثة ابن سبع و ابن القاص فی تلخیصه و کان یؤخذ عن الدنیا حالة الوحی و لا یسقط عنه الصوم و الصلاة و سائر الاحکام ذکره فی زوائد الروضة عن ابن القاص و القفال و جزم به ابن سبع و کان یغان علی قلبه فیستغفر اللّه سبعین مرّة ذکره ابن القاص و نقله ابن الملقن فی الخصائص*

(النوع الثانی ما اختص به من المحرّمات)

* خص صلّی اللّه علیه و سلم بتحریم الزکاة و الصدقة علیه و فی صدقة التطوّع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:217
قولان کذا فی سیرة مغلطای و تحریم الزکاة علی آله قیل و الصدقة أیضا و علیه المالکیة و علی موالی آله فی الاصح و تحریم کون آله عمالا علی الزکاة فی الاصح و صرف النذر و الکفارة إلیهم و أکل ثمن أحد من ولد اسماعیل ورد به حدیث فی المسند و لم أرمن تعرّض له و أکل ماله رائحة کریهة کالثوم و البصل و الکرّاث و قیل مکروه و اذا شرع فی تطوّع لزمه اتمامه کذا فی سیرة مغلطای و الاکل متکئا فی أحد الوجهین فیهما و الاصح فی الروضة کراهیتهما و تحریم الکتابة و الشعر* قال الماوردی و کذا روایته و القراءة فی الکتاب و نزع لامته اذا لبسها حتی یقاتل أو یحکم اللّه بینه و بین عدوّه و قیل مکروه و کذلک الأنبیاء و المنّ لیستکثر و مدّ العین الی ما متع به الناس و خائنة الاعین و هی الایماء الی مباح من قتل أو ضرب علی خلاف ما یظهر و کذلک الأنبیاء و أن یخدع فی الحرب فیما ذکره ابن القاص و خالفه الجمهور و الصلاة علی من علیه دین ثم نسخ و امساک کارهته و تحرم علیه مؤیدا فی أحد الوجهین و نکاح من لم تهاجر فی أحد الوجهین و نکاح الکتابیة قیل و التسرّی بها و نکاح الامة المسلمة و لو قدّر نکاحه أمة کان ولده منها حرّا و لا یلزم قیمته و لا یشترط فی حقه حینئذ خوف العنت و لا فقد الطول و له الزیادة علی واحدة* قال امام الحرمین و لو قدر نکاح الغرور فی حقه لا یلزمه قیمة الولد قال ابن الرفعة و فی تصوّر ذلک فی حقه نظر و کان اذا خطب فردّ لم یعد کذا فی حدیث مرسل فیحتمل التحریم و الکراهة قیاسا علی امساکه کارهته و لم أرمن تعرّض له و عدّ ابن سبع من خصائصه تحریم الاغارة اذا سمع التکبیر*

(النوع الثالث ما اختص به من المباحات)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم باباحة المکث فی المسجد جنبا و فیها خلاف و انه لا ینقض وضوءه بالنوم مضطجعا و لا باللمس أی بلمس المرأة و الذکر فی أحد الوجهین و هو الاصح و اباحة الصلاة بعد العصر و حمل الصغیر فی الصلاة فیما ذکر بعضهم و بالصلاة علی الغائب عند أبی حنیفة و بجواز صلاة الوتر علی الراحلة مع وجوبه علیه ذکره فی شرح المهذب و بالامامة جالسا فیما ذکره قوم و القبلة فی الصوم مع قوّة شهوته و الوصال و اباحة دخول مکة بغیر إحرام و استمرار الطیب فی الاحرام فیما ذکره المالکیة و قهر من شاء علی طعامه و شرابه و یجب علی مالکهما البذل و ان یفدی بمهجته مهجة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اباحة النظر الی الاجنبیات و الخلوة بهنّ و نکاح أکثر من أربع نسوة و کذلک الأنبیاء و النکاح بلفظ الهبة و بلا مهر ابتداء و انتهاء و بلا ولی و بلا شهود و فی حال الاحرام و بغیر رضا المرأة فلو رغب فی نکاح امرأة خلیة لزمها الاجابة و حرم علی غیره خطبتها أو مزوّجة وجب علی زوجها طلاقها لینکحها و کان له تزویج المرأة ممن شاء بغیر اذنها و اذن ولیها و تزوّجها لنفسه و تولی الطرفین بغیر اذنها و لا اذن ولیها و له اجبار الصغیرة من غیر بناته و زوّج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس و قدّم علی الاقرب و قال لأمّ سلمة مری ابنک أن یزوّجک فزوّجها و هو یومئذ صغیر لم یبلغ و زوّجه اللّه بزینب فدخل علیها بتزویج اللّه بغیر عقد من نفسه و عبر فی الروضة عن هذه بقوله و کانت المرأة تحل له بتحلیل اللّه و له نکاح المعتدّة من غیره فی وجه حکاه الرافعی و الجمع بین المرأة و اختها و عمتها و خالتها فی أحد الوجهین و بین المرأة و ابنتها فی وجه حکاه الرافعی و عتق أمته و جعل عتقها صداقها و نکاح من لم تبلغ فیما ذکره ابن شبرمة لکن الاجماع علی خلافه و ترک القسم بین أزواجه فی أحد الوجهین و هو المختار و لا یجب علیه نفقتهنّ فی وجه کالمهر و علی الوجوب لا یتقدّر و لا ینحصر طلاقه فی الثلاث فی أحد الوجهین و علی الحصر قیل تحل له من غیر محلل و قیل لا تحل له أبدا و مرجع غالب هذه الخصائص الی أن النکاح فی حقه کالتسرّی فی حقنا و حرّم أمته فلم تحرم علیه و لم تلزمه کفارة و کان له أن یستثنی فی کلامه بعد حین منفصلا و اصطفاء ما شاء من الغنیمة قبل القسمة من جاریة و غیرها و خمس خمس الفی‌ء و الغنیمة و أربعة أخماس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:218
الفی‌ء و أن یحمی الموات لنفسه و لا ینقض ما حماه و القتال بمکة و القتل بها و القتل بعد الامان و لعن من شاء بغیر سبب و یکون له رحمة و القضاء بعلمه و فی غیره خلاف و لنفسه و لولده و أن یشهد لنفسه و لولده و أن یقبل شهادة له و لولده و قبول الهدیة بخلاف غیره من الحکام و لا تکره له الفتوی و القضاء فی حال الغضب ذکره النووی فی شرح مسلم و کان له أن یدعو لمن شاء بلفظ الصلاة و لیس لنا أن نصلی الاعلی نبیّ أو ملک و ضحیک عن أمّته و لیس لاحد أن یضحی عن الغیر بغیر اذنه و أکل من طعام الفجأة مع نهیه عنه ذکر هذه ابن القاص و أنکرها البیهقی و قال انه مباح للامة و النهی لم یثبت و له قتل من سبه و هجاه عدّ هذه ابن سبع و کان یقطع الاراضی قبل فتحها لان اللّه ملکه الارض کلها و أفتی الغزالی بکفر من عارض أولاد تمیم الداری فیما أقطعهم و قال انه صلّی اللّه علیه و سلم کان یقطع أرض الجنة فأرض الدنیا أولی‌

* (النوع الرابع ما اختص به من الکرامات و الفضائل)

اختص صلّی اللّه علیه و سلم بمنصب الصلاة و بأنه لا یورث و کذلک الأنبیاء و بأن ماله باق بعد موته علی ملکه ینفق منه علی أهله فی أحد الوجهین و صححه امام الحرمین و انه لو قصده ظالم وجب علی من حضره أن یبذل نفسه دونه حکاه فی زوائد الروضة عن جماعة من الاصحاب و تحریم رؤیة أشخاص أزواجه فی الازر کما صرّح به القاضی عیاض و غیره و کشف وجوههنّ و أکفهنّ لشهادة أو غیرها و سؤالهنّ مشافهة و انهنّ أمهات المؤمنین و وجوب جلوسهنّ بعده فی البیوت و تحریم خروجهنّ و لو لحج أو عمرة فی أحد القولین و أباح لهنّ و له الجلوس فی المسجد مع الحیض و الجنابة و ان تطوّعه فی الصلاة قاعدا کتطوّعه قائما و ان عمله له نافلة و یخاطبه المصلی بقوله السلام علیک أیها النبیّ و رحمة اللّه و لا یخاطب غیره و کان یجب علی من دعاه و هو فی الصلاة أن یجیبه و لا تبطل صلاته و کذلک الأنبیاء و من تکلم و هو یخطب بطلت جمعته و النکاح فی حقه عبادة مطلقا کما قاله السبکی و هو فی حق غیره لیس بعبادة عند نابل من المباحات و العبادة عارضة و الکذب علیه کبیرة لیس کالکذب علی غیره* و قال الجوینی ردّة و من کذب علیه لم تقبل روایته أبدا و ان تاب فیما ذکره خلائق من أهل الحدیث و یحرم التقدّم بین یدیه و رفع الصوت فوق صوته و الجهر له بالقول و نداؤه من وراء الحجرات و الصیاح به من بعید و طهارة دمه و بوله و غائطه و یستشفی بها و لا خلاف فی طهارة شعره فی غیره خلاف و العصمة من کل ذنب و لو صغیرا أو سهوا و کذلک الأنبیاء و ینزه عن فعل المکروه و محبته فرض و تجب محبة أهل بیته و أصحابه و من استهان به کفر أو زنا بحضرته و من سبه قتل و کذلک الأنبیاء و لم تبغ امرأة نبیّ قط و من قذف أزواجه فلا توبة له البتة کما قاله ابن عباس و غیره و یقتل کما نقله القاضی عیاض و فی قول یختص القتل بمن سب عائشة و یحدّ فی غیرها حدّین و کذا من قذف أمّ أحد من أصحابه و أولاد بناته ینسبون إلیه و لا یتزوّج علی بناته و من صاهره من الجانبین لم یدخل النار و لا یجتهد فی محراب صلّی إلیه لا فی یمنة و لا یسرة و یختص صلاة الخوف بعهده فی قول أبی یوسف و المزنی و یجل منصبه عن الدعاء له بالرحمة فیما ذکره جماعة و یحرم النقش علی نقش خاتمه و لا یقول فی الغضب و الرضا الا حقا و رؤیاه وحی و کذلک الأنبیاء و لا یجوز علی الأنبیاء الجنون و لا الاغماء الطویل الزمن فیما ذکره الشیخ أبو حامد فی تعلیقه و جزم به البلقینی فی حواشی الروضة و نبه السبکی علی أن اغماءهم یخالف اغماء غیرهم کما خالف نومهم نوم غیرهم و لا العمی فیما ذکره السبکی و یخص من شاء بما شاء من الاحکام کجعله شهادة خزیمة بشهادة رجلین و ترخیصه فی ارضاع سالم و هو کبیر* عن عائشة ان سالما مولی أبی حذیفة کان مع أبی حذیفة و أهله فی بیتهم فأتت سهیلة بنت سهل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت ان سالما بلغ ما یبلغ الرجال و عقل ما عقلوا و انه یدخل علینا و انی أظنّ ان فی نفس أبی حذیفة من ذلک شیئا فقال لها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أرضعیه تحرمی علیه و یذهب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:219
ما فی نفس أبی حذیفة فرجعت إلیه فقالت انی قد أرضعته فذهب الذی فی نفس أبی حذیفة کذا فی أسد الغابة و فی النیاحة لتلک المرأة و فی تعجیل صدقة عامین للعباس و فی ترک الاحداد لاسماء بنت عمیس و فی الجمع بین اسمه و کنیته للولد الذی یولد لعلی و فی الاضحیة بالعناق لابی بردة بن نیار و فی نکاح ذلک الرجل بما معه من القرآن فیما ذکره جماعة و ورد به حدیث مرسل و أصام أطفال أهل بیته و هم رضعاء و کان یحرم علی الصحابة اذا کانوا معه علی أمر جامع أن یذهبوا حتی یستأذنوه و کانوا یقولون له بأبی أنت و أمی و لا یقال لغیره فیما ذکره بعضهم و کان یری من خلفه کما یری من أمامه و یری باللیل و فی الظلمة کما یری بالنهار و الضوء و ریقه یعذب الماء الملح و یجزئ الرضیع و إبطه أبیض غیر متغیر اللون و لا شعر علیه و یبلغ صوته و سمعه ما لا یبلغه غیره و تنام عینه و لا ینام قلبه و ما تثاءب قط و لا احتلم قط و کذلک الأنبیاء فی الثلاثة و عرقه أطیب من المسک و کان اذا مشی مع الطویل طاله و اذا جلس یکون کتفه أعلی من جمیع الجالسین و لم یقع ظله علی الارض و لا رؤی له ظل فی شمس و لا قمر و لا یقع علی ثیابه ذباب قط و لا أذاه القمل و لم یکن لقدمه أخمص و کانت خنصر رجله متظاهرة و کانت الارض تطوی له اذا مشی و أوتی قوّة أربعین فی الجماع و البطش* و عن أنس قال فضلت علی الناس بأربع بالسماحة و الشجاعة و کثرة الجماع و شدّة البطش کذا فی سیرة مغلطای و لم یر له أثر قضاء حاجة بل کانت الارض تبتلعه و کذلک الأنبیاء و لم یقع فی نسبه من لدن آدم سفاح و نکست الاصنام لمولده و ولد مختونا و مقطوع السرّة و نظیفا ما به قذر و وقع الی الارض ساجدا رافعا اصبعه کالمتضرّع المبتهل و رأت أمه عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام و کذلک أمهات النبیین یرین و کان مهده یتحرّک بتحریک الملائکة ذکر هذه ابن سبع و کان القمر یناغیه فی مهده و یمیل حیث أشار إلیه و تکلم فی المهد و تظله الغمامة فی الحرّ و کان یمیل إلیه فی‌ء الشجرة اذا سبق إلیه و کان یبیت جائعا و یصبح طاعما یطعمه ربه و یسقیه من الجنة و کان یوعک کما یوعک رجلان لمضاعفة الاجر وردت إلیه الروح بعد ما قبض ثم خیر بین البقاء فی الدنیا و الرجوع الی اللّه فاختار الرجوع إلیه و کذلک الأنبیاء و أرسل إلیه ربه جبریل ثلاثة أیام فی مرضه یسأله عن حاله و سمع صوت ملک الموت باکیا علیه ینادی وا محمداه و صلّی علیه ربه و صلّی علیه الناس أفواجا بغیر امام و بغیر دعاء الجنازة المعروف و ترک بلا دفن ثلاثة أیام و دفن فی بیته حیث قبض و کذلک الأنبیاء و فرش له فی لحده قطیفة و الامران فی حقنا مکروهان و أظلمت الارض یوم موته و لا یضغط فی قبره و کذلک الأنبیاء و لا یسلم من الضغطة لا صالح و لا غیره سواهم و تحرم الصلاة علی قبره و اتخاذه مسجدا و لا یبلی جسده و کذلک الأنبیاء لا تأکل لحومهم الارض و لا السباع و لا خلاف فی طهارة میتتهم و فی غیرهم خلاف و لا یجری فی أطفالهم التوقف الذی لبعضهم فی غیرهم و لا یجوز للمضطر أکل میتة نبی و هو حی فی قبره یصلی فیه باذان و اقامة و کذلک الأنبیاء و لهذا قیل لا عدة علی أزواجه و وکل بقبره ملک یبلغه صلاة المصلین علیه و تعرض علیه أعمال أمته و یستغفر لهم و المصیبة بموته عامة لامّته الی یوم القیامة و من رآه فی المنام فقد رآه حقا فان الشیطان لا یتمثل فی صورته و من أمره بأمر فی المنام وجب علیه امتثاله فی أحد الوجهین و استحب فی الآخر و قراءة أحادیثه عبادة یثاب علیها کقراءة القرآن فی أحد الروایتین و لا تأکل النار شیئا مس وجهه و کذلک الأنبیاء و التسمی باسمه میمون و نافع فی الدنیا و الآخرة و یکره أن یحمل فی الخلاء ما کتب علیه اسمه و یستحب الغسل لقراءة حدیثه و الطیب و لا ترفع عنده الاصوات و یقرأ علی مکان عال و یکره لقارئه أن یقوم لاحد و حملته لا تزال وجوههم
نضرة و اختصوا بالتلقیب بالحفاظ و امراء المؤمنین من بین سائر العلماء و یجعل کتبه علی کرسی کالمصحف و تثبت الصحبة لمن اجتمع به صلّی اللّه علیه و سلم لحظة بخلاف التابعی مع الصحابة فلا تثبت الا بطول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:220
الاجتماع معه علی الاصح عند أهل الاصول و الفرق عظم منصب النبوّة و نورها فبمجرّد ما یقع بصره علی الاعرابی الجلف ینطق بالحکمة و أصحابه کلهم عدول فلا یبحث عن عدالة أحد منهم کما یبحث عن سائر الرواة و لا یکره للنساء زیارة قبره کما یکره لهنّ سائر القبور بل تستحب کما قاله العراقی فی نکته انه لا شک فیه و المصلی بمسجده لا یبصق عن یساره کما هو السنة فی سائر المساجد و اللّه أعلم* وجدت مکتوبا أن جملة الخصائص أربعمائة و أربعون حدیثا التی اختص بها عن الأنبیاء مائتان و أربعون و التی اختص بها عن الامّة مائتان ثم ألحقت بها زیادات بعد ذلک فقاربت الخمسمائة*

(ذکر معجزاته صلّی اللّه علیه و سلم المذکورة فی هذا الباب مجموعة)

* منها القرآن و هو أعظمها و أدومها و شق الصدر و اخباره عن بیت المقدس و انشقاق القمر و سیجی‌ء فی السنة التاسعة من المبعث و ان الملأ من قریش تعاقدوا علی قتله فخرج علیهم فخفضوا أبصارهم و سقطت أذقانهم فی صدورهم فأقبل حتی قام علی رءوسهم فقبض قبضة من تراب و قال شاهت الوجوه و حصبهم فما أصاب رجلا منهم شی‌ء من تلک الحصباء الا قتل یوم بدر و رمی یوم حنین بقبضة من تراب فی وجوه القوم فهزمهم اللّه تعالی و نسج العنکبوت علی الغار و ما کان من أمر سراقة بن مالک اذ تبعه فی الهجرة فساخت قوائم فرسه فی الارض الجلد و مسح علی ظهر عناق لم ینز علیها الفحل فدرّت و دعوته لأمّ معبد و دعوته لعمر ان اللّه یعز به الاسلام و دعوته لعلی أن یذهب عنه الحرّ و البرد و تفل فی عینیه یوم خیبر و هو أرمد فعوفی من ساعته و لم یرمد بعد ذلک و ردّ عین قتادة بن النعمان بعد أن سالت علی خدّه فکانت أحسن عینیه و ذلک یوم أحد کذا فی المستدرک و فی روایة یوم بدر* و قال الدمیاطی بالخندق قال السهیلی فکانت لا ترمد الا اذا رمدت الاخری و عند الدارقطنی حدقتاه و استغربه کذا فی سیرة مغلطای* و دعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن کان مسبوقا و دعا لانس بطول العمر و کثرة المال و الولد فمات و له من العمر مائة و ثلاث سنین و قیل تسع و تسعون سنة قال ابن عبد البرّ و هو أصح یقال انه ولد له مائة ولد و قیل ثمانون منهم ثمانیة و سبعون ذکرا و اثنتان انثی و فی تمر جابر بالبرکة فأوفی غرماءه و فضل ثلاثون وسقا و استسقی صلّی اللّه علیه و سلم فطروا أسبوعا ثم استصحی لهم فانجاب السحاب و دعا علی عتبة أو عتیبة بن أبی لهب فأکله الاسد بالزرقاء من الشام و شهدت له الشجرة بالرسالة فی خبر الاعرابی الذی دعاه الی الاسلام فقال هل من شاهد علی ما تقول فقال نعم هذه الشجرة ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه کما قال ثلاثا ثم رجعت الی منبتها و أمر شجرتین فاجتمعتا ثم افترقتا و أمر انسانا أن ینطلق الی نخلات فیقول لهنّ أمرکن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضی حاجته خلفها أمره أن یأمرهنّ بالعود الی أماکنهنّ فعدن و نام فجاءت شجرة تشق الارض حتی قامت علیه فلما استیقظ ذکر له ذلک فقال هی شجرة استأذنت ربها فی أن تسلم علیّ فأذن لها و بینما هو یسیر لیلا علی راحلته بواد بقرب الطائف فی منصرفه عن غزوة الطائف اذ غشی سدرة فی سواد اللیل و هو فی و سن النوم فانفرجت له السدرة نصفین فمرّ بین نصفها و بقیت منفرجة علی حالها و سیجی‌ء فی غزوة الطائف و سلم علیه الشجر و الحجر لیالی بعث السلام علیک یا رسول اللّه و قال انی لاعرف حجرا کان یسلم علیّ بمکة قبل أن أبعث انی لا عرفه الآن خرجه مسلم من حدیث جابر بن سمرة و قد اختلف فی هذا الحجر فقیل هو الحجر الاسود و قیل حجر غیره بزقاق یعرف به بمکة و الناس یتبرکون بلمسه و یقولون انه الذی کان یسلم علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم متی اجتاز به* و حکی عن أبی جعفر المیانشی أنه قال أخبرنی کل من لقیته بمکة ان هذا الحجر یعنی المذکور هو الذی کلم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی التفسیر الکبیر للامام النحریر فخر الدین الرازی روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان علی شط ماء و قعد عکرمة بن أبی جهل و قال ان کنت صادقا فادع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:221
ذلک الحجر الذی فی الجانب الآخر فلیسبح و لا یغرق فأشار إلیه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فانقلع الحجر من مکانه و سبح حتی صار بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و شهد له بالرسالة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یکفیک هذا فقال حتی یرجع الی مکانه* قال القسطلانی و لم أره لغیره و اللّه أعلم بحاله کذا فی المواهب اللدنیة و حنّ إلیه الجذع و سبح الحصی فی کفه و کذلک الطعام کان یسمع تسبیحه و هو یؤکل و أخبرته الشاة یسمها* و فی روایة أبی داود أکل من شاة لقمة ثم قال ان هذه تخبرنی انها أخذت بغیر اذن أهلها فنظر فاذا هو کما قال کذا فی سیرة مغلطای و شکا إلیه البعیر قلة العلف و کثرة العمل و سألته الظبیة أن یخلصها من الحبل لترضع أولادها و تعود فخلصها فنطقت بالشهادتین و أخبر عن مصارع المشرکین یوم بدر فلم یعد أحد منهم مصرعه و أخبر أن طائفة من أمّته یغزون فی البحر و ان أمّ حزام بنت ملحان منهم فکان کذلک و قال لعثمان تصیبه بلوی شدیدة فکانت و قتل و قال للانصار انکم ستلقون بعدی أثرة فکانت زمان معاویة و قال فی الحسن هذا سید و لعلّ اللّه سیصلح به بین فئتین من المسلمین و أخبر بقتل عبهلة ذی الخمار و هو الاسود العنسی الکذاب و هو بصنعاء الیمن لیلة قتل و بمن قتله* و قال لثابت ابن قیس تعیش حمیدا و تقتل شهیدا فبلغه انه مات فقال ان الارض لا تقبله فکان کذلک و قال لرجل یأکل بشماله کل بیمینک فقال لا أستطیع فقال له لا استطعت فلم یطق أن یرفعها الی فیه بعد و دخل مکة عام الفتح و الاصنام معلقة حول الکعبة و بیده قضیب فجعل یشیر إلیها و یقول جاء الحق و زهق الباطل و هی تتساقط و شهد الضب برسالته و شهد الذئب بنبوّته رواه أبو سعید عن ابن حبان کذا فی سیرة مغلطای و أطعم ألفا من صاع من شعیر و بهیمة فی بیت جابر بالخندق فشبعوا و الطعام أکثر مما کان و أطعمهم من تمر یسیر و جمع فضل الازواد علی النطع فدعا لها بالبرکة ثم قسمها فی العسکر فقامت بهم و أتاه أبو هریرة بتمرات قد صفهنّ فی یده و قال ادع اللّه لی فیهنّ بالبرکة ففعل* قال أبو هریرة فأخرجت من ذلک التمر کذا کذا وسقا فی سبیل اللّه و کنا نأکل منه و نطعم حتی انقطع فی زمن عثمان و دعا أهل الصفة لقصعة ثرید قال أبو هریرة فجعلت أتطاول لیدعونی حتی قام القوم و لیس فی القصعة الا الیسیر فی نواحیها فجمعه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فصار لقمة فوضعها علی أصابعه و قال کل بسم اللّه فو الذی نفسی بیده ما زلت آکل منها حتی شبعت* و نبع الماء من بین أصابعه بالحدیبیة حتی شرب القوم و توضأ و اوهم ألف و أربعمائة و أتی بقدح فیه ماء فوضع أصابعه فی القدح فلم یسع فوضع أربعة منها و قال هلموا فتوضئوا کلهم و هم ما بین السبعین الی الثمانین و مرّة أخری و هم ثلاثمائة و حدیث المزادتین اللتین لم ینقصا قال عمران شربنا منهما و نحن نحو الاربعین* و ورد فی غزوة تبوک علی ماء لا یروی واحدا و القوم عطاش فشکوا إلیه فأخذ سهما من کنانته و أمر بغرزه فیه ففار الماء و ارتوی القوم و کانوا ثلاثین ألفا و شکی القوم ملوحة فی مائهم فجاء فی نفر من أصحابه حتی وقف علی بئرهم فتفل فیه فتفجر بالماء العذب المعین و أتته امرأة بصبی لها أقرع فمسح علی رأسه فاستوی شعره و ذهب داؤه فسمع أهل الیمامة بذلک فأتت امرأة الی مسیلمة بصبی لها فمسح علی رأسه فصلع و بقی الصلع فی نسله و انکسر سیف عکاشة فی یوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار فی یده سیفا و لم یزل بعد ذلک عنده و عرت کدیة بالخندق و عسر أن یأخذها المعول فضربها فصارت کثیبا أهیل و مسح علی رجل أبی رافع و قد انکسرت فکأنه لم یشکها قط* و فی البخاری أصیبت رجل عبد اللّه بن عتیک فبرأ بمسحته من حینها و جاء الطفیل بن عمرو الدوسی و کان شریفا فأسلم و قال یا رسول اللّه انی امرؤ مطاع فی قومی و أنا راجع إلیهم و داعیهم الی الاسلام فادع اللّه أن یجعل لی آیة تکون لی عونا علیهم فدعا له فطلع نور بین عینیه مثل المصباح حتی أشرف علی قومه
قال فقلت اللهمّ فی غیر وجهی انی أخشی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:222
أن یظنوا انها مثلة وقعت فی وجهی لفراقی دینهم فتحوّل النور فوقع فی رأس سوطی کالقندیل المعلق فأسلم علی یده ناس* و من معجزاته احیاء الموتی باذن اللّه و اسماع الاصم و ردّ الشمس و قلب الاعیان و الاطلاع علی الغیب و ظلّ الغمام و ابراء الآلام کذا ذکره فی سیرة مغلطای و معجزاته صلّی اللّه علیه و سلم أکثر من ان یحصرها کاتب أو یجمعها دیوان کذا ذکره فی سیرة الیعمری*

(ذکر ارضاع الاظآر و عددها و ما وقع عند حلیمة)

* قال أهل السیر أرضعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمّه آمنة ثلاثة أیام و قیل سبعة ثم أرضعته ثویبة الاسلمیة جاریة أبی لهب أیاما قبل قدوم حلیمة من قبیلتها ثم أرضعته حلیمة* روی انها أرضعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثمان نسوة غیر آمنة ثویبة و حلیمة و خولة بنت المنذر ذکرها أبو الفتح الیعمری و أم أیمن ذکرها أبو الفتح عن بعضهم و المعروف انها من الحواضن و امرأة سعدیة غیر حلیمة ذکرها ابن القیم فی الهدی و ثلاث نسوة اسم کل واحدة منهنّ عاتکة نقله السهیلی عن بعضهم فی قوله صلّی اللّه علیه و سلم أنا ابن العواتک من سلیم کذا فی مزیل الخفا* و فی حیاة الحیوان العواتک ثلاث نسوة کنّ من أمّهات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و فی نهایة ابن الاثیر العواتک جمع عاتکة و أصل العاتکة المتضمخة بالطیب و العواتک ثلاث نسوة کنّ أمّهات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم احداهنّ عاتکة بنت هلال بن فالخ بن ذکوان و هی أم عبد مناف بن قصی و الثانیة عاتکة بنت مرّة بن هلال بن فالخ و هی أمّ هاشم بن عبد مناف* و الثالثة عاتکة بنت الاوقص ابن مرّة بن هلال و هی أمّ وهب أبی آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فالاولی من العواتک عمة الثانیة و الثانیة عمة الثالثة و بنو سلیم تفخر بهذه الولادة و المشهور انه أرضعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ظئران* الظئر الاولی ثویبة الاسلمیة جاریة أبی لهب و فی شواهد النبوّة عن ابن عباس أرضعته ثویبة بعد مضی ثلاثة أیام من مولده الی أن قدمت حلیمة من قبیلتها بعد أربعة أشهر و کانت ثویبة قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و أرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومی* و فی المواهب اللدنیة أرضعته صلی اللّه علیه و سلم ثویبة عتیقة أبی لهب أعتقها حین بشرته بولادته صلّی اللّه علیه و سلم و کانت تدخل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیکرمها أیضا و تکرمها خدیجة و هی یومئذ أمّه* و فی الاستیعاب قال أحمد بن محمد أعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة فأثابه اللّه علی ذلک بأن سقاه اللّه لیلة کل اثنین فی مثل نقرة الابهام کذا فی سیرة مغلطای و المنتقی و کان صلی اللّه علیه و سلم یبعث إلیها من المدینة بکسوة و صلة حتی ماتت بعد فتح خیبر* و فی سیرة مغلطای سنة سبع من الهجرة فبلغ وفاتها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سأل عن ابنها مسروح فقیل مات فسأل عن قرابتها فقیل لم یبق منهم أحد ذکره أبو عمرو کذا فی ذخائر العقبی* قال أبو نعیم الاصفهانی انه قد اختلف فی اسلامها* و فی سیرة مغلطای قال أبو نعیم لا أعلم أحدا أثبت اسلامها غیر ابن مندة عن عروة لما مات أبو لهب رآه أخوه العباس فی المنام بعد سنة فقال له ما ذا لقیت یا أبا لهب قال ما رأیت بعدکم روحا غیر أنی سقیت من هذه یعنی من عتق ثویبة لأمر محمد و أشار الی ما بین الابهام و السبابة و فی روایة و أشار الی النقرة التی فی الابهام* و فی المواهب اللدنیة و قد رؤی أبو لهب بعد موته فی النوم فقیل له ما حالک فقال فی النار الا أنه خفف عنی کل لیلة اثنین و أمص من بین اصبعیّ هاتین ماء و أشار برأس اصبعه و ان ذلک باعتاقی ثویبة عند ما بشرتنی بولادة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بارضاعها له* و فی الاکتفاء قال ما لقیت بعدکم راحة الا ان العذاب یخفف عنی الی آخر ما ذکر قال ابن الجوزی فاذا کان هذا أبو لهب الکافر الذی أنزل القرآن بذمّه جوزی فی النار بفرحة لیلة مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فما حال المسلم الموحد من أمّته علیه السلام یسرّ بمولده و یبذل ما تصل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:223
إلیه قدرته فی محبته صلّی اللّه علیه و سلم لعمری انما یکون جزاؤه من الکریم أن یدخله بفضله جنات النعیم و لا یزال أهل الاسلام یحتفلون بشهر مولده علیه السلام و یعملون الولائم و یتصدّقون فی لیالیه بأنواع الصدقات و یظهرون السرور و یزیدون فی المبرات و یعتنون بقراءة مولده الکریم و یظهر علیهم من برکاته کل فضل عمیم* و مما جرّب من خواصه انه أمان فی ذلک العام و بشری عاجلة بنیل البغیة و المرام و لقد أطنب ابن الحاج فی المدخل فی الانکار علی ما أحدثه الناس من البدع و الاهواء و التغنی بالآلات المحرّمة عند عمل المولد الشریف فاللّه تعالی یثیبه علی قصده الجمیل و یسلک بنا سبیل السنة فانه حسبنا و نعم الوکیل* الظئر الثانیة أمّ کبشة حلیمة بنت أبی ذؤیب عبد اللّه بن الحارث بن شحنة بن جابر ابن رزام بن ناضرة بن سعد بن بکر بن هوازن بن منصور بن عکرمة بن حفصة بن قیس بن عیلان ابن مضر و هی التی أرضعته حتی أکملت رضاعه بلبن زوجها الحارث بن عبد العزی بن رفاعة بن ملآن بن ناضرة بن قصیة بن عیلان بن مضر* و فی المواهب اللدنیة لما ولد صلّی اللّه علیه و سلم قیل من یکفل هذه الدرّة الیتیمة التی لا یوجد لها مثل و لا قیمة قالت الطیور نحن نکفله و نغنم خدمته العظیمة و قالت الوحوش نحن أولی بذلک نثال شرفه و تعظیمه فنادی لسان القدرة أن یا جمیع المخلوقات ان اللّه کتب فی سابق حکمته القدیمة ان نبیه الکریم یکون رضیعا لحلیمة الحلیمة* روی عن مجاهد أنه قال قلت لابن عباس أوقد تنازعت الطیور فی ارضاع محمد صلّی اللّه علیه و سلم فقال ای و اللّه و کل نساء الجنّ و ذلک انه لما نادی الملک فی سماء الدنیا هذا محمد سید الأنبیاء طوبی لثدی أرضعته تنافست الجنّ و الطیر فی ارضاعه فنودیت أن کفوا فقد أجری اللّه ذلک علی أیدی الانس فخص اللّه تعالی بتلک السعادة و شرف بذلک الشرف حلیمة بنت أبی ذؤیب* روی انه کان من عادة أشراف قریش و دیدن صنادیدهم أن یدفعوا أولادهم الرضعاء الی المراضع لیتیسر اشتغال نسائهم بالازواج فی کل الحال بحضور القلب و فراغ البال و لازدیاد النسل و الاولاد و بقائهم مصونة عن مضرة الغیل و الفساد و لنشوهم فی القبائل المعروفة بلادهم بطیب الهواء و قلة الرطوبة و عذوبة الماء اذ لها مدخل عظیم و تأثیر بلیغ فی فصاحة المولود و لهذا قال صلّی اللّه علیه و سلم أنا أعربکم أنا من قریش و استرضعت فی بنی سعد بن بکر و کانت مشهورة بین العرب بکمال الجود و تمام الشرف و کانت نساء القبائل التی حوالی مکة و نواحی الحرم یأتینها فی کل عام مرّتین ربیعا و خریفا یلتمسن الرضعاء و یذهبن بهم الی بلادهنّ حتی تتمّ الرضاعة* و فی المواهب اللدنیة قالت حلیمة فیما رواه ابن اسحاق و ابن راهویه و أبو یعلی و الطبرانی و البیهقی و أبو نعیم قدمت مکة فی نسوة من بنی سعد بن بکر نلتمس الرضعاء فی سنة شهباء فقدمت علی أتان لی و معی صبی لی و شارف لنا و اللّه ما تبض بقطرة لبن و ما ننام لیلنا ذلک أجمع مع صبینا ذاک لا یجد فی ثدیی ما یغنیه و لا فی شارفنا ما یغذیه فقدمنا مکة فو اللّه ما علمت منا امرأة الا و قد عرض علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتأباه اذا قیل یتیم فو اللّه ما بقی من صواحبی امرأة الا أخذت رضیعا غیری فلم أجد غیره قلت لزوجی و اللّه انی لاکره أن أرجع من بین صواحبی لیس معی رضیع لانطلقنّ الی ذلک الیتیم فلآخذنه فذهبت فاذا به مدرج فی ثوب صوف أبیض من اللبن یفوح منه رائحة المسک و تحته حریرة خضراء و هو راقد علی قفاه یغط فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه و جماله فدنوت منه رویدا فوضعت یدی علی صدره فتبسم ضاحکا و فتح عینیه ینظر الیّ فخرج من عینیه نور حتی دخل خلال السماء و أنا أنظر إلیه فقبلته بین عینیه و أعطیته ثدیی الایمن فأقبل علیه بما شاء من اللبن فحوّلته الی الایسر فأبی و کانت تلک بعد عادته* قال العلماء فأعلمه اللّه ان له شریکا فألهمه العدل فروی و روی أخوه ثم أخذته فما هو الا أن جئت به رحلی فقام صاحبی تعنی زوجها الی شارفنا تلک فاذا انها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:224
لحافل فحلب منها ما شرب و شربت حتی روینا و یتنا بخیر لیلة فقال صاحبی یا حلیمة و اللّه انی لاراک أخذت نسمة مبارکة أ لم تری ما بتنا به اللیلة من الخیر و البرکة حین أخذناه فلم یزل اللّه یزیدنا خیرا و فی روایة ذکرها ابن طغربک فی النطق المفهوم فلما نظر صاحبی الی هذا قال اسکتی و اکتمی أمرک فن لیلة ولد هذا الغلام أصبحت الاحبار قوّاما علی أقدامها لا یهنأ لها عیش النهار و لا نوم اللیل* و فی شواهد النبوّة قالت حلیمة فلما ذهبت بمحمد الی منزلی مکثنا بمکة ثلاث لیال انتهی قالت حلیمة فودّعت النساء بعضهنّ بعضا و ودّعت أنا أم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم رکبت أتانی و أخذت محمدا صلّی اللّه علیه و سلم بین یدیّ قالت فنظرت الی الاتان و قد سجدت نحو الکعبة ثلاث سجدات و رفعت رأسها الی السماء ثم مشت حتی سبقت دواب الناس الذین کانوا معی و صار الناس یتعجبون منی و تقول النساء لی و هنّ ورائی یا بنت أبی ذؤیب أ هذه أتانک التی کنت علیها و أنت جائیة معنا تخفضک طور او ترفعک أخری فأقول تاللّه انها هی فیتعجبن منها و یقلن ان لها لشأنا عظیما قالت فکنت أسمع أتانی تنطق و تقول و اللّه ان لی لشأنا ثم شأنا بعثنی اللّه بعد موتی و ردّ لی سمنی بعد هزالی ویحکنّ یا نساء بنی سعد انکنّ لفی غفلة عظیمة و هل تدرین من علی ظهری علی ظهری خیر النبیین و سید المرسلین و خیر الاوّلین و الآخرین و حبیب رب العالمین* روی انه لما سلمته أمه الی حلیمة السعدیة لترضعه و قامت عکاطة انطلقت به حلیمة الی عرّاف من هذیل یریه الناس صبیانهم فلما نظر إلیه صاح یا معشر هذیل یا معشر العرب فاجتمع الناس من أهل الموسم فقال اقتلوا هذا الصبی فانسلت به حلیمة فجعل الناس یقولون أی صبیّ فیقول هذا الصبی فلا یرون شیئا قد انطلقت به أمه فیقال ما هو فیقول رأیت غلاما و اللّه لیقتلنّ أهل دینکم و لیکسرن آلهتکم و لیظهرنّ أمره علیکم فطلب بعکاظة فلم یوجد و رجعت به حلیمة الی منزلها فکانت بعد لا تعرض لعرّاف کذا فی المنتقی قالت حلیمة فیما ذکر ابن اسحاق و غیره ثم قدمنا منازل بنی سعد و لا أعلم أرضا من أرض اللّه أجدب منها فکانت غنیمتی تروح علیّ حین قدمنا به شباعا لبنا فنحلب و نشرب و ما یحلب انسان قطرة لبن و لا یجدها فی ضرع حتی کان الحاضرون من قومنا یقولون لرعاتهم ویلکم ما بال أغنام حلیمة تحمل و تحلب و أغنامنا لا تحمل و لا تضع و لا تأتی بخیر اسرحوا حیث یسرح راعی غنم بنت أبی ذؤیب فتروح أغنامهم جیاعا ما تبض بقطرة لبن و تروح أغنامی شباعا لبنا حتی انا نتفضل علی قومنا و کانوا یعیشون فی أکنافنا فللّه درّها من برکة کثرت بها مواشی حلیمة و نمت و ارتفع قدرها به و سمت و لم تزل حلیمة تتعرّف الخیر و السعادة و تفوز منه بالحسنی و زیادة کما قیل
لقد بلغت بالهاشمیّ حلیمةمقاما علا فی ذروة العز و المجد
و زادت مواشیها و أخصب ربعهاو قد عمّ هذا السعد کل بنی سعد و قال ابن الطرمّاح رأیت فی کتاب الترقیص لأبی عبد اللّه بن المعلی الازدی أنّ من شعر حلیمة مما کانت ترقص به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
یا رب اذ أعطیته فأبقه‌و أعله الی العلی و أرقه
و ادحض أباطیل العدی بحقه
و عند غیره و کانت الشیماء أخته من الرضاعة تحضنه و ترقصه و تقول
هذا أخیّ لم تلده أمی* و لیس من نسل أبی و عمی* فدیته من مخول معمّ* فأنمه اللهم فیما تنمی و أخرج البیهقی فی المائتین و الخطیب و ابن عساکر فی تاریخهما و ابن طغربک السیاف فی النطق المفهوم عن العباس بن عبد المطلب قال قلت یا رسول اللّه دعانی للدخول فی دینک أمارة لنبوّتک رأیتک فی المهد تناغی القمر و تشیر إلیه بإصبعک فحیث أشرت إلیه مال قال انی کنت أحدّثه و یحدّثنی و یلهینی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:225
عن البکاء و أسمع وجبته حین یسجد تحت العرش* قال البیهقی تفرّد به أحمد بن ابراهیم الجیلی و هو مجهول و قال الصابونی و هذا حدیث غریب الاسناد و المتن فی المعجزات حسن و المناغاة المحادثة وفد ناغت الامّ صبیها لاطفته و شاغلته بالمحادثة و الملاعبة* و فی فتح الباری عن سیرة الواقدی أنه صلّی اللّه علیه و سلم تکلّم فی أوائل ما ولد و ذکر ابن سبع فی الخصائص ان مهده کان یتحرّک بتحریک الملائکة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی قالت حلیمة و من العجائب انی ما رأیت له بولا و لا غسلت له وضوء اقط و کانت له طهارة و نظافة و کان له فی کل یوم وقت واحد یتوضأ فیه و لا یعود حتی یکون وقته من الغد و لم یکن شی‌ء أبغض إلیه من ان یری جسده مکشوفا فکنت اذا کشفت عن جسده یصیح حتی أستره علیه و کان لا یبکی قط و لم یسئ خلقه* و فی شواهد النبوّة روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما صار ابن شهرین کان یتزحلف مع الصبیان الی کل جانب و فی ثلاثة أشهر کان یقوم علی قدمیه و فی أربعة أشهر کان یمسک الجدار و یمشی و فی خمسة أشهر حصل له القدرة علی المشی و لمّا تمّ له ستة أشهر کان یسرع فی المشی و فی سبعة أشهر کان یسعی و یعد و الی کل جانب و لما مضی علیه ثمانیة أشهر کان یتکلم بحیث یفهم کلامه و فی تسعة أشهر شرع یتکلم بکلام فصیح و فی عشرة أشهر کان یرمی السهام مع الصبیان و فی المواهب اللدنیة أخرج البیهقی و ابن عساکر عن ابن عباس قال کانت حلیمة تحدّث انها أوّل ما فطمت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تکلم فقال اللّه أکبر کبیرا و الحمد للّه کثیرا و سبحان اللّه بکرة و أصیلا* و فی المنتقی قالت و انتبهت لیلة من اللیالی فسمعته یتکلم بکلام لم أسمع کلاما قط أحسن منه یقول لا إله الا اللّه قدّوسا قدّوسا نامت العیون و الرحمن لا تأخذه سنة و لا نوم و هو أوّل ما تکلم به و کنت أتعجب من ذلک فلما بلغ المنطق لم یمس شیئا الا قال بسم اللّه و لم یتناول بیساره و کان یتناول بیمینه و کنت قد اجتنبت الزوج لا اغتسل منه هیبة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی تمت له سنتان کاملتان فبینما هو قاعد فی حجری ذات یوم اذ مرت به غنیماتی فأقبلت شاة من الغنم حتی سجدت له و قبلت رأسه فرجعت الی صواحبها و کان ینزل علیه کل یوم نور کنور الشمس فیغشاه ثم ینجلی عنه و فی المواهب اللدنیة فلما ترعرع کان یخرج فینظر الی الصبیان یلعبون فیجتنبهم* و فی المنتقی و کان أخواه من الرضاعة یخرجان فیمرّان بالغلمان فیلعبان معهم فاذا رآهم محمد صلّی اللّه علیه و سلم اجتنبهم و أخذ بیدی أخویه و قال لهما انا لم نخلق لهذا* و فی المواهب اللدنیة و قد روی ابن سعد و أبو نعیم و ابن عساکر عن ابن عباس قال کانت حلیمة لا تدعه یذهب مکانا بعیدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشیماء فی الظهیرة الی البهم فخرجت حلیمة تطلبه حتی وجدته مع أخته فقالت تخرجین به فی هذا الحر فقالت أخته یا أمه ما وجد أخی حرّا رأیت غمامة تظلّ علیه اذا وقف وقفت و اذا سار سارت حتی انتهی الی هذا الموضع و کان صلّی اللّه علیه و سلم یشب شبابا لا یشبه الغلمان حتی کان غلاما جفرا فی سنتین*

شق صدره علیه السلام‌

و فی السنة الثالثة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم وقع شق الصدر قالت حلیمة فلما مضت سنتاه و فصلته قدمنا به علی أمه و نحن أحرص شی‌ء علی مکثه فینا لما نری من برکته و کلمنا أمّه و قلنا لو ترکتیه عندنا حتی یغلظ فانا نخشی علیه و باء مکة و لم نزل بها حتی ردّته معنا فرجعنا به فو اللّه انه لبعد مقدمنا بشهرین أو ثلاثة مع أخیه من الرضاعة لفی بهم لنا و قد بعدا قدر غلوّه سهم خلف بیوتنا اذ أتانا أخوه یشتدّ فی عدوه فقال ذاک أخی القرشی قد جاءه رجلان علیهما ثیاب بیض فأضجعاه و شقا بطنه فخرجت أنا و أبوه نشتدّ نحوه فوجدناه قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه و قال أی بنی ما شأنک قال جاءنی رجلان علیهما ثیاب بیض فأضجعانی فشقا بطنی ثم استخرجا منه شیئا فطرحاه ثم ردّاه کما کان فرجعنا به معنا فقال أبوه یا حلیمة لقد خشیت أن یکون ابنی قد أصیب فانطلقی نردّه الی أهله قبل أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:226
یظهر به ما نتخوّف قالت حلیمة فاحتملناه حتی قدمنا به الی امّه فقالت ما ردّ کما به فقد کنتما حریصین علیه قلنا نخشی علیه الاتلاف و الاحداث فقالت ما ذاک بکما فأصدقانی ما شأنکما فلم تدعنا حتی أخبرناها خبره فقالت أخشیتما علیه الشیطان کلا و اللّه ما للشیطان علیه سبیل و انه لکائن لا بنی هذا شأن فدعاه عنکما* و فی المواهب اللدنیة و قد وقع شق صدره الشریف مرّة أخری عند مجی‌ء جبریل له بالوحی فی غار حرا و مرّة اخری عند الاسراء و روی الشق أیضا و هو ابن عشر و نحوها و روی فی الخامسة و لا یثبت*

رعیه علیه السلام للغنم‌

و فی روایة عن حلیمة أنها قالت لمّا تمّ له ثلاث سنین قال لی یوما یا امّه ما لی لا أری أخویّ بالنهار قلت له یا بنیّ انهما یرعیان غنیمات لنا فی موضع کذا قال فما لی لا أخرج معهما قلت له تحب ذلک قال نعم فلما أصبح دهنته و کحلته و علقت فی عنقه خیطا فیه جزع یمانیة فنزعها ثم قال لی مهلا یا أمه فان معی من یحفظنی قالت ثم دعوت یا بنیّ فقلت لهما أوصیکما بمحمد خیرا لا تفارقاه و لیکن نصب أعینکما فخرج مع أخویه فی الغنم حتی وصلا الی مکان الرعی فبینا هو قائم معهما اذ هبط جبریل و میکائیل* و فی المنتقی فبینما هم یترامون بالجلة یعنی البعر انتهی و معهما طست من ذهب فیه ماء و ثلج فاستخرجاه من الغنم و الصبیة و أضجعاه و شقا بطنه و شرحا صدره و استخرجا منه نکتة سوداء فغسلاه بذلک الماء و الثلج و حشوا بطنه نورا و مسحا علیه و عاد کما کان قالت فلما رأی أخواه ذلک أقبل أحدهما اسمه ضمرة یعدو و قد علاه النفس و هو یقول یا أمّه أدرکی أخی محمدا و ما أراک تدرکینه قالت فقلت و ما ذاک قال أتاه رجلان علیهما ثیاب خضر فاستخرجاه من بیننا و بین الغنم فأضجعاه و شقا بطنه قالت فخرجت أنا و أبوه و نسوة من الحیّ فاذا أنا به صلّی اللّه علیه و سلم قائما ینظر الی السماء کانّ الشمس تطلع من وجهه فالتزمه أبوه و اللّه لکأنما غمس فی المسک غمسة و قال له أبوه یا بنی مالک قال خیر یا أبت أتانی رجلان انقضا علیّ من السماء کما ینقض الطائر فأضجعانی و شقا بطنی و حشوا بشی‌ء کان معهما ما رأیت ألین منه و لا أطیب ریحا و مسحا علی بطنی فعدت کما کنت روی أنه بقی أثر الشق ما بین مفرق صدره الی منتهی عانته کأنه الشراک* قال أنس و قد کنت أری أثر ذلک المخیط فی صدره صلّی اللّه علیه و سلم دائما* و فی الشفاء ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمّته فوزننی فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من امّته فوزننی بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمّته فوزننی بهم فوزنتهم ثم قال دعه عنک فلو و زنته بامّته کلها لوزنها و طارا حتی دخلا فی السماء* و فی روایة قال أحدهما لصاحبه اجعله فی کفة و اجعل ألفا من امّته فی کفة فاذا أنا أنظر الی الالف فوقی أشفقت أن یخرّ علیّ بعضهم فقالوا لو أنّ أمّته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا و ترکانی* و فی روایة قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان ملکین جاءانی فی صورة کرکیین معهما ثلج و برد و ماء بارد فشق أحدهما صدری و مج الآخر بمنقاره فغسله* و فی حیاة الحیوان عن أبی ذرّ أنه قال یا رسول اللّه کیف علمت انک نبیّ و بم علمت حتی استیقنت قال یا أبا ذرّ أتانی ملکان فوقع أحدهما بالارض و کان الآخر بین السماء و الارض فقال أحدهما لصاحبه أ هو هو قال هو هو قال فوزننی برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزننی بعشرة فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزننی بمائة فرجحتهم ثم قال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطنی فأخرج قلبی فأخرج منه مغمز الشیطان و علق الدم ثم قال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الاناء و اغسل قلبه غسل الملا ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطنی و جعل الخاتم بین کتفیّ کما هو الآن و ولیا عنی فکأنی أعاین الامر معاینة* و فی الحدیث ان خاتم النبوّة لم یکن قبل ذلک انتهی قالت حلیمة فحملناه الی خیم لنا فقال الناس اذهبوا به الی کاهن حتی ینظر إلیه و یداویه فقال محمد صلّی اللّه علیه و سلم ما بی شی‌ء مما تذکرون و انی أری نفسی سلیمة و فؤادی صحیحا بحمد اللّه قال الناس أصابه لمم أو طائف من الجنّ قالت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:227
فغلبونی علی رأیی حتی انطلقت به الی الکاهن فقصصت علیه قصته من أوّلها الی آخرها قال دعینی أنا أسمع من الغلام فان الغلام أبصر بأمره منکم تکلم یا غلام قالت فقص ابنی محمد قصته من أوّلها الی آخرها فوثب الکاهن قائما علی قدمیه و ضمه الی صدره و نادی بأعلی صوته یا آل العرب یا آل العرب من شرّ قد اقترب اقتلوا هذا الغلام و اقتلونی معه فانکم ان ترکتموه و أدرک مدرک الرجال لیسفهنّ أحلامکم و لیبدلنّ أدیانکم و لیعونکم الی رب لا تعرفونه و دین تنکرونه* قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من یده و قلت أنت أعته و أجنّ من ابنی و لو علمت ان هذا یکون منک ما أتیتک به اطلب لنفسک من یقتلک فانا لا نقتل محمدا فاحتملته فأتیت به منزلی فما بقی یومئذ بیت فی بنی سعد الّا وجد منه ریح المسک و کان ینقض علیه فی کل یوم طیران أبیضان یغیبان فی ثیابه و لا یظهران فلما رأی أبوه ذلک قال لی یا حلیمة انا لا نأمن علی هذا الغلام و خشیت علیه من تباع الکهنة فألحقیه بأهله قبل أن یصیبه عندنا شی‌ء قالت فلما عزمت علی ذلک سمعت صوتا فی جوف اللیل ینادی ذهب ربیع الخیر و أمان بنی سعد هنیئا لبطحاء مکة اذا کان مثلک فیها یا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو یصیبها بؤس بدخولک إلیها یا خیر البشر قالت فلما أصبحت رکبت اتانی و وضعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بین یدی فلم أکن أقدر مما کنت انادی یمنة و یسرة حتی انتهیت الی الباب الاعظم من أبواب مکة و علیه جماعة مجتمعون فنزلت لا قضی حاجتی و أنزلت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فغشیتنی کالسحابة البیضاء و سمعت صوتا شدیدا ففرعت و جعلت ألتفت یمنة و یسرة و نظرت فلم أر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فصحت یا معشر قریش الغلام الغلام قالوا و ما الغلام قلت محمد ابن آمنة فجعلت أبکی و أنادی وا محمداه فبینا أنا کذلک اذا أنا بشیخ کبیر قد استقبلنی فقال لی مالک أیتها السعدیة قلت ان لی لقصة عجیبة محمد ابن آمنة أرضعته ثلاث سنین لا افارقه لیله و لا نهاره فعیشنی اللّه به و أنضر وجهی و جئت لأؤدّی الی امّه الامانة لیخرج من عهدی و امانتی فاختلس منی اختلاسا قبل أن یمس قدمه الارض فقال الشیخ لا تبکی أیتها السعدیة ادخلی علی هبل فتضرّعی إلیه فلعله یردّه علیک فانّه القوی علی ذلک العالم بأمره فقلت أیها الشیخ کأنک لم تشهد ولادة محمد لیلة ولد ما نزل باللات و العزی فقال لی أیتها السعدیة انی أراک جزعة و أنا ادخل علی هبل و اذکر أمرک له فقد قطعت اکبادنا ببکائک ما لأحد من الناس علی هذا صبر قالت فقعدت مکانی متحیرة و دخل الشیخ علی هبل و عیناه تذرفان بالدموع فسجد له طویلا و طاف به اسبوعا ثم نادی یا عظیم المنّ یا قویا فی الاموران منتک علی قریش کثیرة و هذه السعدیة مرضعة محمد تبکی قد قطع بکاؤها الانیاط فان رأیت ان تردّه علیها ان شئت* قالت فارتج و اللّه الصنم و تنکس و مشی علی رأسه و سمعت منه صوتا یقول أیها الشیخ أنت فی غرور ما لی و لمحمد و انما یکون هلاکنا علی یدیه و ان رب محمد لم یکن لیضیعه بل یحفظه أبلغ عبدة الاوثان ان معه الذبح الاکبر الا أن یدخلوا فی دینه قالت فخرج الشیخ فزعا مرعوبا تسمع لسنه قعقعة و لرکبتیه اصطکاک قال لی یا حلیمة ما رأیت من هبل مثل هذا قط فاطلبی ابنک انی لأری ان یکون لهذا الغلام شأن عظیم قالت فقلت لنفسی کم تکتمین امره من عبد المطلب اخبریه الخبر قبل أن یأتیه من غیرک قالت فدخلت علی عبد المطلب فلما نظر الیّ قال لی یا حلیمة ما لی اراک جزعة باکیة و لا اری معک محمدا قالت فقلت یا أبا الحارث جئت بمحمد و هو أسر ما کان فلما صرت علی الباب الاعظم من ابواب مکة نزلت لاقضی حاجتی فاختلس منی اختلاسا قبل ان یمس قدمه الارض فقال لی اقعدی یا حلیمة ثم علا الصفا فنادی یا آل غالب یعنی آل قریش فاجتمع إلیه الرجال فقالوا له قل یا أبا الحارث فقد أجبناک قال لهم ان ابنی محمدا فقد قالوا له فارکب یا أبا الحارث حتی نرکب معک قالت فرکب عبد المطلب و رکب الناس معه فأخذ أعلا مکة و انحدر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:228
بأسفلها فلما لم یر شیئا ترک الناس و اتزر بثوب و ارتدی بآخر و اقبل الی البیت الحرام فطاف به اسبوعا و أنشأ یقول
یا رب ردّ راکبی محمداردّ الیّ و اتخذ عندی یدا
أنت الذی جعلته لی عضدایا رب ان محمد لم یوجدا
فجمع قومی کلهم تبدّدا
قال فسمعنا منادیا ینادی من جوّ الهواء یا معشر الناس لا تضجوا فان لمحمد ربا لا یضیعه و لا یخذله قال عبد المطلب یا أیها الهاتف من لنا به و این هو قال بوادی تهامة فأقبل عبد المطلب راکبا متسلحا فلما صار فی بعض الطریق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جمیعا یسیران فبیناهم کذلک اذا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت شجرة* و فی روایة بینا ابو مسعود الثقفی و عمرو بن نوفل یدوران علی رواحلهما اذا هما برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قائما عند شجرة الطلحة و هی الموز یتناول من ورقها فأقبل إلیه عمرو و هو لا یعرفه فقال له من أنت یا غلام فقال انا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم فاحتمله بین یدیه علی الراحلة حتی اتی به عبد المطلب* روی عن ابن عباس انه قال لما ردّ اللّه محمدا علی عبد المطلب تصدّق بألف ناقة کوماء و خمسین رطلا من ذهب ثم جهز حلیمة بأفضل الجهاز* و فی هذه السنة الثالثة من مولده علیه السلام ولد أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه بمنی کذا فی زبدة الاعمال و سیجی‌ء فی الخاتمة ذکر خلافته و ما وقع فیها و ذکر وفاته ان شاء اللّه تعالی* و فی السنة الرابعة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم أیضا وقع شق الصدر قد ذکر أن شق الصدر کان فی السنة الثالثة من مولده صلی اللّه علیه و سلم و قیل کان فی الرابعة علی ما روی محمد بن سعد قال مکث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عندهم سنتین حتی فطم فقدموا به علی امّه زائرین لها به و أخبرتها حلیمة خبره و ما رأوا من برکته فقالت آمنة ارجعی بابنی فانی أخاف علیه و باء مکة فو اللّه لیکونن له شأن فرجعت به حلیمة مرّة ثانیة و مکث عندهم سنتین بعد الفطام أیضا فلما کان ابن أربع سنین أتاه ملکان فشقا بطنه و ذکر قصة ذلک الی آخرها ثم نزلت به حلیمة الی آمنة و أخبرتها ثم رجعت به مرّة ثالثة و کان عندها سنة اخری و نحوها لا تدعه یذهب مکانا بعید الا و هی تلخطه ثم رأت غمامة تظلله اذا وقف وقفت و اذا سار سارت فأفزعها ذلک أیضا من أمره فقدمت به الی امّه لتردّه و هو ابن خمس سنین کذا فی الصفوة* و فی حیاة الحیوان فأقام فی بنی سعد خمس سنین فاضلته فی الناس فالتمسته فلم تجده و ذکر نحو ما تقدّم فی الاختلاس منها و فی روایة ان عبد المطلب بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی حاجة ففقد الطریق فقال اللهم أدرکنی محمدا القصة کما مرّت* روی أن حلیمة قدمت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة بعد تزوّجه خدیجة فشکت إلیه جدب البلاد و هلاک المواشی فکلم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة فأعطتها بعیرا و أربعین شاة و انصرفت الی أهلها ثم قدمت علیه بعد الاسلام فأسلمت هی و زوجها و بایعهما* و فی ذخائر العقبی عن عطاء بن یسار قال جاءت حلیمة بنت عبد اللّه أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الرضاعة إلیه یوم حنین فقام إلیها و بسط رداءه لها فجلست علیه* و فی المنتقی ورد فی الحدیث استأذنت امرأة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانت أرضعته فلما دخلت علیه قال أمی أمی و عمد الی ردائه فبسطه لها فقعدت علیه و روی أنها جاءت الی أبی بکر بعده فأکرمها و الی عمر فأکرمها و روت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم روی عنها عبد اللّه بن جعفر خرجه أبو عمرو* و فی مزیل الخفاء صحح ابن حبان و غیره حدیثا دل علی اسلامها و قیل لم یثبت اسلامها* قال الحافظ الدمیاطی حلیمة لم تعرف لها صحبة و اخوته من الرضاعة حمزة و أبو سلمة بن عبد الاسد أرضعتهما مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثویبة جاریة أبی لهب بلبن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:229
ابنها مسروح کما تقدّم و مسروح بن ثویبة و أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب أرضعته و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حلیمة السعدیة و عبید اللّه و أنیسة و حذافة و تعرف بالشیماء أولاد حلیمة السعدیة ذکر ذلک أبو سعد و غیره* قال الطبری لم أظفر بذکر ثویبة و ابنها و لعلهما لم یسلما فلذلک لم یذکرهما أبو عمرو و کذلک لم یذکر من أولاد حلیمة غیر الشیماء و اسمها حذاقة و انما غلب لقبها فلا تعرف فی قومها الا به و قد ذکر أنها کانت تحضن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مع امّها قال و روی أن خیلا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أغاروا علی هوازن فأخذوها فی جملة السبی فقالت لهم أنا اخت صاحبکم فلما قدموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت له یا محمد أنا اختک و عرفته بعلامة عرفها فرحب بها و بسط لها رداءه و أجلسها علیه و دمعت عیناه و قال صلّی اللّه علیه و سلم ان أحببت فأقیمی عندی مکرمة محببة و ان أحببت أن ترجعی الی قومک وصلتک قالت بل أرجع الی قومی فأسلمت و أعطاها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثة أعبد و جاریة و نعما و شاء کثیرا ذکره أبو عمرو و ابن قتیبة کذا فی ذخائر العقبی* و من وقائع السنة الخامسة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ما روی عن أبی حازم أنه قال قدم کاهن مکة و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن خمس سنین و قدمت به ظئره الی عبد المطلب و کانت تأتیه به کل عام فنظر إلیه الکاهن مع عبد المطلب فقال یا معشر قریش اقتلوا هذا الصبی فانه یفرقکم و یقتلکم فهرب به عبد المطلب فلم تزل قریش تخشی من أمره ما کان حذرهم الکاهن*

وفاة آمنة

و فی السنة السادسة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم وفاة آمنة* فی المواهب اللدنیة لما بلغ صلّی اللّه علیه و سلم ست سنین و قیل أربع و قیل خمس و قیل سبع و قیل تسع و قیل اثنتی عشرة سنة و شهر او عشرة أیام ماتت أمّه بالابواء و قیل بشعب أبی ذئب بالحجون* و فی القاموس و دار رابعة بمکة فیها مدفن آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و فی ذخائر العقبی قال ابن سعد دفنت أمّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة و ان أهل مکة یزعمون ان قبرها فی مقابر أهل مکة من الشعب المعروف بشعب أبی ذئب رجل من سراة بنی عمرو و قیل قبرها فی دار رابعة فی المعلاة بثنیة أذاخر عند حائط حلما* و فی المواهب اللدنیة و أخرج ابن سعد عن ابن عباس و عن الزهری و عن عاصم بن عمر ابن قتادة دخل حدیث بعضهم فی بعض قالوا لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ست سنین خرجت به أمّه الی أخواله بنی عدی بن النجار بالمدینة تزورهم و معها أمّ أیمن فنزلت به دار التابعة و هو رجل من بنی النجار و کان قبر عبد اللّه أبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی تلک الدار فأقامت به شهرا عندهم و کان صلّی اللّه علیه و سلم یذکر أمورا کانت فی مقامه ذلک و نظر الی الدار فقال هاهنا نزلت بی امی و أحسنت العوم فی بئر بنی عدی بن النجار و کان قوم من الیهود یختلفون علیّ ینظرون الیّ قالت أمّ أیمن فسمعت أحدهم یقول هو نبی هذه الامّة و هذه دار هجرته فوعیت ذلک کله من کلامهم ثم رجعت أمّه الی مکة فلما وصلوا الابواء و هو موضع بین مکة و المدینة توفیت* و روی أبو نعیم من طریق الزهری عن اسماء بنت رهم عن أمّها قالت شهدت آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی علتها التی ماتت بها و محمد صلّی اللّه علیه و سلم غلام یفع له خمس سنین فنظرت الی وجهه ثم قالت
بارک فیک اللّه من غلام‌یا ابن الذی من حومة الحمام
نجا بعون الملک العلام‌فودی غداة الضرب بالسهام
بمائة من ابل سوام‌ان صح ما أبصرت فی المنام
فأنت مبعوث الی الانام‌من عند ذی الجلال و الاکرام
تبعث فی الحل و فی الحرام‌تبعث فی التحقیق و الاسلام
دین أبیک البر ابراهام‌فاللّه انهاک عن الاصنام
ان لا توالیها مع الاقوام تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:230
ثم قالت کل حیّ میت و کل جدید بال و کل کبیر یفنی و أنا میتة و ذکری باق و قد ترکت خیرا و ولدت طهرا ثم ماتت قالت فکنا نصمع نوح الجنّ علیها فحفظنا من ذلک هذه الابیات
نبکی الفتاة البرّة الامینةذات الجمال العفة الرزینة
زوجة عبد اللّه و القرینةأمّ نبی اللّه ذی السکینة
و صاحب المنبر بالمدینةصارت لدی حفرتها رهینة

احیاء أبویه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و فی الحدائق لابن الجوزی لما مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالابواء فی عمرة الحدیبیة و فی المنتقی و غیره فی غزوة بنی لحیان قال ان اللّه قد أذن لمحمد فی قبر أمّه فأتاه فأصلحه و بکی عنده و بکی المسلمون لبکائه فقیل له فی ذلک فقال أدرکتنی رحمة رحمتها فبکیت و أخرج مسلم فی افراده من حدیث أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال استأذنت ربی أن أستغفر لامی فلم یأذن لی و استأذنته ان أزور قبرها فأذن لی و سیجی‌ء فی الموطن السادس* و فی الاستیعاب استرضع له صلّی اللّه علیه و سلم فی بنی سعد بن بکر حلیمة بنت أبی ذؤیب السعدیة و ردّته ظئره حلیمة الی أمّه آمنة بنت وهب بعد خمس سنین و یومین من مولده و ذلک سنة ست من عام الفیل فأخرجته أمّه الی أخوال أبیه بنی النجار تزورهم به بعد سبع سنین من عام الفیل و توفیت أمّه بعد ذلک بشهر بالابواء و معها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقدمت به أمّ أیمن مکة بعد موت أمّه بخمسة أیام روی أنها آمنت بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد موتها* قال الشیخ جلال الدین السیوطی فی رسالته المسماة بالدرجة المنیفة فی الآباء الشریفة و ذهب جمع کثیر من الائمة الاعلام الی ان أبوی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ناجیان محکوم لهما بالنجاة فی الآخرة و هم أعلم الناس بأقوال من خالفهم و قال بغیر ذلک و لا یقصرون عنهم فی الدرجة و من أحفظ الناس للاحادیث و الآثار و انقد الناس بالادلة التی استدل بها أولئک فانهم جامعون لانواع العلوم و متضلعون من الفنون خصوصا الاربعة التی استمدّ منها هذه المسألة فانها مبنیة علی ثلاث قواعد کلامیة و أصولیة و فقهیة و قاعدة رابعة مشترکة بین الحدیث و اصول الفقه مع ما یحتاج إلیه من سعة الحفظ فی الحدیث و صحة النقل له و طول الباع فی الاطلاع علی ما تقول الائمة و جمع متفرّقات کلامهم فلا یظنّ بهم انهم لم یقفوا علی الاحادیث التی استدل بها أولئک معاذ اللّه بل وقفوا علیها و خاضوا غمرتها و أجابوا عنها بالاجوبة المرضیة التی لا یردّها منصف و أقاموا لما ذهبوا إلیه ادلة قاطعة کالجبال الرواسی و الفریقان أئمة أکابر أجلاء* و اختلف القائلون بالنجاة فی مدرک ذلک علی ثلاث درجات الدرجة الاولی ان اللّه تعالی أحیاهما له فآمنا به و ذلک فی حجة الوداع لحدیث فی ذلک ورد عن عائشة روی المحب الطبری فی ذخائر العقبی بسنده عن عائشة رضی اللّه عنها انها قالت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نزل الحجون کئیبا حزینا فأقام به ما شاء اللّه ثم رجع مسرورا قال سألت ربی فأحیا لی أمی فآمنت بی ثم ردّها و رواه أبو حفص بن شاهین فی کتاب الناسخ و المنسوخ له بلفظ قالت عائشة حج بنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حجة الوداع فمرّ بی علی عقبة الحجون و هو باک حزین مغتمّ فبکیت لبکائه ثم انه نزل فقال یا حمیراء استمسکی فاستندت الی جنب البعیر فمکث ملیا ثم عاد الیّ و هو متبسم فقال ذهبت لقبر أمی فسألت ربی أن یحیها فأحیاها فآمنت بی و کذا روی من حدیث عائشة أیضا أحیا اللّه أبویه حتی آمنا به أورده السهیلی فی شرح السیرة و الخطیب فی السابق و اللاحق و ابن شاهین فی الناسخ و المنسوخ و الدارقطنی و ابن عساکر کلاهما فی غرائب مالک و البغوی فی تفسیره و المحب الطبری فی خلاصة السیر و أورده البیهقی فی الروض الانف من وجه آخر بلفظ و اسناده ضعیف و قد مال إلیه ابن شاهین و الطبری و السهیلی و کذا القرطبی و ابن المنذر و نقله ابن سید الناس عن بعض أهل العلم و قال به الصلاح الصفدی فی نظم له و الحافظ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:231
شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی فی أبیات له و جعلوه ناسخا لما خالفه من الاحادیث لتأخره و لم یبالوا بضعفه لانّ الحدیث الضعیف یعمل به فی الفضائل و المناقب و هذه منقبة و قد أید بعضهم هذا الحدیث بالقاعدة التی اتفق علیها الائمة انه ما أوتی نبی معجزة الا و أوتی نبینا صلّی اللّه علیه و سلم مثلها و قد أحیا اللّه لعیسی الموتی من قبورهم فلا بدّ أن یکون لنبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم مثل ذلک و لم یرد من هذا النوع الا هذه القصة و لم یستبعد ثبوتها و ان کان له من هذا النمط نطق الذراع و حنین الجذع الا أن هذه غیر ما وقع لعیسی فهو أشبه بالمماثلة و لا شک أن من الطرق التی یعتضد بها الحدیث الضعیف موافقته القواعد المقررة* قال الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی
حبا اللّه النبیّ مزید فضل‌علی فضل و کان به رءوفا
فأحیا امّه و کذا أباه‌لایمان به فضلا لطیفا
فسلم فالقدیم بذا قدیرو ان کان الحدیث به ضعیفا قال الشیخ أحمد القسطلانی فی المواهب اللدنیة قال السهیلی ان فی اسناده مجاهیل قال ابن کثیر انه حدیث منکر جدا و سنده مجهول* و قال ابن دحیة هذا الحدیث موضوع یردّه القرآن و الاجماع انتهی و تعقبه عالم آخر بأنه لم یر احدا صرّح بأن الایمان بعد انقطاع العمل بالموت ینفع صاحبه فان ادّعی أحد الخصوصیة فعلیه الدلیل و قد سبقه بذلک أبو الخطاب بن دحیة و عبارته من مات کافرا لم ینفعه الایمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاینة لم ینفعه ذلک فکیف بعد الاعادة انتهی و تعقبه القرطبی فی التذکرة بأن فضائله صلّی اللّه علیه و سلم و خصائصه لم تزل تتوالی و تتابع الی حین مماته فیکون هذا مما خصه اللّه به و أکرمه و لیس احیاؤهما و ایمانهما ممتنعا عقلا و لا شرعا فقد ورد فی الکتاب العزیز احیاء قتیل بنی اسرائیل و اخباره بقاتله* و کان عیسی علیه السلام یحیی الموتی و کذلک نبینا صلّی اللّه علیه و سلم أحیا اللّه علی یده جماعة من الموتی* و ذکر المفسرون ان اللّه أحیا أمّ یوسف تحقیقا لرؤیاه و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحق بذلک و اللّه علی کل شی‌ء قدیر و الظنّ باللّه جمیل و لیس تعجز قدرته عن ذلک* قال السهیلی و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أهل لان یخصه اللّه تعالی بما شاء و مثل هذا ذکر ابن سید الناس فی سیرته و أجاد و اذا ثبت هذا فما یمتنع ایمانهما بعد احیائهما و یکون ذلک زیادة فی کرامته و فضیلته ثم قال و قوله من مات کافرا لم ینفعه الایمان بعد الرجعة الی آخره مردود بما روی فی الخبران اللّه ردّ الشمس علی نبیه صلّی اللّه علیه و سلم بعد مغیبها ذکره الطحاوی و قال انه حدیث ثابت فلو لم یکن رجوع الشمس نافعا و انه لا یتجدّد به الوقت لما ردّها علیه فکذلک یکون احیاء أبوی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نافعا لایمانهما و تصدیقهما بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انتهی و قد طعن بعضهم فی حدیث ردّ الشمس* الدرجة الثانیة قال السیوطی انهما لم یبلغا الدعوة لانهما کانا فی زمن فترة عم الجهل فیها المشرق و المغرب فلم یکن اذ ذاک أحد یبلغ الدعوة علی وجهها و لا من یدری شیئا من الشرائع مع ضمیمة انهما قبضا فی حداثة السنّ و لم یبلغا سنا یحتمل الوقوف علی الاخبار و التفحص عنها بالاسفار فان والده کما صحح الحافظ صلاح الدین العلائی انه عاش نحو ثمان عشرة سنة و والدته عاشت نحو العشرین تقریبا مع زیادة انها مخدّرة مصونة محجوبة فی البیت لا تجتمع بالرجال و لا تجد من یخبرها و اذا کان النساء الیوم مع فشو الاسلام و الفقه شرقا و غربا لا یدرین غالب أحکام الشریعة لعدم مخالطتهنّ الفقهاء فما ظنک بزمان الجاهلیة و الفترة* و قد اختلف عبارة الاصحاب فیمن لم تبلغه الدعوة فأحسنها من قال فیها ناج و قال بعض الاصحاب مسلم و قال الغزالی التحقیق أن یقال فی معنی المسلم و استدلوا علی ذلک بثمان آیات من القرآن قوله تعالی و ما کنا معذبین حتی نبعث رسولا و بستة أحادیث منها ما أخرجه الامام أحمد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:232
و اسحاق بن راهویه فی مسندیهما و البیهقی فی الاعتقاد و صححه عن الاسود بن شرح* و عن أبی هریرة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أربعة یحتجون یوم القیامة رجل أصم لا یسمع شیئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات فی فترة الی ان قال و أما الذی مات فی الفترة فیقول رب ما أتانی لک رسول فیأخذ مواثیقهم لیطیعنه فیرسل إلیهم أن ادخلوا النار فمن دخلها کانت علیه بردا و سلاما و من لم یدخلها یسحب إلیها و ما أخرجه البزار فی مسنده عن أبی سعید الخدری قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یؤتی بالهالک فی الفترة و المعتوه و المولود فیقول الهالک فی الفترة لم یأتنی کتاب و لا رسول و یقول المعتوه أی رب لم تجعل لی عقلا أعقل به خیرا و لا شرّا و یقول المولود لم أدرک العمل فیرفع لهم نار فیقال لهم ردوها فیدخلها من کان فی علم اللّه سعیدا لو أدرک العمل و یمسک عنها من کان فی علم اللّه شقیا لو أدرک العمل فیقول تبارک و تعالی ایای عصیتم فکیف برسلی بالغیب و ما أخرجه عبد الرزاق و ابن جریر و ابن أبی حاتم و ابن المنذر فی تفاسیرهم بسند صحیح عن أبی هریرة قال اذا کان یوم القیامة جمع اللّه أهل الفترة و المعتوه و الاصم و الابکم و الشیوخ الذین لم یدرکوا الاسلام ثم أرسل إلیهم رسولا أن ادخلوا النار فیقولون کیف و لم یأتنا رسل و لا کتاب و أیم اللّه لو دخلوها لکانت علیهم بردا و سلاما ثم یرسل إلیهم فیطیعه من کان یرید أن یطیعه قال أبو هریرة اقرءوا ان شئتم و ما کنا معذبین حتی نبعث رسولا و حدیث رابع أخرجه الحاکم فی مستدرکه من حدیث ثوبان و قال صحیح علی شرط الشیخین و أقرّه الذهبی و خامس أخرجه البزار و أبو یعلی من حدیث أنس و سادس أخرجه أبو نعیم من حدیث معاذ بن جبل* قال العلماء هذه الآیات و الاحادیث ناسخة لکل ما خالفها من الاحادیث الثابتة فی البخاری و مسلم و غیرهما کما أن الاحادیث الواردة فی أطفال المشرکین انهم فی النار منسوخة بقوله تعالی و لا تزر وازرة وزر أخری و الاحادیث الواردة بخلاف ذلک و قد مشی علی هذا المدرک جماعة آخرهم امام الحفاظ فی زمانه قاضی القضاة شهاب الدین بن حجر فقال الظنّ بآبائه صلّی اللّه علیه و سلم کلهم یعنی الذین ماتوا قبل البعثة انهم یطیعونه عند الامتحان لتقرّبهم عینه صلّی اللّه علیه و سلم انتهی و یدل له من الحدیث ما أخرجه ابن جریز فی تفسیره عن ابن عباس فی قوله تعالی و لسوف یعطیک ربک فترضی قال من رضا محمد صلّی اللّه علیه و سلم أن لا یدخل أحد من أهل بیته النار و ما أخرجه الحاکم و صححه عن ابن مسعود أنه صلّی اللّه علیه و سلم سئل عن أبویه فقال ما سألتهما ربی فیعطینی فیهما و انی لقائم یومئذ المقام المحمود فهذا یلوح بأنه یترجی الشفاعة عند الامتحان و لو لا عدم بلوغ الدعوة لم تکن هذه الشفاعة لان الشفاعة لا تکون لمن بلغته الدعوة و عاند و قد صرّح بهذا التلویح فی حدیث أخرجه البزار فی فوائده بسند ضعیف عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا کان یوم القیامة شفعت لابی و أمی و عمی أبی طالب و أخ لی فی الجاهلیة* أورد المحب الطبری و هو من الحفاظ و الفقهاء فی کتاب ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی و قال ان ثبت فهو مؤوّل فی أبی طالب علی ما ورد فی الصحیح من تخفیف العذاب عنه بشفاعته انتهی فاحتاج الی تأویله فی أبی طالب لانه أدرک البعثة و لم یسلم و قد مرّ اختلاف عبارة الاصحاب فیمن لم تبلغه الدعوة حیث قال و أحسنها من قال فیها ناج و قال بعض الاصحاب مسلم و قال الغزالی التحقیق أن یقال فی معنی المسلم قال القسطلانی فی المواهب اللدنیة و فی صحیح مسلم أن رجلا قال یا رسول اللّه أین أبی قال فی النار فلما قفاه دعاه و قال ان أبی و أباک فی النار* قال النووی فیه أن من مات علی الکفر فهو فی النار و لا تنفعه قرابة المقربین و فیه أن من مات فی الفترة علی ما کانت علیه العرب من عبادة الاوثان فهو فی النار و لیس فی هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فان هؤلاء کانت قد بلغتهم دعوة ابراهیم و غیره من الأنبیاء و قال
الامام فخر الدین الرازی من مات مشرکا فهو فی النار و ان مات قبل البعثة لان المشرکین کانوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:233
قد عیروا الحنیفیة دین ابراهیم و استبدلوا بها الشرک و ارتکبوه و لیس معهم حجة من اللّه به و لم یزل معلوما من دین الرسل کلهم من أوّلهم الی آخرهم قبح الشرک و الوعید علیه فی النار و أخبار عقوبات اللّه لاهله متداولة بین الامم قرنا بعد قرن فللّه الحجة البالغة علی المشرکین فی کل وقت و حین و لو لم یکن الا ما فطر اللّه عباده علیه من توحید ربوبیته لکفی فانه یستحیل فی کل فطرة و عقل أن یکون معه إله آخر و ان کان اللّه سبحانه لا یعذب بمقتضی هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل الی التوحید فی الارض معلومة لاهلها فالمشرک مستحق للعذاب فی النار لمخالفته دعوی الرسل و هو مخلد فیها دائما کخلود أهل الجنة فی الجنة و قد تعقب العلامة أبو عبد اللّه الابوی من المالکیة فیما وضعه علی صحیح مسلم قول النووی و فیه أن من مات فی الفترة علی ما کانت علیه العرب من عبادة الاوثان فی النار الی آخره بما معناه تأمّل ما فی کلامه من التنافی فان من بلغتهم الدعوة لیسوا من أهل الفترة لان أهل الفترة هم الامم الکائنة بین أزمنة الرسل الذین لم یرسل إلیهم الرسول الاوّل و لا أدرکوا الثانی کالاعراب الذین لم یرسل إلیهم عیسی علیه السلام و لا لحقوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فالفترة بهذا التفسیر تشمل ما بین کل رسولین کالفترة بین نوح و هود و لکن الفقهاء اذا تکلموا فی الفترة فانما یعنون التی بین عیسی و نبینا علیهما السلام و ذکر البخاری عن سلمان أنها کانت ستمائة سنة و لما دلت القواطع علی أنه لا تعذیب حتی تقوم الحجة علمنا أنهم غیر معذبین* فان قیل قد صحت أحادیث بتعذیب أهل الفترة کحدیث رأیت عمرو بن لحی یجرّ قصبه فی النار و رأیت صاحب المحجن فی النار و هو الذی کان یسرق الحاج بمحجنه فاذا أبصر به قال لیس کما تقولون و انما یتعلق بمحجنی* أجیب بأجوبة أحدها أنها اخبار آحاد فلا تعارض القطع* الثانی قصر التعذیب علی هؤلاء و اللّه أعلم بالسبب* الثالث قصر التعذیب المذکور فی هذه الاحادیث علی من بدّل و غیر من أهل الفترة بما لا یعذر به من الضلال کعبادة الاوثان و تغییر الشرائع فان أهل الفترة ثلاثة أقسام* الاوّل من أدرک التوحید ببصیرته ثم من هؤلاء من لم یدخل فی شریعة کقس بن ساعدة و زید بن عمرو بن نفیل و منهم من دخل فی شریعة حق قائمة الرسم کتبع و قومه من حمیر و أهل نجران و ورقة بن نوفل و عمه عثمان بن الحویرث* القسم الثانی من أهل الفترة و هم من بدل و غیر فأشرک و لم یوحد و شرع لنفسه فحلل و حرّم و هم الاکثر کعمرو بن لحی أوّل من سنّ للعرب عبادة الاصنام و شرع الاحکام فبحر البحیرة و سیب السائبة و وصل الوصیلة و حمی الحام و تبعته العرب فی ذلک و غیره مما یطول ذکره* و فی أنوار التنزیل اذ انتحت الناقة خمسة أبطن آخرها ذکر بحروا اذنها أی شقوها و خلوا سبیلها فلا ترکب و لا تحلب* و فی المدارک و لا تطرد من ماء و لا مرعی و اسمها البحیرة انتهی و کان الرجل منهم یقول ان شفیت و فی المدارک من مرضی أو قدمت من سفری فناقتی سائبة و یجعلها کالبحیرة فی تحریم الانتفاع بها* و فی المدارک قیل کان الرجل اذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بینهما و لا میراث و فی الصحاح سیبت الدابة ترکتها تسیب حیث شاءت أی تجری و السائبة الناقة التی کانت تسیب فی الجاهلیة لنذر و نحوه و قد قیل هی أم البحیرة کانت الناقة فی الجاهلیة اذا ولدت عشرة أبطن کلهم اناث سیبت و لم ترکب و لم یشرب لبنها الا ولدها و الضیف حتی تموت فاذا ماتت أکلها الرجال و النساء جمیعا و بحرت اذن بنتها الصغیرة فتسمی البحیرة و هی بمنزلة أمّها فی أنها سائبة و فی القاموس الناقة کانت تسیب فی الجاهلیة لنذر و نحوه أو کانت اذا ولدت عشرة أبطن کلهم اناث سیبت أو کان الرجل اذا قدم من سفر بعید أو نجت دابة من مشقة أو حرب قال هی سائبة أو کان ینزع من ظهرها فقارة أو عظما و کانت لا تمنع من ماء و کلأ و لا ترکب* و فی أنوار التنزیل و اذا ولدت الشاة انثی فهی لهم و ان ولدت ذکرا فهو لآلهتهم و ان ولدتهما وصلت الانثی أخاها فلا یذبح لها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:234
الذکر و اذ انتحت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره و لم یمنعوه من ماء و لا مرعی و قالوا قد حمی ظهره* و فی المدارک و کانت الشاة اذا ولدت سبعة أبطن فان کان السابع ذکرا أکله الرجال و ان کان انثی أرسلت فی الغنم و کذا ان کان ذکرا و انثی و قالوا وصلت أخاها فهی بمعنی الواصلة انتهی* (القسم الثالث من أهل الفترة)* و هم من لم یشرک و لم یوحد و لا دخل فی شریعة نبی و لا ابتکر لنفسه شریعة و لا اخترع دینا بل بقی عمره علی حال غفلة من هذا کله و فی الجاهلیة من کان علی ذلک و اذا انقسم أهل الفترة الی الثلاثة الاقسام فیحمل من صح تعذیبه علی أهل القسم الثانی لکفرهم بما تعدّوا به من الخبائث و اللّه تعالی سمی جمیع هذا من القسم کفارا و مشرکین فانا نجد القرآن کلما حکی حال أحد سجل علیهم بالکفر و الشرک کقوله تعالی ما جعل اللّه من بحیرة ثم قال و لکنّ الذین کفروا یفترون علی اللّه الکذب* و القسم الثالث هم أهل الفترة حقیقة و هم غیر معذبین و أما أهل القسم الاوّل کقس بن ساعدة و زید بن عمرو فقد قال علیه السلام فی کل منهما انه یبعث أمّة وحده و أما عثمان بن الحویرث و تبع و قومه و أهل نجران فحکمهم حکم أهل الدین الذی دخلوا فیه ما لم یلحق أحد منهم الاسلام الناسخ لکل دین انتهی ملخصا* الدرجة الثالثة قال الشیخ جلال الدین السیوطی ان أبوی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانا علی التوحید و دین ابراهیم کما کان کذلک طائفة من العرب کزید بن عمرو بن نفیل و قس بن ساعدة و ورقة بن نوفل و عمیر بن حبیب الجهنی و عمرو بن عنبسة فی جماعة آخرین و هذه طائفة ذکرها الامام فخر الدین الرازی و زاد أن آباء النبیّ کلهم الی آدم علی التوحید لم یکن فیهم شرک قال مما یدل علی أن آباء محمد صلّی اللّه علیه و سلم ما کانوا مشرکین قوله علیه السلام لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرین الی أرحام الطاهرات و قال تعالی انما المشرکون نجس فوجب أن لا یکون أحد من أجداده مشرکا* قال و من ذلک قوله تعالی الذی یراک حین تقوم و تقلبک فی الساجدین معناه انه کان ینقل نوره من ساجد الی ساجد قال و بهذا التقریر فالآیة دالة علی أن جمیع آباء محمد صلّی اللّه علیه و سلم کانوا مسلمین قال و حینئذ یجب القطع بأن والد ابراهیم ما کان من الکافرین و ان آزر لم یکن والده و انما ذلک عمه أقصی ما فی الباب أن یحمل قوله و تقلبک فی الساجدین علی وجوه اخری فاذا وردت الروایات بالکل و لا منافاة بینها وجب حمل الآیة علی الکل و بذلک ثبت أن والد ابراهیم ما کان من عبدة الاوثان و ان آزر لم یکن والده بل کان عمه انتهی ملخصا و وافقه علی الاستدلال بالآیة الثانیة بهذا المعنی الامام الماوردی صاحب الحاوی الکبیر من أئمة أصحاب الشافعی و قد وجدت ما یعضد هذه المقالة من الادلة ما بین مجمل و مفصل فالمجمل دلیله مرکب من مقدّمتین* احداهما أن الاحادیث الصحیحة دلت علی أن کل أصل من اصوله صلّی اللّه علیه و سلم من آدم الی أبیه خیر أهل زمانه* و الثانیة ان الاحادیث و الآثار دلت علی أنه لم تخل الارض من عهد نوح الی بعثة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من ناس علی الفطرة یعبدون اللّه و یوحدونه و یصلون له و بهم تحفظ الارض و لولاهم هلکت الارض و من علیها* و من أدلة المقدّمة الاولی حدیث بعثت من خیر قرون بنی آدم قرنا فقرنا حتی بعثت من القرن الذی کنت فیه و فی سنن البیهقی ما افترق الناس فرقتین الا جعلنی اللّه فی خیرهما و أخرجت من بین أبویّ فلم یصبنی شی‌ء من عهد الجاهلیة و خرجت من نکاح و لم أخرج من سفاح من لدن آدم حتی انتهیت الی أبی و أمی فأنا خیرکم نفسا و خیرکم أبا و لا فخر* و حدیث أبی نعیم و غیره لم یزل اللّه ینقلنی من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة مصفی مهذبا ما تتشعب شعبتان الا کنت فی خیرهما فی أحادیث کثیرة* و من أدلة المقدمة الثانیة ما أخرجه عبد الرزاق فی المصنف و ابن المنذر فی تفسیره بسند صحیح علی شرط الشیخین عن علی ابن أبی طالب قال لم یزل علی وجه الارض من یعبد اللّه علیها و
أخرج الامام أحمد ابن حنبل فی الزهد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:235
و الجلال فی کرامات الاولیاء بسند صحیح علی شرط الشیخین عن ابن عباس قال ما خلت الارض من بعد نوح من سبعة یدفع اللّه بهم عن أهل الارض فی آثار أخر و اذا قرنت بین المقدمتین أنتج منهما قطعا ان آباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یکن فیهم مشرک لانه قد ثبت فی کل منهم أنه خیر قرنه فان کان الناس الذین هم علی الفطرة هم آباؤهم فهو المدّعی و ان کانوا غیرهم و علی الشرک لزم أحد أمرین اما أن یکون المشرک خیرا من المسلم و هو باطل بنص القرآن و الاجماع و اما أن یکون غیرهم خیرا منهم و هو باطل لمخالفته الاحادیث الصحیحة فوجب قطعا أن لا یکون فیهم مشرک لیکونوا خیر أهل الارض کل فی قرنه هذا ما قاله السیوطی و قال القسطلانی فی المواهب اللدنیة و یتعقب بأنه لا دلالة فی قوله تعالی و تقلبک فی الساجدین علی ما ادّعاه لما ذکر البیضاوی فی تفسیره ان معنی الآیة و تردّدک فی تصفح أحوال المجتهدین لما روی أنه لما نسخ فرض قیام اللیل طاف علیه السلام تلک اللیلة بیوت أصحابه لینظر ما یصنعون حرصا علی کثرة طاعاتهم فوجدها کبیوت الزنابیر لما یسمع لها من دندنتهم بذکر اللّه تعالی و قد ورد النص بأن أبا ابراهیم علیه السلام مات علی الکفر کما صرّح به البیضاوی و غیره قال اللّه تعالی فلما تبین له أنه عدوّ للّه تبرّ أمنه و أما قوله انه کان عمه فعدول عن الظاهر من غیر دلیل انتهی* و نقل الامام أبو حیان فی البحر عند تفسیر و تقلبک فی الساجدین أن الرافضة هم القائلون بأن آباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانوا مؤمنین مستدلین بقوله تعالی و تقلبک فی الساجدین و بقوله صلّی اللّه علیه و سلم لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرین الحدیث انتهی* و عن ابن جریر عن علقمة بن مرثد عن سلیمان عن أبیه أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم مکة أتی رسم قبر فجلس إلیه فجعل یخاطب ثم قام مستعبرا فقلنا یا رسول اللّه انا رأینا ما صنعت قال انی استأذنت ربی فی زیارة قبر أمی فأذن لی و استأذنته فی الاستغفار فلم یأذن لی فما رؤی باکیا أکثر من یومئذ* و روی ابن أبی حاتم فی تفسیره عن عبد اللّه بن مسعود أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتی الی المقابر فاتبعناه فحاء حتی جلس الی قبر منها فناجاه طویلا ثم بکی فبکینا لبکائه ثم قام فقام إلیه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا فقال ما أبکاکم قلنا بکینا لبکائک فقال ان القبر الذی جلست عنده قبر آمنة و انی استأذنت ربی فی زیارتها فأذن لی و استأذنته فی الدعاء لها فلم یأذن لی و أنزل علیّ ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی فأخذنی ما یأخذ الولد عند الولد و رواه الطبرانی فی حدیث ابن عباس* و فی مسلم استأذنت ربی أن أستغفر لامی فلم یأذن لی و استأذنته فی ان أزور قبرها فأذن لی فزوروا القبور فانها تذکر الآخرة* قال القاضی عیاض بکاؤه علیه السلام علی ما فاتهما من ادراک أیامه و الایمان به انتهی کلام القسطلانی* و قال السیوطی فی الدرجة المنیفة أخرج البزار فی مسنده و ابن جریر و ابن أبی حاتم و ابن المنذر فی تفاسیرهم و الحاکم فی المستدرک و صححه عن ابن عباس فی قوله تعالی کان الناس أمّة واحدة قال بین آدم و نوح عشرة قرون کلهم علی شریعة من الحق فاختلفوا فبعث اللّه النبیین و أخرج ابن أبی حاتم عن قتادة فی الآیة قال ذکر لنا انه کان بین آدم و نوح عشرة قرون کلهم علماء بهدی و علی شریعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلک فبعث اللّه نوحا و کان أوّل رسول أرسله اللّه الی أهل الارض* و فی التنزیل حکایة عن نوح علیه السلام انه قال رب اغفر لی و لوالدیّ و لمن دخل بیتی مؤمنا فثبت بهذا ایمان اجداده صلّی اللّه علیه و سلم من آدم الی نوح و ولد نوح سام مؤمن بنص القرآن و الاجماع لانه نجامع أبیه فی السفینة و لم ینج فیها الا مؤمن فی التنزیل و جعلنا ذرّیته هم الباقین بل ورد فی أثر أنه کان نبیا و ولده أرفخشد نص علی ایمانه فی أثر عن ابن عباس أخرجه ابن سعد فی الطبقات من طریق الکلبی و أما آزر فالارجح کما قال الرازی انه عمّ ابراهیم علیه السلام لا أبوه و قد سبقه الی ذلک جماعة
من السلف* فروینا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:236
بالاسانید عن ابن عباس و مجاهد و ابن جریر و السدّی قالوا لیس آزر أبا ابراهیم انما هو ابراهیم بن تارخ و وقفت علی أثر فی تفسیر ابن المنذر صرّح فیه بأنه عمه فثبت بما قرّرناه ان الاجداد الشریفة من آدم الی ابراهیم منصوص علی ایمانهم و متفق علیهم الا الخلاف الذی فی آزر من حیثیة کونه أبا أو عما فان کان أبا استثنی من الاجداد و ان کان عما خرج منها و سلمت السلسلة فأما من بعد ابراهیم و اسماعیل فقد اتفقت الاحادیث الصحیحة و نصوص العلماء علی أن العرب من بعد ابراهیم کلهم علی دینه لم یکفر منهم أحد قط و لم یعبد صنما الی عهد عمرو بن لحیّ الخزاعی فانه أوّل من غیر دین ابراهیم علیه السلام و عبد الاصنام و سیب السوائب* و أخرج البخاری و مسلم عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیت عمرو بن عامر الخزاعی یجرّ قصبه فی النار کان أوّل من سیب السوائب و أخرج ابن جریر فی تفسیره عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیت عمرو بن لحیّ بن قمعة بن خندف یجرّ قصبه فی النار انه أوّل من غیر دین ابراهیم علیه السلام* و أخرج أحمد فی مسنده عن ابن مسعود عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان أوّل من سیب السوائب و عبد الاصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر و انی رأیته یجرّ قصبه فی النار* قال الشهرستانی فی الملل و النحل کان دین ابراهیم قائما و التوحید فی صدر العرب شائعا و أوّل من غیره و اتخذ عبادة الاصنام عمرو بن لحی* و قال الحافظ عماد الدین بن کثیر کانت العرب علی دین ابراهیم الی أن ولی عمرو بن عامر الخزاعی مکة و انتزع ولایة البیت من أجداد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأحدث عمرو المذکور عبادة الاوثان و شرع للعرب الضلالات و زاد فی التلبیة بعد قوله لا شریک لک قوله الا شریکا هو لک تملکه و ما ملک فهو أوّل من قال ذلک و تبعته العرب علی الشرک فشابهوا بذلک قوم نوح یعنی فی احداث الکفر بعد ان کان سلفهم علی الایمان و فیهم علی ذلک بقایا علی دین ابراهیم علیه السلام* و قد أخرج ابن حبیب فی تاریخه عن ابن عباس کان عدنان و معد و ربیعة و مضر و خزیمة و أسد علی ملة ابراهیم فلا تذکروهم الا بخیر و أخرج ابن سعد فی الطبقات من مرسل عبد اللّه بن خالد قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تسبوا مضر فانه کان قد أسلم* و فی الروض الانف للسهیلی یذکره عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا تسبوا الیاس فانه کان مؤمنا و ذکر أنه کان یسمع فی صلبه تلبیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالحج و فیه أیضا ان کعب بن لؤیّ أوّل من جمع یوم العروبة فکانت قریش تجتمع إلیه فی هذا الیوم فیخطبهم و یذکرهم بمبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یعلمهم أنه من ولده و یأمرهم باتباعه و الایمان به و ینشد فی هذا أبیاتا منها
یا لیتنی شاهد نجواء دعوته‌اذا قریش تبغی الحق خذلانا قال السهیلی و قد ذکر الماوردی هذا الخبر عن کعب فی کتاب الاعلام له* قلت و أخرجه أبو نعیم فی دلائل النبوّة فثبت بهذا التقریر أن أجداد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من ابراهیم الی کعب بن لؤیّ و ولده مرّة منصوص علی ایمانهم و لم یختلف فیهم اثنان و بقی بین مرّة و بین عبد المطلب أربعة آباء و هم کلاب و قصی و عبد مناف و هاشم و لم أظفر فیهم بنقل لا بهذا و لا بهذا و بقی ثلاثة أدلة متعلقة بعقب ابراهیم المنظومین فی سلسلة النسب الشریف* أحدها قوله تعالی و اذ قال ابراهیم لابیه و قومه اننی براء مما تعبدون الا الذی فطرنی فانه سیهدین و جعلها کلمة باقیة فی عقبه و خرج عبد بن حمید عن ابن عباس فی قوله تعالی و جعلها کلمة باقیة فی عقبه قال شهادة ان لا إله الا اللّه و التوحید لا یزال فی ذرّیته من یقولها من بعده* و أخرج ابن المنذر عن ابن جریج فی قوله تعالی و جعلها کلمة باقیة فی عقبه قال فی عقب ابراهیم فلم یزل بعد من ذرّیة ابراهیم من یقول لا إله الا اللّه* و أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر عن قتادة فی قوله و جعلها کلمة باقیة فی عقبه قال الاخلاص و التوحید لا یزال فی ذرّیته من یوحد اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:237
و یعبده* و ثانیها قوله تعالی رب اجعلنی مقیم الصلاة و من ذرّیتی أخرج المنذری عن ابن جریر فی قوله تعالی رب اجعلنی مقیم الصلاة و من ذرّیتی قال فلن یزال من ذرّیة ابراهیم ناس علی الفطرة یعبدون اللّه و ثالثها قوله تعالی و اذ قال ابراهیم رب اجعل هذا البلد آمنا و اجنبنی و بنیّ أن نعبد الاصنام أخرج ابن جریر عن مجاهد فی هذه الآیة قال فاستجاب اللّه لإبراهیم دعوته فی ولده فلم یعبد أحد من ولده صنما فقبل دعوته و استجاب اللّه له و جعل هذا البلد آمنا و رزق أهله من الثمرات و جعله اماما و جعل من ذرّیته من یقیم الصلاة* و أخرج ابن أبی حاتم عن سفیان بن عیینة انه سئل هل عبد أحد من ولد اسماعیل الاصنام قال لا أ لم تسمع قوله تعالی و اجنبنی و بنیّ أن نعبد الاصنام قیل کیف لم یدخل ولد اسحاق و سائر ولد ابراهیم قال لانه دعاء لاهل البلد خاصة أن لا یعبدوا اذا أسکنهم فقال اجعل هذا البلد أن یخص بذلک و قال و اجنبنی و بنیّ أن نعبد الاصنام فیه فقد خص أهله دون غیره و ما قررناه من الادلة و النقول مصداق ما قاله فخر الدین و ما أحسن قول الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی کما ذکرنا من قوله
تنقل أحمد نورا عظیماتلألأ فی جباه الساجدینا
تقلب فیهم قرنا فقرناالی أن جاء خیر المرسلینا و لم یبق بعد المذکورین الا عبد المطلب و فیه خلاف بین الناس و الاحسن فی شأنه انه لم تبلغه الدعوة قال الشهرستانی ظهر نور النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی أساریر عبد المطلب بعض الظهور و ببرکة ذلک النور ألهم النذر فی ذبح ولده و ببرکته قال لابرهة ان لهذا البیت ربا یحفظه و منه قال و قد صعد أبا قبیس
لا همّ ان المرء یمنع رحله فامنع رحالک‌لا یغلبنّ صلیبهم
و محالهم عدوا محالک
فانصر علی آل الصلیب و عابدیه الیوم آلک
قال و ببرکة ذلک النور کان یأمر ولده بترک الظلم و البغی و یحثهم علی مکارم الاخلاق و ینهاهم عن ذیئات الامور و ببرکة ذلک النور کان یقول فی وصایاه انه لن یخرج من الدنیا ظلوم حتی ینتقم منه و تصیبه عقوبة الی أن هلک رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقیل لعبد المطلب فی ذلک ففکر و قال و اللّه ان وراء هذه الدار دارا یجزی فیها المحسن باحسانه و یعاقب فیها المسی‌ء باساءته فهذا یدل علی أنه لم تبلغه الدعوة علی وجهها و لم یجد من یعرفه حقیقة ما جاءت به الرسل فانه لو وجد من یخبره بأن الأنبیاء جاءت بالبعث لم یکن فی غفلة منه حتی وقعت هذه الواقعة فتفکر فیها فاستدل بها علی أن ثمة دارا أخری و فیه قول ساقط ان اللّه أحیاه حتی آمن بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حکاه ابن سید الناس فی السیرة و غیره و هو مردود و لا أعرفه عن أحد من أئمة السنة انما یحکی عن بعض الشیعة و هو قول لا دلیل علیه و لم یرد فیه قط حدیث لا ضعیف و لا غیره و بهذا فارق قول الامام فخر الدین فان القائل بذلک یدّعی ان عبد المطلب أحیی و آمن بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و صار علی ملته و الامام فخر الدین لا یقول بهذا بل یقول انه کان فی الاصل علی ملة ابراهیم من غیر أن یحصل له دخول فی هذه الملة و یعضد ذلک فی أمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما أخرجه أبو نعیم فی دلائل النبوّة بسند ضعیف من طریق الزهری عن أمّ سماعة بنت أبی رهم عن أمّها قالت شهدت أمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی علتها التی ماتت فیها و محمد غلام یفع له خمس سنین عند رأسها فنظرت الی وجهه ثم قالت بارک فیک اللّه من غلام الی آخر ما سبق عند موتها من الابیات و مرثیة الجنّ فأنت تری هذا الکلام منها صریحا فی النهی عن موالاة الاصنام مع الاقوام و الاعتراف بدین ابراهیم و ببعث ولدها الی الانام من عند ذی الجلال و الاکرام بالاسلام و هذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:238
الالفاظ منافیة للشرک انی استقریت أمّهات الأنبیاء فوجدت أکثرهنّ منصوصا علی ایمانها و من لم ینص علیها سکت عنها فلم ینقل فیها شی‌ء البتة و الظاهر ان شاء اللّه تعالی و کانّ السرّ فی ذلک ما یرینه من النور کما ورد فی الحدیث أخرج أحمد و البزار و الطبرانی و الحاکم و البیهقی عن العرباض بن ساریة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال انی عبد اللّه خاتم النبیین و ان آدم لمنجدل فی طینته و سأخبرکم عن ذلک أنا دعوة ابراهیم و بشارة عیسی و رؤیا أمی التی رأت و کذلک أمّهات النبیین یرین و ان أمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رأت حین وضعته نورا أضاءت قصور الشام منه* قلت و لا شک أن الذی رأته أمّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی حال حملها به و ولادتها من الآیات أکثر و أعظم مما رآه أمّهات الأنبیاء* قال السیوطی نقلت من مجموع بخط الشیخ کمال الدین السبکی والد الشیخ الامام تقیّ الدین ما نصه سئل القاضی أبو بکر بن العربی عن رجل قال ان آباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی النار فأجاب بأنه ملعون لان اللّه تعالی قال ان الذین یؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه فی الدنیا و الآخرة و أعدّ لهم عذابا مهینا و لا اذی أعظم من أن یقال عن أبیه فی النار انتهی بلفظه و أورد المحب الطبری فی ذخائر العقبی عن أبی هریرة قال جاءت سفینة بنت أبی لهب الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان الناس یقولون لی أنت بنت حطب النار فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ما بال أقوام یؤذوننی فی قرابتی من آذی قرابتی فقد آذانی و من آذانی فقد آذی اللّه* و فی ربیع الابرار للزمخشری لقی رجل من المهاجرین العباس بن عبد المطلب فقال یا أبا الفضل رأیت عبد المطلب بن هاشم و القیطلة کاهنة بنی سهم جمعهما اللّه فی النار فصفح عنه ثم قال له فصفح عنه فلما کانت الثالثة رفع یده فوجأ انفه فانطلق الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما رآه قال ما هذا قال العباس فأرسل إلیه و قال ما أردت برجل من المهاجرین فقص علیه القصة و قال ما ملکت نفسی و ما ایاه أردت و لکن أرادنی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما بال أحدکم یؤذی أخاه فی شی‌ء و ان کان حقا* و أخرج أبو نعیم فی الحلیة من طریق عبد اللّه ابن یونس قال سمعت بعض شیوخنا یذکر أن عمر بن عبد العزیز أتی بکاتب یخط بین یدیه و کان مسلما و کان أبوه کافرا فقال عمر للذی جاء به لو کنت جئت به من أبناء المهاجرین فقال الکاتب قد کان أبو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذکر کلمة اسقطتها انا فغضب عمرو قال لا تخط بین یدیّ بقلم أبدا و أخرج شیخ الاسلام الهروی فی کتاب ذم الکلام من طریق ابن أبی جمیلة قال قال عمر بن عبد العزیز لسلیمان ابن سعد بلغنی أن أباک عاملنا کان کذا و کذا و هو کافر قال کان أبو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذکر ما بعد الکلام و أسقطته أنا فغضب عمر غضبا شدیدا و عزله عن الدواوین و ذکر القاضی تاج الدین السبکی فی کتابه الترشیح قال قال الشافعی رضی اللّه عنه فی بعض نصوصه و قطع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم امرأة لها شرف فکلم فیها فقال لو سرقت فلانة لامرأة شریفة لقطعت یدها* قال ابن السبکی فانظر الی قوله فلانة و لم یبح باسم فاطمة تأدّبا معها ان یذکرها فی هذا المعرض و ان کان أبوها صلّی اللّه علیه و سلم قد ذکرها لانه یحسن منه ما لا یحسن منا انتهی کلام السبکی و قد جری علی الادب الامام ابو داود صاحب السنن فانه یخرج فی سننه حدیثا فی آخر شی‌ء یتعلق بعبد المطلب فلما انتهی الی ذکره قال فذکر تشدید ا و لم یصرح بشی‌ء و الحدیث مبهم فی مسند أحمد و سنن النسائی و هذا و أمثاله ارشاد من هؤلاء الائمة و تعلیم لنا ان نسکت عن التلفظ بمثل ذلک تأدّبا انتهی کلام السیوطی قیل التوفیق بین دفن امّه بالابواء و کون قبرها بها و بین کون قبرها بمکة علی تقدیر صحة الحدیثین ان یقال یحتمل أن تکون دفنت بالابواء أوّلا و کان قبرها هناک ثم نبشت و نقلت الی مکة و اللّه أعلم* و فی السنة
السادسة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ولد عثمان بن عفان و فی الاستیعاب ولد عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:239
ابن عفان فی السنة السادسة بعد الفیل و قیل غیر ذلک*

کفالة عبد المطلب له علیه السلام‌

و فی السنة السابعة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم کفالة عبد المطلب لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* روی نافع بن جبیر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان مع امّه آمنة بنت وهب فلما توفیت ضمه إلیه جدّه عبد المطلب ورق علیه رقة لم یرقها علی ولده و کان یقربه منه و یدخل علیه اذا خلا و اذا نام و کان یجلس علی فراشه و اولاده کانوا لا یجلسون علیه* قال ابن اسحاق حدّثنی العباس بن عبد اللّه بن معبد عن بعض اهله قال کان یوضع لعبد المطلب فراش فی ظل الکعبة و کان لا یجلس علیه احد من بنیه اجلالا له و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یأتی حتی یجلس علیه فتذهب أعمامه یؤخرونه فیقول عبد المطلب دعوا ابنی و یمسح علی ظهره و یقول انّ لابنی هذا لشأنا کذا قال ابن الاثیر فی أسد الغابة و قال قوم من بنی مدلج و هم مشهورون بالقیافة یا عبد المطلب احتفظ به فانا لم نر قد ما أشبه بالقدم التی فی مقام ابراهیم منه فقال عبد المطلب لابی طالب اسمع ما یقول هؤلاء فی ابن أخیک و قال لأمّ أیمن و کانت تحضنه لا تغفلی عن ابنی فان أهل الکتاب یزعمون انه نبی هذه الامّة و کان عبد المطلب لا یأکل طعاما الا قال علیّ بابنی فیؤتی به إلیه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصی أبا طالب بحفظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

رمده علیه السلام‌

و من وقائع هذه السنة ما روی انه أصاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رمد شدید فعولج بمکة فلم یغن عنه فقیل لعبد المطلب ان فی ناحیة عکاظ راهبا یعالج الاعین فرکب إلیه فناداه و دیره مغلق فکان لا یجیبه فتزلزل به دیره حتی خاف أن یسقط علیه فخرج مبادرا و قال یا عبد المطلب ان هذا الغلام نبی هذه الامّة و لو لم أخرج إلیک لخرّ دیری و ارجع به و احفظوه لا یغتاله بعض أهل الکتاب ثم عالج*

استسقاء عبد المطلب‌

و فی هذه السنة استسقی عبد المطلب مع قریش روی عن رقیقة بنت صیفی بن هاشم أنها قالت تتابعت علی قریش سنون حتی یبست الضروع و دقت العظام فبینا أنا راقدة فاذا بهاتف صیت یصرخ بصوت ضخم یقول یا معشر قریش ان هذا النبیّ المبعوث منکم هذا ابان نجومه فحیّ هلا بالحیا و الخصب ألا فانظروا منکم رجلا طوالا عظاما أبیض و ضاء أشم العرنین سهل الخدّین له فخر یکظم علیه و یروی رجلا وسیطا عظاما جساما أوطف الاهداب ألا فلیخلص هو و ولده ولید لف إلیه من کل بطن رجل ألا فلیشنوا من الماء و لیسموا من الطیب و لیطوفوا بالبیت سبعا و فیهم الطیب الطاهر لذاته ألا فلیستسق الرجل و لیؤمّن القوم ألا فغثتم اذا ما شئتم قالت فأصبحت مذعورة قد قف جلدی و وله عقلی و قصصت رؤیای علی أهل الحرم ان بقی أبطحی الا قال هذا شیبة الحمد و شیبة الحمد اسم عبد المطلب و تتاءمت عنده قریش و انقض إلیه من کل بطن رجل فشنوا الماء و مسوا من الطیب و طافوا بالبیت سبعا و رفع ابنه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم علی عاتقه و هو یومئذ ابن سبع سنین و ارتقوا أبا قبیس فدعا و استسقی و أمّن القوم قالت فما وصلوا البیت حتی انفجرت السماء بمائها و امتلأ الوادی قالت سمعت شیوخ العرب یقولون لعبد المطلب هنیئا لک یا أبا البطحاء و فی ذلک تقول رقیقة
بشیبة الحمد أسقی اللّه بلدتنالما فقدنا الحیا و اجلوّذ المطر
فجاء بالماء جوبی له سبل‌سحا فعاشت به الانعام و الشجر کذا فی الحدائق لابن الجوزی قولها اجلوّذ المطر أی امتدّ وقت تأخره و انقطاعه و الجوبة هی الحفیرة المستدیرة الواسعة و کل منفتق بلا بناء جوبة کذا فی نهایة ابن الاثیر*

تبشیر سیف الحمیری عبد المطلب‌

و فی هذه السنة خروج عبد المطلب لتهنئة سیف بن ذی یزن الحمیری بالملک و تبشیر سیف عبد المطلب بأنه سیظهر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من نسله* روی عن زرعة بن سیف بن ذی یزن الحمیری أنه قال لما ظهر جدّی سیف علی الحبشة و ذلک بعد مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بسنتین أتته وفود العرب و أشرافها و شعراؤها لتهنئته و أتاه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:240
وفود قریش فیهم عبد المطلب بن هاشم و أمیة بن عبد شمس و عبد اللّه بن جذعان و أسد بن عبد العزی و وهب بن عبد مناف و قصی بن عبد الدار و هو فی رأس قصر یقال له غمدان* و فی القاموس غمدان کعثمان قصر بالیمن بناه لیشرح بن الحارث بن صیفی بن سبأ جدّ بلقیس بأربعة وجوه أحمر و أصفر و أبیض و أخضر و بنی داخله قصرا بسبعة سقوف بین کل سقف أربعون ذراعا و سیجی‌ء ذکر سلیمان و بلقیس و ذکر الحصون الثلاثة فی آخر الباب و غمدان هو الذی یقول فیه أمیة بن أبی الصلت الثقفی یمدح ابن ذی یزن الحمیری
اشرب هنیئا علیک التاج مرتفعافی رأس غمدان دارا منک مجلالا
اشرب هنیئا فقد شالت نعامتهم‌و أسبل الیوم فی بردیک اسبالا
تلک المکارم لاقعبان من لبن‌شیبا بماء فعادا بعد أبوالا و کان الملک یومئذ فی أعظم هیئاته متضمخا بالعنبر ینطف و بیص المسک فی مفرق رأسه و علیه بردان من برود الیمن أخضر ان مرتد بأحدهما متزر بالآخر عن یمینه الملوک و عن شماله الملوک و أبناء الملوک و المقاول فأخبر بمکانهم فأذن لهم فدخلوا علیه فدنا عبد المطلب فاستأذنه فی الکلام فقال ان کنت ممن یتکلم بین یدی الملوک فقد أذناک فقال ان اللّه عز و جل أحلک أیها الملک محلا رفیعا باذخا شامخا منیعا و أنبتک نباتا طابت أرومته و عظمت جرثومته و ثبت أصله و بسق فرعه فی أطیب موطن و أکرم معدن و أنت أبیت اللعن ملک العرب و نابها و ربیعها الذی به تخصب و أنت أیها الملک ملک العرب و فی روایة رأس العرب الذی ینقاد و عمودها الذی علیه العماد و معقلها الذی یلجأ إلیه العباد سلفک خیر سلف و أنت لنا منه خیر خلف فلن یهلک من أنت خلفه و لن یخمد ذکر من أنت سلفه نحن أهل حرم اللّه و سدنة بیته أشخصنا إلیک الذی أبهجنا لکشفک الکرب الذی قدحنا فنحن وفد التهنیة لا وفد التعزیة* فقال له الملک من أنت أیها المتکلم فقال انا عبد المطلب ابن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن ثم أقبل علیه و علی القوم فقال مرحبا و أهلا و ناقة و رحلا فأرسلها مثلا و کان أوّل من تکلم بها و مستناخا سهلا و ملکا ربحلا یعطی عطاء جزلا قد سمع الملک مقالتکم و عرف قرابتکم و قبل وسیلتکم و أنتم أهل اللیل و النهار لکم الکرامة ما أقمتم و الحباء اذا ظعنتم انهضوا الی دار الضیافة و الوفود و أجری علیهم الانزال و أقاموا بعد ذلک شهرا لا یصلون إلیه و لا یؤذن لهم بالانصراف ثم ان الملک انتبه لهم انتباهة فأرسل الی عبد المطلب فأدناه ثم قال له یا عبد المطلب انی مفوّض إلیک من سر علمی أمرا لو غیرک یکون لم أبح له به و لکن رأیتک معدنه فأطلعتک طلعته فلیکن عندک مطویا حتی یأذن اللّه عز و جل فیه انی أجد فی الکتاب المکنون و العلم المخزون فلیکن الذی أخرناه لا نفسنا و احتجبناه دون غیرنا خیرا عظیما و خطرا جسیما فیه شرف الحیاة و فضیلة الوفاة للناس عامة و لرهطک کافة و لک خاصة فقال عبد المطلب لقد أبت بخیر ما آب أیها الملک بمثله وافد قوم و لو لا هیبة الملک و اجلاله و اعظامه لسألته من سرّه ایاه ما أزداد به سرورا فقال الملک هذا حینه الذی یولد فیه ولد اسمه محمد یموت أبوه و امّه و یکفله جدّه و عمه و قد ولدناه مرارا و اللّه عز و جل باعثه جهارا و جاعل له منا انصارا یعزّ بهم أولیاءه و یذل بهم أعداءه و یضرب لهم الناس عن عرض و یستبیح بهم کرائم أهل الارض تخمد به النیران و یعبد به الرحمن و یزجر الشیطان و تکسر الاوثان قوله فصل و حکمه عدل یأمر بالمعروف و یفعله و ینهی عن المنکر و یبطله* فقال عبد المطلب عز جارک و دام ملکک و علا کعبک فهل الملک سارّی بافصاح فقد أوضح لی بعض الایضاح فقال له ابن ذی یزن و البیت ذی الحجب و العلامات علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:241
النصب انک جدّه یا عبد المطلب من غیر کذب* قال فخرّ عبد المطلب ساجدا لاجل هذا الخبر فقال له ابن ذی یزن ارفع رأسک ثلج صدرک و علا کعبک فهل أحسست بشی‌ء مما ذکرت لک قال نعم أیها الملک کان لی ابن و کنت به معجیا و علیه رفیقا و به شفیقا و انی زوّجته کریمة من کرائم قومی آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سمیته محمدا مات أبوه و امّه و کفلته أنا و عمه فقال له الملک ان هذا الغلام هو الذی قلت لک علیه فاحفظ ابنک و احذر علیه من الیهود فانهم له أعداء و لن یجعل اللّه لهم علیه سبیلا و اطو ما ذکرت لک دون هؤلاء الرهط الذین معک فانی لست آمن أن تدخلهم النفاسة فی أن تکون لک الرئاسة فینصبون لک الحبائل و یبتغون لک الغوائل و هم فاعلون ذلک أو أبناؤهم من غیر شک و لو انی أعلم ان الموت غیر مجتاحی قبل مبعثه لسرت إلیه بخیلی و رجلی حتی أجعل یثرب دار ملکی فانی أجد فی الکتاب الناطق و العلم السابق أن یثرب دار استحکام أمره و أهل نصرته و موضع قبره و لو لا انی أقیه الآفات و أحذر علیه العاهات لا علنت علی حداثة سنه أمره و لا وطأت أسنان العرب کعبه و لکنی صارف ذلک إلیک بمن معک ثم دعا بالقوم و أمر لکل واحد بعشرة أعبد سود و عشرا ماء سود و حلتین من حلل البرود و خمسة أرطال ذهب و عشرة أرطال فضة و کرش مملوء عنبرا و مائة من الابل و أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلک و قال اذا کان الحول فانبئنی بما یکون منه فمات سیف بن ذی یزن قبل ان یحول علیه الحول قال عبد اللّه اسناد هذا متصل مشهور من حدیث أولاد سیف بحمص و عقبهم بها*

(ذکر سلیمان و بلقیس ملکة الیمن و سبأ و نبذ من أخبارهما)

اشارة

* روی أنه کان لداود علیه السلام تسعة عشر ابنا و أوتی سلیمان علیه السلام النبوّة و الحکم و العلم دون سائر أولاده* و من معجزاته انه علم منطق الطیر و کان یفهم عنها کما یفهم بعضها عن بعض* و فی أنوار التنزیل النطق و المنطق فی المتعارف کل لفظ یعبر به عما فی الضمیر مفردا کان أو مرکبا و قد یطلق لکل ما یصوت به علی التسبب أو التصوّت کقولهم نطقت الحمامة و منه الناطق و الصامت للحیوان و الجماد فان الاصوات الحیوانیة من حیث انها تابعة للتخیلات منزلة منزلة العبارات سیما و فیها ما یتفاوت باختلاف الاغراض بحیث یفهمها ما من جنسه و لعل سلیمان علیه السلام مهما سمع صوت حیوان علم بقوّته القدسیة التخیل الذی صوّته و الغرض الذی توخاه به* و من ذلک ما روی انه صاحت فاختة فأخبر أنها تقول لیت الخلق لم یخلقوا و مر ببلبل یصوّت و یترقص فقال یقول اذا أنا اکلت نصف تمرة فعلی الدنیا العفا* و فی انوار التنزیل فلعله کان صیاح الفاختة من مقاساة شدّة و تألم قلب و صوت البلبل عن شبع و فراغ بال و صاح طاوس فقال یقول کما تدین تدان و صاح هدهد فقال انه یقول من لا یرحم لا یرحم و صاح صرد فقال یقول استغفروا اللّه یا مذنبین و صاح خطاف فقال یقول قدّموا خیرا تجدوه و صاحت رخمة فقال تقول سبحان ربی الاعلی ملأ سمائه و ارضه و صاح ورشان فقال یقول لدوا للموت و ابنوا للخراب و صاح قمری فأخبر انه یقول سبحان ربی الاعلی الوهاب و قال ان الحدأة تقول کل شی‌ء هالک الا وجهه و القطاة تقول من سکت سلم و الدیک یقول اذکروا اللّه یا غافلین و النسر یقول یا ابن آدم عش ما شئت آخرک للموت و العقاب یقول فی البعد من الناس انس و الضفدع یقول سبحا ربی القدّوس* روی ان معسکر سلیمان علیه السلام کان مائة فرسخ فی مائة فرسخ خمسة و عشرون للجنّ و خمسة و عشرون للانس و خمسة و عشرون للطیر و خمسة و عشرون للوحوش و کان له بیت من قواریر مرتفع علی الخشب فیه ثلاثمائة منکوحة و سبعمائة سریة و قد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب و ابریسم فرسخ فی فرسخ و کان یوضع منبر فی وسطه و کراسی من ذهب و فضة فیقعد الأنبیاء علی کراسی الذهب و العلماء علی کراسی الفضة و حولهم الناس و الجنّ و الشیاطین و تظلله الطیر بأجنحتها حتی لا تقع علیه الشمس و ترفع ریح الصبا البساط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:242
فتسیر به مسیرة شهر بالغداة و مسیرة شهر بالعشیّ قال اللّه تعالی غدوّها شهر و رواحها شهر أی جریها بالغداة مسیرة شهر و جریها بالعشیّ کذلک فکان یغدو من دمشق فیقیل باصطخر فارس و بینهما مسیرة شهر للراکب المسرع و یروح من اصطخر فیبیت بکابل و بینهما مسیرة شهر للراکب المسرع و قیل کان یتغدّی بالری و یتعشی بسمرقند کذا فی المدارک و یروی أنه کان یأمر الریح العاصف تحمله و یأمر الرخاء تسیره فأوحی اللّه إلیه و هو یسیر بین السماء و الارض انی قد زدت فی ملکک لا یتکلم أحد بشی‌ء الا ألقته الریح فی سمعک و کانت الریح تحمله من مسافة ثلاثة امیال فیحکی أنه مرّ بحرّاث فقال لقد اوتی آل داود ملکا عظیما فألقته الریح فی اذنه فنزل و مشی الی الحراث و قال انما مشیت إلیک لئلا تتمنی ما لا تقدر علیه ثم قال لتسبیحة واحدة یقبلها اللّه خیر مما أوتی آل داود* و فی معالم التنزیل روی عن وهب بن منبه و عن کعب الاحبار قالا کان سلیمان اذا رکب حمل أهله و خدمه و حشمه و قد اتخذ مطابخ و مخابز تحمل فیها تنانیر الحدید و قدور عظام یسع کل قدر عشر جزائر و قد اتخذ میادین الدواب أمامه فیطبخ الطباخون و یخبز الخبازون و تجری الدواب بین یدیه بین السماء و الارض و الریح تهوی بهم* و فی المدارک و کانت الریح تحمل سلیمان و جنوده علی بساط بین السماء و الارض فسار من اصطخر الی الیمن فسلک مدینة الرسول صلّی اللّه علیه و سلم فقال هذه دار هجرة نبی یخرج فی آخر الزمان طوبی لمن آمن به و طوبی لمن اتبعه ثم مضی سلیمان حتی مرّ بوادی السریر و هو واد من الطائف فأتی علی وادی النمل هکذا قال کعب قال انه واد بالطائف* و قال قتادة و مقاتل هو أرض بالشام و قیل واد کان تسکنه الجنّ و أولئک النمل مراکبهم* و قال أیوب الحموی کان نمل ذلک الوادی کأمثال الذئاب و قیل کالبخاتی و المشهور أنه النمل الصغیر* و قال الشعبی کانت تلک النملة ذات جناحین و قیل کانت نملة عرجاء اسمها طاخیة قاله الضحاک أو منذرة قاله فی المدارک* و قال مقاتل اسمها خرما و یقال شاهدة عن قتادة أنه دخل الکوفة فالتفت علیه الناس فقال سلوا ما شئتم فسأله أبو حنیفة و هو شاب عن نملة سلیمان أ کانت ذکرا أم انثی فأفحم فقال أبو حنیفة کانت انثی فقیل له بم عرفت قال بقوله تعالی قالت نملة و لو کانت ذکرا لقال قال نملة و ذلک ان النملة مثل الحمامة فی وقوعها علی الذکر و الانثی فیمیز بینهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذکر و حمامة انثی أو هو أو هی فقالت النملة یأیها النمل ادخلوا مساکنکم لا یحطمنکم أی لا یکسرنکم سلیمان و جنوده و هم لا یشعرون فألقت الریح قولها فی سمع سلیمان من ثلاثة أمیال فتبسم متعجبا من حذرها و اهتدائها لمصالحها و نصیحتها للنمل روی ان النملة أحست بصوت الجنود و لا تعلم أنهم فی الهواء فأمر سلیمان الریح فوقفت لئلا یذعر حتی دخلن مساکنهنّ روی أن سلیمان لما أتی إلیها قال لها حذرت أیها النملة ظلمی أ ما علمت أنی نبی عادل حیث قلت لا یحطمنکم سلیمان و جنوده فقالت أ ما سمعت قولی و هم لا یشعرون مع انی لم أرد حطم النفوس و انما أردت حطم القلوب حیث یتمنین ما أعطیت فیشتغلن بالنظر إلیک عن التسبیح فقال لها عظینی قالت هل علمت لم سمی أبوک داود قال لا قالت لانه داوی جرحه فزاد و هل تدری لم سمیت سلیمان قال لا قالت لانک سلیم الصدر و کنت بسلامة صدرک و آن لک أن تلحق بأبیک داود و هل تدری لم سخر اللّه لک الریح قال لا قالت أخبرک اللّه ان الدنیا کلها ریح و هل تدری لم جعل ملکک فی فص الخاتم قال لا قالت أعلمک اللّه ان الدنیا لا تساوی بقطعة حجر ثم قال لها سلیمان یا نملة جندی أکثر أم جندک قالت جندی قال سلیمان أرینی جندک فنادت جنسا واحدا من جندها فخرجوا سبعین یوما حتی امتلأت البراری و الجبال و الاودیة قال هل بقی من جندک شی‌ء قالت یا سلیمان ما خرج بعد جنس واحد و ان لی مثل هذا سبعین جنسا* و فی معالم التنزیل ذکر العلماء ان سلیمان لما فرغ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:243
من بناء بیت المقدس عزم الی الخروج الی أرض الحرم فتجهز للمیر و استصحب من الانس و الجنّ و الشیاطین و الطیور و الوحوش ما یبلغ معسکره مائة فرسخ فحملتهم الریح فوافی الحرم و حج و أقام به ما شاء اللّه و کان ینحر کل یوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة و یذبح خمسة آلاف ثور و عشرین ألف شاة و قال لمن حضره من أشراف قومه هذا مکان یخرج منه نبی عربی صفته کذا و کذا یعطی النصرة علی جمیع من ناواه و تبلغ هیبته مسیرة شهر القریب و البعید فی الحق عنده سواء لا تأخذه فی اللّه لومة لائم قال فقالوا فبأیّ دین یدین یا نبیّ اللّه فقال یدین بدین الحنیفیة و طوبی لمن أدرکه و آمن به فقالوا کم بین خروجه و بین زماننا یا نبیّ اللّه قال مقدار ألف عام فلیبلغ الشاهد منکم الغائب فانه سید الأنبیاء و خاتم الرسل قال فأقام بمکة حتی قضی نسکه ثم خرج من مکة صباحا و سار نحو الیمن فوافی صنعاء وقت الظهیرة و الزوال و ذلک مسیرة شهر فرأی أرضا حسناء تزهو خضرتها فأعجبته نزاهتها فأحب النزول لیصلی یتغدّی فنزل سلیمان و دخل وقت الصلاة و کان نزل علی غیر ماء فسأل الانس و الجنّ و الشیاطین عن الماء فلم یعلموا فتفقد الهدهد و کان الهدهد رائده و قافیه لانه یحسن طلب الماء*

قصة الهدهد

عن ابن عباس الهدهد یری الماء من تحت الارض کما یری الماء فی الزجاجة و یعرف قربه و بعده فینقر الارض ثم تجی‌ء الشیاطین فیلجونه فیستخرجون الماء فتفقده لذلک* قال سعید بن جبیر فلما ذکر ابن عباس هذا قال له نافع بن الازرق یا وصاف انظر ما تقول ان الصبی منا یضع الفخ و یحثو علیه التراب فیجی‌ء الهدهد و لا ینظر الفخ حتی یقع فی عنقه فقال له ابن عباس و یحک ان القدر اذا جاء حال دون البصر* و فی روایة اذا نزل القضاء و القدر ذهب اللب و عمی البصر و کان الهدهد حین نزل سلیمان قال ان سلیمان قد اشتغل بالنزول فارتفع الی السماء و انظر الی طول الارض و عرضها فارتفع فنظر یمینا و شمالا فرأی بستانا لبلقیس فمال الی الخضرة فوقع فیه فاذا بهدهد فهبط عنده و کان اسم هدهد سلیمان یعفور و اسم هدهد الیمن عنفیر فقال عنفیر الیمن لیعفور سلیمان من أین أقبلت و أین ترید قال أقبلت من الشام مع صاحبی سلیمان ابن داود قال و من سلیمان قال ملک الجنّ و الانس و الشیاطین و الطیر و الوحوش و الریاح فمن أین أنت قال أنا من هذه البلاد قال و من ملکها قال امرأة یقال لها بلقیس فان کان لصاحبک ملک عظیم فلیس ملک بلقیس دونه فانها ملکة الیمن کلها و تحت یدها اثنا عشر قائدا تحت کل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معی حتی تنظر الی ملکها قال أخاف أن یتفقدنی سلیمان فی وقت الصلاة اذا احتاج الی الماء* قال الهدهد الیمانی ان صاحبک یسرّه أن تأتیه بخبر هذه الملکة فانطلق و نظر الی بلقیس و ملکها و ما رجع الی سلیمان الا وقت العصر* و فی روایة کان سبب تفقده الهدهد و سؤاله عنه اخلاله بالنوبة و ذلک ان سلیمان کان اذا نزل منزلا یظله و جنده الطیر من الشمس فأصابته الشمس من موضع الهدهد* و فی المدارک وقعت نفحة من الشمس علی رأس سلیمان فنظر فرأی موضع الهدهد خالیا فدعا عریف الطیر و هو النسر فسأله فقال أصلح اللّه الملک ما أدری أین هو و ما أرسلته مکانا فغضب سلیمان عند ذلک و قال لأعذبنه عذابا شدیدا الآیة* و اختلفوا فی العذاب الذی أوعده به فأظهر الاقاویل بنتف ریشه و ذنبه و القائه فی الشمس أو حیث النمل تأکله* و قال مقاتل بن حبان بتطلیته بالقطران و تشمیسه و قیل بالتفریق بینه و بین ألّفه و قیل بالزامه خدمة أقرانه و قیل بالحبس مع أضداده و قیل أضیق السجون معاشرة الاضداد و قیل بایداعه القفص و حل له تعذیب الهدهد لما رأی فیه من المصلحة ثم دعا سلیمان العقاب سید الطیر فقال علیّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتی التزق بالهواء فنظر الی الدنیا کالقصعة بین یدی أحدکم ثم التفت یمینا و شمالا فاذا هو بالهدهد مقبل من نحو الیمن فانقض العقاب نحوه یریده فلما رأی الهدهد ذلک علم أن العقاب یقصده بسوء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:244
فنا شده فقال بحق الذی قوّاک و أقدرک علیّ الا رحمتنی و لم تتعرّض لی بسوء فولی عنه العقاب و قال له ویلک ثکلتک امّک ان نبیّ اللّه قد حلف أن یعذبک أو یذبحک ثم طارا متوجهین نحو سلیمان فلما انتهیا الی المعسکر تلقاه النسر و الطیر فقالوا له ویلک أین غبت فی یومک هذا فلقد توعدک نبیّ اللّه و أخبروه بما قال سلیمان فقال الهدهد و ما استثنی رسول اللّه قالوا بلی قال أو لیأتینی بسلطان مبین قال نجوت اذا ثم انطلق العقاب و الهدهد حتی أتیا سلیمان و کان قاعدا علی کرسیه فقال العقاب قد أتیتک به یا نبیّ اللّه فلما قرب الهدهد منه طأطأ رأسه و أرخی ذنبه و جناحیه یجرّها علی الارض تواضعا لسلیمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه إلیه و قال أین کنت لأعذبنک عذابا شدیدا قال له الهدهد یا نبیّ اللّه اذکر وقوفک بین یدی اللّه عز و جل فلما سمع سلیمان ذلک ارتعد فرقا و عفا عنه ثم سأله فقال ما الذی أبطأک عنی فقال الهدهد أحطت بما لم تحط به أی علمت شیئا من جمیع جهاته یعنی حال سبأ ألهم اللّه الهدهد فکافح سلیمان بهذا الکلام مع ما أوتی من فضل النبوّة و العلوم الجمة ابتلاء له فی علمه و فیه دلیل علی ابطال قول الرافضة ان الامام لا یخفی علیه شی‌ء و لا یکون فی زمانه أعلم منه کذا فی المدارک* و فی أنوار التنزیل مخاطبته ایاه بذلک تنبیه علی أن فی أدنی خلق اللّه من أحاط علما بما لم یحط به أعلاه لیتحاقر إلیه نفسه و یتصاغر لدیه علمه قال و جئتک من سبأ بنبإ یقین السبأ أولاد سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان و فی أنوار التنزیل مواضع سکنی سبأ بالیمن یقال لها مأرب بینها و بین صنعاء مسیرة ثلاث و لما قال الهدهد و جئتک من سبأ بنبإ یقین قال سلیمان و ما ذاک قال انی وجدت امرأة یعنی بلقیس بنت شرحبیل بن مالک ابن الریان کذا فی أنوار التنزیل و المدارک* و فی لباب التأویل و تفسیر الثعالبی من نسل یعرب بن قحطان و کان أبوها ملکا عظیم الشأن قد ولد له أربعون ملکا هی آخرهم و کان یملک أرض الیمن کلها و کان یقول لملوک الاطراف لیس أحد منکم کفوا لی و أبی أن یتزوّج فیهم فخطب الی الجنّ فزوّجوه امرأة منهم یقال لها ریحانة بنت السکن* قیل فی سبب وصوله الی الجنّ حین خطب إلیهم أنه کان کثیر الصید فربما اصطاد الجنّ و هم علی صور الظباء فیخلی عنهم فظهر له ملک الجنّ و شکره علی ذلک و اتخذه صدیقا فخطب ابنته فزوّجه ایاها و قیل انه خرج متصیدا فرأی حیتین تقتتلان بیضاء و سوداء و قد ظهرت السوداء علی البیضاء فقتل السوداء و حمل البیضاء و صب علیها الماء فأفاقت فأطلقها فلما رجع الی داره و جلس وحده فاذا معه شاب جمیل فخاف منه فقال لا تخف انا الحیة البیضاء التی أحییتنی و الاسود الذی قتلته هو عبد لنا تمرّد علینا و قتل عدّة منا و عرض علیه المال فقال المال لا حاجة لی فیه و لکن ان کان لک بنت فزوّجنیها فزوّجه ابنته فولدت له بلقیس و جاء فی الحدیث ان أحد أبوی بلقیس کان جنیا فلما مات أبو بلقیس طمعت فی الملک و لم یکن له ولد غیرها فطلبت من قومها أن یبایعوها فاطاعها قوم و أبی آخرون و ملکوا علیهم رجلا آخر یقال انه ابن أخی الملک و کان خبیثا أساء السیرة فی أهل مملکته حتی کان یمدّ یده الی حرم رعیته و یفجر بهنّ فأراد قومه خلعه فلم یقدروا علیه فلما رأت بلقیس ذلک أدرکتها الغیرة فأرسلت إلیه تعرض نفسها فأجابها و قال ما منعنی أن أبتدئک بالخطبة الا الیأس منک فقالت لا أرغب عنک لانک کفؤ کریم فاجمع رجال أهلی و اخطبنی فجمعهم و خطبها فقالوا لا نری تفعل فقال بلی انها قد رغبت فیّ فذکروا ذلک لها فقالت نعم فزوّجوها منه فلما زفت إلیه خرجت فی أناس کثیرة من حشمها و خدمها و لما خلت سقته الخمر حتی سکر ثم قتلته و حزت رأسه و انصرفت الی منزلها من اللیل فلما أصبحت أرسلت الی وزرائه و أحضرتهم و قرعتهم و قالت لهم أ ما کان فیکم من یأنف لکریمته أو کرائم عشیرته ثم أرتهم ایاه قتیلا و قالت اختاروا رجلا تملکونه علیکم فقالوا لا نرضی غیرک فملکوها و علموا أن ذلک النکاح کان مکرا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:245
و خدیعة منها* و عن أبی بکرة قال لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان أهل فارس قد ملکوا علیهم بنت کسری قال لن یفلح قوم و لوا أمرهم امرأة*

قصة ملک الیمن أبی بلقیس و سبب وصوله الی الجنّ‌

و فی الینابیع أورد فی قصة المهاجرین ان الملک خرج یوما الی القنص فرأی شابا جمیلا واقفا علی الطریق فقال للملک هل تعرفنی قال لا قال أنا الحیة البیضاء الذی أنجیتنی و الاسود الذی قتلته کان عبدا لنا تمرّد علینا فأنا أرید أن أکافئک بما فعلت قیل عرض علی الملک تعلیم علم الطب فأبی فقال أدلک علی الدفائن و الکنوز فلم یقبل فقال ان أبیت هذین فلی بنت جمیلة لم یکن فی بنی آدم مثلها فی الجمال فان شئت أزوّجکها لکن بشرط أن لا تسألها عما تفعل هی فانک ان سألتها عما فعلت ثلاث مرّات غابت عنک و لم ترها بعد ذلک فقبل الملک الشرط فتزوّجها و رجع بها الی منزله فحملت منه ببنت و لما ولدتها ظهرت نار فقذفتها فیها فقال الملک لم فعلت هذا قالت أ ما شرطت أن لا تسألنی عما أفعل فهذه واحدة من الثلاث فاحفظها ثم ولدت له ابنا فجاء کلب فوضعته فی فیه فذهب به الکلب فصاح الملک و قال لم فعلت فقالت أ لم نشترط أن لا تسألنی عما أفعل فهاتان ثنتان و کان فی ذلک الزمان ملک و فی غیر الینابیع اسم هذا الملک ذو عوان و اسم أبی بلقیس بو شرح و کان بینهما عداوة و شرّ و لم یظفر أحدهما علی الآخر فاحتال ذو عوان و اصطلح مع الملک بو شرح و صنع له طعاما فدعاه إلیه فحضره بوشرح و معه امرأته الجنیة فلما وضع الطعام بین یدی الملک ألقت المرأة فیه الروث فرفع الملک یده عن الطعام و قال لم فعلت فقالت أ ما شرطت أن لا تسألنی عما أفعل فهذه الثالثة و سأخبرک بتأویل ما فعلت* أما النار و الکلب اللذان رأیتهما فهما ظئران فسلمت إلیهما الولدین لئلا یکون لی تعب فی تربیتهما فاذا کبرا یردّ انهما علیک و أما الروث الذی ألقیت فی طعامک ففعلته لئلا تأکل من ذلک الطعام المسموم فتهلک فانهم قد سموه فقالت ذلک تأویل ما فعلت و غابت یقال مات الابن عند ظئره و البنت لما ترعرعت ردّت الی أبیها و هی بلقیس* و ذکر فی القصص هذه القصة بوجه آخر و قال اسم الملک یعنی أبا بلقیس بو شرح و کان له عدوّ من الملوک اسمه ذو عوان فقصد ملکه و تقدّم إلیه مسافة عشرین منزلا فلم یکن للملک بوشرح بدّ من حربه فخرج إلیه و سلک مفازة کانت مسیرة ستة أیام و لم یکن فیها ماء و کان سبب قصد ذی عوان مملکة بوشرح انه کان له وزیر من أهل بلاد ذی عوان متفق معه کلمتهما واحدة فبعث الوزیر إلیه أن سر الی هذه البلاد حتی یخرج إلیک الملک بو شرح فأسلمه إلیک فتقتله فتکون بلاد الیونان خالصة لک من دونه فقبل ذو عوان قول الوزیر و بعث إلیه بقارورة من السم الناقع لیجعله فی طعام بوشرح و عسکره و میاههم حین سلکوا المفازة فیهلکوا ففعله الوزیر فعلمت به المرأة الجنیة و لم یطلع علیه غیرها فلما سلک بوشرح و عسکره الجبانة منزلا عمدت المرأة الی القرب فصبت المیاه و الی الدقیق فذرته فی الریاح و الی سائر الازواد فضیعتها فغضب علیها الملک و قال لم فعلت هذا قالت أ ما شرطت أن لا تسألنی عما أفعل فهذه الثالثة فأخبرته بأنها کانت مسمومة و قالت فان شئت أن یظهر لک صدق ما قلته فاجمع شیئا مما بقی فی القرب ثم اسقه وزیرک ففعل فمات الوزیر من ساعته ثم دعت المرأة بالبنت فأحضرت فدفعتها الی أبیها و کان الابن مات عند ظئرها ثم غابت المرأة و سمی الملک هذه البنت بلقیس و استخلفها علی ملکه بعد موته* و فی الینابیع فنشأت بلقیس و صارت امرأة ذات جمال و رأی و تدبیر فجلست علی سریر الملک مکان أبیها فأطاعها الملوک فکانت تجلس من کل أسبوع یوما للحکومة و تحجب عن الناس ترخی ستورا رقیقة دون الناس بحیث تراهم و لا یرونها و الناس وقوف فی حضرتها مطرقین رءوسهم من هیبتها و اذا کان لاحد عندها حاجة یسجد لها أوّلا ثم یعرض حاجته فی حضرتها فتحکم بها بلقیس و اذ فرغت من الحکومة و انصاف المظلوم من الظالم تدخل بیتها السابع و تغلق علیها الابواب و تحرسها ألوف من الحرس انتهی* و کانت بلقیس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:246
و قومها مجوسیین یعبدون الشمس و لها عرش أی سریر عظیم ضخم* قال ابن عباس کان ثلاثین ذراعا فی ثلاثین ذراعا عرضا و سمکا* و قال مقاتل ثمانین ذراعا فی ثمانین طولا و عرضا و طوله فی الهواء ثمانین ذراعا و قیل کان طوله ثمانین ذراعا و عرضه أربعین ذراعا و ارتفاعه ثلاثین ذراعا و کان من ذهب و فضة مرصعا بأنواع الجواهر بالدر و الیاقوت الاحمر و الزبرجد الاخضر و قوائمه من یاقوت أحمر و أخضر و درّ و زمرّد علیه سبعة أبیات علی کل بیت باب مغلق*

بقیة قصة الهدهد

فلما فرغ الهدهد من کلامه قال له سلیمان سننظر أصدقت فیما أخبرت أم کنت من الکاذبین ثم کتب سلیمان کتابا صورته من عبد اللّه سلیمان ابن داود الی بلقیس ملکة سبأ بسم اللّه الرحمن الرحیم السلام علی من اتبع الهدی أما بعد فلا تعلوا علیّ و أتونی مسلمین و طبعه بالمسک و ختمه بخاتمه و قال للهدهد اذهب بکتابی هذا فألقه الی بلقیس و قومها ثم تول و تنح عنهم الی مکان قریب بحیث تراهم و لا یرونک لیکون ما یقولون بمسمع منک و مرأی فأخذ الهدهد الکتاب بمنقاره و طار به و کانت بلقیس بأرض یقال لها مأرب من صنعاء علی ثلاثة ایام فوافاها فی قصرها و قد غلقت الابواب و کانت اذا رقدت غلقت الابواب و أخذت المفاتیح فوضعتها تحت رأسها فأتاها الهدهد و هی مستلقیة علی قفاها راقدة فدخل الهدهد علیها من کوّة و ألقی الکتاب علی نحرها بحیث لم تشعر به و تواری فی الکوّة فانتبهت بلقیس فزعة هذا قول قتادة* و قال مقاتل حمل الهدهد الکتاب بمنقاره حتی وقف علی رأس المرأة و حولها القادة و الجنود فرفرف ساعة و الناس ینظرون حتی رفعت المرأة رأسها فألقی الکتاب فی حجرها* و قال ابن منبه و ابن زید کانت لها کوّة مستقبلة الشمس تقع الشمس فیها حین تطلع فاذا نظرت إلیها سجدت لها فجاء الهدهد الکوّة فسدّها بجناحیه فارتفعت الشمس و لم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمی بالصحیفة إلیها فأخذت بلقیس الکتاب و کانت قارئة فلما رأت الختم ارتعدت لان ملک سلیمان کانت فی خاتمه و عرفت أن الذی أرسل الکتاب أعظم ملکا منها و جمعت الملأ من قومها و هم اثنا عشر ألف قائد مع کل قائد مائة ألف مقاتل* و عن ابن عباس قال کان مع بلقیس مائة ألف قیل مع کل قیل مائة ألف مقاتل و القیل الملک دون الملک الاعظم و قال قتادة و مقاتل کان أهل مشورتها ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا کل رجل منهم علی عشرة آلاف فجاءوا و أخذوا مجالسهم فقالت لهم بلقیس خاضعة خائفة یأیها الملأ انی القی الیّ کتاب کریم حسن مضمونه و ما فیه أو مرسله أو لغرابة شأنه أو مختوم عن ابن عباس عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کرامة الکتاب ختمه و کذا قال عکرمة و لذا قیل من کتب الی أخیه کتابا و لم یختمه فقد استخف به أو مصدّر بالبسملة قالت یأیها الملأ أفتونی و اشیروا علیّ فی أمری قالوا نحن أولو قوّة و أولو بأس شدید و الامر إلیک فانظری ما ذا تأمرین قالت انی مرسلة إلیهم بهدیة فناظرة أی منتظرة بم یرجع المرسلون بقبولها أو ردّها لانها عرفت عادة الملوک و حسن مواقعة الهدایا عندهم فان کان ملکا قبلها و انصرف عنا و ان کان نبیا ردّها و لم یرض منا الا أن نتبعه علی دینه فبعثت خمسمائة غلام علیهم ثیاب الجواری و زیهنّ و حلیهنّ و جعلت فی سواعدهم أساور من ذهب و فی أعناقهم أطواقا من ذهب و فی آذانهم أقراطا و شنوفا مرصعات بأنواع الجواهر راکبی خیل برذون مغشاة بالدیباج محلاة اللجم و السرج بالذهب المرصع بالجواهر و خمسمائة جاریة علی رماک فی زی الغلمان من الاقبیة و المناطق و خمسمائة لبنة من ذهب و خمسمائة لبنة من فضة و تاجا مکللا بالدر و الیاقوت و أرسلت إلیه المسک و العنبر و العود و حقة فیها درة ثمینة عذراء غیر مثقوبة و جزعة مثقوبة معوجة الثقب و بعثت رسلا من قومها أصحاب رأی و عقل و امرت علیهم رجلا من اشراف قومها یقال له المنذر بن عمرو و کتبت کتابا فیه نسخة الهدایا و قالت فیه ان کنت نبیا فمیز بین الوصفاء و الوصائف و أخبر بما فی الحقة قبل أن تفتحها و اثقب الدرة ثقبا مستویا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:247
و اسلک فی الخرزة خیطا من غیر علاج انس و لا جنّ* و امرت بلقیس الغلمان فقالت اذا کلمکم سلیمان فکلموه بکلام تأنیث و تخنیث یشبه کلام النساء و امرت الجواری ان یکلمنه بکلام فیه غلظة یشبه کلام الرجال ثم قالت للمنذر ان نظر إلیک نظر غضبان فهو ملک فلا یهولنک منظره و ان رأیته بشاشا لطیفا فهو نبیّ فأقبل الهدهد مسرعا فأخبر سلیمان الخبر کله و فی انوار التنزیل و قد سبق جبریل بالحال فأمر سلیمان الجنّ فضربوا لبنات الذهب و الفضة و فرشوا فی میدان بین یدیه طوله سبعة فراسخ* و فی معالم التنزیل أمرهم أن یبسطوا من موضعه الذی هو فیه الی تسعة فراسخ میدانا واحدا بلبنات الذهب و الفضة و جعلوا حول المیدان حائطا شرفه من الذهب و الفضة و أمر الشیاطین فأتوا بأحسن الدواب فی البرّ و البحر فربطوها عن یمین المیدان و عن یساره علی لبنات الذهب و الفضة و ألقوا علوفتها فیها و أمر بأولاد الجنّ و هم خلق کثیر فأقاموا عن الیمین و عن الیسار* ثم قعد سلیمان فی مجلسه علی سریره و وضع له أربعة آلاف کرسی عن یمینه و مثله عن یساره و اصطفت الشیاطین صفوفا فراسخ و الانس صفوفا فراسخ و الوحوش و السباع و الطیر و الهوام کذلک فلما دنا الرسل و وصلوا معسکره و المیدان و رأوا عظمة شأن سلیمان و ملکه و رأوا الدواب التی لم تر عینهم مثلها تروث علی لبن الذهب و الفضة تقاصرت إلیهم أنفسهم فرموا بما معهم من الهدایا و فی بعض الروایات ان سلیمان لما أمر بفرش المیدان بلبنات الذهب و الفضة أمرهم أن یترکوا علی طریقهم موضعا علی قدر اللبنات التی معهم فلما رأت الرسل موضع اللبنات خالیا و کل الارض مفروشة خافوا أن یتهموا بذلک فطرحوا کل ما معهم فی ذلک المکان فلما نظروا الی الشیاطین رأوا منظرا عجیبا ففزعوا فقال لهم الشیاطین جوزوا فلا بأس علیکم و کانوا یمرّون علی کردوس من الجنّ و الانس و الطیر و السباع و الوحوش حتی وقفوا بین یدی سلیمان فنظر إلیهم نظرا حسنا بوجه طلق فقال ما وراءکم فأخبره رئیس القوم و أعطاه کتاب الملکة فنظر فیه ثم قال أین الحقة فأتی بها فحرکها فجاء جبریل و أخبره بما فی الحقة فقال ان فیها درّة ثمینة غیر مثقوبة و جزعة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة و أدخل الخیط فی الخرزة فقال سلیمان من لی بثقبها فسأل سلیمان الانس و الجنّ فلم یکن عندهم علم ذلک ثم سأل الشیاطین فقالوا أرسل الی الارضة فجاءت الارضة فأخذت شعرة فی فیها و دخلت فیها ثم خرجت من الجانب الآخر فقال لها سلیمان ما حاجتک فقالت تصیر رزقی فی الشجر فقال لک ذلک و روی أنه جاءت دودة تکون فی الصفصاف فقالت أنا أدخل الخیط فی الثقب علی أن یکون رزقی فی الصفصاف فجعل لها ذلک فأخذت الخیط بفیها فدخلت الثقب و خرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذا الخرزة یسلکها فی الخیط فقالت دودة بیضاء أنا لها یا رسول اللّه فأخذت الدودة الخیط بفیها و ثقبتها و دخلت الثقب حتی خرجت من الجانب الآخر فقال لها سلیمان ما حاجتک قالت تجعل رزقی فی الفواکه قال لک ذلک و دعا بالماء فکانت الجاریة تأخذ الماء فی یدها و تجعله فی الاخری ثم تضرب به وجهها و الغلام کما یأخذ الماء یضرب به وجهه ثم ردّ الهدیة و قال للمنذر ارجع إلیهم فلنأتینهم بجنود لا قبل لهم بها و لا طاقة و لنخرجنهم منها من سبأ أذلة بذهاب عزهم و هم صاغرون أسراء مهانون فلما رجع إلیها رسولها بالهدایا و قص علیها القصة قالت هو نبی و ما لنا به طاقة و بعثت الی سلیمان انی قادمة إلیک بملوک قومی لا نظر ما الذی تدعو إلیه ثم جعلت عرشها فی آخر سبعة أبیات بعضها فی بعض فی آخر قصر من سبعة قصور لها ثم أغلقت دونه الابواب و وکلت به حرسا یحفظونه فشخصت إلیه فی اثنی عشر ألف قیل تحت کل قیل ألوف کثیرة حتی بلغت علی رأس فراسخ قال ابن عباس کان سلیمان علیه السلام رجلا مهیبا لا یبتدأ بشی‌ء حتی یکون هو الذی سأل عنه فخرج یوما فجلس علی سریر ملکه فرأی رهجا أی غبارا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:248
قریبا منه فقال ما هذا قالوا بلقیس نزلت منا بهذا المکان و کانت علی مسیرة فرسخ من سلیمان* قال ابن عباس و کان بین الحیرة و الکوفة فأقبل سلیمان حینئذ علی جنده فقال یأیها الملأ أیکم یأتینی بعرشها قبل أن یأتونی مسلمین أراد بذلک أن یریها بعض العجائب الدالة علی عظیم القدرة و صدقه فی دعوی النبوّة و یختبر عقلها بأن تنکر أو أراد أن یأخذه قبل أن تسلم فانها اذا أتت مسلمة لم یحل أخذه الا برضاها قال عفریت من الجنّ خبیث مارد قوی* قال وهب اسمه کوذی و قیل ذکوان و قیل هو صخر الجنی و کان بمنزلة جبل یضع قدمه عند منتهی طرفه أنا آتیک به قبل أن تقوم من مقامک مجلسک للحکومة و کان یجلس الی نصف النهار و انی علی حمله لقویّ أمین لا اختزل منه شیئا و لا أبد له فقال سلیمان أرید أسرع من هذا قال الذی عنده علم من الکتاب أی ملک بیده کتاب المقادیر أرسله اللّه عند قول العفریت* و فی معالم التنزیل هو ملک من الملائکة أید اللّه به نبیه سلیمان أو جبریل أو الخضر أو سلیمان نفسه أو آصف بن برخیا وزیره أو کاتبه هو الاصح و علیه الجمهور و کان صدّیقا یعلم الاسم الاعظم الذی اذا دعی به أجاب و هو یا حیّ یا قیوم قاله الکلبی أو یا ذا الجلال و الاکرام قاله مجاهد و مقاتل أویا الهنا و إله کل شی‌ء الها واحدا لا إله الا أنت ائتنی بعرشها و قوله أنا آتیک به قبل أن یرتدّ إلیک طرفک أی انک ترسل طرفک الی شی‌ء فقبل ان تردّه أحضر عرشها فتبصره بین یدیک قال مجاهد یعنی ادامة النظر حتی یرتدّ الطرف خاسئا* یروی ان آصف قال لسلیمان حین صلّی مدّ عینیک حتی ینتهی طرفک فمدّ سلیمان عینیه فنظر نحو الیمن و دعا آصف فبعث اللّه الملائکة فحملوا السریر من تحت الارض یخدون خدّا حتی انخرقت الارض بالسریر بین یدی سلیمان* قال الکلبی خرّ آصف ساجدا و دعا باسم اللّه الاعظم فغار عرشها فی مکانه تحت الارض ثم نبع عند کرسی سلیمان بقدرة اللّه تعالی قبل أن یرتدّ طرفه قیل کانت المسافة مقدار شهرین کذا فی معالم التنزیل و قال محمد بن المنکدر لما قال عالم بنی اسرائیل الذی آتاه اللّه علما و فهما أنا آتیک به قبل أن یرتدّ إلیک طرفک قال سلیمان هات قال أنت النبیّ ابن النبیّ و لیس أحد أوجه عند اللّه منک فان دعوت اللّه و طلبت إلیه کان عندک قال صدقت ففعل ذلک فجی‌ء بالعرش فی الوقت فلما رأی العرش مستقرّا عنده حاصلا بین یدیه ثابتا لدیه غیر مضطرب قال هذا من فضل ربی أی التمکن من احضار العرش فی مدّة ارتداد الطرف من مأرب الی الشام کذا فی معالم التنزیل و قال فی أنوار التنزیل من مسیرة شهرین بنفسه أو بغیره ثم قال سلیمان نکروا لها عرشها غیروا هیئته و شکله أی اجعلوا مقدّمه مؤخره و أعلاه أسفله و اجعلوا مکان الجوهر الاحمر أخضر و مکان الاخضر أحمر ننظر أ تهتدی الی معرفة عرشها و قد خلفته فی مأرب وراءها مغلقة علیه الابواب موکلة علیه الحراس أوالی الجواب الصواب اذا سئلت عنه أم لا* فلما جاءت بلقیس قیل لها أ هکذا عرشک قالت کأنه هو فأجابت أحسن جواب و لم تقل هو لاحتمال أن یکون مثله و ذلک من کمال عقلها* و فی المدارک و لم تقل هو و لا لیس به و ذلک من رجاحة عقلها حیث لم تقطع فی المحتمل للامرین أو لما شبهوا علیها بقولهم أ هکذا عرشک شبهت علیهم بقولها کأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها قیل لها ادخلی الصرح أی القصر أو صحن الدار فلما رأته ظنته ماء راکدا فکشفت عن ساقیها* روی أن سلیمان أمر قبل قدومها فبنی علی طریقها قصر صحنه من زجاج أبیض و أجری من تحته الماء و ألقی فیه حیوانات البحر من السمک و غیره و قیل اتخذ صحنا من قواریر و جعل تحتها تماثیل من الحیتان و الضفادع فکان الواحد اذا رآه ظنه ماء کذا فی معالم التنزیل و وضع سریره فی صدره فجلس علیه و عکف الطیر علیه و الجنّ و الانس و انما فعل ذلک لیزیدها اعظاما لامره و تحقیقا لنبوّته و قیل ان الجنّ کرهوا أن یتزوّجها سلیمان فتفشی إلیه بأسرارهم لان أمّها کانت جنیة و قیل خافوا أن یولد منها ولد فیجتمع له فطنة الجنّ و الانس فیخرجوا من ملک سلیمان الی ملک أشدّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:249
منه* و فی معالم التنزیل و اذا ولدت له ولدا لا ینفکون من تسخیر سلیمان و ذرّیته من بعده فقالوا له ان فی عقلها شیئا و هی شعراء الساقین و رجلها کحافر الحمار فاختبر سلیمان عقلها بتنکیر العرش کما فعلت هی بالوصفاء و الوصائف و اتخذ الصرح لیتعرّف ساقها و رجلها فکشف عنهما فاذا هی أحسن الناس ساقا و قدما الا أنها شعراء الساقین* و لما رأی سلیمان ذلک صرف بصره عنها ثم قال لها ان ما تظنینه ماء صرح ممرّد مملس مستو من الزجاج و منه الامرد فأراد سلیمان أن یتزوّجها فکره شعرها فعملت له الشیاطین النورة و الحمام فکانت النورة و الحمامات من یومئذ کذا فی معالم التنزیل و عن أبی موسی أوّل من اتخذ الحمامات سلیمان بن داود کذا قاله الثعلبی فلما تزوّجها سلیمان أقرّها علی ملکها و أمر الجنّ فابتنوا له بأرض الیمن ثلاثة حصون لم یر مثلها ارتفاعا و حسنا و هی بینون و سلحین و غمدان* فی معجم ما استعجم سلحین بکسر أوّله و اسکان ثانیه بعده حاء مهملة مکسورة علی وزن فعلین موضع بالیمن و هو قصر سبأ بالمأرب ثم کان سلیمان یزورها فی کل شهر مرّة بعد أن ردّها الی ملکها و یقیم عندها ثلاثة أیام یبکر من الشام الی الیمن و من الیمن الی الشام و ولدت له فیما ذکر* و فی حیاة الحیوان فولدت له غلاما سماه داود و مات فی حیاته* و روی عن وهب أنه قال زعموا أن بلقیس لما أسلمت قال لها سلیمان اختاری رجلا من قومک أزوّجک ایاه قالت و مثلی یا نبیّ اللّه ینکح الرجال و قد کان لی فی قومی من الملک و السلطان ما کان قال نعم انه لا یکون فی الاسلام الا ذلک و لا ینبغی لک أن تحرّمی ما أحل اللّه لک فقالت زوّجنی ان کان و لا بدّ من ذلک ذا تبع ملک همدان فزوّجه ایاها ثم ردّها الی الیمن و سلط زوجها ذا تبع علی الیمن و دعا زوبعة أمیر جنّ الیمن و قال اعمل لذی تبع ما استعملک فیه فلم یزل بها ملکا یعمل له فیها ما أراد حتی مات سلیمان فلما أن جاء الحول و تبینت الجنّ موت سلیمان أقبل رجل منهم فسلک تهامة حتی اذا کان فی جوف الیمن صرخ بأعلی صوته یا معشر الجنّ ان الملک سلیمان قد مات فارفعوا أیدیکم فرفعوا أیدیهم و تفرّقوا و انقضی ملک ذی تبع و ملک بلقیس مع ملک سلیمان* و فی أنوار التنزیل قد اختلف فی أنه تزوّجها أو زوّجها من ذی تبع ملک همدان و اللّه أعلم*

(حدیث وفاة بلقیس)

* قال وهب أقامت بلقیس سبع سنین و سبعة أشهر ثم توفیت فدفنت تحت حائط بمدینة تدمر من أرض الشام و لم یعلم أحد بموضع قبرها الی أیام الولید ابن عبد الملک بن مروان قال أبو موسی بن نصر بعثت فی خلافته الی مدینة تدمر و معی العباس بن الولید ابن عبد الملک فجاء مطر عظیم فانهار بعض حائط بمدینة تدمر فانکشفت الارض عن تابوت طوله ستون ذراعا متخذ من حجر أصفر کأنه الزعفران مکتوب علیه هذا مدفن تابوت بلقیس الصالحة زوجة سلیمان ابن داود أسلمت لسنة عشرین خلت من ملکه و تزوّج بها یوم عاشوراء و توفیت یوم الاثنین من شهر ربیع سنة سبع و عشرین خلت من ملکه و دفنت لیلا تحت حائط بمدینة تدمر لم یطلع علی دفنها انس و لا جان الا من دفنها قال فرفعنا غطاء التابوت و اذا هی غضة کأنها دفنت فی لیلتها فکتبنا بذلک الی الولید فأمر بترکه فی مکانه و أن یبنی علیه بالصخر و المرمر کذا فی کتاب قصص الأنبیاء تألیف الامام أبی الحسین محمد ابن عبد اللّه الکسائی*

(ذکر صفة کرسی سلیمان علیه السلام)

* روی أن سلیمان أمر الجنّ باتخاذ کرسی له لیجلس علیه للقضاء و أمر أن یعمل بدیعا مهولا مهیبا بحیث لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتعد من الهیبة فعملوه له من أنیاب الفیل و زینوه بالیواقیت و اللؤلؤ و الزبرجد و حفوه بأربع نخلات من ذهب شماریخها الیاقوت الاحمر و الزبرجد الاخضر و علی رأس نخلتین منها طاوسان من ذهب و علی الآخر بین نسران من ذهب و جعلوا بین جنبی الکرسی فی أسفله أسدین من ذهب علی رأس کل واحد منهما عمود من الزبرجد الاخضر و عقدوا علی النخلات أشجار کروم من الذهب الاحمر فاذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:250
أراد أن یصعد بسط الاسدان له ذراعیهما کذا فی أنوار التنزیل و المدارک و اذا وضع رجله علی الدرجة السفلی یستدیر الکرسی بما فیه دوران الرحی و ینشر النسران و الطاوسان أجنحتهما و یبسط الاسدان ذراعیهما و یضربان الارض بأذنابهما و کذا یفعلان فی کل درجة یصعدها فاذا استوی بأعلاه أخذ النسران تاجه فوضعاه علی رأسه و اذا قعد أظله النسران بأجنحتهما ثم یستدیر الکرسی بما فیه و النسران و الطاوسان و الاسدان ینضحان علی رأسه المسک و العنبر ثم یتناول حمامة من ذهب فیه التوراة فیفتحها سلیمان فیقرأها علی الناس و کان التصویر مباحا حینئذ کذا فی المدارک و یجلس علماء بنی اسرائیل علی کراسی الذهب و عظماء الجنّ علی کراسی الفضة و یتقدّم الناس إلیه للقضاء و اذا دعا بالبینات و تقدّمت الشهود لاقامة الشهادات دار الکرسی بما فیه دوران الرحی و الذی یدیر الکرسی تنین عظیم من ذهب فاذا دار الکرسی بسط الاسدان أیدیهما یضربان الارض بأذنابهما و ینشر النسران و الطاوسان أجنحتهما فتفزع الشهود فلا یشهدون الا بالحق* و هذا شأن کرسی سلیمان و عجائبه و هو مما عمله صخر الجنی* و فی المدارک روی أن افریدون جاء لیصعد کرسیه فلما دنا ضرب الاسدان ساقه فکسراها فلم یجترئ أحد بعده أن یدنو منه* و فی روایة لما مات سلیمان أخذ ذلک الکرسی بخت نصر فأراد أن یصعد علیه و لم یکن له علم بالصعود علیه فلما وضع قدمه علی الدرجة رفع الا سدیده الیمنی و ضرب ساقه ودق قدمه فلم یزل یتوجع منها حتی مات و بقی الکرسی بانطاکیة حتی غزا أکداس ابن کداس فهزم خلیفة بخت نصر و ردّ الکرسی الی بیت المقدس فلم یستطع أحد من الملوک الجلوس علیه و الاستمتاع به فوضع تحت الصخرة و غاب فلا یعرف له خبر و لا أثر و لا یدری أین هو*

سبب سلب ملک سلیمان‌

و فی معالم التنزیل کان سبب سلب ملک سلیمان ما ذکره محمد بن اسحاق و غیره عن وهب بن منبه أنه قال لما سمع سلیمان بمدینة فی جزیرة من جزائر البحر یقال لها صیدون بها ملک عظیم الشأن لم یکن للناس إلیه سبیل لمکانه فی البحر و کان اللّه قد آتی سلیمان فی ملکه سلطانا لا یمتنع علیه شی‌ء فی برّ و لا بحر الا یرکب إلیه الریح فخرج الی تلک المدینة تحمله الریح علی ظهر الماء حتی نزل بها بجنوده من الجنّ و الانس فقتل ملکها و استأصل ما فیها و أصاب بنتا لذلک الملک یقال لها جرادة لم یر مثلها حسنا و لا جمالا فاصطفاها لنفسه و دعاها الی الاسلام فأسلمت علی جفاء منها و قلة وفق و أحبها حبا لم یحبه شیئا من نسائه و کانت علی منزلتها عنده لا یذهب حزنها و لا یرقأ دمعها فشق ذلک علی سلیمان فقال لها و یحک ما هذا الحزن الذی لا یذهب و الدمع الذی لا یرقأ قالت انی أذکر أبی و اذکر ملکه و أذکر ما کان فیه و ما أصابنی فیحزننی ذلک فقال سلیمان قد أبدلک اللّه به ملکا هو أعظم من ملکه و سلطانا هو أعظم من سلطانه و هداک للاسلام و هو خیر من ذلک کله قالت انه کذلک و لکنی اذا ذکرته أصابنی ما تری من الحزن فلو أنک أمرت الشیاطین فصوّروا صورته فی داری التی أنا فیها أراها بکرة و عشیا لرجوت أن یذهب ذلک حزنی و أن أتسلی برؤیته عن بعض ما أجد فی نفسی فأمر سلیمان علیه السلام الشیاطین فقال مثلوا لها صورة أبیها فی دارها حتی لا تنکر منه شیئا فمثلوها لها حتی نظرت الی أبیها بعینه الا انه لا روح فیه فعمدت إلیه حین صنعوه فأزرته و قمصته و عممته بمثل ثیابه التی کان یلبس ثم کانت اذا خرج سلیمان من دارها تغدو إلیه فی ولائدها حتی تسجد له و یسجدون له کما کانت تصنع به فی ملکه و تروح کل عشیة و صباح بمثل ذلک و سلیمان لا یعلم بشی‌ء من ذلک أربعین صباحا و بلغ ذلک آصف بن برخیا و کان صدّیقا و کان لا یردّ عن أبواب سلیمان أیّ وقت أراد دخول بیت من بیوته دخل کان حاضرا سلیمان أو کان غائبا فأتاه فقال یا نبیّ اللّه کبر سنی و دق عظمی و نفد عمری و قد حان منی ذهاب أیامی و قد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذکر فیه ما مضی من أنبیاء اللّه و اثنی علیهم بعلمی فیهم و أعلم الناس بما کانوا یجهلون من کثیر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:251
أمورهم فقال افعل فجمع له سلیمان الناس فقام فیهم خطیبا فذکر من مضی من أنبیاء اللّه و اثنی علی کل نبیّ بما فیه و ذکر ما فضله اللّه به حتی انتهی الی سلیمان فقال ما کان أحلک و أورعک فی صغرک و أفضلک فی صغرک و أحکم أمرک فی صغرک و أبعدک عن کل ما یکره فی صغرک ثم انصرف فوجد سلیمان فی نفسه من ذلک شیئا ملأه غضبا و غیظا فلما دخل سلیمان داره أرسل إلیه فقال یا آصف ذکرت من مضی من انبیاء اللّه بما اثنیت علیهم خیرا فی کل زمان و علی کل حال من أمرهم فلما ذکرتنی جعلت تثنی علیّ خیرا فی صغری و سکت عما سوی ذلک من أمری فی کبری فما الذی حدث فی آخر أمری فقال ان غیر اللّه لیعبد فی دارک منذ أربعین صباحا فی هوی امرأة فقال فی داری قال فی دارک فقال انا للّه و انا إلیه راجعون لقد عرفت انک ما قلت الذی قلت الا عن شی‌ء بلغک فرجع سلیمان الی داره و کسر ذلک الصنم و عاقب تلک المرأة و ولائدها ثم أمر بثیاب الطهارة فأتی بثیاب لا یغزلها الا الابکار و لا ینسجها الا الابکار و لا یغسلها الا الابکار و لم تمسها امرأة قد رأت الدم فلبسها ثم خرج الی فلاة من الارض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل تائبا الی اللّه عز و جل حتی جلس علی ذلک الرماد و تمعک فیه بثیابه تذللا للّه عز و جل و تضرعا إلیه یبکی و یدعو اللّه و یستغفر مما کان فی داره فلم یزل کذلک یومه حتی أمسی ثم رجع الی داره و کانت له أمّ ولد یقال لها الامینة کان اذا دخل مذهبه أو أراد اصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتی یتطهر و کان لا یمس خاتمه الا و هو طاهر و کان ملکه فی خاتمه فوضعه یوما عندها ثم دخل مذهبه فأتاها الشیطان صاحب البحر و اسمه صخر علی صورة سلیمان لا تنکر منه شیئا فقال خاتمی یا أمینة فناولته ایاه فجعله فی یده ثم خرج حتی جلس علی سریر سلیمان و عکفت علیه الطیر و الجنّ و الانس و خرج سلیمان فأتی الامینة و قد غیرت حالته و هیئته عند کل من رآه فقال یا أمینة خاتمی قالت له من أنت قال أنا سلیمان بن داود قالت کذبت قد جاء سلیمان و أخذ خاتمه و هو جالس علی سریر ملکه فعرف سلیمان ان خطیئته قد أدرکته فخرج و هو خائف و جعل یقف علی الدار من دور بنی اسرائیل و یقول أنا سلیمان بن داود فیحثون علیه التراب و یسبونه و یقولون انظروا الی هذا المجنون أی شی‌ء یقول یزعم انه سلیمان فلما رأی سلیمان ذلک عمد الی البحر فکان ینقل الحیتان لاصحاب البحر الی السوق فیعطونه کل یوم سمکتین فاذا أمسی باع احدی سمکتیه بأرغفة و شوی الاخری فأکلها فمکث کذلک أربعین صباحا عدّة ما کان الوثن یعبد فی داره و انکر آصف و عظماء بنی اسرائیل حکم عدوّ اللّه الشیطان فی تلک الاربعین یوما فقال آصف یا معشر بنی اسرائیل هل رأیتم من اختلاف حکم نبیّ اللّه سلیمان بن داود ما رأیت قالوا نعم قال أمهلونی حتی أدخل علی نسائه فأسألهنّ هل انکرن شیئا منه من خاصة أمره ما أنکرنا فی عامة أمر الناس و علانیته فدخل علی نسائه فقال ویحکنّ هل أنکرتن من أمر ابن داود إلیه راجعون ان هذا لهو البلاء المبین ثم خرج علی بنی اسرائیل فقال ما فی الخاصة أکثر مما فی العامة فلما مضی أربعون صباحا طار ذلک الشیطان من مجلسه ثم مرّ بالبحر فقذف الخاتم فیه فبلعته سمکة فأخذها بعض الصیادین و قد عمل له سلیمان صدر یومه ذلک حتی اذا کان العشی أعطاه سمکتیه فأعطی السمکة التی بلعت الخاتم و خرج سلیمان بسمکتیه فباع التی لیس فی بطنها الخاتم بالارغفة ثمّ عمد الی السمکة الاخری فبقرها لیشویها فاستقبله خاتمه فی جوفها فأخذه و جعله فی یده و وقع ساجد اللّه تعالی فعکفت علیه الطیر و الجنّ و أقبل علیه الناس و عرف الذی قد کان دخل علیه مما کان أحدث فی داره و رجع إلیه ملکه و أظهر التوبة من ذنبه و أمر الشیاطین فقال ائتونی بصخر فأتوه به فأخذه بعد أن جاءوا به إلیه فجاب له صخرة فأدخله فیها ثم سدّ علیه بأخری ثم أوثقه فیها بالحدید و سبک علیه بالرصاص
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:252
ثم أمر به فقذف فی البحر* هذا حدیث وهب بن منبه و قال الحسن ما کان اللّه لیسلط الشیاطین علی نساء الأنبیاء* و فی أنوار التنزیل نفذ حکمه فی کل شی‌ء الا فیه و فی نسائه* و فی کتاب أبی المعین النسفی و ما یروی أن سلیمان زال ملکه أربعین یوما و ان الشیاطین تواصلوا الی نسائه و جواریه فتولد الاکراد الذین یسکنون الجبال فلما عاد إلیه ملکه عزلهم عن نفسه قلنا غیر صحیح و الصحیح انه ماتوا صلوا الی نسائه و جواریه انتهی و کان سلیمان یدور علی البیوت و یتکفف الی آخر ما ذکر* قال السدّی کان سبب فتنة سلیمان انه کانت له امرأة منهنّ یقال لها جرادة هی أبر نسائه و آمنهنّ عنده و کان یأتمنها علی خاتمه اذا أتی الی حاجته فقالت له یوما ان أخی بینه و بین فلان خصومة و انا احب ان تقضی له اذا جاءک فقال نعم فلما تحاکما عنده أحب أن یکون الحق لاهل جرادة فابتلی بقوله فأعطاها خاتمه و دخل المخرج فجاء الشیطان فی صورته فأخذه و جلس علی مجلس سلیمان و خرج سلیمان فسألها خاتمه قالت أ لم تأخذه قال لا فخرج مکانه و مکث الشیطان یحکم بین الناس اربعین یوما فأنکر الناس حکمه فاجتمع قراء بنی اسرائیل و علماؤهم حتی دخلوا علی نسائه فقالوا انا قد انکرنا هذا فان کان سلیمان فقد ذهب عقله فبکی النساء عند ذلک فأقبلوا حتی أحدقوا به و نشروا التوراة فقرءوها فطار من بین ایدیهم حتی وقع علی شرفة و الخاتم معه ثم طار حتی ذهب الی البحر فوقع الخاتم منه فی البحر فابتلعه حوت و اقبل سلیمان حتی انتهی الی صیاد فی البحر و هو جائع فاشتدّ جوعه فاستطعمه من صیده و قال انا سلیمان فقام إلیه بعضهم بعصا فضربه فشجه فجعل یغسل دمه علی شاطئ البحر فلام الصیادون صاحبهم الذی ضربه و أعطوه سمکتین مما قد مذر عندهم فشق بطنهما و جعل یغسلهما فوجد خاتمه فی بطن احداهما فلبسه فردّ اللّه علیه ملکه و بهاءه و حامت علیه الطیر فعرف القوم انه سلیمان فقاموا یعتذرون إلیه مما صنعوا فقال ما احمدکم علی عذرکم و لا الومکم علی ما کان منکم هذا امر کان لا بدّ منه ثم جاء حتی اتی ملکه و امر فأتی بالشیطان الذی اخذ خاتمه و جعله فی صندوق من حدید و اطبق علیه و اقفل علیه بقفل و ختم علیه بخاتمه و امر به فألقی فی البحر فهو حیّ کذلک حتی تقوم الساعة* و فی بعض الروایات ان سلیمان علیه السلام لما افتتن سقط الخاتم من یده و کان فیه ملکه فأخذه سلیمان لیجعله فی یده فسقط فأیقن سلیمان بالفتنة فبینما هو کذلک مفکر اذ دخل آصف فذکر له قصته فقال له آصف انک مفتون بذنبک و الخاتم لا یتماسک فی یدک أربعین یوما ففرّ الی اللّه تائبا فانی اقوم مقامک و أسیر بسیرتک الی ان یتوب اللّه علیک ففرّ سلیمان هاربا الی ربه و اخذ آصف الخاتم فوضعه فی اصبعه فثبت فأقام آصف فی ملکه یسیر بسیرته اربعین یوما الی أن ردّ اللّه علی سلیمان ملکه فجلس علی کرسیه و اعاد الخاتم فی یده فثبت* و فی انوار التنزیل خطیئة سلیمان تغافله عن حال اهله لان اتخاذ التماثیل کان جائزا حینئذ و سجود الصورة بغیر علمه لا یضرّه* و فی المدارک اما ما یروی من حدیث الخاتم و الشیطان و عبادة الوثن فی بیت سلیمان فمن اباطیل الیهود*

وفاة سلیمان‌

و روی ان داود ملک اربعین سنة و أسس بناء بیت المقدس فی موضع فسطاط موسی علیه السلام فمات یوم السبت أواخر سنة و أسس بناء بیت المقدس فی موضع فسطاط موسی علیه السلام فمات یوم السبت أواخر سنة خمس و ثلاثین و خمسمائة لوفاة موسی قبل تمام بیت المقدس فوصی به سلیمان فاستعمل الجنّ فی عمارته فلم یتم بعد اذ علم بدنوّ أجله* و فی معالم التنزیل کان لا یصبح سلیمان یوما الا نبتت فی محرابه ببیت المقدس شجرة فسألها ما اسمک فتقول اسمی کذا فیقول لایّ شی‌ء أنت فتقول لکذا و کذا فیأمر بها فتقطع فان کانت نبتت لغرس غرسها و ان کانت لدواء کتبت حتی نبتت الخرّوبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لای شی‌ء نبت قالت لخراب مسجدک قال سلیمان ما کان اللّه لیخربه و انا حیّ أنت الذی علی منبتک هلاکی و خراب بیت المقدس فنزعها و غرسها فی حائط له فأراد أن یعمی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:253
علی الجنّ موته لیتموا المسجد فقال اللهم عمّ علی الجنّ موتی حتی یعلم الانس ان الجنّ لا یعلمون الغیب و کانت الجنّ تخبر الانس انهم یعلمون من الغیب اشیاء و یعلمون ما فی غد و دعا الجنّ فبنوا علیه صرحا من قواریر لیس له باب فقام یصلی متکئا علی عصاه فقبض روحه و هو متکئ علیها فبقی کذلک حتی اکلتها الارضة فخرّ ثم فتحوا عنه و أرادوا أن یعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة علی العصا فأکلت یوما و لیلة مقدارا فحسبوا علی ذلک فوجدوه قد مات منذ سنة* ذکر أهل التاریخ أن سلیمان کان عمره ثلاثا و خمسین سنة و مدّة ملکه أربعون سنة* و فی المدارک قیل فتن سلیمان بعد ما ملک عشرین سنة و ملک بعد الفتنة عشرین سنة و ملک بعد وفاة أبیه داود و هو ابن ثلاث عشرة سنة و روی عمره اثنتا عشرة سنة و کان مولده بغزة و ابتداؤه فی بناء بیت المقدس لا ربع مضین من ملکه و أقام فی عمارة بیت المقدس سبع سنین و فرغ منه فی السنة الحادیة عشر من ملکه و هذا ینافی ما تقدّم آنفا من قوله فلم یتم بعد اذ علم بدنوّ أجله و کان من هبوط آدم الی الطوفان الفان و مائتان و اثنتان و أربعون سنة و من الطوفان الی وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة و من وفاة سام الی بناء سلیمان بیت المقدس ألف و ستمائة و اثنتان و سبعون سنة فیکون من هبوط آدم الی ابتداء سلیمان بناء بیت المقدس أربعة آلاف و أربعمائة و أربع عشرة سنة و بین عمارة بیت المقدس و الهجرة النبویة ألف و ثمانمائة و قریب من ستین سنة*

وفاة عبد المطلب‌

و من وقائع السنة الثامنة وفاة عبد المطلب و اختلف فی سن عبد المطلب حین مات فقال السهیلی ان عبد المطلب مات و عمره مائة و عشرون سنة* و قال ابن جبیر عمره خمس و تسعون سنة و قیل مائة و عشر سنین و قیل مائة و أربعون سنة و قیل ثنتان و ثمانون سنة ذکر هذه الاقاویل الاربعة الاخیرة مغلطای فی سیرته و قد عمی قبل موته و دفن علی ما ذکره ابن عساکر بالحجون کذا فی شفاء الغرام و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ ابن ثمان سنین و شهر و عشرة أیام کذا فی نور العیون للیعمری* و فی سیرة مغلطای و قیل ثمان سنین و سئل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتذکر موت عبد المطلب قال نعم انا یومئذ ابن ثمان سنین* و فی المواهب اللدنیة و سیرة مغلطای قیل کان ابن تسع سنین و قیل عشر و قیل ست و قیل ثلاث و فیه نظر قالت أمّ أیمن رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبکی خلف جنازة عبد المطلب و فی المنتقی توفی عبد المطلب فی ملک کسری هرمز بن أنوشروان*

کفالة أبی طالب له صلّی اللّه علیه و سلم‌

و من وقائع السنة الثامنة کفالة أبی طالب لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم روی أنه لما مات عبد المطلب کفل أبو طالب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ضمه إلیه و ذلک لان أبا طالب و عبد اللّه أبا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانا من أمّ واحدة و هی فاطمة بنت عمرو و کان الزبیر عمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أیضا من أمّهما لکن کفالة أبی طالب اما بوصیة عبد المطلب و اما لانّ الزبیر و أبا طالب اقترعا فخرجت القرعة لابی طالب و اما لانّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اختار أبا طالب لکثرة مؤانسته و شفقته قیل بل کفله الزبیر حتی مات ثم کفله أبو طالب و هذا غلط لان الزبیر شهد حلف الفضول بعد موت عبد المطلب و لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نیف و عشرون سنة و أجمع العلماء أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شخص مع عمه أبی طالب الی الشام بعد موت عبد المطلب بأقل من خمس سنین فهذا یدل علی أن أبا طالب کفله ذکره ابن الاثیر فی أسد الغابة* و روی أن أبا طالب کان فقیرا و کان یحبه حبا شدیدا و کان لا یحب أولاده کذلک و کان لا ینام الا الی جنسه و یخرج معه متی یخرج* و فی المواهب اللدنیة و قد أخرج ابن عساکر عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مکة و هم فی قحط فقالت قریش یا أبا طالب أقحط الوادی و أجدب العیال و هلکت المواشی فهلم استسق فخرج أبو طالب و معه غلام کأنه شمس دجنّ تجلت عنه سحابة قتماء و ما زال یسعی و الغلام معه فلما صارا بازاء الکعبة و حوله اعیلمة فألصق الغلام ظهره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:254
بالکعبة و لا زال یشیر بإصبعه و ما فی السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا و هاهنا و أغدق و اغدودق و انفجر الوادی و أخصب النادی و البادی و فی ذلک یقول أبو طالب
و أبیض یستسقی الغمام بوجهه‌ثمال الیتامی عصمة للارامل الثمال بکسر المثلثة الملجأ و الغیاث و عصمة الارامل أی یمنعهم من الضیاع و الحاجة و الارامل المساکین من الرجال و النساء و یقال لکل واحد من الفریقین علی انفراده أرمل و هو بالنساء أخص و أکثر استعمالا و الواحد أرمل و أرملة و هذا البیت من أبیات قصیدة لابی طالب ذکرها ابن اسحاق بطولها و هی أکثر من ثمانین بیتا انتهی* و أنشأ أبو طالب فی مدح النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أبیاتا منها هذا البیت
و شق له من اسمه لیجله‌فذو العرش محمود و هذا محمد و حسان بن ثابت ضمن شعره هذا البیت فقال
أ لم تر أن اللّه أرسل عبده‌بآیاته و اللّه أعلی و أمجد
أغر علیه للنبوّة خاتم‌من اللّه مشهود یلوح و یشهد
و ضم الا له اسم النبیّ الی اسمه‌اذا قال فی الخمس المؤذن أشهد
و شق له من اسمه لیجله‌فذو العرش محمود و هذا محمد
نبیّ أتانا بعد یأس و فترةمن الدین و الاوثان فی الارض تعبد
و أرسله ضوأ منیرا و هادیایلوح کما لاح الصقیل المهند و کان اذا أکل عیال أبی طالب جمیعا أو فرادی لم یشبعوا و اذا أکل معهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شبعوا و کان الصبیان یصبحون رمصا شعثا و یصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صقیلا دهینا کحیلا و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبغض حضور الاصنام و الاعیاد مع قومه* روی ان بوانة کانت صنما یحضره قریش فی کل سنة یوما و یعظمونه و یعبدونه و یجعلونه عیدا و تنسک له النسائک و یحلقون رءوسهم عنده و یعکفون عنده الی اللیل و کان أبو طالب یحضره مع قومه و کان یکلم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یحضر ذلک العید مع قومه فیأبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فغضب أبو طالب و أعمامه علیه فلم یزالوا به حتی ذهب فغاب عنهم ما شاء اللّه ثم رجع إلیهم مرعوبا فزعا فقالوا له ما الذی رأیت قال انی کل ما دنوت من صنم منها تمثل لی رجل أبیض طویل یصیح بی وراءک یا محمد لا تمسه فاعاد الی عیدهم بعد ذلک و کان لم یأکل مما ذبح علی النصب و هذا یدل علی أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان یعبد اللّه وحده قبل أن یوحی إلیه لانه کان من ورثة دعوة ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام* قال العلامة الدوانی فی تفسیر قل یأیها الکافرون اختلف الاصولیون فی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هل کان متعبدا بشریعة من قبله أولا فقیل انه کان متعبدا بشریعة موسی و قیل بشریعة عیسی و قیل بشریعة ابراهیم و قیل بشریعة نوح علیهم السلام و قیل انه لم یکن متعبدا فالمختار انه کان متعبدا قبل البعث لما ثبت أنه کان متعبدا فی غار حراء و التعبد لا یکون الا بشریعة لان الحاکم هو الشرع عند أهل الحق و علی مذهب المعتزلة القائلین بحکم العقل الامر أظهر اذ العبادة لا تتوقف علی هذا التقدیر علی شریعة و الحاصل انه کان یتحنث فی غار حراء أی یتعبد اللیالی ذوات العدد فلا جرم تکون هذه العبادة للّه تعالی لا غیر اذ الأنبیاء معصومون عن الکفر قبل البعثة بالاتفاق* روی عن علیّ رضی اللّه عنه أنه قال قیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا رسول اللّه هل عبدت غیر اللّه قال لا قیل فهل شربت خمرا قط قال لا ثم قال ما زلت أعرف ان الذی هم علیه کفر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:255
و ما کنت أدری ما الکتاب و لا الایمان و کذلک سائر الأنبیاء اذ لم ینقل ناقل من المسلمین و لا من أهل الکتاب ان أحدا من الأنبیاء کان یعبد سوی اللّه تعالی قبل أن یوحی إلیه* و ورد فی تفسیر قوله تعالی و وجدک ضالا فهدی أی غیر مهتد الی تفاصیل الملة الحنیفیة و کان یسمع بأنها ملة أبیه ابراهیم الخلیل فطفق یطلبها و لا یهتدی الی تفاصیلها فهداه اللّه منها الی سواء السبیل و کان موسی مؤمنا حین قتل القبطی باخبار اللّه ایانا فقال تعالی قال رب انی ظلمت نفسی فاغفر لی فغفر له و قال رب بما أنعمت علیّ فلن أکون ظهیرا للمجرمین ثم أخبر عنه قال فعلتها اذا و أنا من الضالین فعلمنا ان ضلاله کان من شرائع الاحکام الحلال و الحرام و التکالیف التی لا تعرف الا بتوفیق و کان العلم بتفاصیل الشرائع قد درس فی عصر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یذهب بالتوحید علی جماعة منهم ورقة بن نوفل و زید بن نفیل و أبو ذرّ الغفاری و کان منهم أمیة بن أبی الصلت فارتدّ و عتبة بن ربیعة ثم ارتدّ و أبو عامر الراهب بن صیفی ثم ارتدّ حسدا للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم*

موت حاتم الطائی و موت کسری أنوشروان‌

و من وقائع هذه السنة موت حاتم الطائی و هو حاتم بن عبد اللّه ابن سعد بن الحشرج بن امرئ القیس و هو حاتم المشهور الذی یضرب به المثل فی الجود و الکرم* و من وقائع هذه السنة موت کسری أنوشروان و ولایة ابنه هرمز السلطنة* و فی نظام التواریخ کان هرمز بن أنوشروان ملکا ذا عدل و رأی و لکن کان یستحقر الناس ذوی الحسب و النسب و یولی الاراذل و الدون و کان ملکه احدی عشرة سنة و أربعة أشهر و قیل قبر أنوشروان بالجبل الاحمر* و من وقائع السنة التاسعة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ما جاء فی بعض الروایات أن أبا طالب خرج برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی بصری من الشام و هو ابن تسع سنین* و فی معجم ما استعجم بصری بضم أوّله و اسکان ثانیه و فتح الراء المهملة مدینة حوران*

ذکر حرب الفجار

و من وقائع السنة العاشرة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم الفجار الاوّل و هو قتال بعکاظ و کان الحرب فیه ثلاثة أیام و فی دلائل النبوّة الفجار اثنان أما الفجار الاوّل فکانت وقعته و لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عشر سنین و کانت الحرب فیه ثلاث مرات أما المرّة الاولی فسببها ان بدر بن مغیث الغفاری ممن کان یفخر علی الناس فبسط یوما رجله و قال أنا أعز العرب فمن زعم أنه أعز منی فلیضربها بالسیف فوثب رجل من بنی نضر بن معاویة یقال له الاحمر بن مازن فضربه بالسیف علی رکبته و اندرها فاقتتلوا* و أما المرّة الثانیة فکان سببها ان امرأة من بنی عامر کانت جالسة بسوق عکاظ فطاف بها شاب من قریش من بنی کنانة و کان معه وفقة فسألوها أن تکشف عن وجهها فأبت فقام أحدهم فجلس خلفها فعقد طرف درعها الی ما فوق عجزها بشوکة فلما قامت انکشف دبرها فضحکوا منها فقالوا منعتینا النظر الی وجهک وجدت لنا بالنظر الی دبرک و جاء مثلها فی سبب غزوة بنی قینقاع أیضا کما سیجی‌ء فی الموطن الثانی فنادت المرأة یا آل عامر فثاروا بالسلاح و اقتتلوا مع بنی کنانة فوقع بینهما دم فتوسطها حرب بن أمیة و أرضی بنی کنانة من مثلة صاحبهم* و أما المرّة الثالثة فکان سببها انه کان لرجل من بنی جشم بن عامر دین علی رجل من بنی کنانة فلواه به فجرت بینهما خصومة فاقتتل الحیان و حمل بن جدعان ذلک فی ماله و کان ذا مال و ثروة و سنذکر سبب ثروته و هذه الایام لم یحضرها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أما الفجار الآخر فحضر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعض أیامه کما سیجی‌ء فی الباب الثانی فی حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلی اللّه علیه و سلم*

سبب ثروة عبد اللّه بن جدعان‌

و أما سبب ثروة عبد اللّه بن جدعان فانه کان فی ابتداء أمره صعلوکا ترب الیدین و کان مع ذلک شریرا فاتکا لا یزال یجنی الجنایات فیعقل عنه أبوه و قومه حتی أبغضته عشیرته و نفاه أبوه و حلف أن لا یؤویه أبدا فخرج فی شعاب مکة حائرا مائرا یتمنی الموت أن ینزل به فرأی شقا فی جبل فظنّ أنّ فیه حیة فتعرض للشق یرجو أن یکون فیه ما یقتله فیستریح فلم یر شیئا فدخل فیه فاذا فیه ثعبان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:256
عظیم له عینان یتقد ان کالسراج فحمل علیه الثعبان فتقدّم فأفرج إلیه فانساب إلیه مستدیرا بدارة عند بیت ثم خطا خطوة أخری فصفر به الثعبان فأقبل إلیه کالسهم فأفرج له فانساب عنه فوقف ینظر و یتفکر فی أمره فوقع فی نفسه انه مصنوع فأمسکه بیده فاذا هو مصنوع من ذهب و عیناه یاقوتتان فکسره و أخذ عینیه و دخل البیت فاذا جثث طوال علی سریر لم یر مثلهم طولا و لا عظما و عند رءوسهم لوح من فضة فیه تاریخهم فاذا هم رجال من ملوک حمیر و آخرهم موتا الحارث بن مضاض صاحب العذبة الطویلة فاذا علیهم ثیاب من وشی لا یمس منها شی‌ء الا انتثر کالهباء من طول الزمان مکتوب فی اللوح عظات* قال ابن هشام کان اللوح من رخام و کان فیه آنا نفیلة بن عبد المدان ابن حشرم بن عبد یالیل بن جرهم بن فحطان بن نبیّ اللّه هود عشت خمسمائة عام و قطعت غور الارض باطنها و ظاهرها فی طلب الثروة و المجد و الملک فلم یکن ذلک ینجینی من الموت و اذا فی وسط البیت کوم عظیم من الیاقوت و اللؤلؤ و الذهب و الفضة و الزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم الشق بعلامة و أغلق بابه بالحجارة و أرسل الی أبیه بالمال الذی خرج به منه یسترضیه و یستعطفه و وصل عشیرته کلهم فسادهم و جعل ینفق من ذلک الکنز و یطعم الناس و یفعل المعروف و کانت جفنته یأکل منها الراکب علی البعیر و سقط فیها صبی فغرق و مات*

نفیسة

و فی غریب الحدیث لابن قتیبة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال کنت استظل بجفنة عبد اللّه بن جدعان صکة عمی یعنی فی الهاجرة و سمیت الهاجرة صکة عمی لخبر ذکره أبو حنیفة و هو أن عمیا رجل من عدوان و قیل من ایاد و کان فقیه العرب فی الجاهلیة فقدم فی قوم معتمرا أو حاجا فلما کان علی مرحلتین من مکة قال لقومه و هم فی وسط الظهیرة من أتی مکة غدا فی مثل هذا الوقت کان له أجر عمرتین فصکوا الابل صکة شدیدة حتی أتوا مکة من الغد و عمی تصغیر أعمی علی الترخیم و حذف الزائدة فسمیت الظهیرة صکة عمی و عبد اللّه بن جدعان تیمی یکنی أبا زهیر و هو ابن عمّ عائشة أمّ المؤمنین قالت عائشة رضی اللّه عنها یا رسول اللّه انه کان یطعم الطعام و یقری الضیف و یفعل المعروف هل ینفعه ذلک یوم القیامة قال صلّی اللّه علیه و سلم انه لم یقل یوما رب اغفر لی خطیئتی یوم الدین کذا قاله السهیلی فی الروض الانف* و فی کتاب ریّ العاطش و أنس الواحش لاحمد بن عمار أن ابن جدعان ممن حرّم الخمر فی الجاهلیة بعد ان کان بها مغری و ذلک انه سکر لیلة فصار یمدّ یده و یقبض علی ضوء القمر لیأخذه فضحک منه جلساؤه فأخبر بذلک حین صحا فحلف أن لا یشربها أبدا فلما کبر و هرم أراد بنو تیم أن یمنعوه من تبذیر ماله و لاموه فی العطاء فکان یدعو الرجل فیدنو فاذا دنا منه لطمه لطمة خفیفة ثم یقول له قم فانشد لطمتک و اطلب دیتها فاذا فعل ذلک أعطته بنو تیم من مال ابن جدعان کذا فی حیاة الحیوان* و مما یناسب صکة عمی رمی البعرة علی رأس الحول عن أمّ سلمة تقول جاءت امرأة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان ابنتی توفی عنها زوجها و قد اشتکت عیها أ فنکحلها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا مرّتین أو ثلاثا کل ذلک یقول لا ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما هی أربعة أشهر و عشر و قد کانت إحداکنّ فی الجاهلیة ترمی بالبعرة علی رأس الحول قالت زینب کانت المرأة اذا توفی عنها زوجها دخلت حفشا و لبست شری ثیابها و لم تمس طیبا حتی تمرّ بها سنة ثم تؤتی بدابة حمار أو شاة فتقتض به فقلما تقتض بشی‌ء الا مات ثم تخرج فتعطی بعرة فترمی بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طیب أو غیره الحفش بکسر الحاء و سکون الفاء البیت الصغیر جدّا سئل مالک ما معنی تقتض قال تمسح به جلدها کذا فی صحیح البخاری*

أول ما رأی علیه السلام من أمر النبوّة

و من وقائع السنة الحادیة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ما روی عن أبی بن کعب ان أبا هریرة سأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان جریا أن یسأل عن أشیاء لا یسأله عنها غیره فقال یا رسول اللّه ما أوّل ما رأیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:257
من أمر النبوّة فاستوی جالسا و قال قد سألت یا أبا هریرة انی لفی صحراء ابن عشر سنین و أشهر و اذا بکلام فوق رأسی فاذا برجل یقول لرجل هو هو فاستقبلانی بوجوه لم أرها لخلق قط و أرواح لم أجدها من خلق قط و ثیاب لم أرها علی خلق قط فأقبلا الیّ یمشیان حتی أخذ کل واحد منهما بعضدی لا أجد لاحدهما مسا فقال أحدهما لصاحبه اضجعه فأضجعانی بلا قصر و لا هصر فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره فنجد أحدهما الی صدری ففلقه فیما أری بلا دم و لا وجع فقال له أخرج الغل و الحسد فأخرج شیئا کرضة العلقة ثم نبذها فقال له أدخل الرأفة و الرحمة فاذا مثل الذی اخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلی فقال اعد و اسلم فرجعت أعدو رأفة علی الصغیر و رحمة علی الکبیر و اللّه أعلم‌

* (الباب الثانی فی الحوادث من السنة الثانیة عشر الی السنة الرابعة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم‌

اشارة

من ارتحال أبی طالب معه الی الشام و ذکر رعیه الغنم و الفجار الثانی و عزم الزبیر ابن عبد المطلب أو العباس لسفر الیمن و خلع هرمز من السلطنة و قتل هرمز و تولی کسری برویز السلطنة و الفجار الثانی عند البعض و ولادة عمر بن الخطاب و صحبته صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر یرید ان الشام و حلف الفضول و شکایته الی عمه أبی طالب من آت یأتیه منذ لیال و هدم الکعبة و بنائها عند بعض العلماء)*

* خروجه علیه السلام مع أبی طالب الی الشام‌

و من حوادث السنة الثانیة عشر من مولده علیه السلام ارتحال أبی طالب معه الی الشام* فی حیاة الحیوان خرج أبو طالب معه الی الشام و هو ابن اثنتی عشرة سنة* و فی المواهب اللدنیة و لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اثنتی عشرة سنة خرج مع عمه أبی طالب الی الشام* و قال ابن الاثیر فی أسد الغابة انّ أبا طالب سار الی الشام و أخذ معه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان عمره اثنتی عشرة سنة و قیل تسع سنین و الاوّل أکثر* و فی الصفوة قال أهل السیر و التواریخ لما أتت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اثنتا عشرة سنة و شهران و عشرة أیام* و فی سیرة مغلطای و شهر و قیل لعشر خلون من ربیع الاوّل سنة ثلاث عشرة من الفیل ارتحل به أبو طالب الی الشام و کذا فی سیرة الیعمری فیکون خروجه علی هذا فی السنة الثالثة عشر و کان أبو طالب لم یرد أن یذهب به معه لکن لما تهیأ للرحیل و أجمع للسیر هبّ له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذ بزمام ناقته و قال یا عم الی من تکلنی لا أب لی و لا أم فرق له أبو طالب فقال و اللّه لأخرجن به معی و لا یفارقنی و لا أفارقه أبدا فخرج به معه و ذلک فی المرة الاولی فسار الرکب حتی نزلوا قریة من قری الشام یقال لها کفر و منها الی بصری ستة أمیال أو ثمانیة و کان یسکنها راهب یقال له بحیرا بفتح الموحدة و کسر المهملة و سکون التحتیة آخره راء مقصورة قاله الذهبی رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل البعث و آمن به ذکره ابن منده و أبو نعیم فی الصحابة* و قال السهیلی وقع فی سیرة الزهری انه کان حبرا من یهود تیما* و فی المسعودی انه کان من عبد القیس و اسمه جرجیس و یکون فی صومعة له و لذا اشتهرت تلک القریة بدیر بحیرا و کان ذا علم فی النصرانیة و لم یزل فی تلک الصومعة راهب من علماء النصاری یصیر إلیه علمهم عن کتاب یدرسونه فیما یزعمون یتوارثونها کابرا عن کابر فلما نزلوا ببحیر انزلوا منزلا قریبا من صومعته قد کانوا ینزلونه قبل ذلک کلما مرّوا به و لا یکلمهم بحیرا حتی اذا کان ذلک العام و نزلوه صنع لهم طعاما ثم دعاهم و انما حمله علی دعائهم انه رأی حین طلعوا علی تلک الاماکن غمامة تظل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بین القوم حتی نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الی تلک الغمامة أظلت تلک الشجرة و أخصت أغصان تلک الشجرة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین استظل تحتها فلما رأی بحیرا ذلک نزل من صومعته و أمر بالطعام فأرسل إلیهم فقال صنعت لکم طعاما یا معشر قریش
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:258
و أنا أحب أن تحضروه کلکم و لا یتخلف منکم صغیر و لا کبیر و لا حر و لا عبد فانّ هذا شی‌ء تکرموننی به فقال رجل ان لک لشأنا یا بحیرا ما کنت تصنع بنا هذا قبل فما شأنک الیوم فقال انی أحببت أن أکرمکم فلکم حق علیّ فاجتمعوا إلیه و تخلف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بین القوم فی رحالهم تحت الشجرة لحداثة سنه اذ لیس فی القوم أصغر منه فلما نظر بحیرا الی القوم و لم یر الصفة التی یعرفها و یجدها عنده و جعل ینظر فلا یری الغمامة علی أحد من القوم و یراها متخلفة فوق الشجرة علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا معشر قریش فلا یتخلفن أحد منکم عن طعامی قالوا ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا فی الرحال فقال ادعوه فلیحضر طعامی فما أقبح أن تحضروا و یتخلف رجل واحد منکم مع انی أراه من أنفسکم فقال القوم هو و اللّه من أوسطنا نسبا و هو ابن أخی هذا الرجل یعنون أبا طالب و هو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب فقال و اللّه ان کان من اللؤم أن یتخلف ابن عبد المطلب من بیننا ثم احتضنه الحارث و أقبل به حتی أجلسه علی الطعام و الغمامة تسیر علی رأسه و جعل بحیرا یلحظه لحظا شدیدا و ینظر الی أشیاء فی جسده قد کان یجدها عنده فی صفته فلما تفرّقوا عن الطعام قام إلیه الراهب فقال یا غلام أسألک بحق اللات و العزی الا أخبرتنی عما أسألک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تسألنی باللات و العزی فو اللّه ما أبغضت شیئا بغضهما قال باللّه الا أخبرتنی عما أسألک عنه قال سلنی عما بدا لک فجعل یسأله عن أشیاء من حاله حتی نومه فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخبره فیوافق ذلک ما عنده ثم جعل ینظر بین عینیه ثم کشف عن ظهره فرأی خاتم النبوّة بین کتفیه علی الصفة التی عنده فقبل موضع الخاتم قالت قریش ان لمحمد عند الراهب لقدرا و جعل أبو طالب یخاف علی ابن أخیه لما یری من الراهب قال الراهب لابی طالب ما هذا الغلام منک قال ابنی قال ما هو ابنک و ما ینبغی لهذا الغلام أن یکون أبوه حیا قال ابن أخی قال فما فعل أبوه قال هلک و أمّه حبلی قال فما فعلت أمّه قال توفیت قریبا قال صدقت ارجع بابن أخیک الی بلده و احذر علیه الیهود فو اللّه لئن رأوه و عرفوا منه ما أعرف لیقصدنّ قتله فانه کائن لابن أخیک هذا شأن عظیم نجده فی کتبنا و ما روینا عن آبائنا و اعلم انی قد أدّیت إلیک النصیحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سریعا و کان رجال من الیهود قد رأوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عرفوا صفته فأرادوا أن یغتالوه فذهبوا الی بحیرا فذاکروه أمره فنهاهم أشد النهی و قال لهم أ تجدون صفته قالوا نعم قال فما لکم إلیه سبیل فصدّقوه و ترکوه و رجع أبو طالب الی مکة سالما فما خرج به سفرا بعد ذلک خوفا علیه کذا فی المنتقی* و فی المشکاة عن أبی موسی قال خرج أبو طالب الی الشام و خرج معه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی أشیاخ من قریش فلما أشرفوا علی الراهب هبطوا فحلوا رحالهم و هبط إلیهم الراهب و کانوا قبل ذلک یمرّون به فلا یخرج إلیهم قال فهم یحلون رحالهم فجعل یتخللهم الراهب حتی جاء فأخذ بید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال هذا سید العالمین هذا رسول رب العالمین یبعثه رحمة للعالمین فقال له أشیاخ قریش ما علمک فقال انکم حین أشرفتم من العقبة لم یبق شجر و لا حجر الا خرّ ساجدا و لا یسجدان الا لنبیّ و انی أعرفه بخاتم النبوّة أسفل من غضروف کتفه مثل التفاحة ثم رجع و صنع لهم طعاما فلما أتاهم به و کان هو فی رعیة الابل فقال ارسلوا إلیه فأقبل و علیه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا الی فی‌ء شجرة فلما جلس مال فی‌ء الشجرة علیه فقال انظروا الی فی‌ء الشجرة مال علیه فقال أنشدکم باللّه أیکم ولیه قالوا ابو طالب فلم یزل یناشده حتی ردّه أبو طالب و بعث معه أبو بکر بلالا و زوّده الراهب من الکعک و الزیت رواه الترمذی* و فی حیاة الحیوان قال الحافظ الدمیاطی و فی الحدیث و هم فی قوله بعث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:259
معه أبو بکر بلالا اذ لم یکونا معه و لم یکن بلال أسلم و لا ملکه أبو بکر بل کان أبو بکر حینئذ لم یبلغ عشر سنین و لم یملک أبو بکر بلالا الا بعد ذلک بأکثر من ثلاثین سنة و کذا ضعفه الذهبی* قال ابن حجر رجال هذا الحدیث ثقات و لیس فیه منکر سوی قوله و بعث معه أبو بکر بلالا فیحمل علی انه مدرج فیه مقتطعة من حدی آخر و هما من أحد رواته* و فی المواهب اللدنیة قال الذهبی فی تجرید الصحابة انّ بحیرا رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل البعث و آمن به و ذکره ابن منده و أبو نعیم فی الصحابة و هذا کما سبق یبتنی علی تعریفهم الصحابة بمن رآه صلّی اللّه علیه و سلم و هل المراد حال النبوّة أو أعم من ذلک حتی یدخل فیه من رآه قبل النبوّة و مات قبلها علی دین الحنیفیة و هو محل نظر*

(ذکر رعیه صلی اللّه علیه و سلم الغنم)

* فی الصفوة عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ما بعث اللّه نبیا إلّا رعی الغنم فقال أصحابه و أنت قال نعم کنت أرعاها علی قراریط لأهل مکة انفرد باخراجه البخاری و قد رواه سعید بن أبی أحیحة فقال فیه کنت أرعاها لأهل مکة بالقراریط* قال سوید بن سعید یعنی کل شاة بقیراط* و قال الجریری القراریط موضع و لم یرد بذلک القراریط من الفضة و ذکر مغلطای رعیه الغنم فی سیرته فی سنة عشرین و قال کان یرعی غنم أهله بأجیاد علی قراریط

* ولادة عمر رضی اللّه عنه‌

و فی السنة الثالثة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ولد عمر بن الخطاب و فی الاستیعاب ولد عمر بعد الفیل بثلاث عشرة سنة* و روی أسامة بن زید بن أسلم عن أبیه عن جدّه قال سمعت عمر یقول ولدت قبل الفجار الاعظم بأربع سنین* و فی بعض الکتب أورد ولادة عمر فی سنة احدی و عشرین من مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کذا یفهم من کلام صاحب الصفوة*

حرب الفجار الآخر

و من حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم الفجار الآخر* قال ابن هشام لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بین قریش و من معها من کنانة و بین قیس عیلان و هو من أعظم أیام العرب و کان الذی أهاجها ان عروة الرحال بن عتیبة بن ربیعة بن جعفر بن کلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة بن معاویة بن بکر بن هوازن أجار لطیمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قیس أحد بنی ضمرة بن بکر بن عبد منات بن کنانة أ تجیرها علی کنانة قال نعم و علی الخلق فخرج عروة الرحال و خرج البراض یطلب غفلته حتی اذا کان بتیمن ذی ظلال بالعالیة غفل عروة فوثب علیه البراض فقتله فی الشهر الحرام فلذلک سمی الفجار فأتی آت قریشا فقال انّ البراض قد قتل عروة و هو فی الشهر الحرام بعکاظ فارتحلوا و هوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدرکوهم قبل أن یدخلوا الحرم فاقتتلوا حتی جاء اللیل و دخلوا الحرم فأمسکت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا الیوم أیاما عدیدة و القوم یتساندون و علی کل قبیل من قریش و کنانة رئیس منهم و علی کل قبیل من قیس رئیس منهم و شهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعض أیامهم و هو یوم النخلة و هو من أعظم أیام الفجار و کذا فی أسد الغابة لابن الاثیر أخرجه أعمامه معهم و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کنت أنبل علی أعمامی یوم الفجار ای کنت أناولهم النبل و أردّ علیهم نبل عدوّهم اذا رموهم بها و یحفظ متاعهم و کان لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ أربع عشرة سنة و یقال عشرین سنة کذا فی دلائل النبوّة* قال ابن اسحاق هاجت حرب الفجار و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن عشرین سنة و قد حضره و رمی فیه مع أعمامه بأسهمهم و انما سمی حرب الفجار بما استحل هذان الحیان یعنی کنانة و قیس عیلان فیه من المحارم بینهم و کان قائد قریش و کنانة حرب بن أمیة بن عبد شمس فکان الظفر فی أوّل النهار لقیس علی کنانة حتی اذا کان وسط النهار کانت الظفر لکنانة علی قیس* قال ابن اسحاق کان الفجار الآخر بعد الفیل بعشرین سنة فلم یکن فی الحرب یوم أعظم و لا أذهب ذکرا فی الناس منه وقع بین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:260
قریش و الفها من کنانة و بین قیس عیلان فالتقوا بعکاظ کذا فی شفاء الغرام و قیل انه شهد یوم شمطة أیضا و هو من أعظم أیام الفجار و کانت الهزیمة فیه علی قریش و هذا لیس بشی‌ء کذا فی أسد الغابة* و فی السنة الخامسة عشر من مولده علیه السلام ولد أبو طلحة الانصاری کذا فی سیرة مغلطای* و من حوادث السنة السادسة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم عزم الزبیر بن عبد المطلب أو العباس لسفر الیمن للتجارة و لما تهیأ لذلک التمس من أبی طالب أن یبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم معه رجاء أن یناله من برکته فبعثه أبو طالب مع عمه الی الیمن و رأی منه فی الطریق کثیرا من الخوارق کذا فی روضة الاحباب* و فی السنة السابعة عشر ولد حاطب بن أبی بلتعة* و من حوادث هذه السنة انه وثب العظماء و الاشراف بالمدائن و خلعوا هرمز لظلمه و سملوا عینیه و ترکوه* و فی السنة الثامنة عشر ولد خباب بن الارت و محمد بن مسلمة الانصاری کذا فی سیرة مغلطای* و من حوادث السنة التاسعة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم قتل هرمز الظالم بن أنوشروان العادل بعد خلعه و کانت ولایة هرمز احدی عشرة سنة و سبعة أشهر و عشرة أیام و قیل اثنتی عشرة سنة*

ولایة کسری برویز

و فی هذه السنة تولی الملک کسری برویز بن هرمز بن أنوشروان بن قباد من الملوک الساسانیة و هم أحد و ثلاثون ملکا و مدّة ملکهم خمسمائة و سبع و عشرون سنة و معنی برویز بالعربیة المظفر و الفرس یسمونه خسرو* و لما تقر ملکه قتل الذین قتلوا أباه هرمز و الغرس بالغوا فی ملکه و سلطنته لکن الروایة المعتمد علیها مثل روایة حمزة الاصبهانی و غیره انها کانت له احدی عشرة ألف جوار من المطربة و الخدمة و ستة آلاف خادم و حارس و عشرین ألفا و خمسمائة من الافراس البراذن و العربیة و الزومیة و بغال الرکوب و تسعمائة و ستین فیلا فی حضرته سوی التی کانت فی البلاد و الامصار و أطراف مملکته* و فی حیاة الحیوان ان کسری برویز کان له خمسون ألف دابة و اثنا عشر ألف زوجة و قیل ثلاثة آلاف امرأة و حین یرکب کان یمشی معه مائتا ألف انسان معهم المجامر و المعاطر یشم منها الروائح الطیبة و المشمومات العبقة و کان له ألف ممن یحملون الماء مع دوابهم معدین لرش الماء فی طرقه لاطفاء الغبار و کان رجلا حسن الوجه حسن الشمائل شجاعا ذا قوّة بدنیة و شهوانیة و کانت له قطعة ذهب لین قابل للتشکل بأشکال مختلفة کالشمعة یصنع منها ما یرید من الاشکال من غیر مساس النار و کانت له قصعة اذا شرب ماؤها تمتلئ بنفسها من غیر أن یملأها أحد و کانت عنده مثال ید و کف من عاج لها خمس أصابع منبسطة و حین ولادة مولود له یلقی ذلک العاج فی الماء فاذا ولد المولود تنقبض أصابع العاج فتعرف ولادته فیخرج المنجم طالع المولود و لا یحتاج الی أن یسأل عن ولادته أحدا قیل فی عهده ولد الفیل بخراسان و لم یکن هناک للفیل ولادة* روی انه أصاب کنزا أتی به الریح و قصته انها وقعت بین کسری و قیصر مخالفة فقصد کسری ملکه و سار إلیه حتی نزل ساحل البحر فخاف قیصر و حمل خزائن آبائه و أجداده فی السفن فأدّتها الریح الی کسری و لما مضی من ملکه تسع عشرة أو عشرون سنة نزل الوحی الی نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و لما مضی من النبوّة تسع عشرة سنة کتب إلیه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و دعاه الی الاسلام فأبی و مزق الکتاب فلما سمع النبیّ علیه السلام بذلک دعا علیه فقال مزق اللّه ملکه کما مزق کتابی فوقع فی ملکه تزلزل و فتنة فخرج علیه ابنه شیرویه و قتله و مدّة ملکه ثمان و ثلاثون سنة و سیجی‌ء فی الموطن السادس فی ارسال الرسل الی ملوک الاطراف* و من حوادث سنة عشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم حرب الفجار الثانی عند بعض الرواة فی شوّال و قد سبق ذکره*

صحبة أبی بکر للنبی فی تجارة الی الشام‌

و من وقائع هذه السنة ما روی عن ابن عباس ان أبا بکر رضی اللّه عنهما صحب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو ابن ثمانی عشرة سنة و النبیّ صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:261
علیه و سلم ابن عشرین سنة و هم یریدون الشام فی تجارة حتی نزلوا منزلا فیه سدرة فجلس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ظلها و مضی أبو بکر الی راهب یقال له بحیرا یسأله عن شی‌ء فقال من الرجل الذی فی ظل السدرة قال أبو بکر ذلک محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب فقال بحیرا هو و اللّه نبیّ ما استظلّ تحتها بعد عیسی ابن مریم الا محمد فوقع فی قلب أبی بکر الیقین و التصدیق قبل ما نبئ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی هذا السفر هو الذی کان مع أبی طالب فان أبا بکر حینئذ کان معه*

ذکر حلف الفضول‌

و فی هذه السنة وقع حلف الفضول و ذلک ان قریشا کانت تتظالم فی الحرم فقام عبد اللّه بن جدعان و الزبیر بن عبد المطلب فدعوا الناس الی التحالف علی التناصر و الاخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما و تحالفوا فی دار ابن جدعان و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شهدت حلفا فی دار ابن جدعان ما أحب أنّ لی به حمر النعم و لو دعیت لاجبت فقال قوم من قریش هذا و اللّه فضل من الحلف فسمی حلف الفضول* و قال آخرون تحالفوا علی مثال حلف تحالف علیه قوم من جرهم فی هذا الامر أن لا یروا ظلما ببطن مکة الا غیروه و أسماؤهم الفضیل بن شراعة و الفضل بن قضاعة و الفضل بن بضاعة* قال ابن الجوزی و انما سمی حلف الفضول لانه کان رجال یردّون المظالم یقال لهم فضیل و فضال و مفضل و فضل فلذلک سمی حلف الفضول* و عن حکیم بن حزام أنه قال کان حلف الفضول منصرف قریش من الفجار و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حینئذ ابن عشرین سنة و قیل کان الفجار فی شوّال هذه السنة و هذا الحلف فی ذی القعدة و کان أشرف حلف قط*

شکواه علیه السلام الی عمه أبی طالب مما یأتیه‌

و من حوادث هذه السنة ما روی أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شکی الی عمه أبی طالب و هو یومئذ ابن عشرین سنة فقال یا عمّ انی منذ لیال یأتینی آت معه صاحبان له فینظرون الیّ و یقولون هو هو و لم یأن له فقد هالنی ذلک فقال یا ابن أخی لیس بشی‌ء حلمت ثم رجع إلیه بعد ذلک فقال یا عمّ سطا بی الرجل الذی ذکرت لک فأدخل یده فی جوفی حتی انی لأجد بردها فخرج به عمه أبو طالب الی رجل من أهل الکتاب یتطبب بمکة فحدّثه حدیثه و قال عالجه فصوّب به الرجل و صعد و کشف عن قدمیه و نظر بین کتفیه و قال یا عبد مناف ابنک هذا طیب للخیر فیه علامات ان ظفرت به الیهود قتلته و لیس المرئی من الشیطان و لکنه من النوامیس الذی ینجسون القلوب للنبوّة فرجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رأی فی منامه أنّ رجلا وضع یده علی منکبیه ثم أدخل یده و أخرج قلبه ثم قال طیب فی جسد طیب ثم ردّه فاستیقظ* و قال صلّی اللّه علیه و سلم ثم رأیت و أنا نائم سقف البیت الذی أنا فیه نزعت منه خشبة و أدخل فیه سلم و نزل منه الیّ رجلان فجلس أحدهما جانبا و الآخر الی جنبی ثم استخرج قلبی فقال نعم القلب قلبه قلب رجل صالح و نبیّ مبلغ ثم ردّا قلبی مکانه و ضلعی فاستیقظت و السقف علی حاله* و فی سنة اثنتین و عشرین من مولده علیه السلام ولد ابن مسعود و فی سنة ثلاث و عشرین ولد سعد بن أبی وقاص و فی سنة أربع و عشرین ولد الزبیر فیما قاله العقبی کذا فی سیرة مغلطای* و من حوادث السنة الثالثة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم هدم الکعبة و بناؤها فی قول بعض العلماء کما سیجی‌ء

* (الباب الثالث فی الحوادث من السنة الخامسة و العشرین الی السنة الاربعین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم‌

اشارة

من خروجه الی الشام فی المرّة الثانیة مع میسرة عبد خدیجة و قصة نسطور الراهب و تزوّج خدیجة و ولیمته و ذکر سائر أزواجه اجمالا و ذکر سراریه و أولاده* و تزویج بناته و أختانه و هدم قریش الکعبة و بنائها و ولادة فاطمة و موت زید بن عمرو بن نفیل و رؤیته الضوء و النور و قتل کسری برویز النعمان بن المنذر)*

* خروجه علیه السلام مع میسرة الی الشام‌

و فی السنة الخامسة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم خروجه الی الشام فی المرّة الثانیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:262
مع میسرة عبد خدیجة لاربع عشرة لیلة بقیت من ذی الحجة و تزوّجها بعد ذلک شهرین و خمسة و عشرین یوما فی عقب صفر سنة ست و عشرین* روی أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما بلغ خمسا و عشرین سنة قال له أبو طالب أنا رجل معیل لا مال لی و قد اشتدّ الزمان و هذه عیر قومک قد حضر خروجها الی الشام و خدیجة بنت خویلد تبعث رجالا من قومک فی تجارتها فلو ذهبت إلیها و قلت لها فی ذلک لعلّها تقبل و بلغ خدیجة ذلک فأرسلت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ذلک و قالت أعطیک ضعف ما أعطی رجلا من قومک* و فی روایة أتاها أبو طالب فقال لها هل لک أن تستأجری محمدا فقد بلغنا انک استأجرت فلانا ببکرین و لسنا نرضی لمحمد دون أربع بکرات فقالت خدیجة لو سألت ذلک لبعید بغیض فعلنا فکیف و قد سألت لحبیب قریب فقال أبو طالب للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا رزق ساقه اللّه إلیک فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع غلامها میسرة* و فی روایة کانت بین خزیمة بن حکیم السلمی ثم البهزی و بین خدیجة قرابة فوجهته مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و غلام لها یقال له میسرة فی تجارة الی بصری من أرض الشأم فساروا حتی اذا کانوا بین الشام و الحجاز أعیا علی میسرة بعیران لخدیجة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أوّل الرکب فخاف میسرة علی نفسه و علی البعیرین فانطلق یسعی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بذلک فأقبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی البعیرین فوضع یده علی أخفافهما و عوّذهما فانطلق البعیران یسعیان فی أوّل الرکب و لهما رغاء فلما رأی خزیمة ذلک علم أنّ له شأنا عظیما فحرص علی ملازمته و محافظته فلما دخلوا الشأم نزلوا بصری عند صومعة بحیرا و کان فیها یومئذ راهب من رهبان الشأم یقال له نسطور فنزل الناس متفرّقین و نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تحت شجرة یابسة نخر عودها و لما اطمأنّ تحتها اخضرت و أنورت و اعشوشب ما حولها و أینع ثمرها و تدلت أغصانها فرفرفت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان ذلک بعین الراهب فلم یتمالک أن انحدر من صومعته و قال له باللات و العزی ما اسمک فقال إلیک عنی ثکلتک أمّک ما تکلمت العرب بکلمة أثقل علیّ من هذه الکلمة و کان ذلک مکرا من الراهب و کان معه حین نزل من صومعته رق أبیض فجعل ینظر فیه مرّة و الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أخری ثم أکب ینظر فیه ملیا فقال هو هو و منزل الانجیل فلما سمع ذلک خزیمة ظنّ أنّ الراهب یرید بالنبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکرا فأخذ بمقبض سیفه فانتزعه و جعل یصیح بأعلی صوته یا آل غالب یا آل غالب فأقبل الناس یهرعون إلیه من کل ناحیة یقولون ما الذی راعک ما الذی أفزعک فلما نظر الراهب الی ذلک أقبل یسعی الی صومعته فدخل فیها و أغلق علیه بابها ثم أشرف علیهم فقال یا قوم ما الذی راعکم منی فو الذی رفع السموات بغیر عمد ما نزل بی رکب هو أحب الیّ منکم و انی لا جد فی هذه الصحیفة أنّ النازل تحت هذه الشجرة و أشار بیده الی الشجرة التی تحتها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هو رسول رب العالمین یبعثه اللّه بالسیف المسلول و بالذبح الاکبر و هو خاتم النبیین فمن أطاعه نجا و من عصاه غوی ثم أقبل علی خزیمة فقال ما تکون من هذا الرجل أرجلا من قومه قال لا و لکن خادم له و حدّثه بحدیث البعیرین فقال له الراهب أیها الرجل انه النبیّ الذی یبعث فی آخر الزمان و انی أجد فی هذه الصحیفة أنه یظهر علی البلاد و ینصر علی العباد و لا تردّ له رایة و لا تدرک له غایة و انّ له أعداء أکثرهم الیهود أعداء اللّه فاحذرهم علیه فأسرّ خزیمة ذلک فی نفسه ثم أقبل الراهب علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد انی لأری فیک شیئا ما رأیته فی أحد من الناس انی لأحسبک النبیّ الذی یخرج من تهامة و انک لصریح فی میلادک و لأمین فی أنفس قومک و انی لاری علیک محبة من الناس و انی مصدّقک فی قولک و ناصرک علی عدوّک فانطلق الرکب یؤمّون الشأم ثم باع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:263
النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سلعته فوقع بینه و بین رجل نزاع فقال له الرجل احلف باللات و العزی فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما حلفت بهما قط و انی لأمر فأعرض عنهما فقال الرجل القول قولک ثم قال لمیسرة هذا و اللّه نبیّ تجده أحبارنا منعوتا فی کتبهم و کان میسرة اذا کانت الهاجرة و اشتدّ الحریری ملکین یظلان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الشمس و کان اللّه قد ألقی علیه المحبة من میسرة و کان کأنه عبد له فوعی ذلک کله میسرة فباعوا تجارتهم و ربحوا ضعف ما کانوا یربحون فلما رجعوا و کانوا بمرّ الظهران تقدّم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دخل مکة فی وقت الظهیرة و خدیجة فی علیة لها فرأت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو علی بعیره و ملکان یظلان علیه فأرته النساء فعجبن لذلک و دخل علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخبرها بما ربحوا فسرّت بذلک خدیجة ثم قدم میسرة و دخل علیها فأخبرته بما رأت فقال میسرة قد رأیت هذا منذ خرجنا من الشأم و أخبرها بالربح و بما شاهد من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بما قال الراهب نسطور و بما قال الآخر الذی حالفه فی البیع فأضعفت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضعف ما سمت له و کانت خدیجة امرأة عاقلة شریفة مع ما أراد اللّه بها من الکرامة و الخیر و هی یومئذ أفضلهم نسبا و أعظمهم شرفا و أکثرهم مالا و قومها کانوا حراصا علی نکاحها و لکن شرّفها اللّه بنکاح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمّا خزیمة فرجع الی بلاده و قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا سمعت بخروجک أتیتک و وفد علی رسول اللّه مسلما بعد فتح مکة و اللّه أعلم*

(ذکر من خطب خدیجة و من تزوّجها قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم)

* فی المنتقی* روی أنّ خدیجة ذکرت أوّل ما ذکرت للازواج لورقة بن نوفل و لم یقض بینهما نکاح و فی السمط الثمین قال ابن شهاب تزوّجت خدیجة قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رجلین الاوّل منهما عتیق بن عائذ ابن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم فولدت له جاریة اسمها هند فأسلمت و تزوّجت* و فی سیرة مغلطای ولدت له عبد اللّه و قیل عبد مناف ثم خلف علیها بعده أبو هالة النباش التمیمی و هو من بنی أسد بن عمرو فولدت له رجلا یقال له هند و امرأة یقال لها هالة من النباش بن زرارة و یکنی أبا هالة و یقال له هند* و فی سیرة مغلطای فولدت له هندا و الحارث و زینب و کانت تکنی أمّ هند و تدعی الطاهرة* و فی المنتقی فولدت له هندا و هالة و هما ذکران قال محمد بن اسحاق تزوّجت و هی بکر عتیق بن عائذ ثم هلک عنها فتزوّجها أبو هالة النباش بن زرارة أحد بنی عامر بن تمیم حلیف بنی عبد الدار فولدت له رجلا و امرأة ثم هلک عنها* و قال الدّارقطنی أبو هالة مالک بن النباش بن زرارة و عن قتادة مثله و قال أبو هالة هند بن زرارة بن النباش فولدت له هند بن هند* و فی المنتقی اسم أبی هالة هند* و روی عن ابن شهاب أنه قال تزوّجها أوّلا أبو هالة ثم بعده عتیق ذکره الدولابی و أبو عمرو و صحح أبو عمرو قول ابن شهاب الثانی و لم یذکر ابن قتیبة غیر الاوّل*

(ذکر هند بن هند)

* و هو ابن خدیجة قال ابن قتیبة و أبو سعید و أبو عمرو عاش هند بن هند ربیب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مسلما الی أن قتل مع علیّ یوم الجمل قاله الزبیر بن بکار* و قیل مات بالبصرة فی الطاعون فازدحم الناس علی جنازته و ترکوا جنائزهم و قالوا ربیب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان فصیحا بلیغا وصافا وصف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأحسن و أتقن و کان یقول أنا أکرم الناس أبا و أمّا و أخا و أختا ابی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أمی خدیجة و أخی القاسم و أختی فاطمة رضی اللّه عنهم أجمعین* و أمّا الجاریتان المذکورتان فی أولاد خدیجة من قبل رسول اللّه فلم أظفر من أخبارهما بشی‌ء و اللّه أعلم*

تزوّجه علیه السلام خدیجة

و فی هذه السنة الخامسة و العشرین بعد قدومه صلّی اللّه علیه و سلم من سفر الشأم بشهرین و خمسة و عشرین یوما تزوّج کما مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة بنت خویلد بن أسد بن عبد العزی بن قصی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:264
ابن کلاب القرشیة الاسدیة* قال الزبیر بن بکار کانت تدعی فی الجاهلیة الطاهرة و أمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن معیص بن لؤیّ قال میسرة عبد خدیجة* و فی الحدائق قالت نفیسة بنت منبه بدل میسرة عبد خدیجة أرسلتنی خدیجة دسیسا الی محمد صلی اللّه علیه و سلم بعد أن رجع من الشأم فقلت یا محمد ما یمنعک أن تتزوّج قال ما بیدی ما أتزوّج به قلت فان کفیت ذلک و دعیت الی الجمال و المال و الشرف و الکفاءة أ لا تجیب قال فمن هی قلت خدیجة قال و کیف لی بذلک قلت علیّ قال افعلی فذهبت الی خدیجة و أخبرتها فأرسلت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن ائت لساعة کذا و کذا فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتزوّجها و هو یومئذ ابن خمس و عشرین سنة و علیه الاکثر و قیل و شهرین و عشرة أیام و قیل احدی و عشرین ستة و قیل ثلاثین* و قال ابن جریج و له سبع و ثلاثون سنة* و قال البراقی تسع و عشرون قد راهق الثلاثین کذا فی سیرة مغلطای و خدیجة بنت أربعین سنة و قیل خمس و أربعین و قیل ثلاثین و قیل ثمان و عشرین کذا فی سیرة مغلطای و أقامت معه أربعا و عشرین سنة* قال ابن اسحاق زوّجه ایاها أبوها خویلد بن أسد و یقال أخوها عمرو بن خویلد کذا فی السمط الثمین* و فی المنتقی زوّجها عمها عمرو بن أسد و سیجی‌ء* روی ابن شهاب الزهری أنه قیل لخویلد بن أسد بن عبد العزی و هو ثمل من الخمر هذا ابن أخیک محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب یخطب خدیجة و قد رضیت فدعاه فسأله عن ذلک فخطب إلیه فأنکحه فخلقت خدیجة أباها و حلت علیه حلة و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بها فلما صحا الشیخ من سکرته قال ما هذا الخلوق و ما هذه الحلة قالت ابنته أخت خدیجة هذه حلة کساکها ابن أخیک محمد ابن عبد اللّه بن عبد المطلب أنکحته خدیجة و دخل علیها فأنکر ذلک الشیخ ثم صار الی أن سلم و استحیا* و فی المنتقی قال الواقدی هذا غلط و الصحیح عندنا المحفوظ عند أهل العلم أنّ عمها عمرو بن أسد زوّجها و انّ أباها مات قبل الفجار* و عن ابن عباس قال انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذکر لخدیجة فصنعت طعاما و شرابا و دعت أباها و نفرا من قریش فطعموا و شربوا فقالت خدیجة لابیها انّ محمد ابن عبد اللّه یخطبنی فزوّجها ایاه فخلقته و ألبسته حلة و کذلک کانوا یصنعون اذا زوّجوا نساءهم خرجهما الدولابی* و عن جابر بن سمرة أو غیره قال کانت خدیجة تبعث الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالشی‌ء لیبعث به الی أبیها حتی یرغب فیه فیزوّجه خرجه ابن السری کذا فی السمط الثمین* و قد روی ابن اسحاق فی قصة التزویج ما تقدّم و زاد فی طریق آخر و حضر أبو طالب و رؤساء مضر فخطب أبو طالب فقال الحمد للّه الذی جعلنا من ذریة ابراهیم و زرع اسماعیل و ضئضئ معدّ و عنصر مضر و جعلنا حضنة بیته و سوّاس حرمه و جعل لنا بیتا محجوجا و حرما آمنا و جعلنا الحکام علی الناس ثم انّ ابن أخی هذا محمد بن عبد اللّه لا یوزن به رجل من قریش الارجح و ان کان فی المال قلّ فانّ المال ظل زائل و أمر حائل و محمد من قد عرفتم قرابته و قد خطب خدیجة بنت خویلد و بذل لها ما آجله و عاجله من مالی کذا و هو و اللّه بعد هذا له نبأ عظیم و خطر جلیل جسیم فتزوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی فلما أتمّ أبو طالب خطبته تکلم ورقة بن نوفل فقال الحمد للّه الذی جعلنا کما ذکرت و فضلنا علی ما عددت فنحن سادة العرب و قادتها و أنتم أهل ذلک کله لا تنکر العشیرة فضلکم و لا یردّ أحد من الناس فخرکم و شرفکم و قد رغبنا فی الاتصال بحبلکم و شرفکم فاشهدوا علیّ معاشر قریش بأنی قد زوّجت خدیجة بنت خویلد من محمد بن عبد اللّه علی أربعمائة دینار ثم سکت ورقة و تکلم أبو طالب و قال قد أحببت أن یشرکک عمها فقال عمها اشهدوا علیّ یا معشر قریش أنی قد أنکحت محمد بن عبد اللّه خدیجة بنت خویلد و شهد علی ذلک صنادید قریش* و
فی السمط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:265
الثمین و أصدقها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عشرین بکرة و لا تضادّ بین هذا و بین ما یقال ان أبا طالب أصدقها اذ یجوز أن یکون أبو طالب أصدقها و زاد صلّی اللّه علیه و سلم ذلک فی صداقها فکان الکل صداقا و قد ذکر الدولابی و غیره أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصدق خدیجة اثنتی عشرة أوقیة ذهب و فی المنتقی الصداق أربعمائة دینار و یکون ذلک أیضا زیادة علی ما تقدّم*

(ذکر ولیمته صلّی اللّه علیه و سلم)

* ذکر الملا فی سیرته أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما تزوّج خدیجة ذهب لیخرج فقالت له خدیجة الی أین یا محمد اذهب و انحر جزورا أو جزورین و أطعم الناس ففعل ذلک صلّی اللّه علیه و سلم و هی أوّل ولیمة أولها صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی فأمرت خدیجة جواریها أن یرقصن و یضربن بالدفوف و قالت یا محمد مر عمک أبا طالب ینحر بکرة من بکراتک و أطعم الناس علی الباب و هلمّ فقل مع أهلک فأطعم الناس و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال مع أهله خدیجة فأقر اللّه عینه و فرح أبو طالب فرحا شدیدا و قال الحمد للّه الذی اذهب عنا الکروب و دفع عنا الهموم و عاشت خدیجة بعد النکاح اربعا و عشرین سنة و خمسة اشهر و ثمانیة ایام و قیل خمس عشرة سنة قبل الوحی و الباقیة بعده و ولدت للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أولاده کلهم الا ابراهیم فانه من ماریة القبطیة و ستجی‌ء وفاة خدیجة فی الموطن الخامس من حوادث السنة العاشرة من النبوّة*

(ذکر تزوّجه علیه السلام أمّهات المؤمنین‌

و عددهنّ اجمالا و سیجی‌ء تفضیل کل منهنّ فی محله ان شاء اللّه تعالی)* قال المحب الطبری فی السمط الثمین فی مناقب أمّهات المؤمنین جملة المشهورات المتفق علیهنّ احدی عشرة امرأة ست من قریش و أربع عربیات و واحدة غیر عربیة من بنی اسرائیل من سبط هارون ابن عمران تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أوّلا خدیجة بنت خویلد بن أسد بن عبد العزی ابن قصی بن کلاب بن مرّة بن کعب بن لؤیّ القرشیة الاسدیة أمّها فاطمة بنت زائدة بن الاصم و هی سیدة النساء و أسبقها نکاحا و اسلاما و قد سبق ذکر تزوّجها و صداقها قریبا و لا خلاف فی ان أوّل امرأة تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة و لم یتزوّج قبلها و لا علیها حتی ماتت و اختلفوا فی ترتیب البواقی مع الاتفاق علی نکاح جملتهنّ* و فی المواهب اللدنیة و خرج الامام أحمد عن ابن عباس انه صلّی اللّه علیه و سلم قال أفضل نساء أهل الجنة خدیجة بنت خویلد و فاطمة بنت محمد و مریم ابنة عمران و آسیة امرأة فرعون قال شیخ الاسلام زکریا الانصاری فی بهجة الحاوی و أفضلهنّ خدیجة و عائشة و فی أفضلهما خلاف صحح ابن العماد تفضیل خدیجة لما ثبت أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال لعائشة حین قالت له قد رزقک اللّه خیرا منها لا و اللّه ما رزقنی اللّه خیرا منها آمنت بی حین کذبنی الناس و أعطتنی مالها حین حرمنی الناس و سئل ابن داود أیهما أفضل فقال عائشة أقرأها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم السلام من جبریل و خدیجة أقرأها جبریل من ربها السلام علی لسان محمد فهی أفضل قیل له فمن أفضل خدیجة أم فاطمة قال ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال فاطمة بضعة منی فلا أعدل ببضعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحدا و یشهد له قوله صلّی اللّه علیه و سلم أ ما ترضین أن تکونی سیدة نساء أهل الجنة الا مریم و احتج من فضل عائشة بأنها فی الآخرة مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الدرجة و فاطمة مع علیّ فیها و سئل السبکی عن ذلک قال الذی نختاره و ندین اللّه به أن فاطمة بنت محمد أفضل ثم أمّها خدیجة ثم عائشة و أما خبر الطبرانی خیر نساء العالمین مریم ابنة عمران ثم خدیجة بنت خویلد ثم فاطمة بنت محمد ثم آسیة امرأة فرعون فأجاب عنه ابن العماد بأن خدیجة انما فضلت فاطمة باعتبار الامومة لا باعتبار السیادة و اختار السبکی ان مریم أفضل من خدیجة لهذا الخبر و للاختلاف فی نبوّتها* قال القونوی فی شرح عقیدة الطحاوی لا بدّ و أن یکون الرسول ذکر اخلافا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:266
للاشعری فانه یجوّز ذلک للنساء* قال ابن حجر و من النساء من نبئ و هنّ ست حوّاء و سارة و هاجر و مریم و أمّ موسی و آسیة امرأة فرعون* و فی قصیدة بدء الامالی* و ما کانت نبیا قط انثی و فی شرحها و قد وقع الاختلاف فی نبوّة أربع نسوة مریم و آسیة و سارة و هاجر و الصحیح عدم نبوّتهنّ و من قال ان مریم کانت نبیا فقد ردّ قوله* و فی أنوار التنزیل الاجماع علی أنه لم تستنبأ امرأة لقوله تعالی و ما أرسلنا من قبلک الا رجالا الآیة انتهی* و قال أبو أمامة بن النقاش ان سبق خدیجة و تأثیرها فی أوّل الاسلام و موازرتها و نصرتها و قیامها للّه بمالها و نفسها لم یشرکها فیه أحد لا عائشة و لا غیرها من أمّهات المؤمنین و تأثیر عائشة فی آخر الاسلام و حمل الدین و تبلیغه الی الامّة و ادراکها من الامّة لم یشرکها فیه أحد لا خدیجة و لا غیرها مما تمیزت به عن غیرها* و تزوّج عائشة بنت أبی بکر ابن أبی قحافة القرشیة بمکة و هی بنت ست سنین و قیل سبع و دخل بها فی المدینة و هی بنت تسع و قیل عشر سنین و کان مولدها سنة أربع من النبوّة قاله مغلطای و غیره کذا فی المواهب اللدنیة و أمّها أمّ رومان بنت عامر بن عویمر و تکنی عائشة أمّ عبد اللّه بعبد اللّه بن الزبیر ابن اختها أسماء بنت أبی بکر و هو الصحیح* و یروی أنها أسقطت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سقطا و لم یثبت زوّجها منه أبوها و أصدقها أربعمائة درهم و کانت أحب نساء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت اذا هوت الشی‌ء تابعها علیه و فقدها علیه السلام فی بعض أسفاره فقال وا عروساه خرجه أحمد کذا فی المواهب اللدنیة و سودة بنت زمعة بن قیس بن عبد شمس القرشیة أمّها شموس بنت قیس بن زید زوّجه ایاها سلیط ابن عمرو و یقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس و أصدقها أربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت ابن عم لها یقال له سکران بن عمرو تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة بعد موت خدیجة قبل أن یعقد صلّی اللّه علیه و سلم علی عائشة هذا قول قتادة و أبو عبیدة و لم یذکر ابن قتیبة غیره و قال عبد اللّه بن محمد بن عقیل تزوّجها بعد عائشة روی القولان عن ابن شهاب* و حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفیل القرشیة أمّها زینب بنت مظعون بن حبیب زوّجها أبوها و أصدقها أربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت حبیش بن حذافة السهمی فهاجرت معه الی المدینة فمات بها عنها بعد الهجرة عند مقدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فخلف علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و زینب بنت خزیمة بن الحارث العربیة الهلالیة و کانت اخت میمونة بنت الحارث لامّها زوّجه ایاها قبیصة بن عمرو الهلالی و أصدقها أربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت عبد اللّه بن جحش قتل یوم أحد و قیل یوم بدر کما سیجی‌ء* و أمّ سلمة هند و قیل رملة و الاوّل أصح بنت أبی أمیة سهیل و یعرف بزاد الراکب القرشیة امّها عاتکة بنت عامر بن ربیعة بن مالک بن خزیمة بن علقمة بن فراس و من قال عاتکة بنت عبد المطلب فجعلها بنت عمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقد أخطأ و انما هی بنت زوجها و أخواها لابیها عبد اللّه و زهیرا بنا عمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت أمّ سلمة من أجمل النساء خرجه أبو جهم العلاء الباهلی* و قال أبو عمرو تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمّ سلمة سنة اثنتین بعد وقعة بدر عقد علیها فی شوّال و بنی بها فی شوّال و اللّه أعلم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند ابی سلمة بن عبد الاسد و أمّه عمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم برّة بنت عبد المطلب فولدت له سلمة و عمرا و رقیة و زینب ذکره ابن اسحاق و سیجی‌ء تفصیل نکاحها و وفاتها و ذکر أولادها فی الموطن الرابع زوّجه ایاها ابنها سلمة و أصدقها فراشا حشوه لیف و قدحا و صحفة و مجشة و ذکر الملا فی سیرته أن ابنها حال تزویجها کان غلاما لم
یبلغ و لا أراه یصح و اللّه تعالی أعلم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند أبی سلمة بن عبد الاسد* و زینب بنت جحش بن رباب العربیة أمّها أمیمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:267
بنت عبد المطلب کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوّجها من زید بن حارثة فلما طلقها زید تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنة خمس من الهجرة و قیل سنة ثلاث زوّجه ایاها أخوها ابو أحمد ابن جحش و أصدقها اربعمائة درهم* و جویریة بنت الحارث بن ابی ضرار الخزاعیة المصطلقیة العربیة قال ابن هشام اشتراها صلّی اللّه علیه و سلم من ثابت بن قیس و اعتقها و تزوّجها و أصدقها أربعمائة درهم و یقال أسلم أبوها و زوّجه ایاها و أصدقها أربعمائة درهم* و أمّ حبیبة رملة بنت أبی سفیان صخر بن حرب بن أمیة بن عبد شمس القرشیة الامویة أمّها صفیة بنت ابی العاص عمة عثمان بن مظعون زوّجه ایاها خالد بن سعید بن العاص بالحبشة و أصدقها النجاشی عنه أربعمائة دینار و هو الذی خطبها علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند عبید اللّه بن جحش* وصفیة بنت حیی بن اخطب الغیر العربیة من بنی اسرائیل من سبط هارون بن عمران من بنی النضیر امّها برّة بنت شمول و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند سلام بن مشکم و کان شاعرا ثم خلف علیها کنانة ابن أبی الحقیق و کان شاعرا أیضا قتل یوم خیبر ثم تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی سنة سبع من الهجرة و کانت من سبایا خیبر اصطفاها لنفسه و جعل عتقها صداقها* و میمونة بنت الحارث العربیة الهلالیة أمّها هند بنت عوف بن زهیر کان اسمها برّة سماها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم میمونة و هی خالة ابن عباس و خالد بن الولید و اخواتها أمّ الفضل لبابة الکبری زوج العباس بن عبد المطلب أمّ عبد اللّه بن عباس و لبابة الصغری زوج الولید بن المغیرة المخزومی أمّ خالد بن الولید و عصماء بنت الحارث کانت تحت أبی بن خلف الجمحی فولدت له أبا أبی و عزة بنت الحارث کانت تحت زیاد بن عبد اللّه بن مالک الهلالی فهؤلاء اخواتها لابیها و اخواتها لامّها اسماء بنت عمیس کانت تحت جعفر بن أبی طالب فولدت له عبد اللّه و محمدا و عونا ثم خلف علیها ابو بکر فولدت له محمدا ثم خلف علیها علیّ فولدت له یحیی و سلمی بنت عمیس اخت اسماء کانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له امة اللّه بنت حمزة ثم خلف علیها شدّاد بن اسامة بن الهادی اللیثی فولدت له عبد اللّه و عبد الرحمن و سلامة بنت عمیس اخت اسماء کانت تحت عبد اللّه بن کعب بن منبه الخثعمی و زینب بنت خزیمة زوج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکر جمیعه ابو عمرو* و کان یقال اکرم عجوز فی الارض أصهارا هند بنت عوف أصهارها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ابو بکر الصدّیق و حمزة و العباس ابنا عبد المطلب و جعفر و علی ابنا أبی طالب و شدّاد بن الهادی ذکره ابو سعید فی شرف النبوّة کذا فی السمط الثمین زوّجه ایاها العباس بن عبد المطلب و أصدقها العباس عنه اربعمائة درهم* هذا ما نقله ابن اسحاق من انّ صداقه صلی اللّه علیه و سلم لاکثر نسائه اربعمائة درهم و قد روی مسلم عن عائشة قالت کان صداق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاکثر نسائه اثنتی عشرة اوقیة و نشا قالت أ تدری ما النش قلت لا قالت نصف اوقیة فذلک خمسمائة درهم فذاک صداق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لازواجه و هذا اولی بالصحة لانه متفق علی صحته و لان راویه معه زیادة علم کذا فی السمط الثمین* و ماتت خدیجة و زینب بنت خزیمة فی حیاته و توفی صلّی اللّه علیه و سلم عن التسع البواقی بلا خلاف و عن أمّ ولد هی ماریة بنت شمعون القبطیة أمّ ابراهیم و قد ذکر أنه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّج نسوة غیر من تقدّم ذکره و جملتهنّ اثنتا عشرة امرأة* الاولی الواهبة نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اختلف من هی فقیل أمّ شریک القرشیة العامریة اسمها غزیة بضم الغین المعجمة و فتح الزای و تشدید المثناة التحیّة بنت داود کذا فی المواهب اللدنیة* و فی بعض الکتب بنت دودان و قیل بنت جابر بن عوف من بنی عامر بن لؤیّ و کان ذلک بمکة و کانت قبله صلّی اللّه علیه و سلم تحت ابی العسکر بن تمیم بن الحارث الازدی فولدت له شریکا و قیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:268
کانت تحت الطفیل بن الحارث فولدت له شریکا و الاوّل اصح و طلقها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اختلف فی دخوله بها و قیل هی أمّ شریک غزیة الانصاریة من بنی النجار* قال ابو عمرو الصواب غزیلة و قد عدّها احمد بن صالح المصری فی ازواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا ما ذکره ابو عمرو و ما خلا الطلاق فحکاه الفضائلی الرازی* و قال صاحب الصفوة هی أمّ شریک غزیة بنت جابر الدوسیة قال و الاکثرون علی انها هی التی وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلم یقبلها فلم تتزوّج حتی ماتت و عن ابن عباس وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بغیر مهر فقبلها و دخل علیها خرجه فی الصفوة و ذکر ابن قتیبة فی المعارف عن أبی الیقظان قال ابن الواهبة نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خولة بنت حکیم السلمی و یجوز أن تکونا و هبتا انفسهما من غیر تضادّ* عن عروة بن الزبیر قال کانت خولة بنت حکیم من اللائی وهبن أنفسهنّ للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت عائشة أ ما تستحیی المرأة ان تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهنّ و تؤوی إلیک الآیة قالت عائشة یا رسول اللّه ما أری ربک الا یسارع فی هواک رواه الشیخان و هذه خولة هی زوجة عثمان بن مظعون و یجوز أن یکون وقع منها ذلک قبل عثمان و کذلک حکاه الفضائل الرازی قال فلما ارجأها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها عثمان و یجوز أن یکون وقع ذلک منها بعد وفاته* و فی الکشاف و غیره من التفاسیر اختلف فی انه هل اتفق أن تهب امرأة نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم تطلب مهرا أم لا عن ابن عباس لم یکن عنده أحد منهنّ* و آیة و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبیّ بیان حکم فی المستقبل و القائل باتفاق ذلک ذکر أربعا میمونة بنت الحارث و زینب بنت خزیمة الانصاریة و أمّ شریک بنت جابر و خولة بنت حکیم* الثانیة خولة بنت الهذیل بن هبیرة تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم فیما ذکره الجرجانی فی النسابة و هلکت فی الطریق قبل وصولها إلیه ذکره أبو عمرو و أبو سعید* الثالثة عمرة بنت یزید ابن الجون بفتح الجیم الکلابیة ثم الوحیدیة و قیل عمرة بنت یزید بن عبید بن أوس بن کلاب الکلابیة* قال أبو عمرو هذا اصح تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتعوّذت منه حین أدخلت علیه فقال لها لقد عذت بمعاذ فطلقها و أمر صلّی اللّه علیه و سلم اسامة بن زید فمتعها بثلاثة أثواب* قال أبو عمرو هکذا روی عن عائشة رضی اللّه عنها و قال قتادة کان ذلک فی امرأة من بنی سلیم و قال أبو عبیدة انما ذلک لاسماء بنت النعمان بن الجون و هکذا ذکره ابن قتیبة و سیأتی ان شاء اللّه تعالی و قال فی عمرة هذه ان أباها وصفها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال و أزیدک انها لم تمرض قط فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما لهذه عند اللّه من خیر ثم طلقها* و فی المنتقی قال عمرة هذه بنت القرطاء و قیل انه تزوّجها فقال أبوها ذلک فطلقها و لم یبن بها* الرابعة أسماء بنت النعمان بن الجون بفتح الجیم ابن شراحیل* و فی المنتقی و قیل أمیمة بنت النعمان بن شراحیل و قیل بنت النعمان بن الاسود بن الحارث بن شراحیل من کندة و أجمعوا علی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها و اختلفوا فی قصة فراقه صلّی اللّه علیه و سلم لها فقال قتادة و أبو عبیدة انه صلّی اللّه علیه و سلم لما دعاها قالت تعال أنت و أبت أن تجی‌ء* و قال بعضهم قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم قد عذت بمعاذ و قد أعاذک اللّه منی* و فی المنتقی أعذتک الحقی باهلک و عن عائشة رضی اللّه عنها قال ان ابنة الجون لما دخلت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دنا منها قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم لقد عذت بعظیم الحقی بأهلک أخرجه البخاری و قیل ان نساءه صلّی اللّه علیه و سلم علمنها ذلک فانها کانت من أجمل النساء فخفن أن تغلبهنّ علیه فقلن لها انه یحب اذا دنا منک أن تقولی أعوذ باللّه منک فلما دنا منها قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم قد عذت بمعاذ و
طلقها ثم سرحها الی أهلها و کانت تسمی نفسها الشقیة* و قال الجرجانی قلن لها اذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:269
أردت أن تحظی عنده تعوّذی باللّه منه فقالت ذلک فصرف وجهه صلّی اللّه علیه و سلم عنها و قال لها الحقی بأهلک فخلف علیها المهاجر بن أبی أمیة المخزومی فأراد عمر رضی اللّه عنه أن یحدّها فقالت لم یدخل بی و أقامت له البینة علی ذلک ثم خلف علیها قیس بن مکشوح المرادی* و قال أبو الیقظان فیما حکاه ابن قتیبة لما دخل علیها قال لها هبی لی نفسک قالت و هل تهب الملیکة نفسها للسوقة فأهوی بیده لیضعها علیها لتسکن فقالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم لقد عذت بمعاذ ثم سرّحها و متعها و قیل المتعوّذة امرأة غیرها* قال أبو عبیدة و یجوز أن تکونا تعوّذتا منه صلّی اللّه علیه و سلم و قال آخرون کان بأسماء وضح فقال الحقی بأهلک* قال ابن شهاب فارق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخت بنی الجون من أجل بیاض کان بها* قال أبو عمرو و الاختلاف فی الکندیة کثیر جدّا و قد قیل فی اسمها أمیة و لم یذکر ابن قتیبة غیره و قیل أمامة و الوجهان حکاهما أبو عمرو* الخامسة ملیکة بنت کعب اللیثیة قال أبو سعید و لما دخل صلّی اللّه علیه و سلم علیها قال لها هبی لی نفسک القصة المتقدّمة آنفا الی آخرها عن ابن قتیبة و حکاها أبو سعید فی هذه و الاصح أنها تعوّذت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففارقها قبل أن یدخل بها و قیل دخل بها و ماتت عنده حکاه الفضائلی و الاوّل أصح* السادسة فاطمة بنت الضحاک بن سفیان الکلابی تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم بعد وفاة ابنته زینب و خیرها حین نزلت آیة التخییر فاختارت الدنیا ففارقها صلّی اللّه علیه و سلم فکانت بعد ذلک تلتقط البعر و تقول هی الشقیة اختارت الدنیا هکذا رواه ابن اسحاق* قال أبو عمرو و هذا عندنا غیر صحیح لان ابن شهاب یروی عن عروة عن عائشة قالت ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین خیرت أزواجه بدأ بها فاختارت اللّه و رسوله و تابع أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی ذلک* و قال قتادة و عکرمة کان عنده صلّی اللّه علیه و سلم عند التخییر تسع نسوة و هنّ اللواتی توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنهنّ و قد قیل ان الضحاک بن سفیان عرض علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابنته و قال انها لم تصدع قط فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا حاجة لی بها و قیل انه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها سنة ثمان ذکر ذلک کله أبو عمرو و أبو سعید و بعضه عند ابن قتیبة* و فی المنتقی و قیل انها هی التی قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم قد عذت بمعاذ* السابعة غالیة بنت ظبیان بن عمر بن عوف الکلابیة تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت عنده ما شاء اللّه تعالی ثم طلقها و قلّ من ذکرها ذکر ذلک أبو عمرو و قال أبو سعید طلقها صلّی اللّه علیه و سلم حین أدخلت علیه* الثامنة قتیلة بضم القاف و فتح المثناة الفوقیة و سکون المثناة التحتیة بنت قیس بن معدی کرب الکندیة اخت الاشعث بن قیس الکندی و یقال قیلة و الصواب قتیلة زوّجه ایاها أخوها فی سنة عشر ثم انصرف الی حضر موت فحملها و قبض صلّی اللّه علیه و سلم فی سنة احدی عشرة قبل قدومها علیه من بلدها حضر موت و قبل خروجها من الیمن و قبل دخوله بها قاله الجرجانی و قیل تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم قبل وفاته بشهرین قال قائلون ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل وفاته بشهرین أوصی بأن تخیر فان شاءت ضرب علیها الحجاب فکانت من أمّهات المؤمنین و ان شاءت الفراق فلتنکح من شاءت فاختارت النکاح فتزوّجها عکرمة بن أبی جهل بحضر موت فبلغ ذلک أبا بکر فقال هممت أن أحرق علیها بیتها فقال له عمر ما هی من أمّهات المؤمنین ما دخل بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لا ضرب علیها الحجاب* و قال بعضهم لم یوص فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بشی‌ء و لکنها ارتدت حین ارتد أخوها و بذلک احتج عمر علی أبی بکر انها لیست من امّهات المؤمنین بارتدادها و لم تلد لعکرمة و فیها اختلاف کثیر ذکر ذلک کله أبو عمرو و بعضه أبو سعید و الفضائلی الرازی التاسعة سبأ بنت أبی الصلت السلمیة تزوّجها رسول الله
صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:270
و مات قبل أن یدخل بها* و قال ابن اسحاق طلقها صلّی اللّه علیه و سلم قبل أن یدخل بها حکاهما أبو عمرو و لم یحک أبو سعید غیر الاوّل العاشرة شراف بفتح الشین و تخفیف الراء و بالفاء بنت خلیفة الکلبیة اخت دحیة الکلبی تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم فهلکت قبل دخوله بها ذکره أبو عمرو و غیره و فی المنتقی أساف مکان شراف الحادیة عشر خولة بنت حکیم الانصاریة الاوسیة التی وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکرها أحمد بن صالح المصری فی أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* قال أبو عمرو و لم یذکرها غیره فیما علمت* و قال أبو سعید و الفضائلی لیلی بنت خطیم الانصاریة بفتح الخاء المعجمة و کسر الطاء المهملة أخت قیس تزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت غیورا فاستقالته صلی اللّه علیه و سلم فأقالها فأکلها الذئب و قیل هی التی وهبت نفسها له صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی لیلی بنت الخطیم الانصاریة ضربت ظهره صلّی اللّه علیه و سلم فقال علیه السلام أکلک الاسد ثم تزوّجها فقالت أقلنی فأقالها فأکلها الذئب الثانیة عشر امرأة من غفار تزوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرأی بکشحها بیاضا فقال الحقی بأهلک و لم یأخذ صلّی اللّه علیه و سلم مما آتاها شیئا خرجه أحمد* و فی المنتقی عمرة بنت یزید رأی بها بیاضا فقال دلستم علیّ فردّها فهؤلاء جملة من ذکر من أزواجه علیه السلام و فارقهنّ فی حیاته بعضهنّ قبل الدخول و بعضهنّ بعده علی ما قرّرناه فیکون جملة من عقد صلّی اللّه علیه و سلم علیهنّ ثلاثا و عشرین امرأة دخل صلّی اللّه علیه و سلم ببعضهنّ دون بعض مات عنده صلّی اللّه علیه و سلم منهنّ بعد الدخول خدیجة بنت خویلد و زینب بنت خزیمة رضی اللّه عنهما و ماتت منهنّ قبل الدخول اثنتان اخت دحیة و بنت الهذیل باتفاق و اختلف فی ملیکة و سبأ هل ماتتا أو طلقهما مع الاتفاق علی انه صلّی اللّه علیه و سلم لم یدخل بهما و فارق صلّی اللّه علیه و سلم بعد الدخول باتفاق بنت الضحاک و بنت ظبیان و قبل الدخول باتفاق عمرة و أسماء الغفاریة و اختلف فی أمّ شریک هل دخل صلّی اللّه علیه و سلم بها مع الاتفاق علی الفرقة و المستقیلة التی جهل حالها فالمفارقات باتفاق سبع و اثنتان علی خلف و المیتات فی حیاته باتفاق أربع و مات صلّی اللّه علیه و سلم عن عشر واحدة لم یدخل بها و ذکر أبو سعید فی شرف النبوّة ان جملة أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم احدی و عشرون امرأة طلق منهنّ ستا و ماتت عنده خمس و توفی عن عشر واحدة لم یدخل بها و کان یقسم لتسع فی الصحیحین عن ابن عباس انه علیه السلام کان یقسم لثمان و لا یقسم لواحدة* قال عطاء هی صفیة بنت حیی بن أخطب و لقوله تعالی ترجئ من تشاء منهنّ و تؤوی إلیک من تشاء ترجئ بهمزة و بغیر همزة تؤخر و تؤوی تضم یعنی تترک مضاجعة من تشاء و تضاجع من تشاء* روی انه أرجی منهنّ سودة و جویریة و صفیة و میمونة و أمّ حبیبة و کان یقسم لهنّ ما شاء کما شاء و کانت ممن آوی إلیه عائشة و حفصة و أمّ سلمة و زینب أرجی خمسا و آوی أربعا کذا فی الکشاف و کذا ذکره المنذری*

(ذکر من خطب صلّی اللّه علیه و سلم من النساء و لم یعقد علیهنّ)

* و قد روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم خطب عدّة نسوة الاولی منهن امرأة من بنی مرّة بن عوف ابن سعد بن دینار* قال أبو الیقظان خطبها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی أبیها فقال ان بها برصا و هو کاذب فرجع فوجدها برصاء و یقال ان ابنها شبیب بن البرصاء بن الحارث بن عوف المزنی ذکره ابن قتیبة کما قاله الطبری و عند ابن الاثیر فی جامع الاصول عمرة بنت الحارث بن عوف خطبها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال أبوها ان بها سوءا و لم یکن بها سوء فرجع إلیها أبوها و قد برصت و یقال هی أمّ شبیب بن البرصاء الشاعر الثانیة امرأة قرشیة یقال لها سودة خطبها صلّی اللّه علیه و سلم و کانت مصبیة فقالت أخاف ان تضغو صبیتی أی یصیحوا و یبکوا عند رأسک فدعا صلّی اللّه علیه و سلم لها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:271
و ترکها الثالثة امراة تدعی صفیة بنت بشامة بفتح الموحدة و تخفیف الشین المعجمة و کان صلّی اللّه علیه و سلم أصابها فی سبی فخیرها بین نفسه الکریمة و بین زوجها فاختارت زوجها الرابعة لم یذکر اسمها قیل انه صلّی اللّه علیه و سلم خطبها فقالت أستأمر أبی فلقیت أباها فأذن لها فعادت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال لها قد التحفنا غیرک الخامسة أمّ هانئ فاختة او هند علی اختلاف فی اسمها بنت أبی طالب اخت علیّ خطبها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت انی امرأة مصبیة و اعتذرت إلیه فعذرها صلّی اللّه علیه و سلم* و عن أبی صالح عن أمّ هانئ بنت أبی طالب قالت خطبنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاعتذرت إلیه فعذرنی فأنزل اللّه تعالی انا أحللنا لک ازواجک اللاتی آتیت أجورهنّ و ما ملکت یمینک مما افاء اللّه علیک و بنات عمک و بنات عماتک و بنات خالک و بنات خالاتک اللاتی هاجرن معک و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبیّ الآیة قالت فلم أکن أحل له لانی لم أهاجر کنت من الطلقاء خرجه الترمذی* و فی روایة عند غیره عن ابی صالح عن أمّ هانئ قالت نزلت هذه الآیة فأراد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان یتزوّجنی فنهی عنی لانی لم اهاجر السادسة ضباعة بالضاد المعجمة و تخفیف الموحدة و بالعین المهملة بنت عامر بن قرط بضم القاف و سکون الراء و بالطاء المهملة ابن سلمة خطبها صلّی اللّه علیه و سلم الی ابنها سلمة بن هاشم فقال حتی أستأمرها فقیل للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انها قد کبرت فلما عاد و قد أذنت له سکت عنها صلّی اللّه علیه و سلم و لم ینکحها ذکر الخمس الفضائلی الرازی قال و عرض علیه صلّی اللّه علیه و سلم اثنتان فامتنع لقیام مانع و أمامة بنت حمزة و هی السابعة فقال صلّی اللّه علیه و سلم هی ابنة أخی من الرضاعة و عزة بنت أبی سفیان و هی الثامنة عرضتها اختها أمّ حبیبة علیه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لا تحل لی لمکان أختها أمّ حبیبة هذا یضادّ ما مرّ فی خصائصه صلّی اللّه علیه و سلم فی الفصل الثانی من الطلیعة الثالثة من اختصاصه باباحة الجمع بین المرأة و أختها* و فی المواهب اللدنیة و قیل تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم الجندعیة بضم الجیم و سکون النون و ضم الدال و بالعین المهملة امرأة من جندع و هی ابنة جندب بن ضمرة و لم یدخل بها و أنکره بعض الرواة فهؤلاء النساء اللاتی ذکر انه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجهنّ أو خطبهنّ أو دخل بهنّ أو لم یدخل بهنّ أو عرضن علیه و اللّه أعلم*

(ذکر سراریه)

* قال أبو عبیدة کان له صلّی اللّه علیه و سلم سراری أربع ماریة القبطیة و ریحانة و جاریة أخری وهبتها له صلّی اللّه علیه و سلم زینب بنت جحش و أخری جمیلة أصابها صلّی اللّه علیه و سلم فی بعض السبی فأما ماریة القبطیة بنت شمعون بالشین المعجمة فأهداها له صلّی اللّه علیه و سلم المقوقس القبطی صاحب الاسکندریة و مصر و هی من انصنا قریة من اعمال مصر ذکره فی فتوح مصر و المقوقس ملک انصنا* قال ابن لهیعة ماریة من حفن من کورة انصنا کذا فی سیرة ابن هشام و اهدی معها أختها سیرین بکسر السین المهملة و سکون المثناة التحتیة و کسر الراء و بالیاء الساکنة و بالنون آخرها و خصیا یقال له مأبور و ألف مثقال ذهبا و عشرین ثوبا من قباطی مصر و بغلة شهباء و هی دلدل و حمارا أشهب و هو عفیر و یقال یعفور و عسلا من عسل بنها فأعجب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و دعا فی عسل بنها بالبرکة* قال ابن الاثیر بنها بکسر الباء و سکون النون قریة من قری مصر بارک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی عسلها و الناس الیوم یفتحون الباء کذا فی المواهب اللدنیة فوهب صلّی اللّه علیه و سلم سیرین لحسان بن ثابت و هی أمّ عبد الرحمن بن حسان و أما ماریة فاستولدها صلّی اللّه علیه و سلم فولدت له ابراهیم فقال صلّی اللّه علیه و سلم أعتقها ولدها فتوفیت ماریة فی خلافة عمر سنة ست عشرة و دفنت بالبقیع و کان عمر یحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها و صلّی علیها و أما ریحانة فهی ابنة شمعون بن زید من بنی قریظة و قیل من بنی النضیر و الاوّل أظهر و ماتت قبل وفاة النبیّ صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:272
علیه و سلم مرجعه من حجة الوداع سنة عشر و دفنت بالبقیع و کان صلّی اللّه علیه و سلم سباها و وطئها بملک الیمین و قیل أعتقها و تزوّجها فی سنة ست و لم یذکر ابن الاثیر غیره و کانت قبله تحت رجل من بنی قریظة فسباها و تزوّج بها و قال الزهری استسرّها ثم أعتقها فلحقت بأهلها ذکر ذلک کله أبو عمرو و صاحب الصفوة الرازی و أما المسبیة و الموهوبة فذکرهما صاحب الصفوة و الفضائلی و لم یذکرا من أخبارهما شیئا و اللّه أعلم و فضلت زوجاته صلّی اللّه علیه و سلم علی النساء و ثوابهنّ و عقابهنّ مضاعفان و لا یحل سؤالهنّ الا من وراء حجاب و أزواجه أمّهات المؤمنین سواء من مات عنها أو ماتت عنه و هی تحته فی تحریم نکاحهنّ و وجوب احترامهنّ لا فی نظرة و لا فی خلوة و لا یقال بناتهنّ أخوات المؤمنین و لا آباؤهنّ و لا أمّهاتهنّ اجداد و جدّات و لا اخوتهنّ و لا أخواتهنّ أخوال و خالات کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة مغلطای زوجاته اللاتی عقد علیهنّ أو خطبهنّ أو عرضن علیه و لم یدخل بهنّ أسماء بنت الصلت السلمیة و أسماء بنت النعمان و قیل بنت الاسود الکندیة و عمرة بنت الحارث المزنیة و أمامة و یقال عمارة بنت حمزة و آمنة بنت الضحاک بن سفیان و أمیمة بنت شراحیل و حبیبة بنت سهل و حمدة بنت الحارث و خولة بنت حکیم و یقال خویلة السلمیة و خویلة بنت هذیل الثعلبیة و سلمی بنت نجدة اللیثیة و سناء بنت سفیان الکلابیة و سناء بنت الصلت السلمیة* و فی تاریخ أمراء خراسان للسلامی سناء بنت أسماء السلمیة عمة عبد اللّه ابن حازم أمیر خراسان تزوّج بها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما سمعت بذلک ماتت فرحا انتهی و سودة القرشیة و شرافة بنت خلیفة الکلبیة وصفیة بنت بشارة بن نضلة و ضباعة بنت عامر و الغالیة بنت ظبیان و عمرة بنت یزید الکلابیة و عمرة بنت معاویة الکندیة و غزیة بنت حکیم العامریة و فاختة بنت أبی طالب و فاطمة بنت شریح و فاطمة بنت الضحاک الکلابیة و قیلة بنت قیس بن معدی کرب و قتیلة بنت الحارث الشاعرة و لیلی بنت الخطیم و لیلی بنت حکیم و ملیکة بنت داود و ملیکة بنت کعب* و قال الواقدی دخل بها و توفیت عنده فی شهر رمضان سنة ثمان و هند بنت یزید و أم حبیب ابنة عمة العباس و نعامة العنبریة و أمّ شریک الانصاریة و أمّ شریک الغفاریة*

(ذکر أولاده صلّی اللّه علیه و سلم و کمیتهم و موالیدهم و ما اتفق علیه منهم و ما اختلف فیه)

* و جملة ما اتفق علیه ستة ابنان القاسم و ابراهیم و أربع بنات زینب و رقیة و أمّ کلثوم و لا یعرف لها اسم و انما تعرف بکنیتها و فاطمة و کلهنّ أدرکن الاسلام و هاجرن معه و اختلف فیما سوی هؤلاء قیل لم یکن له صلّی اللّه علیه و سلم سواهم حکاه أبو عمرو و المشهور خلافه* قال ابن اسحاق کان له صلّی اللّه علیه و سلم الطاهر و الطیب أیضا فیکون علی هذا جملتهم ثمانیة أربعة ذکور و أربع اناث* و قال الزبیر بن بکار کان له غیر ابراهیم و القاسم عبد اللّه مات صغیرا بمکة و یقال له الطیب و الطاهر ثلاثة أسماء و هو قول أکثر أهل النسب قاله أبو عمرو* و قال الدّارقطنی و هو الاثبت و سمی بالطیب و الطاهر لانه ولد بعد النبوّة فیکون علی هذا جملتهم سبعة ثلاثة ذکور و کذا قاله ابن الجوزی فی الحدائق و قیل عبد اللّه غیر الطیب و الطاهر حکاه الدّارقطنی و غیره فعلی هذا تکون جملتهم تسعة خمسة ذکور و أربعة اناث و قیل کان له صلّی اللّه علیه و سلم الطیب و المطیب ولدا فی بطن و الطاهر و المطهر ولدا فی بطن ذکره صاحب الصفوة فیکونون علی هذا احد عشر و قیل ولد له صلّی اللّه علیه و سلم ولد قبل المبعث یقال له عبد مناف فیکونون علی هذا اثنی عشر و هذا القائل یقول أولاده کلهم سوی هذا ولدوا فی الاسلام بعد المبعث* و قال ابن اسحاق ولد أولاده کلهم غیر ابراهیم قبل الاسلام و هلک البنون قبل الاسلام و هم یرضعون و قد تقدّم من قول غیره أن عبد اللّه ولد بعد النبوّة فلذلک سمی بالطیب و الطاهر فیحصل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:273
من مجموع الاقوال علی ثمانیة ذکور اثنان متفق علیهما القاسم و ابراهیم و ستة مختلف فیهم عبد مناف و عبد اللّه و الطیب و المطیب و الطاهر و المطهر و الاصح انهم ثلاثة ذکور و أربع بنات متفق علیهنّ و کلهم من خدیجة بنت خویلد الا ابراهیم و عن هشام بن عروة عن أبیه ولدت خدیجة للنبیّ عبد العزی و عبد مناف و القاسم قلت لهشام فأین الطیب و الطاهر فقال هذا ما وضعتم أنتم یا أهل العراق فأما أشیاخنا فقالوا عبد العزی و عبد مناف و القاسم و لا یجعل عبد العزی علی هذه الروایة تاسعا لان رواتها تنفی ما سوی الثلاثة بخلاف ما تقدّم و هذا خرجه أبو الجهم الباهلی و کان أکبر ولده صلّی اللّه علیه و سلم القاسم و به کان صلّی اللّه علیه و سلم یکنی و عاش حتی مشی و قیل عاش سنتین و قال مجاهد مکث سبع لیال ثم هلک ذکره ابن قتیبة و قیل بلغ أن یرکب الدابة و یسیر علی النجیب و مات قبل البعث أو بعده علی الخلاف المتقدّم و هو أوّل من مات من ولده ثم ولد له صلّی اللّه علیه و سلم زینب ثم عبد اللّه ثم أمّ کلثوم ثم فاطمة ثم رقیة و قیل اوّل من ولد له صلّی اللّه علیه و سلم زینب ثم القاسم ثم أمّ کلثوم ثم فاطمة ثم رقیة ثم عبد اللّه و قیل رقیة اکبر من أمّ کلثوم و هو الاشبه لان عثمان تزوّجها أوّلا فی اوّل اسلامه ثم أمّ کلثوم بعدها بعد وقعة بدر و الظاهر ان الکبیرة تزوّج اوّلا و ان جاز خلافه و الاکثر علی أن فاطمة اصغرهنّ سنا و لا خلاف ان زینب اکبرهنّ سنا قاله ابو عمرو*

(ذکر زینب رضی اللّه عنها)

اشارة

* قد تقدّم انها اکبر بناته صلّی اللّه علیه و سلم بلا خلاف الا ما لا یصح و انما الخلاف فیها و فی القاسم أیهما ولد أوّلا قال ابن اسحاق سمعت عبد اللّه بن محمد بن سلیمان یقول ولدت زینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی سنة ثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم و ادرکت الاسلام و اسلمت و هاجرت و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم محبا لها*

(ذکر من تزوّجها)

* و کان تزوّجها ابن خالتها ابو العاص ابن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس بن عبد مناف فی الجاهلیة و اسمه لقیط و علیه الاکثر و قیل هشیم و قیل مهشم و فی المنتقی اسمه القاسم أمّه هالة بنت خویلد اخت خدیجة لابیها و امّها قاله الدّارقطنی فخدیجة خالته و عن عائشة قالت کان أبو العاص من رجال مکة المعدودین مالا و تجارة و أمانة فقالت خدیجة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوّجه و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا یخالفها و ذلک قبل أن ینزل علیه الوحی فزوّجه زینب فلما أکرم اللّه نبیه بنبوّته آمنت خدیجة و بناته فلما نادی قریشا بأمر اللّه تعالی أتوا أبا العاص بن الربیع فقالوا له فارق صاحبتک و نحن نزوّجک بأی امرأة شئت من قریش فقال لا و اللّه لا أفارق صاحبتی و ما یسرّنی ان لی بامرأتی أفضل امرأة من قریش و عن عائشة قالت کان الاسلام فرق بین زینب و بین أبی العاص الا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا یقدر أن یفرق بینهما و کان مغلوبا بمکة*

(ذکر هجرتها)

* عن عروة بن الزبیر عن عائشة ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة خرجت ابنته زینب من مکة مع کنانة أو ابن کنانة ترید المدینة فخرجوا فی اثرها فأدرکها هبار بن الاسد فجعل یطعن بعیرها برمحه حتی صرعها فألقت ما فی بطنها و أهریقت دما و سیجی‌ء فی غزوة بدر فاشتجر فیها بنو هاشم و بنو أمیة فقالت بنو هاشم نحن أحق بها و قالت بنو أمیة نحن أحق بها لکونها تحت ابن عمهم أبی العاص فکانت عند هند فکانت تقول لها هذا فی سبب أبیک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید بن حارثة أ لا تنطلق فتجیئنی بزینب قال بلی یا رسول اللّه قال فخذ خاتمی فأعطها فانطلق زید فلم یزل یتلطف حتی لقی راعیا فقال لمن ترعی قال لابی العاص فقال فلمن هذه الغنم قال لزینب بنت محمد فسار معه شیئا ثم قال هل لک أن اعطیک شیئا تعطیها ایاه و لا تذکره لاحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعی فأدخل غنمه و أعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاک هذا قال رجل قالت فأین ترکته قال مکان کذا و کذا فسکتت حتی اذا کان اللیل خرجت إلیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:274
فلما جاءته قال لها زید ارکبی بین یدی علی بعیری قالت لا و لکن ارکب أنت بین یدی فرکب و رکبت خلفه حتی أتت المدینة فکان علیه السلام یقول هی أفضل بناتی أصیبت فیّ فبلغ ذلک علیّ بن الحسین فانطلق الی عروة فقال ما حدیث بلغنی عنک تحدثه تنتقص به حق فاطمة* قال عروة ما أحب ان لی ما بین المشرق و المغرب و انی انتقص فاطمة حقا هولها و أما بعد ذلک علیّ أنی لا أحدّث به أحدا خرجه الدولابی* و قد روی أن أبا العاص لما أسر یوم بدر و فدی نفسه فأطلق أخذ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم العهد ان ینفذها إلیه اذا عاد الی مکة ففعل فجاءت مهاجرة الی المدینة خرجه الفضائلی و لعل الهجرة الاولی کانت بارسال أبی العاص فلما منعتها قریش خرج زید و أتی بها و لا تضاد بینهما و سیجی‌ء ذکر اسلام زوجها أبی العاص و حکم نکاحها بعد الاسلام*

(ذکر وفاتها)

* ماتت زینب فی حیاة أبیها فی سنة ثمان من الهجرة و سیجی‌ء فی الموطن الثامن و کان سبب وفاتها سقوطها من بعیرها لما طعنه هبار علی ما تقدّم و سقطت علی صخرة و أهریقت دما و لم تزل مریضة بذلک حتی ماتت قاله أبو عمرو* و عن ابن عمر زاد أنه لما دفن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابنته زینب جلس عند القبر فتربد وجهه ثم سری عنه فسأله أصحابه عن ذلک فقال ذکرت ابنتی زینب و ضعفها و عذاب القبر فدعوت اللّه ففرج عنها و أیم اللّه لقد ضمت ضمة سمعها ما بین الخافقین خرجه سعید ابن منصور فی سننه و کان زوجها أبو العاص محبا لها فقال و هو متوجه فی بعض اسفاره الی الشام
ذکرت زینب لما ورکت ارمافقلت سقیا لشخص یسکن الکرما
بنت الامین جزاها اللّه صالحةو کل بعل سینبی بالذی علما ثم تزوّج أبو العاص بنت سعید بن العاص و هلک بالمدینة فی خلافة عثمان و أوصی الی الزبیر بن العوّام*

(ذکر ولدها)

* قال أبو عمرو و غیره ولدت زینب من أبی العاص غلاما یقال له علی توفی و قد ناهز الحلم و کان ردیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی ناقته یوم الفتح و جاریة یقال لها امامة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحبها و کان یحملها فی الصلاة علی عاتقه فاذا رکع وضعها و اذا رفع رأسه من السجودا عادها و تزوّجها علی بن أبی طالب بعد فاطمة و قیل ان فاطمة کانت أوصته بذلک ذکره الدّارقطنی و زوّجها منه الزبیر بن العوام و کان أبوها اوصی بها إلیه فولدت له ولد اسماه محمدا و قیل قتل عنها و لم تلد له ذکره الدّارقطنی فلما قتل علیّ تزوّجها المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و کان علیّ قد أمره بذلک بعده لانه خاف أن یتزوّجها معاویة فتزوّجها فولدت له یحیی و به کان یکنی و ماتت عنده قیل فی سنة خمسین من الهجرة* و روی أن علیا قال لها حین حضرته الوفاة انی لا آمن أن یخطبک یعنی معاویة فان کان لک فی الرجال حاجة فقد رضیت لک المغیرة بن نوفل عشیرا فلما انقضت عدّتها کتب معاویة الی مروان یأمره أن یخطبها علیه و یبذل لها مائة ألف دینار فلما خطبها أرسلت الی المغیرة بن نوفل ان هذا أرسل یخطبنی فان کان لک بنا حاجة فأقبل فأقبل و خطبها الی الحسن بن علیّ فزوّجها منه خرج جمیع ذلک أبو عمرو و ذکر الدولابی أن علیا لما أصیب ولت أمرها المغیرة بن نوفل فقال المغیرة بن نوفل اشهدوا أنی قد تزوّجتها و أصدقتها کذا و کذا*

(ذکر رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* ذکر الزبیر بن بکار و غیره انها أکبر بناته صلّی اللّه علیه و سلم و صححه الجرجانی النسابة و قد تقدّم أن الاصح و الذی علیه الاکثر أن زینب أکبرهنّ ولدت رقیة و لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثلاث و ثلاثون سنة*

(ذکر من تزوّجها)

* کانت رقیة تحت عتبة بن أبی لهب و اختها أمّ کلثوم تحت أخیه عتیبة فلما نزلت تبت یدا أبی لهب و تب قال لهما رأسی من رأسکما حرام ان لم تفارقا ابنتی محمد ففارقاهما و لم یکونا دخلا بهما فتزوّج رقیة عثمان ابن عفان بمکة و هاجر بها الهجرتین الی أرض الحبشة ثم الی المدینة و کانت ذات جمال رائع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:275
و فی حیاة الحیوان لما هاجر بها الی ارض الحبشة کان فتیان أهل الحبشة یتعرّضون لها و یتعجبون من جمالها فأذاها ذلک فدعت علیهم فهلکوا جمیعا ذکر الدولابی ان تزویج عثمان رقیة کان فی الجاهلیة و ذکر غیره ما یدل علی أن تزویجه ایاها کان بعد اسلامه و عن عائشة رضی اللّه عنها أتت قریش عتبة بن أبی لهب فقالوا له طلق ابنة محمد و نحن نزوّجک أیّ امرأة شئت من قریش فقال ان زوّجتمونی ابنة أبان ابن سعید بن العاص أو ابنة سعید بن العاص فارقتها فزوّجوه ففارقها و لم یکن دخل بها فاخرجها اللّه من یده کرامة لها و هوانا له و خلف علیها عثمان بن عفان*

(ذکر تزویج عثمان رقیة)

* کان بوحی من اللّه تعالی و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان اللّه أوحی الیّ أن ازوّج کریمتیّ عثمان بن عفان خرجه الطبرانی فی معجمه و خرج خیثمة بن سلیمان عن عروة بن الزبیر و زاد بعد قوله کریمتی یعنی رقیة و أمّ کلثوم*

(ذکر هجرتها)

* کانت رقیة ممن هاجرت الهجرتین عن أنس قال أوّل من هاجر الی ارض الحبشة عثمان و خرج معه بابنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأبطأ علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خبرهما فجعل یتوکف الخبر فقدمت امرأة من قریش فسألها فقالت رأیتها فقال علی أی حال رأیتها فقالت رأیتها و قد حملها علی حمار من هذه الدواب و هو یسوقها فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صحبهما اللّه ان کان عثمان لأوّل من هاجر الی اللّه عز و جل بعد لوط خرجه خیثمة بن سلیمان و الملا*

(ذکر وفاتها)

* عن ابن شهاب انها کانت اصابتها الحصبة فمرضت و تخلف علیها عثمان فلم یشهد بدرا و ماتت بالمدینة و جاء زید بن حارثة بشیرا بفتح بدر و عثمان قائم علی قبر رقیة خرجه أبو عمرو قال لا خلاف أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ضرب لعثمان بسهمه من بدر و أخرجه عن ابن عباس قال لما عزی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بابنته رقیة قال الحمد للّه دفن البنات من المکرمات خرجه الدولابی و کانت وفاتها لسنة و عشرة أشهر و عشرین یوما من مقدمه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة ذکره ابن قتیبة*

(ذکر ولدها)

* ولدت رقیة لعثمان بالحبشة ولد اسماه عبد اللّه و کان یکنی به قال مصعب و بلغ الغلام ست سنین فنقر عینه دیک فتورّم وجهه و مرض و مات و قال غیره و صلّی علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و نزل فی حفرته أبوه عثمان و ذکر الدولابی انه مات و هو رضیع و قال قتادة لم تلد رقیة لعثمان و هو غلط و الاصح ما تقدّم و ستجی‌ء وفاة عبد اللّه بن عثمان فی الموطن الرابع*

(ذکر أمّ کلثوم بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* و هی ممن عرف بکنیته و لم یعرف لها اسم و قد تقدّم ذکر الخلاف فی أیهما أکبر هی أم رقیة و هی أکبر سنا من فاطمة*

(ذکر من تزوّجها)

* و قد تقدّم قبله أن عتیبة بن أبی لهب کان تزوّجها ثم فارقها قبل دخوله بها فخلف علیها عثمان بن عفان بعد موت اختها رقیة و عن قتادة أن عتیبة فارق أمّ کلثوم و لم یبن بها ثم جاء الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال له کفرت بدینک و فارقت ابنتک لا تحبنی و لا أحبک ثم سطا علیه و شق قمیصه و هو خارج نحو الشأم تاجرا فقال له علیه السلام أما انی أسأل اللّه أن یسلط علیک کلبه فخرج فی تجر من قریش حتی نزلوا مکانا من الشأم یقال له الرزقاء لیلا فأطاف بهم الاسد تلک اللیلة فجعل عتیبة یقول یا ویل أمی هو و اللّه آکلی کما دعا علیّ محمد أ قاتلی ابن أبی کبشه و هو بمکة و انا بالشأم فعدی علیه الاسد من بین القوم فأخذ برأسه ففدغه و عن عروة بن الزبیر أن عتیبة لما أراد الخروج الی الشام أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد هو یکفر بالذی دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی ثم تفل و ردّ التفلة علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال صلی اللّه علیه و سلم اللهم سلط علیه کلبا من کلابک و أبو طالب حاضر فوجم لها فقال ما کان أغناک عن دعوة ابن أخی ثم خرج الی الشام فنزلوا منزلا و أشرف علیهم راهب من الدیر فقال أرض مسبعة فقال أبو لهب یا معشر قریش أعینونا هذه اللیلة فانی اخاف دعوة محمد فجمعوا أحمالهم و فرشوا لعتبة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:276
فی اعلاها و باتوا حوله فجاء الاسد فجعل یتشمم وجوههم ثم ثنا ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه فقال قتلنی و مات و روی أن الاسد أقبل یتخطاهم حتی أخذ برأس عتیبة ففدغه خرجه الدولابی و فیه قال حسان بن ثابت
من یرجع العام الی أهله‌فما أکیل السبع بالراجع هذا هو المشهور من أن جملة أولاد أبی لهب أربعة عتبة و عتیبة و معتب و درّة أسلموا یوم الفتح و لهم صحبة و قد مرّ الکلام فی سبیعة بنت أبی لهب و عتیبة قتله الاسد کما ذکر و بعضهم عکس الامر و قال ان عتیبة المصغر هو الذی أسلم و عتبة المکبر هو الذی قتله الاسد و علی هذا بنی القاضی عیاض کلامه فی الشفاء کذا فی مزیل الخفاء*

(ذکر کیفیة تزویج أمّ کلثوم عثمان)

* عن سعید بن المسیب قال آم عثمان من رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و آمت حفصة بنت عمر من زوجها فمرّ عمر بعثمان فقال له هل لک فی حفصة و کان عثمان قد سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یذکرها فلم یجبه فذکر ذلک عمر للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هل لک فی خیر من ذلک أتزوّج أنا حفصة و أزوّج عثمان خیرا منها أمّ کلثوم خرجه أبو عمرو و قال حدیث صحیح و عن ربعی بن خراش عن عثمان انه خطب الی عمرا بنته فردّه فبلغ ذلک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما راح إلیه عمر قال یا عمر أدلک علی خیر لک من عثمان و أدل عثمان علی خیر له منک قال نعم یا نبیّ اللّه قال تزوّجنی ابنتک و أزوّج عثمان ابنتی خرجه الحجندی*

(ذکر أن تزویجه ایاها کان بوحی من اللّه تعالی و أمر منه)

* تقدّم فی تزویج رقیة طرف منه و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتانی جبریل فأمرنی أن أزوّج عثمان ابنتی و قالت عائشة کن لما لا ترجو أرجی منک لما ترجو فان موسی علیه السلام خرج یلتمس نارا فرجع بالنبوّة خرجه الحافظ أبو نعیم البصری و عن أبی هریرة قال لقی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عثمان عند باب المسجد فقال یا عثمان هذا جبریل أخبرنی أن اللّه تعالی قد أمرنی أن أزوّجک أم کلثوم بمثل صداق رقیة و علی مثل صحبتها خرجه ابن ماجه القزوینی و الحافظ أبو القاسم الدمشقی و الامام أبو الخیر القزوینی الحاکمی و عنه قال قال عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بکیت بکاء شدیدا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما یبکیک قلت أبکی علی انقطاع صهری منک قال فهذا جبریل یأمرنی بأمر اللّه أن أزوّجک أختها و عن ابن عباس معناه و فیه و الذی نفسی بیده لو أن عندی مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوّجتک أخری حتی لا یبقی بعد المائة شی‌ء هذا جبریل أخبرنی ان اللّه عز و جل یأمرنی أن أزوّجک اختها و أن أجعل صداقها مثل صداق اختها أخرجهما الفضائلی الرازی*

(ذکر وفاة أمّ کلثوم)

* ماتت أمّ کلثوم فی سنة تسع من الهجرة و صلّی علیها أبوها صلّی اللّه علیه و سلم و نزل فی حفرتها علیّ و الفضل و أسامة بن زید روی أن أبا طلحة الانصاری استأذن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی أن ینزل معهم فأذن له ذکره أبو عمرو و عن أنس قال شهدنا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس علی القبر فرأیت عینیه تدمعان فقال هل فیکم من أحد لم یقارف اللیلة فقال أبو طلحة أنا فقال انزل فی قبرها فنزل خرجه البخاری و لا تضادّ بین هذا و بین ما تقدّم بل یجوز أن یکون استأذن أوّلا فقال صلّی اللّه علیه و سلم ذلک لیثبت لابی طلحة موجب اختصاصه بالنزول و قد رویت هذه القصة فی رقیة و هو و هم فان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یکن حال دفنها حاضرا بل کان فی غزوة بدر کما تقدّم و غسلتها اسماء بنت عمیس و صفیة بنت عبد المطلب و شهدت أمّ عطیة غسلها و روت قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اغسلیها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أکثر من ذلک ان رأیتن ذلک بماء و سدر و اجعلن فی الآخرة کافورا أو شیئا من کافور فاذا فرغتن آذننی فلما فرغنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:277
آذناه فألقی إلینا حقوه و قال أشعریها ایاه قالت و مشطناها ثلاثة قرون و ألقیناها خلفها و عنها أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال ابد أن بمیامنها و مواضع السجود منها اخرجاهما أی البخاری و مسلم و عن لیلی بنت قائف الثقفیة قالت کنت ممن غسل أمّ کلثوم بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فکان أوّل ما اعطانا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت فی الثوب الآخر قالت و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس علی الباب معه کفنها فنا و لنا ثوبا ثوبا خرجه الدولابی*

(ذکر فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* فی الصفوة ولدت فاطمة و قریش تبنی الکعبة قبل النبوّة بخمس سنین و هی اصغر بناته و فی ذخائر العقبی و کانت ولادتها قبل النبوّة بخمس سنین و قریش تبنی الکعبة و ولدت الحسن و لها احدی عشرة سنة بعد الهجرة بثلاث سنین قال أبو عمرو ولدت فاطمة سنة احدی و أربعین من مولده علیه السلام و هو مغایر لما رواه ابن اسحاق انّ أولاده کلهم ولدوا قبل النبوّة الا ابراهیم* و عن أبی جعفر قال دخل العباس علی علیّ و فاطمة و أحدهما یقول للآخر أینا أکبر فقال العباس ولدت یا علی قبل بناء قریش البیت بسنوات و ولدت أنت و قریش تبنی البیت و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن خمس و ثلاثین سنة قبل النبوّة بخمس سنین خرجه الدولابی و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحب فاطمة حبا شدیدا و عن عائشة قالت قلت یا رسول اللّه مالک اذا قبلت فاطمة جعلت لسانک فی فیها فکأنک ترید أن تلعقها عسلا فقال صلّی اللّه علیه و سلم انه لما أسری بی أدخلنی جبریل الجنة فناولنی تفاحة فأکلتها فصارت نطفة فی ظهری فلما نزلت من السماء واقعت خدیجة ففاطمة من تلک النطفة فکلما اشتقت الی تلک النطفة قبلتها خرجه أبو سعد فی شرف النبوّة و روی الملا فی سیرته انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أتانی جبریل بتفاحة من الجنة فأکلتها فواقعت خدیجة فحملت بفاطمة و فی روایة قالت عائشة انک تکثر تقبیل فاطمة فقال صلّی اللّه علیه و سلم انّ جبریل لیلة أسری بی أدخلنی الجنة فأطعمنی من جمیع ثمارها فصار ماء فی صلبی فحملت خدیجة بفاطمة فاذا اشتقت الی تلک الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جمیع تلک الثمار التی أکلتها خرجه الفضل بن خیرون کذا فی ذخائر العقبی و هذه الروایات تقتضی کون ولادة فاطمة بعد البعثة لان الاسراء کان بعد البعثة و قد صرح أبو عمرو بأنّ ولادة فاطمة کانت سنة احدی و أربعین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم کما نقلنا آنفا من سیرة مغلطای*

(ذکر وصیتها الی أسماء بنت عمیس بما تصنعه بعد موتها)

* عن أمّ جعفر أنّ فاطمة رضی اللّه عنها قالت لاسماء بنت عمیس انی قد استقبحت ما یصنع بالنساء انه یطرح علی المرأة الثوب فیصفها قالت أسماء یا ابنة رسول اللّه أ لا أریک شیئا رأیته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت علیها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا و أجمله تعرف به المرأة من الرجل فاذا أنا مت فاغسلینی أنت و علیّ و لا یدخل علیّ أحد غیرک فلما توفیت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلی فشکت الی أبی بکر فقالت انّ هذه الخثعمیة تحول بیننا و بین بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بکر رضی اللّه عنه فوقف و قال یا أسماء ما حملک علی أن منعت أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یدخلن علی بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتنی أن لا یدخل علیها أحد و أریتها هذا الذی صنعت و هی حیة فأمرتنی أن أصنع ذلک لها* قال أبو بکر رضی اللّه عنه اصنعی ما أمرتک ثم انصرف و غسلها علیّ و أسماء خرجه أبو عمرو و خرج الدولابی معناه مختصرا و ذکر أنها لما أرتها النعش تبسمت و ما رؤیت متبسمة یعنی بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الا یومئذ و عن أمّ سلمی قالت اشتکت فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:278
فرضناها فأصبحت یوما کأمثل ما رأیناها فی شکواها فخرج علی بن أبی طالب لبعض حاجته قالت فاطمة اسکبی لی یا أمه غسلا فسکبت لها غسلا فاغتسلت کأحسن ما کنت أراها تغتسل قالت ثم قالت یا أمه ناولینی ثیابی الجدد قالت فناولتها ثم جاءت الی البیت الذی کانت فیه فقالت قدّمی فراشی وسط البیت و اضطجعت و وضعت یدها الیمنی تحت خدّها ثم استقبلت القبلة ثم قالت یا أمه انی مقبوضة الآن فلا یکشفنی أحد و لا یغسلنی أحد قالت فقبضت مکانها قالت و دخل علیّ فأخبرته بالذی قالت و بالذی أمرتنی فقال علیّ و اللّه لا یکشفها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذلک و لم یکشفها و لا غسلها أحد خرجه أحمد فی المناقب و الدولابی و اللفظ له و هو مضادّ لخبر أسماء المتقدّم* قال أبو عمرو فاطمة أوّل من غطی نعشها من النساء فی الاسلام علی الصفة المذکورة فی خبر أسماء المتقدّم ثم بعدها زینب بنت جحش صنع لها ذلک أیضا*

(ذکر تاریخ وفاتها و سنها یوم ماتت)

* فی الصفوة توفیت فاطمة بعد وفاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بستة أشهر فی لیلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة احدی عشرة من الهجرة و هی بنت ثمان و عشرین سنة و نصف* و عن الزهری ماتت فاطمة بعد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بثلاثة أشهر* و عن عائشة قالت کان بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بین فاطمة شهران و الاوّل أصح* و فی ذخائر العقبی قیل توفیت بعده صلّی اللّه علیه و سلم بثمانیة أشهر و قیل بمائة یوم و قیل بسبعین ذکره أبو عمرو* و فی الصفوة و هی یوم ماتت بنت ثمان و عشرین سنة و نصف سنة* و فی ذخائر العقبی و هی ابنة تسع و عشرین سنة قاله المداینی* و قال عبد اللّه بن حسن ابن علی بن أبی طالب ابنة ثلاثین سنة* و قال الکلبی خمس و ثلاثین حکاه أبو عمرو و قیل ثمان و عشرین حکاه الرازی و علی الاقوال کلها سوی قول مغلطای المتقدّم یکون مولدها قبل النبوّة* و ذکر الامام أبو بکر أحمد بن نصر بن عبد اللّه الدراع فی کتاب تاریخ موالید أهل البیت أنها توفیت و هی ابنة ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعین یوما منها بمکة ثمان سنین و الباقی بالمدینة و عاشت بعد أبیها خمسة و سبعین یوما و فی روایة أربعین یوما*

(ذکر من غسلها و من صلّی علیها و من دخل قبرها)

* فی الصفوة غسلها علیّ و صلّی علیها و قالت عمرة صلّی علیها العباس و دفنت لیلا کذا فی ذخائر العقبی و فیه و خرج البصری من حدیث مالک بن أنس أنه صلّی علیها أبو بکر و دخل بها فی قبرها علیّ و الفضل و کانت أشارت علی علیّ أن یدفنها لیلا* و عن مالک بن جعفر بن محمد عن أبیه عن جدّه علی بن الحسین قال ماتت فاطمة بین المغرب و العشاء فحضرها أبو بکر و عمر و عثمان و الزبیر و عبد الرحمن بن عوف فلما وضعت لیصلی علیها قال علیّ تقدّم یا أبا بکر قال و أنت شاهد یا أبا الحسن قال نعم تقدّم فو اللّه لا یصلی علیها غیرک فصلی علیها أبو بکر رضی اللّه عنهم أجمعین و دفنت لیلا خرجه البصری و خرجه ابن النعمان فی الموافقة و فی بعض طرقه فکبر علیها أربعا و هذا مغایر لما جاء فی الصحیح أنّ علیا لم یبایع أبا بکر حتی ماتت فاطمة و طریان هذا مع عدم البیعة یبعد فی الظاهر و الغالب و ان جاز أن یکونوا لما سمعوا بموتها حضروها فاتفق ذلک ثم بایع بعده کذا فی الریاض النضرة للمحب الطبری*

(ذکر موضع قبرها)

* ذکر الحافظ أبو عمرو بن عبد البر أنّ الحسن لما توفی دفن الی جنب أمّه فاطمة و قبر الحسن معروف بجنب قبر العباس و لا یذکر لفاطمة ثمة قبر فتکون علی هذا مع الحسن فی قبة العباس فینبغی أن یسلم علیها هناک* و روی أنّ أبا العباس المرسی کان اذا زار البقیع وقف أمام قبلة قبة العباس و سلم علی فاطمة رضی اللّه عنها و یذکر أنه کشف له عن قبرها ثمة و عن عبد اللّه بن جعفر بن محمد انه کان یقول قبر فاطمة فی بیتها الذی أدخله عمر بن عبد العزیز فی المسجد مرویاتها فی کتب الاحادیث ثمانیة عشر حدیثا المتفق علیه منها واحد و الباقی فی سائر الکتب*

(ذکر ولد فاطمة)

* عن اللیث بن سعد قال تزوّج علیّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:279
فاطمة فولدت له حسنا و حسینا و محسنا و زینب و أمّ کلثوم و رقیة فاتت رقیة و لم تبلغ و قال غیره ولدت حسنا و حسینا و محسنا فهلک محسن صغیرا و أمّ کلثوم و زینب و لم یذکر رقیة و لم یتزوّج علیها حتی ماتت و لم یکن لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عقب الا من ابنته فاطمة رضی اللّه عنها و أعظم بها معجزة ذکره المحب الطبری فی ذخائر العقبی* و سیجی‌ء ذکر الحسن و الحسین فی الموطن الثالث و الرابع و ذکر زینب و أمّ کلثوم بنتی فاطمة فی أولاد علیّ فی الخاتمة فی ذکر الخلفاء* و فی سنة ست و عشرین ولد طلحة ابن عبید اللّه و فی سنة سبع و عشرین ولد سعید بن زید* و فی سنة تسع و عشرین ولد کعب بن عجرة کذا فی سیرة مغلطای و فی السنة الثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ولد علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فی الکعبة قال ابن اسحاق أوّل ذکر آمن باللّه و رسوله علی بن أبی طالب و هو یومئذ ابن عشر سنین و عن أنس بن مالک استنبئ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و صلّی علیّ یوم الثلاثاء ثانی مبعثه و کان الاستنباء علی رأس أربعین سنة فتکون ولادة علیّ فی السنة الثلاثین من مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا ذکره فی الاستیعاب و أسد الغابة* و فی شواهد النبوّة کانت ولادة علی بمکة بعد عام الفیل بسبع سنین و قیل کانت ولادته فی الکعبة و فی وقت بعثة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان ابن خمس عشرة سنة و قیل ثلاث عشرة و قیل عشر سنین و قیل تسع سنین و الاوّل أصح أی ولادته بعد عام الفیل بسبع سنین أصح انتهی کلام شواهد النبوّة* و هذه الاقوال کلها فی الاستیعاب و أسد الغابة و قیل الذی ولد فی الکعبة عند أهل التاریخ هو حکیم بن حزام أقول لا مانع من ولادة کلیهما فی الکعبة المشرّفة و فی هذه السنة الثلاثین ولد شریح القاضی و فی سنة احدی و ثلاثین ولد أبو هریرة و فی سنة اثنتین و ثلاثین ولد بلال بن الحارث المزنی و فی سنة ثلاث و ثلاثین ولد سعید ابن عامر بن جذیم و فی سنة أربع و ثلاثین ولد معاویة بن أبی سفیان و معاذ بن جبل کذا فی سیرة مغلطای و فی السنة الخامسة و الثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم هدمت قریش الکعبة ثم بنتها کما سبق فی ذکر أوّلیة الکعبة* و فی الدلائل لابی نعیم کان بین عام الفیل و الفجار أربعون سنة و بین الفجار و بنیان الکعبة خمس عشرة سنة و فی تاریخ یعقوب کان بناؤها فی سنة خمس و عشرین من الفیل و وضع علیه السلام الرکن الیمانی بیده یوم الاثنین کذا فی سیرة مغلطای و فی هذه السنة الخامسة و الثلاثین ولدت فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد مرّ ذکرها فی السنة الخامسة و العشرین من مولده علیه السلام فی ذکر أولاده و فی هذه السنة مات زید بن عمرو بن نفیل و فی سیرة مغلطای أورد موت زید بن عمرو فی السنة الرابعة روی عن عامر بن ربیعة أنه قال کان زید بن عمرو بن نفیل یطلب الدین و کره النصرانیة و الیهودیة و عبادة الاوثان و الاحجار و أظهر خلاف قومه و اعتزل آلهتهم و ما کان یعبد آباؤهم فلا یأکل ذبائحهم و هذان البیتان من أشعاره
أربا واحدا أم ألف رب‌أدین اذا تقسمت الامور
ترکت اللات و العزی جمیعاکذلک یفعل الرجل البصیر قال عامر قال لی زید یا عامر انی خالفت قومی و اتبعت ملة ابراهیم و ما کان یعبده و اسماعیل من بعده و کانوا یصلون الی هذه القبلة و أنا أنتظر نبیا من ولد اسماعیل یبعث لا أرانی أدرکه و أنا أو من به و أصدّقه و أشهد أنه نبیّ فان طالت بک مدّة فرأیته فأقرئه منی السلام قال عامر فلما نبئ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسلمت و أخبرته بقول زید و أقرأته منه السلام فردّ صلّی اللّه علیه و سلم علیه السلام و ترحم علیه و قال لقد رأیته فی الجنة یسحب ذیولا* و فی سنة ست و ثلاثین ولد عبد اللّه بن عمرو ابن العاص و جابر و أبو قتادة و أبو أسید الساعدی کذا فی سیرة مغلطای* و من وقائع السنة الثامنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:280
و الثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم أنه رأی الضوء و النور و کان یسمع الصوت و لا یدری ما هو* و فی السنة التاسعة و الثلاثین ولد واثلة بن الاسقع ذکره العتقی کذا فی سیرة مغلطای* و من وقائع السنة الاربعین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم قتل کسری برویز النعمان بن المنذر لغضب کان علیه قتله قبل المبعث بسبعة أشهر و اللّه سبحانه و تعالی أعلم‌

* (الرکن الثانی فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته‌

اشارة

من صفة نزول الوحی و رمی الشیاطین بالشهب و انفصام طاق کسری و أوّل من أسلم و اخفاء الدعوة و وفاة ورقة بن نوفل و اظهار الدعوة و ولادة عائشة و هجرة الحبشة و ایذاء المشرکین و ولادة أسامة بن زید و وفاة سمیة بنت حباط و اسلام حمزة و عمر بن الخطاب و وقعة بغاث و تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب و نزول سورة الروم و انشقاق القمر و وفاة أبی طالب و خدیجة و ذکر ثقیف و وفود الجنّ و تزوّج سودة و عائشة و بدء اسلام الانصار و ذکر المعراج و فرض الصلوات الخمس و بیعة العقبة الاولی و بیعة العقبة الثانیة و هجرة أبی بکر الی الحبشة و ابتداء هجرة الاصحاب الی المدینة و مشاورة قریش فی حبسه أو قتله أو اخراجه و اخبار جبریل ایاه بذلک و اذنه له بالهجرة)*

نزول الوحی و کیفیته‌

من حوادث السنة الاولی من النبوّة نزول الوحی و کیفیته روی أنه لما تمّ لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربعون سنة و دخل فی السنة الحادیة و الاربعین بیوم واحد أوحی اللّه تعالی إلیه و ذلک سنة عشرین من ملک کسری أبرویز بن هرمز بن کسری أنوشروان ملک الفرس کذا فی المنتقی و أسد الغابة* و فی المواهب اللدنیة و لما بلغ أربعین سنة قیل و أربعین یوما و قیل و عشرة أیام و قیل و شهرین یوم الاثنین لسبع عشرة لیلة خلت من شهر رمضان و قیل لسبع و قیل لاربع و عشرین لیلة و قال ابن عبد البرّ یوم الاثنین لثمان من ربیع الاوّل و کذا قاله أبو عمرو و زاد سنة احدی و أربعین من عام الفیل و فی تاریخ الفسوی علی رأس خمس عشرة سنة من بنیان الکعبة و ضعفه و عن مکحول بعد ثنتین و أربعین سنة کذا فی سیرة مغلطای و قال ابن المسیب بعثه اللّه عز و جل و له ثلاث و أربعون سنة فأقام بمکة عشرا و بالمدینة عشرا و قیل انه کتم أمره ثلاث سنین و کان یدعو مستخفیا الی أن أنزل اللّه تعالی و أنذر عشیرتک الاقربین فأظهر الدعوة کذا فی أسد الغابة و سیجی‌ء زیادة علی هذا و فی المواهب اللدنیة کان ابتداء المبعث فی رجب و فی کتاب المنتقی نزل علیه القرآن و هو ابن خمس و أربعین لسبع و عشرین من رجب قاله الحسین و جمع بأنّ ذلک حین حمی الوحی و تتابع کذا فی سیرة مغلطای و قال بعض علماء الحدیث ابتداء الوحی الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان فی المنام فی ربیع الاوّل فی السنة الحادیة و الاربعین و ابتداء الوحی إلیه فی الیقظة و نزول القرآن کان فی رمضان تلک السنة و عن أنس بن مالک أنه قال بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی رأس أربعین و الصحیح من الروایات أنّ أوّل ما بدئ به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الوحی الرؤیا الصادقة فی النوم فکان لا یری رؤیا إلّا جاءت مثل فلق الصبح کما سیجی‌ء من حدیث عائشة فانّ المدّة التی کان یوحی إلیه فی المنام فیها ستة أشهر الی أن استعلن له جبریل فقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الرؤیا الصادقة جزء من ستة و أربعین جزأ من النبوّة معناه أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین بعث أقام بمکة ثلاث عشرة سنة و أقام بالمدینة عشر سنین فذلک ثلاث و عشرون سنة کاملة فاذا قسمت مدّة الوحی إلیه فی الیقظة و هی ثلاث و عشرون سنة الی مدّة الوحی إلیه فی المنام و هی ستة أشهر وجدت مدّة بعثه الی حین وفاته علی هذا ستة و أربعین جزأ فاتضح معنی الحدیث و روی عن محمد بن أحمد بن عبد البر أنه قال بعث اللّه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم و له یومئذ أربعون سنة فأتاه جبریل لیلة السبت و لیلة الاحد ثم ظهر له بالرسالة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:281
یوم الاثنین لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان بحراء و هو أوّل موضع نزل فیه القرآن نزل اقرأ باسم ربک الذی خلق خلق الانسان من علق اقرأ و ربک الاکرم الذی علم بالقلم علم الانسان ما لم یعلم الی هذا ثم بحث أی ضرب جبریل بعقبه فی الارض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء و الصلاة رکعتین و قیل ثم جاء جبریل فی یوم الثلاثاء ثانی مبعثه فوافاه بأعلی مکة فهمز جبریل بعقبه ناحیة الوادی فنبع عین ماء فتوضأ و أری رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الوضوء ثم قام جبریل فصلی به رکعتین و أراه الصلاة و فی ذلک الیوم فرض علیه الوضوء و الصلاة ثم فارقه جبریل و عاد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی خدیجة فأخبرها فغشی علیها من الفرح ثم أخذ بیدها و أتی بها الی العین فتوضأ لیریها الوضوء فتوضأت ثم قام فصلی وصلت معه و کانت أوّل من آمن و أوّل من صلّی فکانت ذلک أوّل فرضها رکعتین ثم انّ اللّه تعالی أقرّها فی السفر کذلک و أتمها فی الحضر* و قال مقاتل کانت الصلاة أوّل فرضها رکعتین بالغدوة و رکعتین بالعشیّ لقوله تعالی و سبح بالعشیّ و الابکار* قال فی فتح الباری کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قبل الاسراء یصلی قطعا و کذلک أصحابه و لکن اختلف هل افترض قبل الخمس شی‌ء من الصلاة أم لا فقیل انّ الفرض کان صلاة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و الحجة علیه قوله تعالی و سبح بحمد ربک قبل طلوع الشمس و قبل غروبها انتهی* و قال النووی أوّل ما وجب الانذار و الدعاء الی التوحید ثم فرض اللّه من قیام اللیل ما ذکر فی أوّل سورة المزمّل ثم نسخه بما فی آخرها ثم نسخه بایجاب الصلوات الخمس لیلة الاسراء کذا فی المواهب اللدنیة* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا خدیجة هذا جبریل یقرئک السلام من ربک فقالت خدیجة اللّه السلام و منه السلام و علی جبریل السلام و عن أبی هریرة قال أتی جبریل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه هذه خدیجة قد أتت معها اناء فیه ادام أو طعام أو شراب فاذا أتتک فاقرأ علیها السلام من ربها و منی و بشرها ببیت فی الجنة من قصب لا صخب فیه و لا نصب رواه البخاری* و روی أبو قتادة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه سئل عن صوم الاثنین فقال ذلک یوم ولدت فیه و یوم بعثت فیه و اختلفوا فی أنّ نزول القرآن فی أی الاثانین کان علی خمسة أقوال* أحدها لسبع خلت من رمضان و قد ذکرناه* و الثانی لاربع و عشرین لیلة خلت من رمضان رواه قتادة* و الثالث للثامنة عشرة لیلة خلت من رمضان رواه أبو أیوب عن أبی قلابة* و الرابع انه کان فی رجب* روی عن أبی هریرة قال من صام یوم سبع و عشرین من رجب کتب اللّه له صیام ستین شهرا و هذا الیوم الذی نزل فیه جبریل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالرسالة أوّل یوم هبط فیه* و الخامس انه الثانی من ربیع الاوّل* و عن عائشة أنها قالت أوّل ما بدئ به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الوحی الرؤیا الصادقة و کان لا یری رؤیا إلّا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إلیه الخلاء فکان یأتی حراء فیتحنث فیه و هو التعبد اللیالی ذوات العدد و یتزوّد لذلک ثم یرجع الی خدیجة فتزوّده لمثلها حتی اذا جاء الحق و هو فی غار حراء فجاءه الملک فیه و قال اقرأ فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی حتی بلغ منی الجهد ثم أرسلنی فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی الثانیة حتی بلغ منی الجهد ثم أرسلنی فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی الثالثة حتی بلغ منی الجهد ثم أرسلنی فقال اقرأ باسم ربک الذی خلق حتی بلغ ما لم یعلم فرجع بها یرجف فؤاده حتی دخل علی خدیجة فقال زمّلونی زمّلونی فزمّلوه حتی ذهب عنه الروع* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فی حدیث حدّثه حتی اذا کان شهر رمضان خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی حراء کما کان یخرج لجواره و معه أهله حتی اذا کانت اللیلة التی أکرمه اللّه فیها بالرسالة و رحم العباد بها جاءه جبریل بأمر اللّه تعالی قال رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:282
صلی اللّه علیه و سلم فجاءنی و أنا نائم بنمط من دیباج فیه کتاب فقال اقرأ قال فقلت ما اقرأ قال فغتنی به بالتاء مکان الطاء فی الروایة السابقة حتی ظننت انه الموت ثم أرسلنی فقال اقرأ و هکذا الی ثلاث مرّات ثم قال له اقرأ باسم ربک الذی خلق الی قوله ما لم یعلم قال قرأتها ثم انتهی فانصرف عنی و هببت من نومی فکأنما کتب فی قلبی کتابا الی آخر الحدیث* و فی المنتقی فقال یا خدیجة ما لی فأخبرها الخبر و قال خشیت علیّ فقالت له کلا ابشر فو اللّه لا یخزیک اللّه أبدا انک لتصل الرحم و تصدق الحدیث و تحمل الکل و تقرئ الضیف و تعین علی نوائب الحق ثم انطلقت به خدیجة حتی أتت به ورقة بن نوفل و هو ابن عم خدیجة و کان امرأ تنصر فی الجاهلیة و کان یکتب الکتاب العربی* و فی روایة العبرانی یکتب بالعربیة من الانجیل ما شاء اللّه أن یکتب و کان شیخا کبیرا قد عمی فقالت له خدیجة أی ابن عم اسمع من ابن أخیک و قیل انّ خدیجة قالت لابی بکر یا عتیق اذهب الی ورقة بن نوفل کذا فی سیرة مغلطای فقال ورقة یا ابن أخی ما تری فأخبره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ورقة هذا الناموس الاکبر الذی أنزل اللّه تعالی علی موسی یا لیتنی فیها جذعا أکون حیا حین یخرجک قومک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أو مخرجیّ هم قال نعم لم یأت رجل قط بما جئت به إلا عودی و ان یدرکنی یومک أنصرک نصرا مؤزرا فلم ینشب ورقة ان توفی و فتر الوحی فترة حتی حزن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حزنا غدا منه مرارا کی یتردّی من رءوس شواهق الجبال فکلما أوفی بذروة جبل لکی یلقی نفسه منه تبدی له جبریل فقال یا محمد انک رسول اللّه فیسکن له جاشه و تقرّ عینه فیرجع فاذا طالت علیه فترة الوحی غد المثل ذلک فاذا أوفی بذروة جبل تبدی له جبریل فقال له مثل ذلک* و فی المواهب اللدنیة فترة الوحی عبارة عن تأخره مدّة من الزمان و ذلک لیذهب عنه ما کان یجده علیه السلام من الروع و لیحصل له الشوق الی العود و کانت مدّة فترة الوحی ثلاث سنین کما جزم به ابن اسحاق* و فی تاریخ الامام أحمد و یعقوب بن سفیان عن الشعبی أنزل علیه النبوّة و هو ابن أربعین سنة فقرن بنبوّته اسرافیل ثلاث سنین قبل جبریل فکان یعلمه الکلمة و الشی‌ء و لم ینزل علیه القرآن علی لسانه فلما مضت ثلاث سنین قرن بنبوّته جبریل فنزل علیه القرآن علی لسانه عشرین سنة کذا رواه ابن سعد و البیهقی فقد تبین انّ نبوّته علیه السلام کانت متقدّمة علی رسالته کما قال أبو عمرو و غیره کما حکاه أبو أمامة بن النقاش فکان فی نزول سورة اقرأ نبوّته و فی نزول سورة المدّثر رسالته بالنذارة و البشارة و التشریع و هذا قطعا متأخر عن الاوّل لانه لما کانت سورة اقرأ متضمنة لذکر أطوار الآدمی من الخلق و التعلیم و الافهام ناسب أن یکون أوّل سورة أنزلت و هذا هو الترتیب الطبیعی* و فی المواهب اللدنیة أیضا قد ذکر ابن عادل فی تفسیره انّ جبریل علیه السلام نزل علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أربعة و عشرین ألف مرّة و نزل علی آدم اثنتی عشرة مرّة و علی ادریس أربع مرّات و علی نوح خمسین مرّة و علی ابراهیم اثنتین و أربعین مرّة و علی موسی أربعمائة و علی عیسی عشر مرّات و زاد غیره ثلاث مرّات فی صغره و سبع مرّات فی کبره* و قال علیه السلام فی حدیث فترة الوحی بینا أنا أمشی اذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصری فاذا الملک الذی جاءنی بحراء جالس علی کرسی بین السماء و الارض فرعبت منه فرجعت فقلت زمّلونی زمّلونی فأنزل اللّه تعالی یأیها المدّثر قم فأنذر و ربک فکبر و ثیابک فطهر و الرجز فاهجر فحمی الوحی و تتابع* و جاء فی التفاسیر ان أبا میسرة قال کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا برز سمع منادیا ینادی یا محمد فیمرّ هاربا فقال ورقة بن نوفل اذا سمعت فاثبت حتی تدری ما یقال لک فبرز فنودی فقال لبیک فقیل له قل أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه فقالها فقیل له قل الحمد للّه رب العالمین و قرأ سورة الحمد الی آخرها و المروی فی الصحیح الثابت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:283
انّ اقرأ باسم ربک أوّل ما نزل من القرآن و ان صح هذا الحدیث عن أبی میسرة فلعل الملک أسمعه ذلک قبل أن یظهر له بحراء ثم کان الذی بدئ به من الوحی بعد ظهور الملک و حصول العلم بأنه رسول اللّه إلیه الآیات من أوّل سورة اقرأ* روی عن خدیجة أنها قالت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما تثبته فیما أکرمه اللّه به من نبوّته یا ابن عم أ تستطیع أن تخبرنی بصاحبک هذا الذی یأتیک اذا جاءک قال نعم فجاء جبریل فقال یا خدیجة هذا جبریل قد جاءنی قالت فقم فاجلس علی فخذی الیسری فقام فجلس فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل الی فخذی الیمنی فتحوّل فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل فاجلس فی حجری فجلس قالت هل تراه قال نعم فألقت خمارها و قالت هل تراه قال لا قالت یا ابن عم اثبت و ابشر فو اللّه انه الملک و ما هو بشیطان* و روی انه أوّل ما تراءی له جبریل أتاه من خلفه فضربه برجله فاستوی جالسا و نظر یمینا و شمالا فلم یر أحدا ثم أتاه فضربه برجله ثم قال قم یا محمد فاذا برجل یسیر بین یدیه و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم تبعه ثم أخرجه من باب الصفا فلما کان بین الصفا و المروة أنشب رجله فی الارض و مد رأسه الی السماء و نشر جناحیه فملأ بهما ما بین المشرق و المغرب فاذا رجلاه مغموستان فی صفرة و اذا جناحاه مغموستان فی خضرة علیه وشاحان من یاقوت أحمر أجلی الجبین واضح الجبهة براق الثنایا شعره کالمرجان شعر رأسه حبک مکتوب بین عینیه لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فلما نظر إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رعب من عظم خلقه فقال له من أنت رحمک اللّه فانی لم أر شیئا قط أعظم منک خلقا و لا أحسن منک وجها قال أنا جبریل أنا الروح الامین الی جمیع النبیین* و فی سیرة مغلطای قال ابشر یا محمد أنا جبریل أرسلت إلیک و أنت رسول هذه الامّة اقرأ یا محمد قال ما أقرأ و لم أقرأ قط فأخرج جبریل من تحت جناحه درنوکا من درانیک الجنة منسوجا بالدرّ و الیاقوت فوضعه علی وجه محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم غمه حتی کاد أن یغشی علیه ثم خلی عنه ثم قال اقرأ یا محمد قال و ما أقرأ و ما قرأت شیئا قط فعاد إلیه بالدرنوک فصنع به ما صنع فی المرّة الاولی فلما أفاق قال اقرأ یا محمد فتمنی الموت مما صنع به و خاف أن یقول لا أقرأ فیعود علیه بالدرنوک قال اقرأ باسم ربک الذی خلق خلق الانسان من علق الی آخر السورة ثم قال لی انزل عن الجبل فنزلت معه الی قرار الارض فأجلسنی علی درنوک و علیه ثوبان أخضران کذا فی سیرة مغلطای ثم همز بعقبه الارض فنبعت عین ماء فتوضأ و توضأ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و صلّی و صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم معه یقتدی بصنعه فکان ذلک أوّل فرض الصلاة رکعتین رکعتین ثم انّ اللّه تعالی أقرّهما فی السفر و أتمها فی الحضر* قال مقاتل کانت الصلاة أوّل فرضها رکعتین بالغداة و رکعتین بالعشی کما مرّ فی سیرة مغلطای ثم غاب عنه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قلت لما غاب عنی انی شاعر أو مجنون و لم یکن شی‌ء أبغض الیّ من شاعر أو مجنون فقلت لا صعدن الی قلة هذا الجبل فأرمی نفسی فأموت فاذا أنا بجبریل قد سدّ ما بین خافقی السماء و هو یقول أین ترید یا محمد أنا خلیلک و أخوک جبریل فشغلنی ما رأیت من جبریل علیه السلام عما کنت هممت بنفسی فانحدرت من الجبل فأتیت باب خدیجة فدققت الباب فوثبت خدیجة الی الباب ففتحت لی الباب فلما أن نظرت الیّ استقبلتنی و اعتنقتنی و قبلت ما بین عینیّ و قالت فداک أبی و أمی أری لوجهک نورا لم أر مثله قط و أشم منک ریحا لم أشم مثلها قط فما الذی رأیت فأخبرها الخبر فقالت هذه کرامة اللّه ایاک فأجلست رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم تدعه یخرج و قالت یا محمد اذا اتاک فأخبرنی فلما أتاه جبریل قال أتانی قالت هاهنا الیّ فأقعدته علی فخذها الیسری قالت هل تراه قال نعم ثم أقعدته علی فخذها الیمنی قالت هل تراه قال نعم ثم أدخلته بین جلدها و درعها و أخرجت رأسه من جیبها و ألقت خمارها عن رأسها و تحسرت و قالت هل
تراه قال لا قالت کما أنت یا محمد حتی آتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:284
ورقة بن نوفل فأتته و قالت نعمت صباحا یا ابن عم و کانت هذه تحیة الجاهلیة بمنزلة السلام علیک قال لها أ خدیجة أنت و کان ورقة قد عمی من الکبر قالت نعم قال مالک یا سیدة نساء قریش قالت أخبرنی عن جبریل ما هو قال قدّوس قدّوس ما ذکر جبریل فی بلدة لا یعبدون فیها اللّه قالت انّ محمد بن عبد اللّه أخبرنی انه أتاه قال فان کان جبریل هبط الی هذه الارض لقد أنزل اللّه إلیها خیرا عظیما هو الناموس الاکبر الذی أتی موسی و عیسی بالرسالة و الوحی قالت فأخبرنی هل تجد فیما قرأت من التوراة و الانجیل انّ اللّه یبعث نبیا فی هذا الزمان قال نعم یبعث اللّه نبیا فی هذا الزمان یکون یتیما فیؤویه اللّه و فقیرا فیغنیه اللّه تکفله امرأة من قریش أکثرهم حسبا فقال لها نعتها مثل نعتک یا خدیجة قالت فهل تجد غیرها قال نعم انه یمشی علی الماء کما مشی عیسی ابن مریم و تکلمه الموتی کما کلمت عیسی ابن مریم و تسلم علیه الحجارة و تشهد له الاشجار و أخبرها بنحو قول بحیرا ثم انصرفت عنه و أتت عداسا الراهب و کان شیخا کبیر السن و قد وقع حاجباه علی عینیه من الکبر فقالت أنعم صباحا یا عداس قال و کانّ هذا الکلام کلام خدیجة سیدة نساء قریش قالت أجل قال هلموا الیّ العمامة لأرفع بها حاجبی لا نظر الی خدیجة ففعلوا فقال ادنی منی فقد ثقل سمعی فدنت منه ثم قالت یا عداس أخبرنی عن جبریل ما هو و سألت بمثل ما سألت ورقة فأجابها بمثل ما أجابها ورقة و قال فی آخره و لکن یا خدیجة ان الشیطان ربما عرض للعبد فأراه أمورا فخذی کتابی هذا فانطلقی به الی صاحبک فان کان مجنونا فانه سیذهب عنه و ان کان من اللّه فلن یضرّه فانطلقت بالکتاب معها فلما دخلت منزلها اذا هی برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع جبریل قاعد یقرئه هذه الآیات ن و القلم و ما یسطرون* ما أنت بنعمة ربک بمجنون* و انّ لک لاجرا غیر ممنون و انک لعلی خلق عظیم* فستبصر و یبصرون بأیکم المفتون* أی المجنون فلما سمعت خدیجة قراءته اهتزت فرحا ثم قالت للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فداک أبی و أمی امض معی الی عداس فقام معها الی عداس فلما أن سلم علیه أدناه و کشف عن ظهره فاذا خاتم النبوّة یلوح بین کتفیه فلما نظر عداس إلیه خرّ ساجدا یقول قدّوس قدّوس أنت و اللّه النبیّ الذی بشر بک موسی و عیسی أما و اللّه یا خدیجة لیظهرن له أمر عظیم و نبأ کبیر فو اللّه یا محمد ان عشت حتی تؤمر بالدعاء لا ضربن بین یدیک بالسیف هل أمرت بشی‌ء بعد قال لا قال ستؤمر ثم تؤمر ثم تکذب ثم یخرجک قومک فشق ذلک علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال یا عداس و انهم لیخرجونی قال نعم ما جاء و اللّه أحد بمثل ما جئت به الا أخرجه قومه و کان قومه أشدّ الناس علیه و اللّه ینصرک و ملائکته ثم انصرف عنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

(صفة نزول الوحی)

* عن عائشة ان الحارث بن هشام سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه کیف یأتیک الوحی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحیانا یأتینی مثل صلصلة الجرس و هو أشدّ علیّ فیفصم عنی و قد وعیت عنه ما قال و أحیانا یتمثل لی الملک رجلا فیکلمنی فأعی ما یقول قالت عائشة و لقد رأیته ینزل علیه الوحی فی الیوم الشدید البرد فیفصم عنه و ان جبینه لیتفصد عرقا* و فی الحدیث أنه صلّی اللّه علیه و سلم أوحی إلیه و هو علی ناقته فبرکت و وضعت جرانها بالارض فما تستطیع أن تتحرّک و انّ عثمان رضی اللّه عنه کان کاتب الوحی یکتب للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا یستوی القاعدون الآیة و فخذ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی فخذ عثمان فجاء ابن أمّ مکتوم فقال یا رسول اللّه ان بی من العذر ما تری فغشیه الوحی فثقلت فخذه علی فخذ عثمان حتی قال خشیت أن یرضها و أنزل اللّه غیر أولی الضرر* و روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان اذا نزل علیه الوحی وجد منه ألما شدیدا و یتصدّع رأسه* و فی هذه السنة کانت وقعة قار بین ربیعة و الفرس و ولد رافع بن خدیج قاله العتقی کذا فی سیرة مغلطای*

رمی الشیاطین بالشهب‌

(و من حوادث مبعثه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:285
صلی اللّه علیه و سلم رمی الشیاطین بالشهب بعد عشرین یوما من المبعث) عن ابن عباس قال لما بعث اللّه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم دحر الشیاطین و رموا بالکواکب و کانوا قبل یستمعون لکل قبیلة من الجن مقعد یستمعون فیه و قال ابلیس هذا أمر حدث فی الارض ائتونی من کل أرض بتربة فکان یؤتی بالتربة فیشمها و یلقیها حتی أتی بتربة تهامة فشمها و قال هاهنا الحدث* و فی المنتقی أوّل من فزع لذلک أهل الطائف فجعلوا یذبحون لآلهتهم من کان له ابل أو غنم کل یوم حتی کادت أن تذهب أموالهم ثم تناهوا و قال بعضهم لبعض أ لا ترون معالم السماء کما هی لا یذهب منها بشی‌ء* و فی المدارک الجمهور علی انّ ذلک لم یکن قبل مبعث محمد صلّی اللّه علیه و سلم و قیل کان فی الجاهلیة و لکن الشیاطین کانت تسترق فی بعض الاوقات فمنعوا من الاستراق أصلا بعد مبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سیجی‌ء فی حوادث السنة العاشرة من النبوّة*

انفصام طاق کسری‌

و من حوادث مبعثه صلّی اللّه علیه و سلم ما روی انه لما بعث اللّه نبیه صلّی اللّه علیه و سلم أصبح کسری برویز ذات غداة و قد انفصمت طاق ملکه من وسطها فلما رأی ذلک أحزنه و قال شاهی بشکست یقول الملک انکسر ثم دعا کهانة و سحرته و منجمیه و قال انظروا فی ذلک الامر فنظروا ثم قالوا لیخرجن من الحجاز سلطان یبلغ المشرق و المغرب و تخصب منه الارض کأفضل ما أخصبت من ملک کان قبله* و فی دلائل النبوّة و شواهد النبوّة ان کسری کان بنی علی الدجلة بناء عظیما و أنفق فی عمارته مالا کثیرا فأصبح یوما فرأی ایوانه قد انصدع و خرب الماء البنیان و کان له ثلاثمائة و ستون رجلا من الحزاة العلماء و من الکهنة و السحرة و المنجمین و کان فیهم رجل من العرب اسمه السائب بعث به إلیه باذان من الیمن و کان یعتاف اعتیاف العرب قلما تخطئ أحکامه فجمعهم کسری و قال لهم انکسر ایوانی و خرب الماء بنیانی علی دجلة من غیر سبب ظاهر فانظروا فیه فخرجوا من عند کسری لینظروا فی ذلک الامر فوجدوا طرق الکهانة و السحر و النجوم مسدودة علیهم فبات السائب فی لیلة ظلماء علی ربوة من الارض یرمق برقا نشأ من أرض الحجاز ثم استطار حتی بلغ المشرق فلما أصبح رأی ما تحت قدمیه فاذا هی خضراء فقال فیما یعتاف لئن صدق ما أری لیخرجن من الحجاز سلطان یبلغ المشرق و تخصب عنه الارض کأفضل ما أخصبت عن ملک کان قبله فلما اجتمع الحزاة قال بعضهم لبعض و اللّه ما حال بینکم و بین علمکم الا أمر جاء من السماء و انه لنبی بعث أو هو سیبعث من الحجاز یسلب ملک کسری و یبلغ سلطانه المشرق و لئن نعیتم الی کسری ملکه لیقتلنکم فأقیموا بینکم أمرا تقولونه فجاءوا کسری فقالوا له انا قد نظرنا فی هذا فوجدنا حسابک الذین وضعت علی حسابهم طاق ملکک قد أخطئوا فوضعوه علی النحوس و انا سنحسب لک حسابا تضع علیه بنیانک فلا یزول قال فاحسبوا فحسبوا ثم قالوا له ابنه فبنی فعمل فی دجلة ثمانیة أشهر و أنفق فیها من الاموال ما لا یدری ما هو فلما تمّ البنیان قال لهم اجلس علی سورها قالوا نعم فعمل مأدبة و اجتمع أمراؤه و أرکان دولته فأمر بالبسط و الفرش و الریاحین فوضعت علیها فبینما هم هناک انتسفت دجلة البنیان من تحته و غرق الناس و ما فیه فلم یستخرج کسری الا بآخر رمق فلما أخرج تغیظ لهم و غضب علی الحزاة و قتل منهم قریبا من مائة و قال تلعبون بی و قال الباقون أیها الملک أخطأنا کما أخطأ الذین من قبلنا و لکن نحسب لک حسابا حتی تضعه علی الوفاق من السعود قال انظروا فحسبوا له ثم قالوا له ابنه فبنی و أنفق من الاموال ما لا یدری ما هو ثمانیة أشهر فلما تمّ قال لهم أخرج فاقعد قالوا نعم فرکب برذونا و خرج فبینا هو یسیر علیها اذ انتسفت دجلة البنیان فلم یدرک کسری الا بآخر رمق فدعاهم فقال و اللّه لآمرن علی آخرکم و لا نزعن أکتافکم و لأطرحنکم بین أیدی الفیلة أو لتصدقنی ما هذا الامر الذی تلقون علیّ قالوا نکذبک أیها الملک حین خرجنا من عندک لننظر فی علمنا فوجدنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:286
الارض قد أظلمت علینا بالاقطار و سدّت علینا طرق علمنا و لم یمض لعالم منا علمه فعرفنا انّ هذا الامر حدث من السماء و انه قد بعث نبیّ من الحجاز أو سیبعث فیکون سببا لزوال ملکک فلما سمع کسری ذلک ترکهم و لها عنهم و عن دجلة حین غلبته* روی عن الحسن البصری أنّ أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالوا یا رسول اللّه ما حجة اللّه علی کسری فیک قال بعث اللّه ملکا فأخرج یده من سور جدار بیته الذی هو فیه تلألأ نورا فلما رأی ذلک فزع فقال لا ترع یا کسری انّ اللّه قد بعث رسولا و أنزل إلیه کتابا فاتبعه تسلم دنیاک و آخرتک قال سأنظر و سیجی‌ء فی الموطن السابع مثل هذا و کیفیة هلاک کسری*

(ذکر أوّل من أسلم)

* و فیه اختلاف و المشهور انه أبو بکر و قیل علیّ و من النساء خدیجة و من الموالی زید ثم أسلم بلال و قیل أوّل من أسلم من الرجال أبو بکر و من الصبیان علیّ و من النساء خدیجة ثم الزبیر و عثمان و ابن عوف و سعد و طلحة و قیل أوّل من أسلم بعد خدیجة أبو بکر الصدّیق و هو قول العباس و ابراهیم النخعی و الشعبی کذا فی معالم التنزیل* و فی الاستیعاب و أسد الغابة عن الحسن و غیره أوّل من أسلم علیّ* و سئل محمد بن کعب القرظی عن أوّل من أسلم علیّ أو أبو بکر قال سبحان اللّه علیّ أوّلهما اسلاما و انما اشتبه علی الناس لانّ علیا أخفی اسلامه عن أبی طالب و أبو بکر أسلم و أظهر اسلامه و قیل ینبغی أن یقال أوّل من آمن ورقة بن نوفل کذا فی مزیل الخفاء* و فی الکشاف آمن برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی قیل النبوّة ورقة ابن نوفل و تبع الاکبر و حبیب بن شراجیل النجار و کان ینحت الاصنام و آمن برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بینهما ستمائة سنة و لم یؤمن بنبی أحد الا بعد ظهوره قیل کان فی غار یعبد اللّه فلما بلغه خبر رسل عیسی أتاهم و أظهر دینه و قاول الکفرة فقالوا أ و أنت تخالف دیننا فوثبوا علیه فقتلوه و قیل تواطئوه بأرجلهم حتی خرج قصبه من دبره و قیل رجموه و هو یقول اللهمّ اهد قومی و قبره فی سوق انطاکیة فلما قتل غضب اللّه علیهم فأهلکهم بصیحة جبریل علیه السلام* و عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سباق الامم ثلاثة لم یکفروا باللّه طرفة عین علی بن أبی طالب و صاحب یس و مؤمن آل فرعون* و قال ابن اسحاق کان أوّل من تبع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة بنت خویلد زوجته ثم کان أوّل ذکر آمن به علیّ و هو یومئذ ابن عشر سنین* و فی الریاض النضرة بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و أسلم علیّ یوم الثلاثاء خرجه البغوی فی معجمه* و عن رافع قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعثت یوم الاثنین وصلت خدیجة آخر یوم الاثنین و صلّی علیّ یوم الثلاثاء من الغد ثم زید بن حارثة ثم أبو بکر و هو یومئذ ابن ثمان و ثلاثین سنة کذا فی المدارک و قیل سبع و ثلاثین فلما أسلم أبو بکر جعل یدعو الی الاسلام فأسلم علی یدیه الزبیر بن العوّام و عثمان بن عفان و طلحة بن عبید اللّه و سعد بن أبی وقاص و عبد الرحمن بن عوف کذا فی شرح المقاصد* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما دعوت أحدا الی الاسلام الا کانت عنده کبوة و تردّد الا أبا بکر ما أعتم حین ذکرته له و ما تردّد فیه* و فی أسد الغابة عن خالد الجهنی عن عبد اللّه بن مسعود قال قال أبو بکر انه خرج الی الیمن قبل أن یبعث النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال فنزلت علی شیخ من الازد عالم قد قرأ الکتب و علم من علم الناس کثیرا فلما رآنی قال أحسبک حرمیا قال أبو بکر قلت نعم أنا من أهل الحرم قال و أحسبک قرشیا قال قلت نعم و أنا من قریش قال و أحسبک تیمیا قال قلت نعم و أنا من تیم بن مرّة أنا عبد اللّه بن عثمان من ولد کعب ابن سعد بن تیم بن مرّة قال بقیت لی فیک واحدة قلت و ما هی قال تکشف لی عن بطنک قلت لا أفعل أو تخبرنی لم ذاک قال أجد فی العلم الصحیح الصادق انّ نبیا یبعث فی الحرم یعاونه علی أمره فتی و کهل أمّا الفتی فخوّاض غمرات و دفاع معضلات و أمّا الکهل فأبیض نحیف علی بطنه شامة و علی فخذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:287
الیسری علامة و ما علیک أن ترینی ما سألتک فقد تکاملت لی فیک الصفة الا ما خفی علیّ* قال أبو بکر فکشفت له بطنی فرأی شامة سوداء فوق سرّتی فقال أنت هو و رب الکعبة و انی متقدّم إلیک فی أمر فاحذره قال أبو بکر قلت و ما هو قال ایاک و المیل عن الهدی و تمسک بالطریق الوسطی و خف اللّه فیما خوّلک و أعطاک قال أبو بکر فقضیت بالیمن أربی ثم أتیت الشیخ لأودّعه فقال أ حامل عنی أبیاتا من الشعر قلتها فی ذلک النبیّ قلیت نعم فذکر أبیاتا قال أبو بکر فقدمت مکة و قد بعث صلی اللّه علیه و سلم فجاءنی عقبة بن أبی معیط و شیبة بن ربیعة و أبو جهل و أبو البختری و صنادید قریش فقلت لهم هل نابتکم نائبة أو ظهر فیکم أمر قالوا یا أبا بکر أعظم الخطب یتیم أبی طالب یزعم انه نبیّ و لو لا أنت ما انتظرنا به فإذ قد جئت فأنت الغایة و الکفایة* قال أبو بکر فصرفتهم علی أحسن مس و سألت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقیل لی فی منزل خدیجة فقرعت علیه الباب فخرج الیّ فقلت یا محمد فقدت من منازل أهلک و ترکت دین آبائک و أجدادک قال یا أبا بکر انی رسول اللّه إلیک و الی الناس کلهم فآمن باللّه قلت و ما دلیلک علی ذلک قال الشیخ الذی لقیته بالیمن قلت و کم من شیخ لقیت بالیمن قال الشیخ الذی أفادک الابیات قلت و من خبرک بهذا یا حبیبی قال الملک المعظم الذی یأتی الأنبیاء قبلی قلت مدّ یدک فأنا أشهد أن لا إله الا اللّه و انک رسول اللّه قال ابو بکر فانصرفت و ما بین لابتیها اشدّ سرورا من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم باسلامی* و عن مجاهد قال اوّل من اظهر الاسلام سبعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ابو بکر و بلال و خباب و صهیب و عمار و سمیة أمّ عمار کذا فی الصفوة* و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت خرج ابو بکر رضی اللّه عنه یرید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان له صدیقا فی الجاهلیة فلقیه قال یا ابا القاسم فقدت من مجالس قومک و اتهموک بالعیب لآبائها و أدیانها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی رسول اللّه أدعو الی اللّه فلما فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسلم ابو بکر فانصرف عنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ما بین الاخشبین اکثر منه سرورا باسلام ابی بکر فمضی ابو بکر فراح بعثمان و طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوّام و سعد بن ابی وقاص فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون و ابی عبیدة بن الجراح و عبد الرحمن بن عوف و ابی سلمة ابن عبد الاسد و الارقم بن ابی الارقم فأسلموا کذا فی المنتقی*

(ذکر ما وقع فی السنة الثانیة و الثالثة من النبوّة من اخفاء الدعوة)

* روی انه کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستر النبوّة و یدعو الی الاسلام فی السرّ ثلاث سنین و کان ابو بکر أیضا یدعو من یثق به من قومه فلما مضت من النبوّة ثلاث سنین نزل قوله تعالی فاصدع بما تؤمر فأظهر الدعوة الی الاسلام* و روی عن عروة بن الزبیر و غیره من اهل العلم انه کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من حین انزل علیه اقرأ باسم ربک الی ان کلف الدعوة و اظهارها و أنزل فاصدع بما تؤمر و أنذر عشیرتک الاقربین ثلاث سنین لا یظهر الدعوة فی تلک المدّة الا للمختصین ثم أعلن و صدع بما یأمر اللّه تعالی به نحو عشر سنین بمکة* و فی السنة الثانیة أو الثالثة من النبوّة توفی ورقة بن نوفل ابن عم خدیجة فی حدیث عائشة رضی اللّه عنها فی الصحیحین انّ الوحی تتابع فی حیاة ورقة و انه آمن به* و قال الذهبی الاظهر انه مات بعد النبوّة و قبل الرسالة أی قبل اظهار الدعوة و نزول فاصدع بما تؤمر و أخواتها* و فی المنتقی أورد وفاة ورقة بن نوفل فی السنة الرابعة من النبوّة* و فی السنة الرابعة من النبوّة کان اظهار الدعوة و فی صحیح مسلم عن أبی هریرة أنه قال لما نزلت هذه الآیة و أنذر عشیرتک الاقربین دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قریشا فاجتمعوا نعم و خص و قال یا بنی کعب بن لؤیّ أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی عبد شمس أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی عبد مناف أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی هاشم أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی عبد المطلب أنقذوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:288
أنفسکم من النار یا فاطمة أنقذی نفسک من النار فانی لا أملک لکم من اللّه شیئا غیر ان لکم رحما سأبلها ببلالها ذکره المحب الطبری فی ذخائر العقبی* و فی أنوار التنزیل لما نزلت و أنذر عشیرتک الاقربیین صعد الصفا و ناداهم فخذا فخذا فاجتمعوا إلیه فقال صلّی اللّه علیه و سلم لو أخبرتکم أن بسفح هذا الجبل خیلا أ کنتم مصدقیّ قالوا نعم قال صلّی اللّه علیه و سلم فانی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید قال أبو لهب تبا لک أ لهذا دعوتنا و أخذ حجرا لیرمیه فنزلت تبت یدا أبی لهب و کذا فی النهر الا أن فیه قال یا صفیة بنت عبد المطلب یا فاطمة بنت محمد لا أغنی عنکما من اللّه شیئا سلانی من مالی ما شئتم ثم صعد الصفا فنادی بطون قریش یا فلان یا فلان* و فی روایة صاح بأعلی صوته یا صباحاه فاجتمعوا إلیه من کل وجه فقال لهم أ رأیتم لو قلت لکم انی أنذرکم خیلا بسفح هذا الجبل أ کنتم مصدقیّ الی آخر ما ذکر و فیه أ لهذا جمعتنا فافترقوا عنه و لما سمعت أمّ جمیل سورة تبت أتت أبا بکر و هو مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد و بیدها فهر و قالت بلغنی أنّ صاحبک هجانی و لا فعلن فأعمی اللّه بصرها عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال لها أبو بکر هل ترین معی أحدا فقالت أ تهزأ بی لا أری غیرک و ان کان صاحبک شاعرا فأنا مثله أقول* مذمما أبینا و دینه قلینا و أمره عصینا فسکت أبو بکر و مضت هی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقد حجبنی عنها ملائکة فما رأتنی و کفانی اللّه شرّها و ذکر أنها ماتت مخنوقة بحبلها و ابو لهب رماه اللّه بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع لیال و أمّ جمیل بنت حرب اخت ابی سفیان امرأة ابی لهب کانت عوراء و یقال لها حمالة الحطب لانها کانت تحمل الحطب الذی هو الشوک لتؤذی بالقائه فی طریق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اصحابه لتعقرهم فذمت بذلک و سمیت حمالة الحطب و قیل حطب المشی بالنمیمة* و عن الزهری قال دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الاسلام سرّا و جهرا فاستجاب اللّه من أحداث الرجال و ضعفاء الناس حتی کثر من آمن به و کفار قریش غیر منکرین لما یقول فکانوا اذا مر علیهم فی مجالسهم یشیرون إلیه ان غلام بنی عبد المطلب لیکلم من السماء و کان کذلک حتی عاب آلهتهم التی یعبدونها من دون اللّه و ذکر هلاک آبائهم الذین کانوا علی الکفر فشنعوا لرسول صلّی اللّه علیه و سلم عند ذلک و عادوه* و عن طارق بن عبد اللّه المحاربی قال رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسوق ذی المجاز و انا فی بیاعة لی مرّ و علیه حلة حمراء و هو ینادی بأعلی صوته یا أیها الناس قولوا لا إله الا اللّه تفلحوا و رجل یتبعه بالحجارة قد أدمی کعبیه و عرقوبیه و هو یقول أیها الناس لا تطیعوه فانه کذاب قلت من هذا قالوا غلام بنی عبد المطلب قلت فمن هذا الذی یتبعه قالوا عمه عبد العزی* و فی السنة الخامسة أو الرابعة من النبوّة ولدت عائشة بنت ابی بکر بمکة و امّها أمّ رومان کذا قاله الحافظ مغلطای و غیره کذا فی المواهب اللدنیة*

هجرة الحبشة الاولی‌

و فی هذه السنة وقعت هجرة الحبشة الاولی و ذلک انه لما ظهر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالنبوّة لم تنکر علیه قریش و لما سب آلهتهم و عابها قال العتقی و کان ذلک فی سنة اربع انکروا و بالغوا فی اذی المسلمین فأمرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالخروج الی الحبشة و قال انّ بها ملکا لا یظلم الناس ببلاده فتحوزوا عنده حتی یأتیکم اللّه بفرج منه کذا فی الصفوة فخرج قوم و ستر الباقون اسلامهم* و فی المواهب اللدنیة خرج فی رجب سنة خمس من النبوّة مهاجرا ناس ذو عدد منهم من هاجر بأهله و منهم من هاجر بنفسه و کانوا احد عشر رجلا و اربع نسوة و قیل خمس نسوة و قیل و امرأتان و امیرهم عثمان بن مظعون و انکر ذلک الزهری و قال لم یکن لهم امیر و خرجوا مشاة الی البحر فاستأجروا سفینة بنصف دینار انتهی* و فی المنتقی و کانت ارض الحبشة متجرا لقریش فخرجوا متسللین سرّا فصادف وصولهم الی البحر سفینتین للتجارة فحملوهم فیهما الی ارض الحبشة و کان مخرجهم فی رجب السنة الخامسة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:289
من النبوّة و خرجت قریش فی آثارهم ففاتوهم* و فی المواهب اللدنیة کان اوّل من خرج عثمان ابن عفان مع امرأته رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اخرج سفیان بسند موصول الی انس قال أبطأ علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت قد رأیتهما و قد حمل عثمان امرأته علی حمار قال انّ عثمان لاوّل من هاجر بأهله بعد لوط فلما رأت قریش استقرارهم بالحبشة و أمنهم أرسلوا عمرو بن العاص و عبد اللّه بن ابی ربیعة بهدایا و تحف من بلادهم الی النجاشی و اسمه اصحمة بن بحری و قیل مکحول بن صصة*

فائدة فی أسماء ملوک الجهات‌

و النجاشی اسم لکل من ملک الحبشة و تسمیه المتأخرون الابحری و کذلک خاقان لمن ملک الترک و قیصر لمن ملک الروم و تبع لمن ملک الیمن و ان ترشح للملک سمی قیلا و بطلمیوس لمن ملک الیونان و القیطون لمن ملک الیهود هکذا قاله ابن خردادیه و المعروف مالخ ثم رأس الجالوت و النمرود لمن ملک الصابئة و دهمن و یعفور لمن ملک الهند و غانة لمن ملک الزنج و فرعون لمن ملک مصر و الشأم فان اضیف إلیهما الاسکندریة سمی العزیز و یقال المقوقس و کسری لمن ملک العجم و الاخشید لمن ملک فرغانة و النعمان لمن ملک العرب من قبل العجم و جالوت لمن ملک البربر کذا فی سیرة مغلطای* قال و کان معهما عمارة بن الولید لیردّهم الی قومهم فأبی ذلک و ردّهما خائبین بهدیتهما و سیجی‌ء تفصیله فأقاموا عند النجاشی آمنین فلما نزلت سورة و النجم سجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی آخر السورة و سجد معه المشرکون* روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قرأ ینادی قومه سورة و النجم فلما بلغ قوله تعالی و مناة الثالثة الاخری سمعت تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجبی و کانت هذه المسموعة بادخال الشیطان فی اثناء قراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأن سکت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند قوله و مناة الثالثة الاخری فتکلم الشیطان بهذه الکلمات متصلا بقراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و خلط صوته بصوته محاکیا نغمة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فظنّ ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هو الذی یتکلم بها فیکون هذا القاء من الشیطان فی قراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی شرح المواقف و المدارک و انوار التنزیل و غیرها* قال القاضی عیاض و هذا احسن وجوه التأویل فیه و کذا استحسن ابن العربی هذا التأویل و قد سبق الی ذلک الطبری مع جلالة قدره و سعة علمه و شدّة ساعده فی النظر فصوّب علی هذا المعنی کذا فی المواهب اللدنیة فأنزل اللّه تعالی و ما ارسلنا من قبلک من رسول و لا نبیّ الا اذا تمنی القی الشیطان فی أمنیته ای فی تلاوته قال الشاعر
تمنی کتاب اللّه اوّل لیلةتمنی داود الزبور علی رسل و کان الشیطان یبصر و یتکلم فیسمع کلامه فی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لما سجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی آخر السورة سجد معه المشرکون فبلغ ذلک أهل الحبشة فقالوا ان کانوا قد آمنوا فلنرجع الی عشائرنا و کانوا قد خرجوا فی رجب و اقاموا بالحبشة شعبان و رمضان و قدموا فی شوّال فلقیهم رکب فسألوهم فقالوا ذکر محمد آلهتهم فتابعوه ثم عاد عن ذکرها فعادوا له بالشرّ فلم یدخل أحد منهم مکة الا بجوار الا ابن مسعود فانه مکث قلیلا ثم رجع الی أرض الحبشة فسطت بهم عشائرهم فآذوهم فأذن لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الخروج مرّة أخری الی أرض الحبشة فخرج خلق کثیر* قال محمد بن اسحاق من لحق من المسلمین بأرض الحبشة سوی أبنائهم الذین خرجوا بهم صغارا و ولدیها نیف و ثلاثون رجلا و من النساء احدی عشرة امرأة قرشیة و سبع غرائب فلما سمعوا بمهاجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة رجع منهم ثلاثة و ثلاثون رجلا و ثمان نسوة فمات منهم رجلان بمکة و حبس منهم سبعة و شهد بدرا منهم اربعة و عشرون و فی الصفوة و المنتقی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:290
عن أمّ سلمة أنها قالت انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما فتن أصحابه بمکة أشار علیهم أن یلحقوا بأرض الحبشة و قال انّ بها ملکا لا یظلم الناس ببلاده کما مرّ فخرجنا ارسالا و لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خیر جار النجاشی أمنا علی دیننا و عبدنا اللّه لا نؤذی فلما بلغ ذلک قریشا ائتمروا أن یبعثوا الی النجاشی فینا رجلین جلدین من قریش و أن یهدوا الی النجاشی هدایا مما یستظرف من متاع مکة من الادم و غیره و کان الادم یعجب النجاشی أن یهدی إلیه ففعلوا و جمعوا له أدما کثیرا و لم یترکوا من بطارقته بطریقا الا أهدوا له هدیة ثم بعثوا بذلک عبد اللّه بن أبی ربیعة المخزومی و عمرو بن العاص و قالوا لهما ادفعا الی کل بطریق هدیته قبل أن تکلما النجاشی ثم قدّما الی النجاشی هدایاه ثم سلاه أن یسلمهم إلیکما قبل أن یکلمهم فخرجا و لما قدما دفعا الی کل بطریق هدیته و قالا انه قد صبأ الی بلد الملک منا غلمان سفهاء فارقوا دین قومهم و لم یدخلوا فی دین الملک و جاءوا بدین مبتدع و قد بعثنا الی الملک فیهم أشراف قومهم لیردّ و هم إلیهم فاذا کلمنا الملک فیهم فأشیروا علیه أن یسلمهم إلینا و لا یکلمهم فقالوا نعم ثم قربا هدایاهم الی النجاشی فقبلها منهم ثم کلماه فقالوا له أیها الملک انه قد صبا الی بلدک منا غلمان سفهاء فارقوا دین قومهم و لم یدخلوا فی دین الملک و جاءوا بدین مبتدع لا نعرفه نحن و لا أنت و قد بعثنا فیهم أشراف قومهم من آبائهم و أعمامهم و عشائرهم لتردّهم إلیهم فقال بطارقته صدقوا أیها الملک فارددهم و أسلمهم إلیهما فغضب النجاشی ثم قال لا و اللّه لا أسلم إلیکما قوما جاورونی و نزلوا بلادی و لجئوا الیّ و اختارونی علی من سوای حتی أدعوهم و أسألهم ما یقول هذان فی أمرهم فان کانوا کما یقولان سلمتهم إلیهما و ان کانوا غیر ذلک منعتهم منهما و أحسنت جوارهم ما جاورونی فأرسل الی أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاهم فلما أن جاء رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل اذا جئتموه قالوا نقول و اللّه ما علمنا و ما أمرنا به نبینا صلّی اللّه علیه و سلم کائن فی ذلک ما هو کائن و أرسل النجاشی فجمع بطارقته و أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فلما جاءوه سألهم فقال انّ هؤلاء یزعمون انکم فارقتم دینهم فأخبرونی ما هذا الدین الذی فارقتم فیه قومکم و لم تدخلوا فی دینی و لا فی دین آخر من هذه الامم‌

مکالمة جعفر مع النجاشی‌

فتکلم جعفر بن أبی طالب فقال أیها الملک کنا أهل جاهلیة لا نعرف اللّه و لا رسوله نعبد الاصنام و نأکل المیتة و نأتی الفواحش و نقطع الارحام و نسی‌ء الجوار یأکل القوی منا الضعیف فکنا علی ذلک حتی بعث اللّه إلینا رسولا منا نعرف نسبه و صدقه و أمانته و عفافه فدعانا الی اللّه عز و جل لنوحده و نعبده و نخلع ما کنا نعبد نحن و آباؤنا من دونه من الحجارة و الاوثان و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنکر و أمرنا بصدق الحدیث و أداء الامانة وصلة الرحم و حسن الجوار و الکف عن المحارم و الدماء و أمرنا بالصلاة و الزکاة و الصیام و الصدقة و کل ما یعرف من الاخلاق الحسنة و نهانا عن الزنا و الفواحش و قول الزور و أکل مال الیتیم و قذف المحصنة و کل ما یعرف من السیئات و تلی علینا تنزیلا لا یشبهه شی‌ء فصدّقناه و آمنا به و عرفنا أنّ ما جاء به هو الحق من عند اللّه فعبدنا اللّه وحده لا نشرک به شیئا و حرمنا ما حرم علینا و أحللنا ما أحل لنا ففارقنا عند ذلک قومنا فعدا علینا قومنا فآذونا و فتنونا عن دیننا لیردّونا الی عبادة الاوثان و أن نستحل ما کنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا و ظلمونا و حالوا بیننا و بین دیننا و بلغنا ما نکره و لم نقدر علی الامتناع أمرنا نبینا صلّی اللّه علیه و سلم أن نخرج الی بلادک اختیارا لک علی من سواک و رغبنا فی جوارک و رجونا أن لا نظلم عندک أیها الملک فقال له النجاشی هل معکم مما جاءکم به عن اللّه عز و جل شی‌ء فقال له جعفر نعم قال فاقرأه علیّ فقرأ علیه صدرا من کهیعص فبکی و اللّه النجاشی حتی اخضلت لحیته و بکت أساقفته حتی اخضلت لحاهم و مصاحفهم ثم قال النجاشی و اللّه انّ هذا الکلام و الکلام الذی جاء به موسی لیخرجان من مشکاة واحدة ثم قال انطلقا و اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:291
لا أسلمهم إلیکما أبدا و لا أخلی بینکما و بینهم فألحقا بشأنکما فخرجا من عنده مقبوحین مردودا أمرهما علیهما* و فی ذخائر العقبی عن جعفر قال فقال لهما النجاشی أ عبیدهم لکم قالوا لا قال فلکم علیهم دین قالوا لا قال فخلوا سبیلهم انتهی قالت أمّ سلمة فلما خرجا قال عمرو بن العاص و اللّه لآتینه غدا أعیبهم بما أستأصل به خضراءهم أو قال یقول أبید به خضراءهم فقال عبد اللّه بن أبی ربیعة و هو أتقی الرجلین فینا لا تفعله فانّ لهم أرحاما* و فی المنتقی فانّ للقوم رحما و ان کانوا قد خالفوا فما نحب أن یبلغ ذلک منهم فقال و اللّه لاخبرنه أنهم یزعمون أنّ عیسی ابن مریم عبد فلما کان الغد غدا إلیه و دخل علیه فقال له أیها الملک انهم یخالفونک و یقولون فی عیسی ابن مریم قولا عظیما یزعمون أنه عبد فارسل إلیهم و أسألهم عما یقولون* و فی ذخائر العقبی قال النجاشی ان لم یقولوا فی عیسی مثل قولی لم أدعهم فی أرضی ساعة من نهار فأرسل إلینا و کانت الدعوة الثانیة أشدّ علینا من الاولی انتهی قالت أمّ سلمة فأرسل النجاشی إلیهم قالت أمّ سلمة فما نزل بنا قط مثلها فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض هل عرفتم أنّ عیسی إلهه الذی یعبده و قد عرفتم أنّ نبیکم جاءکم بأنّه عبد و انّ ما یقولون هو الباطل فما ذا تقولون قالوا نقول و اللّه فیه ما قال اللّه عز و جل و ما جاء به نبینا کائن فی ذلک ما هو کائن فلما دخلوا علیه قال لهم ما ذا تقولون فی عیسی ابن مریم فقال له جعفر نقول فیه ما جاء به نبینا انه عبد اللّه و رسوله و روحه و کلمته ألقاها الی مریم العذراء البتول فضرب النجاشی بیده الی الارض فأخذ منها عودا فقال ما عدا عیسی ابن مریم ما تقولون مثل هذا العود فنخرت أساقفته أی تکلمت بلغتهم قال لهم النجاشی و ان نخرتم ثم قال للمسلمین اذهبوا فأنتم سئوم بأرضی و السئوم الآمنون من سبکم غرم من سبکم غرم غرم ما أحب انی آذیت منکم رجلا و انّ لی دبرا من الذهب و الدبر بلسانهم الجبل ردّوا علیهما هدایاهما فلا حاجة لی بها فو اللّه ما أخذ اللّه منی رشوة حین ردّ علیّ ملکی و ما أطاع فیّ الناس فأطیعهم فیه فردّوا علیهما هدایاهما فخرجا خائبین* و فی روایة قال النجاشی للمسلمین مرحبا بکم و بمن جئتم من عنده و أنا أشهد أنه رسول اللّه و أنه الذی بشر به عیسی و لو لا ما أنا فیه من الملک لآتینه حتی أقبل نعله* و فی ذخائر العقبی عن جعفر قال فقال النجاشی ادع لی فلانا القس و فلانا الراهب فأتاه أناس منهم قال فقال ما تقولون فی عیسی ابن مریم قالوا أنت أعلمنا بما نقول فقال النجاشی و أخذ شیئا من الارض ما عدا عیسی علیه السلام ما قال هؤلاء بمثل هذا قال لهم أ یؤذیکم أحد قالوا نعم فأمر منادیا فنادی من آذی أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أ یکفیکم قلنا لا قال فاضعفوها* قال فلما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و خرج الی المدینة و ظهر بها أتیناه فقلنا انّ صاحبنا قد خرج الی المدینة فظهر بها و قتل الذین کنا حدّثناک عنهم و قد أردنا الرحیل فزوّدنا فدفع إلینا ما یحملنا و أحسن إلینا ثم قال أخبر صاحبک بما صنعت إلیکم و هذا صاحبی معکم و أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه قال و قل له یستغفر لی* قال جعفر فخرجنا حتی أتینا المدینة فتلقانی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاعتنقنی ثم قال ما أدری أنا أ بفتح خیبر أفرح أم بقدوم جعفر و وافق ذلک فتح خیبر ثم جلس فقام رسول النجاشی فقال هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال له نعیم فعل بنا و حملنا و زوّدنا و شهد أن لا إله الا اللّه و أنک رسول اللّه و قال قل له یستغفر لی فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتوضأ و دعا ثلاث مرّات اللهمّ اغفر للنجاشی فقال المسلمون آمین* قال جعفر فقلت للرّسول و أخبر صاحبک بما قد رأیت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خرجه المخلص الذهبی و البغوی فی معجمه عن أمّ سلمة*

قصة تولیة النجاشی‌

معنی قول النجاشی ما أخذ اللّه منی رشوة حین ردّ علیّ ملکی فآخذ الرشوة و ما أطاع الناس فیّ فأطیع الناس فیه انه لم یکن لابیه ولد غیره و کان أبوه ملک قومه و کان للنجاشی عمّ له من صلبه اثنا عشر رجلا و کانوا أهل بیت مملکة الحبشة قالت الحبشة فیما بینها لو قتلنا أبا النجاشی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:292
ثم ملکنا أخاه فتوارث ملکه بنوه فانهم اثنا عشر رجلا لبقی ملک الحبشة زمانا فعدوا علی أبی النجاشی فقتلوه ثم ملکوا أخاه و نشأ النجاشی مع عمه و کان لبیبا حاذقا فغلب علی أمر عمه و نزل منه کل منزل فلما رأت الحبشة مکانه منه قالت و اللّه لقد غلب هذا الفتی علی أمر عمه و انا لنتخوّف أن یملکه علینا و ان ملکه علینا لیقتلنا أجمعین لقد عرف أنا قتلنا أباه فمشوا الی عمه فقالوا انا قتلنا أنا هذا الغلام و قد عرف انا قتلناه و ملکناک علینا و نحن نتخوّفه علی أنفسنا فاقتله أو أخرجه من بلادنا فقال و یحکم قتلتم أباه بالامس و أقتله الیوم اذهبوا فأخرجوه من بلادکم فبیعوه فی هذا السوق فأخرجوه الی السوق فأقاموه فیه فجاء تاجر فاشتراه بستمائة درهم فألقاه فی سفینته فانطلق حتی اذا کان العشیّ من ذلک الیوم هاجت سحابة من سحائب الخریف فخرج عمه یستمطر فأصابته صاعقة فأهلکته فرجعوا الی بنیه فاذا هم لیس فیهم خیر فقالت الحبشة بعضهم لبعض هلک و اللّه ملککم تعلمون انّ ملککم الذی بعتموه فان کان لکم فی ملککم حاجة فأدرکوه فخرجوا فی طلبه فأدرکوا التاجر فأخذوه منه ثم جاءوا به فقعدوا علیه التاج و أقعدوه علی سریر الملک فملکوه فجاءهم التاجر الذی باعوه منه فقال أعطونی دراهمی کما أخذتم غلامی قالوا لا و اللّه لا نفعل قال و اللّه لأشکونّ منکم عند الملک فجاء فجلس بین یدی الملک فقال أیها الملک انی ابتعت غلاما ثم أتانی باعته فانتزعوه منی فسألتهم مالی فأبوا أن یعطونی فنظر النجاشی إلیه فقال و اللّه لتعطنه ماله أو لیضعن عبده یده فی یده فیذهب به حیث شاء فقالوا بل نعطیه ماله و کان هذا أوّل ما اختبر من صلابته و عدله و هذا قوله ما أخذ اللّه منی رشوة حین ردّ علیّ ملکی فآخذ الرشوة و ما أطاع الناس فیّ فأطیع الناس فیه ذکره ابن اسحاق عن عائشة* و فی روایة بعث قریش عمرو بن العاص و عمارة بن الولید* و فی معالم التنزیل بن أبی معیط بدل الولید الی النجاشی فذکر نحو الحدیث المتقدّم قال و کان عمرو رجلا فقیرا و عمارة رجلا جمیلا فأقبلا فی البحر الی النجاشی فشربوا و مع عمرو امرأته فلما ثملوا من الخمر قال عمارة لعمرو مر امرأتک فلتقبلنی فقال له عمرو أ لا تستحیی فأخذ عمارة عمرا یرمی به فی البحر فجعل عمرو یناشده حتی أدخله السفینة فحقد عمرو علی عمارة و مکر به فقال یا عمارة انک لرجل جمیل فاذهب الی امرأة النجاشی و تحدّث عندها اذا خرج زوجها فانّ ذلک عون لنا فی حاجتنا فراسلها عمارة حتی دخل علیها فانطلق عمرو الی النجاشی فقال انّ صاحبی هذا صاحب نساء و انه یرید أهلک فبعث النجاشی الی بیته فاذا عمارة عند أهله فأمر به فنفخ فی احلیله أی سحره فطار مع الوحش* و فی روایة ثم ألقاه فی جزیرة من جزائر البحر فجنّ و استوحش مع الوحش کذا فی المنتقی*

(ذکر بعض ما لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ایذاء المشرکین)

* و لما خرج المسلمون الی الحبشة و منع اللّه تعالی نبیه بعمه أبی طالب و رأت قریش أن لا سبیل لهم علیه رموه بالکهانة و السحر و الجنون و الشعر ثم بالغوا فی أذاه فمن ایذائهم ما روی أن نبینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بینما هو بفناء الکعبة اذ أقبل عقبة بن أبی معیط فأخذ بمنکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لوی ثوبه فی عنقه فخنقه خنقا شدیدا فأقبل أبو بکر فأخذ بمنکبه و دفعه عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال أ تقتلون رجلا أن یقول ربی اللّه و قد جاءکم بالبینات من ربکم* و روی عن عائشة أنها قالت عاد أبو بکر و قد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحیته و کان رجلا کثیر الشعر* و فی معالم التنزیل لما بزق عقبة بن أبی معیط فی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عاد بزاقه فی وجهه فاحترق خدّاه و کان أثر ذلک فیه حتی الموت* و عن عبد اللّه أنه قال ما رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعا علی قریش غیر یوم واحد فانه کان یصلی و رهط من قریش جلوس و سلا جزور قریب منه فقالوا من یأخذ هذا فیلقیه علی ظهره فقال عقبة بن أبی معیط أنا فأخذه فألقاه علی ظهره فلم یزل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:293
ساجدا حتی جاءت فاطمة فألقته عن ظهره فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللهمّ علیک بالملإ من قریش اللهمّ علیک بعتبة بن ربیعة اللهمّ علیک بشیبة بن ربیعة اللهمّ علیک بأبی جهل بن هشام اللهمّ علیک بعقبة بن أبی معیط اللهمّ علیک بأبیّ بن خلف أو أمیة بن خلف* قال عبد اللّه فلقد رأیتهم قتلوا یوم بدر جمیعا ثم سحبوا الی القلیب غیر أمیة فانه کان رجلا ضخما فتقطع و لما کثر أنواع الاذی من المشرکین استتر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع أصحابه فی دار الا رقم بن أبی الارقم بن أسد و أقاموا فی تلک الدار شهرا و هم تسعة و ثلاثون رجلا* و فی الصفوة أرقم بن أبی الارقم أسلم بعد ستة نفر و کان داره بمکة علی الصفا فیها استتر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دعا الناس فیها الی الاسلام و تصدّق بها الارقم علی ولده فلم یزل المنصور یرغب ولده فی المال حتی باعه ایاها ثم أعطاها المهدی الخیزران و قد یقال هی بأصل الصفا و یقال عند الصفا فالکل واحد و هی التی تسمی الآن بدار الخیزران* و فی کتاب الغزی کان صلّی اللّه علیه و سلم مستترا فیها فی بدء الاسلام و کان بها اجتماع من أسلم من الصحابة و بها أسلم عمر و حمزة و غیرهما و منها ظهر الاسلام قاله العقبی* و فی هذه السنة ولد أسامة بن زید و أنس بن مالک و المغیرة بن شعبة الثقیفی و أبو موسی الاشعری و زید بن خالد الجهنی و حبیب بن مسلمة الفهری کذا فی سیرة مغلطای* و فی هذه السنة توفیت سمیة بنت حباط مولاة أبی حذیفة بن المغیرة و هی أمّ عمار بن یاسر أسلمت بمکة قدیما و کانت ممن یعذب فی اللّه عز و جل لترجع عن دینها فلم ترجع فمرّ بها أبو جهل فطعنها فی قلبها فماتت و کانت عجوزا کبیره فهی أوّل شهیدة فی الاسلام و فی السنة السادسة من النبوّة أسلم حمزة بن عبد المطلب و عمر بن الخطاب و قد قیل أسلما فی سنة خمس کذا فی المنتقی و کان اسلام حمزة قبل اسلام عمر بثلاثة أیام بعد دخول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دار الارقم کذا فی الصفوة*

(ذکر اسلام حمزة)

* أما سبب اسلام حمزة فهو انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان جالسا عند الصفا فمرّ به أبو جهل فشتمه و أذاه و قال فیه بعض ما یکره من العیب لدینه و التضعیف لامره فلم یکلمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اذا مولاة لعبد اللّه بن جدعان فی مسکن لها تسمع ذلک ثم انصرف أبو جهل عنه فعمد الی نادی قریش عند الکعبة فجلس معهم فلم یلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنصه و کان اذا رجع من قنصه لم یصل الی أهله حتی یطوف بالکعبة و کان اذا فعل ذلک لم یمرّ علی ناد من قریش الا وقف و سلم و تحدّث معهم فلما مرّ بالمولاة و قد رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی بیته قالت له یا أبا عمارة لو رأیت ما لقی ابن أخیک محمد آنفا من ابی الحکم بن هشام وجده هاهنا جالسا فأذاه و سبه و بلغ منه ما یکره ثم انصرف عنه و لم یکلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللّه به من کرامته و کان أعزفتی فی قریش و اشدّها شکیمة فخرج یسعی لم یقف علی احد معدا لابی جهل اذا لقیه أن یوقع به فلما دخل المسجد نظر إلیه جالسا فی القوم فأقبل نحوه حتی اذا قام علی رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منکرة و قال أ تشتمه و أنا علی دینه أقول ما یقول فاردد ذلک علیّ ان استطعت فقامت رجال من بنی مخزوم الی حمزة لینصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فانی و اللّه سبیت ابن أخیه سبا قبیحا و تم حمزة علی اسلامه و علی مبایعة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما أسلم حمزة عرفت قریش ان رسول اللّه قد عز و امتنع و ان حمزة سیمنعه فکفوا عن بعض ما کانوا ینالون من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و فی المواهب اللدنیة قال حمزة حین أسلم
حمدت اللّه حین هدی فؤادی‌الی الاسلام و الدین الحنیفی
لدین جاء من رب عزیزخبیر بالعباد بهم لطیف
اذا تلیت رسائله علیناتحدّر دمع ذی اللب الخصف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:294 رسائل جاء أحمد من هداهابآیات مبینة الحروف
و أحمد مصطفی فینا مطاع‌فلا تغشوه بالقول العنیف
فلا و اللّه نسلّمه لقوم‌و لما نقض فیهم بالسیوف و عند غیر ابن اسحاق ان کلام أبی جهل للنبی صلّی اللّه علیه و سلم کان عند الحجون و انه صب التراب علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و وطئ برجله علی عاتقه و ان المرأة التی اخبرت حمزة سلمی مولاة صفیة بنت عبد المطلب و انه قال لها أنت رأیت هذا الذی تقولین قالت نعم فدخل سریعا فنظر الی الخلق لا یتکلم یعرف فی وجهه الغضب حتی وقف علی أبی جهل فحمل علیه بالقوس فضربه ضربة أوضحت فی رأسه و ذکر ما مضی بعده و قال قال حمزة أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و اللّه لا انزع فامنعونی ان کنتم صادقین* و خرج صاحب الصفوة ذکر الایضاح بالقوس حین بلغه ما نال أبو جهل من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا غیر و کان اسلامه فی السنة الثانیة من المبعث و قیل کان اسلامه بعد دخول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دار الا رقم فی السنة السادسة من المبعث و لم یذکر فی الصفوة غیره و ذکر الحافظ أبو القاسم الدمشقی ان اسلامه کان یوم ضرب ابو بکر حین ظهر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قبل اسلام عمر من دار الا رقم و روی ان ذلک کان قبل اسلام عمر بثلاثة ایام و التوفیق بین الاحادیث کلها ممکن کذا فی ذخائر العقبی و فی المنتقی و کان حمزة بن عبد المطلب أسلم یوم ضرب أبو بکر و ذلک ان اصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رضی عنهم لما اجتمعوا و کانوا تسعة و ثلاثین رجلا ألح أبو بکر علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الظهور فقال یا أبا بکر انا قلیل فلم یزل یلح علیه حتی ظهر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی نواحی المسجد و قام أبو بکر فی الناس خطیبا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس و کان أوّل خطیب دعا الی اللّه عز و جل و الی رسوله صلّی اللّه علیه و سلم و ثار المشرکون علی أبی بکر و علی المسلمین یضربونهم فی نواحی المسجد ضربا شدیدا و وطئ أبو بکر و ضرب ضربا شدیدا و دنا منه الفاسق عتبة بن ربیعة فجعل یضربه بنعلین مخصوفتین و یحرّفهما بوجهه و أثر علی وجه أبی بکر حتی ما یعرف أنفسه من وجهه و جاءت بنو تیم تتعادی فأجلوا المشرکین عن ابی بکر و حملوا أبا بکر فی ثوب حتی أدخلوه بیته و لا یشکون فی موته و رجعت بنو تیم فدخلوا المسجد فقالوا و اللّه لئن مات أبو بکر لنقتلنّ عتبة و رجعوا الی أبی بکر فجعل أبو قحافة و بنو تیم یکلمون أبا بکر حتی أجابهم فتکلم آخر النهار فقال ما فعل برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمسوه بألسنتهم و عذلوه ثم قاموا و قالوا لأمّ الخیر انظری أن تطعمیه شیئا أو تسقیه ایاه فلما خلت به و ألحت علیه جعل یقول ما فعل برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت و اللّه ما لی علم بصاحبک قال فاذهبی الی أمّ جمیل بنت الخطاب فأسألها عنه فخرجت حتی جاءت الی أم جمیل فقالت ان أبا بکر یسألک عن محمد بن عبد اللّه قالت ما أعرف أبا بکر و لا محمد بن عبد اللّه و ان تحبی أن أمضی معک الی ابنک فعلت قالت نعم فمضت معها حتی وجدت أبا بکر صریعا دنفا فرنت أم جمیل و أعلنت بالضّیاح و قالت ان قوما نالوا منک هذا لاهل فسق و انی لارجو أن ینتقم اللّه لک قال فما فعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت هذه امّک تسمع قال فلا عین علیک منها قالت سالم صالح قال فأین هو قالت فی دار الا رقم قال فان للّه تبارک و تعالی علیّ ألیة أن لا أذوق طعاما أو شرابا أو آتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الصحاح الالیة الیمین علی وزن فعیلة و الجمع ألا یا قال الشاعر
قلیل الا لا یا حافظ لیمینه‌و ان سبقت منه الالیة برّت فأمهلنا حتی هدأت الرجل و سکن الناس خرجنا به یتکئ علینا حتی أدخلناه علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأکب علیه فقبله و أکب علیه المسلمون ورق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رقة شدیدة فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:295
أبو بکر رضی اللّه عنه بأبی و أمی لیس بی الا ما نال الفاسق من وجهی هذه أمی بره بوالدیها و أنت مبارک فادعها الی اللّه تعالی و ادع اللّه لها عسی أن یستنقذها بک من النار فدعا لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم دعاها الی اللّه عز و جل فأسلمت فأقاموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شهرا و هم تسعة و ثلاثون رجلا قال و کان أسلم حمزة یومئذ یوم ضرب أبو بکر کما مرّ*

(ذکر اسلام عمر)

* فی الاکتفاء قال ابن اسحاق کان اسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الحبشة و بعد حمزة بثلاثة أیام فیما قاله أبو نعیم کذا فی سیرة مغلطای* و فی سبب اسلام عمر أقوال أشهرها ما روی ان قریشا اجتمعت فتشاورت فی امر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالوا أی رحل یقتل محمدا فقال عمر بن الخطاب أنا لها فقالوا أنت لها یا عمر فخرج متقلدا السیف فی طلب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع أصحابه فی منزل حمزة فی الدار التی فی أصل الصفا فلما خرج عمر الی الصفالقیة سعد بن أبی وقاص الزهری فقال أین ترید یا عمر فقال أرید أن أقتل محمدا قال أنت أحقر و أصغر من ذلک فکیف تأمن فی بنی هاشم و بنی زهرة و قد قتلت محمدا* و فی روایة قال له سعد أ ترید أن تقتل محمدا و یدعک بنو عبد مناف أن تمشی علی الارض فقال له عمر ما اراک الا قد صبأت و ترکت الدین الذی أنت علیه و فی روایة قال له عمر لعلک قد صبأت الی محمد فابدأ بک فأقتلک و عند ذلک قال سعدا علم انی آمنت بمحمد و اشهد ان لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه فسلّ عمر سیفه و کشف سعد عن سیفه فشدّ کل واحد منهما علی الآخر حتی کاد أن یختلطا فقال سعد مالک یا عمر لا تصنع هذا باختک آمنة بنت الخطاب و فی المواهب اللدنیة فاطمة بنت الخطاب و زوجها سعید ابن زید بن عمرو بن نفیل فقال أسلما قال نعم فترکه عمر و سار الی منزل آمنة و فی الصفوة قال سعد أ فلا ادلک علی العجب یا عمران اختک و ختنک قد صبیا و ترکا دینک الذی أنت علیه فمشی عمر مسرعا حتی أتاهما و عندهما رجل من الانصار یقال له خباب بن الارت و هم یقرءون سورة طه فلما سمع خباب حس عمر تواری فی البیت فدخل عمر علیهما فقال ما هذه الهینمة التی سمعتها عندکم فقالا ما عدا حدیثا حدّثناه بیننا قال فلعلکما قد صبأتما فقال له ختنه أ رأیت یا عمر ان کان الحق فی غیر دینک فوثب عمر علی ختنه سعید و بطش بلحیته فتواثبا و کان عمر رجلا شدیدا قویا فضرب بسعید الارض و جلس علی صدره فجاءت اخته فدفعته عن زوجها فلطمها عمر لطمة شج بها وجهها و فی الصفوة فنفحها نفحة بیده فدمی وجهها فلما نظرت الی الدم علی وجهها غضبت و قالت یا عدوّ اللّه أ تضربنی علی أن أوحد اللّه قال نعم أو قالت یا عمران کان الحق فی غیر دینک أشهد أن لا إله الّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه لقد أسلمنا علی رغم انفک فاصنع ما أنت صانع فلما سمعها عمر ندم و قام من صدر زوجها فقعد ناحیة ثم قال اعرضوا علیّ الصحیفة التی کنتم تدرسونها* و فی الصفوة أعطونی هذا الکتاب الذی عندکم فأقرأه و کان عمر یقرأ الکتب قالت اخته لا أفعل قال و یحک قد وقع فی قلبی ما قلت فأعطنیها انظر إلیها و أعطیک من المواثیق ان لا اخونک حتی تحرزیها حیث شئت قالت له اخته انک رجس فانطلق فاغتسل أو توضأ فانه کتاب لا یمسه الا المطهرون فخرج عمر لیغتسل و خرج إلیها خباب بن الارت فقال أ تدفعین کتاب اللّه الی عمر و هو کافر قالت نعم انی أرجو أن یهدی اللّه أخی فدخل خباب البیت و جاء عمر فدفعت إلیه الصحیفة فاذا فیها بسم اللّه الرحمن الرحیم طه ما أنزلنا علیک القرآن لتشقی الی قوله اننی أنا اللّه لا إله الا أنا فاعبدنی و أقم الصلاة لذکری فقال عمر عند هذه ینبغی لمن یقول هذا ان لا یعبد معه غیره فقال عمر دلونی علی محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البیت فقال ابشر یا عمر فانی أرجو أن یکون قد سبقت فیک دعوة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البارحة قال اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بأبی جهل بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:296
هشام* و فی سیرة مغلطای اللهم أید الاسلام بأبی جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب و فی کتاب الحاکم اللهم أید الاسلام بعمر بن الخطاب و لم یذکر أبا جهل* ذکر الدّارقطنی ان عائشة قالت انما قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اللهم عز عمر بالاسلام لان الاسلام یعز و لا یعز فقال عمر یا خباب انطلق بنا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقام خباب و سعید معه حتی أتوا منزل حمزة دار الا رقم التی بأصل الصفا فدقوا الباب فخرج بعض الاصحاب فنظر فی شق الباب فرجع الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه هذا عمر نعوذ باللّه من شرّه فقال افتحوا له الباب فان جاء بخیر قبلناه و ان جاء بشرّ قتلناه و فی الصفوة فانطلق عمر حتی أتی الدار و علی الباب حمزة و طلحة و ناس من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما رأی حمزة و جل القوم من عمر قال نعم هذا عمر فان یرد اللّه بعمر خیرا یسلم و یتبع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ان یرد غیر ذلک یکن قتله علینا هینا قال و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم داخل یوحی إلیه ففتح لعمر الباب فدخل فاستقبله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی صحن الدار فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سیفه و فی المنتقی أخذ ساعده و انتهزه فارتعد عمر هیبة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جلس فقال أما أنت منتهیا یا عمر حتی ینزل اللّه بک ما أنزل بالولید بن المغیرة یعنی الخزی و النکال اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدین بعمر بن الخطاب فقال عمر اشهد انک رسول اللّه و قال اخرج یا رسول اللّه و عن ابن عباس سئل عمر عن وجه تسمیته الفاروق فأخبر أن حمزة أسلم قبله بثلاثة أیام ثم شرح اللّه صدره للاسلام فقال اللّه لا إله الا هو له الاسماء الحسنی فما فی الارض نسمة أحب إلیه من نسمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لاخته أین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت فی دار الا رقم عند الصفا فأتی عمر الدار و حمزة فی أصحابه جلوس فی الدار و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی البیت فضرب عمر الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة ما لکم قالوا عمر بن الخطاب فخرج إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذ بمجامع ثیابه ثم نثره نثرة فما تمالک عمران وقع علی رکبتیه فقال ما أنت بمنته یا عمر فقال أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شریک له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله فکبر أهل الدار تکبیرة سمعها أهل المسجد فقال یا رسول اللّه ألسنا علی الحق ان متنا و إن حیینا قال بلی و الذی نفسی بیده انکم علی الحق ان متم و ان حییتم فقال ففیم الاخفاء* و فی المنتقی قال یا رسول اللّه علام نخفی دیننا و نحن علی الحق و هم علی الباطل فقال یا عمر انا قلیل فقد رأیت ما لقینا فقال عمر و الذی بعثک بالحق لا یبقی مجلس جلست فیه بالکفر الا جلست فیه بالایمان ثم خرج فی صفین حمزة فی أحدهما و عمر فی الآخر له کدید ککدید الطحین حتی دخلوا المسجد فنظر قریش الی عمر و الی حمزة فأصابتهم کآبة لم یصبهم مثلها فسماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ الفاروق* و فی المنتقی و لما أسلم عمر قال یا رسول اللّه لا ینبغی أن نکتم هذا الدین أظهر دینک یا محمد فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و معه المسلمون و عمر امامهم و معه سیفه ینادی لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه حتی دخل المسجد الحرام فنظرت قریش فقالوا لقد أتاکم عمر مسرورا قالوا ما وراءک یا عمر قال ورائی لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فان تحرّک أحد منکم لأمکنن سیفی منه ثم تقدّم امام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یطوف و یحمیه حتی فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من طوافه* و فی المواهب اللدنیة قال عمر بعد ما أسلم ثم خرجت فذهبت الی رجل لم یکن یکتم السرّ فقلت له انی صبأت قال فرفع صوته بأعلاه ألا انّ ابن الخطاب قد صبأ فما زال الناس یضربونی و أضربهم فقال خالی ما هذا قیل ابن الخطاب فقام علی الحجر و أشار بکمه فقال ألا انی قد أجرت ابن أختی فانکشف الناس
عنی فما زلت أضرب و أضرب حتی أعز اللّه الاسلام* و فی الصفوة عن ابن عمر أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دعا لعمر فقال اللهم أعز الاسلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:297
بأحب الرجلین إلیک بعمر بن الخطاب أو بأبی جهل بن هشام* و فی المنتقی کانت الدعوة یوم الاربعاء فسبقت فی عمر فأسلم یوم الخمیس ثم خرج عمر و طاف بالبیت ثم مرّ بقریش و هی تنظره فقال أبو جهل ابن هشام زعم فلان انک صبأت فقال عمر أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله فوثب المشرکون علیه فوثب عمر علی عتبة بن ربیعة و برک علیه و جعل یضربه و أدخل اصبعیه فی عینیه فجعل عتبة یصیح فتنحی الناس عنه فقام عمر فجعل لا یدنو منه الا أحد شریف و جعل حمزة یکشف الناس عنه و یضرب فیهم حتی أحجم الناس عنه و اتبع عمر المجالس التی کان یجلس فیها فأظهر الایمان غیر هائب و لا خائف فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عمر أمامه و حمزة بن عبد المطلب رضی اللّه عنهما حتی طاف بالبیت و صلّی الظهر معلنا ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی دار الارقم* و فی الصفوة أسلم عمر و هو ابن ست و عشرین سنة بعد أربعین و فی العمدة قیل کان أسلم ثلاثة و ثلاثون رجلا و ست نسوة ثم أسلم عمر و قال سعید بن المسیب بعد أربعین رجلا و عشر نسوة و قال عبد اللّه بن ثعلبة بعد خمسة و أربعین رجلا و احدی عشرة امرأة* و فی المواهب اللدنیة و کان المسلمون اذ ذاک بضعة و أربعین رجلا و احدی عشرة امرأة* و عن داود ابن الحصین و الزهری قالا لما أسلم عمر نزل جبریل فقال یا محمد استبشر أهل السماء باسلام عمر رواه ابن ماجه کذا فی المواهب اللدنیة الا أن فیه روی عن ابن عباس* و قال ابن مسعود ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر* و قال صهیب لما أسلم عمر جلسنا حول البیت حلقا و طفنا و انتصفنا ممن غلظ علینا* و فی المواهب اللدنیة أسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة بثلاثة أیام فیما قاله أبو نعیم بدعوته صلّی اللّه علیه و سلم اللهمّ أعز الاسلام بأبی جهل أو بعمر بن الخطاب*

وقعة بعاث‌

و فی السنة السابعة من النبوّة وقعت وقعة بعاث فی القاموس بعاث بالعین و الغین موضع قرب المدینة و یومه معروف و فی شرح الکرمانی لصحیح البخاری بعاث بضم الموحدة و تخفیف المهملة و بالمثلثة اسم بقعة بقرب المدینة وقع فیها حرب بین الأوس و الخزرج و سببه قتل مجدر بن زیاد سوید بن الصامت کما سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة أحد قیل هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة بعد بعاث بست سنین و قیل بخمس‌

* تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب‌

و فی السنة السابعة من النبوّة کما فی حیاة الحیوان أو الثامنة منها علی ما فی المنتقی تقاسمت قریش و تعاهدت علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب و فی الاستیعاب بعد المبعث بست سنین و قیل بخمس و فی المناسک للکرمانی و کان اجتماعهم و تحالفهم فی خیف بنی کنانة بالابطح و یسمی محصبا و هو بأعلا مکة عند المقابر* و فی المواهب اللدنیة و لما رأت قریش عز النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بمن معه و عز أصحابه بالحبشة و اسلام عمر و فشوّ الاسلام فی القبائل أجمعوا علی أن یقتلوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فبلغ ذلک أبا طالب فجمع بنی هاشم و بنی المطلب و أدخلوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شعبهم و منعوه ممن أراد قتله فأجابوه لذلک حتی کفارهم فعلوا ذلک حمیة علی عادة الجاهلیة فلما رأت قریش ذلک اجتمعوا و ائتمروا أن یکتبوا کتابا یتعاقدون فیه علی بنی هاشم و بنی المطلب أن لا یناکحوهم و لا یبایعوهم و لا یخالطوهم و لا یقبلوا منهم صلحا أبدا حتی یسلموا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للقتل و کتبوا فی صحیفة بخط منصور بن عکرمة بن هشام و قیل بغیض بن عامر فشلت یده و علقوا الصحیفة فی جوف الکعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوّة و انحاز بنو هاشم و بنو المطلب الی أبی طالب و دخلوا معه شعبه الا أبا لهب فکان مع قریش و أقاموا علی ذلک سنتین أو ثلاثا* و قال أبو سعد سنتین حتی جهدوا و کانت قریش قد قطعت عنهم المیرة و المادّة و کان لا یصل إلیهم شی‌ء إلّا سرّا و کانوا لا یخرجون الا من موسم الی موسم* و فی المواهب اللدنیة ثم قام رجال فی نقض الصحیفة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:298
فأطلع اللّه نبیه علی أمر الصحیفة علی ان الارضة أکلت جمیع ما فیها من القطیعة و الظلم فلم تدع الا اسم اللّه فقط فأخبرهم أبو طالب بذلک فلما أنزلت لتمزق وجدت کما قال علیه السلام فأخرجوهم من الشعب و ذلک فی السنة العاشرة* و أورد فی المنتقی تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب فی السنة الثامنة من النبوّة* و فی سیرة الیعمری حاصره أهل مکة فی الشعب فأقام محصورا دون ثلاث سنین هو و أهل بیته و خرج من الشعب و له تسع و أربعون سنة* و فی الاستیعاب حصرتهم قریش فی الشعب بعد المبعث بست سنین و مکثوا فی ذلک الحصار ثلاث سنین و خرجوا منه فی أوّل سنة خمسین من عام الفیل و توفی أبو طالب بعد ذلک بستة أشهر و توفیت خدیجة بعده بثلاثة أیام و قد قیل غیر ذلک و ولد عبد اللّه بن عباس فی الشعب قبل خروج بنی هاشم منه و قیل انه ولد قبل الهجرة بثلاث سنین و کان ابن ثلاث عشرة سنة یوم مات رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

نزول سورة الروم‌

و فی السنة الثامنة من النبوّة نزلت الم غلبت الروم الآیة روی انه بعث قیصر رجلا یسمی قطمة بجیش الروم و بعث کسری برویز شهریزاد فالتقیا بأذرعات و بصری و هی بأدنی الشام فغلب فارس علی الروم فبلغ الخبر مکة فشق ذلک علی المسلمین و کرهوه لان فارس مجوس لا کتاب لهم و کانوا یجحدون البعث و یعبدون الاصنام و الروم أهل کتاب و فرح المشرکون بذلک و قالوا أنتم و النصاری أهل کتاب و نحن و فارس أمّیون و قد ظهر اخواننا من فارس علی اخوانکم من الروم فان قاتلتمونا لنظهرنّ نحن علیکم فنزلت الم غلبت الروم فی أدنی الارض الی قوله فی بضع سنین فخرج بها أبو بکر الی المشرکین و قال لتظهرنّ الروم علی فارس بعد بضع سنین فقال أبی بن خلف کذبت فتراهنا علی عشر قلائص من کل واحد منهما و جعلا الاجل ثلاث سنین فأخبر أبو بکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بذلک فقال زد فی الخطر و أبعد فی الاجل فجعلا مائة قلوص الی تسع سنین فلما خشی أبی أن یخرج أبو بکر من مکة أتاه فلزمه و قال انی أخاف أن تخرج من مکة فأقم لی کفیلا فکفل له ابنه عبد الرحمن بن أبی بکر فلما أراد أبی أن یخرج الی أحد أتاه عبد الرحمن بن أبی بکر فلزمه قال لا و اللّه لا أدعک تخرج حتی تعطینی کفیلا فأعطاه کفیلا ثم خرج الی أحد فقتل بید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی مات من جرح جرحه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم له فی أحد و غلبت الروم علی فارس یوم الحدیبیة فأخذ أبو بکر مال الخطر من کفیل أبی و ورثته و جاء به الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال تصدق به و کان ذلک قبل تحریم القمار* و هذه آیة بینة علی صحة نبوّته صلّی اللّه علیه و سلم و علی ان القرآن من عند اللّه تعالی لانها نبأ عن الغیب کذا ذکره فی المنتقی*

انشقاق القمر

و فی السنة التاسعة من المبعث کان انشقاق القمر* فی المواهب اللدنیة ان انشقاق القمر کان بمکة قبل الهجرة بنحو خمس سنین قال العلامة ابن السبکی فی شرحه لمختصر ابن الحاجب الصحیح عندی ان انشقاق القمر متواتر منصوص علیه فی القرآن مروی فی الصحیحین و غیرهما من طرق حدیث شعبة بن سلیمان عن ابراهیم عن أبی معمر عن ابن مسعود ثم قال و له طرق أخر شتی بحیث لا یمتری فی تواتره انتهی و جاءت أحادیث انشقاق القمر فی روایات صحیحة من جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود و علیّ و حذیفة بن جبیر بن مطعم و ابن عمر و أنس و ابن عباس و غیرهم* و فی الصحیحین من حدیث أنس ان أهل مکة سألوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یریهم آیة فأراهم انشقاق القمر شقتین حتی رأوا حراء بینهما قوله شقتین بکسر الشین المعجمة أی نصفین و أنس و ان لم یشاهد القصة لانه اذ ذاک کان ابن أربع سنین أو خمس بالمدینة لکن یجوز أن یکون حمل الحدیث عمن شاهدها* و من حدیث ابن مسعود قال انشق القمر علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فرقتین فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اشهدوا* و فی روایة الترمذی من حدیث ابن عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:299
فی قوله تعالی اقتربت الساعة و انشق القمر قال قد کان ذلک علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انشق فلقتین فلقة دون الجبل و فلقة خلف الجبل فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اشهدوا* و قال مجاهد انشق القمر فبقیت فرقة و ذهبت فرقة من وراء الجبل* و قال ابن زید لما انشق القمر کان یری نصفه علی فعیفعان و النصف الآخر علی أبی قبیس کذا فی دلائل النبوّة و عند الامام أحمد من حدیث جبیر بن مطعم فصار فرقتین فرقة علی هذا الجبل و فرقة علی هذا الجبل فقالوا سحرنا محمدا فقالوا ان کان سحرنا فانه لا یستطیع أن یسحر الناس* و عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال فقال کفار قریش هذا سحر ابن أبی کبشة قال فقالوا انظروا ما یأتیکم به السفار فان محمدا لا یستطیع أن یسحر الناس کلهم قال فجاء السفار فأخبروهم بذلک رواه أبو داود و الطیالسی و رواه البیهقی بلفظ انشق القمر بمکة فقالوا أسحرکم ابن أبی کبشة فسألوا السفار و قد قدموا من کل وجه فقالوا رأیناه و عند أبی نعیم عن ابن عباس قال لما اجتمع المشرکون الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منهم الولید بن المغیرة و أبو جهل ابن هشام و العاص بن وائل و الاسود بن المطلب و النضر بن الحارث و نظراؤهم فقالوا للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان کنت صادقا فشق لنا القمر فرقتین فسأل ربه فانشق* و عند البخاری مختصرا من حدیث ابن عباس بلفظ ان القمر انشق علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ابن عباس و ان لم یشاهد القصة لانه لم یولد اذ ذاک ففی بعض طرقه انه حمل الحدیث عن ابن مسعود و عند مسلم من حدیث شعبة عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرّتین و کذا فی مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرّتین و اتفق الشیخان علیه من روایة شعبة عن قتادة بلفظ فرقتین کما فی حدیث جبیر عند أحمد و فی حدیث ابن عمر فلقتین باللام کما مرّ و فی لفظ فی حدیث جبیر فانشق باثنتین* و فی روایة عن ابن عباس عند أبی نعیم فی الدلائل فصار قمرین و وقع فی نظم السیرة للحافظ أبی الفضل العراقی و انشق مرّتین بالاجماع* قال الحافظ ابن حجر و أظنّ قوله بالاجماع یتعلق بالشق لا بمرّتین فانی لا أعلم من جزم من علماء الحدیث بتعدّد الانشقاق فی زمنه صلّی اللّه علیه و سلم و لعلّ قائل مرّتین أراد فرقتین و قد وقع فی روایة البخاری من حدیث ابن مسعود و نحن بمنی و هذا لا یعارض قول أنس ان ذلک کان بمکة لانه لم یصرّح بأنه علیه السلام کان لیلتئذ بمکة فالمراد ان الانشقاق کان و هم بمکة قبل أن یهاجروا الی المدینة هذا ما وقع فی المواهب اللدنیة* و فی شواهد النبوّة انشق القمر بحیث کانت فلقة منه علی أبی قبیس و فلقة علی الجبل الآخر* و فی المواهب اللدنیة و ما یذکره بعض القصاص ان القمر دخل فی جیب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و خرج من کمه فلیس له أصل کما حکاه الشیخ بدر الدین الزرکشی عن شیخه العماد بن کثیر*

وفاة أبی طالب‌

و فی السنة العاشرة من النبوّة أوّل ذی القعدة و قیل للنصف من شوّال السنة الثامنة کذا فی الاستیعاب مات أبو طالب بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانیة أشهر و أحد و عشرین یوما کذا فی سیرة الیعمری* و فی حیاة الحیوان مات أبو طالب و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابن تسع و أربعین سنة و ثمانیة أشهر و أحد عشر یوما و أبو طالب ابن بضع و ثمانین سنة* و فی المواهب اللدنیة ابن سبع و ثمانین سنة و قیل مات فی نصف شوّال من السنة العاشرة* و قال ابن الجوزی قبل هجرته علیه السلام بثلاث سنین انتهی* و روی عن سعید بن المسیب عن أبیه أنه قال لما حضر أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فوحد عنده عبد اللّه بن أمیة و أبا جهل بن هشام فقال یا عم قل لا إله الا اللّه کلمة أشهد لک بها عند اللّه فقال له أبو جهل یا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم یزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یعرضها علیه و یقول یا عم قل لا إله الا اللّه أشهد لک بها عند اللّه و یقولان له یا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب حتی کان آخر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:300
کلمة تکلم بها أبو طالب أنا أموت علی ملة عبد المطلب ثم مات* و فی المواهب اللدنیة روی انه علیه السلام کان یقول له عند موته یا عم قل لا إله الا اللّه کلمة أستحل لک بها الشفاعة یوم القیامة فلما رأی أبو طالب حرص رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال له یا ابن أخی و اللّه لو لا مخافة قریش یقولون انی انما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها الا لأسرّک بها فلما تقارب من أبی طالب الموت نظر العباس إلیه یحرّک شفتیه فأصغی إلیه باذنه فقال یا ابن أخی و اللّه لقد قال أخی الکلمة التی أمرته بها فقال صلی اللّه علیه و سلم انی لم أسمعه قال و لم یکن العباس حینئذ مسلما کذا فی روایة ابن اسحاق انه أسلم عند الموت و رواه البیهقی فی الدلائل من طریق یونس بن بکیر عن ابن اسحاق و قال البیهقی انه منقطع و الصحیح من الحدیث قد أثبت لأبی طالب الوفاة علی الکفر و الشرک کما رویناه فی صحیح البخاری من حدیث سعید بن المسیب حتی قال أبو طالب آخر ما کلمهم علی ملة عبد المطلب و أبی أن یقول لا إله الا اللّه قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لأستغفرنّ لک ما لم أنه عنه فأنزل اللّه تعالی ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی و أنزل اللّه فی أبی طالب فقال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انک لا تهدی من أحببت و لکن اللّه یهدی من یشاء* و أجیب أیضا بأنّ أبا طالب لو قال کلمة التوحید لما نهی اللّه نبیه عن الاستغفار له* و فی أنوار التنزیل الجمهور علی انّ قوله تعالی انک لا تهدی من أحببت و لکن اللّه یهدی من یشاء نزلت فی أبی طالب فانه لما احتضر جاءه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال یا عم قل لا إله الا اللّه کلمة أحجاج لک بها عند اللّه قال یا ابن أخی لقد علمت انک لصادق و لکن أکره أن یقال جزع عند الموت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لاستغفرنّ لک ما لم أنه عنه فاستغفر له بعد موته حتی نزلت ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی من بعد ما تبین لهم أنهم اصحاب الجحیم و قیل اراد أن یستغفر لامّه فنهی عن ذلک کذا فی العمدة* و فی المواهب اللدنیة و فی الصحیح عن ابن عباس انه قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان ابا طالب کان یحوطک و ینصرک فهل نفعه ذلک قال نعم وجدته فی غمرات من النار فأخرجته الی ضحضاح و فی روایة یونس عن ابن اسحاق زیادة قال یغلی منها دماغه حتی یسیل علی قدمیه انتهی* و عن ابی سعید الخدری ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذکر عنده عمه ابو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتی یوم القیامة فیجعل فی ضحضاح یبلغ کعبه و یغلی منه دماغه* و عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال اهون اهل النار عذابا ابو طالب و هو منتعل بنعلین یغلی منهما دماغه* روی الاحادیث الثلاثة مسلم و روی البخاری أیضا حدیث الضحضاح و لفظه ما اغنیت عن عمک فانه کان یحوطک و یغضب لک قال نعم هو فی ضحضاح من النار و لو لا انا لکان فی الدرک الاسفل من النار قیل انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مسح ابا طالب بعد موته و أنسی تحت قدمیه و لذا ینتعل بنعلین من النار

وصیة أبی طالب‌

و فی المواهب اللدنیة* حکی عن هشام بن السائب الکلبی او ابنه انه قال لما حضر ابا طالب الوفاة جمع إلیه وجوه قریش فأوصاهم فقال یا معشر قریش انتم صفوة اللّه من خلقه الی أن قال و انی اوصیکم بمحمد خیرا فانه الامین فی قریش و الصدّیق فی العرب و هو الجامع لکل ما اوصیکم به و قد جاء بأمر قبله الجنان و انکره اللسان مخافة الشنآن و ایم اللّه کأنی انظر الی صعالیک العرب و اهل الوبر و الاطراف و المستضعفین من الناس قد اجابوا دعوته و صدّقوا کلمته و اعظموا امره فخاض بهم غمرات الموت و صارت رؤساء قریش و صنادیدها أذنابا و دورها خرابا و ضعفاؤها أربابا و انّ أعظمهم علیه أحوجهم إلیه و أبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها و أصفت له فؤادها و أعطته قیادها یا معشر قریش کونوا له ولاة و لحزبه حماة و اللّه لا یسلک أحد سبیله الارشد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:301
و لا یأخذ أحد بهدیه إلّا سعد و لو کان لنفسی مدّة و لا جلی تأخر لکففت عنه الهزاهز و لدفعت عنه الدواهی ثم هلک* و روی عن علیّ انه قال لما مات أبو طالب أخبرت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بموته فبکی ثم قال اذهب فاغسله و کفنه و واره غفر اللّه له و رحمه ففعلت و جعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستغفر له أیاما و لا یخرج من بیته حتی نزل جبریل بهذه الآیة ما کان للنبیّ و الذین آمنوا الآیة و قال علیّ فأمرنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاغتسلت و کان علیّ اذا غسل المیت اغتسل* قال ابن عباس عارض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جنازة أبی طالب و قال وصلتک رحم و جزاک اللّه خیرا یا عمّ* و فی معالم التنزیل الکفر علی أربعة أنواع کفر الانکار و کفر الجحود و کفر النفاق و کفر العناد أمّا کفر الانکار فهو أن لا یعرف اللّه بالقلب و لا یعترف باللسان و أمّا کفر الجحود فهو أن یعرف اللّه بقلبه و لکن لا یقرّ بلسانه ککفر ابلیس و کفر الیهود بمحمد صلّی اللّه علیه و سلم من هذا القبیل قال اللّه تعالی فلما جاءهم ما عرفوا کفروا به أی جحودا و أمّا کفر النفاق فهو أن یقرّ باللسان و لم یعتقد بالقلب و أمّا کفر العناد فهو أن یعرف اللّه بقلبه و یعترف بلسانه و لکن لا یدین به و لا یکون منقادا و مطیعا له ککفر أبی طالب فانه قال
و لقد علمت بأنّ دین محمدمن خیر أدیان البریة دینا
لو لا الملامة أو حذار مسبةلوجدتنی سمحا بذاک مبینا
و دعوتنی و عرفت أنک ناصحی‌و لقد صدقت و کنت فیه أمینا و جمیع الانواع الاربعة المذکورة سواء فی انّ اللّه تبارک و تعالی لا یغفر لاصحابها اذا ماتوا علیها نعوذ باللّه منها*

وفاة خدیجة الکبری‌

و فی هذه السنة العاشرة من النبوّة کانت وفاة خدیجة الکبری رضی اللّه عنها* روی أنّ خدیجة لما مرضت مرض الموت دخل علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لها یا خدیجة أ ما علمت انّ اللّه قد زوّجنی معک فی الجنة مریم بنت عمران و کلثوم أخت موسی و آسیة امرأة فرعون قالت فعل ذلک یا رسول اللّه قال نعم قالت بالرفاء و البنین* قال أبو حاتم و أبو عمرو و الدولابی ماتت خدیجة بمکة قبل هجرة المصطفی الی المدینة بثلاث سنین* و فی سیرة مغلطای بخمس سنین و قیل بأربع و قیل بعد الاسراء فکان علیه السلام یسمی ذلک العام عام الحزن انتهی و حکی أبو عمرو أنّ خدیجة توفیت فی شهر رمضان و دفنت بالحجون و هی ابنة خمس و ستین سنة و ستة أشهر کذا فی الصفوة* و قال الطبری فی السمط الثمین و هی ابنة أربع و ستین سنة و ستة أشهر و للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند وفاتها تسع و أربعون سنة و ثمانیة أشهر و أربعة عشر یوما* و قال صاحب الصفوة و نزل صلّی اللّه علیه و سلم فی حفرتها و لم یکن یومئذ سنة الجنازة الصلاة علیها* قال ابن اسحاق هلکت خدیجة و أبو طالب فی عام واحد و کان هلاکهما بعد عشر سنین مضت من مبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و عن عروة ابن الزبیر قال توفیت خدیجة قبل أن تفرض الصلاة و ذکر الملا فی سیرته أنّ موت خدیجة بعد موت أبی طالب بثلاثة أیام و کذا فی سیرة الیعمری و حیاة الحیوان و السمط الثمین و أسد الغابة و زاد فیه و قیل بعده بشهر و قیل کان بینهما شهر و خمسة أیام و قیل خمسون یوما و قیل انها ماتت قبل أبی طالب انتهی ما فی أسد الغابة و قیل بخمسة أشهر فی رمضان بعد المبعث بعشر سنین علی الصحیح ماتت خدیجة و کانت مدّة اقامتها معه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما تزوّجها خمسا و عشرین سنة علی الصحیح کذا فی المواهب اللدنیة أو قیل أربعا و عشرین سنة و ستة أشهر و کان موتها قبل الهجرة بثلاث سنین و ثلاثة أشهر و نصف و قیل قبل الهجرة بسنة و اللّه أعلم* و قال عروة ما ماتت خدیجة الا بعد الاسراء و بعد أن صلت الفریصة مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی أسد الغابة* و فی کتاب الغزی توفیت خدیجة فی دارها التی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:302
تسمی دار خزیمة و کانت مسکن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فیها ولدت خدیجة أولادها من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یزل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مقیما فیها حتی هاجر فأخذها عقیل ثم اشتراها معاویة و هو خلیفة فجعلها مسجدا یصلی فیه و یعرف الیوم بمولد فاطمة و هو أفضل موضع بمکة بعد المسجد الحرام* ثم بعد أیام من موت خدیجة تزوّجه علیه السلام بسودة کذا فی المواهب اللدنیة روی عن عبد اللّه بن ثعلبة قال لما توفی أبو طالب و خدیجة و کان بینهما ثلاثة أیام کما مرّ و هو المشهور و قیل شهر و خمسة أیام اجتمعت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مصیبتان فلزم بیته و قلّ الخروج و نالت قریش منه ما لم تسکن تنال فبلغ ذلک أبا لهب فجاءه فقال یا محمد امض لما أردت و اصنع ما کنت صانعا حین کان أبو طالب حیا فقام أبو لهب بحمایته و معونته و لم یتعرّض له أحد من خوف أبی لهب حتی جاء عقبة بن أبی معیط و أبو جهل الی أبی لهب فقالا له أخبرک ابن أخیک أین مدخل أبیک فقال له أبو لهب یا محمد أین مدخل عبد المطلب قال مع قومه فخرج أبو لهب إلیهما فقال سألته فقال مع قومه فقالا یزعم أنه فی النار فقال أبو لهب یا محمد أ یدخل عبد المطلب النار فقال نعم و من مات علی مثل ما مات علیه عبد المطلب دخل النار فقال أبو لهب یا محمد و اللّه لا برحت لک عدوّا أبدا و أنت تزعم أنّ عبد المطلب فی النار فاشتدّ علیه أبو لهب و سائر قریش لما عرفوا و ظاهر قوله فقام أبو لهب بحمایته و معاونته یخالف ما مرّ فی السنة الرابعة من النبوّة من قوله تبا لک أ لهذا دعوتنا الی آخره*

خروجه علیه السلام الی الطائف و الی ثقیف‌

و فی هذه السنة خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الطائف و الی ثقیف بعد ثلاثة أشهر من موت خدیجة فی لیال یستنصرهم* و فی روایة لثلاث بقین من شوّال سنة عشر من النبوّة لما ناله من قریش بعد موت أبی طالب و خدیجة و هو مکروب فلا جرم جعل اللّه الطائف متنفسا لاهل الاسلام ممن ضاق بمکة الی یوم القیامة فهی راحة الامّة و متنفس کل ذی ضیق و غمة سنة اللّه فی الذین خلوا من قبل و لن تجد لسنة اللّه تبدیلا* و روی عن محمد بن جبیر بن مطعم قال لما توفی أبو طالب بالغت قریش فی ایذاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حینئذ الی الطائف و معه زید بن حارثة و فی معالم التنزیل خرج وحده و ذلک فی لیال بقین من شوّال السنة العاشرة من النبوّة فأقام بالطائف شهرا کذا فی حیاة الحیوان* و قال ابن سعد عشرة أیام کذا فی المواهب اللدنیة لا یدع أحدا من أشراف ثقیف إلّا جاءه و کلمه و دعاه الی اللّه فلم یجیبوه الی طلبته و قالوا یا محمدا خرج من بلدنا و ألحق بمحابک من الارض قال محمد بن کعب القرظی لما انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الطائف عمد الی نفر من ثقیف هم یومئذ سادة ثقیف و أشرافهم و هم اخوة ثلاثة عبد یا لیل بمثناة تحتیة بعدها ألف ثم لام مکسورة ثم مثناة تحتیة ساکنة ثم لام و مسعود و حبیب بنو عمرو بن عمیر کذا فی المنتقی و فی المواهب اللدنیة غیر هذا و عند أحدهم امرأة من قریش من بنی جمح فجلس إلیهم فدعاهم الی اللّه عز و جل و کلمهم بما جاءهم به من نصرته علی الاسلام و القیام معه علی من خالفه من قومه فقال أحدهم هو یمرط ثیاب الکعبة ان کان اللّه أرسلک و قال الآخر أ ما وجد اللّه أحدا یرسله غیرک و قال الثالث و اللّه لا أکلّمک کلمة أبدا لئن کنت رسولا من اللّه کما تقول لانت أعظم خطرا من أن أردد علیک الکلام و ان کنت تکذب ما ینبغی لی أن أکلمک فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من عندهم و قد یئس من حیر ثقیف فقال لهم اذ فعلتم ما فعلتم فاکتموا علیّ و کره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یبلغ قومه ذلک فلم یفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبیدهم یسبونه و یصیحون به حتی اجتمع الناس علیه فجعلوا یرمونه بالحجارة حتی انّ رجلیه لتدمیان* و فی المواهب اللدنیة قال موسی بن عقبة رجموا عراقیبه بالحجارة حتی اختضبت نعلاه بالدماء و زاد غیره و کان اذا أذلقته الحجارة قعد الی الارض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:303
فیأخذونه بعضدیه فیقیمونه فاذا مشی رجموه و هم یضحکون و زید بن حارثة یقیه بنفسه حتی لقد شج فی رأسه شجاجا و ألجئوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی حائط لعتبة و شیبة ابنی ربیعة و رجع عنه من کان یتبعه من سفهاء ثقیف و عمد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی ظل شجرة فجلس فیه محزونا و ابنا ربیعة کانا فی الحائط ینظران إلیه فلما رأیا ما لقیه من سفهاء ثقیف تحرّکت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانیا یقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فی ذلک الطبق ثم اذهب به الی ذلک الرجل و قل له یأکل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتی وضعه بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما وضع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده قال بسم اللّه الرحمن الرحیم ثم أکل فنظر عداس الی وجهه ثم قال انّ هذا الکلام ما یقوله أهل هذا البلد فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من أی البلاد أنت و ما دینک قال أنا نصرانی و أنا رجل من أهل نینوی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمن قریة الرجل الصالح یونس بن متی قال و ما یدریک ما یونس بن متی قال ذلک أخی کان نبیا و أنا نبیّ فأکب عداس علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقبل رأسه و یدیه و قدمیه و أسلم و ینظر إلیه ابنا ربیعة فیقول أحدهما للآخر أما غلامک فقد أفسده علیک فلما جاءهما عداس قالا له ویلک یا عداس مالک تقبل رأس هذا الرجل و یدیه و قدمیه قال یا سیدی ما فی الارض خیر من هذا الرجل لقد أخبرنی بأمر لا یعلمه الا نبی ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الطائف حین یئس من خیر ثقیف*

ذکر وفود الجنّ‌

و لما نزل نخلة و هو موضع علی لیلة من مکة صرف إلیه سبعة من جنّ نصیبین مدینة بالشام و قد قام فی جوف اللیل یصلی و فی الصحیح انّ الذی آذنه صلّی اللّه علیه و سلم بالجنّ لیلة الجنّ شجرة کذا فی المواهب اللدنیة و أقام بنخلة أیاما ثم دخل مکة فی جوار مطعم بن عدیّ* و فی أسد الغابة و لما عاد من الطائف أرسل الی مطعم بن عدیّ یطلب منه أن یجیره فأجاره فدخل المسجد معه و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یشکرها له و کان دخوله من الطائف لثلاث و عشرین لیلة خلت من ذی القعدة* و فی هذه السنة جاءت وفود الجنّ الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* فی حیاة الحیوان لما بلغ عمره خمسین سنة و فی سیرة الیعمری خمسین سنة و ثلاثة أشهر قدم علیه جنّ نصیبین فأسلموا* و فی الاستیعاب کان رجوعه من الطائف الی مکة سنة احدی و خمسین من الفیل و فیها قدم علیه جنّ نصیبین بعد ثلاثة أشهر* و عن ابن عباس قال انطلق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی طائفة من أصحابه عامدین سوق عکاظ و قد حیل بین الشیاطین و بین خبر السماء و أرسلت علیهم الشهب فرجعت الشیاطین الی قومهم فقالوا ما لکم قالوا حیل بیننا و بین خبر السماء و أرسلت علینا الشهب قالوا ما حال بینکم و بین خبر السماء الا شی‌ء حدث فاضربوا مشارق الارض و مغاربها فانظروا ما هذا الذی حال بینکم و بین خبر السماء فنهض سبعة نفر من أشراف جنّ نصیبین أو نینوی منهم زوبعة أمیر الجنّ فضربوا حتی بلغوا تهامة ثم اندفعوا الی وادی نخلة فوافوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یصلی بأصحابه صلاة الفجر* و فی المدارک و هو قائم فی جوف اللیل یصلی أو فی صلاة الفجر* و فی أنوار التنزیل روی أنهم وافوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بوادی نخلة و هو موضع علی لیلة من مکة عند منصرفه من الطائف یقرأ فی تهجده انتهی* فلما سمعوا القرآن استمعوا له و هو یقرأ سورة الجنّ کذا فی سیرة مغلطای فأولئک حین رجعوا الی قومهم قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا یهدی الی الرشد فآمنا به و لن نشرک بربنا أحدا و أنزل اللّه علی نبیه قل أوحی الیّ أنه استمع نفر من الجنّ کذا فی الصحیحین* و فی المواهب اللدنیة قال الحافظ ابن کثیر هذا صحیح لکن قوله انّ الجنّ کان استماعهم تلک اللیلة فیه نظر فانّ الجنّ کان استماعهم فی ابتداء الایحاء* و فی أنوار التنزیل فی سورة الاحقاف فی قوله تعالی قالوا یا قومنا انا سمعنا کتابا أنزل من بعد موسی قیل انما قالوا ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:304
لانهم کانوا یهودا و ما سمعوا بأمر عیسی و عن عائشة أنها سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول انّ الملائکة تنزل فی العنان و هو السحاب فتذکر الامر قضی فی السماء فتسترق الشیاطین السمع فتوحیه الی الکفار فیکذبون معها مائة کذبة من عند أنفسهم رواه البخاری* و عن ابن عباس قال کان الجنّ یستمعون الوحی فیسمعون الکلمة فیزیدون فیها عشرا فیکون ما سمعوه حقا و ما زادوه باطلا کذا قاله أحمد و کانت النجوم لا یرمی بها قبل ذلک فلما بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان أحدهم لا یقعد مقعدا إلّا رمی بشهاب یحرق ما أصاب فشکوا ذلک الی ابلیس فقال ما هذا الامن أمر حدث فبعث جنوده فاذا هم بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یصلی بین جبلی نخلة فأتوه فأخبروه فقال ما هذا الحدث الذی حدث فی الارض کذا فی الصفوة* و فی معالم التنزیل روی أنهم لما رجموا بالشهب بعث ابلیس سرایاه لیعرف الخبر فکان أوّل بعث بعث رکب من أهل نصیبین و هم أشراف الجنّ و سادتهم و بعث الی تهامة یقال انهم کانوا من بنی الشیصبان و هم أکثر الجنّ عددا و هم عامّة جنود ابلیس فلما رجعوا قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا* و اختلفوا فی عدد أولئک النفر فقال ابن عباس کانوا سبعة من جنّ نصیبین فجعلهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رسلا الی قومهم* و فی العمدة ثلاثة من أهل نجران و أربعة من أهل نصیبین و قال قوم کانوا تسعة و کان زوبعة من التسعة الذین استمعوا القرآن و فی العمدة أیضا و هم تسعة من جنّ نصیبین استمعوا القرآن و أجابوا دعوة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أسماؤهم حسا و بسا و شاصرا و ناصرا و أزد و أنین و أحتب و صخب و زوبعة* و فی الصفوة و هذا الحدیث أی حدیث رجم الشیاطین بالشهب یدل علی انّ النجوم و لم یرم بها الا لمبعث نبینا صلّی اللّه علیه و سلم و قد روی الزهری أنه کان یرمی بها قبل ذلک و لکنها غلظت حین بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قد مرّ مثله فی هذا الرکن الثانی فی مبعثه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المدارک عن سعید ابن جبیر ما قرأ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی الجنّ و لا رآهم و انما کان یتلو فی صلاته فمرّوا به فوقفوا مستمعین و هو لا یشعر فأنبأه اللّه باستماعهم و قیل بل أمر اللّه رسوله أن ینذرهم و یقرأ علیهم فصرف إلیه نفرا منهم و قال انی أمرت أن أقرأ علی الجنّ و کان ذلک بمکة بشعب الحجون الی آخر الحدیث المروی عن عبد اللّه بن مسعود کما سیجی‌ء الآن* و فی المنتقی قال العلماء انّ الجنّ أتوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مرّتین احداهما بنخلة کما مرّ آنفا و الثانیة بمکة و هی ما روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمر أن ینذر الجنّ و یدعوهم الی اللّه و یقرأ علیهم القرآن فصرف اللّه إلیه نفرا من الجنّ من نینوی و جمعوهم له فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی أمرت أن أقرأ علی الجنّ اللیلة فأیکم یتبعنی قالها ثلاثا فالصحابة أطرقوا فاتبعه عبد اللّه بن مسعود و قال عبد اللّه و لم یحضر معنا أحد فانطلقنا حتی اذا کنا بأعلا مکة دخل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شعبا یقال له شعب الحجون و خط لی خطا و قال لی لا تخرج عنه حتی أعود إلیک ثم انطلق حتی قام فافتتح القرآن فجعلت أری مثل النسور تهوی و سمعت لغطا شدیدا حتی خفت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و غشیته أسودة کثیرة حالت بینی و بینه حتی ما أسمع صوته ثم طفقوا یتقطعون کقطع السحاب ذاهبین ففرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع الفجر ثم انطلق الیّ و قال أنمت قلت لا یا رسول اللّه و لقد هممت مرارا أن أستغیث بالناس حین سمعتک تقرع بعصاک تقول اجلسوا قال و لو خرجت لم آمن علیک أن یختطفک بعضهم ثم قال هل رأیت شیئا قلت نعم رأیت رجالا سودا مستثفری ثیاب بیض فقال أولئک جنّ نصیبین* و فی المدارک کانوا اثنی عشر ألفا و السورة التی قرأها علیهم اقرأ باسم ربک انتهی قال صلّی اللّه علیه و سلم سألونی المتاع و المتاع الزاد فمتعتهم بکل عظم حائل و ورثة و بعرة فقالوا یا رسول اللّه یقذرها الناس فنهی صلّی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:305
و سلم أن یستنجی بالعظم و الروث قال فقلت یا رسول اللّه و ما یغنی ذلک عنهم قال انهم لا یجدون عظما الا وجدوا علیه لحمه یوم أکل و لا روثة الا وجدوا فیها حبها یوم أکلت فقلت یا رسول اللّه سمعت لغطا شدیدا قال ان الجنّ تدارأت فی قتیل قتل بینهم فتحاکموا الیّ فقضیت بینهم بالحق ثم تبرّز رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم أتانی فقال هل معک ماء فقلت یا رسول اللّه لیس معی الا أداوة فیها شی‌ء من نبیذ التمر فاستدعاه فصببت علی یده فتوضأ فقال تمرة طیبة و ماء طهور کذا فی المنتقی و فی کتاب الغزی بأعلا مکة مسجد یقال له مسجد الجنّ و مسجد البیعة أیضا یقال ان الجنّ بایعوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هناک و فی مقابل مسجد الجنّ مسجد یقال له مسجد الشجرة یقال ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دعا شجرة کانت فی ذلک المسجد فأقبلت تخط الارض حتی وقفت بین یدیه ثم أمرها فرجعت‌

* تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم سودة و عائشة

و فی شوّال هذه السنة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سودة و عائشة فی أسد الغابة لابن الاثیر تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم بعد خدیجة سودة بنت زمعة قال الزهری تزوّجها قبل عائشة و هو بمکة و بنی بها بمکة أیضا و قال غیره تزوّج عائشة قبل سودة و انما ابتنی بسودة قبل عائشة لصغر عائشة و تزوّج عائشة بمکة و بنی بها بالمدینة سنة اثنتین* و فی المواهب اللدنیة تزوّج سودة بمکة بعد موت خدیجة قبل أن یعقد علی عائشة هذا قول قتادة و أبی عبیدة و لم یذکر ابن قتیبة غیره و یقال تزوّجها بعد عائشة و یجمع بین القولین بأنه صلّی اللّه علیه و سلم عقد علی عائشة قبل سودة و دخل بسودة قبل عائشة و التزویج یطلق علی کل واحد من العقد و الدخول و ان کان المتبادر الی الفهم من التزویج العقد دون الدخول و فی سیرة الیعمری تزوّج عائشة بمکة قبل الهجرة بسنتین و قیل بثلاث و هی بنت ست أو سبع و للبخاری توفیت خدیجة قبل مخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بثلاث سنین فلبث سنتین أو قریبا من ذلک و نکح عائشة و هی بنت ست ثم بنی بها و هی بنت تسع سنین روی أنه لما ماتت خدیجة جاءت خولة بنت حکیم امرأة عثمان بن مظعون فقالت یا رسول اللّه الا تزوّج قال من قالت ان شئت بکرا و ان شئت ثیبا قال فمن البکر قالت ابنة أحب خلق اللّه إلیک بنت أبی بکر قال و من الثیب قالت سودة بنت زمعة قد آمنت بک و اتبعتک علی ما تقول قال فاذهبی فاذکریهما علیّ فدخلت بیت أبی بکر و قالت یا أم رومان ما ذا أدخل اللّه علیکم من الخیر و البرکة قالت و ما ذاک قالت أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخطب علیه عائشة قالت انتظری أبا بکر حتی یأتی فجاء أبو بکر فقالت ما ذا أدخل اللّه علیکم من الخیر و البرکة قال و ما ذاک قالت أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخطب علیه عائشة قال و هل تصلح له انما هی ابنة أخیه فرجعت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فذکرت له ذلک قال ارجعی إلیه فقولی له أنا أخوک و أنت أخی فی الاسلام و ابنتک تصلح لی فرجعت فذکرت ذلک له فقال انتظری قالت أمّ رومان ان مطعم بن عدی قد کان ذکرها علی ابنه فو اللّه ما وعد وعدا قط فاخلفه قط تعنی أبا بکر فدخل أبو بکر علی مطعم بن عدی و عنده امرأته أمّ الفتی فقالت یا ابن أبی قحافة لعلک مصبئ صاحبنا تدخله فی دینک الذی أنت علیه ان تزوّج ابنه ابنتک فقال أبو بکر لمطعم بن عدی أقول هذه تقول قال انها تقول ذلک فخرج من عنده و قد أذهب اللّه ما کان فی نفسه من عدته التی وعده فرجع فقال لخولة ادعی لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعته فزوّجها ایاه و عائشة یومئذ بنت ست سنین کما مرّ ثم خرجت خولة فدخلت علی سودة بنت زمعة فقالت ما ذا أدخل اللّه علیک من الخیر و البرکة قالت و ما ذاک قالت أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخطبک علیه قالت وددت أن یکون ذلک ادخلی علی أبی و اذکری ذلک له و کان شیخا کبیرا و قد تخلف عن الحج فدخلت علیه فذکرت له ذلک قال کفؤ کریم فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فزوّجها ایاه فجاء أخوها عبد اللّه بن زمعة من الحج فجعل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:306
یحثی فی رأسه التراب فقال بعد أن أسلم لعمری انی سفیه یوم أحثی فی رأسی التراب أن تزوّج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سودة بنت زمعة کذا فی المنتقی* روی ان سودة بنت زمعة بن قیس بن عبد شمس کانت قد أسلمت بمکة فی أوائل البعثة و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم زوجة ابن عمها سکران بن عمرو بن عبد شمس و ولدت له ابنا اسمه عبد الرحمن قتل فی حرب جلولا و هو اسم قریة من قری فارس و تلک الحرب وقعت هناک و سکران عدّ من الصحابة و کانت سودة هاجرت مع زوجها سکران الی الحبشة و بعد مدّة عادت الی مکة و رأت فی المنام ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أتاها و وضع رجله علی رقبتها فلما انتبهت أخبرت زوجها قال ان صدقت فانا أموت و یتزوّجک محمد ثم رأت فی المنام انها اتکأت و وقع علیها القمر من السماء فأخبرت بها زوجها قال ان کنت صدقت فأنا أموت قریبا و تتزوجین زوجا آخر فمرض فی ذلک الیوم و مات بعد أیام ثم تزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی السنة العاشرة من النبوّة بعد وفاة خدیجة مرویات سودة فی الکتب المتداولة خمس أحادیث واحد منها فی البخاری و الباقیة مرویة فی السنن الاربع و توفیت فی آخر خلافة عمر و قیل فی زمان معاویة و الاوّل أشهر*

ابتداء اسلام الانصار و بیعة العقبة الاولی‌

و فی السنة الحادیة عشر من النبوّة کان ابتداء اسلام الانصار روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یخرج و یتبع آثار الناس فی منازلهم بعکاظ و مجنة و ذی المجاز فی الموسم و یقول من یؤوینی من ینصرنی حتی أبلغ رسالة ربی فله الجنة و فی سیرة مغلطای فلا یجد أحدا ینصره و لا یجیبه حتی انه لیسأل عن القبائل و منازلها قبیلة قبیلة فیردّونه أقبح ردّ و یؤذونه و یقولون قومک أعلم بک و کان ممن سمی لنا من تلک القبائل بنو عامر بن صعصعة و محارب بن حفصة و فزارة و غسان و مرّة و حنیفة و سلّم و عبس و بنو نضر و البکاء و کندة و کعب و الحارث بن کعب و عذرة و الحضارمة الی أن أراد اللّه اطهار دینه فساقه علیه الصلاة و السلام الی هذا الحی من الانصار و هو لقب اسلامی لنصرتهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و انما کانوا یسمون أولاد قیلة و الاوس و الخزرج فأسلم اثنان أسعد بن زرارة و قیس بن ذکوان انتهی کلام مغلطای فخرج فی هذا الموسم یعرض نفسه علی القبائل کما کان یصنع فی کل موسم فبینا هو عند العقبة اذ لقی جماعة من الخزرج فقال من انتم قالوا من الخزرج قال أ فلا تجلسون حتی أکملکم قالوا بلی فجلسوا معه فدعاهم الی اللّه عز و جل و عرض علیهم الاسلام و تلا علیهم القرآن و کان أولئک قد سمعوا من الیهود انه قد أظلنا زمان نبیّ یبعث* و فی المواهب اللدنیة کان من صنع اللّه ان الیهود کانوا معهم فی بلادهم و کانوا أهل کتاب و کان الاوس و الخزرج أکثر منهم فکانوا اذا کان بینهم شی‌ء قالوا ان نبیا سیبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلکم معه فلما کلمهم قال بعضهم لبعض و اللّه انه النبیّ الذی یعدکم به الیهود فلا یسبقنکم إلیه فأسلم منهم ستة نفر کلهم من الخزرج و هم أبو أمامة أسعد بن زرارة و عوف بن الحارث بن رفاعة و هو ابن عفراء و رافع بن مالک بن العجلان و قطبة بن عامر بن حدیدة و عقبة بن عامر بن نابی و جابر بن عبد اللّه بن ذئاب فقال لهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تمنعون ظهری حتی أبلغ رسالة ربی فقالوا یا رسول اللّه انما کانت بعاث العام الاوّل یوم من أیامنا اقتتلنا به و ان تقدم و نحن کذلک لا یکون لنا علیک اجتماع فدعنا حتی نرجع الی عشائرنا لعل اللّه یصلح ذات بیننا و ندعوهم الی ما دعوتنا و موعدنا و موعدک الموسم العام القابل و انصرفوا الی بلادهم و یسمی هذا ابتداء اسلام الانصار و مقتضی ما سنذکره بعد المعراج أن تسمی هذه بیعة العقبة الاولی کذا فی الوفاء و لما قدموا المدینة علی قومهم ذکروا لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دعوهم الی الاسلام حتی فشافیهم الاسلام فلم یبق دار من دور الانصار الا فیها ذکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

ذکر قصة المعراج‌

و فی السنة الثانیة عشر من النبوّة وقع المعراج و ما تضمنه و فرضت الصلوات الخمس فی الاسراء و ستجی‌ء کیفیتها و فی الاستیعاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:307
و سیرة مغلطای بعد سنة و نصف من حین رجوعه من الطائف قاله ابن قتیبة* و قال ابن شهاب عن ابن المسیب قبل خروجه الی المدینة بسنة* و فی المواهب اللدنیة لما کان فی شهر ربیع الاوّل أسری بروحه و جسده یقظة من المسجد الحرام الی المسجد الاقصی ثم عرج به من المسجد الاقصی الی فوق سبع سماوات و رأی ربه بعین رأسه و أوحی إلیه ما أوحی و فرض علیه الصلوات الخمس ثم انصرف فی لیلته الی مکة فأخبر بذلک فصدّقه الصدّیق و کل من آمن باللّه و کذبه الکفار و استوصفوه مسجد بیت المقدس فمثله اللّه له فجعل ینظر إلیه و یصفه و سیجی‌ء تفصیل ذلک کله* اختلف العلماء فی الاسراء هل هو اسراء واحد فی لیلة واحدة یقظة أو مناما أو إسراءان کل واحد فی لیلة مرّة بروحه و بدنه یقظة و مرّة مناما أو یقظة بروحه و جسده من المسجد الحرام الی المسجد الاقصی ثم مناما من المسجد الاقصی الی العرش أو هی أربع إسراءات* و فی سیرة مغلطای اختلف فی المعراج و الاسراء هل کانا فی لیلة واحدة أم لا و هل کانا أو أحدهما یقظة أو مناما و هل کان المعراج مرّة أو مرّات و الصحیح ان الاسراء کان فی الیقظة بجسده و انه مرّات متعدّدة و انه رأی ربه بعین رأسه صلّی اللّه علیه و سلم* و اختلف فی تاریخ الاسراء فی أی سنة کان و فی أی شهر و فی أی یوم من الشهر و فی أی لیلة من الاسبوع فأما سنة الاسراء فقال الزهری کان ذلک بعد المبعث بخمس سنین حکاه القاضی عیاض و رجحه القرطبی و النووی و قیل قبل الهجرة بسنة قاله ابن حزم و ادّعی فیه الاجماع رواه ابن الاثیر فی أسد الغابة عن ابن عباس و أنس و حکاه البغوی فی معالم التنزیل عن مقاتل و قیل قبل الهجرة بسنة و خمسة أشهر قاله السدّی و أخرجه من طریق الطبری و البیهقی فعلی هذا یکون فی شوّال و فی أسد الغابة قال السدّی قبل الهجرة بستة أشهر و قیل کان قبل الهجرة بسنة و ثلاثة أشهر فعلی هذا یکون فی ذی الحجة و به جزم ابن فارس و قیل قبل الهجرة بثلاث سنین ذکره ابن الاثیر کذا فی المواهب اللدنیة* و أما شهر الاسراء فقیل ربیع الاوّل قاله ابن الاثیر و النووی فی شرح مسلم و قیل ربیع الآخر قاله الحربی و النووی فی فتاویه و قیل رجب حکاه ابن عبد البرّ و قبله ابن قتیبة و به جزم النووی فی الروضة و عن الواقدی رمضان و عن السدّی و الماوردی شوّال و عن ابن فارس ذو الحجة کما مرّ و أما ان الاسراء فی أی یوم من الشهر کان فعن ابن الاثیر لیلة سبع من ربیع الاوّل و عن الحربی فی ثالث عشری ربیع الآخر و قیل لیلة سبع و عشرین من ربیع الآخر و عن الواقدی فی سابع عشر من رمضان و أما لیلة الاسراء فقیل لیلة الجمعة و قیل لیلة السبت و عن ابن الاثیر لیلة الاثنین و قال ابن دحیة ان شاء اللّه یکون لیلة الاثنین لیوافق المولد و المبعث و المعراج و الهجرة و الوفاة فان هذه أطوار الانتقالات وجودا و نبوّة و معراجا و هجرة و وفاة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة الیعمری و لما بلغ احدی و خمسین سنة و تسعة أشهر أسری به من بین زمزم و المقام و کذا فی حیاة الحیوان و انما کان لیلا لتظهر الخصوصیة بین جلیس الملک لیلا و جلیسه نهارا و اختلف فی الموضع الذی أسری به منه صلّی اللّه علیه و سلم فقیل أسری به من بیته و قیل من بیت أمّ هانئ بنت أبی طالب لما روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان نائما فی بیت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسری به و رجع من لیلته و قص القصة علیها و قال مثل لی النبیون فصلیت بهم و بیتها بین الصفا و المروة و من قال هذین القولین قال الحرم کله مسجد و المراد بالمسجد الحرام فی الآیة الحرم و عن ابن عباس الحرم کله مسجد و قیل أسری به من المسجد الحرام و المراد بالمسجد فی الآیة هو المسجد نفسه و هو ظاهر فقد قال صلّی اللّه علیه و سلم بینا انا فی المسجد الحرام فی الحجر عند البیت بین النائم و الیقظان اذ أتانی جبریل بالبراق و قد عرج بی الی السماء فی تلک اللیلة قیل الحکمة فی المعراج ان اللّه تعالی أراد أن یشرف
بأنوار محمد صلّی اللّه علیه و سلم السموات کما شرف ببرکاته الارضین فسری به الی المعراج و سئل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:308
أبو العباس الدینوری لم أسری بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی البیت المقدس قبل ان عرج به الی السماء فقال لان اللّه تعالی کان یعلم ان کفار قریش کانوا یکذبونه فیما یخبرهم به من أخبار السموات فأراد أن یخبرهم من الارض قد بلغوها و عاینوها و علموا ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یدخل بیت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بیت المقدس علی ما هو علیه لم یمکنهم ان یکذبوه فی أخبار السماء بعد أن صدّقوه فی أخبار الارض* و اختلف السلف و العلماء فی أنه هل کان اسراء بروحه أو جسده علی ثلاثة أقوال أحدها انه ذهبت طائفة الی انه اسراء بالروح و انه رؤیا منام مع اتفاقهم علی أن رؤیا الأنبیاء وحی و حق و الی هذا ذهب معاویة و حکی عن الحسن فی غیر المشهور و حجتهم قوله تعالی و ما جعلنا الرؤیا التی أریناک الآیة و ما حکوا عن عائشة ما فقدت جسد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قوله صلّی اللّه علیه و سلم بینا أنا نائم و قول أنس و هو نائم فی المسجد الحرام و ذکر القصة ثم قال فی آخرها فاستیقظت و أنا بالمسجد الحرام* و فی العروة الوثقی و حدیث عائشة صحیح فی المعراج الذی اتفق للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی فراشها فی المدینة و قالت ما فقدت جسد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قول ابن عباس أیضا صحیح فی المعراج المکی الذی أخبر به نص التنزیل بقوله سبحان الذی أسری بعبده الآیة لقوله تعالی ثم دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی* و الثانی انه ذهب معظم السلف و المسلمین الی انه اسری بروحه و جسده و فی الیقظة و هذا هو الحق و هو قول ابن عباس و جابر و انس و حذیفة و عمر و ابی هریرة و مالک بن صعصعة و ابی حبة البدری و ابن مسعود و الضحاک و سعید بن جبیر و قتادة و ابن المسیب و ابن شهاب و ابن زید و الحسن فی المشهور و ابراهیم و مسروق و مجاهد و عکرمة و ابن جریج و هو قول الطبری و ابن حنبل و جماعة عظیمة من المسلمین و هذا قول أکثر المتأخرین من الفقهاء و المحدّثین و المتکلمین و المفسرین* و الثالث انه فی المنام قالت طائفة کان الاسراء بالجسد یقظة الی بیت المقدس و الی السماء بالروح فی المنام قال القاضی عیاض الحق و الصحیح انه اسراء بالجسد و الروح فی القصة کلها و علیه تدل الآیة و صحیح الاخبار و لا یعدل عن الظاهر و الحقیقة الی التأویل الا عند الاستحالة و لیس فی الاسراء بجسده و حال یقظته استحالة اذ لو کان منا ما لقال بروح عبده و لم یقل بعبده و قوله ما زاع البصر و ما طغی و لو کان منا ما لما کان فیه آیة و لا معجزة و لما استبعده الکفار و لا کذبوه فیه و لا ارتدّ به ضعفاء من أسلم و افتتنوا به اذ مثل هذا من المنامات لا ینکر بل لم یکن ذلک منهم الا و قد علموا ان خبره انما کان عن جسمه و حال یقظته الی ما ذکر فی الحدیث من ذکر صلاته بالانبیاء ببیت المقدس فی روایة انس أو فی السماء علی ما روی غیره و ذکر مجی‌ء جبریل له بالبراق و خبر المعراج و استفتاح السماء فیقال من معک فیقول محمد و لقائه الأنبیاء فیها و خبرهم معه و ترحیبهم به و شأنه فی فرض الصلاة و مراجعته مع موسی فی ذلک و وصوله الی سدرة المنتهی و دخوله الجنة و رؤیته فیها ما ذکره* قال ابن عباس هی رؤیا عین رآها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا رؤیا منام* و عن الحسن بینا أنا جالس فی الحجر جاءنی جبریل فهمزنی بعقبه فقمت فجلست فلم أر شیئا فعدت لمضجعی و ذکر ذلک ثلاثا فقال فی الثالثة فأخذ بعضدی فجرّنی الی باب المسجد فاذا بدابة و ذکر خبر البراق* و عن أم هانئ قالت ما أسری برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الا و هو فی بیتی تلک اللیلة صلّی العشاء الآخرة و نام فلما کان قبیل الفجر أهبنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما صلّی الصبح و صلینا معه قال یا أم هانئ لقد صلیت معکم العشاء الآخرة کما رأیت بهذا الوادی ثم جئت بیت المقدس و صلیت فیه ثم صلیت الغداة معکم الآن کما ترون فهذا کله بین فی انه بجسمه صلّی اللّه علیه
و سلم* و عن أبی بکر من روایة شدّاد بن أوس عنه انه قال للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیلة اسری به طلبتک یا رسول اللّه البارحة فی مکانک فلم أجدک فأجابه ان جبریل حمله الی المسجد الاقصی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:309
و عن عمر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صلیت لیلة أسری بی مقدّم المسجد ثم دخلت الصخرة فاذا بملک قائم معه آنیة ثلاث و ذکر الحدیث و هذه التصریحات ظاهرة غیر مستحیلة فتحمل علی ظواهرها و عن أبی ذر عنه صلّی اللّه علیه و سلم فرج سقف بیتی و أنا بمکة فنزل جبریل فشرح صدری ثم غسله بماء زمزم الی آخر القصة ثم أخذ بیدی فعرج بی قیل الحق ان المعراج مرّتان مرّة فی النوم و أخری فی الیقظة قال محیی السنة و ما أراه اللّه فی النوم قبل الوحی ثم عرج به فی الیقظة بعد الوحی بسنة تحقیقا لرؤیاه کما انه رأی فتح مکة فی المنام سنة ست من الهجرة ثم کان تحقیقه سنة ثمان کذا فی شرح المشکاة للطیبی روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حدّث عن لیلة أسری به قال بینا هو یصلی فی الحطیم أو فی الحجر مضطجعا اذ أتاه آت فشق ما بین ثغرة نحره الی شعر عانته فاستخرج قلبه ثم أتی بطست من ذهب مملوءة ایمانا فغسل قلبه ثم حشی ثم أعید الی مکانه* قیل الحکمة فی شق الصدر مرّتین أما فی الصغر فلیصیر قلبه کقلوب الأنبیاء فی الانشراح و أما فی الاسراء فلیصیر حاله کحال الملائکة و قیل شرح الصدر فی صباه لاستخراج الهوی منه و فی الاسراء لاستدخال الایمان فیه ثم أتی بدابة طویلة بیضاء تسمی البراق و فی حیاة الحیوان کان البراق أبیض و بغلته شهباء و هی التی أکثرها بیاض اشارة الی تخصیصه بأشرف الالوان و سمی براقا لنصوع لونه و شدّة بریقه و قیل لسرعة حرکته تشبیها ببرق السحاب* و قال القاضی غیاض لکونها ذات لونین و فی الصحیح انه دابة دون البغل و فوق الحمار أبیض بضع خطوه عند أقصی طرفه* قال صاحب المنتقی الحکمة فی کونه علی هیئة بغل و لم یکن علی هیئة فرس التنبیه علی أن الرکوب فی سلم و أمن لا فی حرب و خوف أو لاظهار الآیة فی الاسراع العجیب فی دابة لا یوصف شکلها بالاسراع و یؤخذ من قوله یضع خطوه عند أقصی طرفه انه أخذ من الارض الی السماء فی خطوة واحدة و الی السموات السبع فی سبع خطوات و به یردّ علی من استبعد من المتکلمین احضار عرش بلقیس فی لحظة واحدة و قال انه أعدم ثم أوجد و علله بأن المسافة البعیدة لا یمکن قطعها فی هذه اللحظة و هذا أوضح دلیل علی الرد علیه و کانت مضطربة الاذنین وجهها کوجه الانسان و جسدها کجسد الفرس ناصیتها من یاقوت أحمر عیناها کالزهرة أذناها من زمرد أخضر* و فی روایة أذناها کأذن الفیل و عنقها کعنق البعیر و صدرها کصدر البغل* و فی روایة و صدرها کأنه من یاقوت أحمر و ظهرها کأنه صفرة البیضة یبرق من غایة صفائه لها جناحان کجناح النسر فیهما من کل لون نصفها الاوّل من کافور و الآخر من مسک و قوائمها کقوائم الثور و فی روایة کقوائم الفرس و فی روایة کقوائم البعیر و حوافرها کحوافر الثور و فی روایة أظلافها کظلف البقر و ذنبها کذنب البقر و فی روایة کذنب البعیر و فی روایة کذنب الغزال لا ذکر و لا أنثی عدوها کالریح و خطوها کالبرق لجامها و سرجها من در مضروب علی سرجها حجلة من نور کأنها یاقوت أحمر و فی روایة علیها سرج من سروج الجنة و فی روایة و علی فخذیها ریشتان یستران ساقیها* و فی زبدة الاعمال لها جناحان فی فخذیها قیل هی البراق التی رکبها جبریل و الأنبیاء علیهم السلام یرکبونها* و فی حیاة الحیوان روی ان ابراهیم علیه السلام کان یزور ولده اسماعیل علی البراق و انه رکب هو و اسماعیل و هاجر حین أتی بهما الی البیت الحرام و من غایة سرعته و خفة مشیه یضع قدمیه أو خطوه عند أقصی طرفه و فی روایة یقع حافره عند أقصی طرفه و فی روایة عند منتهی طرفه و فی روایة خطوها عند منتهی البصر لا تمرّ بشی‌ء و لا یجد ریحها شی‌ء الا حیی ثم ان البراق و ان کان یرکبها الأنبیاء لکن لم تتصف بوضع الحافر عند منتهی طرفها الا عند رکوب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی المنتقی* و فی روایة أتاه جبریل و معه خمسون ألف ملک لهم زجل بالتسبیح و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بیت أمّ هانئ و معه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:310
میکائیل فقال قم یا محمد فان الجبار یدعوک و أخذ جبریل بیده و أخرجه من المسجد الحرام فاذا هو بالبراق واقفا بین الصفا و المروة فقال له جبریل ارکب یا محمد هذه براق ابراهیم التی کان یجئ علیها الی طواف الکعبة فأخذ جبریل رکابها و میکائیل عنانها فأراد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یرکبها و فی روایة فذهب یرکبها فاستصعبت علیه قیل استصعابها لبعد العهد بالانبیاء لطول الفترة بین عیسی و محمد و هذا مبنی علی أن الأنبیاء علیهم السلام رکبوها و فیه خلاف و قیل لانها لم تذلل قبل ذلک و لم یرکبها أحد و قیل تیها و زهوا برکوب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی مزیل الخفاء فقال لها جبریل اسکنی فو اللّه ما رکبک عبد أکرم علی اللّه من محمد و فی روایة قال لها جبریل أ بمحمد تفعلی هذا فارفض عرقا کذا فی الشفاء فرکبها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی حیاة الحیوان اختلف الناس هل رکب جبریل معه علیه فقیل نعم کان ردیفه صلّی اللّه علیه و سلم و قیل لا لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المخصوص بشرف الاسراء و انطلق به جبریل حتی أتی به بیت المقدس فربطها بالحلقة التی ربط بها الأنبیاء دوابهم ثم دخل المسجد الاقصی فصلی بهم رکعتین فانطلق به جبریل الی الصخرة فصعد به علیها فاذا معراج الی السماء لم یر مثله حسنا و منه تعرج الملائکة و قیل تعرج منه الارواح اذا قبضت فلیس شی‌ء أحسن منه اذا رآه أرواح المؤمنین لم تتمالک أن تخرج و هو الذی یمدّ إلیه میتکم عینیه اذا احتضر کذا فی سیرة ابن هشام أصله و فی روایة أحد طرفیه علی صخرة بیت المقدس و أعلاه ملصق و فی روایة و الآخر ملصق بالسماء احدی جنبتیه یاقوتة حمراء و الاخری زبرجدة خضراء درجة له من فضة و درجة من ذهب و درجة من زمرّد مکال بالدرّ و الیواقیت* و فی کیفیة عروجه الی السماء اختلاف قیل عرج به الی السماء علی البراق اظهارا لکرامته و لم یزل راکبا اظهارا لقدرته تعالی و قیل نزل أیضا راکبا علی البراق کما روی عن حذیفة ما زایل ظهر البراق حتی رجع و قیل احتمله جبریل علی جناحه ثم ارتفع به الی السماء من ذلک المعراج حتی أتی السماء الدنیا فاستفتح قیل من هذا قال جبریل قیل و من معک قال محمد قیل و قد أرسل إلیه قال نعم قیل مرحبا فنعم المجی‌ء جاء ففتح فلما دخل فاذا رجل قاعد علی یمینه أسودة و علی یساره أسودة اذا نظر قبل یمینه ضحک و اذا نظر قبل یساره بکی فقال جبریل هذا أبوک آدم فسلم علیه فسلم فردّ علیه السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح و النبیّ الصالح ثم قال جبریل هذا آدم و هذه الاسودة عن یمینه و شماله نسم بنیه فأهل الیمین هم أهل الجنة و الاسودة التی عن شماله أهل النار ثم صعد الی السماء الثانیة و هکذا کان یستفتح جبریل فی کل سماء فیفتح فیدخل فیری فیها نبیا ففی الثانیة یحیی و عیسی و هما ابنا خالة و فی الثالثة یوسف و فی الرابعة ادریس و فی الخامسة هارون و فی السادسة موسی فلما اجتاز عنه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بکی قیل له ما یبکیک قال أبکی لان غلاما بعث بعدی یدخل اللّه الجنة من أمّته أکثر ممن یدخلها من أمّتی ثم صعد الی السماء السابعة فرأی فیها ابراهیم ثم رفعت له سدرة المنتهی فاذا نبقها مثل قلال هجر و ورقها کآذان الفیلة فاذا أربعة انهار نهران باطنان و نهران ظاهران قال جبریل أما الباطنان فنهران فی الجنة و أما الظاهران فالنیل و الفرات* و فی الکشاف سدرة المنتهی هی شجرة نبق فی السماء السابعة عن یمین العرش ثمرها کقلال هجر و ورقها کآذان الفیول تتبع من أصلها الانهار التی ذکرها اللّه فی کتابه یسیر الراکب فی ظلها سبعین عاما لا یقطعها* و فی المدارک وجه تسمیتها کأنها فی منتهی الجنة و آخرها و قیل لم یجاوزها أحد و إلیها ینتهی علم الملائکة و غیرهم و لا یعلم أحد ما وراءها و قیل تنتهی إلیها أرواح الشهداء* و فی بعض الروایات انها فی السماء السادسة* قال القاضی عیاض کونها فی السابعة هو الاصح و قال النووی یمکن الجمع بأن أصلها فی السادسة و معظمها فی السابعة ثم رفع له البیت المعمور و هو بیت فی السماء السابعة محاذ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:311
للکعبة یدخله کل یوم سبعون ألف ملک و لا یعودون إلیه هکذا فی الصحیحین و غیرهما من کتب الاحادیث یذکر البیت المعمور بعد سدرة المنتهی و أما فی الکشاف و غیره من کتب التفاسیر فالبیت المعمور الضراح فی السماء الرابعة حیال الکعبة و قیل فی الاولی و قیل فی السادسة و لمسلم فی صحیحه بعد صعوده الی السماء السابعة رأی فیها ابراهیم مسند اظهره الی البیت المعمور و سلم علی کل منهم اذا رآه و هو یردّ ثم یقول مرحبا بالاخ الصالح و النبیّ الصالح الا آدم و ابراهیم فانهما قالا بالابن الصالح کما مرّ فی السماء الدنیا* و فی روایة عن طریق ابن عباس ثم عرج به حتی ظهر مستوی یسمع فیه صریف الاقلام ثم أتی باناء من خمر و اناء من عسل و اناء من لبن فأخذ اللبن فقال جبریل هی الفطرة التی أنت علیها و أمتک* و فی روایة بعد استصعاب البراق فرکبها حتی أتی الحجاب الذی یلی الرحمن تعالی فبینا هو کذلک اذ خرج ملک من الحجاب فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا جبریل من هذا قال و الذی بعثک بالحق انی لا قرب الخلق مکانا و ان هذا الملک ما رأیته منذ خلقت قبل ساعتی هذه و لما جاوز سدرة المنتهی قال له جبریل تقدّم یا محمد فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تقدّم أنت یا جبریل أو کما قال قال جبریل یا محمد تقدّم فانک أکرم علی اللّه منی فتقدّم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و جبریل علی أثره حتی بلغه الی حجاب منسوج بالذهب فحرکه جبریل فقیل من هذا قال جبریل قیل و من معه قال محمد قال ملک من وراء الحجاب اللّه أکبر اللّه أکبر قیل من وراء الحجاب صدق عبدی أنا أکبر أنا أکبر فقال ملک أشهد أن لا إله الا اللّه فقیل من وراء الحجاب صدق عبدی أنا اللّه لا إله الا أنا فقال ملک أشهد أن محمدا رسول اللّه فقیل من وراء الحجاب صدق عبدی أنا أرسلت محمدا فقال ملک حیّ علی الصلاة حیّ علی الفلاح فقیل من وراء الحجاب صدق عبدی دعا الیّ عبدی فأخرج ملک یده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبریل عنه هناک* و فی روایة فما زال یقطع مقاما بعد مقام و حجابا بعد حجاب حتی انتهی الی مقام تخلف عنه فیه جبریل فقال یا جبریل لم تخلفت عنی قال یا محمد و ما منا الا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت و فی هذه اللیلة بسبب احترامک وصلت الی هذا المقام و الا فمقامی المعهود عند السدرة فمضی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وحده و کان یقطع الحجب الظلمانیة حتی جاوز سبعین ألف حجاب غلظ کل حجاب مسیرة خمسمائة سنة و ما بین کل حجاب أیضا مسیرة خمسمائة سنة فوقف البراق عن المسیر فظهر له رفرف أخضر غلب نوره علی نور الشمس فرفع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی ذلک الرفرف و ذهب به الی قرب العرش* و فی روایة کان یقال له ادن منی ادن منی حتی قیل له فی تلک اللیلة ألف مرة یا محمد ادن منی ففی کل مرة منها کان یترقی حتی بلغ مرتبة دنا و منها ترقی الی مرتبة فتدلی و منها ترقی حتی وصل الی منزله قاب قوسین أو أدنی کما قال تعالی ثم دنا أی دنا محمد الی ربه تعالی أی قرب بالمنزلة و المرتبة لا بالمکان فانه تعالی منزه عنه و انما هو قرب المنزلة و الدرجة و الکرامة و الرأفة فتدلی أی سجد له تعالی لانه کان قد وجد تلک المرتبة بالخدمة فزاد فی الخدمة و فی السجدة عدة القرب و لهذا قال صلّی اللّه علیه و سلم أقرب ما یکون العبد من ربه أن یکون ساجدا قال بعض أهل التحقیق ثم دنا اشارة الی مقام نفسه الزکیة فتدلی اشارة الی مقام قلبه المطهر فکان قاب قوسین اشارة الی مقام روحه الطیب أو أدنی اشارة الی مقام سرّه المنوّر نفسه فی مقام الخدمة و قلبه فی مقام المحبة و روحه فی مقام القربة و سرّه فی مقام المشاهدة حیاة نفسه بالخدمة و صفاء قلبه بالمحبة و بقاء روحه بالقربة و غذاء سرّه بالمشاهدة لو نظرت نفسه الی وجوده لبقیت بلا خدمة و لو نظر قلبه الی نفسه لبقی بلا محبة و لو نظرت روحه الی قلبه لبقی بلا قربة و لو نظر سرّه الی روحه لبقی بلا مشاهدة و سئل أبو الحسین النوری عن معنی هذه الآیة أجاب بأنه لم یسعه جبریل فمن النوری ثم قال
(دنا) فی الافهام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:312
القاصرة یقال اذا کان لشخص بعد عن شی‌ء و لا بعد ثمة (فتدلی) یقال اذا کان مکان و لا مکان ثمة (فکان) عبارة عن الزمان و لا عبارة و لا زمان ثمة (قاب قوسین) اشارة الی المقدار و لا اشارة و لا مقدار ثمة (أو) کلمة شک و لا شک ثمة (أدنی) مبالغة فی أن قرب شخص أقرب من الآخر و لا أدنی معه ثمة فان العبارة و الافهام قاصرة من ادراک تقریر ذلک و لم یعبر أهل المعرفة عن ذلک المقام الا بهذا المقدار دنا عبدا فتدلی فردا دنا مکیا فتدلی ملکیا دنا قرشیا فتدلی عرشیا دنا مجاهدا فتدلی مشاهدا دنا طالبا فتدلی و اصلا دنا و معه الرحمة فتدلی و معه المرحمة دنا افتقارا فتدلی افتخارا دنا منادیا فتدلی مناجیا دنا مادحا فتدلی ممدوحا دنا شاکرا فتدلی مشکورا و قیل أحدهما صفة اللّه و الاخری صفة محمد صلّی اللّه علیه و سلم و معناه کان هو یتقرّب الی اللّه و اللّه یقربه و کان هو یتکلم و اللّه یسمعه و کان هو یسأله و اللّه یعطیه و کان هو یشفع و اللّه یشفعه فکان قاب قوسین أو أدنی کنایة عن تأکید القریة و تقریر المحبة و بسبب التقریب الی الفهم أدّی فی صورة التمثیل و هذا مقام لیس فوقه مقام و للسالکین من الامّة المرحومة المحمدیة من هذا المقام نصیب کما ورد بیانه فی الحدیث القدسی لا یزال عبدی یتقرب الیّ بالنوافل حتی أحبه فاذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به و بصره الذی یبصر به و یده التی یبطش بها و رجله التی یمشی بها و لهذا کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا ضجر و ضاق صدره عن الخلق یقول أرحنا یا بلال و یقول جعلت قرّة عینی فی الصلاة و لذا قیل الصلاة معراج المؤمن کذا فی روضة الاحباب* و اختلف فی مناجاته تعالی و کلامه مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقوله تعالی فأوحی الی عبده ما أوحی الی ما تضمنته الاحادیث فأکثر المفسرین علی أن الموحی اللّه الی جبریل و جبریل الی محمد* و ذکر عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال أوحی اللّه إلیه بلا واسطة و نحوه عن الواسطی و علی هذا ذهب بعض المتکلمین الی أن محمدا صلّی اللّه علیه و سلم کلم ربه فی الاسراء و حکی عن الاشعری و عن ابن مسعود و ذکر النقاش عن ابن عباس فی قصة الاسراء عنه صلّی اللّه علیه و سلم فی قوله دنا فتدلی قال فارقنی جبریل فانقطعت الاصوات عنی فسمعت کلام ربی و هو یقول لیهدأ روعک یا محمد أدن أدن و فی قوله تعالی و ما کان لبشر أن یکلمه اللّه الآیة قالوا هی علی ثلاثة أقسام من وراء حجاب کتکلیم موسی و بارسال الملائکة کحال جمیع الأنبیاء و أکثر أحوال نبینا علیه و علیهم السلام* الثالث قوله وحیا و لم یبق من أقسام الکلام الا المشافهة مع المشاهدة ثم انه تعالی أخفی من الخلق کل ما نسب إلیه فی تلک اللیلة اشارة الی أنه حبیبه الخاص فقال فی حال مشاهدته لسدرة المنتهی اذ یغشی السدرة ما یغشی و فی الآیات التی أراه لقد رأی من آیات ربه الکبری و فی التکلم معه فأوحی الی عبده ما أوحی أی أوحی الی عبده محمد فی ذلک المقام* و للعلماء فی بیان ما أوحی خلاف قال بعضهم و هم أهل الاحتیاط الاقرب الی الصواب أن لا یعین لانه لو کانت الحکمة و المصلحة فی اظهاره و تعیینه لما أبهمه و قال الآخرون لا بأس بذکر ما بلغنا فی خبر أو أثر أو من جهة الاستدلال و الاستنباط و من ذلک ما ورد فی حدیث صحیح ثلاثة أشیاء أحدها فریضة الصلوات الخمس و هذا دلیل علی أن أفضل الاعمال الصلوات الخمس لانها فرضت فی لیلة المعراج بغیر واسطة جبریل و الثانی خواتیم سورة البقرة و الثالث أن یغفر لامّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم کل الذنوب غیر الشرک* و ورد فی حدیث آخر رأیت ربی فی أحسن صورة أی صفة فقال فیم یختصم الملأ الا علی یا محمد قلت أنت أعلم أی رب فتجلی لی بالتجلی الخاص الذی عبر عنه صلّی اللّه علیه و سلم بهذه العبارة فوضع کفه بین کتفیّ فوجدت بردها بین ثدییّ فعلمت ما فی السماء و الارض ثم قال فیم یختصم الملأ الاعلی یا محمد قلت فی الکفارات و الدرجات قال و ما الکفارات قلت المشی علی الاقدام الی الجماعات و الجلوس فی المساجد خلف الصلوات و ابلاغ الوضوء أماکنه فی المکاره من یفعل ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:313
یعش بخیر و یمت بخیر و یخرج من خطیئته کیوم ولدته أمّه ثم قیل له اذا صلیت الصلاة قل اللهمّ انی اسألک الطیبات و ترک المنکرات و فعل الخیرات و حب المساکین و ان تغفر لی و ترحمنی و تتوب علی و اذا اردت بقوم أو بعبادک فتنة فتوفنی أو فاقبضنی غیر مفتون ثم قال و ما الدرجات یا محمد قلت افشاء السلام و اطعام الطعام و الصلاة باللیل و الناس نیام و فی حدیث آخر أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما فاز بالقرب و الکرامة فی تلک اللیلة قیل یا محمد انا و أنت و ما سوی ذلک خلقتها لاجلک فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنت و انا و ما سوی ذلک ترکتها لاجلک و قیل اوحی اللّه إلیه کن آیسا من الخلق فلیس بأیدیهم شی‌ء و اجعل صحبتک معی فان مرجعک الیّ و لا تجعل قلبک متعلقا بالدنیا فما خلقتک لها* و فی المدارک الذی أوحی إلیه انّ الجنة محرّمة علی الأنبیاء حتی تدخلها أنت و علی الامم حتی تدخلها أمّتک* و فی روایة عنه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما تخلف عنه جبریل انه تجاوز ذلک المقام مقدار خمسمائة عام حتی سمع داعیا یقول تقدّم یا أکرم الخلق علی اللّه فتقدّم حتی بلغ امام العرش و رأی عظمته فاعتراه خوف و استولی علیه رعب فسمع النداء یقول ادن یا محمد فدنا فقطرت علیه من العرش قطرة ما أخطأت فمه فوقعت علی لسانه فکانت أحلی من کل شی‌ء فأراه اللّه بها علم الاوّلین و الآخرین فحصلت للسانه طلاقة بعد ما اعتراه عی و کلالة من مشاهدة عظمة اللّه و هیبته ثم سمع النداء یقول حیّ ربک فألهمه اللّه تعالی أن قال* التحیات المبارکات الصلوات الطیبات للّه و فی روایة التحیات للّه و الصلوات و الطیبات فسمع اللّه یقول السلام علیک أیها النبیّ و رحمة اللّه و برکاته قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم السلام علینا و علی عباد اللّه الصالحین فقالت الملائکة أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله* و فی روایة وحده لا شریک له و أشهد انّ محمدا عبده و رسوله ثم أعطی خواتیم سورة البقرة و وقع له فی تلک اللیلة کلمات و مقالات مع ربه تعالی یطول الکلام بذکرها فاقتصرنا علی نبذ منها* و فی الشفاء عن أبی حمراء قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما أسری بی الی السماء اذا علی العرش مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه أیدته بعلیّ ثم فرضت علیه و علی أمّته فی کل یوم و لیلة خمسین صلاة و ستجی‌ء کیفیتها* و اختلف أیضا فی رؤیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ربه تعالی فأنکرتها عائشة* روی عن مسروق أنه قال لعائشة یا أمّ المؤمنین هل رأی محمد صلّی اللّه علیه و سلم ربه قالت لقد قف شعری مما قلت ثم قرأت لا تدرکه الابصار الآیة و قال جماعة بقول عائشة و هو المشهور عن ابن مسعود و مثله عن أبی هریرة فی قوله ما کذب الفؤاد ما رأی انه رأی جبریل له ستمائة جناح و یؤید ذلک ما قال أبو ذرّ سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هل رأیت ربک قال نور أنی أراه* و فی العروة الوثقی قال أبو ذرّ سألته عن رؤیة ربه لیلة المعراج قال لا بل نورا أری* و فی معالم التنزیل و المدارک انّ جبریل کان یأتی النبیّ صلّی اللّه علیهما و سلم فی صورة الآدمیین کما کان یأتی النبیین فسأله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یریه نفسه علی صورته التی جبل علیها فأراه نفسه مرّتین مرّة فی الارض و مرّة فی السماء امّا ما فی الارض ففی الافق الاعلی و المراد بالاعلی جانب المشرق* و فی المشکاة بروایة الترمذی و مرّة فی أجیاد* و فی نهایة الجزری الاجیاد موضع بأسفل مکة معروف من شعابها انتهی و ذلک أی بیان رؤیته فی الافق الاعلی انّ محمدا صلی اللّه علیه و سلم کان بحراء فطلع له جبریل من المشرق و له ستمائة جناح فسدّ الافق الی المغرب فخرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مغشیا علیه فنزل جبریل فی صورة الآدمیین فضمه الی نفسه و جعل یمسح الغبار عن وجهه و هو قوله ثم دنا فتدلی و أمّا ما فی السماء فعند سدرة المنتهی و لم یره أحد من الأنبیاء علی تلک الصورة الا محمد صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المدارک و ذلک لیلة المعراج و قال بامتناع
رؤیته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:314
فی الدنیا جماعة من الفقهاء و المحدّثین و المتکلمین* و عن ابن عباس أنه رآه سبحانه بعین رأسه* و روی عطاء عنه أنه رآه بقلبه کذا ذکرهما فی المدارک* و عن أبی العالیة أنه رآه بفؤاده مرّتین* و ذکر ابن اسحاق أنّ ابن عمر أرسل الی ابن عباس یسأله هل رأی محمد ربه فقال نعم و الاشهر عنه أنه رأی ربه بعینه* قال الماوردی قیل انّ اللّه تعالی قسم کلامه و رؤیته بین موسی و محمد فرآه محمد مرّتین و کلمه موسی مرّتین* قال عبد اللّه بن الحارث اجتمع ابن عباس و کعب بعرفة فقال ابن عباس امّا نحن بنی هاشم فنقول انّ محمدا رأی ربه مرّتین فکبر کعب حتی جاوبته الجبال و قال انّ اللّه قسم رؤیته و کلامه بین محمد و موسی فکلمه موسی و رآه محمد بقلبه* و روی شریک عن أبی ذرّ فی تفسیر الآیة ما کذب الفؤاد ما رأی قال رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ربه* و حکی السمرقندی عن محمد بن کعب القرظی و ربیع بن أنس أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سئل هل رأیت ربک قال رأیته بفؤادی و لم أره بعینی* و حکی عبد الرزاق أنّ الحسن کان یحلف باللّه لقد رأی محمد ربه* و حکی ابن اسحاق أنّ مروان سأل أبا هریرة هل رأی محمد ربه فقال نعم* و حکی النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال أنا أقول بحدیث ابن عباس بعینه رآه رآه حتی انقطع نفسه یعنی نفس أحمد* و قال سعید بن جبیر لا أقول رآه و لا لم یره* و قال أبو الحسن علی بن اسماعیل الاشعری و جماعة من أصحابه أنه رأی اللّه ببصره و عینی رأسه و وقف بعض المشایخ فی هذا کما وقف ابن جبیر و قال لیس علیه دلیل واضح و لکنه جائز* قال القاضی أبو الفضل و الحق الذی لا امتراء فیه انّ رؤیته تعالی فی الدنیا جائزة عقلا اذ کل موجود فرؤیته جائزة غیر مستحیلة و لیس فی الشرع دلیل قاطع علی استحالتها و لکن وقوعه و مشاهدته من الغیب الذی لا یعلمه الا من علمه اللّه تعالی ثم بعد ما فرضت علیه خمسون صلاة أذن له بالرجوع فرجع من حیث جاء حتی بلغ منزل جبریل فقال له جبریل ابشر یا محمد فانک خیر خلق اللّه و مصطفاه بلغک اللیلة الی مرتبة لم یبلغها أحدا من خلقه قط لا ملکا مقربا و لا نبیا مرسلا هنیئا لک هذه الکرامة ثم ذهب به جبریل الی الجنة و النار. و أراه منازلهما و ما فی الجنة من الحور و القصور و الغلمان و الولدان و الاشجار و الاثمار و الازهار و الانهار و البساتین و الریاحین و الریاض و الحیاض و الغرف و الشرف و ما فی النار من السلاسل و الاغلال و الانکال و الحیات و العقارب و الزفیر و الشهیق و الغساق و الیحموم و تفاصیلها تؤدّی الی التطویل* ثم رجع فمرّ بموسی فسأله بما أمرت قال أمرت بخمسین صلاة کل یوم و لیلة قال ان أمّتک لا تستطیع و انی و اللّه قد جربت الناس قبلک و عالجت بنی اسرائیل أشدّ المعالجة فارجع الی ربک فسله التخفیف لامّتک فرجع و قال یا رب خفف عن أمّتی فوضع عنه ربه عشرا فرجع الی موسی فقال مثله فرجع الی ربه فوضع عنه عشرا فلم یزل یرجع بین ربه و بین موسی حتی قال یا محمد إنهنّ خمس صلوات کل یوم و لیلة لکل صلاة عشر فذلک خمسون صلاة و من همّ بحسنة فلم یعملها کتبت له حسنة فان عملها کتبت له عشرا و من همّ بسیئة فلم یعملها لم نکتب شیئا فان عملها کتبت سیئة واحدة* فرجع الی موسی فقال بم أمرت قال بخمس صلوات کل یوم قال ان أمّتک لا تستطیع خمس صلوات فارجع الی ربک فسله التخفیف قال سألت ربی حتی استحییت و لکنی أرضی و أسلم و لما جاوز عن موسی سمع منادیا ینادی فیقول أمضیت فریضتی و خففت عن عبادی و هی خمس و هنّ خمسون ثم یقول یا محمد قد جعلت صلاتک و صلاة أمّتک قیاما و رکوعا و سجودا و تشهدا و قراءة و تسبیحا و تهلیلا تشتمل عبادتهم علی سائر عبادات الملائکة من لدن عرشی الی منتهی الثری فیکون لهم بالقیام ثواب القائمین و بالرکوع ثواب الراکعین و بالسجود ثواب الساجدین و بالتشهد ثواب المتشهدین و لهم بالقراءة و التسبیح ثواب المسبحین و القارئین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:315
و بالتهلیل ثواب المهللین ولدیّ مزید کذا فی المنتقی* و روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم لما رجع کان جبریل علیه السلام رفیقه حتی دخل بیت أمّ هانئ* و روی عمر بن الخطاب عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال ثم رجعت الی خدیجة و ما تحوّلت عن جانبها* و فی روایة عاد صلّی اللّه علیه و سلم الی بیت المقدس و معه جبریل حتی أتی به مکة الی فراشه و بقیت من اللیل ساعات* و فی زین القصص عن عمار کان زمان ذهابه و مجیئه ثلاث ساعات* و عن وهب بن منبه و محمد بن اسحاق أربع ساعات و اللّه اعلم* و عن عائشة انها قالت لما اسری بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اصبح یحدّث بذلک فارتدّ ناس ممن کان آمن به و ضعف ایمانهم و إلیه اشار قوله تعالی و ما جعلنا الرؤیا التی اریناک الا فتنة للناس و سبب ارتدادهم انهم کانوا یرون العیر تذهب شهرا من مکة الی الشأم مدبرة و تجی‌ء شهرا مقبلة فاستحالوا عند عقولهم القاصرة قطع تلک المسافة البعیدة فی زمان قلیل ببعض اللیل فارتدّوا و الاستحالة مدفوعة لما ثبت فی الهندسة ان ما بین طرفی قرص الشمس ضعف ما بین طرفی کرة الارض مائة و نیفا و ستین مرّة ثم انّ طرفها الاسفل یصل موضع طرفها الاعلی فی أقل من ثانیة و قد برهن فی الکلام ان الاجسام متساویة فی قبول الاعراض و اللّه تعالی قادر علی کل الممکنات فیقدر أن یخلق مثل هذه الحرکة السریعة فی بدن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أو فیما یحمله و التعجب من لوازم المعجزات کذا فی أنوار التنزیل و أیضا قال أهل الهیئة ان الفلک الاعظم فی مقدار زمان یتلفظ الانسان بلفظة واحدة یقطع ألفا و اثنین و ثلاثین فرسخا* و روی أنه لما رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلة أسری به و کان بذی طوی قال یا جبریل ان قومی لا یصدّقونی قال یصدّقک أبو بکر و هو الصدّیق* و عن ابن عباس أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما أصبح جلس فی الحجر معتزلا حزینا لما انه کان یعلم ان قومه یکذبونه فبینما هو جالس کذلک اذ مرّ به أبو جهل فجلس إلیه فقال له کالمستهزئ یا محمد هل استفدت من شی‌ء جدید قال نعم سافرت البارحة* و فی روایة أسری بی اللیلة الی بیت المقدس و منه الی السموات قال أبو جهل سافرت اللیلة الی بیت المقدس و أصبحت بین أظهرنا بمکة قال نعم فلم یر أبو جهل أنه ینکر ذلک مخافة أن یجحده الحدیث قال أ تحدّث قومک بما حدّثتنی قال نعم فصاح أبو جهل یا معشر بنی کعب بن لؤیّ هلموا فانتقضت المجالس فجاءوا حتی جلسوا إلیهما قال فحدّث قومک بما حدّثتنی قال نعم أسری بی اللیلة قالوا الی أین قال الی بیت المقدس قالوا ثم أصبحت بین أظهرنا قال نعم فوقعوا فی التعجب و الاستغراب و قالوا ان هذا لشی‌ء عجاب و بعضهم من کثرة انکارهم یصفقون و بعضهم من قلة اعتبارهم یضحکون و بعضهم یضعون أیدیهم علی رءوسهم تعجبا فان هذا الامر یری عندهم محالا و عجبا و ارتدّ ناس ممن کان قد آمن به و صدّقه* و عن عائشة رضی اللّه عنها سعی رجال من المشرکین و هم أبو جهل و أتباعه الی أبی بکر فقالوا له هل لک فی صاحبک یزعم انه أسری به الی بیت المقدس و منه الی السموات فقال أو قال ذلک قالوا نعم قال لئن قال ذلک لقد صدق قالوا أ تصدّقه أنه ذهب الی الشأم و رجع قبل أن یصبح قال نعم انی أصدّقه فیما هو أبعد من ذلک أصدّقه بخبر السماء فی غدوة و روحة* قال بعضهم فمن ذلک الیوم سمی أبو بکر صدّیقا* و عن أبی هریرة أنه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقد رأیتنی فی الحجر و قریش تسألنی عن مسرای فسألتنی عن أشیاء من بیت المقدس لم أثبتها فکربت کربا ما کربت مثله قط فرفعه اللّه لی أنظر إلیه فما یسألوننی عن شی‌ء الا أنبأتهم و نحوه عن جابر کذا فی الشفاء* و عن عائشة قالوا یا محمد هل تستطیع أن تنعت لنا المسجد الاقصی فشرع ینعت حتی اذا التبس قال فجی‌ء بالمسجد و أنا أنظر إلیه حتی وضع دون دار عقیل فنعت المسجد و أنا أنظر إلیه فقال القوم امّا النعت فو اللّه لقد أصاب فیه و هذا أبلغ فی المعجزة و لا استحالة فیه فقد أحضر عرش بلقیس فی طرفة عین فقالوا
أخبرنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:316
عن عیرنا فهی أهم إلینا من ذلک هل لقیت منها شیئا قال نعم مررت علی عیر بنی فلان و هی بالروحاء و قد أضلوا بعیرا لهم و هم فی طلبه و فی رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته و شربته ثم وضعته فسلوهم هل وجدوا الماء فی القدح حین رجعوا قالوا هذه آیة* قال و مررت بعیر بنی فلان و فلان راکبان قلوصا لهما* و فی روایة قعودا لهما بذی مر فنفر البعیر منی فرمی بفلان فانکسرت یده فسلوهما عن ذلک فقالوا هذه آیة أخری قالوا أخبرنا عن عیرنا قال مررت بها بالتنعیم قالوا فما عدّتها و اجمالها و هیئتها فقال کنت فی شغل عن ذلک ثم مثل لی بعدّتها و اجمالها و من کان فیها و کانوا بالجرورة قال نعم هیئتها کذا و کذا و فیها فلان و فلان یقدمها جمل أورق علیه غرارتان مخططتان یطلع عند طلوع الشمس* و فی المواهب اللدنیة یقدمهم جمل آدم علیه مسح أسود و غرارتان سودا و ان قالوا هذه آیة أخری ثم خرجوا نحو ثنیة کداء حتی یکذبونه فاذا بقائل یقول هذه الشمس قد طلعت و قال الآخر هذه العیر قد أقبلت کما قال محمد یقدمها فلان و فلان کذا فی المنتقی* و فی روایة البیهقی أشرف الناس ینتظرون حتی اذا کان قریب من نصف النهار أقبلت العیر فلم یؤمنوا و قالوا ما سمعنا بمثل هذا قط ان هذا إلّا سحر مبین* و فی روایة سألوه أیضا عن عیر الشأم لیستدل به علی تکذیبه أو تصدیقه فیما قال علیه السلام فوصفهم و قال یقدمون یوم الاربعاء فکان ذلک الیوم و ما قدموا حتی کادت الشمس أن تغرب فدعا اللّه تعالی فحبسها حتی قدموا مکّة فعلموا صدقه و مع ذلک لم یصدّقوه فی الخبر و ما آمنوا کذا فی سیرة مغلطای* و فی حیاة الحیوان حبست الشمس مرّتین لنبینا صلّی اللّه علیه و سلم احداهما یوم الخندق حین شغلوا عن صلاة العصر حتی غربت الشمس فردّها اللّه علیه کما رواه الطحاوی و غیره و الثانیة صبیحة الاسراء حین انتظروا العیر التی أخبر بوصولها مع شروق الشمس ذکره القاضی عیاض فی غیر الشفاء و حبست لیوشع بن نون و حبست لداود ذکره الخطیب فی کتاب النجوم و ضعف روایة و حبست لسلیمان ذکره البغوی فی معالم التنزیل فی سورة ص کذا فی مزیل الخفاء* و فی سیرة مغلطای ذکر الطحاوی ان الشمس ردّت له فی بیت أسماء بنت عمیس حین شغل عن صلاة العصر* اعلم انه لیس لاحد من أهل القبلة اختلاف فی وقوع المعراج للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فمن أنکر المعراج یکفر لانه انکار لنص القرآن قال اللّه تعالی سبحان الذی أسری بعبده لیلا من المسجد الحرام الی المسجد الاقصی و أیضا و رد فیه الاحادیث الصریحة المشهورة القریبة من حدّ التواتر و أمّا منکر المعراج الی السموات فمبتدع ضال عند أئمة الدین* و فی هذه السنة فرضت الصلوات الخمس لیلة الاسراء و قد مرّ کیفیتها*

ذکر بیعة العقبة الثانیة

و فی هذه السنة الثانیة عشر وقعت بیعة العقبة الاولی و مقتضی ما قدّمناه قبل المعراج أن تکون هذه الثانیة کذا فی الوفاء و المواهب اللدنیة* و لما کان العام المقبل الموعد خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عامئذ الی الموسم فلقیه اثنا عشر رجلا* و فی الاکلیل أحد عشر رجلا و هی العقبة الثانیة فیهم خمسة من الستة المذکورة و هم أبو أمامة و عوف بن عفراء و رافع بن مالک و قطبة ابن عامر بن حدیدة و عقبة بن عامر بن نابی و لم یکن فیهم جابر بن عبد اللّه بن ذئاب لم یحضرها و السبعة تتمة الاثنی عشر هم معاذ بن الحارث و رفاعة و هو ابن عفراء أخو عوف المذکور و ذکوان بن عبد القیس الزرقی و قیل انه رحل الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی مکة فسکنها معه فهو مهاجری أنصاری قتل یوم أحد و عبادة بن الصامت بن قیس و أبو عبد الرحمن یزید بن ثعلبة البلوی و العباس بن عبادة بن نضلة و هؤلاء من الخزرج و من الاوس رجلان أبو الهیثم بن التیهان من بنی عبد الاشهل و عویمر بن ساعدة فأسلموا و بایعوا علی بیعة النساء أی وفق بیعتهنّ التی نزلت بعد فتح مکة و هی أن لا نشرک باللّه شیئا و لا نسرق و لا نزنی و لا نقتل أولادنا و لا نأتی ببهتان نفتریه بین أیدینا و أرجلنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:317
و لا نعصیه فی معروف و السمع و الطاعة فی العسر و الیسر و المنشط و المکره و أثرة علینا و أن لا ننازع الامر أهله و أن نقول بالحق حیث کنا لا نخاف فی اللّه لومة لائم قال علیه السلام فان و فیتم فلکم الجنة و من غشنی و فعل من ذلک شیئا کان أمره الی اللّه ان شاء عذبه و ان شاء عفا عنه و لم یفرض یومئذ القتال ثم انصرفوا الی المدینة و بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم معهم مصعب بن عمیر الی المدینة یعلم أهلها الاحکام و یقرئ القرآن فنزل علی أسعد بن زرارة و فی المواهب اللدنیة أظهر اللّه الاسلام أی فی المدینة و کان أسعد بن زرارة یجتمع بالمدینة بمن أسلم و کتبت الاوس و الخزرج الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابعث إلینا من یقرئنا القرآن فبعث إلیهم مصعب بن عمیر فأسلم خلق کثیر و فشا الاسلام فیهم و کتب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستأذنه أن یجمع بهم فأذن له فجمع بهم فی دار سعد بن خیثمة و کان أوّل من جمع الجمعة بالمدینة بالمسلمین قبل أن یقدمها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قدم مصعب علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع السبعین الذین وافوه کما سیجی‌ء فی العقبة الثانیة فأقام مصعب بمکة قلیلا ثم قدم قبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة مهاجرا فهو أوّل من قدمها و اللّه أعلم*

(ذکر صفة مصعب بن عمیر)

* کان رقیق البشرة لیس بالطویل و لا بالقصیر قتل یوم أحد و هو ابن أربعین سنة أو یزید شیئا کذا فی الصفوة و سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة أحد*

ذکر بیعة العقبة الکبری‌

و فی ذی الحجة من السنة الثالثة عشر من النبوّة قبل الهجرة بثلاثة أشهر وقعت بیعة العقبة الکبری و بعضهم یسمیها العقبة الثانیة و مقتضی ما قدّمناه أن تسمی الثالثة کذا فی الوفاء و فی التاریخ الاوسط للبخاری انّ أهل مکة سمعوا هاتفا یهتف قبل اسلام سعد بن معاذ و هو یقول
فان یسلم السعدان یصبح محمدبمکة لا یخشی خلاف مخالف و فی روایة من الأمن لا یخشی خلاف مخالف فقالت قریش لو علمنا من السعدان قال عند ذلک
أیا سعد سعد الاوس ان کنت ناصراو یا سعد سعد الخزرجین الغطارف
أجیبا الی داعی الهدی و تمنیاعلی اللّه فی الفردوس منیة عارف قال أهل السیر فی السنة الثالثة عشر من النبوّة قدم مکة فی موسم الحج قریب من خمسمائة نفر و فی روایة ثلاثمائة نفر من الاوس و الخزرج و خرج معهم مصعب بن عمیر الی مکة و اتفق منهم سبعون رجلا قال ابن سعد یزیدون رجلا أو رجلین و امرأتان نسیبة بنت کعب أمّ عمارة و أسماء بنت عمر و قال ابن اسحاق ثلاثة و سبعون رجلا و امرأتان و قال الحاکم خمس و سبعون نفسا لاقوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فواعدهم أن یحضروا شعب العقبة فی اللیلة الثالثة من لیالی التشریق للمبایعة* و فی الصفوة جاء قوم من أهل العقبة یطلبون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقیل لهم هو فی بیت العباس فدخلوا علیه فقال لهم العباس انّ معکم من قومکم هو مخالف لکم فأخفوا أمرکم حتی یتصدع هذا الحاج و نلتقی نحن و أنتم فنوضح لکم هذا الامر فتدخلون فیه علی أمر بین فوعدهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللیلة التی فی صبیحتها النفر الآخر و فی روایة فواعدوه العقبة من أوسط أیام التشریق و المعنی واحد أن یوافیهم أسفل العقبة و أمرهم أن لا ینبهوا نائما و لا ینتظروا غائبا و لما فرغوا من الحج و کانت اللیلة الموعودة خرج القوم بعد هدء الناس* و فی المنتقی باتوا تلک اللیلة فی رحالهم حتی اذا مضی ثلث اللیل خرجوا من رحالهم لمیعاد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یتسللون مستخفین تسلل القطا حتی اجتمعوا فی الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعین رجلا و معهم امرأتان أمّ عمارة بنت کعب احدی نساء بنی مازن و أسماء بنت عمرو بن عدیّ احدی نساء بنی سلیم و قد سبقهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و معه العباس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:318
و لیس معه غیره و هو یومئذ علی دین قومه الا أنه یحب أن یحضر أمر ابن أخیه و یوثق له فلما جلس و اجتمعوا له کان أوّل من تکلم العباس فقال یا معشر الخزرج و کانت الاوس و الخزرج تدعی الخزرج قد دعوتم محمدا الی ما دعوتموه و محمد من أعز الناس فی عشیرته یمنعه و اللّه من کان علی قوله و من لم یکن کذلک منعه للحسب و الشرف و قد أبی محمد الناس کلهم غیرکم* و فی وفاء الوفاء و قد أبی الا الانحیاز إلیکم فان کنتم أهل قوّة و جلد و نظر بالحرب و استقلال بعداوة العرب قاطبة فانها سترمیکم عن قوس واحدة فارتئوا رأیکم و ائتمروا أمرکم فلا تفرّقوا الا عن اجتماع فانّ أحسن الحدیث أصدقه و أخری صفوا لی الحرب کیف تقاتلون عدوّکم فأسکت القوم و تکلم عبد اللّه بن عمرو بن حزام فقال نحن و اللّه أهل الحرب غذینا بها و مرّینا و ورثناها عن آبائنا کابرا عن کابر نرمی بالنسل حتی تفنی ثم نطاعن بالرماح حتی تکسر ثم نمشی بالسیوف فنضرب بها حتی یموت الاعجل منا أو من عدوّنا فقال العباس هل فیکم دروع قالوا نعم شاملة و قال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت و اللّه لو کان فی أنفسنا غیر ما ننطق به لقلناه و لکن نرید الوفاء و الصدق و یذل المهج و أنفسنا دون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عن الشعبی قال انطلق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالعباس الی السبعین عند العقبة تحت الشجرة فقال العباس لیتکلم متکلمکم و لا یطیل الخطبة فانّ علیکم من المشرکین عینا و ان یعلموا بکم فیفضحوکم فقال قائلهم و هو أسعد یا محمد سل لربک ما شئت ثم سل لنفسک و أصحابک ما شئت ثم أخبرنا مالنا من الثواب علی اللّه اذا فعلنا ذلک فقال أسألکم لربی أن تعبدوه و لا تشرکوا به شیئا و أسألکم لنفسی و لاصحابی أن تؤوونا و تنصرونا و تمنعونا مما تمنعون منه أنفسکم قالوا فما لنا اذا فعلنا ذلک قال الجنة قالوا فلک ذلک* و فی المنتقی تکلم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتلا القرآن و دعا الی اللّه و رغب فی الاسلام ثم قال أبایعکم أو قال بایعونی قالوا علی أیّ شی‌ء نبایعک یا رسول اللّه قال بایعونی علی السمع و الطاعة فی النشاط و الکسل و النفقة فی العسر و الیسر و علی الامر بالمعروف و النهی عن المنکر و أن تقولوا فی اللّه و لا تخافوا لومة لائم و علی أن تمنعونی مما تمنعون منه أنفسکم و أبناءکم و أزواجکم فأخذ البراء بن معرور بیده ثم قال و الذی بعثک بالحق نبیا لنمنعنک مما نمنع منه العزیز فینا فبایعوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و العباس آخذ بید رسول اللّه یؤکد له البیعة علی الانصار و قالوا فنحن و اللّه أهل الحرب و الحلقة ورثناها کابرا عن کابر فعرض فی الحدیث أبو الهیثم بن التیهان فقال یا رسول اللّه انّ بیننا و بین الناس یعنی الیهود حبالا و انا قاطعوها فهل عسیت ان نحن فعلنا ذلک ثم أظهرک اللّه أن ترجع الی قومک و تدعنا فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال بل الدم الدم و الهدم الهدم و فی روایة المحیا محیاکم و الممات مماتکم أنتم منی و أنا منکم أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم و قال أخرجوا منکم اثنی عشر رجلا نقیبا یکونون علی قومهم فأخرجوا اثنی عشر نقیبا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الاوس و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للنقباء أنتم علی قومکم بما فیهم کفلاء کفالة الحواریین لعیسی ابن مریم قالوا نعم روی عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ القوم لما اجتمعوا لبیعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال العباس ابن عبادة بن نضلة الانصاری یا معشر الخزرج هل تدرون علی ما تبایعون هذا الرجل قالوا نعم قال انکم تبایعونه علی حرب الاسود و الاحمر من الناس فان کنتم ترون أنکم اذا نهکت أموالکم مصیبة و أشرافکم قتل أسلمتموه فمن الآن و هو و اللّه خزی الدنیا و الآخرة ان فعلتم و ان کنتم ترون انکم وافون له بما دعوتموه إلیه علی نهک الاموال و قتل الاشراف فخذوه فهو و اللّه خیر الدنیا و الآخرة قالوا فانا نأخذه علی مصیبة الاموال و قتل الاشراف فما لنا بذلک یا رسول اللّه ان نحن و فینا قال الجنة قالوا ابسط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:319
یدک فبسط یده فبایعوه قال عاصم بن عمرو و اللّه ما قال العباس ذلک الا لیشدّ العقد لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أعناقهم و قال عبد اللّه بن أبی بکر و اللّه ما قال العباس ذلک الا لیؤخر القوم تلک اللیلة رجاء أن یحضرها عبد اللّه بن أبی بن سلول فیکون أقوی لامر القوم فاللّه أعلم أیّ ذلک کان فبنو النجار یزعمون أنّ أبا أمامة أسعد بن زرارة کان أوّل من ضرب علی یده و بنو عبد الاشهل یقولون بل ابو الهیثم ابن التیهان قال کعب بن مالک أوّل من ضرب علی یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البراء بن معرور ثم تتابع القوم قال کعب فلما بایعنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صرخ الشیطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط یا أهل الجباجب هل لکم فی مذمم و الصباة معه قد جمعوا علی حربکم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هذا أزب العقبة و فی روایة ابن أزب العقبة لأفرغنّ لک أی عدوّ اللّه ارجعوا الی رحالکم نصرکم اللّه فقال له العباس بن عبادة بن نضلة و الذی بعثک بالحق لئن شئت لنمیلنّ غدا علی أهل منی بأسیافنا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم نؤمر بذلک و لکن ارجعوا الی رحالکم فرجعنا الی مضاجعنا فنمنا علیها فلما أصبحنا غدت علینا جلة قریش حتی جاءونا فی منازلنا فقالوا یا معشر الخزرج انا قد بلغنا انکم جئتم الی صاحبنا هذا فتستخرجونه من بین أظهرنا و تبایعون علی حربنا و اللّه ما من حیّ من العرب أبغض إلینا ان تنشب الحرب بیننا و بینهم منکم قال فانبعث من هناک من مشرکی قومنا یحلفون لهم باللّه ما کان من هذا شی‌ء و ما علمناه و قد صدقوا لم یعلموا ثم انّ قریشا أتوا عبد اللّه بن أبی بن سلول فذکروا له ما قد سمعوا من أصحابه فقال و ما کان قومی لیتفوّتوا علیّ بمثل هذا و ما علمته ثم انهم قالوا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ تخرج معنا قال ما أمرت به قال رزین و قد قیل وقع بین قریش و الانصار کلام فی سبب خروج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم معهم ثم ألقی الرعب فی قلوب قریش فقالوا لیس یخرج معکم الا فی بعض أشهر السنة و لا تتحدّث العرب بأنکم غلبتمونا فقالت الانصار الامر فی ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و نحن سامعون لامره فأنزل اللّه علی رسوله و ان یریدوا أن یخدعوک فانّ حسبک اللّه أی ان کان کفار قریش یریدون المکر بک فسیمکر اللّه بهم فانصرفت الانصار الی المدینة* و فی سیرة ابن هشام قال و نفر الناس من منی فتفتش القوم الخبر فوجدوه قد کان قال ابن اسحاق و خرجوا فی طلب القوم فأدرکوا سعد بن عبادة بأذاخر و المنذر بن عمر و أخا بنی ساعدة ابن کعب بن الخزرج و کلاهما کان نقیبا و قیل انّ قریشا بدا لهم فخرجوا فی آثارهم فأدرکوا منهم رجلین کانا تخلفا فی أمر فردّوهما الی مکة المنذر و العباس بن عبادة فأدرکهما جبیر بن مطعم و الحارث ابن أمیة فخلصاهما فلحقا بأصحابهما و فی روایة انّ الرجلین هما المنذر و سعد بن عبادة فأمّا المنذر فأعجز القوم و نجا و أمّا سعد فأخذوه و ربطوا یدیه الی عنقه بشسع رحله ثم أقبلوا به حتی أدخلوه مکة یضربونه و یجذبونه بجمته و کان ذا شعر کثیر ثم خلصه منهم جبیر بن مطعم و الحارث بن أمیة لانه کان یجیر لهما تجارتهما و یمنعهم أن یظلموا ببلده*

هجرة أبی بکر الی الحبشة

و فی هذه السنة هاجر أبو بکر الی الحبشة روی أنه لما ابتلی المسلمون و کثر ایذاء المشرکین و اضرارهم استأذن ابو بکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و خرج نحو أرض الحبشة و لما بلغ برک الغماد لقی ابن الدغنة اسمه ربیعة و هو سید القارة قال أبن ترید یا أبا بکر فقال أبو بکر أخرجنی قومی فأرید أن أسیح فی الارض فأعبد ربی فقال ابن الدغنة فانّ مثلک یا أبا بکر لا یخرج فانک تکسب المعدوم و تصل الرحم و تحمل الکل و تقری الضیف و تعین علی نوائب الحق فأنا لک جار ارجع فاعبد ربک ببلدک فرجع أبو بکر فی جوار ابن الدغنة و مکث بمکة یعبد ربه فی داره و یصلی فیها و یقرأ ما یشاء و لا یستعلن بصلاة و لا یقرأ فی غیر داره ثم بدا له فبنی مسجدا بفناء داره و کان یصلی فیه و یقرأ القرآن فتنقذف علیه نساء المشرکین و أبناؤهم یعجبون منه و ینظرون إلیه و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:320
أبو بکر رجلا بکاء لا یملک عینیه اذا قرأ القرآن فأفزع ذلک أشراف قریش من المشرکین و خافوا أن تفتن نساؤهم و أبناؤهم فأرسلوا الی ابن الدغنة أن قل لابی بکر أن یقتصر علی أن یعبد ربه فی داره و لا یعلن بالصلاة فانا قد خشینا أن تفتن نساؤنا و أبناؤنا فانهه فان قبل فعل و ان أبی الا أن یعلن بذلک فسله أن یردّ إلیک ذمّتک و لسنا مقرّین لابی بکر الاستعلان فأتی ابن الدغنة أبا بکر و قال له ما قال له المشرکون قال أبو بکر انی أردّ إلیک جوارک و أرضی بجوار اللّه تعالی و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ بمکة*

(ذکر هجرة أصحابه الی المدینة)

* قال أهل السیر لما أبرم عقد المبایعة بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بین أهل المدینة و لم یقدر أصحابه أن یقیموا بمکة من ایذاء المشرکین و لم یصبروا علی جفوتهم رخص لهم فی الهجرة الی المدینة* و فی الصحیحین قال علیه السلام رأیت انی مهاجر من مکة الی أرض بها نخل فذهب و هلی الی الیمامة أو هجر فاذا هی المدینة یثرب و وقع للبیهقی من حدیث صهیب رأیت دار هجرتکم سبخة بین ظهرانی حرّتین فامّا أن تکون هجر أو یثرب و لم یذکر الیمامة* قال بعض العلماء أری النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دار هجرته بصفة تجمع المدینة و غیرها ثم أری الصفة المختصة بالمدینة فتعینت ثم أذن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لاصحابه فی الهجرة الی المدینة و أقام بمکة ینتظر أن یؤذن له فی الخروج فتوجه بین العقبتین جماعة منهم ابن أمّ مکتوم ثم عمار بن یاسر ثم بلال و سعد ابن أبی وقاص و یقال انّ أوّل من هاجر الی المدینة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومی زوج أمّ سلمة و ذلک انه أوذی لما رجع من الحبشة فعزم علی الرجوع إلیها ثم بلغه قصة الاثنی عشر من الانصار فتوجه الی المدینة فقدمها بکرة و قدم بعده عامر بن ربیعة عشیة ثم توجه مصعب بن عمیر لیفقه من أسلم من الانصار ثم توالی خروجهم بعد العقبة الاخیرة فخرجوا أرسالا منهم عمر بن الخطاب و أخوه زید ابن الخطاب و طلحة بن عبید اللّه و صهیب و حمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة و عبیدة بن الحارث و عبد الرحمن بن عوف و الزبیر بن العوّام و عثمان بن عفان و غیرهم لم یبق معه صلّی اللّه علیه و سلم الا أبو بکر الصدّیق و علی بن أبی طالب کذا قال ابن اسحاق و غیره* و فی بعض کتب السیر أوّل من هاجر الی المدینة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومی قبل بیعة العقبة بسنة ثم قدم المدینة بعد أبی سلمة عامر ابن ربیعة مع امرأته لیلی ثم عبد اللّه بن جحش ثم أبو أحمد بن جحش ثم تتابع الاصحاب الی المدینة أرسالا* و فی سیرة مغلطای عن ابن اسحاق ثم عمر بن الخطاب و أخوه زید بن الخطاب و عباس بن أبی ربیعة و طلحة بن عبید اللّه و صهیب و زید بن حارثة و أبو مرثد کناز بن الحصین و ابنه مرثد و أنسة و أبو کبیشة و عبیدة بن الحارث و أخوه الطفیل و حصین و مسطح بن أثاثة و سویبط و عبد الرحمن بن عوف و الزبیر ابن العوّام و أبو سبرة و أبو حذیفة بن عتبة و سالم مولاه و عتبة بن غزوان و عثمان بن عفان انتهی و بقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و علیّ بمکة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ینتظر أن یؤذن له فی الهجرة و لم یتخلف معه بمکة أحد من المسلمین الا أخذ و حبس أو فتن الا علی بن أبی طالب و أبو بکر و ابو بکر کثیرا ما کان یستأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الهجرة فیقول له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تعجل لعلّ اللّه أن یجعل لک صاحبا فرجا أبو بکر أن یکون ذلک الصاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی صحیح البخاری تجهز أبو بکر قبل المدینة فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی رسلک فانی لارجو أن یؤذن لی فقال له أبو بکر و هل ترجو ذلک بأبی أنت و أمی قال نعم فحبس أبو بکر نفسه علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیصحبه و علف راحلتین کانتا عنده ورق السمر و هو الخبط أربعة أشهر لتسمنا و ینتظر أنه صلّی اللّه علیه و سلم متی یؤمر بالهجرة الی المدینة روی انّ أبا بکر رأی فی المنام فی بعض تلک الایام انّ القمر نزل من السماء بطحاء مکة و دخل البلد الحرام فأضاءت منه أمّ القری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:321
و ما حولها ثم صعد الی السماء فنزل المدینة و أشرقت أرض یثرب بنوره و کثیر من الکواکب تحرّکت موافقات له ثم انّ ذلک القمر مع تلک الکواکب الجمة صعدت الی الهواء و هبطت فی حرم مکة و أرض یثرب مضیئة بعد کما کانت الا ثلاثمائة و ستین بیتا و فی روایة أربعمائة بیت* و لما انتهی ذلک القمر الی البلد الحرام استنار ما حول الحرم أیضا ثم سار القمر نحو المدینة و دخل منزل عائشة فانشقت الارض و تواری فیها فلما انتبه أبو بکر غلبة البکاء اذ کان ماهرا فی معرفة تعبیر الرؤیا و مشهورا بین العرب بهذا الفنّ فنظر بنظر الاعتبار فی تعبیر تلک الرؤیا فعلم ان ذلک القمر شمس فلک الرسالة و انّ تلک الکواکب اللوامع أصحابه و أقر باؤه الذین یختارون الغربة بموافقته و یهاجرون الی المدینة و رجوع ذلک القمر مع تلک الکواکب الی مکة دلیل علی ان فتح مکة سیحصل له و دخوله منزل عائشة علامة انها تشرف بشرف فراشه فی المدینة و انشقاق الارض و تواری القمر فیها مشیر الی أن وفاته صلّی اللّه علیه و سلم تکون بالمدینة و یدفن فی بیت عائشة فاعتری أبا بکر من هذه الرؤیة غمان أحدهما غم الهجرة من دیاره و ترک وطنه المألوف و الثانی غم مفارقة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فتفکر فی نفسه فقال أمّا مفارقة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأمر صعب و أمّا الغربة فلا أبالیها اذا کنت معه صلّی اللّه علیه و سلم کما قیل
لو ضمنی بیت نمل و الحبیب به‌لکان ذلک لی روض و بستان
و أطیب الارض ما للقلب فیه هوی‌سم الخیاط مع المحبوب میدان و قیل
رحب الفلاة مع الاعداء ضیقةسم الخیاط مع الاحباب میدان فترصد رفاقته و انتظر صحبته صلّی اللّه علیه و سلم* و من تعبیرات أبی بکر ما ذکر فی حیاة الحیوان انّ عائشة رضی اللّه عنها رأت ثلاثة أقمار سقطن فی حجرها فقال لها أبو بکر ان صدقت رؤیاک فانه یدفن فی بیتک ثلاثة من خیار أهل الارض فلما دفن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی بیتها قال لها أبو بکر هذا أحد أقمارک و هو خیرها و اللّه أعلم*

(ذکر مشاورة قریش فی اخراجه أو حبسه أو قتله و اخبار جبریل بذلک ایاه صلی اللّه علیه و سلم و اذنه له بالهجرة)

* قال أصحاب السیر لما رأت قریش انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أصابوا منعة و أصحابا بغیر بلدهم و نزلوا دارا و وجدوا مهاجرا قریبا یهاجر إلیه بقیة أصحابه عرفوا انه قد عزم أن یلحق بهم و سیحمیه المدنیون فخافوا خروجه إلیهم و حذروا تفاقم أمره فاجتمعوا بدار الندوة للمشاورة و هی دار قصی بن کلاب و کانت قریش لا تقضی أمرا الا فیها و فیها یتشاورون و حجبوا الناس عن الدخول إلیهم لئلا یدخل أحد من بنی هاشم فیطلع علی حالهم فزعم ابن درید فی الوشاح انهم کانوا خمسة عشر رجلا* و فی المولد لابن دحیة کانوا مائة رجل و لما قعدوا للتشاور تبدی لهم ابلیس فی صورة شیخ نجدی جلیل فوقف علی باب الدار فلما رأوه قالوا من الشیخ قال شیخ من أهل نجد سمع بالذی تواعدتم له فحضر معکم لیسمع ما تقولون و عسی أن لا یعدمکم منه رأی و نصح* و فی معالم التنزیل سمعت باجتماعکم فأردت أن أحضرکم و لن تعدموا منی رأیا و نصحا قالوا ادخل فدخل معهم و قد اجتمع فیها أشراف قریش من کل قبیلة و فی روایة تبدی لهم الشیطان فی صورة شیخ نجدی لابس مرقع و جلس* و فی المواهب اللدنیة تمثل لهم الشیطان فی صورة شیخ نجدی لانهم قالوا کما ذکره بعض أهل السیر لا یدخلن فی المشاورة معکم أحد من أهل تهامة لانّ هواهم مع محمد فلذلک تمثل فی صورة شیخ نجدی قالوا من الشیخ و من أدخلک فی خلوتنا هذه بغیر اذننا قال أنا شیخ من قبیلة نجد وجدت وجوهکم ملیحة و رائحتکم طیبة أردت أن أسمع کلامکم و أقتبس منه شیئا و لقد أعرف مقصودکم و ان کنتم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:322
تکرهون جلوسی معکم فاخرج قالت قریش بعضهم لبعض هذا رجل من نجد لا من مکة فلا یضرکم حضوره معکم فشرعوا فی الکلام و قال بعضهم لبعض ان هذا الرجل یعنی محمدا صلّی اللّه علیه و سلم قد کان من أمره ما کان و انا و اللّه لا نأمن منه الوثوب علینا بمن اتبعوه فأجمعوا فیه رأیا فقال أبو البختری ابن هشام* و فی روایة قال هشام بن عمرو رأیی أن تحبسوه فی بیت و تشدّوا وثاقه و تسدّوا بابه غیر کوّة تلقون إلیه طعامه و شرابه منها و تربصوا به ریب المنون حتی یهلک فیه کما هلک من الشعراء من کان قبله کزهیر و النابغة فصرخ عدوّ اللّه الشیخ النجدی فقال بئس الرأی رأیتم و اللّه لو حبستموه لخرج أمره من وراء الباب الی أصحابه فوثبوا و انتزعوه من أیدیکم قالوا صدق الشیخ* و قال هشام بن عمرو و فی روایة أبو البختری رأیی أن تحملوه علی جمل و تخرجوه من بین أظهرکم فلا یضرّکم ما صنع و استرحتم فقال الشیخ النجدی و اللّه ما هذا لکم برأی أ لم تروا حسن حدیثه و حلاوة منطقه و غلبته علی قلوب الرجال بما یأتی به فو اللّه لو فعلتم ذلک ما أمنتم أن یحل علی حیّ من العرب فیغلب علیهم بذلک من قوله و حدیثه حتی یبایعوه ثم یسیر بهم حتی یطأکم بهم فقالوا صدق و اللّه الشیخ فقال أبو جهل و اللّه انّ لی فیه لرأیا ما أراکم وقعتم علیه بعد قالوا و ما هو یا أبا الحکم فقال رأیی أن نأخذ من کل قبیلة فتی شابا جلدا نسیبا وسیطا فینا ثم نعطی کل فتی سیفا صار ما ثم یعمدون إلیه فیضربونه ضربة رجل واحد فیقتلونه فنستریح منه فانهم اذا فعلوا ذلک تفرّق دمه فی القبائل کلها فلا تقدر بنو عبد مناف علی حرب قومهم جمیعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال الشیخ النجدی القول ما قال هذا الفتی هو أجودکم رأیا لا رأی لکم غیره* و فی خلاصة الوفاء و صوّب ابلیس قول أبی جهل لما اختلفوا فیما یفعلون بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أری أن یعطی خمسة رجال من خمسة قبائل سیفا سیفا فیضربونه ضربة رجل واحد فیتفرّق دمه فی هذه البطون فلا یقدر لکم بنو هاشم علی شی‌ء فتفرّقوا علی رأی أبی جهل مجمعین علی قتله فأخبر جبریل بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و کان مما أنزل اللّه فی ذلک الیوم و ما کانوا أجمعوا له و اذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک أو یقتلوک أو یخرجوک و یمکرون و یمکر اللّه و اللّه خیر الماکرین و قوله عز و جل أم یقولون شاعر نتربص به ریب المنون قال ابن هشام المنون الموت و ریب المنون ما یریب و یعرض منها قال أبو ذئب الهذلی
أمن المنون و ریبها تتوجع‌و الدهر لیس بمعتب من یجزع الاعتاب الارضاء

* (الرکن الثالث فی الوقائع من أول هجرته صلّی اللّه علیه و سلم الی وفاته‌

اشارة

و فیه أحد عشر موطنا)**

(الموطن الاوّل)* فی وقائع السنة الاولی من الهجرة

اشارة

و هی السنة التی فی الثامن و العشرین من صفرها أو فی غرّة ربیع الاوّل منها وقعت الهجرة الی المدینة و هی السنة الرابعة عشر من المبعث و الرابعة و الثلاثون من ملک کسری برویز و التاسعة من ملک هرقل و أوّل هذه السنة المحرم و فیه فصلان)*

* (الفصل الاوّل فی خروجه صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر من مکة الی الغار

و لبثهما فیه ثلاثة أیام و خروجهما منه الی المدینة و ما وقع لهم فی الطریق من لحوق سراقة ایاهما و مرورهما بخیمتی أمّ معبد و لقیهم بریدة بن الحصیب و لقیهم طلحة أو الزبیر فی الطریق و موت براء بن معرور و استقبال أهل المدینة و نزوله بقباء و لبثه فی بنی عمرو بن عوف و تأسیسه مسجد قباء)* قال أصحاب السیر لما استقرّ رأی قریش بعد المشاورة علی قتله صلّی اللّه علیه و سلم أتاه جبریل و أخبره بذلک و قال لا تبت هذه اللیلة علی فراشک الذی کنت تبیت علیه و أذن اللّه له عند ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:323
بالخروج الی المدینة کذا فی معالم التنزیل* و فی روایة قال له جبریل ان اللّه یأمرک بالهجرة* و فی شواهد النبوّة لما أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالهجرة سأل جبریل عمن یهاجر معه قال أبو بکر الصدّیق فمن ذلک الیوم سماه اللّه صدیقا* و عن ابن عباس قال ان اللّه آذن نبیه فی الهجرة بهذه الآیة و قل رب أدخلنی مدخل صدق و أخرجنی مخرج صدق و اجعل لی من لدنک سلطانا نصیرا أخرجه الترمذی و صححه هو و الحاکم کذا فی الوفاء و المواهب اللدنیة* و فی العمدة أمر أن یقول له عند الهجرة و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و آذن اللّه تبارک و تعالی نبیه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم عند ذلک فی الهجرة و کان أبو بکر رجلا ذا مال فکان حین استأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الهجرة قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تعجل لعلّ اللّه أن یجعل لک صاحبا فطمع أبو بکر بأنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما یعنی نفسه حین قال له ذلک فابتاع راحلتین فحبسهما فی داره یعلفهما اعدادا لذلک فحدّثنی من لا أتهم عن عروة بن الزبیر عن عائشة أمّ المؤمنین أنها قالت کان لا یخطأ أن یأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیت أبی بکر أحد طرفی النهار امّا بکرة و امّا عشیة حتی اذا کان الیوم الذی أذن اللّه تعالی فیه لرسوله فی الهجرة و الخروج من مکة من بین ظهرانی قومه أتانا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالهاجرة فی ساعة کان لا یأتی فیها قالت فلما رآه أبو بکر قال ما جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی هذه الساعة الا لأمر حدث قالت فلما دخل تأخر له أبو بکر عن سریره فجلس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علیه و لیس عند أبی بکر الا أنا و أختی أسماء بنت أبی بکر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخرج عنی من عندک فقال یا نبیّ اللّه انما هی ابنتای و ما ذاک فداک أبی و أمی قال انّ اللّه تعالی قد أذن لی فی الخروج و الهجرة قالت فقال أبو بکر الصحبة یا رسول اللّه قال نعم* و فی المنتقی قالت عائشة فبینا نحن جلوس فی بیت أبی بکر فی نحر الظهیرة قال قائل لابی بکر هذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم متقنعا فی ساعة لم یکن یأتینا فیها فقال أبو بکر فدی له أبی و أمّی و اللّه ما جاء به فی هذه الساعة الا أمر فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال لابی بکر أخرج من عندک فقال أبو بکر انما هم أهلک بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه قال فانی قد أذن لی فی الخروج قال أبو بکر الصحبة بأبی أنت و أمّی یا رسول اللّه قال نعم* و فی روایة أذن له باذن اللّه أن یصحبه قالت عائشة رأیت أبا بکر یبکی من الفرح و ما کنت أظنّ الی ذلک الوقت أن یبکی أحد من الفرح قال فخذ احدی راحلتیّ هاتین قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالثمن* قال الواقدی ثمنها ثمانمائة درهم و ان المأخوذة کانت هی القصوی و انها کانت من نعم بنی قشیر کان اشتراها أبو بکر منهم و انها عاشت حتی ماتت فی خلافة ابی بکر الصدّیق و کانت مرسلة ترعی فی البقیع و کذا فی طبقات ابن سعد أن ثمنها کان ثمانمائة درهم کذا فی الوفاء* و فی روایة قال ابو بکر عندی ناقتان قد کنت أعددتهما للخروج فأعطی النبیّ احداهما و هی الجدعاء قاله ابن اسحاق و قال انها کانت من نعم بنی الحریش و کذا فی روایة ابن حبان انها الجدعاء کذا فی الوفاء قالت عائشة فجهزناهما احث الجهاز و صنعنا لهما سفرة فی جراب فقطعت اسماء بنت ابی بکر قطعة من نطاقها فربطت به فم الجراب فلذلک سمیت ذات النطاقین هکذا روایة ابن عباس* و فی روایة عن أسماء قالت فلم نجد لسفرته و لا لسقائه ما نربطهما به فقلت لابی بکر و اللّه ما أجد شیئا أربط به إلا نطاقی قال فشقیه باثنتین فاربطی بواحدة السقاء و بالاخری السفرة ففعلت فلذلک سمیت ذات النطاقین رواه البخاری و سیجی‌ء غیر ذلک* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و أمر أبو بکر ابنه عبد اللّه بن أبی بکر أن یتسمع لهما ما یقول الناس فیهما نهاره ثم
یأتیهما اذا أمسی فی الغار بما یکون فی ذلک الیوم من الخبر و کان یفعل ذلک و أمر عامر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:324
ابن فهیرة مولی أبی بکر أن یرعی علیهما منحة لابی بکر لیشربا من لبنها و استأجر أبو بکر رجلا من بنی الدئل هادیا خریتا أی ماهرا بالهدایة لیدلهما علی الطریق یقال له عبد اللّه بن الاریقط الدیلی اللیثی* قال النووی لا نعلم له اسلاما و فی الریاض النضرة اللیث بن عبد اللّه بن الاریقط* و فی الوفاء ذهب أبو بکر الی عبد اللّه بن أریقط قاله ابن عقبة* و فی تهذیب بن هشام عبد اللّه بن أرقد و فی روایة الاموی عن ابن اسحاق أریقد و فی العتبیة رقیط من بنی الدئل بن بکر بن کنانة و أمّه امرأة من بنی سهم بن عمرو و کان مشرکا أو قال علی دین الکفار فأمنه و دفع إلیه لراحلتین و واعده غار ثور بعد ثلاث لیال* و فی سیرة ابن هشام بلفظ التثنیة فی استأجرا و دفعا إلیه راحلتیهما فکانتا عنده لمیعادهما* و فی أنوار التنزیل الغار ثقب فی أعلا ثور و ثور جبل بمنی مکة علی مسیرة ساعة مکثا فیه ثلاثا* و فی القاموس یقال له ثور أطحل و اسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب إلیه ذلک الجبل ذکر ابن جبیر أن جبل ثور من مکة علی ثلاثة أمیال* و فی معجم ما استعجم انه من مکة علی میلین و ارتفاعه نحو میل و فی أعلاه الغار الذی دخله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر و هو المذکور فی القرآن و البحر یری من أعلا هذا الجبل و فیه من کل نبات الحجاز و شجره و فیه شجرة البان و فیه شجرة من حمل منها شیئا لم تلدغه الهامة انتهی* و لما کانت العتمة اجتمع المشرکون بمکة علی باب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم ترصدوه متی ینام فیثبون علیه فیهلکونه* و فی الوفاء اجتمعت قریش الی باب الدار فقال أبو جهل لا تقتلوه حتی تجتمعوا یعنی الخمسة من القبائل الخمس و جعل یقول لهم هذا محمد کان یزعم لکم انکم ان تابعتموه کنتم ملوک العرب و العجم و یکون لکم فی الآخرة جنات تأکلون منها و ان لم تتابعوه یکون له فیکم ذبح فی الدنیا و یوم القیامة نار تحرقون فیها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نعم و اللّه کذا أقول و کذا یکون و أنت أحدهما فلما رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکانهم و اجتماعهم قال لعلیّ نم علی فراشی و اتشح ببردی الحضرمی الاخضر فانه لا یخلص إلیک شی‌ء تکرهه منهم و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ینام فی برده ذلک اذا نام* و فی خلاصة الوفاء فلن یخلص إلیک منهم أمر فردّ هذه الودائع الی أهلها و کانت الودائع توضع عنده لصدقه و أمانته* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما بلغنی أخبر علیا بخروجه و أمره أن یتخلف بعده بمکة حتی یؤدّی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الودائع التی عنده و لیس بمکة أحد عنده شی‌ء یخشی علیه إلا وضعه عنده لما یعلم من صدقه و أمانته فبات علیّ علی فراش النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تلک اللیلة و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الغار و لما خرج قام علی رءوسهم و قد ضرب اللّه علی أبصارهم* و فی روایة أخذ اللّه أبصارهم عنه و نزل تلک اللیلة أوّل سورة یس فأخذ قبضة من تراب و جعل ینثره علی رءوسهم و هو یقرأ انا جعلنا فی أعناقهم أغلالا الی قوله فهم لا یبصرون و تلا و اذا قرأت القرآن جعلنا بینک و بین الذین لا یؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ثم أتی منزل ابی بکر فخرجا من خوخة کانت له فی ظهر البیت و عمدا الی غار ثور* و فی الاستیعاب أذن اللّه له فی الهجرة الی المدینة یوم الاثنین و کانت هجرته فی ربیع الاوّل و هو ابن ثلاث و خمسین سنة و قدم المدینة یوم الاثنین قریبا من نصف النهار فی الضحی الاعلی لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل هذا قول ابن اسحاق و کذا قال غیره الا أنه قال کان مخرجه الی المدینة لهلال ربیع الاوّل و قال أبو عمرو و قد یروی عن ابن شهاب أنه قدم المدینة لهلال ربیع الاوّل و قال عبد الرحمن ابن المغیرة قدم المدینة یوم الاثنین لثمان خلون من ربیع الاوّل* و قال الکلبی خرج من الغار لیلة الاثنین أوّل یوم من ربیع الاوّل و قدم المدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة لیلة خلت
منه قال أبو عمرو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:325
و هو قول ابن اسحاق الا فی تسمیة الیوم فان ابن اسحاق یقول یوم الاثنین و الکلبی یقول یوم الجمعة و اتفقا لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و غیرهما یقول لثمان خلت منه فالاختلاف أیضا فی تاریخ قدومه المدینة کما تری* و فی الصفوة قال یزید بن حبیب خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مکة فی صفر و قدم المدینة فی ربیع الاوّل* و فی الوفاء ذکر موسی بن عقبة عن الزهری أن الخروج کان فی بقیة تلک اللیلة و کان ذلک بعد العقبة بشهرین و لیال و قال الحاکم بثلاثة أشهر أو قریبا منها و یرجح الاوّل ما جزم به ابن اسحاق من انه خرج أوّل یوم من ربیع الاوّل فیکون بعد العقبة بشهرین و بضعة عشر یوما و کذا جزم به الاموی فقال خرج لهلال ربیع الاوّل و قدم المدینة لاثنتی عشرة لیلة خلت منه قال فی فتح الباری و علی هذا کان خروجه یوم الخمیس و هو الذی ذکره محمد بن موسی الخوارزمی لکن قال الحاکم تواترت الاخبار بأن الخروج کان یوم الاثنین و الدخول یوم الاثنین و جمع الحافظ ابن حجر بینهما بأنّ خروجه من مکة کان یوم الخمیس أیّ فی أثناء لیلته لما قدمناه و خروجه من الغار یعنی غار ثور لیلة الاثنین لانه أقام فیه ثلاث لیال لیلة الجمعة و لیلة السبت و لیلة الاحد و خرج فی أثناء لیلة الاثنین کذا فی المواهب اللدنیة و من روی للیلتین لعله لم یحسب أوّل لیلة و کانت مدّة اقامته صلّی اللّه علیه و سلم بمکة بعد النبوّة بضع عشرة سنة و یدل علیه قول صرمة
ثوی فی قریش بضع عشرة حجةیذکر لو ألفی صدیقا مؤاتیا و قال عروة عشرا و قال ابن عباس خمس عشرة سنة* و فی روایة عنه عشر سنین و لم یعلم بخروجه الا علیّ و آل أبی بکر* و فی سیرة الیعمری و لما بلغ ثلاثا و خمسین سنة هاجر من مکة الی المدینة یوم الاثنین لثمان خلون من ربیع الاوّل و أقام المشرکون ساعة فجعلوا یتحدّثون فأتاهم آت و قال ما تنتظرون قالوا ننتظر أن نصبح فنقتل محمدا قال قبحکم اللّه و خیبکم أو لیس قد خرج علیکم و جعل علی رءوسکم التراب قال أبو جهل أو لیس ذاک مسجی ببرده و الآن کلمنا فلما أصبحوا قام علیّ عن الفراش فقال أبو جهل صدقنا ذلک المخبر فاجتمعت قریش و أخذت الطرق و جعلت الجعائل لمن جاء به فانصرفت عیونهم و لم یجدوا شیئا و فی روایة لما قال القائل قد خرج و نثر علی رءوسکم التراب فما ترون ما بکم وضع کل رجل منهم یده علی رأسه فاذا فیه التراب ثم جعلوا یتطلعون و ینظرون من شق الباب فیرون علیا علی الفراش متسج ببرد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحسبونه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیحرسونه و یقولون ان هذا المحمد تائم علیه برده فلم یبرحوا کذلک حتی أصبحوا فوثبوا علیه فقام علیّ من الفراش فقالوا له أین صاحبک قال لا علم لی قیل انهم ضربوا علیا و حبسوه ساعة ثم ترکوه و اقتصوا أثر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما بلغوا الجبل اختلط علیهم و روی أنه لم یبق أحد من الذین وضع علی رءوسهم التراب الا قتل یوم بدر و أنشأ علیّ فی بیوتته فی بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذه الابیات
وقیت بنفسی خیر من وطئ الثری‌و من طاف بالبیت العتیق و بالحجر
رسول إله خاف أن یمکروا به‌فنجاه ذو الطول الاله من المکر
و بات رسول اللّه فی الغار آمناموقی و فی حفظ الاله و فی ستر
و بت أراعیهم و ما یثبتوننی‌و قد وطنت نفسی علی القتل و الاسر قال الغزالی فی الاحیاء ان لیلة بات علیّ بن أبی طالب علی فراش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أوحی اللّه تعالی الی جبریل و میکائیل انی آخیت بینکما و جعلت عمر أحد کما أطول من عمر الآخر فأیکما یؤثر صاحبه بحیاة فاختار کلاهما الحیاة و أحباها فأوحی اللّه إلیهما أ فلا کنتما مثل علیّ بن أبی طالب آخیت بینه و بین محمد فبات علیّ علی فراشه یفدیه بنفسه و یؤثره بالحیاة اهبطا الی الارض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:326
فاحفظاه من عدوّه فکان جبریل عند رأسه و میکائیل عند رجلیه ینادی بخ بخ من مثلک یا ابن أبی طالب تباهی بک الملائکة فأنزل اللّه تعالی و من الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضاة اللّه و اللّه رءوف بالعباد* و فی عمدة المعانی الآیة نزلت فی الزبیر و المقداد و قیل فی صهیب و خباب و عمار ابن یاسر و قیل فی علیّ حین نام علی فراش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلة الغار* و روی أن أبا بکر حین خرج الی الغار احتمل ماله کله و کان ذا مال و هو خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه* و فی الاستیعاب روی سفیان بن عیینة عن هشام بن عروة عن أبیه قال أسلم أبو بکر و له أربعون ألفا أنفقها کلها علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فی سبیل اللّه و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما نفعنی مال الا مال أبی بکر* و فی معالم التنزیل ان أبا بکر حین انطلق مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الغار جعل یمشی ساعة بین یدیه و ساعة خلفه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مالک یا أبا بکر قال أذکر الطلب فأمشی خلفک ثم أذکر الرصد فأمشی بین یدیک و فی دلائل النبوّة فجعل مرّة یمشی أمامه و مرّة خلفه و مرّة عن یمینه و مرة عن یساره فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما هذا یا أبا بکر ما أعرف هذا من فعلک فقال یا رسول اللّه أذکر الرصد فأکون أمامک و أذکر الطلب فأکون خلفک و مرة عن یمینک و مرة عن یسارک لا آمن علیک و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد خلع نعلیه فی طریق الغار و کان یمشی علی أطراف أصابعه لئلا یظهر أثرهما علی الارض حتی حفیت رجلاه فلما رآه أبو بکر و قد حفیت رجلاه حمله علی کاهله و جعل یشتدّ حتی أتی الغار کذا فی دلائل النبوّة (قوله) حفیت رجلاه أی رقتا من کثرة المشی و یشبه أن یکون ذلک من خشونة الجبل و کان حافیا و الا فلا یحتمل بعد المکان ذلک أو لعلهم ضلوا طریق الغار حتی بعدت المسافة و یدل علیه قوله فمشی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلته و لا یحتمل ذلک مشی لیلة الا تقدیر ذلک أو سلوک غیر الطریق تعمیة علی الطلب کذا فی الریاض النضرة و أما ما وقع فی روایة ابن هشام عن عروة عند ابن حبان انهما رکبا حتی أتیا المغار فتواریا فلا ینافی مواعدتهما الدلیل الدیلی بأن یأتی بالراحلتین بعد ثلاث لاحتمال أن یکون ما رکبا غیر راحلتیهما أو ایاهما ثم ذهب بهما عامر بن فهیرة الی الدلیل کذا فی الوفاء و أیضا لا ینافی ذلک ما ذکر من نقب القدم و حمل أبی بکر ایاه لاحتمال أن یکون کل واحد منهم فی بعض الطریق و روی عن أبی بکر أنه قال لعائشة لو رأیتنی و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذ صعدنا الغار فأما قدما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتفطرتا و أما قدمای فعادتا کأنهما صفوان قالت عائشة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم یتعوّد الحفیة و لا الرعیة و روی عن أبی بکر أنه قال نظرت الی قدمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الغار و قد قطرتا دما فاستبکیت فعلمت أنه صلّی اللّه علیه و سلم لم یتعوّد الحفاء و الجفوة قال ابن هشام و حدّثنی بعض أهل العلم أن الحسن البصری قال انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر الی الغار لیلا فدخل أبو بکر الی الغار قبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلمس الغار لینظر أ فیه سبع أو حیة لیقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بنفسه* و فی معالم التنزیل قال أبو بکر یا رسول اللّه مکانک حتی استبرئ الغار و کان ذلک الغار مشهورا بکونه مسکن الهوام و الوحش قال ادخل فدخل فرأی غارا مظلما فجلس و جعل یلتمس بیده کلما وجد حجرا أدخل فیه اصبعه حتی انتهی الی حجر کبیر فأدخل رجله الی فخذه فأخرجه* و فی روایة کلما وجد حجرا شق ثوبه فألقمه ایاه حتی فعل ذلک بثوبه کله فبقی حجر فألقمه عقبه* و فی الریاض النضرة فجعل الحیات و الافاعی یضربنه و یلسعنه انتهی و علی کلا التقدیرین لدغته الحیة تلک اللیلة قال أبو بکر فلما ألقمت عقبی الجحر لدغتنی الحیة
و ان کانت اللدغة أحب الیّ من أن یلدغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:327
انتهی ثم قال أبو بکر ادخل یا رسول اللّه فانی سوّیت لک مکانا فدخل فاضطجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أما أبو بکر فکان متألما من لدغة الحیة و لما أصبحا رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أبی بکر أثر الورم فسأل عنه فقال من لدغة الحیة فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هلا أخبرتنی قال کرهت أن أوقظک فسجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بیده فذهب ما به من الورم و الالم ثم قال فأین ثوبک یا أبا بکر فأخبره بما فعل فعند ذلک رفع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یدیه فقال اللهم اجعل أبا بکر فی درجتی یوم القیامة فأوحی اللّه إلیه قد استجاب لک کذا فی المنتقی خرجه الحافظ أبو الحسین بن بشر و الملا فی سیرته عن میمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوی* و عن ابن عباس قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رحمک اللّه صدّقتنی حین کذبنی الناس و نصرتنی حین خذلنی الناس و آمنت بی حین کفر بی الناس و آنستنی فی وحشتی فأی منة لاحد علیّ مثلک خرجه فی فضائله ذکره فی الریاض النضرة* و فی معالم التنزیل قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لابی بکر أنت صاحبی فی الغار و صاحبی علی الحوض* قال الحسن بن الفضل من قال ان أبا بکر لم یکن صاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فهو کافر لانکاره نص القرآن و فی سائر الصحابة اذا أنکر یکون مبتدعا لا کافرا* و فی المشکاة عن عمر بن الخطاب أنه قال لما انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الغار قال أبو بکر و اللّه لا تدخله حتی أدخل قبلک فان کان فیه شی‌ء أصابنی دونک فدخل فکسبه فوجد فی جانبه تقبا فشق ازاره فسدّها و بقی منها اثنان فألقمهما رجلیه ثم قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ادخل فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و وضع رأسه فی حجر أبی بکر و نام فلدغ أبو بکر فی رجله من الحجر و لم یتحرّک مخافة أن ینتبه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسقطت دموعه علی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فانتبه فقال مالک یا أبا بکر قال لدغت فداک أبی و أمی فتفل فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فذهب ما یجده ثم انتقض علیه و کان سبب موته رواه رزین و فی حدیث الخجندی ثم قال أبو بکر بعد سدّ الحجر انزل یا رسول اللّه دلیل علی أن باب الغار من أعلاه کذا فی الریاض النضرة* و حکی الواقدی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما دخل الغار دعا بشجرة کانت أمام الغار فأقبلت حتی وقفت علی باب الغار فحجبت أعین الکفار* و ذکر ثابت بن قاسم فی الدلائل أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما دخل الغار و أبو بکر معه أنبت اللّه علی بابه الراءة قال هشام هی شجرة معروفة و هی أمّ غیلان فحجبت عن الغار أعین الکفار و عن أبی حنیفة أنها تکون مثل قامة الانسان لها خیطان و زهر أبیض یحشی به المخاد فیکون کالریش لخفته و لینه لانه کالقطن و خرج أبو بکر البزار فی مسنده من حدیث أبی مصعب المکی قال أدرکت زید بن أرقم و المغیرة بن شعبة و أنس بن مالک یحدّثون أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما کانت لیلة بات فی الغار أمر اللّه تبارک و تعالی شجرة أو قال الراءة فنبتت فی وجه الغار فسترت وجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أمر اللّه العنکبوت فنسجت علی وجه الغار و أمر اللّه حمامتین وحشیتین فوقعتا بفم الغار فعششتا علی بابه* قال السهیلی و حمام الحرم من نسلهما کذا فی سیرة مغلطای* و فی معالم التنزیل حتی باضتا فی أسفل النقب* و فی القصة أنبت اللّه ثمامة علی فم الغار* و فی المواهب اللدنیة أخرج أبو نعیم فی الحلیة عن عطاء ابن میسرة قال نسجت العنکبوت مرتین مرة علی داود حین کان طالوت یطلبه و مرّة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الغار انتهی قیل و کذا نسجت علی الغار الذی دخله عبد اللّه بن أنیس لما بعثه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لقتل سفیان بن خالد بن نبیح الهذلی بالعرنة فقتله ثم احتمل رأسه و دخل فی غار فنسجت علیه العنکبوت و جاء الطلب فلم یجدوا شیئا فانصرفوا راجعین* و فی تاریخ ابن عساکران العنکبوت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:328
نسجت أیضا علی عورة زید بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب لما صلب عریانا فی سنة احدی و عشرین و مائة و سیأتی فی الخاتمة أنه قتل بالکوفة فی المصاف و کان قد خرج و بایعه خلق فحاربه نائب العراق یوسف بن عمر و ظفر به یوسف فقتله و صلبه عریانا و بقی جسده مصلوبا أربع سنین* روی أن المشرکین کانوا یعلمون محبة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لابی بکر رضی اللّه عنه فذهبوا لطلبه فوقفوا علی بابه و فیهم أبو جهل فخرجت إلیهم أسماء بنت أبی بکر فقالوا لها أین أبوک قالت لا أدری فرفع أبو جهل یده و کان فاحشا خبیثا فلطم خدّها لطمة خرج منها قرطها فسقط ثم انصرفوا فوقعوا فی طلبهما* و فی الاکتفاء و لما فقدت قریش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم طلبوه بمکة أعلاها و أسفلها و بعثوا القافة یتبعون أثره فی کل وجه فوجد الذی ذهب قبل ثور أثره هناک فلم یزل یتبعه حتی انقطع لما انتهی الی ثور و شق علی قریش خروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جزعوا لذلک فطفقوا یطلبونه بأنفسهم فیما قرب منهم و یرسلون من یطلبه فیما بعد عنهم و جعلوا مائة بعیر لمن ردّه علیهم و لما انتهوا الی فم الغار و قد کانت العنکبوت ضربت علی بابه بعشاش بعضها علی بعض بعد أن دخله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمیة بن خلف ما أربکم فی الغار ان علیه لعنکبوتا أقدم من میلاد محمد* و فی الشفاء و علیه من نسج العنکبوت ما أری أنه قبل أن یولد محمد قالوا فنهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قتل العنکبوت و قال انها جند من جنود اللّه* و فی روایة أقبل فتیان من مشرکی قریش من کل بطن رجل بعصیهم و سیوفهم و معهم قائف من قافة بنی مدلج و هم المشهورون بالقیافة بین العرب فالتمسوا أثرهما فوجدوه و قصوه الی أن بلغ قرب جبل ثور ففقدوه هناک فقال القائف ما أدری أین وضعا أقدامهما بعد هذا و لما دنوا من الغار قال القائف و اللّه ما جاوز مطلوبکم من هذا الغار فعند ذلک حزن أبو بکر فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تحزن ان اللّه معنا قال یا رسول اللّه لو نظر فی موضع قدمیه لرآنا* و فی روایة لا بصرنا تحت قدمیه* و فی الریاض النضرة فیه دلالة علی أن باب الغار کان من أعلاه فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یا أبا بکر ما ظنک باثنین اللّه ثالثهما* و فی تفسیر الکورانی قد روی أنه علیه السلام لما رأی بالصدّیق اضطرابا قال له انظر الی جانب الغار فنظر فرأی بحرا علی ساحله سفینة* و فی معالم التنزیل لم یکن حزن أبی بکر جبنا منه و انما کان اشفاقا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ان أقتل فأنا رجل واحد و ان قتلت هلکت الامّة* و فی معالم التنزیل أیضا فجعل الطلب یضربون یمینا و شمالا حول الغار یقولون لو دخلا الغار انکسر بیضة الحمام و تفسخ بیت العنکبوت* و فی الشفاء وقعت حمامتان علی فم الغار فقالت قریش لو کان فیه أحد لما کان هناک الحمام روی أن المشرکین لما مرّوا علی باب الغار طارت الحمامتان فلما رأوا بیضة الحمام و نسج العنکبوت قالوا ذلک فلما سمع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حدیثهم علم أن اللّه قد حمی حماهما بالحمام و صرف عنهما کیدهم بالعنکبوت
و ما حوی الغار من خیر و من کرم‌و کل طرف من الکفار عنه عمی
فالصدق فی الغار و الصدّیق لم یرماو هم یقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام و ظنوا العنکبوت علی‌خیرا لبریة لم تنسج و لم تحم
وقایة اللّه أغنت عن مضاعفةمن الدروع و عن عال من الأطم و للّه در القائل
و العنکبوت أجادت حوک حلتهافما تخال خلال النسج من خلل و ما أحسن قول النقیب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:329 و دود القزان نسجت حریرایجمل لبسه فی کل شی
فان العنکبوت أجل منهابما نسجت علی رأس النبیّ و لقد حصل للعنکبوت الشرف بذلک کذا فی المواهب اللدنیة* روی ابن وهب أن حمام مکة أظلت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم فتحها فدعا لها بالبرکة و نهی عن قتل العنکبوت و قال هی جند من جنود اللّه* و فی العمدة روی عن أبی بکر رضی اللّه عنه أنه قال لا أزال أحب العنکبوت منذ رایت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أحبها و یقول جزی اللّه العنکبوت عنا خیرا فانها نسجت علیّ و علیک یا أبا بکر فی الغار حتی لم یرنا المشرکون الا أن البیوت تطهر من نسجها لما روی عن علیّ أنه قال طهروا بیوتکم من نسج العنکبوت فان ترکه فی البیت یورث الفقر* و فی الاکتفاء و أتی المشرکون من کل بطن حتی اذا کانوا من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی قدر أربعین ذراعا معهم قسیهم و عصیهم تقدّم أحدهم فنظر فرأی حمامتین فرجع فقال لاصحابه لیس فی الغار شی‌ء رأیت حمامتین علی فم الغار فعرفت أن لیس فیه أحد فسمع قوله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فعلم أن اللّه قد دارأ بهما عنه فأثنی علیهما و فرض جزاءهما و انحدرن فی حرم اللّه ففرّخن أحسبه قال فأضل کل حمام فی الحرم من فراخهما و فی حیاة الحیوان ان حمام الحرم من نسل تلک الحمامتین* روی أیضا أن أبا بکر لما رأی القائف اشتدّ حزنه علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال ان قتلت فانما أنا رجل واحد الی آخر ما سبق فعند ذلک قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تحزن ان اللّه معنا یعنی بالنصرة فأنزل اللّه سکینته أی أمنه الذی یسکن عنده القلوب علیه أی علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أو علی أبی بکر و هو الاظهر لانه کان منزعجا و أیده یعنی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بجنود لم تروها یعنی الملائکة أنزلهم یحرسونه فی الغار و لیصرفوا و لیضربوا وجوه الکفار و أبصارهم عن رؤیته و ألقوا الرعب فی قلوبهم حتی انصرفوا خائبین کذا فی معالم التنزیل* أنظر لما رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حزن الصدّیق قد اشتدّ لکن لا علی نفسه قوّی قلبه ببشارة لا تحزن ان اللّه معنا و کانت تحفة ثانی اثنین مدخرة له فهو الثانی فی الاسلام و الثانی فی بذل النفس و العمر و سبب الموت و لما وقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بماله و نفسه جوزی بمواراته معه فی رمسه و قام مؤذن التشریف ینادی علی منائر الامصار ثانی اثنین إذ هما فی الغار و لقد أحسن حسان بن ثابت حیث قال
و ثانی اثنین فی الغار المنیف و قدطاف العدوّ به اذ صاعد الجبلا
و کان حب رسول اللّه قد علموامن الخلائق لم یعدل به بدلا و تأمّل فی قول موسی علیه السلام لبنی اسرائیل کلا ان معی ربی سیهدین و قول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم للصدّیق ان اللّه معنا فموسی خص بشهود المعیة و لم یتعدّ منه الی أتباعه و نبینا صلّی اللّه علیه و سلم تعدّی منه الی الصدّیق لم یقل معی لانه أمدّ أبا بکر بنوره فشهد سرّ المعیة و من ثم سری سر السکینة الی أبی بکر و الا لم یثبت تحت أعباء هذا التجلی و الشهود و أین معیة الربوبیة فی قصة موسی علیه السلام من معیة الالهیة فی قصة نبینا صلّی اللّه علیه و سلم قاله العارف شمس الدین بن اللبان کذا فی المواهب اللدنیة عن ابن عباس رضی اللّه عنهما قال کان أبو بکر مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الغار فعطش عطشا شدیدا فشکی الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذهب الی صدر الغار فاشرب قال أبو بکر فانطلقت الی صدر الغار فشربت ماء أحلی من العسل و أبیض من اللبن و أزکی رائحة من المسک ثم عدت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال شربت فقلت نعم قال أ لا أبشرک یا أبا بکر قلت بلی یا رسول اللّه قال ان اللّه تبارک و تعالی أمر الملک الموکل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:330
الفردوس الی صدر الغار لیشرب أبو بکر فقلت یا رسول اللّه ولی عند اللّه هذه المنزلة فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نعم و أفضل و الذی بعثنی بالحق لا یدخل الجنة مبغضک و لو کان له عمل سبعین نبیا خرجه الملا فی سیرته کذا فی الریاض النضرة ثم أمر أبو جهل منادیا ینادی فی أعلا مکة و أسفلها من جاء بمحمد أو دل علیه فله مائة بعیر أو جاء بابن أبی قحافة أو دل علیه فله مائة بعیر فلم یزل المشرکون یطوفون علی جبال مکة یطلبونهما و کان مکثهما فی الغار ثلاث لیال و قیل بضعة عشر یوما و الاوّل هو المشهور کذا فی المواهب اللدنیة و کان عبد اللّه بن أبی بکر و فی معالم التنزیل عبد الرحمن ابن أبی بکر و هو مخالف لروایة غیره شابا خفیفا ثقفا لقنا یختلف علیهما فیبیت عندهما بالغار و یدلج من عندهما بالسحر فیصبح مع قریش بمکة کبائت فلا یسمع أمرا یکاد ان به الاوعاه حتی یأتیهما بخبر ذلک حین یختلط الظلام و کانت أسماء بنت أبی بکر تأتیهما من مکة اذا أمست بما یصلحهما و کان عامر بن فهیرة مولی أبی بکر یرعی علیهما منحة من غنم کانت لابی بکر فیریحها علیهما حین تذهب ساعة من العشاء فیبیتان فی رسل و هو لبن المنحة فیرجع عنهما بغلس فیرعاها فلا یتفطن له أحد من الرعیان ففعل ذلک کل لیلة من اللیالی الثلاث* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق کان عامر بن فهیرة مولی أبی بکر یرعی فی رعیان أهل مکة فاذا أمسی أراح علیهما غنم أبی بکر فاحتلبا و ذبحا فاذا غدا عبد اللّه بن أبی بکر من عندهما تبع عامر بن فهیرة أثره بالغنم حتی یعفی علیه فخرج معهما حتی قدم المدینة فاستشهد یوم بئر معونة کما سیجی‌ء فی الموطن الرابع* و فی الاستیعاب و أسد الغابة عامر بن فهیرة مولی أبی بکر کان مولدا من مولدی الازد أسود اللون مملوکا للطفیل بن عبد اللّه بن سخبرة أخی عائشة لامّها و کان من السابقین الی الاسلام أسلم و هو مملوک و کان حسن الاسلام عذب فی اللّه اشتراه أبو بکر فأعتقه و کان یرعی فی ثور فی رعیان أهل مکة الی آخر ما ذکر فی روایة ابن هشام آنفا* فلما سار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر من الغار الی المدینة هاجر معه فأردفه أبو بکر خلفه و شهد بدرا و أحدا و قتل یوم بئر معونة و هو ابن أربعین سنة قتله عامر بن الطفیل ذکر ذلک کله موسی بن عقبة و ابن اسحاق عن ابن شهاب و یقال قتله جبار بن سلمی کما سیجی‌ء فی الموطن الرابع فی سریة المنذر الی بئر معونة ان شاء اللّه تعالی*

(ذکر خروجهما من الغار و توجههما الی المدینة و ما وقع لهما فی الطریق)

* و لما مضت ثلاث لیال و سکن عنهما الناس جاء الدلیل بالراحلتین صبح ثلاث بالسحر الی باب الغار کما وعده* قال أبو الحسن بن البراء خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الغار لیلة الاثنین لغرة شهر ربیع الاوّل* و ذکر محمد بن سعد أنه خرج من الغار لیلة الاثنین لا ربع لیال خلون من ربیع الاوّل کما مرّ کذا فی سیرة مغلطای و دلائل النبوّة* و فی سیرة ابن هشام أتاهما صاحبهما الذی استأجراه ببعیریهما و بعیر له و أتتهما أسماء بنت أبی بکر بسفرتهما و نسیت أن تجعل لها عصا ما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فاذا لیس فیها عصام فحلت نطاقها فجعلته عصا ما علقتها به فکان یقال لاسماء بنت أبی بکر ذات النطاقین لذلک* قال ابن هشام سمعت غیر واحد من أهل العلم یقول ذات النطاقین و تفسیره انها لما أرادت تعلیق السفرة شقت نطاقها باثنتین فعلقت السفرة بواحدة و انتطقت بالاخری کما مرّ فی أوائل الفصل الاوّل و جاء عامر بن فهیرة لیخدمهما فی الطریق* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما قرب أبو بکر الراحلتین الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قدّم له أفضلهما ثم قال ارکب فداک أبی و أمی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی لا أرکب بعیرا لیس لی قال فهی لک یا رسول اللّه بأبی أنت و أمی قال لا و لکن بالثمن الذی ابتعتها به قال أخذتها بکذا و کذا قال قد أخذتها بذلک قال هی لک یا رسول اللّه و قد مرّ أن ثمنها ثمانمائة درهم* قیل الحکمة فیه انه صلّی اللّه علیه و سلم أحب أن لا تکون هجرته الا بمال نفسه فرکبا و انطلقا و أردف أبو بکر عامر بن فهیرة مولاه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:331
لیخدمهما فی الطریق* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و لما خرج بهما دلیلهما عبد اللّه بن أرقد و کان ماهرا بالطریق فسلک بهما أسفل مکة ثم مضی بهما علی الساحل من عسفان ثم سلک بهما علی أسفل أمج* و فی روایة ثم عارض الطریق علی أمج ثم نزل من قدید خیام أمّ معبد عاتکة بنت خالد الخزاعیة من بنی کعب* قال ابن اسحاق ثم اجتاز بهما حتی عارض الطریق بعد أن أجاز قدیدا ثم أجاز بهما من مکانه ذلک فسلک بهما الحرار ثم سلک بهما ثنیة المرة ثم سلک بهما لقفا* قال ابن هشام لفتا قال ابن اسحاق ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة مجاج و یقال لجاج فیما قال ابن هشام ثم سلک بهما مزجج مجاج ثم تبطن بهما مزجج من ذی العضوین بفتح العین المهملة و سکون الضاد المعجمة و یقال بسکون الصاد المهملة فیما قاله ابن هشام ثم بطن بهما ذی کشد ثم أخذ بهما علی الجد اجد ثم علی الاجرد ثم سلک بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة بعمین ثم علی الغبابید قال ابن هشام و یقال الغبابیب و یقال العشبانة قال ابن هشام ثم أجاز بهما الفاجة و یقال الفاخة فیما قال ابن هشام ثم هبط بهما المعرج و قد أبطأ علیهم بعض ظهرهم فحمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رجل من أسلم یقال له أوس بن حجر علی جمل و قیل یقال له ابن الرداة و فی نسخة ابن الرداح الی المدینة و بعث معه غلاما له یقال له مسعود بن هنیدة ثم خرج بهما دلیلهما من المعرج فسلک بهما ثنیة العائر عن یمین رکونة و یقال ثنیة القائر فیما قال ابن هشام حتی هبط بهما علی بطن دیم ثم قدم بهما قباء علی بنی عمرو بن عوف لاثنتی عشرة لیلة خلت من شهر ربیع الاوّل یوم الاثنین حین اشتدّ الضحی و کادت الشمس تعتدل کما سیجی‌ء و اتفق فی مسیرة قصة سراقة عارضهم یوم الثلاثاء بقدید ذکره ابن سعد کما سیجی‌ء* قال أبو بکر فأدلجنا یعنی من الغار فأحثثنا یومنا و لیلتنا حتی أظهرنا و قام قائم الظهیرة فضربت ببصری هل أری ظلا نأوی إلیه فاذا أنا بصخرة فأهویت إلیها فاذا بقبة ظلها مدید فدخلت إلیها فسوّیته لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فرشت فروة و قلت اضطجع یا رسول اللّه فاضطجع ثم خرجت أنظر هل أری أحدا من الطلب فاذا أنا براعی غنم لرجل من قریش کنت أعرفه فحلب شیئا من اللبن ثم أتیت به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فشرب حتی رضیت* و فی المواهب اللدنیة و اجتاز صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه ذلک بعبد یرعی غنما فکان من شأنه ما رویناه من طریق البیهقی بسنده عن قیس بن النعمان قال فلما انطلق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر مستخفین مرّا بعبد یرعی غنما فاستسقیاه اللبن فقال ما عندی شاة تحلب غیر أن هاهنا عناقا حملت أوّل و ما بقی لها لبن فقال ادع بها فاعتقلها صلّی اللّه علیه و سلم و مسح ضرعها و دعا حتی أنزلت و جاء أبو بکر بمجن فسقی أبا بکر ثم حلب فسقی الراعی ثم حلب فشرب فقال الراعی باللّه من أنت فو اللّه ما رأیت مثلک فقال أو تراک تکتم علیّ حتی أخبرک قال نعم قال فانی محمد رسول اللّه قال فأنت الذی تزعم قریش أنه صابئ قال انهم لیقولون ذلک قال فأشهد انک نبیّ و انّ ما جئت به حق و انه لا یفعل ما فعلت الا نبیّ و أنا متبعک قال انک لن تستطیع ذلک یومک فاذا بلغک انی قد ظهرت فأتنا أورد فی المواهب اللدنیة قصة العبد الراعی بعد قصة أم معبد قال أبو بکر ثم قلت آن الرحیل فارتحلنا و القوم یطلبوننا فلم یدرکنا أحد منهم الا سراقة بن مالک بن جعشم فقلت یا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا قال لا تحزن ان اللّه معنا حتی اذا دنا منا و کان بیننا و بینه قدر رمح أو رمحین أو ثلاثة فقلت یا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا و بکیت قال لم تبکی قلت أما و اللّه ما علی نفسی أبکی و لکنی أبکی علیک فدعا علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال اللهم اکفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه الی بطنها فی أرض صلد فوثب عنها و قال یا محمد قد علمت ان هذا عملک فادع اللّه أن ینجینی مما أنا فیه فو اللّه لا عمین علی من
ورائی من الطلب و هذه کنانتی فخذ منها سهما فانک ستمرّ بابلی و غنمی فی موضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:332
کذا و کذا فخذ منها حاجتک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا حاجة لی بها فأطلق فرجع الی أصحابه و جعل لا یلقی أحدا الا قال کفیتم ما هاهنا و لا یلقی أحد الا ردّه کذا فی المنتقی* و فی روایة دعا علیه فقال اللهم اصرعه فصرعت فرسه ثم قامت تحمحم و فی مزیل الخفاء اسم هذه الفرس العود و قیل کانت أنثی* و فی سیرة مغلطای فلما راحوا من قدید تعرض لهما سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی* و فی المواهب اللدنیة ثم تعرض لهما بقدید سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی و فی روایة عن سراقة أنه قال جاءنا رسل قریش انهم جعلوا فی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبی بکر دیة فی کل واحد منهما مائة ابل لمن قتله أو أسره فبینا أنا جالس فی مجلس من مجالس قومی أقبل رجل حتی قام علینا فقال یا سراقة انی قد رأیت آنفا أسودة بالساحل أظنها محمدا و أصحابه* و فی سیرة ابن هشام قال و اللّه لقد رأیت رکبة ثلاثة مرّوا علیّ آنفا انی لأراهم محمدا و أصحابه قال فأومأت إلیه بعینی أن اسکت انتهی قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت انهم لیسوا بهم و لکنک رأیت فلانا و فلانا و فلانا انطلقوا بأعیننا ثم لبثت فی المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاریتی أن تخرج بفرسی و هی من وراء أکمة فتحبسها علیّ و أخذت رمحی فخرجت به من ظهر البیت فخططت بزجة الارض و خفضت عالیة الرمح حتی أتیت فرسی* و فی سیرة ابن هشام قال سراقة و کنت أرجو أن أردّه علی قریش و آخذ المائة قال فرکبتها فرفعتها تقرب بی حتی دنوت منهم فعثرت بی فخررت عنها فقمت فأهویت یدی الی کنانتی فاستخرجت منها الازلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذی أکره فرکبت فرسی و عصیت الازلام و لم أزل أجدّ فی الطلب تقرب بی حتی سمعت قراءة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو لا یلتفت و أبو بکر کثیر الالتفات ساخت یدا فرسی فی الارض حتی بلغتا الرکبتین فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تکد تخرج یدیها فلما استوت قائمة ظهر لاثر یدیها غبار ساطع الی السماء مثل الدخان* و فی سیرة ابن هشام کالاعصار فاستقسمت بالازلام فخرج الذی أکره فنادیت بالامان فوقفوا فرکبت فرسی حتی جئتهم و وقع فی نفسی حین لقیت ما لقیت من الحبس عنهم أن سیظهر أمر محمدا صلّی اللّه علیه و سلم فقلت له ان قومک قد جعلوا فیک الدیة فأخبرتهم أخبار ما یرید الناس بهم و عرضت علیهم الزاد و المتاع فلم یرزآنی و لم یسألانی شیئا الا أن قال أخف عنا فسألت أن یکتب لی کتاب أمن فأمر عامر بن فهیرة فکتب فی رقعة من أدم ثم مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی المنتقی* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق قال سراقة عرفت حین رأیت ذلک أنه قد منع منی و انه ظاهر قال فنادیت القوم فقلت أنا سراقة بن جعشم أنظرونی أکلمکم فو اللّه لا أریبکم و لا یأتیکم منی شی‌ء تکرهونه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لابی بکر قل له ما تبتغی منا قال فقال لی ذلک أبو بکر فقلت تکتب لی کتابا یکون آیة بینی و بینکم قال اکتب له یا أبا بکر قال فکتب لی کتابا فی عظم أو فی رقعة أو فی حزقة ثم ألقاه الیّ فأخذته فجعلته فی کنانتی ثم رجعت فسکت فلم أذکر شیئا مما کان حتی اذا کان فتح مکة علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فرغ من حنین و الطائف خرجت و معی الکتاب لالقاه فلقیته بالجعرانة قال فدخلت فی کتیبة من خیل الانصار فجعلوا یقرعوننی بالرماح و یقولون إلیک إلیک ما ذا ترید قال فدنوت من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو علی ناقته و اللّه لکأنی أنظر الی ساقه فی غرزه فکأنما جمارة قال فرفعت یدی بالکتاب ثم قلت یا رسول اللّه هذا کتابک لی أنا سراقة ابن جعشم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم وفاء و برّ ادن منی قال فدنوت منه و أسلمت و أورد فی المواهب اللدنیة قصة سراقة بعد قصة أم معبد روی ان أبا جهل لما سمع قصة سراقة أنشأ هذین البیتین و بعث بهما إلیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:333 بنی مدلج انی أخاف سفیهکم‌سراقة یستغوی بنصر محمد
علیکم به أن لا یفرق جمعکم‌فیصبح شتی بعد عز و سودد و سراقة أیضا أنشأ هذین البیتین و بعث بهما الی أبی جهل
أبا حکم و اللات ان کنت شاهدالامر جوادی اذ تسیح قوائمه
عجبت و لم تشکک بأن محمدانبی ببرهان فمن ذا یکاتمه

معجزة

و فی الاکتفاء و سراقة بن مالک هذا الذی أظهر اللّه فیه أثرا من الآثار الشاهدة له علیه الصلاة و السلام بأن اللّه أطلعه من الغیب فی حیاته علی ما ظهر مصداقه بعد وفاته و ذلک انه روی سفیان بن عیینة عن أبی موسی عن الحسن ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لسراقة بن مالک کیف بک اذا لبست سواری کسری قال فلما أتی عمر بسواری کسری و منطقته و تاجه دعا سراقة بن مالک فألبسه ایاهما و کان سراقة رجلا ازب کثیر شعر الساعدین فقال له ارفع یدیک فقل اللّه أکبر الحمد للّه الذی سلبهما کسری بن هرمز الذی کان یقول أنا رب الناس و ألبسهما سراقة بن مالک بن جعشم اعرابیا من بنی مدلج و رفع عمر بها صوته*

قصة أم معبد

تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌1 333 قصة أم معبد ..... ص : 333
مما وقع لهم فی الطریق مرورهم بخیمتی أمّ معبد عاتکة بنت خالد الخزاعیة* و فی المشکاة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما خرج من مکة مهاجرا الی المدینة هو و أبو بکر و مولی أبی بکر عامر بن فهیرة و دلیلهما عبد اللّه اللیثی مروا علی خیمتی أمّ معبد الخزاعیة انتهی و کانت بقدید و فی معجم ما استعجم من قدید الی المشلل ثلاثة أمیال بینهما خیمتی أمّ معبد* و فی خلاصة الوفاء قدید کزبیر قریة جامعة بطریق مکة کثیرة المیاه و کانت أمّ معبد امرأة برزة جلدة تحتبی بفناء الخیمة تسقی و تطعم فسألوها تمرا و لحما لیشتروا منها فلم یصیبوا عندها شیئا من ذلک و کان القوم مرملین مسنتین فقالت و اللّه لو کان عندنا ما أعوزتکم القری فنظر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی شاة فی کسر الخیمة فقال ما هذه الشاة یا أمّ معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هی أجهد من ذلک قال أ تأذنین لی أن أحلبها قالت نعم بأبی أنت و أمی ان رأیت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمسح بیده المبارکة ضرعها و سمی اللّه عز و جل و دعا لها فی شانها فتفاجت علیه و درّت و اجترت و دعا باناء یریض الرهط فحلب ثجا حتی علاه البهاء ثم سقاها حتی رویت و سقی أصحابه حتی رووا ثم شرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم آخرهم ثم أراضوا ثم حلب ثانیا بعد بدء حتی امتلأ الاناء ثم غادره عندها ثم بایعها و ارتحلوا کذا ذکره البغوی فی شرح السنة و ابن عبد البرّ فی الاستیعاب و قال ابن الجوزی فی الوفاء قال لها هات قدحا فجاءت بقدح فحلب فیه حتی امتلأ فأمر أبا بکر ان یشرب فقال ابو بکر بل أنت اشرب یا رسول اللّه قال ساقی القوم آخرهم شربا فشرب أبو بکر ثم حلب فشرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم حلب فشربت أمّ معبد ثم حلب فقال ارفعی هذا لابی معبد اذا جاءک ثم رکبوا و ساروا و قل ما لبثت حتی جاء زوجها أبو معبد یسوق أعنزا عجافا یتساوکن هز الاضحی مخهنّ قلیل فلما رأی ابو معبد اللبن عجب و قال من أین لک هذا اللبن یا أمّ معبد و الشاء عازب حیال لا حلوب بالبیت قالت لا و اللّه الا أنه مرّ بنا رجل مبارک من حاله کذا و کذا قال صفیه لی یا أمّ معبد قالت رأیت رجلا ظاهر الوضاءة ابلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة و فی روایة نحلة و لم تزر به صعلة و فی روایة صقلة و سیم قسیم فی عینیه دعج و فی أشفاره عطف و فی صوته صحل و فی عنقه سطع و فی لحیته کثاثة أزج أقرن ان صمت فعلیه الوقار و ان تکلم سما و علاه البهاء أکمل الناس و ابهاه من بعید و أحسنه و اعلاه من قریب حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر کانّ منطقه خرزات نظمن یتحدّرن ربعة لا تشنؤه من طول و لا تقتحمه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:334
العین من قصر غصن بین غصنین و هو انضر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدرا له رفقاء یحفونه ان قال أنصتوا لقوله و ان أمر تبادروا لامره محفود محشود لا عابس و لا مفند* قال أبو معبد هذا و اللّه صاحب قریش الذی ذکر لنا من أمره ما ذکر بمکة و لقد هممت أن أصحبه و لأفعلنّ ان وجدت الی ذلک سبیلا ثم هاجرت هی و زوجها فأسلما و کان أهلها یؤرّخون بیوم الرجل المبارک کذا فی شرح السنة لمحیی السنة* و فی خلاصة الوفاء فخرج أبو معبد فی أثرهم لیسلم فیقال أدرکهم ببطن ریم فبایعه و انصرف* و فی الصفوة قال عبد الملک فبلغنا ان أمّ معبد هاجرت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أسلمت* قال رزین أقامت قریش أیاما ما یدرون أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی أیّ جهة توجه و أیّ طریق سلک حتی سمعوا بعد ذهابهما من مکة بأیام فی صباح هاتفا أقبل من أسفل مکة بأبیات و یغنی بغناء العرب عالیا بین السماء و الارض و الناس یسمعون الصوت و یتبعونه و لا یدرون صاحبه حتی خرج من أعلا مکة و هو یقول
جزی اللّه رب الناس خیر جزائه‌رفیقین حلا خیمتی أمّ معبد
هما نزلا بالهدی ثم اهتدت به‌فقد فاز من أمسی رفیق محمد
فما حملت من ناقة فوق رحلهاأبرّ و أوفی ذمّة من محمد
فیا لقصی ما زوی اللّه عنکم‌به من فعال لا تجاری و سودد
لیهن بنی کعب مکان فتاتهم‌و مقعدها للمؤمنین بمرصد
سلوا اختکم عن شاتها و انائهافانکم ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت‌علیه صریحا ضرّة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لدیها لحالب‌یردّدها فی مصدر ثم مورد و قیل سمعوا هاتفا علی أبی قبیس بصوت جهوری یقول هذه الابیات و لما سمع حسان بن ثابت قال فی جوابه هذه الابیات
لقد خاب قوم زال عنهم نبیهم‌و قدس من یسری إلیه و یغتدی
ترحل عن قوم فزالت عقولهم‌و حلّ علی قوم بنور مجدّد
هداهم به بعد الضلالة ربهم‌و أرشدهم من یتبع الحق یرشد
و هل یستوی ضلال قوم تسفهواعمی و هداة یهتدون بمهتد
لقد نزلت منه علی أهل یثرب‌رکاب هدی حلت علیهم بأسعد
نبیّ یری ما لا یری الناس حوله‌و یتلو کتاب اللّه فی کل مشهد
و ان قال فی یوم مقالة غائب‌فتصدیقها فی الیوم أو فی ضحی غد
لیهن أبا بکر سعادة جدّه‌بصحبته من یسعد اللّه یسعد و فی روایة عن أمّ معبد أنها قالت طلعت علینا أربعة علی راحلتین فنزلوا بی فجئت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بشاة ارید ذبحها فاذا هی ذات درّ فأذیتها منه فلمس ضرعها و قال لا تذبحیها فأرسلتها و جئت بأخری فذبحتها و طبختها لهم فأکل هو و أصحابه و ملأت سفرتهم منها ما وسعت و بقی عندنا لحمها أو أکثر و بقیت الشاة التی لمس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضرعها عندنا الی زمان عمر و هی السنة الثامنة عشر من الهجرة و کنا نحلبها صبوحا و غبوقا و ما فی الارض لبن*

قصة العوسجة

و روی الزمخشری فی ربیع الابرار عن هند بنت الجون نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیمة خالتها أمّ معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل یدیه ثم تمضمض و مج فی عوسجة الی جانب الخیمة فأصبحنا و هی کأعظم دوحة و جاءت بثمر کأعظم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:335
ما یکون فی لون الورس و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أکل منها جائع الاشبع و لا ظمآن الا روی و لا سقیم الا برئ و لا أکل من ورقها بعیر و لا شاة الا درّ لبنها فکنا نسمیها المبارکة و ینتابنا من البوادی من یستشفی بها و یتزوّد منها حتی أصبحنا ذات یوم و قد تساقط ثمرها و صغر ورقها ففزعنا فما راعنا الا نعی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم انها بعد ثلاثین سنة أصبحت ذات شوک من أسفلها الی أعلاها و تساقط ثمرها و ذهبت نضرتها فما شعرنا الا بقتل أمیر المؤمنین علیّ رضی اللّه عنه فما أثمرت بعد ذلک و کنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا و اذا بها قد نبع من ساقها دم غبیط و قد ذبل ورقها فبینا نحن فزعون مهمومون اذ أتانا خبر مقتل الحسین بن علی و یبست الشجرة علی أثر ذلک و ذهبت و العجب کیف لم یشتهر أمر هذه الشجرة کما شهر أمر الشاة فی قصة هی أعلی القصص* و مما وقع لهم فی الطریق انه أقبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و هو مردف أبا بکر و هو شیخ یعرف و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شاب لا یعرف فیلقی الرجل أبا بکر فیقول یا أبا بکر من هذا بین یدیک فیقول هذا الذی یهدینی السبیل فیحسب السائل أنه یعنی به الطریق و انما یعنی سبیل الخیبر و فی نهایة ابن الاثیر لقیهما فی الهجرة رجل بکراع فقال من أنتم فقال أبو بکر باغ و هاد عرّض ببغاء الابل أی طلبه و هدایة الطریق و هو یرید طلب الدین و الهدایة من الضلالة* و مما وقع لهم فی الطریق انه لقیهم بریدة بن الخصیب الاسلمی* و فی الوفاء روی ابن الجوزی فی شرف المصطفی من طریق البیهقی موصولا الی بریدة انه لما جعلت قریش مائة من الابل ان أخذ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یردّه علیهم حین توجه الی المدینة سمع بریدة بذلک فحمله الطمع علی الخروج لقصده صلّی اللّه علیه و سلم فرکب فی سبعین من أهل بیته من بنی سهم فتلقی رسول اللّه و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا یتطیر و کان یتفاءل فقال من أنت فقال أنا بریدة بن الخصیب فالتفت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی أبی بکر فقال یا أبا بکر برد أمرنا و صلح ثم قال ممن أنت قال من أسلم قال صلّی اللّه علیه و سلم سلمنا قال ممن قال من بنی سهم قال خرج سهمک یا أبا بکر فقال بریدة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من أنت قال أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب رسول اللّه فقال بریدة أشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله فأسلم بریدة و أسلم من کان معه جمیعا قال بریدة الحمد للّه أسلم بنو سهم طائعین غیر مکرهین فلما أصبح قال بریدة یا رسول اللّه لا تدخل المدینة الا معک لواء فحل عمامته ثم شدّها فی رمح ثم مشی بین یدیه حتی دخلوا المدینة فقال یا نبیّ اللّه ننزل علی من فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان ناقتی هذه مأمورة أین تنزل کذا فی شرف المصطفی لابن الجوزی*

خبر بریدة بن الحصیب‌

و فی شواهد النبوّة أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنزوله بعده بخراسان بمدینة بناها ذو القرنین یقال لها مرو و بموته بها و بکونه یوم الحشر قائدا لاهل المشرق فکان کما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنزل بریدة فی بعض الغزوات بمرو و توفی بها بعد الهجرة بستین سنة و قبره هناک معروف قریب من قبر حکم بن عمرو الغفاری و هو أیضا من أصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان حاکما و قاضیا بمرو و توفی بها بعد الهجرة بخمسین سنة قال بعض أصحاب الحدیث الاحادیث التی وردت فی شأن البلدان لم یتحقق صحتها الا حدیث بریدة بن الخصیب* و مما وقع لهم فی الطریق ما روی عن عروة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقی طلحة بن عبید اللّه و الزبیر فی الطریق فی رکب من المسلمین کانوا تجارا قافلین من الشأم فکسا طلحة أو الزبیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبا بکر ثیابا بیضا* قال الحافظ ابن حجر و یحتمل ان کلا من طلحة و الزبیر أهدی لهما و الذی فی السیر هو طلحة و الاولی الجمع و عند ابن أبی شیبة ما یؤیده و الا فما فی الصحیح أصح کذا فی الوفاء* و فی هذه السنة قبل قدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بشهر مات البراء بن معرور و هو أحد النقباء و أوّل من تکلم لیلة العقبة فلما قدم رسول اللّه انطلق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:336
بأصحابه فصلی علی قبره و قال اللهمّ اغفر له و ارحمه و ارض عنه و قد فعلت و هو أوّل من مات من النقباء و أوّل صلاة علی المیت*

(ذکر استقبال أهل المدینة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و مکثه بقباء فی بنی عمرو بن عوف و تأسیس مسجد قباء)

* عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت سمع المسلمون بالمدینة بخروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مکة فکانوا یغدون کل غداة الی الحرّة فینتظرون حتی یردّهم حرّ الظهیرة* قال ابن اسحاق و ذلک فی أیام حارّة فانقلبوا یوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا الی بیوتهم أو فی رجل من الیهود علی أطم من الآطام لامر ینظر إلیه فبصر برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه مبیضین یزول بهم السراب فلم یملک الیهودی أن قال بأعلی صوته یا معشر العرب و فی روایة یا بنی قیلة یعنی الانصار هذا جدّکم یعنی حظکم* و فی روایة صاحبکم الذی تنتظرونه* و فی روایة بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی الانصار من یخبرهم بقدومه کما سیجی‌ء فثار المسلمون الی السلاح فتلقوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات الیمین نحو قباء حتی نزل أعلا المدینة فی حیّ یقال لهم بنو عمرو بن عوف و هم أهل قباء* و فی الوفاء قباء معدود من العالیة و کانّ حکمته التفاؤل له و لدینه بالعلو و ذلک یوم الاثنین من ربیع الاوّل نهارا عند الاکثر* و فی سیرة أبی محمد عبد الملک بن هشام عن زیاد بن عبد اللّه البکائی عن محمد بن اسحاق المطلبی قال قدم علینا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة یوم الاثنین حین اشتدّ الضحی و کادت الشمس تعتدل لاثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاوّل و هو التاریخ فیما قال ابن هشام قال ابن اسحاق و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن ثلاث و خمسین سنة و ذلک بعد أن بعثه اللّه بثلاث عشرة سنة* و فی أسد الغابة کان مقامه بمکة عشر سنین و قیل ثلاث عشرة سنة و قیل خمس عشرة سنة و الاکثر ثلاث عشرة سنة و قال ابن الکلبی خرج من الغار أوّل ربیع الاوّل و قدم المدینة لاثنتی عشرة لیلة خلت منه یوم الجمعة* و فی المنتقی تنازع القوم أیهم ینزل علیه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنزل اللیلة علی بنی النجار أخوال عبد المطلب لاکرمهم بذلک فلما أصبح غدا حیث أمر* و فی الوفاء روی رزین عن أنس قال کنت اذ قدم رسول اللّه المدینة ابن تسع سنین فأسمع الغلمان و الولائد یقولون جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنذهب فلا نری شیئا حتی جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر فمکثا فی خرب فی طرف المدینة* و فی روایة فنزلا جانب الحرة فأرسلا رجلا من أهل البادیة یؤذن بهما الانصار فاستقبلهما زها خمسمائة من الانصار حتی انتهوا إلیهما* و فی خلاصة الوفاء فنزل فی بنی عمرو بن عوف بقباء علی کلثوم ابن الهدم و کان یومئذ مشرکا و به جزم ابن زبالة و لرزین نزل فی ظل نخلة ثم انتقل الی دار کلثوم أخی بنی عمرو بن عوف* و فی روایة نزل علی سعد بن خیثمة وجه الجمع بین الروایتین أن یقال انه کان نزل علی کلثوم بن الهدم و لکن عینوا له مسکنا فی دار سعد بن خیثمة یکون للناس فیه و ذلک لان سعدا کان عزبا لا أهل له و یسمی منزله منزل الغرباء* قال المطری و بیت سعد بن خیثمة أحد الدور التی قبلی مسجد قباء و هی التی تلی المسجد فی قبلته یدخلها الناس اذا زاروا مسجد قباء و یصلون فیها و هناک أیضا دار کلثوم بن الهدم و فی تلک العرصة کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نازلا قبل خروجه الی المدینة و کذلک أهله و أهل أبی بکر حین قدموا بعد خروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مکة و هنّ سودة و عائشة و أمّها أمّ رومان و اختها أسماء و هی حامل بعبد اللّه بن الزبیر فولدته بقباء قبل نزولهم المدینة انتهی و نزل أبو بکر بالسنخ علی حبیب بن أساف أحد بنی الحارث بن الخزرج و قیل علی خارجة بن زید بن أبی زهیر روی مجمع بن یعقوب عن أبیه و عن سعید بن عبد الرحمن بن رقیش عن عبد الرحمن بن زید بن حارثة قالا نزل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بظهر حرتنا ثم رکب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:337
فأناخ علی عذق عند بئر غرس قبل أن تبزغ الشمس (قوله) عند بئر غرس الظاهر أنه تصحیف و لعله بئر غدق لبعد بئر غرس عن منزله صلّی اللّه علیه و سلم بقباء بخلاف بئر غدق قیل کان أوّل ما سمع من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صلوا الارحام و صلوا باللیل و الناس نیام تدخلوا الجنة بسلام و أکثر أهل السیر علی أن ذلک الیوم کان یوم الاثنین و شذ من قال یوم الجمعة من ربیع الاوّل فی الضحوة الکبری قریبا من نصف النهار* و فی نسخة طاهر بن یحیی ان قدومه کان قبل أن تبزغ الشمس و ما یعرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من أبی بکر علیهما ثیاب بیض متشابهة فجعل الناس یقفون علیهم حتی بزغت الشمس من ناحیة أطمهم الذی یقال له شنف فأمهل أبو بکر ساعة ثم قام فستر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بردائه فعرف القوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* قال محمد بن معاذ قلت لمجمع بن یعقوب ان الناس یرون أنه جاء بعد ما ارتفع النهار و أحرقتهم الشمس قال مجمع هکذا أخبرنی أبی و سعید بن عبد الرحمن یرید أنهما قالا ما بزغت الشمس الا و هو فی منزله صلّی اللّه علیه و سلم* و فی مسلم ان قدومهم کان لیلا و الذی قاله الاکثرون نهارا* و فی الصفوة قال ابن اسحاق دخلها حین ارتفع الضحی و کادت الشمس تعتدل کما مرّ فی قول ابن هشام حیث قال و هو التاریخ و فی الصحیح انهم لما قدموا جلیس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت شجرة صامتا و قام أبو بکر لامر الناس أی یتلقاهم فطفق من جاء من الانصار ممن لم یکن رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحیی أبا بکر و یرحبه یحسب أنه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی أصابت الشمس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأقبل أبو بکر حتی ظلل علیه بردائه فعرف الناس رسول اللّه*

ذکر تاریخ الهجرة

و اختلفوا فی أن یوم نزوله أی یوم من الشهر فبعضهم علی أنه أوّل الشهر علی ما روی موسی بن عقبة عن ابن شهاب و قیل للیلتین خلتا من شهر ربیع الاوّل و نحوه عن أبی معشر لکن قال لیلة الاثنین و مثله عن ابن البرقی و ثبت ذلک فی أواخر صحیح مسلم و قیل لاثنتی عشرة لیلة خلت منه حکاه ابن الجوزی فی شرف المصطفی عن الزهری فقال قال الزهری قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة یوم الاثنین لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و به جزم النووی و کذا ابن النجار* و فی شرف المصطفی لابن الجوزی عن ابن عباس ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و استنبئ یوم الاثنین و رفع الحجر یوم الاثنین و خرج مهاجرا یوم الاثنین و قدم المدینة یوم الاثنین و قبض یوم الاثنین* و فی روضة الاقشهری قال ابن الکلبی خرج من الغار یوم الاثنین أوّل یوم من ربیع الاوّل و قدم المدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة لیلة خلت منه قال أبو عمر و هو قول ابن اسحاق الا فی تسمیة الیوم و عن أبی بکر بن حزم لثلاث عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و یجمع بین هذا و بین الذی قبله بالحمل علی الاختلاف فی رؤیة الهلال و نقل ابن زبالة عن ابن شهاب ان نزوله علی بنی عمرو بن عوف کان فی النصف من ربیع الاوّل و قیل کان قدومه فی سابعه و لما نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و عامر ابن فهیرة علی کلثوم قال لمولی له یا نجیح اطعمنا رطبا فلما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اسم نجیح التفت الی أبی بکر و قال أنجحت أو أنجحنا فأتوا بقنو من أمّ جردان فیه رطب منصف و فیه زهو فقال ما هذا فقال عذق أمّ جردان فقال صلّی اللّه علیه و سلم اللهمّ بارک فی أمّ جردان* و اختلف فی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کم یوما أقام فی بنی عمرو بن عوف فعن قوم من بنی عمرو بن عوف أنه أقام فیهم اثنین و عشرین یوما حکاه ابن زبالة* و فی البخاری من حدیث أنس أقام فیهم أربع عشرة لیلة و هو المراد بما فی روایة عائشة بقولها بضع عشرة لیلة* و قال موسی بن عقبة ثلاثا* و قال عروة ثلاث لیال الثلاثاء و الاربعاء و الخمیس کما جزم به ابن حبان* و قال ابن اسحاق أقام فیهم خمسا* و فی ذخائر العقبی لم یقم بقباء الا لیلة أو لیلتین* قال الحافظ ابن حجر أنس لیس من بنی عمرو بن عوف فانه من الخزرج و قد جزم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:338
بأربع عشرة لیلة فهو أولی بالقبول و أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالتاریخ فکتب من حین الهجرة فی ربیع الاوّل رواه الحاکم فی الاکلیل قال ابن الجزار و تعرف بعام الاذن و هو معضل و المشهور ان ذلک کان فی خلافة عمرو أن عمر قال الهجرة فرقت بین الحق و الباطل فأرخ بها و ابتدأ من المحرم بعد اشارة علی و عثمان بذلک و أفاد السهیلی انّ الصحابة أخذوا التاریخ بالهجرة من قوله تعالی لمسجد أسس علی التقوی من أوّل یوم* و فی الاستیعاب و من مقدمه الی المدینة أرخ التاریخ فی زمان عمرو أقام علیّ بمکة بعد مخرجه علیه السلام ثلاث لیال و أیامها حتی أدّی للناس ودائعهم التی کانت عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و خلفه لردّها ثم خرج فلحق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بقباء فنزل علی کلثوم بن الهدم و انما کانت اقامة علیّ بقباء مع النبیّ لیلة أو لیلتین* و فی روضة الاحباب و کان علیّ یسیر باللیل و یختفی بالنهار و قد نقبت قدماه فمسحهما النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و دعا له بالشفاء فبرئتا فی الحال و ما اشتکاهما بعد الیوم قط* و فی الوفاء و کان لکلثوم بن الهدم بقباء مربد و المربد الموضع الذی یبسط فیه التمر لییبس فأخذه منه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأسسه و بناه مسجدا کما رواه ابن زباله و غیره* و فی الصحیح عن عروة فلبث فی بنی عمرو بن عوف بضع عشرة لیلة و اسس المسجد الذی أسس علی التقوی* و فی روایة عبد الرزاق قال الذین بنی فیهم المسجد الذی أسس علی التقوی هم بنو عمر بن عوف و کذا فی حدیث ابن عباس عند ابن عائذ و لفظه و مکث فی بنی عمرو بن عوف ثلاث لیال و اتخذ مکانه مسجدا و کان یصلی فیه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو المسجد الذی أسس علی التقوی و روی ابن أبی شیبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدینة قبل أن یقدم علینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنتین نعمر المساجد و نقیم الصلاة و لذا قیل المتقدّمون فی الهجرة من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الانصار بقباء قد بنوا مسجدا یصلون فیه یعنی هذا المسجد فلما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ورد قباء صلّی بهم فیه الی بیت المقدس و لم یحدث فیه شیئا أی فی مبدأ الامر لان ابن أبی شیبة روی ذلک ثم روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم بنی مسجد قباء و قدّم القبلة الی موضعها الیوم و قال جبریل یؤمّ بی البیت* و قد اختلف فی المراد بقوله تعالی لمسجد أسس علی التقوی من أوّل یوم فالجمهور علی أن المراد به مسجد قباء و لا ینافیه قوله صلّی اللّه علیه و سلم لمسجد المدینة هو مسجدکم هذا اذ کل منهما أسس علی التقوی* و فی الکبیر عن جابر بن سمرة قال لما سأل أهل قباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان بینی لهم مسجدا قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیقم بعضکم فلیرکب الناقة فقام أبو بکر فرکبها فحرکها فلم تنبعث فرجع فقعد فقام عمر فرکبها فلم تنبعث فرجع فقعد فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیقم بعضکم فیرکب الناقة فقام علیّ فلما وضع رجله فی غرز الرکاب و ثبت به فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ارخ زمامها و ابتنوا علی مدارها فانها مأمورة و روی الطبری عن جابر قال لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة قال لاصحابه انطلقوا الی أهل قباء نسلم علیهم فرحبوا به ثم قال یا أهل قباء ائتونی بأحجار من الحرّة فجمعت عنده أحجار کثیرة و معه عنزة فحط قبلتهم فأخذ حجرا فوضعه ثم قال یا أبا بکر خذ حجرا فضعه الی جنب حجری ثم قال یا عمر خذ حجرا فضعه الی جنب حجر أبی بکر ثم قال یا عثمان خذ حجرا فضعه الی جنب حجر عمر کأنه أشار الی ترتیب الخلافة کما سیجی‌ء فی بناء مسجد المدینة ثم التفت الی الناس فقال وضع رجل حجره حیث أحب علی ذلک الخط و روی الترمذی عن أسید بن ظهیر عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال الصلاة فی مسجد قباء کعمرة و عن عائشة بنت سعد بن أبی وقاص قالت سمعت أبی یقول لأن أصلی فی مسجد قباء رکعتین أحب الیّ من أن آتی بیت المقدس مرّتین لو یعلمون ما فی قباء لضربوا إلیه
أکاد الابل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:339
و ورد فی الصحیحین عن ابن عمر أنه قال کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یزور قباء أو یأتی قباء راکبا أو ماشیا و عن ابن عمر قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول من صلّی فیه کان کعدل عمرة* و عن سهل بن حنیف قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من تطهر فی بیته ثم أتی مسجد قباء فصلی فیه صلاة کان له کأجر عمرة أخرجه ابن ماجة و عن عمرو بن شیبة بسند جید و رواه أحمد و الحاکم و قال صحیح الاسناد و للبخاری و النسائی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یأتی مسجد قباء کل سبت راکبا أو ماشیا و کان عبد اللّه یفعله و روی ابن زبالة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلی الی الاسطوانة الثالثة فی مسجد قباء التی فی الرحبة و عن سعید بن عبد الرحمن قال کان المسجد فی موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فی رحبة المسجد* قال ابن رقیش حدّثنی نافع ان ابن عمر کان اذا جاء مسجد قباء صلّی الی الاسطوانة المخلفة یقصد بذلک مسجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الاوّل* و روی ابن زبالة عن عبد الملک بن بکیر عن ابن أبی لیلی عن أبیه أن رسول اللّه صلّی فی مسجد قباء الی الاسطوانة الثالثة فی الرحبة اذا دخلت من الباب الذی بفناء دار سعد بن أبی خیثمة* قلت الباب المذکور هو المسدود الیوم یظهر رسمه من خارج المسجد فی جهة المغرب و کان شارعا فی الرواق الذی یلی الرحبة من السقف القبلی فالاسطوانة الثالثة فی الرحبة هی الاسطوانة التی عندها الیوم محراب فی رحبة المسجد لانطباق الوصف المذکور علیها فهی المرادة بقول الواقدی کان المسجد فی موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فی رحبة المسجد و هی التی کان ابن عمر یصلی إلیها ذکر ذلک کله فی الوفاء

* (الفصل الثانی فی انتقاله من قباء الی باطن المدینة

اشارة

و أوّل جمعة صلیت فی الاسلام قبل قدومه المدینة و نزوله علی أبی أیوب و سکناه بداره و بناء المسجد و موت کلثوم بن الهدم و اسلام عبد اللّه بن سلام و موت أسعد بن زرارة و ابتداء خدمة أنس و الزیادة فی صلاة الحضر و وعک أبی بکر و الاصحاب و اسلام سلمان و المواخاة بین المهاجرین و الانصار و موادعته الیهود و موت العاص بن وائل من مشرکی مکة و بعث زید بن حارثة الی مکة للاتیان بعیاله و ولادة النعمان بن بشیر و ولادة عبد اللّه بن الزبیر و ذکر فاطمة بنت النعمان و تکلم الذئب و ابتداء الغزوات و بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر و سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ و بناء عائشة و بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار و ابتداء الاذان و الاقامة)*
فی الصحیح عن أنس بعد ما ذکر من اقامته ببنی عمرو بن عوف ثم أرسل الی بنی النجار فجاءوا متقلدین السیوف و کانوا اخواله یعنی أخوال جدّه عبد المطلب* و فی روایة فجاءوا فسلموا علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و علی أبی بکر و قالوا ارکبا آمنین مطاعین فرکب یوم الجمعة حتی نزل جانب دار أبی أیوب و سیجی‌ء أنه صلّی اللّه علیه و سلم لما شخص أی خرج من قباء اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا أخرجت ملالا منا أم ترید دارا خیرا من دارنا قال انی أمرت بقریة تأکل القری فخلوها أی ناقته فانها مأمورة حتی أدرکته الجمعة فی بنی سالم فصلاها فی بطن الوادی وادی ذی صلت*

أول خطبة فی الاسلام‌

و فی سیرة ابن هشام عن ابن اسحاق وادی رانونا و فی غیرها کانوا أربعین و قیل مائة و کانت هذه أوّل جمعة جمعها فی الاسلام حین قدم المدینة و خطب یومئذ خطبة بلیغة و هی أوّل خطبة فی الاسلام و قیل انه کان یصلی الجمعة فی مسجد قباء فی اقامته هناک و اللّه أعلم (ذکر تلک الخطبة) روی عن سعید بن عبد الرحمن الجمحی أنه بلغه عن خطبة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أوّل جمعة صلاها فی المدینة فی بنی سالم بن عوف* الحمد للّه أحمده و استعینه و استغفره و أستهدیه و أو من به و لا اکفره و اعادی من یکفره و اشهد ان لا إله الا اللّه وحده لا شریک له و ان محمدا عبده و رسوله ارسله بالهدی و النور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:340
و الموعظة علی فترة من الرسل و قلة من العلم و ضلالة من الناس و انقطاع من الزمان و دنوّ من الساعة و قرب من الاجل من یطع اللّه و رسوله فقد رشد و من یعص اللّه و رسوله فقد غوی و فرط و ضلّ ضلالا بعیدا أوصیکم بتقوی اللّه فانّ خیر ما أوصی به المسلم المسلم أن یحضه علی الآخرة و ان یأمره بتقوی اللّه فاحذر و اما حذرکم اللّه من نفسه و لا افضل من ذلک ذکر و ان تقوی اللّه لمن عمل به علی و جل و مخافة من ربه عون صدق علی ما تبغون من أمر الآخرة و من یصلح الذی بینه و بین اللّه من أمره فی السرّ و العلانیة لا ینوی بذلک الا وجه اللّه یکن له ذکرا فی عاجل امره و ذخرا فیما بعد الموت حین یفتقر المرء الی ما قدّم و ما کان سوی ذلک یودّ لو أنّ بینها و بینه أمدا بعیدا و یحذرکم اللّه نفسه و اللّه رءوف بالعباد و الذی صدق قوله و أنجز وعده لا خلف لذلک فانه یقول ما یبدّل القول لدیّ و ما أنا بظلام للعبید فاتقوا اللّه فی عاجل أمرکم و آجله فی السرّ و العلانیة فانه من یتق اللّه یکفر عنه سیئاته و یعظم له أجرا و من یتق اللّه فقد فاز فوزا عظیما و ان تقوی اللّه توقی مقته و عقوبته و سخطه و تبیض الوجوه و ترضی الرب و ترفع الدرجة خذوا بحظکم و لا تفرّطوا فی جنب اللّه فقد علمکم اللّه کتابه و نهج لکم سبیله لیعلم الذین صدقوا و لیعلم الکاذبین فاحسنوا کما أحسن اللّه إلیکم و عادوا اعداءه و جاهدوا فی اللّه حق جهاده هو اجتباکم و سماکم المسلمین لیهلک من هلک عن بینة و یحیی من حیّ عن بینة و لا قوّة الا باللّه و اکثر و اذکر اللّه و اعلموا أنه خیر من الدنیا و ما فیها و اعملوا لما بعد الموت فانه من یصلح ما بینه و بین اللّه یکفه اللّه ما بینه و بین الناس ذلک بأن اللّه یقضی الحق علی الناس و لا یقضون علیه و یملک من الناس و لا یملکون علیه و لا قوّة الا باللّه العلیّ العظیم* کذا أوردها فی المنتقی و فی خلاصة الوفاء و لیحیی عن عمارة بن خزیمة أنه صلّی اللّه علیه و سلم دعا براحلته یوم الجمعة و حشد المسلمون و لبسوا السلاح و رکب صلّی اللّه علیه و سلم ناقته القصوی و الناس عن یمینه و شماله و خلفه منهم الماشی و الراکب فاعترضت الانصار فما یمرّ بدار الا قالوا هلم الی العز و المنعة و الثروة فیقول لهم خیرا و یدعو و یقول انها مأمورة خلوا سبیلها فمر ببنی سالم فقام إلیه عتبان بن مالک و نوفل بن عبد اللّه بن مالک العجلانی و هو آخذ بزمام راحلته یقول یا رسول اللّه انزل فینا فان فینا العدد و العدّة و الحلقة و نحن أصحاب الفضاء و الحدائق و الدرک یا رسول اللّه کان الرجل من العرب یدخل هذه البحرة خائفا فیلجأ إلینا فنقول له قوقل حیث شئت فجعل یتبسم و یقول خلوا سبیلها فانها مأمورة و قام إلیه عبادة ابن الصامت و عباس بن الصامت بن نضلة بن العجلان فجعلا یقولان یا رسول اللّه انزل فینا فیقول انها مأمورة ثم أخذ عن یمین الطریق حتی جاء بنی الحبلی و أراد أن ینزل علی عبد اللّه بن أبی بن سلول فلما رآه و هو عند مزاحم أی الاطم محتبیا قال اذهب الی الذین دعوک فانزل علیهم فقال سعد بن عبادة لا تجد یا رسول اللّه فی نفسک من قوله فقد قدمت علینا و الخزرج ترید أن تملکه علیها و لکن هذه داری فمرّ ببنی ساعدة فقال له سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو و أبو دجانة هلم یا رسول اللّه الی العز و الثروة و القوّة و الجلد و سعد یقول یا رسول اللّه لیس فی قومی أکثر عذقا و لا فم بئر منی مع الثروة و الجلد و العدد و الحلقة فیقول صلّی اللّه علیه و سلم بارک اللّه علیکم و یقول یا أبا ثابت خل سبیلها فانها مأمورة فمضی و اعترضه سعد بن الربیع و عبد اللّه بن رواحة و بشیر بن سعد أی من بنی الحارث بن الخزرج فقالوا یا رسول اللّه لا تجاوزنا فانا أهل عدد و ثروة و حلقة فقال بارک اللّه فیکم خلوا سبیلها فانها مأمورة و اعترضه زیاد بن لبید و فروة بن عمرو أی من بنی بیاضة
یقولان یا رسول اللّه هلم الی المواساة و العز و الثروة و العدد و القوّة نحن أهل الدرک فقال خلوا سبیلها فانها مأمورة ثم مرّ ببنی عدی بن النجار و هم اخواله فقام إلیه أبو سلیط و صرمة بن أبی انیس فی قومهما فقالا یا رسول اللّه نحن اخوالک هلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:341
الی العدد و المنعة و القوّة مع القرابة لا تجاوزنا الی غیرنا لیس أحد من قومنا اولی بک منا لقرابتنا لک فقال خلوا سبیلها فانها مأمورة أو یقال أوّل الانصار اعترضه بنو بیاضة ثم بنو سالم ثم مال الی ابن أبی ثم مرّ علی بنی عدی بن النجار حتی انتهی الی بنی مالک بن النجار و لابن اسحاق اعترض بنی سالم أوّلا ثم وازت راحلته بنی بیاضة و اعترضوه ثم وازت دار الحارث کذلک ثم مرّت بدار بنی عدی و هم أخواله لانّ سلمی بنت عمرو احدی بنی عدی بن النجار کانت أمّ جدّة عبد المطلب و بنو مالک بن النجار اخوتهم و منزله صلّی اللّه علیه و سلم بدار بنی غنم منهم و جاء فی روایة ان القوم لما تنازعوا أنه صلّی اللّه علیه و سلم علی أیهم ینزل و کل منهم علی أن یکون داره له المنزل قال انی أنزل علی أخوال عبد المطلب و أکرمهم بذلک قیل یشبه أن یکون هذا فی أوّل قدومه من مکة قبل نزوله قباء لا فی قدومه باطن المدینة* و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال دعوا الناقة فانها مأمورة فبرکت علی باب أبی أیوب* و فی سیرة مغلطای نزل برحله علی أبی أیوب لکونه من أحوال عبد المطلب و عند البعض ان الناقة استناخت به أوّلا فجاءه ناس فقالوا المنزل یا رسول اللّه فقال دعوها فانبعثت حتی استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أیوب فقال منزلی أقرب المنازل فائذن لی أن أنقل رحلک قال نعم فنقل رحله و أناخ الناقة فی منزله* و قال الواقدی أخذ أسعد بن زرارة بزمامها فکانت عنده* و عن مالک بن أنس أن الناقة لما أتت موضع المسجد برکت و هو علیها و أخذه صلی اللّه علیه و سلم الذی کان یأخذه عند الوحی ثم ثارت من غیر أن تزجر و سارت غیر بعید ثم التفتت فعادت الی المکان الذی برکت فیه أوّل مرّة فبرکت فیه فسری عنه فأمر أن یحط رحله* و فی روایة کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی راحلته و أبو بکر ردفه و ملأ من بنی النجار حوله حتی ألقی بفناء أبی أیوب و هو موضع مسجده الیوم و هو یومئذ مربد للتمر لغلامین یتیمین من بنی النجار کانا فی حجر معاذ بن عفراء أو أبی أیوب أو أسعد بن زرارة و الاخیر هو الاصح اسمهما سهل و سهیل ابنا عمرو ابن عمارة* و فی روایة رافع بن عمرو فبرکت عند باب المسجد فلم ینزل عنها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم انبعثت و سارت غیر بعید و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مرخ لها زمامها ثم التفتت خلفها ثم رجعت الی مبرکها الاوّل و برکت فیه و وضعت جرانها علی الارض و نزل عنها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال هذا ان شاء اللّه المنزل فاحتمل أبو أیوب رحله و وضعه فی بیته بعد ما استأذنه صلّی اللّه علیه و سلم فدعته الانصار الی النزول علیهم فقال صلّی اللّه علیه و سلم المرء مع رحله* و فی الوفاء فنزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال أی الدور أقرب فقال أبو أیوب داری هذا بابی و قد حططنا رحلک فیها فقال المرء مع رجله فمضت مثلا فنزل علی أبی أیوب خالد بن زید و سأل عن المربد فقال معاذ هو لیتیمین لی و سأرضیهما فاشتراه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی شرف المصطفی لما برکت الناقة علی باب أبی أیوب خرج جوار من بنی النجار یضربن بالدف و یقلن* نحن جوار من بنی النجار* یا حبذا محمد من جار* فقال النبیّ علیه الصلاة و السلام أ تحببننی قلن نعم یا رسول اللّه فقال و اللّه و أنا أحبکن قالها ثلاثا و فی روایة یعلم اللّه انی أحبکن* و فی روایة الطبری فی الصغیر فقال علیه السلام اللّه یعلم ان قلبی یحبکن* و فی المواهب اللدنیة فرح أهل المدینة بقدومه علیه الصلاة و السلام و أشرقت المدینة بحلوله فیها و سری السرور الی القلوب* قال أنس بن مالک لما کان الیوم الذی دخل فیه رسول اللّه علیه الصلاة و السلام المدینة أضاء منها کل شی‌ء و لما کان الیوم الذی مات فیه أظلم منها کل شی‌ء رواه ابن ماجه قال رزین صعدت ذوات الخدور علی الاجاجیر یعنی السطوح عند قدومه صلّی اللّه علیه و سلم یقلن* و فی الریاض النضرة لما قدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة جعل الصبیان
و النساء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:342
و الولائد یقولون
* طلع البدر علینا* من ثنیات الوداع* وجب الشکر علینا* ما دعا للّه داعی*
و فی روایة* أیها المبعوث فینا* جئت بالامر المطاع* قال الطبری تفرّق الغلمان و الخدم فی الطرق ینادون جاء محمد جاء رسول اللّه* و فی الریاض النضرة خرج أهل المدینة حتی ان العواتق لفوق البیوت یقلن أیهم هو أیهم هو* و فی خلاصة الوفاء ثنیة الوداع بفتح الواو معروف شامی المدینة خلف سوقها القدیمة بین مسجد الرایة و مشهد النفس الزکیة قرب سلع* و قال عیاض هی موضع بالمدینة بطریق مکة و قیل واد بمکة و الاوّل أصح* و فی المواهب اللدنیة أنشئ هذا الشعر عند قدومه رواه البیهقی فی الدلائل و أبو الحسن بن مقری فی کتاب الشمائل له عن ابن عائشة و ذکره الطبری فی الریاض النضرة عن الفضل بن الجمحی قال سمعت ابن عائشة یقول أراه عن أبیه فذکر و قال خرجه الحلوانی علی شرط الشیخین و سمیت ثنیة الوداع لانّ المسافر من المدینة کان یشیع إلیها و یودّع عندها قدیما* و صحح القاضی عیاض هذا و استدل علیه بقول نساء الانصار حین قدم علیه الصلاة و السلام* طلع البدر علینا* من ثنیات الوداع* فدل علی انه اسم قدیم و قال شیخ الاسلام الولی ابن العراقی ففی صحیح البخاری و سنن أبی داود و الترمذی عن السائب بن یزید قال لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من تبوک خرج الناس یتلقونه من ثنیة الوداع قال و هذا صریح بأنها من جهة الشأم* و قال ابن القیم فی الهدی النبوی هذا و هم من بعض الرواة فان ثنیة الوداع انما هی من جهة الشأم لا یراها القادم من مکة و لا یمرّ بها الا اذا توجه الی الشأم و انما وقع ذلک عند قدومه من تبوک انتهی لکن قال زین الدین العراقی یحتمل أن تکون الثنیة التی من کل جهة یصل إلیها المشیعون یسمونها ثنیة الوداع انتهی* قال مؤلف الکتاب یشبه أن یکون هذا هو الحق و یؤیده جمع الثنیات اذ لو کان المراد بها الموضع الذی هو من جهة الشأم لم یجمع و لا مانع من تعدّد وقوع هذا الشعر مرّة عند قدومه علیه الصلاة و السلام من مکة و مرّة عند قدومه من تبوک فلا ینافی ما فی صحیح البخاری و غیره و لا ما قاله ابن القیم عن جابر أنه کان لا یدخل أحد المدینة الا من ثنیة الوداع فان لم یعشر بها مات قبل أن یخرج فاذا وقف علی الثنیة قیل قد ودّع فسمیت ثنیة الوداع حتی قدم عروة بن الورد فلم یعشر ثم دخل فقال یا معشر یهود ما لکم و للتعشیر قالوا لا یدخلها أحد من غیر أهلها فلم یعشر بها الا مات و لا یدخلها أحد من ثنیة الوداع الا قتله الهزال فلما ترک عروة التعشیر ترکه الناس و دخلوا من کل ناحیة کذا فی الوفاء* و عن أنس لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بقدومه صلّی اللّه علیه و سلم و لابن اسحاق عن أبی أیوب الانصاری لما نزل علیّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بیتی نزل فی السفل و أنا و أمّ أیوب فی العلو فقلت یا نبیّ اللّه بأبی أنت و أمّی انی أکره و أعظم أن أکون فوقک و تکون تحتی فاظهر أنت فکن فی العلو و ننزل نحن و نکون فی السفل فقال یا أبا أیوب ان الارفق بنا و بمن یغشانا أن نکون فی سفل البیت قال فکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی سفله و کنا فوقه فی المسکن فلقد انکسر حب لنا فیه ماء فقمت أنا و أمّ أیوب بقطیفة لنا ما لنا لحاف غیرها ننشف بها الماء تخوّفا أن یقطر علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منه شی‌ء فیؤذیه و ذکر غیره ان أبا أیوب لم یزل یتضرع للنبیّ علیه الصلاة و السلام حتی تحوّل الی العلو و أبو أیوب فی السفل* و فی الصفوة عن أفلج مولی أبی أیوب انّ رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لما نزل علیه نزل أسفل و أبو أیوب فی العلو فانتبه ابو أیوب ذات لیلة فقال نمشی فوق رأس رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فتحوّل فباتوا فی جانب فلما أصبح ذکر ذلک للنبیّ علیه الصلاة و السلام فقال النبیّ علیه الصلاة و السلام الاسفل أرفق بی فقال أبو أیوب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:343
لا أعلو سقیفة أنت تحتها فتحوّل أبو أیوب فی السفل و النبیّ علیه الصلاة و السلام فی العلو و سیجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة معاویة و أفاد ابن سعد أن اقامته علیه الصلاة و السلام بهذه الدار سبعة أشهر بتقدیم السین و قیل الی صفر من السنة الثانیة* و قال الدولابی شهرا کذا فی سیرة مغلطای و قد ابتاع داره هذه و بیته المغیرة بن عبد الرحمن بن الحارث من ابن ابی أفلح مولی أبی أیوب الانصاری بألف دینار فتصدّق بها و هو فی شرقی المسجد المقدّس ثم بیعت فاشتراها الملک المظفر شهاب الدین غازی ابن الملک العادل سیف الدین أبی بکر بن أیوب بن شادی أی عرصة دار أبی أیوب هذه و بناها مدرسة للمذاهب الاربعة تعرف الیوم بالمدرسة الشهابیة و فی ایوان قاعتها الصغری الغربی خزانة صغیرة جدّا مما یلی القبلة فیها محراب یقال انها مبرک ناقته علیه الصلاة و السلام* قال ابن اسحاق ان هذا البیت بناه تبع الاوّل لما مرّ بالمدینة للنبیّ علیه الصلاة و السلام ینزله اذا قدم المدینة و ترک فیها أربعمائة عالم و کتب کتابا للنبیّ علیه الصلاة و السلام و دفعه الی کبیرهم و سأله أن یدفعه للنبیّ علیه الصلاة و السلام فتداول البیت الملاک الی أن صار الی أبی أیوب و ان أبا أیوب من ذرّیة الحبر الذی أسلمة تبع کتابه* و فی روایة أرسل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام الی ملأ بنی النجار فقال یا بنی النجار ثامنونی بحائطکم قالوا و اللّه لا نطلب ثمنه الا من اللّه عز و جل* و فی خلاصة الوفاء قال الغلامان بل نهبه لک یا رسول اللّه فأبی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام أن یقبله هبة حتی ابتاعه منهما بعشرة دنانیر ذهبا و دفعها أبو بکر الصدّیق* و فی روایة أدّاها من مال أبی بکر و کان قد خرج من مکة بماله کله کذا فی المواهب اللدنیة* و عن النوار بنت مالک أمّ زید بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن یقدم رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یصلی بالناس الصلوات الخمس و یجمع بهم فی مسجد ابناه فی مربد سهل و سهیل ابنی رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالک بن النجار قالت فأنظر الی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لما قدم صلّی بهم فی ذلک المسجد و بناه فهو مسجده الیوم و نقل ابن سید الناس عن ابن اسحاق ان الناقة برکت علی باب مسجده علیه الصلاة و السلام و هو یومئذ لیتیمین من بنی مالک بن النجار فی حجر معاذ بن عفراء سهل و سهیل ابنی عمرو* و قال أحمد بن یحیی البلاذری فنزل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام عند أبی أیوب و وهبت له الانصار کل فضل کان فی خططها و قالوا یا نبیّ اللّه ان شئت فخذ منازلنا فقال لهم خیرا و کان أبو امامة أسعد بن زرارة یجمع بمن یلیه فی مسجد له فکان رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یصلی بهم ثم انه سأل أسعد أن یبیع أرضا متصلة بذلک المسجد کانت فی یده لیتیمین فی حجره یقال لهما سهل و سهیل ابنا رافع*

(ذکر بناء المسجد)

* قال المجد ذکر البیهقی المسجد فقال کان جدارا مجدّر أ لیس علیه سقف و قبلته الی بیت المقدس و کان أسعد بن زرارة بناه و کان یصلی بأصحابه فیه و یجمع بهم فیه الجمعة قبل مقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالنخل التی فی الحدیقة و بالغرقد أن یقطع و کان قبور جاهلیة فأمر بها فنبشت و أمر بالعظام أن تغیب و کان فی المربد ماء مستنجل فسیروه حتی ذهب و المستنجل ممشی ماء المطر* و فی الصحیحین أن النبیّ علیه الصلاة و السلام لما أخذه کان موضع نخل و قبور للمشرکین و خرب فأمر بالنخل فقطعت و بالقبور فنبشت و بالخرب فسویت وصفوا النخل قبلة المسجد أی جعلوها سواری فی جهة القبلة لیسقف علیها و جعلوا عضادتیه حجارة و أسند ابن زبالة عن حسن بن محمد الثقفی قال بینا رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یبنی أساس مسجد المدینة و معه أبو بکر و عمر و عثمان و علیّ فمرّ بهم رجل فقال یا رسول اللّه ما معک الا هؤلاء الرهط فقال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام هؤلاء ولاة الامر من بعدی و روی أبو یعلی برجال الصحیح عن عائشة قالت لما أسس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:344
رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مسجد المدینة جاء بحجر فوضعه و جاء أبو بکر بحجر فوضعه و جاء عمر بحجر فوضعه و جاء عثمان بحجر فوضعه قالت فسئل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن ذلک فقال أمر الخلافة من بعدی و تقدّم فی تأسیس مسجد قباء نحوه من غیر ذکر أمر الخلافة* و قال الاقشهری فی روضته ان جبریل أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال یا محمد انّ اللّه یأمرک أن تبنی له بیتا و أن ترفع بنیانه بالرهص و الحجارة و الرهص الطین الذی یتخذ منه الجدار و فی القاموس الرهص بکسر الراء العرق الاسفل من الحائط و الطین الذی یبنی به بعض علی بعض فقال کم أرفعه یا جبریل قال سبعة أذرع و قیل خمسة أذرع و لما ابتدأ فی بنائه أمر بالحجارة فأخذ حجرا فوضعه بیده أوّلا ثم أمر أبا بکر فجاء بحجر فوضعه الی جنب حجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم عمر کذلک ثم عثمان کذلک ثم علیا روی البیهقی فی دلائل النبوّة عن سفینة مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لما بنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم المسجد وضع حجرا ثم قال لیضع أبو بکر حجره الی جنب حجری ثم لیضع عمر حجره الی جنب حجر أبی بکر ثم لیضع عثمان حجره الی جنب حجر عمر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هؤلاء الخلفاء من بعدی و فی الشفاء رفعت له الکعبة حین بنی مسجده و عن مکحول قال لما کثر أصحاب رسول اللّه علیه الصلاة و السلام قالوا اجعل لنا مسجدا فقال و ثمامات عریش کعریش أخی موسی صلوات اللّه علیه و الامر أعجل من ذلک و فی الصحیح کان المسجد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مبنیا باللبن و سقفه جرید و عمده خشب النخل فضرب اللبن و عجن الطین نقل المجد عن روایة محمد بن أسعد قال جاء رجل یحسن عمل الطین و کان من حضر موت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رحم اللّه امرأ أحسن صنعته و قال له الزم أنت هذا الشغل فانی أراک تحسنه و فی کتاب یحیی من طریق ابن زبالة عن الزهری کان رجل من أهل الیمامة یقال له طلق من بنی حنیفة یقول قدمت علی النبیّ علیه الصلاة و السلام و هو یبنی مسجده و المسلمون یعملون فیه معه و کنت صاحب علاج و خلط طین فأخذت المسحاة أخلط الطین و النبیّ علیه الصلاة و السلام ینظر الیّ و یقول انّ هذا الحنفی لصاحب طین و روی أحمد عن طلق بن علی قال بنیت المسجد مع رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فکان یقول قربوا الیمامی من الطین فانه أحسنکم له مسکا و أشدّکم منکبا و عنه أیضا قال جئت الی النبیّ علیه الصلاة و السلام و أصحابه یبنون المسجد قال فکأنه لم یعجبه عملهم قال فأخذت المسحاة فخلطت بها الطین فکانه أعجبه أخذی المسحاة و عملی فقال دعوا الحنفی فانه من أصنعکم للطین* و أسند ابن زبالة فی خبر ابن شهاب فی أخذ المربد قال فبناه مسجدا و ضرب لبنه من بقیع الخبجبة بخاء معجمة و جیم و باءین تحت کل منهما نقطة واحدة موضع یسار بقیع الغرقد ناحیة بئر أبی أیوب بالمناصع و هی مبرز النساء فی المدینة لیلا قبل اتخاذ الکنف و الخبجبة شجرة تنبت هناک و بقیع الغرقد هو بقیع المقبرة قال الاصمعی قطعت غرقدات فی هذا الموضع حین دفن فیه عثمان بن مظعون فسمی بقیع الغرقد لهذا و الغرقد شجرة و فی الوفاء بقیع الخبجبة ما کان الخارج من المدینة الی البقیع اذا مشی فی البقیع فجهة مشهد أمیر المؤمنین عثمان و جعل مشهد ابراهیم ابن النبیّ علیه الصلاة و السلام علی یمینه یکون علی یساره طریق تمرّ بطرف الکومة تنتهی بعد رأس العطفة التی علی یمینه الی حدیقة تعرف قدیما بأولاد الصیفی بها بئر ینزل إلیها بدرج تعرف ببئر أیوب قدیما و حدیثا و قیل بقیع الخبجبة غیر ما ذکر و عن أمّ سلمة قالت بنی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام مسجده فقرب اللبن و ما یحتاجون إلیه فقام رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فوضع رداءه فلما رأی ذلک المهاجرون الاوّلون و الانصار ألقوا أردیتهم و أکسیتهم و جعلوا یرتجزون و یعملون و یقولون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:345
لئن قعدنا و النبیّ یعمل* ذاک اذا للعمل المضلل* و ینقلون الصخرة و یحملون اللبنة و النبیّ علیه الصلاة و السلام معهم ینقل اللین و یقول* هذا الجمال لا جمال خیبر* هذا أبرّ ربنا و أطهر* و یقول اللهم ان الاجر أجر الآخرة* فارحم الانصار و المهاجرة* و فی روایة الصحیح فجعلوا ینقلون الصخرة و هم یرتجزون و النبیّ علیه الصلاة و السلام معهم یقول* اللهمّ لا خیر الاخیر الآخرة* فانصر الانصار و المهاجرة* و یذکر أن هذا البیت لعبد اللّه بن رواحة و عن الزهری بلغنی ان الصحابة کانوا یرتجزون به و کان النبیّ علیه الصلاة و السلام ینقل معهم و یقول* اللهم لا خیر الا خیر الآخرة* فارحم المهاجرین و الانصار* و کان لا یقیم الشعر قال اللّه تعالی و ما علمناه الشعر و ما ینبغی له و فعل ذلک احتسابا و ترغیبا فی الخیر لیعمل الناس کلهم و لا یرغب أحد بنفسه عن نفس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان عثمان بن عفان رجلا نظیفا متنظفا و کان یحمل اللبنة فیجا فی بها عن ثوبه فاذا وضعها نفض کمه و نظر الی ثوبه فان أصابه شی‌ء من التراب نفضه فنظر إلیه علی بن أبی طالب فأنشأ یقول
لا یستوی من یعمر المساجدایدأب فیها قائما و قاعدا
و من یری عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن یاسر فجعل یرتجز بها و هو لا یدری من یعنی بها فمرّ بعثمان فقال یا ابن سمیة بمن تعرّض و معه جریدة فقال لتکفنّ أو لاعترضنّ بها وجهک فسمعه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو جالس فی ظل بیت أمّ سلمة* و فی کتاب یحیی فی ظل بیته فغضب صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال ان عمار بن یاسر جلدة ما بین عینی و أنفی فاذا بلغ ذلک من المرء فقد بلغ و وضع یده بین عینیه فکف الناس عن ذلک ثم قالوا لعمار انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قد غضب فیک و نخاف أن ینزل فینا القرآن فقال أنا أرضیه کما غضب فقال یا رسول اللّه ما لی و لاصحابک قال مالک و لهم قال یریدون قتلی یحملون لبنة لبنة و یحملون علیّ اللبنتین و الثلاث فأخذ بیده فطاف فی المسجد و جعل یمسح وفرته بیده من التراب و یقول یا ابن سمیة لا یقتلک أصحابی و لکن تقتلک الفئة الباغیة و قد ذکر ابن اسحاق بنحوه کما فی تهذیب ابن هشام قال و سألت غیر واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا أنّ علیّ بن أبی طالب ارتجز به فلا ندری أ هو قائله أم غیره و انما قال ذلک علی مطایبة و مباسطة کما هو عادة الجماعة اذا اجتمعوا علی عمل و لیس ذلک طعنا و أخرج ابن أبی شیبة من مرسل أبی جعفر الخطمی قال کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبنی فی المسجد و عبد اللّه بن رواحة یقول* أفلح من یعمر المساجدا* فیقولها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیقول ابن رواحة* یتلو القرآن قائما و قاعدا* فیقولها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الصحیح فی ذکر بناء المسجد کنا نحمل لبنة لبنة و عمار لبنتین لبنتین فرآه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فجعل ینفض التراب عنه و یقول ویح عمار تقتله الفئة الباغیة یدعوهم الی الجنة و یدعونه الی النار و یقول عمار أعوذ باللّه من الفتن فقتل عمار فی حرب معاویة بصفین تحت رایة علیّ کذا فی شرح المقاصد و سیجی‌ء فی الخاتمة فی خلافة علیّ* و فی خلاصة الوفاء روی یحیی فی خبر عن أسامة بن زید عن أبیه قال کان الذین أسسوا المسجد جعلوا طوله مما یلی القبلة الی مؤخره مائة ذراع و فی الجانبین الآخرین أی العرض مثل ذلک فکان مربعا و یقال انه کان أقل من مائة ذراع* و فی کتاب رزین ما لفظه عن جعفر بن محمد عن أبیه قال کان بناء مسجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالسمیط لبنة لبنة ثم بالسعیدة لبنة و نصف أخری ثم کثروا فقالوا یا رسول اللّه لو زید فیه ففعل فبنی بالذکر و الانثی و هما لبنتان مختلفتان و کانوا رفعوا أساسه قریبا من ثلاثة أذرع بالحجارة و جعلوا طوله مما یلی القبلة الی مؤخره مائة ذراع و کذا فی العرض و کان مربعا* و فی روایة جعفر و لم یسطح فشکوا الحرّ و جعلوا خشبه و سواریه جذوعا و ظللوا بالجرید ثم بالخصف فلما و کف علیهم طینوه بالطین و جعلوا وسطه رحبة و کان جداره قبل أن یظلل قامة و شیئا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:346
و ذکر ابن زبالة و یحیی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یبنی مسجده بالسمیط لبنة لبنة ثم ان المسلمین کثروا فبناه بالسعیدة فقالوا یا رسول اللّه لو أمرت من یزید فیه قال نعم فأمر به فزید فیه و بنی جداره بالانثی و الذکر ثم اشتدّ علیهم الحرّ فقالوا یا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فظلل قال نعم فأمر به فأقیمت فیه سواری من جذوع النخل ثم طرحت علیها العوارض و الخصف و الاذخر فعاشوا فیه و أصابتهم الامطار فجعل المسجد یکف علیهم قالوا یا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فطین فقال لا عریش کعریش موسی و روی البیهقی عن الحسن فی بیان عریش موسی قال اذا رفع یده بلغ العریش یعنی السقف و أورد رزین قال ابنوا لی عریشا کعریش موسی ثمامات و خشبات و ظلة کظلة موسی و الامر أعجل من ذلک قیل و ما ظلة موسی قال اذا قام فیه أصاب رأسه السقف فلم یزل المسجد کذلک حتی قبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان جداره قبل أن یظلل قامة فکان اذا فاء الفی‌ء ذراعا و هو قدمان یصلی الظهر فاذا کان ضعف ذلک صلّی العصر* و فی الاحیاء لما أراد صلّی اللّه علیه و سلم أن یبنی مسجد المدینة أتاه جبریل فقال ابنه سبعة أذرع طولا فی السماء و لا تزخرفه و لا تنقشه و قد نقل الاقشهری فی ارتفاعه سبعة أذرع و قیل خمسة و جعل قبلته الی بیت المقدس و جعل له ثلاثة أبواب باب فی مؤخره أی جهة القبلة الیوم و یدخل منه عامة أصحابه و باب یدعی باب عاتکة و یقال له باب الرحمة و باب یدخل منه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو باب آل عثمان الیوم أی المعروف الیوم بباب جبریل و هذان البابان لم یغیرا بعد صرف القبلة و لما صرفت سدّ الباب الذی کان خلفه و فتح هذا الباب حذاءه أی محاذاة المسدود خلف المسجد أی تجاهه فأقام عند أبی أیوب سبعة أشهر حتی أتمّ مسجده و مکنه ثم انتقل إلیه* و فی خلاصة الوفاء روی یحیی عن خارجة بن زید بن ثابت و هو أحد سبعة فقهاء المدینة و قد نظمهم البعض فی بیت واحد
ألا کل من لا یقتدی بأئمةفقسمته ضیزی عن الحق خارجه
فخذهم عبید اللّه عروة قاسم‌سعید أبو بکر سلیمان خارجه أنه قال بنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبعین ذراعا فی ستین ذراعا و لبن لبنه من بقیع الخبجبة و جعل له جدارا و جعل سواریه شقة شقة و جعل وسطه رحبة و بنی بیتین لزوجتیه عائشة و سودة علی نعت بناء المسجد من لبن و جرید النخل و کان باب عائشة مواجه الثنأم و کان بمصراع واحد من عرعر أو ساج کذا ذکره ابن زبالة عن محمد بن هلال و لما تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نساءه بنی لهنّ حجرا و هی تسعة أبیات قال أهل السیر ضرب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الحجرات ما بین بیت عائشة و بین القبلة و الشرق الی الشأم و لم یضربها فی غربیه و کانت خارجة من المسجد مدیرة به الا من الغرب و کانت أبوابها شارعة فی المسجد* و عن محمد بن هلال قال أدرکت بیوت أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانت من جرید مستورة بمسوح الشعر مستطیرة الی القبلة و الی الشرق و الشأم لیس فی غربی المسجد شی‌ء منها و فی دلائل النبوّة قال عطاء الخراسانی أدرکت حجر أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من جرید النخل علی أبوابها المسوح من شعر أسود* و فی شرف المصطفی لابن الجوزی أن منازل أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانت کلها فی الشق الایسر الی وجه الامام فی وجه المنبر أی الی جهة الشأم و فی دلائل النبوّة قال محمد بن عمر کانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد حوله و کلما أحدث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أهلا تحول له حارثة عن منزله حتی صارت منازله کلها لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ابن سعد أوصت سودة بیتها لعائشة و باع أولیاء صفیة بنت حیی بیتها من معاویة بمائة ألف و ثمانین ألف درهم و اشتری معاویة من عائشة منزلها بمائة ألف و ثمانین ألفا و قیل ثمانیة آلاف و شرطت سکناها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:347
حیاتها و حمل إلیها المال فما قامت من مجلسها حتی فرقته و قیل اشتراه ابن الزبیر من عائشة و بعث إلیها خمسة أجمال تحمل المال و شرط لها سکناها فی حیاتها ففرقت المال فقیل لها لو خبأت منه درهما فقالت لو ذکرتمونی فعلت و ترکت حفصة بیتها فورثه ابن عمر فلم یأخذ ثمنا فأدخل فی المسجد و أسند یحیی عن عیسی بن عبد اللّه عن أبیه أن بیت فاطمة رضی اللّه عنها فی الزور الذی فی المقبرة بینه و بین بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خوخة و ذکر یحیی قال کان بیت فاطمة فی موضع مخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت فیه کوّة الی بیت عائشة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا قام الی المخرج اطلع من الکوّة الی فاطمة فعلم خبرهم و أن فاطمة قالت لعلیّ ان ابنیّ أمسیا علیلین فلو نظرت لنا اذ ما نستصبح به فخرج علیّ الی السوق فاشتری لهم أدما و جاء به الی فاطمة فاستصبحت به فدخلت عائشة المخرج فی جوف اللیل فأبصرت المصباح عندهم فذکر الراوی کلاما وقع بینهما فلما أصبحوا سألت فاطمة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یسدّ الکوّة فسدّها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أسند یحیی عقب ذلک قالت عائشة یا رسول اللّه تدخل الکنیف فلا نری شیئا من الاذی فقال الارض تبلع ما یخرج من الأنبیاء من الاذی فلا یری منه شی‌ء أفاد یحیی أن المراد من المخرج موضع الکنیف و أفهم ذلک أن المخرج المذکور کان خلف حجرة عائشة بینها و بین بیت فاطمة و ذلک یقتضی أن یکون محله فی الزوراء أعنی الموضع المزور شبیه المثلث فی بناء عمر بن عبد العزیز فی جهة الشأم و کان بابه فی المربعة التی فی القبر و عن سلیمان قال مسلم لا تنس حظک من الصلاة إلیها فانه باب فاطمة الذی کان علیّ یدخل إلیها منه قال ابن النجار و بیت فاطمة الیوم حوله مقصورة و فیه محراب و هو خلف حجرة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال السید السمهودی المقصورة الیوم دائرة علی بیت فاطمة و علی حجرة عائشة و المحراب الذی ذکره خلف حجرة عائشة من جهة الزوراء بینه و بین موضع یحترمه الناس و لا یدوسونه بأرجلهم یذکر أنه موضع قبر فاطمة رضی اللّه عنها علی أحد الاقوال* و أما الصفة بضم الصاد و تشدید الفاء فظلة فی مؤخر مسجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یأوی إلیها المساکین علی أشهر الاقوال کذا قاله القاضی عیاض و قال الحافظ الذهبی ان القبلة قبل أن تحوّل کانت فی شمالی المسجد فلما حولت القبلة بقی حائط المسجد الاوّل مکان أهل الصفة و قال الحافظ ابن حجر الصفة مکان فی مؤخر المسجد النبوی مظلل أعدّ لنزول الغرباء فیه ممن لا مأوی له و لا أهل و کانوا یکثرون فیه و یقلون بحسب من یتزوّج منهم أو یموت أو یسافر و قد سرد أسماءهم أبو نعیم فی الحلیة فزادوا علی المائة* و روی البیهقی عن عثمان بن الیمان قال لما کثر المهاجرون بالمدینة و لم یکن لهم دار و لا مأوی أنزلهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المسجد و سماهم أصحاب الصفة و کان یجالسهم و یؤانسهم و کان المسجد علی هذه الهیئة فی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم یزد فیه أبو بکر شیئا و لما کان زمان خلافة عمر و کثر الناس و ضاق المسجد عنهم وسعه عمر و زاد فیه و لم یغیر فی جنس الآلة فبناه علی ما بنی فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم باللبن و الجرید و أعاد عمده خشبا* و فی تاریخ الیافعی أن زیادته کانت فی سنة سبع عشرة و ذکر غیره أنه زاد فی هذه السنة فی المسجد الحرام و لم یتعرّض لتاریخ زیادة فی مسجد المدینة روی أن عمر جعل له ستة أبواب ثم غیر عثمان فیه و وسعه و زاد فیه زیادات کثیرة و کان أوّل عمله فی شهر ربیع الاوّل سنة تسع و عشرین و فرغ منه حین دخلت السنة لهلال محرم سنة ثلاثین فکان مدّة عمله عشرة أشهر قال أهل السیر جعل عثمان طول المسجد مائة و ستین ذراعا و عرضه مائة و خمسین ذراعا و بنی جداره بالحجارة المنقوشة و الجص و جعل عمده من حجارة منقوشة و جعل سقفه من خشب الساج و جعل أبوابه ستة کما کانت فی زمن عمر ثم زاد فیه الولید بن عبد الملک بن مروان فی أیام خلافته
و جعله
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:348
أوسع فجعل طوله مائتی ذراع و عرضه فی مقدّمه مائتین و فی مؤخره مائة و ثمانین ذراعا و أدخل فیه بیوت أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المتصلة بالمسجد* قالوا هدم المسجد نائب الولید علی المدینة عمر بن عبد العزیز سنة احدی و تسعین و بناه بالحجارة المنقوشة و مکث فی بنائه ثلاث سنین و قد فرغ منه سنة ثلاث و تسعین و هی السنة التی عزل فیها عمر عن المدینة ثم زاد فیه المهدی العباسی مائة دراع من جهة الشأم فقط دون الجهات الثلاث الأخر و کان ابتداء زیادته سنة احدی و ستین و مائة* قال ابن زبالة و یحیی فرغ من بنیان المسجد سنة خمس و ستین و مائة ثم جدّده المأمون و زاد فیه و اتفق بنیانه أیضا فی سنة ثنتین و مائتین و الی یومنا هذا ابناء المأمون و للمسجد الیوم أربعة أبواب باب جبریل و باب النساء و أوّل من أحدثه فی المسجد عمر بن الخطاب حین زاد فیه و باب الرحمة و باب السلام و اذا عرفت حال المسجد و الزیادات و التغییرات الواقعة فیه فینبغی أن تعتنی علی محافظة الصلوات فیما کان فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فان الحدیث الوارد فی فضیلة الصلاة فیه و هو صلاة فی مسجدی هذا أفضل أو خیر من ألف صلاة فیما سواه من المساجد الا المسجد الحرام انما یتناول ما کان فی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لکن اذا صلیت بالجماعة فالتقدّم الی الصف الاوّل ثم ما یلیه أفضل کذا فی إیضاح المناسک للنووی و سیجی‌ء قصة قصد الافرنج قبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الخاتمة فی خلافة المستنجد باللّه فی سنة سبع و خمسین و خمسمائة و نذکر فی خلافة المستنجد باللّه قصة قصد الروافض قبر صاحبیه لتناسب القصتین و ان لم یذکر المحب الطبری تاریخ الثانیة و نذکر قصة احتراق المسجد النبوی مرّتین فی الخاتمة فی خلافة المعتصم باللّه فی سنة أربع و خمسین و ستمائة*

موت کلثوم بن الهدم‌

و فی هذه السنة مات کلثوم بن الهدم بن امرئ القیس بعد قدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بزمان قلیل قبل موت أسعد بن زرارة فهو أوّل من مات من الانصار بعد قدوم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان شریفا کبیر السنّ کان أسلم قبل قدومه صلّی اللّه علیه و سلم و هاجر و لما هاجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة نزل علیه هو و جماعة منهم أبو عبیدة عامر بن الجراح و المنذرین الاسود و الخباب بن الارت*

اسلام عبد اللّه بن سلام‌

و فی هذه السنة فی أوّل قدومه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة أسلم عبد اللّه بن سلام و یکنی أبا یوسف و کان اسمه فی الجاهلیة الحصین فلما أسلم سماه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد اللّه و هو من ولد یوسف بن یعقوب علیهما السلام* و فی البخاری من حدیث عائشة التصریح بأنه جاء قبل دخوله صلّی اللّه علیه و سلم دار أبی أیوب لما سمع بقدومه صلّی اللّه علیه و سلم ثم رجع الی أهله ثم قال علیه السلام لابی أیوب اذهب فهیئ لنا مقیلا فقال قوما علی برکة اللّه أی هو و أبو بکر قالت فلما جاء نبیّ اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جاء عبد اللّه بن سلام فقال أشهد أنک رسول اللّه فأسلم و سیجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة معاویة فی سنة ثلاث و أربعین* و فی الاکتفاء کان من حدیث عبد اللّه بن سلام و اسلامه و کان حبرا عالما انه قال لما سمعت برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عرفت صفته و اسمه و زمانه الذی کنا نتوکف له فکنت مسرّا لذلک صامتا علیه حتی قدم المدینة فلما نزل بقباء فی بنی عمرو بن عوف أقبل رجل حتی أخبر بقدومه و أنا فی رأس نخلة لی أعمل فیها و عمتی خالدة بنت الحارث تحتی جالسة فلما سمعت بقدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کبرت فقالت لی عمتی حین سمعت تکبیرتی خیبک اللّه لو کنت سمعت بموسی بن عمران قادما ما زدت فقلت لها أی عمة هو و اللّه أخو موسی بن عمران و علی دینه بعث بما بعث به فقالت أی ابن أخی هو النبیّ الذی کنا نخبر أنه یبعث مع نفس الساعة فقلت لها نعم قالت فذاک اذا ثم رحت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأسلمت ثم رجعت الی أهلی فأمرتهم فأسلموا و کتمت اسلامی من یهود الی آخر ما یجی‌ء من الحدیث* قال أنس لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة أخبر عبد اللّه بن سلام بقدومه و هو بأرض یخترف فأتاه فقال انی سائلک عن أشیاء لا یعلمها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:349
الا نبیّ فان أخبرتنی بها آمنت بک و ان لم تعلمهنّ عرفت أنک لست بنبیّ قال و ما هنّ فسأله عن الشبه و عن أوّل شی‌ء یأکله أهل الجنة و عن أوّل شی‌ء یحشر الناس فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخبرنی بهنّ جبریل آنفا قال عبد اللّه ذاک عدوّ الیهود و سیجی‌ء سبب عداوته فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أما الشبه فاذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه و اذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه و أما أوّل شی‌ء یأکله أهل الجنة فزائدة کبد الحوت و أما أوّل شی‌ء یحشر الناس فنار تجی‌ء من قبل المشرق فتحشرهم الی المغرب فأمسک عبد اللّه و قال أشهد أنک لرسول اللّه و انک قد جئت بالحق و قد علمت یهود أنی سیدهم و ابن سیدهم و أعلمهم و ابن أعلمهم فادعهم فسلهم عنی قبل أن یعلموا أنی أسلمت فانهم ان یعلموا أنی قد أسلمت قالوا فیّ ما لیس فیّ فأرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم فدخلوا علیه فقال لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا معشر الیهود ویلکم اتقوا اللّه فو الذی لا إله الا هو انکم لتعلمون أنی رسول اللّه حقا و انی قد جئتکم بحق فأسلموا قالوا ما نعلمه قال فأیّ رجل فیکم عبد اللّه بن سلام و فی الاکتفاء قال عبد اللّه بن سلام فأدخلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بعض بیوته و دخلوا علیه فکلموه و سألوه ثم قال لهم أی رجل حصین بن سلام فیکم قالوا ذاک سیدنا و ابن سیدنا و أعلمنا و ابن أعلمنا* و فی المشکاة خیرنا و ابن خیرنا و سیدنا و ابن سیدنا قال أ فرأیتم ان أسلم قالوا حاشا اللّه ما کان لیسلم و فی المشکاة أعاذه اللّه من ذلک قال أ فرأیتم ان أسلم قالوا حاشا اللّه ما کان لیسلم کرّر علیهم ثلاثا فیقولون له ذلک قال یا ابن سلام اخرج علیهم فخرج فقال یا معشر الیهود اتقوا اللّه فو الذی لا إله الا هو انکم لتعلمون انه لرسول اللّه و انه لجاء بحق فقالوا کذبت* و فی روایة قالوا هو شرّنا و ابن شرنا فأخرجهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال عبد اللّه هذا ما کنت أخاف یا رسول اللّه و فی الاکتفاء قال فأظهرت اسلامی و اسلام أهل بیتی و أسلمت عمتی خالدة فحسن اسلامها انتهی و نصبت أحبار الیهود العداوة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بغیا و حسدا منهم حیی بن أخطب و أبو رافع الاعور و کعب بن الاشرف و عبد اللّه بن صوریا و الزبیر بن باطا و شمویل و لبید بن الاعصم و غیرهم و دخل منهم جماعة فی الاسلام نفاقا و انضاف إلیهم من الاوس و الخزرج منافقون* و فی الکشاف روی أن عبد اللّه بن صوریا من أحبار فدک حاج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سأله عمن یهبط علیه بالوحی قال جبریل قال ذاک عدوّنا و لو کان غیره لآمنا بک و قد عادانا مرارا و أشدّها انه أنزل علی نبینا أن بیت المقدس سیخربه بخت نصر فبعثنا من یقتله و هو رجل من أقویاء بنی اسرائیل فلقیه ببابل غلاما مسکینا فدفعه عنه جبریل و قال ان کان ربکم أمره بهلاککم فانه لا یسلطکم علیه و ان لم یکن ایاه فعلی أی حق تقتلونه فصدّقه صاحبنا و رجع إلینا و کبر بخت نصر و قوی و غزانا و حرق بیت المقدس و فی روایة قال أمره اللّه أن یجعل النبوّة فینا فجعلها فی غیرنا و فی روایة قال بعث جبریل الی أولاد اسرائیل فأدی الی أولاد اسماعیل* و فی القاموس عبد اللّه بن صوریا کبوریا من أحبار الشأم أسلم ثم کفر* و فی الحدائق عن أبی هریرة قال أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیت المدراس فقال أخرجوا الیّ أعلمکم فقام عبد اللّه بن صوریا فخلا به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فناشده بدینه و بما أنعم اللّه علیهم و أطعمهم من المنّ و السلوی و ظللهم به من الغمام أتعلم انی رسول اللّه قال اللهم نعم و ان القوم یعرفون ما أعرف فان صفتک و نعتک لمبین فی التوراة و لکنهم حسدوک قال فما یمنعک أنت قال أکره خلاف قومی و عسی أن یتبعوک و یسلموا فأسلم*

موت أسعد بن زرارة

و فی هذه السنة و قیل فی السنة الثانیة مات أسعد بن زرارة بالذبحة و هو أحد النقباء الاثنی عشر فی لیلة العقبة و بیعتها مات قبل أن یفرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بناء مسجده و دفن بالبقیع و الانصار یقولون هو أوّل من دفن بالبقیع و المهاجرون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:350
یقولون أوّل من دفن بالبقیع عثمان بن مظعون و کان عثمان رضیع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم توفی فی شعبان علی رأس ثلاثین شهرا من الهجرة و قبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدّه و سماه السلف الصالح و عن عائشة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل عثمان بن مظعون و هو میت قالت فرأیت دموع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تسیل علی خدّ عثمان بن مظعون کذا فی الصفوة و یمکن الجمع بأن أوّل من دفن بالبقیع من الانصار أسعد بن زرارة و من المهاجرین عثمان بن مظعون*

ابتداء خدمة أنس‌

و فی هذه السنة کان ابتداء خدمة أنس لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الوفاء کانت الانصار یتقرّبون الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالهدایا رجالهم و نساؤهم و کانت أمّ سلیم تتأسف علی ذلک و ما کان لها شی‌ء فجاءت بابنها أنس و قالت یخدمک أنس یا رسول اللّه قال نعم و الذی فی الصحیح عن أنس قال قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة لیس له خادم و أخذ أبو طلحة بیدی فانطلق بی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه ان أنسا غلام کیس فلیخدمک قال فخدمته عشر سنین الحدیث و قد یجمع بأنّ أمّ سلیم جاءت به أوّلا و انطلق به ابو طلحة ثانیا لانه ولیه و عصبته و هذا غیر مجیئه به لخدمته فی غزوة خیبر کما یفهمه لفظ الحدیث*

الزیادة فی صلاة الحضر

و فی هذه السنة بعد شهر من مقدمه صلّی اللّه علیه و سلم لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و فی سیرة مغلطای من ربیع الآخر قال الدولابی یوم الثلاثاء و قال السهیلی بعد الهجرة بعام أو نحوه زید فی صلاة الحضر رکعتان رکعتان و ترکت صلاة الفجر لطول القراءة فیها و صلاة المغرب لانها وتر النهار و أقرت صلاة السفر و ترکت علی الفریضة الاولی* و فی سیرة مغلطای و کانت الصلاة قبل الاسراء صلاة قبل طلوع الشمس و صلاة قبل غروبها انتهی و قیل انما فرضت أربعا ثم خففت عن المسافر و یدل علیه حدیث ان اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة و قیل انما فرضت فی الحضر أربعا و فی السفر رکعتین و هو قول ابن عباس قال فرض اللّه الصلاة علی لسان نبیکم فی الحضر أربعا و فی السفر رکعتین رواه مسلم و غیره کذا فی المواهب اللدنیة و فی الوفاء الذی علیه الاکثرون ان الصلاة نزلت بتمامها من بدء الامر و اللّه أعلم*

وعک أبی بکر و الصحابة

و فی هذه السنة وعک ابو بکر و غیره من الصحابة* فی المواهب اللدنیة أورد وعک أبی بکر قبل بناء المسجد روی ان هواء المدینة کان عفنا و خما یکون فیها الوباء و کانت مشهورة بالوباء فی الجاهلیة فاذا دخلها غریب فی الجاهلیة یقال له ان أردت أن تسلم من الوعک و الوباء فانهق نهق الحمار فاذا فعل سلم فاستوخم المهاجرون هواء المدینة و لم یوافق أمزجتهم فمرض کثیر من الغرباء و ضعفوا حتی لم یقدروا علی الصلاة قیاما و کان المشرکون و المنافقون یقولون أضناهم حمی یثرب* و فی سنن النسائی و سیرة ابن هشام ان الصدّیق لما قدم المدینة أخذته الحمی و عامر بن فهیرة و بلالا قالت عائشة فدخلت علیهم و هم فی بیت واحد قبل أن یضرب علینا الحجاب فقلت یا أبت کیف أصبحت فقال* کل امرئ مصبح فی أهله* و الموت أدنی من شراک نعله* ففلت إنا للّه ان أبی لیهذی فقلت لعامر کیف تجدک فقال* لقد وجدت الموت قبل ذوقه* و المرء یأتی موته من فوقه* و فی روایة ان الجبان موته من فوقه* کل امرئ مجاهد بطوقه* کالثور یحمی أنفه بروقه* الطوق الطاقة و الروق القرن قالت فقلت هذا و اللّه لا یدری ما یقول ثم قلت لبلال کیف أصبحت و کان بلال اذا أقلع عنه یرفع عقیرته و یقول
ألا لیت شعری هل أبیتن لیلةبواد و حولی اذخر و جلیل
و هل أردن یوما میاه مجنةو هل یبدون لی شامة و طفیل ثم یقول اللهم العن عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أمیة بن خلف کما أخرجونا الی أرض الوباء المراد بالوادی وادی مکة و فی روایة بفخ بتشدید الخاء المعجمة واد بمکة و مجنة سوق بأسفل مکة و جلیل نبت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:351
ضعیف و شامة و طفیل بکسر الفاء جبلان مشرفان علی مجنة* و فی المواهب اللدنیة شامة و طفیل عینان بقرب مکة قالت عائشة فدخلت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلینا المدینة کحبنا مکة أو أشدّ حبا و صححها و بارک لنا فی صاعها و مدّها و انقل حماها الی مهیعة و هی الجحفة و فی هذا و قولها قبل أن یضرب علینا الحجاب اشعار بأن وعک أبی بکر و صاحبیه کان بعد بناء المسجد انتهی فأجاب اللّه لنبیه دعاءه فجعل هواءها صحیحا موافقا لامزجة الغرباء و نقل و باءها و حماها و عفونة هوائها الی جحفة و هی یومئذ کانت دار الیهود و لم یکن بها مسلم یقال کانت لا یدخلها أحد إلّا حمّ و فی الصفوة کان المولود یولد بالجحفة فما یبلغ الحلم حتی تصرعه الحمی کذا فی الصحیحین و لهذا عدلوا الطریق الی رابغ* و عن عبد اللّه بن عمر أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال رأیت امرأة و فی روایة کانّ امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدینة حتی نزلت* و فی روایة حتی أقامت بمهیعة فأوّلتها ان و باء المدینة نقل الی مهیعة و هی الجحفة* و فی القاموس مهیعة کمرحلة و یقال مهیعة کمعیشة کلتاهما بالمثناة التحتیة اسم للجحفة* و فی تشویق الساجد الجحفة بضم الجیم و اسکان الحاء قریة خربة تسمی مهیعة علی نحو خمس مراحل من مکة و هی میقات أهل الشأم و مصر و المغرب و هی بقرب رابغ بالغین المعجمة و محاذیة له علی یسار الذاهب الی مکة* و فی معجم ما استعجم بین الجحفة و البحر نحو ستة أمیال و غدیر خم علی ثلاثة أمیال من الجحفة یسرة عن الطریق و هذا الغدیر تصب فیه عین ماء و حوله شجر کثیر ملتف و هی الغیضة التی تسمی خم و بغدیر خم قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لعلیّ من کنت مولاه فعلیّ مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و کان ذلک منصرفه من حجة الوداع‌

* اسلام سلمان الفارسی‌

و فی هذه السنة أسلم سلمان الفارسی و فی روایة فی جمادی الاولی منها روی أن سلمان کان رجلا فارسیا من أهل أصفهان من قریة یقال لها خبی و کان أبوه مجوسیا دهقان قریته و کان یحبه و کان یحبسه فی بیته کما تحبس الجاریة فی بیتها فوّض إلیه أمرا یقاد النار و تعهدها و کانت لابیه ضیعة عظیمة فشغل یوما فی بنیان له عن أمر الضیعة و أرسل سلمان إلیها فأمره فیها ببعض ما یرید فخرج سلمان یرید الضیعة فمرّ بکنیسة من کنائس النصاری فسمع أصواتهم فیها و هم یصلون فدخل علیهم ینظر ما یصنعون فلما رآهم أعجبته صلاتهم و رغب فی أمرهم فقال هذا و اللّه خیر من الذی نحن علیه فمکث عندهم حتی غربت الشمس و ترک ضیعة أبیه فسألهم أین أصل هذا الدین قالوا بالشأم ثم رجع الی أبیه فسأله أبوه أین کنت یا بنی قال مررت بقوم یصلون فی کنیسة لهم أعجبنی ما رأیته من دینهم قال أی بنی لیس ذاک الدین خیرا من دینک و دین آبائک قال کلا و اللّه انه لخیر من دیننا فخافه فجعل فی رجله قیدا ثم حبسه فی بیته فبعث سلمان دسیسا الی النصاری فقال لهم اذا قدم علیکم من الشام رکب تجار من النصاری فأخبرونی بهم فقدم علیهم رکب من الشام تجار من النصاری فأخبروه بقدوم التجار و ارادتهم الرجوع الی الشأم فألقی سلمان الحدید من رجله ثم خرج معهم حتی قدم الشأم و سأل من أفضل أهل هذا الدین فقالوا الأسقف فی الکنیسة فجاء فأقام عنده فخدمه حتی مات و کان رجل سوء فلما مات هو نصبوا مکانه رجلا آخر فأقام سلمان عنده فلما حضرته الوفاة أوصی به الی رجل بالموصل فلحق سلمان بصاحب الموصل فأقام عنده و خدمه و لما حضرته الوفاة أوصی به الی رجل من نصیبین فلحق سلمان بصاحب نصیبین و أقام عنده و خدمه و لما حضرته الوفاة أوصی به الی رجل بعموریة فلحق سلمان بصاحب عموریة و أقام عنده و اکتسب بها فحصل له بقرات و غنیمات فلما حضرته الوفاة استوصاه سلمان فقال له یا بنی و اللّه ما أعلم أحدا من الناس فیه خیر و معرفة بهذا الدین آمرک أن تأتیه و لکن أظلک زمان نبیّ هو مبعوث بدین ابراهیم علیه السلام یخرج بأرض العرب یهاجر الی أرض بین حرّتین بینهما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:352
نخل به علامات ظاهرة یأکل الهدیة و لا یأکل الصدقة بین کتفیه خاتم النبوّة فان استطعت أن تلحق بتلک البلاد فافعل ثم مات و مکث سلمان بعموریة ما شاء اللّه ثم مرّ به نفر من بنی بکر أو بنی کلب فقال لهم أ تحملوننی الی أرض العرب أعطیکم بقراتی هذه و غنیماتی قالوا نعم فأعطاهم ایاها فحملوه حتی اذا قدموا به وادی القری باعوه من یهودی فأقام سلمان عنده و رأی بها النخل فرجا أن یکون البلد الذی وصف له صاحبه بعموریة فبینما هو عنده اذ قدم علیه ابن عم له من المدینة من بنی قریظة فاشتراه منه فاحتمله الی المدینة فقال سلمان فو اللّه لما رأیتها عرفتها بوصف صاحبی بعموریة فأقام بها سلمان فبعث اللّه رسوله بمکة فأقام بها ما أقام لم یسمع له سلمان ذکرا مع ما به من شغل سیده و خدمته ثم هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة فبینما کان سلمان فی رأس نخل لسیده یعمل فیه بعض العمل و سیده جالس تحت النخل اذ أقبل ابن عم له حتی وقف علیه فقال یا فلان قاتل اللّه بنی قیلة یعنی الانصار و اللّه انهم الآن مجتمعون بقباء علی رجل قدم علیهم من مکة الیوم یزعمون انه نبیّ قال سلمان فلما سمعتها أخذتنی العرواء أی الرعدة حتی ظننت انی ساقط علی سیدی فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ما ذا تقول فغضب سیدی فلکمنی لکمة شدیدة ثم قال مالک و لهذا أقبل علی عملک قلت لا شی‌ء انما أردت أن استبثه عما قال و قد کان عند سلمان شی‌ء من الرطب قد جمعه فلما أمسی اخذه ثم ذهب به الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو بقباء ثم دخل علیه فقال له انه قد بلغنی أنک رجل صالح و معک أصحاب لک غرباء ذو حاجة و هذا شی‌ء کان عندی للصدقة فرأیتکم احق به من غیرکم فقرّبه منه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاصحابه کلوا و أمسک یده فلم یأکل فقال سلمان فی نفسه هذه واحدة ثم انصرف عنه و جمع شیئا و تحوّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من قباء الی المدینة فجاءه سلمان به فقال انی رأیتک لا تأکل صدقة و هذه هدیة اکرمتک بها فأکل و أمر اصحابه فأکلوا منها فقال سلمان فی نفسه هاتان اثنتان ثم جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو ببقیع الغرقد و قد تبع جنازة رجل من أصحابه علیه شملتان له و هو جالس فی أصحابه فسلم علیه ثم استدار خلفه ینظر الی ظهره هل یری الخاتم الذی وصفه له صاحبه بعموریة فلما رآه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم استدبر عرف انه یستثبت فی شی‌ء وصف له فألقی رداءه عن ظهره فنظر الی الخاتم فانکب علیه یقبله و یبکی فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تحوّل فتحوّل فقص علیه قصته فأعجب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یسمع ذلک أصحابه فأسلم سلمان* و فی شواهد النبوّة لما جاء سلمان الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیسلم لم یفهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کلامه فطلب ترجمانا فأتی بتاجر من الیهود کان یعلم الفارسیة و العربیة فمدح سلمان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ذمّ الیهود فغضب الیهودی و حرّف الترجمة فقال ان سلمان یشتمک فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا الفارسی جاء لیؤذینا فنزل جبریل و ترجم کلام سلمان فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذلک للیهودی فقال یا محمد اذا کنت تعرف الفارسیة فما حاجتک الیّ قال ما کنت أعلمها قبل فالآن علمنی جبریل أو کما قال فقال الیهودی یا محمد قد کنت قبل هذا أتهمک فالآن تحقق عندی أنک رسول اللّه فقال أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد انک رسول اللّه ثم قال النبیّ لجبریل علم سلمان العربیة قال قل له لیغمض عینیه و لیفتح فاه ففعل سلمان فتفل جبریل فی فیه فشرع سلمان یتکلم بالعربی الفصیح* قال ثم شغل سلمان الرق حتی فاته بدر و أحد حتی عتق فی السنة الخامسة من الهجرة کما سیجی‌ء فی الموطن الخامس*

ذکر المواخاة بین المهاجرین و الانصار

و فی هذه السنة بعد قدوم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بخمسة أشهر و هو یبنی المسجد و قیل بعده و قیل قبله* و فی أسد الغابة بعد ثمانیة أشهر آخی بین المهاجرین و الانصار فقعدوا عقد المواخاة و المعاونة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:353
و المواساة و قیل کتبوا فیه کتابا و کان ذلک فی دار أنس* و فی روایة کان فی المسجد علی ان یتوارثوا بعد الممات دون ذوی الارحام و کانوا تسعین رجلا خمسة و أربعون من المهاجرین و خمسة و أربعون من الانصار و التأم شمل الحیین الاوس و الخزرج ببرکة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما کان بینهما أمور عظام و مخالفات کثیرة و ما وجدنا فی الکتب من أسامیهم هذه أبو بکر بن أبی قحافة مع خارجة ابن زید الانصاری اخی الحارث بن الخزرج و عمر بن الخطاب مع عتبان بن مالک الانصاری الخزرجی و عثمان بن عفان مع أوس بن ثابت الانصاری و ابو عبیدة بن الجراح اسمه عامر بن عبد اللّه مع سعد بن معاذ سید الاوس الانصاری الاشهلی و الزبیر بن العوام مع سلمة بن سلام الانصاری الاشهلی و طلحة ابن عبید اللّه مع کعب بن مالک الانصاری اخی بنی سلمة و عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربیع الانصاری اخی الحارث بن الخزرج و سلمان الفارسی مع ابی الدرداء عویمر بن ثعلبة الانصاری اخی بلحارث بن الخزرج* و قال ابن هشام عویمر بن عامر و یقال عویمر بن زید و سعید بن زید بن عمرو بن نفیل مع أبی بن کعب الانصاری أخی بنی النجار و مصعب بن عمیر بن هاشم مع أبی أیوب خالد بن زید الانصاری النجاری و أبو حذیفة بن عتبة بن ربیعة مع عباد بن بشر الانصاری الاشهلی و عمار بن یاسر مع حذیفة بن النجار الانصاری اخی بنی عبس و یقال بل عمار بن یاسر مع ثابت بن قیس بن شماس الانصاری أخی بلحارث بن الخزرج و أبو ذر و قد اختلف فی اسمه و نسبه اختلافا کثیرا فقیل جندب ابن جنادة و یقال برید بن جندب و یقال بریر و یقال بر بن جنادة کذا قاله ابن اسحاق و قیل برید بن جندب أیضا عن ابن اسحاق و یقال جندب بن عبد اللّه و یقال جندب بن سکن و یقال غیر ذلک و المشهور المحفوظ جندب بن جنادة الغفاری کذا فی الاستیعاب و أسد الغابة و قال ابن هشام سمعت غیر واحد من العلماء یقول أبو ذرّ جندب بن جنادة انتهی مع المنذر بن عمرو الانصاری أخی بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج قاله ابن اسحاق و حاطب بن أبی بلتعة اللخمی حلیف بنی أسد بن عبد العزی مع عویمر بن ساعدة أخی بنی عمرو بن عوف و جعفر بن أبی طالب مع معاذ بن جبل اخی بنی سلمة قاله ابن اسحاق و قال ابن هشام و کان جعفر بن أبی طالب یومئذ غائبا بأرض الحبشة و بلال المؤذن مولی أبی بکر مع أبی رویحة عبد اللّه بن عبد الرحمن الخثعمی هذا هو المشهور بین المؤرّخین* و نقل الشیخ ابن حجر فی شرح صحیح البخاری عن ابن عبد البر أنه کانت المؤاخاة مرّتین الاولی قبل الهجرة بمکة بین المهاجرین خاصة روی الحاکم ابن عبد اللّه النیسابوریّ حدیثا یدل علی ما قاله ابن حجر و هو حدیث أبی عمرو قال آخی النبیّ علیه الصلاة و السلام بین أبی بکر و عمر و بین طلحة و الزبیر و بین عثمان و عبد الرحمن بن عوف و فی روایة بین حمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة فقال علی یا رسول اللّه آخیت بین أصحابک فمن أخی قال أنا أخوک و فی روایة أنت أخی فی الدنیا و الآخرة و هؤلاء کلهم من المهاجرین و الثانیة ما تقدّم من المؤاخاة بین المهاجرین و الانصار و کانت هذه المؤاخاة قبل وقعة بدر و لما وقعت وقعة بدر أنزل اللّه تعالی و أولو الارحام بعضهم أولی ببعض فنسخت هذه الآیة ما کان قبلها و انقطعت المؤاخاة فی المیراث و رجع کل انسان الی نسبه و ورثه ذوو رحمه*

ذکر موادعة الیهود

و فی هذه السنة بعد ما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بخمسة أشهر وادع الیهود و عاهدهم و أقرّهم علی دینهم و أموالهم و اشترط علیهم أن لا یعینوا علیه أحدا و ان دهمه بها عدوّ نصروه‌

موت العاص بن وائل من مشرکی مکة

و فی هذه السنة مات من مشرکی مکة بمکة العاص بن وائل السهمی و الولید بن المغیرة روی عن الشعبی لما احتضر الولید بن المغیرة جزع فقال له أبو جهل یا عم ما یجزعک قال و اللّه ما بی من جزع من الموت و لکنی أخاف أن یظهر دین ابن أبی کبشة بمکة قال أبو سفیان لا تخف أنا ضامن أن لا یظهر و فی هذه السنة ولد زیاد بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:354
أبیة و قتل کسری النعمان بن المنذر و توفی أبو لهب و ولد المسور بن مخرمة کذا فی سیرة مغلطای‌

بعت زید بن حارثة الی مکة

و فی هذه السنة بعث رسول اللّه زید بن حارثة و أبا رافع و أعطاهما خمسمائة درهم و بعیرین فقد ما علیه بفاطمة و أمّ کلثوم بنتیه و سودة زوجته و أمّ أیمن زوج زید بن حارثة و اسامة بن زید و خرج عبد اللّه بن ابی بکر معهم بعیال ابی بکر و هم عائشة و امّها أمّ رومان و اختها اسماء زوج الزبیر و هی حامل بعبد اللّه ابن الزبیر فولدته بقباء قبل نزولهم المدینة فکان اوّل مولود ولد من المهاجرین بالمدینة کما سیجی‌ء و قال رزین ان ابا بکر ارسل عبد اللّه بن اریقط مع زید بن حارثة لیأتیه بعائشة و أمّ رومان أمّها و عبد الرحمن و قال بعضهم و وجدوا طلحة بن عبید اللّه علی خروج فخرج معهم فقدموا کلهم فلما قدموا المدینة انزلهم فی بیت حارثة بن النعمان*

ولادة النعمان بن بشیر و عبد اللّه بن الزبیر

و فی هذه السنة ولد النعمان بن بشیر و هو اوّل مولود ولد فی الاسلام من الانصار و فی هذه السنة ولد عبد اللّه بن الزبیر* و فی الوفاء جاءت امّه اسماء بنت ابی بکر بعد الهجرة فنفست به بقباء فی شوّال فی السنة الاولی من الهجرة* و قال الذهبی تبعا للواقدی انه ولد فی شوّال سنة اثنتین کذا اورد فی المواهب اللدنیة و تاریخ الیافعی* و فی اسد الغابة ولد عبد اللّه بن الزبیر بالمدینة علی رأس عشرین شهرا من الهجرة و قیل فی السنة الاولی و سیجی‌ء قتله فی الخاتمة* و قال الحافظ ابن حجر المعتمد انه ولد فی السنة الاولی للحدیث المتفق علیه* و فی بعض الکتب ولد بعد الهجرة بعشرین شهرا و هو أوّل مولود ولد للمهاجرین بالمدینة بعد الهجرة أذن أبو بکر فی أذنه و کبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و المسلمون و کانوا قد تحدّثوا فیما بینهم بأنّ الیهود قد سحرتهم و قیل انّ الیهود قالت انا سحرناهم فلا یولد لهم مولود فکذبهم اللّه ففرح المسلمون بولادته و کان تکبیرهم حین الولادة للفرح* و فی الریاض النضرة ان أسماء لما هاجرت الی المدینة کانت حبلی به فنزلت بقباء فولدته هناک ثم خرجت حتی أتت به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو جالس فوضعته فی حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل فی فیه ثم حنکه بها و دعا له بالبرکة و کان أوّل ما دخل فی جوفه ریق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی المشکاة* و عن عائشة أنّ أمّه أسماء لما ولدته أتت به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیحنکه فأخذه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منها فوضعه فی حجره قالت عائشة فمکثنا ساعة نلتمسها یعنی تمرة قبل أن نجدها فمضغها ثم بصقها فی فیه فأوّل شی‌ء دخل بطنه ریق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت أسماء ثم مسحه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سماه عبد اللّه ثم جاء و هو ابن سبع سنین أو ثمان لیبایع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمره بذلک الزبیر فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین رآه مقبلا ثم بایعه أخرجه البخاری کذا فی الریاض النضرة* و فی حیاة الحیوان روی السهیلی انه لما ولد عبد اللّه بن الزبیر نظر إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال هو هو فلما سمعت بذلک أسماء أمسکت عن ارضاعه فقال لها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أرضعیه و لو بماء عینیک کبش بین الذئاب ذئاب علیها ثیاب لیمنعن البیت أو لیقتلن دونه* و ذکر الدّارقطنی و غیره أعطی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابن الزبیر و هو غلام دم محاجمه لیدفنه فشربه فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من خالط دمه دمی لم تمسه النار ویل لک من الناس و ویل للناس منک* أورده فی النجم الوهاج و القاضی عیاض فی الشفاء* و فی المواهب اللدنیة عن ابن الزبیر قال احتجم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال اذهب فغیبه فذهبت به فشربته فأتیته فقال ما صنعت قلت غیبته قال لعلک شربته قلت نعم قال ویل لک من الناس و ویل للناس منک و فیه دلالة علی طهارة بوله و دمه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الریاض النضرة لا تمسک النار إلا قسم الیمین و کان أطلس عدیم اللحیة و لا شعر فی وجهه و کان صوّاما قوّاما طویل الصلاة وصولا للرحم عظیم المجاهدة و الشجاعة و من مجاهدته المنقولة انه کان یحیی الدهر أجمع لیلة قائما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:355
حتی الصباح و لیلة راکعا حتی الصباح و لیلة ساجدا حتی الصباح و کان یواصل الصوم سبعا و یصوم یوم الجمعة فلا یفطر الا لیلة الجمعة الاخری و یصوم بالمدینة و لا یفطر الا بمکة و یصوم بمکة و لا یفطر الا بالمدینة و بینهما مائتا میل کذا فی معجم ما استعجم و کان أوّل ما یفطر علیه لبن لقحة بسمن بقر و صبر کذا فی الصفوة*

شجاعة عبد اللّه بن الزبیر

و من شجاعته المنقولة ما ذکره الذهبی فی دول الاسلام انّ عثمان فی خلافته لما عزل نائب مصر عمرو بن العاص و استعمل علیها عبد اللّه بن أبی سرح سار عبد اللّه بالجیوش الی المغرب فالتقی هو و الکفار و هم نحو مائتی ألف و ملکهم جرجیر و کان المصاف بسیطلة بقرب مدینة القیروان فقتل جرجیر و نزل النصر و کانت وقعة هائلة عظیمة بحیث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دینار من الغنیمة و کیفیتها ما قال مصعب بن الزبیر حدّثنی أبی و الزبیر بن حبیب قالا قال عبد اللّه بن الزبیر هجم علینا جرجیر فی مائة و عشرین ألفا و اختلف الجند علی ابن أبی سرح و خافوا کثرة العدد و أحاط بنا العدوّ و کنا عشرین ألفا فرأیت أنا غرة من جرجیر بصرت به خلف جیوشه علی برذون أشهب معه جاریتان تظللان علیه بریش الطواویس بینه و بین عسکره فلاة من الارض فأتیت أمیرنا ابن أبی سرح فندب لی فرسانا فاخترت منهم ثلاثین و قلت لهم اثبتوا هنا و حملت علی جرجیر و قلت احموا لی ظهری و خرجت الی جرجیر و هو یظن انی رسول إلیه فلما دنوت منه عرف الشر فوثب علی برذونه و ساق مولیا فأدرکته فطعنته فسقط ثم ضربته بالسیف و نصبت رأسه علی رمحی و کبرت و قد کبر المسلمون فحملوا ورکینا أکتاف العدوّ و تمزقوا و ذلک بشجاعة عبد اللّه بن الزبیر رضی اللّه عنه و سیجی‌ء خلافته فی الخاتمة فی سنة أربع و ستین و قتله فی سنة ثلاث و سبعین*

قصة فاطمة بنت النعمان‌

و فی هذه السنة ما روی انه کانت امرأة من بنی النجار یقال لها فاطمة بنت النعمان کان لها تابع من الجنّ و کان یأتیها فأتاها بعد ما هاجر النبیّ علیه الصلاة و السلام الی المدینة فانقض علی الحائط فقالت له ما لک لا تأتی کما کنت تأتی قال جاء النبیّ الذی یحرم الزنا و الحرام*

تکلم الذئب‌

و فی هذه السنة تکلم ذئب خارج المدینة ینذر برسول اللّه علیه الصلاة و السلام* عن أبی هریرة أنه قال جاء ذئب الی غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعی حتی انتزعها منه فصعد الذئب علی تل فاقعی و استنفر و قال عمدت الی رزق رزقنیه اللّه انتزعته منی فقال الرجل باللّه ان رأیت کالیوم ذئب یتکلم قال الذئب أعجب من هذا رجل فی النخلات بین الحرّتین یخبرکم بما مضی و ما هو کائن عندکم و کان الراعی یهودیا فجاء الی النبیّ علیه الصلاة و السلام فأخبره خبره و صدّقه النبیّ علیه الصلاة و السلام و قال انها أمارة من أمارات بین یدی الساعة أوشک الرجل أن یخرج فلا یرجع حتی یحدثه نعلاه و سوطه بما أحدث أهله بعده* و فی حیاة الحیوان قال ابن عبد البر کلم الذئب من الصحابة ثلاثة رافع بن عمیر و سلمة بن الاکوع و أهبان بن أوس*

ابتداء الغزوات‌

و فی هذه السنة ابتداء الغزوات* اعلم انه جرت عادة المحدّثین و أهل السیر و اصطلاحاتهم غالبا بأن یسموا کل عسکر حضره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنفسه الکریمة غزوة و ما لم یحضره بل أرسل بعضا من أصحابه الی العدوّ سریة و بعثا* و أفاد فی فتح الباری أن السریة بفتح المهملة و کسر الراء و تشدید التحتانیة هی التی تخرج باللیل و الساریة التی تخرج بالنهار و قیل سمیت بذلک یعنی السریة لانها تخفی ذهابها و هذا یقتضی انها أخذت من السر و لا یصح لاختلاف المادّة و هی قطعة من الجیش تخرج منه و تعود إلیه کذا فی المواهب اللدنیة* و فی القاموس السریة من خمسة أنفس الی ثلاثمائة أو أربعمائة* و فی المواهب اللدنیة من مائة الی خمسمائة فما زاد علی خمسمائة یقال له منسر بالنون ثم المهملة و فی السامی فی الاسامی المنسر و المقنب من الثلاثین الی الاربعین* و فی المواهب اللدنیة فان زاد علی ثمانمائة یسمی جیشا فان زاد علی أربعة آلاف یسمی جحفلا و الخمیس الجیش العظیم الکثیر و کذا المجر و المدهم و العرمرم کذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:356
فی سامی الاسامی و فی المواهب اللدنیة و ما افترق من السریة یسمی بعثا و الکثیبة و الفیلق ما اجتمع و لم ینتشر* و فی سر الادب فی ترتیب العساکر عن أبی بکر الخوارزمی عن ابن خالویه أقل العساکر الجریدة و هی قطعة جردت من سائرها لوجه ما ثم السریة أکثر منها و هی من خمسین الی أربعمائة ثم الکثیبة و هی من مائة الی ألف ثم الجیش و هو من ألف الی أربعة آلاف و کذلک العریق و الجحفل ثم الخمیس و هو من أربعة آلاف الی اثنی عشر ألفا و العسکر یجمعها* و جملة غزواته التی غزاها علیه السلام بنفسه مختلف فیها ففی سیرة الیعمری و ابن هشام و الاکتفاء و المواهب اللدنیة سبع و عشرون کما قاله ابن اسحاق غزوة و دان و هی غزوة الابواء ثم غزوة بواط من ناحیة رضوی ثم غزوة العشیرة من بطن ینبع ثم غزوة بدر الصغری الاولی بطلب کرز بن جابر ثم غزوة بدر الکبری القتال ثم غزوة بنی سلیم حتی بلغ الکدر ثم غزوة السویق لطلب أبی سفیان بن حرب ثم غزوة غطفان و هی غزوة ذی أمر ثم غزوة بحران معدان بالحجاز ثم غزوة أحد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بنی النضیر ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الأخری ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بنی قریظة ثم غزوة بنی لحیان من هذیل ثم غزوة ذی قرد ثم غزوة بنی المصطلق من خزاعة و هی غزوة المریسیع ثم غزوة الحدیبیة لا یرید قتالا فصدّه المشرکون ثم غزوة خیبر ثم غزوة عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ثم غزوة حنین ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوک قاتل صلّی اللّه علیه و سلم فی تسع غزوات منها بدر و أحد و الخندق و بنی قریظة و بنی المصطلق و خیبر و الفتح و حنین و الطائف و هذا الترتیب عن ابن اسحاق و خالفه ابن عقبة فی بعضه کذا فی الاکتفاء و سیرة ابن هشام و سیجی‌ء بالتفصیل ان شاء اللّه تعالی* و قیل جمیع غزواته أربع و عشرون و قیل احدی و عشرون و قیل تسع عشرة غزوة* و فی خلاصة السیر للمحب الطبری و جملة المشهور منها اثنتان و عشرون غزوة* و قال ابن اسحاق و أبو معشر و موسی بن عقبة و غیرهم المشهور انه غزا خمسا و عشرین غزوة بنفسه* و فی عمدة المعانی و أسد الغابة و کانت جملة غزواته ستا و عشرین غزوة و قاتل فی تسع منها أوفی اثنتی عشرة و هی بدر و أحد و المریسیع و الخندق و بنو قریظة و خیبر و فتح مکة و حنین و الطائف هذا علی قول من قال فتحت مکة عنوة* و فی سیرة الیعمری قاتل منها فی سبع و عدّ ما عدا خیبر و فتح مکة* و فی الصفوة قاتل أیضا بوادی القری و بنی النضیر* و فی خلاصة الوفاء البعوث و السرایا خمسون أو نحوها و کذلک فی سیرة الیعمری* و فی المواهب اللدنیة و کانت سرایاه التی بعث بها سبعا و أربعین سریة و فی موضع آخر منه فجمیع سرایاه و بعوثه نحو ستین و مغازیه سبع و عشرون* و فی الاکتفاء و سیرة ابن هشام و کانت بعوثه و سرایاه ثمانیة و ثلاثین ما بین بعث و سریة* و فی أسد الغابة لابن الاثیر خمسة و ثلاثین و اختلف أیضا فی أوّل الغزوات فمحمد بن اسحاق و جماعة علی ان أوّلها غزوة الابواء ثم بواط ثم العشیرة* و روی البخاری أیضا فی صحیحه عن ابن اسحاق بهذا الترتیب و رجحه الحافظ ابن حجر فی فتح الباری شرح صحیح البخاری و قیل أوّل ما غزا العشیرة*

بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر

و فی رمضان هذه السنة علی رأس سبعة أشهر من الهجرة و قیل فی ربیع الاوّل سنة ثنتین بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر و کان أوّل بعوثه علیه السلام قال ابن اسحاق بعث رسول اللّه حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر من ناحیة العیص فی ثلاثین راکبا من المهاجرین قیل و من الانصار و فیه نظر لانه لم یبعث من الانصار حتی غزا بهم بدرا لیتعرّض عیر قریش فلقی أبا جهل بالساحل فی ثلاثمائة راکب من أهل مکة فلما تصافوا حجز بینهما مجدی بن عمرو الجهنی و کان موادعا للفریقین حلیفا لهما ثم انصرفوا من غیر قتال و کان حامل لواء حمزة أبو مرثد الغنوی* و فی المواهب اللدنیة و کان علیه السلام قد عقد له لواء أبیض و اللواء هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:357
العلم الذی یحمل فی الحرب یعرف به موضع صاحب الجیش و قد یحمله أمیر الجیش و قد یدفعه الی مقدم العسکر و قد صرّح جماعة من أهل اللغة بترادف اللواء و الرایة لکن روی أحمد و الترمذی عن ابن عباس کانت رایة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سوداء و لواؤه أبیض و مثله عن الطبرانی عن بریدة و عن ابن عدی عن أبی هریرة و زاد مکتوب فیه لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و هو ظاهر فی التغایر و لعل التفرقة بینهما عرفیة* و ذکر ابن اسحاق و کذا أبو الاسود عن عروة أنّ أوّل ما حدثت الرایات یوم خیبر و ما کانوا یعرفون قبل ذلک الا الاولویة انتهی و هکذا قدم بعضهم سریة حمزة هذه علی سریة عبیدة و قال لواء حمزة أوّل لواء عقد فی الاسلام* و قال المداینی أوّل سریة بعثها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سریة حمزة بن عبد المطلب فی ربیع الاوّل من سنة اثنتین الی سیف البحر من أرض جهینة خرجه أبو عمرو و صاحب الصفوة و لفظه أوّل لواء عقد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لحمزة حین قدم المدینة* و قال ابن اسحاق ان ذلک لعبیدة بن الحارث و إلیه أشار ابن هشام فی سیرته و انما اشتبه ذلک علی الناس لان بعثه و بعث عبیدة کانا معا و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شیعهما جمیعا فأشکل أمرهما فکل من قال ذلک فی واحد منهما فهو صادق کذا فی ذخائر العقبی و هذا یشکل بقوله ان بعث عبیدة کان علی رأس ثمانیة أشهر لکن یحتمل أن یکون صلّی اللّه علیه و سلم عقد رایتهما معا ثم تأخر خروج عبیدة الی رأس الثمانیة لامر اقتضاه و اللّه أعلم* و قال أبو عمرو ان أوّل رایة عقدت لعبد اللّه بن جحش* و فی شوّال هذه السنة علی رأس ثمانیة أشهر کانت سریة عبیدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف بن قصی الی بطن رابغ بالغین المعجمة و یعرف بودّان*

سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ‌

روی انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عقد لواء أبیض لابن عم عبد المطلب عبیدة بن الحارث بن المطلب و أمره علی ستین رجلا من المهاجرین لیس فیهم من الانصار واحد و قد مرّ الخلاف فی انه أوّل رایة رایة حمزة و کان حامل اللواء مسطح بن اثاثة و رمی فیها سعد بن أبی وقاص بسهم فکان أوّل سهم رمی به فی الاسلام و کان ذلک قبل غزوة الابواء علی القول الراجح و أوردها ابن هشام فی سیرته و الکلاعی فی الکتفاء بعد غزوة الابواء فی السنة الثانیة فی ربیع الاوّل حیث قال ثم رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی من غزوة الابواء الی المدینة فأقام بها بقیة صفر و صدرا من شهر ربیع الاوّل و بعث فی مقامه ذلک عبیدة ابن الحارث و قیل بعثه من الابواء و ذکر أبو الاسود فی مغازیه عن عروة انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما وصل الی الابواء بعث عبیدة بن الحارث فی ستین رجلا و ذکر القصة فیکون ذلک فی السنة الثانیة و به صرّح بعض أهل السیر* و فی سیرة ابن هشام بعثه حین أقبل من غزوة الابواء قبل أن یصل الی المدینة فسار حتی بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنیة المرّة فلقی جمعا عظیما من قریش و کان أمیرا علی المشرکین أبو سفیان بن حرب و قیل عکرمة بن أبی جهل و قیل مکرز بن حفص فترموا بالنبل و کان أوّل من رمی فی وجوه المشرکین بسهم سعد بن أبی وقاص کما مرّ و لم یقع بینهم ضرب السیوف فظنّ المشرکون ان للمسلمین مددا فخافوا و انهزموا و لم یتبعهم المسلمون فانحاز من المشرکین الی المسلمین رجلان المقداد بن عمرو و عتبة بن غزوان المازنی و کانا مسلمین لکنهما خرجا لیتوصلا بالکفار الی المسلمین*

بناؤه علیه السلام بعائشة

و فی هذه السنة بنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعائشة بنت أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنهما و سنذکر تمام نسبها فی الخاتمة فی خلافة أبی بکر ان شاء اللّه تعالی و أمّها أمّ رومان بنت عامر بن عویمر و کنیتها أمّ عبد اللّه کناها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم باسم ابن أختها عبد اللّه بن الزبیر و کان البناء بها علی رأس تسعة أشهر و قیل ثمانیة عشر شهرا فی شوّال کذا فی المواهب اللدنیة و تاریخ الیافعی و کذا فی الوفاء من غیر لفظ شوّال* و فی أسد الغابة و بنی بها فی المدینة سنة اثنتین* و فی المشکاة عن عائشة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:358
أنها قالت تزوّجنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی شوّال و بنی بی فی شوّال فأی نساء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان أحظی عنده منی* و عن عائشة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها و هی بنت سبع سنین و زفت إلیه و هی بنت تسع سنین و لعبها معها و مات عنها و هی بنت ثمانی عشرة سنة و قیل البناء بها فی الثامن و العشرین من ذی الحجة و قیل زفافها وقع فی السنة الثانیة و الاوّل أصح و کان البناء بها یوم الاربعاء ضحی فی منزل أبی بکر بالسنخ* و خرج الشیخان عن عائشة أنها قالت تزوّجنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابنة ست سنین فقدمنا المدینة فنزلنا فی بنی الحارث بن الخزرج فوعکت فتمزق شعری فأتتنی أمی أم رومان و انی لفی أرجوحة مع صواحب لی فصرخت بی فأتیتها ما أدری ما ترید منی فأخذت بیدی حتی أوقفتنی علی باب الدار و أنا أنهج حتی سکن بعض نفسی ثم أخذت شیئا من ماء فمسحت به وجهی و رأسی ثم أدخلتنی الدار فاذا نسوة من الانصار فی البیت فقلن علی الخیر و البرکة فأسلمتنی إلیهنّ فأصلحن من شأنی فلم یرعنی الا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضحی فأسلمتنی إلیه و أنا یومئذ بنت تسع سنین کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المواهب اللدنیة أیضا بنی بعائشة فی البیت الذی یلیه شارعا الی المسجد و جعل سودة بنت زمعة فی البیت الآخر الذی یلیه الی الباب الذی یلی آل عثمان ثم تحوّل علیه السلام من دار أبی أیوب الی مساکنه التی بناها* روی انه علیه السلام ما أ و لم علی عائشة بشی‌ء غیر أن قدحا من لبن أهدی إلیه من بیت سعد بن عبادة فشرب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعضه و شربت عائشة منه* و روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أری عائشة فی المنام مرتین أو ثلاثا فی سرقة من حریر یجی‌ء بها الملک فیقول هذه امرأتک و للترمذی جاء جبریل بصورتها فی سرقة حریر خضراء فقال هذه زوجتک فی الدنیا و الآخرة* و فی البخاری عن عائشة أنها قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أریتک فی المنام مرّتین اذا رجل یحملک فی سرقة حریر فیقول هذه امرأتک فاکشفها فاذا هی أنت فأقول ان یکن هذا من عند اللّه یمضه* و روی انه صلّی اللّه علیه و سلم قال یا عائشة هذا جبریل یقرئک السلام فقالت و علیه السلام و رحمة اللّه و برکاته و کانت من خیر مفتی الصحابة و فقهائهم و فصحائهم و بلغائهم حتی نقل عن بعض السلف ان ربع الاحکام الشرعیة علم منها* و فی الاخبار خذوا ثلثی دینکم من هذه الحمیراء* و روی عن عروة بن الزبیر أنه قال ما رأیت أحدا أعلم بمعانی القرآن و بالفریضة و أحکام الحلال و الحرام و شعر العرب و علم النسب من عائشة و هذان البیتان من أشعارها قالتهما فی مدح النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
فلو سمعوا فی مصر أوصاف خدّه‌لما بذلوا فی سوم یوسف من نقد
لوامی زلیخا لو رأین جبینه‌لآثرن بالقطع القلوب علی الایدی و من کلماتها ینبغی للاخ أن یکون خیرا لاخیه منه لنفسه أ لا تری ان موسی سأل لهارون علیهما السلام النبوّة و روی ان رجلا سألها متی أعلم انی محسن قالت اذا علمت انک مسی‌ء فقال متی أعلم انی مسی‌ء قالت اذا علمت انک محسن و قالت أدیموا قرع باب الملک یفتح لکم قیل کیف ندیمه قالت بالجوع و الظمأ و من کلماتها النکاح رق فلینظر أحدکم أین یضع عتیقه و روی أنها کانت تقرأ القرآن فلما بلغت هذه الآیة لقد أنزلنا إلیکم کتابا فیه ذکرکم أ فلا تعقلون قالت و اللّه أطلب ذکری و صفتی فی القرآن فلم تزل تختم القرآن و تتفکر فی معانی الآیات حتی قالت انّ اللّه قد اطلعنی علی ذکری و صفتی فی القرآن قیل و ما هو قالت هو و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سیئا عسی اللّه أن یتوب علیهم و لم یتزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بکرا غیرها فمکثت عنده تسع سنین و لم یولد منها ولد و ما قیل انها أسقطت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سقطا فسماه عبد اللّه و کناها بأم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:359
عبد اللّه فغیر ثابت و توفی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عنها و لها ثمانی عشرة سنة و عاشت بعده سبعا و أربعین سنة قال الواقدی و توفیت عائشة بالمدینة لیلة الثلاثاء لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان سنة ثمان و خمسین و قال غیره سبع و خمسین من الهجرة فی أیام معاویة و سیجی‌ء و مدّة عمرها ثلاث و ستون سنة و هو الصحیح و قیل ست و ستون کذا فی الصفوة و المنتقی و حضر جنازتها أکثر أهل المدینة و صلّی علیها أبو هریرة و کان خلیفة مروان بالمدینة* و فی شواهد النبوّة عن عائشة أنها قالت یا رسول اللّه ائذن لی أن أدفن بعد وفاتک بجنبک فقال کیف تدفنین هناک و ما فیه الا موضع قبری و قبر أبی بکر و قبر عمر و قبر عیسی ابن مریم و دفنت بالبقیع مع صاحباتها بمقتضی وصیتها و دخل فی قبرها قاسم بن محمد بن أبی بکر و عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبی بکر مرویاتها فی الکتب المتداولة ألفان و مائتان و عشرة أحادیث المتفق علیها منها مائة و أربعة و ستون حدیثا و فرد البخاری أربعة و خمسون حدیثا و فرد مسلم ثمانیة و ستون حدیثا و الباقیة فی سائر الکتب*

بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار

و فی ذی القعدة من هذه السنة علی رأس سبعة أشهر بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن أبی وقاص فی عشرین رجلا الی الخرار بخاء معجمة و راءین مهملتین واد بالحجاز یصب فی الجحفة* و قال أبو عمرو و کانت بعد بدر* و قال ابن حزم نحوه کذا فی سیرة مغلطای یعترض عیرا لقریش و عقد له لواء أبیض حمله المقداد بن عمرو فخرجوا علی أقدامهم یکمنون بالنهار و یسیرون باللیل حتی انتهوا إلیه صبح خامسه فلم یجدوا شیئا و قد سبقتهم العیر بیوم* و فی روایة قد مرّت بالامس فرجعوا الی المدینة*

ابتداء الاذان‌

و فی هذه السنة شرع الاذان قال ابن المنذر ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یصلی بغیر أذان منذ فرضت الصلاة بمکة الی أن هاجر الی المدینة و کان الناس بها کما فی السیر و غیرها انما یجتمعون الی الصلاة لتحین مواقیتها من غیر دعوة* و أخرج ابن سعدان بلالا کان ینادی للصلاة بقوله الصلاة جامعة و شاور النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه فیما یجمعهم للصلاة و کان ذلک فیما قیل فی السنة الثانیة فأری عبد اللّه بن ثعلبة بن عبد ربه الخزرجی الاذان و الاقامة علی الوجه المتعارف قال عبد اللّه لما أجمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة و هو له کاره لموافقته النصاری رأیت فی المنام رجلا علیه ثوبان أخضران و فی یده ناقوس یحمله قلت له یا عبد اللّه تبیع هذا الناقوس قال ما تصنع به قلت ندعو به للصلاة قال أ فلا أدلک علی خیر من ذلک فقلت بلی قال تقول اللّه أکبر اللّه أکبر الی آخره ثم استأخر غیر بعید فقال تقول اذا أقیمت الصلاة اللّه أکبر اللّه أکبر الی آخرها و زاد فیها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرّتین فلما أصبحت أتیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبرته بما رأیت فقال ان هذه لرؤیا حق ان شاء اللّه ثم أمر بالتأذین و کان بلال یؤذن بذلک و یدعو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الصلاة فجاءه ذات غداة و دعا الی صلاة الفجر فقیل انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نائم فصرخ بلال بأعلی صوته الصلاة خیر من النوم فأدخلت هذه الکلمة فی التأذین لصلاة الفجر* و فی روایة لما صرفت القبلة الی الکعبة أمر بالاذان و ذلک ان الناس کانوا لا یدرون کیف یفعلون لتجتمع الناس للصلاة فذکر بعضهم البوق و بعضهم الناقوس و بعضهم النار فبیناهم علی ذلک رأی عبد اللّه بن زید الخزرجی فی المنام کیفیة الاذان و الاقامة علی الوجه الذی ذکر فلما أصبح أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بما رأی فقال له قم مع بلال فألق علیه ما قیل لک فلیؤذن بذلک ففعل و جاء عمر بن الخطاب فقال قد رأیت مثل الذی رأی عبد اللّه فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فللّه الحمد فعلی هذه الروایة یکون الاذان قد وقع فی السنة الثانیة من الهجرة لانه قیل فیها لما صرفت القبلة و قد صح ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:360
و أصحابه صلوا الی بیت المقدس ستة عشر شهرا* و ذکر ابن شهاب عن عبید بن عمیر ان عمر بن الخطاب بینا هو یرید أن یشتری خشبتین للناقوس عند ما ائتمر به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه اذ رأی فی المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا بالصلاة فذهب عمر الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیخبره بالذی رأی فما راعه الا بلال یؤذن و قد جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الوحی بذلک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین أخبره سبقک بذلک الوحی کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة فان قلت هل أذن علیه السلام بنفسه قط أجاب السهیلی بأنه روی الترمذی و رفعه الی أبی هریرة أنه صلی اللّه علیه و سلم أذن مرّة فی سفر و صلّی بهم علی رواحلهم الحدیث قال فنزع بعض الناس بهذا الحدیث الی أنه علیه السلام أذن بنفسه و کذا جزم النووی بأنه أذن مرّة فی سفر و اللّه أعلم‌

* (الموطن الثانی فی حوادث السنة الثانیة من الهجرة

اشارة

من صوم عاشوراء و تزوّج علیّ بفاطمة و غزوة ودّان و هی الابواء و غزوة بواط و غزوة العشیرة و تکنیة علیّ بابی تراب و سریة عبد اللّه بن جحش الی بطن نخلة و تحویل القبلة و تجدید بناء مسجد قباء و نزول فرض رمضان و غزوة بدر و غلبة الروم علی فارس و وفاة رقیة و قتل عمیر بن عدی العصماء و زکاة الفطر و صلاته و فرض زکاة الاموال و غزوة قرقرة الکدر و سریة سالم بن عمیر و غزوة بنی قینقاع و غزوة السویق و موت عثمان بن مظعون و صلاة العید و التضحیة و بناء علیّ بفاطمة و موت أمیة ابن أبی الصلت‌

صوم عاشوراء

و فی هذه السنة صام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عاشوراء و أمر بصیامه* روی عن ابن عباس أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قدم المدینة فوجد الیهود صائمین یوم عاشوراء فقال لهم ما هذا الیوم الذی تصومونه قالوا هذا یوم عظیم أنجی اللّه فیه موسی و أغرق فرعون و قومه فصامه موسی شکرا فنحن نصومه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنحن أحق و أولی باحیاء سنة أخی موسی منکم فصامه و أمر بصیامه أخرجاه فی الصحیحین* و عن هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة قالت کان عاشوراء یوما تصومه قریش فی الجاهلیة و کان یصومه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بمکة فلما قدم المدینة فرض صیام شهر رمضان فمن شاء صامه و من شاء ترکه کذا فی التنبیه لابی اللیث السمرقندی* و عن میمون بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من صام یوم عاشوراء من المحرم أعطی ثواب عشرة آلاف ملک و عشرة آلاف حاج و معتمر و عشرة آلاف شهید و من مسح بیده رأس یتیم فی یوم عاشوراء رفع اللّه له بکل شعرة درجة فی الجنة و من فطر مؤمنا لیلة عاشوراء فکانما أفطر عنده جمیع أمّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم و أشبع بطونهم قالوا یا رسول اللّه لقد فضل یوم عاشوراء علی سائر الایام قال نعم. خلق اللّه السموات یوم عاشوراء و خلق الجبال یوم عاشوراء و خلق النجوم یوم عاشوراء و خلق القلم یوم عاشوراء و خلق اللوح یوم عاشوراء و خلق آدم یوم عاشوراء و خلق حوّاء یوم عاشوراء و أدخل آدم الجنة یوم عاشوراء و ولد ابراهیم یوم عاشوراء و أنجاه اللّه من النار یوم عاشوراء و فدی ابنه الذبیح یوم عاشوراء و أغرق فرعون و فلق البحر لبنی اسرائیل یوم عاشوراء و کشف اللّه البلاء عن أیوب یوم عاشوراء و ولد عیسی یوم عاشوراء و غفر ذنب داود یوم عاشوراء و ردّ ملک سلیمان یوم عاشوراء و تاب اللّه علی آدم یوم عاشوراء و رفع اللّه عیسی یوم عاشوراء و یوم القیامة یوم عاشوراء* و عن ابراهیم بن محمد المنتشر بلغه أنّ من وسع علی عیاله یوم عاشوراء وسع اللّه علیه النعمة سائر السنة* قال سفیان بن عیینة جربناه ثلاثین سنة فوجدناه کذلک أورد هذه الثلاثة أبو اللیث السمرقندی فی التنبیه و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان اللّه تعالی فرض علی بنی اسرائیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:361
صوم یوم فی السنة و هو یوم عاشوراء و هو الیوم العاشر من المحرّم فصوموا فیه و وسعوا علی أهالیکم فیه فانه الیوم الذی تاب اللّه فیه علی آدم و کانت عاشوراء حینئذ یوم الجمعة و هو الیوم الذی رفع اللّه فیه ادریس و هو الیوم الذی أخرج فیه نوحا و من معه من السفینة فصامه شکرا للّه و هو الیوم الذی ردّ اللّه فیه علی یعقوب بصره و هو الیوم الذی أخرج اللّه فیه یوسف من السجن و هو الیوم الذی کشف اللّه فیه العذاب عن قوم یونس و أخرج اللّه فیه یونس من بطن الحوت و غفر اللّه فیه لمحمد ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر و هاجر فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و المشهور ان هجرته کانت فی ربیع الاوّل و فی روایة ابن مسعود و فیه ولد نوح و ابراهیم و فی روایة عبد اللّه بن سلام و اسماعیل و اسحاق و یحیی و یونس و عیسی و محمد علیهم السلام و المشهور ان ولادته کانت فی ربیع الاوّل انتهی و کذلک فاطمة و الحسن و الحسین و ابتداء ابراهیم و اسماعیل بناء الکعبة فیه و تاب اللّه فیه علی اخوة یوسف و علی داود و علی قوم یونس و أهلک نمرود و خسف بقوم لوط و قتل داود جالوت و فی حدیث غیره و هلک شدّاد ابن عاد و فرعون و هامان و قارون و العمالقة و عاد و ثمود و قوم ابراهیم و فی حدیث وهب بن منبه ولد موسی بن عمران یوم الاثنین یوم عاشوراء و خلق فیه العرش و الکرسی و اللوح و القلم و الجنة و غرس شجرة طوبی و البحار و البراق و فیه تقوم الساعة و فی حدیث ابن عباس فیه خلق جبریل و میکائیل و النجوم و فیه کانت شهادة الحسین بن علیّ و هی کرامة له و ذلک کله فی بحر العلوم* و فی حدیث انّ أوّل رحمة نزلت من السماء نزلت یوم عاشوراء لانّ جبریل نزل علیّ یوم عاشوراء و خلق اللّه السموات و الارض یوم عاشوراء و خلق البراق و الحور العین یوم عاشوراء و زوّج اللّه ابراهیم سارة یوم عاشوراء و أخرج اللّه سارة من ید ملک حران الطاغی و أعطاها هاجر یوم عاشوراء و اتخذ اللّه ابراهیم خلیلا یوم عاشوراء و تزوّج یوسف علیه السلام زلیخا یوم عاشوراء و تزوّج محمد صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة یوم عاشوراء و کلم اللّه موسی یوم عاشوراء و وقع فی بطن أمّه لیلة عاشوراء*

تزوّج علی بفاطمة رضی اللّه عنها

اشارة

و فی هذه السنة تزوّج علیّ بفاطمة رضی اللّه عنها و فی الصفوة تزوّجها فی السنة الثانیة من الهجرة فی رمضان و بنی بها فی ذی الحجة و فی الوفاء کان ذلک قبل بدر فی رجب علی الاصح بعد مقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بخمسة أشهر و بنی بها مرجعه من بدر و قیل فی صفر* و فی ذخائر العقبی عن جعفر بن محمد قال تزوّج علیّ فاطمة فی لیال بقین منه و بنی بها فی ذی الحجة علی رأس اثنین و عشرین شهرا من التاریخ قال أبو عمرو بعد وقعة أحد و قال غیره بعد بناء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعائشة بأربعة أشهر و نصف و بنی بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر و نصف و تزوّجها علیّ و هی ابنة خمس عشرة سنة و خمسة أشهر أو ستة أشهر و نصفا و قیل بنت ثمان عشرة سنة* و قال ابن الجوزی ولدت قبل النبوّة بخمس سنین أیام بناء البیت کذا فی سیرة مغلطای و سنّ علیّ یومئذ احدی و عشرون سنة و خمسة أشهر و لم یتزوّج علیها حتی ماتت کذا فی المواهب اللدنیة و الذی کان لها من الجهاز بردان و علیها دملجان من فضة و کانت معها خمیلة و وسادة أدم حشوها لیف و منخل و قدح و رحی و سقایة و جرّتان* و فی ذخائر العقبی أمرهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یجهزوها فجعل لها سریر مشرط و وسادة من أدم حشوها لیف* روی أن أبا بکر خطب فاطمة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یا أبا بکر أنتظر بها القضاء ثم خطبها عمر فقال له مثل ما قال لابی بکر ثم أهلّ علیّ فقالوا یا علی اخطب فاطمة قال أخطب بعد أبی بکر و عمر و قد منعهما* و فی روایة قال کیف و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یعطها أشراف قریش فذکروا له قرابته من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فخطبها فزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أربعمائة و ثمانین درهما فباع علیّ بعیرا له و بعض متاعه فبلغ أربعمائة و ثمانین درهما فأمره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یجعل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:362
ثلثیها فی الطیب و ثلثها فی المتاع* و فی روایة جعل ثلثها فی الطیب و ثلثیها فی الثیاب* و روی انّ علیا خطب فاطمة فقال لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان علیا یذکرک فسکتت فزوّجها ایاه* و عن عکرمة ان علیا خطب فاطمة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما تصدقها قال لیس عندی ما أصدقها قال فأین درعک الحطمیة قال لدیّ قال أصدقها ایاه فأصدقها ایاه فتزوّجها* و فی ذخائر العقبی عن علیّ قال و هل عندک من شی‌ء تستحلها به قلت لا و اللّه یا رسول اللّه فقال ما فعلت الدرع التی سلحتکها فقلت عندی و الذی نفس علیّ بیده انها لحطمیة ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد زوّجتکها فابعث بها فان کانت لصداق فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خرجه أبو اسحاق و خرجه الدولابی أیضا* و فی ذخائر العقبی قال سمرة فی تفسیر الحطمیة هی العریضة الثقیلة* و قال بعضهم هی التی تکسر السیوف و یقال هی منسوبة الی بطن من عبد القیس یقال له حطمة بن محارب کانوا یعملون الدروع* و قال ابن عیینة هی شرّ الدروع و هذا أمس بالحدیث لان علیا ذکرها فی معرض الذم لها و تقلیل ثمنها قیل انه باع الدرع باثنتی عشرة أوقیة و الأوقیة أربعون درهما و کان ذلک مهر فاطمة من علیّ* و فی المواهب اللدنیة عن أنس قال جاء أبو بکر ثم عمر یخطبان فاطمة الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فسکت و لم یرجع إلیهما شیئا فانطلقا الی علیّ یأمر انه بطلب فاطمة قال علیّ فنبهانی لامر کنت عنه غافلا فقمت أجرّ ردائی حتی أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقلت تزوّجنی فاطمة قال أو عندک شی‌ء قلت فرسی و بدنی قال امّا فرسک فلا بدّ لک منها و امّا بدنک فبعها فبعتها بأربعمائة و ثمانین درهما فجئته بها فوضعتها فی حجره فقبض منها قبضة فقال أی بلال ابتع لنا بها طیبا و أمرهم أن یجهزوها فجعل لها سریر مشرّط و وسادة من أدم حشوها لیف الی آخر ما سیجی‌ء فی زفافه* و فی بعض الروایات جعل صداقها درعه فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة و ثمانین درهما ثم انّ عثمان ردّ الدرع الی علیّ فجاء علیّ بالدرع و الدراهم الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعا لعثمان بدعوات* روی بریدة قال أتی علیّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ما حاجة ابن أبی طالب فقال ذکرت فاطمة فقال مرحبا و أهلا ثم لم یزد علیهما فخرج علیّ علی رهط من الانصار فقالوا ما وراءک یا علیّ قال ما أدری غیر انه قال لی مرحبا و أهلا قالوا یکفیک من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم احداهما أعطاک الاهل و أعطاک الرحب فلما زوّجه قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا علی انه لا بدّ للعرس من ولیمة فقال سعد عندی کبش و جمع له رهط من الانصار آصعا من ذرّة و کان ذلک ولیمة عرسه*

ذکر خطبة النبیّ فی نکاح فاطمة

و روی أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خطب حین النکاح هذه الخطبة* الحمد للّه المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إلیه فیما عنده النافذ أمره فی سمائه و أرضه الذی خلق الخلق بقدرته و میزهم بحکمته و أحکمهم بعزته و أعزهم بدینه و أکرمهم بنبیه محمد ثم انّ اللّه تعالی جعل المصاهرة نسبا لا حقا و أمرا مفترضا نسخ بها الآثام* و فی روایة أو شج بها الارحام و ألزمها الانام فقال عز و جل و هو الذی خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و کان ربک قدیرا فأمر اللّه یجری الی قضائه و قضاؤه یجری الی قدره و قدره یجری الی أجله فلکل قضاء قدر و لکل قدر أجل و لکل أجل کتاب یمحو اللّه ما یشاء و یثبت و عنده أم الکتاب ثم انّ اللّه تعالی أمرنی أن أزوّج فاطمة من علی و قد زوّجته علی أربعمائة مثقال فضة أرضیت یا علی فقال علی رضیت عن اللّه و عن رسوله فقال جمع اللّه شملکما و أسعد جدّکما و بارک علیکما و أخرج منکما کثیرا طیبا* و فی روایة لما أراد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یزوّج علیّ بن أبی طالب فاطمة قال یا علی اخطب لنفسک فقال علیّ* الحمد للّه شکرا لانعمه و أیادیه و اشهد أن لا إله الا اللّه شهادة تبلغه و ترضیه و صلّی اللّه علی محمد صلاة تزلفه و ترضیه و النکاح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:363
مما أمر اللّه به و رضیه و اجتماعنا مما قدّر اللّه و أذن فیه و قد زوّجنی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فاطمة ابنته علی ثنتی عشرة أوقیة فسلوه و اشهدوا فلما تمّ النکاح دعا بطبق من بسر فوضعه بین یدیه ثم قال انتهبوا و سیجی‌ء الزفاف فی آخر هذه السنة فی ذی الحجة علی القول الاصح ان شاء اللّه تعالی‌

* غزوة الابواء

و فی صفر هذه السنة وقعت غزوة الابواء و هو جبل بین مکة و المدینة و یقال له ودان کذا فی سیرة مغلطای أی علی رأس اثنی عشر شهرا من مقدمه المدینة کما ذکره ابن اسحاق و قیل لسنة و شهرین و عشرة أیام و قیل فی أواخر السنة الاولی* قال ابن اسحاق قدم رسول اللّه علیه الصلاة و السلام المدینة لاثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاوّل فأقام بقیة شهر ربیع الاوّل و ربیع الآخر و جمادین و رجبا و شعبان و شهر رمضان و شوّالا و ذا القعدة و ذا الحجة و ولی تلک الحجة المشرکون و المحرّم ثم خرج غازیا فی صفر علی رأس اثنی عشر شهرا من مقدمه المدینة و هی أوّل مغازیه کما ذکره ابن اسحاق و هی من ودّان علی ستة أمیال أو ثمانیة مما یلی المدینة و لتقاربهما أطلق علیهما غزوة ودّان أیضا کذا فی الوفاء و ودّان قریة من أمّهات القری و قیل واد فی الطریق یقطعه المصعدون من حجاج المدینة روی أنه علیه الصلاة و السلام استخلف علی المدینة سعد بن عبادة فیما قاله ابن هشام و خرج فی ستین رجلا من أصحابه یرید قریشا و بنی ضمرة بن بکر بن عبد مناة بن کنانة فلما بلغ الابواء تلقاه سید بنی ضمرة مجشی بن عمرو الضمری فصالحه ثم رجع الی المدینة* و فی الوفاء فانصرف بعد ما وادع مجدی بن عمرو الضمری* و فی المواهب اللدنیة فکانت الموادعة أی المصالحة علی ان بنی ضمرة لا یغزونه و لا یکثرون علیه جمعا و لا یعینون علیه عدوّا و لم یلق کیدا أی حربا* قال ابن الاثیر الکید الاحتیال و الاجتهاد و به سمی الحرب کیدا*

غزوة بواط

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بواط جبل لجهینة من ناحیة رضوی بینه و بین المدینة أربعة برد فی ربیع الاوّل و قیل الآخر کذا فی سیرة مغلطای* و فی المواهب اللدنیة بواط بفتح الباء الموحدة و قد تضم و تخفیف الواو آخره طاء مهملة و هی الغزوة الثانیة غزاها النبیّ علیه الصلاة و السلام فی شهر ربیع الاوّل علی رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة فسار حتی بلغ موضعا یقال له بواط من ناحیة رضوی بفتح الواو و سکون المعجمة مقصورا* و فی مزیل الخفاء بواط جبل من جبال جهینة* و فی خلاصة الوفاء رضوی کسکری جبل علی یوم من ینبع و أربعة أیام من المدینة ذو شعاب و أودیة و به میاه و أشجار و هذا هو المعروف فی المسافة بینهما و منه تقطع أحجار المسانّ قال عرام هو أوّل تهامة و ذکر أنّ رضوی مما وقع بالمدینة من الجبل الذی تجلی اللّه سبحانه و تعالی له و صار لهیبته ستة أجبل و ان رضوی من جبال الجنة* و فی روایة من الجبال التی بنی منها البیت و فی الحدیث رضوی رضی اللّه عنه و قدس قدّسه اللّه و أحد جبل یحبنا و نحبه و تزعم الکیسانیة ان محمد بن الحنفیة مقیم برضوی حیّ یرزق* روی ان النبیّ علیه الصلاة و السلام عقد لواء أبیض و دفعه الی سعد بن أبی وقاص و استعمل علی المدینة السائب بن عثمان بن مظعون قاله ابن هشام و یقال استخلف سعد بن معاذ و خرج فی مائتی رجل من أصحابه المهاجرین یعترض عیرا لقریش فیهم أمیة ابن خلف الجمحی و کانوا زها مائتی رجل من قریش و کان فیها ألفان و خمسمائة تعیر فسار النبیّ علیه الصلاة و السلام حتی بلغ بواط فلم یلق کیدا فرجع الی المدینة*

غزوة العشیرة

و فی جمادی الاولی من هذه السنة وقعت غزوة العشیرة بالشین المعجمة و التصغیر و آخره هاء لم یختلف أهل المغازی فی ذلک و فی القاموس العشیرة موضع بناحیة ینبع و کانت بعد بواط بأیام قلائل* و فی البخاری العشیرا و العسیرة بالتصغیر و الاولی بالمعجمة بلا هاء و الثانیة بالمهملة و بالهاء و أمّا غزوة العسرة بالمهملة بغیر تصغیر فهی غزوة تبوک و ستأتی و نسبت هذه الغزوة الی المکان الذی وصلوا إلیه و هو موضع لبنی مدلج بینبع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:364
و سببها انه سمع بخروج عیر لقریش من مکة الی الشأم للتجارة و فیها أبو سفیان فی جمع من قریش فخرج إلیها النبیّ علیه الصلاة و السلام فی جمادی الاولی و قیل فی الآخرة علی رأس ستة عشر شهرا من الهجرة فی خمسین و مائة رجل و قیل مائتین و معه ثلاثون بعیرا یعتقبونها و جمل اللواء حمزة و کان لواء أبیض* قال ابن هشام و استعمل علیه الصلاة و السلام علی المدینة أبا سلمة بن عبد الاسد فسلک علی نقب بنی دینار ثم فیفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر یقال لها ذات الساق فصلی عندها فثم مسجده علیه السلام و صنع له عندها طعام فأکل منه و أکل الناس معه فموضع أثافی البرمة معلومة هناک و استقی له من ماء یقال له المشرب ثم ارتحل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فترک الخلائق بیسار و سلک شعبة یقال لها شعبة عبد اللّه و ذلک اسمها الیوم حتی هبط یلیل فنزل بمجتمعه و مجتمع الضبوعة و استقی من بئر بالضبوعة ثم سلک فرش ملک حتی لقی الطریق بصحیرات الیمام ثم اعتدل به الطریق حتی نزل العشیرة ببطن ینبع فأقام بها جمادی الاولی و لیالی من جمادی الآخرة و وادع فیها بنی مدلج و حلفاءهم من بنی ضمرة ثم رجع الی المدینة و لم یلق کیدا*

تکنیة علیّ بأبی تراب‌

و فی تلک الغزوة کنی علی بن أبی طالب بابی تراب* قال ابن اسحاق فحدّثنی یزید بن محمد بن خیثم المحاربی عن محمد بن کعب القرظی عن محمد بن خیثم ابی یزید عن عمار بن یاسر قال کنت أنا و علی بن أبی طالب رفیقین فی غزوة العشیرة فلما نزل بها رسول اللّه علیه الصلاة و السلام و أقام بها رأینا أناسا من بنی مدلج یعملون فی عین لهم و نخل فقال لی علیّ یا أبا الیقظان هل لک فی أن نأتی هؤلاء فننظر کیف یعملون قال قلت ان شئت قال فجئناهم فنظرنا الی عملهم ساعة ثم غشینا النوم فانطلقت أنا و علی حتی اضطجعنا علی صور من النخل و فی دقعاء من التراب فنمنا فو اللّه ما أهبنا الا رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یحرّکنا برجله و قد تتربنا من تلک الدقعاء التی نمنا فیها فیومئذ قال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لعلیّ بن أبی طالب مالک یا أبا تراب لما یری علیه من التراب ثم قال أ لا أحدّثکما بأشقی الناس رجلین قلنا بلی یا رسول اللّه قال أحیمر ثمود الذی عقر الناقة و الذی یضربک یا علی علی هذه و وضع یده علی قرنه حتی تبل منها هذه و أخذ بلحیته خرجه أحمد کذا فی الریاض النضرة* و فی المدارک قال أشقی الاوّلین عاقر ناقة صالح و أشقی الآخرین قاتلک (قوله) الصور هو بفتح الصاد و تسکین الواو النخل المجتمع الصغار و الدقعاء التراب و دقع بالکسر أی لصق بالتراب و أحیمر تصغیر أحمر لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح علیه السلام کذا فی الریاض النضرة* قال ابن اسحاق و قد حدّثنی بعض أهل العلم ان رسول اللّه علیه الصلاة و السلام انما سمی علیا أبا تراب انه کان اذا عتب علی فاطمة فی شی‌ء لم یکلمها و لم یقل لها شیئا تکرهه الا انه یأخذ ترابا فیضعه علی رأسه قال فکان رسول اللّه علیه الصلاة و السلام اذا رأی علیه التراب عرف انه عاتب علی فاطمة فیقول مالک یا أبا تراب فاللّه أعلم أی ذلک کان* و فی الشفاء یدخل أولیاءه یعنی علیا الجنة و أعداءه النار و کان ممن عاداه الخوارج و الناصبیة و طائفة ممن ینسب إلیه من الروافض کفروه* و فی عقائد الفیروزآبادی أخبر علیا بموته فقال له ابن ملجم یقتلک فکان علیّ اذا لقی ابن ملجم یقول متی تخضب هذه من هذه و اذا دخل الحرب و لاقی الخصم یعلم ان ذلک الخصم لا یقتله* و فی روایة سهل بن سعد قال جاء رسول اللّه علیه الصلاة و السلام بیت فاطمة فلم یجد علیا فی البیت فقال لها أین ابن عمک قالت کان بینی و بینه شی‌ء فغاضبنی فخرج فلم یقل عندی فقال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لانسان أنظر أین هو فجاء فقال یا رسول اللّه هو فی المسجد راقد فجاء رسول اللّه علیه الصلاة و السلام و هو مضطجع و قد سقط رداؤه عن ظهره و أصابه تراب فجعل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یمسحه عنه و یقول قم یا أبا تراب أخرجه الشیخان کذا فی الریاض النضرة* قال ابن اسحاق و قد کان بعث رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:365
علیه الصلاة و السلام فیما بین ذلک من غزوة سعد بن أبی وقاص فی ثمانیة رهط من المهاجرین فخرج حتی بلغ الخرار من أرض الحجاز ثم رجع و لم یلق کیدا* قال ابن هشام و ذکر بعض أهل العلم ان بعث سعد هذا کان بعد حمزة فی السنة الاولی کما مرّ*

غزوة بدر الاولی‌

و فی هذه السنة وقعت غزوة بدر الاولی قال ابن اسحاق و لما رجع رسول اللّه علیه الصلاة و السلام من غزوة العشیرة لم یقم بالمدینة الالیال قلائل لا تبلغ العشر حتی أغار کرز بن جابر الفهری علی سرح المدینة من شفر* و قال ابن حزم بعد العشیرة بعشرة أیام فخرج رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فی طلبه و استعمل علی المدینة زید بن حارثة قاله ابن هشام* و فی خلاصة الوفاء شفر کزفر جمع شفیر الوادی جبل بأصل جما أمّ خالد یهبط الی بطن العقیق و کان یرعی بها السرح و لما جاء الخبر الی النبیّ علیه الصلاة و السلام عقد لواء و دفعه الی علی و سار حتی بلغ وادیا یقال له سفوان بفتح المهملة و الفاء* و فی خلاصة الوفاء سفوان بفتحات من ناحیة بدر و لذا سمیت هذه الغزوة بدر الاولی و فانه کرز بن جابر فلم یدرکه فرجع الی المدینة و ذکر فی الوفاء اغارة کرز قبل العشیرة و قال ذکر ذلک ابن اسحاق بعد العشیرة بلیال و اللّه أعلم*

بعث عبد اللّه بن جحش الی بطن نخلة

و فی رجب أو فی جمادی الآخرة من هذه السنة بعث عبد اللّه بن جحش بن رباب الاسدی قبل قتال بدر بشهرین علی رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدینة الی بطن نخلة علی لیلة من مکة* و فی هذه السریة لقب عبد اللّه بأمیر المؤمنین و فی معجم ما استعجم نخلة بلفظ واحدة النخل موضع علی یوم و لیلة من مکة و هی التی ینسب إلیها بطن النخلة و هی التی ورد فیها حدیث لیلة الجنّ قیل هما نخلتان نخلة شامیة و نخلة یمانیة فالشامة تنصب من الغمیر و الیمانیة من بطن قرن المنازل و هی طریق الیمن الی مکة فاذا اجتمعا و کانا واحدا فهو المسد ثم یضمهما بطن مرو و بعث معه ثمانیة رهط من المهاجرین لیس فیهم من الانصار أحد و قیل اثنی عشر رجلا سعد بن أبی وقاص الزهری و عکاشة بن محصن بن حرثان الأسدی و عتبة بن غزوان ابن جابر السلمی و أبو حذیفة بن عتبة بن ربیعة بن عبد شمس بن عبد مناف و سهیل بن بیضاء الحارثی و عامر بن ربیعة الوائلی العنزی و واقد بن عبد اللّه بن عبد مناف التمیمی و خالد بن بکیر اللیثی کل اثنین منهم یعتقبان بعیرا و کتب له کتابا و أمره أن لا ینظر فیه حتی یسیر یومین ثم ینظر فیه فیمضی لما أمره به و لا یستکره أحدا من أصحابه علی المسیر معه فلما سار عبد اللّه یومین فتح الکتاب و نظر فیه فاذا فیه اذا نظرت فی کتابی هذا امض حتی تنزل نخلة بین مکة و الطائف فترصد بها قریشا و تعلم لنا من أخبارهم* و فی روایة فاذا فیه بسم اللّه الرحمن الرحیم أما بعد فسر علی برکة اللّه بمن تبعک من أصحابک حتی تنزل بطن نخلة فترصد بها عیر قریش لعلک أن تأتینا منها بخبر فلما نظر فی الکتاب قال سمعا و طاعة ثم قال لاصحابه قد أمرنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن امضی الی نخلة أرصد بها قریشا حتی آتیه منهم بخبر و قد نهانی أن استکره أحدا منکم فمن کان منکم یرید الشهادة و یرغب فیها فلینطلق و من کره ذلک فلیرجع فأما أنا فماض لامر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمضی و مضی معه أصحابه لم یتخلف عنه منهم أحد و سلک علی الحجاز حتی اذا کان بمکان فوق الفرع یقال له بحران أضل سعد بن أبی وقاص و عتبة ابن غزوان بعیرا لهما کانا یعتقبانه فتخلفا فی طلبه و حبسهما ابتغاؤه و مضی عبد اللّه و بقیة أصحابه* و فی الوفاء مضی العشرة حتی نزلوا نخلة فمرت بهم عیر قریش تحمل زبیبا و أدما و تجارة من تجارة قریش فیهم عمرو بن الحضرمی و اسم الحضرمی عبد اللّه و الحکم بن کیسان و عثمان بن عبد اللّه بن المغیرة و أخوه نوفل بن عبد اللّه المخزومیان فلما رآهم القوم هابوهم و قد نزلوا قریبا منهم فقال عبد اللّه ابن جحش ان القوم قد ذعروا منکم فاحلقوا رأس رجل منکم فلیتعرّض لهم فحلقوا رأس عکاشة ثم أشرف علیهم فلما رأوه أمنوا و قالوا قوم عمار لا بأس علیکم منهم و تشاور القوم فیهم و ذلک فی آخر یوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:366
من رجب فقالوا لئن ترکتم القوم هذه اللیلة لیدخلنّ الحرم فلیمتنعنّ منکم به و لئن قتلتموهم لتقتلنهم فی الشهر الحرام* و فی سیرة مغلطای فتشاور المسلمون و قالوا نحن فی آخر یوم من رجب فان نحن قاتلنا انتهکنا حرمة الشهر و ان ترکناهم اللیلة دخلوا حرم مکة* و فی الکشاف و کان ذلک أوّل یوم من رجب و هم یظنونه من جمادی الآخرة فتردّد القوم و هابوا الاقدام ثم شجعوا أنفسهم علیهم و أجمعوا علی قتل من قدروا علیه منهم و أخذ ما معهم فرمی واقد بن عبد اللّه عمرو بن الحضرمی بسهم فقتله و استأسر عثمان بن عبد اللّه و الحکم بن کیسان و أفلت من القوم نوفل بن عبد اللّه فأعجزهم و أقبل عبد اللّه بن جحش و أصحابه بالعیر و الاسیرین حتی قدموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة و قد عزل عبد اللّه ابن جحش لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خمس تلک الغنیمة و قسم سائرها بین أصحابه و ذلک قبل أن یفرض اللّه الخمس من الغنائم فلما أحل اللّه الفی‌ء بعد ذلک و أمر بقسمه و فرض الخمس فیه وقع علی ما کان عبد اللّه صنع فی تلک العیر فلما قدموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ما أمرتکم بقتال فی الشهر الحرام فوقف العیر و الاسیرین و أبی أن یأخذ من ذلک شیئا فلما قال ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شقط فی أیدی القوم و ظنوا انهم قد هلکوا و عنفهم اخوانهم من المسلمین فیما صنعوا و قالت قریش قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام و سفکوا فیه الدماء و أخذوا فیه الاموال و أسروا فیه الرجال* و فی روایة غیر ابن اسحاق قالت قریش قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا یأمن فیه الخائف و ینتشر فیه الناس الی معایشهم و عیر بذلک أهل مکة من بها من المسلمین و قالوا یا معشر الصاة قد استحللتم الشهر الحرام و قاتلتم فیه و کتبوا فی ذلک تشنیعا و تعییرا قال ابن اسحاق فقال من یردّ علیهم من المسلمین ممن کان بمکة انما أصابوا ما أصابوا فی شعبان و قالت الیهود تفاءل بذلک علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمرو بن الحضرمی قتله واقد بن عبد اللّه عمرو عمرت الحرب و الحضرمی حضرت الحرب و واقد بن عبد اللّه و قدت الحرب فجعل اللّه علیهم ذلک لا لهم فلما أکثر الناس فی ذلک أنزل اللّه تعالی علی رسوله یسألونک عن الشهر الحرام قتال فیه قل قتال فیه کبیر و صدّعن سبیل اللّه و کفر به و المسجد الحرام و اخراج أهله منه أکبر عند اللّه و الفتنة أکبر من القتل أی ان کنتم قتلتم فی الشهر الحرام فقد صدّوکم عن سبیل اللّه مع الکفر به و عن المسجد الحرام و اخراجکم منه و انتم أهله أکبر عند اللّه من قتل من قتلتم منه و الفتنة أکبر من القتل أی قد کانوا یفتنون المسلم فی دینه حتی یردّوه الی الکفر بعد ایمانه فذلک أکبر عند اللّه من القتل فلما نزل القرآن بهذا من الامر و فرج اللّه عن المسلمین ما کانوا فیه من الشقق قبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم العیر و الاسیرین و بعثت إلیه قریش فی فداء عثمان بن عبد اللّه و الحکم بن کیسان فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لأنفدیکموهما حتی یقدم صاحبانا یعنی سعد بن أبی وقاص و عتبة بن غزوان فانا نخشاکم علیهما فان تقتلوهما نقتل صاحبیکم فقدم سعد و عتبة فأفداهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منهم فأما الحکم ابن کیسان فأسلم و حسن اسلامه و أقام عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی قتل یوم بئر معونة شهیدا* و أما عثمان بن عبد اللّه فلحق بمکة فمات کافرا فلما تجلی عن عبد اللّه بن جحش و أصحابه ما کانوا فیه حین نزل القرآن طمعوا فی الاجر فقالوا یا رسول اللّه أ نطمع أن تکون لنا غزوة نعطی فیها أجر المجاهدین فأنزل اللّه فیهم انّ الذین آمنوا و الذین هاجروا و جاهدوا فی سبیل اللّه أولئک یرجون رحمة اللّه و اللّه غفور رحیم فوضعهم اللّه من ذلک علی أعظم الرجاء قال ابن هشام و هی أوّل غنیمة غنمها المسلمون و عمرو بن الحضرمی أوّل من قتله المسلمون و عثمان بن عبد اللّه و الحکم بن کیسان أوّل من أسر المسلمون قال ابن اسحاق قال أبو بکر الصدّیق فی غزوة عبد اللّه بن جحش هذه الابیات و قال ابن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:367
هشام بل قالها عبد اللّه بن جحش
تعدّون قتلی فی الحرام عظیمةو أعظم منه لو یری الرشد راشد
صدودکم عنا بقول محمدو کفر به و اللّه راء و شاهد
و اخراجکم من مسجد اللّه أهله‌لئلا یری للّه فی البیت ساجد
فانا و ان عیرتمونا بقتله‌و أرجف بالاسلام باغ و حاسد
سقینا من ابن الحضرمی رماحنابنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما و ابن عبد اللّه عثمان بینناینازعه غلّ من القدّ عاند

تحویل القبلة

و فی نصف شعبان هذه السنة یوم الثلاثاء کما قاله ابن حبیب الهاشمی حوّلت القبلة من بیت المقدس الی الکعبة و قیل فی رجب و کان علیه السلام یصلی الی بیت المقدس بالمدینة ستة عشر شهرا و قیل سبعة عشر و قیل ثمانیة عشر* و قال الحربی قدم علیه السلام المدینة فی ربیع الاوّل فصلی الی بیت المقدس الی تمام السنة و صلّی من سنة اثنتین ستة أشهر ثم حوّلت القبلة ثم فرض صوم رمضان بعد ما حوّلت القبلة الی الکعبة بشهر بل بنصف شهر روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یصلی بمکة الی الکعبة رکعتین بالغداة و رکعتین بالعشیّ فلما عرج به الی السماء أمر بالصلوات الخمس فصارت رکعتین فی الاوقات غیر المغرب للمسافر و المقیم و بعد ما هاجر الی المدینة زید فی صلاة الحضر و أمر أن یصلی نحو بیت المقدس لئلا تکذبه الیهود لان نعته فی التوراة انه صاحب قبلتین و کانت الکعبة أحب القبلتین إلیه فأمره اللّه تعالی أن یصلی الی الکعبة قال اللّه تعالی قد نری تقلب وجهک فی السماء فلنولینک قبلة ترضاها فولّ وجهک شطر المسجد الحرام کذا عن ابن عباس* و فی الکشاف و أنوار التنزیل أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یصلی بمکة الی الکعبة ثم أمر بالصلاة الی بیت المقدس بعد الهجرة تألفا للیهود* و عن ابن عباس کانت قبلته بمکة بیت المقدس الا انه کان یجعل الکعبة بینه و بیته انتهی و فی زبدة الاعمال أقام صلّی اللّه علیه و سلم بمکة بعد نزول جبریل ثلاث عشرة سنة و قیل خمس عشرة سنة و قیل عشرا و الصحیح الاوّل و کان یصلی الی بیت المقدس مدّة اقامته بمکة و لا یستدبر الکعبة و یجعلها بین یدیه و قال الحافظ ابن حجر فی فتح الباری ظاهر حدیث ابن عباس یدل علی أن استقبال بیت المقدس انما وقع بعد الهجرة الی المدینة لکن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یصلی بمکة نحو بیت المقدس و الکعبة بین یدیه و الجمع بینهما ممکن بأن یکون أمر لما هاجر أن یستمر علی الصلاة لبیت المقدس و أخرج الطبری أیضا من طریق ابن جریج انه أوّل ما صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی الکعبة ثم صرف الی بیت المقدس و هو بمکة فصلی ثلاث حجج ثم هاجر و صلّی بعد قدومه المدینة ستة عشر شهرا ثم وجهه اللّه الی الکعبة و قوله فی حدیث ابن عباس الاوّل أمره اللّه یردّ من قال انه صلّی الی بیت المقدس باجتهاد و عن أبی العالیة انه صلّی الی بیت المقدس یتألف أهل الکتاب و هذا لا ینفی أن یکون بتوقیف کذا فی المواهب اللدنیة و عن محمد بن شهاب الزهری قال لم یبعث اللّه عز و جل منذ هبط آدم الی الدنیا نبیا إلّا جعل قبلته صخرة بیت المقدس و لقد صلّی إلیها نبینا علیه السلام ستة عشر شهرا* و أورد الغزالی فی الوسیط ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یستقبل الصخرة من بیت المقدس مدّة مقامه بمکة و هی قبلة الأنبیاء و ایاها کانت الیهود تستقبل و کان علیه السلام لا یؤثره بأن یستدبر الکعبة فلا یقف الابین الرکنین الیمانیین و یستقبل جنوب الصخرة فلما هاجر الی المدینة لم یمکنه استقبالها الا باستدبار الکعبة فشق ذلک علیه فنزلت فولّ وجهک الآیة فیکون بعد التحویل وجهه الی موضع الحجر لانه فی مقابل الجدار الذی فیه الرکنان الیمانیان ذکره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:368
القاضی البیضاوی فی حواشی أنوار التنزیل روی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زار بشر بن البراء ابن معرور فی بنی سلمة فتغدّی هو و أصحابه و جاءت الظهر فصلی بأصحابه فی مسجد القبلتین رکعتین من الظهر نحو الشأم ثم أمر أن یستقبل الکعبة و هو راکع فی الرکعة الثانیة فاستدار الی الکعبة و دارت الصفوف خلفه ثم أتم الصلاة فسمی مسجد القبلتین* و فی المواهب اللدنیة وقع عند النسائی انها الظهر و ظاهر حدیث البراء فی البخاری انها کانت صلاة العصر و أما أهل قباء فلم یبلغهم الخبر الی صلاة الفجر من الیوم الثانی کما فی الصحیحین و فی هذا دلیل علی أن الناسخ لا یلزم حکمه الا بعد العلم به و ان تقدّم نزوله لانهم لم یؤمروا باعادة العصر و المغرب و العشاء و اللّه أعلم قال الواقدیّ کان هذا یوم الاثنین للنصف من رجب علی رأس سبعة عشر شهرا و عن البراء علی رأس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أو ثمانیة عشر شهرا علی اختلاف الاقوال* و فی الکشاف و أنوار التنزیل و الاستیعاب روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قدم المدینة فصلی نحو بیت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه الی الکعبة فی رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرین و قد صلّی بأصحابه فی مسجد بنی سلمة رکعتین من الظهر فتحوّل فی الصلاة و استقبل المیزاب و تبادل الرجال و النساء صفوفهم فسمی المسجد مسجد القبلتین و فی تبصیر الرحمن نزلت الفاتحة بمکة حین فرضت الصلاة و بالمدینة حین حوّلت القبلة لدلالتها علی أنه رب الجهات کلها و قد اختار أفضلها فله الحمد*

تجدید بناء مسجد قباء

و فی هذه السنة کان تجدید بناء مسجد قباء روی عن أبی سعید الخدری قال لما صرفت القبلة الی الکعبة اتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد الی موضعه الیوم و أسسه بیده و حوّل قبلته الی جهة الکعبة و کانت الی جهة بیت المقدس و نقل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه الحجارة لبنائه و قد مرّت فضیلة لصلاة فیه فی أوّل مقدمه قباء*

نزول فرض رمضان‌

و فی شعبان هذه السنة نزلت فریضة رمضان* و فی معالم التنزیل و یقال انزل فرض شهر رمضان قبل رمضان بشهر و أیام علی ما روی عن أبی سعید الخدری قال نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة الی الکعبة فی شعبان بشهر علی رأس ثمانیة عشر شهرا من الهجرة فلما فرض رمضان لم یأمرهم بصیام عاشوراء و لا نهاهم عنه*

غزوة بدر الکبری‌

اشارة

و فی هذه السنة وقعت غزوة بدر الکبری فی معالم التنزیل و سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق کانت وقعة بدر یوم الجمعة صبیحة السابع عشر من رمضان علی رأس ثمانیة عشر شهرا من الهجرة و قیل التاسع عشر من رمضان و الاوّل أصبح و کذا فی المنتقی* و فی المواهب اللدنیة بعد الهجرة بتسعة عشر شهرا و کان خروج المسلمین من المدینة لاثنتی عشرة لیلة مضت من رمضان و قال ابن هشام لثمان لیال خلون من رمضان و فی الاستیعاب و کانت غزوة بدر فی السنة الثانیة من الهجرة لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان و لیس فی غزواته ما یعدل بها فی الفضل و یقرب منها غزوة الحدیبیة حیث کان فیها بیعة الرضوان و ذلک سنة ست و قال ابن اسحاق فی لیال مضت من رمضان و بدر بالفتح و السکون بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر بن قریش بن مخلد بن النضر بن کنانة و قیل بدر رجل من بنی ضمرة سکن ذلک الموضع فنسب إلیه ثم غلب اسمه و یقال بدر اسم البئر التی بها سمیت لاستدارتها أو لصفاء مائها فکان البدر یری فیها و حکی الواقدیّ انکار ذلک کله من غیر واحد من شیوخ بنی غفار قالوا انما هی ماؤنا و منازلنا و ما ملکها أحد قط یقال له بدر و انما هی علم علیها کغیرها من البلاد* و فی معجم ما استعجم بدر ماء علی ثمانیة و عشرین فرسخا من المدینة فی طریق مکة و بدر مذکر و لا یؤنث جعلوه اسم ماء* قال ابن کثیر و هو یوم الفرقان الذی أمدّ اللّه فیه نبیه و المسلمین بالملائکة و فی الوفاء و هو یوم الفرقان الذی أعز اللّه فیه الاسلام و أهله و دمغ فیه الشرک و خرب محله هذا مع قلة عدد المسلمین و کثرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:369
العدوّ مع ما کانوا فیه من سوابغ الحدید و العدّة الکاملة و الخیول المسوّمة و الخیلاء الزائد فأعز اللّه رسوله و أظهر وحیه و تنزیله و بیض وجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أخزی الشیطان و جبله و لهذا قال تعالی ممتنا علی عباده المؤمنین و حزبه المتقین و لقد نصرکم اللّه ببدر و أنتم أذلة أی قلیل عددکم فقد کانت هذه أعظم غزوات الاسلام اذ منها کان ظهوره و بعد وقوعها أشرق علی الآفاق نوره و من حین وقوعها أذل اللّه الکفار و أعز من حضرها من المسلمین فهم عند اللّه من الابرار* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سمع بأبی سفیان بن حرب مقبلا من الشأم فی عیر لقریش عظیمة فیها أموال لقریش و تجارة من تجاراتهم و فیها ثلاثون رجلا من قریش أو اربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهیب بن عبد مناف بن زهرة و عمرو بن العاص بن وائل بن هشام* و قال غیره کانت العیر زها ألف بعیر و فی أحمالها من التمر و الشعیر و البرّ و الزبیب و غیر ذلک کذا فی الینابیع و هی العیر التی کان فیها أبو سفیان بن حرب مع جمع من قریش خرجوا من مکة الی الشأم و کان صلّی اللّه علیه و سلم خرج إلیها و سار الی العشیرة فلم یدرکها فرجع الی المدینة فأخبر جبریل بقفول العیر من الشأم فأخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المسلمین فأعجبهم تلقی العیر لکثرة الخیر و قلة القوم* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأبی سفیان مقبلا من الشأم ندب المسلمین إلیهم و قال هذه عیر قریش فیها أموال فاخرجوا إلیها لعل اللّه ینفلکموها فانتدب المسلمون فخف بعضهم و ثقل بعضهم و ذلک انهم لم یظنوا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یلقی حربا و کان أبو سفیان بن حرب حین دنا من الحجاز یتجسس الاخبار و یسأل من لقی من الرکبان تخوّفا عن أمر الناس حتی أصاب خبرا من بعض الرکبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لک و لعیرک فحذر عند ذلک فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاری فبعثه الی مکة و أمره أن یأتی قریشا فیستنفرهم الی أموالهم و یخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها فی أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سریعا الی مکة قال ابن اسحاق و قد رأت عاتکة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مکة بثلاث رؤیا أفزعتها فبعثت الی أخیها العباس بن عبد المطلب فقالت له یا أخی و اللّه لقد رأیت البارحة رؤیا أفزعتنی و تخوّفت أن یدخل علی قومک منها شرّ و مصیبة فاکتم عنی ما أحدّثک و ما رأیت فقال لها و ما رأیت قالت رأیت راکبا أقبل علی بعیر له حتی وقف بالابطح ثم صرخ بأعلی صوته ألا انفروا یا آل غدر لصارعکم فی ثلاث فأری الناس اجتمعوا إلیه ثم دخل المسجد و الناس یتبعونه فبینما هم حوله مثل به بعیره علی ظهر الکعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا یا آل غدر لمصارعکم فی ثلاث ثم مثل به بعیره علی أبی قبیس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوی حتی اذا کانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقی بیت من بیوت مکة و لا دار الا دخلها منها فلقة قال العباس و اللّه ان هذه لرؤیا و أنت فاکتمیها و لا تذکریها لاحد ثم خرج العباس فلقی الولید بن عتبة بن ربیعة و کان له صدیقا فذکرها له و استکتمه ایاها فذکرها الولید لابیه عتبة ففشا الحدیث بمکة حتی تحدّثت به قریش قال العباس فغدوت لاطوف بالبیت و أبو جهل بن هشام فی رهط من قریش قعود یتحدّثون برؤیا عاتکة فلما رآنی أبو جهل قال یا أبا الفضل اذا فرغت من طوافک فأقبل إلینا فلما فرغت أقبلت حتی جلست بینهم فقال لی أبو جهل یا بنی عبد المطلب متی حدثت فیکم هذه النبیة قال قلت و ما ذاک قال تلک الرؤیا التی رأت عاتکة قال قلت و ما رأت فقال یا بنی عبد المطلب أ ما رضیتم أن تتنبأ رجالکم حتی تنبأ نساؤکم قد زعمت عاتکة فی رؤیاها انه قال انفروا لمصارعکم فی ثلاث فسنتربص بکم هذه الثلاث فان یک حقا ما تقول فسیکون و ان تمض الثلاث و لم یکن شی‌ء من ذلک نکتب علیکم کتابا انکم أکذب اهل بیت فی العرب قال ثم تفرّقنا فلما أمسینا لم تبق امرأة من بنی عبد المطلب الا أتتنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:370
فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبیث أن یقع فی رجالکم ثم تناول النساء و أنت تسمع ثم لم یکن عندک غیرة لشیئ مما سمعت قال قلت و ایم اللّه لا تعرضنّ له فان عاد لأکفیکنه قال فغدوت فی الیوم الثالث من رؤیا عاتکة و أنا حدید مغضب فدخلت المسجد فرأیته فو اللّه انی لا مشی نحوه لا تعرضه لیعود لبعض ما قال فأوقع به و کان رجلا خفیفا حدید الوجه حدید اللسان حدید النظر اذ خرج نحو باب المسجد یشتدّ قال فقلت فی نفسی ماله لعنه اللّه أکل هذا فرقا منی أن اشاتمه قال فاذا هو قد سمع ما لم أسمعه صوت ضمضم بن عمرو الغفاری و هو یصرخ ببطن الوادی واقفا علی بعیره قد جدع بعیره و حوّل رحله و شق قمیصه و هو یقول یا معشر قریش اللطیمة اللطیمة أموالکم مع أبی سفیان قد عرض لها محمد فی أصحابه لا أری ان تدرکوها الغوث الغوث قال فشغلنی عنه و شغله عنی ما جاء من الامر* و فی روایة فنادی أبو جهل فوق الکعبة یا اهل مکة النجاء النجاء علی کل صعب و ذلول عیرکم و أموالکم ان أصابها محمد لن تفلحوا اذا أبدا فتجهز الناس سراعا و قالوا أ یظنّ محمد و أصحابه أن تکون کعیر ابن الحضرمی کلا و اللّه لیعلمنّ غیر ذلک فکانوا بین رجلین اما خارج و اما باعث مکانه رجلا و أرعبت قریش و لم یتخلف من أشرافها أحد الا ان أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف و بعث مکانه العاصی بن هشام بن المغیرة و کان قد لأط له بأربعة آلاف درهم کانت له علیه أفلس بها فاستأجره بها علی أن یجزئ عنه فخرج عنه و تخلف ابو لهب قال ابن اسحاق و حدّثنی عبد اللّه بن ابی نجیح ان أمیة بن خلف کان قد أجمع علی القعود و کان شیخا جلیلا جسیما ثقیلا فأتاه عقبة بن ابی معیط و هو جالس فی المسجد بین ظهری قومه بمجمرة یحملها فیها نار حتی وضعها بین یدیه ثم قال یا أبا علی استجمر فانما أنت من النساء قال قبحک اللّه و قبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس* و فی روایة کان أمیة قد سمع من سعد بن معاذ أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال سأقتله فقال أمیة و اللّه ان محمدا لا یکذب و لم یزل یخاف من ذلک فعزم للقعود فأتاه أبو جهل فقال یا أبا صفوان انک سید أهل الوادی فسر بنا یوما أو یومین فوسوس إلیه حتی خرج و فی سیرة ابن هشام و لما فرغوا من جهازهم و أجمعوا السیر ذکروا ما بینهم و بین بنی بکر بن عبد مناة بن کنانة من الحرب و العداوة قالوا نخشی أن یأتونا من خلفنا و کاد ذلک أن یثبطهم و یثنیهم فتبدّی لهم ابلیس فی صورة سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی و کان سراقة من أشراف بنی کنانة فقال أنا جار لکم من أن تأتیکم کنانة من خلفکم بشی‌ء تکرهونه فخرجوا سراعا* و فی روایة و لما التقی الجمعان کان ابلیس فی صف المشرکین علی صورة سراقة بن مالک بن جعشم آخذا بید الحارث بن هشام* و فی روایة بید أبی جهل و رأی الملائکة نزلت من السماء و رأی جبریل معتجرا ببرد یمشی بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فی یده اللجام یقود الفرس و ما رکب بعد و علم انه لا طاقة له بهم نکص علی عقبیه مولیا هاربا فقال له الحارث الی أین أ فرارا من غیر قتال و حول بمکة أتخذ لنا فی هذه الحالة قال انی أری ما لا ترون و دفع فی صدر الحارث فانطلق فانهزم الناس و لما قدموا مکة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلک سراقة فقال بلغنی انکم تقولون انی هزمت الناس فو اللّه ما شعرت بمسیرکم حتی بلغنی هزیمتکم فقالوا ما أتیتنا یوم کذا فحلف لهم فلما أسلموا علموا أن ذلک کان الشیطان کذا فی معالم التنزیل* و فی الاکتفاء ذکر انهم کانوا یرونه فی کل منزل فی صورة سراقة لا ینکرونه حتی اذا کان یوم بدر و التقی الجمعان نکص علی عقبیه فأوردهم ثم أسلمهم* روی عن السدّی و الکلبی انهما قالا کان المشرکون حین خرجوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من مکة أخذوا بأستار الکعبة و قالوا اللهمّ انصر أهدی الفئتین و أعلی الجندین و أکرم الحزبین و أفضل الدین ففیه نزلت ان تستفتحوا فقد جاءکم الفتح فخرجت قریش من مکة سراعا معها القیان و الدفوف* قال ابن
اسحاق و خرج رسول اللّه صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:371
علیه و سلم من المدینة للیال مضت من شهر رمضان فی أصحابه* و قال ابن هشام خرج یوم الاثنین لثمان لیال خلون من شهر رمضان و استعمل علی المدینة عمرو بن أم مکتوم و یقال اسمه عبد اللّه ابن أم مکتوم أخا بنی عامر بن لؤیّ علی الصلاة بالناس ثم ردّ أبا لبابة من الروحاء و استعمله علی المدینة و فی روایة خرج معه قوم من الانصار لطلب الغنیمة و قعد آخرون و لم تکن الانصار خرجت قبل ذلک الی عدوّ و لم یظنوا أنه علیه السلام یلقی عدوّا فلم یلهم لانه لم یخرج للقتال و لم یکن غزا بأحد قبلها و ضرب عسکره علی بئر أبی عنبة بلفظ واحد العنب علی میل من المدینة کذا فی الوفاء و عرض أصحابه و ردّ من استصغره و کان ممن استصغره براء بن عازب و عبد اللّه بن عمرو کان الخیل فرسین فرس للمقداد و فرس لمرثد بن أبی مرثد* و فی روایة للزبیر و فی المواهب اللدنیة و الوفاء معهم ثلاثة أفراس برجة فرس المقداد و الیعسوب فرس الزبیر و فرس لابی مرثد الغنوی یقال له السیل و لم یکن لهم یومئذ خیل غیر هذه الثلاثة* و فی الکشاف و ما کان معهم الا فرس واحد انتهی و کانت الدروع تسعا* و فی روایة ستا و السیف ثمانیة و المسلمون ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا علی عدد أصحاب طالوت یوم جالوت الذین جاوزوا معه النهر و فی الحدیث قال علیه السلام لاصحابه یوم بدر أنتم الیوم کعدد المرسلین و أصحاب طالوت یوم عبروا النهر کذا فی العمدة* منهم سبعة و سبعون رجلا من المهاجرین و مائتان و ستة و ثلاثون رجلا من الانصار* و فی روایة منهم ثمانون من المهاجرین و باقیهم من الانصار و لابی داود و الذین کانوا معه علیه السلام یوم بدر ثلاثمائة و خمسة عشر رجلا و کذا فی شواهد النبوّة و فی صحیح البخاری و الکشاف و الوفاء ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا و قد ذکرهم الامام البخاری فی صحیحه و سیجی‌ء ذکرهم فی هذا الکتاب بالتفصیل ان شاء اللّه تعالی* قال العلامة الدوانی فی شرح العقائد العضدیة سمعنا من مشایخ الحدیث أن الدعاء عند ذکرهم فی البخاری مستجاب و قد جرب ذلک* و فی المواهب اللدنیة و کان عدّة من خرج ثلاثمائة و خمسة ثمانیة منهم لم یحضروها بعذر انما ضرب لهم بسهمهم و أجرهم و کانوا کمن حضرها ثلاثة منهم من المهاجرین أحدهم عثمان بن عفان خلفه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی ابنته رقیة زوجة عثمان و کانت مریضة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان لک لاجر رجل ممن شهد بدرا و سهمه رواه البخاری و الثانی و الثالث طلحة و سعید عینا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعثهما لتجسس العیر فسارا حتی بلغا الخرار فکمنا هناک فمرت بهما العیر فبلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الخبر فخرج و رجعا یرید ان المدینة و لم یعلما بخروج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقدما المدینة بخبر العیر و قد کان صلّی اللّه علیه و سلم قبل مجیئهما خرج منها بقصد العیر* و فی روایة فقد ما المدینة فی الیوم الذی لاقی فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المشرکین فخرجا یعترضان رسول اللّه فلقیاه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما و أجرهما فکانا کمن شهدها و خمسة من الانصار أحدهم أبو لبابة ردّه من الطریق لخلافة المدینة و الثانی عاصم بن عدی العجلانی استعمله علی أهل العوالی و الثالث حارثة بن حاطب بعثه من الروحاء الی بنی عمرو بن عوف و الرابع و الخامس الحارث بن الصمة و خوات بن جبیر سقطا من الابل فأصابهما بعض الکسر فردّهما من الطریق* و فی المواهب اللدنیة کان عدد المشرکین ألفا و یقال تسعمائة و خمسین رجلا معهم مائة فرس و سبعمائة بعیر و لما نظر علیه السلام الی أصحابه و رأی قلة عددهم و عدتهم قال اللهم انهم حفاة فاحملهم اللهم انهم عراة فاکسهم اللهم انهم جیاع فأشبعهم اللهم انهم عالة فأغنهم من فضلک فاستجیبت دعوته ففتح اللّه له ذلک و ما من رجل منهم الا رجع بجمل أو جملین و اکتسوا و شبعوا* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و دفع علیه السلام اللواء الی مصعب ابن عمیر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام و کان أبیض و کان أمام رسول اللّه صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:372
علیه و سلم رایتان سوداوان احداهما مع علیّ بن أبی طالب یقال لها العقاب و الاخری مع بعض الانصار و کانت ابل أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ سبعین بعیرا فاعتقبوها و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علیّ بن أبی طالب و مرثد بن أبی مرثد یعتقبون بعیرا* و فی الکشاف یعتقب النفر منهم علی البعیر الواحد* و فی روایة کان زمیلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی ذلک السفر علیّ بن أبی طالب و أبو لبابة أوّلا و زید بن حارثة آخرا* و فی الحدیث اذا کان عقبة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قالوا ارکب یا رسول اللّه حتی نمشی عنک فیقول ما أنتما بأقوی علی السیر منی و ما أنا بأغنی عن الاجر منکما* و قال ابن اسحاق و کان حمزة و زید بن حارثة و أبو کبشة و أنسة موالی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعتقبون بعیرا و کان أبو بکر و عمر و عبد الرحمن بن عوف یعتقبون بعیرا* قال ابن اسحاق و جعل علی الساقة قیس بن أبی صعصعة أخا بنی مازن بن النجار و کانت رایة الانصار مع سعد بن معاذ فیما قال ابن هشام قال ابن اسحاق فسلک طریقه من المدینة الی مکة علی نقب المدینة ثم علی العقیق ثم علی ذی الحلیفة ثم علی آلات الجیش قال ابن هشام ذات الجیش قال ابن اسحاق ثم مر علی تربان ثم علی ملل ثم علی عمیس الحمائم من مرتین ثم علی صخیرات الیمام ثم علی السیالة ثم علی فج الروحاء ثم علی شنوکة و هی الطریق المعتدلة حتی اذا کان بعرق الظبیة قال ابن هشام عن غیر ابن اسحاق لقوا رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس فلم یجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أوفیکم رسول اللّه فقالوا نعم فسلم علیه ثم قال ان کنت رسول اللّه فاخبرنی عما فی بطن ناقتی هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أقبل علیّ أنا أخبرک عن ذلک نزوت علیها ففی بطنها منک سخلة فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مه فحشت علی الرجل ثم أعرض عن سلمة و نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سجسج و هی بئر الروحاء* و فی معالم التنزیل أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالروحاء عینا للقوم فأخبره بهم فبعث صلّی اللّه علیه و سلم عینا له من جهینة حلیفا للانصار یدعی ابن الاریقط فأتاه بخبر القوم و سبقت العیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم ارتحل من الروحاء حتی اذا کان بالمنصرف ترک طریق مکة بیسار و سلک ذات الیمین علی النازیة یرید بدرا فسلک فی ناحیة منها حتی جزع وادیا یقال له رحقان بین النازیة و بین مضیق الصفراء ثم علا المضیق ثم انصب به حتی اذا کان قریبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنی حلیف بنی ساعدة و عدیّ بن أبی الزغباء الجهنی حلیف بنی النجار الی بدر یتجسسان له الاخبار عن أبی سفیان و غیره* و فی خلاصة الوفاء الصفراء تأنیث الاصفر واد کثیر العیون و النخل سلکه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مرجعه من بدر الکبری و قال محمد سلک غیر مرّة فمضی العینان حتی نزلا بدرا فأناخا الی تل قریب من الماء ثم أخذا شنا لهما یستقیان فیه و مجدی بن عمرو الجهنی علی الماء فسمع جاریتین من جواری الحاضر و هما یتلازمان علی الماء و الملزومة تقول لصاحبتها انما ترد العیر غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضیک الذی لک فقال مجدی بن عمرو و کان علی الماء صدقت ثم خلص بینهما فلما سمع بذلک عدی و بسبس جلسا علی بعیریهما ثم انطلقا فأتیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبراه ثم تقدّم أبو سفیان العیر حذرا حتی ورد الماء فقال لمجدی هل احسست أحدا قال ما رأیت أحدا أنکره الا انی قد رأیت راکبین أناخا الی هذا التل ثم استقیا فی شن لهما ثم انطلقا فأتی أبو سفیان مناخهما فأخذ من أبعار بعیریهما ففته فاذا فیه کسیرات النوی فقال هذه و اللّه علائف یثرب فرجع الی أصحابه سریعا فصرف وجه عیره عن الطریق فساحل بها و ترک بدرا بیسار و انطلق حتی أسرع قال ابن اسحاق ثم ارتحل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد قدّم العینین فلما استقبل الصفراء و هی قریة بین جبلین سأل عن
جبلیها ما أسماؤهما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:373
فقالوا لاحدهما هذا مسلح و للآخر هذا محزی و سأل عن أهلهما فقالوا بنو النار و بنو حراق بطنان من غفار فکرههما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المرور بینهما و تفاءل بأسمائهما و أسماء أهلهما فترکهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الصفراء بیسار و سلک ذات الیمین علی واد یقال له دفران و جزع فیه ثم نزل* و فی خلاصة الوفاء دفران واد معروف قبل الصفراء بیسیر یصب سیله فیها من المغرب یسلکه الحاج المصری فی رجوعه الی ینبع فیأخذ ذات الیمین کما فعله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ذهابه الی غزوة بدر و به مسجد یتبرّک به علی یسار السالک الی ینبع و أظنه مسجد دفران* و فی القاموس دفران بکسر الفاء واد قرب الصفراء* قال ابن اسحاق ثم نزل دفران فأتاه الخبر عن قریش بمسیرهم لیمنعوا عیرهم فاستشار الناس و أخبرهم عن قریش* و فی الکشاف و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بوادی دفران فنزل جبریل و قال یا محمد ان اللّه وعدک احدی الطائفتین اما العیر و اما قریشا فاستشار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه و قال ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مکة علی کل صعب و ذلول فالعیر أحب إلیکم أم النفیر قالوا بل العیر أحب إلینا من لقاء العدوّ فتغیر وجه رسول اللّه ثم ردّ علیهم فقال ان البعیر قد مضت من ساحل البحر و هذا أبو جهل قد أقبل قالوا یا رسول اللّه علیک بالعیر ودع العدوّ فقام عند غضب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أبو بکر فقال و أحسن ثم قام عمر فقال و أحسن ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرک فامض فو اللّه لو سرت الی عدن أبین ما تخلف عنک رجل من الانصار* و فی معجم ما استعجم ابین بکسر أوّله و اسکان ثانیه و بعده یاء معجمة باثنتین من تحتها مفتوحة ثم نون اسم رجل کان فی الزمن القدیم و هذا الذی ینسب إلیه عدن ابین من بلاد الیمن انتهی ثم قام مقداد بن عمرو فقال یا رسول اللّه امض لما أمرک اللّه فنحن معک فو اللّه ما نقول کما قالت بنو اسرائیل لموسی اذهب أنت و ربک فقاتلا انا هاهنا قاعدون و لکن اذهب أنت و ربک فقاتلا انا معکما مقاتلون ما دام مناعین نطرف نقاتل عن یمینک و عن یسارک و من بین یدیک و من خلفک فو الذی بعثک بالحق لو سرّت بنا الی برک الغماد یعنی مدینة الحبشة لجالدنا معک من دونه حتی تبلغه فضحک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال له خیرا و فی روایة أشرق وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سر بذلک* و قال ابن هشام ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أشیروا علیّ انما یرید الانصار و ذلک انهم حین بایعوه بالعقبة قالوا یا رسول اللّه انا برآء من ذمامک حتی تصل الی دیارنا فاذا وصلت إلینا فأنت فی ذمامنا نمنعک مما نمنع منه أبناءنا و نساءنا فکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یتخوّف أن لا تکون الانصار تری علیها نصرة الا ممن دهمه بالمدینة من عدوّه و ان لیس علیهم أن یسیر بهم الی عدوّ من بلادهم فلما قال ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال له سعد بن معاذ و اللّه لکأنک تریدنا یا رسول اللّه فقال أجل قال قد آمنا بک و صدّقناک و شهدنا أن ما جئت به هو الحق و أعطیناک علی ذلک مواثیقنا علی السمع و الطاعة فامض یا رسول اللّه لما أردت فنحن معک فو الذی بعثک بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معک ما تخلف منا رجل واحد و ما نکره أن تلقی بنا عدوّنا انا لصبر فی الحرب صدق عند اللقاء و لعل اللّه یریک منا ما تقرّبه عینک فسر بنا علی برکة اللّه فسرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بقول سعد و نشطه ذلک و قال سیروا و أبشروا فان اللّه قد وعدنی احدی الطائفتین و اللّه لکأنی الآن انظر الی مصارع القوم ثم ارتحل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من دفران فسلک علی ثنایا یقال لها الاصافر ثم انحط منها الی بلد یقال لها الدبة فی الوفاء الدبة بفتح أوّله و تشدید الموحدة من تحت کدبة الدهن معناه مجتمع الرمل موضع بین أصافر و بدر اجتاز به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد ارتحاله من دفران یرید بدرا* و فی القاموس الدبة بالضم
موضع قرب بدر قال ابن اسحاق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:374
و ترک الحنان بیمین و هو کثیب عظیم کالجبل ثم نزل قریبا من بدر فرکب هو و رجل من أصحابه قال ابن هشام الرجل أبو بکر الصدّیق قال ابن اسحاق حتی وقف علی شیخ من العرب فسأله عن قریش و عن محمد و أصحابه و ما بلغه عنهم فقال الشیخ لا أخبر کما حتی تخبرانی ممن أنتما فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا أخبرتنا أخبرناک قال أو ذاک بذاک قال نعم فقال الشیخ فانه قد بلغنی ان محمدا و أصحابه خرجوا یوم کذا و کذا فان کان صدقنی الذی أخبرنی فهم الیوم بمکان کذا و کذا للمکان الذی به قرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بلغنی أن قریشا خرجوا من یوم کذا و کذا فان کان الذی أخبرنی صدق فهم الیوم بمکان کذا و کذا للمکان الذی به قریش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال یقول الشیخ ماء من ماء أمن ماء العراق* و فی المنتقی أراد صلی اللّه علیه و سلم أن یوهمه انه من العراق و کان العراق یسمی ماء لکثرة الماء فیه و انما أراد انه خلق من نطفة ماء* قال ابن هشام یقال الشیخ سفیان الضمری قال ابن اسحاق ثم رجع رسول اللّه الی أصحابه فلما أمسی بعث علیّ بن أبی طالب و الزبیر بن العوّام و سعد بن أبی وقاص فی نفر من أصحابه الی ماء بدر یلتمسون الخبر فأصابوا راویة لقریش فیها غلام اسود لبنی الحجاج اسمه أسلم و غلام لبنی العاص بن سعد اسمه عریض أبو یسار و فرّ الباقون و کانوا کثیرا و أوّل من بلغ مشرکی قریش من الفرّار رجل اسمه عجیر فبلغهم خبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال یا آل غالب هذا ابن أبی کبشة مع أصحابه قد أخذوا راویتکم مع غلامین فوقع فی جیشهم انزعاج و اضطراب و خوف فلما أتوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالغلامین سألوهما و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قائم یصلی فقالا نحن سقاة قریش بعثونا نسقیهم من الماء فکره القوم خبرهما و رجوا ان یکونا لابی سفیان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابی سفیان فترکوهما و رکع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سجد سجدتیه ثم سلم و قال اذا صدقاکم ضربتموهما و اذا کذباکم ترکتموهما صدقا و اللّه انهما لقریش أخبرانی عن قریش قالا هم و اللّه وراء هذا الکثیب الذی تری بالعدوة القصوی و الکثیب العقنقل فقال کم القوم فقالا کثیر قال ما عدّتهم قالا لا ندری قال کم ینحرون کل یوم قالا یوما تسعا و یوما عشرا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم القوم فیما بین التسعمائة و الالف ثم قال لهما فمن فیهم من أشراف قریش قالا عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو البختری بن هشام و حکیم بن حزام و نوفل بن خویلد و الحارث بن عامر بن نوفل و طعیمة بن عدی بن نوفل و النضر بن الحارث و زمعة بن الاسود و أبو جهل بن هشام و أمیة بن خلف و نبیه و منه ابنا الحجاج و سهیل بن عمرو و عمرو بن عبد ودّ فأقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی الناس فقال هذه مکة قد ألقت إلیکم أفلاذ کبدها قال ابن اسحاق و لما أقبلت قریش و نزلوا الجحفة رأی جهیم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤیا فقال انی أری فیما یری النائم و انی لبین النائم و الیقظان اذ نظرت الی رجل أقبل علی فرس حتی وقف و معه بعیر له ثم قال قتل عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو الحکم بن هشام و أمیة بن خلف و فلان و فلان فعدّ رجالا ممن قتل یوم بدر من أشراف قریش ثم رأیته ضرب فی لبة بعیره ثم أرسله فی العسکر فما بقی خباء من أخبیة العسکر الا أصابه نضح من دمه فبلغت أبا جهل فقال و هذا أیضا نبی آخر من بنی المطلب سیعلم غدا من المقتول ان نحن التقینا قال ابن اسحاق و لما رأی أبو سفیان انه قد أحرز عیره أرسل الی قریش انکم انما خرجتم لتمنعوا عیرکم و رحالکم و أموالکم فقد نجاها اللّه فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام و اللّه لا نرجع حتی نرد بدرا و کان بدر موسما من مواسم العرب یجتمع لهم به سوق فی کل عام فنقیم
علیه ثلاثا فنخر الجزر و نطعم الطعام و نسقی الخمر و تعزف علینا القیان و تسمع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:375
بنا العرب و بسیرنا و جمعنا فلا یزالون یهابوننا أبدا بعدها فامضوا فوافوها فسقوا کئوس المنایا مکان الخمر و ناحت علیهم النوائح مکان القیان و قال الاخنس بن شریق بن عمرو بن وهب الثقفی و کان حلیفا لبنی زهرة و هم بالجحفة یا بنی زهرة قد نجی اللّه لکم أموالکم و خلص لکم صاحبکم مخرمة ابن نوفل و انما نفرتم لتمنعوه و ماله فاجعلونی جبنها و ارجعوا فانه لا حاجة لکم بأن تخرجوا فی ضیعة لا تسمعوا ما یقول هذا یعنی أبا جهل فرجعوا فلم یشهدها زهری واحد و أطاعوه و کان فیهم مطاعا و لم یکن بقی من قریش بطن الا و قد نفر منهم ناس الا بنی عدی بن کعب لم یخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس فلم یشهد بدرا من هاتین القبیلتین أحد* روی أن أبا سفیان صادفهم فقال یا بنی زهرة لا فی العیر و لا فی النفیر و هو أوّل من قال هذا قالوا أنت أرسلت الی قریش أن ترجع و فی بعض التفاسیر قال أخنس بن شریق یا قوم اذا حصل مرادنا الذی هو نجاة أموالنا فلنرجع فقال له أبو جهل أخنس فرجع فی ثلاثمائة من بنی زهرة فسمی أخنس لاختزاله من الحرب و لما بلغ أبا سفیان قول أبی جهل قال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام یعنی أبا جهل روی ان أبا سفیان لما بلغ العیر الی مکة رجع و لحق بجیش قریش فمضی معهم الی بدر فجرح یومئذ جراحات و أفلت هاربا و لحق بمکة راجلا قال ابن اسحاق و مضی القوم و کان بین طالب بن أبی طالب و کان فی القوم و بین بعض قریش محاورة فقالوا و اللّه لقد عرفنا یا بنی هاشم و ان خرجتم معنا أن هواکم لمع محمد فرجع طالب الی مکة مع من رجع قال طالب بن أبی طالب
لاهمّ اما یغنزون طالب‌فی عصبة محالف محارب
فی مقنب من هذه المقانب‌فلیکن المسلوب غیر السالب
و لیکن المغلوب غیر الغالب
قال ابن اسحاق و مضت قریش حتی نزلوا بالعدوة القصوی من الوادی خلف العقنقل و بطن الوادی و هو یلیل بین بدر و بین العقنقل الکثیب الذی خلفه قریش و القلیب ببدر فی العدوة الدنیا من بطن یلیل الی المدینة و بعث اللّه السماء و کان الوادی دهسا فأصاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه منها ما لبدلهم الارض و لم یمنعهم من المسیر و أصاب قریشا منها ما لم یقدروا علی أن یرتحلوا معه فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبادرهم الی الماء حتی اذا جاء أدنی ماء ببدر نزل به* و فی الکشاف و غیره من التفاسیر مضت قریش حتی أناخت بالعدوة القصوی أی البعدی عن المدینة خلف العقنقل العدوة شط الوادی و کان فیها الماء و کانت أرضا لا بأس بها للمشی فیها و نزل المسلمون بالعدوة الدنیا أی القربی الی جهة المدینة و لا ماء فیها و کانت کثیبا أعفر رخوا تسوخ فیه الاقدام و حوافر الدواب و لا یمشی فیها الّا بتعب و کانت الرکب أی العیر و قوّادها بمکان أسفل من مکان المسلمین بثلاثة أمیال الی جهة وراء ظهر العدوّ یعنی الساحل و کذا فی أنوار التنزیل و المدارک* و فی شواهد النبوّة روی أنه فی اللیلة السابقة علی یوم الحرب غلب النوم و الامنة علی المسلمین بحیث لم یقدروا أن یکونوا أیقاظا* و عن الزبیر أنه قال سلط علیّ النوم بحیث کلما أردت أن أجلس لم أقدر فیلقینی النوم علی الارض و کذا کان حال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه* قال سعد بن أبی وقاص رأیتنی تقع ذقنی بین ثدییّ فلما أنتبه أسقط علی جنبی قال رفاعة غلب علیّ النوم حتی احتلمت و تغسلت و کان مشرکو قریش بقرب منهم و قد غلب علیهم الخوف فبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم عمار بن یاسر و ابن مسعود فرجعا و قالا یا رسول اللّه غلب علی المشرکین الخوف حتی اذا صهل خیلهم یضربون وجوهها من شدّة الخوف* روی ان المسلمین ناموا فاحتلم أکثرهم و أجنوا و قد غلب المشرکون علی الماء فتمثل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:376
لهم الشیطان فوسوس إلیهم فقال کیف تنصرون و قد غلبتم علی الماء و أنتم تصلون محدثین مجنبین و آیة التیمم لم تنزل بعد و تزعمون انکم أولیاء اللّه و فیکم رسوله فأشفقوا فأرسل اللّه علیهم السماء لیلا حتی سال منها الوادی فاتخذوا الحیاض علی عدوة الوادی و شربوا و سقوا الرکاب و اغتسلوا و توضئوا و ملئوا الاسقیة و انطفأ للغبار و تلبدت لهم الارض حتی تثبت علیها الاقدام و لم تمنعهم من المسیر و زالت عنهم الوسوسة و طابت النفوس کما قال تعالی اذ یغشیکم النعاس أمنة منه و ینزل علیکم من السماء ماء لیطهرکم به و یذهب عنکم رجز الشیطان و لیربط علی قلوبکم و یثبت به الاقدام و قیل یثبت به الاقدام بالصبر و قوّة القلب فحصل بذلک للمسلمین اطمئنان و زال عنهم الخوف و لما کانت العدوة القصوی مناخ قریش أرضا سهلا لینا لم تبلغ أن تکون رملا و لیس هو بتراب أصابهم ما لم یقدروا ان یرتحلوا معه فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبادر الی الماء حتی اذا أتی أدنی ماء من بدر نزل به قال ابن اسحاق حدثت عن رجال من بنی سلمة انهم ذکروا ان الخباب بن المنذر بن الجموح قال یا رسول اللّه أ رأیت هذا المنزل أ منزل أنزلکه اللّه لیس لنا أن نتقدّمه و لا نتأخر عنه أم هو الرأی و الحرب و المکیدة قال بل الرأی و الحرب و المکیدة قال یا رسول اللّه ان هذا لیس بمنزل فانهض بالناس حتی تأتی أدنی ماء من القوم فتنزل ثم نغوّر ما وراءه من القلب ثم نبنی علیه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب و لا یشربون فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقد أشرت بالرأی* و فی روایة فنزل جبریل فقال الرأی ما أشار إلیه الخباب کذا فی المنتقی فنهض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من معه من المسلمین فسار حتی اذا أتی أدنی ماء من القوم نزل علیه ثم أمر بالقلب فغوّرت و بنی حوضا علی القلیب الذی نزل علیه فملئ ماء ثم قذفوا فیه الآنیة و کان نزوله بدرا عشاء لیلة الجمعة السابعة عشر من رمضان کما مرّ و لما نزل قام مع جماعة من أصحابه یسیر فی عرصة بدر و یضع یده علی الارض و یقول هذا مصرع فلان و هذا مصرع فلان یری أصحابه مصارع صنادید قریش فو اللّه ما تجاوز أحد منهم عن الموضع الذی عین له بل قتل فیه* قال ابن اسحاق فحدثنی عبد اللّه بن أبی بکر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال یا نبیّ اللّه أ لا نبنی لک عریشا تکون فیه و نعدّ عندک رکائبک ثم نلقی عدوّنا فان أعزنا اللّه و أظهرنا علی عدوّنا کان ذلک ما أحببنا و ان کانت الاخری جلست علی رکائبک فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنک أقوام یا نبیّ اللّه ما نحن لک بأشدّ حبا منهم و لو ظنوا انک تلقی حربا ما تخلفوا عنک یمنعک اللّه بهم یناصحونک و یجاهدون معک فأثنی علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیرا و دعا له بخیر ثم بنی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عریش فکان فیه* و فی خلاصة الوفاء مسجد بدر کان العریش الذی بنی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم بدر عنده و هو معروف عند النخیل و العین قریبة منه و بقربه فی جهة القبلة مسجد آخر تسمیه أهل بدر مسجد النصر و لم أقف فیه علی شی‌ء* قال ابن اسحاق و قد ارتحلت قریش حین أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تصوب من العقنقل و هو الکثیب الذی جاءوا منه الی الوادی قال اللهمّ هذه قریش قد أقبلت بخیلائها و فخرها تجادل و تکذب رسولک اللهمّ فنصرک الذی وعدتنی اللهمّ أحنهم الغداة و قد قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رأی عتبة بن ربیعة فی القوم علی جمل له أحمر إن یک فی أحد من القوم خیر فعند صاحب الجمل الأحمر إن یطیعوه یرشدوا و قد کان خفاف ابن ایماء بن رحضة الغفاری أو أبوه ایماء بن رحضة الغفاری بعث الی قریش حین مروان ابنا له بجزائر أهداها لهم و قال ان أحببتم ان نمدّکم بسلاح و رجال فعلنا قال فأرسلوا إلیه ان وصلتک رسم و قد قضیت الذی علیک فلعمری لئن کنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم و لئن کنا انما نقاتل اللّه کما یزعم محمد فما لاحد باللّه من طاقة فلما نزل الناس
أقبل نفر من قریش حتی وردوا حوض رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:377
صلی اللّه علیه و سلم فیهم حکیم بن حزام فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعوهم فما شرب منه یومئذ رجل الا قتل الا ما کان من حکیم بن حزام فانه لم یقتل ثم أسلم بعد ذلک فحسن اسلامه فکان اذا اجتهد فی یمینه قال و الذی نجانی یوم بدر و لما اطمأنّ القوم بعثوا عمیر بن وهب الجمحی فقالوا احرز لنا أصحاب محمد فدار بفرسه حول العسکر ثم رجع إلیهم فقال ثلاثمائة رجل یزیدون قلیلا أو ینقصونه و لکن أمهلونی حتی أنظر للقوم کمین أو مدد فضرب فی الوادی حتی أبعد فلم یر شیئا فرجع إلیهم فقال ما رأیت شیئا و لکنی قد رأیت یا معشر قریش البلایا* و فی روایة الولایا تحمل المنایا نواضح یثرب تحمل الموت الناقع* و فی المنتقی السم الناقع أی القاتل قوم لیس لهم منعة و لا ملجأ الا سیوفهم و اللّه ما أری أن یقتل منهم رجل حتی یقتل رجل منکم فاذا أصابوا منکم أعدادهم فلا خیر فی العیش بعد ذلک فروا رأیکم* روی انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رأی المشرکین فی وقعة بدر فی المنام قلیلا فأخبر بذلک أصحابه و کان تثبیتا لهم و تشجیعا علی عدوّهم و لو أراه ایاهم کثیرا لفشلوا و جبنوا و هابوا الاقدام علیهم و تنازعوا فی أمر القتال و تردّدوا بین الثبات و الفرار فقلل اللّه الکافرین فی أعین المؤمنین حتی قال ابن مسعود لمن الی جنبه أ تراهم سبعین فقال أراهم مائة و کانوا ألفا تثبیتا و تصدیقا لرؤیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لیجترءوا علیهم و قلل المؤمنین فی أعین الکافرین قبل التحام القتال حتی قال أبو جهل انّ محمدا و أصحابه أکلة جزور لیجترءوا علیهم و لئلا یرجعوا عن قتالهم و لئلا یستعدوا لهم ثم کثرهم فی أعینهم حتی یروهم مثلیهم لتفجأهم الکثرة فتبهتهم و تکسر قلوبهم و هذا من عظائم آیات تلک الوقعة فان البصر و ان کان قد یری الکثیر قلیلا و القلیل کثیرا لکن لا علی هذا الوجه و لا الی هذا الحد و انما یتصوّر ذلک بصدّ اللّه تعالی الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوی فی الشرط کذا فی أنوار التنزیل* فلما سمع حکیم بن حزام قول عمیر تمشی فی الناس فأتی عتبة فقال یا أبا الولید انک کبیر قریش و سیدها و المطاع فیها هل لک الی أن لا تزال تذکر منها بخیر الی آخر الدهر قال و ما ذاک یا حکیم قال ترجع بالناس و تحمل أمر حلیفک عمرو بن الحضرمی قال قد فعلت أنت علیّ بذلک انما هو حلیفی فعلیّ عقله و ما أصیب من ماله فأت ابن الحنظلیة یعنی أبا جهل و الحنظلیة أم أبی جهل و هی أسماء بنت مخرمة أحد بنی نهشل بن دارم بن مالک بن حنظلة فانی لا أخشی أن یشجر أمر الناس غیره ثم قام عتبة خطیبا فقال یا معشر قریش انکم و اللّه ما تصنعون بأن تلقوا محمدا و أصحابه شیئا و اللّه لئن أصبتموهم لا یزال الرجل ینظر فی وجه رجل یکره النظر إلیه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشیرته فارجعوا و خلوا بین محمد و بین سائر العرب فان أصابوه فذلک الذی أردتم و ان کان غیر ذلک ألفاکم و لم تعرضوا منه ما تریدون و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأی عتبة فی القوم علی جمل له أحمر الی آخر الحدیث کما مرّ قال حکیم فانطلقت حتی جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو یهیئها فقلت له یا أبا الحکم ان عتبة أرسلنی إلیک بکذا و کذا الذی قال فقال انتفخ و اللّه سحره حین رأی محمدا و أصحابه کلا و اللّه لا نرجع حتی یحکم اللّه بیننا و بین محمد و ما یعتبه ما قال و لکنه قد رأی محمدا و أصحابه أکلة جزور و فیهم ابنه قد تخوّفکم علیه یعنی أبا حذیفة بن عتبة و کان قد أسلم* و فی المنتقی قال عتبة فی جواب حکیم قد فعلت یعنی قال أنا أتحمل بدم حلیفی فاذهب الی ابن الحنظلیة یعنی أبا جهل فقل له هل لک أن ترجع الیوم بمن معک عن ابن عمک فجئته فاذا هو فی جماعة من بین یدیه و من ورائه فاذا بابن الحضرمی واقف علی رأسه و هو یقول قد فسخت عقدی من بنی عبد شمس و عقدی الی بنی مخزوم فقلت له یقول لک عتبة هل لک أن ترجع بالناس عن ابن عمک قال أ ما وجد رسولا
غیرک* قال حکیم فخرجت أبادر الی عتبة و هو متّکئ علی ایماء بن رحضة و قد أهدی الی المشرکین عشر جزائر فطلع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:378
أبو جهل و الشرّ فی وجهه فقال لعتبة* انتفخ سحرک* و هذا الکلام تقوله العرب للجبان فقال له عتبة ستعلم غدا من انتفخ سحره أنا أم أنت* و فی روایة قال له عتبة ایای تعیر یا مصفر استه انما قال هذا لانّ أبا جهل کان به برص فی البتة و کان یردعها بالزعفران فغضب أبو جهل و سل سیفه و ضرب به متن فرسه فقال له ایماء بن رحضة بئس الفأل* قال ابن هشام ثم بعث أبو جهل الی عامر بن الحضرمی فقال هذا حلیفک یرید أن یرجع بالناس و قد رأیت ثارک بعینک فقم و انشد حفرتک و مقتل أخیک فقام عامر بن الحضرمی فاکتشف ثم صرخ وا عمرواه وا عمرواه فحمیت الحرب و حقب أمر الناس و استوثقوا علی ما هم علیه من الشر و أفسد علی الناس الرأی الذی دعاهم إلیه عتبة ثم التمس عتبة بیضة لیدخلها فی رأسه فما وجد فی الجیش بیضة تسعه من عظم هامته فلما رأی ذلک اعتجر علی رأسه ببرد له و عقد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثة ألویة و کان لواؤه الاعظم لواء المهاجرین مع مصعب بن عمیر و لواء الخزرج مع الخباب بن المنذر و لواء الاوس مع سعد بن معاذ و جعل شعار المهاجرین یا بنی عبد الرحمن و شعار الخزرج یا بنی عبد اللّه و شعار الاوس یا بنی عبید اللّه و قیل کان شعار الکل یا منصور أمت و فی اکتفاء الکلاعی کان شعار أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحد أحد و کان مع المشرکین ثلاثة ألویة لواء مع عبد العزیز بن عمیر و لواء مع النضر بن الحارث و لواء مع طلحة بن أبی طلحة کلهم من بنی عبد الدار و خرج الاسود بن عبد الاسد المخزومی و کان رجلا شرسا سیئ الخلق فقال أعاهد اللّه لأشربن من حوضهم أو لاهدمنه أو لأموتن دونه فخرج إلیه حمزة بن عبد المطلب فلما التقیا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه و هو دون الحوض فوقع علی ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الی الحوض حتی اقتحم فیه یرید بزعمه أن تبرّ یمینه و اتبعه حمزة فضربه حتی قتله فی الحوض ثم خرج بعده عتبة ابن ربیعة بین أخیه شیبة بن ربیعة و ابنه الولید بن عتبة حتی اذا فصل من الصف دعا الی المبارزة فخرج إلیه فتیة من الانصار ثلاثة و هم عوف و معاذا بنا الحارث و أمهما عفراء و رجل آخر یقال هو عبد اللّه بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الانصار قالوا ما لنا بکم من حاجة* قال ابن اسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ عتبة بن ربیعة قال للفتیة من الانصار حین انتسبوا أکفاء کرام انما نرید قومنا قال فنادی منادیهم یا محمد أخرج إلینا أکفاءنا من قومنا فقال رسول اللّه قم یا عبیدة بن الحارث و قم یا حمزة و قم یا علی فلما قاموا و دنوا منهم قالوا من أنتم قال عبیدة عبیدة و قال حمزة حمزة و قال علیّ علیّ قالوا نعم اکفاء کرام فبارز عبیدة و کان أسن القوم عتبة بن ربیعة و بارز حمزة شیبة بن ربیعة و بارز علیّ الولید بن عتبة فأمّا حمزة فلم یمهل شیبة ان قتله و أما علیّ فلم یمهل الولید أن قتله و اختلف عبیدة و عتبة بینهما بضربتین کلاهما أثبت صاحبه و کرّ حمزة و علیّ بأسیافهما علی عتبة فذففا علیه و احتملا صاحبهما فحازاه الی أصحابه* و قال موسی بن عقبة و قد صح ان قوله تعالی هذان خصمان اختصموا فی ربهم الآیة نزل فی هؤلاء الستة* و فی روایة قتل علیّ الولید ثم قام شیبة بن ربیعة فقام إلیه عبیدة بن الحارث فاختلفا ضربتین فضربه عبیدة فصرعه و ضرب شیبة رجل عبیدة فقطعها أسفل من الرکبتین و صرعا جمیعا و قام عتبة فقام إلیه حمزة فاختلفا ضربتین فلم یصنع سیفاهما شیئا فاعتنق کل واحد منهما صاحبه فأهوی عبیدة بن الحارث و هو صریع فضرب عتبة فقطع ساقه فقام إلیه حمزة فضربه حتی برد و احتمل علیّ و حمزة عبیدة فجاءا به الی أصحابه و قد قطعت رجله و مخ ساقه یسیل فلما أتوا بعبیدة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أ لست شهیدا یا رسول اللّه قال بلی فقال عبیدة لو کان أبو طالب حیا لعلم انی أحق منه حیث یقول
و نسلمه حتی نصرّع حوله‌و نذهل عن أبنائنا و الحلائل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:379
و فی روایة أنشأ عبیدة هذین البیتین
فان یقطعوا رجلی فانی مسلم‌و أرجو به عیشا من اللّه عالیا
فألبسنی الرحمن من فضل منه‌لباسا من الاسلام غطی المساویا و مات فدفنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالصفراء و هو ابن ثلاث و ستین سنة و قیل عاش أیاما ثم مات بالروحاء کذا فی المنتقی* و فی ذخائر العقبی قیل ان حمزة قتل یوم بدر عتبة بن ربیعة مبارزه قاله موسی بن عقبة و قیل بل قتل شیبة بن ربیعة مبارزه قاله ابن اسحاق و غیره و قتل یومئذ طعیمة بن عدی أخا مطعم بن عدی و قتل الاسود بن عبد الاسد المخزومی یومئذ فی الحوض و قتل سباعا الخزاعی و قیل بل قتله یوم أحد قبل أن یقتل* و فی اکتفاء الکلاعی ذکر ابن عقبة انه لما طلب القوم المبارزة فقام إلیه ثلاثة نفر من الانصار استحیا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من ذلک لانه کان أوّل قتال التقی فیه المسلمون و المشرکون و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شاهد معهم فأحب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن تکون الشوکة لبنی عمه فناداهم أن ارجعوا الی مصافکم و لیقم إلیهم بنو عمهم فعند ذلک قام حمزة و علیّ و عبیدة* قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس و دنا بعضهم من بعض و قد أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه أن لا یحملوا علی المشرکین حتی یأمرهم و قال ان کبتکم القوم فانضحوهم عنکم بالنبل و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی العریش و معه أبو بکر الصدّیق و عدّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ صفوف أصحابه و فی یده قدح یعدّل به القوم فمرّ بسواد بن غزیة حلیف بنی عدی بن النجار و هو مستنثل من الصف أی بارز فطعن فی بطنه بالقدح و قال استویا سواد فقال یا رسول اللّه أوجعتنی و قد بعثک اللّه بالحق و العدل فأقدنی فکشف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن بطنه و قال استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملک علی هذا یا سواد قال یا رسول اللّه حضر ما تری فأردت أن یکون آخر العهد بک أن یمس جلدی جلدک فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم له بخیر ثم عدّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الصفوف و رجع الی العریش فدخله و معه فیه أبو بکر لیس معه فیه غیره و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یناشد ربه ما وعده من النصر و یقول فیما یقول اللهم ان تهلک هذه العصابة الیوم لا تعبد فی الارض أبدا و أبو بکر یقول یا نبیّ اللّه یکفیک بعض مناشدتک ربک فانّ اللّه منجز لک ما وعدک* روی النسائی و الحاکم عن علیّ أنه قال قاتلت یوم بدر شیئا من قتال ثم جئت فاذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول فی سجوده یا حیّ یا قیوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته کذلک* و فی المواهب اللدنیة فی صحیح مسلم عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب لما کان یوم بدر نظر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی المشرکین و هم ألف و أصحابه ثلاثمائة و بضعة عشر دخل العریش فاستقبل القبلة و مدّ یده و جعل یهتف بربه اللهم أنجز لی ما وعدتنی فما زال یهتف بربه مدّا یدیه حتی سقط رداؤه عن منکبیه فأخذ أبو بکر رداءه فألقاه علی منکبیه ثم التزمه من ورائه و قال یا نبیّ اللّه کفاک مناشدتک ربک فانه سینجز لک ما وعدک فأنزل اللّه تعالی اذ تستغیثون ربکم فاستجاب لکم أنی ممدکم مرسل إلیکم مددا لکم بألف من الملائکة مردفین متتابعین بعضهم فی اثر بعض و علی قراءة فتح الدال معناه أردف اللّه المسلمین و جاءهم بهم مددا و فی الآیة الاخری بثلاثة آلاف من الملائکة منزلین فقیل فی معناه ان الالف أردفهم بثلاثة آلاف فکان الاکثر مدد اللاقل و کان الالف مردفین لمن وراءهم و الالف هم الذین قاتلوا مع المؤمنین و هم الذین قال اللّه لهم فثبتوا الذین آمنوا و کانوا فی صورة الرجال و یقولون للمؤمنین اثبتوا فان عدوّکم قلیل و انّ اللّه معکم* و قال الربیع ابن أنس أمد اللّه المسلمین بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف قال ابن اسحاق و قد خفق رسول اللّه خفقة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:380
و هو فی العریش ثم انتبه* و فی روایة البخاری أخذته صلّی اللّه علیه و سلم سنة من النوم ثم استیقظ متبسما فقال ابشر یا أبا بکر أتاک نصر اللّه هذا جبریل آخذ بعنان فرسه یقوده علی ثنایاه النقع یرید الغبار و قد رمی مهجع مولی عمر بسهم فقتل فکان أوّل قتیل من المسلمین ثم رمی حارثة بن سراقة أحد بنی عدی ابن النجار و هو یشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الناس و هو یثب فی الدرع و یقول سیهزم الجمع و یولون الدبر فحرّضهم و نفل کل امرئ ما أصاب و قال و الذی نفس محمد بیده لا یقاتلهم الیوم رجل فیقتل صابرا محتسبا مقبلا غیر مدبرا لا أدخله اللّه الجنة فقال عمیر بن الحمام أخو بنی سلمة و فی یده تمرات یأکلهنّ بخ بخ فما بینی و بین أدخل الجنة الا أن یقتلنی هؤلاء فقذف التمرات من یده و أخذ سیفه فقاتل القوم حتی قتل و هو یقول
رکضا الی اللّه بغیر الزادالا التقی و العمل المفاد
و الصبر فی اللّه علی الجهادو کل زاد عرضة النفاد
غیر التقی و البر و الرشاد
و فی المشکاة فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قوموا الی جنة عرضها السموات و الارض قال عمیر ابن الحمام بخ بخ فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما یحملک علی قولک بخ بخ قال لا و اللّه یا رسول اللّه الارجاء أن أکون من أهلها قال فانک من أهلها فأخرج تمرات من کرزه أی جعبته فجعل یأکل منهنّ ثم قال لئن أنا حییت حتی آکل تمراتی انها الحیاة طویلة قال فرمی بما کان معه من التمرات ثم قاتلهم حتی قتل رواه مسلم قال و التقی الناس و دنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهمّ من کان أقطعنا رحما فأتی بما لا یعرف فأحنه الغداة و کان هو المستفتح علی نفسه و قال یومئذ عوف بن الحارث و هو ابن عفراء یا رسول اللّه ما ذا یضحک الرب من عبده قال غمسة یده فی العدوّ حاسرا فنزع درعا کانت علیه فقذفها ثم أخذ سیفه فقاتل القوم حتی قتل‌

لطیفة انقلاب العصا سیفا

و قاتل عکاشة بن محصن الاسدی حلیف بنی عبد شمس یوم بدر بسیفه حتی انقطع فی یده فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا یا عکاشة فلما أخذه هزه فعاد فی یده سیفا طویل القامة شدید المتن أبیض الحدید فقاتل به حتی فتح اللّه علی المسلمین و کان ذلک السیف یسمی العون ثم لم یزل عنده حتی قتل فی الردّة و هو عنده قتله طلیحة الاسدی ثم انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قریشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها ثم أمر أصحابه فقال شدوا فکانت الهزیمة و جعل اللّه تلک الحصباء عظیما شأنها لم تترک من المشرکین رجلا إلا ملأت عینیه و استولی علیهم المسلمون معهم اللّه و ملائکته یقتلونهم و یأسرونهم و یجدون النفر کل رجل منهم مکب علی وجهه لا یدری أین یتوجه یعالج التراب ینزعه من عینیه فقتل اللّه من قتل من صنادید قریش و أسر من أسر من أشرافهم* قال قتادة و ابو زید ذکر لنا ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخذ یوم بدر ثلاث حصیات فرمی بحصاة فی میمنة القوم و بحصاة فی میسرة القوم و بحصاة فی أظهرهم و قال شاهت الوجوه فانهزموا فذلک قوله تعالی و ما رمیت اذ رمیت و لکن اللّه رمی* و فی معالم التنزیل تناول کفا من حصی علیه تراب فرمی فی وجوه القوم و قال شاهت الوجوه فلم یبق مشرک الا دخل فی عینیه و فی فمه و منخره منها شی‌ء فانهزموا ورد فهم المؤمنون یقتلونهم و یأسرونهم* و قال حکیم بن حزام لما کان یوم بدر سمعنا صوتا من السماء الی الارض کأنه صوت حصاة وقعت فی طست حین رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تلک الحصیات فانهزمنا فذلک قوله تعالی و ما رمیت اذ رمیت و لکن اللّه رمی و قال نوفل بن معاویة انهزمنا یوم بدر و نحن نسمع کوقع الحصاة فی الطساس فی أفئدتنا من خلفنا و کان ذلک أشدّ الرعب علینا فلما وضع القوم أیدیهم یأسرون و سعد بن معاذ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:381
قائم علی باب العریش الذی فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم متوشحا السیف فی نفر من الانصار یحرسون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخافون علیه کرة العدوّ رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجه سعد الکراهیة لما یصنع الناس فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لکأنک یا سعد تکره ما یصنع القوم قال أجل و اللّه یا رسول اللّه کانت أوّل وقعة أوقعها اللّه بأهل الشرک فکان الاثخان فی القتل أحب الیّ من استبقاء الرجال و قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ لاصحابه انی قد عرفت ان رجالا من بنی هاشم و غیرهم قد أخرجوا کرها و لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقی منکم أحدا من بنی هاشم فلا یقتله و من لقی أبا البختری بن هشام بن الحارث بن أسد فلا یقتله و اسم أبی البختری العاصی بن هشام و من لقی العباس بن عبد المطلب عم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلا یقتله فانه انما خرج مستکرها قال أبو حذیفة أ نقتل آباءنا و أبناءنا و اخواننا و عشیرتنا و نترک العباس و اللّه لئن لقیته لألجمنه بالسیف فبلغت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لعمر بن الخطاب یا أبا حفص قال عمر و اللّه انه لاوّل یوم کنانی فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأبی حفص أ یضرب وجه عم رسول اللّه بالسیف فقال عمر یا رسول اللّه دعنی فلاضربن عنقه بالسیف فو اللّه لقد نافق فکان أبو حذیفة یقول ما أنا بآمن من تلک الکلمة التی قلت یومئذ و لا أزال منها خائفا الا أن تکفرها عنی الشهادة فقتل یوم الیمامة شهیدا و انما نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قتل أبی البختری لانه کان أکف القوم عنه بمکة و کان لا یؤذیه و لا یبلغه عنه شی‌ء یکرهه و کان ممن قام فی نقض الصحیفة التی کتبتها قریش علی بنی هاشم و بنی المطلب فلقیه المجذر بن زیاد البلوی حلیف الانصار یوم بدر فقال له ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد نهانا عن قتلک و مع أبی البختری زمیل له خرج معه من مکة و هو رجل من بنی لیث اسمه جنادة بن ملیحة بنت زهیر قال و زمیلی فقال له المجذر لا و اللّه ما نحن بتارکی زمیلک ما أمرنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا بک وحدک قال لا و اللّه اذا لا موتن أنا و هو جمیعا لا تحدّث عنی نساء مکة أنی ترکت زمیلی حرصا علی الحیاة و قال یرتجز
لن یسلم ابن حرة زمیله‌حتی یموت أو یری سبیله فاقتتلا فقتله المجذر ثم أتی المجذر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال و الذی بعثک بالحق انی جهدت علیه أن یستأسر فآتیک به فأبی الا أن یقاتلنی فقاتلته فقتلته* و قال موسی بن عقبة یزعم ناس ان أبا الیسر قتل أبا البختری و یأبی معظم الناس الا أن المجذر هو الذی قتله ثم أضرب ابن عقبة عن القولین و قال بل قتله بغیر شک أبو داود المازنی و سلبه سیفه فکان عند بنیه حتی باعه بعضهم من بعض بنی أبی البختری و کان المجذر قد ناشده أن یستأسر و أخبره بنهی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن قتله فأبی أبو البختری أن یستأسر و شدّ علیه المجذر بالسیف و طعنه الانصاری یعنی أبا داود المازنی بین ثدییه فأجهز علیه فقتله کذا فی الاکتفاء* قال ابن هشام حدّثنی أبو عبیدة و غیره ان عمر بن الخطاب قال لسعید بن العاصی انی أراک کانّ فی نفسک شیئا اراک تظنّ أنی قتلت أباک انی لو قتلته لم أعتذر إلیک من قتله و لکنی قتلت خالی العاصی بن هشام بن المغیرة فأما أبوک فانی مررت به و هو یبحث بحث الثور بروقه فجزت عنه و قصد له ابن عمه علیّ فقتله* و قال عبد الرحمن بن عوف کان أمیة بن خلف لی صدیقا بمکة و کان اسمی عبد عمرو فلما أسلمت تسمیت عبد الرحمن فکان یلقانی فیقول لی یا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماکه أبوک فأقول نعم فیقول فانی لا أعرف الرحمن فاجعل بینی و بینک شیئا أدعوک به أما أنت فلا تجیبنی باسمک الاوّل و أما أنا فلا أدعوک بما لا أعرف فقلت یا أبا علیّ اجعل ما شئت قال فأنت عبد الاله فقلت نعم حتی اذا کان یوم بدر مررت به و هو واقف مع ابنه علیّ بن أمیة آخذا بیده و معی
أدراع لی قد استلبتها فأنا أحملها فلما رآنی قال یا عبد عمرو فلم أجبه فقال یا عبد الا له فقلت نعم فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:382
هل لک فیّ فأنا خیر لک من هذه الا دراع التی معک قال قلت نعم فطرحت الا دراع من یدی و أخذت بیده و ید ابنه علیّ و هو یقول ما رأیت کالیوم قط أ ما لکم حاجة فی اللبن یرید الفداء ثم خرجت أمشی بهما قال عبد الرحمن قال أمیة فأنا بینه و بین ابنه علیّ آخذا بأیدیهما فقال یا عبد الا له من الرجل منکم المعلم بریشة نعامة فی صدره قلت ذلک حمزة بن عبد المطلب قال ذلک الذی فعل بنا الافاعیل* قال عبد الرحمن فو اللّه انی لاقودهما اذ رآه بلال و کان هو الذی یعذبه بمکة علی ترک الاسلام فیخرجه الی رمضاء مکة اذا حمیت فیضجعه علی ظهره ثم یأمر بالصخرة العظیمة فتوضع علی صدره ثم یقول لا تزال هکذا أو تفارق دین محمد فیقول بلال أحد أحد فلما رآه بلال قال رأس الکفر أمیة بن خلف لا نجوت ان نجوت قال قلت أی بلال أ بأسیری قال لا نجوت ان نجا قلت أ تسمع یا ابن السوداء قال لا نجوت ان نجا ثم صرخ بأعلی صوته یا أنصار اللّه رأس الکفر أمیة بن خلف لا نجوت ان نجا فأحاطوا بنا حتی جعلونا فی مثل الشبکة و أنا اذب عنه فأخلف رجل السیف فضرب رجل ابنه فوقع و صاح أمیة صیحة ما سمعت مثلها قط فقلت انج بنفسک و لا نجاء به فو اللّه ما أغنی عنک شیئا فهبروهما بأسیافهم حتی فرغوا منهما فکان عبد الرحمن یقول رحم اللّه بلا لا ذهبت أدراعی و فجعنی بأسیری* و قاتلت الملائکة یوم بدر قال ابن عباس و لم تقاتل فی یوم سواه و کانوا یکونون فیما سواه من الایام عددا و مددا لا یضربون و قیل لم تقاتل الملائکة لا فی یوم بدر و لا فی غیره و انما کانوا یکثرون السواد و یثبتون المؤمنین و الا فملک واحد یکفی فی اهلاک أهل الدنیا فان جبریل أهلک بریشة واحدة من جناحه مدائن قوم لوط و أهلک ثمود و قوم صالح بصیحة واحدة و کانت سیماهم یوم بدر عمائم بیضا قد أرسلوها فی ظهورهم و یوم حنین عمائم حمرا* و ذکر ابن هشام عن علیّ فی سیماء الملائکة یوم بدر مثل ما قال ابن عباس الا جبریل فان فی حدیث علیّ أنه کانت علیه عمامة صفراء* قال ابن عباس حدّثنی رجل من غفار قال أقبلت أنا و ابن عمّ لی حتی أصعدنا فی جبل یشرف بنا علی بدر و نحن مشرکان ننتظر لمن تکون الدبرة فننتهب مع من ینتهب فبینا نحن فی الجبل اذ دنت منا سحابة فسمعنا منها حمحمة الخیل فسمعت قائلا یقول أقدم حیزوم فأما ابن عمی فانکشف قناع قبله فمات مکانه و أما أنا فکدت أهلک ثم تماسکت* و قال أبو سعید الساعدی بعد أن ذهب بصره و کان شهد بدرا لو کنت الیوم ببدر و معی بصری لأریتکم الشعب الذی خرجت منه الملائکة لا أشک و لا أتماری* و قال أبو داود المازنی انی لا تبع رجلا من المشرکین یوم بدر لا ضربه اذ وقع رأسه قبل أن یصل إلیه سیفی فعرفت انه قد قتله غیری* روی انه جاءت یوم بدر ریح شدیدة لم یر مثلها ثم ذهبت فجاءت ریح أخری ثم ذهبت و جاءت ریح أخری فکانت الاولی جبریل فی ألف من الملائکة مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الثانیة میکائیل فی ألف من الملائکة عن میمنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الثالثة اسرافیل فی ألف من الملائکة عن میسرته* و فی الکشاف نزل جبریل فی خمسمائة ملک علی المیمنة و فیها أبو بکر و میکائیل فی خمسمائة ملک علی المیسرة و فیها علیّ بن أبی طالب قال اللّه تعالی انی ممدّکم بألف من الملائکة* و فی أنوار التنزیل قیل أمدّ اللّه یوم بدر أوّلا بألف من الملائکة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف و کانت سیماء الملائکة یوم بدر انهم علی صورة الرجال علیهم ثیاب بیض و عمائم قد أرخوا أذنابها بین اکتافهم خضر و صفر و حمر و بیض* و فی الصفوة ان الزبیر بن العوام کان علیه یوم بدر ریطة صفراء معتجرا بها و کان علی المیمنة فنزلت الملائکة علی سیماه* و فی الحدیث ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال لاصحابه یوم بدر تسوّموا فان الملائکة قد تسوّمت بالصوف الابیض فی قلانسهم و مغافرهم کذا فی معالم التنزیل و الصوف فی خیلهم و کانت خیلا بلقا و کان المشرکون یسمعون صهیل خیلهم و لا یرونها و قال قتادة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:383
و الضحاک کانت الملائکة قد أعلموا بالعهن فی نواصی الخیل و أذنابها* و فی خلاصة الوفاء عن حکیم بن حزام قال رأیت یوم بدر قد وقع بوادی خلیص بجاد من السماء قد سدّ الافق فاد الوادی یسیل نملا فوقع فی نفسی أنه شی‌ء من السماء أید به محمد صلّی اللّه علیه و سلم فما کانت الا الهزیمة* و عن أبی أمامة بن سهل بن حنیف قال قال لی أبی یا بنی لقد رأیتنا یوم بدر و ان أحدنا لیشیر بسیفه الی المشرک فیقع رأسه عن جسده قبل أن یصل إلیه السیف* و قال عکرمة کان یومئذ یندر رأس الرجل لا یدری من ضربه و یندر ید الرجل لا یدری من ضربه روی ان رجلا من الانصار اتبع کافرا لیقتله فقبل أن یصل إلیه سمع صوتا یقول أقدم حیزوم فرأی الکافر الذی قدّامه وقع صریعا و قد شق و جرح وجهه و انکسر أنفسه فجاء الانصاری الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بما رآه فقال علیه السلام صدقت فهو من مدد السماء* و فی المواهب اللدنیة قال ابن الانباری کانت الملائکة لا تعلم کیف تقتل الآدمیون فعلمهم اللّه تعالی بقوله فاضربوا فوق الاعناق أی الرءوس و اضربوا منهم کل بنان قال عطیة کل مفصل و قال السهیلی جاء فی التفسیر انه ما وقعت ضربة یوم بدر الا فی رأس أو مفصل و کانوا یعرفون قتلی الملائکة من قتلاهم بآثار سود فی الاعناق و فی البنان* و فی خلاصة الوفاء قال المرجانی شهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدرا بسیفه الذی یدعی العضب و ضربت طبلخانة النصر ببدر فهی تضرب الی یوم القیامة*

لطیفة فی استماع الطبل ببدر کطبل الملوک‌

قال القسطلانی فی المواهب اللدنیة یقال انها تسمع ببدر کهیئة طبل ملوک الوقت و یرون ان ذلک لنصر أهل الایمان و قال أنا جرّبتها فسمعت صوت طبل سماعا محققا لا شک انه صوت طبل ثم نزلنا ببدر فظللت أسمع ذلک الصوت یومی أجمع المرّة بعد المرّة قال و لقد أخبرت أن ذلک الصوت لا یسمعه جمیع الناس* و قال مؤلف الکتاب حسین بن محمد الدیار بکری عفا اللّه عنهما و أنا جرّبتها فی سنة ست و ثلاثین و تسعمائة وقت اجتیازی ببدر قافلا من المدینة المشرّفة الی مکة المکرّمة فنزلنا بدرا و أقمنا فیه یوما و لما صلیت الفجر یوم الاربعاء من أوائل شعبان ابتکرت نحو ذلک الصوت و کان یجی‌ء من کثیب ضخم طویل مرتفع کالجبل شمالی بدر فطلعت علی الکثیب ثم تتابع الناس لسماع ذلک الصوت و کانوا زها مائة انسان من الرجال و النساء فی الشقادف و غیرها و ما سمعت شیئا من أعلا الکثیب فنزلت أسفل فسمعت من سفح ذلک الکثیب صوتا کهیئة الطبل الکبیر سماعا محققا بلا شک مرارا متعدّدة و کذلک سائر الناس کانوا یسمعونه مثل ما سمعت بلا شبهة و مکثنا فیه زمانا طویلا و کان الصوت یجی‌ء تارة من تحتنا ثم ینقطع و تارة من خلفنا ثم ینقطع و تارة من قدّامنا و تارة عن یمیننا و تارة عن شمالنا و علی کل الهیئات کنا نسمع الصوت قائما و قاعدا و متکئا سماعا محققا بلا شبهة و کان الوقت صحوا راکدا لا ریح فیه* قال ابن اسحاق و أقبل أبو جهل یوم بدر یرتجز و هو یقاتل و یقول
ما تنقم الحرب العوان منی‌بازل عامین حدیث سنّ
لمثل هذا ولدتنی أمی
و کان أوّل من لقیه فیما ذکر معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنی سلمة قال سمعت القوم و أبو جهل فی مثل الحرجة یقولون أبو الحکم لا یخلص إلیه فلما سمعتها جعلته من شأنی فصمدت نحوه فلما أمکننی حملت علیه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فو اللّه ما شبهتها حین طاحت الا بالنواة حین نطیح من تحت مرضخة النوی حین یضرب بها و ضربنی ابنه عکرمة علی عاتقی فطرح یدی فتعلقت بجلدة من جنبی و أجهضنی القتال عنه فلقد قاتلت عامة یومی و انی لا سحبها خلفی فلما آذتنی وضعت علیها قدمی ثم تمطیت بها علیها حتی طرحتها و عاش بعد ذلک معاذ هذا الی زمان عثمان کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ فیما ذکره القاضی عیاض عن ابن وهب معاذ بن عمرو یحمل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:384
یده ضربه عکرمة علیها فتعلقت بجلدة فبصق صلّی اللّه علیه و سلم علیها فلصقت و هو مخالف لما قال طرحتها کما مرّ آنفا قال ابن اسحاق ثم عاش بعد ذلک حتی کان زمن عثمان ثم مرّ بأبی جهل و هو عقیر معوذ بن عفراء فضربه حتی أثبته فترکه و به رمق و قاتل معوذ حتی قتل فمرّ عبد اللّه بن مسعود بأبی جهل حین أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالتماسه فی القتلی و قد قال صلّی اللّه علیه و سلم أنظروا ان خفی علیکم فی القتلی الی أثر جرح فی رکبته فانی ازدحمت یوما أنا و هو علی مأدبة لعبد اللّه بن جدعان و نحن غلامان و کنت أشف منه بیسیر فدفعته فوقع علی رکبتیه فجحشته فی احداهما جحشا لم یزل أثره بها قال عبد اللّه بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلی علی عنقه قال و قد کان ضبث بی مرّة بمکة فآذانی و لکزنی ثم قلت له هل أخزاک اللّه یا عدوّ اللّه قال بما ذا أخزانی أعمد من رجل قتلتموه و فی الصحاح قال أبو جهل أعمد من سید قتله قومه أی هل زاد علی هذا قال ابن هشام و یقال أعار علی رجل قتلتموه أخبرنی لمن الدبرة الیوم قلت للّه و لرسوله قال ابن اسحاق و زعم رجال من بنی مخزوم ان ابن مسعود کان یقول قال لی لقد ارتقیت یا رویعی الغنم مرتقی صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقلت یا رسول اللّه هذا رأس عدوّ اللّه أبی جهل فقال آللّه الذی لا إله غیره و کانت یمین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قلت نعم و اللّه الذی لا إله غیره ثم ألقیت رأسه بین یدیه فحمد اللّه و خرج مسلم فی صحیحه عن عبد الرحمن بن عوف قال بینا أنا واقف فی الصف یوم بدر فنظرت عن یمینی و شمالی فاذا أنا بین غلامین من الانصار حدیثة أسنانهما فتمنیت لو کنت بین أضلع منهما فغمزنی أحدهما فقال یا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم و ما حاجتک إلیه یا ابن أخی قال أخبرت انه یسب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الذی نفسی بیده لئن رأیته لا یفارق سوادی سواده حتی یموت الاعجل منا قال فتعجبت لذلک فغمزنی الآخر فقال مثلها قال فتعجبت لذلک فما سرّنی انی بین رجلین مکانهما فلم انشب ان نظرت الی أبی جهل یجول فی الناس فقلت أ لا تریان هذا صاحبکما الذی تسألانی عنه فابتدراه فضرباه بسیفیهما حتی قتلاه ثم انصرفا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبراه فقال أیکما قتله فقال کل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سیفیکما قالا لا فنظر فی السیفین فقال کلا کما قتله و قضی بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح و الرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء متفق علیه کذا فی الاکتفاء و المشکاة* و فیه ذکر ابن عقبة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وقف یوم بدر علی القتلی فالتمس أبا جهل فلم یجده حتی عرف ذلک فی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال اللهمّ لا یعجزن فرعون هذه الامة فسعی له الرجال حتی وجده عبد اللّه بن مسعود مصروعا بینه و بین المعرکة غیر کثیر مقنعا بالحدید واضعا سیفه علی فخذیه لیس به جرح و لا یستطیع أن یحرّک منه عضوا و هو مکب ینظر الی الارض فلما رآه ابن مسعود طاف حوله لیقتله و هو خائف ان ینوء إلیه فلما دنا منه و أبصره لا یتحرک ظن انه مثبت جراحا فأراد أن یضربه بسیفه فخاف أن لا یغنی شیئا فأتاه من ورائه فتناول قائم سیف أبی جهل فاستله و هو مکب لا یتحرک ثم رفع سابغة البیضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بین یدیه ثم سلبه فلما نظر إلیه فاذا هو لیس به جراح و أبصر فی عنقه جدرا و فی بدنه و کتفه مثل آثار السیاط فأتی ابن مسعود النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بقتله و الذی رأی به فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذلک ضرب الملائکة* و فی المنتقی فی روایة عن عبد اللّه بن مسعود قال انتهیت الی أبی جهل یوم بدر و قد ضربت رجله و هو صریع و هو یذب الناس عنه بسیف له فقلت الحمد للّه الذی أخزاک یا عدوّ اللّه قال هل أنا إلّا رجل قتله قومه فجعلت أتناوله بسیف لی غیر طائل و أصبت یده فندر سیفه فأخذته
فضربته حتی قتلته ثم خرجت حتی أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کأنما أقلّ من الارض فأخبرته فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:385
اللّه الذی لا إله الا هو فردّدها قال قلت اللّه الذی لا إله الا هو قال فخرج یمشی معی حتی قام علیه فقال الحمد للّه الذی أخزاک یا عدوّ اللّه هذا کان فرعون هذه الامة* و فی الینابیع بینما أبو جهل یجول علی فرسه فی المعرکة اذ أصابه رمح ملک فی صدره و یقال کان رمح میکائیل فصرع عن فرسه فرآه عبد اللّه بن مسعود صریعا فبادر إلیه و جلس علی صدره ففتح أبو جهل عینه فرآه فقال یا رویعی الغنم لقد ارتقیت مرتقی صعبا و قال لمن الدبرة أی الغلبة قال للّه و لرسوله یا عدوّ اللّه قال أنت تقتلنی انما قتلنی الذی لم یصل سنانی سنبک دابته و ان اجتهدت فسل عبد اللّه سیفه لیحتز به رأسه فلم یصنع شیئا و کان سیفا غیر طائل فقال أبو جهل خذ سیفی هذا فاحتز به فأخذ سیفه فاجتهد فی سله فلم یقدر علیه فقال أبو جهل ناولنی مقبضه و امسک بجفنه ففعل فلما جرّ بقی الجفن فی ید عبد اللّه و السیف فی ید أبی جهل صلتا فأهوی به الی رجل عبد اللّه فجرحه و فی روایة لما قال أبو جهل ناولنی المقبض قال عبد اللّه یا عدوّ اللّه ترید بی المکر فناول أبا جهل الجفن و قبض هو بمقبضه فلما جرّد السیف قال له أبو جهل یا عبد اللّه اذا حززت رأسی فاحتز من أصل العنق لیری عظیما مهیبا فی عین محمد و قل له ما زلت عدوّ الی سائر الدهر و الیوم اشدّ عداوة فلما أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه برأس أبی جهل و أخبره بما قاله أبو جهل قال صلی اللّه علیه و سلم کما انی أکرم النبیین علی اللّه و أمّتی أکرم الامم عند اللّه کذلک فرعون هذه الامّة أشدّوا غلظ من فراعنة سائر الامم اذ فرعون موسی حین غرق قال آمنت أنه لا إله الا الذی آمنت به بنو اسرائیل و فرعون هذه الامّة ازداد عداوة و کفرا أو کما قال* و فی کنز العباد روی أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما أتی برأس أبی جهل یوم بدر و ألقی بین یدیه سجد للّه عز و جل خمس سجدات شکر اللّه و لهذا قال الفقهاء یستحب للعبد أن یسجد للشکر اذا اندفعت عنه بلیة أو أصابته نعمة و أیضا یعلم من هذا جواز تعدّد السجدة و فی کنز العباد أیضا روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم قرأ آیة السجدة فی سورة انشقت فسجد للّه عز و جل عشر سجدات للشکر لما فیه من الخضوع و التعبد و علیه الفتوی* قال ابن هشام فی سیرته و نادی أبو بکر الصدّیق ابنه عبد الرحمن و هو یومئذ مع المشرکین أین مالی یا خبیث فقال عبد الرحمن عند ذلک
لم یبق غیر شکة و یعبوب‌و صارم یقتل ضلال الشیب و فی الکشاف دعا أبو بکر ابنه یوم بدر الی البراز و قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعنی أکن فی الرعلة الاولی قال متعنا بنفسک یا أبا بکر أ ما تعلم انک عندی بمنزلة سمعی و بصری و أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالقتلی أن یطرحوا فی القلیب فطرحوا فیه الا ما کان من أمیة بن خلف فانه انتفخ فی درعه فملأها فذهبوا لیحرّکوه فتزایل لحمه و تقطعت أوصاله فأقرّوه فی مکانه و ألقوا علیه ما غیبه من التراب و الحجارة و یقال لما ألقوهم فی القلیب وقف علیهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا أهل القلیب بئس عشیرة النبیّ کنتم لنبیکم کذبتمونی و صدّقنی الناس و أخرجتمونی و آوانی الناس و قاتلتمونی و نصرنی الناس یا أهل القلیب هل وجدتم ما وعد ربکم حقا فانی قد وجدت ما وعدنی ربی حقا قال له أصحابه یا رسول اللّه أتکلم أقواما موتی فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا قالت عائشة و الناس یقولون لقد سمعوا ما قلت لهم و انما قال رسول اللّه لقد علموا و فی حدیث أنس ان المسلمین قالوا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین نادی أهل القلیب یا رسول اللّه أ تنادی قوما قد جیفوا فقال ما أنتم بأسمع منهم لما أقول و لکنهم لا یستطیعون أن یجیبونی* و ذکر ابن عقبة نحوا من ذلک عن نافع عن عبد اللّه بن عمر و فی المنتقی باسناد صاحبه الی البخاری أمر یوم بدر بأربعة و عشرین رجلا من صنادید قریش فقذفوا فی طوی من أطواء بدر خبیث مخبث و کان اذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:386
ظهر علی قوم أقام بالعرصة ثلاث لیال فلما کان ببدر الیوم الثالث أمر براحلته فشدّ علیها رحلها ثم مشی و اتبعه أصحابه قالوا ما نراه ینطلق الا لبعض حاجته حتی قام علی شفة الرکی فجعل ینادیهم بأسمائهم و أسماء آبائهم یا فلان بن فلان و یا فلان بن فلان أ یسرکم أنکم أطعتم اللّه و رسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربکم حقا قال عمر یا رسول اللّه ما تکلم من أجساد لا أرواح فیها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الذی نفس محمد بیده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم و فی روایة ما أنتم بأسمع منهم و لکن لا یجیبون متفق علیه و زاد البخاری قال قتادة أحیاهم اللّه حتی أسمعهم قوله توبیخا و تصغیرا و نقمة و حسرة و ندما و للّه درّ العلامة ابن جابر لقد أحسن حیث قال
بدا یوم بدر و هو کالبدر حوله‌کواکب فی أفق الکواکب تنجلی
و جبریل فی جند الملائک دونه‌فلم تغن أعداد العدوّ المخذل
رمی بالحصی فی أوجه القوم رمیةفشرّدهم مثل النعام المجفل
و جادلهم بالمشرفیّ فسلموافجاد له بالنفس کل مجدّل
عبیدة سل عنهم و حمزة فاستمع‌حدیثهم فی ذلک الیوم من علی
هم عتبوا بالسیف عتبة اذ عدافذاق الولید الموت لیس له ولی
و شیبة لما شاب خوفا تبادرت‌إلیه العوالی بالخضاب المعجل
و جال أبو جهل فحقق جهله‌غداة تردّی بالردی عن تذلل
فأضحی قلیبا فی القلیب و قومه‌یؤمّونه فیها الی شرّ منهل
و جاءهم خیر الانام موبخاففتح من أسماعهم کل مقفل
و أخبر ما أنتم بأسمع منهم‌و لکنهم لا یهتدون لمقول
سلا عنهم یوم السلا اذ تضاحکوافعاد بکاء عاجلا لم یؤجل
أ لم یعلموا علم الیقین بصدقه‌و لکنهم لا یرجعون بمعقل
فیا خیر خلق اللّه جاهک ملجئی‌و حبک ذخری فی الحساب و موئلی
علیک صلاة یشمل الآل عرفهاو أصحابک الاخیار أهل التفضل و فی الاکتفاء و لما أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بهم أن یلقوا فی القلیب أخذ عتبة بن ربیعة فسحب الی القلیب فنظر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجه أبی حذیفة بن عتبة فاذا هو کئیب قد تغیر فقال یا أبا حذیفة لعلک دخلک من شأن أبیک شی‌ء أو کما قال قال لا و اللّه یا رسول اللّه ما شککت فی أبی و لا فی مصرعه و لکن کنت أعرف من أبی رأیا و علما و فضلا فکنت أرجو أن یهدیه ذلک للاسلام فلما رأیت ما أصابه و ذکرت ما مات علیه من الکفر بعد الذی کنت أرجو له أحزننی ذلک فدعا له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال له خیرا و کان فی قریش فتیة أسلموا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة فلما هاجر الی المدینة حبسهم آباؤهم و عشائرهم بمکة و فتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم الی بدر فأصیبوا بها جمیعا فنزل فیهم من القرآن فیما ذکر ان الذین توفاهم الملائکة ظالمی أنفسهم قالوا فیم کنتم قالوا کنا مستضعفین فی الارض قالوا أ لم تکن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فیها فأولئک مأواهم جهنم و ساءت مصیرا و أولئک الفتیة الحارث بن زمعة بن الاسود و أبو قیس بن الفاکه و أبو قیس بن الولید بن المغیرة و علیّ بن أمیة بن خلف و العاصی بن منبه بن الحجاج ثم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمر بما فی العسکر مما جمع الناس فجمع* و اختلف فیه المسلمون فقال من جمعه فهو لنا و قال الذین کانوا یقاتلون العدوّ و یطلبونه و اللّه لو لا نحن ما أصبتموه و لنحن شغلنا عنکم العدوّ حتی أصبتم ما أصبتم و قال الذین کانوا یحرسون رسول اللّه صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:387
علیه و سلم مخافة أن یخالف العدوّ إلیه و اللّه ما أنتم بأحق به منا لقد رأینا أن نقتل العدوّ اذ منحنا اللّه أکتافهم و لقد رأینا أن نأخذ المتاع حین لم یکن دونه من یمنعه و لکنا خفنا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کرّة العدوّ فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا فکان عبادة بن الصامت اذا سئل عن الانفال قال فینا معاشر أصحاب بدر نزلت حین اختلفنا فی النفل و ساءت فیه أخلاقنا فنزعه اللّه من أیدینا فجعله الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقسمه بیننا علی بهاء یقول علی السواء فکان فی ذلک تقوی اللّه و طاعته و طاعة رسوله و صلاح ذات البین* و فی الکشاف روی أنه قیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین فرغ من بدر علیک بالعیر لیس دونها شی‌ء فناداه العباس و هو فی وثاقه لا یصلح فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم قال لان اللّه تعالی وعدک احدی الطائفین و قد أعطاک ما وعدک* قال ابن اسحاق ثم بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عند الفتح عبد اللّه بن رواحة بشیرا الی أهل العالیة بما فتح اللّه علی رسوله و علی المؤمنین و بعث زید بن حارثة الی أهل السافلة* و فی المواهب اللدنیة و لما فرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فی آخر رمضان و أوّل یوم من شوّال بعث زید بن حارثة بشیرا فوصل المدینة ضحی و قد نفضوا أیدیهم من تراب رقیة قال أسامة بن زید فأتانا الخبر حین سوّینا التراب علی رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خلفنی علیها مع زوجها عثمان و ان زید بن حارثة قد قدم قال فجئته و هو واقف بالمصلی و قد غشیه الناس و هو یقول قتل عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو جهل ابن هشام و زمعة بن الاسود و أبو البختری بن هشام و أمیة بن خلف و نبیه و منبه ابنا الحجاج قلت یا أبت أحق هذا قال نعم و اللّه یا بنیّ ثم أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قافلا الی المدینة و معه الاساری من المشرکین و هم أربعة و أربعون و فیهم عقبة بن أبی معیط و النضر بن الحارث و جعل علی النفل عبد اللّه ابن کعب من بنی مازن ثم أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی اذا خرج من مضیق الصفراء نزل علی کثیب بین المضیق و بین النازیة یقال له سیر کجبل کذا فی القاموس فقسم هناک النفل الذی أفاء اللّه علی المسلمین من المشرکین علی السویة و تنفل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سیفه ذا الفقار و کان لمنبه بن الحجاج و غنم جمل أبی جهل و کان یغزو علیه و کان یضرب فی لقاحه حتی نحره بالحدیبیة و فی أنفه برة فضة کما سیجی‌ء ثم ارتحل حتی اذا کان بالروحاء لقیه المسلمون یهنونه بما فتح اللّه علیه و من معه من المسلمین فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذی تهنوننا به فو اللّه ان لقینا إلا عجائز صلعا کالبدن المعقلة فنحرناها فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال أی ابن أخی أولئک الملأ و حین کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علیّ بن أبی طالب ثم خرج حتی اذا کان بعرق الظبیة قتل عقبة بن أبی معیط* قال ابن اسحاق و الذی أسر عقبة عبد اللّه بن سلمة أحد بنی العجلان و کان کثیرا ما یؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من أذیته انه وضع مشیمة جزور و سلاه بین کتفیه حین کان فی الصلاة کما مرّ و حین أمر بقتله قال فمن للصبیة یا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبی الافلح فی قول ابن عقبة و ابن اسحاق* و قال ابن هشام قتله علیّ بن أبی طالب فیما ذکر ابن شهاب الزهری و غیره قال ابن اسحاق و لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بذلک الموضع أبو هند مولی فروة بن عمرو البیاضی بحمیت مملوء حیسا و کان قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کلها و هو کان حجام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما أبو هند امرؤ من الانصار فانکحوه
و انکحوا إلیه ففعلوا ثم مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قدم المدینة قبل الاساری بیوم و قد کان فرّقهم بین أصحابه قال استوصوا بالاساری خیرا و کان أبو عزیز ابن عمیر أخو مصعب بن عمیر لابیه و أمه فی الاساری قال و کنت فی رهط من الانصار حین أقبلوا بی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:388
من بدر فکانوا اذا قدموا غداءهم و عشاءهم خصونی بالخبز و أکلوا التمر لوصیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ایاهم بنا ما تقع فی ید رجل منهم کسرة من الخبز الا و قد نفحنی بها قال فأستحیی فأردّها علیه فیردّها علیّ ما یمسها قال و مرّ بی أخی مصعب بن عمیر و رجل من الانصار یأسرنی فقال له شدّ یدیک به فان أمه ذات متاع لعلها تفدیه منک قال ابن هشام و کان أبو عزیز صاحب لواء المشرکین ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب لابی الیسر و هو الذی أسره ما قال قال له أبو عزیز یا أخی هذه وصایتک بی قال انه أخی دونک فسألت أمه عن أعلی ما فدی به قرشی فقیل لها أربعة آلاف درهم فبعثت أربعة آلاف درهم ففدته بها* و ذکر قاسم بن ثابت فی دلائله ان قریشا لما توجهت الی بدر مرّ هاتف من الجنّ علی مکة فی الیوم الذی وقع بهم المسلمون و هو ینشد بأنفذ صوت و لا یری شخصه یقول
ازار الحنیفیون بدرا وقیعةسینقض منها رکن کسری و قیصرا
أبادت رجالا من لؤیّ و أبرزت‌خرائد یضر بن الترائب حسرا
فیا ویح من أمسی عدوّ محمدلقد حاد عن قصد الهدی و تحیرا فقال قائلهم من الحنیفیون فقال محمد و أصحابه یزعمون انهم علی دین ابراهیم الحنیف ثم لم یلبثوا أن جاءهم الخبر الیقین و کان أوّل من قدم مکة بمصاب قریش الحیسمان بن عبد اللّه الخزاعی فقالوا ما وراءک قال قتل عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو الحکم بن هشام و أمیة بن خلف و زمعة بن الاسود و نبیه و منبه ابنا الحجاج و أبو البختری بن هشام فلما جعل یعدّد أشراف قریش قال صفوان بن أمیة و هو قاعد فی الحجر و اللّه ان یعقل هذا فسلوه عنی قالوا ما فعل صفوان بن أمیة قال ها هو ذاک جالس فی الحجر و قد و اللّه رأیت أباه و أخاه حین قتلا و قال أبو رافع مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کنت غلاما للعباس ابن عبد المطلب و کان الاسلام قد دخلنا اهل البیت فأسلم العباس و أسلمت أم الفضل و کان العباس یهاب قومه و یکره خلافهم فکان یکتم اسلامه و کان ذا مال کثیر متفرّق فی قومه و کان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مکانه العاصی بن هشام بن المغیرة کما مرّ فلما جاءه الخبر عن مصاب أهل بدر من قریش کبته اللّه و أخزاه و وجدنا فی أنفسنا قوّة و عزة و کنت أعمل الاقداح فی حجرة زمزم فو اللّه انی لجالس فیها أنحت أقداحی و عندی أمّ الفضل جالسة و قد سرّنا ما جاءنا من الخبر اذ أقبل أبو لهب یجرّ رجلیه بشرّ حتی جلس الی طنب الحجرة ظهره الی ظهری فبینا هو جالس اذ قال الناس هذا ابو سفیان بن الحارث ابن عبد المطلب قد قدم مکة فقال أبو لهب هلم الیّ فعندک لعمری الخبر فجلس إلیه و الناس قیام علیه فقال یا ابن أخی اخبرنی کیف کان أمر الناس قال و اللّه ما هو الا أن لقینا القوم فمنحناهم اکتافنا یقتلوننا کیف شاءوا و یأسروننا کیف شاءوا و أیم اللّه مع ذلک ما لمت الناس لقینا رجالا بیضا علی خیل بلق بین السماء و الارض و اللّه ما تبقی شیئا و لا یقوم لها شی‌ء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بیدی ثم قلت تلک و اللّه الملائکة فرفع أبو لهب یده و ضرب وجهی ضربة شدیدة فثاورته فاحتملنی و ضرب بی الارض ثم برک علیّ یضربنی و کنت رجلا ضعیفا فقامت أم الفضل الی عمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة فلقت فی رأسه شجة منکرة و قالت أ تستضعفه أن غاب عنه سیده فقام مولیا فو اللّه ما عاش الا سبع لیال حتی رماه اللّه بالعدسة فقتلته* و ذکر محمد بن جریر الطبری فی تاریخه ان العدسة قرحة کانت العرب تتشاء بها و یرون انها تعدی أشدّ العدوی فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه و بقی بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته و لا یحاول دفنه فلما خافوا السبة فی ترکه حفروا له ثم دفعوه فی حفرته بعود و قذفوه بالحجارة من بعید حتی واروه و قال ابن اسحاق فی روایة یونس بن بکیر عنه انهم لم یحفروا له و لکن أسندوه الی حائط و قذفوا علیه الحجارة من خلف الحائط حتی واروه* و فی روایة بقی بعد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:389
موته ثلاثا لا یحوم حوله أحد حتی أنتن و بعد ذلک استأجروا حمالین سود حتی أخرجوه من مکة و ألقوه فی مکان و قاموا یرمونه بالحجارة حتی ملؤه کذا فی المنتقی* و یروی انّ عائشة کانت اذا مرّت بموضعه ذلک غطت وجهها و خرج البخاری فی صحیحه انّ أبا لهب رآه بعض أهله فی المنام بشرحیبة أی حالة فقال ما لقیت بعدکم راحة غیر انی سقیت فی مثل هذه و أشار الی النقرة بین السبابة و الابهام بعتقی ثویبة و قد مرّ فی الرکن الاوّل فی ارضاع ثویبة*

فائدة

روی عن الفقیه اسماعیل الحضرمی أنه لما حج الی مکة سأل الشیخ محب الدین الطبری عن القبرین اللذین یرجمان فی أسفل مکة عند جبل البکاء فأجاب الشیخ محب الدین بأن القبرین المرجومین قصتهما أنه أصبح البیت یوما فی دولة بنی العباس ملطخا بالعذرة فرصدوا الفاعل لذلک فمسکوهما بعد أیام فبعث أمیر مکة الی أمیر المؤمنین فی شأنهما فأمر بصلبهما فصلبا فی هذا الموضع فصارا یرجمان الی الآن کذا فی البحر العمیق فما هو المشهور عند أهل مکة من أنهم یقولون انه قبر أبی لهب لیس له أصل* قال ابن اسحاق ناحت قریش علی قتلاهم شهرا ثم قالوا لا تفعلوا فیبلغ محمدا و أصحابه فیشمتوا بکم و لا تبعثوا فی أسراکم حتی تستأنوا بهم لا یتأرب علیکم محمد و أصحابه فی الفداء قال و کان الاسود بن المطلب قد أصیب له ثلاثة من ولده زمعة و عقیل ابناه و الحارث بن زمعة و هو ابن ابنه و کان یحب أن یبکی علیهم فسمع نائحة من اللیل فقال لغلام له و قد ذهب بصره انظر هل أحل النحب و هل بکت قریش علی قتلاها لعلی أبکی علی أبی حکیمة یعنی زمعة فان جوفی قد احترق فلما رجع إلیه الغلام قال انما هی امرأة تبکی علی بعیر لها أضلته قال فذاک حین یقول الاسود
أ تبکی أن یضل لها بعیرو یمنعها من النوم السهود
فلا تبکی علی بکر و لکن‌علی بدر تقاصرت الجدود و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعا علی الاسود بن المطلب هذا بأن یعمی اللّه بصره و یثکله ولده فاستجیب له وفق دعائه سیق العمی الی بصره أوّلا ثم أصیب یوم بدر بمن سمی آنفا من ولده فتمت اجابة اللّه سبحانه رسوله فیه و کان فی الاساری أبو وداعة بن صبیرة السهمی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان له بمکة ابنا کیسا تاجرا ذا مال فکأنکم به قد جاء فی طلب فداء أبیه فلما قالت قریش لا تعجلوا بفداء أسراکم لا یتأرب علیکم محمد و أصحابه قال المطلب بن ابی وداعة و هو الذی کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنی صدقتم لا تعجلوا و انسل من اللیل فقدم المدینة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم ثم بعثت قریش فی فداء الاساری فقدم مکرز بن حفص بن الاحنف فی فداء سهیل بن عمرو و کان الذی أسره مالک بن الدخشم أخو بنی سالم بن عوف فلما قاولهم فیه مکرز فانتهی الی رضاهم قالوا هات الذی لنا قال اجعلوا رجلی مکان رجله و خلوا سبیله حتی یبعث إلیکم بفدائه فخلوا سبیل سهیل و حبسوا مکرز امکانه عندهم و کان سهیل قد قام فی قریش خطیبا عند ما استنفرهم أبو سفیان فقال یا آل غالب أ تارکون أنتم محمدا و الصباة من أهل یثرب یأخذون عیرانکم و أموالکم من أراد مالا فهذا مالی و من أراد قوّة فهذه قوّة فیروی أن عمر بن الخطاب قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما أسر سهیل یوم بدر یا رسول اللّه انزع ثنیتی سهیل بن عمرو یدلع لسانه فلا یقوم علیک خطیبا فی موطن أبدا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا أمثل به فیمثل اللّه بی و ان کنت نبیا و انه عسی أن یقوم مقاما لا نذمه فصدق اللّه رسوله و کان لسهیل بعد وفاته علیه السلام فی تثبیت أهل مکة علی الایمان مقام و کان عمرو بن أبی سفیان بن حرب أسیرا فی یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من أساری بدر قال ابن هشام أسره علی بن أبی طالب فقیل لابی سفیان بن حرب افد عمرا ابنک فقال أ یجمع علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:390
دمی و مالی قتلوا حنظلة و أفدی عمروا دعوه فی أیدیهم یمسکونه ما بدا لهم فبینا هو کذلک محبوس فی المدینة عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذ خرج سعد بن النعمان بن أکال أخو بنی عمرو بن عوف معتمرا و معه مریة له و کان شیخا مسلما فی غنم له بالبقیع فخرج من هناک معتمرا و لا یخشی الذی صنع به لم یظنّ أنه یحبس بمکة انما جاء معتمرا و قد کان فی عهد قریش لا یتعرّضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا الا بخیر فعدا علیه أبو سفیان بن حرب بمکة فحبسه بابنه عمرو و مشی بنو عمرو بن عوف الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبروه خبره و سألوه أن یعطیهم عمرو بن أبی سفیان فیفکوا به صاحبهم ففعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فبعثوا به الی أبی سفیان فخلی سبیل سعد و کان فی الاساری العباس ابن عبد المطلب أسره أبو الیسر کعب بن عمرو الانصاری و کان رجلا صغیر الجثة و کان العباس رجلا عظیما جسیما قویا فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لابی الیسر کیف أسرته قال أعاننی علیه رجل ما رأیته قبل ذلک و لا بعده فقال لقد أعانک علیه ملک کریم* و فی الصفوة لما کانت أساری بدر کان فیهم العباس فسهر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیلته فقال له بعض أصحابه ما یسهرک یا نبیّ اللّه قال أنین العباس فقام رجل من المقوم فأرخی من وثاقه فقال رسول اللّه ما بالی ما أسمع أنین العباس فقال رجل من القوم انی أرخیت من وثاقه شیئا قال فافعل ذلک بالاساری کلهم* فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم للعباس افد نفسک و ابنی أخیک عقیل بن أبی طالب و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و حلیفک عتبة بن جحدم فانک ذو مال قال انی کنت مسلما و لکن القوم استکرهونی قال اللّه أعلم باسلامک ان یک ما ذکرت حقا فاللّه یجزیک فأما ظاهر أمرک فقد کان علینا و کان العباس أحد العشرة الذین ضمنوا اطعام أهل بدر و نحر کل منهم یوم نوبته عشرة من الابل و کان حمل معه عشر بن أوقیة من الذهب لیطعم بها الناس و کان یوم بدر نوبته فأراد أن یطعم ذلک الیوم فاقتتلوا و بقیت العشرون أوقیة معه فأخذت منه حین أخذ و أسر فی الحرب فکلم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یحسب العشرین أوقیة من فدائه فأبی و قال أما شی‌ء خرجت لتستعین به علینا فلا أترکه لک* و فی روایة لما قال العباس احسبها فی فدائی قال صلی اللّه علیه و سلم لا فان ذلک شی‌ء أعطاناه اللّه منک و کلفه فداء ابنی أخیه و حلیفه قال ترکتنی أتکفف قریشا ما بقیت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأین الذهب الذی دفعته الی أمّ الفضل وقت خروجک من مکة و قلت لها انی لا أدری ما یصیبنی فی وجهی هذا فان حدث بی حدث فهذه لک و لعبد اللّه و لعبید اللّه و للفضل و لقثم یعنی بنیه فقال له العباس و ما یدریک قال أخبرنی به ربی جل جلاله فقال له العباس أشهد أنک صادق و أن لا إله الا اللّه و انک عبده و رسوله کذا فی معالم التنزیل* و فی المنتقی لما کلفه علیه السلام بالفداء و لم یحسب الذهب المأخوذ منه قال العباس فلیس لی مال قال فأین مالک الذی وضعته عند أمّ الفضل بمکة حین خرجت و لیس معکما أحد ثم قلت ان أصبت فی سفری هذا فالفضل کذا و کذا و لعبد اللّه کذا و کذا و لقثم کذا و کذا و لعبید اللّه کذا و کذا قال و الذی بعثک بالحق ما علم بهذا أحد غیری و غیرها و انی لأعلم انک رسول اللّه ففدی نفسه و ابنی أخیه و حلیفه و فی العباس نزلت یأیها النبیّ قل لمن فی أیدیکم من الاسری ان یعلم اللّه فی قلوبکم خیرا أی ایمانا یؤتکم خیرا مما اخذ منکم من الفداء و یغفر لکم و اللّه غفور رحیم قال العباس فأبدلنی اللّه عشرین عبدا کلهم تاجر یضرب بمال کثیر و أدناهم بعشرین ألف درهم مکان العشرین أوقیة و أعطانی زمزم و ما أحب أن لی بها جمیع أموال مکة و أنا أنتظر المغفرة من ربی* و فی المواهب اللدنیة ذکر موسی ابن عقبة أن فداءهم کان أربعین أوقیة ذهب و عند أبی نعیم فی الدلائل باسناد حسن من حدیث ابن عباس أنه جعل علی العباس مائة أوقیة و علی
عقیل ثمانین اوقیة فقال له العباس أ للقرابة صنعت هذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:391
فأنزل اللّه تعالی یأیها النبیّ قل لمن فی أیدیکم من الاسری الآیة قال العباس وددت ان کنت أخذ منی اضعافها لقوله یؤتکم خیرا مما اخذ منکم و کان فی الاساری أیضا أبو العاصی بن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس ختن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوج ابنته زینب و کان علیه السلام یثنی علیه فی صهره خیرا و کان من رجال مکة المعدودین مالا و أمانة و تجارة و هو ابن اخت خدیجة هالة بنت خویلد و خدیجة سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل أن ینزل علیه الوحی أن یزوّجه و کان لا یخالفها فزوّجه و کانت تعده بمنزلة ولدها فلما أکرم اللّه رسوله صلّی اللّه علیه و سلم بنبوّته آمنت به خدیجة و بناته فصدّقنه و دنّ بدینه و شهدن ان الذی جاء به هو الحق و ثبت أبو العاصی علی شرکه فلما بادی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قریشا بأمر اللّه و بالعداوة قالوا انکم قد فرّغتم محمدا من همه فردوا علیه بناته فاشغلوه بهنّ فمشوا الی أبی العاصی فقالوا له فارق صاحبتک و نحن نزوجک أیة امرأة من قریش شئت قال لاها اللّه اذا لا أفارق صاحبتی و ما أحب ان لی بها امرأة من قریش ثم مشوا الی عتبة بن أبی لهب و کان رسول اللّه قد زوّجه رقیة أو أمّ کلثوم کذا فی سیرة ابن هشام و اکتفاء الکلاعی و هو مخالف لما فی ذخائر العقبی للطبری و غیر ذلک من کتب السیر من أن رقیة کانت عند عتبة و أمّ کلثوم کانت عند عتیبة ابنی أبی لهب فقالوا لعتبة طلق ابنة محمد و نحن ننکحک أیة امرأة من قریش شئت فقال ان زوّجتمونی ابنة أبان بن سعید بن العاصی أو ابنة سعید بن العاصی فارقتها ففعلوا و فعل و لم یکن دخل بها فأخرجها اللّه من یده کرامة لها و هوانا له و خلف علیها عثمان بن عفان و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا یحل بمکة و لا یحرم مغلوبا علی أمره و کان الاسلام قد فرق بین زینب ابنته و بین أبی العاصی الا أنه کان لا یقدر ان یفرّق بینهما فأقامت معه علی اسلامها و هو علی شرکه حتی هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما سارت قریش الی بدر سار فیهم أبو العاصی فاصیب فی الاساری فکان فی المدینة عمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما بعث أهل مکة فی فداء أسراهم بعثت زینب بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی فداء أبی العاصی بمال و بعثت فیه بقلادة لها کانت خدیجة أدخلتها بها علی أبی العاصی حین بنی بها فلما رآها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رق لها رقة شدیدة و قال ان رأیتم أن تطلقوا لها أسیرها و تردّوا علیها الذی لها فافعلوا قالوا نعم یا رسول اللّه فأطلقوه و ردّوا علیها مالها و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد أخذ علیه أن یخلی سبیل زینب إلیه أو وعده أبو العاصی بذلک أو شرطه علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی اطلاقه و لم یظهر ذلک منه و لا من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیعلم ما هو الا انه لما خرج أبو العاصی الی مکة و خلی سبیله بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خلفه زید بن حارثة و رجلا من الانصار فقال کونا ببطن یأجج حتی تمرّ بکما زینب فتصحباها حتی تأتیانی بها فخرجا و ذلک بعد بدر بشهر أو سبعة فلما قدم أبو العاصی أمرها باللحوق بأبیها فخرجت تجهز حالها قالت زینب بینا أنا أتجهز بمکة لقیتنی هند ابنة عتبة فقالت یا ابنة محمد أ لم یبلغنی انک تریدین اللحوق بأبیک قلت ما أردت ذلک قالت أی ابنة عمّ لا تفعلی ان کانت لک حاجة بمتاع مما یرفق بک فی سفرک أو بمال تتبلغین به الی أبیک فان عندی حاجتک فلا تخفین منی فانه لا یدخل بین النساء ما یدخل بین الرجال قالت زینب فو اللّه ما أراها قالت ذلک الا لتفعل و لکنی خفتها فأنکرت أن أکون ارید ذلک و لما فرغت بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من جهازها قدّم إلیها حموها کنانة ابن الربیع أخو زوجها بعیرا فرکبته و أخذ قوسه و کنانته ثم خرج بها نهارا یقود بها و هی فی هودج لها و تحدث بذلک رجال قریش فخرجوا فی طلبها حتی أدرکوها بذی طوی فکان أوّل من سبق إلیها
هبار بن الاسود بن المطلب الفهری فروّعها هبار بالرمح و هی فی هودجها و کانت حاملا فلمّا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:392
ریعت طرحت ما فی بطنها* و فی شفاء الغرام الحویرث بن نقید هو الذی نخس بزینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین أدرکها هو و هبار بن الاسود و قد مرّ فی الباب السابع فی حوادث السنة الخامسة و العشرین من المولد و برک حموها کنانة و نثر کنانته ثم قال و اللّه لا یدنو منی رجل الا وضعت فیه سهما فتکرکر الناس عنه و أتی أبو سفیان بن حرب فی جلة من قریش فقال أیها الرجل کف عنا نبلک حتی نکلمک فکف فأقبل أبو سفیان حتی وقف علیه فقال انک لم تصب خرجت بالمرأة نهارا علی رءوس الناس علانیة و قد عرفت مصیبتنا و نکبتنا و ما دخل علینا من محمد فیظنّ الناس اذا أخرجت إلیه ابنته علانیة علی رءوس الناس من بین أظهرنا أن ذلک عن ذلّ أصابنا عن مصیبتنا التی کانت و ان ذلک منا ضعف و وهن و لعمری مالنا بحبسها عن أبیها من حاجة و مالنا فی ذلک من ثورة و لکن ارجع المرأة حتی اذا هدأت الاصوات و تحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرّا و ألحقها بأبیها ففعل فأقامت لیالی حتی اذا هدأت الاصوات خرج بها لیلا حتی أسلمها الی زید بن حارثة و صاحبه فقدما بها علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لما انصرف الذین خرجوا الی زینب لقیتهم هند بنت عتبة فقالت لهم عند ذلک
أ فی السلم أنما رجفاء و غلظةو فی الحرب أشباه النساء العوارک و عن أبی هریرة أنه قال بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سریة انا فیها فقال لنا ان ظفرتم بهبار بن الاسود أو الرجل الذی سبق معه الی زینب قال ابن هشام و قد سمی ابن اسحاق الرجل فی حدیثه فقال هو نافع بن عبد قیس فحرقوهما بالنار فلما کان الغد بعث إلینا فقال انی قد کنت أمرتکم بتحریق هذین الرجلین ان أخذتموهما ثم رأیت انه لا ینبغی لاحد أن یعذب بالنار الا اللّه فان ظفرتم بهما فاقتلوهما فأقام أبو العاصی بمکة و أقامت زینب عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین فرق بینهما الاسلام حتی اذا کان قبیل الفتح خرج أبو العاصی تاجرا الی الشأم و کان رجلا مأمونا بمال له و أموال لرجال من قریش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته و أقبل قافلا لقیته سریة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأصابوا ما معه و أعجزهم هاربا فلما قدمت السریة بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاصی تحت اللیل حتی دخل علی زینب بنت رسول اللّه فاستجار بها فأجارته و جاء فی طلب ماله فلما خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الصبح فکبر و کبر الناس معه صرخت زینب من صفة النساء أیها الناس انی قد أجرت أبا العاصی بن الربیع فلما سلم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الصلاة أقبل علی الناس فقال أیها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما و الذی نفس محمد بیده ما علمت بشی‌ء حتی سمعت ما سمعتم انه یجیر علی المسلمین ادناهم ثم انصرف فدخل علی ابنته فقال ای بنیة اکرمی مثواه و لا یخلصنّ إلیک فانک لا تحلین له و بعث الی السریة الذین أصابوا مال ابی العاصی فقال لهم ان هذا الرجل منا حیث قد علمتم و قد أصبتم له مالا فان تحسنوا و تردّوا علیه الذی له فانا نحب ذلک و ان أبیتم فهو فی‌ء اللّه الذی أفاء علیکم فأنتم احق به قالوا یا رسول اللّه بل نردّه علیه فردّوه علیه حتی ان الرجل لیأتی بالدلو و یأتی الرجل بالشنة و الإداوة و حتی ان الرجل لیأتی بالشظاظ حتی ردّوا علیه ماله بأسره لم یفقد منه شی‌ء ثم احتمل الی مکة فأدّی الی کل ذی مال من قریش ماله ثم قال یا معشر قریش هل بقی لاحد منکم عندی مال لم یأخذه قالوا لا فجزاک اللّه خیرا فقد وجدناک وفیا کریما قال فانی اشهد ان لا إله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله و اللّه ما منعنی من الاسلام عنده الاخوف أن تظنوا انی انما اردت ان آکل اموالکم فلما ادّاها اللّه إلیکم و فرغت منها اسلمت ثم خرج حتی قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ردّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زینب علی النکاح الاوّل لم یحدث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:393
شیئا بعد ست سنین فی روایة ابن عباس* و فی الوفاء لما قدم مسلما ردّها علیه بالنکاح الاوّل علی الصحیح و ذلک بعد صلح الحدیبیة و اللّه اعلم و قیل ردّها علیه بنکاح جدید* و حکی عن ابن هشام عن ابی عبیدة ان ابا العاصی لما قدم من الشأم و معه اموال المشرکین قیل له هل لک ان تسلم و تأخذ هذه الاموال فانها للمشرکین فقال بئس ما أبد أبه اسلامی أن اخون امانتی روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اتی یوم بدر بسبعین اسیرا فیهم العباس و عقیل فاستشار فیهم اصحابه أ نأخذ منهم الفداء و نخلی سبیلهم او نقتلهم فقال ابو بکر قومک و اهلک استبقهم لعل اللّه ان یتوب علیهم و خذ منهم فدیة تقوی بها أصحابک أو قال تکون لنا قوّة علی الکفار و قال عمر اضرب أعناقهم فانهم أئمة الکفر کذبوک و أخرجوک و ان اللّه أغناک عن الفداء مکنی من فلان لنسیب له و مکن علیا و حمزة من أخویهما عقیل و العباس فلنضرب أعناقهم و قال عبد اللّه بن رواحة یا رسول اللّه أنظر وادیا کثیر الحطب فأدخلهم فیه ثم أضرم علیهم نارا و قال له العباس قطعت رحمک فسکت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلم یجبهم ثم دخل فقال ناس یأخذ بقول أبی بکر و قال ناس یأخذ بقول ابن رواحة فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال انّ اللّه لیلین قلوب رجال حتی تکون ألین من اللبن و انّ اللّه لیشدّد قلوب رجال حتی تکون أشدّ من الحجارة و ان مثلک یا أبا بکر مثل ابراهیم قال فمن تبعنی فانه منی و من عصانی فانک غفور رحیم و انّ مثلک یا أبا بکر مثل عیسی قال ان تعذبهم فانهم عبادک و ان تغفر لهم فانک أنت العزیز الحکیم و ان مثلک یا عمر مثل نوح قال رب لا تذر علی الارض من الکافرین دیارا و مثلک یا عمر مثل موسی قال ربنا اطمس علی أموالهم و اشدد علی قلوبهم ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنتم الیوم عالة فلا یفلتن أحد منهم الیوم الا بفداء أو بضرب عنق* قال عبد اللّه بن مسعود الا سهیل بن بیضاء فانی سمعته یذکر الاسلام فسکت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال عبد اللّه فما رأیتنی فی یوم أخوف أن تقع علیّ الحجارة من السماء من ذلک الیوم حتی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا سهیل بن بیضاء* قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب فهوی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما قال أبو بکر و لم یهو ما قلت فلما کان من الغد جئت فاذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر قاعدان یبکیان قلت یا رسول اللّه أخبرنی من أی شی‌ء تبکی أنت و صاحبک فان وجدت بکاء بکیت و ان لم أجد بکاء تباکیت لبکائکما فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبکی للذی عرض علی أصحابک من أخذهم الفداء لقد عرض علیّ عذابهم أدنی من هذه الشجرة لشجرة قریبة منه* قال العلامة ابن حجر فی شرح صحیح البخاری ان الترمذی و النسائی و ابن حبان و الحاکم رووا باسناد صحیح عن علیّ قال جاء جبریل الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال انّ اللّه قد کره ما صنع قومک من أخذ الفداء من الاساری و قد أمر أن تخیرهم بین أن یقدّموهم و یضربوا أعناقهم و بین أن یأخذوا الفداء علی أن یقتل منهم عدّتهم فذکر ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للناس فقال ان شئتم قتلتموهم و ان شئتم فادیتموهم و یستشهد منکم عدّتهم قالوا یا رسول اللّه عشائرنا و اخواننا بل نأخذ منهم فداءهم فنتقوی به علی قتال عدوّنا و یستشهد منا عدّتهم فقتل منهم یوم أحد سبعون عدد أساری بدر فهذا معنی قوله قل هو من عند أنفسکم یعنی بأخذکم الفداء و اختیارکم القتل و لما أخذوا الفداء نزل جبریل بقوله تعالی ما کان لنبیّ أن تکون له أسری حتی یثخن فی الارض تریدون عرض الدنیا و اللّه یرید الآخرة و اللّه عزیز حکیم لو لا کتاب من اللّه سبق أی لو لا سبق حکم من اللّه و قضاؤه فی اللوح المحفوظ لمسکم أی لنا لکم و أصابکم فیما أخذتم فی أخذ فدیة هؤلاء الاسری عذاب عظیم قیل هذا دلیل علی أنّ الاجتهاد جائز للانبیاء و علی ان اجتهادهم یجوز أن یقع خطأ و لکن لا یترکون فیه بل ینبهون علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:394
الصواب و للمفسرین اختلاف فی ان المراد من هذا الحکم ما ذا* فی معالم التنزیل یعنی لو لا قضاء اللّه سبق فی اللوح المحفوظ بأنه یحلّ لکم الغنائم* و قال الحسن و مجاهد و سعید بن جبیر لو لا کتاب من اللّه سبق انه لا یعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و قال ابن جریج لو لا کتاب من اللّه سبق انه لا یضل قوما بعد اذ هداهم حتی یبین لهم ما یتقون و انه لا یأخذ قوما فعلوا شیئا بجهالة* و فی روضة الاحباب قیل المراد ان المخطئ فی اجتهاده لا یعاقب و قیل لا یعذب قوما بسبب أمر ما لم ینهوا عنه نهیا صریحا و قیل المراد ان الفدیة التی أخذوها ستحل لهم روی انه صلّی اللّه علیه و سلم قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غیر عمر و سعد بن معاذ لقوله کان الاثخان فی القتلی أحب الیّ من استبقاء الرجال* و فی معالم التنزیل روی انه لما نزلت الآیة الاولی کف أصحاب رسول اللّه أیدیهم مما أخذوا من الفداء فنزلت فکلوا مما غنمتم حلالا طیبا* و عن جابر ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أحلت لی الغنائم و لم تحل لاحد قبلی* و عن أبی هریرة لم تحل الغنائم لاحد من قبلنا و ذلک بأنّ اللّه تعالی رأی ضعفنا و عجزنا فطیبها لنا* قال ابن عباس کانت الغنائم حراما علی الأنبیاء و الامم و کانوا اذا أصابوا شیئا من الغنائم کان للقربان و کانت نار تنزل من السماء و تأکله* و فی المنتقی و لما کان یوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا یوم بدر من أخذهم الفدیة فأصابتهم مصیبة و نالتهم هزیمة و قتل منهم سبعون عدد أساری یوم بدر و فرّ أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کسرت رباعیته و هشمت البیضة علی رأسه و سال الدم علی وجهه و أنزل اللّه تعالی أو لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها قلتم أنی هذا قل هو من عند أنفسکم یعنی بأخذکم الفداء یوم بدر* و فی الاکتفاء منّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی نفر من الاساری من قریش بغیر فداء منهم من بنی عبد شمس بن عبد مناة أبو العاصی بن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس منّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد أن بعثت زینب بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بفدائه و قد مرّ و من بنی مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث ابن عبد بن عمرو بن مخزوم کان لبعض بنی الحارث بن الخزرج فترک فی أیدیهم حتی خلوا سبیله فلحق بقومه* قال ابن هشام أسره خالد بن زید أبو أیوب أخو بنی النجار و صیفی بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد اللّه ابن عمرو بن مخزوم ترک فی أیدی أصحابه فلما لم یأت أحد بفدائه أخذوا علیه لیبعثن إلیهم بفدائه فخلوا سبیله و لم یف لهم بشی‌ء و أبو عزة عمرو بن عبد اللّه الجمحی کان محتاجا ذا بنات فقال یا رسول اللّه لقد عرفت مالی من مال و انی لذو حاجة و ذو عیال فامنن علیّ فمنّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أخذ علیه أن لا یظاهر علیه أحدا فقال أبو عزة فی ذلک یمدح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یذکر فضله فی قومه
و من مبلغ عنی الرسول محمدابأنک حق و الملیک حمید
و أنت امرؤ تدعو الی الحق و الهدی‌علیک من اللّه العظیم شهید
و أنت امرؤ بوّأت فینا مباءةلها درجات سهلة و صعود
فانک من حاربته لمحارب‌شقی و من سالمته لسعید
و لکن اذا ذکرت بدرا و أهله‌تأوب مآبی حسرة و فقود و فی حیاة الحیوان فرجع الی مکة و مسح عارضیه و قال خدعت محمدا و ما وقع فی شعره و محاورته رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من التصریح برسالته فلم یعلم له مخرج ان صح الا أن یکون ذلک من جملة ما قصد به أن یخدع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فعاد علی عدوّ اللّه ضرره و لم یخدع الا نفسه و ما شعر و ذلک انه نقض العهد و خرج یسیر فی تهامة و یدعو بنی کنانة و یقول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:395 أیا بنی عبد مناة الرزام‌أنتم حماة و أبوکم حام
لا تعبدونی نصرکم بعد العام‌لا تسلمونی لا یحل اسلام فخرج الی حرب المسلمین و حضر أحدا ثم لما رجع المشرکون عن أحد خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی آثارهم مرهبا لهم حتی انتهی الی حمراء الاسد فأخذ أبو عزة فقال یا رسول اللّه أقلنی فقال رسول اللّه أ لا تمسح عارضیک بمکة و تقول خدعت محمدا مرّتین انّ المؤمن لا یلدغ من جحر مرّتین فضرب عنقه کما سیجی‌ء فی غزوة حمراء الاسد*

ذکر اعتناء الصحابة بتعلم الخط و الکتابة

و فی بعض الکتب لما تقرّر أمر الاساری علی الفداء و کان بعضهم فقراء لا یحصل منهم شی‌ء منّ علیهم و أطلقهم و أخذ علیهم العهد أن لا یعودوا الی حرب المسلمین منهم أبو عزة الشاعر الجمحی و کان بعض من فقرائهم یعلمون الخط و الکتابة فقرّر علیهم أن یعلم کل واحد منهم عشرة من غلمان الانصار الخط فاذا حذقوا فهو فداؤه و کان زید بن ثابت ممن علم و وضع علی الاغنیاء منهم الفداء بقدر قدرتهم و غنائهم و لا یکون فداء أحد منهم أقل من ألف درهم و لا أکثر من أربعة آلاف درهم و فی معالم التنزیل کان الفداء لکل أسیر أربعین أوقیة و الاوقیة أربعون درهما و فی سیرة ابن هشام کان فداء المشرکین یومئذ أربعة آلاف درهم بالرجل الی ألف درهم الا من لا شی‌ء له منّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أطلقه و کان عمیر بن وهب الجمحی شیطانا من شیاطین قریش و کان یؤذی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام و أصحابه بمکة و یلقون منه عنتا و کان ابنه وهب بن عمیر فی أساری بدر فجلس عمیر مع صفوان بن أمیة فی الحجر بعد مصاب أهل بدر بیسیر فذکر أصحاب القلیب و مصابهم فقال صفوان فو اللّه لیس فی العیش خیر بعدهم فقال له عمیر صدقت و اللّه اما و اللّه لو لا دین علیّ لیس له عندی قضاء و عیال أخشی علیهم الضیعة بعدی لرکبت الی محمد حتی أقتله فانّ لی فیهم علة ابنی أسیر فی أیدیهم فاغتنمها صفوان فقال علیّ دینک أنا أقضیه عنک و عبالک مع عیالی أواسیهم ما بقوا ثم ان عمیرا أمر بسیفه فشحذ و سمّ ثم انطلق حتی قدم المدینة فرآه عمر قد أناخ البعیر علی باب المسجد متوشحا السیف فقال هذا عدوّ اللّه عمیر ما جاء الا بشرّ و هو الذی حرش بیننا و حزرنا للقوم ببدر ثم دخل عمر علی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فقال یا نبیّ اللّه هذا عدوّ اللّه عمیر قد جاء متوشحا سیفه قال أدخله علیّ فأقبل عمر حتی أخذ بحمائل سیفه فی عنقه فلببه بها و قال لرجال من الانصار ادخلوا علی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فاجلسوا عنده و احذروا هذا الخبیث علیه فانه غیر مأمون ثم دخل به علی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فلما رآه و عمر آخذ بحمالة سیفه فی عنقه قال أرسله یا عمر ادن یا عمیر فدنا ثم قال انعموا صباحا و کانت تحیة أهل الجاهلیة بینهم ثم قال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام قد أکرمنا اللّه بتحیة خیر من تحیتکم یا عمیر بالسلام تحیة أهل الجنة ما جاء بک یا عمیر قال جئت لهذا الاسیر الذی فی أیدیکم فأحسنوا فیه قال فما بال السیف فی عنقک قال قبحها اللّه من سیوف و هل أغنت شیئا قال أصدقنی بالذی جئت له قال ما جئت الا لذلک فقال بل قعدت أنت و صفوان بن أمیة فی الحجر فذکرتما أصحاب القلیب من قریش ثم قلت لو لا دین علیّ و لو لا عیالی لخرجت حتی أقتل محمدا فتحمل لک صفوان بدینک و عیالک علی أن تقتلنی و اللّه حائل بینی و بینک فقال عمیر أشهد انک رسول اللّه قد کنا نکذبک و هذا أمر لم یحضره الا أنا و صفوان فو اللّه انی لأعلم ما أتاک به الا اللّه فالحمد للّه الذی هدانی للاسلام و ساقنی هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فقهوا أخاکم فی دینه و علموه القرآن و أطلقوا له أسیره ففعلوا ثم قال یا رسول اللّه انی کنت جاهدا فی اطفاء نور اللّه شدید الاذی لمن کان علی دین اللّه و انی أحبّ أن تأذن لی فاقدم مکة فأدعوهم الی اللّه و الی الاسلام لعلّ اللّه أن یهدیهم و الا آذیتهم کما کنت أوذی اصحابک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:396
فی دینهم فأذن له و لحق بمکة و کان صفوان حین خرج عمیر من مکة یقول لقریش ابشروا بوقعة تأتیکم الآن فی أیام تنسیکم وقعة بدر و کان صفوان یسأل الرکبان عنه حتی قدم راکب فأخبره باسلامه فحلف صفوان أن لا یکلمه ابدا و لا ینفعه بنفع ابدا فلما قدم مکة اقام بها یدعو الی الاسلام و یؤذی من خالفه فأسلم علی یده ناس کثیر و عمیر هذا أو الحارث بن هشام یشک ابن اسحاق هو الذی رأی ابلیس حین نکص علی عقبیه یوم بدر فقال الی أین أی سراقة فضربه عدوّ اللّه و ذهب* روی ان قریشا رأوا سراقة المدلجی بمکة بعد وقعة بدر و هو الذی تمثل لهم ابلیس فی صورته کما تقدّم فقالوا له یا سراقة خرقت الصف و أوقعت فینا الهزیمة فقال و اللّه ما علمت بشی‌ء من امرکم حتی کانت هزیمتکم و ما شهدت معکم فما صدّقوه حتی أسلموا و سمعوا ما انزل اللّه فی ذلک فعلموا انه کان ابلیس تمثل لهم کما تقدّم و لما انقضی امر بدر أنزل اللّه تعالی فیه من القرآن الانفال بأسرها* قال ابن اسحاق و کان المطعمون من قریش من بنی هاشم العباس بن عبد المطلب و من بنی عبد شمس عتبة بن ربیعة بن عبد شمس و من بنی نوفل الحارث بن عامر بن نوفل و طعیمة بن عدی بن نوفل یعتقبان ذلک و من بنی أسد أبا البختری ابن هشام بن الحارث بن أسد و حکیم بن حزام بن خویلد بن أسد یعتقبان ذلک و من بنی عبد الدار ابن قصی النضر بن الحارث و من بنی مخزوم بن یقظة أبا جهل بن هشام بن المغیرة و من بنی جمح بن عمرو أمیة بن خلف بن وهب و من بنی سهم بن عمرو نبیها و منبها ابنی الحجاج بن عامر یعتقبان ذلک و من بنی عامر بن لؤیّ سهیل بن عمرو بن عبد شمس*

(تسمیة من شهد بدرا من المسلمین)

* و کان جمیع من شهد بدرا من المسلمین من المهاجرین و الانصار من شهدها و من ضرب له بسهمه و أجره ثلاثمائة رجل و أربعة عشر رجلا فمن قریش ثم من بنی هاشم بن عبد مناف و بنی المطلب بن عبد مناف ثم من المهاجرین* محمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم* و حمزة بن عبد المطلب ابن هاشم و علی بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم* و زید بن حارثة بن شرحبیل الکلبی و أنیسة الحبشی مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو کبشة الفارسی مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو مرثد کناز بن حصن أو حصین و ابنه مرثد بن أبی مرثد حلیفا لحمزة بن عبد المطلب و عبیدة ابن الحارث بن عبد المطلب و أخواه الطفیل بن الحارث و الحصین بن الحارث* و مسطح و اسمه عوف بن اثاثة بن عباد بن المطلب اثنی عشر رجلا و من بنی عبد شمس* عثمان بن عفان بن أبی العاص ابن أمیة بن عبد شمس تخلف علی امرأته رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فضرب له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بسهمه قال و أجری یا رسول اللّه قال و أجرک* و أبو حذیفة بن عتبة بن ربیعة بن عبد شمس* و سالم مولی أبی حذیفة و اسم أبی حذیفة مهشم* قال ابن هشام و سالم کان لبثینة بنت یعار ابن زید سیبته فانقطع الی أبی حذیفة فتبناه و یقال کانت بثینة بنت یعار تحت أبی حذیفة بن عتبة فأعتقت سالما فقیل سالم مولی أبی حذیفة* قال ابن اسحاق و زعموا ان صبیحا مولی أبی العاص ابن أمیة تجهز للخروج مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم مرض فحمل علی بعیره أبا سلمة بن عبد الاسد ثم شهد صبیح بعد ذلک المشاهد کلها مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و شهد بدرا من حلفاء بنی عبد شمس عبد اللّه بن جحش بن ذئاب الاسدی و عکاشة بن محصن بن حرثان الاسدی و شجاع بن وهب الاسدی و أخوه عقبة بن وهب و یزید بن رقیش بن ذئاب الاسدی و أبو سنان بن محصن بن حرثان أخو عکاشة ابن محصن و ابنه سنان بن أبی سنان و محرز بن نضلة الاسدی و ربیعة بن أکتم بن سخبرة الاسدی و من حلفاء بنی کبیر بن غنم الاسدی ثقف بن عمرو و أخواه مالک بن عمرو و مدلج بن عمرو* قال ابن هشام مدلاج بن عمرو و قال ابن اسحاق و هم من بنی حجز آل بنی سلیم و أبو مخشی حلیف لهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:397
ستة عشر رجلا* قال ابن هشام أبو مخشی طائی و اسمه سوید بن مخشی و من بنی نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر و خباب مولی عتبة بن غزوان رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی الزبیر بن العوّام بن خویلد بن أسد و حاطب بن ابی یلتعة و اسم ابی بلتعة عمرو اللخمی و سعد الکلبی مولی حاطب ثلاثة نفر و من بنی عبد الدار بن قصی مصعب بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصی و سویبط بن سعد بن حرملة رجلان و من بنی زهرة بن کلاب عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة و سعد بن ابی وقاص و ابو وقاص مالک بن اهیب الزهری و أخوه عمیر بن ابی وقاص و من حلفائهم المقداد بن عمرو بن بلتعة و عبد اللّه بن مسعود بن الحارث و مسعود بن ربیعة بن عمرو من القارة و القارة لقب و کانوا رماة و ذو الشمالین بن عبد عمرو انما قیل له ذو الشمالین لانه کان أعسر و اسمه عمیر* و خباب بن الارت من بنی تمیم و یقال من خزاعة کذا فی سیرة ابن هشام ثمانیة نفر و من بنی تمیم بن مرّة أبو بکر الصدّیق* و اسمه عتیق بن عثمان بن عامر ابن کعب بن سعد بن تیم* قال ابن هشام اسم أبی بکر عبد اللّه و عتیق لقب لحسن وجهه و عتقه و بلال مولی أبی بکر و بلال مولد من مولدی بنی جمح اشتراه أبو بکر من أمیة بن خلف و هو بلال بن رباح و عامر ابن فهیرة مولد اسود من مولدی الاسد اشتراه أبو بکر منهم قاله ابن هشام* و صهیب بن سنان النمر بن قاسط و یقال صهیب مولی عبد اللّه بن جدعان بن عمرو یقال انه رومی فقال بعض من ذکر انه من النمر ابن قاسط انما کان أسیرا فی الروم اشتری منهم* و جاء فی الحدیث صهیب سابق الروم و طلحة بن عبید اللّه بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم کان بالشأم فقدم بعد ان رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فکلمه فضرب له بسهمه قال و اجری یا رسول اللّه قال و أجرک خمسة نفر و من بنی مخزوم ابن یقظة بن مرّة أبو سلمة بن عبد الاسد و اسم أبی سلمة عبد اللّه* و شماس بن عثمان بن الشرید قال ابن هشام و اسم شماس عثمان بن عثمان و انما سمی شماسا لجماله و حسنه* و الارقم بن أبی الارقم و اسم أبی الارقم عبد بن عبد مناف بن أسد* و عمار بن یاسر عبسی من مذحج* و معتب بن عوف بن عامر حلیف لهم من خزاعة خمسة نفر* و من بنی عدی بن کعب عمر بن الخطاب بن نوفل بن عبد العزی بن عبد اللّه ابن قرط بن رباح بن رزاح بن عدی و أخوه زید بن الخطاب* و مهجع مولی عمر بن الخطاب من أهل الیمن و کان أوّل قتیل من المسلمین بین الصفین رمی بسهم* قال ابن هشام مهجع من عک* و عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس و أخوه عبد اللّه بن سراقة* و واقد بن عبد اللّه بن عبد مناف حلیف لهم و خولی بن أبی خولی* و مالک بن أبی خولی حلیفان لهم و ابو خولی من بنی عجل و عامر بن ربیعة حلیف آل الخطاب من عنز بن وائل و عامر بن البکیر بن عبد یالیل و عاقل بن البکیر و خالد بن البکیر و ایاس بن البکیر حلفاء بنی عدی بن کعب* و سعید بن زید بن عمرو بن نفیل قدم من الشأم بعد ما قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من بدر فکلمه فضرب له بسهمه قال و أجری یا رسول اللّه قال و أجرک أربعة عشر رجلا و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص بن کعب* عثمان بن مظعون بن حبیب و ابنه السائب بن عثمان و أخواه قدامة بن مظعون و عبد اللّه بن مظعون* و معمر بن الحارث بن معمر بن حبیب بن وهب خمسة نفر و من بنی سهم بن عمرو* خنیس بن حذافة بن قیس و من بنی عامر بن لؤیّ ثم من بنی مالک بن حسل بن عامر أبو سبرة بن أبی رهم بن عبد العزی و عبد اللّه بن مخرمة بن عبد العزی بن أبی قیس* و عبد اللّه بن سهیل بن عمرو بن عبد
شمس کان خرج مع أبیه سهیل بن عمرو فلما نزل الناس بدرا فرّ الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فشهدها معه و عمیر بن عوف مولی سهیل بن عمرو* و سعد ابن خولة من الیمن حلیف لهم خمسة نفر* و من بنی الحارث بن فهر أبو عبیدة و هو عامر بن عبد اللّه بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:398
الجراح و عمرو بن الحارث بن زهیر و سهیل بن وهب بن ربیعة و أخوه صفوان بن وهب و هما ابنا بیضاء و عمرو بن أبی سرح بن ربیعة خمسة نفر فجمیع من شهد بدرا من المهاجرین و من ضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهمه و أجره ثلاثة و ثمانون رجلا قال ابن هشام و کثیر من أهل العلم غیر ابن اسحاق یذکرون فی المهاجرین ببدر فی بنی عامر بن لؤیّ بن غالب وهب بن سعد بن أبی سرح و حاطب بن أبی عمرو و فی بنی الحارث بن فهر عیاض بن أبی زهیر قال ابن اسحاق و شهد بدرا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المسلمین ثم من الانصار ثم من الاوس بن الحارث سعد بن معاذ ابن النعمان بن امرئ القیس بن زید بن عبد الاشهل و عمرو بن معاذ بن النعمان و الحارث بن أوس ابن معاذ بن النعمان و الحارث بن انس بن رافع بن امرئ القیس و من بنی عبید بن کعب بن عبد الاشهل سعد بن زید بن مالک بن عبید و من بنی زعور بن عبد الاشهل و یقال زعوراء سلمة بن سلامة ابن وقش بن زعبة بن زعوراء و سلمة بن ثابت بن وقش و رافع بن یزید بن کرز بن سکن بن زعوراء و الحارث ابن خزمة بن عدی حلیف لهم من بنی عوف بن الخزرج و محمد بن مسلمة بن خالد بن عدی حلیف لهم من بنی حارثة بن الحارث و مسلمة بن أسلم بن حریش بن عدی حلیف لهم من بنی حارثة بن الحارث و أبو الهیثم ابن التیهان و عبید بن التیهان و یقال عتیک بن التیهان و عبد اللّه بن سهل أخو بنی زعوراء و یقال من غسان خمسة عشر رجلا* و من بنی ظفر ثم من بنی سواد بن کعب قتادة بن النعمان بن زید بن عامر بن سواد و عبید بن أوس بن مالک بن سواد رجلان* قال ابن هشام عبید بن أوس هو الذی یقال له مقرن لانه قرن أربعة أسری فی یوم بدر و هو الذی أسر عقیل بن أبی طالب یومئذ رجلان* و من بنی عبد بن رزاح بن کعب نضر بن الحارث بن عبد و معتب بن عبد و من حلفائهم من بلی عبد اللّه بن طارق ثلاثة نفر و من بنی حارثة بن الحارث بن الخزرج مسعود بن سعد بن عامر بن عدی* قال ابن هشام و یقال مسعود ابن عبد سعد أبو عبس بن جبیر بن عمرو و من حلفائهم ثم من بلی أبو بردة بن نیار و اسمه هانئ بن نیار بن عمرو ثلاثة نفر* و من بنی عمرو بن عوف بن مالک بن الاوس ثم من بنی ضبیعة بن زید بن مالک بن عوف عاصم بن ثابت بن قیس و قیس أبو الافلح بن عصمة بن مالک بن أمیة بن ضبیعة و معتب بن قشیر بن ملیک بن زید بن العطاف بن ضبیعة و أبو ملیک بن الازعر بن زید بن العطاف بن ضبیعة و عمرو بن معبد بن الازعر بن زید بن العطاف بن ضبیعة* قال ابن هشام عمیر بن معبد و سهل بن حنیف بن واهب بن العکیم خمسة نفر و من بنی أمیة بن زید بن مالک مبشر بن عبد المنذر بن زنیر بن زید بن أمیة و رفاعة بن عبد المنذر بن زنیر و سعد بن عبید بن النعمان بن قیس و عویمر بن ساعدة و رافع بن عنجدة و عنجدة أمّه فیما قاله ابن هشام و عبید بن أبی عبید و ثعلبة بن حاطب و زعموا ان أبا لبابة بشیر بن عبد المنذر و الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبید خرجا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فرجعهما* قال ابن هشام ردّهما من الروحاء و أمّر أبا لبابة علی المدینة فضرب لهما بسهمیهما مع أصحاب بدر تسعة نفر* و من بنی عبید بن زید بن مالک أنیس بن قتادة بن ربیعة بن خالد و من حلفائهم من بلی معن بن عدی بن الجد بن العجلان بن ضبیعة و ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدی بن العجلان و عبد اللّه بن سلمة بن مالک بن الحارث بن عدی بن العجلان و زید بن أسلم بن ثعلبة بن عدی بن العجلان و ربعی بن رافع بن زید بن حارثة بن الجد بن العجلان و خرج عاصم ابن عدی بن الجد بن العجلان فردّه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ضرب له
بسهمه مع أصحاب بدر سبعة نفر* و من بنی ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد اللّه بن جبیر بن النعمان بن أمیة و عاصم بن عمرو قال ابن هشام عاصم بن قیس بن ثابت بن النعمان و أبو صباح بن ثابت بن النعمان و أبو حنة و هو أخو أبی صباح و یقال أبو حبة و یقال امرؤ القیس البرک بن ثعلبة و سالم بن عمیر بن ثابت بن النعمان و یقال ثابت بن عمرو بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:399
ثعلبة و الحارث بن النعمان بن أمیة و خوّات بن جبیر بن النعمان ضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر* و من بنی جحجبا بن کلفة بن عوف منذر بن محمد بن عقبة بن أحیحة بن الجلاح* و من حلفائهم من بنی أنیف أبو عقیل بن عبد اللّه بن ثعلبة رجلان و من بنی غنم بن أسلم بن امرئ القیس بن مالک بن أوس سعد بن خیثمة بن الحارث و منذر بن قدامة و مالک بن قدامة بن عرفجة و الحارث ابن عرفجة و تمیم مولی بنی غنم خمسة نفر* قال ابن هشام و تمیم مولی سعد بن خیثمة و من بنی معاویة بن مالک بن عوف جبیر بن عتیک بن الحارث بن قیس و مالک بن نمیلة حلیف لهم من مزینة و النعمان بن عسر حلیف لهم من بلی ثلاثة نفر فجمیع من شهد بدرا من الاوس مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من ضرب له بسهمه و أجره أحد و ستون رجلا* (و شهد بدرا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المسلمین من الانصار ثم من بنی الخزرج بن حارثة بن ثعلبة)* خارجة بن زید بن ابی زهیر بن مالک بن امرئ القیس و سعد بن ربیع بن عمرو بن أبی زهیر بن مالک بن امرئ القیس و عبد اللّه ابن رواحة بن امرئ القیس و خلاد بن سوید بن ثعلبة ابن عمرو بن حارثة ابن امرئ القیس أربعة نفر و من بنی زید بن مالک بن ثعلبة بشیر بن سعد بن ثعلبة و أخوه سماک بن سعد بن ثعلبة رجلان* و من بنی عدی بن کعب بن الخزرج سبیع بن قیس بن عبسه و عباد بن قیس بن عبسه أخوه و عبد اللّه بن عبس ثلاثة نفر* و من بنی أحمر بن حارثة بن ثعلبة یزید بن الحارث بن قیس رجل و من بنی جشم بن الحارث بن الخزرج و زید بن الحارث بن الخزرج و هما التوأمان خبیب بن أساف بن عتبة بن عمرو و عبد اللّه بن زید بن ثعلبة و أخوه حریث بن زید و سفیان بن بشر أربعة نفر* قال ابن هشام سفیان بن بشر و من بنی جدارة بن عوف تمیم بن یعار بن قیس بن عدی و عبد اللّه بن عمیر من بنی حارثة قال ابن هشام و یقال عبد اللّه بن عمیر بن عدی بن أمیة بن جداره و زید بن المزین بن قیس بن عدی قال ابن هشام و زید بن المزین و عبد اللّه بن عرفطة بن أمیة بن جدارة أربعة نفر* و من بنی الابجر و هم بنو خدرة بن الحارث بن الخزرج عبد اللّه بن ربیع بن قیس بن عمرو بن عباد بن الابجر رجل و من بنی عوف بن الخزرج ثم من بنی عبید بن مالک بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج و هم بنو الحبلی و الحبلی سالم بن غنم بن عوف و انما سمی الحبلی لعظم بطنه عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی بن مالک ابن الحارث بن عبید المشهور بابن سلول و انما سلول امرأة و هی أمّ أبی و أوس بن خولی بن عبد اللّه بن الحارث بن عبید رجلان و من بنی جزی بن عدی بن مالک زید بن ودیعة بن عمرو بن قیس بن جزی و عقبة بن وهب ابن کلدة حلیف لهم من بنی عبد اللّه بن غطفان و رفاعة بن عمرو بن زید و عامر بن سلمة بن عامر حلیف لهم من الیمن قال ابن هشام و یقال عمرو بن سلمة و هو من بلی من قضاعة و أبو خمیصة معبد بن عباد ابن قشیر و عامر بن البکیر حلیف لهم ستة نفر* قال ابن هشام عامر بن العکیر و یقال عاصم بن العکیر و من بنی سالم بن عوف بن عمرو نوفل بن عبد اللّه بن نضلة رجل و من بنی أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم سالم بن عوف قال ابن هشام هذا غنم بن عوف أخو سالم بن عوف و غنم بن سالم الذی قبله علی ما قال ابن اسحاق عبادة بن الصامت بن قیس بن أصرم و أخوه أوس بن الصامت رجلان و من بنی دعد ابن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالک بن ثعلبة و هو النعمان الذی یقال له قوقل رجل و من بنی قربوش بالشین المعجمة و المهملة بن غنم بن أمیة أو ابن ثابت رجل و من بنی مرضخة
بن غنم مالک بن الدخشم بن مرضخة رجل و من بنی لود بن سالم ربیع بن ایاس بن عمرو بن غنم و أخوه ورقة بن ایاس و عمرو بن ایاس حلیف لهم من أهل الیمن ثلاثة نفر قال ابن هشام و یقال عمرو بن ایاس أخو ربیع و ورقة و من حلفائهم من بلی ثم من بنی غصینة قال ابن هشام غصینة أمّهم و أبوهم عمرو بن عمارة المجدر اسمه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:400
عبد اللّه بن زیاد بن عمرو بن زمزمة و عباد بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة و نجاب بن ثعلبة بن خزمة و یقال نحاب بن ثعلبة و عبد اللّه بن ثعلبة بن خزمة و زعموا أن عتبة بن ربیعة بن خالد بن معاویة حلیف لهم من بهراء قد شهد بدرا خمسة نفر* و من بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج ثم من بنی ثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة أبو دجانة سماک بن خرشة قال ابن هشام أبو دجانة سماک بن أوس بن خرشة و المنذر بن عمرو ابن خنیس رجلان قال ابن هشام و یقال عمرو بن خنیش و من بنی البدی بن عامر بن عوف أبو أسید مالک بن ربیعة ابن البدی و مالک بن مسعود و هو أبو البدی رجلان* قال ابن هشام ما روی مسعود بن البدی فیما ذکر لی بعض أهل العلم* و من بنی طریف بن الخزرج بن ساعدة عبد ربه بن حق ابن أوس بن وقش رجل و من حلفائهم من جهینة کعب بن حماد بن ثعلبة قال ابن هشام و یقال کعب ابن حماز و هو من غبشان* و ضمرة و زیاد و بسبس بنو عمرو* قال ابن هشام و یقال ضنمرة و زیاد ابنا بشر و عبد اللّه بن عامر من بلی خمسة نفر و من بنی جشم بن الخزرج ثم من بنی سلمة بن سعد بن علی خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح و الحباب بن المنذر بن الجموح و عمیر بن الحمام بن الجموح و تمیم مولی خراش بن الصمة و عبد اللّه بن عمرو بن حزام و معاذ بن عمرو بن الجموح و معوذ بن عمرو بن الجموح و خلاد بن عمرو بن الجموح و عقبة بن عامر بن نابی و حبیب بن الاسود مولی لهم و ثابت بن ثعلبة بن زید و ثعلبة الذی یقال له الجدع و عمیر بن الحارث بن ثعلبة اثنا عشر رجلا* قال ابن هشام عمیر بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة و من بنی عبیدة بن عدی بن غنم بن کعب بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء و الطفیل بن مالک بن خنساء و الطفیل بن النعمان بن خنساء و سنان بن صیفی ابن صخر بن خنساء و عبد اللّه بن الجد بن قیس بن صخر بن خنساء و عتبة بن عبد اللّه بن صخر بن خنساء و جبار بن صخر بن أمیة بن خنساء و خارجة بن حمیر و عبد اللّه ابن حمیر حلیفان لهم من أشجع من بنی دهمان تسعة نفر و من بنی خناس بن سنان بن عبید یزید بن المنذر بن سرح بن خناس و معقل بن المنذر بن سرح بن خناس و عبد اللّه بن النعمان بن بلدمة* قال ابن هشام و یقال بلدمة و بلذمة و الضحاک بن حارثة بن زید بن ثعلبة و سواد بن رزیق بن ثعلبة قال ابن هشام و یقال سواد بن رزم بن زید بن ثعلبة و معبد بن قیس بن صخر بن حزام و یقال معبد بن قیس بن صیفی بن صخر بن حزام فیما قاله ابن هشام و عبد اللّه بن صخر بن حزام و من بنی النعمان بن سنان بن عبید عبد اللّه بن عبد مناف بن النعمان و جابر بن عبد اللّه بن رباب بن النعمان و خلیدة بن قیس بن النعمان و النعمان بن سنان مولی لهم أربعة نفر و من بنی سواد بن غنم بن کعب بن سلمة ثم من بنی حدیدة عمرو بن غنم بن سواد* قال ابن هشام عمرو بن سواد لیس لسواد ابن یقال له غنم و أبو المنذر و هو یزید بن عامر ابن حدیدة و سلیم بن عمرو بن حدیدة و قطبة بن عامر بن حدیدة و عنترة مولی سلیم بن عمرو اربعة نفر قال ابن هشام عنترة من بنی سلیم بن منصور ثم من بنی ذکوان و من بنی عدی بن نابی بن عمرو بن سواد بن غنم عبس بن عامر بن عدی و ثعلبة بن غنمة بن عدی و أبو الیسر و هو کعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ابن سواد و سهل بن قیس بن أبیّ بن کعب بن القین بن کعب بن سواد و عمرو بن طلق بن زید بن أمیة و معاذ ابن جبل بن عمرو بن أوس ستة نفر* قال ابن هشام و انما نسب ابن اسحاق معاذ بن جبل فی بنی سواد و لیس منهم لانه فیهم قال ابن اسحاق و الذین کسروا آلهة بنی سلمة
معاذ بن جبل و عبد اللّه بن أنیس و ثعلبة بن غنمة و من بنی رزیق بن عامر قیس بن محصن بن خالد بن مخلد و یقال قیس بن حصن و أبو خالد و هو الحارث بن قیس بن خالد بن مخلد و جبیر بن ایاس بن خالد بن مخلد و أبو غادة و هو سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد و أخوه عقبة بن عثمان بن خلدة بن مخلد و ذکوان بن عبد قیس بن خلدة بن مخلد و مسعود
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:401
ابن خلدة بن عامر بن مخلد سبعة نفر و من بنی خالد بن عامر بن رزیق عباد بن قیس بن عامر بن خالد رجل و من بنی خلدة بن عامر بن رزیق أسعد بن یزید بن الفاکه بن بشر بن الفاکه بن زید بن خلدة* قال ابن هشام بشر بن الفاکه و معاذ بن ماعص بن قیس بن خلدة و أخوه عائذ بن ماعص بن قیس بن خلدة و مسعود بن سعد بن خلدة خمسة نفر* و من بنی العجلان بن عمرو بن عامر بن رزیق رفاعة بن رافع بن مالک بن العجلان و اخوه خلاد بن رافع بن مالک بن العجلان و عبید بن زید بن عامر بن العجلان ثلاثة نفر* و من بنی بیاضة ابن عامر بن رزیق زیاد بن لبید بن ثعلبة بن سنان و فروة بن عمرو بن و دقة و یقال ورقة و خالد بن قیس ابن مالک بن العجلان و رحیلة بن ثعلبة بن خالد* قال ابن هشام رخیلة و عطیة بن نویرة بن عامر و خلیفة ابن عدی بن عمرو ستة نفر* قال ابن هشام و یقال علیقة و من بنی حبیب بن عبد حارثة بن مالک رافع ابن المعلی بن لوذان بن حارثة رجل* و من بنی النجار و هو تیم اللّه بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ثم من بنی غنم بن مالک بن النجار ثم من بنی ثعلبة بن عبد عوف بن غنم أبو ایوب خالد بن زید بن کلیب بن ثعلبة رجل و من بنی عسیرة بن عبد بن عوف بن غنم ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسیرة رجل* قال ابن هشام و یقال عشیرة و من بنی عمرو بن عبد بن عوف بن غنم عمارة بن حزم بن زید بن لوذان ابن عمرو و سراقة بن کعب بن عبد العزی رجلان و من بنی عبید بن ثعلبة بن غنم حارثة بن النعمان ابن زید بن عبید و سلیم بن قیس بن فهد رجلان* قال ابن هشام حارثة بن النعمان بن نفع بن یزید و من بنی عائذ بن ثعلبة بن غنم و یقال عائد فیما قاله ابن هشام سهیل بن رافع بن أبی عمرو بن عائذ و عدی بن أبی الزغباء حلیف لهم و من جهینة رجلان و من بنی زید بن ثعلبة بن غنم مسعود بن أوس بن زید و أبو خزیمة بن أوس بن زید بن اصرم بن زید و رافع بن الحارث بن سواد بن زید ثلاثة نفر و من بنی سواد ابن مالک بن غنم عوف و معوذ و معاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد و هم بنو عفراء* قال ابن هشام عفراء بنت عبید بن ثعلبة بن عبید بن ثعلبة بن غنم بن مالک بن النجار و یقال رفاعة بن الحارث بن سواد فیما قاله ابن هشام و النعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد و یقال نعیمان فیما قاله ابن هشام و عامر بن مخلد بن الحارث بن سواد و عبد اللّه بن قیس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد و عصیمة حلیف لهم من أشجع و ودیعة بن عمرو حلیف لهم من جهینة و ثابت بن زید بن عمرو بن عدی بن سواد و زعموا أن أبا الحمراء مولی الحارث بن عفراء قد شهد بدرا عشرة نفر قال ابن هشام أبو الحمراء مولی الحارث بن رفاعة و من بنی عامر بن مالک بن النجار و عامر بن مبذول ثم من بنی عتیک بن عمرو بن مبذول ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتیک و سهل بن عتیک بن النعمان بن عمرو بن عتیک و الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتیک کسر به بالروحاء فضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهمه ثلاثة نفر و من بنی عمرو بن مالک بن النجار و هم بنو حدیلة ثم من بنی قیس بن عبید بن زید بن معاویة ابن عمرو بن مالک بن النجار* قال ابن هشام حدیلة بنت مالک بن زید اللّه بن حبیب و هی أم معاویة ابن عمرو بن مالک بن النجار فبنو معاویة ینسبون إلیها أبیّ بن کعب بن قیس و أنس بن معاذ بن أنس بن قیس رجلان و من بنی عدی بن عمرو بن مالک بن النجار* قال ابن هشام و هم بنو مغالة بنت عوف بن عبد مناة بن عمرو و یقال انها من بنی زریق و هی أم عدی بن عمرو بن مالک بن النجار فبنو عدی ینسبون إلیها أوس بن ثابت بن المنذر بن
حزام و أبو شیخ بن أبیّ بن ثابت بن المنذر بن حزام قال ابن هشام أبو شیخ ابن ثابت أخو حسان بن ثابت و أبو طلحة و هو زید بن سهل بن الاسود بن حزام ثلاثة نفر و من بنی عدی ابن النجار ثم من بنی عدی بن عامر بن غنم بن عدی بن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدی بن مالک بن عدیّ بن عامر و عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدی بن عامر و هو أبو حکیم و سلیط بن قیس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:402
ابن عمرو بن عتیک و أبو سلیط و هو أسیرة بن عمرو و عمرو أبو خارجة بن قیس بن مالک و ثابت بن خنساء ابن عمرو بن مالک و عامر بن أمیة بن زید بن الحسحاس و محرز بن عامر بن مالک بن عدی و سواد بن غزیة بن أهیب حلیف لهم من بلی ثمانیة نفر* قال ابن هشام و یقال سواد و من بنی حزام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدی بن النجار أبو یزید قیس بن سکن بن قیس بن زعوراء بن حزام و أبو الاعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حزام* قال ابن هشام و یقال أبو الاعور الحارث بن ظالم و سلیم بن ملحان و حزام بن ملحان و اسم ملحان مالک بن خالد بن زید بن حزام أربعة نفر* و من بنی مازن بن النجار ثم من بنی عوف بن مبذول قیس بن أبی صعصعة و اسم أبی صعصعة عمرو بن زید بن عوف و عبد اللّه بن کعب بن عمرو بن عوف و عصیمة حلیف لهم من بنی أسد بن خزیمة ثلاثة نفر* و من بنی خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود عمیر بن عامر بن مالک بن خنساء و سراقة بن عمرو بن عطیة بن خنساء رجلان و من بنی ثعلبة بن مازن بن النجار قیس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبیب رجل و من بنی دینار بن النجار ثم من بنی مسعود بن عبد الاشهل بن حارثة بن دینار بن النجار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود و الضحاک ابن عبد عمرو بن مسعود و سلیم بن الحارث بن ثعلبة و هو أخو الضحاک بن عبد عمرو و النعمان ابنی عبد عمرو لامّهما و جابر بن خالد بن عبد الاشهل خمسة نفر* و من بنی قیس بن مالک بن کعب بن حارثة ابن دینار بن النجار کعب بن زید بن قیس و بجیر بن أبی بجیر حلیف لهم رجلان* قال ابن هشام و بجیر من عبس بن بغیض بن ریث بن غطفان ثم من بنی جذیمة بن رواحة* قال ابن اسحاق فجمیع من شهد بدرا من الخزرج مائة و سبعون رجلا* و قال ابن هشام و أکثر أهل العلم یذکر فی الخزرج ببدر فی بنی العجلان بن زید بن غنم عتبان بن مالک بن عمرو بن العجلان و ملیل بن وبرة بن خالد بن العجلان و عصمة ابن الحصین بن وبرة بن خالد بن العجلان و من بنی حبیب بن عبد حارثة بن مالک بن عضب بن جشم بن الخزرج و هم فی بنی رزیق هلال بن المعلی بن لوذان بن حارثة*

عدّة أهل بدر

قال ابن اسحاق فجمیع من شهد بدرا من المسلمین من المهاجرین و الانصار من شهدها منهم و من ضرب له بسهمه و أجره ثلاثمائة و أربعة عشر رجلا من المهاجرین ثلاثة و ثمانون رجلا و من الاوس أحد و ستون رجلا و من الخزرج مائة و سبعون رجلا و قد ذکرنا أن الدعاء عند ذکرهم فی البخاری مستجاب و قد جرّب ذلک*

عدّة شهداء بدر

و استشهد من المسلمین یوم بدر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربعة عشر رجلا و کذا فی الکشاف ستة من المهاجرین من قریش ثم من بنی المطلب بن عبد مناف عبیدة بن الحارث بن المطلب قتله عتبة بن ربیعة قطع رجله فمات فی الصفراء رجل* و من بنی زهرة بن کلاب عمیر بن أبی وقاص بن أهیب بن عبد مناف بن زهرة و ذو الشمالین بن عبد عمرو بن نضلة حلیف لهم من خزاعة ثم من بنی غبشان رجلان و من بنی عدی بن کعب بن لؤیّ عاقل بن البکیر حلیف لهم من بنی سعد بن لیث بن بکر بن عبد مناة بن کنانة و مهجع مولی عمر بن الخطاب رجلان و من بنی الحارث بن فهر صفوان بن بیضاء رجل فهؤلاء ستة نفر من المهاجرین و من الانصار ثمانیة خمسة من الاوس من بنی عمرو بن عوف سعد بن خیثمة و مبشر بن عبد المنذر بن زبیر رجلان و من بنی الحارث بن الخزرج یزید بن الحارث و هو الذی یقال له قسحم رجل و من بنی سلمة ثم من بنی حرام بن کعب بن سلمة عمیر بن الحمام رجل ثم من بنی حبیب بن عبد حارثة بن مالک بن عضب ابن جشم رافع بن المعلی رجل و ثلاثة من الخزرج من بنی النجار حارثة بن سراقة بن الحارث رجل و من بنی غنم بن مالک بن النجار عوف و معوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد و هما ابنا عفراء رجلان ثمانیة نفر* و فی خلاصة الوفاء استشهد بوقعة بدر ثلاثة عشر رجلا غیر عبیدة بن الحارث تأخرت وفاته حتی وصل وادی الصفراء فدفن فیها* و فی الوفاء یظهر من کلام أهل السیر أن بقیتهم دفنوا ببدر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:403
و أما قتلی المشرکین یوم بدر فسیجی‌ء الخلاف فیهم فعلی قول ابن اسحاق ان جمیع من أحصی له خمسون و قال ابن هشام عن أبی عبیدة ان القتلی سبعون و الاسری کذلک سبعون*

عدّة قتلی المشرکین یوم بدر

قال ابن اسحاق و قتل من المشرکین یوم بدر من قریش ثم من بنی عبد شمس بن عبد مناف حنظلة بن أبی سفیان بن حرب بن أمیة بن عبد شمس قتله زید بن حارثة مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما قاله ابن هشام و یقال اشترک فیه حمزة و علی و زید فیما قاله ابن هشام و الحارث بن الحضرمی و عامر بن الحضرمی حلیفان لهم قتل عامرا عمار بن یاسر و قتل الحارث النعمان بن عسر حلیف الاوس فیما قاله ابن هشام و عبیدة بن سعید بن العاص بن أمیة بن عبد شمس قتله الزبیر بن العوّام و العاصی بن سعید بن العاص بن أمیة قتله علیّ بن أبی طالب و عقبة بن أبی معیط بن أبی عمرو بن أمیة بن عبد شمس قتله عاصم بن ثابت بن أبی الافلح أخو بنی عمرو بن عوف صبرا* قال ابن هشام و یقال علیّ بن أبی طالب قتله و عتبة بن ربیعة بن عبد شمس قتله عبیدة بن الحارث بن المطلب قال ابن هشام اشترک فیه هو و حمزة و علی و شیبة بن ربیعة بن عبد شمس قتله حمزة بن عبد المطلب و الولید بن عتبة بن ربیعة قتله علیّ بن أبی طالب و عامر بن عبد اللّه حلیف لهم من بنی أنمار من بغیض قتله علیّ بن ابی طالب اثنی عشر رجلا و من بنی نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل قتله فیما یذکرون خبیب بن اساف أخو بنی الحارث بن الخزرج و طعیمة بن عدی بن نوفل قتله علیّ بن أبی طالب و یقال حمزة بن عبد المطلب رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی زمعة ابن الاسود بن المطلب* قال ابن هشام قتله ثابت بن الجذع أخو بنی حرام و یقال اشترک فیه حمزة و علیّ ابن أبی طالب و ثابت و الحارث بن زمعة قتله عمار بن یاسر و عقیل بن الاسود بن المطلب قتله حمزة و علیّ اشترکا فیه فیما قاله ابن هشام و أبو البختری و هو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد قال ابن هشام أبو البختری العاصی بن هاشم قتله المجدر بن زیاد البلوی و نوفل بن خویلد بن أسد و هو ابن العدویة عدی خزاعة و هو الذی قرن أبا بکر و طلحة بن عبید اللّه حین أسلما فی حبل فکانا یسمیان القرینین لذلک و کان من شیاطین قریش قتله علیّ بن أبی طالب خمسة نفر و من بنی عبد الدار بن قصی النضر بن الحارث بن کلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار قتله علی بن أبی طالب صبرا عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالصفراء فیما یذکرون* قال ابن هشام بالاثیل و زید بن ملیص مولی عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار رجلان* قال ابن هشام قتل زید بن ملیص بلال بن رباح مولی أبی بکر و زید حلیف لبنی عبد الدار من بنی مازن و یقال قتله المقداد بن عمرو و من بنی تیم بن مرّة عمیر بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم* قال ابن هشام قتله علیّ بن أبی طالب و یقال عبد الرحمن بن عوف و عثمان ابن مالک بن عبید اللّه بن عثمان بن کعب بن عمرو قتله ضریب بن سنان رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة ابن مرّة أبو جهل بن هشام و اسمه عمرو بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله و ضرب ابنه ید معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتی أثبته ثم ترکه و به رمق ثم ذفف علیه عبد اللّه بن مسعود و احتز رأسه حین أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یلتمس فی القتلی و العاصی بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم قتله عمر بن الخطاب و یزید ابن عبد اللّه حلیف لهم من بنی تمیم* قال ابن هشام ثم أحد بنی عمرو بن تمیم و کان شجاعا قتله عمار بن یاسر و أبو مسافع الاشعری حلیف لهم قتله أبو دجانة الساعدی فیما قال ابن هشام و حرملة بن عمرو حلیف لهم* قال ابن هشام قتله خارجة بن زید بن أبی زهیر أخو بلحارث بن الخزرج فیما قال ابن هشام و یقال بل علیّ بن أبی طالب و حرملة بن الاسد و مسعود بن أبی أمیة بن المغیرة قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن
هشام و أبو قیس بن الفاکه بن المغیرة بن الولید بن المغیرة قتله حمزة بن عبد المطلب فیما قاله ابن هشام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:404
و یقال علیّ بن أبی طالب و یقال عمار بن یاسر فیما قاله ابن هشام و رفاعة بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم قتله سعد بن الربیع أخو بلحارث بن الخزرج فیما قاله ابن هشام و المنذر بن أبی رفاعة بن عائذ قتله معن بن العدی بن الجد بن العجلان حلیف بنی عبید بن زید بن مالک بن عوف بن عمرو بن عوف فیما قاله ابن هشام و عبد اللّه بن المنذر بن أبی رفاعة بن عائذ قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن هشام و السائب بن أبی السائب بن عائذ بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم* قال ابن هشام السائب بن أبی السائب شریک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الذی جاء فیه الحدیث عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نعم الشریک السائب لا یشاری و لا یماری کان أسلم فحسن اسلامه فیما بلغنا و اللّه أعلم* و ذکر ابن شهاب الزهری عن عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس أن السائب بن أبی السائب بن عائذ بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم ممن بایع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من قریش و أعطاه یوم الجعرانة من غنائم حنین* و ذکر غیر ابن اسحاق أن الذی قتله الزبیر بن العوّام و الاسود بن عبد الاسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب و حاجب بن السائب ابن عویمر بن عمرو و یقال حاجز بن السائب و الذی قتل حاجب بن السائب علیّ بن أبی طالب و عویمر بن السائب بن عمیر قتله النعمان بن مالک القوقلی مبارزة فیما قاله ابن هشام و عمرو بن سفیان و جابر بن سفیان حلیفان لهم من طی قتل عمرا یزید بن رقیش و قتل جابرا أبو بردة بن نیار فیما قال ابن هشام سبعة عشر رجلا و من بنی سهم بن عمرو بن هصیص بن کعب بن لؤیّ منبه بن الحجاج بن عامر بن حذیفة ابن سعد بن سهم قتله أبو الیسر أخو بنی سلمة و ابنه العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذیفة قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن هشام و نبیه بن الحجاج بن عامر قتله حمزة بن عبد المطلب و سعد بن أبی وقاص اشترکا فیه فیما قاله ابن هشام و أبو العاصی بن قیس بن عدی بن سعید بن سهم قال ابن هشام قتله علیّ بن أبی طالب و یقال النعمان بن مالک القوقلی و یقال أبو دجانة و عاصم بن أبی عوف بن صبیرة بن سعید بن سعد بن سهم قتله أبو الیسر أخو بنی سلمة فیما قاله ابن هشام خمسة نفر و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص بن کعب بن لؤیّ أمیة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رجل من الانصار من بنی مازن فیما قاله ابن هشام و یقال بل قتله معاذ بن عفراء و خارجة بن زید و حبیب بن اساف اشترکوا فیه و ابنه علیّ بن أمیة بن خلف قتله عمار بن یاسر و أوس بن مغیر بن لوذان بن سعد بن جمح قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن هشام ثلاثة نفر و یقال قتله الحصین بن الحارث ابن المطلب و عثمان بن مظعون اشترکا فیه فیما قاله ابن هشام و من بنی عامر بن لؤیّ معاویة بن عامر حلیف لهم من عبد القیس قتله علیّ بن أبی طالب و یقال عکاشة بن محصن فیما قاله ابن هشام و معبد ابن وهب حلیف لهم من بنی کلب بن عوف بن کعب قتل معبدا خالد و ایاس ابنا البکیر و یقال أبو دجانة فیما قاله ابن هشام رجلان* قال ابن اسحاق فجمیع من أحصی لنا من قتلی قریش یوم بدر خمسون رجلا* قال ابن هشام حدّثنی أبو عبیدة عن أبی عمرو أن قتلی بدر من المشرکین کانوا سبعین رجلا و الاسری کذلک و هو قول ابن عباس و سعید بن المسیب و فی کتاب اللّه تبارک و تعالی أو لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها یقوله لاصحاب أحد و کان من استشهد منهم سبعین رجلا یقول قد أصبتم یوم بدر مثلی من استشهد منکم یوم أحد سبعین قتیلا و سبعین أسیرا* قال ابن هشام و ممن لم یذکر ابن اسحاق من هؤلاء السبعین القتلی من بنی عبد شمس بن عبد مناف وهب بن الحارث من بنی انمار بن بغیض حلیف لهم و عامر بن زید حلیف لهم من الیمن
رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی عقبة بن زید حلیف لهم من الیمن و عمیر مولی لهم رجلان و من بنی عبد الدار بن قصی نبیه بن زید بن ملیص و عبید بن سلیط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:405
حلیف لهم من قیس رجلان و من بنی تیم بن مرّة مالک بن عبید اللّه بن عثمان أسر فمات فی الاساری فعدّ فی القتلی و یقال و عمرو بن عبد اللّه بن جدعان رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة حذیفة بن أبی حذیفة بن المغیرة قتله أبو أسید مالک بن ربیعة و السائب بن أبی رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف و عائذ بن السائب ابن عویمر أسر ثم افتدی فمات فی الطریق من جراحة جرحه ایاها حمزة بن عبد المطلب و عمیر حلیف لهم من طی و خیار حلیف لهم من القارة سبعة نفر و من بنی جمح بن عمرو سیرة بن مالک حلیف لهم رجل و من بنی سهم بن عمرو الحارث بن منبه بن الحجاج قتله صهیب بن سنان و عامر بن أبی عوف بن صبیرة أخو عاصم قتله عبد اللّه بن سلمة العجلانی و یقال أبو دجانة رجلان*

(ذکر الاساری من المشرکین)

** قال ابن اسحاق و أسر من المشرکین یوم بدر من قریش ثم من بنی هاشم بن عبد مناف عقیل بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم و من بنی المطلب بن عبد مناف السائب بن عبید بن عبد یزید بن هاشم بن المطلب و نعمان بن عمرو بن علقمة بن المطلب رجلان و من بنی عبد شمس بن عبد مناف عمرو بن أبی سفیان بن حرب بن أمیة بن عبد شمس و الحارث بن أبی و جرة بن أبی عمرو بن أمیة بن عبد شمس و یقال ابن أبی و جرة فیما قاله ابن هشام و أبو العاصی بن الربیع ابن عبد العزی بن عبد شمس و أبو العاصی بن نوفل بن عبد شمس و من حلفائهم أبو ریشة بن أبی عمرو و عمرو بن الازرق و عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمی سبعة نفر و من بنی نوفل بن عبد مناف عدی ابن الخیار بن عدی بن نوفل و عثمان بن عبد شمس بن غزوان بن جابر حلیف لهم من بنی مازن بن منصور و أبو نوفل حلیف لهم ثلاثة نفر و من بنی عبد الدار بن قصی أبو عزیز بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار و الاسود بن عامر حلیف لهم و یقولون نحن بنو الاسود بن عامر بن الحارث بن السباق رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی السائب بن أبی حبیش بن المطلب بن أسد و الحویرث بن عباد بن عثمان بن أسد و سالم بن شماخ حلیف لهم ثلاثة نفر و من بنی مخزوم بن یقظة بن مرّة خالد بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم و أمیة بن أبی حذیفة بن المغیرة و الولید ابن الولید بن المغیرة بن عبد اللّه و عثمان بن عبد اللّه بن المغیرة و صیفی بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد اللّه و أبو المنذر بن أبی رفاعة بن عائذ و أبو عطاء عبد اللّه بن أبی السائب بن عائذ و المطلب بن الحنطب بن الحارث بن عبید و خالد بن الاعلم حلیف لهم و هو کان فیما یذکرون أوّل من ولی فارّا منهزما و هو الذی یقول
و لسنا علی الادبار تدمی کلومناو لکن علی أقدامنا یقطر الدم تسعة نفر قال ابن هشام* و یروی و لسنا علی الاعقاب و خالد بن الاعلم من خزاعة و یقال عقیلی و من بنی سهم بن عمرو بن هصیص بن کعب أبو وداعة بن صبیرة بن سعید بن سعد بن سهم کان أوّل أسیر افتدی من أسری بدر افتداه ابنه المطلب بن أبی وداعة و فروة بن قیس بن عدی بن حذافة بن سعد بن سهم و حنظلة بن قبیصة بن حذافة بن سعد بن سهم و الحجاج بن الحارث بن قیس بن عدی بن سعید بن سعد ابن سهم أربعة نفر و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص عبد اللّه بن أبی بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح و أبو عزة عمرو بن عبد اللّه بن عثمان بن أهیب بن حذافة بن جمح و الفاکه مولی أمیة بن خلف ادّعاه بعد ذلک رباح بن المغترف و هو یزعم انه من بنی شماخ بن فهر و یقال ابن الفاکه بن جرول بن جذیم بن عوف و وهب بن عمیر بن وهب بن خلف و ربیعة بن دراج بن العنبس بن اهبان خمسة نفر و من بنی عامر بن لؤیّ سهیل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أسره مالک بن الدخشم أخو بنی سالم بن عوف و عبد بن زمعة بن قیس بن عبد شمس و عبد الرحمن بن مشنوء بن و قدان بن قیس بن عبد شمس ثلاثة نفر و من بنی الحارث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:406
ابن فهر الطفیل بن أبی قنیع و عتبة بن جحدم حلیف العباس بن عبد المطلب رجلان* قال ابن اسحاق فجمیع من حفظ لنا من الاساری ثلاثة و أربعون رجلا* قال ابن هشام وقع من جملة العدّة رجل لم أذکر اسمه و ممن لم یذکر ابن اسحاق من الاساری من بنی هاشم بن عبد مناف عتبة حلیف لهم من بنی فهر رجل و من بنی المطلب بن عبد مناف عقیل بن عمرو حلیف لهم و أخوه تمیم بن عمرو و ابنه ثلاثة نفر و من بنی عبد شمس بن عبد مناف خالد بن أسید بن أبی العیص و أبو العریض یسار مولی العاص بن أمیة رجلان و من بنی نوفل بن عبد مناف نبهان مولی لهم رجل و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی عبد اللّه بن حمید بن زهیر بن الحارث رجل و من بنی عبد الدار بن قصی عقیل حلیف لهم من الیمن رجل و من بنی تیم بن مرّة مسافع بن عیاض بن صخر بن عامر و جابر بن الزبیر حلیف لهم رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة قیس بن السائب رجل و من بنی جمح بن عمرو عمرو بن أبی بن خلف و أبو رهم بن عبد اللّه حلیف لهم و حلیف لهم ذهب عنی اسمه و مولیان لامیة بن خلف أحدهما نسطاس و أبو رافع غلام أمیة بن خلف ستة نفر و من بنی سهم بن عمرو أسلم مولی نبیه بن الحجاج رجل و من بنی عامر بن لؤیّ حبیب بن جابر و السائب بن مالک رجلان و من بنی الحارث بن فهر شافع و شفیع حلیفان لهم من الیمن رجلان* أقول و من جملة أساری بدر عباس بن عبد المطلب و لم یذکر فیما ذکر* قال ابن اسحاق و کان فراغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فی عقب شهر رمضان أو فی شوّال* و فی هذه السنة غلبت الروم علی فارس* روی انه لما التقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالمشرکین یوم بدر فنصر علیهم و افق ذلک الیوم التقاء الروم بفارس فنصرت الروم ففرح المسلمون بالفتحین و انما فرحوا لانّ الروم أهل کتاب و فارس مجوس لا کتاب لهم*

وفاة رقیة بنته علیه السلام‌

و فی هذه السنة توفیت رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوجة عثمان و کان تزوّجها بمکة فی الجاهلیة و هاجر معها الی الحبشة فتوفیت یوم جاء زید بن حارثة بشیرا بفتح بدر جاء و عثمان واقفا علی قبرها یدفنها کما مرّ و کان تمریضها منعه عن شهود بدر و ضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهمه من غنیمتها* روی انه صلّی اللّه علیه و سلم لما عزی فی ابنته رقیة قال الحمد للّه دفن البنات من المکرمات رواه العسکری فی الامثال و فی روایة من المکرمات دفن البنات* قال النووی توفیت رقیة فی ذی الحجة من هذه السنة لکن ذکر أهل السیر أن وفاة رقیة کانت فی رمضان حین کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوة بدر کما مرّ

* سریة عمیر بن عدی لقتل العصماء الیهودیة

و فی هذه السنة کانت سریة عمیر بن عدی الخطمی لقتل العصماء بنت مروان الیهودی امرأة من الانصار و هی زوجة یزید الخطمی لخمس لیال بقین من رمضان علی رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة قال ابن سعد کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة مغلطای ذکر سیرة عمیر بعد قرقرة الکدر* و فی الوفاء قدّم قتل أبی عفک علی قتل العصماء و کانت تعیب المسلمین و تؤنب الانصار فی اتباعهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تقول الشعر فی هجوه فجاءها لیلا عمیر ابن عدی و کان أعمی فدخل علیها بیتها و حولها نفر من أولادها نیام منهم من ترضعه فی صدرها فجها بیده فنحی الصبیّ عنها و وضع ذبابة سیفه فی صدرها حتی أنفذها من ظهرها ثم صلّی الصبح مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالمدینة فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ قتلت ابنة مروان قال نعم قال لا ینتطح فیها عنزان أی لا یعارض فیها معارض و لا یسأل عنها فانها هدر و کانت هذه الکلمة اوّل ما سمعت من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هذا من الکلام الموجز البدیع الذی لم یسبق إلیه*

نبذة من جوامع کلمه علیه السلام‌

کحمی الوطیس و مات حتف أنفه و لا یلدغ المؤمن من جحر مرّتین و یا خیل اللّه ارکبی و الولد للفراش و للعاهر الحجر و کل الصید فی جوف الفرا و الحرب خدعة و ایاکم و خضراء الدمن و ان مما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:407
ینبت الربیع لما یقتل حبطا أو یلم و الانصار کرشی و عیبتی و لا یجنی علی المرء إلا یده و الشدید من غلب نفسه و لیس الخبر کالمعاینة و المجالس بالامانة و الید العلیا خیر من الید السفلی و البلاء موکل بالمنطق و الناس کأسنان المشط و ترک الشر صدقة و أی داء أدوأ من البخل و الاعمال بالنیات و الحیاء خیر کله و الیمین الفاجرة تدع الدیار بلاقع و سید القوم خادمهم و فضل العلم خیر من فضل العبادة و الخیل فی نواصیها الخیر و عدة المؤمن کأخذ بالید و أعجل الاشیاء عقوبة البغی و انّ من الشعر لحکمة و الصحة و الفراغ نعمتان و نیة المؤمن خیر من عمله و استعینوا علی الحاجات بالکتمان و ان کل ذی نعمة محسود و المکر و الخدیعة فی النار و من غشنا لیس منا و المستشار مؤتمن و الندم توبة و الدال علی الخیر کفاعله و حبک الشی‌ء یعمی و یصم و العاریة مؤدّاة و الایمان قید الفتک و سبقک بها عکاشة و عجب ربکم من کذا و قتل صبرا و لیس المسئول بأعلم من السائل و لا ترفع عصاک عن أهلک و لا تضحی شرقاء الی غیر ذلک مما یطول ذکره و کذا فی سیرة مغلطای* و فی الوفاء ان العصماء هذه تأففت لما قتل أبو عفک بالفاء و اهمال أوّله و قالت شعرا تعیب به الاسلام و أهله و ان عمیرا رجع الی قومه بعد قتلها و هم یومئذ کثیر یوبخهم فی شأنها و لها بنون خمسة رجال فقال یا بنی خطمة أنا قتلت بنت مروان یعنی العصماء فکیدونی جمیعا ثم لا تنظرون فذلک الیوم أوّل ما عز الاسلام فی دار بنی خطمة و کان یستخفی باسلامه فیهم من أسلم و یومئذ أسلم رجال منهم لما رأوا من عز الاسلام* و فی شواهد النبوّة کانت العصماء بنت مروان من بنی أمیة بن زید و کانت تؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تعیب الاسلام فحین کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوة بدر قالت فی ذم الاسلام و أهله أبیاتا فسمعها عمیر بن عدی و کان ضریر البصر قاله ابن سعد و سماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البصیر و کان قد تخلف بالمدینة عن غزوة بدر لعماه و قیل کان أوّل من أسلم من بنی خطمة و کان امام قومه و قارئهم و کان یدعی القارئ فنذر لئن ردّ اللّه عز و جل رسوله من بدر سالما لیقتلنها ففی لیلة قدم فیها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة من بدر سل عمیر سیفه و دخل علیها فی جوف اللیل و قتلها و صلّی الصبح بالمدینة مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لما رآه قال أ قتلت ابنة مروان قال نعم فأقبل علی الناس و قال من أحب منکم أن ینظر الی رجل کان فی نصرة اللّه و رسوله فلینظر الی عمیر بن عدی فقال عمر الی هذا الاعمی بات فی طاعة اللّه و رسوله قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مه یا عمر فانه بصیر أو کما قال*

فرض زکاة الفطر

و فی هذه السنة فرضت زکاة الفطر و کان ذلک قبل العید بیومین کذا فی أسد الغابة فخطب الناس قبل الفطر بیومین یعلمهم زکاة الفطر و کان ذلک قبل أن تفرض زکاة الاموال کما سیجی‌ء* و فی أوّل شوّال هذه السنة خرج الی المصلی و حملت العنزة بین یدیه و غرزت فی المصلی و صلّی إلیها صلاة الفطر و هذه الحربة کانت للنجاشی فوهبها للزبیر بن العوّام و کانت تحمل بین یدیه علیه السلام فی الاعیاد و أمر بأن تخرج زکاة الفطر عن الصغیر و الکبیر و الحر و العبد و الذکر و الانثی نصف صاع من برّ أو صاع من شعیر أو صاع من زبیب و کان یأمر باخراجها قبل أن یغد و الی المصلی*

فرض زکاة الاموال‌

و فی هذه السنة فرضت زکاة الاموال و قیل فی السنة الثالثة و قیل فی الرابعة و قیل قبل الهجرة و ثبتت بعدها و اللّه أعلم*

غزوة قرقرة الکدر

و فی شوّال هذه السنة أیضا و قیل بعد بدر بسبعة أیام و قیل فی نصف المحرم سنة ثلاث وقعت غزوة قرقرة الکدر و یقال نجران کذا فی سیرة مغلطای و ذکرها ابن سعد بعد غزوة السویق و قرقرة الکدر بفتح القافین أرض ملساء* و قال البکری هی بضم القاف و اسکان الراء و بعدهما مثلهما و المعروف فی ضبطها الفتح و هی ناحیة بأرض سلیم علی ثمانیة برد من المدینة کذا فی حیاة الحیوان* و فی المواهب اللدنیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:408
الکدر طیر فی ألوانها کدرة عرف بها ذلک الموضع* و فی خلاصة الوفاء کدر بالضم جمع أکدر یضاف إلیه قرقرة الکدر بناحیة معدن بنی سلیم وراء سدّ معاویة و قال عرام فی حرم بنی عوال میاه و آبار منها بئر الکدر* و فی الاکتفاء کانت وقعة بدر یوم الجمعة لسبع عشرة لیلة من شهر رمضان و کان فراغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منها فی عقبه أو فی شوّال بعده فلما قدم المدینة لم یقم بها إلّا سبع لیال حتی غزا بنفسه یرید بنی سلیم فبلغ ماء من میاههم یقال له الکدر فأقام علیه ثلاث لیال ثم رجع الی المدینة و لم یلق کیدا* و فی بعض الکتب أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأن جماعة من بنی سلیم و غطفان تجمعوا بماء یقال له الکدر و یعرف بغزوة قرقرة الکدر فعقد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لواء و دفعه الی علیّ بن أبی طالب و استخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری و قیل ابن أمّ مکتوم و خرج منها فی مائتی رجل من أصحابه و سار الی أن بلغ قرقرة الکدر فلم یر فیها أحدا فبعث بعضا من أصحابه الی أعالی الوادی و سار هو فی بطن الوادی و أقام علیه الصلاة و السلام بها ثلاثا و قیل عشرا فلم یلق کیدا فلقی رعاة الابل فیهم غلام اسمه یسار فسألهم عن بنی سلیم و غطفان قالوا لا ندری فساقوا الابل مع الرعاة الی المدینة فلما بلغ صرارا بالصاد المهملة و هو موضع بینه و بین المدینة ثلاثة أمیال و فی خلاصة الوفاء صرار ماء قرب المدینة محتفر جاهلی أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم باخراج الخمس و قسم الباقی علی أصحاب الغزوة فأصاب کل واحد بعیران و کان جملة الابل خمسمائة و وقع یسار فی سهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأعتقه حین رآه یصلی و کانت مدّة غیبته فی تلک الغزوة خمس عشرة لیلة* و فی خلاصة السیر أورد هذه الغزوة بعد غزوة السویق و قال هذه الاربع یعنی غزوة بنی قینقاع و غزوة السویق و غزوة قرقرة الکدر و غزوة ذی أمر فی بقیة السنة الثانیة* و فی حیاة الحیوان روی ابن هشام و غیره أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم غزا قرقرة الکدر فی النصف من المحرّم علی رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره و اللّه أعلم* و فی المواهب اللدنیة ذکر غزوة قرقرة الکدر فی أوّل شوّال السنة الثانیة قبل سریة سالم بن عمیر و قال ذکرها ابن سعد بعد غزوة السویق‌

* سریة سالم بن عمیر الی قتل أبی عفک‌

و فی شوّال هذه السنة علی رأس عشرین شهرا من الهجرة کما فی المواهب اللدنیة کانت سریة سالم بن عمیر أحد البکائین و ممن شهد بدرا الی قتل أبی عفک الیهودی و کان أبو عفک من بنی عمرو بن عوف شیخا کبیرا قد بلغ عشرین و مائة سنة و کان یحرض علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یقول فیه الشعر فقال سالم بن عمیر علیّ نذر أن أقتل أبا عفک أو أموت دونه فقتله و وضع سیفه علی کبده ثم اعتمد علیه حتی خش فی الفراش فصاح عدوّ اللّه أبو عفک فثار إلیه ناس ممن هو علی قوله فأدخلوه منزله فقتل کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الوفاء قدّم قتل أبی عفک علی قتل العصماء*

غزوة بنی قینقاع‌

و فی نصف شوّال هذه السنة یوم السبت علی رأس عشرین شهرا من الهجرة وقعت غزوة بنی قینقاع بفتح القاف و تثلیث النون و الضم أشهر حی من الیهود کانوا بالمدینة کذا فی القاموس* و فی الوفاء منازلهم عند جسر بطحان مما یلی العالیة* و فی صحیح البخاری عن ابن عمر أن بنی قینقاع هم رهط عبد اللّه بن سلام* و قال الحافظ ابن حجر و هم من ذرّیة یوسف الصدّیق علیه السلام* و فی الاکتفاء لما رجع من قرقرة الکدر الی المدینة أقام بقیة شوّال و ذا القعدة و أفدی فی اقامته تلک جل الاساری من قریش أی أساری بدر* روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة و ادع الیهود علی أن لا یعینوا علیه أحدا و ان دهمه بها عدوّ نصروه فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد و البغی و قالوا لم یلق محمد من یحسن القتال و لو لقینا لاقی عندنا قتالا لا یشبه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد کذا فی المنتقی* و فی خلاصة السیر الیهود یرجعون الی ثلاث طوائف بنی قینقاع و النضیر و قریظة فنقض الثلاث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:409
العهد طائفة بعد طائفة فأوّل من نقض العهد منهم بنو قینقاع قتلوا رجلا من المسلمین و حاربوا فیما بین بدر و أحد* و قال مغلطای قال الحاکم غزوة بنی قینقاع و بنی النضیر واحدة فربما اشتبهتا علی من لا یتأمّل* و قال الحافظ ابن حجر بعد ذکر انهم أوّل من نقض العهد فغزاهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم بنی النضیر و أغرب الحاکم فزعم ان اجلاء بنی قینقاع و اجلاء بنی النضیر کان فی زمن واحد و لم یوافق علی ذلک لانّ اجلاء بنی النضیر کان بعد بدر بستة أشهر علی قول عروة أو بعد ذلک بمدّة طویلة علی قول ابن اسحاق* و ذکر الواقدی ان اجلاء بنی قینقاع کان فی شوّال سنة اثنتین یعنی بعد بدر بشهر و یؤیده روایة ابن اسحاق عن ابن عباس ان غزوة بنی قینقاع بعد بدر* و فی الوفاء حاربهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد بدر فی شوّال فألقی اللّه الرعب فی قلوبهم فنزلوا علی حکمه فأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد اللّه بن أبی و کانوا حلفاءه فوهبهم له و أخرجهم من المدینة الی أذرعات* و فی الاکتفاء منشأ أمرهم فی نقض العهد أن امرأة من العرب قدمت بحلب لها فباعته بسوق بنی قینقاع و جلست الی صائغ بها فجعلوا یریدونها علی کشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الی طرف ثوبها من خلفها بحیث لا تعلم فعقده الی ظهرها فلما قامت انکشفت سوأتها فضحکوا فصاحت فوثب رجل من المسلمین علی الصائغ فقتله و کان یهود یا فشدّت الیهود علی المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمین علی الیهود فأغضب المسلمون فوقع الشر بینهم و بین بنی قینقاع فلما أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بذلک جمع أشراف یهود بنی قینقاع فقال لهم یا معشر الیهود احذروا من اللّه أن یوقع بکم ما نزل بقریش من النقمة و أسلموا فانکم قد عرفتم انی نبیّ مرسل تجدون ذلک فی کتابکم و عهد اللّه إلیکم قالوا یا محمد انک تری أنا قومک لا یغرّنک انک لقیت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا و اللّه لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس* و فی الوفاء قالوا انهم کانوا لا یعرفون القتال و لو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فأنزل اللّه قل للذین کفروا ستغلبون و تحشرون الی جهنم الی قوله أولی الابصار فخرج صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم للنصف من شوّال سنة اثنتین بعد بدر بشهر و دفع لواءه یومئذ الی حمزة و کان أبیض* قال ابن هشام و استعمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی المدینة فی محاصرته ایاهم بشر بن عبد المنذر فتحصنت الیهود فی حصنهم فحاصرهم خمس عشرة لیلة الی هلال ذی القعدة حتی جهدهم الحصار فنزلوا علی حکم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأمر منذر بن قدامة السلمی أن یکتفهم فکتفوا و هو یرید قتلهم فمرّ بهم عبد اللّه بن أبی بن سلول فأراد أن یطلقهم و هم حلفاؤه قال له المنذر أ تطلق قوما أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بربطهم و اللّه لا یفعله أحد الا أضرب عنقه* و فی سیرة ابن هشام فقام إلیه عبد اللّه بن أبی بن سلول حین أمکن اللّه نبیه منهم فقال یا محمد أحسن فی موالیّ فأعرض عنه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأعاد ابن أبی کلامه فسکت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یجبه بشی‌ء فأدخل ابن أبیّ یده فی جیب درع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان یقال لها ذات الفضول فیما قاله ابن هشام و قال یا رسول اللّه أحسن فی حلفائی و ألح علیه من أجلهم فغضب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی رأوا لوجهه ظللا ثم قال ویحک أرسلنی قال لا و اللّه لا أرسلک حتی تحسن فی موالیّ أربعمائة حاسر و ثلاثمائة دارع قد کانوا منعونی من الاحمر و الاسود تحصدهم فی غداة واحدة و انی و اللّه امرؤ أخشی الدوائر فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هم لک فأمر أن یجلوا و ترکهم من القتل* و فی روایة قال حلوهم لعنهم اللّه و لعن من معهم فتجاوز عن دمائهم و لکن أمر باجلائهم* قال ابن اسحاق حدّثنی أبی اسحاق بن یسار عن عبادة بن الولید عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قینقاع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تشبث بأمرهم عبد اللّه بن أبی و قام دونهم و مشی عبادة بن الصامت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:410
و کان أحد بنی عوف لهم من حلفه مثل الذی لهم من عبد اللّه بن أبی فخلعهم عبادة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و تبرأ الی اللّه و الی رسوله من حلفهم و قال یا رسول اللّه أتولی اللّه و رسوله و المؤمنین و أبرأ من حلف هؤلاء الکفار و ولایتهم قال ففیه و فی عبد اللّه بن أبی نزلت القصة من المائدة یأیها الذین آمنوا لا تتخذوا الیهود و النصاری أولیاء بعضهم أولیاء بعض و من یتولهم منکم فانه منهم انّ اللّه لا یهدی القوم الظالمین فتری الذین فی قلوبهم مرض کعبد اللّه بن أبی یسارعون فیهم یقولون نخشی أن تصیبنا دائرة الی قوله فی أنفسهم نادمین و لما سمعوا خبر الاجلاء اغتموا و أتی عبد اللّه بن أبی برؤسائهم لیشفع لهم عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أمر الاجلاء أیضا و کان عویمر بن ساعدة العمروی واقفا علی الباب فأراد ابن أبی أن یدخل فمنعه عویمر فدفعه ابن أبی و أراد أن یدخل بالعنف فغضب عویمر فدفعه دفعا أصابت منه جبهته الجدار فدمیت فلما رأت الیهود ذلک قالوا لابن أبی یا أبا الخباب نحن لا نسکن فی بلد یفعل فیها مثل هذا و لا نقدر علی دفعه فرجعوا خائبین فأمر صلّی اللّه علیه و سلم عبادة بن الصامت باخراجهم فاستمهلوه ثلاثة أیام بامر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم أخرجهم عن منازلهم و بلغهم الی ذی ناب فذهبوا الی أذرعات من الشام فهلکوا بعد زمان فلیل و صارت أموالهم و أسلحتهم غنیمة للمسلمین و اصطفی علیه السلام لنفسه صفی المغنم ثلاث قسی یقال لاحداها الکتوم انکسرت یوم احد و للثانیة الروحاء و للثالثة البیضاء و درعین یسمی أحدهما فضة و الاخری السغدیة بالسین المهملة و الغین المعجمة* قال بعض الحفاظ کانت السغدیة درع داود علیه السلام التی لبسها حین قتل جالوت و اللّه أعلم و ثلاثة أسیاف سیف یقال له قلعی و سیف یدعی البتار و سیف یسمی الحتف و ثلاثة ارماح ثم أمر بعزل الخمس و هو أوّل خمس فی الاسلام بعد بدر و وهب منها درعا لمحمد بن مسلمة و درعا لسعد بن معاذ یدعی سحک و قسم الباقی علی أصحابه ثم انصرف الی المدینة

* غزوة السویق‌

و فی ذی الحجة من هذه السنة یوم الاحد لخمس خلون منها علی رأس اثنین و عشرین شهرا من الهجرة کانت غزوة السویق* و قال ابن اسحاق فی صفر کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و لما رجع من قرقرة الکدر الی المدینة أقام بها بقیة شوّال و ذا القعدة و فدی فی اقامته تلک جل الاساری من قریش ثم غزا أبو سفیان بن حرب غزوة السویق فی ذی الحجة و کان أبو سفیان حین رجع الی مکة و رجع فلّ قریش من بدر نذر أن لا یمس رأسه ماء من جنابة حتی یغزو محمدا فخرج من مکة فی مائتی راکب من قریش لیبر یمینه فسلک النجدیة حتی نزل صدر قناة الی جبل یقال له تیب من المدینة علی برید أو نحوه ثم خرج من اللیل حتی أتی بنی النضیر تحت اللیل فأتی حیی بن أخطب فضرب علیه بابه فأبی أن یفتح له بابه و خافه فانصرف عنه الی سلام بن مشکم و کان سید بنی النضیر فی زمانه ذلک و صاحب کنزهم فاستأذن علیه فأذن له فقراه و سقاه و بطن له من خبر الناس ثم رجع فی عقب لیلته حتی أتی أصحابه فبعث رجالا من قریش فأتوا ناحیة منها یقال لها العریض علی ثلاثة أمیال من المدینة فخرقوا فی صور من نخلب بها و وجدوا رجلا من الانصار و حلیفا له فی حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعین و انذر بهم الناس فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی طلبهم یوم الاحد لخمس خلون من ذی الحجة و استعمل علی المدینة أبا لبابة بشر بن عبد المنذر فجعل أبو سفیان و أصحابه یتخففون للهرب و النجاة فیلقون جرب السویق و کانت عامة أزوادهم السویق* قال ابن هشام انما سمیت غزوة السویق فیما حدّثنی أبو عبیدة ان أکثر ما طرح القوم من أزوادهم السویق فهجم المسلمون علی سویق کثیر فسمیت غزوة السویق فسار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أن بلغ قرقرة الکدر ففاته أبو سفیان و أصحابه فانصرف راجعا الی المدینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:411
فقال المسلمون حین رجع بهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا رسول اللّه أ نطمع أن تکون لنا غزوة قال نعم و کانت مدّة غیبته فی هذه الغزوة خمسة أیام و عند بعض أصحاب السیر هذه الغزوة کانت فی أوّل السنة الثالثة من الهجرة و اللّه أعلم* و فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء أورد غزوة السویق قبل غزوة بنی قینقاع*

موت عثمان بن مظعون‌

و فی هذه السنة مات عثمان بن مظعون فی ذی الحجة فهو أوّل من مات من المهاجرین بالمدینة و دفن بالبقیع و هو رضیع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قبله صلّی اللّه علیه و سلم بعد موته کذا فی الوفاء* و فی هذه السنة فی ذی الحجة خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم عید الاضحی الی المصلی و صلّی صلاة العید فیه و ضحی هو بکبش و الاغنیاء من أصحابه و هو أوّل عبد أضحی رآه المسلمون*

بناء علی بفاطمة رضی اللّه عنهما

و فی ذی الحجة من هذه السنة بنی علیّ بفاطمة کما قاله الحافظ مغلطای و قد کان عقد النکاح فی رجب منها علی الاصح و قیل فی رمضان* و قال الطبری تزوّجها فی صفر فی السنة الثانیة و بنی بها فی ذی الحجة علی رأس اثنین و عشرین شهرا من التاریخ* و قال أبو عمرو بعد وقعة أحد و قال غیره بعد بنائه صلّی اللّه علیه و سلم بعائشة بأربعة أشهر و نصف و بنی بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر و نصف و لما کان لیلة البناء قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعلیّ لا تحدث شیئا حتی تلقانی فدعا صلّی اللّه علیه و سلم باناء فتوضأ فیه ثم أفرغه علی علیّ ثم قال اللهمّ بارک فیهما و بارک علیهما و بارک لهما فی شملهما* و فی روایة عن علیّ انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین زوّجه دعا بماء فمجه ثم صبه فی فیه ثم رشه فی جنبیه و بین کتفیه و عوّذه بقل هو اللّه أحد و المعوّذتین ثم قال انی أزوجک خیر أهل بیتی کذا فی المنتقی* و فی ذخائر العقبی قال لعلیّ اذا أتتک لا تحدث شیئا حتی آتیک فجاءت فاطمة مع أمّ أیمن حتی قعدت فی جانب البیت و علیّ فی جانب و جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال هاهنا أخی قالت أمّ أیمن أخوک و قد زوّجته ابنتک قال نعم و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لفاطمة ائتینی بماء فقامت الی قعب فی البیت فأتت فیه بماء فأخذه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و مج فیه ثم قال لها تقدّمی فتقدّمت فنضح بین ثدییها و علی رأسها و قال اللهمّ انی أعیذها بک و ذرّیتها من الشیطان الرجیم ثم قال لها أدبری فادبرت فصب بین کتفیها و قال اللهمّ انی أعیذها بک و ذرّیتها من الشیطان الرجیم ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ائتونی بماء فقال علیّ فعلمت الذی یرید فقمت فملأت القعب ماء فأتیته فأخذه فمج فیه و صنع بعلیّ کما صنع بفاطمة و دعا له بما دعا به لها ثم قال ادخل بأهلک بسم اللّه و البرکة خرجه أبو حاتم و خرج أحمد فی المناقب و فی روایة بتقدیم علیّ علی فاطمة فی النضح و الدعاء و قال ثم دعا فاطمة فقامت تعثر فی ثوبها و ربما قال فی مرطها من الحیاء* و عن جابر قال حضرنا عرس علیّ و فاطمة فما رأینا عرسا کان أحسن منه حسنا هیأ لنا رسول اللّه زیتا و تمرا فأکلنا و کان فراشهما لیلة عرسهما اهاب کبش* و فی روایة انه بنی بها بعد تسع و عشرین لیلة من النکاح و کان جهازها فی هذه الروایة فراشین من خیوش أحدهما محشو بلیف و الآخر بحذو الحذائین و أربع وسائد وسادتین من لیف و ثنتین من صوف* و روی عن الحسن البصری قال کان لعلیّ و فاطمة رضی اللّه عنهما قطیفة اذا لبساها بالطول انکشفت ظهورهما و اذا لبساها بالعرض انکشفت رءوسهما* و أخرج الدولابی عن أسماء قالت لقد أ و لم علیّ علی فاطمة فما کانت ولیمة فی ذلک الزمان أفضل من ولیمته رهن درعه عند یهودی بشطر شعیر و کانت ولیمته آصعا من شعیر و تمر و حیس و الحیس التمر و الاقط و أخرج أحمد فی المناقب عن علی کان جهاز فاطمة خمیلة و قربة و وسادة من أدم حشوها لیف کذا فی المواهب اللدنیة* و روی عن أنس قال لما تزوّج علیّ بفاطمة قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لاسماء بنت عمیس اذهبی فهیئی منزلها فجاءت أسماء الی البیت فعملت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:412
فراشا من رمل و الثانی من أدم حشوها لیف و مرقعة من أدم حشوها لیف فلما صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم العشاء الآخرة انصرف الی بیت فاطمة فنظر إلیها و دعا لها بالبرکة فانصرف فبعث بفاطمة الی علی فی ذلک البیت* و فی روایة قال لعلیّ دونک اهلک ثم خرج فلبث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اربعا لا یدخل علیهما حتی اذا کان الیوم الرابع دخل علیهما فی غداة باردة و هما فی لحاف واحد فقال کما انتما و جلس عند رأسهما ثم ادخل قدمیه و ساقیه بینهما فأخذ علیّ احداهما فوضعها علی صدره و بطنه لیدفئها و أخذت فاطمة الاخری فوضعتها علی صدرها و بطنها لتدفئها و طلبت خادما فأمرها بالتسبیح و التحمید و التکبیر* و روی عن علیّ قال لهما النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا أخذتما مضجعکما فسبحا ثلاثا و ثلاثین و احمدا ثلاثا و ثلاثین و کبرا اربعا و ثلاثین فهو خیر لکما من خادم کذا فی الصحیحین و عن انس قال جاءت فاطمة یوما الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه انی و ابن عمی ما لنا فراش الا جلد کبش ننام علیه باللیل و نعلف علیه ناضحنا بالنهار فقال یا بنیة اصبری فانّ موسی بن عمران أقام مع امرأته عشر سنین لیس لهم فراش الاعباء قطوانیة و ولد الحسن فی منتصف رمضان السنة الثالثة من الهجرة و الحسین فی السنة الرابعة و کان بین ولادة الحسن و العلوق بالحسین خمسون لیلة و ولد الحسین للیال خلون من شعبان السنة الرابعة من الهجرة کما سیجی‌ء

غضب النبیّ حین خطب علی بنت أبی جهل‌

عن مسور بن مخرمة انّ علیّ بن ابی طالب خطب بنت ابی جهل و عنده فاطمة بنت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما سمعت بذلک فاطمة أتت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت له ان قومک یتحدّثون انک لا تغضب لبناتک و هذا علیّ ناکح ابنة ابی جهل فخطب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال انی لست أحرم حلالا و لا احلّ حراما و لکن و اللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه و بنت عدوّ اللّه عند رجل واحد و فی روایة مکانا واحدا ابدا* و فی روایة عنه انه سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی المنبر و هو یقول ان بنی هشام ابن المغیرة استأذنونی فی ان ینکحوا ابنتهم علیّ بن ابی طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن لهم الا أن یحب ابن ابی طالب ان یطلق ابنتی و ینکح ابنتهم فانما ابنتی بضعة منی یریبنی ما رابها و یؤذینی ما آذاها اخرجه الشیخان و الترمذی و اسم بنت ابی جهل جویریة أسلمت و بایعت و تزوّجها عتاب ابن اسید ثم ابان بن سعید بن العاص*

وفاة أمیة بن الصلت‌

و فی هذه السنة مات أمیّة بن ابی الصلت و اسم ابی الصلت عبد اللّه بن ربیعة و کان أمیّة قد قرأ الکتب المتقدّمة و رغب عن عبادة الاوثان و اخبر ان نبیا یخرج قد اظل زمانه و کان یؤمّل ان یکون ذلک النبیّ فلما بلغه خبر خروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کفر به حسدا و لما انشد لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شعر أمیة قال علیه السلام آمن لسانه و کفر قلبه‌

* (الموطن الثالث فی وقائع السنة الثالثة من الهجرة

اشارة

من سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف و تزوّج عثمان أمّ کلثوم و غزوة غطفان و غزوة نجران و سریة زید بن حارثة الی قردة و تزوّج حفصة و تزوّج زینب بنت خزیمة و ذکر میلاد الحسن و غزوة احد و غزوة حمراء الاسد و سرقة طعمة و علوق فاطمة بالحسین)*

* سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف‌

و فی هذه السنة کانت سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف من یهود بنی النضیر لاربع عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل علی رأس خمسة و عشرین شهرا من الهجرة کذا فی المواهب اللدنیة و یفهم من المدارک فی تفسیر سورة الحشر أن قتله بعد احد* و فی الوفاء کان اصل کعب بن الاشرف عربیا من طی ثم أحد بنی نبهان و امّه من بنی النضیر علی ما قاله ابن اسحاق اتی ابوه المدینة فحالف بنی النضیر فشرف فیهم و تزوّج بنت ابی الحقیق فولدت له کعبا و کان جسیما شاعرا و هجا المسلمین بعد وقعة بدر و خرج الی مکة و أنشدهم الاشعار و بکی علی اصحاب القلیب من قریش قال ابن اسحاق و لما اصیب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:413
أصحاب بدر و قدم زید بن حارثة الی اهل السافلة و عبد اللّه بن رواحة الی أهل العالیة بشیرین بعثهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی من بالمدینة من المسلمین بفتح اللّه علیه و قتل من قتل من المشرکین قال کعب بن الاشرف حین بلغه الخبر أحق هذا أ ترون أنّ محمدا قتل هؤلاء الذین یسمی هذان الرجلان یعنی زید بن حارثة و عبد اللّه بن رواحة فهؤلاء أشراف العرب و ملوک الناس و اللّه لئن کان محمد قد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خیر لی من ظهرها فلما تیقن عدوّ اللّه الخبر خرج حتی قدم مکة فنزل علی المطلب بن أبی وداعة بن صبیرة السهمی و عنده عاتکة بنت أبی العیص بن أمیّة فأنزلته و أکرمته و جعل یحرض علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ینشد الاشعار و یبکی علی أصحاب القلیب من قریش الذین أصیبوا ببدر فهجا حسان المطلب بن أبی وداعة و هجا امرأته عاتکة فطردته فرجع الی المدینة و شبب بنساء المسلمین و کان یهجو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یحرّض علیه کفار قریش و قیل صنع طعاما و واطأ یهود أن یدعو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فاذا حضر فتکوا به ثم دعاه فجاءه فأعلمه جبریل فقام منصرفا ثم قال من الکعب بن الاشرف* و فی روایة من لی أولنا بابن الاشرف فانه قد أذی اللّه و رسوله ای من ینتدب لقتله فقد استعلن بعداوتنا و هجائنا و قد خرج الی قریش فجمعهم لقتالنا و قد أخبرنی اللّه بذلک ثم قرأ أ لم تر الی الذین أوتوا نصیبا الی آخر الآیة* و فی الاکلیل فقد أذانا بشعره و قوّی المشرکین کذا فی المواهب اللدنیة فانتدب إلیه محمد بن مسلمة أخو بنی عبد الاشهل فی نفر و قال أناله یا رسول اللّه* و فی روایة أنا لک به یا رسول اللّه أنا أقتله قال فافعل ان قدرت علی ذلک و قیل أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن معاذ أن یبعث رهطا لیقتلوه و اللّه أعلم* روی أن محمد بن مسلمة بعد ما قال أنا له رجع فمکث ثلاثا لا یأکل و لا یشرب الا ما تعلق به نفسه فذکر ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاه فقال له لم ترکت الطعام و الشراب قال یا رسول اللّه قلت لک قولا ما أدری هل أفی لک به أم لا فقال انما علیک الجهد قال یا رسول اللّه انه لا بدّلنا من أن نقول فیک قال قولوا ما بدا لکم فأنتم فی حل من ذلک فاجتمع فی قتل کعب محمد بن مسلمة و مکان بن سلامة بن وقش و هو أبو نائلة أحد بنی عبد الاشهل أخا لکعب بن الاشرف من الرضاعة و عباد بن بشر بن وقش أحد بنی عبد الاشهل و الحارث بن أوس بن معاذ أحد بنی عبد الاشهل و أبو عبس بن جبر أخو بنی حارثة و هؤلاء الخمسة من الاوس ثم قدّموا ملکان ابن سلامة و کان أخاه من الرضاعة فجاءه فتحدّث معه ساعة و تناشد الشعر و کان أبو نائلة یقول الشعر ثم قال و یحک یا ابن الاشرف انی قد جئتک لحاجة أرید أذکرها لک فاکتمها عنی قال افعل قال کان قدوم هذا الرجل علینا بلاء من البلاء عادتنا العرب و رمونا عن قوس واحدة و قطعت عنا السبل حتی ضاع العیال و جهدت الانفس فقال کعب بن الاشرف أما و اللّه لقد کنت أخبرک یا ابن سلامة ان الامر سیصیر الا ما أقول فقال أبو نائلة ان معی أصحابا لی علی مثل رأیی و قد أردنا أن تبیعنا طعامک و نرهنک و نوثق لک و تحسن فی ذلک قال أ ترهنونی نساءکم قال کیف نرهنک نساءنا و أنت أجمل العرب و أشب أهل یثرب و أعطرهم و لا نأمنک و أیة امرأة تمتنع منک لجمالک قال أ ترهنونی أبناءکم قالوا أردت أن تفضحنا انا نستحیی أن یسب ابن أحدنا و یعیر فیقال هذا رهن وسق شعیر و هذا رهن و سقین و لکنا نرهنک من الحلقة یعنی السلاح ما فیه وفاء و قد علمت حاجتنا الی السلاح و أراد أبو نائلة أن لا ینکر السلاح إذا رآه و جاءوا بها قال ان الحلقة لوفاء فواعده أن یأتیه فرجع أبو نائلة الی أصحابه و أخبرهم الخبر و أمرهم أن یأخذوا السلاح و یجتمعوا إلیه فاجتمعوا عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمشی معهم صلّی اللّه علیه و سلم الی بقیع الغرقد فی لیلة مقمرة
ثم وجههم و قال انطلقوا علی اسم اللّه اللهم أعنهم ثم رجع الی بیته فأقبلوا حتی انتهوا الی حصنه لیلا فهتف أبو نائلة و کان کعب حدیث عهد بعرس فوثب فی ملحفته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:414
فأخذت امرأته بناحیتها و قالت انک امرؤ محارب و ان أصحاب الحرب لا ینزلون فی مثل هذه الساعة کلمه من فوق الحصن قال انه أبو نائلة رضیعی فانه لو وجدنی نائما ما أیقظنی قالت و اللّه انی لا عرف فی صوته الشرّ فانی أسمع صوتا یقطر منه الدم فقال کعب لو یدعی الفتی لطعنة لاجاب* و فی روایة قال ان الکریم اذ ادعی الی طعنة بلیل لاجاب فنزل إلیهم متوشحا و ینفح منه ریح الطیب قتحدّث معهم ساعة قالوا له هل لک أن نتماشی الی شعب العجوز فتتحدّث فیه بقیة لیلتنا هذه قال ان شئتم فخرجوا یتماشون و کان أبو نائلة قال لاصحابه انی فاتل شعره لأشمه فاذا رأیتمونی استمکنت من رأسه فدونکم عدوّ اللّه فاضربوه ثم انه شام یده فی فود رأسه ثم شم یده فقال ما رأیت کاللیل طیب عروس أعطر قط قال انه طیب أم فلان یعنی امرأته ثم مشی ساعة ثم عاد لمثلها جتی اطمأنّ ثم مشی ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه حتی استمکن منه ثم قال اضربوا عدوّ اللّه فاختلفت علیه أسیافهم فلم تغن شیئا قال محمد بن مسلمة فتذکرت معولا کان فی سیفی حین رأیت أسیافنا لا تغنی شیئا فأخذته و قد صاح عدوّ اللّه صیحة لم یبق حولنا حصن الا أوقدت علیه نار قال فوضعته فی ثنته* و فی روایة فی سرّته ثم تحاملت علیه حتی بلغت عانته فوقع عدوّ اللّه و قد أصیب الحارث بن أوس بجرح فی رجله أو رأسه أصابه بعض أسیافنا فخرجنا حتی أسندنا فی حرّة العریض و قد أبطأ علینا الحارث بن أوس لجرحه و نزفه الدم فوقفنا له ساعة حتی أتانا یتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم آخر اللیل و هو قائم یصلی فسلمنا علیه فخرج إلینا فأخبرناه بقتل عدوّ اللّه کعب و جئنا برأسه إلیه و تفل علی جرح صاحبنا فبرأ فی الحال و لم یؤذه بعد فرجعنا الی أهلنا فأصبحنا و قد خافت یهود لوقعتنا بعدوّ اللّه فلیس بها یهودی الا و هو یخاف علی نفسه* و فی روضة الاحباب حملوا رأسه الی المدینة فخرج أهل الحصن فی آثارهم و سلکوا طریقا آخر ففاتوهم و لما بلغ محمد بن مسلمة و أصحابه بقیع الغرقد کبروا و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یصلی فسمع صوت تکبیرهم فعلم أنهم قتلوه فلما انتهوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أفلحت الوجوه قالوا و وجهک یا رسول اللّه و أتوا برأس عدوّ اللّه فحمد اللّه تعالی و أثنی علیه* و فی شرف المصطفی ان الذین قتلوه حملوا رأسه فی مخلاة الی المدینة فقیل انه أوّل رأس حمل فی الاسلام کذا فی المواهب اللدنیة* روی أن رهط کعب بن الاشرف جاءوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالوا قتل سیدنا غیلة من غیر جنایة و سبب قال انه کان یهجونا و یؤذی المسلمین و یحرض المشرکین علینا فخافوا و سکتوا و رجعوا* قال ابن اسحاق و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ظفرتم به من رجال یهود فاقتلوه فوثب محیصة بن مسعود علی سبیبة رجل من تجار یهود کان یلابسهم و یبایعهم فقتله و کان حویصة بن مسعود أخو محیصة اذ ذاک لم یسلم و کان أسنّ من محیصة فلما قتله جعل حویصة یضربه و یقول أی عدوّ اللّه قتلته أما و اللّه لرب شحم فی بطنک من ماله قال له محیصة و اللّه لو أمرنی بقتلک من أمرنی بقتله لضربت عنقک قال آللّه لو أمرک محمد بقتلی لتقتلنی قال نعم قال له و اللّه ان دینا بلغ بک هذا لعجب فأسلم حویصة کذا فی معالم التنزیل*

تزوّج عثمان بن عفان بأمّ کلثوم‌

و فی هذه السنة تزوّج عثمان بن عفان أمّ کلثوم بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم تلد ولدا و قیل ولدت و لم یعش منها و لا من أختها و فی بعض الکتب تزوّجها عثمان فی ربیع الاوّل و أدخلت علیه فی جمادی الآخرة و اللّه أعلم و سیجی‌ء وفاتها فی السنة التاسعة ان شاء اللّه تعالی*

غزوة غطفان‌

و فی هذه السنة لثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاوّل علی رأس خمسة و عشرین شهرا من الهجرة وقعت غزوة غطفان و هی غزوة ذی أمر بفتح الهمزة و سماها الحاکم غزوة أنمار و هی بناحیة نجد و هی التی صلّی فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی راحلته متطوّعا متوجها قبل المشرق* و فی سیرة ابن هشام لما رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من غزوة السویق أقام بالمدینة بقیة ذی الحجة أو قریبا منها ثم غزا نجدا یرید غطفان و هی غزوة ذی أمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:415
قال ابن اسحاق فأقام بنجد صفرا کله أو قریبا من ذلک ثم رجع الی المدینة و سببها انه أخبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بأن جمعا من بنی ثعلبة و بنی محارب و بنی أنمار تجمعوا فی ذی أمر یریدون الاغارة و حاملهم علی ذلک رجل اسمه دعثور بن الحارث الغطفانی کذا قاله الذهبی*

هجوم دعثور علی الرسول و سقوط سیفه من بده‌

و فی المواهب اللدنیة المحاربی و سماه الخطیب غورث و غیره غورک و کان شجاعا فتهیأ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه و استخلف علی المدینة عثمان بن عفان و خرج منها فی أربعمائة و خمسین فارسا فلما سمعوا بمهبطه صلی اللّه علیه و سلم هربوا فی رءوس الجبال فسار علیه السلام الی أن بلغ ذی أمر فأصابوا رجلا منهم من بنی ثعلبة اسمه خیار فأدخل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاه الی الاسلام فأسلم و ضمه الی بلال و لم یقع فی تلک الغزوة قتال و لکن کانوا یرونهم من بعید متحصنین بقلل الجبال و أقام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بذی أمر ثلاثة أیام و فی الیوم الرابع خرج من بین العسکر لحاجة له و کانت السماء ترش فأصابه مطر و نزع ثوبیه و نشرهما علی شجرة للجفاف و اضطجع تحتها و هم ینظرون فقالوا لدعثور و هو سیدهم و أشجعهم قد انفرد محمد فعلیک به فان استطعت ان تفتک به فافعل فأخذ دعثور سیفه و نزل إلیه حتی قام علیه فلم ینتبه صلّی اللّه علیه و سلم الا و هو قائم و السیف فی یده صلتا فقال من یعصمک منی الآن قال اللّه فدفعه جبریل فی نحره فسقط السیف من یده فأخذه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قام علیه و قال من یمنعک منی الآن قال لا أحد و قال کن خیر آخذ فترکه و عفا عنه فقال أشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه و اللّه لا أجمع الناس لحربک أبدا فدفع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیه سیفه فقال دعثور و اللّه انک لخیر منی و رجع الی قومه فقالوا له أین ما کنت تقول و قد مکنک اللّه منه فقال انی نظرت الی رجل أبیض طویل دفع فی صدری فوقعت لظهری فسقط السیف فعرفت انه ملک و أن محمدا رسول اللّه فأسلم دعثور و دعا قومه الی الاسلام و قیل ان قوله تعالی یا أیها الذین آمنوا اذکروا نعمة اللّه علیکم إذ همّ قوم الآیة نزلت فی تلک القصة* و فی روایة الخطابی ان غویرث بن الحارث المحاربی أراد أن یفتک برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی معالم التنزیل غویرث بن الحارث المحاربی و فیه انه علیه السلام غزا محاربا و بنی أنمار فنزلوا و لا یرون من العدوّ أحدا فوضعوا أسلحتهم و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لحاجة له و قد وضع سلاحه حتی قطع الوادی و السماء ترش فحال السیل بیته و بین أصحابه فجلس فی ظل شجرة فبصر به غویرث بن الحارث فقال قتلنی اللّه ان لم أقتله ثم انحدر من الجبل و معه السیف و لم یشعر به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الا و هو قائم علی رأسه منتضیا سیفه فقال یا محمد من یعصمک منی الآن قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللّه ثم قال اللهم اکفنی غویرث بن الحارث بما شئت ثم أهوی بالسیف الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیضربه فانکب لوجهه لزلخة زلخها بین کتفیه و ندر السیف من یده و فی القاموس الزلخة کفترة وجع الظهر فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذه ثم قال یا غویرث من یمنعک منی الآن قال لا أحد قال اشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله و أعطیک سیفک قال لا و لکن أشهد أن لا أقاتلک أبدا و لا أعین علیک عدوّا فأعطاه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سیفه فقال غویرث و اللّه لانت خیر منی قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أجل أنا أحق بذلک منک فرجع غویرث الی أصحابه فقالوا ویلک ما منعک منه قال لقد أهویت إلیه بالسیف لا ضربه فو اللّه ما أدری من زلخة بین کتفی فخررت و ذکر حاله قال و سکن الوادی فقطع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الوادی الی أصحابه فأخبرهم الخبر و قرأ علیهم ما نزل علیه و هو قوله تعالی و لا جناح علیکم ان کان بکم أذی من مطر الآیة و کذا فی الشفاء القصة بحالها الا انه قال فیه و نزلت یأیها الذین آمنوا اذکروا نعمة اللّه علیکم إذ همّ قوم الآیة* و فی صحیح البخاری عن جابر انه غزا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقفل فأدرکته القائلة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:416
فی واد کثیر العضاه فنزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تفرق الناس یستظلون بالشجر و نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تحت سمرة و علق بها سیفه و نمنا نومة فاذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یدعونا فاذا عنده اعرابی و قال ان هذا اخترط علیّ سیفی و أنا نائم فاستیقظت و هو فی یده صلتا فقال ما یمنعک منی قلت اللّه فشام السیف فها هو ذا جالس ثم لم یعاقبه و فی روایة عن أبی هریرة أن الاعرابی سلّ سیفه و قال من یمنعک منی یا محمد قال اللّه فرعدت ید الاعرابی و سقط السیف من یده و یضرب برأسه الشجرة حتی انتثر دماغه کذا فی معالم التنزیل* ثم رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و کانت غیبته فی تلک الغزوة احدی عشرة لیلة و یقال کانت قصة الاعرابی فی ذات الرقاع و لا مانع من تعدّد ذلک و کانّ أبا حاتم رأی اتحادهما فلم یذکر ذات الرقاع و عند بعضهم هی بنخل فلذلک لم یذکرها أیضا و اللّه أعلم*

غزوة بحران‌

و فی هذه السنة کانت غزوة بحران و تسمی غزوة بنی سلیم من ناحیة الفرع بفتح الفاء و الراء کما قیده السهیلی* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما رجع صلّی اللّه علیه و سلم من غزوة غطفان الی المدینة لبث بها شهر ربیع الاوّل کله الا قلیلا منه ثم غزا یرید قریشا و استعمل علی المدینة ابن أم مکتوم فیما قاله ابن هشام حتی بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحیة الفرع فأقام به شهر ربیع الآخر و جمادی الاولی ثم رجع الی المدینة و سببها انه بلغه علیه السلام أن بها جمعا کثیرا من بنی سلیم فخرج فی ثلاثمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا فی میاههم فرجع و لم یلق کیدا و کان قد استعمل علی المدینة ابن أمّ مکتوم و کانت غیبته عشر لیال‌

* سریة زید بن حارثة الی قردة

و فی هذه السنة لهلال جمادی الآخرة کانت سریة زید بن حارثة الی قردة بالقاف کشجرة ماء بنجد کذا فی خلاصة الوفاء و قیل بالفاء و کسر الراء کما ضبطه ابن الفرات اسم ماء من میاه نجد کذا فی المواهب اللدنیة و سببها علی ما قاله ابن اسحاق ان قریشا بعد ما وقعت وقعة بدر خافوا سلوک طریقهم التی کانوا یسلکونها الی الشام قبل أعنی طریق الحجاز فعدلوا عنها و سلکوا طریق العراق و کان فی هذه العیر أبو سفیان بن حرب و صفوان بن أمیة و حویطب بن عبد العزی و عبد اللّه بن أبی ربیعة و کانت معهم فضة کثیرة هی معظم تجارتهم فبعث إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زید بن حارثة فی خمسمائة راکب و هی أوّل سریة أمر فیها زید فساروا حتی أدرکوها بالقردة فهرب رؤساء القوم و أسروا فرات بن حیان و ساقوا العیر و الاموال الی المدینة فبلغ الخمس من تلک الغنیمة عشرین ألفا و فیها قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیر أمراء السرایا زید بن حارثة أعدلهم بالرعیة و أقسمهم بالسویة و عند ابن سعد بعثه صلی اللّه علیه و سلم لهلال جمادی الآخرة علی رأس ثمانیة و عشرین شهرا من الهجرة فی مائة راکب یعترض عیرا لقریش فیها صفوان بن أمیة و حویطب بن عبد العزی و معهم مال کثیر و آنیة فضة فأصابوها فقدموا بالعیر علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و خمسها فبلغ الخمس قیمة عشرین ألف درهم و عند مغلطای خمسة و عشرین ألف درهم و ذکرها ابن اسحاق قبل قتل ابن الاشرف کذ فی المواهب اللدنیة*

سریة زید بن حارثة الی قردة

و فی شعبان هذه السنة علی الاصح و قیل فی السنة التی قبلها کذا فی الوفاء علی رأس ثلاثین شهرا من الهجرة قبل أحد کذا فی المنتقی و قیل فی أربعة و عشرین من رمضان هذه السنة علی ما فی تاریخ الیافعی تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حفصة بنت عمر بن الخطاب و کانت قبله تحت حبیش بن حذافة السهمی و کان من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و شهد بدرا و توفی عنها بالمدینة فلما قدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من بدر عرضها عمر علی أبی بکر فلم یجبه بشی‌ء ثم عرض بها علی عثمان فلم یجبه بشی‌ء فشکی عمر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه عرضت علی عثمان حفصة فأعرض عنی قال علیه السلام فان اللّه قد زوّج عثمان خیرا من ابنتک و زوّج ابنتک خیرا من عثمان فکان کذلک فزوّج عثمان أمّ کلثوم بعد رقیة و تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حفصة ثم طلقها فأتاها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:417
خالاها قدامة و عثمان فبکت و قالت و اللّه ما طلقنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن ملل روی انه لما بلغ عمر خبر طلاقها حتی علی رأسه التراب و قال ما یعبأ اللّه بعمرو ابنته بعد هذا فنزل جبریل من الغد و قال للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان اللّه یأمرک أن تراجع حفصة رحمة لعمر فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دخل علیها فقال ان جبریل أتانی فقال راجع حفصة فانها صوّامة قوّامة و هی زوجتک فی الجنة* و فی روایة انه صلّی اللّه علیه و سلم هم بطلاقها و ما طلقها* و روی عن عمر أنه قال لما تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قلت لابی بکر ما حملک علی ما صنعت قال ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان قد ذکرها فمن أجل ذلک سکت کذا فی المنتقی و کانت عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قریبا من ثمان سنین قال الواقدی توفیت حفصة فی شعبان سنة خمس و أربعین فی خلافة معاویة و هی ابنة ستین سنة کما سیجی‌ء و فی الصفوة فی خلافة عثمان بالمدینة مرویاتها فی الکتب المتداولة ستون حدیثا المتفق علیه منها أربعة أحادیث و فرد مسلم ستة أحادیث و الخمسون الباقیة فی سائر الکتب*

تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت خزیمة

و فی هذه السنة تزوّج رسول الی صلّی اللّه علیه و سلم زینب بنت خزیمة بن الحارث بن عبد اللّه بن عمرو بن عبد مناف ابن هلال و کانت تسمی فی الجاهلیة أمّ المساکین للین قلبها و کانت قبله تحت عبد اللّه بن جحش قاله ابن شهاب* و قال قتادة و أبو الحسن النسابة الجرجانی عند الطفیل بن الحارث بن عبد المطلب فطلقها فتزوّجها أخوه عبیدة بن الحارث فقتل عنها یوم بدر شهیدا فتزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی رمضان هذه السنة* و فی روایة علی رأس أحد و ثلاثین شهرا من الهجرة و أصدقها اثنتی عشرة أوقیة و نشا فمکثت عنده ثمانیة أشهر ذکره الفضائلی و قیل شهرین أو ثلاثا و توفیت و دفنت بالبقیع‌

* (ذکر میلاد الحسن)

* و سیجی‌ء میلاد الحسین فی الموطن الرابع فی السنة الرابعة من الهجرة* و فی منتصف رمضان هذه السنة سنة ثلاث من الهجرة ولد الحسن بن علیّ بن أبی طالب کذا فی الصفوة قال أبو عمرو و هذا أصح ما قیل فیه و قیل ولد للنصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة و قیل ولد بعد أحد بسنة و قیل بسنتین و کان بین أحد و الهجرة سنتان و ستة أشهر و نصف کذا فی أسد الغابة لابن الاثیر و یکنی أبا محمد و یلقب بالتقی* و قال الدولابی ولد لاربع سنین و ستة أشهر من الهجرة و حکی الاوّل اللیث بن سعد*

ذکر میلاد الحسین‌

قال الواقدی و حملت فاطمة بالحسین بعد مولد الحسن بخمسین لیلة و ولدته لخمس خلون من شعبان سنة أربع* و قال الزبیر بن بکار فی مولده مثل ذلک و عن جعفر بن محمد عن أبیه قال لم یکن بین الحسن و الحسین إلا طهر واحد* و قال قتادة ولد الحسین بعد الحسن بسنة و عشرة أشهر لخمس سنین و ستة أشهر من الهجرة* و قال ابن الدراع فی موالید أهل البیت لم یکن بینهما الا مدّة حمل البطن و کان مدّة حمل البطن ستة أشهر و قال لم یولد مولود قط لستة أشهر فعاش الا الحسین و عیسی ابن مریم* و فی روایة الا الحسین و یحیی بن زکریا* روی عن علیّ بن الحسین قال لما حان وقت ولادة فاطمة بعث إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أسماء بنت عمیس و أمّ أیمن حتی قرأتا علیها آیة الکرسی و المعوّذتین و عن أسماء بنت عمیس قالت قبلت فاطمة بالحسن فلم أر لها دما فقلت یا رسول اللّه انی لم أر لفاطمة دما فی حیض و لا نفاس فقال علیه السلام أ ما علمت أن ابنتی طاهرة مطهرة لا یری لها دم فی طمس و لا ولادة خرجه الامام علیّ بن موسی الرضا ذکره فی ذخائر العقبی*

(ذکر عقه صلّی اللّه علیه و سلم عنهما و أمره بحلق رءوسهما)

* عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عق عن الحسن و الحسین کبشا کبشا خرجه أبو داود و خرجه النسائی و قال کبشین کبشین* و عن علیّ عق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن الحسن و قال یا فاطمة احلقی رأسه و تصدّقی بزنة شعره فضة فوزناه فکان وزنه درهما أو بعض درهم خرجه الترمذی و قد روی عن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:418
فاطمة انها عقت عنهما و اعطت القابلة فخذ شاة و دینارا واحدا أخرجه الامام علیّ بن موسی الرضا عن أسماء بنت عمیس قالت عق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن الحسن یوم سابعه بکبشین أملحین و أعطی القابلة الفخذ و حلق رأسه و تصدّق بزنة الشعر ثم طلی رأسه بیده المبارکة بالخلوف ثم قال یا أسماء الدم من فعل الجاهلیة فلما کان بعد حول ولد الحسین فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففعل مثل الاوّل قالت و جعلته فی حجره فبکی علیه السلام قلت فداک أبی و أمی مم بکاؤک فقال ابنی هذا یا اسماء انه ستقتله الفئة الباغیة من امّتی لا أنا لهم اللّه شفاعتی یا أسماء لا تخبری فاطمة فانها قریبة عهد بولادة خرجه الامام علیّ بن موسی الرضا*

(ذکر ختانهما لسابعهما)

* عن جابر ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عق عن الحسن و الحسین و ختنهما لسبعة أیام*

(ذکر تسمیتهما یوم سابعهما)

* عن علیّ رضی اللّه عنه قال لما ولد الحسن سمیته حربا فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال أرونی ابنی ما سمیتموه قلنا حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسین سمیته حربا فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال أرونی ابنی ما سمیتموه قلنا سمیناه حربا قال بل هو حسین فلما ولد الثالث سمیته حربا فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال أرونی ابنی ما سمیتموه قلنا سمیناه حربا فقال بل هو محسن ثم قال انما سمیتهم بولد هارون شبر و شبیر و مشبر خرجه أحمد و أبو حاتم* و فی القاموس شبر کبقم و شبیر کقمیر و مشبر کمحدّث أبناء هارون علیه السلام* و عن عمران بن سلیمان قال الحسن و الحسین اسمان من أسماء أهل الجنة لم یکونا فی الجاهلیة خرجه الدولابی* و فی أسد الغابة لابن الاثیر قال أبو أحمد العسکری سمی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الحسن و کناه أبا محمد فلم یکن یعرف هذا الاسم فی الجاهلیة* و روی عن ابن الاعرابی عن المفضل قال ان اللّه تعالی حجب اسم الحسن و الحسین حتی سمی بهما النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابنیه الحسن و الحسین قال فاللذین بالیمن هما حسن ساکن السین و حسین بفتح الحاء و کسر السین و لا یعرف قبلهما الا اسم رملة فی بلاد ضبة و عندها قتل بسطام بن قیس الشیبانی* و عن جعفر بن محمد عن أبیه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اشتق اسم حسن و حسین من حسن و سمی حسنا و حسینا یوم سابعهما خرّجه الدولابی و خرج البغوی نحوه*

(ذکر تسمیتهما الحسن و الحسین کان بأمر اللّه و تأذینه صلّی اللّه علیه و سلم فی اذنهما)

* عن علیّ قال لما ولد الحسن سماه حمزة فلما ولد الحسین سماه باسم عمه جعفر قال فدعانی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال انی أمرت أن أغیر اسم هذین فقلت اللّه و رسوله أعلم فسماهما حسنا و حسینا* و عن اسماء بنت عمیس قالت قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا اسماء هلمی ابنی فدفعته إلیه فی خرقة صفراء فألقاها عنه قائلا أ لم اعهد إلیکنّ أن لا تلفوا مولودا فی خرقة صفراء فلفیته بخرقة بیضاء فأخذه و أذن فی أذنه الیمنی و اقام فی الیسری ثم قال لعلیّ أی شی‌ء سمیت ابنی قال ما کنت لا سبقک بذلک فقال و لا أنا سابق ربی به فهبط جبریل فقال یا محمد ان ربک یقرئک السلام و یقول لک علیّ منک بمنزلة هارون من موسی و لکن لا نبیّ بعدک فسمّ ابنک هذا باسم ولد هارون فقال و ما کان اسم ابن هارون یا جبریل قال شبر فقال صلّی اللّه علیه و سلم ان لسانی عربی فقال سمه الحسن ففعل صلّی اللّه علیه و سلم فلما کان بعد حول ولد الحسین فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ذکرت مثل الاوّل و ساقت قصة التسمیة مثل الاوّل و ان جبریل أمره ان یسمیه باسم ولد هارون شبیر فقال له النبیّ مثل الاوّل فقال سمه حسینا خرجه الامام علیّ بن موسی الرضا* و عن ابی رافع قال رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أذن فی أذن الحسن حین ولدته فاطمة بالصلاة خرجه ابو داود و الترمذی و صححه*

(ذکر ارضاع أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب الحسن بلبن ابنها قثم)

* عن قابوس بن المخارق ان أمّ الفضل قالت یا رسول اللّه رأیت کانّ عضوا من أعضائک فی بیتی فقال خیرا رأیتیه تلد فاطمة غلاما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:419
فترضعیه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم خرجه الدولابی و البغوی فی معجمه قالت فجئت به الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فوضعته فی حجره فبال فضربت کتفه فقال علیه السلام أوجعت ابنی رحمک اللّه* و فی الصفوة عن علیّ قال الحسن أشبه الناس بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما بین الصدر الی الرأس و الحسین أشبه الناس بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما کان أسفل من ذلک* و فی ذخائر العقبی مثل ذلک عن أبی هریرة قال لا ازال أحب هذا الرجل یعنی الحسن بن علیّ بعد ما رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یصنع به ما یصنع قال رأیت الحسن فی حجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یدخل أصابعه فی لحیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یدخل لسانه فی فیه ثم یقول اللهم انی أحبه کذا فی ذخائر العقبی‌

* (ذکر صفته)

* فی ذخائر العقبی کان أبیض مشربا حمرة ادعج العینین سهل الخدّین کث اللحیة ذا وفرة کانّ عنقه ابریق فضة عظیم الکرادیس بعید ما بین المنکبین ربعة لیس بالطویل و لا بالقصیر من أحس الناس وجها و کان یخضب بالسواد و کان جعد الشعر حسن البدن ذکره الدولابی و غیره* و عن زادان بن منصور قال رأیت الحسن بن علی یخضب بالحناء و الکتم و عن عبد الرحمن بن روح عن أنس قال کان الحسن و الحسین یخضبان بالسواد الا أن الحسن ترک عنفقته بیضاء خرجه ابن الضحاک و خرجه أیضا عن أبی بکر بن أبی شیبة ان الحسن کان یخضب بالحناء و الکتم و خرج عن أنس ان الحسین کان یخضب بالوشمة* فی الصفوة عن محمد بن علیّ قال الحسن انی لاستحیی من ربی عز و جل أن ألقاه و لم امش الی بیته فمشی عشرین مرة من المدینة علی رجلیه* و عن علیّ بن زید قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشیا و ان النجائب لتقاد معه و خرج من ماله مرّتین و عاش بعد أبیه ثمان سنین و اربعة أشهر و خمسة عشر یوما و ستجی‌ء خلافته و وفاته و بعض احواله و ذکر اولاده فی الخاتمة*

غزوة أحد

اشارة

و فی هذه السنة وقعت غزوة أحد و هو جبل مشهور بالمدینة علی اقل من فرسخ منها و سمی بذلک لتوحده و انقطاعه عن جبال أخر هناک و یقال له ذو عینین قال فی القاموس بکسر العین و فتحها مثنی جبل بأحد انتهی و هو الذی قال فیه صلّی اللّه علیه و سلم أحد جبل یحبنا و نحبه قیل و فیه قبر هارون أخی موسی علیهما السلام و کانت عنده الوقعة المشهورة یوم السبت فی شوّال سنة ثلاث بالاتفاق کذا فی المواهب اللدنیة و شذ من قال سنة اربع و قال ابن اسحاق لاحدی عشرة لیلة خلت منه و قیل لسبع لیال و قیل لثمان و قیل لتسع و قیل فی نصفه و عن مالک بعد بدر بسنة و عنه أیضا کانت علی رأس احدی و ثلاثین شهرا من الهجرة کذا فی الوفاء و کان سببها کما ذکره ابن اسحاق عن شیوخه و موسی بن عقبة عن ابن شهاب و ابو الاسود عن عروة و ابن سعد لما قتل اللّه من قتل من کفار قریش یوم بدر و رجع الی مکة من بقی ممن حضر بدرا من فلهم وجدوا العیر التی قدم بها أبو سفیان من الشأم سالمة موقوفة فی دار الندوة فمشت اشراف قریش مثل عبد اللّه بن ربیعة و صفوان بن أمیّة و عکرمة بن ابی جهل فی جماعة ممن اصیب آباؤهم و اخوانهم و أبناؤهم یوم بدر الی أبی سفیان فقالوا نحن طیبو الانفس بأن نجهز بربح هذه العیر جیشا الی محمد و هو قد وترنا و قتل خیارنا فنتعاون بهذا المال علی حرب محمد لعلنا ان ندرک منه ثارا فقال أبو سفیان أنا اوّل من اجاب الی ذلک و بنو عبد المطلب معی* و فی الوفاء فکلموا ابا سفیان و من کان له فی العیر مال فی الاستعانة بها علی حرب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففعلوا و کانت الف بعیر و المال خمسین الف دینار فلم الی اهل العیر رءوس اموالهم و عزلت الارباح و کانوا یربحون فی تجارتهم الدینار دینارا و جهزوا الجیش بذلک و فیهم نزلت ان الذین کفروا ینفقون اموالهم لیصدّوا عن سبیل اللّه فسینفقونها ثم تکون علیهم حسرة ثم یغلبون فبعثوا الرسل الی القبائل یستنصرونهم و حرکوا من أطاعهم من قبائل بنی کنانة و أهل تهامة فخرجت قریش بحدها وجدها و أحابیشها و من تابعها من بنی کنانة و أهل تهامة و خرجوا معهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:420
بالظعن لئلا یفرّوا و لیذکرنهم قتلی بدر و یغنین و یضر بن بالدفوف لیکون أجد لهم فی القتال فخرج أبو سفیان و کان قائدهم بهند بنت عتبة و خرج عکرمة بن أبی جهل بأمّ حکیم بنت الحارث و خرج الحارث ابن هشام بفاطمة بنت الولید بن المغیرة و خرج صفوان بن أمیّة ببرزة بنت مسعود الثقفیة و یقال رقیة و خرج عمرو بن العاص بریطة ببنت منبه بن الحجاج و هی أمّ عبد اللّه بن عمرو و خرج طلحة بن ابی طلحة و اسم ابی طلحة عبد اللّه بن عبد العزی بسلافة بنت سعد بن شهید الانصاریة و هی أم بنی طلحة مسافع و الحارث و الجلاس و کلاب قتلوا یومئذ هم و ابوهم طلحة و خرجت خناس بنت مالک بن المضرب احدی نساء بنی الحارث و کذلک سائر اشرافهم خرجوا بنسائهم و کان جبیر بن مطعم أمر غلامه وحشیا الحبشی بالخروج مع الناس و قال له ان قتلت حمزة عم محمد بعمی طعیمة بن عدی فأنت عتیق و کانت هند بنت عتبة کلما مرّت بوحشی فی المسیر أو مرّ بها قالت ویها یا أباد سمة اشف و اشتف و کان وحشی یکنی بأبی دسمة فکتب العباس بن عبد المطلب و هو یومئذ بمکة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخبره بمسیر قریش الی حربه و بکیفیة أحوالهم و کمیة اعدادهم و ختم الکتاب و استأجر رجلا من بنی غفار و بعثه الی المدینة و شرط ان یأتیها فی ثلاثة ایام و لیالیها فقدم الغفاری المدینة و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان بقباء فذهب إلیه فلقیه بباب المسجد حین یرید أن یرکب فأعطاه الکتاب ففتح علیه السلام ختمه و أعطاه ابیّ بن کعب فقرأه علیه فاذا فیه مسیر قریش الی حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأوصاه بکتمانه و ذهب الی منزل سعد بن الربیع فأخبره الخبر فقال سعد خیرا فانصرف النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و استکتمه الخبر فدخلت امرأة سعد و قالت انی سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول کذا و کذا فاسترجع سعد و أخذ المرأة ثم خرج بها یسرع حتی أدرکا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الطریق و قد علاها النفس فقال یا رسول اللّه هذه تقول سمعت ما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخاف أن یفشو فتحسب انی أفشیت قال أرسلها فوقعت الاراجیف فی المدینة فقالت الیهود و المنافقون ان هذا الرجل الذی جاء من مکة ما جاء بخبر یسرّ محمدا ففشا الخبر بأن المشرکین قد خرجوا من مکة بقصد المدینة و لحق بهم ابو عامر الراهب مع خمسین رجلا من قومه و فی جیشهم ثلاثة آلاف رجل منها سبعمائة دارع و مائتا فرس و ألف بعیر و خمسة عشر هودجا و خرج فیها جمیع اشراف قریش مثل أبی سفیان و الاسود بن المطلب و جبیر بن مطعم و صفوان بن أمیة و عکرمة بن أبی جهل و الحارث بن هشام و عبد اللّه بن ربیعة و حویطب بن عبد العزی و خالد ابن الولید و أبو عزة الشاعر و اسمه عمرو بن عبد اللّه الجمحی و امثالهم و استقرّ قیادة الجیش و رئاستها علی أبی سفیان بن حرب و کان ابو عزة الشاعر قد أسر یوم بدر فمنّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أطلقه لفقره و عیاله و أخذ علیه العهد أنه لا یکثر علی المسلمین و لا یعود انی حربهم و قد مرّ فی غزوة بدر فلما خرج المشرکون الی أحد تخلف عنهم بمکة و أقام بها فمشی إلیه صفوان ابن أمیة و قال له یا ابا عزة انک شاعر فأعنا بلسانک فاخرج معنا فقال ان محمدا قد منّ علیّ فلا أرید أن أمیة و قال له یا ابا عزة انک شاعر فأعنا بنفسک فلک علیّ ان رجعت أن أغنیک و ان أصبت أن أجعل بناتک مع بناتی یصیبهنّ ما أصابهنّ من عسر و یسر فخرج ابو عزة یسیر فی تهامة یدعو الناس الی الحرب* و فی الوفاء أقبل المشرکون حتی نزلوا بعینین جبل ببطن السبخة من قناة علی شفیر الوادی مقابل المدینة قاله ابن اسحاق* و وادی قناة خلف عینین بینه و بین أحد فنزلوا أمام عینین مما یلی المدینة و فی غربیه لجهة بئر رومة* و قال المطری ان أبا سفیان سار بجمعه حتی طلعوا من بین الجماوین ثم نزلوا ببطن الوادی الذی قبل أحد فنزلوا برومة من وادی العقیق و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:421
نزولهم یوم الجمعة و قال ابن اسحاق یوم الاربعاء* و فی روضة الاحباب فبعث إلیهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عینین انسا و مؤنسا ابنی فضالة فرجعا إلیه و أخبراه بافساد المشرکین و سرحهم الظهر فی زروع عریض* و فی معجم ما استعجم و سرّحوا الظهر فی زروع کانت للمسلمین* و فی خلاصة الوفاء عریض تصغیر عرض واد عریض شرقی الحرة الشرقیة قرب قناة* و فی معجم ما استعجم عریض موضع من أرجاء المدینة فیه أصول نخل* و فی القاموس عریض کزبیر واد بالمدینة به أموال لاهلها ثم بعث إلیهم حباب بن المنذر عینا فدخل فی جیشهم و حزرهم ثم رجع و أخبر بکمیتهم و کیفیتهم موافقا لما کتبه العباس فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حسبنا اللّه و نعم الوکیل بک أصول و بک أحول* و فی الکشاف و معالم التنزیل عن ابن اسحاق و السدی ان المشرکین نزلوا بأحد یوم الاربعاء الثانی عشر من شوّال سنة ثلاث من الهجرة و أقاموا بها الاربعاء و الخمیس و الجمعة و بات لیلة الجمعة التی فی سبتها وقعت الحرب سعد بن معاذ و سعد بن عبادة و أسید بن حضیر مع جماعة من شجعان الصحابة مسلحین فی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بابه یحرسون و حرست المدینة تلک اللیلة و رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی تلک اللیلة لیلة الجمعة رؤیا فلما أصبح قال انی و اللّه قد رأیت خیرا رأیت بقرا تذبح و رأیت فی ذباب سیفی ثلما و رأیت انی أدخلت یدی فی درع حصینة فأوّلتها المدینة فأما البقر فناس من أصحابی یقتلون و اما الثلم الذی رأیت فی ذباب سیفی فهو رجل من أهل بیتی یقتل* و قال ابن عقبة و تقول رجال کان الذی فی سیفه ما قد أصاب وجهه فان العدوّ أصابوا وجهه الشریف یومئذ و کسروا رباعیته و جرحوا شفته کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء قال رأیت البارحة فی منامی بقرا تذبح و رأیت سیفی ذا الفقار انقصم من عند ضبته أو قال به فلول فکرهته و هما و اللّه مصیبتان و رأیت انی فی درع حصینة و انی مردف کبشا قالوا و ما أوّلتها قال اوّلت البقر بقرا یکون فینا و اوّلت الکبش کبش الکتیبة و اوّلت الدرع الحصینة المدینة فامکثوا فان دخل القوم الازقة قاتلناهم و رموا من فوق البیوت فان رأیتم أن تقیموا بالمدینة و تدعوهم و کان رأیه ان لا یخرج من المدینة فاستشار فی ذلک أصحابه و کان ذلک رأی اکابر الصحابة من المهاجرین و الانصار و دعا عبد اللّه بن ابیّ ابن سلول و لم یدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبید اللّه بن أبیّ و اکثر الصحابة یا رسول اللّه أقم بالمدینة لا تخرج إلیهم فو اللّه ما خرجنا منها الی عدوّ قط الا أصاب منا و لا دخل علینا الا و اصبنا منه کیف و أنت فینا فدعهم یا رسول اللّه فان اقاموا أقاموا بشرّ محبس و ان دخلوا قاتلهم الرجال فی وجوههم و رماهم النّساء و الصبیان بالحجارة من فوقهم و ان رجعوا رجعوا خائبین فأعجب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیه لکن طلب فتیان أحداث السنّ فاتهم یوم بدر و اکرمهم اللّه بالشهادة یوم أحد أن یخرجوا حرصا علی الشهادة فقالوا یا نبیّ اللّه کنا نتمنی هذا الیوم اخرج بنا الی اعدائنا لا یرون انا جبنا عنهم و أبی کثیر من الناس الا الخروج فغلبوا علی الامر حتی مال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الخروج و هوله کاره* روی انه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی الجمعة و خطب الناس و وعظهم و أمرهم بالجدّ و الجهاد و اعداد الجیش و التأهب للقتال و قد مات فی ذلک الیوم رجل من الانصار یقال له مالک بن عمرو أحد بنی النجار فصلی علیه ثم صلّی العصر و دخل البیت و معه أبو بکر و عمر فعمماه و لبساه وصف له الناس ینتظرون خروجه فخرج مسلحا قد لبس لأمته و هی بالهمز و قد یترک تخفیفا الدرع و شدّ وسطه بمنطقة من الادیم و اعتم و تقلد سیفه و ألقی الترس وراء ظهره و أخذ قناته بیده ثم أذن بالخروج فلما رأوه ندم ذو الرأی منهم علی ما صنعوا و قالوا بئس ما صنعنا نشیر علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الوحی یأتیه فقاموا و اعتذروا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:422
إلیه فقالوا یا رسول اللّه ما کان لنا ان نخالفک فاصنع ما بدا لک* و فی الوفاء امکث کما امرتنا فقال ما ینبغی لنبی اذا اخذ لأمة الحرب ان یرجع حتی یقاتل* و فی روایة أن یلبس لأمته فیضعها حتی یقاتل أو قال یحکم اللّه بینه و بین اعدائه فامضوا علی اسم اللّه فلکم النصر إن صبرتم فدعا بثلاثة ارماح فعقد ثلاثة ألویة فدفع لواء الاوس الی أسید بن حضیر و لواء الخزرج الی حباب بن المنذر بن الجموح و قیل الی سعد بن عبادة و لواء المهاجرین الی علیّ بن ابی طالب و فی روایة الی مصعب بن عمیر و استعمل علی المدینة ابن أم مکتوم للصلاة کذا فی سیرة ابن هشام و قیل ابن أبی مکرز ثم رکب فرسه السکب و توجه الی أحد* و فی الوفاء فخرج بهم و هم الف رجل و یقال تسعمائة لیس معهم فرس* و فی الوفاء أیضا عن الاقشهری مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فرسه و فرس لابی بردة بن نیار و کان المشرکون ثلاثة آلاف فیهم سبعمائة دارع و مائتا فرس و ثلاثة آلاف بعیر و خمس عشرة امرأة کما مر* و قال المطری خرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مع الناس علی الحرة الشرقیة حرة و اقم و بات بالشیخین موضع بین المدینة و أحد علی الطریق الشرقی مع الحرة الی جبل أحد و غد اصبح یوم السبت الی أحد* و فی خلاصة الوفاء شیخان بلفظ تثنیة شیخ أطمان بجهة الوالج سمیا بشیخ و شیخة کانا هناک بفضائها مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی به فی مسیره لاحد و عسکر هناک تلک اللیلة* و یؤخذ مما نقل ابن سید الناس عن ابن اسحاق و مما رواه الطبری أنهم خرجوا من ثنیة الوداع شامی المدینة* و فی الوفاء روی الطبرانی فی الکبیر و الاوسط برجال ثقات عن ابی حمید الساعدی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خرج یوم احد حتی اذا جاوز ثنیة الوداع فاذا هو بکتیبة خشناء فقال من هؤلاء قالوا عبد اللّه بن أبیّ ابن سلول فی ستمائة من موالیه الیهود فقال و قد أسلموا قالوا لا یا رسول اللّه قال مروهم فلیرجعوا فانا لا نستعین بالمشرکین علی المشرکین* و فی الکشاف و معالم التنزیل خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الف و قیل فی تسعمائة و خمسین و فیهم مائة دارع و خرج السعدان سعد بن معاذ و سعد بن عبادة مسلحین أمامه یعدوان و الناس عن یمینه و عن یساره فمضی حتی اذا کان بالشیخین و هما أطمان التفت فنظر الی کتیبة خشنة لها زجل فقال ما هذه قالوا حلفاء ابن ابیّ من یهود فقال علیه السلام لا تستنصروا بأهل الشرک و فی ذلک الموضع أی بالشیخین عرض عسکره و ردّ من استصغره مثل عبد اللّه بن عمر بن الخطاب و زید بن ثابت و اسامة بن زید و زید بن الارقم و البراء بن عازب و عمرو بن حزم و اسید بن ظهیر و عرابة بن أوس و ابی سعید الخدری اسمه سعد بن مالک بن سنان الخدری و سمرة بن جندب و رافع بن خدیج ردّهم یوم أحد و هم أبناء اربع عشرة سنة ثم أجازهم یوم الخندق و هم أبناء خمس عشرة سنة و لما امر بردّ هؤلاء الی المدینة لصغر سنهم قال خدیج یا رسول اللّه ان ابنی رافعا رام و کان رافع یومئذ یتطاول من الشغف علی الخروج فأذن له فیه فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مرّة بن سنان أذن لرافع و ردّنی و انا أصرعه فأمرهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالمصارعة فصرع سمرة رافعا فأذن له أیضا فی الخروج و لما غربت الشمس أذن بلال المغرب فصلوها بالجماعة و باتوا لیلتئذ بالشیخین و عین لحراسة الجیش تلک اللیلة محمد بن مسلمة فی خمسین رجلا یطوفون بالجیش و عین المشرکون لحراسة جیشهم عکرمة بن ابی جهل فی جماعة یحرسونهم* روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما صلّی العشاء قال من یحرسنا اللیلة فقام رجل و قال أنا یا رسول اللّه قال من أنت قال ذکوان قال اجلس فجلس ثم قال من یحرسنا اللیلة فقام رجل و قال أنا یا رسول اللّه قال من أنت قال أبو سبع قال اجلس فجلس ثم قال من یحرسنا اللیلة فقام الرجل و قال أنا یا رسول اللّه فقال له من أنت قال ابن عبد القیس قال اجلس فجلس فمکث غیر بعید حتی أمر بقیام هؤلاء الثلاثة فقام ذکوان
وحده
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:423
فسأله عن صاحبیه فقال یا رسول اللّه أنا کنت المجیب فی کل مرة قال اذهب حفظک اللّه فلبس ذکوان لأمته و اخذ قوسه و حمل سلاحه و ترسه فکان یطوف بالعسکر و یحرس خیمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لما کان السحر استیقظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال من رجل یخرج بنا علی القوم من کثب أی من قرب و من طریق لا یمر بنا علیهم فقال أبو خیثمة أخو بنی حارثة أنا یا رسول اللّه فرکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرسه فأدلج فی السحر و سلک فی حرة بنی حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب کلب سیف فاستله و یقال کلاب سیف فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان یحب الفال و لا یعتاف یا صاحب السیف شم سیفک فانی أری السیوف ستسل الیوم ثم نفذ به دلیله أبو خیثمة فی حرة بنی حارثة و بین اموالهم حتی سلک فی مال لمربع بن قبطی و کان منافقا ضریر البصر فلما سمع حس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من معه قام یحثی فی وجوههم التراب و یقول ان کنت رسول اللّه فانی لا أحل لک حائطی* و ذکر انه أخذ حفنة من تراب ثم قال و اللّه لو أعلم انی لا اصیب بها غیرک یا محمد لضربت بها وجهک فابتدر إلیه القوم لیقتلوه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تقتلوه فهذا الاعمی أعمی القلب و اعمی البصر و مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الکشاف و لما بلغ الشوط اختزل ابن أبیّ فی ثلاثمائة من أهل النفاق* و فی روایة أمرهم بالانصراف لکفرهم بمکان یقال له الشوط* و فی روایة اعتزل ابن أبی من الشیخین و رجع فقال محمد عصانی و أطاع الولدان ما ندری علام نقتل أنفسنا هاهنا أیها الناس ارجعوا فرجع بمن تبعه من قومه من أهل النفاق و الریب* و فی معالم التنزیل اعتزل بثلث الناس و قال علام نقتل أنفسنا و اولادنا* و فی سیرة ابن هشام و تبعهم عمرو بن حزم الانصاری أحد بنی سلمة و قال أنشدکم اللّه فی نبیکم و أنفسکم فقال ابن أبیّ لو نعلم قتالا لا تبعناکم و لو أطعتنا لرجعت معنا* و فی سیرة ابن هشام یا قوم أذکرکم اللّه أن تخذلوا قومکم و نبیکم عند ما حضر من عدوّهم قالوا لو نعلم انکم تقاتلون لما أسلمناکم و لکنا لا نری أن یکون قتال فلما استعصوا علیه و أبوا الا الانصراف قال أبعدکم اللّه أعداء اللّه فسیغنی اللّه عنکم نبیه فبقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی سبعمائة من أصحابه* و فی الوفاء فلما رجع عبد اللّه بن أبیّ سقط فی أیدی طائفتین من المؤمنین و هما بنو حارثة و بنو سلمة قال اللّه تعالی إذ همت طائفتان منکم أن تفشلا الآیة* و فی الکشاف و أصبح بشعب أحد یوم السبت و نزل فی عدوة الوادی و فی معالم التنزیل للنصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة* و فی الوفاء لما انتهی صلّی اللّه علیه و سلم الی موضع القنطرة حانت الصلاة فصلی بهم الصبح صفوفا علیهم سلاحهم* قال مجاهد و الکلبی و الواقدی غدا رسول اللّه من منزل عائشة علی رجلیه الی أحد فجعل یصف أصحابه للقتال کما یقوّم القدح* و فی الاکتفاء مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی نزل الشعب من أحد فجعل ظهره و عسکره الی أحد و قال لا یقاتلن أحد حتی نأمر بالقتال و قد سرحت قریش الظهر و الکراع فی زروع کانت للمسلمین فقال رجل من الانصار أ ترعی زروع بنی قیلة و لما نضارب* و تعبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للقتال و هو فی سبعمائة رجل فجعل عکاشة بن محصن الاسدی علی المیمنة و أبا سلمة بن عبد الاسد علی المیسرة و أبا عبیدة عامر بن الجرّاح و سعد بن أبی وقاص علی المقدّمة و مقداد بن عمرو علی الساقة فجعل أحدا خلف ظهره و استقبل المدینة و جعل عینین و هو جبل علی شفیر قناة قبلی مشهد حمزة عن یساره و کانت فیه ثغرة فأقام علیها خمسین رجلا من الرماة و أمر علیهم عبد اللّه بن جبیر أخا بنی عمرو بن عوف و هو معلم بثیاب بیض فقال انضح الخیل عنا لا یأتونا من خلفنا ان کانت لنا أو علینا فاثبت فی مکانک لا نؤتین من قبلک* و فی روایة قال لهم ان رأیتمونا تختطفنا الطیر فلا تبرحوا من مکانکم هذا حتی
أرسل إلیکم و ان رأیتمونا هزمنا القوم و أوطأناهم فلا تبرحوا حتی أرسل إلیکم کذا فی البخاری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:424
من حدیث البراء* و فی حدیث ابن عباس عند الطبرانی و الحاکم انه صلّی اللّه علیه و سلم أقامهم فی موضع ثم قال احموا ظهورنا فان رأیتمونا نقتل فلا تنصرونا و ان رأیتمونا قد غنمنا فلا تشرکونا و ظاهر رسول اللّه بین درعین و دفع اللواء الی مصعب بن عمیر من بنی عبد الدار و کان شعار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد أمت أمت فیما قاله ابن هشام و تعبأت قریش و هم ثلاثة آلاف و معهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا علی میمنة الخیل خالد بن الولید و علی المیسرة عکرمة بن أبی جهل و أمروا علی الخیل صفوان بن أمیة و عمرو بن العاص و علی الرماة عبد اللّه بن ربیعة و کانوا مائة رام و دفعوا اللواء الی طلحة ابن أبی طلحة و کان معه یوم بدر و جعلوا شعارهم یا لعزی یا لهبل و نقل الاقشهری أن ابا سفیان بن حرب قال یومئذ لبنی عبد الدار انکم ضیعتم اللواء یوم بدر فأصابنا ما رأیتم فادفعوا اللواء إلینا نکفکم و انما أراد تحریضهم علی القتال و الثبات فغضبوا و أغلظوا له* و فی الاکتفاء قال لهم یا بنی عبد الدار انکم قد ولیتم لواءنا یوم بدر فأصابنا ما قد رأیتم و انما یؤتی الناس من قبل رایاتهم اذا زالت زالوا فاما أن تکفونا لواءنا و اما أن تخلوا بیننا و بینه فنکفیکموه فهموا به و تواعدوا و قالوا أ نحن نسلم إلیک لواءنا ستعلم غدا اذا التقینا کیف نصنع و ذلک ما أراد أبو سفیان* و فی المواهب اللدنیة ثم صف المسلمون بأصل احد وصف المشرکون بالسبخة قاله ابن عقبة فسأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عمن یحمل لواء المشرکین قیل عبد الدار قال نحن احق بالوفاء منهم أین مصعب بن عمیر فقال ها أنا قال خذ اللواء فأخذه و کان یمشی أمام رسول اللّه* و فی معالم التنزیل فجاءت قریش و علی میمنتهم خالد بن الولید و علی میسرتهم عکرمة بن أبی جهل و معهم النساء یضر بن بالدفوف و الاکبار و یحرّضن و یرتجزن و یقلن
نحن بنات طارق‌نمشی علی النمارق
مشی القطا النوانق‌الدرّ فی المخانق
و المسک فی المفارق
ان تقبلوا نعانق‌و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غیر وامق
و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما التقی الناس و دنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة فی النسوة اللاتی معها و أخذن الدفوف یضر بن بها خلف الرجال و یحرّضنهم فقالت هند فیما تقول
ویها بنی عبد الدارویها حماة الادبار
ضربا بکل بتار
و تقول
ان تقبلوا نعانق‌و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق‌فراق غیر وامق و فی المنتقی و کان اوّل من أنشب الحرب و رمی بالسهم فی وجوه المسلمین ابو عامر الراهب طلع فی خمسین رجلا من قومه فنادی أنا أبو عامر فقال المسلمون لا مرحبا بک و لا أهلا یا فاسق فتراموا حتی ولی مدبرا* و فی الوفاء کان أبو عامر الراهب من الاوس خرج عن قومه الی مکة مباعدا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان یعد قریشا أن لو لقی قومه لم یختلف علیه منهم رجلان فلما التقی الناس کان اوّل من لقیهم هو فی الاحابیش و عبدان أهل مکة فنادی یا معشر الاوس أنا ابو عامر قالوا فلا انعم اللّه بک عینا یا فاسق و بذلک سماه رسول اللّه و کان یسمی فی الجاهلیة الراهب فلما سمع ردّهم علیه قال لقد أصاب قومی بعدی شرّ ثم قاتلهم قتالا شدیدا ثم راضخهم بالحجارة* و فی الاکتفاء فاقتتل الناس حتی حمیت الحرب و قاتل أبو دجانة سماک بن خرشة أخو بنی ساعدة حتی أمعن فی الناس و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخذ سیفا بیده و کان مکتوبا فی احدی صفحتیه
فی الجبن عار و فی الاقبال مکرمةو المرء بالجبن لا ینجو من القدر و قال من یأخذ هذا السیف بحقه فطلبه ناس فلم یعطهم ایاه* و فی الینابیع طلبه أبو بکر و عمر و علی فلم یعطهم ایاه فقال أبو دجانة ما حقه یا رسول اللّه قال أن تضرب به فی العدوّ حتی ینحنی فقال أنا آخذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:425
بحقه فأخذه ثم أهوی الی ساق حفه فأخرج منها عصابة حمراء و عصب بها رأسه و کان مکتوبا فی أحد طرفیها نصر من اللّه و فتح قریب و فی طرفها الآخر الجبانة فی الحرب عار و من فرّ لم ینج من النار و فی الاکتفاء قام إلیه رجال فأمسکه عنهم حتی قام إلیه أبو دجانة سماک بن خرشة الانصاری و قال ما حقه یا رسول اللّه قال ان تضرب به فی العدوّ حتی تثخن* و فی روایة ینحنی قال یا رسول اللّه أنا آخذه بحقه فأعطاه ایاه و کان أبو دجانة رجلا شجاعا یختال عند الحرب و کان اذا علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس انه سیقاتل فلما أخذ السیف من ید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخرج عصابته تلک فعصب بها رأسه و جعل یتبختر بین الصفین فقال رسول اللّه حین رآه یتبختر انها المشیة یبغضها اللّه الا فی مثل هذا الموطن و کان الزبیر بن العوام قد سأل رسول اللّه ذلک السیف مع من سأله و منعه ایاه قال وجدت فی نفسی حین سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم السیف فمنعنیه و أعطاه ابا دجانة و قلت أنا ابن صفیة عمته و من قریش و قد قمت إلیه و سألته ایاه قبله فأعطاه ایاه و ترکنی و اللّه لا نظرن ما یصنع أبو دجانة فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه فقالت الانصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت و هکذا کانت تقول له اذا تعصب بها فخرج و هو یقول
أنا الذی عاهدنی خلیلی‌و نحن بالسفح لدی النخیل
أن لا اقوم الدهر فی الکبول‌اضرب بسیف اللّه و الرسول الکیول بفتح الکاف و تشدید المثناة التحتیة مؤخر الصفوف و هو فیعول من کال الزند کیلا اذا کبا و لم یخرج نارا فشبه مؤخر الصفوف به لان من فیه لا یقاتل قال أبو عبیدة لم یسمع الا فی هذا الحدیث فجعل لا یلقی أحدا من المشرکین الا قتله* و فی سح السحابة و قاتل به حتی انقطع فی یده انتهی و کان فی المشرکین رجل لا یدع جریجا الا ذفف علیه فجعل کل واحد منهما یدنو من صاحبه فدعوت اللّه أن یجمع بینهما فالتقیا فاختلفا ضربتین فضرب المشرک أبا دجانة فاتفاه بدرقته فعضت بسیفه و ضربه أبو دجانة فقتله ثم رأیته قد حمل علی مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السیف عنها قال الزبیر قلت اللّه أعلم و رسوله قال أبو دجانة رأیت انسانا یحمش الناس حمشا شدیدا فصمدت إلیه فلما حملت علیه السیف ولول فاذا امرأة فأکرمت سیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان اضرب به امرأة* و فی الوفاء عن الزبیر بن العوّام أنه قال خرج أبو دجانة بعد ما أخذ السیف فاتبعته فجعل لا یمرّ بشی‌ء الا أفراه و هتکه حتی أتی لنسوة فی سفح الجبل و معهنّ هند و هی تقول نحن بنات طارق الی آخر ما ذکرنا تغنی و تحرّض المشرکین بذلک فحمل علیها فنادت بالصحرات فلم یجبها أحد فانصرف عنها قال الزبیر فقلت له کلّ سیفک رأیته فأعجبنی غیر انک لم تقتل المرأة قال فانها نادت فلم یجبها أحد فکرهت أن أضرب بسیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم امرأة لا ناصر لها قال و غلب رماة المسلمین علی المشرکین و رشقوا خیلهم بالنبل حتی ولوا هاربین من خیلهم فصاح طلحة بن أبی طلحة و هو صاحب لواء قریش فقال من یبارزنی فبرز له علی بن أبی طالب فلما التقیا بین الصفین ضربه علیّ بالسیف علی هامته ففلقها الی المخ* و فی روایة قتله مصعب بن عمیر و هو کبش الکتیبة فسر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کبر المسلمون ثم شدّوا علی المشرکین فحمل لواءهم أخو طلحة عثمان بن أبی طلحة فضربه حمزة بالسیف علی عاتقه فقطع یده و کتفه حتی انتهی الی مؤتزره فرجع حمزة و هو یقول أنا ابن ساقی الحجیج* و فی سیرة ابن هشام و قاتل حمزة بن عبد المطلب حتی قتل أرطاة بن شرحبیل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار و کان أحد النفر الذین یحملون اللواء ثم مرّ به سباع ابن عبد العزی الغبشانی و کان یکنی بأبی نیار فقال له حمزة هلم الیّ یا ابن مقطعة البظور و کانت أمّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:426
أمّ انمار مولاة شریق بن عمرو بن وهب الثقفی ختانة بمکة فلما التقیا ضربه حمزة فقتله قال وحشی غلام جبیر بن مطعم و اللّه انی لا نظر الی حمزة یهد الناس بسیف ما یبقی شیئا مثل الجمل الاورق اذ تقدّمنی إلیه سباع فقال حمزة هلم الیّ یا ابن مقطعة البظور فضربه ضربة فکأنما أخطأ رأسه و هززت حربتی حتی اذا رضیت منها دفعتها علیه فوقعت فی ثنته حتی خرجت من بین رجلیه فأقبل نحوی فغلب فوقع فأمهلته حتی اذا مات جئت فأخذت حربتی ثم تنحیت الی العسکر و لم یکن لی بشی‌ء حاجة غیره* و فی الاکتفاء و کان جبیر بن مطعم قد وعد غلامه وحشیا بالعتق ان قتل حمزة بعمه طعیمة بن عدی المقتول یوم بدر و کان وحشی یحسن قذف الحربة قذف الحبشة و قلما یخطئ بها شیئا و استتر یومئذ وحشی بشجرة أو حجر حتی مرّ علیه حمزة بعد قتله سباع بن عبد العزی الخزاعی الغبشانی فرماه وحشی بالحربة فقتله و ترکه حتی مات ثم أتاه و أخذ حربته وشق بطنه و أخرج کبده و ذهب بها الی هند بنت عتبة و قال لها هذه کبد حمزة قاتل أبیک فأخذتها و مضغتها فلم تقدر أن تسیغها فلفظتها و أعطته ثوبها و حلیها و وعدته عشرة دنانیر بمکة ثم قالت له أرنی مصرعه فأراها ایاه فمثلت به و قطعت مذاکیره و ذهبت بها الی مکة فلما قدم وحشی مکة عتق ثم أقام بمکة حتی اذا افتتح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة هرب الی الطائف فکان بها فلما خرج وفد الطائف الی رسول اللّه لیسلموا تغیبت علیه المذاهب فقال له رجل و یحک انه و اللّه لا یقتل أحدا من الناس دخل دینه فخرج مع وفدهم حتی قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة فشهد شهادة الحق فلما رآه قال أ وحشیّ قال نعم یا رسول اللّه قال اقعد فحدّثنی کیف قتلت حمزة فحدّثه فلما فرغ قال و یحک غیب عنی وجهک فکان علیه السلام یتنکبه حیث کان لئلا یراه حتی قبضه اللّه فلما خرج المسلمون الی مسیلمة الکذاب خرج معهم قال و أخذت حربتی التی قتلت بها حمزة فلما التقی الناس رأیت مسیلمة قائما فی یده السیف و ما أعرفه فتهیأت له و تهیأ له رجل من الانصار من الناحیة الاخری کلانا نریده فهززت حربتی حتی اذا رضیت منها دفعتها علیه فوقعت فیه فشدّ علیه الانصاری فضربه بالسیف فاللّه أعلم أینا قتله فان کنت قتلته و قد قتلت خیر الناس بعد رسول اللّه فقد قتلت شرّ الناس* ذکر ابن اسحاق باسناده الی عبد اللّه بن عمر و کان شهد الیمامة قال سمعت یومئذ صارخا یقول قتله العبد الاسود* قال ابن اسحاق فبلغنی ان وحشیا لم یزل یحد فی الخمر حتی خلع عن الدیوان فکان عمر بن الخطاب یقول قد علمت انّ اللّه لم یکن لیدع قاتل حمزة* و عن الزهری عن شیبة بن عثمان بن أبی طلحة انّ طلحة بن عثمان أخا شیبة أیضا قتل فی أحد کذا فی معالم التنزیل* و فی الوفاء قال ابن عقبة و کان صاحب لواء المسلمین مصعب بن عمیر أخو بنی عبد الدار فبارز طلحة بن عثمان من بنی عبد الدار فقتله* قال ابن اسحاق و قاتل مصعب بن عمیر دون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قتل و کان الذی قتله ابن قمئة اللیثی و هو یظنّ انه رسول اللّه* و فی الکشاف أقبل ابن قمئة یرید قتل رسول اللّه فذب عنه مصعب بن عمیر فقتله ابن قمئة* و فی المنتقی کان لواء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الاعظم لواء المهاجرین معه یوم بدر و یوم أحد أیضا و لما جال المسلمون أقبل ابن قمئة و هو فارس فضرب یده الیمنی فقطعها و مصعب یقول و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل فأخذ اللواء بیده الیسری فقطعها ابن قمئة فحنی علی اللواء و ضمه بعضدیه الی صدره و هو یقول و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل و ما کانت هذه الآیة نازلة بعد فنزلت ثم حمل علیه الثالثة بالرمح فأنفذه فاندق الرمح و وقع مصعب صریعا فابتدر إلیه رجلان من بنی عبد الدار سویبط ابن سعد و أبو الروم بن عمیر أخو مصعب فأخذه أبو الروم فلم یزل فی یده حتی دخل المدینة* و فی روایة لما قتل مصعب أخذ اللواء ملک فی صورة مصعب فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول له فی آخر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:427
النهار تقدم یا مصعب فالتفت إلیه الملک و قال لست بمصعب فعرف رسول اللّه انه ملک أید به فوقف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی مصعب فقرأ من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه علیه فمنهم من قضی نحبه و منهم من ینتظر و قتل مصعب و هو ابن أربعین سنة* و فی سیرة ابن هشام قال محمد ابن اسحاق لما قتل مصعب بن عمیر أعطی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللواء علی بن أبی طالب و قاتل علیّ فی رجال من المسلمین* و قال ابن هشام حدّثنی سلمة بن علقمة المازنی قال لما اشتدّ القتال یوم أحد جلس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تحت رایة الانصار و أرسل الی علیّ بن أبی طالب ان قدّم الرایة فتقدّم علیّ فقال أنا أبو القصم و یقال الفصم بالقاف و الفاء فیما قاله ابن هشام فناداه ابو سعید بن أبی طلحة و هو صاحب لواء المشرکین ان هل لک یا أبا القصم فی البراز من حاجة فقال نعم فبرزا بین الصفین فاختلفا ضربتین فضربه علیّ فصرعه ثم انصرف و لم یجهز علیه فقال له أصحابه أ فلا أجهزت علیه قال انه استقبلنی بعورته فعطفتنی علیه الرحم فعرفت انّ اللّه قتله و یقال ان ابا سعید خرج من بین الصفین و طلب من یبارزه مرارا فلم یخرج إلیه أحد فقال یا أصحاب محمد زعمتم ان قتلاکم فی الجنة و قتلانا فی النار کذبتم و اللات لو تعلمون ذلک حقا لخرج الیّ بعضکم فخرج إلیه علیّ فاختلفا ضربتین فقتله علیّ* قال ابن اسحاق ان سعد بن أبی وقاص هو الذی قتل أبا سعید هذا کذا فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء و المنتقی و فی بعض الکتب کیفیة قتله ان سعد بن ابی وقاص رماه بسهم فلم یخطئ حنجرته حتی خرج لسانه فمات ثم حمل لواءهم مسافع بن أبی طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبی الافلح فقتله و أخاه الجلاس بن طلحة کلاهما یشعره سهما و أرثت مسافع الی أمّه سلافة بنت سعد و کانت فی العسکر فوضع رأسه فی حجرها فقالت یا بنیّ من اصابک قال لا أدری الا أنی سمعت رجلا یقول حین رمانی خذها و أنا ابن أبی الافلح فنذرت ان أمکنها اللّه من رأس عاصم أن تشرب الخمر فی قحفه و جعلت لمن یأتیها برأسه مائة ناقة و کان عاصم قد عاهد اللّه أن لا یمس مشرکا و لا یمسه مشرک أبدا فتمم اللّه له ذلک حیا و میتا کما سیجی‌ء ثم حمل لواءهم الحارث بن ابی طلحة فرماه عاصم أیضا فقتله کذا فی المنتقی* و فی سیرة ابن هشام انّ عاصم بن ثابت قتل مسافعا و أخاه الجلاس کما سبق* و فی المنتقی قتل الجلاس طلحة بن عبید اللّه ثم حمل لواءهم کلاب بن طلحة فقتله الزبیر بن العوّام ثم حمل اللواء أرطاة بن شرحبیل بن هاشم ابن عبد مناف فقتله حمزة و قیل علیّ ثم حمل اللواء شریح بن فارض فقتله بعض المسلمین ثم حمل اللواء صواب غلام حبشی لبنی طلحة فقتله سعد بن أبی وقاص و قیل علیّ بن أبی طالب و قیل قزمان و هو أثبت الاقوال* و فی روایة حملت اللواء عمرة بنت علقمة کما سیجی‌ء* قال ابن اسحاق قتل اصحاب لواء المشرکین و هم سبعة یأخذه واحد بعد واحد و قال غیره و هم أحد عشر آخرهم غلام حبشی لبنی طلحة اسمه صواب قال ابن اسحاق و التقی یومئذ حنظلة بن ابی عامر غسیل الملائکة و ابو سفیان بن حرب فلما استعلاه حنظلة رآه شدّاد بن الاسود بن شعوب قد علا أبا سفیان فضربه شدّاد فقتله فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان صاحبکم یعنی حنظلة لتغسله الملائکة فسلوا اهله ما شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج و هو جنب حسین سمع الهائعة فقال رسول اللّه لذلک غسلته الملائکة* و فی الصفوة ان حنظلة ابن ابی عامر الراهب کان من خیار المسلمین استأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یقتل أباه فنهاه عن قتله و تزوّج جمیلة بنت عبد اللّه بن ابی بن سلول فأدخلت علیه فی اللیلة التی فی صبیحتها کان قتال أحد و کان قد استأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یبیت عندها فأذن له فلما صلّی الصبح غدا یرید النبیّ بأحد ثم مال الی جمیلة فأجنب منها و کانت قد ارسلت الی اربعة من قومها فأشهدتهم انه قد دخل بها فقیل لها فی ذلک فقالت رأیت کأن السماء فرجت له فدخل فیها ثم اطبقت فقلت هذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:428
الشهادة و قد علقت بعبد اللّه بن حنظلة فأخذ حنظلة سلاحه فلحق بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یسوّی الصفوف فلما انکشف المسلمون اعترض حنظلة ابا سفیان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فوقع ابو سفیان ثم تحمل رجل منهم علی حنظلة فأنفذه بالرمح فقال رسول اللّه رأیت الملائکة تغسل حنظلة ابن ابی عامر بین السماء و الارض بماء المزن فی صحاف الفضة* قال ابو سعید الساعدی فذهبنا إلیه فنظرنا فاذا رأسه یقطر ماء فرجعت الی رسول اللّه فأخبرته انه خرج و هو جنب فأعجله الحال عن الغسل فولده یقال لهم بنو غسیل الملائکة* و فی روایة قالت کان جنبا فلما غسل أحد شقیه سمع الهیعة و أعجله الحال عن الغسل فخرج و لم یغسل الشق الآخر قال رسول اللّه هو ذاک فانی رأیته قد غسلته الملائکة فسمی غسیل الملائکة و بذلک تمسک من قال من العلماء ان الشهید یغسل اذا کان جنبا کذا فی المواهب اللدنیة فلما قتل اصحاب اللواء و انتکست رایتهم انکشف المشرکون و انهزموا* قال ابن اسحاق ثم انزل اللّه نصره علی المؤمنین و اصدقهم وعده فحسوا الکفار بالسیوف حتی کشفوهم عن العسکر و کانت الهزیمة لا شک فیها* و فی المواهب اللدنیة فولی الکفار لا یلوون علی شی‌ء و نساؤهم یدعون بالویل و الثبور و تبعهم المسلمون حتی أجهضوهم و وقعوا یتهبون العسکر و یأخذون ما فیه من الغنائم* و فی الکشاف فلما أقبل المشرکون جعل الرماة یرشقون خیلهم و الباقون یضربون بالسیف حتی انهزموا و تبعهم المسلمون یضعون فیهم السلاح و صرخت نساؤهم یدعون بالویل و الثبور و ألقین الدفوف و یشتددن الی الجبل رافعات ثیابهنّ و قد بدت خلاخلهنّ و سوقهنّ و لما نظر الرماة الی المشرکین قد انکشفوا و رأوا أصحابهم ینتهبون و یأخذون الغنائم قالوا الغنیمة یا قوم الغنیمة قد ظهر أصحابکم فما تنتظرون فقال عبد اللّه بن جبیر أنسیتم ما قال لکم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالوا انا و اللّه لنأتینهم فلنصیبن من الغنیمة فلما أتوهم صرفت وجوههم و أقبلوا منهزمین کذا رواه البخاری عن البراء بن عازب* و فی الکشاف اختلف الرماة حین انهزم المشرکون قال بعضهم قد انهزم القوم فما موقفنا و أقبلوا علی الغنیمة* و قال بعضهم لا نخالف أمر رسول اللّه* و فی معالم التنزیل ترکوا المرکز للغنیمة و قالوا نخشی أن یقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من أخذ شیئا فهو له و أن لا یقسم الغنائم کما لم یقسمها یوم بدر فترکوا المرکز و وقعوا فی الغنائم ثم قال لهم النبیّ أ لم أعهد إلیکم أن لا تترکوا المرکز حتی یأتیکم أمری قالوا ترکنا بقیة اخواننا وقوفا فقال النبیّ بل ظننتم انا نغل فلا نقسم لکم فأنزل اللّه تعالی و ما کان لنبیّ أن یغلّ و من یغلل یأت بما غلّ الآیة و لما ترک الرماة مرکزهم ثبت أمیرهم عبد اللّه بن جبیر فی مکانه فی نفر یسیر دون العشرة فلما رأی خالد بن الولید قلة الرماة و خلاء الجبل و اشتغال المسلمین بالغنیمة و رأی ظهورهم خالیة صاح فی خیله من المشرکین فکربهم و تبعه عکرمة بن أبی جهل فی جماعة من المشرکین فحملوا علی من بقی من الرماة فقتلوهم و قتل أمیرهم عبد اللّه بن جبیر ثم حملوا علی المسلمین من خلفهم و حالت الریح دبورا بعد ما کانت صبا* و فی الاکتفاء کشف المسلمون المشرکین عن العسکر و نهکوهم قتلا و قد حملت خیل المشرکین علی المسلمین ثلاث مرّات کل ذلک تنضح بالنبل فترجع مفلولة فلما أبصر الرماة الخمسون انّ اللّه قد فتح لاخوانهم قالوا و اللّه ما نجلس هناک لشی‌ء قد أهلک اللّه العدوّ و اخواننا فی عسکر المشرکین فترکوا منازلهم التی عهد إلیهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن لا یترکوها و تنازعوا و فشلوا و عصوا الرسول فأوجفت الخیل فیهم قتلا و لم یکن نبل ینضحها و وجدت مدخلا علیهم فکان ذلک سبب الهزیمة علی المسلمین* و فی سیرة ابن هشام قال الزبیر بن العوّام و اللّه لقد رأیتنی أنظر الی خدم هند بنت عتبة و صواحبها مشمرات منکشفات هوارب ما دون أخذهنّ قلیل و لا کثیر اذ مالت الرماة الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:429
العسکر حین کشفنا القوم عنه و خلوا ظهورنا للخیل و أوتینا من خلفنا و صرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل فانکفأنا و انکفأ علینا القوم بعد ان أصبنا اصحاب اللواء حتی ما یدنو منه احد من القوم* قال ابن هشام و الصارخ أزب العقبة* قال ابن اسحاق حدّثنی بعض أهل العلم انّ اللواء لم یزل صریعا حتی أخذته عمرة بنت علقمة الحارثیة فرفعته لقریش فلا ثوابه و کان اللواء مع صواب غلام حبشی لبنی طلحة و کان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتی قطعت یداه ثم برک علیه فأخذ اللواء بصدره و عنقه حتی قتل علیه و هو یقول اللهم هل أعذرت یعنی أعذرت* و فی الینابیع و کانت فی المشرکین امرأة کافرة اسمها عفراء فأخذت لواء قریش و رفعتها فلما رأی المشرکون لواءهم مرفوعا کروا راجعین فجعلوا یضربون المسلمین من قدامهم و من خلفهم حتی قتلوا منهم سبعین و جرحوا سبعین و کسروا ید علیّ و جرحوا أبا بکر و عمر و انهزم عثمان مع جماعة* قال ابن اسحاق و انکشف المسلمون فأصاب فیهم العدوّ و صرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل و فی روایة تصوّر الشیطان بصورة جعال بن سراقة الضمری و صرخ ان محمدا قد قتل و قال قائل أی عباد اللّه أخراکم أی احترزوا من جهة أخراکم فعطف المسلمون یقتل بعضهم بعضا و هم لا یشعرون کذا فی المواهب اللدنیة* و وثب الناس علی جعال بن سراقة لیقتلوه لانّ الشیطان تمثل بصورته و صاح بخبر القتل فشهد خوات بن جبیر و أبو بردة بن نیار بأنّ الصارخ غیر جعال و جعال کان عندهما و بجنبهما حین صرخ ذلک الصارخ و جرح أسید بن حضیر یومئذ جراحتین من أیدی المسلمین احداهما من ضربة أبی بردة بن نیار و جرح أبو بردة أیضا من ید أنصاری و لم یعرفه* و فی الصحیح عن عائشة قالت کان یوم أحد هزم المشرکون هزیمة بینة فصاح ابلیس أی عباد اللّه أخراکم فرجعت أولاهم فاجتلدت مع اخراهم فنظر حذیفة فاذا هو بأبیه الیمان فنادی أی عباد اللّه أبی أبی قالت فو اللّه ما احتجزوا حتی قتلوه فقال حذیفة یغفر اللّه لکم و عند أحمد و الحاکم عن ابن عباس انهم لما رجعوا اختلطوا بالمشرکین و التبس العسکران فلم یتمیزوا فوقع القتل فی المسلمین بعضهم من بعض* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی أحد رفع حسبل بن جابر و هو الیمان ابو حذیفة بن الیمان و ثابت بن وقش فی الآطام مع النساء و الصبیان و هما شیخان کبیران فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لک ما تنتظر فو اللّه ان بقی لواحد منا من عمر إلا ظم‌ء حمار انما نحن هامة الیوم أو غدا أ فلا نأخذ أسیافنا ثم نلحق برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعل اللّه یرزقنا شهادة مع رسول اللّه فأخذا أسیافهما ثم خرجا حتی دخلا فی الناس و لم یعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشرکون و أما حسبل بن جابر فاختلفت علیه أسیاف المسلمین فقتلوه و لا یعرفونه فقال حذیفة أبی قالوا و اللّه ان عرفناه و صدقوا قال حذیفة یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین فأراد رسول اللّه أن یدیه فتصدّق بدیته علی المسلمین فزاده عند رسول اللّه خیرا* قال ابن اسحاق و کان یوم احد یوم بلاء و تمحیص أکرم اللّه فیه من أکرم من المسلمین بالشهادة حتی خلص العدوّ الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدث بالحجارة حتی وقع لشقه فأصیبت رباعیته و کلمت شفته و شج فی وجهه فجعل الدم یسیل علی وجهه و جعل صلّی اللّه علیه و سلم یمسحه و هو یقول کیف یفلح قوم خضبوا وجه نبیهم و هو یدعوهم الی ربهم فأنزل اللّه تعالی لیس لک من الامر شی‌ء أو یتوب علیهم او یعذبهم فانهم ظالمون و رواه احمد و الترمذی و النسائی من طریق حمید الطویل عن انس و قیل همّ أن یدعو علیهم فنهاه اللّه تعالی لعلمه بأنّ فیهم من یؤمن* و فی المواهب اللدنیة قیل کان سبب الهزیمة ان ابن قمیئة الحارثی قتل مصعب بن عمیر و کان مصعب اذا لبس لأمته یشبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما قتله ظنه رسول اللّه فرجع الی قریش و قال قد قتلت محمدا فازدادوا جرأة و صاح ابلیس من العقبة قتل محمد فلما سمع المسلمون ذلک و هم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:430
متفرّقون کانت الهزیمة فلم یلو أحد علی احد و الصواب ان السبب مخالفة الرماة لامر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و الاصل فی ذلک مع ما أراده اللّه ما اتفق ببدر من اخذ الفداء فقد خرج الترمذی و النسائی عن علیّ ان جبریل هبط فقال خیرهم فی اساری بدر القتل و الفداء علی أن یقتل منهم فی القابل مثلهم قالوا الفداء و یقتل منا مثلهم قال الترمذی حدیث حسن و ذکر غیره له شواهد تقوّیه و لهذا جاء فی الصحیح انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اصحابه اصابوا من المشرکین یوم بدر أربعین و مائة قتلوا سبعین و أسروا سبعین و فیه أیضا ان المشرکین اصابوا یوم احد من المسلمین سبعین و وقع عند مسلم من طریق ابن عباس عن عمر فی قصة بدر قال فلما کان یوم أحد قتل منهم سبعون و فروا و کسرت رباعیة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هشمت البیضة علی رأسه و سال الدم علی وجهه فأنزل اللّه تعالی أو لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها قلتم أنی هذا و المراد بکسر الرباعیة و هی السن التی بین الثنیة و الناب انها کسرت فذهب منها فلقة و لم تقلع من أصلها و قوله فروا أی بعضهم أو أطلق ذلک باعتبار تفرقهم و الواقع بهم انهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا فی الهزیمة الی قرب المدینة فما رجعوا حتی انقضی القتال و هم قلیل و هم الذین نزل فیهم انّ الذین تولوا منکم یوم التقی الجمعان الآیة و فرقة صاروا حیاری لما سمعوا انّ النبیّ قتل فصار غایة الواحد منهم أن یذب عن نفسه و یستمرّ فی القتال الی أن یقتل و هم أکثرهم و فرقة بقیت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم تراجع إلیهم الفرقة الثانیة شیئا فشیئا لما عرفوا انه حی و ما ورد فی الاختلاف فی العدد فمحمول علی تعدّد المواطن فی القصة* و وقع عند أبی یعلی فی حدیث عمر المتقدّم فلما کان عام أحد عوقبوا بما صنعوا یوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون* قال ابن هشام فی سیرته عن أبی سعید الخدری ان عتبة بن أبی وقاص رمی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ فکسر رباعیته السفلی و جرح شفته السفلی و انّ عبد اللّه بن شهاب الزهری شجه فی جبهته و انّ ابن قمیئة جرح و جنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فی و جنته و وقع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی حفرة من الحفر التی عملها أبو عامر لیقع فیها المسلمون و هم لا یعلمون فأخذ علیّ بن أبی طالب بید رسول اللّه و رفعه طلحة حتی استوی قائما* و فی الاکتفاء فقال صلّی اللّه علیه و سلم من أحب أن ینظر الی شهید یمشی علی وجه الارض فلینظر الی طلحة* قال ابن هشام و مص مالک بن سنان والد أبی سعید الخدری الدم عن وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم ازدرده فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مس دمه دمی لم تصبه النار* و فی الریاض النضرة لم تمسه النار أخرجه ابن اسحاق و فی روایة غیره من أحب أن ینظر الی من خالط دمه دمی فلینظر الی مالک بن سنان* و عن عائشة عن أبی بکر الصدّیق ان أبا عبیدة بن الجراح نزع احدی الحلقتین من وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسقطت ثنیته ثم نزع الاخری فسقطت ثنیته الاخری فکان ساقط الثنیتین* و فی الصفوة نزع بفیه الحلقتین اللتین دخلتا فی و جنته من حلق المغفر فوقعت ثنیتاه و کان أحسن الناس هتما و فی روایة و لذلک یقال له الاهتم* و فی المواهب اللدنیة و هشموا البیضة علی رأسه أی کسروا الخوذة و رموه بالحجارة حتی سقط لشقه فی حفرة من الحفر التی حفرها أبو عامر فأخذ علیّ بیده و احتضنه طلحة ابن عبید اللّه و رفعه حتی استوی قائما و نشبت حلقتان من المغفر فی وجهه فانتزعهما أبو عبیدة بن الجراح و عض علیهما حتی سقطت ثنیتاه من شدّة غوصهما فی وجهه* و فی الاکتفاء و کان الذی کسر رباعیته و جرح شفته عتبة بن أبی وقاص أخو سعد بن أبی وقاص و کذا قاله السهیلی و غیره و من ثمة لم یولد من نسله ولد فبلغ الحنث الا و هو ابحر و اهتم أی عطشان لا یروی و ساقط مقدم أسنانه یعرف ذلک فی عقبه* و فی القاموس البحر العطش فلا یروی من الماء و یقال أهتم فاه ألقی مقدّم أسنانه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:431
و روی ابن الجوزی عن محمد بن یوسف الغریانی قال بلغنی ان الذین کسروا رباعیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یولد لهم صبی فنبتت له رباعیة* و فی الاکتفاء و کان سعد بن أبی وقاص یقول و اللّه ما حرصت علی قتل رجل قط حرصی علی قتل عتبة بن أبی وقاص و هو أخوه و ان کان ما علمت لسیئ الخلق مبغضا فی قومه و لقد کفانی منه قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اشتدّ غضب اللّه علی من أدمی وجه رسول اللّه* و فی مستدرک الحاکم لما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن أبی بلتعة فقال یا رسول اللّه من فعل هذا بک فأشار الی عتبة فتبعه حاطب حتی قتله و جاء بفرسه الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قیل قد اختلف فی اسلامه و الصحیح انه لم یسلم* و فی المنتقی فی الذی کسر رباعیته و کلمه فی وجهه قولان* أحدهما نه عتبة بن أبی وقاص کما سبق و الثانی انه ابن قمیئة فانه علا رسول اللّه بالسیف فضربه علی الایمن فاتقاه طلحة بیده و ردّ بسیفه عنه فشلت یده و یبست و أصیبت خنصره حین رمی مالک بن زهیر الجشمی رسول اللّه بسهم و کان لا یخطئ سهمه فجعل طلحة یده وقایة له فأصاب خنصره و ضرب رجل من المشرکین علی رأس طلحة بالسیف ضربتین فنزف الدم علی وجهه فخرّ مغشیا علیه* و روی عن أبی بکر الصدّیق أنه قال أتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد بالماء فقال اذهب به الی طلحة فذهبت به إلیه فرأیته قد وقع صریعا و ینزف الدم من جراحاته فرششت علیه من الماء حتی حصل له بعض الافاقة فقال ما فعل برسول اللّه قلت هو بالعافیة و هو أرسلنی إلیک قال الحمد للّه فکل مصیبة بعده هین* و فی الصفوة عن أبی بکر الصدّیق قال کنت أوّل من جاء یوم أحد فقال لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لابی عبیدة بن الجراح علیکما به یرید طلحة و قد نزف دمه یعنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصلحنا من شأنه ثم أتینا طلحة فوجدناه فی بعض تلک الحفار فاذا به بضع و سبعون أو أقل أو أکثر من بین طعنة و ضربة و رمیة فاذا قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه* و أخرج أبو حاتم معناه و لفظه قال قال أبو بکر لما صرف الناس یوم أحد عن رسول اللّه کنت أوّل من جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فجعلت انظر الی رجل خلفی بین یدیه یقاتل عنه و یحمیه فجعلت أقول کن طلحة فداک أبی و أمی مرّتین قال و نظرت الی رجل خلفی کأنه طائر فلم أنشب ان أدرکنی فاذا هو أبو عبیدة بن الجراح فاندفعنا الی النبیّ فاذا طلحة بین یدیه صریعا فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دونکم أخاکم فقد أوجب قال و قد رمی فی جبهة رسول اللّه و وجنته فأهویت الی السهم لا نزعه فقال أبو عبیدة نشدتک باللّه یا أبا بکر الا ترکتنی قال فترکته فأخذ أبو عبیدة السهم بفیه فجعل ینضنضه و یکره أن یؤذی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم استله بفیه ثم أهویت الی السهم الذی فی وجنته لانزعه فقال أبو عبیدة نشدتک باللّه یا أبا بکر الا ترکتنی فأخذ السهم بفیه و جعل ینصنصه و یکره أن یؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم استله و کان طلحة أشدّ نهکة من رسول اللّه و کان رسول اللّه أشدّ نهکة منه و کان قد أصاب طلحة بضعة و ثلاثون ما بین طعنة و ضربة و رمیة* قوله ینضنضه بالصاد و الضاد یحرکه* قوله أشدّ نهکة أی جراحة و جهدا و ألما و کان أبو عبیدة أثرم الثنیتین من انتزاع السهمین* و یروی ان المنتزع حلقتی الدرع أبو بکر و یجوز أن یکون السهمان أثبتا حلقتی الدرع فانتزع الجمیع فسقطتا لذلک* و عن أبی هریرة ان طلحة لما جرح یوم أحد مسح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیده علی جسده و قال اللهمّ اشفه و قوّه فقام صحیحا و رجع الی مبارزة العدوّ أخرجه الملا ذکر ذلک کله فی الریاض النضرة* و عن قیس قال رأیت طلحة یده شلاء وقی بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد انفرد به البخاری* و فی الصفوة شهد طلحة أحدا و ثبت یومئذ مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و وقاه بیده فشلت أصبعاه و جرح یومئذ اربعا و
عشرین جراحة قال و کانت فیه خمس و سبعون ما بین طعنة و ضربة و رمیة سماه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:432
رسول اللّه یوم أحد طلحة الخیر و یوم غزوة ذات العشیرة طلحة الفیاض و یوم حنین طلحة الجود و سیجی‌ء موته فی الخاتمة فی خلافة علیّ بن ابی طالب* قال السدی رضی اللّه عنهما ابن قمیئة هو الذی رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بحجر فکسر أنفه و رباعیته و شج فی وجهه* و قال ابو بشیر المازنی حضرت یوم أحد و أنا غلام فرأیت ابن قمیئة علا رسول اللّه بالسیف فرأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وقع علی کتفه فی حفرة أمامه حتی تواری فجعلت أصیح و أنا غلام حتی رأیت الناس ثابوا إلیه فانظر الی طلحة بن عبید اللّه آخذ یحضنه حتی قام* و فی الینابیع غلب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضعف من الجراحات حتی وقع عن فرسه و جرحت رکبتاه و کسرت جبهته* و فی الطبرانی من حدیث ابی أمامة قال لما رمی عبد اللّه بن قمیئة یوم أحد فشج وجهه و کسر رباعیته قال خذها و أنا ابن قمیئة فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو یمسح الدم عن وجهه مالک أقمأک اللّه و فی روایة و أذلک فسلط اللّه علیه تیس جبل فلم یزل ینطحه حتی قطعه قطعة قطعة* و عند ابن عائذ من طریق الاوزاعی بلغنا انه لما جرح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد اخذ شیئا فجعل ینشف به دمه و قال لو وقع منه شی‌ء علی الارض لنزل علیهم العذاب من السماء ثم قال اللهمّ اغفر لقومی فانهم لا یعلمون و فی الینابیع و کان صلی اللّه علیه و سلم یأخذ قطرات الدم و یرمی بها الی السماء و لم یقع شی‌ء منها علی الارض و یقول لو وقع شی‌ء منها علی الارض لم ینبت علیها نبات و فی الینابیع أیضا لما کسرت جبهته و انخضب وجهه و لحیته جعل سالم مولی ابی حذیفة یسلت الدم عن وجهه و هو یقول کیف یفلح قوم فعلوا هذا بنبیهم و فی شمائل الترمذی عن جندب بن سفیان البجلی قال اصاب حجرا صبع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدمیت فقال
هل أنت الا اصبع دمیت‌و فی سبیل اللّه ما لقیت و کان ذلک فی غزوة أحد و روی انّ عبد اللّه ابن حمید الاسدی لما رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد جرح جعل یرکض فرسه و یقول أرونی محمدا و اللّه انی لأقتله فاعترضه ابو دجانة فضربه بالسیف فقتله فقال رسول اللّه اللهمّ ارض عن ابن خرشة کما أنا عنه راض و روی عبد الرزاق عن معمر عن الزهری قال ضرب وجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ بالسیف سبعین ضربة وقاه اللّه من شرّها کلها قال فی فتح الباری و هذا مرسل قوی و یحتمل أن یکون أراد بالسبعین حقیقتها أو المبالغة* قال ابن اسحاق و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین غشیه القوم من رجل یشری لنا نفسه فقام زیاد بن السکن فی خمسة نفر من الانصار و بعض الناس یقولون انما هو عمارة بن زیاد بن السکن فقاتلوا دون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رجلا ثم رجلا یقتلون دونه حتی کان آخرهم زیادا أو عمارة فقاتل حتی أثبتته الجراحة ثم جاءت فئة من المسلمین فأجهضوهم عنه فقال رسول اللّه ادنوه منی فأدنوه منه فوسده قدمه فمات و خدّه علی قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قاتلت أمّ عمارة نسیبة بنت کعب المازنیة یومئذ فیما قاله ابن هشام قالت خرجت أوّل النهار و أنا أنظر ما یصنع الناس و معی سقاء فیه ماء فانتهیت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو فی اصحابه و الدولة و الریح للمسلمین فلما انهزم المسلمون انحزت الی رسول اللّه فقمت أباشر القتال و أذب عنه بالسیف و ارمی عن القوس حتی خلصت الجراحة الیّ قالت أمّ سعد بنت سعد بن الربیع فرأیت علی عاتقها جرحا اجوف له غور فقلت من أصابک بهذا قالت ابن قمیئة اقماه اللّه لما ولی الناس عن رسول اللّه اقبل یقول دلونی علی محمد فلا نجوت ان نجا فاعترضته انا و مصعب بن عمیر و أناس ممن ثبت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فضربنی هذه الضربة و لقد ضربته علی ذلک ضربات و لکن عدوّ اللّه علیه درعان* و تترس دون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابو دجانة بنفسه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:433
تقع النبل فی ظهره و هو منحن علیه حتی کثر فیه النبل و فی المواهب اللدنیة و هو لا یتحرّک و فی المنتقی کانت النبل تتابع فی ظهره و هو منحن علیه و رمی سعد بن ابی وقاص دون رسول اللّه قال سعد فلقد رأیته یناولنی النبل و هو یقول ارم فداک ابی و امی حتی انه لیناولنی السهم بلا نصل فیقول ارم به و فی روایة و رمی سعد بن ابی وقاص حتی اندقت سیة قوسه و نثل له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کنانته فقال له ارم فداک أبی و امی و فی المشکاة عن علیّ قال ما سمعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جمع ابویه لاحد الا لسعد بن مالک فانی سمعته یقول یوم أحد یا سعد ارم فداک ابی و امی متفق علیه* و روی ان بعض المشرکین یوم احد کانوا یرمون بالنبل فی وجوه المسلمین منهم حبان بن قیس بن عرفة اخو بنی عامر و ابو أسامة الجشمی فأمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن ابی وقاص أن یرمی فی وجوههم فیقول ارم یا سعد فداک ابی و امی فرمی ابن عرفة فأصاب ذیل أمّ ایمن و کانت فی العسکر فانکشف ذیلها فضحک ابن عرفة ضحکا شدیدا فثقل ذلک علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فناول سعد أسهما و امره أن یرمیه فرماه سعد فلم یخطئ ثغرة نحره فوقع لظهره و انکشفت عورته فضحک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی بدت نواجذه و قال استعاض لها سعد و دعا لسعد فقال اللهم سدّد رمیته و أجب دعوته رواه فی شرح السنة فصار سعد مجاب الدعوة حتی یتبرّک بدعائه و ظاهر هذا مخالف لما سیجی‌ء فی غزوة الخندق فی الموطن الخامس من ان حبان بن عرفة هو الذی رمی سعد بن معاذ فی أکحله* و عن أنس أنه قال لما کان یوم أحد انهزم الناس عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو طلحة کان قائما بین یدیه یترس معه بترس واحد و کان أبو طلحة رامیا شدید الرمی و النزع فکسر یومئذ قوسین أو ثلاثا و کان الرجل یمر بجعبته من النبل فیقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انثرها لابی طلحة و کان اذا رمی یشرف النبیّ لینظر الی موضع نبله فیقول أبو طلحة بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لا تشرف یصبک سهم من سهام القوم نحری دون نحرک*

معجزة فی انقلاب العود سهما و العصا سیفا

و فی الصفوة و کان رسول اللّه یرفع رأسه من خلفه ینظر الی مواقع نبله فتطاول أبو طلحة بصدره یقی به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یقول یا رسول اللّه نحری دون نحرک انتهی و کان قد جعل نفسه وقایة له و نثر سهامه کلها علی الارض و کان رجلا شدید النزع صیتا و کان فی کنانته یومئذ خمسون سهما و کان کلما رمی بسهم یصیح و یقول یا رسول اللّه نفسی دون نفسک جعلنی اللّه فداک و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم واقف خلف ظهره ینظر الی مواقع نبله حتی فنیت سهامه فیناوله العود و یقول ارم یا أبا طلحة فأی عود یضعه فی کبد القوس یعود سهما جیدا یرمی به فی وجوه المشرکین و یصیح فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لصوت أبی طلحة فی الجیش خیر من فئة کذا فی الصفوة و کان رسول اللّه لا یزال یرمی عن قوسه حتی صارت شظایا* قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمر عن قتادة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رمی عن قوسه حتی اندقت سیتها فأخذها قتادة بن النعمان و کانت عنده و کان یرمی بالحجارة* و فی الشفاء رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قوسه یوم أحد حتی اندقت سیتها و یقال اسم هذه القوس کتوم و انقطع یومئذ سیف عبد اللّه بن جحش فأعطاه علیه السلام عرجونا فعاد فی یده سیفا فقاتل به و کان ذلک السیف یسمی العرجون و لم یزل یتوارث حتی بیع من بغا الترکی من أمراء المعتصم باللّه فی بغداد بمائتی دینار و هذا نحو حدیث عکاشة السابق فی غزوة بدر الا ان سیف عکاشة یسمی العون و رمی کلثوم بن الحصین بسهم فی نحره رماه أبو رهم الغفاری فبصق علیه صلّی اللّه علیه و سلم فبرأ* و عن أبی طلحة انه قال غشینا النعاس یوم أحد و نحن فی مصافنا فجعل سیفی یسقط من یدی فآخذه و یسقط فآخذه* و عنه أنه قال رفعت رأسی یوم أحد فجعلت ما أری أحدا من القوم الا و هو یمیل تحت حجفته من النعاس و ذلک قوله تعالی ثم أنزل علیکم من بعد الغمّ أمنة نعاسا الآیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:434
و اصیبت یومئذ عین قتادة بن النعمان حتی وقعت علی و جنته فردّها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیده فکانت أحسن عینیه و أحدّهما کذا فی سیرة ابن هشام* و فی الوفاء فأتی بها الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذها رسول اللّه بیده و ردّها الی موضعها و قال اللهمّ اکسها جمالا فکانت أحسن عینیه و أحدّهما نظرا رواه الدّارقطنی بنحوه* و فی الصفوة عن عدی قال أصیبت عین قتادة بن النعمان یوم أحد یقال أصابها رمح حتی وقعت علی و جنته فأتی بها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هی فی یده قال ما هذه یا قتادة قال هذا ما تری یا رسول اللّه قال ان شئت صبرت و لک الجنة و ان شئت رددتها و دعوت اللّه لک فلم تفقد منها شیئا فقال یا رسول اللّه ان الجنة لجزاء جزیل و عطاء جلیل و لکنی رجل مبتلی بحب النساء و أخاف أن یقلن أعور فلا یردننی و لکن تردّها الیّ و تسأل اللّه لی الجنة فقال أفعل یا قتادة ثم أخذها رسول اللّه بیده و أعادها الی موضعها فکانت أحسن عینیه الی ان مات و دعا له بالجنة و سیجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة عمر و روی أنه دخل ابن قتادة علی عمر بن عبد العزیز فقال له من أنت یا فتی فقال
أنا ابن الذی سالت علی الخدّ عینه‌فردّت بکف المصطفی أیمارد
فعادت کما کانت لا حسن حالهافیا حسن ما عین و یا طیب مارد فقال عمر بمثل هذا فلیتوسل إلینا المتوسلون ثم قال
تلک المکارم لا قعبان من لبن‌شیبا بماء فعادا بعد أبوالا و فی الریاض النضرة عن علیّ قال کسرت یده یوم أحد فسقط اللواء من یده فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعوه فی یده الیسری فانه صاحب لوائی فی الدنیا و الآخرة أخرجه الحضرمی* و فی الاکتفاء و أصیب فم عبد الرحمن بن عوف فهتم و جرح عشرین جراحة أو أکثر و أصابه بعضها فی رجله فعرج* و فی شواهد النبوّة عن الحارث بن الصمة قال رأیت عبد الرحمن بن عوف یوم أحد بین سبعة قتلی من المشرکین فقلت هنیئا لک أنت قتلت هؤلاء کلهم فأشار الی قتیلین و قال هذان قتلتهما و أما الآخرون فقتلهم من لم أره* قال ابن اسحاق حدّثنی القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بنی عدی بن النجار قال انتهی أنس بن النضر عم أنس بن مالک الی عمر بن الخطاب و طلحة ابن عبید اللّه فی رجال من المهاجرین و الانصار و قد ألقوا بأیدیهم فقال ما یحبسکم قالوا قتل رسول اللّه قال فما تصنعون بالحیاة بعده قوموا فموتوا علی مثل ما مات علیه رسول اللّه ثم استقبل القوم فقاتل حتی قتل* و عن أنس بن مالک قال لقد وجدنا بأنس بن النضر یومئذ سبعین ضربة و قد مثلوا به فما عرفه الا اخته عرفته ببنانه کذا فی سیرة ابن هشام* و فی المنتقی عن أنس بن مالک ان عمه أنس بن النضر غاب عن بدر قال غبت عن أوّل قتال قاتله رسول اللّه و لئن أشهدنی اللّه مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیرین ما أفعل فلقی یوم أحد فهزم الناس فقال اللهم انی أعتذر إلیک مما صنع هؤلاء یعنی المسلمین و أبرأ إلیک مما جاء به هؤلاء یعنی المشرکین فتقدّم بسیفه فلقی سعد بن معاذ فقال أین یا سعد إنی أجد ریح الجنة دون أحد فمضی فقتل فما عرف حتی عرفته اخته بشامة أو ببنانه و به بضع و ثمانون من بین طعنة و ضربة و رمیة بسهم* و فی روایة لما صرخ صارخ و فشا فی الناس ان محمدا قد قتل قال بعض المسلمین لیت لنا رسولا الی عبد اللّه بن أبی فیأخذ لنا أمانا من أبی سفیان و بعضهم جلسوا و ألقوا بأیدیهم و قال ناس من المنافقین لو کان نبیا لما قتل ارجعوا الی اخوانکم و الی دینکم الاوّل فقال أنس بن النضر یا قوم ان کان قتل محمد فان رب محمد حی لا یموت ما تصنعون بالحیاة بعد رسول اللّه فقاتلوا علی ما قاتل علیه و موتوا علی ما مات علیه ثم قال اللهم انی أعتذر إلیک مما یقول هؤلاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:435
یعنی المسلمین و أبرأ إلیک مما جاء به هؤلاء یعنی المنافقین ثم قاتل حتی قتل الی آخر ما ذکر* و فی المنتقی لما فشا فی الناس خبر قتل رسول اللّه صاح ثابت بن الدحداح و قال یا معشر الانصار ان کان محمد قد قتل فان اللّه حی لا یموت فقاتلوا عن دینکم فنهض إلیه نفر من الانصار و قد وقعت له کثیبة خشناء فیها خالد بن الولید و عمرو بن العاص و عکرمة بن أبی جهل فحمل علیه خالد بالرمح فأنفذه فوقع میتا و قتل من کان معه و قیل انه برأ من جراحاته و مات علی فراشه من جرح کان أصابه ثم انتقض علیه و مات مرجع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الحدیبیة کذا فی الصفوة و ان رسول اللّه تبع جنازته و قتل عبد اللّه بن عمر و أبو جابر یوم أحد فما عرف الا ببنانه أی أصابعه و قیل أطرافها واحدتها بنانة* و فی المواهب اللدنیة ثبت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین انکشفوا عنه و ثبت معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرین فیهم أبو بکر الصدّیق و سبعة من الانصار* و فی معالم التنزیل ثلاثة عشر رجلا ستة من المهاجرین و هم أبو بکر و عمر و علی و طلحة و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص و الباقی من الانصار و فی البخاری لم یبق معه علیه السلام الا اثنا عشر* روی أن الملائکة حضرت یوم أحد لکن فی قتالهم خلاف و روی احمد بن سعد بن ابی وقاص انه قال رأیت عن یمیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عن یساره یوم أحد رجلین علیهما ثیاب بیض یقاتلان عنه کأشدّ القتال ما رأیتهما قبل و لا بعد و قد أخرجه الشیخان* و فی روایة مسلم یعنی جبریل و میکائیل کذا فی الوفاء* و عن علی بن أبی طالب لما غلب المشرکون و اختلط الناس غاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن نظری فذهبت أطلبه فی القتلی فما وجدته فقلت فی نفسی ان رسول اللّه لا یفرّ فی القتال و لیس فهو فی القتلی فما أظنّ الا ان اللّه تعالی قد غضب علینا بسوء فعلنا فرفع نبیه من بیننا فالاولی أن اقاتل المشرکین حتی أقتل فسللت سیفی و حملت علی جماعة من المشرکین فانکشفوا فاذا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حیا سویا فعرفت ان اللّه تعالی حفظه بملائکته الکرام* قال ابن اسحاق لما کان یوم أحد انجلی القوم عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بقی سعد بن مالک یرمی و فتی شاب ینبل له فلما فنی النبل أتاه به فنثره فقال ارم أبا اسحاق ارم أبا اسحاق مرّتین فلما انجلت المعرکة سئل عن ذلک الفتی فلم یعرف فقول مجاهد لم تقاتل الملائکة فی معرکة لا فی أحد و لا فی غیره الا فی بدر و فیما سوی ذلک یشهدون القتال و لا یقاتلون و انما یکونون عددا و مددا قال البیهقی أراد أنهم لم یقاتلوا یوم أحد عن القوم حین عصوا الرسول و لم یصبروا علی ما أمرهم به* و عن عروة بن الزبیر کان اللّه تعالی وعدهم علی الصبر و التقوی أن یمدّهم بخمسة آلاف من الملائکة مسوّمین و کان قد فعل فلما عصوا ما أمر الرسول و ترکوا مصافهم و ترکت الرماة عهده إلیهم و أرادوا الدنیا رفع عنهم مدد الملائکة و أنزل اللّه و لقد صدقکم اللّه وعده اذ تحسونهم باذنه فصدق اللّه وعده و أراهم الفتح فلما عصوا عقبهم البلاء کذا فی الوفاء و قیل معنی لم تقاتل الملائکة انها لم تقاتل علی سبیل العموم أی غیر جبریل و میکائیل و أما هما فکانا علی صورة رجلین علیهما ثیاب بیض عن یمین رسول اللّه و عن یساره یحفظانه و یقاتلان الکفار قال ابن اسحاق و کان أوّل من عرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد الهزیمة و تحدّث الناس بقتله کعب بن مالک الانصاری قال عرفت عینیه تزهران تحت المغفر فنادیت بأعلی صوتی یا معشر المسلمین ابشروا هذا رسول اللّه* و فی روایة مسلم حیا سالما سویا فأشار الیّ أن انصت فلما عرف المسلمون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نهضوا به و نهض معهم نحو الشعب معه أبو بکر الصدّیق و عمر بن الخطاب و علی بن أبی طالب و طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوّام و الحارث بن الصمة و رهط من المسلمین فلما أسند رسول اللّه فی الشعب أدرکه أبی ابن خلف و هو یقول أین محمد
لا نجوت ان نجا فقال القوم یا رسول اللّه أ یعطف علیه رجل منا قال دعوه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:436
فلما دنا تناول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الحربة من الحارث بن الصمة یقول بعض القوم فلما أخذها رسول اللّه انتفض بها انتفاضة تطایرنا عنه تطایر الشعراء من ظهر البعیر اذا انتفض بها ثم استقبله فطعنه فی عتقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا و کان أبی بن خلف یلقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة فیقول یا محمد ان عندی العود فرسا أعلفه کل یوم فرقا من ذرة أقتلک علیه فیقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنا أقتلک ان شاء اللّه تعالی فلما رجع الی قریش و قد خدشه فی عنقه خدشا غیر کبیر فاحتقن الدم قال قتلنی و اللّه محمد قالوا له ذهب و اللّه فؤادک و اللّه ان بک من بأس قال انه قد کان قال لی بمکة أنا أقتلک فو اللّه لو بصق علیّ لقتلنی فمات عدوّ اللّه بسرف و هم قافلون به الی مکة رواه البیهقی و أبو نعیم و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما قاله یومئذ اشتدّ غضب اللّه علی رجل قتله رسول اللّه فسحقا لاصحاب السعیر و فی روایة أو قتل رسول اللّه قال الواقدی و کان عبد اللّه بن عمر یقول مات أبی بن خلف ببطن رابغ فانی لا سیر ببطن رابغ بعد هوی من اللیل اذ نار تأجج لی فهبتها فاذا رجل یخرج منها فی سلسلة یجتذبها یصیح العطش فاذا رجل یقول لا تسقه فان هذا قتیل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبی بن خلف رواه البیهقی* و فی الشفاء لما طلع أبی بن خلف اعترضه رجال من المسلمین قال النبیّ هکذا خلوا سبیله و فی روایة اشتدّ علیه الزبیر و معه حربة قال صلّی اللّه علیه و سلم دعه فلما دنا منه أخذ الحربة من الزبیر و فی روایة من طلحة بن عبید اللّه و فی روایة من سهل بن حنیف و شدّ علیه فطعنه بها فدق ترقوته و خرّ صریعا و أدرکه المشرکون و ارتثوه و فی روایة رماه بها و ضرب تحت ابطه و کسر ضلعا من اضلاعه فرجع الی قریش یرکض فرسه حتی بلغ قومه و هو یخور کخوار الثور و یقول قتلنی محمد و یقول أصحابه لیس علیک بأس قال بلی لو کانت هذه الطعنة بربیعة و مضر لقتلتهم* و فی روایة لو کان ما بی بجمیع الناس لقتلهم* و فی روایة قال له أبو سفیان ویلک ما بک الاخدشة قال ویلک یا ابن حرب ما تعلم من ضربها أما ضربها محمد و انه قد قال لی سأقتلک فعلمت انه قاتلی و لا أنجو منه و لو بصق علیّ بعد تلک المقالة لقتلنی و انی لاجد من هذه الطعنة ألما و اللات و العزی لو قسم علی جمیع أهل الحجاز لهلکوا و کان یصرخ و یخور حتی مات بسرف أو بمر الظهران علی أمیال من مکة کذا فی الشفاء و معالم التنزیل و فی الینابیع و لما نادی ابلیس ثلاث مرّات ألا ان محمدا قد قتل سمعوا صوته فی جوانب العسکر فبلغ الصوت أبا بکر و عمرو علیا فنسوا ما بهم من جراحاتهم و بکوا حتی أتاهم رجل فرآهم جلوسا محزونین فقال لهم ما لکم قالوا سمعنا خبر قتل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتحیرنا فقال الرجل انی مررت الآن علی القتلی فنظرت إلیهم فرأیت النبیّ فی موضع کذا حیا سالما یتهلل وجهه کالقمر لیلة البدر فقاموا إلیه مع الجراحات و اجتمعوا لدیه و رفعوه من مکانه فاعتنق علیا و وضع یده علی منکبه حتی رکبوه علی فرسه مرّة اخری فلما رأی المشرکون انه حیّ حملوا علیه فاعترضهم سماک بن خرشة و حمل علیهم حتی هزمهم و فرّقهم* و فی صح السحابة أفرد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد فی سبعة من الانصار و رجلین من قریش فلما رهقوه قال من یردّهم عنا و له الجنة أو هو رفیقی فی الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتی قتل ثم رهقوه أیضا فقال من یردّهم عنا و له الجنة أو هو رفیقی فی الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتی قتل فلم یزالوا کذلک حتی قتل سبعة فقال رسول اللّه لصاحبیه ما أنصفنا أصحابنا* قوله أفرد أی أفرز و عزل و نحی عن الجمع و قوله رهقوه أی دنوا منه و کان سلمان جعل نفسه وقایة له من وراء ظهره من سهام الکفار و أذاهم و یقول نفسی فداء لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و العباس بن عبد المطلب ممسک بعنان فرسه یقوده و علی بن أبی طالب مع
انه مجروح مکسور الید حمل علی الکفار فهزمهم فجاء جبریل و قال یا محمد من ذا الذی بارز الکفار آنفا فان اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:437
باهی به الملائکة قال هو علیّ فانحازوا به الی أحد فلم یقدر أن یصعده بالفرس فحوّل رجله الی الجانب الآخر و اعتمد علی منکب علیّ فنزل عن الفرس و صعد الجبل فجلس و جلس أصحابه حوله و کان صلی اللّه علیه و سلم یلتفت الی الجوانب فقالوا من ترید یا رسول اللّه فأقبل علی علیّ و قال هل عندک خبر من عمک فأخبره علیّ بما وقع فبکی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الاصحاب هذا ما فی الینابیع و فیه بعض المخالفة لما هو المشهور* قال ابن اسحاق فلما انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی فم الشعب خرج علیّ بن أبی طالب حتی ملأ درقته من المهراس* فی المواهب اللدنیة المهراس صخرة منقورة تسع کثیرا من الماء و قیل هو اسم ماء بأحد* و فی خلاصة الوفاء هو ماء بأقصی شعب أحد یجتمع من المطر فی نقرة هناک فجاء به الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیشرب منه فوجد له ریحا فعافه فلم یشرب منه و غسل عن وجهه الدم وصب علی رأسه و هو یقول اشتدّ غضب اللّه علی من أدمی وجه نبیه فبینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الشعب معه أولئک النفر من أصحابه اذ علت عالیة من قریش الجبل* قال ابن هشام کان علی تلک الخیل خالد بن الولید فقال رسول اللّه اللهمّ انه لا ینبغی لهم أن یعلونا فقاتل عمر بن الخطاب و رهط معه من المهاجرین حتی أهبطوهم من الجبل و نهض رسول اللّه الی صخرة من الجبل لیعلوها فلم یستطع و قد کان بدن و ظاهر یومئذ بین درعین فجلس تحته طلحة بن عبید اللّه فنهض به حتی استوی علیها فقال صلّی اللّه علیه و سلم أوجب طلحة کذا رواه الترمذی و أورده فی الریاض النضرة بتغییر یسیر عن عبد اللّه بن الزبیر عن أبیه قال کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم احد علیه درعان فذهب لینهض علی صخرة فلم یستطع فبرک طلحة بن عبید اللّه تحته و صعد رسول اللّه علی ظهره حتی صعد فی الصخرة قال الزبیر سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول أوجب طلحة أخرجه احمد و الترمذی و قال حسن صحیح کذا قاله أبو حاتم و اللفظ للترمذی عن عائشة بنت طلحة قالت لما کان یوم أحد کسرت رباعیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و شج وجهه و علاه الغشی فجعل طلحة یحمله و یرجع القهقری و کلما أدرکه أحد من المشرکین قاتل دونه حتی أسنده الی الشعب أخرجه الفضائلی و فی روایة قیل و ما أوجب قال الجنة* قال ابن هشام و بلغنی عن عکرمة عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم یبلغ الدرجة النبیة من الشعب و صلّی رسول اللّه الظهر یومئذ قاعدا من الجراح التی أصابته و صلّی المسلمون خلفه قعودا* و فی معالم التنزیل و لما انتهی صلّی اللّه علیه و سلم الی أصحاب الصخرة فرأوه وضع رجل من أصحابه سهما فی قوسه و أراد أن یرمیه فقال أنا رسول اللّه فلما سمعوا ذلک فرحوا به و فرح بهم حین رأی فی أصحابه من یمتنع به و اجتمعوا حوله و تراجع الناس فأقبلوا یذکرون الفتح و ما فاتهم منه و یذکرون أصحابهم الذین قتلوا فأقبل أبو سفیان و أصحابه حتی وقفوا بباب الشعب فلما نظر المسلمون إلیهم همهم ذلک فظنوا أنهم یمیلون علیهم فیقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم فرفع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده و قال اللهم لیس لهم أن یعلونا اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد فی الارض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتی أنزلوهم و فی روایة قذف اللّه فی قلوبهم الرعب حتی وقفوا مکانهم* قال ابن اسحاق و قد کان الناس انهزموا عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی انتهی بعضهم الی المنقی دون الاعوص و قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة أن رجلا منهم کان یدعی حاطب بن أمیة بن رافع و کان له ابن یقال له یزید بن حاطب أصابته جراحة یوم أحد فأتی به الی دار قومه و هو بالموت فاجتمع إلیه أهل الدار فجعل المسلمون من الرجال و النساء یقولون أبشر یا ابن حاطب بالجنة و کان أبوه حاطب شیخا قد عاش فی الجاهلیة فنجم یومئذ نفاقه فقال بأی شی‌ء تبشرون یزید لقد غررتم و اللّه هذا الغلام من نفسه* و قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة قال کان فینا رجل لا ندری ممن هو
یقال له قزمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:438
و کان رسول اللّه یقول اذا ذکر انه لمن أهل النار فلما کان یوم أحد قاتل قتالا شدیدا فقتل وحده ثمانیة أو سبعة من المشرکین و کان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل الی دار بنی ظفر قال فجعل رجال من المسلمین یقولون له و اللّه لقد أبلیت الیوم یا قزمان فابشر قال بما ذا أبشر فو اللّه ان قاتلت الا عن أحساب قومی و لو لا ذلک لما قاتلت فلما اشتدّت علیه جراحته أخرج سهما من کنانته فقتل به نفسه و قال ابن اسحاق و کان ممن قتل یوم أحد مخیریق من أحبار یهود و کان أحد بنی ثعلبة بن الطیفون قال لما کان یوم أحد قال یا معشر یهود و اللّه لقد علمتم أن نصر محمد علیکم لحق قالوا ان الیوم یوم السبت قال لا سبت فأخذ سیفه وعدته و قال ان أصبت فما لی لمحمد یصنع فیه ما شاء ثم غدا الی رسول اللّه فقاتل معه حتی قتل فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مخیریق خیر یهود* و قال ابن اسحاق و کان ممن قتل یوم أحد المجدر بن زیاد البلوی قتله الحارث بن سوید بن صامت بن عطیة* و فی المنتقی روی محمد بن سعد عن أشیاخه قالوا کان سوید بن الصامت قد قتل زیادا أبا المجدر فی وقعة التقوا فیها فلما کان بعد ذلک لقی المجدر سویدا خالیا فی مکان و هو سکران و لا سلاح معه فقال له قد أمکننی اللّه منک قال و ما ترید قال قتلک فقتله فهیج قتله وقعة بعاث و ذلک قبل الاسلام فلما قدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة أسلم الحارث بن سوید و مجدر ابن زیاد فجعل الحارث یطلب مجدرا لیقتله بأبیه فلا یقدر علیه فلما کان یوم أحد و جال الناس تلک الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه فلما رجع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أتاه جبریل فأخبره أن الحارث قتل مجدرا غیلة و أمره أن یقتله به فرکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی قباء ذلک الیوم فی یوم حارّ فدخل مسجد قباء فصلی فیه و سمعت به الانصار فجاءت تسلم علیه و أنکروا اتیانه فی تلک الساعة حتی طلع الحارث بن سوید فی ملحفة مورسة فلما رآه رسول اللّه دعا عویمر بن ساعدة فقال قدّم الحارث بن سوید الی باب المسجد فاضرب عنقه بمجدر بن زیاد فانه قتله غیلة فقال الحارث قد و اللّه قتلته و ما کان قتلی ایاه رجوعا عن الاسلام و لا ارتیابا فیه و لکنه حمیة الشیطان و أمر و کلت فیه الی نفسی و أتوب الی اللّه و الی رسوله و جعل یمسک برکاب رسول اللّه و رجل رسول اللّه فیه و رجل فی الارض و بنو مجدر حضور و لا یقول لهم رسول اللّه شیئا فلما استوعب کلامه قال قدّمه یا عویمر فاضرب عنقه و رکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قدّمه عویمر و ضرب عنقه* و کان عمرو بن ثابت بن وقش أصیرم بنی عبد الاشهل یأبی الاسلام علی قومه فلما کان یوم أحد بدا له فی الاسلام فأسلم ثم أخذ سیفه فغدا حتی دخل فی عرض الناس فقاتل حتی أثبتته الجراحة فبینا رجال من بنی عبد الاشهل یلتمسون قتلاهم فی المعرکة اذا هم به فقالوا و اللّه ان هذا للأصیرم ما جاء به لقد ترکناه و انه لمنکر لهذا الحدیث فسألوه ما جاءک یا عمرو أحرب علی قومک أم رغبة فی الاسلام قال بل رغبة فی الاسلام آمنت باللّه و رسوله و أسلمت ثم أخذت سیفی فغدوت مع رسول اللّه ثم قاتلت حتی أصابنی ما أصابنی ثم لم یلبث أن مات فی أیدیهم فذکروه لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال انه لمن أهل الجنة و کان أبو هریرة یحدّث عن رجل دخل الجنة لم یصل قط و هو أصیرم بنی عبد الاشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال ابن اسحاق ان عمرو بن الجموح کان رجلا أعرج شدید العرج و کان له بنون أربعة مثل الاسد یشهدون مع رسول اللّه المشاهد فلما کان یوم أحد أرادوا حبسه و قالوا له ان اللّه قد عذرک فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال أی نبیّ اللّه ان بنیّ یریدون أن یحبسونی عن هذا الوجه و الخروج معک فیه فو اللّه انی لأرجو أن أطأ بعرجتی هذه فی الجنة فقال رسول اللّه أما أنت فقد عذرک اللّه فلا جهاد علیک و قال لبنیه ما علیکم أن لا تمنعوه لعل اللّه یرزقه شهادة فخرج معه فقتل
یوم أحد*

تمثیل النسوة بقتلی أحد

و وقعت هند بنت عتبة و النسوة اللاتی معها یمثلن بالقتلی من المسلمین یجد عن الآذان و الانوف حتی اتخذت هند من آذان الرجال و أنوفهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:439
خدما و قلائد و أعطت خدمها و قلائدها و قرطیها وحشیا قاتل حمزة و بقرت عن کبد حمزة فلاکتها فلم تستطع أن تسیغها فلفظتها ثم علت علی صخرة مشرفة فصرخت بأعلی صوتها فقالت
نحن جزیناکم بیوم بدرو الحرب بعد الحرب ذات سعر
ما کان من عتبة لی من صبرو لا أخی و عمه و بکر
شفیت نفسی و قضیت نذری‌شفیت وحشیّ غلیل صدری
فشکر وحشیّ علیّ عمری‌حتی ترم أعظمی فی قبری فأجابتها هند بنت اثاثة بنت عباد بن المطلب فقالت
خزیت فی بدر و بعد بدریا بنت وقاع عظیم الکفر
صبحک اللّه غداة الفجربالهاشمیین الطوال الزهر
بکل قطاع حسام یفری‌حمزة لیثی و علیّ صقری
إذ رام شیب و أبوک غدری‌فخضبا منه ضواحی النحر
و نذرک الشر فشر نذر
و قالت هند بنت عتبة أیضا
شفیت من حمزة نفسی بأحدحین بقرت بطنه عن الکبد
أذهب عنی ذاک ما کنت أجدمن لوعة الحزن الشدید المتقد
و الحرب تعلوکم بشؤبوب بردتقدم اقداما علیکم کالاسد و قالت هند بنت عتبة حین انصرف المشرکون عن أحد
رجعت و فی نفسی بلا بل جمةو قد فاتنی بعض الذی کان مطلبی
من اصحاب بدر من قریش و غیرهم‌بنی هاشم منهم و من آل یثرب
و لکننی قد نلت شیئا و لم یکن‌کما کنت أرجو فی مسیری و مرکبی و هند هذه أمّ معاویة بن أبی سفیان و کانت امرأة فیها مکارة و ذکورة و لها نفس آنفة و کان المسلمون قد أصابوا یوم بدر أباها عتبة و عمها شیبة و أخاها الولید فأصابها من ذلک ما یصیب النفوس الشهمة و القلوب الکافرة فخرجت الی أحد مع زوجها ابی سفیان تبغی الانتصار و تطلب الاوتار فهذا قولها یرحمها اللّه و الوتر یقلقها و الکفر یخنقها و الحزن یحرقها و الشیطان ینطقها ثم انّ اللّه سبحانه هداها الی الاسلام و عبادة اللّه و ترک الاصنام و أخذ بحجزتها عن سواء النار و دلها علی دار السلام فصلحت حالها و تبدّلت أقوالها حتی قالت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فبما قالت و اللّه یا رسول اللّه ما کان علی وجه الارض أهل خباء أحب الیّ أن یذلوا من أهل خبائک و ما أصبح الیوم علی الارض اهل خباء احب الیّ ان یعزوا من أهل خبائک أو نحو هذا من القول* فالحمد للّه الذی هدانا برسوله اجمعین و ایاه نسأل أن یمیتنا علی خیر ما هدانا إلیه لا مبدّلین و لا مغیرین هذا کله فی الاکتفاء* قال ابن اسحاق و قد کان الجلیس بن زیان أخو بنی الحارث بن عبد مناة و هو یومئذ سید الأحابیش قد مر بأبی سفیان و هو یضرب فی شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح و یقول ذق عقق فقال الجلیس یا بنی کنانة هذا سید قریش یصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال و یحک اکتمها عنی فانها کانت زلة ثم ان أبا سفیان حین أراد الانصراف أشرف علی الجبل ثم صرخ بأعلی صوته أنعمت فعال ان الحرب سجال یوم بیوم بدر أعل هبل أی أظهر دینک کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة و کان أبو سفیان حین أراد الخروج من مکة الی أحد کتب علی سهم نعم و علی الآخر لا و أجالهما عند هبل فخرج سهم نعم فخرج
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:440
الی أحد فلما قال أعل هبل أی زد علوّا قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قم یا عمر فأجبه فقل اللّه أعلی و أجل فقال أبو سفیان انعمت فعال أی اترک ذکرها فقد صدقت فی فتواها و أنعمت أی أجابت ینعم فقال عمر لا سواء قتلانا فی الجنة و قتلاکم فی النار* و فی الصحیح من حدیث البراء ان أبا سفیان قال ان لنا العزی و لا عزی لکم فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أجیبوه قالوا ما نقول قال قولوا اللّه مولانا و لا مولی لکم و فی الصحیح أیضا ان أبا سفیان أشرف یوم أحد فقال أ فی القوم محمد ثلاث مرّات فنهاهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یجیبوه فقال أ فی القوم ابن أبی قحافة ثلاث مرّات قال لا تجیبوه فقال أ فی القوم ابن الخطاب ثلاث مرّات فنهاهم أن یجیبوه فلما لم یجبه أحد رجع الی أصحابه فقال أما ان هؤلاء قد قتلوا و قد کفیتموهم و لو کانوا أحیاء لاجابوا فعند ذلک لم یملک عمر نفسه فقال کذبت یا عدوّ اللّه ان الذین عددتهم لاحیاء کلهم و قد أبقی اللّه لک ما یخزیک و فی المنتقی ما یسوؤک* قال ابن اسحاق فلما اجاب عمر أبا سفیان قال له هلم الیّ یا عمر فقال رسول اللّه لعمر ائته فانظر ما شأنه فجاء فقال له أبو سفیان أنشدک باللّه یا عمر أ قتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا و انه لیسمع کلامک الآن قال أنت أصدق عندی من ابن قمیئة و أبرّ لقول ابن قمیئة لهم انی قتلت محمدا ثم نادی أبو سفیان انه قد کان فی قتلاکم مثل و اللّه ما رضیت و ما سخطت و ما أمرت و ما نهیت و لما انصرف أبو سفیان و من معه نادی ان موعدکم بدر العام القابل فقال رسول اللّه لرجل من أصحابه قل نعم هو بیننا و بینکم موعد و فی المنتقی هو بیننا میعاد و فی الکشاف روی أن أبا سفیان نادی عند انصرافه من أحد یا محمد موعدنا موسم بدر القابل ان شئت فقال صلّی اللّه علیه و سلم ان شاء اللّه و فی الکشاف قذف اللّه فی قلوب المشرکین الخوف یوم أحد فانهزموا الی مکة من غیر سبب و لهم القوّة و الغلبة ثم بعث رسول اللّه علیّ بن أبی طالب قال اخرج فی آثار القوم فانظر ما ذا یصنعون و ما ذا یریدون فان کانوا قد جنبوا الخیل و امتطوا الابل فهم یریدون مکة و ان رکبوا الخیل و ساقوا الابل فهم یریدون المدینة و الذی نفسی بیده لئن أرادوها لاسیرن إلیهم فیها ثم لأناجزنهم فیها فخرج علیّ فرآهم قد جنبوا الخیل و امتطوا الابل و وجهوا الی مکة* و فی روایة تخوف المسلمون أن تکون قریش تذهب الی المدینة للغارة فبعث علیا أو سعد بن أبی وقاص أو هما و باقی الحدیث علی حاله* و فی الینابیع ثم بعث علیا الی المدینة یخبر أهلها ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حیّ سالم و فزع الناس الی قتلاهم و انتشروا یبغونهم فلم یجدوا قتیلا الا و قد مثلوا به الا حنظلة بن أبی عامر فان أباه کان مع المشرکین فترکوه له و زعموا أن أباه وقف علیه قتیلا فدفع صدره بقدمه و قال قد تقدّمت إلیک فی مصرعک و لعمر اللّه ان کنت لو اصلا للرحم برّا بالوالدة و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من رجل ینظر لی ما فعل سعد بن الربیع أ فی الاحیاء هو أم فی الاموات* و فی الصفوة و أرسل علیه الصلاة و السلام محمد بن مسلمة کما ذکره الواقدی ینادی فی القتلی یا سعد بن الربیع مرّة بعد أخری فلم یجبه حتی قال ان رسول اللّه أرسلنی أنظر ما ذا صنعت فأجاب بصوت ضعیف فوجده صریعا فی القتلی و به رمق فقال أبلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنی السلام و قل له یقول لک سعد بن الربیع جزاک اللّه عنا خیر ما جزی به نبیا عن أمّته و أبلغ قومک عنی السلام و قل لهم ان سعد بن الربیع یقول لکم انه لا عذر لکم عند اللّه أن یخلص الی نبیکم و فیکم عین تطرف ثم مات عن جراحاته* و فی الاکتفاء قال ثم لم أبرح حتی مات فجئت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبرته خبره* و ذکر الطبرانی انه لما انصرف المشرکون خرج النساء الی الصحابة یعنهم* و فی المواهب اللدنیة خرجت أربع عشرة امرأة من أهل البیت و غیرها و
خرجت عائشة و فاطمة* و فی البخاری روی أن عائشة بنت أبی بکر و أمّ سلیم لمشمرتان یری خدم سوقهما ینقلان القرب علی متونهما یفرغان فی أفواه القوم ثم ترجعان و تملآنها ثم تجیئان و تفرغان فی أفواه القوم و فی البخاری عن عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:441
ابن الخطاب ان أمّ سلیط و هی من نساء الانصار بایعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کانت تزفر لنا القرب یوم أحد و کانت فاطمة فیمن خرج فلما لقیت النبیّ اعتنقته و زاد فی روایة و بکت ورق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رقة شدیدة و جعل علیّ یجی‌ء بالماء من المهراس فی درقته و فاطمة تغسل جراحاته فیزداد الدم فلما رأت ذلک أخذت شیئا من حصیر أحرقته بالنار و کمدته به حتی لصق بالجرح فاستمسک الدم کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة أخری فحشی به رواهما البخاری و کان صلّی اللّه علیه و سلم یداوی جراحه بالعظام الرمیم حتی لم یبق أثر* و روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سأل عن حمزة یوم أحد فذهب الحارث بن الضمة ثم علیّ بن أبی طالب یلتمسانه فوجداه قد بقر بطنه و أخذ کبده و مثل به فرجعا و أخبراه بذلک قال ابن اسحاق و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادی قد بقر بطنه عن کبده و مثل به فجدع أنفه و أذناه فقال رسول اللّه حین رأی ما رأی لو لا ان تحزن صفیة و تکون سنة من بعدی لترکته حتی یکون فی بطون السباع و حواصل الطیر* و فی الصفوة لسرّنی أن أدعک حتی تحشر من أفواه شتی و لئن أظهرنی اللّه علی قریش یوما من الدهر فی موطن من المواطن لا لأمثلنّ بثلاثین رجلا منهم فلما رأی المسلمون حزن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و غیظه علی من فعل بعمه ما فعل قالوا و اللّه لئن أظهرنا اللّه بهم یوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم یمثلها أحد من العرب* و فی الصفوة فنظر الی شی‌ء لم ینظر الی شی‌ء قط أوجع لقلبه منه* و فی الاکتفاء لما وقف علی حمزة قال لن أصاب بمثلک أبدا ما وقفت موقفا قط أغیظ لی من هذا* و فی ذخائر العقبی عن جابر بن عبد اللّه قال لما رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حمزة قتیلا بکی و لما رأی ما مثل به شهق انتهی و کان یحبه حبا شدیدا لانّ حمزة کان عمه و أخاه من الرضاعة فقال رحمة اللّه علیک لقد کنت فعولا للخیر وصولا للرحم أم و اللّه لامثلن بسبعین منهم مکانک و کذا فی المواهب اللدنیة فنزل جبریل و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم واقف بعد بخواتیم سورة النحل* و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خیر للصابرین فعفا رسول اللّه و صبر* و فی روایة قال أصبر و نهی عن المثلة* و فی روایة و کفر عن یمینه و استغفر لحمزة سبعین مرّة عوضا عنها قال ابن اسحاق ثم قال صلّی اللّه علیه و سلم جاءنی جبریل فأخبرنی ان حمزة مکتوب فی أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه و أسد رسوله ثم أمر به رسول اللّه فسجی ببرد و أقبلت صفیة بنت عبد المطلب لتنظر الی حمزة و کان أخاها لابیها و أمّها فقال صلّی اللّه علیه و سلم لابنها الزبیر بن العوّام القها فارجعها لا تری ما بأخیها فقال لها یا أمه ان رسول اللّه یأمرک أن ترجعی قالت و لم و قد بلغنی أن قد مثل بأخی و ذلک فی اللّه قلیل فما أرضانا بما کان من ذلک لاحتسبن و لأصبرنّ ان شاء اللّه فلما أخبر الزبیر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال له خل سبیلها فأتته فنظرت إلیه فصلت علیه و استرجعت و استغفرت له کذا فی الاکتفاء* و فی الصفوة عن عروة بن الزبیر عن الزبیر قال لما کان یوم أحد أقبلت امرأة تسعی حتی اذا کادت تشرف علی القتلی قال فکره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن تراه فقال المرأة المرأة قال الزبیر فتوسمت أنها أمی صفیة فخرجت أسعی إلیها فأدرکتها قبل أن تنتهی الی القتلی قال فلدمت فی صدری و کانت امرأة جلدة و قالت إلیک لا أرض لک فقلت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عزم علیک فوقفت و أخرجت ثوبین معها فقالت هذان جئت بهما لاخی حمزة فقد بلغنی مقتله فکفنوه بهما فجئنا بالثوبین لنکفن فیهما حمزة فاذا الی جنبه رجل من الانصار قتیل قد فعل به کما فعل بحمزة فوجدنا غضاضة و حیاء أن نکفن حمزة فی ثوبین و الانصاری لا کفن له فقلنا لحمزة ثوب و للانصاری ثوب فقدّرناهما فکان أحدهما أکبر من الآخر فأقر عنا بینهما فکفنا کل واحد منهما فی الثوب
الذی طار له* و فی ذخائر العقبی فأصاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:442
الانصاری و اسمه سهیل أکبر الثوبین فکفن رسول اللّه حمزة بالصغیر و کان اذا مدّه علی وجهه خرجت قدماه و اذا مدّه علی قدمیه خرج وجهه فغطی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وجهه و لف علی قدمیه لیفا و اذ خرا و وضعه فی القبلة ثم وقف علی جنازته و انتحب حتی نشغ من البکاء یقول یا حمزة یا عم رسول اللّه و أسد اللّه و أسد رسوله یا حمزة یا فاعل الخیرات یا حمزة یا کاشف الکربات یا حمزة یا ذاب عن وجه رسول اللّه قال فطال بکاؤه* و الانتحاب رفع الصوت بالبکاء و النشغ الشهیق حتی یبلغ به الغشی* قتل حمزة رضی اللّه عنه علی رأس اثنین و ثلاثین شهرا من الهجرة و کان یوم قتل له تسع و خمسون سنة ثم صلّی علیه سبع تکبیرات ثم یؤتی بالقتلی یوضعون الی جنب حمزة فیصلی علیهم و علیه معهم حتی صلّی علیه ثنتین و سبعین صلاة کذا فی الطیبی*

دعاء عبد اللّه بن جحش و سعد بن أبی وقاص‌

و فی الاکتفاء ثم أمر به رسول اللّه فدفن و زعم آل عبد اللّه بن جحش ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دفن عبد اللّه بن جحش مع حمزة فی قبره قاله الواقدی و عبد اللّه بن اخته أمیمة بنت عبد المطلب و کان قد مثل به کما مثل بخاله حمزة الا انه لم یبقر عن کبده و جدع أنفه و أذناه فلذلک یقال له المجدع فی اللّه و کان أوّل النهار قد لقی سعد بن أبی وقاص فقال له عبد اللّه هلم یا سعد فلندع اللّه و لیذکر کل واحد منا حاجته فی دعائه و لیؤمّن الآخر فخلوا فی ناحیة فقال سعد یا رب اذا لقیت العدوّ غدا فلقنی رجلا شدیدا بأسه شدیدا حرده أقاتله فیک و یقاتلنی ثم ارزقنی الظفر علیه حتی أقتله و أسلبه أو قال آخذ سلبه فأمّن عبد اللّه بن جحش علی دعائه ثم قال اللهم ارزقنی رجلا شدیدا بأسه شدیدا حرده أقاتله فیک و یقاتلنی فیقتلنی ثم یجدع أنفی و أذنی فاذا لقیتک غدا قلت لی یا عبد اللّه فیم جدع أنفک و أذناک فأقول فیک یا رب و فی رسولک فتقول لی صدقت فأمّن سعد علی دعوته قال سعد کانت دعوة عبد اللّه خیرا من دعوتی لقد رأیته آخر النهار و ان أذنیه و أنفه معلقان فی خیط و لقیت انا فلانا من المشرکین فقتلته و أخذت سلبه قال الواقدی قتل عبد اللّه بن جحش یوم احد قتله ابو الحکم بن الاخنس ابن شریق و کان له یوم قتل بضع و أربعون سنة و ولی رسول اللّه ترکته و أخذ منها سیفه العرجون فاشتری لولده مالا بخیبر قال أجمع العلماء علی ان شهداء أحد لم یغلوا و قال علیه السلام زملوهم بثیابهم و دمائهم فانه لیس من یکلم کلمة فی اللّه الا و هو یأتی یوم القیامة یسیل منها الدم اللون لون الدم و الریح ریح المسک* و فی المواهب اللدنیة و لما أشرف علیه السلام علی القتلی قال أنا شهید علی هؤلاء و ما من جریح یجرح فی اللّه الا و اللّه یبعثه یوم القیامة یدمی جرحه اللون لون الدم و الریح ریح المسک* و روی عن بعض أئمة الحدیث أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یصل علی شهداء أحد و الائمة الشافعیة اخذوا بهذه الروایة و عن بعض ائمة الحدیث انه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی علی شهداء احد و عن ابن عباس انه صلّی اللّه علیه و سلم جعل یضع تسعة و حمزة و یصلی علیهم و علی حمزة فترفع التسعة و یترک حمزة و هکذا حتی فرغ منهم و عن ابن مسعود وضع حمزة فصلی علیه و جی‌ء برجل من الشهداء فوضع الی جنبه فصلی علیهما فرفع ذلک الرجل و ترک حمزة حتی صلّی علیه سبعین أو اثنتین و سبعین صلاة کما سبق و الائمة الحنفیة أخذوا بهذه الروایة* قال ابن اسحاق و قد احتمل ناس من المسلمین قتلاهم الی المدینة فدفنوهم بها ثم نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن ذلک و قال ادفنوهم حیث صرعوا کذا فی الاکتفاء* و فی المشکاة عن جابر قال لما کان یوم أحد جاءت عمتی بأبی لتدفنه فی مقابرنا فنادی منادی رسول اللّه ردّوا القتلی الی مضاجعهم رواه أحمد و الترمذی و أبو داود و النسائی و الدارمی و لفظه للترمذی* و فی المنتقی انّ الناس حملوا قتلاهم الی المدینة و دفنوهم بها فنادی منادی رسول اللّه ردّوا القتلی الی مضاجعهم فأدرک المنادی رجلا لم یکن دفن فردّ و هو شماس بن عثمان المخزومی* و فی المشکاة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال یوم أحد احفروا و أوسعوا و أعمقوا و أحسنوا و ادفنوا الاثنین و الثلاثة فی قبر و احد و قدموا أکثرهم قرآنا رواه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:443
أحمد و الترمذی و أبو داود و النسائی رواه ابن ماجه الی قوله و أحسنوا* و فی الاکتفاء و کانوا یدفنون الاثنین و الثلاثة فی القبر الواحد فدفنوا حمزة و عبد اللّه بن جحش فی قبر کما مرّ و نزل فی قبرهما أبو بکر و عمرو علی و الزبیر و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس علی حفرته و دفن خارجة بن زید و سعد بن الربیع فی قبر واحد و دفن نعمان بن مالک و عبد اللّه بن جحاش و مجدر بن زیاد الثلاثة فی قبر واحد قال ابن اسحاق ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال یومئذ حین أمر بدفن القتلی انظروا عمرو بن الجموح و عبد اللّه بن عمرو بن حرام فانهما کانا متصافیین فی الدنیا فاجعلوهما فی قبر واحد*

کرامة فی عدم تغیر أجساد الشهداء

و ذکر مالک بن أنس فی موطائه ان السیل حفر قبرهما بعد زمان فحفر عنهما لیغیرا من مکانهما فوجدا لم یتغیرا کأنما کانا بالامس و کان أحدهما قد جرح فوضع یده علی جراحته فدفن و هو کذلک فأمیطت یده عن جرحه فانبعث الدم ثم أرسلت فرجعت کما کانت و کان بین یوم احد و بین یوم حفر عنهما ست و اربعون سنة*

غریبة فی أمر معاویة بنبش قبور الشهداء بأحد

و فی الصفوة عن جابر بن عبد اللّه الانصاری قال لما أراد معاویة ان یجری عینه التی بأحد کتب الی عامله بالمدینة بذلک فکتبوا إلیه انا لا نستطیع أن نخرجها الاعلی قبور الشهداء فکتب معاویة أنبشوهم قال جابر فلقد رأیتهم یحملون علی أعناق الرجال کأنهم قوم نیام و أصابت المسحاة طرف رجل حمزة فانبعثت دما و فی المنتقی مثله* و فی معالم التنزیل عن ابن عباس قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما اصیب اخوانکم یوم أحد جعل اللّه عز و جل أرواحهم فی أجواف طیر خضر ترد أنهار الجنة و تأکل من ثمارها و تسرح من الجنة حیث شاءت و تأوی الی قنادیل من ذهب فی ظل العرش فلما وجدوا طیب مشربهم و مأکلهم و حسن مقیلهم قالوا یا لیت اخواننا یعلمون ما صنع اللّه بنا لئلا یزهدوا فی الجهاد و لا ینکلوا عن الحرب قال اللّه تبارک و تعالی فأنا أبلغهم عنکم فأنزل اللّه تعالی علی رسوله هذه الآیات و لا تحسبنّ الذین قتلوا فی سبیل اللّه أمواتا الی آخرها رواه أحمد* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الشهداء علی بارق نهر بباب الجنة فی قبة خضراء یخرج علیهم رزقهم من الجنة بکرة و عشیا و فی حدیث ابن مسعود فی شهداء أحد قال فیطلع اللّه علیهم اطلاعة فیقول یا عبادی ما تشتهون فأزیدکم فیقولون ربنا لا فوق ما أعطیتنا الجنة نأکل منها حیث نشاء ثم یطلع علیهم اطلاعة فیقول یا عبادی ما تشتهون فأزیدکم فیقولون ربنا لا فوق ما أعطیتنا الجنة نأکل منها حیث نشاء ثم یطلع علیهم اطلاعة فیقول یا عبادی ما تشتهون فأزیدکم فیقولون ربنا لا فوق ما أعطیتنا الجنة نأکل منها حیث نشاء الا أنا نحب أن تردّ أرواحنا فی أجسادنا ثم نردّ الی الدنیا فنقاتل فیک حتی نقتل مرّة أخری و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لجابر بن عبد اللّه أ لا أبشرک یا جابر قال بلی یا نبیّ اللّه قال ان أباک حیث اصیب بأحد احیاه اللّه ثم قال ما تحب یا عبد اللّه بن عمر و أن أفعل بک قال أی رب أحب أن تردّنی الی الدنیا فأقاتل فیک فأقتل مرّة أخری و فی روایة ابی بکر بن مردویه یا جابر الا اخبرک ما کلم اللّه احدا قط الا من وراء حجاب و انه کلم أباک کفاحا قال فسلنی أعطک قال اسألک أن اردّ الی الدنیا فأقتل فیک ثانیة فقال الرب عز و جل انه سبق منی انهم لا یرجعون الی الدنیا قال ای رب فأبلغ من ورائی فأنزل اللّه تعالی و لا تحسبن الذین قتلوا فی سبیل اللّه أمواتا الآیة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء قال رسول اللّه و الذی نفسی بیده ما من مؤمن یفارق الدنیا یحب أن یرجع إلیها ساعة من النهار و ان له الدنیا و ما فیها الا الشهید فانه یحب أن یردّ الی الدنیا فیقاتل فی اللّه فیقتل مرّة أخری قال ابن اسحاق ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم راجعا الی المدینة* و فی روایة فی آخر النهار فلقیته حمنة بنت جحش فلما لقیت الناس نعی لها أخوها عبد اللّه ابن جحش فاسترجعت و استغفرت له ثم نعی لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت و استغفرت له ثم نعی لها زوجها مصعب بن عمیر فصاحت و ولولت قال رسول اللّه ان زوج المرأة منها لبمکان لما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:444
رأی من تنبتها عند اخیها و خالها و صیاحها علی زوجها و مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدور من دور الانصار من بنی عبد الاشهل فاستقبلته کبشة بنت رافع أمّ سعد بن معاذ و کان علی فرسه و سعد ممسک بعنانه فقال یا رسول اللّه هذه أمی أقبلت إلیک قال مرحبا بها فجاءت حتی نظرت الی وجهه الکریم قالت بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه هانت علیّ کل مصیبة اذ سلمت فعزاها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بابنها عمرو بن معاذ و دعا لبنی عبد الاشهل فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم و أجرهم فی مصیبتهم و امر أن یأوی کل جریح منزله فنادی سعد لا یتبع رسول اللّه جریح من بنی عبد الاشهل و کان فیهم زها ثلاثین جریحا قال ابن اسحاق و مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدور من دور الانصار من بنی عبد الاشهل و بنی ظفر فسمع البکاء و النوائح علی قتلاهم فذرفت عینا رسول اللّه ثم قال لکن حمزة لا بواکی له فلما رجع سعد و أسید بن حضیر الی دار بنی عبد الاشهل امر نساءهم ان یتحزّمن ثم یذهبن فیبکین علی عم رسول اللّه فلما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بکاء هنّ علی حمزة خرج علیهنّ و هنّ علی باب مسجده یبکین علیه فقال ارجعن رحمکنّ اللّه فقد واسیتن بأنفسکنّ قال ابن هشام و نهی یومئذ عن النوح و حدّثنا أبو عبیدة ان رسول اللّه لما سمع بکاء هنّ قال رحم اللّه الانصار فان المواساة منهم ما علمت لقدیمة مروهنّ فلینصرفن* و فی روایة لما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لکن حمزة لا بواکی له الیوم سمعه قوم من الانصار فأتوا نساءهم فأقسموا علیهنّ باللّه لا یبکین أنصار یا اللیلة حتی یأتین نبیّ اللّه فیبکین عنده ففعلن فسمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صیاح النساء فی دار حمزة فسأل ما هذا فأخبر بالذی فعلت الانصار بنسائهم فقال لهم معروفا و نهی یومئذ عن النوح فبکرت إلیه نساء الانصار و قلن بلغنا یا رسول اللّه انک نهیت عن النوح و انما هو شی‌ء نندب به موتانا و نجد بعض الراحة فائذن لنا فیه فقال صلّی اللّه علیه و سلم ان فعلتن فلا تلطمن و لا تخمشن و لا تحلقن شعرا و لا تسلقن و لا تشققن جیبا کذا فی المنتقی قال ابن اسحاق مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بامرأة من الانصار و قد أصیب زوجها و أخوها و أبوها مع رسول اللّه بأحد فلما نعوا إلیها قالت ما فعل رسول اللّه قالوا خیرا یا أمّ فلان و هو بحمد اللّه کما تحبین قالت أرونیه حتی أنظر إلیه فأشیر لها إلیه حتی اذا رأته قالت کل مصیبة بعدک جلل ترید صغیرة و عبارة المنتقی عن أنس خرجت امرأة من الانصار فاستقبلت بأخیها و أبیها و ابنها و زوجها أمواتا قالت من هؤلاء قالوا أخوک و أبوک و ابنک و زوجک قالت ما فعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیقولون امامک فمشت حتی ذهبت الی رسول اللّه فأخذت بناحیة ثوبه ثم جعلت تقول بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لا أبالی اذ سلمت من عطب* و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمون المدینة ممسین و لیس فیها دار الا و فیها باکیة قال ابن اسحاق لما انتهی رسول اللّه الی أهله ناول سیفه ابنته فاطمة فقال اغسلی عن هذا دمه یا بنیة فو اللّه لقد صدقنی الیوم و ناولها علیّ بن أبی طالب سیفه فقال و هذا اغسلی عنه دمه فو اللّه لقد صدقنی الیوم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لئن کنت صدقت القتال لقد صدق معک سهل بن حنیف و أبو دجانة* و فی سح السحابة روی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأی علیا عند رجوعه من أحد یعطی سیفه فاطمة و یقول خذیه حمیدا فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لئن کان سیفک حمیدا فسیف أبی دجانة غیر ذمیم و ان صدقت القتال فقد صدق معک أبو دجانة قال ابن هشام و کان یقال لسیف رسول اللّه ذو الفقار* و قال بعض أهل العلم ان ابن أبی نجیح قال نادی مناد یوم أحد لا سیف الا ذو الفقار و لا فتی الا علیّ* و فی روضة الاحباب هکذا أورد هذا الحدیث بعض المحدّثین و أهل السیر فی کتبهم لکن الذهبی و هو محک الرجال ضعف راویه و کذبه فی کتاب میزان الاعتدال قال
ابن هشام و حدّثنی بعض أهل العلم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لعلیّ بن أبی طالب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:445
لا یصیب المشرکون منا مثلها حتی یفتح اللّه علینا و بات جماعة من الصحابة تلک اللیلة علی باب مسجد رسول اللّه خوفا من رجوع قریش و مکرهم و لما بکی المسلمون علی قتلاهم سرّ بذلک المنافقون و ظهر غش الیهود* و ذکر القاضی عیاض فی الشفاء عن القاضی أبی عبد اللّه بن المرابط من المالکیة أنه قال من قال انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هزم یستتاب فان تاب و الا قتل لانه تنقیص اذ لا یجوز ذلک علیه فی خاصته اذ هو علی بصیرة من أمره و یقین من عصمته کذا فی المواهب اللدنیة

* بیان الحکم الربانیة فی ابتلاء المسلمین‌

قال ابن اسحاق و کان یوم أحد یوم بلاء و مصیبة و تمحیص اختبر اللّه به المؤمنین و محق به المنافقین ممن کان یظهر الاسلام بلسانه و هو مستخف بالکفر فی قلبه و یوما أکرم اللّه فیه من أراد کرامته بالشهادة من أهل ولایته و قد کان فی قصة أحد و ما أصیب به المسلمون من الفوائد و الحکم الربانیة أشیاء عظیمة منها تعریف المسلمین سوء عاقبة المعصیة و شؤم ارتکاب النهی لما وقع من ترک الرماة موقفهم الذی أمرهم رسول اللّه أن لا یبرحوا منه* و منها ان عادة الرسل تبتلی و تکون لهم العاقبة و الحکمة فی ذلک لو انتصروا دائما لدخل فی المسلمین من لیس منهم و لم یتمیز الصادق من غیره و لو انکسروا دائما لم یحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحکمة الجمع بین الامرین لیتمیز الصادق من الکاذب و ذلک ان نفاق المنافقین کان مخفیا علی المسلمین فلما جرت هذه القصة و أظهر أهل النفاق ما أظهروه من القول و الفعل عاد التلویح تصریحا و عرف المسلمون انّ لهم عدوّا فی دورهم و بین أظهرهم و استعدّوا لهم و تحرزوا عنهم* و منها انّ فی تأخیر النصر فی بعض المواطن هضما للنفس و کسرا لشماختها فلما ابتلی المسلمون صبروا و جزع المنافقون* و منها انّ اللّه تعالی هیأ لعباده المؤمنین منازل فی دار کرامته لا تبلغها أعمالهم فقیض لهم أسباب الابتلاء و المحن لیصلوا إلیها* و منها انّ الشهادة من أعلی مراتب الاولیاء فساقهم إلیها بین یدی الرسول لیکون شهیدا علیهم* و منها انه أراد اهلاک أعدائه فقیض لهم الاسباب التی یستوجبون بها ذلک من کفرهم و بغیهم و طغیانهم فی أذی أولیائه فمحص ذنوب المؤمنین و محق بذلک الکافرین* قال ابن اسحاق و فی شأن أحد أنزل اللّه تعالی ستین آیة من آل عمران* و عن عبد الرحمن بن عوف أنزل اللّه فی شأن یوم أحد عشرین و مائة آیة من آل عمران و اذ غدوت من أهلک تبوئ المؤمنین مقاعد للقتال الی قوله أمنة نعاسا*

(ذکر شهداء أحد)

* قال ابن اسحاق استشهد یوم أحد من المسلمین مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المهاجرین ثم من بنی هاشم بن عبد مناف* حمزة ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف قتله وحشی غلام جبیر بن مطعم و من بنی أمیة بن عبد شمس* عبد اللّه بن جحش حلیف لهم من بنی أسد بن خزیمة و من بنی عبد الدار بن قصی مصعب بن عمیر قتله عبد اللّه بن قمیئة اللیثی و من بنی مخزوم بن یقظة شماس بن عثمان أربعة نفر* و من الانصار من بنی عبد الاشهل عمرو بن معاذ بن النعمان و الحارث بن أنس بن رافع و عمارة بن زیاد بن السکن و سلمة ابن ثابت بن وقش و عمرو بن ثابت بن وقش و قد زعم عاصم بن عمرو بن قتادة ان أباهما ثابتا قتل یومئذ و رفاعة بن وقش و حسبل بن جابر أبو حذیفة و هو الیمان أصابه المسلمون فی المعرکة و لا یدرون فتصدّق حذیفة بدینه علی من أصابه و صیفی بن قیظی و خباب بن قیظی و عباد بن سهل و الحارث بن أوس بن معاذ اثنا عشر رجلا* و من أهل رابح ایاس بن أوس بن عتیک الاشهلی و عبید بن التیهان قال ابن هشام و یقال عتیک بن التیهان و حبیب بن زید بن تیم ثلاثة نفر* و من بنی ظفر یزید بن حاطب ابن أمیة بن رافع رجل و من بنی عمرو بن عوف ثم من بنی ضبیعة بن زید أبو سفیان بن الحارث بن و قشر بن زید و حنظلة بن أبی عامر بن صیفی بن نعمان و هو غسیل الملائکة قتله شدّاد بن الاسود بن شعوب اللیثی رجلان و من بنی عبید بن زید أنیس بن قتادة رجل و من بنی ثعلبة بن عمرو بن عوف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:446
أبو حبة و هو أخو سعد بن خیثمة لامه قال ابن هشام أبو حبة بن عمرو بن ثابت قال ابن اسحاق و عبد اللّه بن جبیر بن النعمان و هو أمیر الرماة رجلان و من بنی السلم بن امرئ القیس بن مالک بن أوس خیثمة بن سعد بن خیثمة رجل و من حلفائهم من بنی العجلان عبد اللّه بن سلمة رجل و من بنی معاویة ابن مالک سبیع بن حاطب بن الحارث بن قیس بن هیشة رجل* و من بنی النجار ثم من بنی سواد ابن مالک بن غنم عمرو بن قیس و ابنه قیس بن عمرو* و ثابت بن عمرو بن زید* و عامر بن مخلد أربعة نفر* و من بنی مبذول أبو هبیرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالک بن مبذول* و عمرو بن مطرف بن علقمة رجلان و من بنی عمرو بن مالک* أوس بن ثابت بن المنذر رجل و هو أخو حسان بن ثابت* و من بنی عدی بن النجار أنس بن النضر بن ضمضم بن زید النجاری رجل* و من بنی مازن بن النجار* قیس بن مخلد و کیسان عبد لهم رجلان* و من بنی مازن بن النجار أیضا سلیم بن الحارث و نعمان بن عبد عمرو رجلان* و من بنی الحارث بن الخزرج خارجة بن زید بن أبی زهیر و سعد بن الربیع بن عمرو بن أبی زهیر دفنا فی قبر واحد و أوس بن الارقم بن زید بن قیس ثلاثة نفر* و من بنی الابجر و هم بنو خدرة مالک بن سنان بن عبید بن ثعلبة بن عبد بن الابجر و هو والد أبی سعید الخدری قال ابن هشام اسم أبی سعید سنان و یقال سعد قال ابن اسحاق و سعید بن سوید بن قیس بن عامر بن عباد بن الابجر و عتبة بن ربیع بن رافع بن معاویة ثلاثة نفر* و من بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد بن مالک الساعدی و ثقف بن فروة بن الیدی رجلان و من بنی ظریف رهط سعد بن عبادة عبد اللّه بن عمرو بن وهب بن ثعلبة و ضمرة حلیف لهم من جهینة رجلان و من بنی عمرو بن عوف بن الخزرج ثم من بنی سالم ثم من بنی مالک بن العجلان بن زید بن غنم بن سالم نوفل بن عبد اللّه و عامر بن عبادة بن نضلة بن مالک بن العجلان و نعمان بن مالک بن ثعلبة بن فهر و المجدر بن زیاد حلیف لهم من بلی و عبادة بن الحسحاس* دفن نعان بن مالک و المجدر و عبادة فی قبر واحد خمسة نفر* و من بنی الحبلی رفاعة بن عمرو رجل و من بنی سلمة ثم من بنی حرام عبد اللّه بن عمرو بن حرام و عمرو بن الجموح بن زید بن حرام دفنا فی قبر واحد و خلاد بن عمرو بن الجموح و أبو أیمن مولی عمرو بن الجموح أربعة نفر و من بنی سواد بن غنم سلیم بن عمرو بن حدیدة و مولاه عنترة و سهل بن قیس بن أبی بن کعب ابن القین ثلاثة نفر و من بنی زریق بن عامر ذکوان بن عبد قیس و عبید بن المعلی بن لوذان رجلان قال ابن هشام عبید بن المعلی من بنی حبیب*

عدّة الشهداء بأحد

قال ابن اسحاق فجمیع من استشهد من المسلمین مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المهاجرین و الانصار خمسة و ستون رجلا و فی المشکاة عن أنس قتل من الانصار یوم أحد سبعون و یوم بئر معونة سبعون و یوم الیمامة علی عهد أبی بکر سبعون رواه البخاری و فی المواهب اللدنیة قد استشهد یوم أحد من المسلمین سبعون فیما قاله مغلطای و غیره و قیل خمسة و ستون أربعة من المهاجرین و روی ابن منده من حدیث أبی بن کعب قال استشهد من الانصار یوم أحد أربعة و ستون و من المهاجرین ستة و صححه ابن حبان و قتل من المشرکین ثلاثة و عشرون رجلا و قتل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بیده أبی بن خلف قال ابن هشام و ممن لم یذکر ابن اسحاق من السبعین الشهداء الذین ذکرنا من الاوس ثم من بنی معاویة بن مالک مالک بن نمیلة حلیف لهم من مزینة و من بنی خطمة و اسم خطمة عبد اللّه بن جشم بن مالک بن الاوس الحارث ابن عدی بن خرشة بن أمیة بن عامر بن خطمة و من بنی الخزرج ثم من بنی سواد بن مالک مالک بن ایاس و من بنی عمرو بن النجار ایاس بن عدی و من بنی سالم بن عوف عمرو بن ایاس* قال ابن اسحاق و قتل من المشرکین یوم أحد من قریش ثم من بنی عبد الدار بن قصی بن أصحاب اللواء طلحة بن أبی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:447
طلحة و اسم أبی طلحة عبد اللّه بن عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار قتله علی بن أبی طالب قال ابن اسحاق و عثمان بن أبی طلحة قتله حمزة و أبو سعید بن أبی طلحة قتله علیّ و قیل سعد بن أبی وقاص و مسافع بن طلحة و الجلاس بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت بن أبی الافلح و کلاب بن طلحة و الحارث بن طلحة قتلهما قزمان حلیف لبنی ظفر قال ابن هشام و یقال قتل کلابا عبد الرحمن بن عوف* قال ابن اسحاق و أرطاة بن شرحبیل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله حمزة بن عبد المطلب و أبو یزید بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان و شریح بن فارض قتله بعض المسلمین کذا فی المنتقی و صواب غلام لهم حبشی قتله قزمان* قال ابن هشام و یقال قتله علی بن أبی طالب و یقال سعد بن أبی وقاص و یقال أبو دجانة قال ابن اسحاق و القاسط بن شریح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان أحد عشر رجلا و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی عبد اللّه بن حمید بن زهیر بن الحارث بن أسد قتله علی بن أبی طالب و سباع بن عبد العزی بن نضلة الخزاعی حلیف لهم قتله حمزة بن عبد المطلب رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة هشام بن أبی أمیة بن المغیرة قتله قزمان و الولید بن العاص بن هشام ابن المغیرة قتله قزمان أربعة نفر و من بنی جمح بن عمرو عمرو بن عبد اللّه بن عمیر بن وهب بن حذافة بن جمح و هو أبو عزة الشاعر قتله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صبرا و أبی بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رجلان و من بنی عامر بن لؤیّ عبیدة بن جابر و شیبة بن مالک بن المضرب قتلهما قزمان رجلان قال ابن هشام و یقال قتل عبیدة بن جابر عبد اللّه بن مسعود* قال ابن اسحاق فجمیع من قتله اللّه تعالی یوم أحد من المشرکین اثنان و عشرون رجلا* و فی المواهب اللدنیة ثلاثة و عشرون رجلا*

غزوة حمراء الاسد

و فی هذه السنة وقعت غزوة حمراء الاسد قال ابن اسحاق کان یوم أحد یوم السبت للنصف من شوّال السنة الثالثة من الهجرة فلما کان یوم الاحد من الغد من یوم أحد لست عشرة لیلة مضت من شوّال علی رأس اثنین و ثلاثین شهرا من الهجرة خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی حمراء الاسد و هو موضع علی ثمانیة أمیال من المدینة کذا فی سیرة ابن هشام و قیل عشرة* و فی معجم ما استعجم هی علی یسار الطریق اذا أردت ذا الحلیفة و إلیها انتهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الیوم الثانی من أحد لما بلغه ان قریشا منصرفون الی المدینة* قال أهل السیر لما انصرف أبو سفیان و أصحابه من قتال أحد و بلغوا الروحاء بالفتح ثم السکون ثم حاء مهملة أکثر ما قیل فی المسافة بینها و بین المدینة اثنان و أربعون میلا* و فی صحیح مسلم ست و ثلاثون و فی القاموس علی ثلاثین أو أربعین میلا من المدینة ندموا علی انصرافهم و تلاوموا و قالوا بئس ما صنعتم لا محمدا قتلتم و لا الکواعب أردفتم قتلتموهم حتی اذا لم یبق منهم الا الشرید ترکتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن یجدوا قوّة و شوکة* و فی الکشاف و لما عزموا علی الرجوع ألقی اللّه الرعب فی قلوبهم فامسکوا و فی روایة منعهم صفوان بن أمیة و یقول لا تفعلوا فانّ القوم قد حربوا و قد خشینا أن یکون لهم قتال غیر الذی کان فارجعوا فرجعوا و فی المنتقی قال یا قوم لا ترجعوا فانّ محمدا و أصحابه الآن فی حنق شدید مما أصابهم فو اللّه ما أمنت ان رجعتم أن یجتمع جمیع من کان تخلف عن أحد من الاوس و الخزرج و یطأکم و یغلبوا علیکم و الآن لکم الغلبة فلا یکون الا أن ینعکس الامر فبلغ ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأراد أن یقذف فی قلوبهم الرعب و یریهم من نفسه و أصحابه قوّة و انّ الذی أصابهم لم یوهنهم من عدوّهم فندب أصحابه للخروج فی طلب أبی سفیان و أصحابه فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجراح و القرح الذی أصابهم یوم أحد ففی الیوم الثانی من وقعة أحد نادی منادی رسول اللّه بالخروج فی طلب العدوّ و أن لا یخرجنّ معنا أحد الا من حضر یومنا بالامس فکلمه جابر بن عبد اللّه ابن عمرو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:448
فقال یا رسول اللّه انّ أبی کان قد خلفنی علی أخوات لی سبع و قال یا بنی انه لا ینبغی لی و لا لک أن نترک هؤلاء النسوة لا رجل فیهنّ و لست بالذی أوثرک بالجهاد مع رسول اللّه علی نفسی فتخلف علی اخوتک فتخلفت علیهنّ فأذن له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخرج معه و لم یخرج ممن لم یشهد قتال أحد غیره فلما سمعوا النداء تسارعوا الی الخروج و لم یشتغلوا بالتداوی فخرجوا مع الجراحات المتعدّدة و استعمل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی المدینة ابن أمّ مکتوم فیما قاله ابن هشام و خرج و هو مجروح مشجوج مکسور الرباعیة مکلوم الشفة متوهن المنکب الایمن من ضرب ابن قمیئة و فی المنتقی و شفته العلیا قد کلمت من باطنها و خرج لابسا سلاحه و وقف علی الطریق راکبا حتی لحق به أصحابه فأنزل فیهم الذین استجابوا للّه و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذین أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظیم و دفع لواءه و هو معقود لم یحلّ بعد الی علی بن أبی طالب و قیل الی أبی بکر الصدّیق و نزل إلیه أهل العوالی و قدّم ثلاثة نفر من أسلم طلیعة فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد و للقوم زجل و هم یأتمرون بالرجوع و صفوان بن أمیة ینهاهم کما مرّ فبصروا بالرجلین فرجعوا إلیهما فقتلوهما و مضی رسول اللّه و أصحابه حتی نزلوا بحمراء الاسد و عسکروا هناک و دفنوا الرجلین فی قبر واحد فأقام بها الاثنین و الثلاثاء و الاربعاء و أمر حتی أوقدوا تلک اللیالی خمسمائة نار فذهب صیت عسکرهم و نارهم الی کل جانب فکبت اللّه بذلک عدوّهم فمرّ برسول اللّه معبد بن أبی معبد الخزاعی بحمراء الاسد و هو یرید مکة و کانت خزاعة مسلمهم و مشرکهم عیبة نصح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بتهامة صفقتهم معه لا یخفون عنه شیئا کان بها و معبد یومئذ کان مشرکا فقال یا محمد أما و اللّه لقد عز علینا ما أصابک فی أصحابک و لوددنا انّ اللّه عافاک فیهم ثم خرج و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بحمراء الاسد حتی لقی أبا سفیان بن حرب و من معه بالروحاء و قد أجمعوا الرجعة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه و قالوا أصبنا أحدّ أصحابه و قادتهم و أشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنکرّن علی بقیتهم فلنفرغن منهم فمنعهم صفوان ابن أمیة عن ذلک فلما رأی أبو سفیان معبدا قال ما وراءک یا معبد قال محمد قد خرج فی أصحابه یطلبکم فی جمع لم أر مثله قط یتحرّفون علیکم تحرّفا قد اجتمع معه من کان تخلف عنه فی یومکم و ندموا علی ما صنعوا و فیهم من الحنق علیکم شی‌ء لم أر مثله قط قال ویلک ما تقول قال و اللّه ما أری أن ترتحل حتی تری نواصی الخیل قال فو اللّه لقد أجمعنا الکرّة علیهم لنستأصل قال فانی أنهاک عن ذلک و اللّه لقد حملنی ما رأیت ان قلت فیه أبیاتا من شعر قال و ما قلت قال قلت
کادت تهد من الاصوات راحلتی‌اذ سالت الارض بالجرد الابابیل و ذکر أبیاتا فتر ذلک أبا سفیان و من معه فقذف اللّه فی قلوبهم الرعب و التزلزل حتی رجعوا عما هموا به فارتحلوا سراعا و ذلک قوله تعالی سنلقی فی قلوب الذین کفروا الرعب* و مرّ به رکب من عبد القیس فقال أین تریدون قالوا نرید المدینة قال و لم قالوا نرید المیرة قال فهل أنتم مبلغون عنی محمدا رسالة أرسلکم بها إلیه و أحمل لکم بهذه غدا زبیبا بعکاظ اذا وافیتمونا قالوا نعم قال فاذا وافیتموه فأخبروه انا قد أجمعنا الرجعة و السیر إلیه و الی أصحابه لنستأصل بقیتهم فبعث معبد الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من یخبره بما وقع من استخبار أبی سفیان عنه و جوابه و منع صفوان ایاه عن الرجعة و اندفاعهم الی مکة فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أرشدهم صفوان و ما کان برشید و قال صلّی اللّه علیه و سلم و هو بحمراء الاسد حین بلغه انهم هموا بالرجعة و الذی نفسی بیده لقد سوّمت لهم حجارة لو صبحوا بها لکانوا کأمس الذاهب کذا فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء* فمرّ الرکب برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو بحمراء الاسد فأخبروه بالذی قال أبو سفیان و أصحابه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:449
حسبنا اللّه و نعم الوکیل هذا قول أکثر المفسرین و قال مجاهد و عکرمة نزلت هذه الآیة فی غزوة بدر الصغری الموعد و ستجی‌ء و أخذ رسول اللّه فی وجهه ذلک قبل رجوعه الی المدینة رجلین أحدهما معاویة بن المغیرة بن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس جدّ عبد الملک بن مروان أبو أمّه عائشة بنت معاویة و الثانی أبو عزة الجمحی اسمه عمرو بن عبد اللّه بن عثمان و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أسره یبدر ثم منّ علیه و أطلقه لبناته الخمس و أخذ علیه العهد أن لا یعود الی حرب المسلمین و أن لا یظاهر علیهم أحدا و قد نقض العهد و حضر أحدا کما مرّ فی غزوة أحد فلما جی‌ء به الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال یا رسول اللّه أقلنی فقال رسول اللّه و اللّه لا تمسح عارضیک بمکة بعدها تقول خدعت محمدا مرّتین اضرب عنقه یا زبیر فضرب عنقه کذا فی سیرة ابن هشام و فی روایة لا تمسح لحیتک بمکة تجلس فی الحجر و تقول خدعت محمدا مرّتین* قال ابن هشام و بلغنی عن سعید بن المسیب أنه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انّ المؤمن لا یلدغ من حجر مرّتین اضرب عنقه یا عاصم بن ثابت فضرب عنقه و انصرف علیه السلام الی المدینة و دخلها یوم الجمعة و کانت غیبته خمس لیال و أمّا معاویة بن المغیرة فاستأمن له عثمان بن عفان رسول اللّه فأمّنه علی انه ان وجده بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و تواری فبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم زید بن حارثة و عمار بن یاسر و قال انکما ستجدانه بموضع کذا و کذا فوجداه فقتلاه*

سرقة طعمة

و فی هذه السنة سرق طعمة بن أبیریق من بنی ظفر بن الحارث بفتح الفاء بطن من الانصار درعا لقتادة بن النعمان و هو جار له و کانت الدرع فی جراب فیه دقیق ینتثر من خرق فی الجراب حتی انتهی الی دار طعمة ثم خبأها عند یهودی یقال له زید السمین فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده و حلف و اللّه ما أخذها و لا له بها من علم فقال أصحاب الدرع لقد رأینا أثر الدقیق حتی دخل داره فلما حلف ترکوه و اتبعوا أثر الدقیق فانتهوا الی منزل الیهودی فأخذوها فقال دفعها الیّ طعمة فقال قوم طعمة و هم بنو ظفر انطلقوا الی رسول اللّه لیجادل عن صاحبنا و أخبروه بخلاف الحق قالوا ان لم نفعل افتضح صاحبنا و برئ الیهودی ففعلوا و صدّقهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و همّ أن یعاقب الیهودی فأنزل اللّه تعالی انا أنزلنا إلیک الکتاب بالحق لتحکم بین الناس بما أراک اللّه و لا تکن للخائنین خصیما فلما ظهرت السرقة علی طعمة خاف علی نفسه من قطع الید و هرب الی مکة و ارتدّ عن الدین فنزل علی رجل من أهل مکة یقال له الحجاج بن علاط من بنی سلیم فنقب بیته فسقط علیه حجر فلم یستطع أن یدخل و لا أن یخرج حتی أصبح فأخذ لیقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ إلیکم فترکوه و أخرجوه من مکة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشأم فنزل منزلا فسرق بعض متاعهم فطلبوه فأخذوه و رموه بالحجارة حتی قتلوه فصار قبره تلک الحجارة و قیل انه رکب سفینة الی جدّة فسرق فیها کبسا فیه دنانیر فألقی فی البحر و قیل انه نزل حرة بنی سلیم و کان یعبد صنما لهم الی أن مات فأنزل اللّه انّ اللّه لا یغفر أن یشرک به الآیة* و فی ذی القعدة من هذه السنة علقت فاطمة بالحسین و کان بین ولادة الحسن و علوقها بالحسین خمسون لیلة و ستجی‌ء ولادة الحسین فی الموطن الرابع‌

* (الموطن الرابع فی حوادث السنة الرابعة من الهجرة

اشارة

من سریة أبی سلمة الی قطن و وفاته و سریة عبد اللّه بن أنیس الی عرنة لقتل سفیان بن خالد و سریة المنذر الی بئر معونة و سریة عاصم و قصة الرجیع و سریة عمرو بن أمیة الضمری الی مکة لقتل أبی سفیان و غزوة بنی النضیر و وفاة زینب بنت خزیمة و غزوة ذات الرقاع و صلاة الخوف فیها و وفاة عبد اللّه بن عثمان و ولادة الحسین بن علیّ و تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود و غزوة بدر الصغری الموعد و تزوّج أمّ سلمة و رجم الیهودیین و وفاة فاطمة بنت أسد أمّ علیّ و تحریم الخمر عند البعض)*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:450

* سریة أبی سلمة الی قطن‌

و فی هذه السنة لهلال المحرم علی رأس خمسة و ثلاثین شهرا من الهجرة کانت سریة أبی سلمة عبد اللّه بن عبد الاسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم معه مائة و خمسون رجلا من المهاجرین و الانصار لطلب طلیحة و سلمة ابنی خویلد الاسدیین الی قطن بفتح أوّله و ثانیه جبل بناحیة فید کذا فی المواهب اللدنیة و فی غیره ببلاد بنی أسد علی یمینک اذا فارقت الحجاز و أنت صادر من النقرة* قال ابن اسحاق قطن ماء من میاه بنی أسد بنجد بعث إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبا سلمة بن عبد الاسد فی سریة فقتل مسعود بن عروة کذا فی معجم ما استعجم روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی آخر السنة الثالثة أو فی أوّل السنة الرابعة بعث أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومی الی بنی أسد و سببه انه أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انّ طلیحة و سلمة ابنی خویلد یحرضان جماة من قومهما و من تبعهما علی قتال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یریدان اغارة المواشی من أرجاء المدینة و فی روایة جمعوا و توجهوا الی المدینة ثم بدا لهم الرجوع فرجعوا الی منازلهم فدعا النبیّ أبا سلمة و عقد له لواء و أمّره علی مائة و خمسین رجلا من المهاجرین و الانصار منهم أبو عبیدة بن الجراح و سعد بن أبی وقاص و أسید ابن حضیر و أبو نائلة و أبو سبرة بن أبی رهم الغفاری و عبد اللّه بن سهل و أرقم بن أبی الارقم و أمر أبا سلمة بالمسیر إلیهم و الاغارة علیهم بغتة قبل أن یعلموا و یجمعوا الجیش فخرج أبو سلمة من المدینة و دلیله الولید ابن الزبیر الطائی و یسیر معتسفا الی أن وصل الی قطن و أغار علی سرحهم و دوابهم و أصابوا ثلاثة أعبد کانوا رعاة و هرب الباقون و لحقوا بقومهم و أخبروهم بمجی‌ء أبی سلمة و کثرة جیشه فخافوا و هربوا عن منازلهم ثم نزلها أبو سلمة و أغاروا و جمعوا ما قدروا علیه من الاموال و رجعوا الی المدینة و أعطی الدلیل الطائی ما رضی به من الاموال و عزل من الغنیمة عبدا للنبی صلّی اللّه علیه و سلم صفی المغنم ثم خمسها و قسم الباقی علی أهل السریة فبلغ سهم کل واحد منهم سبعة أبعرة و أغناما و مدّة غیبته فی تلک السریة عشرة أیام و فی هذه السنة توفی أبو سلمة* و فی المواهب اللدنیة مات أبو سلمة سنة أربع و قیل سنة ثلاث من الهجرة انتهی و کان أسلم قبل دخول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دار الارقم و هاجر الی الحبشة الهجرتین و معه امرأته أمّ سلمة* قال سهل بن حنیف أوّل من قدم علینا من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبو سلمة و کذا أورد فی المنتقی و انه توفی فی السنة الرابعة من الهجرة* و قال فی الصفوة شهد بدرا و جرح بأحد فمکث شهرا یداوی جراحه ثم بعثه رسول اللّه فی سریة فلما قدم انتقض جرحه ثم توفی سنة ثلاث من الهجرة فحضره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أغمضه بیده*

سریة عبد اللّه بن أنیس الی قتل سفیان بن خالد

و فی هذه السنة یوم الاثنین لخمس خلون من المحرم علی رأس خمسة و ثلاثین شهرا من الهجرة بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن أنیس وحده الی قتل سفیان بن خالد بن نبیح الهذلی اللحیانی و فی الاکتفاء خالد بن سفیان ببطن عرنة وادی عرفة و فی القاموس بطن عرنة کهمزة بعرفات و لیس من الموقف* و فی الاکتفاء و هو بنخلة أو بعرنة یجمع لحرب رسول اللّه الناس قال عبد اللّه بن أنیس دعانی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال انه قد بلغنی ان سفیان بن نبیح الهذلی یجمع لی الناس قال انک اذا رأیته أدرکک الشیطان و آیة ما بینک و بینه انک اذا رأیته وجدت له قشعریرة قال فخرجت متوشحا سیفی حتی دفعت إلیه و هو فی ظعن یرتاد لهنّ منزلا و کان وقت العصر فلما رأیته وجدت ما قال لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من القشعریرة فأقبلت نحوه و خشیت أن یکون بینی و بینه مجادلة تشغلنی عن الصلاة فصلیت و أنا أمشی نحوه أومئ برأسی فلما انتهیت إلیه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بک و بجمعک لهذا الرجل فجاءک لذلک قال أجل أنا فی ذلک قال فمشیت معه شیئا حتی اذا أمکننی حملت علیه بالسیف فقتلته ثم خرجت و ترکت ظعائنه مکیات علیه فلما قدمت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:451
و سلم فرآنی قال أفلح الوجه قلت قد قتلته یا رسول اللّه قال صدقت ثم قام بی و أدخلنی بیته و أعطانی عصا فقال امسک هذه العصا عندک یا عبد اللّه بن أنیس قال فخرجت بها علی الناس فقالوا ما هذه العصا قلت أعطانیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمرنی أن أمسکها عندی قالوا أ فلا ترجع إلیه فتسأله لم ذلک فرجعت فقلت یا رسول اللّه لم أعطیتنی هذه العصا قال آیة بینی و بینک یوم القیامة ان أقل الناس المتخصرون یومئذ فقرنها عبد اللّه بن أنیس بسیفه فلم تزل معه حتی مات ثم أمر بها فضمت فی کفنه ثم دفنا جمیعا* و فی المواهب اللدنیة أوردها فی السنة الرابعة و أوردها فی الوفاء فی السنة الخامسة بعد غزوة بنی قریظة و أوردها بعض أهل السیر بعد سریة عاصم بن ثابت قال انه یعنی سفیان بن خالد کان سببا لقصة الرجیع و قتل عاصم و أصحابه فتکون سریة عبد اللّه بن أنیس بعد الرجیع* و فی بعض السیر فلما قتله أخذ رأسه و کان یسیر باللیل و یتواری بالنهار فدخل غارا فبعث اللّه العنکبوت حتی نسجت علی فم الغار و أخبر قومه فخرجوا فی طلبه فلم یجدوا فرجعوا فخرج عبد اللّه حتی قدم المدینة یوم السبت لسبع بقین من المحرم کذا فی المواهب اللدنیة و الوفاء فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أفلح الوجه قال أفلح اللّه وجهک یا رسول اللّه و وضع رأسه بین یدیه و کانت مدة غیبته ثمانیة عشر یوما روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أعطاه مخصرة و قال تخصر بهذه فی الجنة و کانت المخصرة عنده الی وقت وفاته فلما دنا موته وصی بها أهله حتی لفوها فی کفنه و دفنوها معه و فی القاموس و ذو المخصرة عبد اللّه بن أنیس لانّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أعطاه مخصرة و قال تلقانی بها فی الجنة و المخصرة کالمکنسة ما یتوکأ علیه کالعصا و نحوه و ما یأخذه الملک بیده یشیر به اذا خاطب و الخطیب اذا خطب*

سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة

و فی هذه السنة کانت سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة أوّلها فی المحرم کذا قاله فی الوفاء و قدّمها علی سریة الرجیع کما فی المنتقی و أمّا فی المواهب اللدنیة فقدّم سریة الرجیع علی بئر معونة کما قاله ابن اسحاق و اللّه أعلم و أورد کلتاهما فی صفر علی رأس ستة و ثلاثین شهرا من الهجرة علی رأس أربعة أشهر من أحد* و فی المواهب اللدنیة بئر معونة بفتح المیم و ضم المهملة و سکون الواو بعدها نون موضع ببلاد هذیل بین مکة و عسفان و فی معجم ما استعجم ماء لبنی عامر بن صعصعة و فی الاکتفاء و هی بین أرض بنی عامر و حرّة بنی سلیم کلا البلدین منها قریب و هی الی حرّة بنی سلیم أقرب* و فی الوفاء فی الصحیح من روایة أنس قال انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أتاه رعل فزعموا انهم قد أسلموا و استمدّوه علی قومهم فأمدّهم النبیّ بسبعین من الانصار قال أنس کنا نسمیهم القراء و بعث معهم المطلب السلمی لیدلهم علی الطریق فانطلقوا بهم حتی اذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم و قتلوهم فقنت شهرا یدعو علی رعل و ذکوان و بنی لحیان* رعل بکسر الراء و سکون المهملة بطن من سلیم ینسبون الی رعل بن عوف بن مالک و ذکوان بطن من سلیم أیضا ینسبون الی ذکوان بن ثعلبة فنسبت إلیها الغزوة و هذه الغزوة تعرف بسریة القراء و فی روایة لما أخبره جبریل وجد وجدا شدیدا فقنت شهرا و قیل أربعین یوما فی صلاة الغداة و ذلک بدء القنوت یدعو علی رعل و ذکوان و عصیة و سائر القبائل فیقول اللهمّ اشدد وطأتک علی مضر و اجعل علیهم ستین کسنی یوسف اللهم علیک ببنی لحیان و رعل و ذکوان و عصیة فانهم عصوا اللّه و رسوله اللهم علیک ببنی لحیان و عضل و القارة و فی بعض الروایات ما یقتضی انّ الذین استمدّوا لم یظهروا الاسلام بل کان بینهم و بین النبیّ عهد و انهم غیر الذین قتلوا القراء لکنهم من قومهم و هو الذی فی کتب السیر و قد بین ابن اسحاق فی المغازی و کذلک موسی ابن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتین و انّ أصحاب العهد هم بنو عامر و رأسهم أبو براء عامر بن مالک ابن جعفر المعروف بملاعب الا سنة و الطائفة الاخری من بنی سلیم و ان عامر بن أخی ملاعب الاسنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:452
أراد الغدر بأصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فدعا بنی عامر الی قتالهم فامتنعوا و قالوا لا نخفر ذمّة أبی براء فاستصرخ علیهم عصیة و ذکوان من بنی سلیم فأطاعوه و قتلوهم قالوا و مات أبو براء بعد ذلک أسفا علی ما صنع به عامر بن الطفیل بن أخیه و قیل أسلم أبو براء عند ذلک و قاتل حتی قتل و عاش عامر بن الطفیل حتی مات کافرا بدعاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصابته غدّة کغدّة البعیر و لم یکن القراء المذکورون کلهم من الانصار بل کان بعضهم من المهاجرین مثل عامر بن فهیرة مولی أبی بکر الصدّیق و نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعی و غیرهما* و فی بعض کتب السیر قصة بئر معونة أن أبا براء عامر بن مالک بن جعفر المشهور بملاعب الا سنة و کان سید بنی عامر بن صعصعة من أهل نجد قدم علی رسول اللّه المدینة و أهدی له هدیة فأبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یقبلها و قال لا أقبل هدیة مشرک و عرض علیه الاسلام و أخبر بماله فیه و ما وعد اللّه المؤمنین و قرأ علیه القرآن فلم یسلم و لم یبعد و قال یا محمد انّ الذی تدعو إلیه حسن جمیل و لو بعثت رجالا من أصحابک الی أهل نجد فیدعوهم الی أمرک لرجوت أن یستجیبوا لک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی أخشی علیهم أهل نجد قال أبو براء أنالهم جاران تعرّض لهم أحد فابعثهم فلیدعوا الناس الی أمرک فبعث سبعین رجلا علی الروایة الاکثریة الصحیحة و أربعین رجلا علی روایة البعض و ثلاثین راکبا علی روایة الآخرین یقال لهم قراء الصحابة و کان أکثرهم من الانصار و أربعة من المهاجرین المنذر ابن عمر و الساعدی و حرام و سلیم ابنا ملحان و حارث بن الصمة و عامر بن فهیرة و الحکم بن کیسان و سهل بن عامر و طفیل بن أسعد و أنس بن معاویة و نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعی و عروة بن أسماء بن الصلت السلمی و عطیة بن عبد عمرو و مالک بن ثابت و سفیان بن ثابت و عمرو بن أمیة الضمری و کعب بن زید و المنذر بن محمد بن عقبة بن الجلاح فی رجال مسمین من خیار المسلمین کانوا یحتطبون بالنهار و یصلون باللیل و أمر علیهم فی صفر المنذر بن عمرو أخا بنی ساعدة و هو أحد نقباء لیلة العقبة و کتب کتابا الی رؤساء نجد و بنی عامر و دفعه إلیهم فساوا حتی نزلوا بئر معونة و بعثوا رواحلهم الی المرعی مع عمرو بن أمیة الضمری و رجل آخر من الانصار أحد بنی عمرو بن عوف* و فی روایة حارث ابن الصمة بدل الانصاری* و قال بعضهم لبعض أیکم یبلغ رسالة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بکتاب رسول اللّه الی عامر بن الطفیل و کان علی ذلک الماء فلما أتاهم حرام و قال أ تؤمنونی أن أبلغ رسالة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم ینظر عامر بن الطفیل فی کتاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال حرام بن ملحان یا أهل ماء بئر معونة انی رسول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله فآمنوا باللّه و رسوله فخرج إلیه رجل من کسر البیت فطعنه بالرمح فی جنبه حتی خرج من الشق الآخر* و فی روایة فأومئوا الی رجل حتی أتاه من خلفه فطعنه بالرمح حتی أنفذ فقال اللّه أکبر فزت و رب الکعبة و قال بالدم هکذا فنضحه علی وجهه و رأسه ثم استصرخ عامر بن الطفیل بنی عامر علی المسلمین فامتنعوا و قالوا لا نخفر ذمّة أبی براء عمک و قد عقد لهم عقدا و جوارا فاستصرخ علیهم عصیة و رعلا و ذکوان من سلیم فأجابوه فخرجوا حتی غشوا القوم و أحاطوا بهم فی رحالهم فلما رآهم المسلمون أخذوا السیوف فقاتلوهم حتی قتلوا من عند آخرهم الا کعب بن زید أخا بنی دینار بن النجار فانهم ترکوه و به رمق فارتث من بین القتلی فعاش حتی قتل یوم الخندق* و فی روایة لما استبطأ المسلمون حراما أقبلوا فی أثره فلقیهم القوم فأحاطوا بهم و کاثروهم فقال المسلمون اللهمّ انا لم نجد من یبلغ رسولک منا السلام غیرک فاقرئه منا السلام فبلغ جبریل رسول اللّه سلامهم فقال و علیهم السلام و کان فی سرح القوم عمرو بن أمیة الضمری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:453
و رجل آخر من الانصار من بنی عمرو بن عوف و قیل انه المنذر بن عقبة بن أحیحة بن الجلاح فلم ینبههما بمصاب أصحابهما الا الطیر تحوم علی العسکر فقالا و اللّه انّ لهذا الطیر لشأنا فأقبلا لینظرا فاذا القوم فی دمائهم و الخیل التی أصابتهم واقفة فقال الانصاری لعمرو بن أمیة الضمری ما ذا تری قال أری أن نلحق برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال الانصاری لکنی ما کنت أرغب بنفسی عن موطن قتل فیه المنذر بن عمرو الساعدی ثم قاتل القوم* و فی روایة قتل أربعة من المشرکین حتی قتل و أسر عمرو بن أمیة فأتی به الی عامر بن الطفیل فقام و دخل به فی القتلی یستبرئهم و یسأل عن اسم کل واحد و نسبه ثم قال هل من أصحابک من لیس فیهم قال نعم ما رأیت فیهم عامر بن فهیرة مولی أبی بکر الصدّیق و کان قد قتله رجل من بنی کلاب قال أی رجل هو فیکم قال من أفضلنا و أوّل المسلمین من أصحاب رسول اللّه قال لما قتل رأیته رفع الی السماء* و عن عروة انّ عامر بن الطفیل کان یقول من رجل منهم لما قتل و فی أسد الغابة قال عامر بن الطفیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم علیه من الرجل الذی لما قتل رأیته رفع بین السماء و الارض حتی رأیت السماء دونه قال هو عامر بن فهیرة کذا فی معالم التنزیل* و فی شرح صحیح البخاری للکرمانی قال عروة طلب عامر یومئذ فی القتلی فلم یوجد قال و یرون أن الملائکة دفنته أو رفعته* و روی عن جبار بن سلمی قاتل عامر بن فهیرة أنه قال لما طعنته بالرمح و أنفذته سمعته قال فزت و اللّه و رأیته رفع الی السماء* و فی معجم ما استعجم أنه أخذ من رمحی و صعد به فانطلقت الی ضحاک بن سفیان الکلابی و حکیت له قول عامر بن فهیرة فزت و اللّه قال ضحاک ان مقصوده انک فزت بالجنة فعرض ضحاک علیّ الاسلام فأسلمت و کان ما رأیته سببا لاسلامی* و فی الاکتفاء و کان جبار بن سلمی یقول انّ مما دعانی الی الاسلام انی طعنت رجلا منهم بالرمح بین کتفیه فنظرت الی سنان الرمح حین خرج من صدره فسمعته یقول فزت و اللّه فقلت فی نفسی ما فاز أ لست قد قتلت الرجل حتی سألت بعد ذلک عن قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز لعمر اللّه* و نقل انّ الضحاک بن سفیان کتب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخبره باسلام جبار و بما رآه من رفع عامر ابن فهیرة الی السماء قال دفنته ملائکة الجنة و رفع روحه الی علیین* و فی صحیح مسلم عن أنس دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی الذین قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثین صباحا و فی المنتقی أربعین یدعو علی رعل و ذکوان و بنی لحیان و عصیة الذین عصوا اللّه و رسوله* قال أنس أنزل اللّه فی الذین قتلوا یوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد أی نسخت تلاوته و هو بلغوا عنا قومنا انا قد لقینا ربنا فرضی عنا و رضینا عنه* و فی روایة عنه و أرضانا انتهی کذا وقع فی هذه الروایة و هو یوهم ان بنی لحیان ممن أصاب القراء یوم بئر معونة و لیس کذلک و انما أصاب هؤلاء رعل و ذکوان و عصیة و من صحبهم من سلیم و أمّا بنو لحیان فهم الذین أصابوا بعث الرجیع و انما أتی الخبر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنهم کلهم فی وقت واحد فدعا علی الذین أصابوا أصحابه فی الموضعین دعاء واحدا و اللّه أعلم کذا فی المواهب اللدنیة* روی انهم لما أسروا عمرو بن أمیة و أتوا به الی عامر بن الطفیل و أخبر انه من ضمرة أطلقه و جز ناصیته و أعتقه عن رقبة زعم انها کانت علی أمّه فقدم عمرو علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر قال هذا عمل أبی براء قد کنت لهذا کارها متخوّفا* روی ان ربیعة بن أبی براء بعد موت أبیه طعن عامر بن الطفیل فقتله کذا فی معالم التنزیل* و فی روایة طعنه فی نادی قومه حتی أشرف علی الهلاک فقال ان عشت فلا أبالی بذلک و ان مت فدمی لعمی فعاش بعد ذلک حتی ابتلی بغدة کغدة البعیر و مات کافرا و یجی‌ء فی الموطن العاشر* و فی معالم التنزیل قتل المنذر بن عمرو و أصحابه الا ثلاثة نفر کانوا فی طلب ضالة لهم أحدهم عمرو
بن أمیة الضمری فلم یرعهم الا الطیر تحوم فی السماء یسقط من بین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:454
خراطیمها علق الدم فقال أحد النفر الثلاثة قتل أصحابنا ثم تولی یشتد حتی لقی رجلا فاختلفا ضربتین فلما خالطه الضربة رفع طرفه الی السماء و فتح عینیه و قال اللّه أکبر الجنة و رب العالمین و رجع صاحباه فلقیا رجلین من بنی سلیم و کان بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بین قومهما موادعة فانتسبا الی بنی عامر فقتلاهما* و فی الاکتفاء فخرج عمرو بن أمیة حتی اذا کان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنی عامر حتی نزلا معه فی ظلّ هو فیه فسألهما ممن أنتما فقالا من بنی عامر فأمهلهما حتی اذا ناما عدا علیهما فقتلهما و هو یری انه قد أصاب بهما ثؤرة من بنی عامر فیما أصابوه من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان مع العامریین عقد من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جوار و لم یعلم به عمرو بن أمیة و لما قدم المدینة و أخبر النبیّ خبر أصحابه و خبر قتل الرجلین لامه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال قتلت قتیلین کان لهما منی جوار لأدینهما فقدم الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قومهما فی دیتهما فخرج فیها الی بنی النضیر و ستجی‌ء غزوة بنی النضیر بعد وقعة الرجیع*

سریة عاصم بن ثابت الی الرجیع‌

و فی صفر هذه السنة وقعت وقعة الرجیع و هی سریة عاصم بن ثابت* الرجیع بفتح الراء و کسر الجیم ماء لهذیل و لبنی لحیان ببلاد هذیل بین مکة و عسفان بناحیة الحجاز علی سبعة أمیال من الهدة کانت الوقعة بقرب منه فسمیت به کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الصفوة کان یوم الرجیع علی رأس ستة و ثلاثین شهرا من الهجرة و ذکرها فی الوفاء فی السنة الرابعة بعد بئر معونة کما فی هذا الکتاب و قال ثم کانت غزوة الرجیع فی صفر و کانت بئر معونة أوّلها فی المحرم علی ما ذکروا اللّه أعلم*

(ذکر عضل و القارة)

* عضل بفتح المهملة و المعجمة بعدها لام بطن من بنی الهون بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مضر ینسبون الی عضل بن الدیش و القارة بالقاف و تخفیف الراء بطن من الهون أیضا ینسبون الی الدیش المذکور* قال ابن درید القارة أکمة سوداء فیها حجارة کأنهم نزلوا عندها فسموا بها کذا فی المواهب اللدنیة و قصة عضل و القارة کانت فی بعث الرجیع لا فی سریة بئر معونة و قد فصل بینهما ابن اسحاق فذکر بعث الرجیع فی أواخر سنة ثلاث و بئر معونة فی أوائل سنة أربع* و ذکر الواقدی ان خبر بئر معونة و خبر اصحاب الرجیع جاء الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی لیلة واحدة و سیاق ترجمة البخاری یوهم ان بعث الرجیع و بئر معونة شی‌ء واحد و لیس کذلک لانّ بعث الرجیع کان سریة عاصم و خبیب و اصحابهما و هی مع عضل و القارة و بئر معونة کانت سریة القراء و هی مع رعل و ذکوان و کانّ البخاری أدمجها معها لقربها منها و یدل علی قربها منها ما فی حدیث أنس من تشریک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بین بنی لحیان و بین بنی عصیة و غیرهم فی الدعاء و لم یرد البخاری انهما قصة واحدة و لم یقع ذکر عضل و القارة عنده صریحا و انما وقع ذلک عند ابن اسحاق فانه بعد أن استوفی قصة أحد قال ذکر یوم الرجیع حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة قال قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد أحد رهط من عضل و القارة فقالوا یا رسول اللّه انّ فینا اسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابک یفقهوننا فبعث معهم ستة من اصحابه* و فی روایة بعث معهم عشرة من اصحابه أسامی سبعة منهم معلومة فی کتب الاحادیث و السیر و هم عاصم بن ثابت و مرثد بن ابی مرثد الغنوی و خبیب بن عدی و زید بن الدثنة و عبد اللّه بن طارق و خالد بن أبی البکیر و معتب بن عبید و أمّا الثلاثة الأخر فکأنهم لم یکونوا من مشاهیر القوم و أعیانهم و أصولهم و لذا لم یکن الاهتمام بضبط أسمائهم و أمر علیهم مرثد بن أبی مرثد الغنوی کذا فی بعض کتب السیر* و فی الصحیح و أمر علیهم عاصم بن ثابت و هو اصح فخرجوا مع القوم حتی اذا اتوا علی الرجیع ماء لهذیل غدروا بهم فاستصرخوا علیهم هذیلا فلم یرع القوم و هم فی رحالهم الا الرجال بأیدیهم السیوف و قد غشوهم فأخذوا أسیافهم لیقاتلوا القوم فقالوا لهم انا و اللّه ما نرید قتلکم و لکنا نرید أن نصیب بکم شیئا من أهل مکة و لکم عهد اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:455
و میثاقه أن لا نقتلکم فأبوا و أمّا مرثد و خالد و عاصم بن ثابت فقالوا و اللّه لا نقبل من مشرک عهدا و قاتلوا حتی قتلوا* و فی البخاری و أمر علیهم عاصم بن ثابت حتی اذا کانوا بالهدة بین عسفان و مکة یقال منها الی عسفان سبعة أمیال ذکروا لحی من هذیل یقال لهم بنو لحیان فنفروا لهم بقریب من مائتی رجل و عند بعضهم فتبعوا لهم بقریب من مائة رام و الجمع بینهما واضح و هو أن تکون المائة الاخری غیر رماة* و فی روایة ابی معشر فی مغازیه فنزلوا بالرجیع سحرا فاکلوا تمر عجوة فسقط نواه بالارض و کانوا یسیرون باللیل و یکمنون بالنهار فجاءت امرأة من هذیل ترعی غنما فرأت النوی فأنکرت صغرهنّ و قالت هذا تمر یثرب فصاحت فی قومها أتیتم فجاءوا فی طلبهم فوجدوهم کمنوا فی الجبل فاتبعوا آثارهم حتی لحقوهم* و فی روایة ابن سعد فلما أحس بهم عاصم و أصحابه لجئوا الی فدفد بفاءین مفتوحتین و مهملتین الاولی ساکنة و هی الرابیة المشرفة فأحاط بهم القوم فقالوا لکم العهد و المیثاق ان نزلتم إلینا أن لا نقتل منکم رجلا فقال عاصم بن ثابت أیها القوم امّا أنا فلا أنزل فی ذمّة کافر و لا أقبل جوار مشرک و لا أضع یدی فی ید مشرک نذرت بذلک و أشهدت اللّه علیه ثم قال اللهمّ أخبر عنا رسولک فاستجاب اللّه لعاصم فأخبر رسوله خبرهم یوم أصیبوا فرماهم بالنبل و جعل یقاتل و یقول
ما علتی و أنا جلدنا بل‌و القوس فیها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل‌ان لم أقاتلکم فأمی هابل
الموت حق و الحیاة باطل‌و کل ما حمّ الاله نازل
بالمرء و المرء إلیه آئل
فرماهم بالنبل حتی فنیت نبله*

کرامة عاصم فی حفظ جثته بعد استشهاده‌

و فی روایة نثر عاصم کنانته فیها سبعة أسهم فقتل بکل سهم رجلا من عظماء المشرکین ثم طاعنهم حتی انکسر رمحه ثم سل سیفه و قال اللهمّ انی حمیت دینک صدر النهار فاحم لحمی آخره* و فی الصفوة فجرح رجلین و قتل واحدا و قتلوه بالنبل فقالوا هذا الذی آلت فیه المکیة و هی سلافة فأرادوا أن یحتزوا رأسه لیذهبوا به إلیها فبعث اللّه مثل الظلة من الدبر بفتح المهملة و سکون الموحدة أی الزنابیر فحمته فلم یستطیعوا أن یحتزوا رأسه فقالوا أمهلوه حتی یمسی فتذهب عنه فلما أمسی أرسل اللّه سیلا فحمله الی حیث أراد اللّه فسمی حمی الدبر و ذلک یوم الرجیع* و فی معالم التنزیل فاحتمل السیل عاصما فذهب به الی الجنة و حمل خمسین من المشرکین الی النار* و فی حیاة الحیوان ان المشرکین لما قتلوه أرادوا أن یمثلوا به فحماه اللّه بالدبر فارتدعوا عنه حتی أخذه المسلمون فدفنوه* و عن عمر بن الخطاب قال ان عاصما نذر أن لا یمس مشرکا فلما و فی بنذره عصمه اللّه تعالی عن مساس المشرکین ایاه فصار عاصم معصوما* روی ان قریشا بعثت الی عاصم لیؤتوا بشی‌ء من جسده یعرفونه فلم یظفروا منه علی شی‌ء و کان عاصم قتل عظیما من عظمائهم یوم بدر و لعلّ العظیم المذکور عقبة بن أبی معیط فانّ عاصما قتله صبرا بأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ان انصرفوا من بدر و وقع عند ابن اسحاق و کذا فی روایة یزید بن أبی سفیان انّ عاصما لما قتل أرادت هذیل أخذ رأسه لیبیعوه من سلافة بنت سعید و هی أمّ مسافع و جلاس ابنی طلحة العبدری و کان عاصم قتلهما یوم أحد و کانت قد نذرت حین أصاب ابنیها یوم أحد لئن قدرت علی رأس عاصم لتشربن الخمر فی قحفه* قال الطیری و جعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة فمنعه الدبر أی الزنابیر فلم یقدروا منه علی شی‌ء و کان عاصم قد أعطی اللّه العهد أن لا یمسه مشرک و لا یمس مشرکا و کان عمر لما بلغه خبره یقول یحفظ اللّه العبد المؤمن بعد وفاته کما حفظه فی حیاته و انما استجاب اللّه له فی حمایة لحمه من المشرکین و لم یمنعه من قتله لما أراد اللّه من اکرامه بالشهادة و من کرامته حمایته من هتک حرمته بقطع لحمة* و أمّا الستة الأخر فاقتدوا بعاصم فقاتلوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:456
حتی قتلوا بالنبل و نزل ثلاثة منهم علی العهد و المیثاق و لم یف الکفار بعهدهم و هم خبیب بن عدی و عبد اللّه بن طارق و زید بن الدثنة بفتح الدال المهملة و کسر المثلثة و فتح النون المشدّدة فأسروا فلما استمکنوا منهم أطلقوا أوتار قسیهم فربطوهم بها* قال عبد اللّه هذا أوّل الغدر و اللّه لاصبحتکم انّ لی بهؤلاء أسوة یعنی القتلی فجروه و عالجوه فأبی أن یصحبهم فقتلوه کذا فی الصفوة و المنتقی* و فی روایة خرجوا بالنفر الثلاثة حتی اذا کانوا بمر الظهران انتزع عبد اللّه یده من رباطه و أخذ سیفه و جعل یشتدّ فیهم فرموه بالحجارة حتی قتلوه فقبره بمر الظهران کذا ذکره فی الصفوة فانطلقوا بخبیب و زید بن الدثنة حتی باعوهما بمکة أمّا خبیب فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نفیل بمائة ابل و قیل اشتروه بأمة سوداء و قیل فادوا به أسیرین من هذیل کانا بمکة و کان خبیب قتل الحارث یوم بدر* و فی المنتقی اشتری خبیبا حجیر بن أبی اهاب لابن أخته عقبة بن الحارث لیقتله بأبیه* و أمّا زید بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمیة بخمسین رأسا لیقتله بأبیه و کان قتل یوم بدر و قیل اشترک جماعة فی ابتیاعه و قیل حین أتوا بهما الی مکة کان ذا القعدة فحبسوا کل واحد منهما فی مکان علی حدة حتی تخرج الاشهر الحرم فیقتلوهما فلبث خبیب عندهم أسیرا حتی أجمعوا علی قتله و تخرج الاشهر الحرم فاستعار من بعض بنات الحارث موسی یستحدّ بها یعنی یحلق عانته فأعارته فدرج بنی لها و هی غافلة حتی أتاه فوجدته مجلسه علی فخذه* و فی روایة فغفلت عن ابن لها صغیر فأقبل إلیه الصبیّ فأجلسه عنده و الموسی بیده ففزعت فزعة عرفها خبیب فقال أ تخشین أن أقتله ما کنت لا فعل ذلک قالت و اللّه ما رأیت أسیرا قط خیرا من خبیب و اللّه لقد وجدته یوما یأکل قطفا من عنب فی یده مثل رأس الرحل و انه لموثق بالحدید و ما بمکة ثمرة و ما کان إلّا رزق رزقه اللّه خبیبا و هذه کرامة جعلها اللّه تعالی لخبیب و آیة علی الکفار و برهان لنبیه لتصحیح رسالته*

دقیقة فی أنّ الکرامة ثابتة للاولیاء

و الکرامة للاولیاء ثابتة مطلقا عند أهل السنة و لکن استثنی بعض المحققین منهم کالعالم الربانی أبی القاسم القشیری ما وقع به التحدی لبعض الأنبیاء قال و لا یصلون الی مثل ایجاد ولد من غیر أب و نحو ذلک و هذا أعدل المذاهب فی ذلک و ان اجابة الدعوة فی الحال و تکثیر الطعام و المکاشفة بما یغیب عن العین و الاخبار بما سیأتی و نحو ذلک قد کثر جدّا حتی صار وقوع ذلک ممن ینسب الی الصلاح کالعادة فانحصر الخارق الآن فی نحو ما قاله القشیری و تعین تقیید ما أطلق بان کل معجزة وجدت لنبیّ تجوز أن تقع کرامة لولی و وراء ذلک ان الذی استقرّ عند العامّة ان خرق العادة یدل علی ان من وقع له ذلک یکون من أولیاء اللّه و هو غلط فانّ الخارق قد یظهر علی ید المبطل من ساحر و کاهن و راهب فیحتاج من یستدلّ بذلک علی ولایة أولیاء اللّه الی فارق و أولی ما ذکروه أن یختبر حال من وقع له فان کان متمسکا بالاوامر الشرعیة و النواهی کان علامة علی ولایته و من لا فلا و اللّه أعلم و قد مرّ نحوه فی أوائل الکتاب* و لما انسلخ الاشهر الحرم أخرجوا خبیبا و زیدا من الحرم الی التنعیم لیقتلوهما فی الحل و نصبوا خشبة و حضر أکثر أهل مکة و اجتمع خبیب و زید فی الطریق فتواصوا بالصبر و الثبات علی ما یلحقهما من المکاره قال لهم خبیب دعونی أرکع رکعتین فترکوه فرکع رکعتین و قال و اللّه لو لا أن تحسبوا أن ما بی جزع لزدت و عند موسی بن عقبة انه صلاهما فی موضع مسجد التنعیم و قال اللهمّ أحصهم عددا و اقتلهم بددا یعنی متفرّقین و لا تبق منهم أحدا فلم یحل الحول و منهم أحد حیّ کذا فی المواهب اللدنیة* قال معاویة بن أبی سفیان کنت فیمن حضر قتل خبیب و لقد رأیت أبا سفیان حین دعا خبیب اللهمّ أحصهم عددا یلقینی الی الارض فرقا من دعوته و کانوا یقولون ان الرجل اذا دعا علیه أحد فاضطجع زلت عنه الدعوة* و قال حویطب بن عبد العزی جعلت اصبعی فی أذنی و هربت من ذلک المکان* و قال حکیم بن حزام تخبأت وراء شجرة أو قال بأصل شجرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:457
و عن ابن اسحاق أنه قال أکثر الذین حضروا قتل خبیب ابتلوا ببلاء و کان ممن حضره یومئذ سعد بن عامر بن جذیم الجمحی ثم اسلم و استعمله عمر بن الخطاب علی بعض الشأم و یروی علی حمص و کان تصیبه غشیة بین ظهری القوم فذکر ذلک لعمر و قیل ان الرجل مصاب فسأله عمر فی قدمة قدمها علیه فقال یا سعد ما هذا الذی یصیبک قال و اللّه یا امیر المؤمنین ما بی من بأس و لکننی کنت فیمن حضر خبیب بن عدی حین قتل و سمعت دعوته فو اللّه ما خطرت علی قلبی و أنا فی مجلس قط الا و غشی علیّ فزادته عند عمر خیرا* و فی روایة بریدة بن سفیان قال خبیب اللهم انی لا اجد من یبلغ رسولک منی السلام فبلغه* و فی روایة أبی الاسود عن عروة جاء جبریل الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بذلک الحدیث ثم أنشأ خبیب یقول
فلست أبالی حین اقتل مسلماعلی ایّ شق کان للّه مصرعی
و ذلک فی ذات الاله و ان یشأیبارک علی أوصال شلو ممزع
الی اللّه أشکو غربتی بعد کربتی‌و ما أرصد الاحزاب لی عند مصرعی و ساق ابن اسحاق هذه الابیات ثلاثة عشر بیتا قال ابن هشام و من الناس من ینکرها لخبیب و الاوصال جمع وصل و هو العضو و الشلو بکسر المعجمة الجسد و یطلق علی العضو لکن المراد به هاهنا الجسد کذا فی المواهب اللدنیة قال أبو هریرة کان خبیب أوّل من سنّ الرکعتین عند القتل لکل مسلم قتل صبرا لانه فعله فی حیاته صلّی اللّه علیه و سلم فاستحسن ذلک من فعله و قررها و استحسن المسلمون فبقی سنة و الصلاة خیر ما ختم به عمل العبد

دعاء زید بن حارثة و استجابته‌

و قد صلّی هاتین الرکعتین زید بن حارثة مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذلک فی حیاته علیه السلام کما روی السهیلی بسنده الی اللیث بن سعد قال بلغنی أن زید ابن حارثة اکتری بغلا من رجل بالطائف اشترط علیه المکری أن ینزله حیث شاء قال فمال به الی خربة فقال له انزل فنزل فاذا فی الخربة قتلی کثیرة قال فلما أراد أن یقتله قال له دعنی أصلّ رکعتین قال صلّ فقد صلّی قبلک هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شیئا قال فلما صلیت أتانی لیقتلنی فقلت یا ارحم الراحمین قال فسمعت صوتا لا تقتله فهاب ذلک فخرج یطلب فلم یر شیئا فرجع الیّ فنادیت یا ارحم الراحمین فعل ذلک ثلاثا فاذا بفارس علی فرس فی یده حربة من حدید و فی رأسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذ من ظهره فوقع میتا ثم قال لما دعوت المرّة الاولی یا أرحم الراحمین کنت فی السماء السابعة فلما دعوت الثانیة یا ارحم الراحمین کنت فی السماء الدنیا فلما دعوت الثالثة أتیتک انتهی* و فی سیرة مغلطای ذکر بعضهم ان هذه القصة وقعت لاسامة بن زید و الصواب زید بن حارثة والد أسامة و وقع فی روایة أبی الاسود عن عروة فلما وضعوا السلاح فی خبیب و هو مصلوب نادوه و ناشدوه أ تحب ان محمدا مکانک قال لا و اللّه ما احب أن یفدینی بشوکة فی قدمه و سیجی‌ء مثل هذا لزید بن الدثنة و لا مانع من التعدّد قال سعید بن عامر بن جذیم قد بضعت قریش لحم خبیب ثم حملوه علی جذعة بحیث کان وجهه الی المدینة قال لا یضرّنی صرف وجهی عن الکعبة فان اللّه تعالی قال فأینما تولوا فثمّ وجه اللّه فقالوا له ارجع عن دین محمد فقال لا ارجع أبدا قالوا و اللات و العزی ان لم ترجع نقتلک قال ان قتلی فی اللّه لقلیل ثم قال اللهم انک تعلم انه لیس أحد حوالیّ أن یبلغ رسولک سلامی فابلغه سلامی قال زید بن أسلم کنت فی جماعة عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذ ظهر علیه أثر الوحی فقال و علیک السلام و رحمة اللّه و برکاته ان قریشا قتلوا خبیبا و هذا جبریل أتی بسلامه* و فی الاکتفاء زعموا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال و هو جالس فی ذلک الیوم الذی قتلا فیه و علیکما أو و علیک السلام خبیب قتلته قریش لا ندری أ ذکر ابن الدثنة معه أم لا ثم ان قریشا طلبوا جماعة ممن قتل آباؤهم و أقرباؤهم ببدر فاجتمع اربعون منهم بأیدیهم الرماح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:458
و الحراب و قالوا لهم ان هذا الرجل قتل آباءکم فطعنوه بالحراب و الرماح فتحرّک خبیب علی الخشبة فانقلب وجهه الی الکعبة فقال الحمد للّه الذی جعل وجهی نحو قبلته التی رضی لنفسه و لنبیه و للمؤمنین* و فی الکشاف صلبه أهل مکة و جعلوا وجهه الی المدینة فقال اللهم ان کان لی عندک خیر فحوّل وجهی نحو قبلتک فحوّل اللّه وجهه نحوها فلم یستطع أحد أن یحوّله فقام إلیه أبو سروعة عقبة بن الحارث فطعنه فی صدره حتی أنفذ من ظهره فعاش ساعة و به رمق فأقر فیها بالتوحید و بنبوّة محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم مات رضی اللّه عنه و له کرامات کثیرة یطول الکتاب بذکرها ثم أسلم أبو سروعة و روی الحدیث و له فی صحیح البخاری ثلاثة أحادیث ثم أتی بزید بن الدثنة الی الخشبة فاقتدی بخبیب فصلی رکعتین فحملوه علی الخشبة و قالوا له مثل ما قالوا لخبیب من الرجوع عن الدین و التخویف بالقتل فأجابهم بمثل ما أجابهم خبیب* و فی الصفوة و حضر نفر من قریش فیهم أبو سفیان فقال قائل یا زید أنشدک اللّه أ تحب أنک الآن فی أهلک و مالک و أن محمدا عندنا مکانک و یقال ان الذی قال ذلک لزید أبو سفیان قال و اللّه ما أحب أن محمدا یشاک فی مکانه شوکة تؤذیه و أنا جالس فی أهلی فقال ابو سفیان و اللّه ما رأیت من قوم قط أشدّ حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له* و فی روایة قال ابو سفیان ما رأیت من الناس أحدا یحب أحدا کحب أصحاب محمد محمدا فقتله نسطاس بکسر النون عبد صفوان بن أمیة و قد مرّ مثل هذا الخبیب* روی ان اللحیانیین ذهبوا الی سلافة بنت سعید لطلب الابل المائة التی جعلتها علی قتل عاصم فأبت و قالت جعلتها لمن یأتینی برأسه أو رأس واحد ممن قتل ابنی و ما أتیتم به فرجعوا خائبین خاسرین و روی أن المشرکین ترکوا خبیبا علی الخشبة لیراه الوارد و الصادر فیذهب بخبره الی الاطراف و لما بلغ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الخبر قال أیکم یختزل خبیبا عن خشبته و له الجنة قال الزبیر بن العوّام أنا یا رسول اللّه و صاحبی المقداد بن الاسود فخرجا من المدینة یمشیان و یسیران باللیل و یکمنان بالنهار حتی أتیا التنعیم لیلا و اذا حول الخشبة أربعون من المشرکین نیام نشاوی فأنزلاه فاذا هو رطب یتثنی لم یتغیر منه شی‌ء بعد أربعین یوما و یده علی جراحته و هی تبض دما اللون لون الدم و الریح ریح المسک فحمله الزبیر علی فرسه و سارا فانتبه الکفار و قد فقدوا خبیبا فأخبروا قریشا فرکب منهم سبعون رجلا فلما لحقوا بهما قذف الزبیر خبیبا فابتلعته الارض فسمی بلیع الارض فقال الزبیر ما جرّأکم علینا یا معشر قریش ثم رفع العمامة عن رأسه فقال أنا الزبیر بن العوام و أمی صفیة بنت عبد المطلب و صاحبی المقداد بن الاسود أسدان رابضان حامیان حافظان یدفعان عن شبلهما فان شئتم ناضلتکم و ان شئتم نازلتکم و ان شئتم انصرفتم فانصرفوا الی مکة و قدما علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جبریل عنده فقال یا محمد ان الملائکة تباهی بهذین من أصحابک فنزل فیهما و من الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضات اللّه الآیة و قیل نزلت فی علیّ حین نام علی فراش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلة الغار کما مرّ فی معالم التنزیل* و قال الاکثرون نزلت فی صهیب بن سنان الرومی أخذه المشرکون فی رهط من المؤمنین یعذبونه فقال لهم صهیب انی شیخ کبیر لا یضرکم أمنکم کنت أو من غیرکم فهل لکم أن تأخذوا ما لی و تذرونی و دینی ففعلوا* و فی الصفوة عن عمرو بن أمیّة الضمری ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعثه وحده عینا الی قریش قال فجئت الی خشبة خبیب و أنا أتخوّف العیون فرقیت فیها فحللت خبیبا فوقع الی الارض فانتبذت عنه بعیدا ثم التفت فلم أر خبیبا و لکأنما ابتلعته الارض فلم یر لخبیب أثر حتی الساعة*

بعث عمرو بن أمیة الی أبی سفیان بن حرب‌

و فی هذه السنة کان بعث عمرو بن أمیة الضمری الی أبی سفیان بن حرب بمکة* فی الاکتفاء بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عمرو بن أمیة الضمری بعد مقتل خبیب و أصحابه الی مکة و أورد فی المواهب اللدنیة و سیرة مغلطای بعث عمرو بن أمیة فی السنة السادسة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:459
بعد سریة کرز بن جابر و قبل الحدیبیة کما سیجی‌ء و أمره أن یقتل أبا سفیان بن حرب و بعث معه جبار ابن صخر الانصاری أو سلمة بن أسلم فخرجا حتی قدما مکة و حبسا جملیهما بشعب من شعاب یأجج ثم دخلا مکة لیلا فقال جبار لعمر و لو أنا طفنا بالبیت و صلینا رکعتین فقال عمرو ان القوم اذا تعشوا جلسوا بأفنیتهم فقال کلاهما ان شاء اللّه قال عمرو فطفنا بالبیت و صلینا ثم خرجنا نرید أبا سفیان فو اللّه انا لنمشی بمکة اذ نظر الیّ رجل من أهل مکة فعرفنی فقال عمرو بن أمیة و اللّه ان قدومهما الا لشرّ فقلت لصاحبی النجاء فخرجنا نشتدّ حتی صعدنا فی الجبل و خرجوا فی طلبنا حتی اذا علونا الجبل یئسوا منا فرجعوا فدخلنا کهفا فی الجبل فبتنا و قد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قریش یسوق فرسا و یخلی علیها فغشینا و نحن فی الغار فقلت ان رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا قال و معی خنجر أعددته لابی سفیان فخرجت إلیه فضربته علی ثدیه فصاح صیحة أسمع أهل مکة و رجعت و دخلت مکانی و جاءه الناس یشتدّون و هو بآخر رمق فقالوا من ضربک فقال عمرو بن أمیة الضمری و غلبه الموت فمات مکانه و لم یدلل علی مکاننا فاحتملوه فقلت لصاحبی لما أمسینا النجاء فخرجنا لیلا من مکة نرید المدینة فمررنا بالحرس و هم یحرسون جیفة خبیب بن عدی فقال أحدهم و اللّه ما رأیت کاللیلة أشبه بمشیة عمرو ابن أمیة الضمری لو لا انه بالمدینة لقلت انه عمرو بن أمیة فلما حاذی عمرو الخشبة شدّ علیها فاحتملها و خرج هو و صاحبه یشتدّان و خرجوا وراءه حتی أتی جرفا بمهبط یاجج فرمی بالخشبة فغیبه اللّه عنهم فلم یقدروا علیه قال عمرو بن أمیّة و قلت لصاحبی النجاء حتی تأتی بعیرک فتقعد علیه فانی شاغل عنک القوم و کان الانصاری لا راحلة له قال و مضیت حتی خرجت علی صجنان ثم أویت الی جبل فدخلت کهفا فبینا أنا فیه دخل علیّ شیخ من بنی الدیل أعور فی غنیمة فقال من الرجل قلت من بنی بکر فمن أنت قال من بنی بکر قلت مرحبا فاضطجع ثم رفع عقیرته فقال
و لست بمسلم ما دمت حیاو لا دان لدین المسلمینا فقلت فی نفسی ستعلم فأمهلته حتی اذا نام أخذت قوسی فجعلت سیتها فی عینه الصحیحة ثم تحاملت علمیه حتی بلغت العظم ثم خرجت النجاء حتی جئت العرج ثم سلکت رکونة حتی اذا هبطت البقیع اذا رجلان من قریش من المشرکین کانت قریش بعثتهما عینا الی المدینة ینظران و یتجسسان فقلت استأسرا فأبیا فرمیت أحدهما بسهم فقتلته و استأسرت الآخر فأوثقته رباطا و قدمت به المدینة هذا ما فی الاکتفاء* و قد مرّ أن القسطلانی أورد فی المواهب اللدنیة بعث عمرو بن أمیة الضمری الی أبی سفیان فی السنة السادسة بعد سریة کرز بن جابر و قبل الحدیبیة و قال بعد ذکر سریة کرز بن جابر ثم سریة عمرو بن أمیة الضمری الی أبی سفیان بن حرب بمکة لانه أرسل الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من یقتله من العرب غدرا فأقبل الرجل و معه خنجر لیغتاله فلما رآه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان هذا لیرید غدرا فلما دنا قال أین ابن عبد المطلب قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنا ابن عبد المطلب فأقبل إلیه کأنه یسارّه فجذبه أسید بن حضیر بداخلة ازاره فاذا بالخنجر فسقط فی یده فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصدقنی ما أنت قال و أنا آمن قال نعم فأخبره بخبره فخلی عنه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم الرجل و أقام بالمدینة أیاما ثم استأذن و ذهب الی بلاده و لم یعرف بعد ذلک خبره و بعث رسول اللّه عمرو بن أمیة و معه سلمة بن أسلم و یقال جبار بن صخر الی أبی سفیان و قال ان أصبتما منه غرة فاقتلاه فمضی عمرو بن أمیة یطوف بالبیت لیلا فرآه معاویة بن أبی سفیان فأخبر قریشا بمکانه فخافوه و طلبوه و کان فاتکا فی الجاهلیة فحشد له أهل مکة و تجمعوا فهرب عمرو و سلمة فلقی عمرو عبید اللّه بن مالک التیمی فقتله و قتل آخر و لقی رسولین لقریش بعثتهما یتجسسان الخبر فقتل أحدهما و أسر الآخر فقدم به المدینة فجعل عمر و یخبر رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:460
خبره و هو صلّی اللّه علیه و سلم یضحک*

غزوة بنی النضیر

و فی هذه السنة وقعت غزوة بنی النضیر بفتح النون و کسر الضاد المعجمة قبیلة کبیرة من الیهود فی ربیع الاوّل سنة أربع و ذکر ابن اسحاق هناک* قال السهیلی و کان ینبغی أن یذکرها بعد بدر لما روی عقیل بن خالد و غیره عن الزهری قال کانت غزوة بنی النضیر علی رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد و رجح الداودی ما قاله ابن اسحاق من أن غزوة بنی النضیر بعد بئر معونة کذا فی المواهب اللدنیة و کانت منازلهم بناحیة الفرع و ما یقربها بقریة یقال لها زهرة و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین قدم المدینة صالحه بنو النضیر علی أن لا یقاتلوه و لا یقاتلوا معه* و لما غزا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدرا و ظهر علی المشرکین قالت بنو النضیر و اللّه انه النبیّ الذی وجدنا نعته فی التوراة لا تردّ له رایة فلما غزا أحدا و هزم المسلمون ارتابوا و أظهروا العداوة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمین و نقضوا العهد الذی کان بینهم و بین رسول اللّه و رکب کعب بن الاشرف فی أربعین من الیهود فأتوا قریشا* و دخل أبو سفیان المسجد الحرام فی أربعین من قریش و کعب فی أربعین من الیهود و أخذ بعضهم علی بعض المیثاق بین الاستار و الکعبة ثم رجع کعب و أصحابه الی المدینة فنزل جبریل و أخبر النبیّ بما عاقد علیه کعب و أبو سفیان فأمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بقتل کعب بن الاشرف فقتله محمد بن مسلمة* و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اطلع منهم علی خیانة حین اتاهم یستعینهم فی دیة الرجلین اللذین قتلهما عمرو بن أمیة الضمری فی منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر علیه من فوق الحصن فعصمه اللّه و أخبره بذلک جبریل کما سیجی‌ء الآن کذا فی المدارک و معالم التنزیل و اللفظ له* و فی المنتقی ثم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خرج یوم السبت و صلّی فی مسجد قباء و معه نفر من أصحابه منهم أبو بکر و عمرو علی و الزبیر و طلحة و سعد بن معاذ و أسید بن حضیر و سعد بن عبادة ثم أتی منازل بنی النضیر و کلمهم فی دیة الرجلین من بنی سلیم اللذین قتلهما عمرو بن أمیة الضمری و یستعینهم فی عقلهما و کانوا قد عاهدوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی ترک القتال و علی أن یعینوه فی الدیات کما مرّ و کان لهم حلف مع بنی عامر قالوا نعم یا أبا القاسم قد آن لک أن تأتینا و تسألنا حاجة اجلس حتی نطعمک و نعطیک الذی تسألنا فجلس رسول اللّه الی حدار یهودی و جلس أصحابه فهمّ الیهودی بالغدر فخلا بعض الی بعض قالوا انکم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن یظهر علی هذا البیت و یطرح علیه صخرة فیریحنا منه فقال عمرو بن جحاش انا قیل کان ذلک باشارة من حیی بن أخطب فقال سلام بن مشکم لا تفعلوا و اللّه لیخبرن بما هممتم به فجاء عمرو بن جحاش الی رحی عظیمة لیطرحها علیه فأمسک اللّه یده و عصمه و جاء جبریل فأخبره فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم راجعا الی المدینة ثم دعا علیا و قال لا تبرح مقامک فمن خرج علیک من أصحابی فسألک عنی فقل توجه الی المدینة ففعل ذلک علیّ حتی انصبوا إلیه ثم تبعوه و لحقوا به کذا فی المنتقی* و فی الاکتفاء خرج راجعا الی المدینة و ترک أصحابه فی مجلسهم فلما استلبث النبیّ أصحابه قاموا فی طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدینة فسألوه عنه فقال لقیته داخلا المدینة فأقبلوا حتی انتهوا إلیه فقالوا قمت و لم تشعرنا یا رسول اللّه فقال همت یهود بالغدر فأخبرنی اللّه بذلک فقمت* و بعث إلیهم رسول اللّه محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدتی و لا تساکنونی و قد هممتم بما هممتم به و قد أجلتکم عشرا فمن رؤی منکم بعد ذلک ضربت عنقه فمکثوا أیاما یتجهزون و تکاروا من اناس ابلا و أرسل إلیهم عبد اللّه بن أبیّ ابن سلول لا تخرجوا و أقیموا فان معی ألفین من قومی و غیرهم یدخلون حصونکم فیموتون عن آخرهم معکم و تمدّکم قریظة و حلفاؤکم من غطفان فطمع حیی بن أخطب فیما قاله ابن أبیّ ابن سلول فأرسلوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انا لا نخرج فاصنع ما بدا لک فکبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کبر المسلمون لتکبیره و
قال حاربت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:461
یهود فسار إلیهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی أصحابه فصلوا العصر بفضاء بنی النضیر* و روی أیضا من طریق عکرمة ان غزوتهم کانت صبیحة قتل کعب بن الاشرف کذا فی الوفاء* و فی المدارک مشی المسلمون إلیهم علی أرجلهم لانه علی میلین من المدینة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی حمار فحسب و علیّ رضی اللّه عنه یحمل رایته و استخلف علی المدینة ابن أم مکتوم* و فی معالم التنزیل فلما صار إلیهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وجدهم ینوحون علی کعب بن الاشرف و قالوا یا محمد واعیة علی اثر واعیة و باکیة علی اثر باکیة قال نعم قالوا ذرنا نبک علی شجونا ثم نأتمر أمرک فقال النبیّ اخرجوا من المدینة* و فی المنتقی و لما رأوا رسول اللّه قاموا علی حصونهم معهم النبل و الحجارة و اعتزلتهم قریظة و خفر لهم ابن أبیّ و حلفاؤهم من غطفان و حاصرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خمسة عشر یوما* و فی الوفاء و سیرة ابن هشام حاصرهم ست لیال و فی معالم التنزیل و لما نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بنی النضیر و کانوا أهل حصون و عقار و نخل کثیرة و تحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخیلهم و احراقها فلما رأی أعداء اللّه ان المسلمین یقطعونها شق علیهم فجزعوا عند ذلک و قالوا یا محمد زعمت انک ترید الصلاح أ فمن الصلاح عقر الشجر و قطع النخل و هل وجدت فیما زعمت انه انزل علیک الفساد فی الارض و قالوا للمؤمنین انکم تکرهون الفساد و أنتم تفسدون دعوا أصول النخل فانما هی لمن غلب علیها فوجد المسلمون فی أنفسهم من قولهم و خشوا أن یکون ذلک فسادا فاختلفوا فی ذلک فقال بعضهم لا تقطعوا فانه ما أفاء اللّه علینا* و قال بعضهم بل نغیظهم بقطعها فأخبر اللّه تعالی ما قطعتم من لینة أو ترکتموها قائمة علی أصولها فباذن اللّه و اختلفوا فی اللینة فقال قوم النخل کلها لینة ما خلا العجوة و هو قول عکرمة و قتادة* و فی روایة بازان عن ابن عباس قال کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أمر بقطع نخلهم الا العجوة و أهل المدینة یسمون ما خلا العجوة من التمر الالوان واحدها لون و لینة* و قال الزهری هی ألوان النخل کلها الا العجوة* و قال مجاهد و عطیة هی النخل کلها من غیر استثناء* و قال العوفی عن ابن عباس هی لون من النخل* و قال سفیان هی کرام النخل* و قال مقاتل هی ضرب من النخل یقال لتمرها اللون و هی شدیدة الصفرة یری نواها من خارج تغیب فیها الأضراس و کانت من أجود تمرهم و أحبها إلیهم و کانت النخلة الواحدة منها ثمن وصیف و أحب إلیهم من وصیف فلما رأوهم یقطعونها شق علیهم و قیل قطعوا نخلة و أحرقوا نخلة و قیل کان جمیع ما قطعوا و أحرقوا ست نخلات* و عن ابن عمر رضی اللّه عنهما أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حرق نخل بنی النضیر و لها یقول حسان بن ثابت
و هان علی سراة بنی لؤیّ‌حریق بالبویرة مستطیر و أجاب سفیان و لم یکن أسلم حینئذ
أدام اللّه ذلک من صنیع‌و حرق فی نواحیها السعیر
ستعلم أینا منها بنزه‌و تعلم أی أرضینا نضیر و فی روضة الاحباب أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أمر أبا لیلی المازنی و عبد اللّه بن سلام بقطع نخیلهم أما أبو لیلی فکان یقطع أجود أنواع التمر و هی العجوة و یقول قطع العجوة أشدّ علیهم و أما عبد اللّه بن سلام فکان یقطع أردأ أنواع التمر و هو تمر یقال له اللون و یقول انی أعلم ان اللّه سیجعلها للمسلمین فأترک الاجود لهم فأنزل اللّه تعالی ما قطعتم من لینة أو ترکتموها قائمة علی أصولها فباذن اللّه و لیخزی الفاسقین فلم یغث بنی النضیر أحد و لم یقدر ابن أبی أن یصنع شیئا فجهدهم الحصار و ضاقت علیهم الاحوال و قذف اللّه فی قلوبهم الرعب حتی أرسلوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انا نخرج من بلادک فقال لهم رسول اللّه اخرجوا و لکم دماؤکم و ما حملت الابل الا الحلقة و ولی اخراجهم محمد بن مسلمة فاحتملوا أبواب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:462
بیوتهم فکانوا یخربون بیوتهم و یهدمونها و یحملون ما یوافقهم من أخشابها کذا فی الوفاء* و فی معالم التنزیل قال الزهری لما صالحهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أن لهم ما أقلت الابل و أیسوا من منازلهم و تیقنوا بخروجهم منها کانوا ینظرون الی منازلهم فیهدمونها و ینزعون منها الخشب ما یستحسنونها فیحملونها علی ابلهم و یخرب المؤمنون بواقیها و ذلک قوله تعالی یخربون بیوتهم بأیدیهم و أیدی المؤمنین قال ابن زید کانوا یقلعون العمد و ینقضون السقف و ینقبون الجدر و ینزعون الخشب حتی الاوتاد و یخربونها حتی لا یسکنها المؤمنون حسدا و بغضا* و فی روایة لما أرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم یأمرهم بالخروج من بلدته قالوا الموت أقرب إلینا من ذلک فتنادوا بالحرب و دس إلیهم المنافقون عبد اللّه بن أبیّ بن سلول و أصحابه أن لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوکم فنحن معکم و لا نخذلکم و لننصرنکم و لئن أخرجتم لنخرجنّ معکم فدربوا علی الازقة و حصنوها ثم انهم أجمعوا الغدر فأرسلوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن اخرج فی ثلاثین من أصحابک و یخرج منا ثلاثون حتی نلتقی فی فضاء فیستمعون منک ان صدّقوک و آمنوا بک آمنا کلنا ففعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فخرج إلیه ثلاثون حبرا من الیهود فأرسلوا إلیه کیف نفهم و نحن ستون رجلا اخرج فی ثلاثة من أصحابک و نخرج إلیک ثلاثة من أصحابنا فیسمعون منک فخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ثلاثة من أصحابه و خرج ثلاثة من الیهود و اشتملوا علی الخناجر و أرادوا المکر برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأرسلت امرأة ناصحة من بنی النضیر الی أخیها و هو رجل مسلم من الانصار فأخبرته بما أراد بنو النضیر من الغدر فأقبل أخوها سریعا حتی أدرک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فسارّه بمکرهم قبل أن یصل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم فرجع فلما کان من الغد غدا علیهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالعسکر فحاصرهم احدی و عشرین لیلة فقذف اللّه فی قلوبهم الرعب و أیسوا من نصر المنافقین فسألوا الصلح فأبی علیهم الا أن یخرجوا من المدینة علی ما یأمرهم به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقبلوا ذلک فصالحهم علی الجلاء و علی أن لهم ما أقلت الابل من أموالهم الا السلاح* و قال ابن عباس علی ان یحمل أهل کل ثلاثة أبیات علی بعیر واحد ما شاءوا من متاعهم و للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما بقی* و قال الضحاک أعطی کل ثلاثة نفر بعیرا و سقاء فتجهزوا و تجملوا و تحملوا علی ستمائة بعیر و حملوا النساء و الابناء و الاموال فخرجوا معهم الدفوف و المزامیر و القیان یعزفن خلفهم و یظهرون الجلادة فعبروا من سوق المدینة و تفرّقوا فی البلاد فذهب بعضهم الی الشأم الی أذرعات و أریحاء و لحق أهل بیتین و هم آل أبی الحقیق و آل حیی بن أخطب بخیبر* قال ابن اسحاق کان اجلاء بنی النضیر حین رجع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من أحد و فتح بنی قریظة مرجعه من الاحزاب و بینهما سنتان أکثر الروایات علی انه کان أموال بنی النضیر و عقارهم فیئا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خاصة له خصه اللّه بها حبسا لنوائبه لم یخمسها و لم یسهم منها لاحد کما هو مذهب الامام أبی حنیفة رحمه اللّه* و ورد فی بعض الروایات أنه خمسها و ذهب إلیه الامام الشافعی رحمه اللّه و أعطی منها ما أراد لمن أراد و وهب العقار للناس و کان یعطی من محصول البعض أهله و عیاله نفقة سنة و یجعل ما بقی حیث یجعل مال اللّه* و فی المهمات المال المأخوذ من الکفار ینقسم الی ما یحصل من غیر قتال و ایجاف خیل و رکاب و الی حاصل بذلک و یسمی الاوّل فیئا و الثانی غنیمة* و فی المدارک أن ما خوّل اللّه رسوله من أموال بنی النضیر شی‌ء لم یحصلوه بالقتال و الغلبة و لکن سلطه اللّه علیهم و علی ما فی أیدیهم فالامر فیه مفوّض إلیه یضعه حیث یشاء و لا یقسمه قسمة التی قوتل علیها و أخذت عنوة قهرا فقسمها بین المهاجرین و لم یعط الانصار الا ثلاثة منهم لفقرهم أبا دجانة سماک بن خرشة و سهل بن حنیف و الحارث بن الصمة و کذا فی معالم التنزیل و لابی داود أعطی أکثر المهاجرین و قسمها بینهم و أعطی رجلین من الانصار ذوی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:463
حاجة لم یعط غیرهما منهم و بقی منها صدقته التی فی أیدی بنی فاطمة و قیل أعطی سعد بن معاذ سیف أبی الحقیق و کان مشهورا بالجودة* و فی روضة الاحباب قد ثبت أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة آخی بین المهاجرین و الانصار کما مرّ فی وقائع السنة الاولی من الهجرة فذهب کل واحد من الانصار برجل من المهاجرین الی منزله و کفاه مئونة ما یحتاج إلیه و هکذا کان الانصار یعملون بالمهاجرین ثم تنافسوا فیهم حتی آل أمرهم الی القرعة فیقترعون فیما بینهم فأی أنصاری تخرج القرعة باسمه یذهب بالمهاجری فبلغت مواساتهم و معاونتهم الی المرتبة القصوی حتی قال سعد بن الربیع الانصاری لاخیه عبد الرحمن بن عوف المهاجری هلم أقسم مالی بینی و بینک نصفین أو شطرین ولی امرأتان انظر أعجبهما إلیک فسمها لی أطلقها أو قال أنزل عنها فاذا انقضت عدّتها فتزوّجها قال له عبد الرحمن بارک اللّه فی أهلک و مالک و هکذا کان دیدن الانصار فی مواساتهم الی أن جعل اللّه أموال بنی النضیر فیئا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فجمع الانصار ثم حمد اللّه و أثنی علی الانصار و ذکر اعانتهم و امدادهم و احسانهم و اسعادهم للمهاجرین ثم قال یا معشر الانصار ان اللّه تبارک و تعالی أعطانا أموال بنی النضیر ان شئتم قسمتم للمهاجرین من أموالکم و دیارکم و تشارکونهم فی هذه القسمة و ان شئتم کانت لکم دیارکم و أموالکم و لم یقسم لکم شی‌ء من هذه الاموال* قال السعدان سعد بن معاذ و سعد بن عبادة یا رسول اللّه بل نحب أن نقسم دیارنا و أموالنا علی المهاجرین الذین ترکوا دیارهم و أموالهم و عشائرهم و خرجوا حبا للّه و لرسوله و نؤثرهم بالقسمة و لا نشارکهم فیها* و فی الوفاء روی ابن أبی شیبة عن الکلبی قال لما ظهر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أموال بنی النضیر قال للانصار ان اخوانکم من المهاجرین لیست لهم أموال فان شئتم قسمت هذه الاموال بیتکم و بینهم جمیعا و ان شئتم أمسکتم أموالکم فقسمت هذه فیهم قالوا بل اقسم هذه فیهم و اقسم لهم من أموالنا ما شئت انتهی فلما قال السعدان ذلک اقتدی بهما سائر الانصار فقالوا مثل ذلک ففرح النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال اللهم ارحم الانصار و أبناء الانصار و أبناء أبناء الانصار فأنزل اللّه فیهم و یؤثرون علی أنفسهم و لو کان بهم خصاصة أی یقدّمون اخوانهم من المهاجرین و یختارونهم بأموالهم و منازلهم علی أنفسهم و لو کان بهم فاقة و حاجة الی ما یؤثرون کذا فی معالم التنزیل فقسم أموال بنی النضیر علی المهاجرین حسبما اقتضته المصلحة فعین لابی بکر و عمر و عبد الرحمن بن عوف و صهیب و أبی سلمة بن عبد الاسد المخزومی ضیاعا معروفة و من الانصار أعطی سهل بن حنیف و أبا دجانة شیئا لفقرهما و حاجتهما کذا قاله ابن اسحاق‌

* وفاة زینب بنت خزیمة

و فی ربیع الآخر من هذه السنة توفیت زینب بنت خزیمة بن الحارث الهلالیة و کانت تدعی فی الجاهلیة أم المساکین ذکره أبو عمرو و کان صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها فی سنة ثلاث و لبثت عنده شهرین أو ثمانیة کما مرّ و دفنت بالبقیع ذکره الفضائلی*

غزوة ذات الرقاع‌

و فی هذه السنة کانت غزوة ذات الرقاع و أوردها مغلطای فی سیرته بعد غزوة بدر الصغری اختلف فیها متی کانت ففی خلاصة الوفاء بعد غزوة بنی النضیر بشهرین و عشرین یوما و فی المواهب اللدنیة عند ابن اسحاق بعد بنی النضیر سنة أربع فی شهر ربیع الآخر و بعض جمادی الاولی و عند ابن سعد و ابن حبان فی المحرّم سنة خمس کذا فی المنتقی و جزم أبو معشر بأنها بعد بنی قریظة فی ذی القعدة سنة خمس فتکون ذات الرقاع فی آخر هذه السنة و أوّل التی تلیها* قال فی فتح الباری قد جنح البخاری الی أنها کانت بعد خیبر و استدل لذلک بأمور و مع ذلک ذکرها قبل خیبر فلا أدری هل تعمد ذلک تسلیما لاهل المغازی انها کانت قبلها أو انّ ذلک من الرواة عنه أو اشارة الی احتمال أن تکون ذات الرقاع اسما لغزوتین مختلفتین احداهما قبل خیبر و الاخری بعدها کما أشار إلیه البیهقی علی أن أصحاب المغازی مع جزمهم بأنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:464
کانت قبل خیبر مختلفون فی زمانها انتهی و الذی جزم به ابن عقبة تقدّمها لکن تردد فی وقتها فقال لا ندری کانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها کذا فی المواهب اللدنیة و أوردها مغلطای فی سیرته بعد غزوة بدر الصغری و هی غزوة کانت بأرض غطفان من نجد سمیت ذات الرقاع لان الظهر کان قلیلا و اقدام المسلمین نقبت من الحفاء فلفوا علیها الخرق و هی الرقاع هذا هو الصحیح فی تسمیتها و قد ثبت هذا فی الصحیح عن أبی موسی الاشعری و قیل سمیت به بجبل هناک یقال له الرقاع لان فیه بیاضا و حمرة و سوادا و قیل سمیت بشجرة هناک یقال لها ذات الرقاع و قیل لان المسلمین رقعوا رایاتهم و یحتمل أن تکون هذه الامور کلها وجدت فیها و شرعت صلاة الخوف فی غزوة ذات الرقاع و قیل فی غزوة بنی النضیر کذا فی شرح مسلم للنووی و فی أسد الغابة لابن الاثیر و قیل ان فیها قصرت الصلاة و فیها نزلت آیة التمیم و سببها أن قادما قدم المدینة فأخبر بأن أنمارا و ثعلبة و غطفان قد جمعوا جموعا بقصد المسلمین فبلغ ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاستخلف علی المدینة عثمان بن عفان و خرج لیلة السبت لعشر خلون من المحرم فی أربعمائة رحل و قیل فی سبعمائة فمضی حتی أتی محالهم بذات الرقاع و هو جبل فلم یجد إلا نسوة فأخذهنّ و فیهنّ جاریة وضیئة و هربت الاعراب الی رءوس الجبال و لم یکن قتال و أخاف المسلمون بعضهم بعضا من غیر أن یغیروا علیهم فصلی بهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الخوف* و فی روایة بطائفة رکعتین و بالاخری أخرتین و کان أوّل ما صلاها و رجع الی المدینة و اشتری فی الطریق من جابر جملا بأوقیة و شرط له ظهره الی المدینة و استغفر لجابر فی تلک اللیلة خمسا و عشرین مرّة* و فی الترمذی سبعین مرّة و کانت غیبته فی تلک الغزوة خمس عشرة لیلة* و عن جابر أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلّی بأصحابه صلاة الخوف فی الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع* قال ابن عباس صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الخوف بذی قرد* اعلم أنه ورد فی صحیح البخاری أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نام فی غزوة ذات الرقاع فی ظل شجرة فجاء أعرابی فاخترط سیفه صلّی اللّه علیه و سلم و قام علیه فاستیقظ و السیف فی یده صلتا فقال من یمنعک منی قال اللّه فقام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فجلس الاعرابی فحفظ اللّه نبیه من شرّه و وقع مثل هذه القصة أیضا فی السنة الثالثة من الهجرة ففی ظاهر هاتین القصتین خلاف فلا بدّ من أحد الامرین اما أن ترجح روایة الصحیح أو یقال بتعدّد الواقعة و اللّه أعلم*

وفاة عبد اللّه بن عثمان‌

و فی جمادی الاولی من هذه السنة توفی عبد اللّه بن عثمان من رقیة بنت رسول اللّه ولد فی الاسلام فی الحبشة و به کان یکنی عثمان فبلغ ست سنین فنقره دیک فی عینه فمرض فمات کما مرّ فی الباب الثالث فی تزویج بناته و نزل فی حفرته عثمان*

ولادة الحسین بن علی رضی اللّه عنهما

و فی شعبان هذه السنة ولد الحسین بن علیّ کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی لخمس خلون من شعبان سنة أربع* و فی المنتقی لثلاث لیال خلون من شعبانها* و فی الاستیعاب ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع و قیل سنة ثلاث هذا قول الواقدی و طائفة معه* و فی شواهد النبوّة کانت ولادته بالمدینة یوم الثلاثاء رابع شعبان السنة الرابعة من الهجرة* و فی الوفاء المشهور فی ولادتها انها فی الثالثة و کان علوق فاطمة بالحسین فی ذی القعدة و کان بین ولادة الحسن و علوقها بالحسین خمسون لیلة* و فی الاستیعاب روی جعفر بن محمد عن أبیه قال لم یکن بین الحسن و الحسین إلا طهر واحد* و قال قتادة ولد الحسین بعد الحسن بستة عشرة شهر الخمس سنین و ستة أشهر من التاریخ و بعض أحواله من التسمیة و الختان و العقیقة و غیر ذلک ذکر فی الموطن الثالث فی میلاد الحسن فلیطلب ثمة و سیجی‌ء ذکر مقتله فی الخاتمة فی سنة احدی و ستین فی خلافة یزید بن معاویة

* تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود

و فی هذه السنة أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زید بن ثابت بتعلیم السریانیة معللا ذلک بأنه لا یأمن الیهود علی کتابه* عن زید بن ثابت قال أتی بی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مقدمه المدینة فعجب بی فقیل له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:465
هذا الغلام من بنی النجار قد قرأ مما أنزل اللّه إلیک بضع عشرة سورة فاستقر أنی فقرأت ق فقال لی تعلم کتاب یهود فانی ما آمن یهود علی کتابی فتعلمته فی نصف شهر حتی کتبت الی یهود و کنت أقرأ له اذا کتبوا له کذا رواه ابن أبی الزناد و أحمد و یونس عند أبی داود و داود بن عمرو الضبی و سعید بن سلیمان الواسطی و سلیمان ابن داود الهاشمی و عبد اللّه بن وهب و علی بن حجر و حدیثه عند الترمذی کذا ذکره السخاوی فی الاصل الاصیل*

غزوة بدر الصغری الموعد

و فی شعبان هذه السنة بعد ذات الرقاع وقعت غزوة بدر الصغری الموعد و هی بدر الثالثة* قال ابن اسحاق لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة من غزوة ذات الرقاع أقام بها جمادی الاولی الی آخر رجب ثم خرج فی شعبان الی بدر لمیعاد أبی سفیان کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی کانت فی هلال ذی القعدة و ذلک ان أبا سفیان لما أراد أن ینصرف من أحد نادی یا محمد الموعد بیننا و بینکم موسم بدر الصغری لقابل ان شئت نلتقی بها فنقتتل فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعمر قل نعم ان شاء اللّه فافترق الناس علی ذلک فلما کان العام المقبل خرج أبو سفیان فی أهل مکة حتی نزل مجنة من ناحیة مرّ الظهران و یقال عفان ثم ألقی اللّه الرعب فی قلبه فبدا له فی الرجوع فلقی نعیم بن مسعود الاشجعی و قد قدم معتمرا فقال له أبو سفیان یا نعیم انی قد واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقی بموسم بدر الصغری و ان هذا عام جدب و لا یصلحنا لا عام خصب نرعی فیه الشجر و نشرب فیه اللبن و قد بدا لی أن لا أخرج إلیها و اکره أن یخرج محمد و لا أخرج أنا فیزیدهم ذلک جراءة فلأن یکون الخلف من قبلهم أحبّ الیّ من أن یکون من قبلی فالحق بالمدینة و ثبطهم و أعلمهم أنا فی جمع کثیر و لا طاقة لهم بنا و لک عندی عشرة من الابل أضعها علی ید سهیل بن عمرو یضمنها لک و جاء سهیل بن عمرو فقال له نعیم یا أبا یزید أتضمن لی هذه الفرائض و أنطلق الی محمد و أثبطه قال نعم فخرج نعیم حتی أتی المدینة فوجد الناس یتجهزون لمیعاد أبی سفیان فقال أین تریدون فقالوا واعدنا أبو سفیان لموسم بدر الصغری أن نقتتل بها فقال بئس الرأی رأیتم أتوکم فی دیارکم و قرارکم فلم یفلت منکم الا الشرید فتریدون أن تخرجوا و قد جمعوا لکم عند الموسم و اللّه لا یفلت منکم أحد فکره أصحاب رسول اللّه الخروج فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الذی نفسی بیده لأخرجنّ و لو وحدی و فی روایة و ان لم یخرج معی أحد فأما الجبان فانه رجع و أما الشجاع فانه تأهب للقتال و قالوا حسبنا اللّه و نعم الوکیل* و استخلف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی المدینة عبد اللّه بن رواحة و حمل لواءه علی بن أبی طالب فخرج صلّی اللّه علیه و سلم و معه ألف و خمسمائة رجل و الخیل عشرة أفراس و خرجوا ببضائع لهم و تجارات فجعلوا یلقون المشرکین و یسألون عن قریش فیقولون قد جمعوا لکم یریدون أن یرعبوا المسلمین فیقول المؤمنون حسبنا اللّه و نعم الوکیل حتی بلغوا بدرا* قال مجاهد و عکرمة فی هذه الغزوة نزلت هذه الآیة الذین استجابوا اللّه و الرسول و عند أکثر المفسرین نزلت هذه الآیة فی غزوة حمراء الاسد کما مرّ و کانت بدر الصغری موضع سوق للعرب فی الجاهلیة یجتمعون إلیها فی کل عام ثمانیة أیام لهلال ذی القعدة الی ثمان تخلو منه ثم یتفرّقون الی بلادهم و نزلت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بدر اللیلة هلال ذی القعدة و أقام بها ثمانیة أیام ینتظر أبا سفیان و قد انصرف أبو سفیان من مجنة الی مکة و قال لا یصلحنا إلا عام خصب و هذا عام جدب فسمی أهل مکة ذلک الجیش جیش السویق یقولون خرجوا یشربون السویق و لم یلق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه أحدا من المشرکین وافوا السوق و کانت معهم تجارات و نفقات فباعوها و أصابوا بالدرهم درهمین و قد سمع الناس بمسیرهم و ذهب صیت جیشهم الی کل جانب فکبت اللّه بذلک عدوّهم و انصرفوا الی المدینة سالمین غانمین فذلک قوله تعالی الذین استجابوا اللّه و الرسول الآیة کذا فی معالم التنزیل فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:466
صفوان بن أمیة لابی سفیان نهیتک أن تعد القوم و لم تسمع کلامی قد اجترءوا علینا و رأوا اناقد أخلفناهم ثم أخذوا فی الکید و التهیؤ لغزوة الخندق*

تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بأم سلمة

و فی هذه السنة أو السنة الثالثة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمّ سلمة هندا و قیل رملة بنت أبی أمیة عبد اللّه بن مخزوم بن یقظة ابن مرّة بن کعب بن لؤیّ و اسم أبی أمیة سهیل و یقال له زاد الراکب بن المغیرة بن عبد اللّه* و قال أبو عمرو تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنة اثنتین بعد بدر فی شوّال و بنی بها فی شوّال کذا فی السمط الثمین* و فی المواهب اللدنیة تزوّجها فی لیال بقین من شوّال من السنة التی مات فیها أبو سلمة* و فی المنتقی أورد تزوّجها فی السنة الرابعة و کانت قبل رسول اللّه عند أبی سلمة بن عبد الاسد هاجرت مع زوجها الی الحبشة ثم هاجرت الی المدینة کذا فی الوفاء و ولدت له سلمة و عمرا و زینب کما سیجی‌ء و مات أبو سلمة بالمدینة فی سنة ثلاث من الهجرة کما هو فی الصفوة فتزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی سیرة مغلطای مات ابو سلمة لثمان خلون من جمادی الآخرة زوجها من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابنها عمرو و قیل سلمة و یقال تزوّجها سنة اثنتین بعد بدر و یقال قبل بدر روی ان أبا سلمة جاء الی أمّ سلمة و قال لقد سمعت من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حدیثا أحب الیّ من کذا و کذا سمعته یقول لا یصیب أحدا مصیبة فیسترجع عند ذلک و یقول اللهم عندک أحتسب مصیبتی هذه اللهم اخلفنی فیها خیرا منها الا أعطاه اللّه عز و جل ذلک قالت أمّ سلمة فلما أصبت یأبی سلمة قلت اللهم عندک أحتسب مصیبتی و لم تطب نفسی أن اقول اللهم اخلفنی فیها خیرا منها ثم قلت من خیر من أبی سلمة أ لیس أ لیس ثم قلت ذلک قال لما انقضت عدّتها أرسل إلیها أبو بکر یخطبها فأبت ثم أرسل إلیها عمر ابن الخطاب یخطبها فأبت ثم أرسل إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخطبها فقالت مرحبا برسول اللّه ان فیّ خلالا ثلاثا أنا امرأة شدیدة الغیرة و أنا امرأة مصبیة و أنا امرأة لیس لی هاهنا أحد من أولیائی فیزوّجنی فغضب عمر لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أشدّ مما غضب لنفسه حین ردّته فأتاها عمر فقال أنت التی تردّین رسول اللّه بما تردّینه فقالت یا ابن الخطاب فیّ کذا و کذا فأتاها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال أما ما ذکرت من غیرتک فأنا أدعو اللّه عز و جل ان یذهبها عنک و أما ما ذکرت من صبیتک فاللّه عز و جلّ سیکفیکهم و أما ما ذکرت انه لیس من اولیائک أحد شاهد فلیس من اولیائک أحد شاهد و لا غائب یکرهنی فقالت لابنها سلمة زوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی السمط الثمین أرسل إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حاطب بن أبی بلتعة یخطبها له انتهی فقال رسول اللّه اما انی لم انقصک عما اعطیت فلانة فقیل لأمّ سلمة ما اعطی فلانة قالت أعطی هاجرتین تضع فیهما حاجتها و رحی و وسادة من أدم حشوها لیف ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أقبل یأتیها فلما رأته وضعت زینب أصغر ولدها فی حجرها فلما رأی انصرف ثم أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یأتیها فوضعتها فی حجرها فأقبل عمار مسرعا بین یدی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فانتزعها من حجرها و قال هاتی هذه المشقوحة التی منعت رسول اللّه فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلم یرها فی حجرها قال أین زناب قالت أخذها عمار فدخل رسول اللّه علی أهله و کانت أمّ سلمة فی النساء کأنها لم تکن فیهنّ لا تجد ما یجدن من الغیرة* و قال أنس ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تزوّج أمّ سلمة علی متاع قیمته عشرة دراهم و روی انه لما تزوّجها رسول اللّه نقلها الی بیت زینب بنت خزیمة بعد موتها فدخلت فرأت جرّة فیها شعیر و رحی و برمة فطحنته ثم عصدته فی البرمة و أدمته باهالة و کان ذلک طعام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و طعام أهله لیلة عرسه* و فی القاموس الاهالة الشحم و ما أذیب منه أو الزیت و کل ما ائتدم به
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:467
فأقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثا ثم أراد أن یدور فأخذت بثوبه فقال لیس بک علی أهلک هو ان ان شئت سبعة عندک و سبعة عندهنّ و ان شئت ثلاثا عندک و درت قالت ثلاث و روی عن هند بنت الفراسیة قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان لعائشة منی شعبة ما نزلها منی أحد فلما تزوّج أمّ سلمة سئل فقیل یا رسول اللّه ما فعلت الشعبة فسکت فعرف ان أمّ سلمة قد نزلت عنده و روی عن عائشة أنها قالت لما تزوّج رسول اللّه أمّ سلمة حزنت حزنا شدیدا لما ذکروا لی من جمالها فتلطفت حتی رأیتها و اللّه اضعاف ما وصفت لی فی الحسن و الجمال فذکرت ذلک لحفصة و کانتا یدا واحدة فقالت لا و اللّه ان هذا الا الغیرة ما هی کما یقولون فتلطفت بها حفصة حتی رأتها فقالت قد رأیتها لا و اللّه ما هی کما تقولین و لا قریب منه و انها لجمیلة قالت فرأیتها بعد و کانت کما قالت حفصة و لکنی کنت غیری و کانت أمّ سلمة عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سبع سنین و عاشت بعده ثمانیة و أربعین سنة و توفیت فی أوّل خلافة یزید بن معاویة سنة ستین و قیل سنة تسع و خمسین و قیل ثنتین و ستین فی شهر رمضان أو شوّال و قبرت بالبقیع و هی بنت أربع و ثمانین سنة و صلّی علیها أبو هریرة قیل کانت الصلاة بوصیتها و دخل قبرها عمرو و سلمة ابنا ابی سلمة و عبد اللّه بن أبی اسامة و عبد اللّه بن زمعة ذکره أبو عمرو صاحب الصفوة قیل أوّل من هلک من أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعده زینب بنت جحش هلکت فی خلافة عمرو آخر من هلک منهنّ أمّ سلمة هلکت فی زمن یزید بن معاویة و قیل آخر من هلک منهنّ میمونة کما سیجی‌ء مرویاتها فی الکتب المتداولة ثلاثمائة و ثمانیة و سبعون حدیثا منها المتفق علیه ثلاثة عشر و فرد البخاری ثلاثة و فرد مسلم ثلاثة عشروا الباقیة فی سائر الکتب*

(ذکر أولاد أم سلمة)

* و کان لها ثلاثة أولاد سلمة و هو أکبرهم و عمرو و زینب و هی أصغرهم ربیبو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و زوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سلمة أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب و عاش الی خلافة عبد الملک بن مروان و لم تحفظ له روایة و أما عمرو فله روایة و توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و له تسع سنین و کان مولده بالحبشة فی السنة الثانیة من الهجرة و استعمله علیّ علی فارس و البحرین و کان یوم الجمل مع علیّ و توفی بالمدینة سنة ثلاث و ثمانین فی خلافة عبد الملک و له عقب بالمدینة و أما زینب فولدت أیضا فی الحبشة و قدمت بها أمّها و کانت اسمها برّة فسماها رسول اللّه زینب و روی أنها دخلت علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یغتسل فنضح فی وجهها الماء فلم یزل ماء الشباب فی وجهها حتی کبرت و عجزت و تزوّجها عبد اللّه بن زمعة بن الاسود الاسدی فولدت له و کانت من أفقه نساء زمانها ذکره أبو عمرو*

رجم الیهودیین‌

و فی ذی القعدة من هذه السنة رجم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الیهودی و الیهودیة بالزنا و نزل قوله تعالی و من لم یحکم بما أنزل اللّه فاولئک هم الفاسقون* و عن ابن عمر قال أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیهودی و یهودیة قد أحدثا فقال لهم ما تجدون فی کتابکم قالوا أحبارنا أحدثوا تحمیم الوجه و التحبیة قال عبد اللّه بن سلام ادعهم یا رسول اللّه یأتوا بالتوراة فأتوا بها فوضع أحدهم یده علی آیة الرجم و جعل یقرأ ما قبلها و ما بعدها فقال له عبد اللّه بن سلام ارفع یدک فاذا آیة الرجم تحت یده فأمر بهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فرجما عند البلاط فرأیت الیهودی أحنی علیها رواه البخاری قوله أحدثا أی زنیا التحبیة أن یجلد و یحمل علی دابة بعد تحمیم الوجه البلاط موضع بالمدینة بین المسجد و السوق یفرش فیه البلاط و هو ضرب من الحجارة یفرش کذا فی القاموس احنی علیها أی أکب و مال علیها لیقیها الحجارة کذا فی نهایة ابن الاثیر*

وفاة فاطمة أم علی بن أبی طالب‌

و فی هذه السنة توفیت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علی ابن أبی طالب* و فی الریاض النضرة قال أبو عمرو و غیره و هی أوّل هاشمیة ولدت هاشمیا أسلمت و توفیت مسلمة بالمدینة و شهدها النبیّ صلّی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:468
اللّه علیه و سلم و تولی دفنها و ألبسها قمیصه و اضطجع فی قبرها ذکره الخجندی و ذکر الطائی فی الاربعین انه صلّی اللّه علیه و سلم نزع قمیصه و ألبسها ایاه و تولی دفنها و اضطجع فی قبرها فلما سوّی علیها التراب سئل عن ذلک قال ألبستها لتلبس من ثیاب الجنة و اضطجعت معها فی قبرها لا خفف عنها ضغطة القبر انها کانت أحسن خلق اللّه صنعا بی بعد أبی طالب* و ذکر السلفی انه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی علیها و تمرّغ فی قبرها و بکی و قال جزاک اللّه من أمّ خیرا لقد کنت خیر أم قال و کانت ربت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال و ولدت لابی طالب طالبا و عقیلا و جعفرا و علیا و أم هانی و اسمها فاختة و حمانة قال ابن قتیبة و أبو عمرو و کان علیّ أصغر من طالب بعشر سنین* و فی کتب الاحادیث قال علیّ قلت لامی فاطمة بنت أسدا کفی فاطمة بنت رسول اللّه سقایة الماء و الذهاب فی الحاجة و تکفیک خدمة الداخل و الطحن و العجن* و فی هذه السنة حرمت الخمر علی قول ابن اسحاق و سیجی‌ء فی الموطن السادس تمامه و اللّه أعلم‌

* (الموطن الخامس فی وقائع السنة الخامسة من الهجرة

اشارة

من فک سلمان عن الرق و غزوة دومة الجندل و وفاة أم سعد و خسوف القمر و شدّة قریش و وفد بلال بن الحارث المزنی و قدوم ضمام بن ثعلبة و غزوة المریسیع و تنازع جهجاه و قدوم مقیس بن ضبابة و نزول آیة التیمم و تزوّج جویریة و افک عائشة رضی اللّه عنها و غزوة الخندق و غزوة بنی قریظة و قصة أولاد جابر و تزوّج زینب بنت جحش و نزول آیة الحجاب و زلزلة المدینة و سقوطه عن فرسه و مسابقة الخیل و نزول فرض الحج و النهی عن ادّخار لحوم الاضاحی)*

* فک سلمان عن الرق‌

و فی هذه السنة فک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سلمان عن الرق قد مرّ ان سلمان أسلم فی السنة الاولی من الهجرة ثم شغله الرق حتی قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کاتب یا سلمان فکاتب سیده علی ثلاثمائة نخلة یجبها له و أربعین أوقیة من ذهب فأعانه أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی اجتمعت عنده ثلاثمائة نخلة فغرسها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فحملت من عامها الا نخلة غرسها عمر فانتزعها النبیّ و غرسها بیده فحملت فأتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بمثل بیضة دجاجة من ذهب من بعض الغزوات فقال ما فعل الفارسی المکاتب فدعی سلمان له فقال خذ هذه فأدّ بها ما علیک یا سلمان قال و أین تقع هذه یا رسول اللّه مما علیّ و لما قال سلمان ذلک أخذها رسول اللّه فقلبها علی لسانه ثم أعطاها سلمان فأخذها فأوفی منها حقهم کله أربعین أوقیة* و فی الشفاء نقلا عن کتاب البزار أعطاه مثل بیضة دجاجة بعد أن ردّها علی لسانه فوزن منها لموالیه أربعین أوقیة و بقی عنده مثل ما أعطاهم انتهی و عتق و شهد الخندق مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم لم یفته معه مشهد* و فی بعض الروایات قال سلمان اشترتنی امرأة یقال لها خلیسة بنت فلان حلیف بنی النجار بثلاثمائة درهم فمکثت معها ستة عشر شهرا حتی قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة فبلغنی ذلک بعد خمسة أیام و أنا فی أقصی المدینة فی زمن الخلال بالضم یعنی البلح* قال ابن الاثیر فی النهایة البلح أوّل ما یرطب من البسر واحدها بلحة و فی الصحاح البلح قبل البسر لانّ أوّل التمر طلع ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر قال فالتقطت شیئا من الخلال فجعلت فی ثوبی فأقبلت أسأل عنه حتی بلغت دار أبی أیوب و رسول اللّه داخل و أبو أیوب و امرأته یلتقطان الماء بقطیفة لهم لا یکف أی لا یقطر علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ما تصنع یا أبا أیوب قال وقع حب لنا فانکسر فانصب الماء فخشیت أن تکون نائما أو فی الصلاة فکیف علیک فیؤذیک فقال رسول اللّه لک و لزوجک الجنة* قال سلمان فقلت هذا و اللّه محمد رسول اللّه فدنوت منه فسلمت علیه ثم أخذت ذلک الخلال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:469
فوضعته بین یدیه و ذکر قصة الصدقة و الهدیة و خاتم النبوّة فأسلم سلمان و أخبر بقصة خلیسة قال سلمان فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب فقال اذهب الی خلیسة فقل لها یقول لک محمد امّا أن تعتقی هذا و امّا أن أعتقه فانّ الحکمة تحرّمه علیک فقلت یا رسول اللّه انها لم تسلم فقال یا سلمان ما تدری ما حدث بعدک دخل علیها ابن عمها فعرض علیها الاسلام فأسلمت و ذکر أنها أعتقته بأمر رسول اللّه و کافأها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأن غرس لها ثلاثمائة فسیلة و هی صغار النخل کالودی* و فی بعض الروایات انّ سلمان کان یرعی الغنم لسیده و فی بعضها اشتراه أبو بکر فأعتقه و فی بعضها انّ سلمان أسلم بمکة روی أنه قال تداولنی بضعة عشر سیدا من رب الی رب* و روی انه کان من المعمرین أدرک وصی عیسی ابن مریم و عاش ثلاثمائة و خمسین سنة و أمّا عیشه مائتین و خمسین فلا یشکون فیه قیل انّ اسمه کان ماهویه و قیل مایه و قیل بهبوذ بن بدخشان من ولد منوجهر الملک توفی بالمدائن فی خلافة عثمان و قیل مات سنة ثنتین و ثلاثین و قیل انّ اسلامه کان فی جمادی الاولی من السنة الاولی من الهجرة و انّ مولاه الذی باعه عثمان بن أشهل الیهودی القرظی و قیل انه عاد الی أصفهان فی زمان عمر و قیل کان له أخ بشیر ازله نسل ثمة و له ثلاث بنات بنت بأصفهان لها نسل و بنتان بمصر و قیل کان له ابن یقال له کثیر*

غزوة دومة الجندل‌

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة دومة الجندل بضم الدال من دومة و فتحها و هی مدینة بینها و بین دمشق خمس لیال و بعدها من المدینة خمس عشرة أو ست عشرة لیلة قاله ابن سعد* و فی الصحاح الدوم شجر المقل و الجندل الحجارة و دومة الجندل اسم حصن و أهل اللغة یقولونه بضم الدال و أصحاب الحدیث یفتحونها* قال البکری سمیت بدومی بن اسماعیل کان نزلها و کانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرین و أربعة أیام و سببها انه سمع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان الاعراب تجمعوا بکثرة فی دومة الجندل یظلمون من مرّ بهم فاستخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری و خرج لخمس لیال بقین من شهر ربیع الاوّل فی ألف من أصحابه فکان یسیر باللیل و یکمن بالنهار* قال سعد غزاها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و نزل بساحة أهلها فلم یجد الا النعم و الشاء فهجم علی ماشیتهم و رعاتهم فأصاب من أصاب و هرب من هرب فی کل وجه و جاء الخبر أهل دومة فتفرّقوا و نزل علیه السلام بساحتهم فلم یلق بها أحدا فأقام بها أیاما و بث السرایا و فرّقها فرجعوا و لم یصب منهم أحدا فرجع و دخل المدینة فی العشرین من ربیع الآخر کذا فی المواهب اللدنیة* و قال ابن هشام انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رجع قبل أن یصلها* و فی الوفاء قیل کان منزل أکیدر أوّلا دومة الحیرة و کان یزور أخواله من کلب فخرج معهم للصید فرفعت له مدینة متهدّمة لم یبق الا حیطانها مبنیة بالجندل فأعاد بناءها و غرسوا الزیتون و غیره فیها و سموه دومة الجندل تفرقة بینها و بین دومة الحیرة و کان أکیدر یتردّد بینهما و زعم بعضهم ان تحکیم الحکمین کان بدومة الجندل*

نفیسة

و فی کتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال مررت مع أبی موسی بدومة الجندل فقال حدّثنی حبیبی صلّی اللّه علیه و سلم انه حکم فی بنی اسرائیل فی هذا الموضع حکمان بالجور و انه یحکم فی أمّتی حکمان بالجور فی هذا الموضع قال فما ذهبت الایام حتی حکم هو و عمرو بن العاص فیما حکماه قال فلقیته فقلت یا أبا موسی قد حدّثنی عن رسول اللّه فقال و اللّه المستعان کذا أورده المجد*

وفاة أم سعد

و فی مدّة غیبته هذه فی الغزوة ماتت أمّ سعد بن عبادة عمرة بنت مسعود من المبایعات و لما قدم المدینة صلّی علی قبرها و قال سعد یا رسول اللّه انّ أمی افتلتت و أظنها لو تکلمت لتصدّقت أتصدّق عنها قال نعم قال أی الصدقة أفضل قال الماء فحفر بئرا و قال هذه لأمّ سعد*

خسوف القمر

و فی هذه السنة انخسف القمر فی جمادی الآخرة و جعل الیهود یضربون بالطساس و یقولون سحر القمر فصلی بهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الخسوف حتی انجلی القمر رواه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:470
ابن حبان* و فی هذه السنة أصابت قریشا شدّة فبعث إلیهم بفضة یتألفهم بها*

وفد بلال بن الحارث‌

و فی هذه السنة جاء بلال بن الحارث فی أربعة عشر رجلا من مزینة فأسلموا و کان أوّل وافد مسلم بالمدینة فقال لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ارجعوا فأینما تکونوا فأنتم من المهاجرین فرجعوا الی بلادهم‌

* وفد ضمام بن ثعلبة

و فی هذه السنة قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضمام بن ثعلبة من بنی سعد بن بکر و علیه جمع کثیر من أکابر أهل السیر لکن الحافظ ابن حجر قال فی فتح الباری انّ قدوم ضمام کان فی السنة التاسعة کما ذهب إلیه محمد بن اسحاق و سیجی‌ء فی الخاتمة*

غزوة المریسیع‌

و فی شعبان هذه السنة و فی سیرة ابن هشام فی شعبان سنة ست وقعت غزوة المریسیع بضم المیم و فتح الراء و سکون التحتانیتین بینهما مهملة مکسورة آخره عین مهملة و هو ماء لبنی خزاعة بیته و بین الفرع یومان و بین الفرع و المدینة ثمانیة برد کذا فی سیرة مغلطای و تسمی غزوة بنی المصطلق بضم المیم و سکون المهملة و فتح الطاء المشالة المهملة و کسر اللام بعدها قاف و هو لقب و اسمه جذیمة بن سعد بن عمرو بطن من خزاعة و کانت یوم الاثنین للیلتین خلتا من شعبان سنة خمس* و قال موسی بن عقبة سنة أربع انتهی قالوا و کأنه سبق قلم أراد أن یکتب سنة خمس فکتب سنة أربع و الذی فی مغازی موسی بن عقبة من عدّة طرق أخرجها الحاکم و أبو سعید النیسابوریّ و البیهقی فی الدلائل و غیرهم سنة خمس کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الوفاء ذکر کثیر من أهل السیر أنّ غزوة المریسیع کانت فی سنة ست و نقل البخاری عن ابن اسحاق انها فی سنة ست و کذا فی الاکتفاء و أسد الغابة لکن الاصح انّ المریسیع و المصطلق واحدة کلاهما فی سنة خمس بعد غزوة دومة الجندل بخمسة أشهر و ثلاثة أیام و هی التی قال فیها أهل الإفک ما قالوا و سبب هذه الغزوة انّ بنی المصطلق کانوا ینزلون علی بئر یقال لها المریسیع من ناحیة قدید الی الساحل و کان سیدهم الحارث بن أبی ضرار دعا قومه و من قدر علیه علی حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأجابوه و تجمعوا و تهیئوا للحرب و المسیر معه فبلغ الخبر رسول اللّه فأرسل بریدة بن الخصیب الاسلمی لیتحقق ذلک فأتاهم و لقی الحارث و کلمه و رجع الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاخبره بأنهم یریدون الحرب فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الناس إلیهم فأسرعوا الخروج و معهم ثلاثون فرسا عشرة منها للمهاجرین و عشرون للانصار و خرجت معه عائشة و أمّ سلمة و خرج معهم جماعة من المنافقین و استخلف علی المدینة زید بن حارثة و خرج یوم الاثنین للیلتین خلتا من شعبان و جعل عمر بن الخطاب علی مقدمة الجیش و بلغ الحارث و من معه خبر مسیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم و أنه قتل عین الحارث الذی کان یأتی بخبر رسول اللّه فسی‌ء بذلک هو و من معه و خافوا خوفا شدیدا و تفرق الاعراب الذین کانوا معه و انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المریسیع و ضربت علیه قبة و تهیئوا للقتال وصف رسول اللّه أصحابه و دفع رایة المهاجرین الی أبی بکر و رایة الانصار الی سعد بن عبادة و کان شعار المسلمین یومئذ یا منصور أمت أمت کذا فی الاکتفاء فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه فحملوا علی الکفار حملة واحدة فقتل منهم عشرة و أسر الباقون و سبوا الرجال و النساء و الذراری و أخذوا النعم و الشاء و لم یقتل من المسلمین الا رجل واحد و کانت الابل ألفی بعیر و الشاء خمسة آلاف و السبی مائتی أهل بیت و بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا نضلة الطائی الی المدینة بشیرا بفتح المریسیع و لما رجع المسلمون بالسبی قدم أهالیهم فافتدوهم کذا ذکره ابن اسحاق و الذی فی صحیح البخاری أغار علی بنی المصطلق و هم غارون و أنعامهم تسقی علی الماء فقتل مقاتلتهم و سبی ذراریهم و هم علی الماء فأصاب یومئذ رجل من الانصار من رهط عبادة بن الصامت رجلا من المسلمین من بنی کلب بن عوف بن عامر بن أمیة بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:471
لیث بن بکر یقال له هشام بن ضبابة و هو یری انه من العدوّ فقتله خطأ کذا فی الاکتفاء* و فی هذه الغزوة وقع التنازع بین جهجاه و سنان بالمریسیع علی الماء بعد انقضاء الحرب و الفراغ من بنی المصطلق و نزلت سورة المنافقین* روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین لقی بنی المصطلق علی المریسیع و هو ماء لهم و هزمهم و قتلهم کما مرّ ازدحم علی الماء جهجاه بن سعد الغفاری و هو کان أجیر العمر بن الخطاب یقود له فرسه و سنان بن وبر الجهنی حلیف عمرو بن عوف من الخزرج* و فی المدارک کان حلیفا لابن أبی فاقتتلا فأعان جهجاها رجل من فقراء المهاجرین یقال له جعال و لطم وجه سنان فاستغاث سنان یا للانصار یا للخزرج و استغاث جهجاه یا لکنانة یا لقریش فتسارع إلیهما القوم و عمدوا الی السلاح فمشی جماعة من المهاجرین الی سنان فقالوا له اعف عن جهجاه ففعل فسکنت الفتنة و انطفأت نائرة الحرب* و فی القاموس جهجاه ممن خرج علی عثمان و کسر عصا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم برکبته فوقعت الاکلة فیها* و فی الشفاء و أخذ جهجاه الغفاری القضیب من ید عثمان لیکسره علی رکبته فصاح الناس فأخذته فیها الأکلة فقطعها فمات قبل الحول قال فسمع عبد اللّه بن أبی بن سلول التنازع فغضب و عنده رهط من قومه فیهم زید بن أرقم ذو الأذن الواعیة و هو غلام حدیث السن و قال یعنی ابن أبی افعلوها قد نافرونا و کاثر و نافی بلادنا و قال ما صحبنا محمدا الا لنلطم و اللّه ما مثلنا و مثلهم الا کما قال سمن کلبک یا کلک اما و اللّه لئن رجعنا الی المدینة لیخرجنّ الاعز منها الاذل یعنی بالاعز نفسه و بالأذل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم أقبل علی من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسکم أحللتموهم بلادکم و قاسمتموهم أموالکم أما و اللّه لو أمسکتم عن جعال و ذویه فضل الطعام لم یرکبوا رقابکم و لتحوّلوا الی غیر بلادکم* عبارة الاکتفاء لو أمسکتم عنهم ما بأیدیکم لتحوّلوا الی غیر بلادکم فلا تنفقوا علیهم حتی ینفضوا من حول محمد فقال له زید بن أرقم أنت و اللّه الذلیل القلیل المبغض فی قومک و محمد فی عز من الرحمن و قوّة من المسلمین قال له عبد اللّه بن أبی اسکت فانما کنت ألعب فمشی زید بن أرقم الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر و عنده عمر بن الخطاب فقال دعنی أضرب عنقه یا رسول اللّه فقال اذا ترعد آنف کثیرة یثرب فقال ان کرهت أن یقتله مهاجری فأمر به أنصاریا* و فی الاکتفاء قال عمر فمر به عباد بن بشر فلیقتله فقال کیف یا عمر اذا تحدّث الناس انّ محمدا یقتل أصحابه و لکن أذن بالرحیل و ذلک فی ساعة لم یکن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یرتحل فیها فارتحل الناس و أرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی عبد اللّه بن أبی فأتاه فقال أنت صاحب هذا الکلام الذی بلغنی فقال عبد اللّه و الذی أنزل علیک الکتاب ما قلت شیئا من ذلک و انّ زیدا لکاذب* و فی الاکتفاء و قد مشی عبد اللّه بن ابی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین بلغه انّ زیدا بلغه ما سمعه منه فحلف باللّه ما قلت ما قال و لا تکلمت به و کان عبد اللّه بن أبی فی قومه شریفا عظیما فقال من حضر من الانصار من أصحابه یا رسول اللّه شیخنا و کبیرنا لا تصدّق علیه کلام غلام عسی أن یکون الغلام و هم فی حدیثه و لم یحفظ ما قاله فعذره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الکشاف روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لزید لعلک غضبت علیه قال لا قال فلعله أخطأ سمعک قال لا قال فلعله شبه علیک قال لا و فشت الملامة فی الانصار لزید و کذبوه و کان زید یسایر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یقرب منه بعد ذلک استحیاء فلما استقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سار لقیه أسید بن حضیر فحیاه بتحیة النبوّة و سلم علیه ثم قال یا رسول اللّه رحت فی ساعة منکرة ما کنت تروح فیها فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ ما بلغک ما قال صاحبکم عبد اللّه بن أبی قال و ما قال قال زعم انه ان رجع الی المدینة أخرج الاعز
منها الاذل فقال أسید بن حضیر فأنت و اللّه یا رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:472
تخرجه ان شئت هو و اللّه الذلیل و أنت العزیز ثم قال یا رسول اللّه ارفق به فو اللّه لقد جاء اللّه بک و انّ قومه لینظمون له الخرز لیتوّجوه فانه لیری أنک قد استلبته ملکا و بلغ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی ما کان من أبیه فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه انه بلغنی انک ترید قتل عبد اللّه بن أبی لما بلغک عنه فان کنت فاعلا فمرنی به فأنا أحمل إلیک رأسه فو اللّه لقد علمت الخزرج ما کان بها رجل أبرّ بوالدیه منی و انی أخشی أن تأمر به غیری فیقتله فلا تدعنی نفسی أن أنظر الی قاتل عبد اللّه بن أبی یمشی فی الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بکافر و أدخل النار فقال رسول اللّه نرفق به و نحسن صحبته ما بقی معنا* و فی الاکتفاء ثم مشی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالناس یومهم ذلک حتی أمسی و لیاتهم حتی أصبح و سار یومهم ذلک حتی آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم یلبثوا ان وجدوا مس الارض فوقعوا نیاما و انما فعل ذلک لیشغل عن الحدیث الذی کان بالامس و فی غیر الاکتفاء ثم سار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رائحا بالناس حتی نزل علی ماء فویق النقیع یقال له نقعاء فهاجت ریح شدیدة آذتهم و تخوّفوها و ضلت ناقة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم القصوی و ذلک لیلا فقال رسول اللّه لا تخافوا انما هبت لموت عظیم من عظماء الکفار توفی بالمدینة قیل من هو قال رفاعة بن زید بن التابوت فقال رجل من المنافقین و هو زید بن اللصیت أحد بنی قینقاع کیف یزعم انه یعلم الغیب و لا یعلم مکان ناقته أ لا یخبره الذی یأتیه بالوحی فأتاه جبریل و أخبر بقول المنافق و مکان ناقته و أخبر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه و قال ما أزعم أنی أعلم الغیب و ما أعلمه و لکن اللّه أخبرنی بقول المنافق و مکان ناقتی هی فی الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا یسعون قبل الشعب فاذا هی کما قال فجاءوا بها و آمن ذلک المنافق فلما قدموا المدینة وجدوا رفاعة بن زید بن التابوت قد مات و کان من عظماء الیهود و کهفا للمنافقین* و فی المنتقی أوردهما فی السنة التاسعة من الهجرة و ذکر فقدان الناقة حین توجهه الی تبوک و هبوب الریح بتبوک و سیجی‌ء فی الموطن التاسع* و لما دنوا من المدینة و فی الوفاء و لما کان بینهم و بین المدینة یوم تعجل عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی بن سلول حتی أناخ علی مجامع طرق المدینة* فلما جاء عبد اللّه بن أبی قال له ابنه وراءک قال مالک ویلک قال لا و اللّه لا تدخلها حتی یأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تعلم الیوم من الاعز و من الاذل فقال له أنت من بین الناس فقال نعم أنا من بین الناس فانصرف عبد اللّه حتی لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فشکی إلیه ما صنع ابنه فأرسل صلّی اللّه علیه و سلم الی ابنه أن خل عنه فدخل المدینة رواه ابن شیبة* و فی المنتقی فتقدّم عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی حتی وقف لأبیه علی الطریق فلما رآه أناخ به و قال لا أفارقک حتی تقرّ أنک الذلیل و أنّ محمدا العزیز فمرّ به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال دعه فلعمری لنحسنن صحبته ما دام بین أظهرنا* و فی الکشاف و لما أراد عبد اللّه أن یدخل المدینة اعترضه ابنه حباب و هو عبد اللّه بن عبد اللّه غیر رسول اللّه اسمه و قال ان حبابا اسم شیطان و کان مخلصا و قال وراءک و اللّه لا تدخلها حتی تقول رسول اللّه الاعز و أنا الاذل فلم یزل حبیسا فی یده حتی أمره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالتخلیة* و روی أنه قال لئن لم تقرّ للّه و رسوله بالعزة لأضربن عنقک فقال و یحک أ فاعل أنت قال نعم فلما رأی منه الجدّ قال أشهد أنّ العزة للّه و لرسوله و للمؤمنین فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لابنه جزاک اللّه عن رسوله و عن المؤمنین خیرا فلما وافی رسول اللّه المدینة أنزل اللّه تعالی سورة اذا جاءک المنافقون فی تصدیق زید و تکذیب عبد اللّه فلما نزل أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأذن زید و قال ان اللّه صدّقک و أوفی بأذنک* و
فی الاکتفاء قال هذا الذی أوفی اللّه بأذنه* و فی الکشاف فلما نزل لحق رسول اللّه زیدا من خلفه فعرک أذنه و قال وفت أدنک یا غلام ان اللّه صدّقک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:473
و کذب المنافقین* و فی معالم التنزیل و لما نزلت هذه الآیة و بان کذب عبد اللّه بن أبیّ قیل له یا أبا حباب انه قد نزل فیک آی شداد فاذهب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستغفر لک فلوی رأسه ثم قال أمرتمونی أن أومن فآمنت و أمرتمونی أن أعطی زکاة مالی فقد أعطیت فما بقی الا أن أسجد لمحمد فأنزل اللّه و اذا قیل لهم تعالوا یستغفر لکم رسول اللّه لوّوا رءوسهم الآیة و لم یلبث ابن أبی الا أیاما قلائل حتی اشتکی و مات هکذا فی معالم التنزیل و المدارک و أما فی المنتقی فأورد موت عبد اللّه بن أبی فی السنة التاسعة من الهجرة و سیجی‌ء فی الموطن التاسع و کانت غیبته علیه السلام فی هذه الغزوة ثمانیة و عشرین یوما هکذا فی المواهب اللدنیة و قدم المدینة لهلال رمضان* و فی هذه السنة قدم مقیس بن حبابة من مکة متظاهرا بالاسلام فقال یا رسول اللّه جئتک مسلما و جئتک أطلب دیة أخی قتل خطأ فأمر له رسول اللّه بدیة أخیه هشام بن حبابة فأقام عند رسول اللّه غیر کثیر ثم عدا علی قاتل أخیه فقتله ثم رجع الی مکة مرتدّا*

نزول آیة التیمم‌

و فی هذه السنة نزلت آیة التیمم فی الصحیحین من حدیث عائشة خرجنا مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی بعض أسفاره فذکرت حدیث التیمم قال فی فتح الباری قولها فی بعض أسفاره قال ابن عبد البرّ فی التمهید یقال انه کان فی غزوة بنی المصطلق و جزم بذلک فی الاستدراک و سبقه الی ذلک ابن سعد و ابن حبان و غزوة بنی المصطلق هی غزوة المریسیع و فیها کانت قصة الإفک لعائشة و کان ذلک بسبب وقوع عقدها أیضا فان کان ما جزموا ثابتا حمل علی انه سقط منها فی تلک السفرة مرّتین لاختلاف القصتین کما هو بین فی سیاقهما قال و استبعد بعض شیوخنا ذلک لان المریسیع من ناحیة مکة بین قدید و الساحل و هذه القصة کانت من ناحیة خیبر لقولها فی الحدیث حتی اذا کتابا لبیداء أو ذات الجیش و هما بین مکة و خیبر کما جزم به النووی قال و ما جزم به مخالف لما جزم به ابن التین فانه قال البیداء هو ذو الحلیفة بالقرب من المدینة من طریق مکة و ذات الجیش وراء ذی الحلیفة* و قال أبو عبیدة البکری فی معجمه أدنی الی مکة من ذی الحلیفة ثم ساق حدیث عائشة هذا ثم قال و ذات الجیش من المدینة علی برید قال و بینها و بین العقیق سبعة أمیال و العقیق من طریق مکة لا من طریق خیبر فاستقام ما قاله ابن التین و قد قال قوم بتعدّد ضیاع العقد و منهم محمد بن حبیب الاخباری فقال سقط عقد عائشة فی غزوة ذات الرقاع و فی غزوة بنی المصطلق و قد اختلف أهل المغازی فی أی هاتین الغزوتین کانت* قال الداودی کانت قصة التیمم فی غزوة الفتح ثم تردّد فی ذلک* و روی ابن أبی شیبة من حدیث ابی هریرة قال لما نزلت آیة التیمم لم أدر کیف أصنع فهذا یدل علی تأخرها عن غزوة بنی المصطلق لان اسلام أبی هریرة کان فی السنة السابعة و هی بعدها بلا خلاف و کانّ البخاری یری ان غزوة ذات الرقاع کانت بعد قدوم أبی موسی و قدومه کان وقت اسلام أبی هریرة* و مما یدل علی تأخر القصة أیضا عن قصة الإفک ما رواه الطبرانی من طریق یحیی بن عباد بن عبد اللّه بن الزبیر عن عائشة قالت لما کان من أمر عقدی ما کان و قال أهل الإفک ما قالوا خرجت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوة أخری و سقط أیضا عقدی حتی حبس الناس علی التماسه فقال لی أبو بکر یا بنیة فی کل سفرة تکونین بلاء و عناء علی الناس فأنزل اللّه الرخصة فی التمیم فقال أبو بکر انک لمبارکة و فی اسناده محمد بن حمید الرازی و فیه مقال و فی سیاقه من الفوائد بیان عتاب ابی بکر الذی أبهم فی حدیث الصحیحین و التصریح بأن ضیاع العقد کان مرّتین فی غزوتین کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی نزلت آیة التیمم بقرب المدینة فی موضع یقال له ذات الجیش أو البیداء* و فی خلاصة الوفاء ذات الجیش هی علی ستة أمیال من ذی الحلیفة و قیل عشرة و قیل میلان و هی أحد المنازل النبویة الی بدر انتهی* و فی القاموس ذات الجیش أو أولات الجیش واد قرب المدینة و فیه انقطع عقد عائشة قالت عائشة خرجنا مع رسول اللّه فی بعض أسفاره حتی اذا کنا بالبیداء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:474
أو ذات الجیش انقطع عقدی فأقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی التماسه و أقام الناس معه و لیسوا علی ماء و لیس معهم ماء و جاء أبو بکر و رسول اللّه واضع رأسه علی فخذی قد نام فقال حبست رسول اللّه و الناس و لیسوا علی ماء و لیس معهم ماء فقالت عائشة فعاتبنی أبو بکر و قال ما شاء اللّه أن یقول و جعل یطعن بیده فی خاصرتی و لا یمنعنی من التحرّک الامکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی فخذی فنام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی غیر ماء فأنزل اللّه عز و جل آیة التیمم فقال أسید بن حضیر و هو أحد النقباء لیلة العقبة ما هذا بأوّل برکتکم یا آل أبی بکر* و فی الصفوة عن ابن عباس سقطت قلادتها یوم الابواء فأصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین یصبح فی المنزل و أصبح الناس لیس معهم ماء فأنزل اللّه تعالی فتیمموا صعیدا طیبا قالت فبعثنا البعیر الذی کنت أرکب علیه فوجدنا العقد تحته*

تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بجویریة

و فی شعبان هذه السنة و قیل فی السادسة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جویریة بنت الحارث بن أبی ضرار الخزاعیة ثم المصطلقیة روی ان جویریة بنت الحارث کانت من جملة سبایا بنی المصطلق و وقعت فی سهم ثابت بن قیس بن شماس أو ابن عمه فکاتبته فسألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی اعانة کتابتها فأدّی عنها و تزوّجها و هی ابنة عشرین سنة و کان اسمها برّة فحوّله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی جویریة کره أن یقال خرج من عند برّة کذا فی المشکاة بعضه و قد ذکر مثل ذلک فی میمونة و زینب بنت جحش و زینب بنت أبی سلمة و کان اسم کل واحدة منهنّ برّة فحوّله رسول اللّه الی هذه و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم زوجة ابن عمها عبد اللّه کذا فی السمط الثمین و فی غیره اسمه ذو الشفر بن مسافع و قیل فی غزوة المریسیع و تزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی المراجعة فی أثناء الطریق فی شعبان للسنة الخامسة و قیل فی السادسة من الهجرة و عن عائشة کانت جویریة امرأة ملاحة تأخذها العین فجاءت تسأل رسول اللّه فی کتابتها فلما قامت علی الباب فرأیتها کرهت مکانها و عرفت أن رسول اللّه سیری منها مثل الذی رأیت فقالت یا رسول اللّه أنا جویریة بنت الحارث و کان من أمری ما لا یخفی علیک و وقعت فی سهم ثابت بن قیس بن شماس و انی کاتبته علی نفسی فجئت أسألک فی کتابتی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فهل لک فیما هو خیر فقالت و ما هو یا رسول اللّه قال أؤدّی عنک کتابتک و أتزوّجک قالت قد فعلت قالت فتسامع الناس یعنی ان رسول اللّه قد تزوّج جویریة فأرسلوا ما فی أیدیهم من السبی فأعتقوهم و قالوا أصهار رسول اللّه لا ینبغی أن تسترق قالت فما رأینا امرأة کانت أعظم برکة علی قومها منها و أعتق بسببها مائة أهل بیت من بنی المصطلق خرجه بهذا السیاق أبو داود و سیجی‌ء فی آخر الموطن التاسع أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعث إلیهم بعد اسلامهم الولید بن عقبة بن أبی معیط الی آخر القصة* قال ابن هشام و یقال اشتراها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ثابت بن قیس و أعتقها و تزوّجها و أصدقها أربعمائة درهم قال ابن هشام و یقال لما انصرف رسول اللّه من غزوة بنی المصطلق و معه جویریة بنت الحارث فکان بذات الجیش دفع جویریة لرجل من الانصار و أمره بالاحتفاظ بها و قدم رسول اللّه فأقبل أبوها الحارث بن أبی ضرار بفداء ابنته فلما کان بالعقیق نظر الی الابل التی جاء بها للفداء فرغب فی بعیرین منها فغیبهما فی شعب من شعاب العقیق ثم أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد أصبت ابنتی و هذا فداؤها فقال رسول اللّه فأین البعیران اللذان غیبتهما بالعقیق فی شعب کذا و کذا قال الحارث أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنک رسول اللّه فو اللّه ما اطلع علی ذلک الا اللّه تعالی فأسلم الحارث و أسلم معه ابنان له و ناس من قومه و أرسل الی البعیرین فجاء بهما فدفع الابل الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و دفعت إلیه ابنته جویریة و أسلمت فحسن اسلامها فخطبها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی أبیها فزوّجه ایاها و أصدقها اربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند ابن عمّ لها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:475
یقال له عبد اللّه کما مر* و عن ابن شهاب قال سبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جویریة بنت الحارث یوم المریسیع فحجبها و قسم لها قال أبو عبیدة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جویریة سنة خمس من الهجرة خرج جمیعه أبو عمرو صاحب الصفوة و کانت جویریة عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خمس سنین و عاشت بعده خمسا و أربعین سنة و توفیت بالمدینة سنة خمسین* و فی روایة ست و خمسین و هی بنت خمس و ستین سنة و صلّی علیها مروان بن الحکم و کان حاکما علی المدینة من قبل معاویة مرویاتها فی الکتب المتداولة سبعة أحادیث منها فی البخاری حدیث و فی مسلم حدیثان و الباقیة فی سائر الکتب*

قصة الإفک‌

و فی غزوة المریسیع وقعت قصة افک عائشة* و فی الاکتفاء و أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من سفره ذلک یعنی بنی المصطلق حتی اذا کان قریبا من المدینة قال أهل الإفک فی الصدّیقة المبرّأة المطهرة عائشة رضی اللّه عنها ما قالوا* روی عن عائشة انها قالت کان رسول اللّه اذا أراد سفرا أقرع بین أزواجه قأیتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بیننا فی غزوة غزاها فخرج فیها سهمی فخرجت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما أنزل الحجاب فکنت أحمل فی هودج و أنزل فیه فسرنا حتی اذا فرغ رسول اللّه من غزوته تلک و قفل و دنونا من المدینة قافلین آذن لیلة بالرحیل فقمت حین آذنوا بالرحیل فمشیت حتی جاوزت الجیش فلما قضیت شأنی أقبلت الی رحلی فلمست صدری فاذا عقد لی من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدی فحبسنی ابتغاؤه فأقبل الرهط الذین کانوا یرحلون بی فاحتملوا هودجی فرحلوه علی بعیری الذی کنت أرکب علیه و هم یحسبون انی فیه و کان النساء اذ ذاک خفافا لم یغشهنّ اللحم انما یأکلن العلقة من الطعام فلم یستنکر القوم خفة الهودج حین رفعوه و حملوه و کنت جاریة حدیثة السن فبعثوا الجمل و ساروا و وجدت عقدی بعد ما استمرّ الجیش فجئت منازلهم و لیس بها داع و لا مجیب فیمت منزلی الذی کنت فیه فظننت انهم سیفقدوننی فیرجعون الیّ فبینا أنا جالسة فی منزلی غلبتنی عینی فنمت* و کان صفوان بن المعطل السلمی ثم الذکوانی تخلف من وراء الجیش و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جعله فی الساقة بالتماسه و کان یصلی حین یرحل الناس و یسیر خلف الجیش و یتفقد أشیاء الناس من اللقطة و المنسی و یبلغهما الی أصحابهما قالت فأصبح عند منزلی فرأی سواد انسان نائم فعرفنی حین رآنی و کان رآنی قبل الحجاب فاستیقظت باسترجاعه حین عرفنی فخمرت وجهی بجلبابی و اللّه ما تکلمت بکلمة و لا سمعت منه کلمة غیر استرجاعه و هوی حتی أناخ راحلته و وطئ یدها فقمت إلیها فرکبتها فانطلق یقود بی الراحلة حتی أتینا الجیش فی نحر الظهیرة و هم نزول فهلک من هلک من أهل الإفک و هم عصبة أی جماعة من العشرة الی الاربعین و هم عبد اللّه ابن أبی بن سلول رأس المنافقین و حسان بن ثابت الشاعر و مسطح بن أثاثة ابن خالة أبی بکر و زید بن رفاعة و حمنة بنت جحش أخت زینب و من ساعدهم* و الذی تولی کبر الإفک اما عبد اللّه بن أبی بن سلول قال عروة أخبرت انه کان یشاع و یتحدّث به عنده فیقرّه و یستمعه و یستوشیه قالت عائشة مررنا بملإ من المنافقین و کانت عادتهم أن ینزلوا منتبذین من الناس فقال عبد اللّه بن أبی رئیسهم من هذه قالوا عائشة و صفوان قال و اللّه ما نجت منه و لا نجا منها و قال امرأة نبیکم باتت مع رجل حتی أصبحت ثم جاء یقودها و اما حسان و مسطح و حمنة بنت جحش فانهم شایعوه بالتصریح به و الذی بمعنی الذین قوله له عذاب عظیم أی لکل خائض فی حدیث الإفک نصیب من الاثم علی مقدار خوضه و العذاب العظیم اما فی الآخرة فهو لعبد اللّه لان معظم الشرّ کان منه و یدل علیه افراد الموصول أو فی الدنیا بالحدّ و غیره فهو له و لغیره و لقد ضرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن أبی و حسانا و مسطحا و صار ابن أبی مطرودا مشهورا بالنفاق و حسان أعمی أشلّ الیدین و مسطح مکفوف البصر کذا فی أنوار التنزیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:476
و الکشاف* و فی الکشاف و قعد صفوان لحسان فضربه بالسیف فکف بصره کما سیجی‌ء* و فی صحیح مسلم قال مسروق قلت لعائشة لم تأذنین لحسان یدخل علیک و قد قال اللّه تعالی و الذی تولی کبره منهم له عذاب عظیم قالت فأی عذاب أشدّ من العمی و قالت انه کان ینافح أو یهاجی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی السمط الثمین روی أن حسان بن ثابت استأذن علی عائشة و قد کف بصره فأذنت له فدخل علیها فأکرمته فلما خرج عنها قیل لها اما هذا من القوم قالت انه الذی یقول
فانّ أبی و والدتی و عرضی‌لعرض محمد منکم فداء بهذا البیت یغفر اللّه له کل ذنب خرجه أبو عمرو* و قالت عائشة رضی اللّه عنها فقد منا المدینة فاشتکیت شهرا و الناس یخوضون فی قول أصحاب الإفک و أنا لا أشعر بشی‌ء من ذلک و یریبنی فی وجعی انی لا أری من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللطف الذی کنت أری منه حین أمرض و انما یدخل فیسلم ثم یقول کیف تیکم ثم ینصرف حتی نقهت فخرجت أنا و أم مسطح خالة أبی بکر قبل المناصع و کانت متبرزنا لا نخرج الا لیلا الی لیل و ذلک قبل أن تتخذ الکنف قریبا من بیوتنا و أمرنا أمر العرب الاول فی البریة فقالت انطلقت أنا و أم مسطح فعثرت فی مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أ تسبین رجلا شهد بدرا قالت أی هنتاه أو لم تسمعی ما قال قلت و ما قال فأخبرتنی بقول أهل الإفک قالت فازددت مرضا علی مرضی فلما رجعت الی بیتی دخل علیّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال کیف تیکم فقلت له أ تأذن لی أن آتی أبویّ و أرید أن أستیقن الخبر من قبلهما فأذن لی رسول اللّه فقلت لامی یا أماه ما ذا یتحدّث الناس فقالت یا بنیة هوّنی علیک الامر فو اللّه لقلما کانت امرأة وضیئة عند رجل یحبها و لها ضرائر الا أکثرن علیها فقلت سبحان اللّه و لقد تحدّث بها فبکیت تلک اللیلة حتی أصبحت و دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علیّ بن أبی طالب و أسامة بن زید حین استلبث الوحی یسألهما و یستشیرهما فی فراق أهله فأما أسامة بن زید فأشار علی رسول اللّه بالذی یعلم من براءة أهله و بالذی یعلم لهم فی نفسه من الودّ فقال أسامة أهلک یا رسول اللّه و ما نعلم منهم إلّا خیرا و زاد فی الاکتفاء و هذا الکذب و الباطل* و أما علیّ فقال یا رسول اللّه لم یضیق اللّه علیک و النساء سواها کثیرة و سل الجاریة تصدقک فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بریرة فقال أی بریرة هل رأیت من شی‌ء یریبک قالت له بریرة و الذی بعثک بالحق ما رأیت علیها أمرا قط أغمصه أکثر من أنها جاریة حدیثة السنّ تنام عن عجین أهلها فتأتی الداجن فتأکله* و فی الاکتفاء و أما علیّ فقال یا رسول اللّه ان النساء لکثیرة و انک لتقدر أن تستخلف و سل الجاریة فانها ستصدقک فدعا رسول اللّه بریرة لیسألها فقام إلیها علیّ فضربها ضربا شدیدا و یقول أصدقی رسول اللّه فتقول و اللّه ما أعلم إلّا خیرا و ما کنت أعیب علی عائشة شیئا الا انی کنت أعجن عجینی فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتی الشاة فتأکله قالت عائشة و کان رسول اللّه سأل زینب بنت جحش عن أمری فقال یا زینب ما ذا رأیت أو ما علمت فقالت یا رسول اللّه أحمی سمعی و بصری و اللّه ما علمت علیها إلّا خیرا قالت عائشة و هی التی تسامینی من أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فعصمها اللّه بالورع فطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلکت فیمن هلک*

کلام عمر و عثمان و علی فی حق الإفک‌

و روی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی تلک الایام کان أکثر أوقاته فی البیت فدخل علیه عمر فاستشاره فی تلک الواقعة فقال عمر یا رسول اللّه أحمی سمعی و بصری و اللّه أنا قاطع بکذب المنافقین لان اللّه عصمک عن وقوع الذباب علی جلدک لانه یقع علی النجاسات فیتلطخ بها فلما عصمک اللّه تعالی عن ذلک القدر من القذر فکیف لا یعصمک عن صحبة من تکون متلطخة بمثل هذه الفاحشة فاستحسن صلّی اللّه علیه و سلم کلامه* و قال عثمان ان اللّه ما أوقع ظلک علی الارض لئلا یضع انسان قدمه علی ذلک الظل أو تکون تلک الارض نجسا فلما لم یمکن أحدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:477
من وضع القدم علی ظلک کیف یمکن أحدا من تلویث عرض زوجتک و قال علیّ یا رسول اللّه کنا نصلی خلفک فجعلت نعلیک فی أثناء الصلاة فخلعنا نعالنا فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع فقلنا الموافقة فقلت أمرنی جبریل باخراجهما لعدم طهارتهما فلما أخبرک أن علی نعلک قذرا و أمرک باخراج النعل عن رجلک بسبب ما التصق به من القذر فکیف لا یأمرک باخراجها بتقدیر أن تکون متلطخة بشی‌ء من الفواحش* و فی المشکاة عن أبی سعید الخدری مثله و روی أن أبا أیوب الانصاری قال لامرأته أم أیوب أ لا ترین ما یقال فقالت لو کنت بدل صفوان أ کنت تظنّ بحرم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سوءا قال لا قالت و لو کنت انا بدل عائشة ما خنت رسول اللّه فعائشة خیر منی و صفوان خیر منک ثم و بخ اللّه الخائضین فی الإفک بقوله و لو لا اذ سمعتموه ظنّ المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خیرا أی عفافا و صلاحا کما روی آنفا عن عمر و عثمان و علی و أم أیوب* قیل انما جاز أن تکون امرأة النبیّ کافرة کامرأة نوح و لوط و لم یجز أن تکون فاجرة لان النبیّ مبعوث الی الکفار لیدعوهم فیجب أن لا یکون معه ما ینفرهم عنه و الکفر غیر منفر عندهم و أما الفاحشة فمن أعظم المنفرات* قالت عائشة فبینا نحن علی ذلک اذ دخل رسول اللّه علینا فسلم ثم جلس و لم یجلس عندی مذ قیل لی ما قیل قبلها و لقد لبث شهرا ما یوحی إلیه فی شأنی بشی‌ء فتشهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین جلس ثم قال أما بعد یا عائشة فانه قد بلغنی عنک کذا و کذا فان کنت بریئة فسیبرئک اللّه و ان کنت ألممت بذنب فاستغفری اللّه و توبی إلیه فان العبد اذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب اللّه علیه فلما قضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مقالته قلص دمعی حتی ما أحس منه قطرة فقلت لابی أجب عنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما قال قال و اللّه ما أدری ما أقول لرسول اللّه فقلت لأمی أجیبی عنی رسول اللّه فیما قال قالت و اللّه ما أدری ما أقول لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* قالت عائشة و أنا جاریة حدیثة السنّ لا أقرأ کثیرا من القرآن فقلت انی و اللّه لقد علمت انکم سمعتم هذا الحدیث حتی استقر فی أنفسکم و صدّقتم به فلئن قلت لکم انی بریئة و اللّه یعلم انی لبریئة لا تصدّقوننی بذلک و لئن اعترفت لکم بأمر و اللّه یعلم انی منه بریئة لتصدّقننی و اللّه لا أجد لی و لکم مثلا الا أبا یوسف حین قال فصبر جمیل و اللّه المستعان علی ما تصفون ثم تحوّلت و اضطجعت علی فراشی و أنا أرجو أن یبرئنی اللّه و لکن و اللّه ما ظننت أن ینزل فی شأنی و حیا یتلی و لأنا أحقر فی نفسی من أن یتکلم اللّه بالقرآن فی أمری و لکنی کنت أرجو أن یری رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی النوم رؤیا یبرئنی اللّه بها فو اللّه ما رام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مجلسه و لا خرج أحد من أهل البیت حتی أنزل اللّه علیه الوحی فأخذه ما کان یأخذه من البرحاء حتی انه لیتحدر منه العرق مثل الجمان و هو فی یوم شات من ثقل القول الذی أنزل علیه فسری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو یضحک و کانت أوّل کلمة تکلم بها أن قال لی یا عائشة احمدی اللّه فقد برأک اللّه* و فی روایة أبشری یا حمیراء فقد أنزل اللّه براءتک قلت بحمد اللّه لا بحمدک قالت فقالت لی أمی قومی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقلت لا و اللّه لا أقوم إلیه و لا أحمد الا اللّه فأنزل اللّه عز و جل ان الذین جاءوا بالافک عصبة منکم العشر آیات کذا فی الصحیحین* و فی الکشاف و غیره من التفاسیر انه نزل ثمانی عشرة آیة و فی روایة سبع عشرة آیة* و فی العروة الوثقی و قد برأ اللّه عائشة أم المؤمنین فی کتابه الکریم فی عدّة آیات أوّلها ان الذین جاءوا بالافک الی قوله أولئک مبرّءون مما یقولون لهم مغفرة و رزق کریم فلما أنزل فی براءتها هذا قال أبو بکر الصدّیق و کان ینفق علی مسطح لقرابته و فقره و کان من فقراء المهاجرین و اللّه لا أنفق علی مسطح شیئا أبدا بعد الذی قال
لعائشة ما قال فأنزل اللّه و لا یأتل أولو الفضل منکم الی قوله غفور رحیم* روی أنه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:478
صلی اللّه علیه و سلم قرأها علی أبی بکر فقال بلی أحب أن یغفر اللّه لی فرجع الی مسطح النفقة التی کان ینفق علیه و قال و اللّه لا أنزعها منه أبدا* و روی عن عائشة انها قالت و اللّه ان الرجل الذی قیل له ما قیل تعنی صفوان لیقول سبحان اللّه فو الذی نفسی بیده ما کشفت من کنف أنثی قط قالت ثم قتل بعد ذلک فی سبیل اللّه* و لقد برّأ اللّه أربعة بأربعة برأ یوسف علیه السلام بلسان الشاهد و شهد شاهد من أهلها و برأ موسی علیه السلام من قول الیهود فیه بالحجر الذی ذهب بثوبه و برّأ مریم بانطاق ولدها حین نادی من حجرها انی عبد اللّه الآیة و برّأ عائشة بهذه الآیات العظام فی کتابه المعجز المتلوّ علی وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظر کم بینها و بین تبرئة أولئک و ما ذاک إلا لإظهار علوّ منزلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و التنبیه علی انافة سید ولد آدم و خیر الاوّلین و الآخرین و حجة رب العالمین* روی انه دخل ابن عباس علی عائشة فی مرضها و هی خائفة من القدوم علی اللّه فقال لا تخافی فانک ما تقدمین الا علی مغفرة و رزق کریم و تلا الخبیثات للخبیثین الی قوله لهم مغفرة و رزق کریم فغشی علیها فرحا بما تلا* و عن عائشة أنها قالت لقد أعطیت تسعا ما أعطیتهنّ امرأة لقد نزل جبریل بصورتی فی راحته حین أمر رسول اللّه أن یتزوّجنی و لقد تزوّجنی بکرا و ما تزوّج بکرا غیری و لقد توفی و ان رأسه لفی حجری و لقد قبر فی بیتی و ان الوحی ینزل فی أهله فیتفرقون عنه و ان کان لینزل علیه و أنا معه فی لحاف واحد و انی ابنة خلیفته و صدیقه و لقد نزل عذری من السماء و لقد خلقت طیبة عند طیب و لقد وعدت مغفرة و رزقا کریما* و کان مسروق اذا روی عن عائشة قال حدّثتنی الصدّیقة ابنة الصدّیق حبیبة رسول اللّه المبرّأة من السماء کذا فی معالم التنزیل*

اعطاء الرسول بئر بیرحا لحسان بن ثابت‌

و ذکر ابن اسحاق أن حسان بن ثابت مع ما کان منه فی صفوان بن المعطل من القول السیئ قال مع ذلک شعرا یعرّض فیه بصفوان و من أسلم من مضر یقول فیه
أمسی الجلابیب قد عزوا و قد کثرواو ابن الفریعة أمسی بیضة البلد فلما بلغ ذلک ابن المعطل اعترض حسان بن ثابت فضربه بالسیف ثم قال
تلق ذباب السیف عنی فاننی‌غلام اذا هو جیت لست بشاعر فوثب عند ذلک ثابت بن قیس بن شماس علی صفوان فجمع یدیه الی عنقه بحبل ثم انطلق به الی دار بنی الحارث بن الخزرج فلقیه عبد اللّه بن رواحة فقال ما هذا قال أ ما أعجبک ضرب حسان بالسیف و اللّه ما أراه الا قد قتله فقال له ابن رواحة هل علم رسول اللّه بشی‌ء مما صنعت قال لا و اللّه قال لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فذکروا ذلک له فدعا حسان و صفوان فقال صفوان یا رسول اللّه آذانی و هجانی فاحتملنی الغضب فضربته فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لحسان یا حسان أ شوّهت علی قومی أن هداهم اللّه للاسلام ثم قال یا حسان أحسن فی الذی أصابک قال هی لک فأعطاه رسول اللّه عوضا منها بیرحا بالحاء المهملة بعدها ألف مقصورة من غیر مدّ و روی فیها الاعراب بالحرکات علی الراء فی الاحوال الثلاث مع الاضافة الی حاء و أنکره أبو ذرّ و قال انما هی بفتح الراء فی کل حال* قال الباجی علیه أدرکت أهل العلم بالمشرق و کذا عند القاضی عیاض کذا فی البحر العمیق* و هی قصر بنی جدیلة الیوم بالمدینة ثم باعها حسان من معاویة بمال عظیم کانت مالا لابی طلحة بن سهل فتصدّق بها الی رسول اللّه لیضعها حیث یشاء فأعطاها حسان فی ضربته و أعطاه سیرین أمة قبطیة ولدت له ابنه عبد الرحمن کذا فی سیرة ابن هشام* و قد روی من وجوه أن اعطاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ایاه سیرین انما کان لذبه بلسانه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فاللّه تعالی أعلم* و قال بعد ذلک حسان یمدح عائشة و یعتذر من الذی کان من شأنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:479 حصان رزان لا تزنّ بریبةو تصبح غرثی من لحوم الغوافل
حلیلة خیر الناس دینا و منصبانبیّ الهدی و المکرمات الفواضل
عقیلة حیّ من لؤیّ بن غالب‌کرام المساعی مجدها غیر زائل
مهذبة قد طیب اللّه جیبهاو طهرها من کل سوء و باطل
فان کان ما قد قیل عنی قلته‌فلا رفعت سوطی الیّ أناملی
و ان الذی قد قیل لیس بلائطبها الدهر بل قول امرئ بی ماحل
فکیف و ودّی ما حییت و نصرتی‌لآل رسول اللّه زین المحافل
له رتب عال علی الناس کلهم‌تقاصر عنه سورة المتطاول
رأیتک و لیغفر لک اللّه حرةمن المحصنات غیر ذات غوائل و لما بلغ قوله و تصبح غرثی من لحوم الغوافل قالت عائشة عند ذلک لکنک لست کذلک رواه مسلم و لما نزلت ان الذین جاءوا بالافک عصبة منکم الآیة جلد رسول اللّه بعد تنازع بین الاصحاب أربعة عبد اللّه بن أبیّ و حسان بن ثابت و مسطح بن اثاثة و حمنة بنت جحش أخت زینب التی عصمها اللّه بالورع جلدهم ثمانین ثمانین* و فی روایة و جلد زید بن رفاعة خامس الاربعة المذکورة کذا فی معالم التنزیل* و فی الاکتفاء قال قائل من المسلمین فی ضرب حسان و صاحبیه فی فریتهم علی عائشة رضی اللّه عنها
لقد ذاق حسان الذی کان أهله‌و حمنة اذ قالوا هجیرا و مسطح
تعاطوا برجم الغیب زوج نبیهم‌و سخطة ذی العرش الکریم فأترحوا
و آذوا رسول اللّه فیها فجللوامخازی تبقی عمموها و فضحوا
وصبت علیهم محصدات کأنهاشآبیب قطر من ذری المزن تسفح و قد ذکر أبو عمرو بن عبد البرّ الحافظ أن قوما أنکروا أن یکون حسان خاض فی الإفک أو جلد فیه روی عن عائشة أنها برّأته من ذلک ثم ذکر عن الزبیر بن بکار و غیره ان عائشة کانت فی الطواف مع أمّ حکیم بنت خالد بن العاصی و ابنة عبد اللّه بن أبی ربیعة فتذاکرن حسانا فابتدرتاه بالسب فقالت لهما عائشة ابن الفریعة تسبان انی لارجو أن یدخله اللّه الجنة بذبه عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بلسانه أ لیس القائل
هجوت محمدا فأجبت عنه‌و عند اللّه فی ذاک الجزاء
فان أبی و والدتی و عرضی‌لعرض محمد منکم وقاء فقالتها لها أ لیس ممن لعنه اللّه فی الدنیا و الآخرة بما قال فیک قالت لم یقل شیئا و لکنه القائل
حصان رزان ما تزنّ بریبةو تصبح غرثی من لحوم الغوافل
فان کان ما قد قیل عنی قلته‌فلا رفعت سوطی الیّ أناملی و فی السمط الثمین قال أبو عمرو هذا عندی أصح لانه لم یشتهر جلد عبد اللّه و لا جلد من اشتهر من الجمیع‌

* غزوة الخندق‌

و فی شوّال هذه السنة وقعت غزوة الخندق سمیت بالخندق لحفر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الخندق باشارة سلمان الفارسی و سمیت بالاحزاب جمع حزب أی طائفة لاجتماع طوائف المشرکین علی حرب المسلمین و هم قریش و غطفان و الیهود و من معهم و هم الذین سماهم اللّه تعالی بالاحزاب و أنزل اللّه تعالی فی ذلک صدر سورة الاحزاب کذا فی المواهب اللدنیة و الوفاء* و اختلف فی تاریخها فقال موسی بن عقبة کانت فی شوّال سنة أربع و فی نسخة لعشرة أشهر و خمسة أیام و صححه النووی فی الروضة مع قوله بأن غزوة بنی قریظة فی الخامسة و هو عجیب لما سیأتی من انها کانت عقیب الخندق* و قال ابن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:480
اسحاق غزوة الخندق فی شوّال سنة خمس و بهذا جزم غیره من أهل المغازی و أما البخاری فمال الی قول موسی بن عقبة و قوّاه بقول ابن عمر ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عرضه یوم أحد و هو ابن أربع عشرة فلم یجزه و عرضه یوم الخندق و هو ابن خمس عشرة فأجازه فیکون بینهما سنة واحدة و أحد کانت سنة ثلاث فتکون الخندق سنة أربع و لا حجة فیه بینهما اذا ثبت لنا انها کانت سنة خمس لاحتمال أن یکون ابن عمر فی أحد کان أوّل ما طعن فی الرابعة عشر و کان فی الاحزاب استکمل الخمس عشرة و بهذا أجاب البیهقی* و قال الشیخ ولیّ الدین العراقی المشهور انها فی السنة الرابعة من الهجرة کذا فی المواهب اللدنیة* قال أصحاب السیر ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما أجلی یهود بنی النضیر من حوالی المدینة تفرّقوا فی البلاد و سکن کل قوم منهم فی ناحیة و بعض منهم و هم حیی بن أخطب و أبو رافع غلام بن أبی الحقیق و کنانة بن الربیع بن أبی الحقیق النضریون و من تابعهم استوطنوا خیبر فخرج نفر من أشرافهم مثل حیی بن أخطب و کنانة بن الربیع و سلام بن أبی الحقیق النضریین و أبی عامر الفاسق و هوذة بن قیس الوائلیین فی رهط من بنی النضیر و رهط من بنی وائل قریب من عشرین رجلا و هم الذین حزبوا الاحزاب علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قدموا مکة علی قریش فاستغووهم و استنصروهم و دعوهم علی حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقالت لهم قریش یا معشر الیهود انکم أهل الکتاب و العلم بما کنا نختلف فیه نحن و محمد فأخبرونا أ دیننا خیر أم دینه قالوا بل دینکم خیر من دینه و أنتم أولی بالحق منه فهم الذین أنزل اللّه فیهم أ لم تر الی الذین أوتوا نصیبا من الکتاب یؤمنون بالجبت و الطاغوت و یقولون للذین کفروا هؤلاء أهدی من الذین آمنوا سبیلا الی قوله و کفی بجهنم سعیرا فلما قالوا ذلک لقریش سرّهم ما قالوا و طابت قلوبهم و نشطوا لما دعوهم إلیه من حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأجابوهم و أجمعوا علی ذلک و استعدّوا له ثم خرجت أولئک الیهود من مکة حتی جاءوا غطفان من قیس غیلان بفتح الغین المعجمة اسم قبیلة سمیت باسم جدّهم* و فی القاموس قیس عیلان بالفتح أبو قبیلة و اسمه الناس بن مضر انتهی فدعوهم الی حرب رسول اللّه و أخبروهم بأنهم سیکونون معهم علیه و ان قریشا قد تابعوهم علی ذلک و أجمعوا علیه و اجتمعوا معهم و جعلت یهود لغطفان تحریضا علی الخروج نصف تمر خیبر کل عام فزعموا أن الحارث ابن عوف أخا بنی مرّة قال لعیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر و لقومه من غطفان یا قوم أطیعونی و دعوا قتال هذا الرجل و خلوا بینه و بین عدوّه من العرب فغلب علیهم الشیطان و قطع أعناقهم الطمع و نفذوا لامر عیینة علی قتال رسول اللّه و کتبوا الی حلفائهم من بنی أسد فأقبل طلیحة الاسدی فیمن تبعه من بنی أسد و هما الحلیفان أسد و غطفان و کتب قریش الی رجال من بنی سلیم بینهم و بینهم أرحام استمدادا لهم فأقبل أبو الاعور بمن تبعه من سلیم مدد القریش ثم کتب الیهود الی حلفائهم من بنی سعد أن یأتوا الی امدادهم فجمع أبو سفیان جیش قریش أربعة آلاف رجل و فیهم ثلاثمائة فرس و ألف بعیر و عقدوا لواء و دفعوه الی عثمان بن طلحة بن أبی طلحة من بنی عبد الدار فخرج أبو سفیان بقریش و نزلوا مرّ الظهران و لحق بهم من أجابهم من القبائل من بنی سلیم و أسلم و أشجع و بنی مرّة و کنانة و فزارة و غطفان فصاروا فی جمع کبیر حتی تحزبت و تجمعت عشرة آلاف رجل علی ما ذکره ابن اسحاق بأسانیده و لهذا سمی هذه الغزوة غزوة الاحزاب و کان المسلمون ثلاثة آلاف و قیل کان المسلمون ألفا و المشرکون أربعة آلاف* و ذکر ابن سعد انه کان مع المسلمین ستة و ثلاثون فرسا کذا فی المواهب اللدنیة فسارت قریش و قائدهم أبو سفیان بن حرب و سارت غطفان و قائدهم عیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر فی فزارة و الحارث بن عوف بن أبی حارثة المری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:481
فی بنی مرّة و مسعر بن رحیلة بن نویرة بن طریف بن شحمة بن عبد اللّه بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن ریث بن غطفان فیمن تابعه فی قومه من أشجع و تکامل لهم و لمن استمدّوه فأمدّهم جمع عظیم هم الذین سماهم اللّه الاحزاب فلما سمع بهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق علی المدینة و کان الذی أشار علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالخندق سلمان الفارسی و کان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول اللّه و هو یومئذ حرّ قال یا رسول اللّه انا کنا بفارس اذا حوصرنا خندقنا علینا فعبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جیشه و استخلف علی المدینة عبد اللّه بن أمّ مکتوم و دفع لواء المهاجرین الی زید بن حارثة و لواء الانصار الی سعد بن عبادة فخرج من المدینة فی ثلاثة آلاف رجل و عرض أصحابه و ردّ الی المدینة من استصغره من أولاد الصحابة و أذن لبعضهم فی الخروج مثل عبد اللّه ابن عمر و زید بن ثابت و أبی سعید الخدری و البراء بن عازب و هم یومئذ أبناء خمس عشرة سنة فطلب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم موضعا صالحا للخندق* و فی خلاصة الوفاء کان أحد جانبی المدینة عورة و سائر جوانبها مشتبکة بالبنیان و النخیل لا یتمکن العدوّ منها فاختار ذلک الجانب المکشوف للخندق و جعل معسکره تحت جبل سلع و جعل المسلمون ظهورهم الی جبل سلع و ضربت له صلّی اللّه علیه و سلم قبة من أدیم أحمر علی القرن فی موضع مسجد الفتح و الخندق بینه و بین المشرکین فخط أوّلا موضع الخندق ثم قسمه فقطع لکل عشرة أربعین ذراعا* و فی روایة لکل عشرة رجال عشرة أذرع فاستعار من یهود بنی قریظة لحفر الخندق المعاول و الفؤس و المکاتل و القدوم و المرو المسحاة و غیر ذلک و کانت یومئذ بینهم و بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مهادنة و معاهدة و هم یکرهون مسیر قریش الی المدینة* و فی خلاصة الوفاء و عمل فیه جمیع المسلمین و هم یومئذ ثلاثة آلاف* قال الطبری و أتباعه حفر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الخندق طولا من أعلا وادی بطحان غربی الوادی مع الحرة الی غربی مصلی العید ثم الی مسجد الفتح ثم الی الجبلین الصغیرین اللذین فی غربی الوادی و مأخذه قول ابن النجار و الخندق باق فیه قناة تأتی من عین قباء الی النخل الذی بالسنح حوالی مسجد الفتح و فی الخندق نخل أیضا و قد انطم أکثره و تهدّمت حیطانه* الحاصل ان الخندق کان شامی المدینة من طرف الحرّة الشرقیة الی طرف الغربیة* و عن أنس قال جعل المهاجرون و الانصار یحفرون الخندق حول المدینة و ینقلون التراب علی متونهم و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یعمل فیه مع أصحابه* و عن سهل بن سعد قال کنا مع رسول اللّه و هم یحفرون و نحن ننقل التراب علی أکتافنا* و فی روایة کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ینقل التراب حتی واری التراب جلدة بطنه* و فی روایة بعض بطنه* و فی روایة شعر صدره و کان کثیر الشعر* و فی روایة ینقل التراب یوم الخندق حتی اغمر أو اغبر بطنه و هو یقول أو یرتجز بکلمات ابن رواحة
و اللّه لو لا اللّه ما اهتدینا* و فی روایة* لا همّ لو لا أنت ما اهتدینا* و لا تصدّقنا و لا صلینا فأنزلن سکینة علینا* و ثبت الاقدام ان لاقینا* ان الاولی قد رغبوا علینا** و فی روایة*
ان الذین قد بغوا علینااذا أرادوا فتنة أبینا و رفع بها صوته أبینا أبینا رواه الشیخان* و فی حدیث سلیمان التیمی عن أبی عثمان النهدی أنه صلّی اللّه علیه و سلم حین ضرب فی الخندق قال* بسم اللّه و به بدینا* و لو عبدنا غیره شقینا* حبذا ربا و حبذا دینا* قال فی النهایة یقال بدیت بالشی‌ء بکسر الدال أی بدأت به فلما خفف الهمزة کسر الدال فانقلبت الهمزة یاء و لیس من باب الیاء* و عن أبی قتادة انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لعمار حین یحفر الخندق فجعل یمسح رأسه و یقول بؤس ابن سمیة تقتلک الفئة الباغیة رواه مسلم* و روی ان حفر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:482
الخندق کان فی زمان عسرة و عام مجاعة حتی انّ الاصحاب کانوا یشدّون فی بطونهم الحجر من الجهد و الضعف الذی بهم من الجوع و لبثوا ثلاثة أیام لا یذوقون ذواقا* و عن أبی طلیحة شکونا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الجوع و رفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن بطنه عن حجرین ذکره الترمذی فی الشمائل و لهذا أشار صاحب البردة بقوله
و شدّ من سغب أحشاءه و طوی‌تحت الحجارة کشحا مترف الادم قیل الحجر یدفع الجوع* و عن أنس خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الخندق فاذا المهاجرون و الانصار یحفرون الخندق فی غداة باردة و لم یکن لهم عبید یعملون ذلک لهم فلما رأی ما بهم من النصب و الجوع قال اللهمّ لا خیر الاخیر الآخرة فبارک فی الانصار و المهاجرة* و فی روایة فاکرم الانصار و المهاجرة فقالوا مجیبین له
نحن الذین بایعوا محمداعلی الجهاد ما بقینا أبدا * و فی روایة ما حیینا أبدا فحفروا الخندق و فرغوا منه بعد ستة أیام* و فی المواهب اللدنیة قد وقع عند موسی بن عقبة أنهم أقاموا فی عمل الخندق قریبا من عشرین یوما و عند الواقدی أربعا و عشرین* و فی الروضة للنووی خمسة عشر یوما* و فی الهدی النبوی لابن القیم أقاموا شهرا* روی أنه صلی اللّه علیه و سلم کان عین للمهاجرین أن یحفروا من موضع کذا الی موضع کذا و عین للانصار أن یحفروا من موضع کذا الی موضع کذا و تحاجّ الفریقان فی سلمان الفارسی و کل فریق قالوا سلمان منا و نحن أحق به و کان سلمان رجلا قویا یحسن حفر الخندق فلما سمع النبیّ مقالة الفریقین قال سلمان منا أهل البیت* روی انه کان یعمل فی حفر الخندق عمل الرجلین* و فی روایة کان یحفر کل یوم خمسة أذرع من الخندق و عمقها أیضا خمسة أذرع فعانه قیس بن صعصعة فصرع و تعطل من العمل فأخبر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأمر أن یتوضأ قیس لسلمان و یجمع وضوءه فی ظرف و یغتسل سلمان بتلک الغسالة و یکفأ الاناء خلف ظهره ففعل فنشط فی الحال کما ینشط البعیر من العقال* و روی انه کان عمرو بن عوف و سلمان و حذیفة و النعمان بن مقرن المزنی و ستة من الانصار فی أربعین ذراعا فحفروا حتی اذا کانوا تحت ذباب عرضت لهم* ذباب کغراب و کتاب لغتان* قال البکری ذباب جبل بجبانة المدینة و هو الجبل الذی علیه مسجد الرایة و اسمه ذو ناب أیضا* و فی روایة أخرج اللّه من بطن الخندق صخرة بیضاء* و فی المواهب اللدنیة کدیة شدیدة و هی بضم الکاف و تقدیم الدال المهملة علی المثناة التحتیة القطعة الصلبة* و فی روایة مرو عظیمة کسرت حدیدهم فأخبروا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بذلک و هو ضارب علیه قبة ترکیة فهبط مع سلمان الخندق و بطنه معصوب بحجر و لبثوا ثلاثة أیام لا یذوقون ذواقا کما مرّ و التسعة علی شفیر الخندق فأخذ المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء منها ما بین لابتیها یعنی المدینة حتی لکانّ مصباحا فی بیت مظلم فکبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تکبیرة فتح و کبر المسلمون ثم ضربها الثانیة فبرق منها برق أضاء ما بین لابتیها فکبر رسول اللّه تکبیرة فتح و کبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فکسرها و برق منها برق أضاء ما بین لابتیها فکبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تکبیرة فتح و کبر المسلمون فأخذ بید سلمان و رقی قال سلمان بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لقد رأیت شیئا ما رأیت مثله قط فالتفت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی القوم فقال أ رأیتم ما یقول سلمان قالوا نعم یا رسول اللّه قال ضربت ضربتی الأولی فبرق الذی رأیتم أضاءت لی منها قصور الحیرة و مدائن کسری کأنها أتیاب الکلاب و أخبرنی جبریل ان أمّتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:483
ظاهرة علیها ثم ضربت ضربتی الثانیة فبرق الذی رأیتم أضاءت لی منها القصور الحمر من أرض الروم کأنها أنیاب الکلاب فأخبرنی جبریل ان أمّتی ظاهرة علیها ثم ضربتها ضربتی الثالثة فبرق الذی رأیتم أضاءت لی قصور صنعاء کأنها أنیاب الکلاب و أخبرنی جبریل انّ أمّتی ظاهرة علیها فابشروا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد للّه موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون منهم معتب بن قشیر أ لا تعجبون من محمد یمنیکم و یعدکم الباطل و یخبرکم انه یبصر من یثرب قصور الحیرة و مدائن کسری و انها تفتح لکم و أنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطیعون أن تبرزوا فنزل القرآن و اذ یقول المنافقون و الدین فی قلوبهم مرض ما وعدنا اللّه و رسوله الا غرورا و أنزل اللّه فی هذه القصة قل اللهمّ مالک الملک الآیة و وقع عند أحمد و النسائی أخذ المعول و قال بسم اللّه ثم ضرب ضربة فبشر ثلثها فقال اللّه أکبر أعطیت مفاتیح الشام و اللّه انی لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانیة فقطع ثلثا آخر فقال اللّه أکبر أعطیت مفاتیح فارس و انی و اللّه لأبصر قصور المدائن البیض الآن ثم ضرب الثالثة فقال بسم اللّه فقطع بقیة الحجر فقال اللّه أکبر أعطیت مفاتیح الیمن و اللّه انی لأبصر أبواب صنعاء الیمن من مکانی هذا الساعة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء اشتدّ علیهم فی بعض الخندق کدیة فشکوها الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعا باناء من ماء فتفل فیه ثم دعا بما شاء اللّه أن یدعو به ثم نضح ذلک الماء علی تلک الکدیة فیقول من حضر فو الذی بعثه بالحق لانهالت حتی عادت کالکثیب ما تردّ مسحاة و لا فأسا* و لما فرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الخندق أقبلت قریش حتی نزلت بمجتمع السیول من رومة بین الجرف و رباعة فی عشرة آلاف من أحابیشهم و من تابعهم من بنی کنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد و قائدهم عیینة بن حصن حتی نزلوا بذنب نعمی الی جانب أحد* و فی خلاصة الوفاء عن ابن اسحاق ان عیینة بن حصن فی غطفان نزلوا الی جانب أحد بباب نعمان* و فی تهذیب ابن هشام عند نزولهم بنعمی و نعمان بالضم و عین مهملة واد بجانب أحد یصب هو و نعمی فی الغابة و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی ثلاثة آلاف رجل من المسلمین یوم الاثنین لثمان لیال مضین من ذی القعدة حتی جعلوا ظهورهم الی سلع فضرب هناک عسکره و الخندق بینهم و بین المشرکین و کان لواء المهاجرین بید زید بن حارثة و لواء الانصار بید سعد بن عبادة و کان شعار أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الخندق و بنی قریظة حم لا ینصرون کذا فی سیرة ابن هشام و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبعث الحرس الی المدینة خوفا علی الذراری من بنی قریظة کذا فی المواهب اللدنیة و أمر رسول اللّه بالنساء و الذراری حتی رفعوا فی الآطام و خرج عدوّ اللّه حیی بن أخطب النضری بالتماس من أبی سفیان حتی أتی کعب بن أسد القرظی صاحب عقد بنی قریظة و عهدهم و کان کعب قد وادع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی قومه و عاهدهم علی ذلک فلما سمع کعب بحیی بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن علیه حیی فأبی کعب أن یفتح له فناداه حیی و یحک یا کعب افتح لی فقال کعب و یحک یا حیی انک امرؤ مشؤم و انی قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بینی و بینه و لم أر منه الا وفاء و صدقا قال و یحک افتح لی أکلمک قال ما أنا بفاعل قال و اللّه ما أغلقت الباب الا لخشیتک أن آکل معک فاغضب الرجل ففتح له فقال یا کعب و یحک جئتک بعز الدهر و ببحر طام جئتک بقریش علی قادتها و سادتها حتی أنزلتهم بمجتمع الاسیال من رومة و بغطفان علی قادتها و سادتها حتی أنزلتهم بذنب نعمی الی جانب أحد قد عاهدونی و عاقدونی أن لا یبرحوا حتی یستأصلوا محمدا و من معه فقال له کعب بن أسد جئتنی بذل الدهر بجهام هراق ماءه و برعد و ببرق لیس فیه شی‌ء فدعنی و محمدا و ما أنا علیه فلم أر من محمد الا وقاء و صدقا فلم یزل حیی ابن أخطب بکعب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:484
یفتل فی الذروة و الغارب حتی سمح له علی ان أعطاه عهدا من اللّه و میثاقا لئن رجعت قریش و غطفان و لم یصیبوا محمدا ان أدخل معک فی حصنک حتی یصیبنی ما أصابک فنقض کعب عهده و برئ مما کان علیه فیما بینه و بین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما انتهی الخبر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمین قال رسول اللّه حسبنا اللّه و نعم الوکیل و بعث صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن معاذ أحد بنی عبد الاشهل و هو یومئذ سید الاوس و سعد بن عبادة أحد بنی ساعدة و هو یومئذ سید الخزرج و معهما عبد اللّه بن رواحة أخو بلحارث و خوّات بن جبیر أخو بنی عمرو بن عوف لیعرفوا الخبر فقال انطلقوا حتی تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فخرجوا حتی أتوهم فوجدوهم علی اخبث ما بلغهم عنهم قالوا من رسول اللّه تبرءوا من عقده و عهده و قالوا لا عقد بیننا و بین محمد و لا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة و شاتموه و کان رجلا فیه حدّة فقال له سعد بن معاذ دع عنک مشاتمتهم فما بینهم و بیننا أربی من المشاتمة ثم أقبل سعد بن معاذ و سعد بن عبادة و من معهما الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبروه و قالوا عضل و القارة أی کغدرهما بأصحاب الرجیع فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللّه أکبر ابشروا یا معشر المسلمین و لما فشا بین المسلمین خبر نقض عهد بنی قریظة اشتدّ الخوف و عظم عند ذلک البلاء فبینما هم علی ذلک اذ جاءتهم جنود یعنی الاحزاب و هم قریش و غطفان و یهود قریظة و النضیر و کانوا زها اثنی عشر ألفا کذا فی أنوار التنزیل فجاء بنو أسد و غطفان و فزارة و الیهود من فوقهم من جهة المدینة و قائدهم حارث بن عوف و عیینة بن حصن الفزاری و جاء قریش و کنانة من جانب أسفل الوادی و قائدهم أبو سفیان بن حرب* و قال ابن عباس کان الذین جاءوهم من فوقهم بنو قریظة و من أسفل منهم قریش و غطفان کذا فی الوفاء و من هیبة کثرتهم و شدّة شوکتهم رعبت قلوب ضعفاء أهل الاسلام و زاغت أبصارهم* و فی الاکتفاء حتی ظنّ المؤمنون کل ظن و نجم النفاق من بعض المنافقین و حتی قال قائل منهم کان محمد یعدنا أن نملک کنوز کسری و قیصر و أحدنا الیوم لا یأمن علی نفسه أن یذهب الی الغائط کما قال اللّه تعالی اذ جاؤکم من فوقکم و من أسفل منکم و اذ زاغت الابصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنون باللّه الظنونا هنالک ابتلی المؤمنون و زلزلوا زلزالا شدیدا فلما بلغت الاحزاب و جنود الاعراب شفیر الخندق و رأوه تعجبوا منه اذ لم یکن أمر الخندق متعارفا بین العرب فأقاموا بظاهر المدینة علی الخندق و حاصروا المسلمین عشرین أو أربعة و عشرین أو سبعة و عشرین یوما* و فی الاکتفاء و أقام علیه المشرکون قریبا من شهر و لم یکن بینهم حرب الا الرمی بالنبل و الحصار و استعان بنو قریظة من قریش لیبیتوا المدینة فعلم به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فبعث سلمة بن الاسلم فی مائتی رجل و زید بن حارثة فی ثلاثمائة رجل حتی حرسوا حصون المدینة و محلاتها و کان جماعة من المنافقین مثل أوس القیظی و متابعیه ینفرون جیش الاسلام و یقولون ارجعوا الی منازلکم و اعتلوا بأنّ منازلکم عورة خالیة عن المحافظة فانها خارج المدینة و نحن نخاف أن یظفر بها جیش العدوّ کما أخبر عنه قوله تعالی و اذ قالت طائفة منهم یا أهل یثرب لا مقام لکم فارجعوا و یستأذن فریق منهم النبیّ یقولون انّ بیوتنا عورة و ما هی بعورة ان یریدون الا فرارا* روی انه کان عباد بن بشر مع جمع من الصحابة فی أیام المحاصرة یحرسون خیمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کل لیلة و کان المشرکون یتناوبون الحرب لکن اللّه تعالی لم یمکنهم من عبور الخندق فان شجعان الصحابة کانوا یمنعونهم بالنبال و الاحجار و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنفسه فی اللیالی یحرس بعض مواضع الخندق* روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت کان فی الخندق موضع لم یحسنوا ضبطه اذ أعجلهم الحال و کان یخاف علیه عبور الاعداء منه و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یختلف و یحرسه بنفسه و یقول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:485
لا أخاف أن یعبر المشرکون من موضع الا من هذا الموضع و کان یختلف علیه و رجع مرّة من الخندق فکنت أستدفئه فقال لیت رجلا صالحا یحرس اللیلة هذا الموضع اذ سمع قعقعة السلاح فقال من هذا قال سعد بن أبی وقاص فأمره أن یحرس اللیلة هذا الموضع فذهب سعد یحرسه فنام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی نفخ و کان اذا نام نفخ* و عن أمّ سلمة أنها قالت کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذات لیلة من لیالی الخندق یصلی فی خیمته فخرج منها فنظر فسمعته یقول هؤلاء رکب المشرکین یحومون حول الخندق فأمر عباد بن بشر و من معه أن یحوموا حول الخندق ثم قال اللهمّ ادفع عنا شرهم و انصرنا علیهم فذهب عباد و أصحابه حتی انتهوا الی شفیر الخندق فرأوا أبا سفیان مع جمع من المشرکین قد اقتحموا بمضیق من الخندق و قوم من المسلمین یرمونهم بالنبل و الحجر فاعانهم عباد و أصحابه و رموا المشرکین حتی ولوا هاربین فرجع عباد و أصحابه الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یصلی فلما فرغ أخبروه بذلک قالت فنام رسول اللّه حتی نفخ و ما استیقظ حتی أذن بلال الفجر فخرج و صلّی الفجر مع الجماعة* و عن أم سلمة کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نائما فی خیمته ذات لیلة فلما کان نصف اللیل کثر الصیاح و ارتفعت الاصوات و سمعت قائلا یقول یا خیل اللّه ارکبوا و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جعل شعار المهاجرین فی تلک الغزوة یا خیل اللّه ارکبی* و فی روایة کان صلی اللّه علیه و سلم قال لهم ان بیتکم العدوّ فلیکن شعارکم حم لا ینصرون فوجه الجمع أن یقال ان هذا کان شعار الانصار و اللّه أعلم* و فی سیرة ابن هشام کان شعار أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم الخندق و بنی قریظة حم لا ینصرون* فانتبه صلّی اللّه علیه و سلم و خرج من خیمته و سأل الحرس ما شأن الناس و ما هذا الصیاح قال عباد هذا صوت عمرو بن عبد ودّ العامری و اللیلة نوبته فبعثه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیه فذهب عباد و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم واقف خارج الخیمة ینتظر الخبر فرجع و قال یا رسول اللّه هذا عمرو بن ودّ فی جمع من المشرکین یرمون المسلمین بالنبل و الحجارة فدخل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خیمته و لبس سلاحه فخرج و رکب فرسه و ناس بین یدیه حتی بلغوا ذلک الموضع ثم رجعوا مع جراحات کثیرة قد أصابتهم فرقد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی سمعته ینفخ ثم سمعت صیاحا فاستیقظ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فبعث إلیه عباد بن بشر فرجع فقال هذا ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهری فی جمع من المشرکین یقاتلون المسلمین و یرمونهم بالنبال و الاحجار فلبس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سلاحه و توجه الی ذلک الموضع و اشتغل بقتالهم حتی الصباح ثم رجع و قال هربوا مع جراحات کثیرة قالت أم سلمة قد کنت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوات عدیدة مثل المریسیع و خیبر و الحدیبیة و فتح مکة و حنین و الطائف و لم تکن غزوة من تلک الغزوات شدیدة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مثل الخندق لقد أصابه تعب و مشقة کثیرة و أصاب المسلمین جراحات کثیرة و کان الزمان زمان برد و عسرة* روی أنه لما اشتدّ البلاء رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یعطی غطفان و فزارة ثلث ثمار المدینة حتی یرجعا عنه و یخذلا قریشا فبعث الی عیینة بن حصن الفزاری و الحارث بن عوف و هما قائدا فزارة و غطفان و شرط لهما ثلث ثمار المدینة علی أن یرجعا بمن معهما عنه و عن أصحابه فجری بینه و بینهما المراوضة فی الصلح حتی کتبوا الکتاب و لم تقع الشهادة و لا عزیمة الصلح* و فی روایة ان عیینة و حارثا مع نفر من قومهما أتیا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لامر المصالحة فجری بینه و بینهم الصلح فأمر النبیّ عثمان بن عفان حتی کتب کتاب الصلح و لم یقع الاشهاد و لما أرادوا أن یکتبوا الشهادة جاء اسید بن حضیر فرأی عیینة ابن حصن الفزاری قد مدّ رجله بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علم ما جاء له فأقبل الی عیینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:486
و قال یا عین الهجرس أ تمدّ رجلک بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فو اللّه لو لا مجلس رسول اللّه لانفذت جنبک بهذا الرمح ثم أقبل بوجهه الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه ان کان هذا شیئا أمرک اللّه به لا بدّ لنا من عمل به أو أمرا تحبه فاصنع ما شئت ما نقول فیه شیئا و ان کان غیر ذلک فو اللّه ما نعطیهم الا السیف متی کانوا یطعمون منا شیئا فسکت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یقل شیئا فدعا سعد بن معاذ و سعد بن عبادة فاستشارهما فیه فقالا مثل ما قال أسید بن حضیر فقالا یا رسول اللّه أ شی‌ء أمرک اللّه به أم أمر تصنعه لنا قال بل شی‌ء أصنعه لکم و اللّه ما أصنع ذلک الا لانی رأیت العرب قد رمتکم عن قوس واحدة و کایدوکم من کل جانب فأردت أن أکسر عنکم شوکتهم فقال سعد ابن معاذ یا رسول اللّه قد کنا نحن و هؤلاء القوم علی شرک باللّه و عبادة الاوثان لا نعرف اللّه و لا نعبده و هم لا یطمعون أن یأکلوا منا ثمرة الاقری أو بیعا فحین أکرمنا اللّه بالاسلام و أعزنا بک نعطیهم أموالنا و اللّه لا نعطیهم الا السیف حتی یحکم اللّه بیننا و بینهم فقال رسول اللّه فأنت و ذلک فتناول سعد الصحیفة و أخذها من عثمان فمحا ما فی الکتاب و مزق الکتاب ثم قال لیجتهدوا علینا فرجع عیینة ابن حصن و الحارث بن عوف خائبین خاسرین و علما أن لا یدلهم علی المدینة بوجه من الوجوه لما رأوا من اخلاص الانصار و اتفاقهم مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دخل فی أمرهما فتور و تزلزل* و روی ان فوارس من قریش و شجعانهم منهم عمرو بن عبد ودّ أخو بنی عامر بن لؤیّ و عکرمة بن أبی جهل و هبیرة بن أبی وهب المخزومیان و نوفل بن عبد اللّه و ضرار بن الخطاب و مرداس أخو بنی محارب قد تلبسوا یوما للقتال و خرجوا علی خیلهم و مرّوا علی بنی کنانة و قالوا تهیئوا للحرب یا بنی کنانة فستعلمون الیوم من الفرسان ثم أقبلوا نحو الخندق تعنق بهم خیلهم و الجیش علی أثرهم حتی وقفوا علی الخندق فلما رأوه قالوا و اللّه ان هذه لمکیدة ما کانت العرب تکیدها ثم قصدوا مکانا ضیقا من نواحی الخندق فضربوا خیولهم فاقتحمت فیه من تلک الناحیة الضیقة فعبروه فجالت بهم خیولهم فی السبخة بین الخندق و سلع و أبو سفیان و خالد بن الولید و فوج من رؤساء قریش و کنانة و غطفان کانوا مصطفین علی الخندق فقال عمرو بن عبد ودّ لابی سفیان ما لکم لا تعبرون قال أبو سفیان ان احتیج الی عبورنا نعبر أیضا و کان عمرو بن عبد ودّ من مشاهیر الابطال و شجعان العرب و کانوا یعدلونه بألف رجل و قد کان قاتل یوم بدر حتی أثبتته الجراحة فلم یشهد أحدا فلما کان یوم الخندق خرج معلما لیری مکانه فجال و طلب المبارزة و الاصحاب ساکتون کأنما علی رءوسهم الطیر لانهم کانوا یعلمون شجاعته*

مبارزة علیّ لعمرو بن عبد ودّ

و فی الاکتفاء ذکر ابن اسحاق فی غیر روایة البکائی ان عمرو بن عبد ودّ لما نادی یطلب من یبارزه قام علیّ و هو مقنع بالحدید فقال أنا له یا رسول اللّه فقال له اجلس انه عمرو ثم نادی عمرو و جعل یوبخهم و یقول أین جنتکم التی تزعمون انه من قتل منکم دخلها أ فلا تبرزون الیّ رجلا فقام علیّ فقال أنا له یا رسول اللّه فقال له اجلس انه عمرو ثم نادی الثالثة و قال
و لقد بححت من النداء بجمعکم هل من مبارزو وقفت اذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز و کذاک الثانی لم أزل
متسرعا نحو الهزاهز
ان الشجاعة فی الفتی‌و الجود من خیر الغرائز فقام علیّ و قال أنا له یا رسول اللّه فقال انه عمرو فقال و ان کان عمرا فأذن له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمشی إلیه علیّ و هو یقول
لا تعجلنّ فقد أتاک مجیب صوتک غیر عاجز تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:487 ذونیة و بصیرةو الصدق منجی کل فائز
انی لارجو أن أقسم علیک نائحة الجنائزمن ضربة نجلاء یبقی ذکرها عند الهزاهز
* فقال عمرو من أنت قال أنا علیّ قال ابن عبد مناف قال أنا علی بن أبی طالب قال غیرک یا ابن أخی من أعمامک من هو أسنّ منک فانی اکره أن أهریق دمک فقال علیّ لکنی و اللّه ما أکره أن أهریق دمک فغضب و نزل وسل سیفه کأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علیّ مغضبا و یقال انه کان علی فرسه فقال له علیّ کیف أقاتلک و أنت علی فرسک و لکن انزل معی فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله علیّ رضی اللّه عنه بدرقته فضربه عمرو فیها فقدّها و أثبت فیها السیف و أصاب رأسه فشجه و ضربه علیّ علی حبل العاتق فسقط و ثار العجاج و سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم التکبیر فعرف أن علیا قتله* و فی القاموس کان علیّ ذا شجتین فی قرنی رأسه احداهما من عمرو ابن ودّ و الثانیة من ابن ملجم و لذا یقال له ذو القرنین* و فی روایة لما أذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعلیّ أعطاه سیفه ذا الفقار و ألبسه درعه الحدید و عممه عمامته و قال اللهم أعنه علیه* و فی روایة رفع عمامته الی السماء و قال الهی أخذت عبیدة منی یوم بدر و حمزة یوم أحد و هذا علیّ أخی و ابن عمی فلا تذرنی فردا و أنت خیر الوارثین فمشی إلیه علیّ فی نفر من المسلمین حتی أخذوا علی الثغرة التی اقتحموا منها فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم فلما وقف عمرو و خیله قال له علیّ یا عمرو سمعت انک تعاهد اللّه أن لا یدعوک رجل من قریش الی خلتین الا أخذت منه احداهما* و فی الاکتفاء الی احدی الخلتین الا أخذتها منه قال أجل فقال علیّ فانی أدعوک الی اللّه و الی رسوله و الی الاسلام قال لا حاجة لی فی ذلک قال فارجع الی دیارک و اترک القتال معنا فان انتظم أمر محمد و ظفر علی أعدائه فقد أسعدته و أمددته و الا فحصل مطلوبک من غیر قتاله قال عمرو ان نساء قریش لا یقلن هذا کیف و قد قدرت علی استیفاء نذری و أنا أرجع و لم أف به و قد کان عمرو جرح یوم بدر و أفلت هاربا و نذر أن لا یدّهن حتی ینتقم من محمد فقال علیّ فانی أدعوک الی النزال فقال له یا ابن أخی فو اللّه ما أحب أن أقتلک قال علیّ و لکنی أحب أن أقتلک فحمی عمرو عند ذلک فاقتحم عن فرسه وسل سیفه و عقره و ضرب وجهه ثم أقبل علی علیّ فتنازلا و تجاولا فقتله علیّ و خرجت خیلهم منهزمة حتی اقتحمت الخندق هاربة و فی روایة ثم حمل ضرار بن الخطاب و هبیرة بن أبی وهب علی علیّ و هو أقبل إلیهما فأما ضرار فلما نظر الی وجه علیّ ولی هاربا و بعد ذلک سئل عن سبب فزاره قال خیل لی أن الموت یرینی صورته و أما هبیرة فثبت فی مقاتلته حتی أصابه أثر السیف فعند ذلک ألقی درعه و هرب* و فی روایة حمل الزبیر بن العوّام و عمر بن الخطاب بعد قتل علیّ عمرا علی بقیة أصحاب عمرو و قد کان ضرار بن الخطاب یفرّ و عمر یشتدّ فی أثره فکرّ ضرار راجعا و حمل علی عمر بالرمح لیطعنه ثم أمسک و قال یا عمر هذه نعمة مشکورة أثبتها علیک و یدلی عندک غیر مجزی بها فاحفظها* و فی معالم التنزیل و أما نوفل ابن عبد اللّه فضرب فرسه لیدخل الخندق فوقع فیه مع فرسه فتحطما جمیعا* و فی المنتقی فتورّط فیه* و فی الوفاء و برز نوفل بن عبد اللّه بن المغیرة المخزومی فبارزه الزبیر فقتله و یقال قتله علیّ و رجعت بقیة الخیول منهزمة* و فی روضة الاحباب اقتحم الخندق نوفل حین الفرار فسقط فیه فرماه المسلمون بالحجارة فصرخ یا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل إلیه علیّ فضربه بالسیف فقطعه نصفین و جرح من الکفار یومئذ منبه بن عثمان أصابه سهم فمات منه بمکة و فرّ عکرمة و هبیرة و مرداس و ضرار حتی انتهوا الی جیشهم فأخبروهم بقتل عمرو و نوفل فتوهن من ذلک قریش
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:488
و خاف أبو سفیان و کادت أن تهرب فزارة و تفرّقت غطفان* و فی معالم التنزیل طلب المشرکون جیفة نوفل بالثمن فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خذوه فانه خبیث الجیفة خبیث الدیة و روی ان علیا لما قتل عمرا لم یسلبه فجاءت اخت عمرو حتی قامت علیه فلما رأته غیر مسلوب سلبه قالت ما قتله الا کفؤ کریم ثم سألت عن قاتله قالوا علیّ بن أبی طالب فأنشأت هذین البیتین تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌1 488 مبارزة علی لعمرو بن عبد ود ..... ص : 486
لو کان قاتل عمرو غیر قاتله‌لکنت أبکی علیه آخر الابد
لکنّ قاتله من لا یعاب به‌من کان یدعی قدیما بیضة البلد و روی ان الکفار فی ذلک الیوم أو فی یوم آخر اتفقوا و شرعوا فی القتال من جمیع جوانب الخندق فقاتلوا سائر الیوم حتی فاتت صلاة الظهر و العصر و المغرب عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه و بعد ذلک أمر بالاقامة لکل صلاة و قضوها* و فی الهدایة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شغل عن أربع صلوات یوم الخندق فقضاهنّ مرتبة ثم قال صلوا کما رأیتمونی و قد صح عن علیّ أنه قال قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الخندق ملأ اللّه علیهم بیوتهم نارا کما شغلونا عن الصلاة الوسطی صلاة العصر حتی غابت الشمس و قیل اقتتلوا ثلاثة أیام قتالا شدیدا حتی حجز اللیل بینهم سیما فی الیوم الثالث حین شغلهم القتال عن صلاة العصر و المغرب و قیل و الظهر و ذلک قبل نزول صلاة الخوف و هو قوله تعالی فان خفتم فرجالا أو رکبانا* و فی شمائل الترمذی روی أنه کان یوم الخندق رجل من الکفار معه ترس و کان سعد رامیا و کان الرجل یقول کذا و کذا بالترس یغطی جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه سعد لم یخطئ هذه منه یعنی جبهته و انقلب و أشال برجله فضحک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی بدت نواجذه یعنی من فعله بالرجل قالت عائشة کنا یوم الخندق فی حصن بنی حارثة و هو من أحرز حصون المدینة و کانت أمّ سعد بن معاذ معنا فی الحصن و ذلک قبل أن یضرب علینا الحجاب فمرّ سعد بن معاذ و علیه درع مقلص قد خرجت منها ذراعه کلها و فی یده حربة و هو یقول البث قلیلا تلحق الهیجا جمل* و فی الاکتفاء فی یده حربة یرقد بها أی یسرع بها فی نشاط و هو یقول
البث قلیلا تشهد الهیجا جمل‌لا بأس بالموت اذا حان الاجل کذا فی المنتقی* و فی الصفوة عن عائشة قالت خرجت یوم الخندق أقفو أثر الناس فسمعت و بید الارض من ورائی فالتفت فاذا أنا بسعد بن معاذ و معه ابن أخیه الحارث بن أوس یحمل مجنة فجلست الی الارض فمرّ سعد و هو یرتجز
البث قلیلا تدرک الهیجا جمل‌ما أحسن الموت اذا جاء الاجل فقالت أمّه یا بنیّ الحق فقد و اللّه أخرت قالت فقلت لها و اللّه یا أمّ سعد لوددت أن درع سعد کانت أسبغ مما هی و خفت علیه حیث أصاب السهم منه قالت فرمی سعد یومئذ بسهم فقطع منه الاکحل و زعموا أنه لم ینقطع من أحد قط الا لم یزل یبض دما و لم یرقأ حتی یموت* الاکحل بفتح الهمزة و الحاء المهملة بینهما کاف ساکنة عرق فی وسط الذراع* قال الخلیل هو عرق الحیاة یقال ان فی کل عضو منه شعبة فهو فی الید الاکحل و فی الظهر الابهر و فی الفخذ النسا* و کان الذی رماه حبان بن قیس ابن العرقة أحد بنی عامر بن لؤیّ فلما أصابه قال خذها و أنا ابن العرقة قال سعد عرق اللّه وجهک فی النار* و حبان بن العرقة و قد تفتح الراء و هی أمّه قلابة لقبت بها لطیب ریحها کذا فی القاموس قال ابن اسحاق عن عبد اللّه بن کعب بن مالک انه کان یقول ما أصاب سعدا یومئذ الا أبو أسامة الجشمی حلیف بنی مخزوم* قال ابن هشام و یقال ان الذی رمی سعدا خفاجة بن عاصم بن حبان کذا فی سیرة ابن هشام ثم قال سعد اللهم ان کنت أبقیت من حرب قریش شیئا فأبقنی لها فانه لا قوم أحب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:489
الیّ أن اجاهدهم من قوم آذوا رسولک و کذبوه و أخرجوه و ان کنت وضعت الحرب بیننا و بینهم فاجعله لی شهادة و لا تمتنی حتی تقرّ عینی أو قال تشفینی من بنی قریظة و کانوا حلفاء سعد و موالیه فی الجاهلیة فرقأ کمله* و لما رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الخندق أمر بقبة من أدم ضربت علی سعد فی المسجد* و عن جابر قال رمی سعد بن معاذ فی أکحله فحسمه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و عنه قال رمی أبی بن کعب یوم الاحزاب علی أکحله فکواه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عنه بعث رسول اللّه الی أبی بن کعب طبیبا فقطع منه عرقا ثم کواه علیه روی الاحادیث الثلاثة مسلم کذا فی المشکاة*

لطیفة

و روی ابن اسحاق عن عباد الزهری انه کانت صفیة بنت عبد المطلب فی فارع حصن قالت و حسان معنا و فیه من النساء و الصبیان فمرّ بنا رجل من یهود فجعل یطیف بالحصن و قد حاربت بنو قریظة و قطعت ما بینها و بین رسول اللّه و لیس بیننا و بینهم أحد یدفع عنا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمون فی نحور عدوّهم لا یستطیعون أن ینصرفوا إلینا عنهم اذ أتانا آت قلت یا حسان ان هذا الیهودی کما تری یطیف بالحصن و انی و اللّه ما آمنه أن یدل علی عورتنا من وراءنا من الیهود و قد شغل عنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه فانزل إلیه فاقتله فقال یغفر اللّه لک یا بنت عبد المطلب و اللّه لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا فلما قال ذلک و لم أر عنده شیئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت إلیه من الحصن فضربته بالعمود حتی قتلته فلما فرغت منه رجعت الی الحصن فقلت یا حسان انزل فسلبه فانه لم یمنعنی من سلبه الا أنه رجل قال ما لی فی سلبه من حاجة یا بنت عبد المطلب کذا فی المنتقی* و فی الوفاء روی الطبرانی و رجاله ثقات عن رافع بن خدیج قال لم یکن حصن أحصن من حصن بنی حارثة فجعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم النساء و الصبیان و الذراری فیه و قال ان ألم بکنّ أحد فألمعن بالسیف فجاءهنّ رجل من بنی حارثة بن سعد یقال له نجدان أحد بنی جحاش علی فرس حتی کان فی أصل الحصن ثم جعل یقول انزلن الیّ خیر لکن فحرّکن السیف فأبصره أصحاب رسول اللّه فابتدر الحصن قوم فیهم رجل من بنی حارثة یقال له ظفر بن رافع فقال یا نجدان ابرز فبرز إلیه فحمل علیه فقتله و أخذ رأسه و ذهب به الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الوفاء قال حسان لا و اللّه ما ذاک فیّ و لو کان فیّ لخرجت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت صفیة فأربط السیف علی ذراعی ثم تقدّمت إلیه حتی قتلته و قطعت رأسه فقالت له خذ الرأس فارم به علی الیهود قال ما ذاک فیّ فأخذت هی الرأس فرمت به الیهود فقالت الیهود قد علمنا أن لم یکن یترک أهله خلوفا لیس معهم أحد فتفرّقوا و ذهبوا و روی الطبرانی هذه القصة عن صفیة فی غزوة أحد و فی اسناده اثنان قال الهیتمی لم أعرفهما و بقیة اسناده ثقات و المذکور فی کتب السیر انّ هذه القصة فی الخندق و انّ بعضهم کان بحصن بنی حارثة و بعضهم بفارع* قال السهیلی محمل هذا الحدیث عند الناس أن حسانا کان جبانا شدید الجبن و قد دفع بعض العلماء هذا و أنکره و قال لو صح هذا لهجی حسان به فانه کان یهاجی الشعراء و کانوا یردّون علیه فما عیره أحد بجبن و ان صح فلعل حسانا کان متعللا فی ذلک الیوم بعلة منعته عن شهود القتال هذا و روی الطبرانی برجال الصحیح عن عروة مرسلا ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أدخل النساء یوم الاحزاب أطما من آطام المدینة و کان حسان بن ثابت رجلا جبانا فأدخله مع النساء فأغلق الباب و ذکر القصة* و فی أسد الغابة لابن الاثیر کان حسان من أجبن الناس حتی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جعله مع النساء فی الآطام یوم الخندق و أقام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه فیما وصف اللّه تعالی من الخوف و الشدّة لتظاهر عدوّهم علیهم و اتیانهم من فوقهم و من أسفل منهم ثم ان نعیم بن مسعود بن عامر الاشجعی الغطفانی أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:490
فقال یا رسول اللّه انی قد أسلمت و ان قومی لم یعلموا باسلامی فمرنی بما شئت فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما أنت فینا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة فخرج نعیم حتی أتی بنی قریظة و کان لهم ندیما فی الجاهلیة فقال لهم یا بنی قریظة قد عرفتم ودّی ایاکم و خاصة ما بینی و بینکم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قریشا و غطفان قد جاءوا لحرب محمد و قد ظاهرتموهم علیهم و ان قریشا و غطفان لیسوا کهیئتکم البلد بلدکم به أموالکم و أولادکم و نساؤکم لا تقدرون أن تحوّلوا الی غیره و ان قریشا و غطفان اموالهم و أبناؤهم و نساؤهم بغیره ان رأوا نهزة أصابوها و ان کان غیر ذلک لحقوا ببلادهم و خلوا بینکم و بین الرجل و الرجل ببلدکم لا طاقة لکم به ان خلا بکم فلا تقاتلوا القوم حتی تأخذوا بعض أشرافهم رهنا یکونون بأیدیکم ثقة لکم علی أن یقاتلوا معکم محمدا حتی تناجزوه فقالوا لقد أشرت برأی و نصح ثم خرج حتی أتی قریشا فقال لأبی سفیان بن حرب و من معه من رجال قریش یا معشر قریش قد عرفتم ودّی ایاکم و فراقی محمدا و قد بلغنی أمر رأیت حقا علیّ أن أبلغکموه نصحا لکم فاکتموا علیّ ما أقول لکم قالوا نفعل قال اعلموا ان معشر یهود قد ندموا علی ما صنعوا فیما بینهم و بین محمد و قد أرسلوا إلیه أن قد ندمنا علی ما فعلنا فهل یرضیک أن نأخذ من القبیلتین قریش و غطفان رجالا من أشرافهم فنعطیکم فتضرب أعناقهم ثم نکون معک علی من بقی منهم حتی نستأصلهم فأرسل محمد إلیهم أن نعم فان بعث إلیکم یهود یلتمسون منکم رهنا من رجالکم لا تدفعوا إلیهم منکم رجلا واحدا* ثم خرج حتی أتی غطفان فقال یا معشر غطفان أنتم أهلی و عشیرتی و أحب الناس الیّ فلا أراکم تتهمونی قالوا صدقت قال فاکتموا علیّ قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقریش و حذرهم ما حذرهم به فلما کانت لیلة السبت من شوّال سنة خمس و کان مما صنع اللّه لرسوله صلی اللّه علیه و سلم انه أرسل أبو سفیان و رؤساء غطفان الی بنی قریظة عکرمة بن أبی جهل فی نفر من قریش و غطفان و قالوا لهم انا لسنا بدار مقام هلک الخف و الحافر فاغدوا للقتال حتی نناجز محمدا و نفرغ مما بیننا و بینه فأرسلوا إلیهم ان الیوم یوم السبت و هو یوم لا یعمل فیه شی‌ء و کان قد أحدث فیه بعض الناس حدثا فأصابه ما لم یخف علیکم و لسنا مع ذلک بالذی نقاتل معکم حتی تعطونا رهنا من رجالکم یکونون بأیدینا ثقة لنا حتی نناجز محمدا فانا نخشی انکم اذا اشتدّ علیکم القتال أسرعتم السیر الی بلادکم و ترکتمونا و الرجل فی بلادنا فلا طاقة لنا بذلک فلما رجعت إلیهم الرسل و أخبروهم بالذی قالت بنو قریظة قالت قریش و غطفان و اللّه ان الذی حدثکم نعیم بن مسعود لحق فأرسلوا الی بنی قریظة انا و اللّه لا ندفع إلیکم رجلا واحدا من رجالنا فان کنتم تریدون القتال فاخرجوا و قاتلوا فقالت بنو قریظة حین انتهت إلیهم الرسل و أخبروهم بهذا الخبر ان الذی ذکر لکم نعیم بن مسعود لحق ما یرید القوم الا القتال فان وجدوا فرصة انتهزوها و ان کان غیر ذلک تشمروا الی بلادهم و خلوا بینکم و بین الرجل فی بلادکم فأرسلوا الی قریش و غطفان و اللّه لا نقاتل معکم حتی تعطونا رهنا فأبوا علیهم و خذل اللّه بینهم* روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حوصر بضع عشرة لیلة* و فی الوفاء ذکر موسی بن عقبة ان مدّة الحصار کانت عشرین یوما حتی أصاب کل امرئ منهم الکرب فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی مسجد الاحزاب* و عن جابر بن عبد اللّه الانصاری ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دعا فی مسجد الفتح یوم الاثنین و یوم الثلاثاء و یوم الاربعاء فقال اللهمّ منزل الکتاب سریع الحساب اهزم الاحزاب اللهمّ اهزمهم و زلزلهم فاستجیب له یوم الاربعاء بین الصلاتین الظهر و العصر فعرف البشر فی وجهه صلّی اللّه علیه و سلم فأجلوا* قال جابر و لم ینزل بی أمر غائظ الا توخیت تلک الساعة فأدعو فیها فاعرف الاجابة* و فی مسند الامام أحمد عن أبی سعید
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:491
الخدری قال قلنا یوم الخندق یا رسول اللّه هل من شی‌ء فنقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا فضرب اللّه وجوه أعدائه بالریح فهزمهم* و فی معالم التنزیل قال عکرمة قالت الجنوب للشمال لیلة الاحزاب انطلقی ننصر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقالت الشمال ان الحرّ لا یسری باللیل و کانت الریح التی أرسلت علیهم الصبا* و عن ابن عباس عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور فبعث اللّه علیهم فی تلک اللیلة الشاتیة ریحا باردة فأحصرتهم و سفت التراب فی وجوههم و أرسل علیهم جنودا لم یروها و هم الملائکة و کانوا ألفا و لم تقاتل یومئذ و لکن قلعت الاوتاد و قطعت أطناب الفساطیط و أطفأت النیران و أکفأت القدور و جالت الخیل بعضها فی بعض و کثر تکبیر الملائکة فی جوانب عسکرهم و قذف اللّه فی قلوبهم الرعب فانهزموا من غیر قتال* و فی ینبوع الحیاة لابن ظفر قیل انه صلّی اللّه علیه و سلم دعا فقال یا صریخ المکروبین یا مجیب المضطرین اکشف همی و غمی و کربی فانک تری ما نزل بی و بأصحابی فأتاه جبریل و بشره بأن اللّه سبحانه یرسل علیهم ریحا و جنودا فأعلم أصحابه و رفع یده به قائلا شکرا شکرا وهبت ریح الصبا لیلا فقلعت الاوتاد و ألقت علیهم الابنیة و کفأت القدور و سفت علیهم التراب و رمتهم بالحصباء و سمعوا فی أرجاء عسکرهم التکبیر و قعقعة السلاح فارتحلوا هرابا فی لیلتهم و ترکوا ما استنقلوه من متاعهم قال فذلک قوله تعالی فأرسلنا علیهم ریحا و جنودا لم تروها کذا فی المواهب اللدنیة* و روی عن حذیفة أنه قال لقد رأیتنی لیلة الاحزاب مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال من یقوم فیذهب الی هؤلاء القوم فیأتینا بخبرهم أدخله اللّه الجنة فما قام منا رجل ثم صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هویا من اللیل ثم التفت إلینا فقال مثله فسکت القوم و ما قام رجل ثم صلّی هو یا من اللیل ثم التفت إلینا فقال من رجل یقوم فینظر لنا ما فعل القوم علی أن یکون رفیقی فی الجنة فما قام رجل من شدّة الخوف و شدّة البرد و شدّة الجوع فلما لم یقم أحد دعانی فقال یا حذیفة فلم یکن لی بدّ من القیام حین دعانی فقلت لبیک یا رسول اللّه فقمت حتی أتیته و ان جنبتی لتضطربان فمسح رأسی و وجهی ثم قال ائت هؤلاء القوم حتی تأتینی بخبرهم و لا تحدثن شیئا حتی ترجع الیّ* و فی روایة لا تذعرهم علیّ* و فی روایة قال یا حذیفة اذهب فادخل فی القوم فانظر ما یفعلون و لا تذعرهم علیّ ثم قال اللهمّ احفظه من بین یدیه و من خلفه و عن یمینه و عن شماله و من فوقه و من تحته فأخذت سهمی و شددت علیّ أسلابی ثم انطلقت أمشی نحوهم کأنی أمشی فی حمام فذهبت فدخلت فی القوم و قد أرسل اللّه علیهم ریحا و جنود اللّه تفعل بهم الریح ما تفعل فلا تقرّ لهم قدرا و لا نارا و لا بناء فرأیت أبا سفیان قاعدا یصطلی أو قال یصلی ظهره بالنار فأخذت سهما فوضعته فی کبد قوسی فأردت أن أرمیه و لو رمیته لا صبته فذکرت قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تحدثن شیئا حتی ترجع الیّ و لا تذعرهم علیّ فرددت سهمی فی کنانتی فقام أبو سفیان فقال یا معشر قریش لینظر کل امرئ من جلیسه قال حذیفة فأخذت بید الرجل الذی الی جنبی فقلت من أنت قال أنا فلان بن فلان* و ذکر ابن عقبة انه فعل ذلک بمن علی جانبیه یمینا و یسارا قال و بدرتهم بالمسألة خشیة أن یفطنوا* فلما رأی أبو سفیان ما تفعل الریح و جنود اللّه بهم قام و قال یا معشر قریش انکم و اللّه ما أصبحتم بدار مقام لقد هلک الکراع و الخف و أخلفتنا بنو قریظة و بلغنا عنهم الذی نکرهه و لقینا من هذه الریح ما ترون فارتحلوا فانی مرتحل ثم قام الی جمله و هو معقول فجلس علیه ثم ضربه فوثب به علی ثلاث فما أطلقه الا و هو قائم و لو لا عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الیّ أن لا تحدث شیئا حتی تأتینی ثم شئت لقتلته بسهم و لما سمعت فزارة و غطفان بما فعلت قریش انصرفت الی بلادها* و فی الوفاء فحملت قریش
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:492
و استمرّوا راجعین الی بلادهم* و عن الکلبی أنه قال ان الملائکة اتبعوا الاحزاب حتی بلغوا الروحاء یکبرون فی أدبارهم فهربوا لا یلوون علی شی‌ء و اللّه أعلم* و فی الصفوة عن عائشة رضی اللّه عنها بعث اللّه الریح علی المشرکین و کفی اللّه المؤمنین القتال و کان اللّه قویا عزیزا فلحق أبو سفیان و من معه بتهامة و لحق عیینة بن حصن و من معه بنجد و رجعت بنو قریظة فتحصنوا فی صیاصیهم و رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة فأمر بقبة من أدم فضربت علی سعد ابن معاذ فی المسجد کما سیجی‌ء* قال حذیفة فرجعت الی رسول اللّه کأنی أمشی فی الحمام و رأیت فی أثناء الطریق عشرین راکبا علیهم عمائم بیض قالوا لی أخبر صاحبک أن اللّه کفاک جیش العدوّ کذا فی روضة الاحباب* قال حذیفة أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو قائم یصلی فلما سلم أخبرته فضحک حتی بدت نواجذه یعنی أنیابه فی سواد اللیل فلما أخبرته قررت فذهب عنی الدفاء فأدنانی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أنا منی عند رجلیه و ألقی علیّ طرف ثوبه و ألزق صدری ببطن قدمیه و فی روایة ألبسنی من فضل عباءة کانت علیه یصلی فیها فلم أزل نائما حتی أصبحت فلما أصبحت قال قم یا نومان فأصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیس بحضرته أحد من العساکر* و فی الوفاء قال مالک لم یستشهد من المسلمین یوم الخندق الا أربعة أو خمسة* و قال ابن اسحاق لم یستشهد یوم الخندق من المسلمین إلّا ستة نفر من بنی عبد الاشهل سعد بن معاذ و أنس بن أوس بن عتیک و عبد اللّه بن سهل ثلاثة نفر و من بنی جشم بن الخزرج ثم من بنی سلمة الطفیل بن النعمان و ثعلبة بن غنمة رجلان و من بنی النجار ثم من بنی دینار کعب بن زید أصابه سهم غرب فقتله و قتل من المشرکین ثلاثة نفر من بنی عبد الدار ابن قصی منبه بن عثمان بن عبید بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمکة و من بنی مخزوم ابن یقظة نوفل بن عبد اللّه بن المغیرة اقتحم الخندق فتورّط فیه فقتل فغلب المسلمون علی جسده و سأل المشرکون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یبیعهم جسده فقال صلّی اللّه علیه و سلم لا حاجة لنا بجسده و لا ثمنه فخلی بینهم و بینه* قال ابن هشام اعطوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی جسده عشرة آلاف درهم فیما بلغنی عن الزهری* و فی معالم التنزیل فطلب المشرکون جیفة نوفل بالثمن فقال رسول اللّه خذوه فانه خبیث الجیفة خبیث الدیة و قد مرّ و من بنی عامر بن لؤیّ ثم من بنی مالک بن حسل عمرو بن عبد ودّ قتله علی بن أبی طالب* قال ابن هشام و حدّثنی الثقة انه حدث عن ابن شهاب الزهری أنه قال قتل علی بن أبی طالب یومئذ عمرو بن ودّ و ابنه حسل بن عمرو و کان من المناوشات بین الفریقین أن مات بعض بنی عمرو بن عوف من أهل قباء فاستأذنوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیدفنوه فأذن لهم فلما خرجوا الی الصحراء لدفن میتهم وافقوا ضرار بن الخطاب و جماعة من المشرکین بعثهم أبو سفیان لیمتاروا له من بنی قریظة علی ابل له فحملوا علی بعضها قمحا و علی بعضها شعیرا و علی بعضها تمرا و تبنا للعلف فلما رجعوا و بلغوا ساحة قباء وافقوا الذین کانوا یدفنون میتهم فناهضهم المسلمون و غلبوهم و جرح ضرار جراحات فهرب هو و أصحابه و ساق المسلمون الابل الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان للمسلمین فی ذلک سعة من النفقة و کان قد أقام بالخندق خمسة عشر یوما و قیل أربعة و عشرین یوما و قیل عشرین و قیل سبعة و عشرین و قیل قریبا من شهر کما مرّ* قال صلّی اللّه علیه و سلم لن تغزوکم قریش بعد عامکم هذا و کان کذلک فهو معجزة و انصرف علیه السلام من غزوة الخندق یوم الاربعاء لسبع لیال بقین من ذی القعدة کذا فی المواهب اللدنیة*

غزوة بنی قریظة

و فی ذی القعدة من هذه السنة وقعت غزوة بنی قریظة قال أهل السیر لما أصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من اللیل و قد انصرف الاحزاب مدلجین انصرف صلّی اللّه علیه و سلم و المؤمنون من الخندق الی المدینة یوم الاربعاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:493
کما سبق ذکره و وضعوا عنهم السلاح فلما کان الظهر أتاه جبریل معتجرا بعمامة من استبرق علی بغلة بیضاء علیها رحاله علیها قطیفة من دیباج و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عند زینب بنت جحش و هی تغسل رأسه* و فی روایة فی بیت فاطمة و قد اغتسل و یرید أن یتطیب اذ جاءه جبریل* و فی روایة کان فی بیت عائشة ساعتئذ و هی تغسل رأسه و قد غسلت شقه* روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت سمعت صوت رجل یسلم علینا من خارج البیت فقام صلّی اللّه علیه و سلم مستعجلا و خرج من البیت فتبعته الی الباب فرأیت دحیة الکلبی علی بغلة بیضاء علی وجهه الغبار* و فی روایة علی ثنایاه النقع فجعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یمسحه بردائه و یحدّثه فلما عاد الی البیت قال هذا جبریل أمرنی بالمسیر الی بنی قریظة* و فی الوفاء ذکر ابن عقبة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان فی المغتسل عند ما جاءه جبریل و هو یرجل رأسه و قد رجل احد شقیه فجاءه جبریل علی فرس علیه اللامة و أثر الغبار حتی وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال له جبریل غفر اللّه لک قد وضعت السلاح قال نعم قال جبریل ما وضعت الملائکة السلاح بعد و فی المنتقی بعد أربعین لیلة و ما رجعت الآن الا من طلب القوم* و فی المنتقی کان الغبار علی وجهه و فرسه فجعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یمسح الغبار عن وجهه و وجه فرسه انتهی قال جبریل ان اللّه یأمرک بالمسیر الی بنی قریظة فانی عامد إلیهم فمزلزل بهم و کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة و عند ابن عائذ قم فشدّ علیک سلاحک فو اللّه لادقنهم دق البیض علی الصفا* و فی الوفاء فأدبر جبریل و من معه من الملائکة حتی سطع الغبار فی زقاق بنی غنم حی من الانصار* و فی البخاری قال أنس کأنی أنظر الی الغبار ساطعا فی سکة بنی غنم من موکب جبریل و زقاقهم عند موضع الجنائز شرقی المسجد* و فی روایة ابن سعد فجاء جبریل فقال یا رسول اللّه انهض الی بنی قریظة فقال ان فی أصحابی جهدا قال انهض إلیهم فلأضعضعنهم* و فی المنتقی قال جبریل و انّی عامد الی بنی قریظة فاشهد إلیهم فانی قد قلعت أوتادهم و فتحت أبوابهم و ترکتهم فی زلزال و بلبال فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منادیا ینادی یا خیل اللّه ارکبی* و فی روایة نادی ان من کان سامعا مطیعا فلا یصلین العصر الا فی بنی قریظة و قدّم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب برایة إلیهم و لبس صلّی اللّه علیه و سلم لأمته و بیضته و شدّ السیف فی وسطه و ألقی الترس من وراء کتفه و أخذ رمحه و رکب فرسه و اسمه لحیف و اجتنب فرسین* و أما ما فی شمائل الترمذی کان صلّی اللّه علیه و سلم یوم قریظة علی حمار مخطوم بحبل من لیف علیه اکاف لیف فالتوفیق بین الروایتین ممکن و استخلف علی المدینة عبد اللّه بن أمّ مکتوم فسار علی أثر علیّ و الاصحاب تهیئوا و خرجوا و کان عددهم قریبا من ثلاثة آلاف و الخیل ستة و ثلاثین فرسا و لما بلغ بنی النجار فی الطریق رآهم قد تسلحوا وصفوا علی الطریق فقال من أمرکم بلبس السلاح قالوا دحیة الکلبی قال ذاک جبریل علیه السلام ذهب لیزلزل حصونهم و فی المنتقی و مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالصورین قبل أن یصل الی بنی قریظة* فی القاموس الصوران موضع بقرب المدینة* و فی خلاصة الوفاء یقال الصوران بالفتح ثم السکون للنخل المجتمع الصغار موضع فی أقصی بقیع الغرقد مما یلی طریق بنی قریظة مرّ به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم متوجها الی بنی قریظة* و فی المنتقی سأل رسول اللّه أصحابه بالصورین هل مرّ بکم أحد قالوا مرّ بنادحیة بن خلیفة الکلبی علی بغلة بیضاء علیها رحاله و علیها قطیفة دیباج فقال صلّی اللّه علیه و سلم ذاک جبریل بعث الی بنی قریظة یزلزل حصونهم و یقذف الرعب فی قلوبهم و قد کان علیّ ابتدر الناس و سار حتی اذا دنا من الحصن غرز هناک الرایة فشرعت الیهود فی السب من فوق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:494
الحصن* و فی المنتقی سمع منها مقالة قبیحة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فترک علیّ أبا قتادة عند الرایة و رجع حتی لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الطریق فقال یا رسول اللّه لا علیک أن لا تدنو من هؤلاء الاخابث قال لم أظنک سمعت لی منهم أذی قال نعم یا رسول اللّه قال لو رأونی لم یقولوا من ذلک شیئا و انتهی المسلمون الی بنی قریظة فیما بین المغرب و العشاء و بعض الاصحاب صلوا العصر فی الطریق رعایة للوقت و حملوا نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی التعجیل و المبالغة فی المسیر و بعضهم قضوا العصر ببنی قریظة رعایة لظاهر النهی و ما عاب أحدا من الفریقین و لا عنفهم* و فی المنتقی و لما أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بنی قریظة نزل علی بئر من آبارهم فی ناحیة فتلاحق به الناس فأتاه بعض الناس بعد صلاة العشاء الآخرة و لم یصلوا العصر لقوله علیه السلام لا یصلین أحد العصر الا ببنی قریظة فصلوها بعد العشاء الآخرة فما عاتبهم اللّه بذلک و لا عنفهم به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد کان حیی بن أخطب دخل مع بنی قریظة فی حصنهم حین رجعت قریش و غطفان من الخندق وفاء لکعب بن أسد بما عاهد* و لما دنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من حصونهم قال یا اخوان القردة و الخنازیر هل أخزاکم اللّه و أنزل بکم نقمته انزلوا علی حکم اللّه و رسوله* و فی روایة قال اخسئوا أخسأکم اللّه أی ابعدوا أبعدکم اللّه من رحمته قالوا یا أبا القاسم ما کنت جهولا و لا فحاشا قبل هذا و لما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قولهم هذا سقطت العنزة من یده و الرداء عن کتفه و جعل یتأخر استحیاء مما قال لهم و قال أسید بن حضیر یا أعداء اللّه نحن لن نبرح من هاهنا حتی تموتوا من الجوع و أنتم انحجرتم مثل الثعلب فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن أبی وقاص حتی رماهم ساعة بالنبل ثم رجع الی معسکره و کانوا یقاتلونهم فی کل یوم من جوانب الحصن و یرمونهم بالنبل و الحجارة فحاصرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی ذلک خمسا و عشرین لیلة کذا فی الصفوة* و فی روایة خمس عشرة لیلة و عند ابن سعد عشرة* و فی معالم التنزیل احدی و عشرین لیلة حتی جهدهم الحصار و قذف اللّه فی قلوبهم الرعب فأمسکوا عن القتال و أرسلوا نباش بن قیس الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سألوا النزول کما نزل بنو النضیر و أن یخرجوا مع نسائهم و أبنائهم من هذا البلد و لک الاموال و الاسلحة و الامتعة و الدواب فأبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الا النزول علی أن یفعل بهم ما یرید و لما رجع النباش و بلغهم الخبر و أیقنوا ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم غیر منصرف عنهم حتی یناجزهم جمع رئیسهم کعب بن أسد أشراف بنی قریظة و قال یا معشر الیهود انه قد نزل بکم من الامر ما ترون و انی أعرض علیکم خلالا ثلاثة فخذوا أیتها شئتم قالوا و ما هی قال نتابع هذا الرجل و نصدّقه فو اللّه لقد تبین لکم انه نبیّ مرسل و انه الذی تجدونه فی کتابکم و ابن حواس و کان من علماء التوراة اذ بلغ هذه الدیار أخبرکم بظهوره بها و آمن به و أوصاکم بمتابعته و نصرته و قال لکم ان أدرکتم زمانه بلغوه سلامی فآمنوا به فتأمنوا علی دیارکم و أموالکم و أبنائکم و نسائکم قالوا لا نفارق حکم التوراة أبدا و لا نستبدل به غیره قال فاذا أبیتم هذا فهلموا لنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج علی محمد و أصحابه رجالا مصلتین السیوف و لم نترک وراءنا ثقلا یهمنا حتی یحکم اللّه بیننا و بین محمد فان نهلک نهلک و لم نترک وراءنا شیئا نخشی علیه و ان نغلب علیه لنتخذن النساء و الابناء الآخر قالوا کیف نقتل هؤلاء المساکین فما فی العیش بعدهم خیر قال فان أبیتم هذا فتعالوا فانّ هذه اللیلة لیلة السبت و انه عسی أن یکون محمد و أصحابه قد أمنوا فیها یحسبون ان الیهود لا تقاتل فی السبت فانزلوا علیهم فلعلنا نصیب من محمد و أصحابه غرّة قالوا کیف نفسد سبتنا و نحدث فیه ما لم یکن أحدث فیه من کان قبلنا الا من علمت فأصابهم من المسخ ما لم
یخف علیک* قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:495
کعب ما بات رجل منکم منذ ولدته أمّه لیلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن ابعث إلینا أبا لبابة عبد المنذر الاوسی أخا بنی عمرو بن عوف و کانوا حلفاء الاوس نستشیره فی أمرنا* و فی معالم التنزیل و کان أبو لبابة مناصحا لهم لانّ ماله و عیاله و ولده کانت فی بنی قریظة فأرسله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما رأوه قام إلیه الرجال و استقبلوه و نهض إلیه النساء و الصبیان یبکون فی وجهه من شدّة المحاصرة و تشتت أحوالهم فرق لهم فقالوا یا أبا لبابة أ تری أن ننزل علی حکم محمد قال نعم و أشار بیده الی حلقه انه الذبح* و فی معالم التنزیل قالوا یا أبا لبابة ما تری أ ننزل علی حکم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بیده الی حلقه انه الذبح فلا تفعلوه قال أبو لبابة فو اللّه ما زالت قدمای حتی عرفت انی خنت اللّه و رسوله*

ارتباط أبی لبابة الی عمود من عمد المسجد

و فی المواهب اللدنیة و مضی أبو لبابة الی المدینة فارتبط فی المسجد الی عمود من عمده و قال لا أبرح من مکانی هذا حتی یتوب اللّه علیّ مما صنعت و حلف أن لا یطأ بنی قریظة أبدا و لا أری فی بلد خنت اللّه و رسوله فیه أبدا و أقام مرتبطا بالجذع ست لیال تأتیه امرأته فی وقت کل صلاة فتحله للصلاة ثم یعود فتربطه بالجذع* و قال أبو عمرو یرفعه الی عبد اللّه ابن أبی بکر ان أبا لبابة ارتبط الی جذع موضع اسطوانة التوبة بسلسلة ثقیلة بضع عشرة لیلة حتی ذهب سمعه فما کاد یسمع و کاد یذهب بصره و کانت ابنته تحله اذا حضرت الصلاة و اذا أراد أن یذهب لحاجته ثم یأتی فتردّه الی الرباط و حلف لا یحل نفسه حتی یحله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی روایة قال لا أبرح من مکانی هذا و لا یطلقنی أحد فی غیر وقت الصلاة حتی یتوب اللّه علیّ مما صنعت و یقال ان هذه الحالة جرت له حین تخلف من تبوک کذا فی سیرة مغلطای* فلما سمع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال امّا لو جاءنی لاستغفرت له فأمّا اذا فعل ذلک فما أنا الذی أطلقه حتی یتوب اللّه علیه فبعد ما رجعوا عن بنی قریظة أنزل اللّه فی توبته فیما روی عن عبد اللّه بن أبی قتادة یأیها الذین آمنوا لا تخونوا اللّه و الرسول الآیة* و فی الاکتفاء الآیة التی نزلت فی توبة أبی لبابة و آخرون اعترفوا بذنوبهم الی آخرها فأنزلت توبته سحرا فی بیت أمّ سلمة قالت أمّ سلمة فسمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی السحر یضحک فقلت مم تضحک یا رسول اللّه أضحک اللّه سنک قال تیب علی أبی لبابة فقلت أ لا أبشره بذلک یا رسول اللّه قال بلی ان شئت فقامت علی باب حجرتها و ذلک قبل أن یضرب علیهنّ الحجاب کذا فی المنتقی فقالت یا أبا لبابة ابشر فقد تاب اللّه علیک فثار الناس إلیه لیطلقوه قال لا و اللّه حتی یکون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هو الذی یطلقنی بیده فمرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خارجا الی الصبح فحله فعاهد اللّه أن لا یطأ بنی قریظة أبدا و قال لا یرانی اللّه فی بلد خنت اللّه و رسوله فیه أبدا کذا فی المنتقی کما مرّ* و فی خلاصة الوفاء و قیل سبب ارتباطه بها تخلفه فی غزوة تبوک فلما جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جاءه فأعرض عنه فارتبط بساریة التوبة التی عند باب أمّ سلمة سبعا بین یوم و لیلة رواه البیهقی فی الدلائل عن سعید بن المسیب کذا فی سیرة مغلطای* و روی أیضا عن ابن عباس فی قوله تعالی و آخرون اعترفوا بذنوبهم قال کان عشرة رهط تخلفوا عن رسول اللّه فی غزوة تبوک فلما حضر رجوع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواری المسجد فقال النبیّ من هؤلاء قالوا هذا أبو لبابة و أصحاب له تخلفوا عنک الحدیث و فیه توبة اللّه علیهم و اطلاقهم و نقل ابن النجار ان الساریة التی ربط إلیها ثمامة بن أثال الخثعمی هی الساریة التی ارتبط إلیها أبو لبابة* و عن محمد بن کعب ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یصلی نوافله الی اسطوانة التوبة و لا بن ماجه عن ابن عمر انه صلّی اللّه علیه و سلم اذا اعتکف طرح له فراشه و وضع له سریر وراء اسطوانة التوبة مما یلی القبلة یستند إلیها* و نقل عیاض عن ابن المنذر أن مالک بن أنس کان له موضع فی المسجد قال و هو مکان عمر بن الخطاب و هو الذی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:496
کان یوضع فیه فراش النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا اعتکف* و فی خبر لابن زبالة ان اسطوانة التوبة بینها و بین القبر اسطوانة و ان ابن عمر کان یقول هی الثانیة من القبر قال ابن زبالة بینها و بین القبر الشریف عشرون ذراعا* قلت فهی الرابعة من المنبر و الثانیة من القبر و الثالثة من القبلة و الخامسة فی زماننا من رحبة المسجد و هی بین اسطوانة عائشة و بین الاسطوانة اللاصقة بشباک الحجرة و کان فیها محراب من الجص یمیزها من غیرها زال بعد الحریق الثانی انتهی* ثم ان ثعلبة بن شعبة و أسد بن شعیة و أسد بن عمیر و هم نفر من هذیل لیسوا من بنی قریظة و لا من بنی النضیر نسبهم فوق ذلک هم بنو عم القوم أسلموا تلک اللیلة التی نزلت بنو قریظة علی حکم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أحرزوا دماءهم و أموالهم و کان اسلامهم فیما زعموا عما کان ألقاه إلیهم من أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن الهیبان القادم إلیهم قبل الاسلام متوکفا لخروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و محققا لنبوّته فنفع اللّه هؤلاء الثلاثة بذلک و استنقذهم به من النار و خرج فی تلک اللیلة عمرو بن سعد القرظی فمرّ بحرس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علیهم محمد بن مسلمة فلما رأوه قالوا من هذا قال أنا عمرو بن سعد و کان عمرو قد أبی أن یدخل مع بنی قریظة فی غدرهم برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حین عرفه اللهمّ لا تحرمنی عثرات الکرام ثم خلی سبیله فخرج علی وجهه حتی بات فی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالمدینة تلک اللیلة ثم ذهب فلم یدر أین توجه من أرض اللّه الی الیوم فذکر شأنه لرسول اللّه فقال ذاک رجل نجاه اللّه بوفائه و بعض الناس یزعم انه کان أوثق برمّة فیمن أوثق من بنی قریظة حین نزلوا علی حکم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأصبحت رمّة ملقاة و لا یدری أین ذهب فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تلک المقالة و اللّه أعلم أی ذلک کان کذا فی الاکتفاء* و لما استشار بنو قریظة أبا لبابة و هو أشار الی القتل قالوا ننزل علی حکم سعد بن معاد فتواثب الاوس و قالوا یا رسول اللّه ان بنی قریظة موالینا دون الخزرج و قد أحسنت الی موالی الخزرج بالامس یعنی بنی قینقاع فأحسن الی موالینا و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل بنی النضیر حاصر بنی قینقاع و هم رهط عبد اللّه بن سلام الحبر و کانوا حلفاء الخزرج فنزلوا علی حکم رسول اللّه فأراد صلّی اللّه علیه و سلم قتلهم فشفع فیهم عبد اللّه بن أبی بن سلول و بالغ فی السؤال و ألح حتی وهبهم له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کما مرّ فلما تکلم الاوس فی بنی قریظة قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ لا ترضون یا معشر الاوس أن یحکم فیهم رجل منکم قالوا بلی قال فذلک سعد بن معاذ فأخرجت بنو قریظة من الحصن و جمعت أمتعتهم و أقمشتهم و أسلحتهم قیل کان السیف ألفا و خمسمائة و الدرع ثلاثمائة و الرمح ألفا و الترس خمسمائة و الاثاث و الامتعة و النواضح و المواشی کثیرة فجلس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی موضع و بعث الی المدینة من یأتی بسعد بن معاذ و کان أصابه سهم بالخندق فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قوم سعد أن یجعلوه فی خیمة امرأة من المسلمین یقال لها رفیدة فی مسجده و کانت تداوی الجرحی تحتسب بنفسها علی خدمة من کانت به ضیعة من المسلمین و قال صلّی اللّه علیه و سلم اجعلوه فی خیمة رفیدة حتی أعوده من قریب فلما حکمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بنی قریظة أتاه قومه فاحتملوه علی حمار علیه اکاف من لیف قد أوطئوا له بوسادة من أدم و کان رجلا جسیما ثم أقبلوا معه الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هم یقولون یا أبا عمرو أحسن فی موالیک فان رسول اللّه ما ولاک ذاک الا لتحسن فیهم فلما أکثروا علیه قال انی سعد أی لا تأخذه فی اللّه لومة لائم* و فی الصفوة و سعد لا یرجع إلیهم شیئا حتی اذا دنا من دورهم التفت إلیهم و قال قد آن لی أن
لا أبالی فی اللّه لومة لائم* و فی الوفاء لقد آن لسعد أن لا تأخذه فی اللّه لومة لائم و لما سمعوا کلامه علموا انه سیحکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:497
بالقتل فرجع بعض من کان معه من قومه الی دار بنی عبد الاشهل فنعی لهم رجال بنی قریظة قبل أن یصل إلیهم سعد من کلمته التی سمع منه* و لما انتهی سعد الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمین قال قوموا الی سیدکم فأمّا المهاجرون من قریش فیقولون انما أراد الانصار و أمّا الانصار فیقولون قد عم بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المسلمین فقالوا إلیه فقالوا یا أبا عمرو ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد و لاک أمر موالیک لتحکم فیهم فقال سعد علیکم بذلک عهد اللّه و میثاقه ان الحکم فیهم ما حکمت قالوا نعم قال و علی من هاهنا فی الناحیة التی فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو معرض عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اجلالا له فقال رسول اللّه نعم قال سعد فانی حکمت فیهم أن تقتل الرجال و تقسم الاموال و تسبی الذراری و النساء فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لسعد لقد حکمت فیهم بحکم اللّه من فوق سبعة أرقعة* الرقیع السماء سمیت بذلک لانها رقعت بالنجوم* و وقع فی البخاری قال قضیت فیهم بحکم و ربما قال بحکم الملک بکسر اللام* و فی روایة ابن صالح لقد حکمت الیوم فیهم بحکم اللّه الذی حکم به من فوق سبع سماوات* و فی حدیث جابر عند ابن عائذ فقال احکم فیهم یا سعد فقال اللّه و الرسول أحق بالحکم قال قد أمرک اللّه أن تحکم فیهم* و فی هذه القصة جواز الاجتهاد فی زمنه صلّی اللّه علیه و سلم و هی مسئلة اختلف فیها أهل أصول الفقه و المختار الجواز سواء کان فی حضرته صلّی اللّه علیه و سلم أم لا و انصرف صلّی اللّه علیه و سلم یوم الخمیس لسبع لیال کما قاله الدمیاطی أو لخمس کما قاله مغلطای خلون من ذی الحجة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة و کان مما حکم به سعد أن تکون دیارهم للمهاجرین فلامه الانصار علی ذلک قال أردت أن یکونوا مستغنین عن دیارکم ثم أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی ذهبوا برجال بنی قریظة الی المدینة مقرنین فی الاصفاد حتی یری ضعفاء الاسلام قوّة الدین و عزة ملة سید المرسلین فحبسوهم فی دارین بعضهم فی دار قلابة بنت الحارث امرأة من بنی النجار و بعضهم فی دار أسامة بن زید ثم خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی سوق المدینة التی هی سوقها الیوم فأمر فخندق فیها خنادق ثم بعث إلیهم و جی‌ء بهم أرسالا فضربت أعناقهم بحیث تهراق دماؤهم فی تلک الخنادق و فیهم عدوّ اللّه حیی بن أخطب و کعب بن أسد رأس القوم و هم ستمائة قاله ابن اسحاق و سبعمائة عند ابن عائذ* و قال السهیلی المکثر یقول کانوا ما بین ثمانمائة الی سبعمائة* و فی حدیث جابر عند الترمذی و النسائی و ابن حبان انهم کانوا أربعمائة مقاتل و قالوا لکعب بن أسدوهم یذهب بهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أرسالا یا کعب ما تراه یصنع بنا قال أ فی کل موطن لا تعقلون أ لا ترون ان الداعی لا ینزع و ان من ذهب به منکم لا یرجع هو و اللّه القتل فلم یزل کذلک الدأب حتی فرغ منهم رسول اللّه و أتی بحیی بن أخطب و علیه حلة تفاحیة و قد شققها علیه من کل جانب قطعة قطعة کموضع الانملة لئلا تسلب مجموعة یداه الی عنقه بحبل فلما نظر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أما و اللّه ما قصرت فی عداوتک* و فی الاکتفاء أما و اللّه ما لمت نفسی فی عداوتک و لکن من یخذل اللّه یخذل ثم أقبل علی الناس فقال یا أیها الناس انه لا بأس بأمر اللّه و تقدیره کتاب اللّه و قدره ملحمة کتبت علی بنی اسرائیل ثم جلس فضرب عنقه* و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت لم یقتل من نساء بنی قریظة الا امرأة واحدة و انها کانت عندی تتحدّث معی و تضحک ظهرا و بطنا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقتل رجالهم فی السوق اذ هتف هاتف باسمها این فلانة قالت أنا و اللّه قلت لها ویلک مالک قالت أقتل قلت و لم و لا تقتل امرأة قالت لحدث أحدثته انی کنت زوجة رجل من بنی قریظة و کان بینی و بین زوجی کأشد ما یتحاب الزوجان فلما اشتدّ أمر المحاصرة قلت لزوجی یا حسرتی علی أیام الوصال کادت أن تنقضی
و تتبدل بلیالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:498
الفراق و ما أصنع بالحیاة بعدک قال زوجی و اللّه لقد غلب علینا محمد سیقتل الرجال و یسبی النساء و الذراری فان کنت صادقة فی دعوی المحبة فتعالی فان جماعة من المسلمین جالسون فی ظل حصن الزبیر بن باطا فألقی علیهم حجر الرحا لعله یصیب واحدا منهم فیقتله فان ظفروا بنا یقتلونک بذلک ففعلت کذلک فهربت تلک الجماعة و أصاب الحجر خلاد بن سوید فقتل فالآن یطلبوننی للقصاص فکانت عائشة تقول ما أنسی عجبا منها طیب نفس و کثرة ضحک و قد عرفت أنها تقتل* قال الواقدی و کان اسم تلک المرأة نباتة امرأة الحکم القرظی و کانت قتلت خلاد بن سوید رمت علیه رحا فدعا بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فضرب عنقها بخلاد بن سوید* و فی الوفاء و استشهد یوم بنی قریظة من المسلمین خلاد بن سوید من بنی الحارث بن الخزرج کما مرّ و مات فی الحصار أبو سنان بن محصن الاسدی أخو عکاشة بن محصن فدفنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی مقبرة بنی قریظة التی یدفن فیها المسلمون لما سکنوها الیوم و إلیه دفنوا أمواتهم فی الاسلام کذا قاله ابن اسحاق و لم یصب من المسلمین غیر هذین* و روی محمد بن اسحاق عن الزهری ان الزبیر بن باطا القرظی و کان یکنی بأبی عبد الرحمن کان قد منّ علی ثابت بن قیس بن شماس فی الجاهلیة یوم بعاث فأخذه فجر ناصیته ثم خلی سبیله فجاءه ثابت لما قتل بنو قریظة و هو شیخ کبیر فقال یا أبا عبد الرحمن هل تعرفنی قال و هل یجهل مثلی مثلک قال انی أرید أن أجزیک بیدک عندی قال ان الکریم یجزی الکریم قال ثم أتی ثابت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاستوهبه فقال یا رسول اللّه قد کان للزبیر عندی ید و له علیّ منة و قد أحببت أن أجزیه بها فهب لی دمه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هو لک فأتاه فقال له ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد وهب لی دمک قال شیخ کبیر لا أهل له و لا ولد فما یصنع بالحیاة فأتی ثابت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال امرأته و ولده یا رسول اللّه قال هما لک فأتاه فقال انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وهب لی امرأتک و ولدک قال أهل بیت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم علی ذلک فأتی ثابت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ماله یا رسول اللّه قال هو لک فأتاه فقال ان رسول اللّه أعطانی مالک فقال أی ثابت ما فعل الذی کان وجهه مرآة مضیئة تتراءی فیها عذاری الحی کعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سید الحاضر و البادی حیی بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدّمتنا اذا شددنا و حامیتنا اذا فررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلیان یعنی کعب بن قریظة و بنی عمرو بن قریظة قال ذهبوا و قتلوا و کان یقول ما فعل فلان و فلان یذکر صنادید قومه و یصفهم و یقول ثابت قتلوا قال فانی أسألک بیدی عندک یا ثابت الا الحقتنی بالقوم فو اللّه ما فی العیش بعد هؤلاء من خیر فما أنا بصابر قلبة دلو ناضح حتی ألقی الاحبة فقدّمه ثابت فضرب عنقه* فلما بلغ أبا بکر الصدّیق قوله ألقی الاحبة قال یلقاهم و اللّه فی نار جهنم خالدا مخلدا فیها أبدا* قال و کان علیّ و الزبیر یضربان أعناق بنی قریظة و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس هناک و قد کان علیه السلام أمر بقتل من نبت شعر عانته منهم* و فی الاکتفاء أمر بقتل کل من أنبت منهم* قال عطیة القرظی و کنت غلاما فوجدونی لم أنبت فخلوا سبیلی و کان رفاعة بن سموأل القرظی رجلا قد بلغ فلاذ بسلمی بنت قیس أم المنذر أخت سلیط بن قیس و کانت احدی خالات رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد صلت الی القبلتین معه و بایعت بیعة النساء فقالت یا رسول اللّه بأبی أنت و أمی هب لی رفاعة فانه زعم انه سیصلی و یأکل لحم الجمل فوهبه لها فاستحیته* و لما فرغ من قتل بنی قریظة قسم نساءهم و أبناءهم علی المسلمین و أعلم فی ذلک الیوم سهمان الخیل و سهمان الرجال و أخرج منها الخمس فکان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان و لفارسه سهم و للرجال من لیس له فرس سهم و کانت الخیل یوم بنی قریظة ستة و ثلاثین فرسا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:499
و کان أموال بنی قریظة أوّل ما وقع فیها السهمان و أخرج منه الخمس فعلی سنتهما و ما مضی من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیها وقعت المقاسم و مضت السنة فی المغازی و اصطفی لنفسه من نسائهم ریحانة بنت عمرو القرظی و کانت عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی توفی عنها و هی فی ملکه و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کثیرا ما یرید أن یتزوّجها و یضرب علیها الحجاب فقالت یا رسول اللّه بل تترکنی فی ملکک فهو أخف علیّ و علیک فترکها و قد کانت حین سباها کرهت الاسلام و أبت الا الیهودیة فاجتنب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنها و وجد فی نفسه من أمرها کدورة فبینا هو مع أصحابه اذ سمع وقع نعلین خلفه فقال ان هذا ثعلبة بن شعبة یبشرنی باسلام ریحانة فجاء فقال یا رسول اللّه قد أسلمت ریحانة ثم بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن زید الانصاری أخا بنی عبد الاشهل بسبایا بنی قریظة الی نجد فاشتری له بها خیلا و سلاحا و فی روایة باع بعض بنی قریظة من عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف*

وفاة سعد بن معاذ رضی اللّه عنه‌

و لما انقضی شأن بنی قریظة انفجر جرح سعد بن معاذ و ذلک دعاء سعد بعد أن حکم فی بنی قریظة ما حکم فقال اللهم انک قد علمت انه لم یکن قوم أحب الیّ أن أجاهدهم من قوم کذبوا رسولک اللهم ان کنت أبقیت من حرب قریش علی رسولک شیئا فأبقنی لها و ان کنت قطعت الحرب بینه و بینهم فاقبضنی إلیک فانفجر کلمه فرجعه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی خیمته التی ضربت علیه فی المسجد کذا فی المنتقی* و فی البخاری انه دعا فقال اللهم انک تعلم انه لیس أحد أحب الیّ أن أجاهدهم فیک من قوم کذبوا رسولک اللهم انی أظنّ انک قد وضعت الحرب فافجرها و اجعل موتی فیها فانفجرت من لیلته و کان ضرب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم له خیمة فی المسجد لیعوده من قریب و فی المسجد خیمة من بنی غفار فلم یرعهم الا الدم یسیل علیهم فقالوا یا أهل الخیمة ما هذا الذی یأتینا من قبلکم فاذا سعد یعد و جرحه دم فمات منها شهیدا و قد بین سبب انفجار جرح سعد فی مرسل حمید بن هلال عند ابن سعد و لفظه انه مرّت به عنزة و هو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الفجر فانفجرت حتی مات کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء ذکروا ان جبریل اتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین قبض سعد من جوف اللیل معتجرا بعمامة من استبرق فقال یا محمد من هذا المیت الذی فتحت له أبواب السماء و اهتز له العرش فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سریعا یجرّ ثوبه الی سعد بن معاذ فوجده قد مات و فی الصحیحین اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ و کان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقین و اللّه ان کان لبادنا و ما حملنا من جنازة أخف منه فبلغ ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ان له حملة غیرکم و الذی نفس محمد بیده لقد استبشرت الملائکة بروح سعد و اهتز له العرش و لسعد یقول رجل من الانصار
و ما اهتز عرش اللّه من موت هالک‌سمعنا به الا لسعد أبی عمرو و فی روایة لما مات سعد بن معاذ و کان رجلا جسیما جزلا جعل المنافقون و هم یمشون خلف سریره یقولون ما رأینا کالیوم رجلا أخف منه قال أ تدرون لم ذاک لحکمه فی بنی قریظة فذکروا ذلک للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال و الذی نفسی بیده لقد کانت الملائکة تحمل سریره و حضر جنازته سبعون ألف ملک و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت فحضره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و عمر رضی اللّه عنهم و الذی نفس محمد بیده لا عرف بکاء عمر من بکاء أبی بکر و انی لفی حجرتی و کانوا کما قال اللّه تعالی رحماء بینهم* و فی روایة سأل الراوی کیف کان یصنع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت کانت عینه لا تدمع لکنّه کان اذا وحد فانما یأخذ بلحیته و أخرج ابن سعد عن أبی سعید الخدری قال کنت فیمن حفر قبره فکان یفوح علینا المسک کلما حفرنا و أخرج ابن سعد و أبو نعیم من طریق محمد بن المنکدر عن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:500
محمد بن شرحبیل بن حسنة قال قبض انسان یومئذ بیده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر إلیها بعد ذلک فاذا هی مسک فلما وضعوه فی قبره قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه سبحان اللّه حتی عرف ذلک فی وجهه فقال الحمد للّه لو کان أحد ناجیا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضمه ضمة ثم فرّج اللّه عنه کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء قال جابر بن عبد اللّه لما دفن سعد و نحن مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسبح الناس معه و کبر فکبر الناس معه فقالوا یا رسول اللّه لم سبحت قال لقد تضایق علی هذا الرجل الصالح قبره حتی فرجه اللّه عنه و یروی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ان للقبر ضمة لو کان أحد منها ناجیا لکان سعد بن معاذ* و فی الصفوة سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القیس بن زید بن عبد الاشهل یکنی أبا عمرو و أمّه کبشة بنت رافع من المبایعات أسلم سعد علی ید مصعب بن عمیر فأسلم باسلامه بنو عبد الاشهل و هی أوّل دار أسلمت من الانصار و شهد بدرا و أحدا و ثبت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ و رمی یوم الخندق ثم انفجر کلمه بعد ذلک فمات شهیدا فی شوّال سنة خمس من الهجرة و هو ابن سبع و ثلاثین سنة و صلّی علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دفن بالبقیع* و عن البراء قال أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بثوب حریر فجعلوا یتعجبون من حسنه و لینه فقال صلّی اللّه علیه و سلم لمنادیل سعد بن معاذ فی الجنة أفضل أو خیر من هذا أخرجاه فی الصحیحین و قالت أمّ سعد حین احتمل نعشه و هی تبکیه
* ویل أم سعد سعدا* صرامة وحدا* و سوددا و مجدا* و فارسا معدّا* سدّ به مسدّا*
قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کل نائحة تکذب إلا نائحة سعد بن معاذ*

قصة احیاء أولاد جابر

و فی هذه السنة أو فی غیرها وقعت قصة أولاد جابر بن عبد اللّه الانصاری* فی شواهد النبوّة عن جابر بن عبد اللّه انه دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذات یوم الی القری فأجابه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففرح جابر فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فجلس و کان لجابر داجن فذبحه لیشویه و کان له ابنان فقال کبیرهما للصغیر هلم أورک کیف ذبح أبی الحمل فأضجع الصغیر و ربط یدیه و رجلیه فذبحه و حز رأسه و جاء به الی أمه فلما رأته أمه دهشت و بکت فخاف الصبی و هرب علی السطح فتبعته أمه فزاد خوفه فرمی نفسه من السطح فهلک فسکتت المرأة و أدخلت ابنیها البیت و غطتهما بمسح فی ناحیة من البیت و اشتغلت بطبخ الحمل و کانت تخفی الحزن و تظهر السرور و لم یعلم جابر ما وقع فلما تمّ الطبخ و قرب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتی جبریل و قال یا محمد ان اللّه یأمرک أن تأکل مع أولاد جابر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذلک لجابر فطلب جابر ابنیه فقالت امرأته انهما لیسا بحاضرین فأخبر جابر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ان اللّه یأمرک باحضارهما فرجع جابر الی امرأته و أخبرها بذلک فعند ذلک بکت المرأة و کشفت الغطاء عنهما فلما رآهما جابر تحیر و بکی و أخبر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنزل جبریل و قال یا محمد ان اللّه یأمرک أن تدعو لهما و یقول منک الدعاء و منا الاجابة و الاحیاء فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فحییا باذن اللّه تعالی کذا فی شواهد النبوّة لکنها لم تشتهر اشتهارا* و فی المواهب اللدنیة أخرج أبو نعیم ان جابرا ذبح شاة و طبخها و ثرد فی جفنة و أتی به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأکل القوم و کان صلّی اللّه علیه و سلم یقول لهم کلوا و لا تکسروا عظما ثم انه علیه السلام جمع العظام و وضع یده علیها ثم تکلم بکلمات فاذا الشاة قد قامت تنفض أذنیها*

تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت جحش‌

و فی ذی القعدة من هذه السنة علی ما فی المنتقی تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم زینب بنت جحش بن ذئاب بن یعمر بن صبرة بن مرّة بن کثیر بن غنم بن ذوزان بن أسد بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مضر* و فی تاریخ الیافعی أورد تزوّجه زینب بنت جحش فی السنة الثالثة من الهجرة* و فی أسد الغابة لابن الاثیر فی سنة خمس نزلت آیة الحجاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:501
فی ذی القعدة و آیة الحجاب نزلت فی قصة تزویج زینب فیکون تزویجها فی ذی القعدة* روی الدّارقطنی ان زینب جحش کان اسمها برة بالفتح و کان اسم أبیها برة بالضم فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لو کان أبوک مؤمنا لسمیته باسم رجل منا و لکنی قد سمیته جحشا کذا فی حیاة الحیوان و أمّها أمیمة بنت عبد المطلب و کانت زینب ممن هاجر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت امرأة جمیلة بیضاء فیها حدة فخطبها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید بن حارثة و کان عبد الخدیجة اشتراه لها حکیم بن حزام بن أخی خدیجة بسوق عکاظ فی الجاهلیة بأربعمائة دینار فلما تزوّجها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وهبته له فقبضه إلیه فأعتقه و تبناه و کان یقال له زید بن محمد و ستجی‌ء قصته فی سریة مؤتة من الموطن الثامن فلما خطب زینب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید ظنت انه یخطبها لنفسه فرضیت و لما علمت انه یخطبها لزید أبت هی و أخوها عبد اللّه بن جحش و قالت أنا ابنة عمتک یا رسول اللّه أرادت انها ابنة أمیمة بنت عبد المطلب فلا أرضاه لنفسی قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی قد رضیته لک فأنزل اللّه عز و جل و ما کان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضی اللّه و رسوله أمرا أن تکون لهم الخیرة من أمرهم و قیل نزلت فی أم کلثوم بنت عتبة وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی أنوار التنزیل فلما نزلت الآیة رضیت زینب و أخوها عبد اللّه بذلک و جعلت أمرها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأنکحها صلّی اللّه علیه و سلم زیدا و دخل بها و ساق لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عشرة دنانیر و ستین درهما و خمارا و درعا و ازارا و ملحفة و خمسین مدّا من طعام و ثلاثین صاعا من تمر و مکثت عند زید ما شاء اللّه ثم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتی بیت زید یطلبه فلم یجده و أبصر زینب قائمة فی درع و خمار و کانت بیضاء جمیلة ذات خلق من أتم نساء قریش فوقعت فی نفسه فأعجبه حسنها فقال سبحان اللّه مقلب القلوب و انصرف و سمعت زینب بالتسبیحة فلما جاء زید ذکرتها لزید ففطن زید فألقی فی نفسه کراهیتها و الرغبة عنها فی الوقت* و فی روایة فی وقت رآها فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال انی أرید أن أفارق صاحبتی فقال مالک أرابک منها شی‌ء قال لا و اللّه یا رسول اللّه ما رأیت منها إلّا خیرا و لکنها تتعاظم علیّ لشرفها و تؤذینی بلسانها فقال له صلّی اللّه علیه و سلم أمسک علیک زوجک و اتق اللّه فی أمرها ثم طلقها زید و عن زینب قالت لما وقعت فی قلب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یستطعنی زید و ما امتنعت منه غیر ما یمنعه اللّه منی فلا یقدر علیّ* و عن أنس لما انقضت عدّة زینب قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید ما أجد احدا أوثق فی نفسی منک اذهب فاذکرنی لها* و فی روایة اخطب علیّ زینب قال زید فلما قال ذلک عظمت فی نفسی فذهبت إلیها فجعلت ظهری الی الباب فقلت یا زینب ابشری فان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخطبک* و فی روایة بعثنی یذکرک ففرحت بذلک و قالت ما أنا بصانعة شیئا* و فی روایة ما کنت لاحدث شیئا حتی أؤامر ربی عز و جل فقامت الی مسجد لها فصلت رکعتین و ناجت ربها فقالت اللهم ان رسولک یخطبنی فان کنت أهلا له فزوّجنی منه فنزل القرآن و هو فلما قضی زید منها وطرا زوّجناکها فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بغیر اذن* و فی روایة فانطلق زید حتی أتاها و هی تخمر عجینها قال فلما رأیتها عظمت فی صدری حتی لا استطیع أن أنظر إلیها فقلت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذکرها فولیتها ظهری و نکصت علی عقبی فقلت یا زینب أرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یذکرک* و فی روایة لما انقضت عدّتها قال له یا زید ائت زینب فاخبرها ان اللّه سبحانه قد زوّجنیها فانطلق زید و استفتح الباب فقالت من هذا قال زید قالت و ما حاجة زید الیّ و قد طلقنی فقال أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و
سلم فقالت مرحبا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ففتحت له فدخل علیها و هی تبکی فقال زید لا أبکی اللّه عینک قد کنت نعمت المرأة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:502
ان کنت لتبرین قسمی و تطیعین أمری و تتبعین دعوتی فقد أبد لک اللّه خیرا منی قالت من هو قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخرّت ساجدة* و فی روایة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان جالسا یتحدّث مع عائشة أخذته غشیة فسری عنه و هو یتبسم و یقول من یذهب الی زینب و یبشرها ان اللّه قد زوّجنیها من السماء و تلا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اذ تقول للذی أنعم اللّه علیه و أنعمت علیه أمسک علیک زوجک القصة کلها قالت عائشة رضی اللّه عنها فأخذنی ما قرب و ما بعد لما یبلغنی من جمالها و أخری هی أعظم الامور و أشرفها ما صنع لها زوّجها اللّه من السماء و قلت هی تفتخر علینا بهذا فخرجت سلمی خادمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تشتد فتحدّثها بذلک فاعطتها أوضاحا علیها کذا فی المنتقی قال و کانت زینب تفتخر علی أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تقول زوّجکنّ أهالیکنّ و زوّجنی اللّه عز و جل من فوق سبع سماوات* و فی روایة قالت ان اللّه عز و جل انکحنی من السماء کذا فی الصفوة* و فی أنوار التنزیل ان اللّه تعالی تولی انکاحی و أنتن زوّجکنّ أولیاؤکنّ و ما أو لم علی امرأة من نسائه أکثر و أفضل مما أو لم علی زینب أو لم علیها بتمر و سویق و شاة ذبحها و أطعم الناس الخبز و اللحم فأمر لنا أن ندعو الناس فترادفوا أفواجا یأکل فوج فیخرج ثم یدخل فوج حتی امتد النهار أطعمهم خبزا و لحما حتی ترکوه فخرج الناس و بقی رجال جلوسا فی البیت یتحدّثون بعد الطعام فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلبث هنیهة ثم رجع و القوم جلوس فشق ذلک علیه و عرف فی وجهه ذلک فنزلت آیة الحجاب فی قصة زینب* فی الصحیحین من حدیث أنس و کذا فی المنتقی و الوفاء قال أنس لما خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اتبعته فجعل یتبع حجر نسائه یسلم علیهنّ و یقلن یا رسول اللّه کیف وجدت أهلک قال أنس فما أدری أنا أخبرته ان القوم قد خرجوا أو أخبرنی قال فانطلق حتی دخل البیت فذهبت أدخل معه فألقی الستر بینی و بینه و نزل الحجاب فمکثت زینب عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ست سنین و المشهور انها ماتت فی سنة عشرین من الهجرة بعد ما مضی من عمرها ثلاث و خمسون سنة و قیل ماتت سنة احدی و عشرین و هی أوّل من مات من أزواجه صلّی اللّه علیه و سلم بعده فلما أخبرت عائشة بموتها قالت ذهبت حمیدة مفیدة فقیدة مفزع الیتامی و الارامل و لما توفیت أمر عمر بن الخطاب بالنداء یا أهل المدینة احضروا جنازة أمکم و صلّی علیها عمر و دفنت بالبقیع و دخل قبرها اسامة بن زید و محمد بن عبد اللّه بن جحش و محمد بن طلحة بن عبید اللّه بن أختها مرویاتها فی الکتب المتداولة أحد عشر حدیثا المتفق علیه منها حدیثان و التسعة الباقیة فی سائر الکتب*

وقوع الزلزلة بالمدینة

و فی هذه السنة زلزلت المدینة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان اللّه عز و جل یستعتبکم فأعتبوه کذا فی أسد الغابة*

سقوطه صلّی اللّه علیه و سلم عن فرسه‌

و فی ربیع الاوّل أو فی ذی الحجة من هذه السنة سقط صلّی اللّه علیه و سلم عن فرسه فجحشت ساقه و جرحت فخذه الیمنی و لما رجع الی المدینة أقام فی البیت خمسا یصلی قاعدا* و فی روایة و الاصحاب یقتدون به قیاما فأمرهم بالجلوس و قال انما جعل الامام اماما لیؤتمّ به فاذا رکع فارکعوا و اذا سجد فاسجدوا و اذا جلس فاجلسوا لکن عند أکثر العلماء هذا الحدیث منسوخ لانه صح أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلّی فی مرض موته جالسا و الاصحاب اقتدوا به قیاما و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قرّره*

مسابقة الخیل‌

و فی هذه السنة أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالسبق بین ما ضمر من الخیل و بین ما لم یضمر* عن عبد اللّه بن عمر أجری النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما ضمر من الخیل فأرسلها من الحفیا بفتح الحاء المهملة و سکون الفاء یمدّ و یقصر و کان أمدها ثنیة الوداع و هو خمسة أمیال أو ستة أو سبعة و أجری ما لم یضمر فأرسلها من ثنیة الوداع و کان أمدها مسجد بنی زریق و هو میل أو نحوه و کان ابن عمر ممن سابق فیها قال فوثب بی فرسی جدارا و عن أنس کان للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم ناقة تسمی العضباء لا تسبق أو لا تکاد تسبق فجاء اعرابی علی قعود فسبقها فشق ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:503
علی المسلمین حتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال حق علی اللّه أن لا یرتفع شی‌ء من الدنیا الا وضعه رواه البخاری*

نزول فرض الحج‌

و فی هذه السنة فرض الحج علی القول الصحیح أی نزلت فریضة الحج فیها لکن أخره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی السنة العاشرة من غیر مانع فانه خرج فی السنة السابعة فی ذی القعدة لقضاء العمرة و لم یحج و فتح مکة فی رمضان السنة الثامنة و لم یحج و بعث أبا بکر أمیرا علی الحاج فی السنة التاسعة و حج صلّی اللّه علیه و سلم فی السنة العاشرة* و فی الوفاء قد اختلف فی وقت فرض الحج فقیل قبل الهجرة و هو غریب و المشهور بعدها و قیل سنة خمس و جزم به الرافعی فی موضع و کذا فی المنتقی قال فی سنة خمس و قیل فی ست و صححه الرافعی فی موضع آخر و کذا النووی و هو قول الجمهور و قیل فی سبع و قیل فی ثمان و کذا فی مناسک الکرمانی أیضا و رجحه جماعة من العلماء و قیل فی تسع و صححه عیاض*

النهی عن ادخار لحوم الاضاحی‌

و فی هذه السنة دفت دافة العرب أی اجتمعت جموعها فنهی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عن ادّخار لحوم الاضاحی فوق ثلاث کذا فی الوفاء ثم رخص لهم فی الادّخار ما بدا لهم و اللّه أعلم تم الی هنا انتهی الجزء الاوّل من تاریخ الخمیس و یلیه الجزء الثانی و أوّله (الموطن السادس) یسر اللّه حسن اتمامه بفضله و انعامه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:504

* (فهرست الجزء الاوّل من تاریخ الخمیس)

* صحیفه 3 ذکر ترتیب الکتاب علی مقدّمة و ثلاثة أرکان و خاتمة
6 الطلیعة الاولی فی تعریف النبیّ و الرسول
8 مطلب نفیس فی نغمات داود
8 دقیقة فی الاب و الام و الابن
10 ذکر ترتیب ما نزل بمکة من القرآن
10 ذکر ترتیب ما نزل بالمدینة
11 ذکر ما اختلفوا فیه
11 ذکر ما نزل مرّتین
14 ذکر الناسخ و المنسوخ
14 أوّل من تتبع القرآن و جمعه
15 ذکر اللغات التی نزل بها کلام اللّه
15 مطلب أولی العزم
16 الفرق بین البشر و الملک
16 مطلب نفیس فی قولهم انّ الولایة أفضل من النبوّة
16 الفرق بین النبیّ و الولی و الساحر
17 مطلب أول المخلوقات
18 مطلب اللوح و القلم
21 حدیث صور الأنبیاء
24 ذکر دلائل نبوّة النبیّ علیه الصلاة و السلام
28 ذکر خبر أبی عامر الراهب
30 الطلیعة الثانیة من المقدّمة
31 ذکر خلق السماء و الارض
31 ذکر خلق الملائکة و الجان
34 ذکر مدّة الدنیا و ذکر مدّة هذه الامّة
35 دقیقة فی اختصاص عدد السبعة بأن تکون مدّة الدنیا
36 ذکر ابتداء خلق آدم
38 غریبة من الفتوحات
38 ذکر الروح
صحیفه 39 ذکر عیسی و مریم و یحیی
42 نفیسة
44 قصة اباء ابلیس
45 ذکر أخذ المیثاق
46 خلق حوّاء
47 خطبة نکاح آدم التی خطبها اللّه عز و جل
48 صفة شجرة الحنطة
49 صفة الحیة
49 اکل آدم من الشجرة
51 معاقبة ابلیس
52 الخصال التی ابتلیت بها حوّاء
52 خروج آدم من الجنة
55 اتخاذ آدم الدیک لمعرفة الاوقات
56 ذکر کیفیة انتقاله صلّی اللّه علیه و سلم من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة
57 صفة الشعری
59 أولاد آدم الصلبیة
59 قتل قابیل هابیل
62 قصة عنق و ابنها عوج
65 ذکر ملوک الفرس و مشاهیر الأنبیاء و الحکماء
65 ذکر هو شنج
65 ذکر طهمورث
65 ذکر ادریس علیه السلام
67 ذکر ملک جمشید
67 ذکر متوشلخ
68 ذکر نوح علیه السلام
68 صفة سفینة نوح
74 ذکر الضحاک
75 ذکر افریدون
76 ذکر ارم
78 ذکر لقمان
78 مولد ابراهیم علیه السلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:505
صحیفه 82 القاء ابراهیم فی النار
82 فائدة فی قتل الوزغ
83 ذکر صرح نمرود
85 ذکر سارة
86 ذکر هاجر
87 ذکر الشام و الارض المقدّسة
88 ذکر أوّلیة البیت الحرام و من بناه من الملائکة و الأنبیاء و سائر الامم
95 ذکر الاختلاف فی الذبیح
96 قصة الذبح
97 تزوّج اسماعیل و زیارة أبیه ابراهیم له
98 بناء الکعبة
100 ذکر ذی القرنین الاکبر
101 ذکر ذی القرنین الاصغر
103 سدّ الاسکندر
103 ذکر یأجوج و مأجوج
104 خروج الدجال
106 آثار الاسکندر
106 ذکر الخضر علیه السلام
107 بقیة اخبار ابراهیم علیه السلام
112 ذکر دابة الارض
114 أشراط الساعة
114 بقیة أخبار بناء الکعبة
117 عدّة بناء الکعبة
118 نقل الحجر الاسود
119 أوّل من کسا الکعبة
119 ذرع الکعبة
122 مقامات الائمة و مصلاهم
123 عدد أبواب المسجد الحرام
124 عدد أساطین المسجد الحرام
124 عدد منائر المسجد الحرام
124 فضیلة مکة
126 رجع الی ذکر أحوال ابراهیم
127 أوّل من شاب ابراهیم
صحیفه 127 ذکر وفاة ابراهیم علیه السلام
128 صورة ما کتبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لتمیم الداری
129 اختتان ابراهیم علیه السلام
130 ذکر أولاد ابراهیم علیه السلام
131 نبذة من قصة یعقوب و یوسف علیهما السلام
133 عجائب فرعون
141 دیک یوسف
141 نقل صندوق یوسف
143 ذکر منوجهر سبط ایرج
144 ذکر بخت نصر
145 ذکر الاسکندر
145 بقیة قصة اسماعیل علیه السلام
148 قصة الافعی الجرهمی
153 نفیسة فی تسمیة العرب أولادها بشر الاسماء
159 أعمامه صلّی اللّه علیه و سلم
163 ذکر أبی طالب و أولاده
164 ذکر الزبیر و أولاده
164 ذکر حمزة بن عبد المطلب
165 ذکر العباس بن عبد المطلب و اسلامه
166 ذکر الفضل بن عباس
167 ذکر عبد اللّه بن عباس
167 ذکر عبید اللّه بن عباس
168 ذکر قثم بن العباس
168 ذکر عبد الرحمن و کثیر و تمام أولاد العباس
169 ذکر الاناث من ولد العباس
169 ذکر أبی لهب
170 ذکر الاناث من أولاد عبد المطلب
172 ذکر الزبیر بن العوّام
172 ذکر مقتل الزبیر
173 ذکر قتل شعیاء و تخریب بخت نصر بیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:506
صحیفه المقدس
177 سبب قتل یحیی علیه السلام
178 نقش خاتم دانیال
178 ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب
181 سرقة الغزالین من الکعبة
181 ذکر بشار مکة
182 الطلیعة الثالثة
182 ذکر ولادة عبد اللّه
182 نذر عبد المطلب ذبح عبد اللّه
183 تزوّج عبد اللّه بآمنة
184 قصة الخثعمیة
185 حمل آمنة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
188 قصة أصحاب الفیل
192 مسیر سیف بن ذی یزن الی قیصر و کسری
193 سبب تملک الحبشة الیمن
194 نادرة
195 الرکن الاوّل فی الحوادث من عام ولادته الی زمان نبوّته صلّی اللّه علیه و سلم
195 ذکر تاریخ ولادته
197 ذکر یوم ولادته
197 ذکر طالع ولادته
198 مکان ولادته
198 بیان التواریخ
199 ذکر خالد بن سنان
200 ذکر حنظلة بن صفوان
200 ذکر ما وقع لیلة میلاده صلّی اللّه علیه و سلم
202 ذکر بعض ما وقع حین الولادة
204 ذکر ختانه صلّی اللّه علیه و سلم
206 أسماؤه صلّی اللّه علیه و سلم
207 ألقابه صلّی اللّه علیه و سلم
207 ذکر شمائله و صفاته
210 مزاحه صلّی اللّه علیه و سلم
211 مصارعته علیه السلام
212 لطیفة
صحیفه 213 ذکر خصائصه علیه السلام
213 النوع الاوّل ما اختص به فی ذاته فی الدنیا
214 النوع الثانی ما اختص به فی شرعه و أمّته فی الدنیا
215 النوع الثالث فیما اختص به فی ذاته فی الآخرة
216 النوع الرابع ما اختص به فی أمّته فی الآخرة
216 القسم الثانی فی الخصائص التی اختص بها عن أمّته
216 النوع الثانی ما اختص به من المحرّمات
217 النوع الثالث ما اختص به من المباحات
218 النوع الرابع ما اختص به من الکرامات
220 ذکر معجزاته صلّی اللّه علیه و سلم
222 ذکر ارضاع الاظآر و عددها
225 شق صدره علیه السلام
226 رعیه علیه السلام للغنم
229 وفاة آمنة
230 احیاء أبویه صلّی اللّه علیه و سلم
239 کفالة عبد المطلب له علیه السلام
239 رمده علیه السلام
239 استسقاء عبد المطلب
239 تبشیر سیف الحمیری عبد المطلب
241 ذکر سلیمان و بلقیس
243 قصة الهدهد
245 قصة ملک الیمن أبی بلقیس و سبب وصوله الی الجنّ
246 بقیة قصة الهدهد
249 ذکر وفاة بلقیس
249 صفة کرسی سلیمان
250 سبب سلب ملک سلیمان
252 وفاة سلیمان
253 وفاة عبد المطلب
253 کفالة أبی طالب له صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:507
صحیفه 255 موت حاتم الطائی و موت کسری أنوشروان
255 ذکر حرب الفجار
255 سبب ثروة عبد اللّه بن جدعان
256 نفیسة و کتب غلطا 456
256 أول ما رأی علیه السلام من أمر النبوّة
257 الباب الثانی فی الحوادث من السنة الثانیة عشر الی السنة الرابعة و العشرین
257 خروجه علیه السلام مع أبی طالب الی الشام
259 ذکر رعیه صلّی اللّه علیه و سلم
259 ولادة عمر رضی اللّه عنه
259 حرب الفجار الآخر
260 ولایة کسری برویز
260 صحبة أبی بکر للنبی فی تجارة الی الشام
261 ذکر حلف الفضول
261 شکواه علیه السلام الی عمه أبی طالب مما یأتیه
261 الباب الثالث فی الحوادث من السنة الخامسة و العشرین الی السنة الاربعین من مولده علیه السلام
262 خروجه علیه السلام مع میسرة الی الشام
263 ذکر من خطب خدیجة
263 ذکر هند بن هند
263 نزوّجه علیه السلام خدیجة
265 ذکر ولیمته علیه السلام
265 ذکر تزوّجه علیه السلام أمّهات المؤمنین
270 ذکر من خطب علیه السلام من النساء و لم یعقد علیهنّ
271 ذکر سراریه علیه السلام
272 ذکر أولاده علیه السلام
273 ذکر زینب ابنته علیه السلام
274 ذکر وفاتها و أولادها
274 ذکر رقیة بنت رسول اللّه
صحیفه 275 ذکر تزویج عثمان رقیة
275 ذکر أمّ کلثوم بنت رسول اللّه
276 ذکر تزویج أمّ کلثوم و ذکر وفاتها
277 ذکر فاطمة ابنته صلّی اللّه علیه و سلم
277 ذکر وصیتها الی أسماء بنت عمیس
278 ذکر تاریخ وفاتها و سنها
278 ذکر من غسلها و موضع قبرها
278 ذکر ولد فاطمة
280 الرکن الثانی فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته
280 نزول الوحی و کیفیته
284 صفة نزول الوحی
285 رمی الشیاطین بالشهب
285 انفصام طاق کسری
286 ذکر أوّل من أسلم
287 ذکر ما وقع فی السنة الثانیة و الثالثة
288 هجرة الحبشة الاولی
289 فائدة فی أسماء ملوک الجهات
290 مکالمة جعفر مع النجاشی
291 قصة تولیة النجاشی
292 ذکر بعض ما لقی رسول اللّه من ایذاء المشرکین
293 ذکر اسلام حمزة
295 ذکر اسلام عمر رضی اللّه عنه
297 وقعة بعاث
297 تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب
298 نزول سورة الروم
298 انشقاق القمر
299 وفاة أبی طالب
300 وصیة أبی طالب
301 وفاة خدیجة الکبری
302 خروجه علیه السلام الی الطائف و الی ثقیف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:508
صحیفه 303 ذکر وفود الجنّ
305 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم سودة و عائشة
306 ابتداء اسلام الانصار و بیعة العقبة الاولی
306 ذکر قصة المعراج
316 ذکر بیعة العقبة الثانیة
317 ذکر مصعب بن عمیر
317 ذکر بیعة العقبة الکبری
319 هجرة أبی بکر الی الحبشة
320 ذکر هجرة الاصحاب الی المدینة
321 مشاورة قریش فی اخراجه أو حبسه أو قتله صلّی اللّه علیه و سلم
322 الموطن الاوّل فی وقائع السنة الاولی من الهجرة
322 خروجه صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر من مکة الی الغار
330 ذکر خروجهما من الغار و توجههما الی المدینة
333 معجزة
333 قصة أم معبد
334 قصة العوسجة
335 خبر بریدة بن الحصیب
336 ذکر استقبال أهل المدینة له صلّی اللّه علیه و سلم
337 ذکر تاریخ الهجرة
339 الفصل الثانی فی انتقاله من قباء الی باطن المدینة
339 أول خطبة فی الاسلام
343 ذکر بناء المسجد
348 موت کلثوم بن الهدم
348 اسلام عبد اللّه بن سلام
349 موت أسعد بن زرارة
350 ابتداء خدمة أنس
350 الزیادة فی صلاة الحضر
صحیفه 350 وعک أبی بکر و الصحابة
351 اسلام سلمان الفارسی
352 ذکر المواخاة بین المهاجرین و الانصار
353 ذکر موادعة الیهود
353 موت العاص بن وائل من مشرکی مکة
354 بعت زید بن حارثة الی مکة
354 ولادة النعمان بن بشیر و عبد اللّه بن الزبیر
355 شجاعة عبد اللّه بن الزبیر
355 قصة فاطمة بنت النعمان
355 تکلم الذئب
355 ابتداء الغزوات
356 بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر
357 سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ
357 بناؤه علیه السلام بعائشة
359 بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار
359 ابتداء الاذان
360 الموطن الثانی فی حوادث السنة الثانیة
360 صوم عاشوراء
361 تزوّج علی بفاطمة رضی اللّه عنها
362 ذکر خطبة النبیّ فی نکاح فاطمة
363 غزوة الابواء
363 غزوة بواط
363 غزوة العشیرة
364 تکنیة علیّ بأبی تراب
365 غزوة بدر الاولی
365 بعث عبد اللّه بن جحش الی بطن نخلة
367 تحویل القبلة
368 تجدید بناء مسجد قباء
368 نزول فرض رمضان
368 غزوة بدر الکبری
380 لطیفة انقلاب العصا سیفا
383 لطیفة فی استماع الطبل ببدر کطبل الملوک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:509
صحیفه 389 فائدة
395 ذکر اعتناء الصحابة بتعلم الخط و الکتابة
396 ذکر أسماء أهل بدر
402 عدّة أهل بدر
402 عدّة شهداء بدر
403 عدّة قتلی المشرکین یوم بدر
405 ذکر الاساری ببدر
406 وفاة رقیة بنته علیه السلام
406 سریة عمیر بن عدی لقتل العصماء الیهودیة
406 نبذة من جوامع کلمه علیه السلام
407 فرض زکاة الفطر
407 فرض زکاة الاموال
407 غزوة قرقرة الکدر
408 سریة سالم بن عمیر الی قتل أبی عفک
408 غزوة بنی قینقاع
410 غزوة السویق
411 موت عثمان بن مظعون
411 بناء علی بفاطمة رضی اللّه عنهما
412 غضب النبیّ حین خطب علی بنت أبی جهل
412 وفاة أمیة بن الصلت
412 الموطن الثالث فی وقائع السنة الثالثة من الهجرة
412 سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف
414 تزوّج عثمان بأم کلثوم
414 غزوة غطفان
415 هجوم دعثور علی الرسول و سقوط سیفه من بده
416 غزوة بحران
416 سریة زید بن حارثة الی قردة
416 تزوّجه علیه السلام بحفصة بنت عمر
417 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت خزیمة
417 ذکر میلاد الحسن رضی اللّه عنه
صحیفه 418 ذکر ختان الحسن و الحسین و تسمیتهما
418 ذکر ارضاع أم الفضل امرأة العباس للحسن
419 ذکر صفة الحسن رضی اللّه عنه
419 غزوة أحد
433 معجزة فی انقلاب العود سهما و العصا سیفا
438 تمثیل النسوة بقتلی أحد
442 دعاء عبد اللّه بن جحش و سعد بن أبی وقاص
443 کرامة فی عدم تغیر أجساد الشهداء
443 غریبة فی أمر معاویة بنبش قبور الشهداء بأحد
445 بیان الحکم الربانیة فی ابتلاء المسلمین
445 ذکر شهداء أحد
446 عدّة الشهداء بأحد
447 غزوة حمراء الاسد
449 سرقة طعمة
449 الموطن الرابع فی حوادث السنة الرابعة من الهجرة
450 سریة أبی سلمة الی قطن
450 سریة عبد اللّه بن أنیس الی قتل سفیان بن خالد
451 سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة
454 سریة عاصم بن ثابت الی الرجیع
454 ذکر عضل و القارة
455 کرامة عاصم فی حفظ جثته بعد استشهاده
456 دقیقة فی أنّ الکرامة ثابتة للاولیاء
457 دعاء زید بن حارثة و استجابته
458 بعث عمرو بن أمیة الی أبی سفیان بن حرب
460 غزوة بنی النضیر
463 وفاة زینب بنت خزیمة
463 غزوة ذات الرقاع
464 وفاة عبد اللّه بن عثمان
464 ولادة الحسین بن علی رضی اللّه عنهما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:510
صحیفه 464 تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود
465 غزوة بدر الصغری الموعد
466 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بأم سلمة
467 ذکر أولاد أم سلمة
467 رجم الیهودیین
467 وفاة فاطمة أم علی بن أبی طالب
468 الموطن الخامس فی وقائع السنة الخامسة من الهجرة
468 فک سلمان عن الرق
469 غزوة دومة الجندل
469 نفیسة
469 وفاة أم سعد
469 خسوف القمر
470 وفد بلال بن الحارث
470 وفد ضمام بن ثعلبة
470 غزوة المریسیع
473 نزول آیة التیمم
474 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بجویریة
صحیفه 475 قصة الإفک
476 کلام عمر و عثمان و علی فی حق الإفک
478 اعطاء الرسول بئر بیرحا لحسان بن ثابت
479 غزوة الخندق
486 مبارزة علیّ لعمرو بن عبد ودّ
489 لطیفة
492 غزوة بنی قریظة
495 ارتباط أبی لبابة الی عمود من عمد المسجد
499 وفاة سعد بن معاذ رضی اللّه عنه
500 قصة احیاء أولاد جابر
500 تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت جحش
502 وقوع الزلزلة بالمدینة
502 سقوطه صلّی اللّه علیه و سلم عن فرسه
502 مسابقة الخیل
503 نزول فرض الحج
503 النهی عن ادخار لحوم الاضاحی
تم فهرست الجزء الاوّل من تاریخ الخمیس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:1

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.